الأمراض المعدية

دراسة تحليلیة في ضوء رأي العالم الربّاني المرحوم الحاج محمدکريم الکرماني (أعلی الله مقامه)

 

اقترح البعض – مع تفشّي المرض المعروف باسم “كورونا” – أنّه لا يوجد في الأساس مرض معدٍ، وأنّ الأمراض ليست معدية ويستشهدون لاقتراحهم بذکر رواية.

نحن في هذا المقال نهدف إلی دراسة هذه الروایة، والإجابة إلی هذا السؤال: هل يوجد مرض معدٍ؟ لو کانت الإجابة «نعم» فمن الضروري -بطبيعة الحال- الاهتمامُ بالصحّة الفردية والجماعية وتقوية جهاز المناعة. وندرس أيضًا الإجابة إلی هذا السؤال: هل الاهتمام بالصحّة الفردية والجماعية والإجراءات الوقائية يتعارض مع المباحث الاعتقادية وقیومیة الله تعالی وفاعلیته؟

روی الشيخ الکليني في الکافي، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، قال: أخبرنا النضر بن قرواش الجمال، قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجمال يكون بها الجرب‏: أعزلها من‏ إبلي مخافة أن يعديها جربها، والدابة ربما صفرت‏ لها حتى تشرب‏ الماء؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: «إن أعرابياً أتى رسول الله‏ صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله، إني أصيب الشاة والبقرة والناقة بالثمن اليسير وبها جرب‏، فأكره شراءها مخافة أن يعدي ذلك الجرب‏ إبلي وغنمي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أعرابي، فمن أعدى الأوّل، ثم قال‏ رسول الله صلى الله عليه وآله: لا عدوى‏، ولا طيرة، ولا هامة، ولا شؤم‏، ولا صفر، ولا رضاع بعد فصال، ولا تعرب بعد هجرة، ولا صمت ‏يوماً إلى الليل، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يتم بعد إدراك‏».

قد صرّح النبي صلی الله علیه وآله في هذه الروایة وقال: «لا عدوی»، وقد ورد مثل هذا التعبیر في روایات العامّة، وقد تکرر في صحیح البخاري.

لکن من ناحیة أخری، هناك روایات تستفاد منها:‌ «العدوی وتفشّي الأمراض»

فعلی سبیل المثال، قال الإمام علیه السلام: «فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد».

وعن أبي عبدالله علیه السلام، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول الله صلی الله عليه وآله: إنّ الله تبارك وتعالی کره أن یکلّم الرجل مجذوماً إلا أن یکون بینه وبینه قد ذراع».

وبجانب المجموعة الثانية من الروايات، هناك تجارب بشرية في مجال الطب وإثبات العدوی لبعض الأمراض.

إنّ العلماء الماضين قد ناقشوا صحّة رواية “لا عدوی” ودلالتها، وقد ذکروا جمعاً فقهیاً و شرعیاً لهاتين المجموعتين من الروايات في مصادر الشيعة والعامّة.

ونحن نشير هنا إلى وجهة نظر العالم الرباني الحاج محمدكريم الكرماني رفع الله شأنه:

فننظر إلی رؤية هذا العالم الکبير من زاويتين: الأولی طبية والثانية دينية.

إنّه من الناحية الطبية، یَعتبِر احتمالَ عدوی بعض الأمراض بسبب تفشّي الفيروس والعفونة؛ لذا قال أعلی الله مقامه: «اعلم أنه لا شك في أنّ بعض الأمراض یعدی لانتشار عفونته»

ولكن هل مجرّد انتشار العفونة يسبّب عدوی المرض؟

إنّه -أعلی الله مقامه- يضيف اشتراط استعداد القابل لقبول المرض والتأثير عليه بقوله: «لکن یشترط في التعدي قبول القابل واستعداده، فإن کان القابل مستعداً ینفعل بالمجاورة وإلا فلا».

هذا، ويُفسَّر كلامُ النبيّ صلى الله عليه وآله حيث قال: «لا عدوی»، بأنّه: « لایعدی المرض حتماً». ولیس المرض بالضرورة ودون استثناء معدياً، بل يكون عدوی إذا كانت أسباب انتشار ونقل المرض موجودة، وإلّا فلا يُعَدّ معدیاً، وبعبارة أخری فإنّ رسول الله لم ینفِ مطلق العدوی، بل قال: لیس معدیاً حتماً.

لهذا، وذکر المرحوم الکرماني –أعلی الله مقامه- إحدی أدوات الوقاية من الأمراض تقويةَ جهاز المناعة؛ لأنّه مع تقویة قوّة الجسم والحفاظ على صحّة الفرد، يعدم «القابل» لقبول المرض ولا تؤثر عليه العفونة.

يذكر المرحوم الکرمانی في كتاب دقایق العلاج :

«و قد یحتاج الانسان الی تقویة البدن لئلاینفعل عن السبب اذا کان السبب مما لایمکن رفعه کالاهویة الوبیة و غیرها مما یشاکلها.»

و قد لوحظ ایضاً علامات فی کتاباته –نفعنا الله بعلومه- حول “عدوی ” المرض . إنه یروی حکایة خلال دراسة مرض السعال الأسود و قال :‌ كان هذا المرض اصبح منتشراً في بلدنا حيث مات الكثير من الأطفال و تشنج بعضهم . ثم یصف دواء التی رکبها لأطفالهم و أطعمها ایّاهم . و قد کان هذه الدواء یسبب أن اطفالهم یتعافون في غضون أسبوع . و ربما یمکن أن یبقی المرض فی جسم المریض لمدة ستة أشهر .

توصیفه اعلی الله مقامه حول عدوی المرض کذلک :

«و تعدی السعال الی اطفالی فمنعتهم من الرطوبات و الحموضات و الدسومات و الماء البارد و سقيتهم جميعا زهر الكبريت المركب فرأيت منه اثرا وحيا في جميعهم صغيرهم و كبيرهم و برؤا فی نحو اسبوع و ربما طال فی سائر الناس الی ستة اشهر و كان يخف و يشتد فيهم فبرء اطفالی و الحمد لله عن آخرهم و سقيت الصغار مقدار حمصة منه مساء و حمصة صباحا و الكبار ثلثا مساء و اثنتين صباحا و الرضيع نصف حمصة ثم سقيت غيرهم فكان ناجحا و الحمد لله و ذلك من فضل الله علی.»

المرحوم الکرمانی اعی الله مقامه فی خلال تعلیماته الطبیة حول الوباء یستخدم مصطلح «السرایة» و یقول:

«…يلطخ به الايدی و الوجه و الانف فی ايام الوباء و الطاعون يأمن السراية ان شاء الله.»

و کذلک فی  قضایاء المتعلقة بالأمراض التی ذات الأصل الحیوانی ، یقول اعلی الله مقامه حول عدوی الأمراض الأبقار :

«فائدة اعلم ان بعض البقرات تجدر فی فصل الربيع و علامته ان يقل غذاؤها و يحدث بها الحمی و يقل لبنها و يظهر فی ضرعها بعد ثلثة ايام او اربعة ايام وسمات صغيرة و تتورم كالزجاجة الشفافة و يكون رؤس تلك الاورام منكوسة عميقة و لونها فرفيرية و لها اصول صلبة مستديرة و اطرافها احمر و ما ليس رؤسها منكوسة فليحذرها فانها ردية و ان ظهر فی واحدة تعدی الی جميع القطيع و ينبغی ان يكون البقرة التی يريد اقتناء الجدری عنها شابة… .»

و لقد استخدم فی هذه الفقره عبارة «ان ظهر فی واحدة تعدی الی جميع القطيع» التی تدل علی عدوی المرض المذکور.

المرحوم الکرمانی ینقل من أحد اطبائه المعاصرین حول موضوع عدوی المرض و الوباء ینبغی للمرء ألا یسمح لأی شخص قادم من موقع الوباء بالدخول علیه و ایضاً لایصغی الی الأخبار المرعبة المتعلقة للأمراض المعدیة.

الخوف يسبب أن يضعف الجهاز المناعی و القرارات الخاطئة فی اوقات الأزمات خطیر جداً . و یحفظ علی الهدوء:

«و لايدع ان يدخل عليه من جاء من موضع الوبا و لايصغی الی الاخبار الموحشة.»

ما ذُكر كان الجانب الطبي من وجهة نظر المرحوم الكرماني.وهناك جانب آخر من أقوال المرحوم الکرمانی وهو الجانب الديني لهذه المسألة.

و هو فی توضیح قول النبی صلی الله علیه و آله الذی قال : ««لا عَدوی» ینص علی ان غیر بیان الطبی لهذه المسألة التی لیس معدیا حتما ً، یلزم ایضاً تعبیر عن المعتقد . قوله صلی الله علیه و آله یشیر أن المرض لیس فاعلاً مستقلاً یجب أن یکون مؤثراً حتماً و بل الفاعل هو الله و لإرادة الله مدخلیة تامة فی هذا التأثیر:  «معنی قول رسول الله صلی الله علیه و آله لا عدوی یعنی لایعدی المرض حتماً و لیس هو بفاعل مستقل لازم‌التأثیر بل الفاعل هو الله سبحانه فان قضی الاثر یعد القابل و یکمل الفاعل فیقع الاثر و ان لم‌یشأ یمنع القابل و یضعف الفاعل فلایقع فلایجوز اعتقاد ان المرض یعدی حتماً.»

و فی موضع آخر ، ذکر هذا المطلب مع شرح آخر . وأشار إلى فئتين من الروايات التي نقلناها سابقاً ويقول أن جمع هاتين الفئتين من المشاكل . و معنی هذه الروایات هو ان العدوی و هامة و طیرة‌ و ماشابه ذلک فی هذه الروایات ، أنها لیست عاملة مستقلة و المؤثر فی المک هو الله تعالی . فأن یعقتد المرء أن الطعام علی سبیل المثال أضر به مستقلاً أو انفع به مستقلاً فهو مشرک . ولکن إذا کان یعقتد أن الله هو الضار و النافع و یضر و ینفع بما یشاء ، فهو مؤمن بحقیقة الایمان .

و ما أشرنا مأخوذ من البیان التالی و ننقل تمام عباراته :

«اعلم انه قد اشکل الجمع بین هذه الاخبار علی الناس و معناها ان ما کان یعتقده اهل الجاهلیة من العدوی و الطیرة و امثالها من انها مؤثرات باطل منفی و لایجوز ان‌یعتقد المسلم ان ذاالعاهة یؤثر فی المصح او الطایر مثلاً یؤثر فی الشیء و یجب ان‌یعتقد ان المؤثر فی الکائنات هو الله عز و جل یفعل ما یشاء بما یشاء کیف یشاء.

فمن اعتقد ان الطعام مثلاً هو ضره او نفعه فهو مشرک و من اعتقد ان الله هو الضار الناف یضر بما یشاء و ینفع بما یشاء من یشاء فقد اصاب حقیقة‌الایمان.»

نشیر توضیحاً أن قول رسول الله صلی الله علیه و آله للشخص الأعرابی الذی قال: «من من وأين انتشر هذا المرض إلى الأول » ذلک لأن ذلک الشخص وفقاً لأفکار الجاهلیة کان یعتقد ان هذا المرض کان مستقلاً فی التأثیر . و أعلن رسول الله صلی الله علیه و آله بهذا التعبیر، عدم استقلاله و فاعلیة الله المتعال .

ملخص الکلام :‌

لا شك أن بعض الأمراض بسبب انتشار عفونتها معدیة ، لكنها لن تنتقل إذا کان الأشخاص قد قاموا بالنظافة الشخصيةو برامج الوقاییة ضد ناقلها .

إن قول الرسول صلى الله عليه وآله الذی قال أنه “لا عدوي” تعني أولاً أن هذا المرض ليس عدوی حتماً و قطعاً وثانيًا هو نفي استقلال المرض في التأثير والتعبير عن فاعلیة الله تعالى في جميع الکائنات بالأسباب .

لذلك ، يجب على أهل الإيمان ، وفقاً للعقل و الفطرة ووفقًا للتعليمات الطبية ، الانتباه إلى الصحة الشخصية والجماعية و رفع مجالات انتقال المرض وفي الوقت ذاته لا يعتبرون هذا المرض مستقلاً فی الثأثیر ويعتبرون الله تعالى فاعلاً في الكون فقط.

 

حفِظَ الله المؤمنین و المؤمنات مِنَ العاهات و الآفات و الامراض و الأسقام.

28 جُمادَی‌الثانیه 1441