طريق النجاة المجلد الثانی – الجزء الاول
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 11 *»
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.
و بعــد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذا هو المجلد الثاني من كتاب «طريقالنجاة» في علم الطريقة و قد تم المجلد الاول في اواسط الكلام في الذكر اللساني و قد شرح فيه الذكر اللساني بمعني التمجيد و التسبيح و التقديس و التهليل و التكبير و امثالها و نبدؤ في هذا المجلد بذكر قراءة القرآن و فضله و ما يتعلق به الي ما يشاء اللّه و لا حول و لا قوة الا باللّه.
المطلب الثانى
من المقصد الثالث فى الذكر اللسانى
من الباب الاول من ابواب الكتاب فى الذكر المطلق
فى قراءة القرآن و ما يتعلق به و في هذا المطلب فصول
فصل: في الاشارة الي شأن القرآن و فضله و قد فصلنا ذلك في ساير كتبنا و انما نذكر هنا قليلاً من كثير لئلايخلو كتابنا هذا من الاشارة اليه و ليكون السالك علي بصيرة من امره. اعلم ان البيان صفة ما في النفس و شبحه المنفصل و نوره قد اشرق علي آلات النطق فحركها علي حسبه حتي حصل بينها في الهواء صوت علي حسب تلك الحركة التي هي علي حسب صفة ما في النفس فلاجل ذلك تدل تلك الاصوات علي ما في النفس و تظهره للسامع و تلك الاصوات هي الكلام المسموع و لاجل ذلك يدل كل كلام علي عقل المتكلم و يكون علي حسب علمه و صفة نفسه فيدل علي حبه و بغضه و رضاه و سخطه و علمه و جهله و غير ذلك من صفات نفسه المتعلقة بذلك الكلام فهو في الحقيقة مجلي النفس تتجلي فيه للسامعين
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 12 *»
و تظهر به للمدركين و الظاهر فيه هو نفس مسموعة و علم مکتسب مشروح في صورة الحروف و الكلمات فانه شيء مركب علي صفة النفس و صورتها و المادة لا تمايز لها و لا خصوصية و خصوصية الاشياء او (و خل) تميزها عن غيرها بصورها و تسمي الاشياء باسمائها لصورها ألاتري انك تسمي ما في المرآة من شبح عينك بالعين و من شبح انفك بالانف و شبح وجهك بالوجه غاية الامر انه وجه شبحي و وجه جسدك الخارجي وجه اصلي و الصورتان متطابقتان و المادة لوجهك و له لا عبرة بها في التسمية فالذي في المرآة وجهك الظاهر و ظاهر وجهك البتة و كذلك لما كان الكلام مجلي صفات النفس قد ظهرت فيه فما يدرك فيه ظاهر النفس و النفس الظاهرة و لما كان القرآن كلام اللّه جل جلاله انزله بعلمه فهو مجلي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و مظهر علمه سبحانه فكما ان نفسه سبحانه عالمة بجميع ما كان و ما يكون يكون في القرآن شرح ما كان و ما يكون و لذلك قال اللّه تعالي فيه (ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه علي علم) و قال (تبياناً لكل شيء) و قال (لقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) و قال (مافرّطنا في الكتاب من شيء) فعرفنا ان صفة كل شيء و بيانه في القرآن و بذلك عجزت الخلايق عن الاتيان بمثله فان كلام كل ناطق علي حسب علمه و لايوازي علم احد علم اللّه سبحانه فلايوازي كلام احد كلامه و فضل كلام اللّه علي كلام خلقه كفضل اللّه علي خلقه و قد تجلي اللّه سبحانه في كلامه لعباده كما اشرنا اليه فالظاهر فيه هو الرب الظاهر او ظاهر الرب جل جلاله كما قال (هذا بلاغ للناس و لينذروا به و ليعلموا انما هو اله واحد و ليذّكّر اولوا الالباب) فانه لايدل الا عليه و لايدعو الا اليه المتمسك به متمسك باللّه و المتخلي عنه متخل عن اللّه و الراد عليه راد علي اللّه و القابل منه قابل من اللّه و المستهدي به مستهد باللّه و المقبل اليه مقبل الي اللّه و المدبر عنه مدبر عن اللّه و قد ورد عن آلمحمد: في فضله اخبار كثيرة نذكر بعضها ان شاء اللّه ففي البحار عن الرضا7 عن آبائه: قال قـال رسول اللّه9 كأني قد دعيت فاجبت و اني تارك فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 13 *»
كتاب اللّه تبارك و تعالي حبل ممدود من السماء الي الارض و عترتي اهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما و عنه9 من اعطاه اللّه القرآن فرأي ان احداً اعطي شيئاً افضل مما اعطي فقد صغّر عظيماً و عظّم صغيراً و من خطبة فاطمة3 في امر فدك للّه فيكم عهد قدّمه اليكم و بقية استخلفها عليكم كتاب اللّه بينة بصائره و آي منكشفة سرايرها و برهان متجلية ظواهره مديم للبرية استماعه و قايداً الي الرضوان اتباعه و مؤدياً الي النجاة اشياعه فيه تبيان حجج اللّه المنيرة و محارمه المحرمة و فضائله المدونة و جمله الكافية و رخصه الموهوبة و شرايعه المكتوبة و بيناته الجالية و عن الرضا7 هو حبل اللّه المتين و عروته الوثقي و طريقته المثلي المؤدي الي الجنة و المنجي من النار و لايخلق من الازمنة و لايغثّ علي الالسنة لانه لميجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان و حجة علي كل انسان لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و عن النبي9 في كلام له اذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع و ماحل مصدق من جعله امامه قاده الي الجنة و من جعله خلفه ساقه الي النار و هو الدليل يدل علي خير سبيل و هو كتاب تفصيل و بيان و تحصيل و هو الفصل ليس بالهزل و له ظهر و بطن فظاهره حكمة و باطنه علم ظاهره انيق و باطنه عميق له نجوم و علي نجومه نجوم لاتحصي عجايبه و لاتبلي غرايبه فيه مصابيح الهدي و منار الحكمة و دليل علي المعروف لمن عرفه و في حديث سلمان بعد ثواب كثير قال9 ليس شيء بعد تعلم العلم احب الي اللّه من قراءة القرآن و ان اكرم العباد الي اللّه تعالي بعد الانبياء العلماء ثم حملة القرآن الخبر، و عنه9 فضل القرآن علي ساير الكلام كفضل اللّه علي خلقه و عنه9 القرآن غني لا غني دونه و لا فقر بعده و عنه7 القرآن افضل كل شيء دون اللّه فمن وقّر القرآن فقد وقّر اللّه و من لميوقّر القرآن فقد استخفّ بحرمة اللّه حرمة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 14 *»
القرآن علي اللّه كحرمة الوالد علي ولده و عنه9 قراءة القرآن في الصلوة افضل من قراءة القرآن في غير الصلوة و قراءة القرآن في غير الصلوة افضل من ذكر اللّه تعالي و ذكر اللّه تعالي افضل من الصدقة و الصدقة افضل من الصيام و الصيام جنة من النار انتهي، اقول فاحسن الاذكار ما استخرج من القرآن فيكون الذاكر تالياً للقرآن ايضاً و ينويهما معاً فسئل رسول اللّه9 اي الاعمال افضل عند اللّه قال قراءة القرآن و انت تموت و لسانك رطب من ذكر اللّه و عن علي7 في خطبة له ثم انزل عليه الكتاب نوراً لاتطفأ مصابيحه و سراجاً لايخبو توقّده و بحراً لايدرك قعره و منهاجاً لايضل نهجه و شعاعاً لايظلم ضوؤه و فرقاناً لايخمد برهانه و تبياناً لاتهدم اركانه و شفاء لاتخشي اسقامه و عزاً لاتهزم انصاره و حقاً لاتخذل اعوانه فهو معدن الايمان و بحبوحته و ينابيع العلم و بحوره و رياض العدل و غدرانه و اثافي الاسلام و بنيانه و اودية الحق و غيطانه و بحر لاينزفه المستنزفون و عيون لاينضبها الماتحون و مناهل لايغيضها الواردون و منازل لايضل نهجها المسافرون و اعلام لايعمي عنه السائرون و آكام لايجوز عنها القاصدون جعله اللّه ريّاً لعطش العلماء و ربيعاً لقلوب الفقهاء و محاجّ لطرق الصلحاء و دواءً ليس بعده داء و نوراً ليس معه ظلمة و حبلاً وثيقاً عروته و معقلاً منيعاً ذروته و عزاً لمن تولاه و سلماً لمن دخله و هدي لمن ائتم به و عذراً لمن انتحله و برهاناً لمن تكلم به و شاهداً لمن خاصم به و فلجاً لمن حاجّ به و حاملاً لمن حمله و مطيّة لمن اعمله و آية لمن توسّم و جنة لمن استلأم و علماً لمن وعي و حديثاً لمن روي و حكماً لمن قضي وعن ابيعبداللّه7 ان القرآن تبيان كل شيء حتي واللّه ماترك اللّه شيئاً يحتاج العباد اليه حتي لايستطيع عبد يقول لو كان هذا نزل في القرآن الا و قد انزل اللّه فيه و عن ابيجعفر7 ان اللّه لميدع شيئاً تحتاج اليه الامة الي يوم القيمة الا انزله في كتابه و بيّنه لرسوله و جعل لكل شيء حداً و جعل عليه دليلاً
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 15 *»
يدل عليه انتهي.
فصل: في فضل القراءة و ما يتعلق بختمه و احاديث فضل قراءة القرآن كثيرة نكتفي منها بواحد عن النبي9 يا سلمان عليك بقراءة القرآن فان قراءته كفارة للذنوب و ستر في النار و امان من العذاب و يكتب لمن يقرأ بكل آية ثواب مائة شهيد و يعطي بكل سورة ثواب مائة نبي و ينزل علي صاحبه الرحمة و يستغفر له الملائكة و اشتاقت اليه الجنة و رضي عنه المولي و ان المؤمن اذا قرأ القرآن نظر اللّه اليه بالرحمة و اعطاه بكل آية الف حور و اعطاه بكل حرف نوراً علي الصراط فاذا ختم القرآن اعطاه اللّه ثواب ثلثمائة و ثلثةعشر نبياً بلّغوا رسالات ربهم و كأنما قرأ كل كتاب انزل اللّه علي انبيائه و حرّم اللّه جسده علي النار و لايقوم من مقامه حتي يغفر اللّه له و لابويه و اعطاه اللّه بكل سورة في القرآن مدينة في جنة الفردوس كل مدينة من درة خضراء في جوف كل مدينة مائةالف دار في كل دار مائةالف حجرة في كل حجرة مائةالف بيت من نور علي كل بيت مائةالف باب من الرحمة علي كل باب مائةالف بواب بيد كل بواب هدية من لون و علي رأس كل بواب منديل من استبرق خير من الدنيا و ما فيها و في كل بيت مائةالف دكان من العنبر سعة كل دكان ما بين المشرق و المغرب و فوق كل دكان مائةالف سرير و علي كل سرير مائةالف فراش من الفراش الي الفراش الف ذراع و فوق كل فراش حوراء عيناء استدارة عجيزتها الف ذراع و عليها مائةالف حلة يري مخ ساقيها من وراء تلك الحلل و علي رأسها تاج من العنبر مكلل بالدر و الياقوت و علي رأسها ستونالف ذوابة من المسك و الغالية و في اذنيها قرطان و شنفان و في عنقها الف قلادة من الجوهر بين كل قلادة الف ذراع و بين يدي كل حوراء الف خادم بيد كل خادم كأس من ذهب في كل كأس مائة لون من الشراب لايشبه بعضه بعضاً و في كل بيت الف مائدة و مائة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 16 *»
الف قصعة في كل قصعة مائةالف لون من الطعام لايشبه بعضه بعضاً يجد ولي اللّه من كل لون مائة لذة يا سلمان المؤمن اذا قرأ القرآن فتح اللّه عليه ابواب الرحمة و خلق اللّه بكل حرف يخرج من فمه ملكاً يسبح له الي يوم القيمة و انه ليس شيء بعد تعلم العلم احب الي اللّه من قراءة القرآن و ان اكرم العباد الي اللّه تعالي بعد الانبياء العلماء ثم حملة القرآن يخرجون من الدنيا كما يخرج الانبياء و يحشرون من قبورهم مع الانبياء و يمرّون علي الصراط مع الانبياء و يأخذون ثواب الانبياء فطوبي لطالب العلم و حامل القرآن مما لهم عند اللّه من الكرامة و الشرف و عن ابيعبداللّه7 قال القرآن عهد اللّه الي خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم ان ينظر في عهده و ان يقرأ منه كل يوم خمسين آية وعن الرضا7 ينبغي للرجل اذا اصبح ان يقرأ بعد التعقيب خمسين آية و قيل لابيعبداللّه7 اقرأ القرآن في ليلة فقال لايعجبني ان تقرأه في اقل من شهر و قيل له7 في كم اقرأ القرآن فقال اقرأه اخماساً اقرأه اسباعاً اما ان عندي مصحفاً مجزأ اربعةعشر جزءاً و قيل له7 اقرأ القرآن في ليلة فقال لا قيل ففي ليلتين فقال لا حتي بلغ ست ليال فاشار بيده فقال ها ثم قال يا بامحمد ان من كان قبلكم من اصحاب محمد كان يقرأ القرآن في شهر و اقل ان القرآن لايقرء هذرمةً و لكن يرتّل ترتيلاً اذا مررت بآية فيها ذكر النار وقفت عندها و تعوّذ باللّه من النار قيل اقرأ القرآن في رمضان في ليلة فقال لا قيل ففي ليلتين فقال لا فقيل ففي ثلث فقال ها و اومئ بيده نعم شهر رمضان لايشبهه شيء من الشهور له حق و حرمة اكثر من الصلوة ما استطعت و عن ابرهيم بن العباس قال كان الرضا7 يختم القرآن في كل ثلث و يقول لو اردت ان اختمه في اقل من ثلث لختمته و لكن مامررت بآية قط الا فكرت فيها و في اي شيء انزلت و في اي وقت فلذلك صرت اختم في ثلثة ايام وعن الزهري قال قلت لعلي بن الحسين8 اي الاعمال افضل قال الحالّ المرتحل قلت و ما الحالّ المرتحل قال فتح القرآن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 17 *»
و ختمه كل ما حلّ في اوله ارتحل في آخره و عن السكوني عن ابيعبداللّه7 قال قيل يا رسول اللّه اي الرجال خير قال الحالّ المرتحل قيل يا رسول اللّه و ما الحالّ المرتحل قال الفاتح الخاتم الذي يفتح القرآن و يختمه فله عند اللّه دعوة مستجابة و عن ابيعبداللّه7 انه كان من دعائه اذا اخذ مصحف القرآن الجامع قبل ان يقرأ القرآن و قبل ان ينشره يقول حين يأخذه بيمينه بسم اللّه اللّهم اني اشهدك ان هذا كتابك المنزل من عندك علي رسولك محمد بن عبداللّه9 و كلامك الناطق علي لسان رسولك و فيه حكمك و شرايع دينك انزلته علي نبيك و جعلته عهداً منك الي خلقك و حبلاً متصلاً فيما بينك و بين عبادك اللّهم اني نشرت عهدك و كتابك اللّهم فاجعل نظري فيه عبادة و قراءتي فيه فكراً و فكري فيه اعتباراً و اجعلني ممن اتّعظ ببيان مواعظك فيه و اجتنب معاصيك و لاتطبع عند قراءتي كتابك علي قلبي و لا علي سمعي و لاتجعل علي بصري غشاوة و لاتجعل قراءتي قراءة لا تدبّر فيها بل اجعلني اتدبّر آياته و احكامه آخذاً بشرايع دينك و لاتجعل نظري فيه غفلة و لا قراءتي هذرمة انك انت الرءوف الرحيم فيقول عند الفراغ من قراءة بعض القرآن العظيم اللّهم اني قرأت ما قضيت لي من كتابك الذي انزلته علي نبيك محمد صلواتك عليه و رحمتك فلك الحمد ربنا و لك الشكر و المنة علي ما قدّرت و وفّقت اللّهم اجعلني ممن يحلّ حلالك و يحرّم حرامك و يجتنب معاصيك و يؤمن بمحكمه و بمتشابهه و ناسخه و منسوخه و اجعله لي شفاء و رحمة و حرزاً و ذخراً اللّهم اجعله لي انساً في قبري و انساً في حشري و انساً في نشري و اجعله لي بركة بكل آية قرأتها و ارفع لي بكل حرف درسته درجة في اعلي عليين آمين يا رب العالمين اللّهم صل علي محمد نبيك و صفيك و نجيك و دليلك و الداعي الي سبيلك و علي اميرالمؤمنين وليك و خليفتك من بعد رسولك و علي اوصيائهما المستحفظين دينك المستودعين حقك صلواتك (صلوات اللّه ظ) عليه و عليهم اجمعين و رحمة اللّه و بركاتك و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 18 *»
عن اميرالمؤمنين7 قال حبيبي رسول اللّه9 امرني ان ادعو بهن عند ختم القرآن اللّهم اني اسئلك اخبات المخبتين و اخلاص الموقنين و مرافقة الابرار و استحقاق حقايق الايمان و الغنيمة من كل برّ و السلامة من كل اثم و وجوب رحمتك و عزائم مغفرتك و الفوز بالجنة و النجاة من النار.
فصل: في بعض ما يتعلق بالقراءة ففي البحار عن القمي في قوله تعالي (و رتّل القرآن ترتيلاً) قال بيّنه تبياناً و لاتنثره نثر الرمل و لاتهذّه هذّ الشعر و لكن اقرع به القلوب القاسية و من احتجاج موسي بن جعفر علي الرشيد انه7 لما اراد ان يستشهد بآية قال اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم قرأ الآية و عن رجاء بن الضحاك قال كان الرضا7 في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فاذا مرّ بآية فيها ذكر جنة او نار بكي و سأل اللّه الجنة و تعوّذ به من النار و عن الثمالي عن ابيجعفر7 قال قـال اميرالمؤمنين7 ألااخبركم بالفقيه حقاً قالوا بلي يا اميرالمؤمنين قال من لميقنّط الناس من رحمة اللّه و لميؤمنهم من عذاب اللّه و لميرخص لهم في معاصي اللّه و لميترك القرآن رغبة عنه الي غيره الا لا خير في علم ليس فيه تفهم الا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر الا لاخير في عبادة ليس فيها تفقه و عن عمرو بن جميع عن الصادق عن آبائه: قال قـال رسول اللّه9 تعلّموا القرآن بعربيته و اياكم و النبر فيه يعني الهمز و قال الصادق7 الهمز زيادة في القرآن الا الهمز الاصلي مثل قوله عز و جل (الّايسجدوا للّه الذي يخرج الخبء في السموات و الارض) و مثل قوله عز و جل (لكم فيها دفء) و مثل قوله عز و جل (و اذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها) و عن جابر عن ابيجعفر7 قال قلت له ان قوماً اذا ذكّروا بشيء من القرآن او حدّثوا به صعق احدهم يري انه لو قطعت يداه و رجلاه لميشعر بذلك فقال سبحان اللّه ذلك من الشيطان ما بهذا امروا انما هو
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 19 *»
اللين و الرقة و الدمعة و الوجل و عن السكوني عن الصادق عن آبائه: قال قـال علي7 سبعة لايقرأون القرآن الراكع و الساجد و في الكنيف و في الحمام و الجنب و النفساء و الحايض و عن جابر عن ابيجعفر7 قال لكل شيء ربيع و ربيع القرآن شهر رمضان و عن ابيعثمن العبدي عن جعفر بن محمد بن علي عن ابيه عن علي7 قال قـال رسول اللّه9 قراءة القرآن في الصلوة افضل من قراءة القرآن في غير الصلوة و ذكر اللّه كثيراً من افضل الصدقة و الصدقة افضل من الصوم و الصوم جنة من النار و في رواية و قراءة القرآن في غير الصلوة افضل من ذكر اللّه تعالي و ذكر اللّه تعالي افضل من الصدقة ثم ساق الخبر نحو ما مرّ و عن النبي9 نظّفوا طريق القرآن قيل يا رسول اللّه و ما طريق القرآن قال افواهكم قيل بما ذا قال بالسواك و عن ابيعبداللّه7 في قول اللّه (يتلونه حق تلاوته) فقال الوقوف عند ذكر الجنة و النار يسئل في الاولي و يستعيذ من الاخري و عن النبي9 اني لاعجب كيف لااشيب اذا قرأت القرآن و عن سماعة عن ابيعبداللّه7 في قول اللّه (و اذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم) قلت كيف اقول قال تقول استعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم وقال ان الرجيم اخبث الشياطين و عن موسي بن جعفر8 عن آبائه: قال سئل رسول اللّه9 عن قوله تعالي (و رتّل القرآن ترتيلاً) قال بيّنه تبياناً و لاتنثره نثر الرمل و لاتهذّه هذّ الشعر قفوا عند عجايبه و حرّكوا به القلوب و لايكون همّ احدكم آخر السورة و روي انه نهي علي7 عن قراءة القرآن عرياناً و عن ابيعبداللّه7 قال اذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فاسئل اللّه الجنة و اذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوّذ باللّه من النار و عن الزهري قال سمعت علي بن الحسين8 يقول آيات القرآن خزائن العلم فكلما فتحت خزانة فينبغي لك ان تنظر فيها و عن الصادق7 اغلقوا ابواب المعصية بالاستعاذة و افتحوا ابواب الطاعة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 20 *»
بالتسمية و عن اميرالمؤمنين7 اذا قرأتم من المسبحات الاخيرة فقولوا سبحان اللّه الاعلي و اذا قرأتم (ان اللّه و ملائكته يصلّون علي النبي) فصلّوا عليه في الصلوة كنتم او في غيرها و اذا قرأتم (و التين) فقولوا في آخرها و نحن علي ذلك من الشاهدين و اذا قرأتم (قولوا آمنا باللّه) فقولوا آمنا باللّه حتي تبلغوا الي قوله مسلمين و كان الرضا7 يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع صلوته بالليل و النهار و كان اذا قرأ (قل هو اللّه احد) قال سراً اللّه احد فاذا فرغ منها قال كذلك اللّه ربنا ثلثاً و كان اذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سراً يا ايها الكافرون فاذا فرغ منها قال ربي اللّه و ديني الاسلام ثلثاً و كان اذا قرأ (و التين و الزيتون) قال عند الفراغ منها بلي و انا علي ذلك من الشاهدين و كان اذا قرأ (لااقسم بيوم القيمة) قال عند الفراغ منها سبحانك اللّهم و بلي و كان يقرؤ في سورة الجمعة (قل ما عند اللّه خير من اللهو و من التجارة) للذين اتقوا (و اللّه خير الرازقين) و كان اذا فرغ من الفاتحة قال الحمد للّه رب العالمين و اذا قرأ (سبح اسم ربك الاعلي) قال سراً سبحان ربي الاعلي و اذا قرأ (يا ايها الذين آمنوا) قال لبيك اللّهم لبيك سراً و روي ان ابابكر قال يا رسول اللّه اسرع اليك الشيب قال شيّبتني هود و الواقعة و المرسلات و عم يتساءلون و عن اميرالمؤمنين7 في صفة المتقين اما الليل فصافّون اقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلاً يحزنون به انفسهم و يستثيرون به تهييج احزانهم بكاء علي ذنوبهم و وجع كلوم جراحهم و اذا مرّوا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم و ابصارهم فاقشعرت منها جلودهم و وجلت قلوبهم فظنوا ان صهيل جهنم و زفيرها و شهيقها في اصول آذانهم و اذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً و تطلعت انفسهم اليها شوقاً و ظنوا انها نصب اعينهم و سمع ابوعبداللّه7 يقول ان الذي يعالج القرآن و يحفظه بمشقة منه و قلة حفظ له اجران و قال7 من شدد عليه القرآن كان له اجران و من يسر عليه كان مع الاولين و قال
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 21 *»
7 في حديث من قرأ القرآن و هو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه و دمه و جعله اللّه مع السفرة الكرام البررة الخبر، و عن اميرالمؤمنين7 ان اللّه ليهمّ بعذاب اهل الارض جميعاً حتي لايحاشي منهم احداً اذا عملوا بالمعاصي و اجترحوا السيئات فاذا نظر الي الشيب ناقلي اقدامهم الي الصلوات و الولدان يتعلمون القرآن رحمهم فاخّر ذلك عنهم و عن النبي9 ان احق الناس بالتخشع في السرّ و العلانية لحامل القرآن و ان احق الناس في السرّ و العلانية بالصلوة و الصوم لحامل القرآن ثم نادي باعلي صوته يا حامل القرآن تواضع به يرفعك اللّه و لاتعزّز به فيذلّك اللّه يا حامل القرآن تزيّن به للّه يزيّنك اللّه به و لاتزيّن به للناس فيشينك اللّه به من ختم القرآن فكأنما ادرجت النبوة بين جنبيه و لكنه لايوحي اليه و من جمع القرآن فنوله لايجهل مع من يجهل عليه و لايغضب فيمن يغضب عليه و لايجد فيمن يجد و لكنه يعفو و يصفح و يغفر و يحلم لتعظيم القرآن و من اوتي القرآن فظن ان احداً من الناس اوتي افضل مما اوتي فقد عظّم ما حقّر اللّه و حقّر ما عظّم اللّه و عن ابيجعفر7 قال قرّاء القرآن ثلثة رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة و استدرّ به الملوك و استطال به علي الناس و رجل قرأ القرآن فحفظ حروفه و ضيّع حدوده و اقامه اقامة القدح فلاكثّر اللّه هؤلاء من حملة القرآن و رجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن علي داء قلبه فاسهر به ليله و اظمأ به نهاره و قام به في مساجده و تجافي به عن فراشه فباولئك يدفع اللّه البلاء و باولئك يديل اللّه من الاعداء و باولئك ينزل اللّه الغيث من السماء فواللّه لهؤلاء في قراء القرآن اعز من الكبريت الاحمر و عن النبي9 من قرأ القرآن ثم شرب عليه حراماً او آثر عليه حب الدنيا و زينتها استوجب عليه سخط اللّه الا ان يتوب الا و انه ان مات علي غير توبة حاجّه يوم القيمة فلايزايله الا مدحوضاً و عن النبي9 من تعلّم القرآن فلميعمل به و آثر عليه حب الدنيا و زينتها استوجب سخط اللّه و كان في الدرجة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 22 *»
مع اليهود و النصاري الذين ينبذون كتاب اللّه وراء ظهورهم و من قرأ القرآن يريد به سمعته و التماس الدنيا لقي اللّه يوم القيمة و وجهه عظم ليس عليه لحم و زج القرآن في قفاه حتي يدخله النار و يهوي فيها مع من هوي و من قرأ القرآن و لميعمل به حشره اللّه يوم القيمة اعمي فيقول يا رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي فيؤمر به الي النار و من قرأ القرآن ابتغاء وجه اللّه و تفقهاً في الدين كان له من الثواب مثل جميع ما اعطي الملائكة و الانبياء و المرسلون و من تعلم القرآن يريد به رياءً و سمعةً ليماري به السفهاء و يباهي به العلماء و يطلب به الدنيا بدّد اللّه عظامه يوم القيمة و لميكن في النار اشد عذاباً منه و ليس نوع من انواع العذاب الا سيعذب به من شدة غضب اللّه عليه و سخطه و من تعلم القرآن و تواضع في العلم و علّم عباد اللّه و هو يريد ما عند اللّه لميكن في الجنة اعظم ثواباً منه و لا اعظم منزلة منه و لميكن في الجنة منزل و لا درجة رفيعة و لا نفيسة الا و كان له فيها اوفر النصيب و اشرف المنازل و في وصية النبي لعلي 7 قال و عليك بتلاوة القرآن علي كل حال و عن موسي بن جعفر8 ان درجات الجنة علي قدر آيات القرآن يقال له اقرأ و ارق فيقرؤ ثم يرقي و من القدسي من شغل بقراءة القرآن عن مسألتي اعطيته افضل ثواب الشاكرين و عن علي7 لايقرأ العبد القرآن اذا كان علي غير طهور حتي يتطهر و عن العسكري7 في تفسيره اما قوله الذي ندبك اليه و امرك به عند قراءة القرآن اعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم الخبر، و عن اميرالمؤمنين7 البيت الذي يقرؤ فيه القرآن و يذكر اللّه عز و جل فيه تكثر بركته و تحضره الملائكة و تهجره الشياطين و يضيء لاهل السماء كما تضيء الكواكب لاهل الارض و ان البيت الذي لايقرؤ فيه القرآن و لايذكر اللّه عز و جل فيه تقل بركته و تهجره الملائكة و تحضره الشياطين و عن النبي9
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 23 *»
نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن و لاتتخذوها قبوراً كما فعلت اليهود و النصاري صلّوا في الكنايس و البيع و عطّلوا بيوتهم فان البيت اذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره و اتسع اهله و اضاء لاهل السماء كما تضيء نجوم السماء لاهل الدنيا و عن النبي9 من قرأ عشر آيات في ليلة لميكتب من الغافلين و من قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين و من قرأ مائة آية كتب من القانتين و من قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين و من قرأ ثلثمائة آية كتب من الفائزين و من قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين و من قرأ الف آية كتب له قنطار القنطار خمسةعشرالف مثقال من ذهب المثقال اربعة و عشرون قيراطاً اصغرها مثل جبل احد و اكبرها ما بين السماء و الارض و عن ابيعبداللّه7 من قرأ في المصحف متّع ببصره و خفّف علي والديه و ان كانا كافرين و عن النبي9 ليس شيء اشد علي الشيطان من القراءة في المصحف نظراً و عن النبي9 اقرءوا القرآن بالحان العرب و اصواتها و اياكم و لحون اهل الفسق و الكباير فانه سيجيء من بعدي اقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغنا و النوح و الرهبانية لايجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم و عن ابيجعفر7 اقرأ قراءة ما بين القرائتين تسمع اهلك و رجّع بالقرآن صوتك فان اللّه عز و جل يحب الصوت الحسن يرجّع فيه ترجيعاً انتهي، اقول لا منع من مطلق الترجيع و انما الممنوع ترجيع الغنا و لحون اهل الفسق و الكباير و عن النبي9 حسّنوا القرآن باصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً.
فصل: اعلم انه سنّ في القرآن القراءة لفوايد شتي: منها انها عبادة لللسان و هو بضعة من الانسان و ينبغي ان تكون مشغولة بالعبادة كساير الاعضاء ومنها ان اللسان فيه آية من مشية اللّه جل و عز ليست في غيره و قد وضع اللّه فيه تأثيراً ليس لساير الاعضاء ذلك التأثير و لذلك يسمي اثره بالكلام لتأثيره في الغير و من المشاهد المحسوس قوة اثر الكلام في القلوب حتي ان الكلام
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 24 *»
المكذوب مع العلم بمكذوبيته يؤثر في القلب و له وقع في القلب فاذا قرأ القرآن بلسانه صار اوقع في القلب البتة و منها ان وقوع شبح القراءة و الصوت في الهواء و الجدران و ساير الاجسام مجذبة للامداد و سبب لاستغفارها للانسان و فيها سرور الملائكة الموكلين بها و يشهد يوم القيمة جميع ما وقع شبحها عليه له و منها انه ان رفع به صوته يكون قراءته مطردة للشياطين و لعله يستمع قراءته احد و يتذكر و لاجل ان الملكين يكتبانه في كتاب عمله لاجل ان الملكين لايكتبان الا ما ظهر من الانسان و لايطلعان علي ما في نفس الانسان فاذا قرأ بلسانه يملي عليهما فيكتبانه ومنها ان للانسان مراتب من عقله الي جسمه و لايكمل باطن الا بظاهره و لا روح الا بجسده و عمل الروح روح عمل الجسد فاذا تمّ مراتب العمل كمل تأثيره في النفس و في المراتب الاخر و تمّت مسئلته و قابليته للامداد المقدرة لها الي غير ذلك من الوجوه فلاجل ذلك شرعت قراءة القرآن و فيها اجر عظيم قد ذكرنا بعضها اختصاراً و لاجل ان يكون عملك خالصاً لوجه اللّه لا لاجل المنافع.
و ينبغي للقاري ان يتوخي لقراءته وقتاً و مكاناً يتخلي فيه عن الموانع و يتوجه بقلبه الي اللّه سبحانه معرضاً عن نفسه و عن غيرها و يتوجه الي الاحد الطاوي لما سواه و يتمسك بمعانيه و يقصد بابه و يسمعه من لسانه تعالي فيري انه المخاطب له الآمر اياه الناهي له القاصّ عليه المصرّف للامثال و المعبّر عن ارادته و عن حقايق الاشياء المذكّر للعبرة و يقرع به القلب القاسي فيلبّي نداءه و يمتثل امره و نهيه و يعتبر بقصصه و يتنبه بامثاله و يستعرف مراداته و لايولّي عنه وجهه حال مكالمته اياه و مخاطبته معه و يعزم علي التسليم و الطاعة و يردّد ما لميفهمه او ما لميكمل توجهه فيه و لايكون همّه آخر السورة و آخر الجزء فان القليل مع التوجه خير من كثير من غير توجه يقول اللّه سبحانه (أفلايتدبرون القرآن) و عن الزهري في حديث قال كان علي بن الحسين7 اذا قرأ (ملك يوم الدين) يكررها حتي يكاد انيموت و روي عن بعضهم: ما معناه مازلت اردّد هذه الآية حتي سمعتها من قائلها و رأيت في التنبيهات العلية في اسرار الصلوة للشهيد الثاني كلاماً لا بأس
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 25 *»
به احب اناذكره بلفظه تكريماً لمصنفه قال في معني قراءة القرآن « فلنذكر مهم وظائفه ملخصاً و هو امور:
الاوّل: حضور القلب و ترك حديث النفس قيل في تفسير قوله تعالي (يا يحيي خذ الكتاب بقوة) اي بجدّ و اجتهاد و اخذه بالجدّ ان يتجرد عند قراءته بحذف جميع المشغلات و الهموم عنه.
الثانى: التدبر و هو طور وراء حضور القلب فان الانسان قد لايتفكر في غير القرآن و لكنه يقتصر علي سماع القرآن و هو لايتدبره و المقصود من التلاوة التدبر قال سبحانه (أفلايتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها)(أفلايتدبرون القرآن و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) و قال تعالي (و رتّل القرآن ترتيلاً) لان الترتيل يمكّن الانسان من تدبر الباطن و قال النبي9 لا خير في عبادة لا تفقه فيها و لا خير في قراءة لا تدبر فيها و اذا لميمكن التدبر الا بالترديد فليردّد قال ابوذر2 قام رسول اللّه9 ليلة يردّد قوله تعالي (ان تعذبهم فانهم عبادك و ان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم).
الثالث: التفهم و هو ان يستوضح من كل آية ما يليق بها اذ القرآن يشتمل علي ذكر صفات اللّه و افعاله و احوال انبيائه: و المكذبين لهم و احوال ملئكته و ذكر اوامره و زواجره و ذكر الجنة و النار و الوعد و الوعيد فليتأمل معاني هذه الاسماء و الصفات لينكشف له اسرارها فان تحتها اسرار الدقايق و كنوز الحقايق قال ابنمسعود من اراد ان يعلم علم الاولين و الآخرين فعليه بالقرآن قال اللّه تعالي (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مدداً) قال علي7 لان شئت لاوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب فمن لميتفهم معاني القرآن في تلاوته و سماعه و لو في ادني المراتب دخل في قوله تعالي (اولئك الذين طبع اللّه علي قلوبهم) و قوله (أفلايتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها).
الرابع: التخلي عن موانع الفهم فان اكثر الناس منعوا من فهم القرآن لاسباب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 26 *»
و حجب اسدلها الشيطان علي قلوب فحجبت عن عجايب اسرارها قال النبي9 لولا ان الشياطين يحومون علي قلوب بني آدم لنظروا الي الملكوت و معاني القرآن و اسراره من جملة الملكوت و الحجب الموانع منها الاشتغال بتحقيق الحروف و اخراجها عن مخارجها و التشدق بها من غير ملاحظة المعني و قيل المتولي بحفظ ذلك شيطان وكّل بالقراءة ليصرف عن معاني كلام اللّه تعالي فلايزال يحملهم علي ترديد الحروف و يخيّل اليهم انه لميخرج من مخرجه فيكون تأمله مقصوراً علي مخارج الحروف فمتي تنكشف له المعاني و اعظم مضحكاً للشيطان من كان مطيعاً بمثل هذا التلبيس و منها ان يكون مبتليً من الدنيا بهوي مطاع فان ذلك سبب لظلمة القلب كالصدا علي المرآة فمنع جلية الحق ان تنجلي فيه و هو اعظم حجاب للقلب و به حجب الاكثرون و كلما كانت الشهوات اكثر تراكماً علي القلب كان البعد عن اسرار اللّه اعظم و لذلك قال9 الدنيا و الآخرة ضرّتان بقدر ما يقرب عن احديهما يبعد عن الاخري.
الخامس: ان يخصص نفسه بكل خطاب في القرآن من امر او نهي او وعد او وعيد و يقدّر انه هو المقصود و كذلك ان سمع قصص الاولين و الانبياء: علم انه مجرد القصة غير مقصود و انما المقصود الاعتبار و لايعتقد ان كل خطاب خاص في القرآن فالمراد به الخصوص فان القرآن و ساير الخطابات الشرعية واردة من باب اياك اعني و اسمعي يا جارة و هي كلها نور و هدي و رحمة للعالمين و لذلك امر تعالي الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال (و اذكروا نعمة اللّه عليكم و ما انزل اليكم من الكتاب و الحكمة يعظكم به) و اذا قدّر انه المقصود لميتخذ دراسة القرآن عملاً بل قرأه كقراءة العبد كتاب مولاه الذي كتب اليه ليتدبره و يعمل بمقتضاه قال حكيم: هذا القرآن اتانا من قبل ربنا بعهوده نتدبرها في الصلوة و نقف عليها في الخلوات و نعدّها في الطاعات بالسنن المتبعات.
السادس: التأثر و هو ان يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال و وجد يتصف به عند ما يوجّه نفسه في كل حالة الي الجهة التي فهمها من خوف او حزن او رجاء او غيره فليستعد لذلك و ينفعل و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 27 *»
يحصل له التأثر و الخشية مهما قويت معرفته كانت الخشية اغلب الاحوال علي قلبه فان التضيق غالب علي العارفين فلاتري ذكر المغفرة و الرحمة الا مقروناً بشروط يقصر العارف عن نيلها كقوله تعالي (و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً ثم اهتدي) فانه قرن المغفرة بهذه الشروط الاربعة و كذلك قوله (و العصران الانسان لفي خسر) الي آخر السورة و ذكر فيها اربعة شروط و حيث اوجز و اختصر ذكر شرطاً واحداً جامعاً للشرايط فقال تعالي (ان رحمة اللّه قريب من المحسنين) اذ كان الاحسان جامعاً لكل الشرائط و تأثر العبد بالتلاوة ان يصير بصفة الآية المتلوة فعند الوعيد تضاءل من خشية اللّه و عند الوعد يستبشر فرحاً باللّه و عند ذكر اللّه تعالي و اسمائه يتطأطأ خضوعاً لجلاله و عند ذكر الكفار في حق اللّه تعالي ما يمتنع عليه كالصاحبة و الولد يغضّ صوته و ينكسر في باطنه حياء من قبح افعالهم و يكبّر اللّه و يقدّسه عما يقول الظالمون و عند ذكر الجنة ينبعث بباطنه شوقاً اليها و عند ذكر النار ترعد فرائصه خوفاً منها و لما قال رسول اللّه9 لابنمسعود اقرأ عليّ ففتحت سورة النساء فلما بلغت (فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيداً) رأيت عيناه تذرفان من الدمع فقال لي حسبك الآن و ذلك لاستغراق تلك الحالة لقلبه بالكلية و القرآن انما يراد لهذه الاحوال و استجلابها الي القلب و العمل بها قال رسول اللّه9 اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم و لانت عليه جلودكم فاذا اختلفتم فلستم تقرأونه و قال اللّه تعالي (الذين اذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً) و الا فالمـــݘـونة في تحريك اللسان خفيفة و روي ان رجلاً جاء الي النبي9 ليعلّمه القرآن فانتهي الي قوله تعالي (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره) فقال يكفيني هذا و انصرف فقال رسول اللّه9 انصرف الرجل و هو فقيه و اما التالي باللسان المعرض عن العمل فجدير ان يكون المراد بقوله تعالي (و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيمة اعمي) و انما حظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل و حظ العقل تفسير
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 28 *»
المعاني و حظ القلب الاتعاظ و التأثر و الانزجار و الايتمار.
السابع: الترقي (الترقب ظ) و هو ان يوجّه قلبه و عقله الي القبلة الحقيقية فيسمع الكلام من اللّه تعالي لا من نفسه و درجات القراءة ثلثة ادناها ان يقدّر العبد كأنه يقرأ علي اللّه عز و جل واقفاً بين يديه و هو ناظر اليه و مستمع منه فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال و التضرع و الابتهال و الثانية ان يشهد بقلبه كأنه سبحانه يخاطبه بالطافه و يناجيه بانعامه و احسانه و هو في مقام الحياء و التعظيم لمنن اللّه و الاصغاء اليه و الفهم منه و الثالثة ان يري في الكلام المتكلم و في الكلمات الصفات فلاينظر الي قلبه و لا الي قراءته و لا الي التعلق بالانعام من حيث هو منعم عليه بل يقصر الهمّ علي المتكلم و يوقف فكره عليه و يستغرق في مشاهدته و هذه درجة المقربين و عنها اخبر جعفر بن محمد الصادق8 بقوله لقد تجلي اللّه لخلقه في كلامه و لكن لايبصرون و قال ايضاً و قد سألوه عن حالة لحقته في الصلوة حتي خرّ مغشياً عليه فلما افاق قيل له في ذلك فقال مازلت اردّد هذه الآية علي قلبي حتي سمعتها من المتكلم بها فلميثبت جسمي بمعاينة قدرته.
الثامن: التبري و المراد به ان يبرأ من حوله و قوته فلايلتفت الي نفسه بعين الرضا و التزكية فاذا تلا آيات الوعد و مدح الصالحين حذف نفسه عن درجة الاعتبار و شهد فيها الموقنين و الصديقين و يتشوق الي ان يلحقه اللّه بهم و اذا تلا آيات المقت و الذمّ للمقصرين شهد نفسه هناك و قدّر انه المخاطب خوفاً و اشفاقاً والي هذه المرتبة اشار اميرالمؤمنين و سيد الوصيين في الخطبة التي يصف بها المتقين بقوله اذا مرّوا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم فظنوا ان زفير جهنم و شهيقها في آذانهم الي آخره و من رأي نفسه بصورة التقصير في القراءة كان ذلك سبب قربه و من شاهد نفسه بعين الرضا فهو محجوب بنفسه فهذه نبذة من وظائف القراءة و اسرارها وفقنا اللّه لتلقي الاسرار و الحقنا بعباده الابرار» الي آخر كلامه و قال; في موضع آخر «و من وظايف القراءة من الاثر قول الصادق
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 29 *»
7 من قرأ القرآن و لميخضع و لميرقّ له و لمينشئ حزناً و وجلاً في سرّه فقد استهان بعظم شأن اللّه و خسر خسراناً مبيناً فقارئ القرآن يحتاج الي ثلثة اشياء قلب خاشع و بدن فارغ و موضع خال فاذا خشع للّه قلبه فرّ من الشيطان الرجيم و اذا تفرّغ نفسه من الاسباب تجرّد قلبه للقراءة فلايعترضه عارض فيحرمه نور القرآن و فوائده و اذا اتخذ مجلساً خالياً و اعتزل من الخلق بعد ان اتي بالخصلتين الاوليين استأنس روحه و سرّه باللّه و وجد حلاوة مخاطبات اللّه عباده الصالحين و عظم لطفه بهم و مقام اختصاصه لهم بقبول كراماته و بدايع اشاراته فاذا شرب كأساً من هذا المشرب لايختار علي ذلك الحال حالاً و لا علي ذلك الوقت وقتاً بل يؤثره علي كل طاعة و عبادة لان فيه المناجات مع الرب بلا واسطة فانظر كيف تقرأ كتاب ربك و منشور ولايتك و كيف تجيب اوامره و نواهيه و كيف تمتثل حدوده فانه كتاب عزيز لايأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه تنزيل من حكيم حميد فرتّله ترتيلاً و قف عند وعده و وعيده و تفكّر في امثاله و مواعظه و احذر ان يقع من اقامتك حروفه في اضاعة حدوده» و قال قبيل ذلك «فاعلم ان كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس فان حركة اللسان غيرمقصودة بل المقصود معانيها كما مرّ و الناس في القراءة علي ثلاثة اقسام فمنهم من يتحرك لسانه بها و لايتدبر قلبه لها و هذا من الخاسرين الداخلين في توبيخ اللّه سبحانه و تهديده بقوله (أفلايتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها) و دعاء نبيه9 بقوله ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لايتدبرها ومنهم من يتحرك لسانه و قلبه يتبع اللسان فيسمع و يفهم منه كأنه يسمعه من غيره و هذه درجة اصحاب اليمين و منهم من يسبق قلبه الي المعاني اولاً ثم يخدم اللسان قلبه فيترجمه و هذه درجة المقربين و فرق جلي بين ان يكون اللسان ترجمان القلب كما في هذه الدرجة و بين ان يكون معلمه كما في الدرجة الثانية فالمقربون لسانهم ترجمان يتبع القلب و لايتبعه القلب» الي آخر كلامه; و انما ذكرناه بطوله لاجل اشتماله علي العظة و الاخبار و كونه مما لابأس به و ان لم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 30 *»
يشتمل علي حكم هي غاية منيتنا في اغلب الاحوال.
و مثله ما ذكره الديلمي في ارشاده قال «قـال رسول اللّه9 ان هذه القلوب لتصدي كما يصدي الحديد و ان جلاءها قراءة القرآن و قال ابنعباس قارئ القرآن التابع له لايضل في الدنيا و لايشقي في الآخرة و قال ينبغي لحامل القرآن ان يعرف بليله اذا الناس نائمون و بنهاره اذا الناس غافلون و ببكائه اذا الناس ضاحكون و بورعه اذا الناس يطمعون و بخشوعه اذا الناس يمرحون و بحزنه اذا الناس يفرحون و بصمته اذا الناس يخوضون و قال النبي9 القرآن علي خمسة اوجه حلال و حرام و محكم و متشابه و امثال فاعملوا بالحلال و اجتنبوا الحرام و اتبعوا المحكم و آمنوا بالمتشابه و اعتبروا بالامثال و ماآمن بالقرآن من استحل محارمه و شر الناس من يقرأ القرآن و لايرعوي عن شيء به و عن جعفر بن محمد8 في قوله تعالي (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) قال يتلون آياته و يتفقهون فيه و يعملون باحكامه و يرجون وعده و يخافون وعيده و يعتبرون بقصصه و يأتمرون باوامره و يتناهون عن نواهيه ما هو واللّه حفظ آياته و درس حروفه و تلاوة سوره و درس اعشاره و اخماسه حفظوا حروفه و اضاعوا حدوده و انما هو تدبر آياته و العمل باحكامه قال اللّه تعالي (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدّبّروا آياته) و اعلموا رحمكم اللّه ان سبيل اللّه سبيل واحد و جماعها الهدي و مصير العالم العامل بها الي الجنة و المخالف النار و انما الايمان ليس بالتمني و لكن ما ثبت في القلب و عملت به الجوارح و صدّقته الاعمال الصالحة و اليوم فقد ظهر الجفاء و قلّ الوفاء و تركت السنة و ظهرت البدعة و تواخا الناس علي الفجور و ذهب منهم الحيا و زالت المعرفة و بقيت الجهالة ماتري الا مترفاً صاحب دنيا لها يرضي و لها يغضب و عليها يقاتل ذهب الصالحون و بقيت ثفالة كثفالة الشعير و حثالة التمر و قال الحسن7 مابقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتخذوه اماماً يدلّكم علي هديكم و ان احق الناس بالقرآن من عمل به و ان لميحفظه و ابعدهم عنه من لميعمل به و ان كان يقرؤه و قال من قال
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 31 *»
في القرآن برأيه و اصاب فقد اخطأ و قال ان القرآن يجيء يوم القيمة قائداً او سائقاً يقود قوماً الي الجنة احلوا حلاله و حرموا حرامه و آمنوا بمتشابهه و يسوق قوماً الي النار ضيعوا حدوده و احكامه و استحلوا محارمه و قال النبي9 رتّلوا القرآن و لاتنثروه نثراً و لاتهذّوه هذّ الشعر قفوا عند عجايبه و حرّكوا به القلوب و لايكن همّ احدكم آخر السورة و خطب9 و قال لاخير في العيش الا لعالم ناطق او مستمع واع ايها الناس انكم في زمان هدنة و ان السير بكم سريع و قد رأيتم الليل و النهار كيف يبليان كل جديد و يقربان كل بعيد و يأتيان بكل موعود فقال له المقداد يا نبي اللّه وما الهدنة فقال دار بلاء و انقطاع فاذا التبست عليكم الامور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفع و شاهد مصدق من جعله امامه قاده الي الجنة و من جعله خلفه ساقه الي النار و هو اوضح دليل الي خير سبيل ظاهره حكم و باطنه علم لاتحصي عجايبه و لاتنقضي غرايبه هو حبل اللّه المتين و صراطه المستقيم من قال به صدق و من حكم به عدل و من عمل به فاز و ان المؤمن الذي يقرأ القرآن كالاريحة طعمها طيب و ريحها طيب و ان الكافر كالحنظلة طعمها مُرّ و ريحها كريهة» الي آخر الباب.
فصل: في بيان ان قراءة القرآن افضل ام الذكر فمنهم من فصّل و قال ان قراءة القرآن للمبتدي افضل و الذكر للمنتهي و الذي يساعده الدليل العقلي و النص الوارد عن اهل بيت العصمة و الطهارة ان قراءة القرآن افضل اما النص الدالّ علي ذلك ما رواه الديلمي عن النبي9 قراءة القرآن في الصلوة افضل من قراءة القرآن في غير الصلوة و قراءة القرآن في غير الصلوة افضل من ذكر اللّه تعالي و ذكر اللّه تعالي افضل من الصدقة و الصدقة افضل من الصيام و الصيام جُنّة من النار انتهي، و لايعارضه شيء مما ورد في ان الذكر اكبر او افضل شيء فان القرآن ذكر و افضل الذكر و ليس كل ذكر بقرآن قال اللّه سبحانه (اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 32 *»
نزّل احسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم الي ذكر اللّه ذلك هدي اللّه يهدي به من يشاء و من يضلل اللّه فما له من هاد) و سرّ ذلك ان الذكر هو وجدان المذكور و في الظاهر ما تنتقل منه الي المذكور و القرآن هو كذلك فانه سبحانه قد تجلي لعباده في كلامه كما عرفت و انك اذا قرأت القرآن ذكرت اللّه و توجهت اليه هذا و القرآن يذكّرك بمعاقد ايمانك اجمع و يعرّفك عراه و يعظك و يعلّمك و يضرب لك الامثال و يكشف لك عن العبر و عن سبب هلاك من هلك و سبب نجاة من نجي و يخوّفك و يمنّيك و يعرّفك ربك و نبيك و وليك و اخوانك و شرايع دينك و يرغّبك و يرهّبك و هو كلام اللّه و فيه شفاء لما في الصدور و تأثير كامل ليس في غيره و كشف تفصيلي و تنبيه و تعليم و هو ناصح شفيق و واعظ رفيق و اَ نّیٰ لاحد بمؤثّر مثل القرآن و ليس لفاقده غني و لا لواجده فقر و لذا روي عن النبي9 من اعطاه اللّه القرآن فرأي ان احداً اعطي شيئاً افضل مما اعطي فقد صغّر عظيماً و عظّم صغيراً و قيل لعلي بن الحسين اي الاعمال افضل قال الحالّ المرتحل و في وصية النبي لعلي8 و عليك بتلاوة القرآن علي كل حال.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان قراءة القرآن افضل من الذكر بل هو افضل الذكر اذا قرأه الانسان بشروطه من التدبر و التفكر فيه و التذكر به و الاعتبار منه و قرأه بحيث يسمعه من قائله و يري نفسه في حضوره و هو يخاطبه و يهدّده و يقرّبه و يعلّمه و يقصّ عليه القصص و يتلو عليه احكامه و امره و نهيه فيتوجه اليه بكله و يقبل خطابه بالسمع و الطاعة ثم يترقي من ذلك المقام حتي يفني من نفسه و من درك الخطاب و المخاطب فيه سبحانه وجداناً فلايجد الا اياه و لايشعر بسواه و هو منتهي آمال الآملين و غاية منية المريدين و علي ما ذكرنا من استخرج اذكاراً من القرآن و ذكر اللّه بها بنية القراءة و الذكر كان له ثواب القراءة و ثواب الذكر معاً و ان كان يحرم من ساير ما ينطوي عليه القرآن من الحكم و العلوم و الامثال و العبر و المواعظ فانه افضل من ذكر غير مستخرج من القرآن و له تاثير آخر البتة فان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 33 *»
فضل كلام اللّه علي ساير الكلام كفضل اللّه علي خلقه فله فعالية و تأثير لايوجد في غيره البتة و لاجل ذلك هو شفاء و رحمة و بصر من العمي و علم من الجهل و دواء من الداء و غني من الفقر و فيما ذكرنا في هذا المطلب كفاية و بلاغ.
المطلب الثالث
فى الصلوة على محمد و آلمحمد: و فى هذا المطلب ايضاً فصول
فصل: في حقيقة معني الصلوة اعلم ان الصلوة في ظاهر اللغة بمعني الدعاء و التعظيم و الرحمة و البركة و الاستغفار و حسن الثناء من اللّه عز و جل و الفعل منه صلّي و هي تقرن بعلي و قد يكون المعني باللام فان قولك صلّي عليه دعا له او استغفر له و قد يكون بعلي ايضاً فان قولك صلّي عليه اي بارك عليه او اثني عليه و قد يكون بغير حرف كقولك صلّي اللّه عليه اي رحمه او عظّمه و روي في البرهان عن عمر بن ابرهيم الاوسي قال روي عن النبي9 انه قال لما كانت الليلة التي اسري بي الي السماء وقف جبرئيل في مقامه و غبت عن تحية كل ملك و كلامه و صرت بمقام انقطع عني فيه الاصوات و تساوي عندي الاحياء و الاموات اضطرب قلبي و تضاعف كربي فسمعت منادياً ينادي بلغة علي بن ابيطالب قف يا محمد فان ربك يصلّي قلت كيف يصلّي و هو غني عن الصلوة لاحد و كيف بلغ عليٌّ هذا المقام فقال اللّه تعالي اقرأ يا محمد (هو الذي يصلّي عليكم و ملئكته ليخرجكم من الظلمات الي النور) و صلوتي رحمة لك و لامتك فاما سماعك صوت عليٍّ فان اخاك موسي بن عمران لما جاء جبل طور و عاين ما عاين من عظيم الامور اذهله ما رآه عما يلقي اليه فشغلته عن الهيبة بذكر احب الاشياء اليه و هي العصاء اذ قلت له (و ما تلك بيمينك يا موسي) و لما كان عليّ احب الناس اليك ناديناك بلغته و كلامه ليسكن ما بقلبك من الرعب و لتفهم ما يلقي اليك و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 34 *»
عن ابنبابويه بسنده عن ابنحمزة عن ابيه قال سألت اباعبداللّه7 عن قول اللّه عز و جل (ان اللّه و ملئكته يصلّون علي النبي يا ايها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما) فقال الصلوة من اللّه عزوجل رحمة و من الملائكة تزكية و من الناس دعاء و اما قوله (و سلّموا تسليما) فانه يعني التسليم له فيما ورد عنه و عن القمي قال7 صلوة اللّه عليه تزكية له و ثناء عليه و صلوة الملئكة مدحهم له و صلوة الناس دعاؤهم له و التصديق و الاقرار بفضله و قوله (و سلّموا تسليما) يعني سلّموا له بالولاية و بما جاء به و في المجمع عن ابيبصير قال سألت اباعبداللّه7 عن هذه الآية اي (ان اللّه و ملئكته يصلّون) الآية، فقلت فكيف صلوة اللّه علي رسوله فقال يا ابامحمد تزكية له في السموات العلي فقلت قد عرفت صلوتنا فكيف التسليم فقال هو التسليم له في الامور انتهي، و يدل علي ان الصلوة من اللّه رحمة قوله (و كان بالمؤمنين رحيما) بعد قوله (هو الذي يصلّي عليكم و ملئكته) و اما قوله تعالي (اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة) فيحتمل ان يكون بمعني الثناء عليهم كما في رواية القمي و يحتمل ان يكون بمعني التزكية يعني يزكيهم اللّه و يرحمهم و يدل علي انها من الملئكة تزكية و مدح قوله تعالي (الذين يحملون العرش و من حوله يسبّحون بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا) فلميذكر لهم شيئاً ثالثاً فالتسبيح بحمد ربهم المربّي لهم هو تقديسه بثنائه و مدحه فان التزكية بمعني التطهير و تطهير اهل الطهارة تقديسهم و تسبيحهم عن مجانسة المخلوقات و مماثلة المذروءات فهو غاية التزكية و كذا الاستغفار لاهل الادناس و المعصية تزكية لهم و تطهير عن لوثها فاذا صلّوا علي اهل الطهارة قدّسوهم طاعة لقوله تعالي (سبّح اسم ربك الاعلي) لان اللّه اذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً فهم يتبعون اللّه في الاقرار بنزاهتهم و قدسهم و اذا استغفروا للمؤمنين فقد زكّوهم و طهّروهم عن الرجس و ادناس المعاصي و تفصيل تزكيتهم قولهم (فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم ربنا و ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 35 *»
من آبائهم و ازواجهم و ذرياتهم انك انت العزيز الحكيم و قهم السيئات و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته و ذلك هو الفوز العظيم) و هو صلوات من الملئكة عليهم و اما قوله7 و من الناس دعاء يعني اذا قالوا اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد فقد دعوا لهم بالرحمة من اللّه و لكن اللّه اذا استجاب لهم و صلّي عليهم فقد رحمهم فصلوة اللّه رحمة و صلوة المؤمنين استرحام و طلب تزكية و طلب ثناء عليهم فعلي معني الاسترحام يسأل اللّهَ المؤمن ان يرحم محمداً و آلمحمد برحمته المكتوبة التي اشار اليها بقوله (كتب علي نفسه الرحمة) و هم نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و المفعول في قولك رحم اللّه محمداً و آلمحمد هو المفعول المطلق كقولك خلق اللّه السموات و الارض اذ ليس قبل خلقه سموات يقع الفعل عليها و انما السموات اسم المفعول المطلق و كذلك رحم اللّه محمداً و آلمحمد فانهم صلوات اللّه عليهم هم الرحمة المكتوبة علي الابرار في مقام القطبية و التشريع و هم الرحمة الواسعة علي الابرار و الفجار في مقام التكوين فقولك رحمهم اللّه اي جعلهم رحمته و امدّهم بما يجانسهم و ما يجانسهم هو الرحمة فحفظهم عليهم بامداده لهم و جعله اياهم اياهم فقولك اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد اي اجعلهم رحمتك علي الابرار مثل ساير ما تدعو لهم و اما علي معني تزكية اللّه في قولك اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد فتدعو اللّه ان يزكّيهم و يطهّرهم كما قال (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهّركم تطهيرا) فصلوتك دعاء لهم بالتزكية لهم و تطهير اللّه اياهم عن مجانسة المخلوقين و مماثلة المبروئين و تطهيره اياهم عن رجس لحقهم مما حملوه من معاصي شيعتهم كما يأتي و اما علي معني الثناء فتدعو اللّه بان يثني عليهم و يمجّدهم و يبلغ بهم المقام المحمود و يعطيهم لواء الحمد و يجعلهم صفة تعريفه و تعرفه و يجعلهم الثناء عليه و هو اعظم ثناء اللّه عليهم الثناء الفعلي ففي كل ذلك الصلوة منك دعاء و مسئلة من اللّه ان يرحمهم و يزكّيهم و يثني عليهم و ينوّه بفضلهم بين العالمين و كذلك قولك صلوات ملئكته و انبيائه و رسله و جميع خلقه عليهم فتدعو اللّه بان يجعل صلوات الملئكة عليهم اي يجعل
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 36 *»
استغفارهم و تزكيتهم علي ما عرفت لهم و يجعل استغفارهم و تزكيتهم و حطّهم السيئات لشيعتهم و بان يجعل صلوات الانبياء و المؤمنين عليهم اي يجعل دعاءهم جميعاً لهم و يوصل اليهم و الي انوارهم ثمرات دعاء المؤمنين و يستجيبه لهم و في حقهم و سيأتي مزيد تحقيق في ذلك ان شاء اللّه.
ثم الصلوة في الاشتقاق الكبير اما مأخوذة من الوصل بمعني الضم فقولك اللّهم صلّ علي محمد و آله دعاء منك تدعو اللّه لهم ان يصلهم بكل خير و بامره سبحانه و مشيته و بسرمده و ازليته الاولي و يصل بعضهم ببعض اي يصل النبوة بالولاية و يصلهما بالعصمة حتي يكون بعضها من بعض و يضمهم به فلايفرّق بينه و بينهم كما فعل كما قال لا فرق بينك و بينها و قال في ذمّ قوم لايصلّون عليه بهذا المعني (ان الذين يكفرون باللّه و رسله و يريدون ان يفرّقوا بين اللّه و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا) و ذمّهم بقوله (و يقطعون ما امر اللّه به ان يوصل) فلايصلّون عليه اي لايدعون اللّه له بالوصل او يصلّون عليه و لايصلّون علي اهله اي لايدعون اللّه لهم بوصلهم باصلهم و بوصلهم باللّه كما وصل في قوله (و قضي ربك ان لاتعبدوا الا اياه و بالوالدين احسانا) و قوله (و اتقوا اللّه الذي تساءلون به و الارحام) فهذا نحو المعني ان كانت مأخوذة من الوصل.
و اما هي مأخوذة من الصلة بمعني العطية فاذا قلت اللّهم صلّ علي محمد و آله تدعو اللّه لهم بان يعطيهم ربهم حتي يرضوا و لايرضون من انفسهم حتي يصلهم اللّه بجميع صنوف الامداد الخلقية و الرزقية و الحيوية و الموتية لهم و لجميع الملك و يصلهم بالفضل و الرحمة و الحول و القوة و القدرة و بكل خير بمقتضي قوابلهم و بدعاء كل من لهم عليه نعمة الهداية و التعليم و التأييد و التسديد و غيرها من النعم.
او هي مأخوذة من الوصلة بمعني الذريعة و هي السبب بين المتصلين فتدعو اللّه لهم ان يجعل لهم وصلة اليه او يجعلهم الوصلة بينه و بين خلقه يتوصلون بولايتهم الي اللّه سبحانه و يتصلون بهم باللّه سبحانه ففي العوالم نقلاً من كنزالكراجكي في حديث طويل اخذ اميرالمؤمنين7
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 37 *»
بيد الحارث و قال يا حارث اخذت بيدك كما اخذ بيدي رسول اللّه9 فقال لي و قد اشتكيت اليه حسدة قريش و المنافقين اذا كان يوم القيمة اخذت بحجزة من ذي العرش تعالي و اخذت يا علي بحجزتي و اخذت ذريتك بحجزتك و اخذ شيعتكم بحجزتكم فما ذا يصنع اللّه بنبيه و ما ذا يصنع نبيه بوصيه و ما ذا يصنع وصيه باهل بيته و شيعتهم خذها اليك يا حار قصيرة من طويلة انت مع من احببت و لك ما اكتسبت قالها ثلثاً فقال الحارث و قام يجرّ رداءه جذلاً ماابالي و ربي بعد هذا ألقيت الموت او لقيني انتهي، فاذا صلّيت عليهم دعوت اللّه لهم ان يصلهم بتلك الحجزة و هي الوصلة بينهم و بين اللّه و هي حقيقتهم التي ظهر اللّه لهم بها و وصف نفسه لهم بها و ان يجعلهم حجزة بينه و بين خلقه الي غير ذلك من الوجوه التي ليس هيهنا موضع ذكرها فهذه و امثالها مثل الاشتقاق الكبير و هو اشتقاق علي خلاف ظاهر العربية و تحته اسرار جمّة و هو في كلمات اهل العصمة و الطهارة: كثير.
فصل: ان هيهنا اشكالاً معروفاً و هو ان الرعية كائناً من كان رتبتهم دون رتبة سادتهم لايصل مدد كوني و لا شرعي اليهم الا بهم فما معني الصلوة عليهم و الدعاء لهم بصنوف الدعوات كما ورد في ادعية كثيرة و الداعي هو الشفيع و الواسطة بين اللّه و بين المدعو له فكيف يمكن تقدم الرعية عليهم او انتفاعهم من دعاء الرعية و عملهم بل في ظاهر الحيوة الدنيا ازراء بحق الوزير ان يسأل السلطان سوقي له عزّاً او منصباً و مقاماً و نقص في حقه فما معني مسألتنا ان يرحم اللّه محمداً و آلمحمد:.
اعلم ان الجواب عن هذه المسئلة بوجوه منها ان اللّه سبحانه كان اذ لا كان و كوّن محمداً و آلمحمد لا من شيء كان فافتتح بهم الايجاد ثم بهم صنع ما صنع و جعل ساير مخلوقاته ظهورهم و نورهم و صفاتهم و فضلهم و تمثلهم بجهات العبودية كما يتمثل روحك في العين بالباصرة و في الاذن بالسامعة فجروا في كل تمثل بما فيه رضاء اللّه سبحانه كوناً و اما في الشرع فالمؤمنون هم نورهم و ظهورهم و تمثلهم بجهات العبودية و اما
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 38 *»
الكفار فهم ظل اعدائهم و النور في كل مقام شبح المنير و مثاله و صفته المنفصلة و فعله و عمله و عبادته لربه و امتثال ما كلّف به و طاعة للّه سبحانه و ان كان لتلك الانوار من حيث انفسها جهة انية بمقتضي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي فما صدر من الخلق من خير و طاعة و حسنة فهي من جهة ربهم و هي فعل الرب ظهر عليهم و جري عليهم لا اله الا انا خلقت الخير و الشر طوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر ما اصابك من حسنة فمن اللّه و ما اصابك من سيئة فمن نفسك فكما ان ذوات الخلق و ذوات المؤمنين عملهم و طاعتهم للّه كذلك اعمال الخلق بكم سكنت السواكن و تحركت المتحركات، اشهد انك قد اقمت الصلوة و آتيت الزكوة و امرت بالمعروف و نهيت عن المنكر، انا صلوة المؤمنين و صيامهم، نحن اصل كل خير و من فروعنا كل برّ فهم: هم الداعون علي لسان المؤمن بقول اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد ان لنا مع كل ولي اذناً سامعة و عيناً ناظرة و لساناً ناطقاً، ان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه فاذا كانوا هم الداعين السائلين كما انك تسأل بلسانك انتفعوا بعملهم صلوات اللّه عليهم و يلحقهم الاجابة و كذلك الامر في جميع حسنات الشيعة جميعها عملهم و طاعتهم و لهم المنّ علي ان اجروا ذلك علي ايدينا فعلي ذلك هم سلام اللّه عليهم ينتفعون بجميع اعمال الشيعة و يحصل لهم الترقي بها لانها اقدام سلوكهم الي اللّه سبحانه كما ينتفعون بصلوتهم و صيامهم بلا تفاوت و اذا عرفتهم بالكلية و الاحاطة بجميع الخلق لزال عجبك و انما يصعب عليك انك تزعمهم شخصاً مثلك في عرضك فتتعجب من ان يكون عملك عملهم.
و منها ان اللّه سبحانه عرّف نفسه لمحمد و آله سلام اللّه عليهم بهم و جعلهم آية تعريفه و تعرفه و وصف نفسه لهم بهم ثم خلق من شعاع انوارهم شيعتهم و عرّف نفسه لهم بمحمد و آلمحمد سلام اللّه عليهم بهم و عرّفهم محمداً و آلمحمد بهم اذ لايتجاوز شيء مقامه و تحد ادوات كل شخص انفسها و تشير
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 39 *»
آلاته الي نظائرها فهم لايعرفون من ربهم الا ما ظهر لهم منه بهم بواسطة آلمحمد: و لايعرفون من نبيهم الا ما ظهر لهم بهم فهم لايفهمون منهما الا ما ظهر لهم منهما و لايشيرون الا اليه و لايقصدون الا اياه فاذا قالوا اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد يدعون ما ظهر لهم بهم لما ظهر لهم بهم بما ظهر لهم فلايصل نفع ذلك الا اليهم و لايستكمل بذلك الا نورهم فيترقون في مدارج قربهم و هذا ينفع محمداً و آلمحمد: لان الشيعة شعاعهم و نورهم و بهاؤهم و جمالهم و جلالهم فكلما صار شعاعهم انور و اكمل كان جمالهم يوم القيمة اكثر قال رسول اللّه9 تزوّجوا فاني مكاثر الامم غداً في القيمة حتي ان السقط يجيء محبنطئاً علي باب الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول لا حتي يدخل ابواي الجنة قبلي و روي في البصاير عن سلام بن المستنير قال سألت اباجعفر7 عن قول اللّه تبارك و تعالي (شجرة مباركة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها) قال الشجرة رسول اللّه نسبه ثابت في بنيهاشم و غصن الشجرة فاطمة و فرع الشجرة علي اميرالمؤمنين8 و اغصان الشجرة و ثمرها الائمة: و ورق الشجر الشيعة و ان الولد ليولد فتورق ورقة و ان الرجل من الشيعة ليموت فتسقط ورقة قال قلت جعلت فداك (تؤتي اكلها كل حين باذن ربها) قال ما يفتي الائمة شيعتهم في كل حج و عمرة من الحلال و الحرام و في رواية شبّه الائمة بالاغصان و علمهم بالثمر بالجملة ان الشيعة بمنزلة الاوراق التي هي فضول الشجر و فاضله و ليس من اصل الشجر و من البين ان نضارة الاوراق و طراوتها كلما كانت اقوي كان جمال الشجرة اكثر و اذا اصفرّت الاوراق او سقطت حصل للشجرة نقص البتة فالشيعي اذا اطاع ربه فيما امر و نهي و اعتدل و صفي كان سبب مباهاة الشجرة و كلما دنّس نفسه و اقذرها صار عيباً علي الشجرة فاذا صلّي المؤمن عليهم هي عبادة له تقرّب بها الي اللّه سبحانه و استنار و اعتدل و صفي و لطف و كمل و عين هذه الخصال في الورق كمال الشجرة و بهاؤها و جمالها و بما فيها تباهي ساير الاشجار فافهم.
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 40 *»
و منها ان الاعمال صعوداً جواذب للامداد و السنة سائلة عن ربها الامداد وذلك ان المدد الواصل بالعمل ينحل و يصفو و يلطف و كلما صفا و لطف و اخذ منه اعطيه من اعلي مما كان اعطيه اول هذا و اعمال العباد كلها انفعالية مطاوعية لتقليب المقلب كحركة العصا عند حركة اليد و كلها انجذاب نحو الجاذب العالي ما اصابك من حسنة فمن اللّه فبمطاوعته لجذب الجاذب يصعد منجذباً فالاعمال حقيقة قبول الصعود الي اللّه و انما تكون سبب الترقي في الصعود قال اللّه سبحانه (اذكروني اذكركم) مع انه ما لميذكر اللّه العبد لميذكره العبد كما ان الصورة في المرآة لاتنظر اليك حتي تنظر اليها فالاعمال صعوداً سبب الترقي و التقرب الي اللّه سبحانه و الشيعي كينونته بالنسبة الي كينونة سادته كقيامك و كلامك بالنسبة اليك فانهم خلقوا من اثرهم و نورهم فانت و جميع ما منك عملهم و عبادتك عبادتهم و معصيتك معصيتهم اما معصيتك فقد غفرت لهم لاستغفارهم لك و لانفسهم ما لايعقل فوقه كما تري في دعواتهم و مناجاتهم فبذلك الاستغفار الحثيث استغفروا لذنوبك التي هي ذنوبهم فغفر اللّه لهم و هو قوله سبحانه (انا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك و ما تأخر) فعن الصادق7 انه سئل عن هذه الآية فقال ماكان له ذنب و لاهمّ بذنب و لكنه حمّله ذنوب شيعته ثم غفرها له و في الظاهر هو من باب اياك اعني و اسمعي يا جارة فان القرآن نزل عليه فوجه الخطاب الي رسول اللّه9 و المراد شيعته لانه معصوم قطعاً و لا ذنب له فتعين توجه الخطاب الي شيعته كقوله (لئن اشركت ليحبطن عملك) و في الباطن له ذنوب و هي ذنوب شيعته التي هي عمله فتعود الذنوب اليه و استغفر عنها امتثالاً لقوله تعالي (و استغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات) فغفر اللّه له تلك الذنوب كما قال (ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك) في الامم السالفة في المؤمنين (و ما تأخر) في هذه الامة فالمؤمنون مغفور لهم وعداً من اللّه و اما طاعتك فهي كلها طاعتهم و عملهم الذي هم يستحقون به الثواب من اللّه و هم يترقون في مدارج القرب فاذا كان كينونتك و عملك كلها عملهم و فعلهم فهم ينتفعون بطاعات
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 41 *»
العالمين لكن في العالمين كما انك اذا اغتسلت ببدنك عن الجنابة فقد امطت الاذي عن جسدك و زوال الاذي هو ثوابك في بدنك و الذي يلحق روحك من الثواب هو بانه مبدؤ كل عمل لك و بقصده و نيته الي الخير و كذلك هم يثابون بعملهم في شيعتهم لانهم محل ثواب اعمالهم و في انفسهم لانهم المبدء و اليهم المنتهي و هم قاصدوا كل خير و مجروا كل برّ علي ايدي شيعتهم فلهم ثوابان كما ان لك بكل عمل ثوابين بالجملة العبد و ما يملك لمولاه و هو ضامن جريرته و كذلك الدابة عليك علفها و انت ضامن فسادها و لابد و انتجبر كسرها في زيارة رجب اليكم التفويض و عليكم التعويض و بكم يجبر المهيض و عندكم ما تزداد الارحام و ما تغيض.
بالجملة اذا قلت اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد تدعو اللّه بان يرحمهم برحم شيعتهم التي هي منهم و اليهم فاذا رحم شيعتهم فقد رحمهم و بان يزكّيهم بتزكية شيعتهم و تطهيرهم من الذنوب و ان يثني عليهم بتنويه ذكرهم و نشر نورهم و فضلهم و فاضلهم و كل ذلك عايد اليك و تدعو اللّه ان يصلهم و يعطيهم حتي يرضوا ولسوف يعطيك ربك فترضي و لايرضون الا بمغفرة جميع شيعتهم المضافين اليهم المنقطعين عن غيرهم و ان يجعلهم وصلة بينه و بين خلقه ليتصلوا بهم الي اللّه سبحانه و جميع ذلك راجع الي شيعتهم ثم اليهم ان شاء اللّه و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.
فصل: اعلم ان اللّه سبحانه ابان نبيه عن ساير الخلق بفضائل جمّة منها ما فرّق بين تسميته و تسمية ساير الناس فنهي عباده ان يدعوه كما يدعون غيره فقال (لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) و امر بالصلوة عليه تكريماً لنفسه المقدسة و تعظيماً له فقال (ان اللّه و ملئكته يصلّون علي النبي يا ايها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما) فكلّف علي بريته بالصلوة عليه9 و نهي عن تسويته بغيره في دعائه و ذكر اسمه فالامر بالصلوة عليه مجمل كما
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 42 *»
قال (اقيموا الصلوة و آتوا الزكوة) فالآية مجملة في حدودها ناصة علي رجحانها و هي من تعظيم اعظم شعاير اللّه و قال اللّه سبحانه (و من يعظّم شعائر اللّه فانها من تقوي القلوب) فراجعنا آلمحمد: الشارحين للقرآن المتكفلين البيان فرأيناهم قد قالوا سلام اللّه عليهم في عدة اخبار صلّ علي النبي9 كلما ذكرته او ذكره ذاكر عندك فقد روي في الوسائل بسنده عن زرارة عن ابيجعفر7 في حديث و صلّ علي النبي9 كلما ذكرته او ذكره عندك ذاكر في اذان او غيره و عن الكليني مرفوعاً عن النبي9 من ذُكرت عنده فلميصلّ عليّ فدخل النار فابعده اللّه و عنه9 من ذُكرت عنده فنسي الصلوة عليّ خطئ به طريق الجنة و عن ابيبصير عن ابيعبداللّه7 قال قــال رسول اللّه9 من ذُكرت عنده فنسي ان يصلّي عليّ خطأ اللّه به طريق الجنة انتهي، اقول الظاهر ان النسيان بمعني الترك او المراد النسيان الذي من التهاون و عدم الاعتناء و من وصية النبي9 قال يا علي من نسي الصلوة عليّ فقد اخطأ طريق الجنة و عن الفضل بن شاذان عن الرضا7 في كتابه الي المأمون و الصلوة علي النبي واجبة في كل موطن و عند العطاس و الذبايح و غير ذلك و عن النبي9 البخيل حقاً من ذُكرت عنده فلميصلّ عليّ و عن النبي9 قال قال لي جبرئيل من ذُكرت عنده فلميصلّ عليك فابعده اللّه قلت آمين الخبر، و عنه9 البخيل كل البخيل الذي اذا ذُكرت بين يديه لميصلّ عليّ و في خطبة عن علي7 في صفة النبي9 فقد اوجب الصلوة عليه و اكرم مثواه لديه و عنه9 اجفا الناس رجل ذُكرت بين يديه فلميصلّ عليّ الي غير ذلك من الاخبار و هي كما تري ضيئة المنار صريحة في الوجوب موافقة للكتاب و تمسك من قال بالوجوب من اصحابنا بها و لا شك في ظهور اكثرها في الوجوب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 43 *»
و ان كان يستشم من بعضها رايحة الاستحباب و ذهب الي الوجوب من اصحابنا علي ما نقل المقداد في كنزه و المحدث البحراني في الحدايق و الشيخ البهائي و الشيخ عبداللّه بن صالح البحراني و القاشاني في بعض كتبه و المازندراني في شرحه علي اصولالكافي و صاحب الوسائل و صاحب الدرر و الاردبيلي و شيخنا الاجل في شرحالزيارة و نسبه صاحب حيوةالقلوب الي شيخه و المشهور بين الاصحاب الاستحباب بل ادعي عليه الاجماع و استدل هؤلاء علي الاستحباب بالاصل و الانصاف انه مدخول لان الاصل لايعارض ظاهر الكتاب و السنة و بالاجماع و الحق انه حجة لمحصله فانه ليس محصلاً عاماً بتّاً و بالسيرة و الانصاف انها لمتتحقق علي الاستحباب عند جميع انحاء الذكر و لمتبلغ مبلغاً يعارض بها ظاهر الكتاب و السنة و بخلو الادعية و الاخبار عنها غالباً و الانصاف ان كثيراً من الاخبار و الادعية يخلو عنها بعضها مع ذكر الاسم و بعضها مع ذكر الالقاب و الضماير و الاشارات و اما ان اغلبها خال فلايمكن تصديقه لنا اما الاخبار و الخطب فيحتمل فيها ان الكتّاب اكتفوا فيها بالرمز كما هو العادة ثم ترك بطول الايام و مساهلة المستنسخين و اما الادعية فلضبطها بالفاظها هذا الاحتمال فيها ضعيف انصافاً و بانـه لو كان كذلك لاشتهر حتي صار اشد ضرورة من وجوب الصلوات الخمس لشدة تكررها و كثرة التلفظ بها و هذا انصافاً دليل واضح فانها لو كانت فريضة متعينة لصارت من ضروريات الاسلام و اشد ضرورة من الصلوة و الصوم و الحج لشدة تكرر ذكر الاسم في اغلب الاوقات و لما خفي امرها علي اساطين العلماء حتي يدّعوا الاجماع علي خلافه و بعدم تعليمه للمؤذنين اقول قد مرّ الخبر في الامر بالصلوة عند ذكره في الاذان و غيره لكن الانصاف يقتضي ان يقال انها لو كانت واجبة من عصر النبي كعدل ساير الفرايض لماكان يوجد فيه حديث واحد عن الباقر7 و لكان يتكرر السؤال عنها و الجواب في احاديث كثيرة كالصلوة و الصوم و غيرها من الفرايض.
و الاحاديث الواردة كما ذكرنا يستشم منها رايحة الاستحباب و كم من مستحب شددوا فيه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 44 *»
حتي يظن لحوقه بالفرايض و امثاله كثيرة في الاخبار و حصل لي قراين اخر علي الاستحباب قطعية و هي انه لا شك ان الناس كانوا يخاطبون النبي9 بيا رسول اللّه و غيره و يسلمون عليه و في مخاطبتهم اشارات و ضماير له و من المقطوع به انهم ماكانوا يصلّون بعد كل ذكر لها و الا لكان اكثر كلامهم صلوة عليه و لو كان كذلك لماخفي علي المسلمين حتي يختلفوا في وجوبها حتي يدّعوا الاجماع علي الاستحباب و كذا كانوا يخاطبون الائمة بيابن رسول اللّه و يسلمون عليهم و لو كانوا يصلّون عليه لنقل كما نقل ساير تحياتهم كفديتك و جعلت فداك و اصلحك اللّه و غيرها و كذا يسلّم علي النبي في الصلوة و من الضروريات عدم الصلوة عليه بعده و كذا بعد ضمير و تقبّل شفاعته في امته و ارفع درجته و ان مقتضي اطلاق الاخبار و عمومها انها واجبة عند كل ذكر سواء كان بالاسم او اللقب او الكناية او الضمير او التوجه او التأويل او الباطن و بايّ نحو ذكر و الاجماع منعقد علي انها لاتجب عند كل نحو ذكر و ان اردنا تخصيص العمومات ليس له حد يوقف عليه و لميضبط الي الآن و لميعرف حد التخصيص بدليل احد من العلماء و الفرض المعين ليس يخفي في الاسلام هذا الخفاء و هذا عندي اصل يتفرع عليه فروع كثيرة و ان مقتضي اخبار الاجتزاء بالشهادتين في التشهد كلها معارضة للاحاديث الدالة علي الوجوب انصافاً و فيه الاسم الشريف و كثير من الادعية خالية عن الصلوة مع ذكره له باسمه او لقبه او كنيته او الاشارة اليه و هي و ان كان يحتمل فيها ما ذكرنا الا انه ضعيف و الادعية مضبوطة غالباً بالجملة هذه القراين دلّتنا و حملتنا علي ان نحمل الاخبار علي الاستحباب المؤكد و تلك العقوبات علي من تركها رغبةً عنها او تهاوناً بحق النبي9 فانه قد وقع تركها عن الائمة: في ادعية كثيرة مضبوطة في غاية الضبط كادعية الصحيفة السجادية او استكباراً عن تعظيم النبي9 هذا و علي فرض الوجوب ليس الوجوب بفوري قطعاً لشهادة التشهدات الواردة المجمع عليها و شهادة الدعوات المضبوطة و يجوز التداخل عند سماع ذكره مرات عديدة كما قد وقع في التشهد الكبير و الدعوات و لقول ابيجعفر
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 45 *»
7 لانهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة فاذا صلّي علي محمد و آلمحمد مرة بعد ان ذكر مرات باسمه او لقبه او اشارة او ضمير جاز و ان كان يستحب التكرار لقول ابيجعفر7 كلما ذكرته او ذكره ذاكر عندك في اذان او غيره و لفظة «كلما» تفيد التكرار و الاحوط ان يكون ناوياً للتداخل فانه لا عمل الا بالنية و ان يكون يحتمل عدم وجوب النية اي نية التداخل كالوضوء و الغسل علي الاصح بالجملة هذا مجمل من احكام الصلوة علي محمد و آلمحمد:.
فصل: في ذكر بعض الاخبار في فضل الصلوة علي محمد و آلمحمد: ففي الوسائل عن الكليني بسنده عن محمد بن مسلم عن احدهما8 قال ما في الميزان شيء اثقل من الصلوة علي محمد و آلمحمد و ان الرجل لتوضع اعماله في الميزان فتميل به فيخرج9 الصلوة عليه فيضعها في ميزانه فترجح و عن عبداللّه بن سنان عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 ارفعوا اصواتكم بالصلوة عليَّ فانها تذهب بالنفاق و عنه9 الصلوة عليَّ و علي اهل بيتي تذهب بالنفاق و عن ابيبصير عن ابيعبداللّه7 قال اذا ذكر النبي9 فاكثروا الصلوة عليه فانه من صلّي علي النبي9 صلوة واحدة صلّي اللّه عليه الف صلوة في الف صفّ من الملئكة و لميبق شيء مما خلقه اللّه الا صلّي علي العبد لصلوة اللّه و صلوة ملئكته فمن لميرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ اللّه منه و رسوله و اهل بيته و عن عبدالسلام بن نعيم قال قلت لابيعبداللّه7 اني دخلت البيت و لميحضرني شيء من الدعاء الا الصلوة علي محمد و آله فقال اما انه لميخرج احد بافضل مما خرجت به و عن ابيالقداح عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 من صلّي عليَّ صلّي اللّه عليه و ملئكته فمن شاء فليقلّ و من شاء فليكثر و عن ابنبابويه بسنده عن علي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 46 *»
بن الحسن بن فضال عن ابيه قال قـال الرضا7 في حديث من لميقدر علي ما يكفّر به ذنوبه فليكثر من الصلوة علي محمد و آله فانها تهدم الذنوب هدماً وقال7 الصلوة علي محمد و آله تعدل عند اللّه عز و جل التسبيح و التهليل و التكبير و عن عبدالعظيم الحسني قال سمعت علي بن محمد العسكري يقول انما اتخذ اللّه عز و جل ابرهيم خليلاً لكثرة صلوته علي محمد و اهل بيته صلوات اللّه عليهم و عن علي7 قال الصلوة علي النبي و آله امحق للخطايا من الماء للنار و السلام علي النبي و آله افضل من عتق رقاب و عن ابيحمزة في حديث في تفسير قوله (ان اللّه و ملائكته) الآية، الي ان قال فكيف نصلّي علي محمد و آله قال تقولون صلوات اللّه و صلوات ملئكته و انبيائه و رسله و جميع خلقه علي محمد و آلمحمد و السلام عليه و عليهم و رحمة اللّه و بركاته قال فقلت فما ثواب من صلّي علي النبي9 بهذه الصلوة قال الخروج من الذنوب كهيئة يوم ولدته امه و عن كعب بن عجزة قال قلت يا رسول اللّه قد علمنا السلام عليك فكيف الصلوة عليك فقال قولوا اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد كما صليت علي ابرهيم و آلابرهيم انك حميد مجيد و بارك علي محمد و آلمحمد كما باركت علي ابرهيم و آلابرهيم انك حميد مجيد و عن عبداللّه بن جعفر بسنده عن بكر بن محمد قال سمعت اباعبداللّه7 يقول و قد قال بعض اصحابه اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد كما صلّيت علي ابرهيم فقال ابوعبداللّه7 لا و لكن قل كافضل ما صلّيت و باركت علي ابرهيم و آل ابرهيم انك حميد مجيد و عن الكليني بسنده عن ابيبصير عن ابيعبداللّه7 قال مااجتمع في مجلس قوم لميذكروا اللّه و لميذكرونا الا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيمة ثم قال قـال ابوجعفر7 ذكرنا من ذكر اللّه و ذكر عدونا من ذكر الشيطان و عن ابنبابويه بسنده عن داود بن القاسم الجعفري عن ابيجعفر محمد بن علي8 في حديث ان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 47 *»
الحسن7 اجاب السائل الذي سأله عن الذكر و النسيان فقال ان قلب الرجل في حق و علي الحق طبق فان صلّي الرجل عند ذلك علي محمد و آلمحمد صلوة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فاضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسي و ان هو لميصلّ علي محمد و آلمحمد او نقص من الصلوة عليهم انطبق ذلك الطبق علي ذلك الحق فاظلم القلب و نسي الرجل ما كان ذكره و عن الرضا عن آبائه عن علي7 قال قـال النبي9 من كان آخر كلامه الصلوة عليَّ و علي عليّ دخل الجنة و عن الكليني بسنده عن اسحق بن فروخ عن ابيعبداللّه7 من صلّي علي محمد و آلمحمد عشراً صلّي اللّه عليه و ملئكته الفاً أماتسمع قول اللّه عز و جل (هو الذي يصلّي عليكم و ملئكته ليخرجكم من الظلمات الي النور و كان بالمؤمنين رحيما) و سأل الرضا7 رجلاً ما معني قوله (و ذكر اسم ربه فصلّي) قال كلما ذكر اسم ربه قام فصلّي فقال له لقد كلّف اللّه عزوجل هذا شططاً فقال جعلت فداك و كيف هو فقال كلما ذكر اسم ربه صلّي علي محمد و آلمحمد و عن ابيعبداللّه7 سمع ابي رجلاً متعلقاً بالبيت و هو يقول اللّهم صلّ علي محمد فقال له ابي7 لاتبترها لاتظلمنا حقنا قل اللّهم صلّ علي محمد و اهل بيته و عن النبي9 من قال صلّي اللّه علي محمد و لميصلّ علي آله لميجد ريح الجنة و ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام و عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 ذات يوم لاميرالمؤمنين7 ألاابشرك قال بلي الي ان قال قـال اخبرني جبرئيل ان الرجل من امتي اذا صلّي عليّ و اتبع بالصلوة علي اهل بيتي فتحت له ابواب السماء و صلّت عليه الملئكة سبعين صلوة و انه لمذنب خطأ ثم تحاتّ عنه الذنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر يقول اللّه تبارك و تعالي لبيك عبدي و سعديك يا ملئكتي انتم تصلّون عليه سبعين صلوة و انا اصلّي عليه سبعمائة صلوة و اذا صلّي عليّ و لميتبع بالصلوة علي اهل بيتي كان بينها و بين السموات
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 48 *»
سبعون حجاباً و يقول اللّه تبارك و تعالي لا لبيك و لا سعديك يا ملئكتي لاتصعدوا دعاءه الا ان يلحق بالنبي عترته فلايزال محجوباً حتي يلحق بي اهل بيتي و من ثوابالاعمال عن عمار بن موسي قال كنت عند ابيعبداللّه7 فقال رجل اللّهم صلّ علي محمد و اهل بيت محمد فقال ابوعبداللّه7 يا هذا لقد ضيّقت علينا أماعلمت ان اهل البيت خمس اصحاب الكساء فقال الرجل كيف اقول فقال قل اللّهم صلّ علي محمد و آلمحمد فنكون نحن و شيعتنا قد دخلنا فيه وعن المرتضي نقلاً من تفسير النعماني باسناده الآتي عن علي7 عن رسول اللّه9 قال لاتصلّوا عليّ صلوة مبتورة بل صلّوا علي اهل بيتي و لاتقطعوهم فان كل نسب و سبب منقطع يوم القيمة الا نسبي و عن ابنبابويه عن ابيعبداللّه7 اذا ذكر احد من الانبياء فابدء بالصلوة علي محمد و آله ثم عليه صلّي اللّه علي محمد و آله و علي جميع الانبياء و عن ابيعبداللّه7 ان الصلوة علي النبي من تمام الصلوة و لا صلوة له اذا ترك الصلوة علي النبي و عن الكليني بسنده عن ابيجعفر7 من قال في ركوعه و سجوده و قيامه صلّي اللّه علي محمد و آله كتب له بمثل الركوع و السجود و القيام و عن ابنبابويه باسناده عن عبداللّه بن سنان قال قـال ابوعبداللّه7 اذا كان عشية الخميس و ليلة الجمعة نزلت ملئكة من السماء و معها اقلام الذهب و صحف الفضة لايكتبون عشية الخميس و ليلة الجمعة و يوم الجمعة الي ان تغيب الشمس الا الصلوة علي النبي و آله9 و عن الكليني بسنده عن عمر بن يزيد نحوه و قال في آخره يا عمران من السنة ان تصلّي علي محمد و اهل بيته في كل جمعة الف مرة و في ساير الايام مائة مرة و عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 اكثروا من الصلوة عليّ الليلة الغراء و اليوم الازهر ليلة الجمعة و يوم الجمعة فسئل الي كم الكثير قال الي مائة و ما زادت فهو افضل و عن ابيجعفر7 قال ما من شيء يعبد اللّه به يوم الجمعة احب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 49 *»
اليّ من الصلوة علي محمد و آلمحمد الي غير ذلك من الاخبار.
و من البين ان الانسان في دعائه اما يدعو لنفسه او لاحد من اخوانه في حاجات جزئية و ايّ من يدعو له افضل من محمد و آلمحمد: و ايّ دعاء افضل من تزكية اللّه لمحمد9 و رحمته له و لآله الطيبين صلوات اللّه عليهم اجمعين ففضل الصلوة عليهم علي ساير الدعاء كفضل محمد و آلمحمد: علي ساير الخلق البتة و هو لايحصي و لايستقصي و من البين ان من احسن الي كريم يكافيه باحسن ما يمكنه و ايُّ كريم اكرم من محمد و آلمحمد صلوات اللّه عليهم و ايّ متمكن اشدّ تمكناً منهم صلوات اللّه عليهم فلا جرم يكافونه عليها بما لاغاية له و لانهاية، و لاخسارة و لاندامة و لاغرامة في المعاملة مع الكريم و الواجب ان تكون علي توجه الي اللّه سبحانه فلاتخاطبه و انت متوجه الي غيره و لاتدعوه و انت لاهٍ ساهٍ و علي تعظيم للنبي9 و تعظيم آله: و لاجل الشكر للّه بانعامه عليك بوجودهما و الشكر لهم بانعامهم عليك جميع ذاتك و صفاتك و افعالك و جميع ما
يــــݘـول اليك مما هو لك و بك و منك و اليك و معك فتصلّي عليهم صلوة شاكر لنعمتهم فانهم اولياء النعم متوجهاً الي ان هذه الصلوة ايضاً من نعمتهم عليك و فضلهم فلاتقدر علي اداء حقهم و شكر نعمتهم البتة و تتوجه الي اللّه حين صلوتك عليهم بهم و فيهم و تتوجه بوجههم و تسأل بلسانهم حتي يستجاب لك و يجيء تفصيل هذا المقام في محله ان شاء اللّه.
المطلب الرابع
فى الدعاء و هو احد انحاء الذكر
و لما كان من شأننا و الحمد للّه ان نشرح كل مطلب علي حقيقته و نبيّن اسراره وجب علينا ان نرتّب هذا المطلب ايضاً علي فصول.
فصل: اعلم ان الدعاء لغةً طلب الاقبال يقال دعوت زيداً اي طلبت اقباله اليّ و دعوته الي فلان طلبت اقباله الي فلان و منه (ادع الي سبيل ربك) اي اطلب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 50 *»
من المكلفين اقبالهم الي سبيل ربك و دعوت اللّه اي طلبت اقباله اليّ و سألته ان يقبل اليّ فاذا دعوته في امر خاص طلبت اقباله اليك من ذلك الوجه و من ذلك الباب كما توجهت اليه من ذلك الباب فاذا اقبل اللّه الي عبد من وجه العافية القي مثال وجهه ذلك عليه فعافاه و عوفي و اذا اقبل اليه من وجه الغني القي مثال وجهه ذلك عليه فاغناه و غني و هكذا فان اللّه سبحانه لايقبل علي عبد بذاته المقدسة و انما يقبل عليه بمشيته الماضية و لها رءوس و وجوه بحسب ذرات الموجودات و لتلك الرءوس مظاهر و مجالٍ هي ابواب ظهور آثار تلك الرءوس منها علي حسبها فلها وجه ظاهر من باب الغني و وجه ظاهر من باب العافية و وجه ظاهر من باب المغفرة و وجه ظاهر من باب العفو و وجه ظاهر من باب الرحمة و هكذا و تلك الابواب هي مجالٍ و مظاهر لمحل المشية الكلي فانه الباب الكلي و تلك المجالي شئونه و اطواره فانه اصل كل خير و معدنه و مأواه و منتهاه فانت اذا قرعت باباً من تلك الابواب و وقفت عليه مبتهلاً خالصاً في التوجه منقطعاً عن غيره و دعوته ان يقبل عليك من ذلك الباب اقبل عليك و فتحه علي وجهك فاذا فتح باب المغفرة علي وجهك فاض عليك المغفرة و اذا فتح علي وجهك باب العافية فاض علي وجهك العافية لنفوذ مشيته الكلية عنه و انصباغها فيه و ذلك الباب الخاص مكنون فيك مخزون عندك و مفتاحه الدعاء فاذا صوّرت نفسك بصورة المغفرة فهي منك طلب مغفرة و منه سبحانه عطاء المغفرة و تصويرك نفسك بالمغفرة ان يتوجه نفسك الي الاسم الغفار العام الكلي حتي يقع شبحه فيها فتتصور بصورة الغفار فتصير باب المغفرة و يتوجه خيالك الي مثال ذلك الاسم في عالم المثال فيقع شبحه فيه فيتصور بصورته كما يتصور المرآة بصورة زيد الواقعة فيه و علامة صدق ذلك انيصير نفسك و خيالك منشأ اثر المغفرة فتغفر لاخوانك و لمن اساء اليك كما ان المرآة تضيء الحيطان اذا صدقت انه وقع شعاع الشمس فيها فاذا فاض منك روح المغفرة و غفرت للناس كما قال اللّه سبحانه (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون ايام اللّه) صدقت في توجهك الي الاسم الغفار و يتوجه اليه بدنك حتي يقع عليه شبحه فيظهر منه آثار المغفرة في الظاهر بالنسبة الي الناس المستحقين
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 51 *»
حاشا من عودي فيه فان اللّه لايغفر ان يشرك به و من توجه البدن الي العزيز الغفار جريُ لسانك بدعوة الغفار و ندائه و طلب المغفرة منه و استقبال وجهك الي الغفار لهذه الجهة و ارتفاع يدك الي السماء لطلب المغفرة و هكذا جريُ كل عضو منك مجراه حال الدعوة فاذا توجهت هكذا الي العزيز الغفار و دعوته فقد قرعت بابه هذا و طلبت منه المغفرة فيتوجه اللّه جل و عز من هذا الباب بمشيته في محلها في توجهك الخاص الذي هو الباب الخاص المُعَدّ لك فهو منك باب طلب و منه باب عطاء يهديهم ربهم بايمانهم، بكفرهم لعنّاهم و هذا سرّ سار في جميع ذرات الوجود فانها كلها من حيث الاعلي وجوه فعل و رءوس مشية للّه سبحانه و من حيث هي هي مفاعيل و مخلوقات و مشاءات و اللّه سبحانه يخلق كل شيء به فنفس ذلك التصور من حيثك عملك و طلبك و قرعك و من حيثه فضله و جوده و عنايته الشاملة لك و توجهه اليك و ما لميتوجه هو اليك به لمتتوجه انت اليه به و ذلك علم صعب لايمكن شرحه هنا كما ينبغي و ان اشرنا الي بعض جهاته بقدر الكفاية و الاحسن ان نتكلم بلسان اوضح.
فاقول ان اللّه سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و صفة خلقه لها ان اللّه سبحانه انشأ سحاب مشيته علي ارض الامكان و امطر منها مطر الوجود مطراً مطبقاً عاماً شاملاً عرصة الامكان و لميكن في ذلك الماء النازل تعين و تخصص بشيء دون شيء و انما نزل ذلك الماء العام اولاً لسبق دعوة عموم الامكان خصوصه و لاجتماع القوابل طرّاً علي ذلك الدعاء العام و احتياج الكل اليه علي نحو العموم فاستجاب اللّه لهم ذلك و افاض عليهم ذلك الماء الشامل العام فاقتسموه بينهم و اغترف كل من ذلك البحر الزخار بحسب انائه فسالت اودية بقدرها و عمل كل علي شاكلته صنوان و غير صنوان يسقي بماء واحد،كلاً نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و هو ذلك الماء و ماكان عطاء ربك محظوراً فتعين حصة من ذلك الماء المتشاكل الاجزاء في اناء كل قابلية علي حسبه و تخصص بخصوصيته و تشكّل بشكله و تطبّع بطبعه و انصبغ بصبغه كما لو قابلت مرايا مختلفة شكلاً و صبغاً بجدار ابيض متشاكل الاجزاء يتهيأ مثاله الوحداني
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 52 *»
في بطون تلك المرايا علي حسبها فتلك الاختلافات منها لا منه و علي ذلك جري جميع مراتب الايجاد بحيث لاتجد فيها اختلافاً انظر ان اللّه سبحانه كيف ينزل ماء مباركاً متشاكلاً فيقع في بطون بقاع الارض فيخرج من كل بقعة زرع مختلف الوانه فمنها يخرج منها انواراً و منها اثماراً و منها ريحاناً و منها حباً و منها عشباً و منها لاتنبت شيئاً و هي سبخة و الماء النازل واحد لا اختلاف فيه و كذلك الامر فيما افاض اللّه بمشيته علي القوابل الامكانية و هو عطاء غيرمجذوذ و غيرمحظور و لمينزل بخصوص احد دون غيره و ليس لربك قرابة مع احد و لا له خصوصية باحد و ليس فيه منع عن احد و انما هو عطاء شامل علي البرّ و الفاجر فمن اغترف من ذلك البحر نال نصيبه منه علي حسب اغترافه و سعة انائه و ضيقه و سرعته و بطئه و من لميغترف لمينل منه شيئاً و ليس للّه خصوصية و قرابة مع احد و لمينزل من السماء شيء باسم احد قل لايعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم و طلب العطاء من غير مسئلة و اغتراف امنية و ليس بامانيكم و لا اماني اهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به.
و اعلم ان الدنيا و الآخرة علي نمط واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا ان اللّه خلق من جوده الماء من شرب روي و من لميشرب لميرو و خلق الهواء فمن تنفس حيي و من لميتنفس لميحي و خلق المعدن من عمل استخرج الجوهر و من لميعمل لميخرج ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري و من يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره و كذلك ان اللّه سبحانه انزل من السماء عطاء عاماً شاملاً يعم الدنيا و الآخرة و الجواهر و الاعراض فليغترف مغترف بقدر ما يشتهي و ليرج ربه ان لايمنعه العطاء و انه اذا اغترف يمتلي اناؤه من فضله و يعطي ما يسأل ثم ليعمل علي حسب رجائه كما يرجو في امور دنياه و يعمل لها بقدر رجائه حرفاً بحرف و ليحسن ظنه بربه في فضله و جوده و ليؤمن به و بقوله (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) و قوله (ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 53 *»
عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) و ذلك ان من لميدع لميغترف ومن لميغترف لمينل ماء و من لمينل ماء مات و هلك و وقع في نار العذاب و العطش الاليم.
و لما كان للانسان مراتب من بدء وجوده الي منتهي شهوده و كل مرتبة منه علي حسب عالم من العوالم كان لكل مرتبة منه طريقة اغتراف و هي عبادته الموظفة في الشرع التي دعت اليها الانبياء و المرسلون و نزلت بها الكتب السماوية و الشرايع الالهية فجميع صنوف العبادة من جميع جهاتها وجوه الاغتراف من بحر عطاء اللّه و العامل بها سائل جميع جهات الخير و الفضل من اللّه في الدنيا و الآخرة و يناله نصيبه منه البتة لايخيب و لايخزي و لايرد و لايمنع البتة كرماً من اللّه و جوداً و اي شيء اعظم من ذلك في سببية حسن الظن باللّه و صدق الرجاء اليه و يسمي ذلك البحر المبذول باسماء علي حسب الاغترافات كما ورد في الدعاء اللّهم ان قلوب المخبتين اليك والهة و سبل الراغبين اليك شارعة و اعلام القاصدين اليك واضحة و افئدة العارفين منك فازعة و اصوات الداعين اليك صاعدة و ابواب الاجابة لهم مفتّحة و دعوة من ناجاك مستجابة و توبة من اناب اليك مقبولة و عبرة من بكي من خوفك مرحومة و الاعانة لمن استعان بك موجودة و الاغاثة لمن استغاث بك مبذولة و عِداتك لعبادك منجزة و زلل من استقالك مقالة و اعمال العاملين لديك محفوظة و ارزاقك من لدنك الي الخلايق نازلة و عوائد المزيد اليهم واصلة و ذنوب المستغفرين مغفورة و حوائج خلقك عندك مقضية و جوايز السائلين عندك موفّرة و عوائد المزيد متواترة و موائد المستطعمين معدّة و مناهل الظماء مترعة الدعاء، و جميع ذلك هو ذلك البحر الزخار المحيط المطيف بعالم الامكان و يسمي عند اختلاف القوابل باسماء عندها فهو استجابة للدعاء و قبول للتوبة و رحمة للعبرة و اعانة للمستعين و اغاثة للمستغيث و هكذا فاذا عرفت فصدّق ان ما من اللّه موجود لا تعطيل فيه و لا امتناع و لا تأخر له و انما النقصان في الاخذ منه و لاتقل اني دعوت و لميستجب لي فانه محال في عرصة الفضل و الوعد بعد المنحة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 54 *»
العامة و انما النقصان منك و طلبك و من طلبه وجده البتة و هو قبل الدعاء و مع الدعاء و بعد الدعاء حاضر عتيد سل تعط ادع تجب و في الدعاء رب من ذا الذي دعاك فلمتجبه و من ذا الذي سألك فلمتعطه الدعاء فاذ لمتعط لمتسئل و اذ لمتُجَب لمتدع البتة و لاتحسبن اللّه مخلف وعده رسله و الوجه انك ربما لميسأل احدي مراتبك و احدي ذرة من ذرات وجودك او سألت خلاف ما تسأله بلسانك و انما السائل منك لسانك وحده بالعرض و كل مرتبة من مراتبك و ساير اعمالك و اخلاقك يدعو بخلافه او هي معرضة مدبرة فلمتعط الحاجة فتقول دعوت و لميستجب لي ألاتري انك لو زرعت و لمينبت يكون التقصير منك فاما اثرت الارض بعد الزرع و افسدته و اما لمتثر الارض قبله و اما كان الحب فاسداً او كان في غير اوانه او كان الارض سبخة او لمتسقه ماء او لمتمنع عنه ساير الآفات و لايكون خلف في الوعد و لا نقض في حكم ازرع ينبت البتة و صح قول القائل من ذا الذي زرع و لمينبت اذا زرع حقيقة و اقام بشروطه و كذلك و اللّه الحكم في امر الباطن لميوجد و لنيوجد من دعا اللّه و لميجبه و سأله فلميعطه ابداً ابداً و من رأي خلاف ذلك من نفسه فليعلم ان النقص من الدعاء و المسئلة فليصلحهما و لاييأس من اللّه و من عطائه و جوده فمن اغترف بالمنخل و لميصب ماء فلاينبغي ان يقنط من البحر و ييأس منه و يعتقد انه لا ماء فيه و انما ينبغي ان يعتقد ان العيب في المغرفة و يبادر الي اصلاحها فان اصلحتها و الا فعجزك عن اصلاحها و جزعك علي ذلك و انكسارك و سخطك علي نفسك مغرفة واسعة تسع كثيراً من الماء ان شاء اللّه و بشّر المخبتين قال اللّه سبحانه (قل يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) و قال (انه لاييأس من روح اللّه الا القوم الكافرون) و لميقل لاتقنطوا من انفسكم و لاتيأسوا من انفسكم بل المؤمن قانط من نفسه ان تعمل بنفسها خيراً او تقدر علي ما يرضي اللّه آيس منها معتمد علي اللّه سبحانه راج منه محسن ظنه به و لما كان الاياس من النفس لاينافي الرجاء من اللّه و حسن الظن به فعلامة ذلك ان لايترك العمل الآيس
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 55 *»
من نفسه و ان لايترك السخط علي نفسه و الخضوع و التضرع و الابتهال و الاعتذار و الاقرار و الازدراء علي نفسه ابداً و السعي في اصلاح النفس و لا شك انه لولا فضل اللّه سبحانه لمتقدر علي خير ابداً بل لمتكن شيئاً اذ بفضله و جوده وجد الموجودات فلا شك انه مع قطع النظر عن فضله يجب الاياس من النفس و القنوط من خيرها من حيث نفسها اذ لا خير لها فمن اخبت و خضع و عجز و اظهر العجز و جزع و سخط علي نفسه عالماً بان اللّه جواد كريم راضياً عنه محسناً ظنه به كفي في نجاته البتة ففي الكافي عن ابيعبداللّه7 قال اوحي اللّه عز و جل الي موسي صلّي اللّه عليه يا موسي اشكرني حق شكري فقال يا رب و كيف اشكرك حق شكرك و ليس من شكر اشكرك به الا و انت انعمت به عليّ قال يا موسي الآن شكرتني حين علمت ان ذلك مني و عن ابيجعفر7 قال لا واللّه مااراد اللّه من الناس الا خصلتين ان يقرّوا له بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم بالجملة العجز و الاخبات و الانكسار بنفسه من اعظم المغارف من بحر رحمة اللّه عز و جل.
فلنرجع الي ما كنا بصدد بيانه و هو ان لجميع مراتب الانسان اعمالاً هي دعواتها من اللّه سبحانه ما لها منه و له في الظاهر اخلاق و اقوال و افعال و اعمال و قرانات و اضافات كلها دعوات من اللّه سبحانه ما لها منه فان وافقت جميع ذلك و دعوت اللّه سبحانه بلسان واحد في امر واحد قرنت بالاجابة في آن واحد و لمتتخلف عنها و ان اختلفت في الدعوة فيعطي كل من المقتضي و المانع حقه و لايظهر من بينهما الا الغالب مثلاً اذا دعوت بلسانك بطول العمر و زرت ببدنك الحسين7 و تصدقت بصدقة و اجتنبت السموم و المضار و الاشياء الممرضة و هكذا ساير ما هو من اسباب طول العمر عملت به يستجاب لك في آن واحد و اما اذا دعوت بلسانك بطول العمر و قطعت الارحام و تركت زيارة الحسين7 مع المكنة او شربت سمّاً او اوقعت نفسك من جبل فانما يعطي اللّه الجواد كل دعاء اجابته فلايكون الحاصل الا حكم الغالب فافهم ما اقول لك فالدعاء بجميع الجهات و المراتب هو الاسم الاعظم الاعظم فمن قدر عليه و اتي به هو
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 56 *»
الذي لايرد له دعوة و لايخيب له طلبة و من نقص عنه نقص عنه بقدره و جماع ذلك كله الاخذ بسنن الانبياء و المرسلين و العمل بشرايعهم في جميع المراتب و بذلك يصير الانسان ممن يستجاب دعوته و يعطي مسألته و يقضي حاجته علي حسب ما يشاء و يكون اللّه له كما كان للّه و من قصر في ذلك ينقص عنه و ينحط درجته بحسبه في الدنيا و الآخرة فعن الصادق7 الدعاء استجابة الكل منك للحق و تذويبك المهجة في مشاهدة الرب و ترك الاختيار جميعاً و تسليم الامور كلها ظاهرها و باطنها الي اللّه فان لمتأت بشرط الدعاء فلاتنتظر الاجابة فانه يعلم السرّ و اخفي الخبر.
و ان قلت فما بال المشركين و الكفار قد يستجاب لهم دعوة و هم غير آخذين بشرايع الانبياء اقول انهم اذا دعوا قد اخذوا بشريعة الانبياء في الجملة و كل ما بهم من خصال الخير و لو بالعرض اخذ بشرايع الانبياء في الجملة و لهم ايضاً اقتضاءات كونية و في اجابتهم قد يكون مصالح ملكية فلذلك يستجاب لهم و ذلك حظهم من انتحالهم بعض الخير و لايضيع في باب عظمة اللّه و جلاله عمل عامل و كل يناله نصيبه و هذا الذي يزيد في رجاء الراجين و احسان ظن المؤمنين و مثلهم ساير الاطفال و المستضعفين فافهم راشداً موفقاً.
فصل: في الحثّ علي الدعاء و الترغيب فيه اعلم ان اللّه سبحانه غني عن خلقه بالكلية لا حاجة به الي شيء من خلقه و لا انتساب له مع احد من خلقه و لاارتباط و لا قرابة و لا مماثلة و لا مشاكلة و لا مجانسة و لا اقتضاء في ذاته لشيء من خلقه و لا شهوة فيه تبعثه علي شيء و لا طبيعة تهيجه الي شيء و لايقترن بشيء من خلقه ابداً ابداً بوجه من الوجوه فلايعطي بمقتضي ذاته و لايمنع و لايخص احداً بشيء و لايعم و لايقرب و لايبعد و لايعز و لايذل و لايعذب و لاينعم و هكذا جميع ما هو سوي ذاته لايصدر من ذاته شيء منه بمقتضي ذاته اي ذات اللّه ابداً ابداً اذ كل ذلك يستلزم الحدوث و ما يوصف به اللّه سبحانه انه المبتدي بالنعم و انه البادي بالنعم فانه المبتدي بالنعم قبل ان تسأله بلسانك و تطلب منه في التشريع و لكن لابد و ان يكون له اقتضاء في التكوين و الا فلايعقل قضاء بلا
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 57 *»
اقتضاء و مقبول بلاقابل و عطاء بلاسائل نعم ما من اللّه سبحانه اعلي و ما من العبد ادني و ذلك لاشك فيه و اذا لاحظت ان الكل نوره و ظهوره فهو باجمعه منه اليه فذلك غير حيث النعمة و انما هو حيث انه كماله و جماله و نوره و بهاؤه فافهم ما قلت لك فلايمكن ان يصدر من مشيته سبحانه امر من غير اقتضاء و طلب من خلقه فانه الغني القدوس المنزه عن مماثلة خلقه ليس كمثله شيء و هو السميع البصير فاذ لميعط و لميتوجه الي احد من اقتضاء من نفسه و بلا اقتضاء فلابد من اقتضاء و طلب من العبد بان يدعوه و يرفع اليه اكفّ حاجته و يتوجه اليه بكله بوجه حاجته حتي يقدّر له و يقضي حاجته و يعطاها و يختص به الفيض العام الكامل و الفضل الشامل الموجود الدائم المتواصل و يظهر فيه و عليه و له و لولا هذا الدعاء و هذا التوجه لميختص به شيء و لميظهر عليه و لميقع في كفه عطاء ابداً ابداً قال اللّه تعالي (ادعوني استجب لكم) و قال ( قل مايعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) فمن لميدع لمينل شيئا في الدنيا و الآخرة و في التشريع و التكوين و هذا الدعاء في الحقيقة هو تخطيطات العبودية في التكوين و التشريع فان لميكن عبد فلا عبد و ان كان فهو داع بنفس العبودية و للعبودية مقامان كوني و شرعي فمن لميدع في الكون لميوجد و من لميدع في الشرع لميعط و جميع الشرايع حدود العبودية و العبودية هي الانقياد للرب و الانقطاع اليه عن نفسه و ما سواه و ذلك الانقياد و الانقطاع هو مجلبة كل خير و مدفعة كل شر و دعاء كل حاجة فمن خصّ دعاءه تخصص و الا عمّ و شمل فالدعاء هو تخطيطات العبودية و حدودها و تاركه خارج عن حد العبيد فهو للشيطان مصيد قال اللّه سبحانه (ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) فسمي الدعاء عبادة و تاركه مستكبراً و جزاؤه جهنم و سيدخلون جهنم داخرين فكلما يكمل العبد في مقام العبودية يكثر دعاؤه و تضرعه و مسألته و كلما كثر دعاؤه كثر اجابته و كثر مسئولاته و مطلوباته و ملكه و بسطه و ثوابه و اتسع جنته و وفر خيره و ظهر عليه آثار الربوبية حتي تحققت فيه و كل ذلك بالدعاء و هو كما ذكرنا بجميع المراتب و جميع الالسن الكونية و الشرعية و منها الدعاء باللسان كجزء من مائةالفالف جزء و علي اي حال هو من متممات
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 58 *»
القابلية و مكملاتها و لاتقولن كبعض الكسلانين المغتنمين للكسالة ان اللّه هو الرءوف الرحيم و ابرّ من الوالد الشفيق و خبير عليم يعلم حاجتي و صلاحي فيدبّر امري و لاحاجة الي المسئلة بل هو سوء ادب فان اللّه هو الغني القدوس ايضاً و هو قد وعد الاجابة للداعين و عدّ التارك مستكبراً و وعده جهنم و قال لااعتني بكم ان لمتدعوا و دلّ العقل و النقل علي انه لاينال احد من اللّه شيئاً الا بالدعاء فهو رءوف رحيم بالداعين و برّ بالسائلين لا بالمستكبرين عن عبادته و خبير عليم بالحاجة و الصلاح و قادر علي التدبير و لكن لايفعل و لايقتضي من حيث ذاته شيئاً فهذا القول هو تسويل الشيطان و شيمة البطالين الذين اعيـٰهم الدعاء و العبادة و يحبون الفراغ و الغفلة و ان الدعاء هو شيمة الانبياء و سيرة الاولياء و طريقة الاتقياء و سبيل الحكماء و منهج العرفاء و لاينافي الرضا بالقضاء بوجه من الوجوه فانهم يعرضون الحاجة و راضون بما فعل اللّه بهم و قضي عليهم كما قال الشيخ الاوحد:
فان وفي و ان جفا و ان صفا | هو الحبيب اي حال ارتضي |
ففي الوسائل عن ابيعبداللّه7 ان الدعاء هو العبادة ان اللّه عز و جل يقول (ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) و قال (ادعوني استجب لكم) و قال في حديث و لو ان عبداً سدّ فاه و لميسأل لميعط شيئاً فسل تعط و قال من لميسأل اللّه عز و جل من فضله افتقر و عن ابيجعفر7 انه قيل له ان ابرهيم لاَوّاه حليم قال الاوّاه هو الدعّاء و عن ابيعبداللّه7 الدعاء كهف الاجابة كما ان السحاب كهف المطر و قال7 الدعاء يرد القضاء بعد ما ابرم ابراماً فاكثر من الدعاء فانه مفتاح كل رحمة و نجاح كل حاجة و لاينال ما عند اللّه عز و جل الا بالدعاء و انه ليس باب يكثر قرعه الا يوشك ان يفتح لصاحبه و عن النبي9 الدعاء مخّ العبادة و ما من مؤمن يدعو اللّه الا استجاب له اما ان يعجّل له في الدنيا او يؤجّل له في الآخرة و اما ان يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لميدع بمأثم و عن الباقر7 لاتملّ من الدعاء فانه من اللّه بمكان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 59 *»
و عن علي7 ماكان اللّه ليفتح باب الدعاء و يغلق عليه باب الاجابة و عن الصادق7 من اعطي ثلثة لميحرم ثلثة من اعطي الدعاء اعطي الاجابة و من اعطي الشكر اعطي الزيادة و من اعطي التوكل اعطي الكفاية فان اللّه يقول في كتابه (و من يتوكل علي اللّه فهو حسبه) و يقول (لئن شكرتم لازيدنكم) و يقول (ادعوني استجب لكم) و في رواية عدّ اربعة و عدّ من اعطي الاستغفار لميحرم التوبة و من اعطي الصبر لميحرم الاجر و لميذكر التوكل و سئل ابوجعفر7 اي العبادة افضل فقال ما من شيء افضل عند اللّه عز و جل من ان يسئل و يطلب ما عنده و عن ابيعبداللّه7 عليكم بالدعاء فانكم لاتقربون بمثله و عن الباقر7 انه سئل كثرة القراءة افضل ام كثرة الدعاء فقال كثرة الدعاء افضل ثم قرأ (قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم) و عن ابيعبداللّه7 في رسالة طويلة قال و عليكم بالدعاء فان المسلمين لميدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بافضل من الدعاء و الرغبة اليه و التضرع الي اللّه و المسئلة فارغبوا فيما رغّبكم اللّه فيه و اجيبوا اللّه الي ما دعاكم لتفلحوا و تنجوا من عذاب اللّه و عنه7 قال قـال رسول اللّه9 ان اللّه احب شيئاً لنفسه و ابغضه لخلقه ابغض لخلقه المسئلة و احب لنفسه ان يسئل و ليس شيء احب الي اللّه عز و جل من ان يسأل فلايستحيي احدكم ان يسأل اللّه من فضله و لو شسع نعله و في القدسي يا موسي سلني كلما تحتاج حتي علف شاتك و ملح عجينك و عن ابيعبداللّه7 قال يا ميسر ادع و لاتقل قد فرغ من الامر فان الدعاء هو العبادة الي ان قال ان اللّه يقول (ادعوني استجب لكم) و عن ابيالحسن موسي7 عليكم بالدعاء فان الدعاء للّه و الطلب الي اللّه يردّ البلاء و قد قُدّر و قضي و لميبق الا امضاؤه فاذا دعا اللّه عز و جل و سأل صرف البلاء صرفه و سمع ابوالحسن7 يقول ان الدعاء يردّ ما قد قدّر و ما لميقدّر قيل و ما قد قدّر قد عرفته فما لميقدّر قال حتي لا يكون و قال
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 60 *»
ابوعبداللّه7 ان اللّه عز و جل ليدفع بالدعاء الامر الذي علمه ان يدعا له فيستجيب و لولا ما وفّق العبد من ذلك الدعاء لاصابه منه ما يجتثّه من جديد الارض انتهي، و شرح ذلك ان الحوادث التي ترد علي الناس و توجد في الدنيا لابد لها من مقدمات ينبغي ان توجد قبل حدوث الحدث باربعين او خمسين سنة او ازيد او اقل حتي تتوارد علله و اسبابه و يتم اجزاؤه الي يوم الوقت المعلوم فيظهر في عرصة الوجود و لولا ذلك لميظهر في اليوم المخصوص علي الصفة الخاصة و ان اللّه سبحانه اذا علم من مؤمن انه يدعو بعد خمسين سنة بردّ الحادثة لعله يقطع من اليوم اسباب وجودها فلايشاؤه و لايريده و لايقدّره و لايقضيه اصلاً فيدفع عن المؤمن بذلك الدعاء و ربما يعلم اللّه ان فلاناً المؤمن يحتاج الي شيء معين بعد ستين سنة و يدعو فلما علم اللّه دعاءه يهيئ له اسبابه قبل وجوده بستين سنة او سبعين سنة حتي اذا دعا الداعي بذلك الشيء اتاه بحاجته من فوره فيتعجب الناس من سرعة اجابته فلولا ما يعلم اللّه من المؤمن انه يدعو لقدّر له اسباب بلاء بحسب اقتضاء العالم ما يجتثّه من جديد الارض.
فصل: في ذكر شروط الدعاء و قد قال اللّه سبحانه في كتابه المحكم (ادعوني استجب لكم) فقرن الاستجابة بالدعاء ظاهراً و ربما يظنه الظان انه مطلق لاشروط له و سنذكر بتأييده عز و جل ما يمكننا استخراجه من القيود و الشروط حتي تعلم انه ليس بمطلق كما يظن في بادي الرأي.
فالاول: انه قال (ادعوني) و من البين ان قول افعل اذا اقترن بالاستعلاء و صدر عن غير رقة و تذلل و صدر بالبتّ و الطلب الحثيث يسمي بالامر و لذلك يمكن ان يأمر الفقير السلطان بامر و يسيء الادب و اذا اقترن بالتذلل و التحقر و صدر عن رقة و تخشع و بكاء او تباك او تخضع و رقة و رفع يد و اشخاص بصر يسمي بالدعاء و لذلك يمكن ان يدعو السلطان سوقياً و يخرج عن زيّه و ان كان بين بين يسمي التماساً و هو يحصل بين متساويين و بين العالي و الداني ايضاً فلما رأينا اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 61 *»
سبحانه قال (ادعوني) و لميقل مروني و لا التمسوا مني عرفنا انه قيّد الطلب منه بالتخشع و التخضع و التذلل فمن لميفعل و دعا بقلب قاس و حكم علي اللّه و امره و نهاه لايستجاب له و لايستحق الاستجابة لانه لميدع و انما حكم و امر غير مطيع له و بهذه الشروط وردت اخبار فعن ابيعبداللّه7 قال ان اللّه عز و جل لايستجيب دعاء بظهر قلب قاس و عنه7 اذا اقشعر جلدك و دمعت عيناك و وجل قلبك فدونك دونك فقد قصدك قصدك و عنه7 في حديث و من لميشهد ذلة نفسه و قلبه و سره تحت قدرة اللّه حكم علي اللّه بالسؤال و ظن ان سؤاله دعاء و الحكم علي اللّه من الجرأة علي اللّه انتهي و عن الباقر7 ان اقرب ما يكون العبد من الرب و هو ساجد باك و عن ابيعبداللّه7 ان لميجئك البكاء فتباك فان خرج منك مثل جناح الذباب فبخ بخ انتهي و يقول اللّه سبحانه (يدعوننا رغباً و رهباً) و يقول (و تبتّل اليه تبتيلا) و يقول (و مااستكانوا لربهم و مايتضرعون) فعن ابيعبداللّه7 قال الرغبة ان تستقبل ببطن كفيك الي السماء و الرهبة ان تجعل ظهر كفيك الي السماء و قوله (و تبتّل اليه تبتيلا) قال الدعاء باصبع واحدة تشير بها و التضرع تشير باصبعك و تحرّكها و الابتهال رفع اليدين و تمدهما و ذلك عند الدمعة و روي التضرع تحرك السبابة اليمني يميناً و شمالاً و التبتل تحرك السبابة اليسري ترفعها في السماء رسلاً و تضعها و روي التعوذ ان تستقبل القبلة بباطن كفيك و تستقبل بهما وجهك و روي ان البصبصة ان ترفع سبابتيك الي السماء و تحرّكهما و تدعو و روي انه7 دعا فرفع يديه و وضعهما علي منكبيه ثم بسطهما ثم دعا بسبابته فقيل له فرفع اليدين ما هو قال الابتهال قيل فوضع يديك و جمعهما قال التضرع قيل فرفع الاصبع قال البصبصة و روي اذا سألت اللّه فاسئله ببطن كفيك و اذا تعوذت فبظهر كفيك و اذا دعوت فباصبعك انتهي فلابد في الدعاء ان يري بوجهك حالة تري بوجه الفقير بالفقر المدقع حين يتذلل و يسأل و الا فلست بداع و مادعوت و انما امرت و حكمت و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 62 *»
لايطيعك اللّه و ليس بعبدك و يأتي في الشرط الثامن ما يدل عليه فهذا قيد ظاهر في نفس الآية.
الثانى: انه يقول (ادعوني) و تمام الدعاء ان تذكر حاجتك باللسان فانه كمال الدعوة من الفقير السائل و الدعوة في الظاهر هي النداء باللسان فروي لذلك عن ابيعبداللّه7 قال ان اللّه تبارك و تعالي يعلم ما يريد العبد اذا دعاه و لكنه يحب ان تبثّ اليه الحوائج فان دعوت فسمّ حاجتك انتهي.
الثالث: ان امتثال الامر يحتاج الي نية و عزيمة فلو اتي انسان بوفق ما امرته في المنام او ساهياً او لاهياً لايقال انه امتثل و اطاع و المقصود من الامر الامتثال لا اتيان المأمور به كيف ما اتفق فمقتضي قوله تعالي (ادعوني) الامتثال و النية و العزيمة و القصد قل كل يعمل علي شاكلته و لا عمل الا بالنية و انما الاعمال بالنيات بل لايسمي نداء الساهي و اللاهي في الحقيقة دعاء و نداء ألاتري لو خرج من فم زيد في المنام يا عمرو لايقال انه دعاه و لو اراد ان يقول يا بكر و قال يا عمرو سهواً لايقال انه ناداه و دعاه فصوت الساهي و اللاهي في الحقيقة ليس بدعاء و لانداء و روي لذلك في وصية النبي لعلي8 لايقبل اللّه دعاء قلب ساه و عن علي7 لايقبل اللّه عز و جل دعاء قلب لاه و روي في استسقاء انه قيل للنبي9 استسقيت لنا فلمنسق ثم استسقيت لنا فسقينا قال اني دعوت و ليس لي في ذلك نية ثم دعوت و لي في ذلك نية و عن ابيعبداللّه7 اذا دعوت فاقبل بقلبك و ظن ان حاجتك بالباب.
الرابع: ان الامر علي المذهب الحق للتكرار الا ان يقوم قرينة و قد حققنا ذلك في الاصول فقوله (تعالي خل) (ادعوني) يفيد التكرار فينبغي تكرير الدعاء و المراجعة و الالحاح لان النفوس معرضة نافرة عن اللّه عز و جل و انها هي محتاجة الي تكرير
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 63 *»
الدعاء حتي تتنبه و تتوجه علي ما ينبغي كما تحتاج الي تكرير الدواء الواحد في ايام حتي تنتفع و ليس ذلك من نقص في المجيب و الدواء و انما النقصان في النفوس و الطبايع و ليس مصلحة النفوس مباغتتها بحاجاتها فلعلها تهلك و تفسد بالكلية كزجاجة حارة باغتتها برودة فتنفطر البتة و كذا العكس و لو ان الفقير المسكين فاجأه دولة غزيرة في آن واحد فلعله يموت فرحاً و ان لميمت فلعله لايطيقه و يخرج عن زيّه و يرتكب المعاصي و الفسوق و الفساد بحيث يكون فيه هلاكه و هلاك عشيرته كما هو مجرب و لو ان مسكيناً سلّط علي الناس و نصبوه سلطاناً بغتة لايدري ما يصنع فلعله اهلك الحرث و النسل كما هو مجرب فليس صلاح العبد ان يعطي كل ما يسأل في اول سؤاله حتي يراود و يكرّر و يلحّ و يسأل و يتعب و يعجز فيعطي منه قليلاً قليلاً حتي لايفسد عليه دينه و دنياه فلو استجيب للمؤمن الضعيف اول ما يدعو فلعله يزعم لنفسه مقام النبوة او الولاية او يزعم انه يقدر علي تقدير ما يشاء و تغيير ما يريد و لعله يأخذه النزق و الاشر و البطر فيدعو علي من اساء اليه بادني اساءة و يقتل رجالاً و يخرب بيوتاً و يزيل دولاً فليس مصلحة العالم و لا مصلحة المؤمن ان يستجاب له اول مرة و ان الحكام الضعاف لايلتزمون في امورهم الجزئية الاصغاء الي كل سوقة فكيف الرب جل جلاله و لو اجاب اللّه كل من دعاه لايعلم أهو عبد مطيع او رب مطاع و لو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات و الارض و لكن ينزّل بقدر ما يشاء بالجملة بتكرير الدعاء و الالحاح يستعد النفوس و تطمئن و تستأنس بالحاجة و تقدر قدرها و يستأنس المرء بانه لو اعطيها ما يصنع بها و لربما يلتفت في عرض اوقات الدعاء الي بعض الاشياء فيغيرها او يري غلطه في السؤال فيرتدع عنه و يرجع و يندم و يتركه و روي لتكرير الدعاء عن ابيجعفر7 واللّه لايلحّ عبد مؤمن علي اللّه في حاجة الا قضاها له و عن ابيعبداللّه7 ان اللّه عز و جل كره الحاح الناس بعضهم علي بعض في المسئلة و احب ذلك لنفسه ان اللّه عز و جل يحب ان يسأل و يطلب ما عنده و عن النبي9 رحم اللّه عبداً طلب من اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 64 *»
عز و جل حاجة فأَلحّ في الدعاء استجيب له او لميستجب و تلا هذه الآية (و ادعو ربي عسي ان لااكون بدعاء ربي شقيا) حتي انه روي عن ابيعبداللّه7 ان اللّه جبل بعض المؤمنين علي الايمان فلايرتدون ابداً و منهم من اعير الايمان عارية فاذا هو دعا و الحّ في الدعاء مات علي الايمان و من الزبور يابن آدم تسألني و امنعك لعلمي بما ينفعك ثم تلحّ عليّ بالمسئلة فاعطيك ما سألت انتهي. اقول لاجل هذا الخبر و لما جرّب ينبغي للملحّ ان يشترط الخير لنفسه و لمن يريد و الا فلربما يعطي الحاجة بالحاحه و لايصيب فيه خيراً و ذلك مجرب و عن ابيجعفر7 ان المؤمن ليسأل اللّه عز و جل فيؤخر عنه تعجيل اجابته حباً لصوته و استماع نحيبه ثم قال واللّه ما اخّر اللّه عز و جل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما عجّل لهم فيها و اي شيء الدنيا ان اباجعفر7 كان يقول ينبغي للمؤمن ان يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ليس اذا اعطي فتر فلاتملّ الدعاء فانه من اللّه عز و جل بمكان و عن ابيعبداللّه7 ان العبد الولي للّه يدعو اللّه عز و جل في الامر ينوبه فيقال للملك الموكل به اقض لعبدي حاجته و لاتعجلها فاني اشتهي ان اسمع صوته و نداءه و ان العبد العدو للّه عز و جل يدعو اللّه عز و جل في الامر ينوبه فيقال للملك الموكل به اقض حاجته و عجلها فاني اكره ان اسمع نداءه و صوته قال فيقول الناس مااعطي هذا الا لكرامته و لامنع هذا الا لهوانه انتهي، اقول اذا عرفت مضار سرعة الاجابة فلاتقنطن من بطئها فانه خير لك من تعجيلها و لاتعجبن من سرعتها فانها ضارة بك و هي عقوبة عجلت لك هذا و ما يلحق المؤمن من الانكسار في بطئ الاجابة خير له من الدنيا و ما فيها و لو اعطي و اخذه البطر فانه شر له و فيه فساد دينه و ما يصنع المؤمن بما يفسد عليه دينه و روي عن ابيعبداللّه7 ان العبد المؤمن ليدعو اللّه عز و جل في حاجته فيقول اللّه عز و جل اخّروا اجابته شوقاً الي صوته و دعائه فاذا كان يوم القيمة قال اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 65 *»
عز و جل عبدي دعوتني فاخّرت اجابتك و ثوابك كذا و كذا و دعوتني في كذا و كذا فاخّرت اجابتك و ثوابك كذا و كذا قال فيتمني المؤمن انه لميستجب له دعوة في الدنيا مما يري من حسن الثواب بالجملة يستنبط من الآية تكرير الدعاء و الالحاح و انه يستجاب لامحالة مع التكرير و الالحاح فينبغي ان يراود المؤمن ربه في الدعاء و يعاود حتي يطمئن نفسه بالحاجة و لايحتم علي ربه الاجابة بل يسأله و يقول له ان رأيت صلاح ديني و دنياي و آخرتي في التعجيل فعجّله لي و الا فادخره ليوم لا فساد لي في شيء من نعمائك.
الخامس: قوله (ادعوني) يفيد دعوته سبحانه وحده و انزال الحاجة اليه دون غيره و الاعراض عما سواه و الانقطاع عن غيره و الاخلاص في التوجه اليه و قطع النظر عن غيره فان ذلك هو المقصود من حرف المتكلم ألاتري انه لو قال السلطان لعبده توجه اليّ فالمعني اعرض عما سواي و انقطع عن كل احد غيري و اخلص في النظر اليّ و لاتلتفت يميناً و لا شمالاً و لاترَ معي غيري فان كل ذلك معني توجه اليّ حقيقةً فاللّه تعالي يقول (ادعوني) و شرط و قال (اجيب دعوة الداع اذا دعان) يعني اخلص في التوجه اليّ و انقطع عن غيري و علم ان حاجته بيدي و انا القاضي له حاجته فدعان منقطعاً اليّ فقد روي عن ابيعبداللّه7 قال اذا رقّ احدكم فليدع فان القلب لايرقّ حتي يخلص و عنه7 ان اميرالمؤمنين7 قال و بالاخلاص يكون الخلاص فاذا اشتد الفزع فالي اللّه المفزع و قال في وصيته لمحمد بن الحنفية قال و اخلص في المسئلة لربك فان بيده الخير و الشر و الاعطاء و المنع و الصلة و الحرمان و عن ابيعبداللّه7 قال اذا اراد احدكم ان لايسأل ربه شيئاً الا اعطاه فلييأس من الناس كلهم و لايكون له رجاء الا من عند اللّه فاذا علم اللّه ذلك من قلبه لميسأل اللّه شيئاً الا اعطاه و روي ان اللّه اوحي الي عيسي7 ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث يا عيسي سلني و لاتسأل غيري فيحسن منك الدعاء و مني الاجابة و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 66 *»
اوحي اللّه الي موسي يا موسي ما دعوتني و رجوتني فاني ساغفر لك علي ما كان منك و عن ابيالحسن الرضا7 ان اميرالمؤمنين7 كان يقول طوبي لمن اخلص للّه العبادة و الدعاء و لميشغل قلبه بما تري عيناه و لمينس ذكر اللّه بما تسمع اذناه و لميحزن صدره بما اعطي غيره و عن ابيعبداللّه7 قال الابقاء علي العمل حتي يخلص اشد من العمل و العمل الخالص الذي لاتريد ان يحمدك عليه احد الا اللّه عز و جل و سئل عن قول اللّه عز و جل (الا من اتي اللّه بقلب سليم) قال السليم الذي يلقي ربه و ليس فيه احد سواه قال و كل قلب فيه شك او شرك فهو ساقط و انما ارادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة و قال في قول اللّه (حنيفاً مسلماً) قال خالصاً مخلصاً لايشوبه شيء و عن ابيجعفر7 قال ما بين الحق و الباطل الا قلة العقل قيل و كيف ذلك يا بن رسول اللّه قال ان العبد يعمل العمل الذي هو للّه رضا فيريد به غير اللّه فلو انه اخلص للّه لجاءه الذي يريد في اسرع من ذلك و سمع ابوعبداللّه7 يقول قال اللّه عز و جل انا خير شريك من اشرك معي غيري في عمله لماقبله الا ما كان لي خالصاً الي غير ذلك من الاخبار و هي كثيرة.
السادس: تدل الآية لاهل الدراية الي امر باطن آخر و هو ان اللّه سبحانه ذات احدية مستعلية عن عرصة المخلوقات فلايصل اليه شيء و لايقارنه شيء و لايواجهه شيء و لايقصده شيء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار و لاتمثّله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار فلايسع احداً من خلقه ان يشير اليه بالطف اشارة او يعبر عنه بادق تعبير لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير، كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم، انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فلايمكن التوجه الي من عمّ نوره و ظهوره المتوجه و التوجه و المتوجه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 67 *»
اليه و القصد و الفعل و كل موجود و لايمكن الاخلاص له و انما جعل اللّه لنفسه جهة توجه و خطاب و وسيلة و باباً و هو اشرف خلقه و اكرمه و اسبقه و هو من منه البدء و اليه الاياب و هو محمد و آلمحمد: فانهم وجه اللّه الذي يتوجه اليه الاولياء كما في دعاء ندبة المروي عن الصادق7 اين باب اللّه الذي منه يؤتي اين وجه اللّه الذي يتوجه اليه الاولياء اين السبب المتصل بين اهل الارض و السماء و كما في زيارة الغدير اشهد انك جنب اللّه و انك باب اللّه و انك وجه اللّه الذي لايؤتي الا منه و انك سبيل اللّه الزيارة، و بذلك تواتر الاخبار و الزيارات فهم سلام اللّه عليهم وجه اللّه الذي اظهره في عباده و جعلهم جاهه و جهته فلايمكن الوصول اليه الا بالتوسل بهم و الاستشفاع بحقهم و التقرب بهم و لعمري ذلك من المتواترات في الاخبار و الآثار و قد خفي عن الاغيار لانه قد غشي اعينهم الغبار و الا فالامر اوضح من نار علي علم فقوله (ادعوني) نص للحكماء و العرفاء في التوسل الي اللّه سبحانه بآلمحمد: و التقرب بهم اليه و جعلهم امام طلبته فان الياء لنفس المتكلم و هم نفس المتكلم السلام علي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و هم لسان اللّه الناطق عنه في عباده فهم المراد من الياء التي لنفس المتكلم فكما ان من احبهم فقد احب اللّه و من ابغضهم فقد ابغض اللّه و من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و ان معرفتهم معرفة اللّه كذلك الامر في الدعاء و الارادات و الاقبال و غير ذلك فقوله (ادعوني) حاصله توسلوا اليّ بمحمد و آلمحمد: و ادخلوا اليّ من بابي حتي استجيب لكم و الاخبار في هذا الشرط كثيرة فمن تفسيرالعسكري7 عن آبائه عن النبي9 قال ان اللّه سبحانه يقول عبادي من كانت له اليكم حاجة فسألكم بمن تحبون اجبتم دعاءه الا فاعلموا ان احب عبادي اليّ و اكرمهم لديّ محمد و علي حبيبي و وليي فمن كانت له اليّ حاجة فليتوسل اليّ بهما فاني لااردّ سؤال سائل يسألني بهما و بالطيبين من عترتهما فمن سألني بهم فاني لااردّ دعاءه و كيف اردّ دعاء من سألني بحبيبي و صفوتي و وليي و حجتي و روحي و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 68 *»
نوري و آيتي و بابي و رحمتي و وجهي و نعمتي الا و اني خلقتهم من نور عظمتي و جعلتهم اهل كرامتي و ولايتي فمن سألني بهم عارفاً بحقهم و مقامهم اوجبت له مني الاجابة و كان ذلك حقاً علَيّ و الاخبار التي وردت في قبول دعوات الانبياء بالتوسل بهم متجاوزة حد الاستفاضة و هي مذكورة في محالها شايعة و الحمد للّه و هم الكلمات التي تلقاها آدم من ربه و ابتلي ابرهيم ربه بكلمات و ما توسل به جميع انبياء اللّه و رسله و استفتحوا بهم صلوات اللّه عليهم و عن ابيعبداللّه7 كل دعاء يدعي به اللّه عزوجل محجوب من السماء حتي يصلي علي محمد و آلمحمد و عنه7 ان رجلاً اتي النبي9 فقال يا رسول اللّه اجعل لك ثلث صلوتي لا بل اجعل لك نصف صلوتي لا بل اجعلها كلها لك فقال رسول اللّه9 اذاً تكفي مــٔـونة الدنيا و الآخرة و في حديث آخر سئل ابوعبداللّه7 ما معني اجعل صلوتي كلها لك قال يقدمه بين يدي كل حاجة فلايسأل اللّه عز و جل شيئاً حتي يبدء بالنبي فيصلي عليه ثم يسأل اللّه حوائجه و عنه7 من كانت له الي اللّه عزوجل حاجة فليبدأ بالصلوة علي محمد و آله ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلوة علي محمد و آلمحمد فان اللّه عز و جل اكرم من ان يقبل الطرفين و يدع الوسط اذا كانت الصلوة علي محمد و آله لاتحجب عنه الي غير ذلك من الاخبار المتكاثرة المتواترة فصرف قوله تعالي (ادعوني استجب لكم) دلّ علي ان المراد توسلوا اليّ بمحمد و آلمحمد: فانهم نفسي و لساني الذي اتكلم بهم و انهم ترجماني و قد امرتكم ان تدعوني و هم معني ياء المتكلم فان الياء اسمي و هم معاني اسمائي كما روي و اما المعاني فنحن معانيه و في الدعاء اللّهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك و الدعاء صريح في انها هم.
السابع: اصل قوله سبحانه (ادعوني) يدل علي ان الداعي صغير خاشع متذلل و المدعو كبير سلطان جليل فان الدعاء من الداني الي العالي لا غير و رسم كلام الداني مع العالي غير رسم كلام
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 69 *»
الداني مع الداني او العالي مع العالي او العالي مع الداني و رسم تكلم الداني مع العالي رسم معروف مع السلاطين و الاكابر و الاشراف و له آداب فكيف لايكون في التكلم مع اللّه آداب فلو دخل سوقة علي السلطان بغتةً و قال بلا تأمل و مراعاة ادب يا فلان اعطني ديناراً و خرج و ذهب لايعطي ابداً و يستقبح حركته و قوله البتة و يكون مستهجناً بلا ارتياب و اما لو دخل بادب و توجه و تنظيف من ثيابه و قدّم السلام علي السلطان و المدحة له و تقرّب اليه باحب عبيده اليه و دخل معه و جلس قريباً منه في ظل حمايته ثم اثني علي السلطان و ذكر تقصيره في خدمته و اعتذر و تذلل ثم ذكر بعد المقدمات المعدّة حاجته و فقره و نعماء السلطان السابقة و شكره ثم قال اني الآن احتجت الي دينار و اريد ان اصرفه في خدماتك و صدّقه شفيعه و سأل السلطان ان يعطيه لاترد حاجته البتة و يعطيه مسئوله بلا شك بل لو سأله رياسة و امارة بآدابه اعطاه البتة كما يعطون فاذا كان السلطان الضعيف هكذا آداب مسألته فكيف لايكون لدعاء اللّه الجليل القهار الجبار المقتدر آداب فنفس قوله تعالي (ادعوني) يعني تكلموا معي كما ينبغي ان يكلم العبد ربه و يدعوه فانه الدعاء و الا فهو ليس بدعاء و انما امر و حكم او هزل و لهو او غير ذلك و لذلك روي عن ابيعبداللّه7 اياكم اذا اراد احدكم ان يسأل من ربه شيئاً من حوايج الدنيا و الآخرة حتي يبدأ بالثناء علي اللّه عز و جل و المدح له و الصلوة علي النبي9 ثم يسأل اللّه حوايجه و قال اذا طلب احدكم الحاجة فليثن علي ربه و ليمدحه فان الرجل اذا طلب الحاجة من السلطان هيّأ له من الكلام احسن ما يقدر عليه فاذا طلبتم الحاجة فمجدوا اللّه العزيز الجبار و امدحوه و اثنوا عليه تقول يا اجود من اعطي و يا خير من سئل و يا ارحم من استرحم يا احد يا صمد يا من لميلد و لميولد و لميكن له كفواً احد يا من لميتخذ صاحبة و لاولداً يا من يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد و يقضي ما احب يا من يحول بين المرء و قلبه يا من هو بالمنظر الاعلي يا من ليس كمثله شيء يا سميع يا بصير و اكثر من اسماء اللّه عز و جل فان اسماء اللّه عز و جل
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 70 *»
كثيرة و صلّ علي محمد و آلمحمد و قل اللّهم اوسع عليّ من رزقك الحلال ما اكفّ به وجهي و اؤدّي به عني امانتي و اصل به رحمي و يكون عوناً لي علي الحج و العمرة و قال ان رجلاً دخل المسجد ثم سأل اللّه عز و جل فقال رسول اللّه9 عجل العبد ربه و جاء آخر فصلي ركعتين ثم اثني علي اللّه عزوجل و صلي علي النبي فقال رسول اللّه9 سل تعط و من كتاب علي7 ان الثناء علي اللّه و الصلوة علي رسوله قبل المسئلة و ان احدكم ليأتي الرجل يطلب الحاجة فيحب ان يقول له خيراً قبل ان يسأله حاجته و عن ابيعبداللّه7 انما هي المدحة ثم الثناء ثم الاقرار بالذنب ثم المسئلة انه واللّه ماخرج عبد من ذنب الا بالاقرار و قال7 اذا اردت ان تدعو اللّه فمجّده و احمده و سبّحه و هلّله و اثن عليه و صلّ علي النبي9 ثم سل تعط و قيل لابيعبداللّه7 قلت آيتان في كتاب اللّه عز و جل اطلبهما فلااجدهما قال و ما هما قيل قول اللّه عز و جل (ادعوني استجب لكم) فندعوه و لانري اجابة قال أفتري اللّه عز و جل اخلف وعده قيل لا قال فمم ذلك قيل لاادري قال لكني اخبرك من اطاع اللّه عز و جل فيما امره ثم دعاه من جهة الدعاء اجابه قيل و ما جهة الدعاء قال تبدأ فتحمد اللّه و تذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي علي النبي9 ثم تذكر ذنوبك فتقرّ بها ثم تستغفر منها فهذا جهة الدعاء ثم قال و ما الآية الاخري قيل قول اللّه عز و جل (و ما انفقتم من شيء فهو يخلفه و هو خير الرازقين) و اني انفق و لااري خلفاً قال أفتري اللّه عز و جل اخلف وعده قيل لا قال فمم ذلك قيل لاادري قال لو ان احدكم اكتسب المال من حلّه و انفقه في حلّه لمينفق درهماً الا اخلف و عن ابيعبداللّه7 كل دعاء لايكون قبله تحميد فهو ابتر انما هو التحميد ثم الثناء قيل ماادري ما يجزي من التمجيد و التحميد قال تقول اللّهم انت الاول فليس قبلك شيء و انت الآخر فليس بعدك شيء و انت الظاهر فليس فوقك شيء و انت الباطن فليس دونك شيء و انت العزيز الحكيم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 71 *»
و من كتاب اميرالمؤمنين7 ان المدحة قبل المسئلة فاذا دعوت اللّه عز و جل فمجّده قيل كيف امجّده قال تقول يا من هو اقرب اليّ من حبل الوريد يا فعالاً لما يريد يا من يحول بين المرء و قلبه يا من هو بالمنظر الاعلي يا من ليس كمثله شيء انتهي، اقول و اني و الحمد للّه جرّبت هذه الآداب و راعيتها في بعض دعواتي فلماقم من مجلسي الا بالاستجابة و الحمد للّه رب العالمين.
الثامن: تحصيل المعرفة باللّه عز و جل فانه يقول (ادعوني) فمن لايعرفه كيف يدعوه و هو ضال جاهل فلعله يدعو غيره فكيف يستجاب له و هو لايدري من يدعو و ما صفته و نعته و لايدري الي من يتوجه و الي من يتقرب و اغلب ما يردّ من الدعاء لاجل عدم المعرفة باللّه و ان للّه عز و جل طريق معرفة من عرفه من طريقها فقد عرفه و من عرفه من غير طريقها لميعرفه و من لميعرفه لميقدر علي التوجه اليه و من لميتوجه اليه لايستحق الاستنارة و الاستفاضة و من لميستنر بنوره و لميستفض من فضله لايستحق الاستجابة و لايستجاب له البتة فروي ان الصادق7 قرأ (أمن يجيب المضطر اذا دعاه) فسئل ما بالنا ندعو فلايستجاب لنا فقال لانكم تدعون من لاتعرفون و تسألون ما لاتفهمون فالاضطرار عين الدين و كثرة الدعاء مع العمي عن اللّه من علامات الخذلان و من لميشهد ذلة نفسه و قلبه و سرّه تحت قدرة اللّه حكم علي اللّه بالسؤال و ظن ان سؤاله دعاء و الحكم علي اللّه من الجرأة علي اللّه انتهي، و المعرفة معرفتان عامة و خاصة اما العامة فهي ما يظنه اليهود و النصاري و الناصب انه عرفه بانه الخالق الرازق هكذا عمياناً و ان هي الا محض توصيف لفظي و خيالي و هي الشايعة في جميع الاعصار و الامصار و اما المعرفة الخاصة فهي المخصوصة بالمؤمنين العارفين و هي نحو معرفة محمد و آلمحمد: روي في الكافي عن ابيجعفر7 انه قال انما يعبد اللّه من يعرف اللّه فاما من لايعرف اللّه فانما يعبده هكذا ضلالاً قيل جعلت فداك فما معرفة اللّه قال تصديق اللّه عز و جل و تصديق رسوله و موالاة علي و الائتمام
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 72 *»
به و بائمة الهدي: و البراءة الي اللّه من عدوهم هكذا يعرف اللّه عز و جل و عن علي7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه عزوجل الا بسبيل معرفتنا و فيه عن ابيعبداللّه7 بعبادتنا عبد اللّه و لولا نحن ماعبد اللّه و عن ابيجعفر7 بنا عبد اللّه و بنا عرف اللّه و بنا وحّد اللّه تبارك و تعالي و محمد حجاب اللّه تبارك و تعالي انتهي الي غير ذلك من الاخبار و صريح الآثار لاهل الاعتبار فمن دعا اللّه كما عاهد عليه اللّه يوم الذر و امتثل امره و اتي البيوت من ابوابها يستجاب له فان اللّه سبحانه كما قال (ادعوني استجب لكم) قال (اوفوا بعهدي اوف بعهدكم) فمن وفي للّه وفي اللّه له و الا فلا فعن الصادق7 انه قيل له ان اللّه يقول (ادعوني استجب لكم) و انا ندعو فلايستجاب لنا فقال لانكم لاتوفون بعهده و ان اللّه يقول (اوفوا بعهدي اوف بعهدكم) واللّه لو وفيتم للّه لوفي لكم انتهي، و اي عهد كان اعظم من معرفته سبحانه و هي اول العبادة و اشرفها و اعظمها و معرفته سبحانه الذي اخذ عليه العهد هكذا كما ورد عن اهل البيت: فانه قال (و أتوا البيوت من ابوابها) و هم ابواب اللّه في ارضه فعن علي7 نحن البيوت التي امر اللّه ان يؤتي ابوابها نحن باب اللّه و بيوته التي يؤتي منه فمن تابعنا و اقر بولايتنا فقد اتي البيوت من ابوابها و من خالفنا و فضّل علينا غيرنا فقد اتي البيوت من ظهورها ان اللّه لو شاء عرّف الناس نفسه حتي يعرفوه و يأتوه من بابه و لكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و بابه الذي يؤتي منه قال فمن عدل عن ولايتنا و فضّل علينا غيرنا فقد اتي البيوت من ظهورها و انهم عن الصراط لناكبون انتهي فالمعرفة المأخوذ الميثاق عليها هي ما يعرف اللّه بهم كما في الزيارة من اراد اللّه بدء بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجه بكم وفي اخري من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه فمن عرف اللّه هكذا و دعاه علي ما مرّ و يأتي يستحق الاجابة و لايخلف اللّه وعده و الا فلايستحق فان استجاب له فاستدراج و ابتلاء خارج قرن بدعوته فتنة و ان لميستجب فهو الذي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 73 *»
لايستحق شيئاً.
و سبيل معرفة اللّه بمحمد و آلمحمد: هو ما منّ اللّه عز و جل علي اهل هذه الاعصار باقامة المنار و بثّ الانوار باظهار صفوة العلماء الاخيار و قادة الحكماء الابرار و نقاوة العرفاء و اهل الاسرار الشيخ الاوحد الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه فشرح و اوضح و بيّن و افصح و من بعده من تلامذته كثّر اللّه امثالهم فجزاه اللّه عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين ها و كتبنا في الآفاق مشهورة و آثارنا في الاطراف منثورة يتصفحها العالم و الجاهل و الناقص و الكامل و يعرفون انا نحن مشيّدوا هذه المباني و المعربون عن هذه المعاني فللّه الحمد و له الشكر علي ما منّ علينا و اليه هدانا و ماكنا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه و صلي اللّه علي محمد و آلمحمد الطيبين و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم بالجملة من اراد تلك المعرفة فعليه بمطالعة تلك الكتب الموضوعة لهذا الفن و ليس هيهنا موضع تفصيلها و هذه المعرفة هي التي افصح عنه اميرالمؤمنين7 في حديث النورانية فقال ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عز و جل و معرفة اللّه عز و جل معرفتي الخبر، فالشرط الثامن ان يدعو من يعرف فانه لايمكن دعوة من لايعرفه و من دعا من لايعرف لايستحق اجابة البتة فلابد من تحصيل المعرفة باللّه عز و جل اولاً ثم معرفة معاني ما يدعو به ثانياً ثم معرفة الابواب التي يدخل الي اللّه منها ثالثاً ثم معرفة الامام الذي يقتدي به و يأخذ عنه رابعاً و لو عددت لك الاركان و النقباء و النجباء لماتعديت و لكن لكل كلام وقت و اهل لاكل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله.
فاقول التاسع: نفس قوله (ادعوني) و طلب الامتثال من العبد و وجوب الامتثال عليه تقتضي ان يعرف الداعي معاني ما يدعو به ربه من الاسماء و الصفات فلو لميعرف معاني ما يدعو به و دعا هكذا عمياناً لايستحق من اللّه الاجابة و ليست له بحتم فان استجاب اللّه تعالي فمن فضل او استدراج و ان لميستجب له فباستحقاق و انا قد شرحنا هذا المقام في ساير كتبنا كالفوايد و الفطرة السليمة و غيرها و لابد
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 74 *»
و ان نشير هيهنا الي ما يتيسر.
اعلم ان المعني بمعني ما يظهر من الشيء و معني اللفظ ما يظهر منه عند التنطق و يقال للنبات معني الارض لانه يظهر منها و يشير الي هذا المعني ما روي في الحديث اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم فالمعني هو الذي يظهر من الشيء و معاني اللّه ظواهره في الخلق و معاني اسمائه ما يظهر من اسمائه تعالي و يراد منه و يقصد و يكون في الاسم كالروح في الجسد فان المعني في اللفظ كالروح في الجسد و ذات اللّه عز و جل لايكون في اللفظ كالروح في الجسد و الروح جسد رقيق و الجسد روح غليظ و لابد فيما بينهما من المناسبة و الارتباط و اللّه سبحانه اجل من جميع ذلك فهم سلام اللّه عليهم معاني اللّه لان اللّه سبحانه احتجب بهم و اظهرهم خليفة له في ارض الامكان كما روي و هو المحتجب و نحن حجبه و روي في صفة النبي اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار الخطبة، فهم ظواهر اللّه في خلقه بهم ظهر لعباده و بهم تجلي و منهم نطق و نظر و سمع و بطش و اعطي و منع و هم معاني اسمائه فان اللفظ صفة المعني و تنزله و لابد لللفظ من معني يناسبه و يصدق عليه و ذات اللّه عز و جل اجل من ذلك فهم معاني الاسماء و الصفات كما في دعاء رجب اللّهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك الي ان يقول يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك فهم سلام اللّه عليهم معاني جميع ما يدعي اللّه عز و جل به كما قال ابوجعفر7 في حديث جابر اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه ما نريده فنحن المثاني الذي اعطانا اللّه نبينا9 و نحن وجه اللّه الذي يتقلب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه اليقين و من جهلنا فامامه سجين و لو شئنا خرقنا الارض و صعدنا السماء و ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم الخبر.
و المراد بمعاني الاسماء و معاني اللّه علي نهج الاجمال ان للشيء مقامين
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 75 *»
مقام عين و حقيقة و مقام ظهور و صفات كما ان زيداً له ذات و عين و حقيقة بها هو هو لايذكر معه فيها غيره و له صفات و معان و ظواهر ككتابته و خياطته و علمه و قدرته و ساير صفاته و لذلك اصطلح في هذه الالفاظ انها اسماء معان لا ذات مستقلة و اما زيد فهو اسم ذات يدل علي ذات مستقلة و كذلك للّه تعالي معان ظاهرة و هي رحمته التي وسعت كل شيء و قدرته المستطيلة علي كل شيء و علمه الذي احاط بكل شيء و جوده الذي عمّ كل شيء و هكذا و هم سلام اللّه عليهم هم تلك المعاني فانهم التجلي الاعظم و الخلق الاول الاكرم لايفوقهم فايق و لايلحقهم لاحق و لايسبقهم سابق و لايطمع في ادراك مقامهم طامع فلا معني للّه سبحانه يسبقهم و لا ظاهر يفوقهم فهم معان اللّه و وجهه الظاهر بين ظهراني الخلق علي تفصيل ليس هيهنا مقام بيانه و المعول علي ساير كتبنا فمن لميعرف معني ما يدعو و لايعرف مواقع الصفات و لايعرف معني قوله يا رحمن يا رحيم يا رازق مثلاً كيف يستحق الاجابة فان استجاب اللّه فانما هو من فضله و جوده لا من حيث الوعد و الاستحقاق الذي حكم به في كتابه فصرف قوله (ادعوني) يدل علي ان يشعروا و يفهموا معني ما يدعون و يقولون فلو قال سلطان لعبده سلني اعطك ليس معناه اذكر كلمات لاتعرفها و لاتدري معناها فافهم فانت اذا قلت يا رحيم ينبغي ان تعلم ان المراد منه هو اللّه وحده لا شريك له الا ان هذا الاسم من اسماء المعاني و موقعه الرحمة الشاملة للمؤمنين و هي هم و بالمؤمنين رءوف رحيم كما انك تقول يا قاعد و تعني زيداً لا غيره الا ان هذا الاسم من اسماء المعاني و موقعه قعود زيد و فوق القعود لا قاعد و لا قعود و انما زيد قاعد عند القعود و في حده و علي هذه فقس ما سويها.
العاشر: نفس قوله (ادعوني) يدل علي لزوم معرفة الابواب فان السلطان اذا قال سلوني اعطكم و ادعوني اجبكم نفس امره يدل علي ان ايتوني و قفوا ببابي الذي فتحت علي وجهكم يخرج منه اليكم عطاياكم فانه المعتاد المعروف و لايسئل السلطان و لايؤتي من غير بابه و لايعطي من غير بابه الذي جعله لعطاه حتي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 76 *»
انه لو جعل السلطان لقصره ابواباً و ينفق من بابٍ الدراهم و من باب الاكسية و من باب الاطعمة و هكذا و قال سلوني الدرهم اعطكم فمعناه المعروف في العادة ان قفوا علي باب الدراهم و سلوني اعطكم الدراهم و لو قال سلوني الاكسية اعطكم فمعناه المعروف في العادة ان قفوا علي باب الاكسية و اسألوني اياها اعطكم و هكذا فانه عيّن لكل عطاء باباً معيناً و كذلك اذا قال اللّه تعالي (ادعوني) يريد به ان قفوا علي بابي الذي فتحت عموماً و خصوصاً و اسألوني اعطكم هذا و ينص عليه في موضع آخر و يقول (و أتوا البيوت من ابوابها) فلابد و ان تعرف باب العطية و الاستجابة و هو هم سلام اللّه عليهم بلا شك فانهم السبب الاعظم و الباب المبتلي به الناس و النبي هو السور الذي ضرب بين الخلق و بين اللّه فانه المحتجب و هو حجابه و له باب قال انا مدينة العلم و عليّ بابها و باب ذلك السور باب اللّه المبتلي به الناس و الباب الذي خرج منه الي عالم الامكان جميع ما برز من امر الازل، ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و هم اولياء النعم و الباب الاوسع الاعظم فلايخرج من اللّه شيء الي خلقه الا منهم و لايصعد الي اللّه تعالي شيء الا بهم فمن لميعرف باب المراد فهو من اهل الالحاد و لاينال مطلبه من خالق العباد علي نهج الاستحقاق و الوعد الذي لا خلف فيه فلربما ينال ما وعد و لربما لمينل لانه لميوف بعهد اللّه الذي عاهد به خلقه يوم الذر حيث اخذ عليهم الميثاق انيوحّدوه و يعرفوا معانيه و ابوابه و يدعوه كما امر و يذكروه كما هدي فلمّا لميوف بعهد اللّه لايجب وفاء اللّه له بما وعد فانه قال (اوفوا بعهدي اوف بعهدكم) فينبغي اذا قلت يا رازق ان تعرف انهم الباب الذي يخرج اللّه منه ارزاق الخلايق اليهم فتتوجه الي الباب و تذكر اسم الرازق و تعرف الباب بشخصه ثم تعرف معني الرازق ثم تتوجه الي اللّه و تنقطع اليه عن نفسك و حاجتك و من سوي اللّه سبحانه فتطلب الرزق من باب الرزق من اللّه سبحانه و تصفه بمعني الرازق و تثني عليه به و تسأله منه فح ترزق البتة علي نهج الاستحقاق و اذا قلت يا رحيم تعرف انهم الباب الذي باطنه فيه الرحمة و انه لايصل الي احد رحمة الا بهم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 77 *»
فتتوجه الي الباب و تذكر اسم الرحيم فتعرف الباب و تقصد المعني و تريد اللّه سبحانه فح ترحم علي نهج الاستحقاق و لاتحسبن اللّه مخلف وعده رسله و هكذا.
الحادىعشر: لما وجدنا اللّه سبحانه يقول (ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي) عرفنا ان الدعاء المأموربه هو العبادة فلابد و ان تقصد بدعائك عبادة اللّه سبحانه و تقصد به التقرب الي اللّه سبحانه و لاتجعل اللّه كقدح الراكب يعلّقه علي دابّته يشربه اذا عطش و ان لميعطش يتركه وراء ظهره فانت تدعو اللّه اذا كان لك حاجة و الا فلاتذكره ابداً و لاتدعوه ألاتسمعه اطلق القول و لميقل ادعوني عند حاجتكم فاذ لميقيد عرفنا انه يريد دوام الدعاء و استمراره علي جهة العبادة و قصد القربة فاذا كان قصدك العبادة و القربة تسأله دائماً سواء كان لك المسئول ام لميكن استجاب لك ام لميستجب ألاتري النبي9 يقول دائماً (اهدنا الصراط المستقيم) مع انه مهدي و انما كان ذلك لاجل العبادة و لاجل ان تعرف النفس انها محتاجة الي ربها فيما تملكه و فيما لاتملكه و هو المالك لما ملّكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه فلابد و ان تجعل الدعاء عبادة و تجعلها خالصة للّه رب العالمين و لايكون قصدك من دعائه حصول الحاجة مطلقا فان من كان قصده ذلك يترك الدعاء بعد حصول الحاجة و قد جعل اللّه جهة عبادته لا معبوده فلو حصل مطلوبه من غير اللّه لدعا غير اللّه و من كان قصده العبادة يسأل قربة الي اللّه ما يملكه و ما لايملكه علي نهج سواء و لايبالي استجاب اللّه له ام لميستجب فانه قد دعا لاجل العبادة لا الاجرة و يدل علي هذه الجملة من الاخبار ما رواه في الوسائل عن ابيجعفر7 في حديث و ما احد ابغض الي اللّه عز و جل ممن استكبر عن عبادته و لايسأل ما عنده و عن النبي9 لتسئلن اللّه او ليغضبن عليكم و عن الباقر7 لاتملّ من الدعاء فانه من اللّه بمكان و قيل لابيجعفر7 اي العبادة افضل فقال ما من شيء افضل عند اللّه من ان يسأل و يطلب ما عنده و قال7 افضل العبادة الدعاء و عن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 78 *»
ابيعبداللّه7 عليكم بالدعاء فانكم لاتتقربون بمثله و لاتتركوا صغيرة لصغرها ان تدعوا بها ان صاحب الصغار هو صاحب الكبار و عن النبي9 الدعاء مخّ العبادة و ما من مؤمن يدعو اللّه الا استجاب له اما ان يعجّل له في الدنيا او يؤجّل له في الآخرة و اما ان يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لميدع بمأثم و قال ابوعبداللّه7 لميسر ادع و لاتقل ان الامر قد فرغ منه ان عند اللّه عز و جل منزلة لاتنال الا بمسئلة و قال7 ادع و لاتقل قد فرغ من الامر فان الدعاء هو العبادة و عن ابيعبداللّه7 من تقدم في الدعاء استجيب له اذا نزل به البلاء و قيل صوت معروف و لميحجب عن السماء و من لميتقدم في الدعاء لميستجب له اذا نزل به البلاء و قالت الملئكة ان ذا الصوت لانعرفه انتهي، بأبي هم و امي من ذوي بلاغة لايقدر احد ان يعبر عن المطالب مثل ما عبروا و قال7 ان الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء و قال من سرّه ان يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرخاء و قال من تخوّف بلاء يصيبه فتقدّم فيه بالدعاء لميره اللّه ذلك البلاء ابداً و عن النبي9 احفظ اللّه يحفظك احفظ اللّه تجده امامك تعرف الي اللّه في الرخاء يعرفك في الشدة و عن علي7 ما المبتلي الذي اشتد به البلاء باحق الي الدعاء من المعافي الذي لايأمن البلاء و عن علي بن الحسين7 لمار مثل التقدم في الدعاء فان العبد ليس تحضره الاجابة في كل ساعة و عن ابيعبداللّه7 انه سئل أليس يقول اللّه (ادعوني استجب لكم) و قد نري المضطر يدعوه و لايجاب له و المظلوم يستنصره علي عدوه فلاينصره قال ويحك مايدعو احد الا استجاب له اما الظالم فدعاؤه مردود الي ان يتوب و اما المحق فاذا دعاه استجاب له و صرف عنه البلاء من حيث لايعلمه او ادخر له ثواباً جزيلاً ليوم حاجته و ان لميكن الامر الذي سأل العبد خيراً له ان اعطاه امسك عنه و المؤمن العارف باللّه ربما عزّ عليه ان يدعوه فيما لايدري أصواب ذلك ام خطاء و عنه7 ان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 79 *»
اللّه تبارك و تعالي ليمنّ علي عبده المؤمن يوم القيمة فيأمره ان يدنو منه فيدنو حتي يضع كفه عليه ثم يعرّفه ما انعم به عليه يقول له ألمتدعني يوم كذا و كذا فاجبت دعوتك ألمتسألني يوم كذا و كذا فاعطيتك مسألتك ألمتستغث بي يوم كذا و كذا فاغثتك ألمتسأل ضرّ كذا و كذا فكشفت ضرّك و رحمت صوتك ألمتسألني مالاً فملّكتك ألمتستخدمني فاخدمتك ألمتسألني ان ازوجك فلانة و هي منيعة عند اهلها فزوجناكها فيقول العبد بلي يا رب اعطيتني كل ما سألتك و كنت اسألك الجنة فيقول اللّه فاني واهب لك ما سألتنيه الجنة لك مباحاً ارضيتك فيقول المؤمن نعم يا رب ارضيتني و قد رضيت فيقول اللّه له عبدي اني كنت ارضي اعمالك و انا ارضي لك احسن الجزاء فان افضل جزائي عندك ان اسكنك الجنة و هو قوله (ادعوني استجب لكم) الآية، و عن ابيعبداللّه7 لايزال المؤمن بخير و رجاء رحمة من اللّه ما لميستعجل فيقنط و يترك الدعاء قيل كيف يستعجل قال يقول قد دعوت منذ كذا و كذا و مااري الاجابة و عنه7 ان العبد اذا دعا لميزل اللّه تبارك و تعالي في حاجته ما لميستعجل و عن زينالعابدين7 الذنوب التي تردّ الدعاء سوء النية و خبث السريرة و النفاق مع الاخوان و ترك التصديق بالاجابة و تأخير الصلوات المفروضات حتي تذهب اوقاتها و ترك التقرب الي اللّه عز و جل بالبر و الصدقة و استعمال البلاء و الفحش في القول و سئل الباقر7 كثرة القراءة افضل ام كثرة الدعاء فقال كثرة الدعاء افضل ثم قرأ (قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم).
بالجملة الدعاء بنفسه عبادة و ينبغي ان تدعو اللّه لاجل انه رب ينبغي ان يتذلل العبد عنده و لاتقصد بدعائك انك تعلمه حاجتك بل تقصد بذكر الحوائج و بثّها ان لاتطغي نفسك و تتذكر فقرها و حاجتها الي ما لها و ما ليس لها و انها لاتملك مع اللّه شيئاً و تقصد بدعائك الخضوع و الخشوع فان اعطي ما سألت فله
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 80 *»
الحمد علي ما انعم و ان لميعط فله الحمد علي ما لميعط ما يضرك و لاينفعك فانه اعلم بضرك و نفعك فقد روي عن علي7 رب امر حرص الانسان عليه فلما ادركه ودّ ان لميكن ادركه و روي عن احمد بن محمد بن ابينصر قال قلت لابيالحسن الرضا7 جعلت فداك اني قد سألت اللّه حاجة منذ كذا و كذا سنة و قد دخل قلبي من ابطائها شيء قال يا احمد اياك و الشيطان ان يكون له عليك سبيل حتي يقنطك ان اباجعفر7 كان يقول ان المؤمن يسأل اللّه عز و جل حاجة فيؤخر عنه تعجيل اجابته حباً لصوته و استماع نحيبه ثم قال واللّه ما اخّر اللّه عز و جل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما عجّل لهم فيها و اي شيء الدنيا ان اباجعفر7 كان يقول ينبغي للمؤمن ان يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ليس اذا اعطي فتر فلاتمل الدعاء فانه من اللّه عز و جل بمكان و عليك بالصبر و طلب الحلال و صلة الرحم و اياك و مكاشفة الناس فانا اهل بيت نصل من قطعنا و نحسن الي من اساء الينا فنري واللّه في ذلك العاقبة الحسنة ان صاحب النعمة في الدنيا اذا سأل فاعطي طلب غير الذي سأل و صغرت النعمة في عينه فلايشبع من شيء و اذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك علي خطر للحقوق التي تجب عليه و ما يخاف عليه من الفتنة فيها اخبرني عنك لو اني قلت لك قولاً أكنت تثق به مني فقلت له جعلت فداك اذا لماثق بقولك فبمن اثق و انت حجة اللّه علي خلقه قال فكن باللّه اوثق فانك علي موعد من اللّه أليس اللّه عز و جل يقول (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان) و قال (لاتقنطوا من رحمة اللّه) و قال (و اللّه يعدكم مغفرة منه و فضلاً) فكن باللّه عز و جل اوثق منك بغيره و لاتجعلوا في انفسكم الا خيراً فانه مغفور لكم و قيل لابيعبداللّه7 يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر قال نعم عشرين سنة و قال7 كان بين قول اللّه عزوجل(قد اجيبت دعوتكما)و بين اخذ فرعون اربعون عاماً و قال7 ان المؤمن ليدعو فيؤخر اجابته الي يوم الجمعة انتهي، و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 81 *»
لعلك قد سمعت تأخر ظهور حاجة نوح7 سنين و هو مستجاب الدعوة و كذا تأخر ظهور حاجات الانبياء و الاولياء و هم مستجابوا الدعوة فلاينبغي للمؤمن ان يترك الدعاء اذا لمير استجابة او يتوقع حصول الحاجة في مكان هذا.
و لنا في ذلك تحقيق آخر و هو ان المؤمن حاجاته مختلفة فلرب حاجة قد تعلق بها المشية و الارادة و القدر و القضاء و هي واقفة في باب الامضاء و لميتحقق مقتضيها فاذا دعا المؤمن لها وقعت في ساعته و لرب حاجة هي واقفة في باب القدر و لميتحقق مقتضيها فاذا دعا المؤمن و تحقق المقتضي تعلق بها القدر و لابد من دوران افلاك الاقدار عليها حتي تتم مقاديرها و تصلح لتعلق الامضاء بها و لرب حاجة هي واقفة في باب الارادة او المشية و لمتتعلق بها مشية اصلاً فاذا سأل العبد ربه لابد و ان يدور عليه افلاك المشية و الارادة و القدر و القضاء حتي تصلح للظهور في عرصة الامضاء و لكل دور بحسب العادة اوقات معلومة و آجال معينة لابد و ان تتأخر الحاجة حتي تدور عليها فلاجل ذلك تتأخر الحاجات في العادة ألاتري انه اذا سألت ربك ولداً لابد و ان يزوجك اللّه زوجة و يوفقك للوقاع معها ثم يخلق في رحمها ولداً و يبقي فيها الي تسعة اشهر حتي يصلح للخروج في عرصة الامضاء و يكون لك ولد فاذا تأخر عنك حصول الولد لايجوز لك القنوط و اللّه سبحانه متوجه الي قضاء حاجتك و ادارة افلاك مشيته و ارادته و قدره و قضائه عليها فثق بوعد اللّه سبحانه و اعلم انه لايخلف الميعاد و اذا دعوت فهو متوجه الي قضاء حاجتك الا ان لكل شيء في تمام كينونته اجلاً لايعدوه و وقتاً لايتجاوزه بحسب العادة و احسن ظنك بربك بل اقول حصول الحاجات بالدعوات بلا مهلة من خوارق العادات و لايقع الا من نبي او وصي نبي اللّهم الا في الشق الاول الذي ذكرنا من كون الشيء واقفاً في باب الامضاء فانه لعله يقع بلا مهلة فلايقنطنّك الشيطان و احسن الظن بالواهب المنان و نفصل ذلك في عنوان آخر.
الثانىعشر: نفس قوله سبحانه (ادعوني استجب لكم) يقتضي حسن الظن بالاجابة لانه اللّه الجليل و يعد العبد الذليل و هو اوفي من وفي بوعد و لاتحسبن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 82 *»
اللّه مخلف وعده رسله و هو يقول (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) فيقع الكلام في مقامين:
الاول في السبب الذي قيل لاجله حسن الظن و لميقل حسن اليقين اعلم انه لايحصل لعقل الحكيم اليقين بشيء الا ان يري وجوده واجباً و عدمه ممتنعاً فيكون للشيء طرف واحد فيحصل له اليقين بانه كذا او يكون كذا و لايتخلف كما يحصل للانسان اليقين بان المعدوم لايوجد نفسه و لايوجده معدوم مثله و لابد في ايجاده من موجود قائم حتي يوجده فذلك شيء اذا نظر اليه الانسان يري ان له طرفاً واحداً فيحصل له اليقين و اليقين هو الذي له طرف واحد و اما اذا كان للشيء طرفان فالنفس مترددة في وجوده شاكة حتي يأتي دليل يخرجه الي حد الوجوب فحينئذ يحصل لها القطع و اليقين و ان جاء دليلان احدهما ارجح من الآخر حصل لها الظن و ذلك ان ما في النفس شبح منفصل عن الدليل فان كان ذا طرف واحد فما فيها ذو طرف واحد و ان كان ذا طرفين فما فيها ذو طرفين فان كان احدهما ارجح كان احد ما فيها ارجح.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اللّه سبحانه هو المتعالي عن جميع خلقه غير مجانس لشيء منها و المتعالي عن اشياء غير مقيد بتلك الاشياء و غير ملتزم بواحد منها البتة كما ان الخارج عن السماوات ليس بشرقي و لا غربي و لا جنوبي و لا شمالي و لا فوقي و لا تحتي البتة و الخارج عن الطبايع ليس بحار و لا بارد و لارطب و لا يابس فلما كان خارجاً عن جميع خلقه ليس بمقيد ملتزم بصفة من صفاتها فيظهر ما يشاء من ايها شاء و ليس بينه و بين احد قرابة و لا بينه و بين شيء مناسبة فيفعل ما يشاء بما يشاء كيف يشاء و يحكم ما يريد بما يريد كيف يريد و هذا هو معني اختياره المطلق جل علاه فما اسخف قول من قال ليس للّه ان شاء فعل و ان شاء ترك نظراً منهم ان مشيته تابعة للعلم و العلم تابع للمعلوم و المعلوم انت و احوالك و انت انت لا غيرك فليس له ان شاء فعل و ان شاء ترك و ذلك القول خارج عن مذهب آلمحمد: و خارج عن كتاب رب العالمين قال (و لو يشاء اللّه لانتصر منهم) و (لو يشاء اللّه لهدي الناس جميعاً) و (لو نشاء لاريناكهم) (أولميهد
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 83 *»
للذين يرثون الارض من بعد اهلها ان لو نشاء اصبناهم بذنوبهم و نطبع علي قلوبهم فهم لايسمعون) و في الدعاء يفعل اللّه ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته.
بالجملة ان اللّه سبحانه مختار اعظم الاختيار و ليس بملتزم بشيء من الاشياء فقدرته ليست مقيدة بطرف خاص و انما تعم اطرافاً لاتحصي و لاتتناهي فكيف يسع احداً ان يقول ان اللّه يفعل ذلك حتماً و لايخالف ذلك و هو الرب المختار القادر علي ما يشاء فتسوية قدرته علي الاشياء اوقفت النفوس موقف الشك و التردد و لاتقدر علي الحتم علي اللّه و قد قال رسول اللّه9 لأم سعد حين قالت هنيئاً لك يا سعد يا ام سعد لاتحتمي علي اللّه مع انه شيع سعداً سبعونالف ملك و من الكافي عن الصادق7 ما معناه ان النبي الياس سجد و تضرع الي اللّه فاوحي اللّه اليه ارفع رأسك فاني لااعذبك فقال يا رب ان قلت لااعذبك ثم عذبتني ألست عبدك فقال اللّه تعالي اني اذا وعدت لااخلف الميعاد فتلك القدرة المطلقة اوقفت النفوس في الدنيا و الآخرة موقف الظن فلايمكن اليقين بشيء من الاشياء و لو قارن الوقوع حتي انه لو رأيت حجراً تدحرج من جبل لايمكن اليقين بنزوله الي الارض و لو رأيت النار قد وقعت في قطن لايمكن القطع بالاحراق و لو رأيت جري الماء علي ارض لايمكن القطع بنفوذه فيها و قد اري اللّه خلقه امثال ذلك ها ان حجر بنياسرائيل لميقع عليهم و ان نار ابرهيم لمتحرقه و ان الماء قد حار حول قبر ابيعبداللّه7 فعموم قدرته تعالي و كمال اختياره ازال القطع عن الخلق في الدنيا و الآخرة حتي انه يقول (فرأي المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها)(و ذاالنون اذ ذهب مغاضباً فظن ان لننقدر عليه) و قال (انها لكبيرة الا علي الخاشعين الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم و انهم اليه راجعون) و قال (الذين يظنون انهم ملاقوا اللّه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة) الي غير ذلك فالمؤمن باختيار اللّه المطلق و عدم تقيده بشيء من الاشياء لايسعه القطع و الحتم علي اللّه فاعظم الناس تحيراً و تزلزلاً في جنب اللّه الانبياء و الرسل و هذا هو سر البداء و الايمان به اعظم مراتب الايمان اذ هو اعتراف بقدس
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 84 *»
اللّه و تعاليه عما سواه و كل من يكون اعظم تقديساً و تسبيحاً للّه يكون اشد اقراراً بالبداء للّه البتة فالبداء لميدع لاحد يقيناً نعم اذا نظر المؤمن الي وعد اللّه سبحانه انبياءه و رسله و ما اجري اللّه عادته عليه يظن ان الامر لايتغير و انه يقع.
و ان قلت أليس خلف الوعد قبيحاً و أليس لايجوز علي اللّه القبيح اقول نعم ان عقولنا تحكم بذلك و هو المستعلي علي العقول يجعلها كيف يشاء هذا و قد وعد اللّه وعداً و لكن لقوابل و اشخاص فان شاء و غيّر القوابل فلا قابل و لا موقع للوعد فلايجري الوعد أليس انه حكم و قال (انما يتقبل اللّه من المتقين) و اما اذا زال تقواك بخذلانه فلا تقوي و لا قبول و كذلك يقع الوعد اذا كان المقتضي موجوداً و المانع مفقوداً و من الموانع السيئات التي يعملها الانسان و من الذي يخلو من المعاصي حتي ان اللّه لو شاء ان يأخذ عبداً بمعاصيه لمينج احد فان احداً لايقوم بحقه في ملكه فافهم و هذا سبب قوله (استعينوا بالصبر و الصلوة و انها لكبيرة الا علي الخاشعين الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم) الآية، فانهم لايدرون بماذا يختم عملهم فالمؤمن اذا مات مؤمناً فله ما وعد له و اما موته مؤمناً فهو محل الاضطراب و عدم اليقين.
بالجملة لاجل ذلك لايمكن للعبد اليقين و كماله في اضطرابه و حسن ظنه لما رأي من آثار الاحسان و دوام الاكرام و ورد الاخبار في الاستجابة بالظن فعن ابيعبداللّه7 اذا دعوت فاقبل بقلبك و ظُنّ حاجتك بالباب و اوحي اللّه الي موسي7 ما دعوتني و رجوتني فاني سامع لك و عن ابيجعفر7 قال قـال رسول اللّه9 قال اللّه تبارك و تعالي لايتّكل العاملون لي علي اعمالهم التي يعملونها لثوابي فانهم لو اجتهدوا و اتعبوا انفسهم اعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلي في جواري و لكن برحمتي فليثقوا و فضلي فليرجوا و الي حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تدركهم و مني يبلغهم رضواني و مغفرتي تلبسهم عفوي فاني انا اللّه الرحمن الرحيم و بذلك تسميت و عنه7 وجدنا في كتاب علي7
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 85 *»
ان رسول اللّه9 قال و هو علي منبره و الذي لا اله الا هو مااعطي مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة الا بحسن ظنه باللّه و رجائه له و حسن خلقه و الكف عن اغتياب المؤمنين و الذي لا اله الا هو لايعذب اللّه مؤمناً بعد التوبة و الاستغفار الا بسوء ظنه باللّه و تقصير من رجائه و سوء خلقه و اغتيابه للمؤمنين و الذي لا اله الا هو لايحسن ظن عبد مؤمن باللّه الا كان اللّه عند ظن عبده المؤمن لان اللّه كريم بيده الخيرات يستحيي ان يكون عبده المؤمن قد احسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه فاحسنوا باللّه الظن و ارغبوا اليه و عن ابيالحسن الرضا7 قال احسن الظن باللّه فان اللّه عز و جل يقول انا عند ظن عبدي المؤمن ان خيراً فخيراً و ان شراً فشراً انتهي و قد فسر الصادق7 معني حسن الظن باللّه فقال حسن الظن باللّه ان لاترجو الا اللّه و لاتخاف الا ذنبك انتهي و معناه ان لاتري المانع من نيل ما عنده سبحانه من نقصانه سبحانه في الكمال و الخير و النور و تري المانع من نفسك و ذنبك و ان اللّه سبحانه و ان كان من حيث قدس ذاته و استعلاء كنهه عما سواه غيرمقيد بشيء الا انه من حيث التجلي قد تجلي الآن بالكمال و الخير و النور و اجري اسباب الخلق الآن هكذا ان من تقرب اليه من حيث امر نال من كماله و خيره و نوره علي حسب تقربه فذلك سبب الظن و لا مانع الآن من الوصول الي ذلك الا نفسك و عملك فخف نفسك و ظُنّ بربك الخير و لا منافاة بينهما و خوفك بنفسه طاعة يرجي معها النجاة قال ابوعبداللّه7 ان من العبادة شدة الخوف من اللّه عز و جل انتهي قال اللّه سبحانه (من خاف مقام ربه و نهي النفس عن الهوي فان الجنة هي المأوي) و لميقل عز من قائل نهي النفس عن الهوي فانتهت بالجملة هذا سبب قول الظن دون اليقين.
و الثانى السبب الذي قيل حسن الظن و قد قدمنا في المجلد الاول تفصيل حسن الظن فنشير هنا اشارة و هو ان العبد اذا كان كافراً بربه منكراً جاحداً فلايصغي الي نبي و لا الي وصي و لايراعي حسن ظن و لا قنوطاً و ليس الكلام معه و هو في الحقيقة ليس بمذنب و لا خاطي و انما جميع اعماله كفر و اما اذا كان مؤمناً باللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 86 *»
فذلك هو الخاطي المذنب فانه الذي يكون عمله علي خلاف ايمانه و لايرضي به فيقال اخطأ و اساء و اذنب و اسرف فذلك الرجل يكفيه في حسن ظنه ايمانه بربه و فيه قوله تعالي (يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم) و لميستثن تعالي شأنه و عظم آلائه و جل ثناؤه و قال (فيومئذ لايسأل عن ذنبه انس و لا جان) و الذي تواتر به الاخبار و يعرف منها بلا غبار ان الاعتبار يوم القيمة بالايمان و ان الذنب مغفور و الاعمال التي لاتغفر اعمال صدرت عن غير المؤمنين فهي محسوبة موزونة مجزية و اما المؤمن فهو من اللّه و باللّه و للّه و الي اللّه و ان اللّه يجازيه بسيئات اعماله ان لميغفر في الدنيا و في البرزخ فذلك ما يحسن الظن باللّه الذي انعم عليه بالايمان و جعله منه و له و اليه و معه و قد مر في المجلد الاول من هذا الباب ما يغنيك و وعود اللّه سبحانه عباده المؤمنين في انواع الخير كافية في حسن ظنهم باللّه جل جلاله ففي كنزالدقايق نقلاً من كمالالدين و تمامالنعمة باسناده الي الثمالي عن الصادق7 قال قـال رسول اللّه9 حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله انه قال من علم انه لا اله الا انا وحدي و ان محمداً عبدي و رسولي و ان علي بن ابيطالب خليفتي و الائمة من ولده حججي اُدخله الجنة برحمتي و انجيه من النار بعفوي و ابحت له جواري و اوجبت له كرامتي و اتممت عليه نعمتي و جعلته من خاصتي و خالصتي ان ناداني لبّيته و ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت ابتدأته و ان اساء رحمته و ان فرّ مني دعوته و ان رجع اليّ قبلته و ان قرع بابي فتحته و من لميشهد ان لا اله الا انا وحدي او شهد بذلك و لميشهد ان محمداً عبدي و رسولي او شهد بذلك و لميشهد ان علي بن ابيطالب خليفتي او شهد بذلك و لميشهد ان الائمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي و صغّر عظمتي و كفر بآياتي و كتبي ان قصدني حجبته و ان سألني حرمته و ان ناداني لماسمع نداءه و ان دعاني لماستجب دعاءه و ان رجاني خيّبته و ذلك جزاؤه مني و ما انا بظلام للعبيد الخبر فذلك و امثاله من اسباب حسن الظن باللّه و الذي يزيد في حسن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 87 *»
الظن مطالعة اخبار آلمحمد: في المؤمنين و الموالين و في ثواب محبتهم و البراءة من اعدائهم و علم ان اليهم الاياب و عليهم الحساب و بيدهم مقاليد الجنة و النار و هم الحكام في الدنيا و الآخرة و محبهم منهم و من طينتهم و لحمه من لحمهم و دمه مـن
دمهم هو جزء منهم كما روي و عين رجائه اليهم و نسبته اليهم فلايــــݘـول الا الي ما يــــݘـولون اليه فافهم و احسن الظن بهم فان الامر في الواقع هكذا فاسع كل السعي في تشييد مباني ايمانك و تقوية اركانه و داوم علي حفظه و راقبه في آناء الليل و النهار كما يراقب المُطفل طفلها الضعيف بالجملة نفس قول الملك الجليل (ادعوني استجب لكم) يفيد لزوم التصديق و حسن الظن به تعالي شأنه و علا برهانه و ذلك قوله (فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
الثالثعشر: يظهر من الآية الشريفة و من قوله (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان) الآية، ان الدعاء كهف الاجابة و كل من دعا قائماً بشروطه يستجاب له و ليس للّه سبحانه قرابة مع احد من خلقه و كل من هو اقوم بشروط الدعاء و اقرب الي اللّه سبحانه هو اولي بالاستجابة من اللّه سبحانه فلو دعوت و دعا علي عكس ما تدعو يستجاب دعاؤه دونك فانه اولي و اقرب من اللّه و اسبق و احق و استجابته تقتضي حرمانك عن اللّه فقد روي عن الصادق7 اذا ظلم الرجل فظلّ يدعو علي صاحبه قال اللّه عز و جل ان هيهنا آخر يدعو عليك يزعم انك قد ظلمته فان شئت اجبتك و اجبت عليك و ان شئت اخرتكما فيوسعكما عفوي.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الدعاء ليس مخصوصاً باللسان وحده و انما الدعاء استعداد القابلية للاستفاضة من اللّه سبحانه و توجه القابلية اليه بتطورها بطور مبادي العلل و ذلك يحصل بالقول و الفعل و الكون فصلة الرحم و زيارة الحسين7 دعاء بطول العمر و ان لميدع الانسان بلسانه كما ان شرب الدواء دعاء لرفع الداء و ان لميدع بلسانه و قطع الرحم و ترك الزيارة دعاء ببتر
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 88 *»
العمر و ان لميدع بلسانه كما ان شرب السم دعاء ببتر العمر و ان لميدع بلسانه فاذاً جميع اعضائك و جوارحك الظاهرة و الباطنة و جميع اعمالك و اخلاقك و علومك و عقايدك و مراتبك كلها السنة داعية من اللّه سبحانه شيئاً يناسبه و من البين ان الطاعات و الحسنات تدعو اللّه بالخير و الثبات و الدوام و العافية و كل محبوب مطلوب و المعاصي و السيئات تدعو اللّه بالشر و الانقراض و الفناء و المرض و كل مبغوض مرغوبعنه البتة فلربما يقتضي عمل او خلق شيئاً يقتضي عمل آخر منه و خلق آخر منه خلافه و ان اللّه سبحانه يوزن القوابل فايها رجح يكون ظهور الاستجابة له البتة و ان كان ينقص منه بقدر الداعي فان اللّه سبحانه لايحرم من دعاه و لكل وافد حق و لكن ظهور الاستجابة للغالب و ان تكافئا يتأخر الاجابة الي ما شاء اللّه فمقتضي قوله سبحانه في خطابه اياك (ادعوني) ان تدعوه بجميع جوارحك و اعضائك و اعمالك و اخلاقك و علومك و عقايدك و مراتبك حتي تكون بجميع ذلك داعياً بلسان واحد فيستجاب لك في الفور ألاتري لو قلت بلسانك اللّهم ارزقني و اقطع رزقي لمتك داعياً و لو قلت بلسانك تعال و اشرت بيدك ان لاتجئ لمتكن داعياً فكذلك قاطع الرحم الذي يدعو بطول العمر بلسانه ليس بداع البتة و اللسانان له و منه فيستجاب للغالب و هذا معني ما روي عن ابيجعفر7 قال ان العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها الي اجل قريب او الي اجل بعيد فيذنب العبد ذنباً فيقول اللّه تعالي للملك لاتقض حاجته و احرمه اياها فانه تعرّض لسخطي و استوجب الحرمان مني و عن الصادق7 الداعي بغير عمل كالرامي بلاوتر انتهي و هو قوله سبحانه (اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه) ومن القدسي لايحجب عني دعوة الا دعوة آكل الحرام و روي قال رجل يا رسول اللّه احب ان يستجاب دعائي فقال طهّر مأكلك و لاتدخل بطنك الحرام و روي اوحي اللّه الي موسي7 قل لظلمة بنياسرائيل لاتدعوني و السحت تحت اقدامكم و الاصنام في بيوتكم فاني آليت ان اجيب من دعاني و ان اجابتي لهم لعناً عليهم حتي يتفرقوا و عن النبي 9 قال مر
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 89 *»
موسي برجل و هو ساجد فانصرف من حاجته و هو ساجد فقال7 لو كانت حاجتك في يدي لقضيتها لك فاوحي اللّه اليه يا موسي لو سجد حتي ينقطع عنقه ماقبلته او يتحول عما اكره الي ما احب و في رواية يا موسي انه يدعوني و قلبه مشغول بغنم فلو سجد الخبر و عن ابيعبداللّه7 قال قـال اللّه عز و جل لااستجيب دعوة المظلوم دعاني في مظلمة و لاحد عنده مثل تلك المظلمة و عنه7 من سره ان يستجاب دعوته فليطيب مكسبه و عن النبي9 يا اباذر يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح يا اباذر مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر الخبر و عن النبي ان العبد ليرفع يديه الي اللّه و مطعمه حرام و ملبسه حرام فكيف يستجاب له و هذه حاله و روي انه قيل للصادق7 انا ندعو اللّه فلايستجيب لنا فقال انكم تدعون من لاتهابونه و تعصونه فكيف يستجيب لكم بالجملة اذا دعوت اللّه بجميع جوارحك و اعمالك و اخلاقك و مراتب كينونتك يستجاب لك و اذا خالفت هذه الاعضاء و المقامات بعضها بعضاً فلاتستحق الاجابة فانك كمن قال بلسانه تعال و اومأ بيده لاتجئ فافهم المثل.
الرابععشر: نفس الآية المذكورة تدل علي ترك التعجيل للانصراف فانه سبحانه هو السلطان المقتدر القاهر بيده ازمة جميع الامور و لايتحرك شيء الا به و لايسكن شيء الا به و هو خالق كل شيء و معطي كل نحلة فالذي يخاطبه لايجوز له ان يكون مستعجلاً و همّه اتمام دعائه و ذهابه و يستعجل اللّه في قضاء حاجته و هو اعلم بمصلحته و اكثر من يدعو و يستعجل الرجوع لاينال خيراً مما رجع اليه و اذا استعجل اللّه لمير خيراً فيما اعطي فالاولي التوكل عليه و قصد العبادة بالدعاء و عرض الحاجة و المسكنة لئلاتنسي نفسه مسكنتها و تتذكر عجزها و فاقتها ثم يكل الامر الي مدبره فعن ابيعبداللّه7 ان العبد اذا عجّل فقام لحاجته يقول اللّه عزوجل أمايعلم عبدي اني انا اللّه الذي اقضي الحوائج و قال7 ان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 90 *»
العبد اذا دعا لميزل اللّه تبارك و تعالي في حاجته ما لميستعجل انتهي فالواجب ان يكون العبد حال الدعاء ساكن القلب مطمئن الاعضاء فارغ الفؤاد و لايهتمّ بشيء ابداً غير ربه حتي يمكنه التوجه فان كان كذلك فليدع و الا فليؤخر الدعاء الي زمان سكونه و لايكون كالذي ربط حماره خارج الكُتّاب و دخل علي المعلم و قال اني اريد ان اصير عالماً قال اجلس فوضع عنده حروفاً و علّمه الالف و الباء فقال يا معلم اجعلني عالماً فان حماري ذهب و اريد ان امشي فان المستعجل لايسعه التوجه كالمشوش البال و المضطرب القلب و المهتم بشيء آخر غاية الاهتمام فانه لايمكنه التوجه و احضار النية في شيء من هذه الاحوال هذا و ذلك غاية تهاون و استخفاف لحق السلطان و احتقار و استصغار له ان يدخل علي السلطان غلقاً مضطرباً كالحاقن غير المستمسك نفسه يرفع رجلاً و يضع اخري و يريد ان يرجع او يعتذر و يقول اعفني فاني اريد ان ارجع و لي همّ و شغل اعظم منك و اهمّ و اريد ان ارجع من حضرتك و اتوجه اليه فانه اعظم و اولي فاعطني سريعاً و عجل فاني في همّ و اريد ان ارجع الي ما هو اعظم اذ لو لميكن عندك اعظم لماكان قلبك متعلقاً به اكثر من توجهك الي ربك و تبصبصك لديه و العبد المشتاق المحب يغتنم الباعث علي اقباله الي مولاه و الدخول عليه و المكالمة معه فكيف يستعجل الرجوع و كذلك لاتستعجل الاجابة فانك لاتدري خيرك من شرك و نفعك من ضرك و عسي ان تحبوا شيئاً و هو شر لكم و عسي ان تكرهوا شيئاً و هو خير لكم و اللّه اعلم بكم اذ انشأكم من الارض و اذ انتم اجنة في بطون امهاتكم ألايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و في ارشادالديلمي فيما اوحي اللّه تعالي الي موسي7 ماخلقت خلقاً احب اليّ من عبدي المؤمن و اني انما ابتليته لما هو خير له و اعافيه لما هو خير له و انا اعلم بما يصلح عبدي فليصبر علي بلائي و ليشكر نعمائي اثبته في الصديقين عندي اذا عمل برضائي و اطاع امري و عن اميرالمؤمنين7 يقول اللّه عز و جل يا عبادي اطيعوني فيما امرتكم و لاتعلّموني بما يصلحكم فانا اعلم و لاابخل عليكم بمصالحكم اقول اطيعوني
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 91 *»
فيما امرتكم هو قوله (ادعوني) و لاتعلّموني بما يصلحكم اي يكون قصدكم امتثال الدعاء لا اخذ مطالبكم عني فان اعطيتكم سررتم و ان منعتكم قنطتم و عن النبي9 يا عباد اللّه انتم كالمرضي و رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضي فيما يعلمه الطبيب و يدبره لا فيما يشتهيه المريض و يقترحه الا فسلّموا للّه امره تكونوا من الفايزين اقول لا شك انا نحن مرضي بمرض الذنوب و انها ابعدتنا عن مبدء الكمال و العلم و الخير و القوة ففوّرت مشاعرنا و شوّشت خواطرنا و غيّرت طبايعنا فلانميز الشيء علي ما هو عليه فلربما ندرك الحلو مرّاً و المرّ حلواً و الخير شراً و الشر خيراً بل ذلك هو الغالب علينا قطعاً لان الذنوب قطعية و تبعيدها قطعي و تغير الفطرة قطعي فنري كل شيء علي خلاف ما هو عليه و لابد له من الميزان و لذلك منعنا نحن من استعمال الدليل العقلي غير الموزون في الدين فلاشك في انا لانعلم خيرنا من شرنا فلايجوز لنا الحتم علي اللّه و استعجاله فيما رأينا خيرنا فيه فلذلك لايجوز اقتراح العجلة علي اللّه عز و جل و استبطاء الاجابة و روي عن اميرالمؤمنين7 رب امر حرص الانسان عليه فلما ادركه ودّ ان لميكن ادركه انتهي فليدع داع و ليكثر و ليلحّ امتثالاً للامر و لانه عبادة مندوب اليها فان اجابه فليحمده مسروراً و ان منعه فليحمده مسروراً راضياً بما صنع فان دفع ما يضرك عنك ليس ادني موقعاً من جلب ما ينفعك اليك فاحمد اللّه مسروراً بما صنع و اعلم ان دعاءك مستجاب و الرب الرءوف الرحيم لمّا لمير خيرك فيما سألت غيّر الاجابة الي ما هو خير لك.
و سر ذلك انك قد توجهت و استمددت و الامداد و الاجابة موجودان حاضران معدّان عند من لا تعطيل له فلما كان قابليتك المؤمنة سائلة من اللّه صلاحها و خير دنياها و آخرتها فقد حصل الشرطان الفاعل و القابل فتقع الاجابة علي معني الصلاح و ان سألت بلسانك جهلاً ما هو شر لك فان كرامة ايمانك عند اللّه تمنع وقوع شر سألته جهلاً و تستدعي الخير و ان لمتسأله فعن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 92 *»
الصادق7 عجبت للمؤمن لايقضي اللّه بقضاء الا كان خيراً له و ان قرض بالمقاريض كان خيراً له و ان ملك مشارق الارض و مغاربها كان خيراً له و في الكافي عن ابيجعفر7 قال قـال رسول اللّه9 قال اللّه عز و جل ان من عبادي المؤمنين عباداً لايصلح لهم امر دينهم الا بالغني و السعة و الصحة في البدن فابلوهم بالغني و السعة و الصحة في البدن فيصلح عليهم امر دينهم و ان من عبادي لعباداً لايصلح لهم امر دينهم الا بالفاقة و المسكنة و السقم في ابدانهم فابلوهم بالفاقة و المسكنة و السقم فيصلح عليهم امر دينهم و انا اعلم بما يصلح عليه امر دين عبادي المؤمنين و ان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده و لذيذ وساده فيتهجد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فاضربه بالنعاس الليلة و الليلتين نظراً مني له و ابقاء عليه فينام حتي يصبح فيقوم و هو ماقت لنفسه زارئ عليها و لو اخلي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك فيصيّره العُجب الي الفتنة باعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعُجبه باعماله و رضاه عن نفسه حتي يظن انه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك و هو يظن انه يتقرب اليّ فلايتّكل العاملون لي علي اعمالهم التي يعملونها لثوابي فانهم لو اجتهدوا و اتعبوا انفسهم و افنوا اعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلي في جواري و لكن فبرحمتي فليثقوا و بفضلي فليفرحوا و الي حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تداركهم و مني يبلغهم رضواني و مغفرتي تلبسهم عفوي فاني انا اللّه الرحمن الرحيم و بذلك تسمّيت و عن ابيالحسن الاول7 قال ينبغي لمن عقل عن اللّه ان لايستبطيه في رزقه و لايتهمه في قضائه و عن ابيعبداللّه7 ان فيما اوحي اللّه عز و جل الي موسي بن عمران يا موسي بن عمران ماخلقت خلقاً احب اليّ من عبدي المؤمن فاني انما ابتليه لما هو خير له و اعافيه لما هو خير له و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 93 *»
ازوي عنه لما هو خير له و انا اعلم بما يصلح عليه عبدي فليصبر علي بلائي و ليشكر نعمائي و ليرض بقضائي اكتبه في الصديقين عندي اذا عمل برضائي و اطاع امري و عنه7 قال لقي الحسن بن علي7 عبداللّه بن جعفر فقال يا عبداللّه كيف يكون المؤمن مؤمناً و هو يسخط قسمه و يحقر منزلته و الحاكم عليه اللّه و انا الضامن لمن لميهجس في قلبه الا الرضا ان يدعو اللّه فيستجاب له انتهي.
بالجملة ينبغي للمؤمن ان يكون راضياً بما عامله اللّه داعياً امتثالاً و عبادةً لا نيلاً لمطلوبه فان طالب المطلوب قد جعل اللّه جهة العبادة فان كان له مطلوب دعا و الا ترك فان دعا و اُعطي سُرّ و الا قنط و ترك الدعاء و يراه مما لافائدة فيه و هو شرك صراح فاللازم للداعي ان لايستعجل و لايستبطي فعن ابيعبداللّه7 قال لايزال المؤمن بخير و رجاء رحمة من اللّه عز و جل ما لميستعجل فيقنط و يترك الدعاء قيل كيف يستعجل قال يقول قد دعوت منذ كذا و كذا و مااري الاجابة.
الخامسعشر: و من الشروط اللازمة ما يستنبط من قوله (ادعوني) و هو الاخفاء و الاخفات و خفض الصوت و ترك رفعه و ذلك انه امرك بدعائه و هو الملك العزيز الجبار و انت العبد الذليل المسكين العاصي الآبق فالواجب عليك غضّ الصوت كالخايف الفاقد نفسه ألاتري انه قد وصف اللّه اصوات العباد يوم القيمة عند مشاهدتهم انوار عظمته و موبقات آثامهم و شدة سطوة جبروته (و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الا همساً) و امر بذلك في قوله (ادعوا ربكم تضرعاً و خفيةً و دون الجهر من القول بالغدو و الآصال) و قال مصدقاً لعبده لقمن (و اغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير) و لما كان ذلك سيرة الخاضعين الخاشعين امر في تعظيم نبيه9 بذلك فقال (لاترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي و لاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) و قال (ان الذين يغضّون اصواتهم عند رسول اللّه اولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوي لهم مغفرة و اجر عظيم)
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 94 *»
فتبين ان غضّ الصوت سبيل الخاضعين الخاشعين و الواجب علي العبد ان يكون خاضعاً خاشعاً عند ربه ميت الصوت كالراهب الخائف الضعيف الذي انحله الخوف من سيده و لذلك روي عن النبي9 انه سمع اقواماً يجاهرون بالدعاء فقال لاترفعوا باصواتكم فان ربكم ليس باصمّ و عنه9 انه كان في غزاة فاشرفوا علي واد فجعل الناس يهللون و يكبرون و يرفعون اصواتهم فقال ايها الناس اربعوا علي انفسكم اما انكم لاتدعون اصمّ و لا غائباً و انما تدعون سميعاً قريباً معكم انتهي و مدح نبيه زكريا و قال (اذ نادي ربه نداءً خفياً) و عن اميرالمؤمنين7 من ذكر اللّه عز و جل في السر فقد ذكر اللّه كثيراً ان المنافقين كانوا يذكرون اللّه علانية و لايذكرونه في السر فقال اللّه عز و جل (يراءون الناس و لايذكرون اللّه الا قليلاً) وكما يمدح الاخفات يمدح الاخفاء ايضاً فانه اقرب الي الخلوص و ابعد عن الرياء و الداعي اقوي علي التوجه و الانقطاع و اكمل الاخفاء الليل و اكمل الليل سحراً و الناس نيام فروي انه قال اللّه لعيسي في حديث يا عيسي الن لي قلبك و اكثر ذكري في الخلوات و اعلم ان سروري ان تبصبص اليّ و كن في ذلك حياً و لاتكن ميتاً وعن ابيعبداللّه7 قال قـال اللّه عز و جل من ذكرني سرّاً ذكرته علانية و عنه7 قال قـال اللّه عز و جل ان من اغبط اوليائي عندي عبداً مؤمناً ذا حظ من صلاح احسن عبادة ربه و عبد اللّه في السريرة و كان غامضاً في الناس فلميشر اليه بالاصابع و كان رزقه كفافاً و صبر عليه فعجلت به المنية و قلّ تراثه و قلّت بواكيه وقال7 يا عمار الصدقة واللّه في السر افضل من الصدقة في العلانية و كذلك واللّه العبادة في السر افضل منها في العلانية و عن النبي9 اعظم العبادة اجراً اخفاها الي غير ذلك من الاخبار و ذلك ان دعاء السر و عبادة الخفية ابعد عن الريا و اقرب الي الخلوص و روي عن الرضا7 دعوة العبد سراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية هذا و لنفوس الخلق تأثير عظيم في اخترام ما
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 95 *»
اطلعوا عليه من العبادات و سلب التوفيق و عدم استمرارها فمادام الانسان يخفي الخير يوفق له و يقدر ان يديم عليه و اذا اطلع الناس عليه يحسده الحاسدون و يمدحه المادحون فيكملون عُجبه فيُعجب بنفسه فيسلب التوفيق و يؤدي ذلك الي الترك فالاحسن الاولي اخفاؤها ما استطاع اللّهم الا الفرايض فانه لا بأس باظهارها و ذلك انه لايستطيع تركها و لايمدح احد بمداومتها و فيه تشييد الدين و اشاعة الشرع المبين و ترغيب الكسلانين.
السادسعشر: لا شك في انه اذا اذن الملك لعبده في الدعاء و امره به و وعده الاجابة يجب علي العبد ان لايقترح عليه ما ليس له و لايطلب منه ما لايجوز له فان نفس سؤال ما لايجوز تمنع الاجابة و توجب الحرمان و ان اللّه سبحانه لايغيّر حكمته الوسائل فاذا كان الحاجة مما يجوز عطاؤه للسائل يعطيها و الا فلا ألاتري انه لايجوز للعبد الذليل ان يسأل الملك الجليل ملكه او سلطانه او مقام ابنه او وزيره او منصباً و مقاماً لايليق به كذلك في باب الملك العزيز الجبار لكل من عبيده مقام معلوم و حد مروم فلايجوز ان يسأل احد ان يجعله ملكاً او نبياً او ما لايجوز له من امثال ذلك و هو الانصاف في المسئلة الوارد في حديث اميرالمؤمنين7 للدعاء شروط اربعة الاول احضار النية و الثاني اخلاص السريرة الثالث معرفة المسئول الرابع الانصاف في المسئلة انتهي، و ذلك ان اللّه سبحانه اجري حكمته علي عادة معروفة و هي ما جعل لكل شيء حداً و مكانة و العادة جارية بترقٍّ جزئي و تنزل جزئي و ان كان الكلي منهما ايضاً ممكناً الا انه علي خلاف العادة المستمرّة مثلاً انه سبحانه جعل في عادته ان يصير المستوفي وزيراً اذا ترقي و ان يصير الوزير في عرض كتّاب الديوان اذا تنزل فاذا دعا المستوفي ان يصير سلطاناً و ليس من بيت السلطنة و لااراه اللّه مباديها في تقديره فقد تعدي في المسئلة و ماانصف و اما اذا دعا اللّه ان يجعله المستوفي الاعظم او يجعله وزيراً فقد انصف فانه من الكتّاب و اراه اللّه مباديها في تقديره و هيّأَ له الاسباب السابقة و اذا دعا ولد السلطان ان يصير سلطاناً فقد انصف فانه من العادة و اراه اللّه مباديها في تقديره و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 96 *»
هيّأ له الاسباب فلايبعد و كذلك اذا دعوت علي شيء فانصف و ادع بما يقرب من مقامك و اراك اللّه اسبابه فلو دعوت علي سلطان بان يجعله اللّه سوقة فلمتنصف و دعوت بامر صعب في العادة و لو دعوت بان يمرضه اللّه او يميته او يعميه او يبتليه فهي امور عادية ممكنة سريعة الي الفعلية و تناسب قوة نفسك فان الامر كلما كان اقرب الي الوصول و الحصول لايحتاج الي زيادة قوة نفس و اما اذا كان بعيداً عن الفعلية و عن العادة يحتاج الي زيادة قوة نفس حتي ان خارق العادة لايستجاب الا لنبي او وصي نبي فلاتدعونّ علي زوال جبل من موضعه فان ابطأ عليك الاجابة تقنط من اجابة اللّه بل انك انت ماانصفت اذ لو كان نفسك بقوة نفس النبي بحيث تقدر علي تقريب البعيد و تبعيد القريب و تهيئة الاسباب كان يجوز لك و اما اذا كان نفسك علي ما انت عليه فلايجوز لك التعدي في المسئلة فان اللّه سبحانه يقول (ادعوا ربكم تضرعاً و خفيةً انه لايحب المعتدين) و الاعتداء تجاوز الحد فلو اذن سلطان لرعيته ان يسألوه يكون الانصاف ان يسأله الراعي ما يناسبه و الجمّال ما يناسبه و الحطّاب ما يناسبه و يشكوَ اليه كلٌّ حاله فلو تعدي الراعي و سأل السلطان ان يضرب عنق الوزير و يقيمه مقامه لايسمع منه بل يعاقب فاذا كان اللّه لايحب المعتدين فكان يبغض و اذا ابغض عبداً يعاقبه البتة فمن الشروط المستنبطة من قوله (ادعوني) الانصاف في المسئلة كما ذكرنا و ليس مدلول هذا الامر الاعتداء في المسئلة فان مدلول كل لفظ ما جرت العادة به و يتبادر الي الاذهان و هذا هو المتبادر منه.
السابععشر: ملاحظة الاعراب و عدم اللحن اللفظي و المعنوي في الدعاء فان من جبلة الخلق ان يتفكروا في تحسين الكلام اذا قصدوا سلطاناً بحاجتهم و يهيئوا له كلمات بليغة حسنة كما قال ابوعبداللّه7 في حديث ان الرجل اذا طلب الحاجة من السلطان هيّأَ له من الكلام احسن ما يقدر عليه فاذا طلبتم الحاجة فمجّدوا اللّه العزيز الجبار و امدحوه و اثنوا عليه الخبر و عن ابيجعفر
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 97 *»
7 مااستوي رجلان في حسب و دين قط الا كان افضلهما عند اللّه عزوجل آدبهما قيل جعلت فداك قد عرفت فضله عند الناس في النادي و المجالس فما فضله عند اللّه عز و جل قال بقراءة القرآن كما انزل و دعائه اللّه عز و جل من حيث لايلحن و ذلك ان الدعاء الملحون لايصعد الي اللّه عز و جل انتهي و هذا هو الظاهر من الخبر بلاشك فما ذكره ابنفهد; عن الناس بعيد غاية البعد و ما اوّله هو بنفسه ناقص فانه قال ما ملخصه انا نري كثيراً من اجابة الدعوات غير المعربات و اذا كان دعاء اللاحن غير مسموع فلا فائدة فيه و لا يتوجه الامر الا الي حذّاق النحاة بل النحوي ربما يلحن و ان الائمة ذكروا شروط الدعاء و لميذكروا الاعراب و لا معرفة النحو ثم ذكر معاني للخبر عن الناس فمنهم من قال انه دعاء الانسان حال الضجر و منهم من قال انه دعاء الوالد علي ولده و منهم من قال انه الذي لايجامع الشرايط ثم رد جميع ذلك و فسّر الخبر بان الدعاء الملحون لايصعد الي اللّه ملحوناً و لايجازيه علي ظاهر لفظه بل يجازيه علي حسب قصده و استشهد بقوله9 ان الرجل الاعجمي من امتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملئكة علي عربيته انتهي، و كلّ ما حكي فهو كما تري تفسير بغير ظاهر اللفظ و تأويل بما لايرضي به صاحب الكلام فلاكلّ لفظ يأول الي كل معني و لو جاز ذلك لميبق للدين عمود و لااخضرّ له عود و الذي ذكره; و ان كان قريباً الا انه ناقص يحتاج الي تمام.
فالمعني ما ابيّن لك ان شاء اللّه و هو ان اللحن بحسب اللغة الحضرمة و الخطاء في الاعراب و مخالفة الصواب فالدعاء الملحون المعرب بالغلط و غير الصواب لايصعد الي اللّه و الذي يحفظ الاعراب و يدعو صحيحاً هو الآدب الافضل عند اللّه و اذا كان الغرض ان الدعاء لايصعد الي اللّه ملحوناً و يستجيب اللّه نية الدعاء ماكان يقتضي ذلك مدح الآدب هيهنا و لميكن له مناسبة فلا شك ان ظاهر الخبر ما ذكرنا.
و اما الوجه في ذلك فهو ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد فقد يكون الجسد علي حسب الروح مطابقاً له و قد يكون مخالفاً بسبب الاعراض لا بالذات كالجسد الكريه للمؤمن الوجيه عند اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 98 *»
و الجسد المريض العليل للمؤمن الممتحن الصحيح الايمان و الجسد اذا تنجس بالعرض و روحه مؤمن طاهر بطهارة الايمان و كذلك اللفظ و المعني فقد يكون اللفظ خالياً عن الاعراض و يكون مطابقاً للروح بلا تفاوت كالناطق الفصيح البليغ الذي يعبّر عما في قلبه علي ابلغ وجه و قد يكون مخالفاً للاعراض و الامراض كتكلم الفأفاء و الالثغ و امثالهما و قد يكون مخالفاً لاجل قلة المعرفة كتكلم الاعاجم بالعربية فلربما يلحن في اعراب انا جئت بفتح او في جوهر اللفظ فيقول انا يجيء بالياء او غير ذلك فيتكلم هكذا مع العرب و يبيع و يشتري و يعامل و يعاشر و يتكلم في حوايجه و يجيبونه علي حسب نيته و لذا روي عن الصادق7 انك قد تري من المحرم من العجم لايراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الاخرس في القراءة في الصلوة و التشهد و ما اشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرم لايراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح و عنه7 قال قـال النبي9 ان الرجل الاعجمي من امتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملئكة علي عربيته انتهي فالذي يخالف لفظه معناه للاعراض فالعبرة علي مراده و اما المتكلم العالم الفصيح فالعبرة علي لفظه و يعرف منه مراده فلو قال الفصيح في الزيارة اشهد انك ظلمت ـ معروفاً ـ يحكم بكفره و اما الاعجمي فيحكم منه بايمانه لان غرضه انك مظلوم و ان لحن فيه جهلاً بالعربية فيعذر فيما لايعذر فيه الفصيح البتة.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اللفظ الملحون بالعرض لايصعد الي اللّه كما لايدخل قلوب الناس و لايعبأون به و لايؤاخذون عليه و لايعتنون به و انما يعتني اللّه بمراده كما يعتني الناس بمراده المعروف بالقراين لا بمدلول اللفظ فاللفظ الملحون لايصعد و لايصل الي المبدء و لايعبأ به و ذلك في حده نقص لللفظ و اللافظ البتة و انما الكمال في صعود اللفظ و المعني معاً فليس معني الحديث ان الدعاء الملحون لايستجاب و لميقل انه لايستجاب و لميعب بذلك علي المقصود و انما عاب بذلك علي اللفظ و حرّض علي تعلم العربية و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 99 *»
الادب كما قال ابوعبداللّه7 تعلموا العربية فانها كلام اللّه الذي كلّم به خلقه و نطق به للماضين و عن النبي9 تعلموا القرآن بعربيته فالمراد تشديد الامر علي الذين لايتعلمون العربية و يلحنون و لاشك ان باللحن يفوت كثير من مرادات اللّه و مرادات حججه: من الكتاب و السنة و فيه بوار الدين فاللحن شيء مبغوض الي اللّه سبحانه و الشيء المبغوض ليس من اللّه و لا اليه فلايصعد الي اللّه سبحانه و ان كان الدعاء النفسي من الداعي المؤمن العاجز عن الفصاحة مستجاباً و اما الدعاء الملحون من العالم الفصيح فليس يصعد الي اللّه سبحانه البتة و ان كان اللحن مما يغيّر المعني بما لاينبغي يؤاخذ عليه و ان كان لايغيّر فيهمل لفظه فلايصعد و ينظر الي مراده مع نقصان حظ لقلة اعتنائه بتحسين اللفظ مع قدرته عليه.
و اعلم ان شيخنا الاجل قال في اللحن كلاماً ملخصه ان اللحن علي قسمين لفظي و معنوي و اللفظي قسمان جلي و خفي فالجلي هو تغيير الكلمة و تغيير اعرابها و الخفي ترك حقوق الكلمات و هو مخلّ باللفظ دون المعني كتكرير الراءات و تغليظ اللامات و تفخيم الالفات و تطنين النونات و قلقلتها و امثالها والمعنوي قسمان لحن و اهمال فاللحن عدم الاعتقاد لمعاني ما يتلوه مما يظهر له انه من اللّه اما لتجويز ضد يلقيه الشيطان في قلوب الغافلين او سقطة عادية نبتت من ذلك التجويز او يذكره الخبيث ضد الحق و قائله فيفرضه بين التفاته للضد و لقائله فيشغله بالاقبال اليها لا من جهة الانكار بل من جهة تفهم ما قد فهمه فيشتغل به عن اللّه فينتج من الفرض الاول الفرض الثاني و من الثاني الريب و منه الشك فيستولي علي القلب و لايظهر علي اللسان فيقول باللسان ما ليس بالقلب قال اللّه تعالي (و لتعرفنهم في لحن القول) فلسانه قد يتلو علي خلاف ضميره (و يشهد اللّه علي ما في قلبه و هو الدّ الخصام) (و لكم الويل مما تصفون) فيكون هذا سيماء يعرفه به الاولياء. و الاهمال عدم الاقبال علي ما يقراؤه فلسانه يتلفظ بالمواعظ علي قلبه الغافل و يقرأ (أفلايتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها بل قلوبهم في غمرة من هذا و لهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون) الي آخر كلامه رفع اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 100 *»
في الخلد اعلامه.
فالدعاء الملحون باللحن اللفظي بنفسه لايصعد الي اللّه و انما يستجيب اللّه دعاءه النفسي علي ما مر و اما اللحن المعنوي النفسي فهو ايضاً يمنع من الصعود الي اللّه سبحانه و لايستجاب له البتة فانه اذا دعا و لايعتقد معاني ما يدعو او قلبه مشغول لاهٍ مهمل للتوجه فذلك الدعاء نازل الي سجين محجوب عن رب العالمين البتة عصمنا اللّه عن الزلل و آمننا من الخطل بحق محمد و آله سادة الاواخر و الاول صلوات اللّه عليهم اجمعين فجميع هذه الوجوه مستخرج من نفس قوله تعالي (ادعوني استجب لكم) فمن وفي بما امر كما امر استجاب له البتة و وفي بما وعد ولاتحسبن اللّه مخلف وعده رسله، اوفوا بعهدي اوف بعهدكم و لما طال بنا المقال في هذا الباب احببنا الاختصار لئلايلزم الكلال.
فصل: رأيت ان اذكر هنا بعض الاخبار المتعلقة بالدعاء من دون تعرض الي شرح و تفصيل فعن ابيعبداللّه7 قال الدعاء انفذ من السنان الحديد و عنه7 قال قـال رسول اللّه9 الدعاء سلاح المؤمن و عمود الدين و نور السموات و الارض و عن اميرالمؤمنين7 الدعاء مفاتيح النجاح و مقاليد الفلاح و خير الدعاء ما صدر عن صدر تقي و قلب نقي و في المناجاة سبب النجاة و بالاخلاص يكون الخلاص فاذا اشتد الفزع فالي اللّه المفزع و عن الرضا7 انه كان يقول لاصحابه عليكم بسلاح الانبياء فقيل و ما سلاح الانبياء قال الدعاء و عن ابيعبداللّه7 قال هل تعرفون طول البلاء من قصره قيل لا قال اذا الهم احدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا ان البلاء قصير و قال7 عليكم بالدعاء فانه شفاء من كل داء و سئل7 عن سبب رفع الايدي و عدم خفضها فقال ابوعبداللّه7 ذلك في علم اللّه و احاطته سواء و لكنه عز و جل امر اولياءه و عباده برفع ايديهم الي السماء نحو العرش لانه جعله معدن الرزق فاثبتنا ما اثبته القرآن و الاخبار عن رسول اللّه9 حين قال ارفعوا ايديكم الي اللّه انتهي اقول اثبات القرآن قوله (و في السماء
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 101 *»
رزقكم و ما توعدون) و قوله (فمااستكانوا لربهم و مايتضرعون) قال ابوعبداللّه7 التضرع رفع اليدين و قوله تعالي (ادعوا ربكم تضرعاً و خفيةً) الآية و عنه7 ماابرز عبد يده الي اللّه العزيز الجبار الا استحيي اللّه عز و جل ان يردها صفراً حتي يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فاذا دعا احدكم فلايرد يده حتي يمسح علي وجهه و رأسه و قيل لابيالحسن7 جعلت فداك اني قد سألت اللّه حاجة منذ كذا و كذا سنة و قد دخل قلبي من ابطائها شيء فقال يا احمد اياك و الشيطان ان يكون له عليك سبيل حتي يقنطك ان اباجعفر7 كان يقول ان المؤمن يسأل اللّه عز و جل حاجة فيؤخر عنه تعجيل اجابتها حباً لصوته و استماع نحيبه ثم قال واللّه ما اخّر اللّه عز و جل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما عجل لهم فيها و اي شيء الدنيا ان اباجعفر7 كان يقول ينبغي للمؤمن ان يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ليس اذا اعطي فتر فلاتمل الدعاء فانه من اللّه عز و جل بمكان و عليك بالصبر و طلب الحلال و صلة الرحم و اياك و مكاشفة الناس فانا اهل بيت نصل من قطعنا و نحسن الي من اساء الينا فنري واللّه في ذلك العاقبة الحسنة صاحب النعمة في الدنيا اذا سأل فاُعطي طلب غير الذي سأل و صغرت النعمة في عينه فلايشبع من شيء و اذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك علي خطر للحقوق التي تجب عليه و ما يخاف عليه من الفتنة فيها اخبرني عنك لو اني قلت لك قولاً أكنت تثق به مني فقال احمد جعلت فداك اذا لماثق بقولك فبمن اثق و انت حجة اللّه علي خلقه قال فكن باللّه اوثق فانك علي موعد من اللّه أليس اللّه عز و جل يقول (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان) و قال (لاتقنطوا من رحمة اللّه) و قال (و اللّه يعدكم مغفرة منه و فضلاً) فكن باللّه عز و جل اوثق منك بغيره و لاتجعلوا في انفسكم الا خيراً فانه مغفور لكم و عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 اذا دعا احدكم فليعمّ
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 102 *»
فانه اوجب للدعاء و عنه7 ما من رهط اربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا اللّه عز و جل في امر الا استجاب لهم فان لميكونوا اربعين فاربعة يدعون اللّه عز و جل عشر مرات الا استجاب اللّه فان لميكونوا اربعة فواحد يدعو اللّه اربعين مرة فيستجيب اللّه العزيز الجبار له و عن ابيجعفر7 واللّه لايلحّ عبد علي اللّه عز و جل الا استجاب له و عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 رحم اللّه عبداً طلب من اللّه عز و جل حاجة فأَلحّ في الدعاء استجيب له او لميستجب و تلا هذه الآية (و ادعو ربي عسي ان لااكون بدعاء ربي شقياً) و عن ابيعبداللّه7 من دعا لاخيه المؤمن ظهر الغيب ناداه ملك من السماء الدنيا يا عبد اللّه و لك مائةالف ضعف مما دعوت و ذكر انه يناديه ملك من كل سماء و يزيده مائةالف ثم يناديه اللّه تعالي انا الغني الذي لاافتقر لك يا عبدي الفالف ضعف مما دعوت وفي طب الائمة عن الوشا قال حدثنا عبداللّه بن سنان عن اخيه محمد بن سنان قال قـال جعفر بن محمد8 ما من احد يخوّف بالبلاء فيقدم فيه بالدعاء الا صرف اللّه منه ذلك البلاء أماعلمت ان اميرالمؤمنين سلام اللّه عليه قال ان رسول اللّه6 قال يا علي قال لبيك يا رسول اللّه قال ان الدعاء يردّ البلاء و قد ابرم ابراماً قال الوشا فقلت لعبداللّه بن سنان هل في ذلك دعاء موقت قال اما اني سألت عن ذلك الصادق7 فقال نعم اما دعاء الشيعة المستضعفين ففي كل علة من العلل دعاء موقت و اما دعاء المستبصرين فليس في شيء من ذلك دعاء موقت لان المستبصرين البالغين دعاؤهم لايحجب و في الوسائل عن زرارة قال قلت لابيعبداللّه7 علّمني دعاء فقال ان افضل الدعاء ما جري علي لسانك و كذا روي انه سأله سائل ان يعلّمه دعاء فقال ان افضل الدعاء ما جري علي لسانك.
و اعلم ان الاخبار في هذا الباب كثيرة و ذكرها و ذكر ما يتعلق بالدعاء يقتضي رسم كتاب كبير كما كتبوا و غرضنا في هذا الكتاب ذكر ما اهملوه من
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 103 *»
اسرار الاخلاق فلنقتصر علي ما ذكرنا و من اراد شروط الاستجابة و المتممات و المكملات الخارجية و ساير ما يتعلق بالدعاء فليراجع الكتب المدونة في هذا الباب فانها كافية ان شاء اللّه.
فصل: اعلم انه من الامور التي يجب التنبيه عليها و قد سنح لي هنا فاحببت ان اذكره تنبيهاً للغافلين هو ان كل احد يرفع حاجته الي السلطان فانما يرفعها علي حسب حالته و مقامه و يكملها علي مقتضي حاله و يذكر للسلطان ما يعرفه منها فلو قال احد من السوقة له كم من ملك فتحته لك و كم من جيش سقته لك و كم من بناء بنيته لك و امثال ذلك و لميفعل شيئاً من ذلك فانما يحكم السلطان بجنونه او كذبه و يطرده او اذا كان واقفاً بين يديه و ينظر الي يمينه و شماله و يلعب بما في يديه او يعدو و يولي عنه و يضحك ثم يقول له ارحم يا سلطان توجهي اليك و صرف نظري عن غيرك و خضوعي لديك و بكائي من خشيتك فانما يحكم له بالجنون او السخرية و الاستهزاء بالسلطان و هكذا امثال ذلك و تعرف مما ذكرنا نوعه فكذلك كل داع ينبغي ان يدعو اللّه بمقتضي حاله و مقامه و معرفته و خصوصيته و اخلاصه و حبه و خوفه و رجائه فلو دعا بخلاف ذلك كان كالمستهزئ باللّه و الساخر به نعوذ باللّه و اي تقرب في الكذب بين يدي اللّه و القول بما ليس فيه و كيف يستجاب له و نفسه تأباه فما ورد في ادعية آلمحمد: فانما هو بالنسبة الي حالهم و مقامهم مع اللّه عزوجل او بالنسبة الي حال من علموه او ذكروه لان يتخلق الانسان بتلك الاخلاق ثم يدعو به و لاتقل انه تعبّديّ فان اللّه لميتعبّد عباده بالكذب و البهتان و السخرية و الاستهزاء (ان اللّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذيالقربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي) فمحال ان يتعبد اللّه عباده بالفحشاء (هو الذي حبب اليكم الايمان و زينه في قلوبكم و كره اليكم الكفر و الفسوق و العصيان اولئك هم الراشدون فضلاً من اللّه و نعمة) و قال (قل أباللّه و آياته و رسله كنتم تستهزءون) فاللازم ان تراجع دعاء اردت تلاوته اولاً فان كان مناسباً لحالك فاتله و الا فعد الي غيره ألاتستحيي من ربك ان تقول
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 104 *»
ارحم تضرعي و وجيب قلبي و ارتعاش اعضائي و قلقي و اضطرابي و لميكن لك شيء من ذلك بل يكون لك اضداد ذلك و هكذا ألست تستحيي ان تدّعي حبه و الوله اليه او الشوق اليه او غير ذلك مما ليس فيك عشر من معشاره بين يديه و تريد مع تلك الفاحشة ان يستجاب لك و لربما يأخذك العجب اني قرأت في هذه الليلة الدعاء الفلاني و الفلاني و عبدت اللّه أتحسب الدعوات رُقْية لايراد منها معني او يراد او تحسب الكذب بين يدي اللّه جائزاً و الاستهزاء به مباحاً نعوذ باللّه و لكن قد شاع و ذاع حتي ملأ الاصقاع و فشا في المشاهد و المساجد و ارتفع الاصوات بدعوات كاذبات و مناجاتات مفتريات حتي كأنها صارت من سيرة المؤمنين فلو نطق ناطق عليهم فلربما قالوا ارأيت الذي ينهي عبداً اذا صلي ارأيت لو كان علي الهدي او امر بالتقوي ألايتفكرون ان الامام يكالم اللّه سبحانه علي حسب شأنه و مقامه و ليس ذلك لاحد دونهم و لميطلقوا للناس ان يدعوا بكل دعاء ذلك ظن الذين لايوقنون أليس قد ذكر الكفعمي احتجابات عن الائمة و منها احتجاب الحجة7 اللّهم احجبني عن عيون اعدائي و اجمع بيني و بين اوليائي و انجز لي ما وعدتني و احفظني في غيبتي الي ان تأذن لي في ظهوري و احي بي ما درس من فروضك و سننك و عجل فرجي و سهل مخرجي الدعاء، فهل تقدر ان تقرأه و مندوب لك قراءته ام كيف تقرأ دعاء الحسين7 غيرضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضّيتني و لا قاصر بجهدي عما اليه ندبتني مسارع لما عرفتني شارع فيما اشرعتني مستبصر ما بصّرتني مراع ما ارعيتني الدعاء، و انت لمتفعل و لنتفعل شيئاً من ذلك ام كيف تقرأ قنوت الرضا7 و انتقم لي ممن ظلمني و استخفّ بي و طرد الشيعة عن بابي و اذقه مرارة الذل الدعاء، و كيف تقرأ دعاء الصحيفة اللّهم صل علي محمد و آلمحمد و تولني في جيراني و مواليّ العارفين بحقنا المنابذين لاعدائنا بافضل ولايتك الي ان قال و زدهم بصيرةً في حقي و معرفة بفضلي حتي يسعدوا بي و اسعد بهم آمين رب العالمين و هذه امثلة واضحة اتيت بها فما يشتمل علي حالات و معارف
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 105 *»
لايناسب حالك و حال امثالك فاكثر من ان تحصي فاللازم ان تراجع الدعاء اولاً بنظر الدقة فان كان يناسب حالك فادع به و الا فان كان يمكنك تطبيق حالك عليه علي وجه الصرف و التأويل فاقرأه و اقصد التأويل و الا فاتركه فانه لك شر سبيل ان تقوم بين يدي الجليل و تكذب و تدعي ما ليس فيك و تسخر به او تستهزئ او تتهاون بمقداره و لذلك روي افضل الدعاء ما جري علي لسانك فالمؤمن المستبصر و غير المستبصر افضل دعائه ما وافق حاله من المأثورات و ان لميجد فما جري علي لسانه البتة.
و اعجب من ذلك عوام العجم الذين لايعرفون العربية و لايعرفون انهم لأيّ شيء يدعون و هل يناسب حاجتهم ام لا و لااري لهم اجراً في ذلك الا لمحض توجههم و قصدهم ان يدعوا و الاحسن لهم ايضاً ان يدعوا بعجميتهم و لسانهم و لابأس اذا انشأ عالم كل زمان لكل من يطلب منه دعاء يناسب حاله و مقامه و حاجته و اما ما روي ان عبدالرحيم القصير قال لابيعبداللّه7 جعلت فداك اني اخترعت دعاء فقال دعني من اختراعك اذا نزل بك حاجة فافعل كذا و كذا فالظاهر انه اخترع طوراً للدعاء و قانوناً و لذلك زبره و علّمه طريق الدعاء او كان مخصوصاً به لانه اخترع علي غير الوجه المحبوب للّه و لرسوله و لاوليائه: و الظاهر من لفظ الاختراع هو الاول فان جواز الدعاء بما جري علي اللسان من ضروريات المذهب و الملة بل الملل بالجملة قد تبين مما ذكرنا انه لا كل احد يجوز ان يقرأ كل دعاء ما لميكن مطابقاً لحاله ظاهراً او تأويلاً.
فصل: اعلم انه من عجايب علم آلمحمد: انهم استنبطوا جميع دعواتهم مثل ساير احكامهم من القرآن اما من ظاهره و اما من باطنه و اما من تأويله و لاجل ذلك يفوق دعواتهم دعوات جميع الداعين و يكون لها آثار عظيمة ليست في غيرها كما قال اللّه سبحانه (و لو ان قرآناً سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتي) فمن اقتدر علي فهم كون دعواتهم من القرآن و وجد مبدأها منه فقد فاز بعلم رسم انشاء الدعوات و قدر علي تأليف الدعوات النافعة المنجحة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 106 *»
المستجابة و هم: لايتجاوزون الفاظ القرآن بنظمها ما امكن فان لميمكن فلايتجاوزون الفاظها ابداً فانها افصح الالفاظ فان لميمكن فلايتجاوزون معانيها البتة اما ظاهرها و اما باطنها و اما تأويلها فيدورون مدار القرآن و هم عالمون بتأليف يستجاب معه الدعاء و يسمع به الثناء و يدفع به البلاء و يكشف به اللأواء و باسماء سريعة التأثير و الاجابة فيؤلفون علي ما يرونه من المصلحة فيؤثر تأثيراً وحيّاً و لكن لما كان القرآن قد سرق منه كثير قد لايوجد بعض فقرات الدعوات في المصحف المعروف و قد يكون من تأويلاته او بواطنه التي يقصر علمنا عن بلوغها و لاُمثلنّ لك علي سبيل الاشارة كيفية الاستنباط حتي تعرف سبيلها مثلاً من الدعوات دعاء مروي عن النبي9 في بلدالامين بسم اللّه الرحمن الرحيم اللّهم انك حميد مجيد مأخوذ من قوله (سبحانك اللّهم) و (انه حميد مجيد) ودود شكور مأخوذ من قوله (هو الغفور الودود) و (انه غفور شكور) كريم وَفيّ مليّ مأخوذ من قوله (ما غرك بربك الكريم) و من قوله (من اوفي بعهده من اللّه) و المَليّ بمعني الثقة و ليس هذا بلفظه في القرآن المعروف و ان اخذ معناه فهو بمعني الثقة و من اوثق ممن ليس منه اصدق (و من اصدق من اللّه حديثاً) و لا اوفي بالعهد اللّهم انك تواب وهاب سريع الحساب و توصيف اللّه بها في الكتاب كثير نحو (فتاب عليه انه هو التواب الرحيم) و (انك انت الوهاب) و (و اللّه سريع الحساب) جليل عزيز متكبر خالق بارئ مصور واحد احد قادر قاهر الجليل مشتق من (ذي الجلال) و العزيز المتكبر الخالق البارئ المصور مذكورة في آخر سورة الحشر (و انما الهكم اله واحد) و (قل هو اللّه احد) و (هو القادر علي ان يبعث عليكم عذاباً) و (هو القاهر فوق عباده) اللّهم لاينفد ما وهبت مأخوذ من قوله (ان هذا لرزقنا ما له من نفاد) و لايرد ما منعت مأخوذ من معني قوله (و ما يمسك فلا مرسل له من بعده) و من قوله (و ان يردك بخير فلا راد لفضله) فلك الحمد كما خلقت و صورت و قضيت مأخوذ من قوله (الحمد للّه) و (خلقناكم ثم صورناكم) و (قضي اجلا) و (و اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 107 *»
يقضي بالحق) و اضللت و هديت مأخوذ من قوله (يضل من يشاء و يهدي من يشاء) و اضحكت و ابكيت مأخوذ من قوله (اضحك و ابكي) و امت و احييت مأخوذ من قوله (ثم يميتكم ثم يحييكم) و افقرت و اغنيت مأخوذ من قوله (و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الارض و لكن ينزل بقدر ما يشاء) و (الذي هو اغني و اقني) و الافقار ليس بلفظه في المصحف المعروف و قوله (انتم الفقراء الي اللّه) و امرضت و اشفيت مأخوذ من قوله (و اذا مرضت فهو يشفين) و اطعمت و سقيت مأخوذ من قوله (يطعمني و يسقين) و لك الحمد في كل ما قضيت مأخوذ من قوله (و قضي بينهم بالحق و قيل الحمد للّه رب العالمين) و لا ملجأ منك الا اليك مأخوذ من قوله (من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من اللّه ما لكم من ملجأ يومئذ و ما لكم من نكير) يا واسع النعماء مأخوذ من قوله (اسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة) يا جزيل العطاء مأخوذ من قوله (انا اعطيناك الكوثر) فان الكوثر هو الخير الكثير و من (عطاء غيرمجذوذ) فانه لا اجزل من هذا العطاء و من (اجر عظيم) يا قاضي القضاة مأخوذ من قوله (اذا قضي امراً فانما يقول له كن فيكون)و (اللّه يقضي بالحق و الذين تدعون من دونه لايقضون بشيء) فمثل ذلك قاضي القضاة يا باسط الخيرات مأخوذ من قوله (و لو بسط اللّه الرزق لعباده) و (اللّه يبسط الرزق لمن يشاء)(بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) يا كاشف الكربات مأخوذ من قوله (ينجيكم منها و من كل كرب) و (نجيناه و اهله من الكرب العظيم) و (كشفنا ما به من ضر) و (ام من يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء) يا مجيب الدعوات من قوله (اجيب دعوة الداع اذا دعان) يا ولي الحسنات من قوله (ما اصابك من حسنة فمن اللّه) يا رافع الدرجات من قوله (رفيع الدرجات ذو العرش) يا منزل البركات و الآيات من قوله (فتحنا عليهم بركات من السماء و الارض) و (کتاب مبارك انزلناه) اللّهم انك تري و لاتري من قوله (لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار) و انت بالمنظر الاعلي من قوله (لننظر كيف تعملون) و (سبح اسم ربك الاعلي) و لك الحمد في الاخرة و الاولي من
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 108 *»
قوله (له الحمد في الاولي و الآخرة و له الحكم و اليه ترجعون) اللّهم انك غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب ذو الطول لا اله الا انت اليك المصير من قوله (غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله الا هو اليه المصير) وسعت كل شيء رحمتك من قوله (و رحمتي وسعت كل شيء) و لا راد لامرك من قوله (و ان يردك بخير فلا راد لفضله) و (كان امر اللّه مفعولاً) و لا معقب لحكمك من قوله (لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب) بلغت حجتك من قوله (للّه الحجة البالغة) و نفذ امرك من قوله (انما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون) و بقيت انت وحدك من قوله (و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام) لاشريك لك في امرك من قوله (له الخلق و الامر) و (الا الي اللّه تصير الامور) و امثالها و لايخيب سائلك اذا سألك من قوله (ادعوني استجب لكم) و (اسألوا اللّه من فضله انه كان بكل شيء عليماً) اسألك بحق السائلين اليك و الطالبين ما عندك و هو الاستجابة الموعودة، و اسألك يا رب باحب السائلين اليك هو لقوله (فابتغوا اليه الوسيلة) و هو من (قوم يحبهم و يحبونه اذلة علي المؤمنين اعزة علي الكافرين) و هم آلمحمد: و باسمائك التي اذا دعيت بها اجبت و اذا سئلت بها اعطيت من قوله (للّه الاسماء الحسني فادعوه بها) اسألك ان تصلي علي محمد و آلمحمد من قوله (ان اللّه و ملئكته يصلون علي النبي) الآية، و اسألك باسمك العظيم الاعظم من قوله (فسبح باسم ربك العظيم) الذي اذا سئلت بها اعطيت و اذا اقسم عليك به كفيت اسألك ان تصلي علي محمد و آلمحمد و ان تكفينا ما اهمنا و ما لميهمنا من امر ديننا و دنيانا و آخرتنا من قوله (أليس اللّه بكاف عبده) و تعفو عنا و تغفر لنا و تقضي حوائجنا من قوله (و اعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا انت مولينا فانصرنا علي القوم الكافرين) و( حاجة في نفس يعقوب قضاها) اللّهم اجعلنا من الذين اذا حدثوا صدقوا من قوله (و من اصدق من اللّه حديثاً) و اذا اساءوا استغفروا من قوله (و الذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم) و اذا سلبوا صبروا من
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 109 *»
قوله (لاتأسوا علي ما فاتكم) و (اللّه مع الصابرين) و (بشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة) الآية، و اذا عاهدوا وفوا من قوله (اوفوا بعهدي اوف بعهدكم) و اذا غضبوا غفروا من قوله (و اذا ما غضبوا هم يغفرون) و اذا جهلوا رجعوا من قوله (من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده و اصلح فانه غفور رحيم) و اذا ظلموا لميظلموا من قوله (و الذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون) و(جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفي و اصلح فاجره علي اللّه انه لايحب الظالمين) الآيات الي (عزم الامور) و اذا خاطبهم الجاهلون الي قوله مستقراً و مقاماً اللّهم اجعلنا من الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا الآية، اللّهم اني اسألك من علمك لجهلنا اوائلها بانفسها آيات و الاخيرة من قوله (و اللّه يعلم و انتم لاتعلمون) و (سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا) و (قل رب زدني علماً) و من قوتك لضعفنا من قوله (اللّه خلقكم من ضعف) و (ان اللّه قوي عزيز) و من غناك لفقرنا من قوله (انتم الفقراء الي اللّه و اللّه هو الغني الحميد) اللّهم لاتكلنا الي انفسنا طرفة عين و لااقل من ذلك من قوله (ان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده) و لاتردنا علي اعقابنا و لاتزل اقدامنا و لاتزغ قلوبنا من قوله (و نرد علي اعقابنا بعد اذ هدانا اللّه) و من قوله (فتزل قدم بعد ثبوتها) و من قوله (ربنا لاتزغ قلوبنا) و لاتدحض حجتنا من قوله (حجتهم داحضة عند ربهم) و لاتمح معذرتنا من قوله (فيومئذ لاينفع الذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون) و (يوم لاينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار) و لاتعسر علينا سعينا من قوله (و لاترهقني من امري عسراً) و من قوله (و سنيسره للعسري) و لاتشمت بنا اعداءنا من قوله (فلاتشمت بي الاعداء و لاتجعلني مع القوم الظالمين) و لاتسلط علينا سلطاناً مخيفاً من قوله (و لو شاء اللّه لسلطهم عليكم فلقاتلوكم) و من قوله (عذاباً من فوقكم او من تحت ارجلكم) و هب لنا من لدنك رحمة الآية، ربنا هب لنا من ازواجنا، اللّهم لا تؤمنّا مكرك من قوله (أفامنوا مكر اللّه فلايأمن مكر اللّه الا القوم الخاسرون) و لاتكشف عنا سترك من قوله (يوم تبلي السراير) و من تكفير السيئات لان التكفير هو الستر و من قوله (و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 110 *»
لاتخزني يوم يبعثون) و لاتصرف عنا وجهك من قوله (لايكلمهم اللّه و لاينظر اليهم) و لاتحلل علينا غضبك من قوله (و من يحلل عليه غضبي فقد هوي) و لاتنح عنا كرمك من قوله (و لولا فضل اللّه عليكم و رحمته لكنتم من الخاسرين) و من قوله (و لقد كرمنا بنيآدم) و اجعلنا اللّهم من الصالحين الاخيار من قوله (و بشرناه باسحق نبياً من الصالحين) و من قوله (و اذكر اسمعيل و اليسع و ذاالكفل و كل من الاخيار) ادخلني في زمرة الانبياء و ارزقنا ثواب دار القرار من قوله (و ان الآخرة هي دار القرار) و اجعلنا من الاتقياء الابرار من قوله (و ما عند اللّه خير للابرار) و ما في وصف المتقين فكثير ظاهر و وفقنا في الدنيا و الآخرة من قوله (و ما توفيقي الا باللّه) و اجعل لنا مودّة في قلوب المؤمنين آمين يا رب العالمين من قوله (ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً) اللّهم كما اجتبيت آدم و تبت عليه تب علينا من قوله (ثم اجتبيه ربه فتاب عليه فهدي) و كما رضيت عن اسحق فارض عنا من قوله (و بشرناه باسحق نبياً من الصالحين) و لعل في باقي الكتاب ما هو اصرح و كما صبّرت اسمعيل علي البلاء فصبّرنا من قوله (ستجدني ان شاء اللّه من الصابرين) و كما كشفت الضر عن ايوب فاكشف عنا ضرنا من قوله (فكشفنا ما به من ضر) و كما جعلت لسليمان زلفي و حسن مآب فاجعل لنا من قوله (و ان له عندنا لزلفي و حسن مآب) و كما اعطيت موسي و هرون سؤلهما فاعطنا من قوله (قد اوتيت سؤلك يا موسي) و كما رفعت ادريس مكاناً عليّاً فارفعنا من قوله (و رفعناه مكاناً عليّاً) و كما ادخلت الياس و اليسع و ذاالكفل و ذاالقرنين في الصالحين فادخلنا من قوله (و من ذريته داود و سليمن و ايوب و يوسف و موسي و هرون و كذلك نجزي المحسنين و زكريا و يحيي و عيسي و الياس كل من الصالحين و اسمعيل و اليسع و يونس و لوطاً و كلاً فضلنا علي العالمين) و من قوله (و اسمعيل و ادريس و ذاالكفل كل من الصابرين و ادخلناهم في رحمتنا انهم من الصالحين) و ليس فيما وصلنا من الكتاب ذكر ذيالقرنين بالصلاح فلعله في باقي الكتاب او
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 111 *»
اخذ من دفع فساد يأجوج و مأجوج فانهم مفسدون في الارض كما في الكتاب و كما ربطت علي قلوب اصحاب الكهف اذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات و الارض الآية، من قوله (و ربطنا علي قلوبهم اذ قاموا) الآية، و كما دعاك زكريا فاستجبت له فاستجب لنا من قوله (عبده زكريا اذ نادي ربه نداءً خفياً) و كما ايدت عيسي بروح القدس فايدنا بما تحب و ترضي من قوله (و آتينا عيسي بن مريم البينات و ايدناه بروح القدس) و كما غفرت لمحمد9 فاغفر لنا ذنوبنا و كفر عنا سيئاتنا ما قدمنا و ما اخرنا و ما اسررنا و ما اعلنا انك علي كل شيء قدير من قوله (ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك و ما تأخر) و قوله (فاغفر لنا ذنوبنا و كفر عنا سيئاتنا و توفنا مع الابرار) و قوله (يعلم ما يسرون و ما يعلنون) و آخر الفقرة بنفسه آية و اجعلنا اللّهم و جميع المؤمنين من عبادك العالمين العاملين الخاشعين المتقين المخلصين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله و سلم تسليماً كثيراً انتهي، و استخراج ذلك من آيات مدح اللّه بها عباده ظاهر و ذكرنا ذلك بطوله لتتعلم كيفية تأليف الدعاء و استخراجه من القرآن و لتعلم ان ادعيتهم و كلماتهم كلها من الكتاب من لفظه او معناه او هي تفصيل اجمال الكتاب او من افراد عمومه او تأويله او باطنه او باطن باطنه فمنها ما نحيط به علماً و لعل كثيراً منها في سور و آيات محذوفة من الكتاب و هي عندهم و لو تدبرت فيما ذكرت لتمكنت من تأليف الدعاء الصحيح المقبول المؤثر البتة.
فصل: و لما بلغ الكلام هنا احببت ان اذكر بعض الدعوات الكتابية اي الواردة في التنزيل فانها خير دعوات البتة يدعي بها في الحاجات و لقاريها ثواب قراءة القرآن و ثواب الدعاء و هي احب الدعاء الي اللّه البتة فمنها (اللّهم فاطر السموات و الارض عالم الغيب و الشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) و منها (ربنا وسعت كل شيء رحمة و علماً فاغفر للذين تابوا و اتبعوا
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 112 *»
سبيلك و قهم عذاب الجحيم ربنا و ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و ازواجهم و ذرياتهم انك انت العزيز الحكيم و قهم السيئات و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته و ذلك هو الفوز العظيم) و منها (اني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لايؤمن بيوم الحساب) و منها (رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت عليّ و علي والدي و ان اعمل صالحاً ترضاه و اصلح لي في ذريتي اني تبت اليك و اني من المسلمين) و منها (ربنا عليك توكلنا و اليك انبنا و اليك المصير) و منها (ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا و اغفر لنا ربنا انك انت العزيز الحكيم) و منها (رب اني مسني الضر و انت ارحم الراحمين) و منها (رب لاتذرني فرداً و انت خير الوارثين) و منها (رب انصرني بما كذبون) و منها (رب اما تريني ما يوعدون رب فلاتجعلني في القوم الظالمين) و منها (رب اعوذ بك من همزات الشياطين و اعوذ بك رب ان يحضرون) و منها (ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و انت خير الراحمين) و منها (رب اغفر و ارحم و انت خير الراحمين) و منها (رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي و علي والدي و ان اعمل صالحاً ترضاه و ادخلني برحمتك في عبادك الصالحين) و منها (ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ربنا و لاتحمل علينا اصراً كما حملته علي الذين من قبلنا ربنا و لاتحملنا ما لا طاقة لنا به و اعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا انت مولينا فانصرنا علي القوم الكافرين) و منها (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب) و منها (ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان اللّه لايخلف الميعاد) و منها (ربنا آمنا بما انزلت و اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) و منها (ربنا اغفر لنا ذنوبنا و اسرافنا في امرنا و ثبت اقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين) و منها (ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته و ما للظالمين من انصار ربنا اننا سمعنا منادياً ينادي للايمان ان آمنوا بربكم فآمناربنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفر عنا سيئاتنا و توفنا مع الابرار ربنا و آتنا ما وعدتنا علي رسلك و لاتخزنا يوم القيمة انك لاتخلف
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 113 *»
الميعاد) و منها (رب احكم بالحق و ربنا الرحمن المستعان علي ما تصفون) و منها (ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين و ما لنا لانؤمن باللّه و ما جاءنا من الحق و نطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين) و منها (اغفر لنا و ارحمنا و انت خير الغافرين و اكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة) و منها (ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراماً انها ساءت مستقراً و مقاماً) و منها (ربنا هب لنا من ازواجنا و ذرياتنا قرة اعين) الي غير ذلك فانها دعوات موجزات مستجابات ينبغي ان يدعي بها في الحالات المناسبة و قد ذكرنا في الذكر اللفظي التمجيدي ايضاً اذكاراً تنزيلية فراجعها ان شئت.
المطلب الخامس
فـــى الاستغفـــــــار و الشكــــــــر
اعلم اني لما رأيت ما رواه في الكافي بسنده عن ابيجعفر7 قال لا واللّه مااراد اللّه من الناس الّا خصلتين ان يقرّوا له بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم احببت ان اذكر هنا مطلباً اختم بها هذا المقصد اذكر فيه ما يسنح من امر الاستغفار و الشكر ففيه موردان:
المورد الاول
فى الاستغفـــار و التوبــة
و نقدمهما لان التخلية مقدمة على التحلية
و ما لميتطهر الانسان من ادناس المعاصى و الذنوب لايسعه انيطأ بساط الانس
و يدخل حظيرة القدس و يثنى على ملك الجن و الانس ففى هذا المورد ايضاً فصول
فصل: اعلم ان الاستغفار هو طلب الغفر و هو الستر و التغطية فالعبد يستغفر اللّه لذنبه و من ذنبه لنفسه اي يطلب من اللّه ان يغطي عليه و لايخزيه و لايفضحه علي رءوس الاشهاد و لايحشره متلبساً بذنوبه متصفاً بها و قلنا لذنبه اشعاراً بان من منع من الاستغفار للذنب و زعم انه غلط و الصواب الاستغفار من الذنب خطاء
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 114 *»
لما روي عن الائمة الذين هم امراؤ الكلام عليهم الصلوة و السلام في ادعيتهم الاستغفار للذنب كثيراً و اما التوبة فهي الرجوع الي اللّه سبحانه و التوجه اليه بعد الاباق عن خدمته و الاعراض عنه بالرجوع الصادق و هو التوبة النصوح و سيأتي تفصيلها ان شاء اللّه بالجملة لما كان بناء كتابنا هذا كساير كتبنا علي تحقيق المسائل لابد و ان نشرح معني هذا الستر و ضده الذي هو الكشف.
اعلم ان كل ذي فعلية كامل من حيث انه بالفعل و الكامل له نور و شعاع فكل ذي فعلية له نور و شعاع و شبح و مثال سواء كان قابل يقع ذلك المثال عليه ام لميكن ألاتري ان شبح السراج صادر عن السراج راجع اليه قائم به سواء كان مرآة يظهر فيها ام لمتكن و ذلك ان المرآة ليست بموجدة للشبح و انما هي مظهرة له و هو من عالم الاظلة يرتبط اسفله بالاجسام و يتعلق بها و لو كنت عالماً لعلمت ان مثالك الذي عليك من قيام و قعود و غيرهما كلها من عالم الاظلة ارتبط اسفلها ببدنك العنصري و سينكسر هذه المرآة و يعود النور الي شمسه و كذلك اذا زالت المقابلة او منعت يعود الشبح الي صاحبه و يبقي المرآة بلا نور و هكذا جميع هذه الصور التي تظهر علي بدنك هي افعال نفسك و مثلها قائمة بها فمادامت المادة الجسمانية مقابلة للنفس و لو من هذا الشأن ظهر عليها الصفة فاذا زالت زالت عنها و مثل بدنك عند النفس كالمفتاح في يدك و حركته حركتك و فعلك يظهر عليه و ان كان مانع عن تحريكه لايظهر فيه حركة و يبقي ساكناً و يرجع الحركة اليك و تقوم بك لانها منك راجعة اليك غاية الامر انه قد حصل لها انصباغ في بطن المفتاح و الشاهد علي ان تلك الحركة ليست من المفتاح ان الحركة ان كانت ارادية فهي من الروح الحيواني و ان كانت غير ارادية بل هي طبيعية فهي من الشيء الي حيزه لا غير و حركة المفتاح ليست بارادية و لا طبيعية و انما هي حركة يدك ظهرت علي المفتاح و انصبغت فيه و حركة المفتاح كاحمرار المرآة و اصفرارها بعينه فافهم فالحركة فعل نفسك قائمة بها ظاهرة ببدنك فاذا تفرق بدنك او زال مقابلته لها بقيت الحركة قائمة بنفسك فليست هذه الافعال صورة لبدنك حقيقة و ليست عرضاً لبدنك قائماً به قيام صدور و انما هي عرض قائم به قيام ظهور بالجملة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 115 *»
جميع ما صدر منك من الافعال و الاعمال مُثُل منك قائمة بك سايرة معك سير نور الشمس مع الشمس و من كان له عين يراك في تلك المُثُل و الاشباح فان كانت اشباحاً مطابقة لامر اللّه التشريعي موافقة لمحبة اللّه فتلك الاشباح صور عليينية و صور انسانية مستقيمة فتكون صور ثوابك علي ما حقق في محله و ان كانت مخالفة لامر اللّه التشريعي مخالفة لمحبته موافقة لسخطه فهي صور سجينية و صور حيوانية منكوسة فتكون صور عقابك فما كان منهما جمادية يظهر فيها جمادات ثوابك و عقابك و ما كان منها نباتية فنباتياتهما او حيوانية فحيوانياتهما او انسانية فانسانياتهما و انت معروف مصور بتلك الصور التي تصورت بها أماتعرف في وجهك نضرة النعيم و أماتعرف نفحة الجحيم نعوذ باللّه فالعاصي مصور بصور عصيانه و اعماله دائماً ليس كهذا البدن تذهب عنه الصور فانه يزني فيزول عنه صورة الزنا ثم يتصور بصورة اخري فيخفي عن الاعين صورة زناه بل في الدهر لاتزول الصور و هو ابداً مصور بصورة الزنا مرتكب بها مباشر لها و كذلك يشهد عليهم جلودهم و اسماعهم و ابصارهم و جوارحهم فيحضرون في المجمع عند حضور الانبياء و المرسلين و الملئكة اجمعين و جميع المؤمنين و غيرهم من الاناسي اجمعين و هو خزي يومئذ نعوذ باللّه و افتضاحه علي رءوس الاشهاد و هو المشار اليه بقوله (يوم تبلي السرائر فما له من قوة و لا ناصر) و كذلك يشاد بذكر المؤمنين و يرفع و ينوه باسمهم بمدح اللّه عليهم و ثنائه و يشهر في الجمع انه اطاع اللّه و رسوله9 و احبهما و احباه و امثال ذلك فالمؤمن اذا تفكر في هذا الخزي العظيم و في هذا الابلاء و الافتضاح و رأي انه متلبس مصور باعماله السيئة مشهر عند الجمع بان فلان بن فلان ارتكب مساخط ربه فسخطه و سخطته الملئكة المقربون و الانبياء و المرسلون و المؤمنون اجمعون خاف و اضطرب و لميحب لنفسه هذا الخزي بادر الي ربه و سأله الستر عليه بان يستر تلك الصور القبيحة عن انظار الجمع في الدنيا و الآخرة اما الستر في الدنيا فبأن لايطلع علي قبايح اعماله احداً من الخلايق حتي لايفتضح عند معاريفه و اخوانه و اصحابه واما الستر في الآخرة فبأن يمحو تلك الصور عنه و يمحو اسمه اي صفته من ديوان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 116 *»
الاشقياء اي سجين فلايكون ملبساً بالقبايح مكتوباً في ديوان الاشقياء مع الفجار و يكتبه مع الابرار بهذا الاستغفار في ديوان السعداء و هو تكفير الذنوب من اللّه سبحانه بالستر و المغفرة فعن ابيعبداللّه7 اذا تاب العبد توبة نصوحاً اجّله اللّه فستر عليه في الدنيا و الآخرة قيل و كيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كتبا من الذنوب و يوحي الي جوارحه اكتمي عليه ذنوبه و يوحي الي بقاع الارض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب فيلقي اللّه حين يلقاه و ليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب و روي اوحي اللّه الي داود النبي يا داود ان عبدي المؤمن اذا اذنب ذنباً ثم رجع و تاب من ذلك الذنب و استحيي مني عند ذكره غفرت له و انسيته الحفظة و ابدلته الحسنة لاابالي و انا ارحم الراحمين و عن اميرالمؤمنين7 من تاب تاب اللّه عليه و امرت جوارحه ان تستر عليه و بقاع الارض ان تكتم عليه و نسيت الحفظة ما كانت كتبت عليه و قد يكون الكفارة منك وضعت عليك فاذا اتيت بالكفارة يمحي ذنبك و صورتك السيئة عنك فتري يوم القيمة و انت غيرمتلبس بتلك القبايح و قد زالت عنك بالكلية رزقنا اللّه و جميع المؤمنين غفران الذنوب و تكفير السيئات و ذلك لايحصل الا بالاقبال الي اللّه تعالي و التوجه الي عليين و الاعراض عن سجين و البراءة من اهله و صفاتهم و ان المؤمن لو عاش مائة الف سنة و ارتكب الموبقات في جميع عمره ثم استغفر ربه مرة واحدة استغفاراً تاماً حقيقياً غفر له و محي اسمه عن ديوان الاشقياء و العصاة و كتب في ديوان السعداء وعداً من اللّه جل جلاله و عم نواله فهذا قليل من كثير من تحقيق التكفير و الغفران و قد اشرنا الي كثير من المطالب في ضمنه.
فصل: اعلم ان الاعمال الصادرة عن النفوس علي نوعين فاما تصدر من ذاتيات النفوس و منها من حيث هي هي واما تصدر منها من حيث الاعراض اللاحقة بها من الخارج و شرح ذلك ان اللّه سبحانه لما خلق النفوس في عالم الذر خلقها علي ما هي عليه ثم كسرها في عالم الطبايع فدفنوا في ارضها فاختلط طينة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 117 *»
المؤمن بالكافر و الكافر بالمؤمن فهناك جاء الخلط و اللطخ ثم صاغهم صيغة اخري في عالم الاظلة فكانوا هناك متلطخين مختلطين يستشم من المؤمن رايحة الكافر و من الكافر رايحة المؤمن ثم انزلهم في طبايع هذا العالم و كسرهم فيها فاختلط الفريقان اختلاطاً آخر فلما اخرجهم من هذه الطبايع خرجوا و عليهم اللطخ و الخلط مرتين فمن هنا اذا صدر عنهم الافعال تصدر مرة من صرف النفوس و ذاتيتها و مرة من هذا اللطخ و الخلط العارضين و علامة هذين ان هذا اللطخ و الخلط مرض عارض ينافي ذاتية كل من الفريقين فيتألم اصل ذاتهما عن ذلك العارض و يتبرؤ منه و لايحبه و لايهواه و لايسكن اليه البتة و يزول عنه المرض عن قريب و يعود الي ذاتيته عن قليل و يسكن الي ما كان من ذاتيته و يفرح به و يلتذّ منه و هذا هو علامة اللطخ و الذاتي و انما ذلك كصاحب اللقوة الذي كان خطيباً مصقعاً قبل ذلك و ابتلي باللقوة فانه يتكلم من غير افصاح للحروف و يتبرؤ من تكلمه و يقليه و يشنأه و يضجر عنه فاذا زال عنه فهو كما كان خطيب مصقع و اما غير المفصح بالذات و بالطبع كالحيوانات فليس يتألم من عدم افصاحه و عدم تكلمه و هو فرحان راض بما هو عليه البتة فافهم.
و قد روي هنا حديث شريف احب ان اشرف كتابي به و هو ما رواه في العلل عن ابياسحق الليثي قال قلت لابيجعفر محمد بن علي الباقر7 يا ابن رسول اللّه اخبرني عن المؤمن المستبصر اذا بلغ في المعرفة و كمل هل يزني قال اللّهم لا قلت فيلوط قال اللّهم لا قلت فيسرق قال لا قلت فيشرب الخمر قال لا قلت فيأتي بكبيرة من هذه الكباير او فاحشة من هذه الفواحش قال لا قلت فيذنب ذنباً قال نعم هو مؤمن مذنب ملم قلت ما معني ملم قال الملم بالذنب لايلزمه و لايصبر عليه قال فقلت سبحان اللّه ما اعجب هذا لايزني و لايلوط و لايسرق و لايشرب الخمر و لايأتي بكبيرة من الكباير و لافاحشة فقال لا عجب من امر اللّه ان اللّه عزوجل يفعل ما يشاء و لايسأل عما يفعل و هم يسألون فمم عجبت يا ابرهيم سل و لاتستنكف و لاتستحي فان هذا العلم لايتعلمه مستكبر و لا مستحي قلت يا ابن رسول اللّه اني اجد من شيعتكم من يشرب و يقطع
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 118 *»
الطريق و يخيف السبيل فيزني و يلوط و يأكل الربوا و يرتكب الفواحش و يتهاون بالصلوة و الصيام و الزكوة و يقطع الرحم و يأتي الكباير فكيف هذا و لم ذاك فقال يا ابرهيم و هل يختلج في صدرك شيء غير هذا قلت نعم يا ابن رسول اللّه اخري اعظم من ذلك قال و ما هو يا با اسحق قال فقلت يا ابن رسول اللّه و اجد من اعدائكم و من ناصبيكم من يكثر الصلوة و من الصيام و يخرج الزكوة و يتابع بين الحج و العمرة و يحرص علي الجهاد و يأثر علي البر و علي صلة الارحام و يقضي حقوق اخوانه و يواسيهم من ماله و يتجنب شرب الخمر و الزنا و اللواط و ساير الفواحش فمم ذاك و لم ذاك فسّره لي يا ابن رسول اللّه و برهنه و بيّنه فقد واللّه كثر فكري و اسهر ليلي و ضاق ذرعي قال فتبسم صلوات اللّه عليه ثم قال يا ابرهيم خذ اليك بياناً شافياً فيما سألت و علماً مكنوناً من خزائن علم اللّه و سره اخبرني يا ابرهيم كيف تجد اعتقادهما قلت يا ابن رسول اللّه اجد محبيكم و شيعتكم علي ما هم فيه مما وصفته من افعالهم لو اعطي احدهم ما بين المشرق و المغرب ذهباً و فضةً ان يزول عن ولايتكم و محبتكم الي موالاة غيركم و الي محبته مازال و لو ضربت خياشيمه بالسيوف فيكم و لو قتل فيكم ماارتدع و لارجع عن محبتكم و ولايتكم و اري الناصب علي ما هو عليه مما وصفته من افعالهم لو اعطي احدهم ما بين المشرق و المغرب ذهباً و فضةً ان يزول عن محبة الطواغيت و موالاتهم الي موالاتكم مافعل و لازال و لو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم و لو قتل فيهم ماارتدع و لارجع و اذا سمع احدهم منقبة لكم و فضلاً اشمأز من ذلك و تغير لونه و رأي كراهية ذلك في وجهه بغضاً لكم و محبةً لهم فتبسم الباقر7 ثم قال يا ابرهيم و من هيهنا هلكت العاملة الناصبة تصلي ناراً حامية تسقي من عين آنية و من اجل ذلك قال اللّه عزوجل (و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً) ويحك يا ابرهيم أتدري ما السبب و القصة في ذلك و ما الذي قد خفي علي الناس منه قلت يا ابن رسول اللّه فبيّنه لي و اشرحه و برهنه قال يا ابرهيم ان اللّه تبارك و تعالي لميزل عالماً قديماً خلق الاشياء لا من شيء و من زعم ان اللّه عزوجل خلق الاشياء من شيء فقد كفر
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 119 *»
لانه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الاشياء قديماً معه في ازليته و هويته كان ذلك الشيء ازلياً بل خلق اللّه عزوجل الاشياء كلها لا من شيء فكان مما خلق اللّه عزوجل ارضاً طيبة ثم فجّر منها ماء عذباً زلالاً فعرض عليها ولايتنا اهل البيت فقبلتها فاجري ذلك الماء عليها سبعة ايام ثم طبقها و عمها ثم نضب ذلك الماء عنها فاخذ من صفوة ذلك الطين طيناً فجعله طين الائمة: ثم اخذ ثفل ذلك الطين فخلق منه شيعتنا و لو ترك طينتكم يا ابرهيم علي حاله كما ترك طينتنا لكنتم و نحن شيئاً واحداً قلت يا ابن رسول اللّه فما فعل بطينتنا قال اخبرك يا ابرهيم خلق اللّه عزوجل بعد ذلك ارضاً سبخةً منتنة ثم فجّر منها ماء اجاجاً آسناً مالحاً فعرض عليها ولايتنا اهل البيت فلمتقبل فاجري ذلك الماء عليها سبعة ايام حتي طبقها و عمها ثم نضب ذلك الماء عنها ثم اخذ ذلك الطين فخلق منه الطغاة و ائمتهم ثم مزجه بثفل طينكم و لو ترك طينهم علي حاله و لميمزج بطينتكم لميشهدوا الشهادتين و لاصلوا و لاصاموا و لازكوا و لاحجوا و لاادّوا امانة و لاشبهوكم في الصور و ليس شيء اكبر علي المؤمن من ان يري صورة عدوه مثل صورته قلت يا ابن رسول اللّه فما صنع بالطينتين قال مزج بينهما بالماء الاول و الماء الثاني ثم عركهما عرك الاديم ثم اخذ من ذلك قبضة فقال هذه الي الجنة و لاابالي و اخذ قبضة اخري و قال هذه الي النار و لاابالي ثم خلط بينهما فوقع من سنخ المؤمن و طينته علي سنخ الكافر و طينته و وقع من سنخ الكافر و طينته علي سنخ المؤمن و طينته فما رأيته من شيعتنا من زناء او لواط او ترك صلوة او صيام او حج او جهاد او خيانة او كبيرة من هذه الكباير فهو من طينة الناصب و عنصره الذي قد مزج فيه لان من سنخ الناصب و عنصره و طينته اكتساب المآثم و الفواحش و الكباير و ما رأيت من الناصب مواظبة علي الصلوة و الصيام و الزكوة و الحج و الجهاد و ابواب البر فهو من طينة المؤمن و سنخه الذي قد مزج فيه لان من سنخ المؤمن و عنصره و طينته اكتساب الحسنات و استعمال الخير و اجتناب المآثم فاذا عرضت هذه الاعمال
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 120 *»
كلها علي اللّه عز و جل قال انا عدل لااجور و منصف لااظلم و حكم لااحيف و لااميل و لااشطط الحقوا الاعمال السيئة التي اجترحها المؤمن بسنخ الناصب و طينته و الحقوا الاعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن و طينته ردّوها كلها الي اصلها فاني انا اللّه لا اله الا انا عالم السر و اخفي و انا المطلع علي قلوب عبادي لااحيف و لااظلم و لاالزم احداً الا ما عرفته منه ان اخلقه ثم قال الباقر7 يا ابرهيم اقرأ هذه الآية قلت يا ابن رسول اية آية قال قوله تعالي (معاذ اللّه ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذاً لظالمون) هو في الظاهر ما تفهمونه هو واللّه في الباطن هذا بعينه يا ابرهيم ان للقرآن ظاهراً و باطناً و محكماً و متشابهاً و ناسخاً و منسوخاً ثم قال اخبرني يا ابرهيم عن الشمس اذا طلعت و بدا شعاعها في البلدان أهو بائن من القرص قلت في حال طلوعه بائن قال أليس اذا غابت الشمس اتصل ذلك الشعاع بالقرص حتي يعود اليه قلت نعم قال كذلك يعود كل شيء الي سنخه و جوهره و اصله فاذا كان يوم القيمة نزع اللّه عز و جل سنخ الناصب و طينته مع اثقاله و اوزاره من المؤمن فيلحقها كلها بالناصب و ينزع سنخ المؤمن و طينته مع حسناته و ابواب بره و اجتهاده من الناصب فيلحقها كلها بالمؤمن أفتري هيهنا ظلماً او عدواناً قلت لا يا ابن رسول اللّه قال هذا واللّه القضاء الفاصل و الحكم القاطع و العدل البين لايسأل عما يفعل و هم يسألون هذا يا ابرهيم الحق من ربك فلاتكن من الممترين هذا من حكم الملكوت قلت يا ابن رسول اللّه و ما حكم الملكوت قال حكم اللّه و حكم انبيائه و قصة الخضر و موسي8 حين استصحبه (فقال انك لنتستطيع معي صبراً و كيف تصبر علي ما لمتحط به خبراً) افهم يا ابرهيم و اعقل انكر موسي علي الخضر و استفظع افعاله حتي قال له الخضر يا موسي (مافعلته عن امري) انما فعلته عن امر اللّه عزوجل من هذا ويحك يا ابرهيم قرآن يتلي و اخبار تؤثر عن اللّه عز و جل من ردّ منها حرفاً فقد كفر و اشرك و ردّ علي اللّه عز و جل قال الليثي فكأني لماعقل الآيات و انا اقرأها اربعين سنة الا ذلك اليوم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 121 *»
فقلت يا ابن رسول اللّه ما اعجب هذا تؤخذ حسنات اعدائكم فتردّ علي شيعتكم و تؤخذ سيئات محبيكم فتردّ علي مبغضيكم قال اي واللّه الذي لا اله الا هو فالق الحبة و بارئ النسمة و فاطر الارض و السماء مااخبرتك الا بالحق و ماانبأتك الا الصدق و ماظلمهم اللّه و ما اللّه بظلام للعبيد و ان ما اخبرتك لموجود في القرآن كله قلت هذا بعينه يوجد في القرآن قال نعم يوجد في اكثر من ثلثين موضعاً في القرآن أتحب ان اقرأ ذلك عليك قلت بلي يا ابن رسول اللّه فقال قال اللّه عز و جل (و قال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا و لنحمل خطاياكم و ما هم بحاملين من خطاياهم من شيء انهم لكاذبون و ليحملن اثقالهم و اثقالاً مع اثقالهم) الآية، ازيدك يا ابرهيم قلت بلي يا ابن رسول اللّه قال (ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيمة و من اوزار الذين يضلونهم بغير علم الا ساء ما يزرون) أتحب ان ازيدك قلت بلي يا ابن رسول اللّه قال (فاولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات و كان اللّه غفوراً رحيماً) يبدل اللّه سيئات شيعتنا حسنات و يبدل اللّه حسنات اعدائنا سيئات و جلالِ اللّه و وجهِ اللّه ان هذا لمن عدله و انصافه لا رادّ لقضائه و لا معقب لحكمه و هو السميع العليم ألمابين لك امر المزاج و الطينتين من القرآن قلت بلي يا ابن رسول اللّه قال اقرأ يا ابرهيم (الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الا اللمم ان ربك واسع المغفرة هو اعلم بكم اذ انشأكم من الارض) يعني من الارض الطيبة و الارض المنتنة (فلاتزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقي) يقول لايفتخر احدكم بكثرة صلوته و صيامه و زكوته و نسكه لان اللّه عز و جل اعلم بمن اتقي منكم فان ذلك من قبل اللمم و هو المزاج ازيدك يا ابرهيم قلت بلي يا ابن رسول اللّه قال (كما بدأكم تعودون فريقاً هدي و فريقاً حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون اللّه) يعني ائمة الجور دون ائمة الحق (و يحسبون انهم مهتدون) خذها اليك يا ابااسحق فواللّه انه لمن غرر احاديثنا و باطن سرايرنا و مكنون خزائننا و انصرف و لاتطلع علي سرنا احداً الا مؤمناً مستبصراً فانك ان اذعت سرنا بليت في نفسك و مالك و اهلك و ولدك.
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 122 *»
و في الكافي بسنده عن علي بن الحسين8 قال ان اللّه تعالي خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم و ابدانهم و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و جعل خلق ابدان المؤمنين من دون ذلك و خلق الكفار من طينة سجين قلوبهم و ابدانهم و خلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر و يلد الكافر المؤمن و من هيهنا يصيب المؤمن السيئة و من هيهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحنّ الي ما خلقوا منه و قلوب الكافرين تحنّ الي ما خلقوا منه و عـن عبداللّه بن كيسان عن ابيعبداللّه7 الي ان قال اخالط الرجل فاري له حسن السمت و حسن الخلق و كثرة امانة ثم افتشه فاتبينه عن عداوتكم و اخالط الرجل فاري منه سوء الخلق و قلة امانة و زعارة ثم افتشه فاتبينه عن ولايتكم فكيف يكون ذلك قال فقال لي أماعلمت يا ابنكيسان ان اللّه عز و جل اخذ طينة من الجنة و طينة من النار فخلطهما جميعاً ثم نزع هذه من هذه و هذه من هذه فما رأيت من اولئك من الامانة و حسن الخلق و حسن السمت فمما مسهم من طينة الجنة و هم يعودون الي ما خلقوا منه و ما رأيت من هؤلاء من قلة الامانة و سوء الخلق و الزعارة فمما مسهم من طينة النار و هم يعودون الي ما خلقوا منه و عـن ابرهيم عن ابيعبداللّه7 قال ان اللّه جل و عز لما اراد ان يخلق آدم بعث جبرئيل7 في اول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة الي السماء الدنيا و اخذ من كل سماء تربة و قبض قبضة اخري من الارض السابعة العليا الي الارض السابعة القصوي فامر اللّه عز و جل كلمته فامسك القبضة الاولي بيمينه و القبضة الاخري بشماله ففلق الطين فلقتين فذراه من الارض ذرواً و من السماوات ذرواً فقال للذي بيمينه منك الرسل و الانبياء و الاوصياء و الصديقون و المؤمنون و السعداء و من اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال و قال للذي بشماله منك الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيت و من اريد هوانه و شقوته فوجب لهم ما قال كما قال ثم ان الطينتين خلطا جميعاً و ذلك قول اللّه عز و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 123 *»
جل (ان اللّه فالق الحب و النوي) فالحب طينة المؤمنين التي القي اللّه عليها محبته و النوي طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير و انما سمي النوي من اجل انه نأي عن كل خير و تباعد عنه و قال اللّه جل و عز (يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي) فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر و الميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن و الميت الكافر و ذلك قوله عز و جل (أومن كان ميتاً فاحييناه) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر و كان حيوته حين فرق اللّه عز و جل بينهما بكلمته كذلك يخرج اللّه جل و عز المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها الي النور و يخرج الكافر من النور الي الظلمة بعد دخوله الي النور و ذلك قوله عز و جل (لينذر من كان حياً و يحق القول علي الكافرين).
و عن صالح بن سهل قال قلت لابيعبداللّه7 جعلت فداك من اي شيء خلق اللّه عز و جل طينة المؤمن فقال من طينة الانبياء فلنتنجس ابداً و عـن ابيجعفر7 ان اللّه عز و جل خلق الخلق فخلق من احب مما احب فكان ما احب ان خلقه من طينة الجنة و خلق من ابغض مما ابغض و كان ما ابغض ان خلقه من طينة من النار ثم بعثهم في الظلال فقلت فأَيّ شيء الظلال فقال ألمتر الي ظلك في الشمس شيئاً و ليس بشيء ثم بعث منهم النبيين فدعوهم الي الاقرار باللّه عز و جل الخبر.
و قد ذكرنا هذه الاخبار لتعلم ان في النفوس ذاتية و عرضية و لكل منهما آثار الا ان الآثار الذاتية محبوبة للذات و الذات تسكن اليها و الآثار العرضية منافية للذات فتشنأها و تقليها و تتأذي منها و تضطرب لصدورها عنها فالاستغفار ينفع المؤمن المتلطخ بطينة الكافر فانه باستغفاره و توبته يتبرؤ من الاعراض فيلقيها اللّه عز و جل عنه و يبدل سيئاته حسنات و اما الكافر المشرك بالذات فلا غفران له و لا توبة ان اللّه لايغفر ان يشرك به و لا الذين يموتون و هم كفار.
و اما الاشارة الي معاني الاحاديث علي وجه الاختصار فان هيهنا ليس
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 124 *»
موضع بيان هذه المسائل ان المراد بالماء العذب هو نور امر الشارع و المراد بالارض الطيبة هو امتثال العبد له و طينة المؤمن هي المركب منهما فان المؤمن خلق وصفي مادته نور الشارع و صورته من قابلية العبد و عكس ذلك في الكافر فان مادته من ظلمة عكس نور الشارع و صورته من مخالفة الشارع و عدم قبول امره فان الكافر خلق شرعي و كان ذلك في عالم الذر ثم كسرها في عالم الطبيعة كما ذكرنا و هو المزج بين الطينتين و هيهنا التطخ كل واحدة منها بالاخري فما صدر من المؤمن من قبيح فهو من سنخ الكافر كما اذا خلطت الفلفل بالكافور فما يستشم من الكافور من رايحة الفلفل فمن لطخ الكافور و ليست من الكافور و لا الي الكافور فاذا رد اللّه كل شيء الي اصله و ردّ لطخ الفلفل الي اصله ردّ رايحة الفلفل الي الفلفل و غفر للكافور و كفّر عنه سيئته عدلاً من اللّه و الكافور بريء من رايحة الفلفل و كذلك يستشم من الفلفل من رايحة الكافور لما التطخ به من الكافور فاذا رد اللّه اجزاء الكافور الي اصلها بقي الفلفل بلا رائحة كافور فحمل اعمال الكافور العرضية عليه و حمل اعماله العرضية علي الكافور عدلاً من اللّه سبحانه و هذا الكسر و المزج و الالتطاخ نزولي واما في الصعود فالنفوس تنتزع من الطبايع فمنها ما هي مناسبة للشارع مشاكلة مع طباعه فتقبل منه و تستخرج منها نفس مؤمنة و منها ما هي مخالفة منافية فتستخرج منها نفس منافرة ثم لكل واحدة منهما اعراض طبيعية لاختلاط الطبايع بعضها ببعض عند ما دارت الافلاك علي المحور فبتلك الاعراض يستخرج النفوس منها مشوبة في الجملة في الظهور لا في الذات او و في الذات في الجملة اذا لمتكمل المفارقة و قل ما يوجد في المؤمنين ذلك و لذلك اغلب معاصيهم في الدنيا و البرزخ و في الآخرة يكفر عنهم سيئاتهم بشفاعة ساداتهم الذين مادتهم من نورهم و خرجوا من بحر القوة باغترافهم ففي الصعود النفوس تسلّ من الاعراض و اما في النزول فالنفوس مقدمة اي اقرب الي المبدء و اعلي فلما كسرهم اللّه بعد اخذ الميثاق و التمايز في النفوس في الطبايع احضرهم في الظلال اي عالم المثال و لهم اعراض برزخية و اعمال ذاتية و عرضية كما عرفت في الخبر ثم كسرهم في عالم المثال و دفنهم في ارض الدنيا و التطخت
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 125 *»
الطين ثانياً و حصل فيها اعراض ثانية مادية زمانية فلاجل ذلك صارت الطاعات ثلثة اقسام و المعاصي ايضاً ثلثة اقسام دنياوية و برزخية و اخروية فالنفوس علي ثمانية اقسام: من له عرض دنياوي فقط و من له عرض دنياوي و برزخي و من له عرض دنياوي و برزخي و اخروي و من ليس له عرض فهذه الاربعة في الفريقين فهي ثمانية اما من ليس له عرض في السعداء فهو مخصوص بالمعصوم الكلي و اما في الاشقياء فهو مخصوص برؤساء الشقاوة و اما من له عرض من السعداء فالمؤمنون و اما من له عرض من الاشقياء فاتباع الرؤساء.
و ان قلت فاذا كان ذنوب المؤمن من اعراضه و ليست منه و لا اليه فلم يعذب بالذنوب في الدنيا و البرزخ و يصيبه المصائب قلت انما تصيبه لاستخلاصه من الاعراض و لركونه اليها و لتخللها في طينته الدنياوية او البرزخية او الاخروية فما لميفتن بنار المصائب و حل العقوبات لمتخرج الاعراض منه البتة و عظم المصائب بقدر عظم التخلل و يعرف عظم التخلل بعظم الركون و غلبة الغفلة و بطئ التبري من الذنب و قلة التألم.
و اعلم ان من كان حكيماً رأي عياناً انه كما يعرض الاعراض علي البدن فيري العين الواحد اثنين و يحصل في الاذن طنين ليس في الخارج و في اللسان طعم ليس في الماء و في الانف نتن ليس في الهواء و في البدن حرارة ليست في الدنيا و هكذا للمبرسم يحصل متخيلات و لصاحب السرسام مشهودات ليست في الخارج و لربما يبلغ به العرض مبلغاً يبقي الذاتي شاعراً بنفسه و بالعرض فيتألم و ربما يبلغ مبلغاً يغطّي الذاتي فلايشعر بنفسه و بالعرض و لكن المغطّي عرض فاذا زال العرض يعود الي حاله و لربما يعرض المرض قطب الزمان و يغشي عليه فلايشعر باوقات الصلوة و لايتكلم و لايصلي ثم يصح و يعود اليه شعوره و هو عالم كامل كذلك الشيعي ذاتيه شيعي و قد حصل له الاعراض في الخلط و اللطخ فربما لاتغطّي شعوره فتتألم و ربما تغطّي فلايحس بالحق و لايتألم سنين ثم يزول او يقلّ فيشعر و يتألم و يتحسر علي ما فرّط فاذا زال عرضه هو نور من النور و الي النور و لما كان لكل دهري في ثباته يحتاج الي صورة متممة و ظهور في الزمان لابد و ان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 126 *»
يصدر منه في عمره ما يكون اثر ذاتيه و الا فليس له شيء و كله من جنس الظلمة و الذي اري انه يكفي حسنة واحدة في الدلالة علي الذات و ثبوتها و وجودها كما روي عن ابيعبداللّه7 من قبل اللّه منه صلوة واحدة لميعذبه و من قبل اللّه منه حسنة لميعذبه انتهي، و ذلك انه يكفي في تقييد المطلق فرد واحد ألاتري ان الاسلام يجبّ ما سلف فلو اسلم و مات من ساعته دخل الجنة فاذا كان اسلام ساعة يجبّ ما سلف و يدخل الجنة فما ظنك باسلام خمسين سنة و اذا كان بحسنة واحدة يقبلها اللّه لميعذب صاحبها فما ظنك بحب آلمحمد: و لذا روي العامة و الخاصة بالفاظ مختلفة ان حب علي حسنة لاتضر معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع معها حسنة و روي لو مات المؤمن و عليه مثل ذنوب الثقلين لكان الموت كفارة له انتهي و كذا روي ما معناه ان النبي9 اخذ يده اليمني فقال أتدرون ما فيها قالوا اللّه و رسوله اعلم قال اسماء اهل الجنة و اسماء آبائهم فلربما يعصي الرجل حتي يقال انه ليس احد اعصي منه فيتوب عند موته و يدخل الجنة الخبر، و التوبة في آخر العمر ايضاً من باب الحسنة الواحدة المقبولة التي لايعذب صاحبها ابداً.
و اعلم ان الموت كفارة اكثر اعراض المؤمن فان اكثر اعراضه من جسده النباتي و الجمادي و هو يلقيهما و قلما يكون له عرض حيواني فان كان فيطهر في البرزخ و يأتي الآخرة و لا عرض له و لذا روي ما معناه اسعوا في عدم عذابكم في البرزخ و آخرتكم علينا نشفعكم و لربما لايكون في الشيعة الا آحاد تحتاج الي تعذيب الآخرة فان كانت فتعذب في اعلي دركات النار ثم تخرج و ذلك ان لمتتب و المؤمن جميع حسناته مكفرة و توبة كما تواتر في الاخبار في باب ثواب الاعمال فهم اهل النجاة القطعية ان شاء اللّه فافهم فاني قد اشرت لك الي جميع اطراف المسئلة بقدر تحمل هذا الكتاب و بقدر ما يليق به.
فصل: اعلم ان الاستغفار ليس محض قول المذنب استغفر اللّه فانك قد
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 127 *»
عرفت ان الاستغفار هو التبري من الذنب و التعري عنه بالاعراض عنه و الاقبال الي اللّه جل و عز بصدق النية فالواجب ان لايكون المستغفر حين استغفاره مستظهراً بذنبه متمسكاً به معتمداً عليه متوجهاً اليه فان ذلك ارتكاب ذنب لا استغفار و اظهار لاتكفير و ستر فذلك يتحقق بشروط الاول الندم عما سلف و التبري عما فعل و الادبار عنها بالكلية و الثاني العزم علي الترك فيما بقي من عمره فيعزم علي ان لايرتكب ذنباً و ان عاش عمر الدنيا اذ لو كان له عزم علي العود لميعرض عن الذنب بنفسه الدهرية و ان اعرض ببدنه الآن في الزمان الثالث ان يتدبر في ذنوبه التي ارتكبها قبل و اعرض عنها الآن هل لها آثار باقية ام لا فان كان لها آثار باقية ينبغي رفعها بما جعله الشارع رافعاً لها فان كان ذنبه السابق بالنسبة الي المخلوقين و لزمه حقوق بسببه فليسع في ادائه ليزول عنه وصمته و ان كان بالنسبة الي اللّه جل
جلاله و يلزمه امر بسببه من قضاء او كفارة فليبادر اليه و يؤديه فانه صفة النادم الصادق علي ندمه هذا و العزم علي ترك الحقوق و الآثار اللازمة بنفسه ذنب مستمر و هو ينافي التوبة ألاتري ان رجلاً لو احتمّ بسبب السكون في مكان ندي وبي يجب عليه التحول عنه و الاعراض فانه سبب الحمي و بعد ازالة السبب يجب ازالة الاثر الباقي و هو الحمي و من البين ان بعد ازالة الحمي للمريض نقاهة يجب تربيته حتي يعود الي حال الصحة بالكلية و قد روي الرضي; في نهجالبلاغة ان قائلاً قال بحضرة اميرالمؤمنين7 استغفر اللّه فقال7 ثكلتك امك أتدري ما الاستغفار ان الاستغفار درجة العليين و هو اسم واقع علي ستة معان اولها الندم علي ما مضي و الثاني العزم علي ترك العود اليه ابداً و الثالث ان تؤدي الي المخلوقين حقوقهم حتي تلقي اللّه املس ليس عليك تبعة و الرابع ان تعمد الي كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقوقها و الخامس ان تعمد الي اللحم الذي نبت علي السحت فتذيبه بالاحزان حتي يلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد والسادس ان تذيق الجسم الم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 128 *»
الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر اللّه انتهي، و قد روي كلام عظيم عن النبي9 انه قال التائب اذا لميستبن عليه اثر التوبة فليس بتائب يرضي الخصماء و يعيد الصلوة و يتواضع بين الخلايق و يقي نفسه عن الشهوات و يهزل رقبته بصيام النهار و يصفر لونه بقيام الليل و يخمص بطنه بقلة الاكل و يقوس ظهره من مخافة النار و يذيب عظامه شوقاً الي الجنة و يرق قلبه من هول ملك الموت و يجفف جلده علي بدنه بتفكر الآخرة فهذا اثر التوبة فاذا رأيتم العبد علي هذه الصفة فهو تائب ناصح لنفسه.
و عن الصادق7 التوبة جذب([1]) اللّه و مدد عنايته و لابد للعبد من مداومة التوبة علي كل حال و كل فرقة من العباد لهم توبة فتوبة الانبياء من اضطراب السر و توبة الاولياء من تلوين الخطرات و توبة الاصفياء من التنفيس و توبة الخاص من الاشتغال بغير اللّه و توبة العام من الذنوب و لكل واحد منهم معرفة و علم في اصل توبته و منتهي امره و ذلك يطول شرحه هيهنا فاما توبة العام فان يغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة و الاعتراف بجنايته دايماً و اعتقاد الندم علي ما مضي و الخوف علي ما بقي من عمره و لايستصغر ذنوبه فيحمله ذلك علي الكسل و يديم البكاء و الاسف علي ما فاته من طاعة اللّه و يحبس نفسه من الشهوات و يستغيث الي اللّه تعالي ليحفظه علي وفاء توبته و يعصمه من العود الي ما سلف و يروض نفسه في ميدان الجهد و العبادة و يقضي عن الفوائت من الفرايض و يرد المظالم و يعتزل قرناء السوء و يسهر ليله و يظمأ نهاره و يتفكر دائماً في عاقبته و يستعين باللّه سائلاً منه الاستعانة في سرائه و ضرائه و يثبت عند المحن و البلايا كيلايسقط عن درجة التوابين فان في ذلك طهارة من ذنوبه و زيادة في عمله و رفعة في درجاته قال اللّه تعالي (و ليعلمن اللّه الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين).
و في الوسائل عن ابيجعفر7 قال الظلم ثلثة ظلم يغفره اللّه و ظلم لايغفره اللّه و ظلم لايدعه اللّه فاما الظلم الذي لايغفره فالشرك و اما الظلم الذي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 129 *»
يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين اللّه و اما الظلم الذي لايدعه فالمداينة بين العباد و عـن شيخ من النخع قال قلت لابيجعفر7 اني لمازل والياً منذ زمن الحجاج الي يومي هذا فهل لي من توبة قال فسكت ثم اعدت عليه فقال لا حتي تؤدي الي كل ذي حق حقه و عـن النبي9 من ظلم احداً و فاته فليستغفر اللّه فانه كفارة له و عـنه 9 من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقه لميزل اللّه معرضاً عنه ماقتاً لاعماله التي يعملها من البر و الخير لايثبتها في حسناته حتي يرد المال الذي اخذه الي صاحبه و عـن ابيعبداللّه7 كان رجل في الزمن الاول طلب الدنيا من حلال فلميقدر عليها و طلبها من حرام فلميقدر عليها فاتاه الشيطان فقال له ألاادلك علي شيء تكثر به دنياك و تكثر به تبعك فقال بلي قال تبتدع ديناً و تدعو الناس اليه ففعل فاستجاب له الناس و اطاعوه فاصاب من الدنيا ثم انه فكّر فقال ما صنعت ابتدعت ديناً و دعوت الناس اليه مااري لي من توبة الا ان اتي من دعوته اليه فارده عنه فجعل يأتي اصحابه الذين اجابوه فيقول ان الذي دعوتكم اليه باطل و انما ابتدعته فجعلوا يقولون كذلك هو الحق و لكنك شككت في دينك فرجعت عنه فلما رأي ذلك عمد الي سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه و قال لااحلّها حتي يتوب اللّه عز و جل عليّ فاوحي اللّه عز و جل الي نبي من الانبياء قل لفلان و عزتي لو دعوتني حتي تنقطع اوصالك مااستجبت لك حتي ترد من مات علي ما دعوته اليه فيرجع عنه و عـن النبي9 ان اللّه غافر كل ذنب الا من احدث ديناً و من اغتصب اجيراً اجره او رجل باع حراً انتهي.
فتبين و ظهر من هذه الاخبار و غيرها من الآثار ان الاستغفار ليس محض تحريك اللسان و الشفتين و انما هو تعبير عما في النفس من الندم و الرجوع الي اللّه سبحانه و طلب الستر منه علي عيوبه فان كان في نفسه ندامة علي ما مضي و عزم علي تركه فيما سيأتي و اشتغل بنتايجه و ثمراته و لوازمه الشرعية ثم عبر عن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 130 *»
تلك الحالة بالاستغفار فهو حق و جسد له روح و الا فهو جسد ميت لايثمر ثمراً بل لعله يكون استغفاره استهزاء و سوء ادب بالنسبة الي حضرة القدس جل علاه فكيف يرجي المغفرة بذلك نعوذ باللّه و قد كان الامم السالفة و اوائل هذه الامة اذا اذنبوا ذنباً ذهبوا الي الجبال و اصحروا و بقوا اياماً يبكون جوعانين عطشانين حتي تكلّح وجوههم بحرّ الهاجرات و يصبحون و يمسون في الاوتاد و التلال و الفلوات يبكون و يتضرعون اياماً حتي ينزل توبتهم و نحن اليوم اكتفينا بقول نلوكه بين لهواتنا و تحريك اللحيين و هو ذنب لايقايسه ذنب و لااقول بوجوب ما كانوا يفعلون و لكن كان يحملهم علي ذلك شدة خوفهم و قلقهم و تفكرهم في نار جهنم و قرب الاجل فكانوا يبادرون الي ما يطمئن به نفوسهم و يتداركون به ما فات منهم و كذلك لو بلغ خوفنا خوفهم لعملنا مثل ما عملوا و لكن اين و متي و قد غلبت علينا شقوتنا و التهينا بالدنيا عن الآخرة فقست القلوب و جفت الدموع و سكنت الزفرات و رقت العبرات و عن النبي9 أتدرون من التائب قالوا اللّهم لا قال اذا تاب العبد و لميرض الخصماء فليس بتائب و من تاب و لميغير لباسه فليس بتائب و من تاب و لميغير مجلسه و طعامه فليس بتائب و من تاب و لميغير فراشه و وسادته فليس بتائب و من تاب و لميغير خلقه و نيته فليس بتائب و من تاب و لميفتح قلبه و لميوسع كفه فليس بتائب و من تاب و لميقصر امله و لميحفظ لسانه فليس بتائب و من تاب و لميقدم فضل قوته من بدنه فليس بتائب و اذا استقام علي هذه الخصال فذلك التائب انتهي، و يظهر من هذا الخبر ان علامة صحة التوبة و الرجوع الي اللّه و صدق الاستغفار القيام علي باب المولي بالخدمة و ايثاره علي ما سواه و مباشرة اوامره و اجتناب مساخطه و ليس محض القول بتوبة و ليس محض ميل النفس الي اللّه لمحة بتوبة و ان لميتدارك ما فات و لميجبر كسره بما جعله اللّه جبراً فتدبر.
فصل: اعلم ان وجوب التوبة و الاستغفار من الواجبات الشرعية و الفرائض
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 131 *»
العقلية التي ليس عنها محيص لعبد و وجوبهما من بديهيات المذهب بل و وجوب فوريتهما من البديهيات قال اللّه تعالي (توبوا الي اللّه جميعاً ايها المؤمنون لعلكم تفلحون) و في هذا المعني آيات كثيرة و تأخيرهما ذنب و مخاطرة بالنفس و تحقير للّه و عدم اعتناء به فمسوف التوبة و الاستغفار مذنب في كل طرفة عين مزيداً علي الذنب السابق الذي ارتكبه قبل قال اللّه تعالي (يا ايها الذين آمنوا توبوا الي اللّه توبةً نصوحاً) فعن ابيالحسن الاخير7 و قد سئل عن التوبة النصوح فكتب ان يكون الباطن كالظاهر و افضل من ذلك و عن الصادق7 لما نزلت هذه الآية (و الذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم) صعد ابليس جبلاً بمكة يقال له ثور فصرخ باعلي صوته بعفاريته فاجتمعوا اليه فقال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت من الشياطين فقال انا لها بكذا و كذا فقال لست لها ثم قام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس انا لها قال بما ذا قال اَعِدُهم و امنّيهم حتي يواقعوا الخطيئة فاذا واقعوا الخطيئة انسيتهم الاستغفار فقال انت لها فوكّله بها الي يوم القيمة و عنه7 لا واللّه لايقبل اللّه شيئاً من طاعته علي الاصرار علي شيء من معاصيه و عن ابيجعفر7 في قول اللّه عزوجل (و لميصروا علي ما فعلوا و هم يعلمون) قال الاصرار ان يذنب الذنب فلايستغفر اللّه و لايحدث نفسه بالتوبة فذلك الاصرار و عن النبي9 من اذنب ذنباً و هو ضاحك دخل النار و هو باك فتبين ان ترك التوبة و الاستغفار بنفسه ذنب في كل طرفة عين يؤخرها فيجب المبادرة اليهما مهما تذكر.
و ان قلت فعلي هذا امثالنا لايخلون من ذنب حقيقة فان الذنب الحقيقي الذي هو اصل جميع الذنوب هو الاعراض عنه تعالي شأنه و انما حرمت الذنوب لحصول الاعراض و هو حاصل لامثالنا دائماً فنحن بترك التوبة و الاستغفار مذنبون دائماً و يجب علينا ان نشتغل بهما عن جميع الامور و لسنا بفاعلين بل عند الحقيقة نحن عند استغفارنا يجب علينا الاستغفار فانا لسنا بمقبلين اليه حال الاستغفار ايضاً
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 132 *»
كما ينبغي فما المخلص من ذلك.
قلت الامر كما ذكرت و يجب ذلك دائماً الا انهم سلام اللّه عليهم منّوا علينا باخبار و هي كقول ابيجعفر7 كفي بالندم توبة و الندامة المستمرة لا شك في وجوبها و هي لاتمنعك عن ساير مشاغلك و مع ذلك كمال الندم في التكلم بالتوبة و الاستغفار فان الندم للتوبة و الاستغفار كالروح للجسد و معلوم ان كمال الروح بالجسد و حيوة الجسد و قوامه بالروح و لاجل ذلك كان الحجج سلام اللّه عليهم يكثرون الاستغفار حتي روي ان النبي9 لميكن يجلس مجلساً و لو كان خفيفاً الا استغفر خمساً و عشرين مرة و احب ان اتبرك هنا بذكر بعض الاخبار في الاستغفار فعـن ابيعبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 اربع من كن فيه لميهلك علي اللّه بعدهن الا هالك يهمّ العبد بالحسنة فيعملها فان هو لميعملها كتب اللّه له حسنة بحسن نيته و ان هو عملها كتب اللّه له عشراً و يهمّ بالسيئة ان يعملها فان لميعملها لميكتب عليه شيء و ان هو عملها اجّل سبع ساعات و قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات و هو صاحب الشمال لاتعجل عسي ان يتبعها بحسنة تمحوها فان اللّه عز و جل يقول ان الحسنات يذهبن السيئات او الاستغفار فان قال استغفر اللّه الذي لا اله الا هو عالم الغيب و الشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذا الجلال و الاكرام و اتوب اليه لميكتب عليه شيء و ان مضت سبع ساعات و لميتبعها بحسنة و استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات اكتب علي الشقي المحروم و عـن ابيعبداللّه7 من عمل سيئة اجّل فيها سبع ساعات من النهار فان قال استغفر اللّه الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اتوب اليه ثلث مرات لمتكتب عليه و في رواية اجّل من غدوة الي الليل و روي انه اتاه العباد البصري فقال له بلغنا انك قلت ما من عبد يذنب ذنباً الا اجّله اللّه سبع ساعات من النهار فقال ليس هكذا قلت و لكني قلت ما من مؤمن و كذلك كان قولي و روي انه سئل رسول اللّه9
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 133 *»
عن خيار العباد فقال الذين اذا احسنوا استبشروا و اذا اساءوا استغفروا و اذا اعطوا شكروا و اذا ابتلوا صبروا و اذا غضبوا غفروا و عـن ابيعبداللّه7 قال ما من مؤمن يقترف في يوم و ليلة اربعين كبيرة فيقول و هو نادم استغفر اللّه الذي لا اله الا هو الحي القيوم بديع السموات و الارض ذا الجلال و الاكرام و اسأله ان يتوب عليّ الا غفرها اللّه له ثم قال و لا خير في من يقارف كل يوم و ليلة اربعين كبيرة و عنه7 اذا اراد اللّه بعبد خيراً فاذنب ذنباً اتبعه بنقمة و يذكره الاستغفار و اذا اراد اللّه بعبد شراً فاذنب ذنباً اتبعه بنعمة فينسيه الاستغفار و يتمادي به و هو قول اللّه عز و جل (سنستدرجهم من حيث لايعلمون) بالنعم عند المعاصي و عـن النبي9 لكل داء دواء و دواء الذنوب الاستغفار و عـن ابيجعفر7 قال كان رسول اللّه9 و الاستغفار لكم حصنين حصينين من العذاب فمضي اكبر الحصنين و بقي الاستغفار فاكثروا منه فانه ممحاة للذنوب قال اللّه عز و جل (و ماكان اللّه ليعذبهم و انت فيهم و ماكان اللّه معذبهم و هم يستغفرون) و كتب الي ابيجعفر الثاني7 علمني شيئاً اذا انا قلته كنت معكم في الدنيا و الآخرة فكتب بخطه اكثر من تلاوة انا انزلناه و رطب شفتيك بالاستغفار و عـن النبي9 طوبي لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيمة تحت كل ذنب استغفر اللّه و عـن اميرالمؤمنين7 العجب ممن يقنط و معه الممحاة قيل و ما الممحاة قال الاستغفار و عـنه7 تعطّروا بالاستغفار لاتفضحنكم روايح الذنوب و عـن ابيجعفر7 التائب من الذنب كمن لا ذنب له و المقيم علي الذنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ و روي عن النبي9 اللّه باسط يده عند كل فجر لمذنب الليل هل يتوب فيغفر له و يبسط يده عند مغيب الشمس لمذنب النهار هل يتوب فيغفر له و عـن النبي9 مثل المؤمن عند اللّه كمثل ملك مقرب و ان المؤمن عند اللّه لاعظم من ذلك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 134 *»
و ليس شيء احب الي اللّه تعالي من مؤمن تائب و مؤمنة تائبة و عنـه9 التائب من الذنب كمن لا ذنب له و عـن ابيعبداللّه7 لا خير في الدنيا الا لرجلين رجل يزداد في كل يوم احساناً و رجل يتدارك ذنبه بالتوبة و اني له بالتوبة واللّه لو سجد حتي ينقطع عنقه ماقبل اللّه منه الا بولايتنا اهل البيت و عـن محمد بن مسلم عن ابيجعفر7 قال يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن اذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة و المغفرة اما واللّه انها ليست الا لاهل الايمان قلت فان عاد بعد التوبة و الاستغفار من الذنوب و عاد في التوبة فقال يا محمد بن مسلم أتري العبد المؤمن يندم علي ذنبه و يستغفر منه و يتوب ثم لايقبل اللّه توبته قلت فانه فعل ذلك مراراً يذنب ثم يتوب و يستغفر فقال كلما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد اللّه عليه بالمغفرة و ان اللّه غفور رحيم يقبل التوبة و يعفو عن السيئات فاياك ان تقنط المؤمنين من رحمة اللّه انتهي و قد اشعر بجواز تعدد الاستغفار و التوبة و ان نقض ما مر عن النبي9 طوبي لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيمة تحت كل ذنب استغفر اللّه و عـن ابيعبداللّه7 ان اللّه يحب العبد المفتن التواب و من لايكون ذلك منه كان افضل و عـن ابيعبداللّه7 في حديث ان المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتي يستغفر ربه فيغفر له و ان الكافر لينساه من ساعته و سئل7 عن الاستدراج فقال هو العبد يذنب الذنب فيملي له و يجدد له عندها النعم فيلهيه عن الاستغفار فهو مستدرج من حيث لايعلم و عـن ابيجعفر7 واللّه ماينجو من الذنب الا من اقرّ به و قال7 كفي بالندم توبة و قال7 لا واللّه مااراد اللّه من الناس الا خصلتين ان يقرّوا له بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم و عـن ابيعبداللّه7 واللّه ماخرج عبد من ذنب باصرار و ماخرج عبد من ذنب الا باقرار و عنـه7 ان اللّه لايغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء الكباير فما سواها قيل دخلت الكباير
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 135 *»
في الاستثناء قال نعم و عـن ابيعبداللّه7 قال ما من مؤمن يقارف في يومه و ليلته اربعين كبيرة فيقول و هو نادم استغفر اللّه الذي لا اله الا هو الحي القيوم بديع السموات و الارض ذا الجلال و الاكرام و اسأله ان يصلي علي محمد و آله و ان يتوب عليّ الا غفرها اللّه له و لا خير فيمن يقارف في يومه اكثر من اربعين كبيرة و عـن النبي9 انما شفاعتي لاهل الكباير من امتي و عـن الصادق7 شفاعتنا لاهل الكباير من شيعتنا فاما التائبون فان اللّه يقول ما علي المحسنين من سبيل و عـن اميرالمؤمنين7 لا شفيع انجح من التوبة و عـن محمد بن ابيعمير قال سمعت موسي بن جعفر8 يقول لايخلد اللّه في النار الا اهل الكفر و الجحود و اهل الضلال و الشرك و من اجتنب الكباير من المؤمنين لميسأل عن الصغاير قال اللّه تعالي (ان تجتنبوا كباير ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلاً كريماً) قال فقلت له يا ابن رسول اللّه فالشفاعة لمن يجب من المذنبين فقال حدثني ابي عن آبائي عن علي7 قال سمعت رسول اللّه9 يقول انما شفاعتي لاهل الكباير من امتي فاما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل قال ابن ابيعمير فقلت له يا ابن رسول اللّه كيف تكون الشفاعة لاهل الكباير و اللّه تعالي ذكره يقول (و لايشفعون الا لمن ارتضي) و من يرتكب الكباير لايكون مرتضي فقال يا بااحمد ما من مؤمن يرتكب ذنباً الّا ساءه ذلك و ندم عليه و قد قال النبي9 كفي بالندم توبة و قال7 من سرّته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن فمن لميندم علي ذنب يرتكبه فليس بمؤمن و لمتجب له الشفاعة و كان ظالماً و اللّه تعالي ذكره يقول (ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع) فقلت له يابن رسول اللّه و كيف لايكون مؤمناً من لميندم علي ذنب يرتكبه فقال يا ابااحمد ما من احد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم انه سيعاقب عليها الا ندم علي ما ارتكب و متي ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة و متي لميندم عليها كان مصراً و المصر لايغفر له لانه غير مؤمن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 136 *»
بعقوبة ما ارتكب و لو كان مؤمناً بالعقوبة لندم و قد قال النبي9 لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الاصرار و اما قول اللّه عز و جل (و لايشفعون الا لمن ارتضي) فانهم لايشفعون الا لمن ارتضي اللّه دينه و الدين الاقرار بالجزاء علي الحسنات و السيئات فمن ارتضي اللّه دينه ندم علي ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيمة و عـن الرضا7 في حديث و المستغفر من ذنب و يفعله كالمستهزئ بربه و عـن النبي9 خير الدعاء الاستغفار و عـن ابيعبداللّه7 من اعطي اربعاً لميحرم اربعاً من اعطي الدعاء لميحرم الاجابة و من اعطي الاستغفار لميحرم المغفرة و من اعطي التوبة لميحرم القبول منه و من اعطي الشكر لميحرم الزيادة و ذلك في كتاب اللّه عزوجل و روي عن بعضهم: اكثروا الاستغفار ان اللّه لميعلّمكم الاستغفار الا و هو يريد ان يغفر لكم و عـن ابيعبداللّه7 ان رسول اللّه9 كان لايقوم من مجلس و ان خفّ حتي يستغفر اللّه خمساً و عشرين مرة و عـنه 7 كان رسول اللّه9 يستغفر اللّه عز و جل كل يوم سبعين مرة و يتوب الي اللّه عز و جل سبعين مرة قيل كان يقول استغفر اللّه و اتوب اليه قال كان يقول استغفر اللّه استغفر اللّه سبعين مرة و يقول اتوب الي اللّه اتوب الي اللّه سبعين مرة و عـن النبي9 ايها الناس توبوا الي اللّه توبة نصوحاً قبل ان تموتوا بادروا بالاعمال الصالحة قبل ان تشتغلوا و اصلحوا بينكم و بين ربكم تسعدوا و اكثروا من الصدقة ترزقوا و أمروا بالمعروف تحصنوا و انهوا عن المنكر تنصروا ايها الناس ان اكيسكم اكثركم ذكراً للموت و ان احزمكم اكثركم استعداداً له و ان من علامات العقل التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و التزود لسكني القبور و التأهب ليوم النشور و روي انه قال رجل يا رسول اللّه اني اذنبت فقال استغفر اللّه فقال اني اتوب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 137 *»
ثم اعود فقال كلما اذنبت استغفر اللّه فقال اذاً تكثر ذنوبي فقال له عفو اللّه اكثر فلاتزال تتوب حتي يكون الشيطان هو المدحور وعنـه9 ما من عبد اذنب ذنباً فقام فتطهر و صلي ركعتين و استغفر اللّه الا غفر له و كان حقاً علي اللّه ان يقبله لانه سبحانه قال (و من يعمل سوءاً او يظلم نفسه ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً) و قال ان العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة فقيل و كيف ذلك يا رسول اللّه قال يكون ذلك نصب عينيه لايزال يستغفر منه و يندم عليه فيدخله اللّه به الجنة و لمار احسن من حسنة حدثت بعد ذنب قديم ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكري للذاكرين و عنـه9 اذا اذنب العبد ذنباً كان نكتة سوداء علي قلبه فان هو تاب و اقلع و استغفر صفا قلبه منها و ان هو لميتب و لميستغفر كان الذنب علي الذنب و السواد علي السواد حتي يغمر القلب فيموت بكثرة غطاء الذنوب عليه و ذلك قوله تعالي (كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون) و روي في جامعالاخبار قال قـال رسول اللّه9 المؤمن اذا تاب و ندم فتح اللّه عليه في الدنيا و الآخرة الف باب من الرحمة و يصبح و يمسي علي رضاء اللّه و كتب اللّه له بكل ركعة يصليها من التطوع عبادة سنة و اعطاه اللّه بكل آية يقرؤها نوراً علي الصراط و كتب اللّه له بكل يوم و ليلة ثواب نبي و له بكل حرف من استغفاره و تسبيحه ثواب حجة و عمرة و له بكل آية من القرآن مدينة و نوّر اللّه قبره و بيّض وجهه و له بكل شعرة علي بدنه نور و كأنما تصدق بوزنه ذهباً و كأنما اعتق بعدد كل نجم رقبة و لايصيبه شدة القيمة و يونس في قبره و وجد قبره روضة من رياض الجنة و زار قبره كل يوم الف ملك يونسونه في قبره و حشر في قبره و عليه سبعون حلة و علي رأسه تاج من الرحمة و يكون تحت العرش مع النبيين و الشهداء يأكل و يشرب حتي يفرغ اللّه من حساب الخلايق ثم يوجهه الي الجنة الي غير ذلك من الاخبار فتبين و ظهر انه لايجوز لامثالنا الفتور في الاستغفار فانا لانفتر نعوذ باللّه عن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 138 *»
المعصية و انه لامثالنا افضل الاعمال و اذ لمنقدر علي الاعمال الصالحة فلنشتغل برفع فساد الطالحة اقلاً و لنكثر من الندم و السخط علي انفسنا و اللوم لها لعل اللّه يرضي عنا بفضله و جوده و كرمه انه جواد كريم.
فصل: اني كلما اتفكر في نفسي الشقية و في اعمالي القبيحة و افعالي السيئة اكاد ايئس عن نجاتها فان تلك الاحوال و الاعمال هي بعينها نار قد احاط بها سرادقها و ليس لي مستمسك الا امرين:
الاول هو اني علمت ان اللّه سبحانه خلقني غيرمعصوم عن القبايح علي حسب سابق علمه بقابليتي و حدي فاذ لميخلقني معصوماً لميرد مني العصمة و لميرد مني ما اراد من انبيائه و حججه المعصومين و ان امرني و نهاني فانه قال (لايكلف اللّه نفساً الا وسعها) و ليس في وسعي العصمة يقيناً فاذ لميرد مني العصمة علم انه يصدر مني الذنوب و الخطايا علي حسب بعدي عن درجة العصمة و مع ذلك خلقني و لميخلقني ليهلكني و يشفي عني غيظه و انما خلقني ليرحمني قال (الا من رحم ربك و لذلك خلقهم) و في القدسي ماخلقتكم لاربح عليكم و انما خلقتكم لتربحوا عليّ و لعلي نقلته بالمعني فلابد و ان يخلق لذنوبي و ادوائي دواءً و قد فعل و هو الاستغفار و التوبة فقدر ان اكون مع التوبة و الاستغفار كمن لاذنب له حتي يرحمني و انزل في كتابه (يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم) و قال (ان اللّه لايغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء) و قال (من يعمل سوءاً او يظلم نفسه ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً) و قال (و ماكان اللّه معذبهم و هم يستغفرون) ورأيته جل آلاؤه و عظم نعماؤه يقول (جنة عرضها السموات و الارض اعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و اللّه يحب المحسنين و الذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب الا اللّه و لميصروا علي ما فعلوا و هم يعلمون اولئك جزاؤهم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 139 *»
مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها و نعم اجر العاملين) و قوله و الذين اما صفة المتقين بعد صفة فيعلم ان ارتكاب الفواحش و ظلم النفس مع الاستغفار لاينافي التقوي الموعود بها الجنة و اما عطف علي المتقين فيعلم ان الجنة التي عرضها السماء و الارض معدة لهم ايضاً و اما مبتدأ و جزاؤهم خبر فجزاؤهم مغفرة من ربهم و جنات الآية، و حلّاهم بحلية العاملين فبعد ملاحظة سابق علم اللّه و تهيئته هذه الاسباب و فتح باب التوبة و الاستغفار و توفيقه لهما لميبق لي مجال اليأس و لو ان تاجراً من التجّار المعتبرين و لو كان مجوسياً ضمن لي في صكه هكذا لركنت اليه فكيف برب العالمين في كتابه علي لسان نبيه و قال ايضاً (و مايقنط من رحمة ربه الا الضالون) و قال (لاتيأسوا من روح اللّه انه لاييأس من روح اللّه الا القوم الكافرون) فهذا التفكر يمسك الرمق و ينشط القوي و يقوي القلب و اللّه ولي التوفيق.
و الثاني ما ورد من الاخبار المؤيدة بصحيح الاعتبار المتجاوزة حد التواتر ان ولاية آلمحمد: هي من اسباب المغفرة و التوبة معها مقبولة و الاستغفار معها مستجابة و ما ورد من ثواب ساير الاعمال حتي ان الذكر الواحد يكون سبب وجوب الجنة و غفران الذنوب و جميع هذه الاعمال الحسنة لها مثوبات جزيلة و شرط قبولها الولاية و من ورائنا الشفاعة و كرم اللّه و عفو اللّه و نحن من احبائه و اوليائه و المعادين لاعدائه و المتمسكين بنبيه و عترته و المقرين بالاساءة و الساخطين علي انفسنا في اساءتها و المستغفرين التائبين و هذا منتهي جهدنا و قد تواتر الاخبار بغفران محبي آلمحمد: و القبول منهم و هذا افضل مستمسكنا و اوثق عروتنا نسأل اللّه الثبات علي الدين انه الموفق المعين فلمثل هذا فليعمل العاملون و بهذا فليتمسك المتمسكون و بهذا فليأمل الآملون اللّهم يا مقلب القلوب و الابصار صل علي محمد و آلمحمد و ثبت قلبي علي دينك و دين نبيك و لاتزغ قلبي بعد اذ هديتني انك انت الوهاب.
فصل: بقي هنا مسئلة واحدة طالما تكلم فيها الناس و وقعوا فيها في
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 140 *»
الالتباس و كثر عنها السؤال و قل عنها الجواب الا ما سألونا فاجبنا في كتبنا بانواع الجواب و احب ان لايخلو منه هذا الكتاب و هي وجه استغفار المعصومين سلام اللّه عليهم و اقرارهم بالذنوب العظام و توبتهم عن المعاصي و اصرارهم في التوبة و التضرع و الاستغفار آناء الليل و النهار و هم معصومون مطهرون فاجبنا كلاً علي حسب ما قدر اللّه و نذكر هنا ان شاء اللّه علي حسب ما شاء اللّه.
اعلم ان اللّه جل جلاله نور لا ظلمة فيه و كمال لا نقص فيه احد لايثني واحد لايجزي فهو هكذا و لا هكذا غيره و جميع ما خلق من مبدء الوجود الي منتهي الشهود مركب من جهتين جهة رب و جهة نفس حتي روي عن الرضا7 ان اللّه لميخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته فكل ما سواه له جهة ربوبية و جهة عبودية فجهته الربوبية نور و خير و كمال تدل علي الرب اذ وصف للعبد نفسه بها و اما جهته العبودية فهو علي خلاف جهة الربوبية كما في القدسي روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي فهي ظلمة و شر و نقص فكل مخلوق فيه هاتان الجهتان غاية الامر ان درجات هاتين الجهتين مختلفة اذ قاعدة النور و رأس مخروط الظلمة عند المبدء و قاعدة الظلمة و رأس مخروط النور عند المنتهي فكلتاهما في كل مخلوق و التفاوت في الزيادة و النقيصة و لما كانت الثانية ضد الاولي و علي خلافها كانت بنفسها عصياناً و ذنباً كيف لا و العمل بمقتضاها و هو اثرها عصيان فالمؤثر اصل العصيان و مبدؤه و كل مخلوق يري في نفسه تلك الجهة سارية في جميع مراتبه و اعضائه فيقرّ علي نفسه اني عصيت بعيني و اذني و لساني و يدي و فرجي و رجلي و روحي و نفسي و هكذا فكل احد يري في نفسه هذه الجهة مخالفة لجهته الاولي التي هي محبوبة الرب فيريها مبغوضة فيعتذر منها و انما مثل هذه الجهة كأَن يكون مع احد نجاسة و يدخلها المسجد فان اثّرت في المسجد فهو ذنب و ذنب و ان لمتؤثر فوجودها ذنب كذلك حال النفس و لنعم ما قال الشاعر:
اذا قلت مااذنبت قالت مجيبة | وجودك ذنب لايقاس به ذنب |
هذا و ان كان جهة نفس المقرب انور من جهة رب الابعد منه كما قيل حسنات
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 141 *»
الابرار سيئات المقربين و هذا وجه واقعي صدق و بتضرعهم و بكائهم و توبتهم و استغفارهم يرققون دائماً هذه الجهة و يلطفونها و يجعلونها مطيعة للجهة العلياء حتي يرتضيها اللّه سبحانه في الدعاء غيرضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني فهذا وجه واقعي لا احد الاحتمالات.
و وجه آخر ان اللّه جل و عز خلق شيعتهم من شعاعهم كما روي انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا و الشعاع لا وجود له الا بالمنير يعني انه نور اذا رأي فيه المنير و الا فهو ظلمة و عبارة اخري ان النور بنفسه ظهور المنير و لااعتبار له الا باعتبار المنير اذ هو بنفسه كمال المنير و تمثله و وجوده الثاني بحيث يصح للمنير ان ينسب النور الي نفسه و يقول انا هو كما روي عن علي7 انا الآمل و المأمول و الا و انا نحن النذر الاولي و نذر الآخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان و من هذا الباب امثال ما صدر عنهم انا آدم و شيث و انا نوح و سام و انا ابرهيم و اسمعيل و هكذا و من هذا الباب ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و كذا انا صلوة المؤمنين و صيامهم و كذا ان لنا مع كل ولي اذناً سامعة و عيناً ناظرة و لساناً ناطقاً فليس الا هم و ظهورهم الذي لا اعتبار له الا من حيث الظاهر و الظاهر اولي بالظهور من نفس الظهور و الظهور منطو تحت احدية الظاهر فليس الا الظاهر اذ ذاك ظاهر فاذاً جميع ما يصدر من شيعتهم من طاعة هو عملهم و طاعتهم و لهم ثوابه و هذا معني قوله اليكم التفويض و عليكم التعويض و معني ما تقول في الزيارة اشهد انك قد اقمت الصلوة و آتيت الزكوة و امرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و اطعت اللّه و رسوله حتي اتاك اليقين فجميع الطاعات عملهم و هم مثابون به و انما يتفضلون علي شيعتهم بما شاءوا فان عليهم التعويض تفضلاً لااستحقاقاً كقوله تعالي (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) اي هل جزاء من انعمنا عليه بالتوحيد الا المغفرة و كذلك من كان له الغنم عليه الغرم فجميع معاصي شيعتهم محمولة عليهم و ان اللّه سبحانه حمّل جميع ذنوب الشيعة علي رسوله ثم قال (ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك) من الشيعة السالفين (و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 142 *»
ما تأخر) من الشيعة اللاحقين فاذاً هم يستغفرون للشيعة (الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة و علماً فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم ربنا و ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم) الآية، و هم سلام اللّه عليهم حملة العرش و من حوله الانبياء و الاوصياء يستغفرون لذنوب شيعتهم و النبي9 يستغفر للكل (و استغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات) فجميع الذنوب التي ينسبونها الي انفسهم ذنوب شيعتهم فما صدر عن عينهم صادر عن عينهم فانهم اولي بعين شيعتهم من انفسهم (النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم) و من كنت مولاه فهذا علي مولاه و ما صدر عن اذنهم فهو الصادر عن اذنهم و ما صدر عن لسانهم فهو الصادر عن لسانهم و هكذا و هم الذين يجب عليهم ان يستغفروا من تلك الذنوب فالعبد و ما يملك لمولاه (ضرب اللّه مثلاً عبداً مملوكاً لايقدر علي شيء و هو كلّ علي مولاه) ففي كنزالدقايق عن ابيالحسن الثالث انه سئل عن قول اللّه (ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك و ما تأخر) فقال7 و اي ذنب كان لرسول اللّه متقدماً او متأخراً و انما حمّله اللّه ذنوب شيعة علي7 ممن مضي منهم و بقي ثم غفرها اللّه له.
و ان قلت فان غفرها له فما وجه الاستغفار قلت ان المؤمن لايترك الاستغفار لذنب غفرها اللّه له و ان ترك الاستغفار اثبت لنفسه ثانياً اِنّيّةً هي اصل ذنب ثان و لاجل ذلك قال علي7 لقد كان9 يبكي حتي يغشي عليه فقيل له يا رسول اللّه أليس اللّه قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال بلي أفلااكون عبداً شكوراً انتهي، وهذا ايضاً من مبشرات الشيعة و مما يزيد في رجائهم و وثوقهم بالمغفرة فان ذنوبهم محمولة علي رسول اللّه9 و هو مغفور له فعن الصادق7 واللّه ماكان له ذنب و لكن اللّه ضمن له ان يغفر ذنوب شيعة عليٍّ ما تقدم من ذنوبهم و ما تأخر انتهي، قل بفضل اللّه و برحمته صلي اللّه عليهما و آلهما فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون من
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 143 *»
الاعمال و التوبة و الاستغفار.
و وجه آخر ان العبد كائناً ما كان بالغاً ما بلغ في الترقي و السير الي اللّه باقدام الامتثالات و بكل امتثال يتقرب الي اللّه سبحانه علي حسب سعة امتثاله و خلوصه و كمال توحيده فاسرع السائرين الي اللّه سبحانه محمد و آلمحمد: يسيرون في كل خطوة ما لا نهاية له و يتقربون الي اللّه سبحانه بما لا نهاية و كلما تقربوا الي اللّه جل و عز اشتد استنارتهم و توحيدهم و توحدهم فيرون ما كانوا عليه بعداً و ظلمةً و كثرة و خلاف محبة اللّه و رضاه و كينونته و تخلقاً بغير اخلاقه فيستغفرون و يتضرعون الي اللّه سبحانه في غفرانه لهم و ازالة مقتضيات ذلك البعد عنهم فبكل خطوة استغفارهم يشتد نورهم و بكل اشتداد يرون ما كانوا عليه اشد ظلمة فيعيدون الاستغفار و يلحّون في التضرع و الاستعفاء و التوبة اعظم من الاول فيتزايد تضرعهم و هكذا و في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك فلايخرجون من هذا التقصير ابداً في الدعاء اللّهم لاتجعلني من المعارين و لاتخرجني من حد التقصير بل هم في كل آن يرون انفسهم اشد ذنباً و هذا محسوس ان الكاتب مثلاً كلما يشتد سعيه في حسن الخط و يحسن خطه اشد يطلع علي معائب خطوطه السابقة اكثر و هكذا و كذا الانسان اذا كان في قبة يريها ضيئة فاذا ذهب في الشمس و رمق اليها ثم نظر الي القبة يريها ظلمانية لايميز ما فيها من متاع اذا اخرج يده لميكد يريها فهذا ايضاً وجه وجيه في اصرارهم في العبادة و الطاعة و الانابة و الاستغفار.
و وجه آخر انهم سلام اللّه عليهم لايعبدون اللّه خوفاً من النار و لا طمعاً في الجنة و انما يعبدونه حباً و المحبة انما تتحقق بين شيئين بالمناسبة و كلما يقلّ المناسبة يقلّ المحبة و كلما يزداد المناسبة يزداد المحبة و الشيئان ليسا بشيئين اثنين الا بالامتياز و لا امتياز الا بالمخالفة و المخالفة تخالف المحبة و توجب المباينة و المشاقّة فالحبيب كلما يجد في نفسه انّيّةً و لها وجوداً يعتذر عند الحبيب و ينسب الي نفسه المخالفة و المشاقّة و المعصية كما قال الشاعر *وجودك ذنب لايقاس به ذنب* فيستغفر حبيبه كي يفني باستغفاره انيته و يطلب ستر الحبيب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 144 *»
اياها بافنائها و اعدامها و لما كانوا سلام اللّه عليهم لايتحدون مع اللّه ابداً و لايخرجون عن مقام العبودية ابداً و يمتنع ان يصير الحادث قديماً يرون في انفسهم مشاقّة للّه و محادّة و هي ام المعاصي و رأس كل خطيئة عندهم فيديمون الاستغفار و طلب التكفير و الاستعفاء و التوبة لكي يفنوا جهة المشاقّة و يرققوها و يلطفوها و يرون انهم لو امسكوا عنها غلظت المشاقة و البينونة و ذلك ان الماهية لاتضعف الا بالعمل بمقتضي الوجود فلايزالون في تشديد العمل بمقتضاه و لايألون جهداً في نفيها و ينسبون انفسهم الي النقصان في المحبة و الي المعاصي الموبقة المهلكة من جميع جهات وجودهم اذ لكلها انية و ماهية هي اصل المشاقة فلذلك يقولون عصيتك بعيني و اذني و لساني و يدي و فرجي و هكذا و مع ذلك سيئاتهم حسنات جميع من سواهم و لا حبيب الا هو و اهله فافهم فبهذه الوجوه و امثالها يديمون الاستغفار صلوات اللّه عليهم مدي الليل و النهار و من اولي بذلك منهم و من ابصر منهم بجهات الانية و دقايق الماهية اللّهم اني اسالك بحق محمد هذا و اهل بيته الطيبين الطاهرين صلواتك عليه و عليهم ان تغفر لي ذنوبي و تستر علي عيوبي و لاتسترها عني و لاتفضحني بين الخلايق فانك اهل الاحسان و الجود و المغفرة يا ارحم الراحمين.
المورد الثانـى
فى الشكر و هو ايضاً من اصول العبادات و امهات الاعمال
كما نبهنا عليــه فى اول المقصــد ففى هذا المورد ايضاً فصـول
فصل: اعلم ان الشكر بحسب اللغة عرفان الاحسان و نشره و يؤيد ما قالوه ما رواه في الكافي عن ابيعبداللّه7 من انعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد ادّي شكرها و بحسب الاصطلاح هو صرف النعمة في سبيل المنعم و هذا اقصي درجاته و يؤيد هذا المعني ما روي عن ابيعبداللّه7 شكر النعمة اجتناب المحارم و تمام الشكر قول الرجل الحمد للّه رب العالمين و ما روي عن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 145 *»
علي7 انه كان رسول اللّه9 يبكي حتي يغشي عليه فقيل له يا رسول اللّه أليس اللّه قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال بلي أفلااكون عبداً شكوراً و عن ابيجعفر7 قال كان رسول اللّه6 عند عايشة ليلتها فقالت يا رسول اللّه لم تتعب نفسك و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر فقال يا عايشة ألااكون عبداً شكوراً قال و كان رسول اللّه6 يقوم علي اطراف اصابع رجليه فانزل اللّه سبحانه (طه ماانزلنا عليك القرآن لتشقي) انتهي، فالشكر هو ان تصرف جميع ما انعم اللّه عليك من عقلك و روحك و نفسك و حواسك و جوارحك و قواك و جميع ما خوّلك ربك من نعمة في سبيل طاعته فتستعملها في مرضاته و تجتنب بها عن مساخطه فان فعلت ذلك فقد اديت شكر نعمه عليك فلو انعم سلطان علي عبد بجايزة فاشتري العبد بها سهاماً و اسلحة و حارب بها السلطان لايقال انه شكر احسانه و نعمته بل هو كافر حقه و اما اذا صرفها في طريق رضاء السلطان و محبته فقد ادّي حقيقة الشكر و استحق المزيد من السلطان فانه جعل ما كان منه اليه و له فمن اولي بالمزيد من هذا العبد فعلي ذلك جميع العبادات العلمية و العملية من حدود الشكر و عرفان النعمة بالقلب بعض حدود الشكر و كذا قول الحمد للّه رب العالمين بعض حدوده اللسانية فما روي عن ابيعبداللّه7 شكر كل نعمة و ان عظمت ان يحمد اللّه عز و جل انتهي، اي شكره اللساني و كذا ما روي عن ابيالحسن7 من حمد اللّه علي النعمة فقد شكره و كان الحمد افضل من تلك النعمة انتهي، اي الحمد بنفسه نعمة افضل من النعمة المحمود عليها تستوجب حمداً آخر و لا شك ان احداً لايقدر علي شكر اللّه كما ينبغي بجميع ما له و منه و به و اليه مثل محمد و آلمحمد: و قد شكر اللّه محمد9 حتي ملك الحمد اي حمد اللّه عز و جل بذاته و صفاته و افعاله و مضافاته و انواره و اشعته حتي انه هو الحامد للّه عز و جل من كل حامد و من كل لسان و هو الصارف كل نعمة انعمها اللّه عز و جل علي احد من خلقه في سبيله فهو الحامد المطلق المالك لواء
«* مكارم الابرار جلد 11 صفحه 146 *»
الحمد للّه عز و جل فمشي في هذا السبيل و حمد اللّه عز و جل حتي فني في اللّه عز و جل و صار بكله للّه وحده وحده فصعد مقام المحمود كما قال اللّه سبحانه عسي ان يبعثك ربك مقاماً محموداً فملك لواء الحمد بان رجع اليه حمد كل حامد و صار ولي نعمة كل منعم عليه و صار منعماً علي كل مخلوق و رجع اليه حمد كل حامد اذ جميع عبادات العابدين كان بامتثال امره و السلوك اليه و التقرب منه من اراد اللّه بدء بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجه بكم و اما جميع من سواهم فهم مقصرون في حمد اللّه عاجزون عن شكره و لو من جهة و لذلك اجابوا الناس سلام اللّه عليهم علي حسب طاقتهم و معرفتهم و علي مقدار ان لاييئسوا من انفسهم في شكر ربهم و اَنّٰي للمخلوق العاجز الضعيف ان يشكر ربه و لايملك الشكر و انما هو ايضاً من فضله و جوده ألاتري ان الشبح في المرآة لايقدر علي النظر اليك الا بان تنظر اليه فكيف يقدر علي مكافاتك بالتوجه اليك و توجهه اليك من توجهك اليه فعن سيدالساجدين7 في مناجاته فكيف لي بتحصيل الشكر و شكري اياك يفتقر الي شكر فكلما قلت لك الحمد وجب عليّ لذلك ان اقول لك الحمد و عن ابيعبداللّه7 قال اوحي اللّه عز و جل الي موسي7 يا موسي اشكرني حق شكري فقال يا رب و كيف اشكرك حق شكرك و ليس من شكر اشكرك به الا و انت انعمت به عليّ قال يا موسي الآن شكرتني حين علمت ان ذلك مني ففي الحقيقة ليس المطلوب من العبد الا الفناء في ربه بعرفانه انه و جميع ما له و به و منه و اليه من اللّه سبحانه فيضمحل لدي سطوع انواره بنفي نفسه و اثبات ربه و لعل هذا احد وجوه معني قول ابيعبداللّه7 من انعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد ادّي شكرها و جميع ما للعبد من اللّه فالمطلوب منه ان يري نفسه و
جميع ما يــــݘـول اليها منه و له و اليه تعالي و ساير الاعمال و الاقوال في الحقيقة فروع هذه الحالة و تمامها و ظهورها في عالم الشهادة و هذه الحالة تحصل للانسان بالتفكر في آيات الآفاق و الانفس و مشاهدة انه لا محرك في الوجود الا اللّه و ان الكل مفتقر اليه راجع اليه و وجوده منه و بالانتساب اليه فلو قطعت النسبة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 147 *»
لعُدِم فان داوم في هذا التفكر حتي بلغ مقام المشاهدة او اليقين فقد ادّي شكر اللّه حق شكره علي ما انعم عليه و علي كل احد ممن كان او يكون الي يوم القيمة و هو الشاكر حقاً و اما من يري لغيره سبحانه تحريكاً او بسطاً او قبضاً فهو مشرك باللّه عز و جل شرك الافعال لا شاكر و الشكر فرع التوحيد فافهم راشداً موفقاً مؤيداً.
فصل: في سر صيرورة الشكر سبب المزيد و لما كان غرضنا في هذا الكتاب شرح حقايق الاشياء احببنا ان نذكر ذلك ايضاً هيهنا و لا قوة الا باللّه.
اعلم ان اللّه جل جلاله غني عما سواه من حيث ذاته لا حاجة له الي عطاء و لامنع و احدي المعني لايثني و لايجزي فليس في ذاته معني غير ذاته فليس فيها من نفسها اقتضاء لشيء من الاشياء سواء الجود و العطاء و المنع فاللّه سبحانه بميل من ذاته و اقتضاء لايخلق شيئاً و لايعطي احداً شيئاً و لايمنع احداً شيئاً بوجه من الوجوه و لو كان شيء باقتضاء من ذاته لكان القاضي بذلك فوقه و كان هو القابل او كان المقتضَیٰ بالفتح قديماً لقدم المقتضِیٖ بالكسر و كذلك لايمكن ان يوجد الشيء بلا اقتضاء مطلقاً فان ذلك ترجيح بلا مرجح و هو محال ان يصدر من الحكيم فوجب ان يكون باقتضاء من الخلق و هو قوله سبحانه (قل مايعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) فاذا صار عطاؤ اللّه جل جلاله باقتضاء من الخلق فكلما كان الاقتضاء اكثر كان العطاء اكثر و كلما كان اقل كان اقل فلاجل ذلك بعث اللّه النبيين حتي يكمّلوا بفضل كمالهم القوابل و يوسّعوها حتي تسع من فضل اللّه و جوده اكثر مما كانت تسع و يعدّلوها حتي تقتضي ما يوافق محبة اللّه جل جلاله و اعظم تلك الاسباب الموسّعة المعدّلة بل كلها الشكر علي ان الشكر استعمال النعمة في سبيل المنعم جل جلاله و في طريق رضاه فيشمل جميع الطاعات و العبادات التي هي الاسباب المعدّلة الموسّعة للقوابل فاذا عمل العبد بالشكر علي ما وصفنا استحق المزيد من اللّه علي قدر توسّعه و تعدّله فكلما يسلط العبد نار الشكر علي مولود قابليته و فيه رطوبة الميل الي الشارع و الانقياد و المطاوعة له ازداد انحلالاً و كلما انحل تسفل و رسب عنه ارمدة الاعراض المكدّرة المغلظة المثقّلة و ازداد صفاء و بهاء و لطافة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 148 *»
و نفوذاً و فعلية فاذا انعقد علي ذلك وسع من ماء المزيد اكثر ثم اذا حلّه مرة اخري ازداد سعة و كلما ازداد سعة وسع من ذلك الماء الالهي اي ماء المزيد اكثر قال اللّه سبحانه (لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد) و من ذلك علم ان اللّه سبحانه اذا انعم علي عبد بنعمة ليس يسلبها عنه ابداً الا بالكفران و هو ضد الشكر فهو صرف النعمة في غير اطاعة المنعم قال اللّه سبحانه (ان اللّه لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم).
و ان قلت فعلي ما ذكرت ما معني ان اللّه سبحانه مبتدئ بالاحسان قبل الاستحقاق و هو ليس يعطي باقتضاء من ذاته قلت احد معاني هذه الفقرة ان اللّه سبحانه ينعم علي عباده بنعم كونية و هو لميسأله بلسانه الشرعي مثلاً ربما زوجه و لميدع في عمره بطلب زوجة و يرزقه و لميدع في عمره لطلب الرزق و يحفظه و لميدع في عمره بطلب الحفظ كما يفعل اللّه سبحانه بالاطفال و لميدع الطفل بشيء من نعم تناله فاللّه سبحانه مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها بسؤال و دعاء شرعي و اما القابلية الكونية فقد اقتضت ذلك و لاجل ذلك قد اعطاه و آخر من معانيه ان العبد باقتضائه و قابليته و استعداده لايوجب علي اللّه سبحانه عطاء و انما هو لسان داع فالذي لايجب عليه العطاء اذا اعطي هو المبتدئ بالنعمة و لميستحق منه احد ذلك استحقاق صاحب المال ماله عن المديون فلا احد يستحق منه شيئاً فكل نعمه ابتداء و كل احسانه تفضل أليس اذا اعطيت احداً شيئاً لايطلبك اياه ابتدأته بالتفضل و الاحسان فكذلك قوابل المخلوقات لاتوجب علي اللّه شيئاً و هذا معني ما روي في الدعاء في السجدة بعد الثامنة من صلوة الليل الهي و عزتك و جلالك و عظمتك لو اني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلايق و شكرهم اجمعين لكنت مقصراً في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك عليّ و لو اني كربت معادن حديد الدنيا بانيابي و حرثت ارضها باشفار عيني و بكيت من خشيتك مثل بحور السموات و الارضين دماً و صديداً لكان ذلك قليلاً في كثير ما يجب من حقك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 149 *»
عليّ و لو انك الهي عذّبتني بعد ذلك بعذاب الخلايق اجمعين و عظمت في النار خلقي و جسمي و ملأت طبقات جهنم مني حتي لايكون في النار معذب غيري و لايكون لجهنم حطب سواي لكان ذلك قليلاً في كثير ما استوجبه من عقوبتك و انت ارحم الراحمين و لو انك تدبرت في هذه الفقرات لعرفت حد مقام الشكر و مقام العبادة و ان جميع نعمه ابتداء و كل احسانه تفضل و سر ذلك ما ذكرته لك من عدم التزام اللّه جل و عز بشيء بسبب وجود القابلية و الاستعداد فتدبر.
فصل: اعلم ان حسن شكر المنعم مما يحكم به جميع العقول من غير اختلاف و جبلت علي استحسانه كما انها قد جبلت علي معرفة قبح كفران النعمة و اسخاط المنعم بما انعم و من البين ان شكر المنعم لايمكن الا بمعرفة المنعم فلاجل ذلك اذا تفكرت العقول فيما علي الانسان من النعمة و انغماره في النعماء التي لايحصيها المحصون و لايعدها العادون استوجبت معرفة المنعم حتي تشكره عليها و لاتكفر اياها فتطلب معرفة المنعم اول شيء اذ لايمكن الشكر الا بها و كذا تستوجب معرفة الاسباب و الابواب التي بها و منها جرت عليه النعمة و جعلها المنعم اولياء نعمته و المباشرة لادرارها عليه بل جعلها اركان توحيده و آيات تفريده التي لايعرف اللّه الا بها فلاجل ذلك وجب معرفة اللّه و معرفة رسوله و اوصيائه سلام اللّه عليهم و معرفة ان جميع تلك النعم منهم و بهم و اليهم سلام اللّه عليهم فلاجل ذلك حثّ اللّه في كتابه علي شكر الوالدين فقال (اشكر لي و لوالديك الي المصير) و انت تعلم ان محمداً و علياً ابوا هذه الامة فشكرهما من اللوازم فمن لميعرفهما لميشكرهما و من لميشكرهما لميشكر اللّه و لاجل ذلك وردت روايات عديدة في لزوم شكر وسايط النعمة فعن ابيعبداللّه7 من حق الشكر للّه ان تشكر من اجري تلك النعمة علي يده و عن النبي9 لايشكر اللّه من لايشكر الناس و عن الرضا7 من لميشكر المنعم من المخلوقين لميشكر اللّه عز و جل وانت تعلم ان عرفت محمداً و آلمحمد: انهم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 150 *»
اولياء النعم و جميع ما جرت من النعم علي اهل الفالف عالم فانما جرت علي ايديهم و بفضل جودهم و لقد اجاد الشيخ حيث يقول:
فراحتا الدهر من فضفاض جودهم | مملوءتان و ما للفيض تعطيل |
فيجب شكرهم بمعرفة ان النعم منهم و بنشر ثنائهم و فضائلهم و مدايحهم و بالامتنان منهم و بمعرفة العجز عن اداء حقهم و بصرفها في طاعتهم و في طريق محبتهم و الانفاق علي اوليائهم و صرف جميع ما لك و بك و منك و اليك في سبيلهم و سبيل اوليائهم فاذا فعلت ذلك فلهم المنّ حيث اجروا علي لسانك و جوارحك شكرهم و يكون معرفة عجزك عن شكرهم هو شكرهم ان شاء اللّه فان شكرتهم فقد شكرت اللّه عز و جل فان شكره لايتحقق الا بشكرهم فافهم راشداً موفقاً ان شاء اللّه.
فصل: و كما يجب شكر اعظم الاسباب و اولها يجب شكر ساير الابواب الجزئية التي اجري اللّه نعمه عليك بمحمد و آلمحمد: و بهم و هي ساير الناس الذين يجري نعم اللّه في الظاهر علي ايديهم فانك ان عرفت اللّه بتوحيد الافعال و عرفت محمداً و آلمحمد: بالكلية و النورانية و انهم اصل كل خير و معدنه و مأواه و منتهاه و ان كل برّ منهم و ان صدر عن يدي غيرهم عرفت ان جميع آلات الخير آلاتهم و اسباب افعالهم و كما يجب شكرهم لاجل شكر اللّه كذلك يجب شكر تلك الآلات و الاسباب لاجل شكرهم صلوات اللّه عليهم (اجمعين خل) فعن علي بن الحسين8 ان اللّه يحب كل قلب حزين و يحب كل عبد شكور يقول اللّه تبارك و تعالي لعبد من عبيده يوم القيمة أشكرت فلاناً فيقول بل شكرتك يا رب فيقول لمتشكرني اذ لمتشكره ثم قال اشكركم للّه اشكركم للناس و عـن ابيعبداللّه7 قال مكتوب في التورية اشكر من انعم عليك و انعم علي من شكرك فانه لا زوال للنعماء اذا شكرت و لا بقاء لها اذا كفرت الشكر زيادة في النعم و امان من الغير و عـن النبي9 يؤتي العبد يوم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 151 *»
القيمة فيوقف بين يدي اللّه عز و جل فيأمر به الي النار فيقول اي رب امرت بي الي النار و قد قرأت القرآن فيقول اللّه اي عبدي اني قد انعمت عليك و لمتشكر نعمتي فيقول اي رب انعمت عليّ بكذا و شكرتك بكذا و انعمت علي بكذا و شكرتك بكذا فلايزال يحصي النعمة و يعدد الشكر فيقول اللّه صدقت عبدي الا انك لمتشكر من اجريت لك النعمة علي يديه و اني قد آليت علي نفسي ان لااقبل شكر عبد لنعمة انعمتها عليه حتي يشكر من ساقها من خلقي اليه انتهي، و من البين ان مأكلك و مشربك و ملبسك اذا كانت نعمة و وجب شكر من جرت علي يديه كان اعظم النعماء العلوم التي تهتدي بها و تعرف بها ربك و نبيك و امامك و شرايع دينك و تحيي بها حيوة الابد و تحصل بها الجنة خالداً فيها فالعلماء الذين اجري اللّه تلك العلوم علي السنتهم و انعم بها عليك بواسطتهم احق الناس بشكرك و نشر الثناء و الاحسان و استعمال تلك النعماء في رضاهم و اجتناب سخطهم فمن لميشكر العلماء لميشكر آلمحمد: و من لميشكرهم لميشكر اللّه.
فصل: كما ان حسن الشكر و وجوبه من البينات قبح الكفران ايضاً من بديهيات العقول و قد ورد في قبحه اخبار فعن ابيعبداللّه7 قال لعن اللّه قاطعي سبيل المعروف قيل و ما قاطعوا سبيل المعروف قال الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من ان يصنع ذلك الي غيره و عـن النبي9 من اتي اليه معروف فليكاف به فان عجز فليثن عليه فان لميفعل فقد كفر النعمة و عنـه9 ثلث من الذنوب تعجل عقوبتها و لاتؤخر الي الآخرة عقوق الوالدين و البغي علي الناس و كفر الاحسان و عنـه9 اسرع الذنوب عقوبة كفران النعمة و عـن ابيعبداللّه7 المؤمن مكفر و ذلك ان معروفه يصعد الي اللّه عز و جل فلاينشر في الناس و الكافر مشكور و ذلك ان معروفه للناس ينتشر في الناس و لايصعد الي السماء و عـن النبي9 يد اللّه عزوجل فوق رءوس المكفرين ترفرف بالرحمة و عـن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 152 *»
اميرالمؤمنين7 كان رسول اللّه6 مكفراً لايشكر معروفه و لقد كان معروفه علي القرشي و العربي و العجمي و من كان اعظم من رسول اللّه9 معروفاً علي هذا الخلق و كذلك نحن اهل البيت مكفرون لايشكر معروفنا و خيار المؤمنين مكفرون و لايشكر معروفهم و عـن الصادق7 ما اقل من شكر المعروف الي غير ذلك من الاخبار.
و من البين ان العبد باب الرب و يده في سوق النعمة اليك فانت تثني علي المعطي و تقطع يده او تذمها و تزعم انك شكرته لايكون ذلك ابداً فالمتصف بصفاتهم صلوات اللّه عليهم لابد و ان يعرف احسان كل محسن و يظهر احسانه و لايستره فان ذلك ستر نعمة الرب و قد قال (و اما بنعمة ربك فحدث) و تضييع حق المؤمن و ايذاؤه و قد قال اللّه سبحانه (لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد) و لميقيد الشكر و الكفر باللّه سبحانه و انما اطلق فهو اعم من شكر اللّه و شكر الخلق و كفران نعمة اللّه و كفران نعمة الخلق فايهما وقع فقد هدّده اللّه بان عذابه شديد نعوذ باللّه اللّهم اغفر لمن انعم علينا باحسان و اجعل ذلك شكراً و مكافاة لاحسانه انك غفور شكور.
فصل: اعلم ان كل طبيعة ابيّة و سجيّة مستقيمة و عقل مستنير تحكم بقبح الذل و ثقله و كراهته و حسن العز و خفته و محبوبيته و تحكم ان للمعطي اليد العلياء و مقام الاستعلاء و الشرف و العز و الذكورة و للآخذ اليد الدنيا و مقام الصغار و الذل و الانوثة فالنفس الابيّة لاتستحسن لها الذل و تحب العز فتستوجب المكافاة لمن احسن اليها مع المزيد ليكون يدها العلياء و ان عجزت فلا اقل من المساوات لرفع استعلائه عليها و صغارها عنده و ذلك امر طبيعي للكرماء لاينكر حتي ان النفس الابيّة تحب ان تحسن ابداً و لاتكافا بالاحسان اليها ليكون يدها العلياء و لاتسفل ابداً.
بالجملة قد ورد حث اكيد عن اللّه الكريم و عن محمد و آلمحمد الكرماء
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 153 *»
سلام اللّه عليهم اجمعين قال اللّه سبحانه (اذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها) و قال (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) و عن اميرالمؤمنين7 من صنع بمثل ما صنع اليه فانما كافاه و من اضعفه كان شكوراً و من شكر كان كريماً و من علم ان ما صنع انما صنع الي نفسه لميستبطي الناس في شكرهم و لميستزدهم في مودتهم و لاتلتمس من غيرك شكر ما اتيت الي نفسك و وقيت به عرضك و اعلم ان الطالب اليك الحاجة لميكرم وجهه عن وجهك فاكرم وجهك عن رده و عـن ابيعبداللّه7 قال آية من كتاب اللّه سبحانه قيل ما هي قال (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) جرت في المؤمن و الكافر و البر و الفاجر من صنع اليه معروف فعليه ان يكافي و ليست المكافاة ان يصنع كما صنع به بل يري مع فعله لذلك ان له الفضل المبتدأ و فـي رواية ليس المكافاة ان يصنع كما صنع حتي يربي عليه فان صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء و عـن النبي9 من سألكم باللّه فاعطوه و من اتاكم معروفاً فكافوه و ان لمتجدوا ما تكافونه فادعوا اللّه له حتي تظنوا انكم قد كافيتموه و عـنه 9 كفاك بثنائك علي اخيك اذا اسدي اليك معروفاً ان تقول له جزاك اللّه خيراً و اذا ذكر و ليس هو في المجلس ان تقول جزاه اللّه خيراً فاذاً انت قد كافيته و عـن اميرالمؤمنين7 انه قال لايزهّدنّك في المعروف من لايشكره لك فقد يشكرك عليه من لايستمتع بشيء منه و قد يدرك من شكر الشاكر اكثر مما اضاع الكافر و اللّه يحب المحسنين و عـن اميرالمؤمنين7 حق من انعم عليه ان يحسن مكافاة المنعم فان قصر عن ذلك وسعه فان عليه ان يحسن معرفة المنعم و محبة المنعم بها فان قصر عن ذلك فليس للنعمة باهل انتهي.
فتبين للكريم الابيّ ان من كرامة النفس مكافاة المنعم اولاً بالمساوي و ليس المساوي ما يساوي تحيته بل يبقي له الفضل بالابتداء فلابد و ان تزيد شيئاً بازاء ابتدائه فهو المكافاة و اما الاحسان فهو ان تربي عليه و تزيده حتي يكون يدك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 154 *»
العليا عليه و لاتفعل ذلك لمحض علو اليد فانه ربما يكون معصية اذا اردت به اذلال مؤمن لك و استعلائك عليه و امتنانه لك بل تزيد ذلك لاجل ان اللّه يحب الزيادة و امر بها و اراد اثابة المبتدي في الدنيا و فـي الوسائل عن حسين بن ابيالعلا قال خرجنا الي مكة نيفاً و عشرين رجلاً فكنت اذبح لهم في كل منزل شاة فلما اردت ان ادخل علي ابيعبداللّه7 قال يا حسين و تذلّ المؤمنين قلت اعوذ باللّه من ذلك فقال بلغني انك كنت تذبح لهم في كل منزل شاة فقلت مااردت الا اللّه قال أماعلمت ان منهم من يحب ان يفعل مثل فعالك فلاتبلغ مقدرته فتقاصر اليه نفسه قلت استغفر اللّه و لااعود و عـن شهاب بن عبدربه قال قلت لابيعبداللّه7 قد عرفت حالي و سعة يدي و توسعي علي اخواني فاصحب النفر منهم في طريق مكة فاوسع عليهم قال لاتفعل يا شهاب ان بسطت و بسطوا اجحفت بهم و ان هم امسكوا اذللتهم فاصحب نظراءك انتهي، فتبين ان كثيراً من الانفاق يصير سبب اذلال المؤمنين و لايحبه اللّه فان اردت الزيادة في احسان مؤمن فاجعله بحيث لاتصغر اليه نفسه و لايتذلل و لاتقصد الاستعلاء عليه ان شاء اللّه.
فصل: و من الامور المندوب اليها المحبوبة للّه سبحانه الموجبة للتقرب اليه و الخضوع و الخشوع لك هو السجدة للّه شكراً عند ورود نعمة او تذكرها و اعلم انا قد ذكرنا سابقاً ان الانسان مركب من جهتين جهة الي ربه و جهة الي نفسه اما جهته الي ربه فليست الا ذكر ربه و صفته و نوره و اما جهته الي نفسه فهي مقام ادعائه الاستقلال و الربوبية و القيومية بالامور و هي كلها ظلمة و شر و نقص و زوال و عجز و ايتهما غلبت تضعف الاخري و تضمحل و تنقص فان غلبت جهة النفس و كانت الاعمال و الافعال باشارتها و اقتضائها جرت معها جهة الرب خذلاناً و تضعف بقوتها فلاتجري آثارها باقتضائها و تصير جهة الرب منقادة طائعة لها جارية قهراً مجريها كما كان اهل الحق يطيعون اهل الباطل قهراً و لايفارقونهم كيلايهلكوا و انما يطيعونهم اطاعة فيخفي نور اهل الحق و يظهر ظلمة اهل الباطل
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 155 *»
فيكون اهل الحق في دولتهم مغلوبين مقهورين مضمحلين لايكونون منشأ اثر ابداً و اما اذا غلب جهة الرب و استولت و بدت انواره و جرت الاعضاء و الجوارح و الحواس بطاعتها و اشارتها و امرها تضعف جهة النفس و تضمحل و تتلاشي و لاتقدر علي الاستمساك و تخضع و تذل كما ان اهل الباطل يضمحلون و يخضعون في دولة الحق.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان العبد اذا نظر بعين اللّه التي اعارها اياه و هي جهته الي ربه الي عظمة ربه و كبريائه و جلاله او آلائه و نعمائه انطبع فيها ذلك النور و تلألأت و استنارت و استضاءت و ظهر عليها آثار العظمة و الجلال و الكبرياء و القدرة و الغلبة و القهر لمتسطع جهة النفس علي الاستمساك و القيام بنفسها و اضمحلت و تلاشت و اندكت اندكاكاً فخرت علي وجهها فاذا صارت كذلك صار البدن بتبعيتها ملقي علي وجهه ساجداً خاضعاً خاشعاً غيرمستمسك بنفسه فلاجل ذلك قال اللّه سبحانه (و اسجد و اقترب) و روي اقرب ما يكون العبد الي اللّه و هو ساجد و انما صار في هذا الحال اقرب لان نفسه الحاجبة بينه و بين ربه قد اضمحلت و تلاشت فاتصلت بجهة الرب اتصالاً و الا فالرب جل جلاله ليس في مكان حتي يتقرب اليه العبد و يدنو منه فاين يذكر التقرب فهذا معناه فعن الصادق7 ماخسر واللّه من اتي بحقيقة السجود و لو كان في العمر مرة واحدة و ماافلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيهاً بمخادع نفسه غافل لاه عما اعدّ اللّه للساجدين من البشر العاجل و راحة الآجل و لا بعد عن اللّه ابداً من حسن تقربه في السجود و لا قرب اليه ابداً من اساء ادبه و ضيع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود متواضع للّه ذليل علم انه خلق من تراب يطأه الخلق و انه اتخذك من نطفة يستقذرها كل احد و كُوّن و لميكن و قد جعل اللّه معني السجود سبب التقرب اليه بالقلب و السر و الروح فمن قرب منه بعد عن غيره ألاتري في الظاهر انه لايستوي حال السجود الا بالتواري عن جميع الاشياء و الاحتجاب عن كل ما تراه العيون كذلك امر الباطن فمن كان قلبه متعلقاً في صلوته بشيء دون
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 156 *»
اللّه فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما اراد اللّه منه في صلوته قال اللّه تعالي (ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه) و قال رسول اللّه9 قـال اللّه تعالي لااطلع علي قلب عبد فاعلم منه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي و ابتغاء مرضاتي الا توليت تقويمه و سياسته و تقربت منه و من اشغل في صلوته بغيري فهو من المستهزئين بنفسه مكتوب اسمه في ديوان الخاسرين و عـن الرضا7 السجدة بعد الفريضة شكراً للّه عز و جل علي ما وفق له العبد من اداء فرائضه و ادني ما يجزي فيها من القول ان يقال شكراً للّه شكراً للّه شكراً للّه ثلث مرات قيل فما معني قوله شكراً للّه قال يقول هذه السجدة مني شكراً للّه علي ما وفقني له من خدمته و اداء فرضه و الشكر موجب للزيادة فان كان في الصلوة تقصير لميتم بالنوافل تم بهذه السجدة و عـن ابيعبداللّه7 قال سجدة الشكر واجبة علي كل مسلم تتم بها صلوتك و ترضي بها ربك و تعجب الملئكة منك و ان العبد اذا صلي ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك و تعالي الحجاب بين العبد و بين الملئكة فيقول يا ملئكتي انظروا الي عبدي ادّي قربتي و اتمّ عهدي ثم سجد لي شكراً علي ما انعمت به عليه ملئكتي ما ذا له عندي قال فتقول الملئكة يا ربنا رحمتك ثم يقول الرب تبارك و تعالي ثم ما ذا له فتقول الملئكة يا ربنا جنتك فيقول الرب تعالي ثم ما ذا فتقول الملئكة يا ربنا كفاية مهمه فيقول الرب تعالي ثم ما ذا فلايبقي شيء من الخير الا قالته الملئكة فيقول اللّه تعالي يا ملئكتي ثم ما ذا فتقول الملئكة يا ربنا لاعلم لنا فيقول اللّه تعالي لأشكرنه كما شكرني و اقبل اليه بفضلي و اريه وجهي و قيل لابيعبداللّه7 لِمَ اتخذ اللّه ابرهيم خليلاً قال لكثرة سجوده علي الارض و عنـه7 اوحي اللّه الي موسي أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي قال يا رب و لم ذاك قال فاوحي اللّه عز و جل اليه يا موسي اني قلبت عبادي ظهراً لبطن فلماجد احداً اذل لي نفساً منك يا موسي انك اذا صليت وضعت
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 157 *»
خديك علي التراب او قال علي الارض و في رواية نحوه ثم قال فخرّ موسي ساجداً و عفّر خديه في التراب تذللاً منه لربه عز و جل فاوحي اللّه اليه ارفع رأسك و امرّ يدك علي موضع سجودك و امسح بها وجهك و ما نالته من بدنك فانه امان من كل سقم و داء و آفة و عاهة و عنـه7 اذا نزلت برجل نازلة او شديدة او كربة فليكشف عن ركبتيه و ذراعيه و ليلصقهما بالارض و ليلزق جؤجؤه بالارض ثم ليدع بحاجته و هو ساجد و عنـه7 قال اذا ذكر احدكم نعمة اللّه عز و جل فليضع خده علي التراب شكراً للّه و ان كان راكباً فلينزل فليضع خده علي التراب و ان لميكن يقدر علي النزول للشهرة فليضع خده علي قربوسه فان لميقدر فليضع خده علي كفه ثم ليحمد اللّه علي ما انعم عليه و عنـه7 ان رسول اللّه9 كان في سفر يسير علي ناقة له اذ نزل فسجد خمس سجدات فلما ركب قالوا يا رسول اللّه انا رأيناك صنعت شيئاً لمتصنعه فقال نعم استقبلني جبرئيل فبشرني ببشارات من اللّه عز و جل فسجدت شكراً للّه لكل بشري سجدة و كان يسير ابوالحسن7 في بعض طرق المدينة اذ ثني رجليه عن دابته فخر ساجداً فاطال و اطال ثم رفع رأسه و ركب دابته فقيل جعلت فداك قد اطلت السجود فقال اني ذكرت نعمة انعم اللّه بها علي فاحببت ان اشكر ربي و عنـه7 اذا ذكرت نعمة اللّه عليك و كنت في موضع لايراك احد فالصق خدك بالارض و اذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك علي اسفل بطنك و اخّرن ظهرك و ليكن تواضعاً للّه عز و جل فان ذلك احب و تري ان ذلك غمز وجدته في اسفل بطنك و عـن ابيجعفر7 ان ابي علي بن الحسين ماذكر للّه عز و جل نعمة الا سجد و لاقرأ آية من كتاب اللّه عز و جل فيها سجود الا سجد و لادفع اللّه عنه سوء يخشاه او كيد كايد الا سجد و لافرغ من صلوة مفروضة الا سجد و لاوفق لاصلاح بين اثنين الا سجد و كان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك و عـن الصادق7 جاء رجل الي رسول اللّه9 فقال يا رسول
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 158 *»
اللّه كثرت ذنوبي و ضعف عملي فقال رسول اللّه9 اكثر السجود فانه يحطّ الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر.
فصل: و لنختم هذا المورد ببعض فضايل الشكر ففي الكافي باسناده عن النبي9 الطاعم الشاكر له من الاجر كاجر الصائم المحتسب و المعافي الشاكر له من الاجر كاجر المبتلي الصابر و المعطي الشاكر له من الاجر كاجر المحروم القانع و عـنه 9 مافتح اللّه علي عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة و عـن ابيعبداللّه7 ثلث لايضر معهن شيء الدعاء عند الكرب و الاستغفار عند الذنب و الشكر عند النعمة و عنـه7 من اعطي الشكر اعطي الزيادة يقول اللّه عز و جل (لئن شكرتم لازيدنكم) و عنـه7 ماانعم اللّه علي عبد من نعمة فعرفها بقلبه و حمد اللّه ظاهراً بلسانه فتم كلامه حتي يؤمر له بالمزيد و عنـه7 شكر كل نعمة و ان عظمت ان يحمد اللّه عز و جل و قيل له7 هل للشكر حد اذا فعله العبد كان شاكراً قال نعم قيل ما هو قال يحمد اللّه علي كل نعمة عليه في اهل و مال و ان كان فيما انعم عليه في ماله حق اداه الخبر و عنـه7 من انعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد ادي شكرها و عنـه7 ان الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء فيوجب اللّه له بها الجنة ثم قال انه ليأخذ الاناء فيضعه علي فيه فيسمي بسم اللّه ثم يشرب فينحّيه و هو يشتهيه فيحمد اللّه ثم يعود فيشرب ثم ينحّيه فيحمد اللّه ثم يعود فيشرب ثم ينحّيه فيحمد اللّه فيوجب اللّه عز و جل بها له الجنة و قيل له اني سألت اللّه عز و جل ان يرزقني مالاً فرزقني و اني سألت اللّه ان يرزقني ولداً فرزقني و سألته ان يرزقني داراً فرزقني و قد خفت ان يكون ذلك استدراجاً فقال اما واللّه مع الحمد فلا وخرج7 من المسجد و قد ضاعت دابته فقال لئن ردها اللّه علي لاشكرن اللّه حق شكره فمالبث ان اُتي بها فقال الحمد للّه فقال قائل
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 159 *»
له جعلت فداك أليس قلت لاشكرن اللّه حق شكره فقال ابوعبداللّه7 ألمتسمعني قلت الحمد للّه و عنـه7 كان رسول اللّه9 اذا ورد عليه امر يسرّه قال الحمد للّه علي هذه النعمة و اذا ورد عليه امر يغتم به قال الحمد للّه علي كل حال و عـن ابيجعفر7 تقول ثلث مرات اذا نظرت الي المبتلي من غير ان تسمعه الحمد للّه الذي عافاني مما ابتلاك به و لو شاء فعل قال من قال ذلك لميصبه ذلك البلاء ابداً و روي في ذلك مرة الحمد للّه الذي عدل عني ما ابتلاك به و فضلني عليك بالعافية اللهم عافني مما ابتليته به و روي تقول عشراً صباحاً و مساءً اللّهم ما اصبحت بي من نعمة او عافية في دين او دنيا فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد و لك الشكر بها علي يا رب حتي ترضي و بعد الرضا فانك اذا قلت ذلك كنت قد اديت شكر ما انعم اللّه به عليك في ذلك اليوم و في تلك الليلة و ان نوحاً سمي شكوراً بهذا الدعاء و روي ان اللّه منّ علي قوم بالمواهب فلميشكروا فصارت عليهم وبالاً و ابتلي قوماً بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة الي غير ذلك من الاخبار.
و اما فضل الحمد فقد روي انه قيل لابيعبداللّه7 جعلت فداك علّمني دعاءً جامعاً فقال احمد اللّه فانه لايبقي احد يصلي الا دعا لك يقول سمع اللّه لمن حمده و قيل له7 اي الاعمال احب الي اللّه عز و جل فقال ان يحمد و قال7 كان رسول اللّه9 يحمد اللّه كل يوم ثلثمائة و ستين مرة عدد عروق الجسد يقول الحمد للّه رب العالمين كثيراً علي كل حال و روي ذلك صباحاً و مساء و عنـه7 من قال اربع مرات اذا اصبح الحمد للّه رب العالمين فقد ادي شكر يومه و من قالها اذا امسي فقد ادي شكر ليلته الي غير ذلك من الاخبار.
و اعلم ان اللّه سبحانه غني عما سواه و ليس له قرابة مع احد و ليس هو اولي باحد من احد و ليس احد اولي به من احد هو رب كل احد و الكل عبده علي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 160 *»
السواء و ليس يعطي احداً شيئاً بمقتضي ذاته و انما يعمل بقابلية الخلق فمن توجه اليه استنار و من ادبر عنه اظطلم كائناً من كان بالغاً ما بلغ و قد روي عن النبي9 لو عصيت لهويت و ان التوجه اليه هو التوجه الي وجهه و اتيانه من بابه و قد ثبت ان وجهه و بابه هو محمد و آلمحمد: فمن توجه اليه و اتاه من بابه يستنير كائناً من كان فلو فرض ان احداً عصي الفالف سنة فتوجه اليه من بابه استنار و هو الاسلام الذي يجبّ ما سلف و هو الايمان الذي يقول اللّه (اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور) و هو التوبة التي من تاب قبل موته قبل ان يعاين الآخرة طرفة عين غفر اللّه له جميع ذنوبه و هو العمدة في كل عمل و التقوي التي يقول اللّه سبحانه (انما يتقبل اللّه من المتقين) فمن توجه اليه من بابه استنار فان لميعمل شيئاً دخل الجنة و ان عمل عملاً واحداً استوجب الجنة و ان عمل اعمالاً كثيرةً حسنة استوجب الجنة و لكل درجات مما عملوا.
بالجملة الشيعي هو اهل التقوي و اهل المغفرة و اهل النجاة و ان كان عليه اعراض ثقيلة فانها تزول و ان تألم في تمام عمره من سيئاته لمحة واحدة و ندم فهو تائب مغفور له مستحق للجنان بالندم في تلك اللمحة و اما من كان يداوم في كل يوم علي انواع الطاعات خائفاً وجلاً كما قال اللّه (و الذين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجلة انهم الي ربهم راجعون) و ليس من الخوف ان لايري الانسان الاسلام و الايمان و الولاية سبب النجاة و ليس الخوف ان يكون لايدري هل ينفعه الايمان و العمل ام لا فان ذلك ضعف في اليقين بل المؤمن الخائف يري ان الايمان نافع قطعاً و الاعمال الصالحة نافعة قطعاً و هو خائف وجل لانه يدري ان ذلك ليس منه و انما هو من اللّه و لو عامله اللّه بعدله و هو ليس منه شيء ابداً لهلك و هو خائف من عظمة السلطان الجليل و هي مخيفة بلا فكر في سخطه و هو خائف من ان اعماله ضعيفة ليست بلائقة و لميؤدّ حق اللّه كما ينبغي و اما ان الاسلام و العمل الصالح نافعان ام لا فلعمري التردد في ذلك من ضعف اليقين و كذا الشك في انه هل مسلم او مؤمن ام لا و التشكيك في ذلك من الشيطان و كذلك لا شك في انك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 161 *»
صليت و صلوتك كما امر الشارع و انها مقبولة تكلاناً علي ولاية آلمحمد: و انما تخاف انك قد قصرت في حقه فلاتكن آئساً من رحمته و لا شاكاً في نفع ما انت عليه فاستدم علي الوثوق بصحة اعمالك و مقبوليتها بفضل اللّه و جوده كما اخبره في كتابه و اخبر الحجج في سننهم و من ذلك الشكر فادني مقامه ان تعرف في قلبك انه من اللّه و بآلمحمد: فهو منك شكر مقبول و اعلي منه ان تضم اليه قول الحمد للّه و اعلي منه ان تؤدي حق مالك و اعلي منه ان تجتنب المحرمات و اعلي منه ان تعمل معها بجميع الطاعات فكلها شكر مقبول من الشيعي و لكن لكل درجات مما عملوا و ادني ادني طاعة الشيعي يوجب له الجنة فافهم و تدبر راشداً موفقاً و الحمد للّه رب العالمين و استغفره و اتوب اليه.
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 162 *»
المقصد الرابع
فى الذكر النفسى و الخيالى و الحسى
و ما يتعلق به من التوجه و المراقبة و النية و الاخلاص و غيرها
و فى هذا المقصد ايضاً مقدمة و فصول
المقدمـــــة
فى بيان معنى الذكر النفسى و الخيالى و الحسى و فيها مطالب
الاول: اعلم انا قد قدّمنا في المجلد الاول ان الذكر ذكران: الاول استحضار الشخص للشيء فهو فعله يرجع اليه و الثاني ما حضر لديه و هو شبح منفصل عن المذكور واقع في مرآة مشعر الذاكر فهو المذكور الظاهر و ظاهر المذكور و القائم مقامه و خليفته لديه و جاهه عنده و جهته فيه مثال ذلك انك تتوجه بخيالك الي زيد فيقع مثاله في ذهنك كما يقع في المرآة حين توجه اليها فينصبغ هو اي المثال في ذهنك و يتأثر ذهنك منه و يستنير بنوره فانه يكمل الخيال تكميلاً كما يصبغه الخيال صبغاً كما في المرآة ألاتري انك تتوجه الي امرأة حسناء بخيالك فيقع مثالها في ذهنك فكما ينصبغ المثال فيه فيكون علي حسبه يتكمل الخيال ايضاً منه فيتحرك شهوتك و ميلك اليها و تشتاق اليها و يتحرك اعضاؤك اليها و يحمرّ وجنتك في بريق و ينفتح فمك بضحك و سرور و كذلك اذا توجهت الي مبغوض و وقع مثاله في خيالك فانك تجد نفسك تنفعل عن ذلك المثال و تتأثر و يهيج غضبها و كراهتها و تنفرها و يظهر عليها آثار الغضب فيحمرّ وجنتك و يرتفع صوتك و يدك و يجحظ عينك و يرتعش اعضاؤك و ذلك كله من تأثير ذلك المثال الواقع في خيالك فكما ينصبغ المثال في الخيال يتكمل الخيال من المثال و ذلك غير منكور و ما يقال ان الصور المثالية الخيالية غير مؤثرة و الا لكان تصور النار يحرق فكلام خال عن الحكمة فان الذي يقع في الخيال ضوؤها و ضوء النار غير محرق و انما المحرق حرّها فلو تصور حرّها و ادام فلا شك انه يسخّن بدنه و مثل الذي لميصح التصور و لميخلصه كمثل الذي يلاقي النار من البعيد فلايتأثر منها
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 163 *»
و الذي يصح التصور و يمحضه فهو كمن يلاقيها من القريب فتحرقه لا محالة و ذلك انه ما لميكن علي الخيال اغشية مانعة عن التصور الصحيح لميضعف التخيل فاذا كانت منع بردها حر النار و كان كالذي بينه و بين النار استار او يدٍ رطبة باردة جداً و لاقت النار فانها لاتتأثر غاية الامر انه يري شيئاً ضعيفاً و هو غيرمؤثر و اما اذا لميكن مانع و محَضَ تصور الحر و تصور ملاقاته تأثر منه لا محالة و قد خُبّرت مرّات ان آكلي البنج يقوي خيالهم بحيث كلما يقال لهم يتصورون وقوعه تصوراً مستحكماً فيقال لهم ما اسخن اليوم فيشتد الحر عليهم بحيث ينزعون لباسهم و لعلهم يتصابّون عرقاً ثم يقال ما اشد البرد فيبرد لهم فلعلهم يرجفون من شدة البرد و ذلك امر واقعي و مشهود ان الانسان بخيال المرض يمرض و من شدة الرعب في ايام الوباء يبتلي بالوباء و بخيال الصحة يصح و يقوي بالبداهة و لقد سمعت او رأيت في بعض الكتب ان بعض مرتاضي الهند يقال لهم النقشبندية اذا مرضوا يجلسون و يتصورون الصحة مدة فيصحّون ألمتجرب ان من اكل الغذاء خائفاً من ضره تضرر و اذا اكل عن جرأة لميتضرر و تأثير الظنون كلها جميعاً من هذا الباب و من هذا الباب ما روي ان اللّه عند ظن عبده ان خيراً فخيراً و ان شراً فشراً و من هذا الباب تأثير الرجاء و الخوف و التوكل و الطيرة كما روي عن الصادق7 الطيرة علي ما تجعلها ان هونتها تهونت و ان شددتها تشددت و ان لمتجعلها شيئاً لمتكن شيئاً انتهي و كذلك جميع ما يتعلق بالنفس من امر الدنيا و الآخرة و لو قلتُ ان الخيال اقوي من السم النقيع و من الدرياق الصحيح فصدّقني فان الانسان لعله يموت بالتوهم في طرفة عين و ينجو بحسن الظن من العذاب الاليم و الامراض العظيمة.
فتبين مما ذكرنا ان الخيال كما يصبغ المثال يتأثر عن المثال فاذا كان الامر علي هذا المنوال فالتصورات الحسنة المرضية مما يؤثر فيه ما يرضي اللّه و التصورات المسخوطة مما يؤثر فيه ما يسخط فكل من ادام خيال شيء تأثر خياله منه ثم وقع شبحه في الحس المشترك ثم وقع الشبح منه في الروح البخاري ثم وقع منه في الاعضاء و تحركت علي حسبه و جرت علي نحوه البتة و من هذا الباب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 164 *»
ما روي عن ابيعبداللّه7 انه اجتمع الحواريون الي عيسي7 فقالوا له يا معلم الخير ارشدنا الي ان قالوا يا روح اللّه زدنا فقال ان موسي نبي اللّه7 امركم ان لاتزنوا و انا آمركم ان لاتحدثوا انفسكم بالزنا فضلاً عن ان تزنوا فان من حدث نفسه بالزنا كان كمن اوقد في بيت مزوق فافسد التزاويق الدخان و ان لميحترق البيت و من هذا الباب قوله9 ملعون من حدّث نفسه بالرياسة و امثال ذلك و اما ما روي ان الانسان اذا تفكر في الذنب و لميعمل به لميكتب عليه فالمعني انه لميكتب عليه عقاب العمل و لميكتب عليه عقاب التفكر اذا حجزه التقوي عن العمل و سخط علي نفسه بذلك التفكر فينحّي سخطه ذلك العقاب عنه و اما اذا كان ساكناً اليه راضياً به فيكتب عليه البتة و ذلك قوله تعالي (ان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به اللّه) و قد حققنا ذلك في موضعه مشروحاً مبرهناً عليه فالتصورات مؤثرات في النفس و مصورات لها علي هيئتها و مورثات لها الملكات و معوّدات لها فالواجب المتحتم اجتناب الخيالات الفاسدة و التصورات الكاسدة و تعويد النفس بالتصورات المرضية و الخيالات الحسنة فانها تبعث الانسان علي مراضي اللّه و علي المحاسن و علي الاعمال الصالحة و الاخلاق الزكية و يشوّق الانسان الي الخيرات و الطاعات و يأتي تمام الكلام في باب التفكر ان شاء اللّه.
الثانى: اعلم ان اللّه سبحانه لما قدّر ان يكون الانسان انموذج جميع العوالم جعل فيه من كل عالم حصة يدرك بتلك الحصة ذلك العالم علي ان الآلات تشير الي نظايرها فلما انزله الي عالم البرزخ و هورقليا جعل فيه مشاعر من جنسه ليدرك بها ما فيه كما انه لما انزله الي هذا العالم عالم الدنيا جعل فيه مشاعر من جنس هذا العالم حتي يدرك بها ما فيه فجعل فيه حواس خمساً يدرك بها الالوان و الاصوات و الروايح و الطعوم و الكيفيات الاخر و جعل بدل ذلك له خيالاً في عالم البرزخ يدرك به الوان عالم البرزخ و اصواته و روايحه و طعومه و ساير كيفياته و يسمي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 165 *»
فعله بالتخيل و التصور و المدرك هو النفس و انما الخيال وجهها و عينها المفتوحة في عالم البرزخ كما ان الحواس مشاعرها المفتوحة الي عالم الدنيا و المدرِك بها كلها النفس و صفة ادراكها بها انها خلقت ناعمة رقيقة صافية سريعة التكيف و المطاوعة مما يلاقيها كل في حده و مقامه و معلوم ان لكل موجود مثالاً منفصلاً عنه علي طبعه و صفته و فضلاً منتشراً من كمالاته فاذا واجه المشعر الشيء وقع مثاله علي المشعر و لما كان المشعر بقدرة القدير اغلظ منه في الجملة و ان كان مما يناسبه يتغلظ فيه اثر المثال و ما كمله يعني ان المثال يكمله علي نحوه فهو يتكمل علي نحوه يعني علي نحو المشعر فان كل فاعل يفعل علي نحوه و كل منفعل ينفعل علي نحو المنفعل فيظهر اثر المثال علي المنفعل منصبغاً بصبغه متهيئاً بهيئته فيسمي علي صفة الانصباغ لا علي صفة المثال و كذلك الاشياء تسمي باسماء صورها و يجري عليها الاحكام علي حسب اسمائها لا علي صفة موادها ألاتري ان الشبح المستقيم في المرآة العوجاء يري اعوج فيسمي باعوج لا بمستقيم و الشبح الابيض في المرآة الحمراء يري احمر و يسمي باحمر لا بابيض فلاجل ذلك حكم المثال حكم ما كساه المشعر من كمّه و كيفه و لاجل ذلك يري الواحد في عين الاحول متعدداً و في العين المصبوغة مصبوغاً و في الاذن ذات الدويّ علي حسب دويّها و في الانف ذي النتن علي حسب نتنه و في الفم ذي الطعم علي حسب طعمه و في اللمس ذيكيفية علي حسب كيفيته فيسمي الكل علي ما ظهر له في مشعره و لاعلم له بالواقع الا من طريق المثال و يري منه صورته فيحكم علي الواقع بها لا به فانه غير واصل اليه الا فيها و منها و بها اللّهم الا ان يطلع علي الواقع من طريق آخر فيحكم عليه كما بلغه من تلك الطريق فهي ايضاً طريق كالطريق الاول فافهم وكذلك امر الخيال و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت يعني استواء الرحمن علي العرش اقتضي ان لايكون بين الخلق تفاوت فلو كان قريباً من شيء بعيداً عن شيء لعله كان يتفاوت فالخيال ايضاً مشعر مفتوح الي عالم البرزخ و المتخيل منه هو النفس و الخيال هو فعل النفس فتتوجه بآلتها التي هي صفو البخار التي في التجويف الثاني من الدماغ الذي هو بمنزلة العين مثلاً فتتخيل بها كما
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 166 *»
تري بالعين يعني يقع شبح الصور البرزخية في ذلك البخار الصافي كما يقع في المرآة فينطبع فيه فيؤديه الي النفس فتدركه النفس كما هو بذلك البخار الصافي و مرادي بالبخار الصافي هو الصافي عن الالواث الدنياوية المتمحض في البرزخية ثم ان كان لذلك البخار اعوجاج او صبغ يتهيؤ ذلك الشبح فيه فيكون علي خلاف الشاخص كما انك ربما تخيلت زيداً قاعداً و هو قائم او قائماً و هو قاعد و هكذا و هذه الصور تأتي الخيال من ثلث طرق فاما تأتيه من الاجسام الظاهرة يعني يدركها حواسك الظاهرة فتؤديها الي الحس المشترك فيتلقيها بوجهه الاسفل ثم يؤديها الي الخيال بوجهه الاعلي فتنطبع في مرآته علي حسبها و اما تأتيه من العالم البرزخ من الصور البرزخية مما في صقعه و ذلك كتصورك ما في الازمنة السابقة و اما تأتيه من النفس مثل ما يفاض عليه من الواردات الغيبية مما لميره بعينه و لميره في سالف الزمان بل لميكن و كيفية فيضان تلك الواردات مثل ما يفاض علي البدن من الخيال فيغضب البدن بغضبه و يسترّ بسروره و يتحرك بحركته و يسكن بسكونه و هكذا و لسنا الآن بصدد بيانه و قد ذكرناه في ساير كتبنا لاسيما «تأويلالاحاديث» فالصورة التي في الخيال هي ذكر الشاخص و ما منه عندك و هي مذكورك فهي ذكرك علي ان المصدر بمعني المفعول و اما استحضارك له و اطلاعك عليه فهو ذكرك و هو صنعك و عملك.
الثالث: اعلم ان الخيال آلة كونية تصلح لان تتوجه الي عليين و ينطبع فيها صور عليين و تتوجه الي سجين و تنطبع فيها صور سجين و تصلح لان تتصور بصورة حقة و تتصور بصورة باطلة و المراد بعليين و سجين هنا اللوح الكوني البرزخي الذي كتب عليه بالرسم الكوني الصور المحبوبة للّه سبحانه و هي الحقة او الصور المبغوضة له جل و عز و هي الباطلة فالصور الحقة هي المكتوبة في الواح السموات سموات البرزخ و هي المسمات بعالم هورقليا و الصور الباطلة هي المكتوبة في لوح طبايع البرزخ حيث فيه المدينتان المنكوستان جابلقا و جابرسا فعلّيّون في السموات مواضع الجنة و جهة الرب كلا ان كتاب الابرار لفي عليين و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 167 *»
سجين في الارض مواضع النار جهة النفس كلا ان كتاب الفجار لفي سجين و ذلك الخيال بنفسه ايضاً اذا تصور بصور حقة فهو علّيّوني و سماوي و الا فهو سجّيني مخلد في الارض فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فان توجه الخيال بعزيمته و ارادته الي عليين و توجه الي كلمة مكتوبة هناك انطبع فيه صورة تلك الكلمة علي ما هي عليه ان كان صافياً او ما هو عليه ان كان فيه مخالفةما و لكنه متوجه الي تلك الكلمة العليينية و ان توجه بعزيمته و ارادته الي سجين و توجه الي كلمة مكتوبة هناك انطبع فيه صورتها علي ما هي عليه ان كان صافياً و الا فعلي ما هو عليه.
و اعلم ان الانسان في هذه الصورة قد يكون علي شبهة و خطاء فقد يزعم كلمة سجين كلمة عليين و كلمة عليين كلمة سجين و بزعمه ذلك يكسو مثالها في خياله صورة عليين فيسميها باسمه و ينال منها مطلوبه فان صورة خياله عليونيّة و قد يزعم كلمة عليين كلمة سجين فيكسو مثالها في خياله صورة سجين فتكون عليه وبالاً و ربما يتضرر من قربها و يراها حيث يبغض و ذلك قول ابيجعفر7 لو ان رجلاً احب رجلاً للّه لاثابه اللّه علي حبه اياه و ان كان المحبوب في علم اللّه من اهل النار و لو ان رجلاً ابغض رجلاً للّه لاثابه اللّه علي بغضه اياه و ان كان المبغض في علم اللّه من اهل الجنة انتهي و ذلك ان الاشياء تسمي بصورها فلو انك قابلت المرآة المصورة بصورة كلب حايطاً ابيض لرأيت فيها صورة كلب و سمّيتها بالكلب و لو قابلت المرآة المصورة بصورة آدمي كلباً لرأيت فيها صورة آدمي و سمّيتها صورة آدمي بل اقول ان المواد تستحيل في بطون الصور الي طبعها فالمادة التي في خيالك ايضاً تستحيل الي جنس الصورة التي فيه و من هذا الباب ان من رأي النبي9 او احداً من الائمة او احداً من الشيعة في منامه فانما رآهم دون غيرهم و لميتصور الشيطان بصورهم و ان كان الف نفس كل واحد منهم رأي واحداً من اولئك معيناً بصورة و ان رأوا النبي9 مثلاً في ليلة واحدة في آن واحد بالف صورة فكلها هو نبي9 و ينال الانسان منه مطلوبه البتة و ذلك ان الرائي حين ما توجه الي النبي رسول اللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 168 *»
9فانما توجه الي عليين و دار قرب اللّه جل جلاله و لما اعتقد فيه كما يحب اللّه رآه علي ما رأي فكان ما في الخيال من مادة عليينية و صورة عليينية و ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و هم اصل كل خير هذا و مادة الخيال سبيل المتخيل الي الشاخص بل هي الشاخص الظاهر له فهو هو لا محالة و الا لمتكن انت انت و ان اعتقد فيه خلاف الحق صوّر ذهنه بصورة سجينية و توجه اليه فاخذ منه مادة علّيّينية و صورها بصورة سجينية فكانت عنده علي ما هو عليه و هو سجيني فنبيّه سجيني و من الالواح الباطلة و لذلك يكلمه علي ما يريد فذلك وجه رؤية كل من اهل الحق و الباطل النبي فلعل سنياً يري النبي بزعمه و يوصيه بولاية ابيبكر و الشيعي يراه9 و يوصيه بولاية علي7 و البراءة من اعدائه و لكن شأنهما علي ما بيّنت لك و هو مما تحير فيه الناس و لميعرفوا المخلص منه.
بقي هنا شيء و هو انه ربما يري زيد عمراً في منامه و يكلمه و يخبره بشيء حق او علم او واقعة او يضربه او يقتله و يصبح و لايدري عمرو و لعله جاهل بتلك المسئلة او الواقعة و لميتوجع بضربه فان كان زيد يتوجه الي عمرو حقيقةً كما يتوجه اليقظان و يراه بخياله كما يراه بعينه فلِمَ لايطلع عمرو برؤيته و مكالمته و ضربه و من المكلّم زيداً و المخبر له و المعلم اياه و الا فما معني من رآني فقد رآني و كل احد يقول بالفطرة رأيت زيداً في منامي و لايقول رأيت شبيه زيد و مثله في منامي و الامور التي تجري علي السنة الناس و ايديهم بالفطرة اغلبها او كلها صحيحة نشأت من اصل الكينونة و هذه ايضاً مشكلة عظيمة.
اعلم ان النفوس ربما تكون معتدلة و ربما تكون منحرفة فان كانت معتدلة جرت مع الاقدار و مصادر الانوار في الليل و النهار فتكون كما شاء اللّه لا كما شاءت و ذلك ان نفس زيد تمثل من النفس الكلية الالهية كما ان جسم زيد تمثل من الجسم الكلي و كما ان الجسم اذا اعتدل يجري علي نهج التقدير و مجاري التدبير و يجري علي نهج الحكمة كذلك النفس اذا اعتدلت جرت علي نهج الاعتدال و علي طبق عالم النفوس و سماواتها و ارضيها فكلما جري عليها من غير تعمد
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 169 *»
الانحراف يكون حقاً صدقاً موافقاً للواقع و مجاري التقدير سواء كان مما مضي او ما هو كاين او مما سيكون فهي ملهمة بالصواب و الحق ان تتقوا اللّه يجعل لكم فرقاناً فتلك النفس يرد عليها الشيء بعد الشيء و الامر بعد الامر علي ما في الواقع و هو العلم كل العلم و الكمال كل الكمال و ان كانت منحرفة تجري الاقدار و هي تجري بمشايعتها و لاتوافقها فتخالف الواقع فيرد عليها ابداً واردات منحرفة معوجة و امثل لك مثالين اذا كان في الجو بخار صاف صالح لطيف براق تجري الافلاك و الكواكب و تطرح عليه انوارها و تدبره و تديره علي ما هي عليه فتحركه اذا تحركت و تسكنه اذا سكنت و تسخنه اذا سخنت و تبرده اذا بردت و تديره كما تدور و تظهر فيه كما هي و هكذا و اذا كان بخار غليظ كدر لايطاوعها و لايكون علي حسب ارادتها فيمكن الاستدلال من البخار الاول علي مبادي الافلاك دون البخار الثاني فصورة البخار الاول ابداً صورة الافلاك و اما صورة البخار الثاني فعلي خلافها ألاتري الريشة في الرياح كيف تتحرك بحركتها و تسكن بسكونها و تضطرب باضطرابها و تسرع بسرعتها و تبطئ ببطئها و هكذا الروح الحيوانية عند كرور الافلاك و عند القاء شعلاتها و انوارها و قراناتها و اوضاعها فتؤثر في الروح و تُصوّره علي حسب صورتها فيكون الروح ايضاً لوح القدر مختصراً، في الخبر الصورة الانسانية هي المختصر من اللوح المحفوظ،
و انت الكتاب المبين الذي |
باحرفه يظهر المضمر |
و انما ذلك بايصال الملئكة الموكلة بالاقدار النازلة بها فيتلقون الروح و يسلمون عليه و يسلمون اليه فيطلع علي مجاري القدر ان جزئياً فجزئياً و ان كلياً فكلياً ان كان صافياً فصرفاً محضاً و الا فمشيباً متبدلاً فافهم و ان كان الروح منكوساً يقع فيه ما يوحي الشياطين بعضهم الي بعض و يناجي بعضهم بعضاً و يكون ذلك في الارضين و ربما يسترق السمع فيتبعه شهاب مبين فهذا لايطاوع الافلاك لغلظته و انما يحركه الابخرة الغليظة الكدرة الارضية التي هي مأوي الشياطين و مساكنها فتحركه حركات غيرمنتظمة و غيرحكمية و تصوره بصور مشوهة باطلة فيتقلب في الاباطيل المتشاكسة و الصور غير المرتبطة و كذلك حال النفس عند افلاك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 170 *»
النفوس و ارضيها و حال العقل عند افلاك العقل و ارضيه و الشياطين و ان لميكونوا في عالم العقول الا ان الامر في كل مقام بحسبه ألاتري ان العقل من حيث نفسه من ميادين توحيد الهالكين و من حيث الاعلي من ميادين توحيد الناجين.
بالجملة الغرض ان نبين لك ان الخيال مشعر باطني و هو في الجسمانية بخار صاف مرآوي يظهر فيه الاشباح العليونية الحقة او السجينية الباطلة و المدرك منه هو فعل النفس الظاهر فيه و الادراك ذكرك الفعلي لك و الشبح ذكرك المفعولي و ذلك الذكر المفعولي يؤثر في ذلك البخار تاثيراً فيتطبع بطبعه سلافته الدهرية و تتكسب منه و هو الذي يلحق النفس من الاعمال فتجيئ معها في الآخرة فافهم.
الرابع: اعلم ان الصور تلحق الخيال مرةً من الخارج بان تنصبغ الحواس الظاهرة بالصورة فينصبغ منها الحس المشترك من حيث اسفله فيصبغ عليه الخيال من حيث اعلاه فيصعد منه الي النفس و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولاً و مرة تلحق الصورة الخيال من الابخرة الصاعدة المتصورة بالصور المختلفة من حيث نفسها و بمساعدة الخيال فينطبع صورها في الخيال كما يراه المبرسم من الخيالات و قد تلحقه بحسب عادته فانه اعتاد التصور بصورة و العادة هي الطبيعة الثانية و قد تلحقه بحسب طبعه فان الروح البخاري اذا غلب عليه طبع يتصور بصورة ذلك الطبع و يعينه فعل النفس و قد يتصور بتوجهه الي السموات كما مر و قد يتصور بتوجهه الي الارضين كما مر و قد يتصور بالواردات النفسية التي اكتسبتها من سمواتها او ارضيها فتصورت في عالمها فاشرقت علي ذلك البخار فغلظ اشراقها فيه فتصور صورة خيالية.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الخيال دهري مجرد عن المادة و المدد الزمانية الجسمانية و ليس ادراكه الصور بغلظة الصور الزمانية و لا البرزخية الحسية فاذا انطبع في الخيال صورة دهرية جزئية انعكست منه الي الحس المشترك فغلظت و صارت مثل ما يراه النائم ذات كم و كيف و جهة و رتبة و وقت و مكان و وضع و اجل و كتاب و مثل خيالات مصرحة تحصل للغائص في بحر الخيال فاذا جاءت
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 171 *»
الي الحس فلعلها تسري الي اسفله و ادّت الي اعلي الحواس شيئاً فلعلها تسمع في اذنها و يدعي الانسان انه سمعها باذنه و تري في عينها و يدعي انه رآها بعينه و ربما يؤثر ذلك في الاخلاط و ظاهر البدن و يحركه علي حسبه و يحفظه و يمسكه و يمرضه و يصحّه مثل ما يحصل للمجنون فيؤذونه و يضربونه و يحركونه و يسكنونه علي ما هو مشاهد و ذلك هو مقام انكشاف الغيوب لاهله فيرون المطالب الغيبية ثم ربما يلحقها في طريقها اعراض فيتغير صورتها و ربما لميلحقها شيء فظهرت علي ما هي عليه و ذلك يحصل بالمواظبة و هو مجرب لكل احد و كل احد قد جربه في خيال او امر حين تمحض فيه و لا اقل من المنام و هذا الانكشاف هو الطيف المصطلح عند اهل الكشف اذ هو و الرؤيا من باب واحد بلا اختلاف و لهذا الباب تأثيرات عجيبة لاينكرها الا اهل الغباوة و الناس متقلبون في تأثيرات خيالاتهم و هم لايشعرون.
فصل: فاذ قد فرغنا من المقدمة في الاشارة الي ما ينبغي علي نحو الكلية فلنبين الآن ما كان في النفس ان نذكره و ندرجه في هذا الكتاب فاعلم ان الذكر النفسي يقع علي معان الاول اخطار الفاظ الذكر الخاص في الخيال و الحس المشترك و التوجه الي معناه بالنفس و العقل كما تحدث نفسك في آناء الليل و النهار و تكالم الناس فيها و تباحث و تنقض و تحل و تورد و تجيب و تسأل و تطلب مما جميع الخلق مبتلون به في تمام عمرهم فيحدثون في انفسهم و يفهمون معاني ذلك الحديث بنفوسهم و عقولهم و يؤثر ذلك الحديث في نفوسهم تأثيرات واقعية عجيبة فاذا حدثوا انفسهم بمكالمات عدو لهم يهيج غضبهم و يرتعش اعضاؤهم و يضطرب قلوبهم و يحمرّ وجناتهم و اذا حدثوا انفسهم بمكالمات محبوب لهم يلين جانبهم و يسكن نفوسهم و يلتذّون كمال اللذة و يسترّون و يُري البشاشة في وجوههم و اذا حدثوا نفوسهم بالمواعظ و العبر تورث لهم الزهد و الاعراض عن الدنيا و السماحة و اذا حدثوا انفسهم بالمعاصي تحرك شهواتهم و زاد اشتياقهم و هاجوا الي نحو الاعمال الشنيعة و رأي آثارها في
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 172 *»
عيونهم و وجوههم بما لااحب ذكره و هكذا و لا شك في تأثيرات حديث النفس في النفوس و الابدان فمرة يقال الذكر النفسي و يراد به حديث النفس باسم من اسماء اللّه سبحانه و مداومة تخيله بحيث يغفله ذلك الخيال عن ساير الخيالات و يشغله ذلك الحديث عن غيره من الاحاديث و يداوم علي ذلك في آناء الليل و النهار حتي يعتاد خياله ذلك الحديث و يتطبع عليه فيشتغل به يقظةً و نوماً و في حال الحركة و السكون و المعالجات البدنية حتي ينقلب طباعه الي طباع ذلك الحديث بحيث انه اذا اراد خيال شيء آخر لابد له من التكلف و التجشم كما ان غيره اذا اراد ان يحدث بذلك الحديث او حديث غير معتاد له احتاج الي التكلف و هذا الحديث لا شك انه في عرض ساير احاديث الخيال و يمانعها و لايجتمعان في آن واحد في خيال واحد كما ان قولك الماء و قولك الخبز مثلاً لايجتمعان علي لسانك في آن واحد و ذلك ان اللّه تعالي ماجعل لرجل من قلبين في جوفه و ان القلب وحداني التوجه و الخيال الذي هو لسانه الغيبي وحداني التكلم و لايقدر ان يتكلم في آن واحد بكلامين مختلفين فكما انه يمنع تذكر لفظ زيد تذكر لفظ عمرو في آن واحد يمنع ذكر اسم من اسماء اللّه ساير احاديث النفس و لكن كما انه لايمنع ذكر قول بلسانك حركةً بيدك او نظراً بعينك كذلك لايمنع قول بلسانك حديثاً بنفسك كما انك تصلي و تقرأ و انت في قلبك تحدث باحاديث شتي و كذلك لايمانع احاديث نفسك عملك بجوارحك و استعمالك حواسك كما انك تحدث نفسك دائماً باشياء حال استعمالك جوارحك و ادواتك فانها ليست في عرض واحد و ذلك انه يمكن النفس ان تستعمل بعض جوارحها بتوجه ناقص ظلي و عادتها في جريها مجراها و يكون اصل توجهها الي جهة اخري فقراءة المصلي مع ان قلبه مشغول بحديث نفسه بتوجه ناقص و بعادة الروح الحيوانية و اللسان ان يقرأ و اما اصل توجهه و عمدته الي حديث نفسه هذا و ان كان في الحقيقة انه لو توجه النفس بكلها الي الخيال تعطل اللسان عن التكلم لانها وحدانية التوجه الا ان الروح الحيوانية عوّادة و يكفيها في جريها مجراها توجه ظلي كما انها تتنفس بعادتها و طبيعتها و النفس الانسانية غيرمتوجهة اليها بتوجه اصلي و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 173 *»
انما يكفيها التوجه الظلي و ذلك كحيوة النائم و تنفسه و حركته يميناً و شمالاً بل ربما يتكلم النائم و يمشي و يضرب و هو نائم غير شاعر و انما ذلك بالطبع و العادة من الحيوانية و التوجه الظلي من النفس فاذا توجهت النفس توجهاً ظلياً الي اللسان قرأ و نفسه متوجهة الي حديث نفسها و ليس كذلك الامر في حديثين نفسيين فاذا حدث الانسان نفسه بحديث لايمكنه التحديث بحديث آخر كما لايمكنه التكلم بكلامين و الحركة في جهتين في آن واحد فتبين و ظهر ان تحديث النفس بحديث معين يمنع الخيال عن التحديث بغيره فاذاً بحسب العادة لايمنع الذكر اللساني النفس عن وساوسها و هواجسها و احاديثها.
و ان قلت ان الذكر اللساني لايمنع عن ذلك اذا كان مع سهو القلب و اما اذا كان مع توجه يمنع قلت ان كلامي في ان نفس الذكر اللساني بنفسه ليس بشاغل و مانع للنفس عن احاديثها و انما المانع علي قولك التوجه و ذلك لا شك فيه فان اللّه ماجعل لرجل من قلبين في جوفه بل التوجه الي اللّه بدون الذكر اللساني ايضاً يمنع فان القلب اذا توجه الي جهة يتعوق المشاعر عن التوجه الي غيرها البتة فالذكر اللساني بنفسه لعدم اتحاد الصقع لايمانع النفس عن احاديثها عادة البتة و اما الذكر النفسي بنفسه يمانع و ان جاء معه توجه فيكون اقوي و اكمل هذا و ان الشيطان قد دبر هذا التدبير لمنع التوجه و لقد صدّق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه فمنع الناس من التوجه و اني يمكن لصاحب الوساوس التوجه و نفسه تهيم في كل واد و مشتغلة بكل شيء دون اللّه عز و جل و انما التدبير كل التدبير لاجل تحصيل التوجه فالذكر النفسي يمنع النفس عن الهيمان في كل واد و الاقتحام في التلال و الوهاد و يصرفها قهراً الي التوجه فتبين انه لا علاج لها الا دواء من صقع احاديث نفسها لايجامعها البتة و هو الذكر النفسي.
و لكن هنا دقيقة غفل عنها الاكثرون و هي انه قد يشتغل بالذكر الحس المشترك و الخيال ساير في غير ذلك الوادي فلعله يذكر ساعات بحسه المشترك و قلبه و خياله في مكان آخر و ذلك لايتفاوت مع الذكر اللساني ابداً و الذي قلته ان الذكر في اي رتبة كان يمانع ما في صقعه فالذكر اللساني الخاص يمنع اللسان
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 174 *»
عن غيره و الحس المشترك اذا ذكر اللّه يمنعه ذكره عن ذكر حسي آخر و الذكر الخيالي يمنع الخيال عن غيره في عرضه و الذكر النفسي يمنع النفس عن ذكر غيره و هكذا فمن اشغل حسه المشترك بذكر نقشاً او حركةً او سماعاً او غيرها و خياله متوجه الي غيره لاينفعه البتة و لايدفع هواجسه و اما اذا ذكر بخياله باشارة نفسه منع خياله عن كل شيء سواه البتة في آنه و ساعته و هو ممنوع مادام يذكر فاذا غفل عادت الهواجس علي عادته فاذا ادام الذكر اعتادت النفس فذكرت من غير قصد و عزيمة و فنيت هواجسها فاذا ادام تطبع عليه النفس حتي اذا صار من طباعها تنفر الشياطين و طردت عنه بالكلية فيئست منه فلمتعُد و اما قبله فليسوا بمأيوسين منه و يذهبون و يجيئون و اما قبل المداومة فهم سكنة البلاد المستولون علي العباد انما سلطانه علي الذين يتولونه و الذين هم به مشركون و قد امر اللّه عباده فقال (و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه) و الاستعاذة تصور نفسك بصورة ما تستعيذ به و احتجابك بتلك الصورة فتلك الصورة من الجنة و لايطاؤها الشيطان و هي نور و الشيطان ظلمة فلايجتمعان في محل و قال اللّه سبحانه (انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون) و الايمان هو التلبس بصورة التوحيد و الاعتراف بالنبوة و الولاية و الاعمال الصالحة فأَنّیٰ يقربه الشيطان و لذلك لايتمثل الشيطان بصورة المؤمنين ففي تفسيرالعسكري 7 عن النبي9 في حديث الا فاذكروا يا امة محمد محمداً و آله عند نوائبكم و شدايدكم لينصر اللّه به ملئكتكم علي الشياطين الذين يقصدونكم فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته و ملك عن يساره يكتب سيئاته و معه شيطانان من عند ابليس يغويانه فاذا وسوسا في قلبه ذكر اللّه و قال لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين خنس الشيطانان ثم صارا الي ابليس فشكواه و قالا له قد اعيانا امره فامددنا بالمردة فلايزال يمدهما بالمردة حتي يمدهما بالف مارد فيأتونه فكلما راموه ذكر اللّه و صلي علي محمد و آله الطيبين لميجدوا عليه طريقاً و لا منفذاً قالوا لابليس ليس له غيرك تباشره
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 175 *»
بجنودك فتغلبه و تغويه فيقصده ابليس بجنوده فيقول اللّه تعالي للملئكة هذا ابليس قد قصد عبدي فلاناً و امتي فلانة بجنوده الا فقاتلوهم فيقاتلهم بازاء كل شيطان رجيم مائةالف ملك و هم علي افراس من نار بايديهم سيوف من نار و رماح من نار و قسي و نشاشيب و سكاكين و اسلحة من نار فلايزالون يجرحونهم بها و يقتلونهم بها و يأسرون ابليس و يضعون عليه تلك الاسلحة فيقول يا رب وعدك قد اجّلتني الي يوم الوقت المعلوم فيقول اللّه تعالي للملئكة وعدته ان لااميته و لماعده ان لااسلط عليه السلاح و العذاب و الآلام استشفوا منه ضرباً باسلحتكم فاني لااميته فيثخنونه بالجراحات ثم يدعونه و لايزال سخين العين علي نفسه و اولاده المقتولين و لايندمل شيء من جراحاته الا بسماع اصوات المشركين بكفرهم فان بقي هذا المؤمن علي طاعة اللّه و ذكره و الصلوة علي محمد و آله بقي علي ابليس تلك الجراحات و ان زال العبد عن ذلك و انهمك في مخالفة اللّه عز و جل و معاصيه اندملت جراحات ابليس ثم قوي علي ذلك العبد حتي يلجمه و يسرج علي ظهره و يركبه ثم ينزل عنه و يركب علي ظهره شيطاناً من شياطينه و يقول لاصحابه أماتذكرون ما اصابنا من شأن هذا ذل و انقاد لنا الآن حتي صار يركبه هذا ثم قال رسول اللّه9 فان اردتم ان تديموا علي ابليس من سخنة عينيه و الم جراحاته فدوموا علي طاعة اللّه و ذكره و الصلوة علي محمد و آله و ان زلتم عن ذلك كنتم اسراء ابليس فيركب اقفيتكم بعض مردته الخبر.
و الغرض من هذا الخبر الشريف ان الذكر يلبس النفس صورة نورانية لها اشراقات و اشعة و انوار موكل بكل نور و اشراق منها ملك ذابّ عن حرم الذاكر و الشياطين ظلمات و اخابيث لايجامعون الملئكة و الانوار و الاطياب في مقام واحد فهم مطرودون مذبوبون منحّون عن حرم الذاكر و لكن يعالجونه بكل علاج حتي يداخلوه في امره و يلبسوه ثوب المذلة فيتعلقوا به فاذا صار الذكر عادة و ملكة له يصدر منه من غير قصد خاص انتقص طمعهم عنه و لكنهم يرجونه فاذا ادام حتي صار طباعه يئسوا منه فانهم لايقدرون عليه فيرفعون طمعهم عن اغوائه و اضلاله و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 176 *»
يذهبون و يشتغلون بغيره و هو قوله تعالي (الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر اللّه الا بذكر اللّه تطمئن القلوب) اللّهم اجعلنا ممن يئس ابليس من اغوائهم و احجبنا بحجابك الرفيع و حصّنّا بحصنك المنيع عن شره يا اقدر القادرين.
فصل: هذا الذي ذكرنا من حيث الاثر لا شك فيه و لا ريب يعتريه و لكن الكلام كل الكلام في شرعية هذا الذكر النفسي و جوازه هل يجوز ذلك ام لا اما الصوفية الذين رأيناهم و سمعناهم فيجوزون ذلك و عليه عملهم و يسمونه بالذكر الخفي و لكن رأيناهم مع ذلك اخوان الشياطين و حلفاء ابليس اللعين لايرعوون عن منكر و لايجتنبون عن شر يقرنون اذكارهم بالرقص و الترنم و همهم ابداً الرياسة و التحكم يتجوعون للتلذذ و التنعم و كثير منهم يشربون الخمور و يتغنون بالتار و الطنبور فمانفعهم ذكرهم الخفي و الجلي لانهم مجانبون للنبي و مخالفون للولي بالجملة وجدنا هؤلاء يداومون بذلك و يأمرون بالمداومة عليه و لهم اذكار مخترعة و اوراد مبتدعة فمانفعهم شيئاً و لكن ذهابهم هذا المذهب من مطلق الذكر الخفي لايمنع اهل الحق عن متابعته و لابد من النظر في المسئلة و تحقيق الصواب و لما لمنشرح هذه المسئلة في كتاب و لا خطاب لابد لنا ان نشرح حقيقة الحال هنا.
اما من اصحابنا المتشرعين فلماجد قولا في ذلك الا ما وجدته من شيخنا احمد بن فهد حيث يقول في كتابه «عدةالداعي» حيث قال: «و اذا قد عرفت فضل الدعاء و الذكر و عرفت ان الافضل كلما كان سراً و انه يعدل سبعين ضعفاً من الجهر فاعلم ان قول احدهما8 فيما رواه زرارة فلايعلم ثواب الذكر في نفس الرجل غير اللّه بعظمته ايماء الي قسم ثالث من اقسام الذكر اعلي من الاولين اعني الجهر و السر و هو الذي يكون في نفس الرجل لايعلمه غير اللّه ثم اعلم ان وراء هذه الاقسام الثلثة قسماً رابعاً من اقسام الذكر و هو افضل منها باجمعها و هو ذكر اللّه عند اوامره و نواهيه فيفعل الاوامر و يترك النواهي خوفاً و مراقبة له» الي آخر كلامه قدس سره
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 177 *»
ورأيت ايضاً في كتاب «خلاصةالاذكار» للقاشاني (ره) كلاماً و هو: «ثم اعلم ان للذكر قسما ثالثاً غير السر و الجهر اعلي منهما و هو الذكر في النفس روي زرارة عن احدهما8 قال لايكتب الملك الا ما سمع و قال اللّه (و اذكر ربك في نفسك تضرعاً و خيفةً) فلايعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللّه لعظمته» الي آخر كلامه (ره) و قد عقد صاحب الوسائل باباً في استحباب ذكر اللّه في النفس و في السر و استحباب اختياره علي الذكر علانية و هو فتواه; و كذلك عقد الكليني باباً في ذكر اللّه عز و جل في السر و ذكر فيه اخبار النفس و كأنه جعله من افراد ذكر السر و نبه بذلك صاحب الوافي حيث عقد باباً في ذكر اللّه تعالي في السر و قال فيه: «ذكر اللّه في السر يشمل الذكر في النفس الذي في مقابلة الغفلة و الذكر علي اللسان بالاخفات الذي يقابل الجهر».
اقول و قد ورد في الكتاب و السنة بذلك شواهد اما الكتاب فما مر من قوله (و اذكر ربك في نفسك تضرعاً و خيفة و دون الجهر من القول بالغدو و الآصال) والظاهر من الذكر هو ذكر اسم من اسماء اللّه و ان كان له معان اخر ايضاً و هذا المعني و ان لميكن اظهر يكون من بعض معانيه البتة و قال تعالي (و لاتطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه) و قال (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه اولئك في ضلال مبين) و لا شك ان ذكر اسماء اللّه في القلب ذكر قلبي و هو من مدلولات اللفظ و قد روي صاحب الوسائل باباً في استحباب ذكر اللّه في النفس و في السر و اختياره علي الذكر علانية فروي عن الكليني بسنده عن زرارة عن احدهما8 قال لايكتب الملك الا ما سمع و قال اللّه عز و جل (و اذكر ربك في نفسك تضرعاً و خيفة) فلايعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللّه لعظمته و عن الكليني ايضاً بسنده عن ابنفضال رفعه قال قـال عزوجل لعيسي اذكرني في نفسك اذكرك في نفسي و اذكرني في ملائك اذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين يا عيسي اَلِن قلبك و اكثر ذكري في الخلوات و اعلم ان سروري ان تبصبص اليّ و كن في ذلك حياً و لاتكن ميتاً و في نسخة الزمني قلبك و في تفسيرالبرهان عن
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 178 *»
الحسين بن سعيد في كتاب الزهد بسنده عن زرارة عن احدهما8 قال لايكتب الملك الا ما يسمع قال اللّه عز و جل (و اذكر ربك في نفسك تضرعاً و خيفة) قال لايعلم ثواب ذلك الذكر الا اللّه و عن العياشي عن زرارة عن احدهما8 قال لايكتب الملك الا ما اسمع نفسه و قال اللّه (و اذكر ربك في نفسك تضرعاً و خيفة) قال لايعلم ثواب ذلك الذكر في نفس العبد لعظمته الا اللّه و قال اذا كنت خلف امام تأتم به فانصت و سبّح في نفسك انتهي، تذييل الامام حديثه بذلك دليل علي ان المراد الذكر باللفظ الخيالي الوهمي و وقوع الآية بعد قوله (و اذا قرء القرآن فاستمعوا له و انصتوا لعلكم ترحمون و اذكر ربك في نفسك) مضموماً بالحديث يعرف منه انه الذكر اللفظي الوهمي فتدبر و انصف و علي ما روي في قوله تعالي (يعلم السر و اخفي) من المعاني عن الصادق7 و المجمع عنهما8 السر ما اكننته في نفسك و اخفي ما خطر ببالك ثم انسيته يكون احاديث السر ايضاً من هذا الباب فيكون ذكر النفس احد افراد ذكر السر او ذكر السر مختص بذكر النفس كما يظهر من الخبر السابق فعن الكليني ايضاً بسنده عن ابيعبداللّه7 قال قال اللّه عز و جل من ذكرني سراً ذكرته علانية و عن اميرالمؤمنين7 من ذكر اللّه عز و جل في السر فقد ذكر اللّه كثيراً ان المنافقين كانوا يذكرون اللّه علانية و لايذكرونه في السر فقال اللّه عز و جل يراءون الناس و لايذكرون اللّه الا قليلاً وفي العدة قال رسول اللّه9 لابيذر يا اباذر اذكر اللّه ذكراً خاملاً قلت ما الخامل قال الخفي و في مناجاة زينالعابدين7 فالهمنا ذكرك في الخلاء و الملأ و الاعلان و الاسرار و في السرّاء و الضرّاء و آنسنا بالذكر الخفي و استعملنا بالعمل الزكي الدعاء و في الدرر و الغرر عن علي7 من عمر قلبه بدوام الذكر حسنت افعاله في السر و الجهر الي غير ذلك من الاخبار فهي ايضاً تشهد بالذكر النفسي السري و لا اقل من ان الذكر القلبي احد افراد الذكر في السر و الذكر الخفي و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 179 *»
الذكر في النفس و امثال ذلك فوجدنا الاخبار مطابقة للقرآن يشهد بعضها لبعض و قد اجازه بعض علمائنا و اما من لميذكره فلميكن من فرسان هذا الميدان و لميكن له عناية بالتبيان فسكوتهم غيرمضر في المقام البتة.
و اما المجلسي; فقد انكر علي الصوفية الذكر الخفي بتلك الكيفيات التي يعملونها مجملاً و لميبين انه كره الذكر مطلقاً ام كره تلك الكيفيات المبهمة التي لميبين شيئاً منها بل سجل مجملاً علي ان الذكر الخفي بتلك الكيفيات مذموم و ذكرهم الخفي هو الذكر المربع الذي قد مر في المجلد الاول و انهم اقتدوا فيه بالمهاباديين و هو ذكر باللسان في مقابلة الجهر فلايتوجه منعه الي الذكر القلبي ثم رأينا انه يؤيد معني الذكر في النفس و ذكر الاسماء فيها بعض الاخبار التي تعبّد اللّه خلقه بمضامينها كما رواه في الوسائل بسنده عن زرارة عن احدهما8 قال اذا كنت خلف امام تأتم به فانصت و سبح في نفسك انتهي، و النصتة السكوت فتبين ان الذكر في النفس عمل مشروع و يجوز شرعاً التسبيح في النفس و تعبّد اللّه به خلقه في موضع و يكون ذلك من معاني الذكر في النفس فاذا ورد الندبة اليه عموماً عرفنا استحبابه و عن ابيعبداللّه7 قال يجزيك اذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس و عن علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر قال سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلوته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير ان يسمع نفسه قال لا بأس ان لايحرك لسانه يتوهم توهماً و في رواية اخري انه سأله عن الرجل يقرأ في صلوته هل يجزيه ان لايحرك لسانه و ان يتوهم توهماً قال لا بأس انتهي، فامثال هذه العبادات المشروعة مما يؤيد بان ذكر الاسماء و التسابيح في النفس ليس بعمل منكر في الشرع و امثاله واقعة ثم لما امرونا بالذكر في النفس و انزل اللّه به قرآناً قلنا بانه مندوب اليه سائغ لا مانع منه البتة هذا و يؤيد ذلك الوجوه العقلية التي منها ما مر.
و منهــا ان اللّه سبحانه تعبّد كل عضو بما يليق به و يمكنه الاتيان به و خلق
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 180 *»
لاجله فتعبّد العين بالنظر لانها خلقت لاجله و يتأتّي منها و تعبّد الاذن بالسمع لانها خلقت لاجله و يتأتّي منها و تعبّد اللسان بالنطق لانه خلق لاجله و يتأتّي منه و نحن اذا تدبرنا في الخيال رأيناه يتأتّي منه الحديث و هو في جميع يومه و ليله مشغول بالحديث و التكلم و خلق لاجله و الا لماكان يتأتّي منه فهذا المشعر ايضاً ينبغي ان يتأتّي من انواع الحديث ما هو من اللّه و الي اللّه و هو محبوب للّه و يجتنب من انواعها ما هو من الشيطان و الي الشيطان و هو مبغوض للّه سبحانه و لا شك ان شتيمة المؤمنين مثلاً و كلمات الكفر مبغوضة للّه و لا شك ان الخيال بادامته شيئاً يعتاده فادامة تخيل هذه الكلمات مفسدة للخيال و جاعلة اياه معتاداً آنساً بهذه الكلمات غيرمستوحش فيفسد البتة اذا استأنس بالكفر و الفسق و اذا استحكم ذلك فيه يسري الي حسه المشترك ثم الي اعضائه البتة و لذلك قيل اذا اردت ان لاتفشي سراً فانسه و الا اذا كنت تحدث به نفسك ستظهره لا محالة و تفشيه و ذلك مجرب محسوس و اما اذا انست نفسك بالذكر و التوجه الي اللّه حتي سكنت اليه تستأنس بالايمان و الاقبال الي اللّه سبحانه و سينطبع شبحها في الحس المشترك ثم الي الاعضاء و يحملك علي الخير فتبين و ظهر انك مأمور بتخيل ما هو للّه رضا ان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به اللّه.
و منهــا انه لا شك ان الكلمات الطيبة من عليين و الكلمات الخبيثة من سجين و ما لميتوجه الخيال الي عليين لاينطبع فيه صوره و ما لميتوجه الي سجين لاينطبع فيه صوره فالخيال الذي فيه صور سجين منكوس مدبر عن مبدئه متوجه الي الشياطين فيلعبون به و يوحون اليه زخاريف القول و يلقون اليه الكفر و الفسوق حتي يستأنس بها و يسكن ألاتري ان المؤمن اذا وسوس في قلبه ما يكرهه اللّه يستوحش و يتأذي و اذا ادام ذلك يسكن و يستأنس نعوذ باللّه و اما الخيال الذي فيه صور عليين متوجه الي اللّه سبحانه منور بانوار اللّه معمور بذكر اللّه و يكون منبراً للملئكة فينزلون اليه و يصعدون عنه و يلهمونه الزهد و الورع و التقوي و اعمال البر و الخير و ما غاب عنه و يسددونه فلاجل ذلك يجب للمؤمن ان يوجّه قلبه الي عليين حتي ينطبع فيه صور الحق و ما يحبه اللّه و يرضاه بالجملة الادلة العقلية
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 181 *»
كثيرة و كلها تؤيد و تساعد جواز ذلك و مشروعيته و نحن و ان كنا لانعوّل علي الادلة العقلية الا اذا كانت مما تعرف العقول عدله او توافق الكتاب و السنة الا انا نتأيد بها و المعوّل علي نص الكتاب و السنة الواردة عن الاطياب و عدم وجود مانع شرعي لا من الاخبار و لا من كلمات العلماء الاخيار و لااذكر مانعاً منهم فيما اعلم فاذا ورد الكتاب و السنة و دليل العقل المؤيد بهما علي شيء و لا مانع بل في الاصحاب قائل بجوازه فلا مانع من الاخذ هذا و التسامح في ادلة السنن من سيرة العلماء و ورد احاديث متضافرة في ان من بلغه شيء من الثواب علي عمل فعمله رجاء ذلك الثواب اعطيه فلا مانع منه ان شاء اللّه و التجربة و التأثير التام ايضاً اقوي شاهد في المقام.
و ان قلت ان الرشد في مخالفة الصوفية قلت الصوفية ايضاً يصلون و يصومون و لايجوز لنا مخالفتهم اذا ادّانا الدليل الشرعي الي شرعيتهما و نحن لمنأخذ بذلك موافقين لهم بل آخذين بكتاب اللّه و سنة نبيه9.
فصل: و يناسب هذا المقام ذكر سهو القلب اعلم انه قد يتفق بل كثيراً ما يتفق ان القلب يتوجه الي امور مباحة ليست من الايمان و الكفر في شيء و يتقلب في تلك الخيالات و ان كان ذلك للعارفين الكاملين غير جائز و انهم يرون الاشتغال بغير اللّه اعراضاً عن اللّه و يرون انفسهم عند ذلك مستحقين للعقاب كما ذكره شيخنا الاوحد في فوائده و هو كلام صعب مستصعب قال: «ان المقربين قرأوا قوله تعالي (قل انظروا ما ذا في السموات و الارض) فنظروا فلميخل وجودهم في حال عن وارد بآية من آيات اللّه و قرأوا قوله تعالي (و مايأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزءون) فعرفوا ان من غفل عن مراداته من تلك الآيات فقد اعرض عنها و من اعرض فقد كذب بالحق لما جاءه و من كذب فقد استهزأ بالوحي و استحق وعيد ذلك فشغلهم بما عرّفهم من نفسه و صفته و فعله عما سواه و هم في ذلك علي مراتب ذواتهم فظهر من ذلك عصمة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 182 *»
الانبياء و الحجج: و ظهر الجواب عما ورد عنهم من نسبة المعصية بان المعصية معصية حقيقة في مقامها و قد تكون طاعة فيما دونها فيعاتبون عليها فيما بينه و بينهم و يثني عليهم بالثناء الخالد فتكون المعصية عند ترقيهم عن مقام هم فيه و ما تحته ابداً معصومون ابداً الي مقام لميصلوا اليه فاذا اراد اللّه نقلهم الي الاعلي بانه لهم اظهر لهم التقصير في الاسفل فهم ابداً مقصرون من نحوه تامون من نحوهم و ان شئت قلت بالعكس و في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك» انتهي كلامه رفع اللّه في جنان الخلد اعلامه.
اقول ان الكاملين اذا سمعوا قوله (من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيمة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي) و اذا سمعوا (و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين) عرفوا انه لايجوز لهم التوجه الي شيء غير اللّه و ان كل شيء دون اللّه شيطان و صنم و ان التوجه هو العبادة و قد قال اللّه عز و جل (ألماعهد اليكم يا بني آدم الاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم) فلايجوز لهم عبادة غير اللّه و التوجه الي سواه الا ان عامة المكلفين محرومون عن هذا الحرم الامين فلهم خيالات ليست بايمان و لاكفر لهم و هي في حالة سهوهم عن اللّه و آياته و انواره و اسمائه ففي تلك الحالة لايستحقون من اللّه ان يكتب الايمان في قلوبهم في الآن الجديد لاعراضهم كما ان المدبر عن الشمس لايستحق منها الانارة فلو جاء الشمس حتي واجهته و انارته فذلك فضل منها فليخف من ذلك خائف و ما امنه عن اللّه عزوجل و لايأمن مكر اللّه الا القوم الخاسرون و ماادريـٰه ان اللّه يمنحه الايمان ثانياً و يتفضل عليه و هو لميسأله و لميطلبه منه و لميستحقه نعوذ باللّه و ذلك مما غفل عنه الاكثرون و تساهل فيه المسلمون و كأنهم امنوا مكر اللّه و لايأمن مكر اللّه الا القوم الخاسرون فقد روي في الكافي عن ابيبصير و غيره عن ابيعبداللّه7 ان القلب ليكون الساعة من الليل و النهار ما فيه كفر و لا ايمان كالثوب الخلِق قال ثم قال لي أماتجد
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 183 *»
ذلك من نفسك قال ثم تكون النكتة من اللّه في القلب بما شاء من ايمان و كفر و عن ابيبصير قال سمعت اباجعفر7 يقول يكون القلب ما فيه ايمان و لا كفر شبه المضغة أمايجد احدكم ذاك و عن الكليني بسنده عن ابياسامة قال زاملت اباعبداللّه7 قال فقـال لي اقرأ ففتحت سورة من القرآن فقرأتها فبكي ثم قال يا ابااسامة ارعوا قلوبكم ذكر اللّه عز و جل و احذروا النكت فانه يأتي علي القلب تارات او ساعات الشك من صباح الراوي عن ابياسامة ليس فيه ايمان و لا كفر شبه الخرقة البالية و العظم النخر يا ابااسامة ألست ربما تفقدت قلبك فلاتذكر به خيراً و لا شراً و لاتدري اين هو قلت له بلي انه ليصيبني و اراه يصيب الناس قال اجل ليس يعري منه احد فاذا كان ذلك فاذكر اللّه عز و جل و احذر النكت فانه اذا اراد بعبد خيراً نكت ايماناً و اذا اراد به غير ذلك نكت غير ذلك الي غير ذلك من الاخبار فاحذر يا اخي كل الحذر من ان تغفل و لاتستحق من اللّه ايماناً و اللّه يقول (يهديهم ربهم بايمانهم) فاذ لميكن في قلبك ايمان ليس فيك ما به تستحق الهداية فان نكت اللّه في قلبك الايمان بعد ذلك فابتداء منه بتفضل فاشكر اللّه عنده علي عدم معاملته معك كما انت اهله و مستحقه و لا حول و لا قوة الا باللّه.
فصل: فلما وصل الكلام الي هذا المقام ناسب ان نذكر حال اصحاب الايمان المستقر و المستودع و انها مسئلة لطيفة دقيقة.
اعلم ان اللّه سبحانه خلق الخلق حين خلق خلقاً صالحاً للايمان و الكفر و الطاعة و المعصية و السعادة و الشقاوة فانه خلقهم امكاناً للصور الواردة عليه مما دون صورته كما تري من ان يدك صالحة لان تحرّكها و لان تسكّنها و عينك صالحة لان تفتحها و تنظر بها او تغمضها و لاتنظر و هكذا كل اعضائك و بدنك صالح لان تقوم به و تقعد و تتحرك و تمشي و تذهب و تجيء و هكذا و كما تري ظاهرك امكاناً لهذه الامور صالحاً لها باطنك ايضاً صالح لجميع ما دون صورته و قد كلّفك اللّه سبحانه بما هو دون صورتك و لميكلفك بما انت عليه و قضاه عليك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 184 *»
و امضاه و هذا معني ما روي ان اللّه يسأل العباد عما كلفهم و لايسألهم عما قضي عليهم انتهي وذلك انه سبحانه لايكلف نفساً الا ما آتيها و امكن به فيها و مكنها منه و لايكلف نفساً ان تكون هي هي او هي غيرها و من الصور التي امكن بها فيك و مكنك منها صورة الايمان و الكفر و السعادة و الشقاوة و الطاعة و المعصية و ذلك قوله (و هديناه النجدين) و قوله (قد افلح من زكيها و قد خاب من دسيها) فلما امكن بذلك فيك و جعله في قوتك خلق لاخراج ذلك من قوتك الي الفعلية اسباباً من نفسك و من الخارج فاما الاسباب الخارجية فالقدر و القضاء و وجود الانبياء و الاولياء و الكتاب و السنة و ساير اسباب السموات و الارض و القدر و القضاء و وجود الشياطين و الدعاة الي الضلالة و ساير اسباب السموات و الارض و اما الاسباب التي من نفسك فصحة المشاعر و التمكن و العزم و الارادة و ساير ما فيك ثم دعاك علي السنة حججه الي الايمان و دعا الشيطان الي الكفر و انت بين هذه الاسباب و انت مستطيع علي الاخذ بايهما شئت بحول اللّه و قوته انا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفوراً فمن الناس من اخذ طريق الخير و مشي فيه حتي خرج من كمون امكانه صورة الايمان و ادام علي ذلك حتي صار طباعه و تصور نفسه بتلك الصورة و فارقت الجمادية و النباتية و الحيوانية و استولت علي الامارة فكأنها عرت عن المواد و علت علي القوة و الاستعداد و استخلصت في الصورية الملكية و اتصلت بمبدء النور فيئس منها الشياطين و علت عليهم و عن مقامهم انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون ، لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين لانهم فوق مقام الشياطين فلايصلون اليهم بسوء ابداً فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون فهؤلاء قد استقر ايمانهم و اللّه لايضيع ايمانهم ابداً و لايخذلهم و لايطردهم و ما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم و منهم من اخذ طريق الخير و مشي فيه حتي خرج من كمون امكانه صورة الايمان الا انهم لميفارقوا طبايع الجمادية و النباتية و الحيوانية مساكن الشياطين و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 185 *»
اماكن الابالسة الماردين فيقع تارة و يقوم اخري و لمتصر نفوسهم مفارقة مستقرة في ظل اللّه مقام الامن فهم مترددون في تجاذب الدواعي و تداعي الاسباب فقد ينجذبون مع هؤلاء و قد ينجذبون مع هؤلاء و قد يتصورون بصورة الايمان و قد يتصورون بصورة الكفر فهم موقوفون حتي يري اللّه بماذا يختم عملهم و علي ما ذا يموتون و يفارق نفوسهم اجسامهم نعوذ باللّه فكم من مؤمن غيرمفارق للطبايع اصبح مؤمناً و امسي مرتداً كافراً و كم من كافر غيرمفارق اصبح كافراً و امسي مؤمناً فلذلك يجب للمؤمنين الناقصين مواظبة الايمان و الطاعة و التقوي و الدعاء و الحذر من ان ينقلبوا فيصيروا كافرين نعوذ باللّه و من اسباب الانقلاب سهو القلب علي ما مرّ في الفصل السابق هذا مجمل الاشارة علي ما يليق بهذا الكتاب و لنذكر بعض الاحاديث الشاهدة علي ذلك.
ففي الكافي بسنده عن حسين بن نعيم الصحاف قال قلت لابيعبداللّه7 بم يكون الرجل عند اللّه مؤمناً قد ثبت له الايمان عند اللّه ثم ينقله اللّه من بعد من الايمان الي الكفر قال فقـال ان اللّه عزوجل هو العدل انما دعا العباد الي الايمان به لا الي الكفر و لايدعو احداً الي الكفر به فمن آمن باللّه ثم ثبت له الايمان عند اللّه لمينقله اللّه عزوجل من الايمان الي الكفر قلت له فيكون الرجل كافراً قد ثبت له الكفر عند اللّه ثم ينقله اللّه بعد ذلك من الكفر الي الايمان قال فقـال ان اللّه عزوجل خلق الناس كلهم علي الفطرة التي فطرهم عليها لايعرفون ايماناً بشريعة و لا كفراً بجحود ثم بعث اللّه الرسل يدعو العباد الي الايمان به فمنهم من هدي اللّه و منهم من لميهده اللّه و عـن محمد بن مسلم عن احدهما8 قال سمعته يقول ان اللّه عزوجل خلق خلقاً للايمان لا زوال له و خلق خلقاً للكفر لا زوال له و خلق خلقاً بين ذلك و استودع بعضهم الايمان فان يشأ ان يتمه لهم اتمه و ان يشأ ان يسلبهم اياه سلبهم و كان فلان منهم معاراً انتهي و الظاهر ان المراد ابوالخطاب و عـن اسحق بن عمار عن ابيعبداللّه7 قال ان اللّه جبل النبيين علي نبوتهم فلايرتدون ابداً و جبل الاوصياء علي وصاياهم فلايرتدون ابداً و جبل بعض المؤمنين علي الايمان فلايرتدون ابداً
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 186 *»
و منهم من اعير الايمان عارية فاذا هو دعا و الحّ في الدعاء مات علي الايمان و عـن يونس عن بعض اصحابنا عن ابيالحسن7 قال ان اللّه خلق النبيين علي النبوة فلايكونون الا انبياء و خلق المؤمنين علي الايمان فلايكونون الا مؤمنين و اعار قوماً ايماناً فان شاء تممه لهم و ان شاء سلبهم اياه قال و فيهم جرت (فمستقر و مستودع)و قال ان فلاناً كان مستودعاً ايمانه فلما كذب علينا سلب ايمانه ذلك و عـن المفضل الجعفي قال قـال ابوعبداللّه7 ان الحسرة و الندامة و الويل كله لمن لمينتفع بما ابصره و لميدر بالامر الذي هو عليه مقيم أنفع له ام ضر قلت فبما يعرف الناجي من هؤلاء جعلت فداك قال من كان فعله لقوله موافقاً فاتت له الشهادة بالنجاة و من لميكن فعله لقوله موافقاً فانما ذلك مستودع و عـن علي بن حنظلة عن ابيعبداللّه7 انه قال يسلك بالسعيد في طريق الاشقياء حتي يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه السعادة و قد يسلك بالشقي طريق السعداء حتي يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه الشقاوة ان من كتبه اللّه سعيداً و ان لميبق من الدنيا الا فواق ناقة ختم له بالسعادة و عـن منصور بن حازم عن ابيعبداللّه7 قال ان اللّه خلق السعادة و الشقاوة قبل ان يخلق خلقه فمن خلقه اللّه سعيداً لميبغضه ابداً و ان عمل شراً ابغض عمله و لميبغضه و ان كان شقياً لميحبه ابداً و ان عمل صالحاً احب عمله و ابغضه لما يصير اليه فاذا احب اللّه شيئاً لميبغضه ابداً و اذا ابغض شيئاً لميحبه ابداً الي غير ذلك من الاخبار و سر جميعها ما ذكرت.
و اعلم ان كل شيء في الدنيا له اثر لانه اثر الكامل المؤثر فله اثر و يستدل بالاثر المشهود علي وجود المؤثر الغايب عن درك الابصار فاذ لا اثر فلا مؤثر كما انه اذ لا مؤثر لا اثر و هما متضايفان متلازمان كالسراج و النور فان لمتر سراجاً فان رأيت نوراً حكمت بوجود السراج و الا فحكمت بعدمه البتة فايمان المرء امر مخفي غايب عن درك الابصار و انما يستدل عليه بآثاره و آثار الايمان ما يظهر علي الجوارح فان جرت الجوارح علي صفة الايمان يعلم ان لهذه الآثار مؤثراً و هو روح
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 187 *»
الايمان و الا فلا فروح الايمان ان كان قد استخلص من طبايع نجم الجمادية و قمر النباتية و شمس الحيوانية التي هي مقامات الادبار و الاعراض عن اللّه و مساكن الشياطين و روح الكفر و ولّي عنها مدبراً و قال يا قوم اني بريء مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السموات و الارض حنيفاً مسلماً و ما انا من المشركين ان صلوتي و نسكي و محياي و مماتي للّه رب العالمين لا شريك له و بذلك امرت و انا من المسلمين و تصفي من اغشيتها يصير منشأ آثار و يبدو علي الجوارح آثاره و يستولي علي ساير المراتب و يجريها مجري الطاعة و العبودية و ان لميستخلص و لميفارقها و بقي بعد مشوباً بها فقد يظهر آثاره و قد يظهر آثارها حتي يري بما ذا يختم عمله و مثل هذا الاستخلاص و الشوب انك تدري ان اللبن امكان الدهن و هو في قوته فمادام اللبن علي صرافته فالدهن معدوم و لا دهن فاذا مخض حتي رغا و خثر ظهر فيه آثار الدهن و يكون فيه آثار اللبن موجودة فان امسك عن المخض عاد الرغوة الي اللبن و صارت لبناً علي ما كان و ان اديم المخض رغا و ازبد و اجتمع و خلص الزبد و ظهر آثاره و دهّن ما لاقاه فكذلك النفس تخرج من الجسد و روح الايمان من الانسان فمن تخلص روح ايمانه عن شوائب جسده و فارقها كمل ايمانه و امن من شر الشياطين و احتجب بحجاب اللّه و اعتصم بعصمته و الشياطين لايصعدون حيث هو و من بقي مخلوطاً بجسده يظهر منه اثر و من ضده اثر فهو متردد مذبذب فاما ان يخلص بالموت الاضطراري علي الايمان و يمحض الايمان محضاً او علي الكفر فيمحض الكفر محضاً او يبقي ايام البرزخ مخلوطاً فلايتخلص الي نار او الي جنة بل يبقي في قبره كالحجر فهو مستضعف يبقي الي يوم القيمة فيخلص هناك بنار الفلق بالجملة المعار هو المختلط فان اعانه اللّه و رحمه و اتم له الايمان فبفضله و الا فبعدله فافهم.
فصل: و لما ذكر حال القلب و الذكر القلبي و اطمينان القلب به احب ان اذكر حال وسوسة القلب و حديثه و آثارها و دواءها علي وجه ينبغي لنا من التحقيق.
اعلم ان القلب اذا حدّث و وسوس حدّث بخياله كما انه اذا حدّث في الظاهر
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 188 *»
حدّث بلسانه فالوساوس موقعها الخيال و هي حديثه و لو احطت خبراً بما قدمنا علمت ان حديث الخيال اما يأتيه من قبل الظاهر فيقع الاحاديث في الاذن مثلاً ثم تنطبع منها في الحس المشترك ثم منه في الخيال و قد تنطبع فيه من قبل العادة فاذا تطبع الخيال بطبع حديث او احاديث يتصور بصورته في اغلب حالاته و قد يتصور بصورة بسبب الهمة و الاهتمام بامر و قد يتصور بسبب الطبع فالصفراوي اكثر حديثه الغضب و البلغمي اكثر حديثه الشهوة و هكذا ألاتري انك لو صرت بعيد العهد بالنكاح و زاد في بدنك الماء صار اغلب حديثك ما يتعلق بالنكاح و قد يتصور بسبب الامراض و الاعراض فاي خلط غلب و فسد و بخر و صعد الي الدماغ و اشرق عليه شعاع النفس و حيي حدّث النفس بما يناسبه و في هذا الباب تفاصيل عجيبة يطول بذكرها البيان و شرحناها و مباديها و اصول ابوابها في ساير كتبنا و جميع هذه الاسباب اسباب الشياطين و سبلها و طرقها و مساكنها و سلاليمها الي الخيال فيصلون بها اليه و يوحون اليه و يكالمونه و لما كان هذه الابخرة و الاسباب تخالط الروح البخاري و تنطق من جوفه و به كالجن الداخل في بدن المصروع يحسب الانسان انه هو بنفسه يحدّث بهذا الحديث و ليس كذلك بل هذا الحديث من قبل البخار الذي خالطه و مازجه فاذا خرج ليس في اصل الروح شيء و كذلك سبب العادة و التطبع فانك لو عوّدته بغير ذلك رجع عما هو عليه و التطبع امر عارض و اصعب ذلك ما كان من قبل الطبع الذاتي و الفرق بين الاحاديث الذاتية و العرضية ان الانسان يسترّ بالاحاديث الحاصلة من السبب الذاتي و يتلذّذ بها و يرضاها و يسكن اليها و يطمئن بلا اكتراث و اما التي باسباب عارضية فهي ما يتأذّي منه الروح و يتعب و يمرض و يأخذه الكرب و الملالة و السآمة و يضيق صدره و لربما يريد ان يقتل نفسه حتي ينجو منها فذلك من غير طبع الروح الذاتي البتة و من الوسواس الخناس الخارجي المتعلق بتلك الاسباب و لتستيقن ان الشيء يتقوي بمثله و يضعف بضده فلو كان الوسواس الذي تتأذي منه من طباع روحك لكنت تتقوي به و تطمئن و تسترّ فمهما تأذيت فاعرف انه من قبل المرض العارض عليك النار لاتحترق من نفسها و بنفسها و لاتتألم و انما يحترق بها الماء و يجف
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 189 *»
و يتألم فتأذّيك بشارة من اللّه سبحانه اليك بشّرك بحسن طبيعتك و طهارة ذاتيتك فاستبشر ببشارة اللّه و احمد اللّه عز و جل و في لغة المواعظ ان البدن بمنزلة بلدة عامرة فيها مؤمنون و كفار و كلاب و جميع اصناف الخلق و لا شك ان الكلب يعوي في البلد و الكفار يتكلمون بكفرهم و المؤمنون بايمانهم و الانسان المؤمن الساكن في البلد يتأذّي من تكلم الكفار و عواء الكلب و لكن الكلب لايتأذّي من عواء صاحبه و الكافر لايتأذّي من تكلم صاحبه و الجنس الي الجنيس مايل فانت يا هذا اذا رأيت في نفسك وسوسة تكرهها فاحمد اللّه علي حسن طويتك و اعتدال سريرتك و اعلم انك غير مجانس لتلك الوساوس و ليست آثارك و المؤثر لايتأذّي من اثره و النار لاتتأذّي من حر نفسها و هي مؤثرته فاذا تأذيت فليس باثرك يقيناً.
و ان قلت لعلي اتأذي بالعرض و تلك الوسوسة من ذاتيتي قلت ان الذاتي يتبين عن العرضي في اختلاف الحالات و عرض النفس علي ولاية اللّه و ولاية رسوله و ولاية الائمة: و ولاية المؤمنين و محبة الاعمال الحسنة جميعاً و محبة المحسنين و البراءة من اضداد ذلك جميعاً فان وجدت نفسك كذلك و رأيت اعمالك لقولك موافقة و تأذّيك دائماً فاعلم ان ذاتيتك الخير و الوساوس بالعرض و العرضي لايكون في جميع الجهات و الحيوث و يتخلف و يتفاوت في المواضع و في تقلب الاحوال قال علي7 في تقلب الاحوال علم بجواهر الرجال و المرض يزيد و ينقص و يختلف في الموارد و الذاتي بخلاف ذلك و في الحقيقة ان الانسان لايخفي علي نفسه امر نفسه فمن غلب تأذيه و تنفره علي وسوسته بلا رضا في حال من الاحوال فهو الذي يكون ذاتيته الخير البتة و الا فيشكل امره و يصعب معرفته فلعله بعد من المعارين الي ان يري بما يختم عمله هذا هو سر المرض علي سبيل الاشارة.
و اما علاج ذلك فالاعراض عنها فانها حية ناطقة بتوجهك اليها فان اعرضت عنها ماتت و لمتتحرك فمادمت مصغياً الي احاديث نفسك كانت حية قائمة و تنطق فان صدقت و انت متأذٍّ و تريد الاستخلاص منها فاعرض عنها و علاجها الفاصل ذلك الا ان الاعراض عنها علي قسمين فمرة تعرض عنها و تتوجه الي امر آخر غير
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 190 *»
اللّه و تشتغل به فيذهب عنك الوسواس و لكنك تبتلي بشيطان آخر مثله فان كل ما هو لايدعو الي اللّه صنم و شيطان فهنالك انت كمن ابتلي بلصّ فاستغاث بلصّ آخر فجاء فاخذه من يده و قيّده هو و سلبه فلامناص لك او كفريسة عليها كلاب فجاء اسد و طرد الكلاب و اكلها بنفسه فلانجاة و انما النجاة ان تتوكل علي اللّه و تعتصم به و تستغيث به و تتوجه اليه و تذكره حتي تغفل عن الشياطين و يموتون باعراضك عنهم و يحترقون بنور الذكر و اسلحة الملئكة الموكلين بذلك الاسم و الذكر و انواره فتبين ان العلاج الفاصل له الذكر و لذلك روي في احاديث عديدة الامر به ففي الكافي بسنده عن محمد بن حمران قال سألت اباعبداللّه7 عن الوسوسة و ان كثرت فقال لا شيء فيها تقول لا اله الا اللّه و عـن جميل بن دراج عن ابيعبداللّه7 قال قلت لابيعبداللّه انه يقع في قلبي امر عظيم فقال قل لا اله الا اللّه قال جميل فكلما وقع في قلبي شيء قلت لا اله الا اللّه فيذهب عني و عـن محمد بن مسلم عن ابيعبداللّه7 قال جاء رجل الي النبي9 فقال يا رسول اللّه هلكت فقال له9 اتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت اللّه فقال لك اللّه من خلقه فقال اي والذي بعثك بالحق لكان كذا فقال رسول اللّه9 ذاك واللّه محض الايمان وروي عن ابيعبداللّه7 في تفسيره انما عني بقوله هذا واللّه محض الايمان خوفه ان يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه و عـن علي بن مهزيار قال كتب رجل الي ابيجعفر7 يشكو اليه لمماً يخطر بباله فاجابه في بعض كلامه ان اللّه عز و جل ان شاء ثبّتك فلايجعل لابليس عليك طريقاً قد شكي قوم الي النبي9 لمماً يعرض لهم لان تهوي بهم الريح او يقطعوا احبّ اليهم من ان يتكلموا به فقال رسول اللّه9 أتجدون ذلك قالوا نعم فقال والذي نفسي بيده ان ذلك لصريح الايمان فاذا وجدتموه فقولوا آمنا باللّه و رسوله و لاحول و لا قوة الا باللّه و عـن حمران عن ابيجعفر7 قال ان رجلاً اتي رسول اللّه9 فقال يا رسول اللّه انني نافقت فقال واللّه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 191 *»
مانافقت و لو نافقت مااتيتني تعلمني ما الذي رابك اظن العدو الحاضر اتاك فقال لك من خلقك فقلت اللّه خلقني فقال لك من خلق اللّه قال اي والذي بعثك بالحق لكان كذا فقال ان الشيطان اتاكم من قبل الاعمال فلميقو عليكم فاتاكم من هذا الوجه لكي يستزلّكم فاذا كان ذلك فليذكر احدكم اللّه وحده و فـي فقهالرضا7 اروي انه سئل العالم7 عن حديث النفس فقال من يطيق ان لايحدّث نفسه و اروي اذا خطر ببالك في عظمته و جبروته او بعض صفاته شيء من الاشياء قل لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين ولي اللّه اذا قلت ذلك عدت الي محض الايمان و روي انه يأتي علي الناس زمان لا نجاة لاحد الا من تمسك بدعاء الغريق فسئل عنه فقال يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبّت قلبي علي دينك و عـن النبي9 في وسوسة الصدر و الدين توكلت علي الحي الذي لايموت و الحمد للّه الذي لميتخذ صاحبة و لا ولداً و لميكن له شريك في الملك و لميكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا و عـن الصادق7 مرّ يدك علي صدرك و قل بسم اللّه و باللّه محمد رسول اللّه9 و لاحول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم اللّهم امسح عني ما احذر ثلثاً بعد ان تمرّ يدك علي بطنك فان اللّه يذهب الوسوسة و التمني عنك و عـنه شكا آدم علي نبينا و آله و عليه السلام الي اللّه كثرة الوسوسة فامره ان يكثر من الحولقة ففعل فزالت عنه و عـن علي7 في حديث الاربعمائة اذا وسوس الشيطان الي احدكم فليتعوذ باللّه و ليقل آمنت باللّه و برسوله مخلصاً له الدين و مـرّ في حديث العسكري7 لدفع الشيطان لاحول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين انتهي.
و اعلم ان اللّه سبحانه قال (و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه انه سميع عليم) و قال (انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون) فالواجب في دفعه الاستعاذة باللّه و الايمان و التوكل و معني الاستعاذة ان تتوجه الي اللّه سبحانه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 192 *»
حتي يستنير نفسك بنور التوحيد فتحتجب بشعاع نوره فلايقدر الشيطان ان يدنو منك و يحترق بشعاع نور التوحيد و الا فلمتكن مستعيذاً فالايمان الذي هو في الاخري هو الاستعاذة و الايمان هو حرز اللّه الحريز و حصن اللّه الحصين و ذمام اللّه التي لاتخفر و حجابه الذي لايهتك و حبل اللّه المتين و جوار اللّه المنيع فلو تصور نفسك بصورة الايمان و حدوده هرب منك الشيطان لا محالة فاذا اردت الامتناع من كيده و شره و التنزه عن خبثه و التقدس عن حديثه و وسوسته فتحصّن بحصن الايمان و لُذْ بجدار الاذعان و تذكّر حدود الايمان و جميع ما ذكروا سلام اللّه عليهم هو من هذا الباب الا انهم اجابوا كل احد بما يتحمل و يقتضيه حاله و اما انت اذا كمل فيك المعارف و عرفت حدود الايمان و لاينبغي ان يخفي عنك شيء و لايتقي منك فقل اذا عرض في قلبك شيء لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه و علي و احدعشر من ولده اولياء اللّه اوالي من والاهم و اعادي من عاداهم صلوات اللّه و سلامه عليهم و اختلاف الاذكار من باب ما روي انكم تلقّنون موتاكم بلااله الا اللّه و نحن نلقّن موتانا محمد رسول اللّه انتهي فالشيعة ينبغي ان تلقّن موتاها عليٌّ و احدعشر من ولده اولياء اللّه و ينبغي لمواليهم ان يلقّنوا موتاهم اوالي من والاهم و اعادي من عاداهم فافهم ان كنت تفهم و هذا هو التوكل الحق و الاستعاذة الصدق.
و اعلم انه لما كان عرصة الوسوسة عرصة الخيال فالانجح في طردها ما كان في عرضها و هو الذكر النفسي الذي يشغل النفس و لايدعها تتوجه الي غيره و ذلك ان النفس اذا تعودت ان تحدّث نفسها مع اشتغال لسانها و جوارحها بالذكر و الاعمال لاتنتفع بالذكر اللساني فاللسان يشتغل بالذكر و هي تذهب حيث شاءت فلاتنتفع به.
و ان قلت سبب عدم الانتفاع عدم التوجه فلو توجه الانسان الي الذكر منع من الوسوسة قلت ان الكلام كل الكلام في تحصيل التوجه فهو غاية المراد فلو امكنه التوجه لكان بنفسه كافياً له و لكن الداء العضال في ان الوساوس اذا استولت تمنع النفس عن التوجه و تصير النفس كالدابة الشموس لاتمشي في الطريق ابداً و تريد ان تركض ابداً في التلال و الوهاد و تقتحم في كل واد و العقل المسكين كراكب ضعيف عليها لايقدر علي امساك لجامها و لا صرفها عن تلك المهالك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 193 *»
فغاية المراد في تدبير تصرف النفس عن عادتها و شماستها و لا دواء لها الا الذكر الخفي الذي يشغل النفس و يصورها بصورته و يوجهها اليه فلاتقدر علي الشماسة و الانحراف يميناً و شمالاً اذ ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه و لاتبال اذا لميكن لك في اول الامر توجه اذ لما انصرفت النفس عن التوجه الي الصور الباطلة و تصورت بصورة الحق سهل عليها التوجه من اللفظ الي المراد.
و اعلم انه لابد في دفع الوساوس من ادامة الذكر و اكثاره حتي يغلب علي النفس و تنسي عادتها فانك لست اعظم من ابيك آدم صفي اللّه و قد امر لدفع الوساوس باكثار الحولقة فلابد من الاكثار و حدّه تعوّد النفس و نسيان الوسوسة و لاتستوحش فانها سريعة التعوّد و تترك شماستها سريعاً نعم تتفاوت النفوس في استحكام الاحاديث و ضعفها فالسالك اذا عرضه وسوسة تزول بادني ذكر و المبتدي لابد له من مداومة و انما يبلغ اعتياد النفس بالذكر مبلغاً لاتقدر علي التحديث في المنام فضلاً عن اليقظة فيكون حديث نفسها في المنام ايضاً الذكر و تريها تداوم الذكر في اليقظة و المنام و لذلك قلنا للاخوان الا ان نفوسكم عوّادة فعوّدوها بالخير و ان اللّه جبل خلقه جبلة يسهل عليها الطاعة و لاتباين الطاعة ابداً و لاتعاديها يريد اللّه بكم اليسر و لايريد بكم العسر، ماجعل عليكم في الدين من حرج و لايكلف اللّه نفساً الا وسعها فالفطرة الالهية الكونية فطرة عوّادة ان عوّدتها بالخير تعوّدت حتي تطبعت عليه و ان عوّدتها بالشر تعوّدت حتي تطبعت عليه و لاحول و لا قوة الا باللّه.
فصل: اعلم ان الخيال مشعر كلي في حده يبصر الالوان و الاشكال الدهرية و يسمع اصواتها و يستشم روايحها و يذوق طعومها و يلمس كيفياتها و هو مشعر واحد و لاجل ذلك تدرك بخيالك ما تدرك بجميع حواسك الظاهرة و لربما تصور في الحس المشترك بصورة هذا البدن بعينه بجميع اعضائه و جوارحه فيكون ذا عين و اذن و انف و فم و يد و رجل ثم يظهر قواه من كل عضو مشاكل فيري بعينه و يسمع باذنه و يستشم بانفه و يذوق بلسانه و يلمس باخماسه و هكذا كما تري نفسك في المنام و لكن الخيال بنفسه مدرك كلي فانه هو الذي يدرك من
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 194 *»
كل ذلك و لما كان معتادك بان تكلم بلسانه و تنظر بعينه الي شيء مقابل كما انك تتكلم مع زيد و تنظر اليه و لعلك تتكلم مع زيد و تتوجه الي جدار فلربما يذكر بلسانه الغيبي او يصغي الي الذكر باذنه الغيبية و لكن عينه الغيبية متوجهة الي غير المخاطب بالذكر و الموصوف به كأن تنظر الي عمرو و تقول يا زيد او تنظر الي قاعد و تقول يا قائم فكثيراً ما يتفق ان النفس بعينها الغيبية تنظر الي غير مخاطبها و تتكلم بشيء آخر فتذكر اللّه و هي متوجهة الي غير اللّه من ساير خلقه و لابد من تدبير يصرف نظرها ايضاً عن غير مطلوبها كما دبرنا في صرفها عن احاديثها و من البديهي ان ذلك ايضاً كالحديث لايشغلها عما توجهت اليه الا جاه في عرضه يمكنها التوجه اليه و الاشتغال به و هذا هو القسم الآخر من الذكر النفسي فانه لو تمثل لك زيد في خيالك تقول ذكرت زيداً و اذا خطر ببالك اسمه تقول ايضاً ذكرت زيداً فحضور مثال زيد في خيالك ذكره بل هو اعظم الذكر و اكبره و اولاه و اشهاه بل هو الذكر الاصلي و الذكر اللفظي الاسمي ذكر ظلي وصفي له و انّي و انّي و ذلك بحر ضل فيه السوابح و شرح حقيقة ذلك مما يطول به البيان و يضيق الصدر بتبيانه و لايضيق بكتمانه و لكن لما كان هذه المسئلة لا مبيّن لها علي وجه الارض غيرنا فيما اعلم و لميبيّنها المشايخ+ الا في زوايا كلامهم و لميعثر عليه احد من تلامذتهم فبقي في كسر الخفا و انا الآن حيران و ما اجاد شعر ديكالجن:
اصبحت جم بلابل الصدر | و ابيت منطوياً علي جمر | |
ان بحت يوماً طُلّ فيه دمي | و لئن كتمت يضيق به صدري |
رأيت ان ابين ذلك بحيث يطلع عليه من كتب له و سبقت له من اللّه الحسني و يعمي عنه الاجنبي و لاحول و لا قوة الا باللّه فان فهمته فانت انت فاني افرقه تفريقاً و امزقه تمزيقاً اذ هو مخزن الحكماء و مخبأ العلماء فابين ذلك في ضمن عنوانات.
تلويح: اعلم ان اللّه سبحانه احد غير مفتقر الي مكان و لا زمان و هو غير
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 195 *»
محدود بحد و الزم جميع خلقه التثنية و المكان و الزمان و الحد فكل خلقه في حده و مقامه موجود و في غيره معدوم لان اللّه الذي خلقه لا من شيء الزمه حده و هو تأويل قوله تعالي (و لكل منا مقام معلوم) فلما كان لكل خلق حد اخذ مادته من ذلك الحد و كذا صورته و ليس له من غير ذلك الحد مادة و لا صورة و لا وجود و لاماهية و لما كان الوجود اول اذكار الشيء و ليس له قبله تحقق و لا وجود و ما فوقه معدوم امكاني ليس له من جنس ما فوقه رتبة و لا مشعر و ليس له ادراك فيما فوقه بوجه من الوجوه و لا تجويز من التجويزات و لا احتمال من الاحتمالات و لااعتبار من الاعتبارات و لا بخائنة من الاشارات و لايقدرون علي التعبير عنـه بالعبـارات
و لايومـــݘـون اليه بالكنايات و ذلك بحر ضل فيه السوابح اذ اكثر الناس علي انهـم يقـدرون
علي ادراك العالي اذ اغلب مدركات الناس خيالية و كان مشاعرهم مختصة بها فيحسبون العالي اذا سمعوا به انه كالسماء و هم ادني منه كالارض فيرون انهم يدركون السماء فينكرون ان الداني كيف لايقدر علي درك العالي و هم غافلون من ان السماء و الارض كلتيهما جسم و العين من سنخهما و في عرصتهما و في عرضهما فليس من باب ادراك العالي بل ان شئت آية ادراك الداني للعالي فانظر في انك تقدر ان تري العقول بعينك ام لا و تسمع الروح باذنك ام لا و تشم النفس بانفك ام لا و تقدر ان تبصر الملئكة و الجن ام لا و منهم من يظن انه يمكن درك الذات بالوجه فنسأله أتقدر ان تصل الي الذات بسبب الوجه فيقع ادراكك علي الذات بعينها ام لا فان قال نعم فقد كذّب قول علي7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها و مداركك ليست من جنس الذات فكيف تقع علي الذات و لو بسبب الوجه و ان كنت لاتتجاوز الوجه فتدرك الوجه لا غير و درك الوجه بالذات غير درك الذات ففي الكافي بسنده عن منصور بن حازم قال قلت لابيعبداللّه7 اني ناظرت قوماً فقلت لهم ان اللّه اجل و اكرم من ان يعرف بخلقه بل العباد يعرفون باللّه فقال رحمك اللّه انتهي و منهم من ترقي عن ذلك و زعم انه يصل الي اللّه و يتصل به فيتّحد معه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 196 *»
فلاجل ذلك يدّعون الالوهية و يقولون انا اللّه و ليس في جبتي سوي اللّه نعوذ باللّه من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين و من ذلك يقول مرشدهم لمريده انك مبتدئ و لمتصل الي اللّه و لاتقدر علي التوجه اليه و اني قد وصلت اليه و اتّحدت به فتوجه اليّ و اعبدني اذ يمكنك التوجه اليّ و الوصول فالواجب ان تفني اولاً في الشيخ حتي تفني في اللّه فيأمرون مريدهم ان يصور صورة المرشد امام وجهه او في قلبه ابداً في صلوته و غيرها و يوقع عليه الاذكار و يقصده بالّا اللّه و باياك نعبد و اياك نستعين فمن محض توجهه الي مرشده يسمونه موحداً خالصاً و لايعلمون لعنهم اللّه ان اللّه سبحانه لايتصور بالتخطيطات و لايتحيز في مكان و لايحاط بادراك الانسان و كل مدرك محاط للمدرَك و المدرِك اعظم منه و ان الخلق الفاني لايتّحد مع اللّه و لايصل اليه و لو كان خاتم الانبياء فانه ماعرف اللّه حق معرفته الا من حيث وصف نفسه له و انه لميصل الي اللّه و لميتّحد به و لايجوز عبادته و تصويره في القلب و ايقاع الخطابات اليه و ان هذا الا عبادة صنم نحتوه علي هواهم ألاتري ان المريد مسلط علي صورة المرشد في ذهنه ان شاء كبرها و ان شاء صغرها و ان شاء حركها و ان شاء سكّنها و ان شاء سوّدها و ان شاء بيّضها فان هي الا صنم ينحته و يعبده و كل ذلك متفرع علي اصلهم غير الاصيل وحدة الوجود و قولهم لعنهم اللّه:
و انا عينه فاعلم | اذا ما قلت انساناً | |
فكن حقاً و كن خلقاً | تكن باللّه رحماناً |
و قولهم:
انظر فمارأيت سوي البحر اذ رأيت | موج بدا و منه بدا فيه ما بدا |
و ذلك كله شرك و كفر عند آلمحمد: فانهم يقولون رجع من الوصف الي الوصف و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و هجم به الفحص الي العجز و البيان علي الفقد و الجهد علي اليأس و البلاغ علي القطع و السبيل مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته و معرفته توحيده و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 197 *»
توحيده تنزيهه من خلقه و يقولون كل موهوم موصوف و اللّه سبحانه فات الوهم نيله و جاوز الغاية قدره و الظن حقيقته و الاغيار كنهه و القياس عظمته و التشبيه تنزيهه اذ كل مشعور به غيره و كل متصور له سواه الي غير ذلك من الاخبار و من راجعها عرف ذلك بلا غبار ان مذهب اهل البيت: ان كنه اللّه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه و ان كل ما ميزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فمذهب الصوفية و اصحاب وحدة الوجود و مصوري صورة المرشد و عبادتها حتي يفني المريد فيها ليس من مذهب آلمحمد: و ان طريقتهم اساس في مقابلة اهل البيت: و مضادة لهم و اصلها من مذهب النصاري و قولهم بوحدة الوجود و كون عيسي هو اللّه لاجل ذلك و اصل التصوف و لبس الصوف و السياحة و الطلب و ترك التزوج و الرهبانية و السير في الفلوات جاء من طريقتهم فسري في الاسلام فتري هذه القلندرين و الدراويش و السياح طالبين للحق علي قولهم في الاسلام علي حذو طريقتهم و جميع ذلك زخرف القول غروراً و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالآخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون و بينهم و بين آلمحمد: بون بعيد ها اخبارهم و آثارهم و احوالهم و زهدهم و ورعهم و عباداتهم و بكاؤهم و خوفهم و شدة رياضاتهم مسطورة في اخبارهم فلنتجد احداً منهم صاحب بوق و خلاخل و اساور و عقال و تاج و خرقة و لا صاحب طار و طنبور و دفّ و رقص و غلمان و اشعار و ذكر جلي و غشي و زبد و صفق و صياح و طفرات ابداً ابداً و اي دليل اوضح من ذلك علي بطلان طريقة المتصوفة خذلهم اللّه فان شئت النجاة فاحذر عقايدهم و سننهم و آدابهم ما لايوافق طريقة اهل البيت: و لايساعده كتاب و لا سنة و لا دليل عقل مستنير.
تلويح: اعلم ان اللّه سبحانه خلق الخلق حيث خلقهم من غير فاقة منه اليهم بل خلقهم كرماً و جوداً فخلقهم بحيث يتأَتّي منهم افعال و اوصاف فامكن بها فيهم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 198 *»
و جعلها في قوتهم ثم خلق لاخراج تلك القوي عن ذلك الامكان اسباباً سماويةً و ارضية و عرضية و جعل تلك الاسباب آلات صنعه و ايدي مشيته و اكمام ارادته بها يمدّهم و يعينهم علي اخراج تلك القوي من كمونهم و لولا اِصحاب مشيته لميقدر احد علي فعل شيء فبعد ذلك بعث اليهم الرسل و انزل عليهم الكتب و كلفهم بما امكن به في كينوناتهم و جعله في قوتهم القريبة و لميكلفهم بغير ذلك مثلاً ان اللّه سبحانه لما خلق زيداً و امكن فيه بالقيام و القعود و الاقبال و التولي و الحركة و السكون امره ببعضها و نهاه عن بعضها و اما ما لميمكن به فيه كصيرورته حجراً او مدراً او الطيران او طي الارض و شق القمر او غير ذلك مما ليس في قدرته و لميخلق في قوته فلميكلفه به ابداً و لاتستخرجه منه الاسباب الحاملة للمشية فكيف يكلفه بما لميتعلق به مشيته و لميتهيأ اسبابه و لميمكن به في امكانهم و التكليف به خلاف العدل و الجود و الكرم و اللطف و لايصدر ذلك منه تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيراً و ذلك قوله(و ما انا بظلام للعبيد) و تأويل قوله(معاذ اللّه ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده) و قوله(و لايكلف اللّه نفساً الا وسعها) و (لايكلف اللّه نفساً الا ما آتيها) و قوله (يريد اللّه بكم اليسر و لايريد بكم العسر) و قوله (ماجعل عليكم في الدين من حرج) و مع ذلك فمن حصل له عذر فيما امكن به فيه نوعاً عذره اللّه فروي ان اللّه عزوجل امر و نهي فمن كان له عذر عذره اللّه و روي كلما غلب اللّه علي امرء فهو اولي بالعذر و هو موضوع عنهم و من المرفوعات عن هذه الامة ما لايطيقون و ما لايعلمون و ما اكرهوا عليه و ما اضطروا اليه و النسيان و امثال ذلك فتبين ان اللّه سبحانه يسأل العباد عما كلفهم و لايسألهم عما قضي عليهم و لميكلفهم الا بما جعل في امكانهم و قوتهم و لايمكن فيهم الا ما يمكن بين طرفيهم فافهم راشداً.
تلويح: اعلم ان هذا العالم اي عالم الاجسام مبدؤه العرش و منتهاه الفرش و كلها جسم و الجسم المطلق صادق علي كل ذرة ذرة من عالم الاجسام يعطيها
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 199 *»
اسمه و حدّه و كل واحد من هذه الاجسام مركب من مادة و صورة مادته حصة من الجسم و صورته ما ميّز به عن غيره فهذه الاجسام مميزة عرشها غير كرسيها و هما غير افلاكها و هي غير ارضها بل كل ذرة غير ذرة اخري مباينة عنها بينونة عزلة خارجة عن حدودها و لها وضع بالنسبة اليها و اما الجسم المطلق فليس له وضع بالنسبة اليها و ليس بداخل فيها دخول شيء في شيء و لا خارج عنها خروج شيء عن شيء و لايقال له غيرها و غيوره تحديد لما سواه فليس لها دركه بمدرك من مداركها و لاتقدر علي الاشارة اليه بآلة من الآلات و لاتقابله بحيث من حيوثها و ذلك ما اردنا ايراده.
تلويح: اعلم ان زيداً له حقيقة وحدانية بالنسبة و هي مبراة عن جميع السبحات التي غير ما هي به هي و هي النفس القدسية التي له و هو بها هو و له مراتب خارجة عن ذاتها من نفسه الحيوانية العارضية و من نفسه النباتية و من جماديته العارضيتين و هذا الزيد المحسوس بدن جمادي عرضي و في جوفه بدن نباتي عرضي و في جوفه بدن حيواني عرضي و كلها خارجة عن ذات زيد و حقيقته و هي في عالم الدهر لاتدرك بالابصار و لاتمثلها دقايق الافكار و لك ايضاً هذه المراتب و اذا اردت مخاطبة زيد تقابل بدنك الجمادي ببدنه الجمادي و لعلك تصافحه بوضع يدك الجمادية في يده الجمادية و تقبّلها بوضع شفتك الجمادية علي يده الجمادية و تقابل بدنه النباتي ببدنك النباتي فتميل اليه بطبعك في بدنك الجمادي و تقابل بدنه الحيواني ببدنك الحيواني فتنظر اليه و تصغي اليه و تلمسه ببدنك الحيواني في بدنك النباتي في بدنك الجمادي و تقابل حقيقته بحقيقتك فتميل اليه و تكلّمه و تحبّه و تهواه في بدنك الحيواني ثم النباتي ثم الجمادي و في جميع هذه الاحوال صافحته و ملت اليه و رأيته و سمعته و كلّمته و احببته بلا شك و بلا ريب فلميتجاوز شيء منك من رتبته و مقامه و لمتخلق علي غير ذلك و لمتجبل علي غير هذه الصفة و كما انت جئت في جميع المراتب جاء زيد ايضاً في جميع المراتب ظاهراً محسوساً و انت تقول له يا قائم و يا قاعد و يا متحرك و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 200 *»
قد انتصب اعضاء بدنه الجمادي و اجتمعت و انتقلت اعضاء بدنه الجمادي البتة و تقول له كبرت و ذبلت و نموت و قد صدر جميع ذلك من بدنه النباتي و تقول له نظرت و سمعت و رضيت و غضبت و قد صدر جميع ذلك من بدنه الحيواني و تقول علمت و احببت و ادركت و قد صدر جميع ذلك من بدنه الاصلي و حقيقته و انت تضيف كل ذلك اليه بلا اكتراث و ان كل ذلك لما انه الظاهر بها و المحرك لها و المستعمل اياها و الفاعل منها و انها آلاته و ادواته و هي له كالمرآة في الحكاية و كالآلة في يد الصانع و كالدخان عند النار و كالميت بين يدي الغسال و كالظل للشاخص فليست معه بشيء و هو اظهر منها فيها بسبعين مرة بل باربعة و ثلثينالفاً و ثلثمائة مرة فهي مستهلكة في ظهوره خفية في تلألؤ نوره فماصافحت الا زيداً و مارأيت الا زيداً و لاكلمت الا زيداً و لا احببت الا زيداً و هذا من اعجب العجائب.
و اعلم انه فرق كثير بين بدن زيد و عضو زيد و بدن الغير بالنسبة الي زيد اما بدن زيد فانه حاك جميع شئونه و اطواره الظاهرة في الزمان لايغادر منه شيئاً و اما عضو زيد فهو يحكي شأناً من شئون زيد الظاهر في الزمان بواسطة القلب و اما بدن غير زيد فلايحكي زيداً اللّهم الا ان يكون الامر كالجسم المطلق و ساير الاجسام فان كل جسم جسم يحكي الجسم المطلق كما ان المجموع يحكي بلا تفاوت نعم مواد الاشياء بانفرادها و صورها بانفرادها لاتحكي الجسم فان الجسم مركب من المادة و الصورة و يصدق علي كل مركب.
تلويح: اعلم انه لا افتخار لجسم من الاجسام علي الآخر بحكايته الجسم فان جميع الافراد الطيبة و القذرة تحكي الجسم الكبيرة و الصغيرة و الوضيعة و الشريفة و انما الافتخار في الصفاء و الرقة و الخفة و الاستعلاء و سرعة الحركة و العظم و هي الوجود الشرعي فلا جسم اعظم من العرش و اعلي منه و اخف و ارق و اصفي فالشرف كل الشرف و الفخر كل الفخر له و له العلو الاعلي فوق كل عال و الجلال الامجد فوق كل جلال كل شريف دون شرفه وضيع و كل عزيز دون عزته ذليل و هكذا له الرفعة في جميع الحيوث فظهر فيه مما احتواه الجسم ما لم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 201 *»
يظهر من غيره البتة فكمالات الكلي و معانيه و انواره غيره و حكاية الكلي وحدها لاتوازي حكايته و حكاية انواره و معانيه و ظواهره و هيهنا فاز السابقون و هلك المتخلفون فافهم فقد روي ان المؤمن ملجم.
تلويح: اعلم ان اللّه سبحانه خلق كل شيء من مخلوقاته في حد و مقام خاص به و هو تأويل قوله تعالي(و لكل منا مقام معلوم) و قوله عزوجل(و لكل درجات مما عملوا)(ماتري في خلق الرحمن من تفاوت) و( ما خلقكم و لابعثكم الا كنفس واحدة) و قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و ذلك انها اثر الامر و ما امرنا الا واحدة فمن ذلك البدن فقد خلق ذا احناء و وصول و اعضاء و فصول و رأس و رجل و يمين و يسار و وجه و ظهر علي ما تري فخلق في عالم الاجسام المجانس له فهو ايضاً له سماء عليا و ارض سفلي و شرق و غرب و شمال و جنوب علي ما تري و لو قطعت النظر عن روح الجسم و نظرت الي محضه تراه اذا وجّه وجهه الي المشرق فلابد و ان يولّي ظهره المغرب و بالعكس و اذا وجّه الي الشمال فلابد و ان يولّي ظهره الجنوب و بالعكس و اذا وجّه الي السماء فلابد و ان يولي ظهره الارض البتة و لابد له من ذلك فهو مضطر الي ذلك مجبول عليه لميؤت غيره و لميسعه سواه ثم له عين تدرك الالوان و الاشكال و لاتدرك في الحقيقة الا الاضواء المنصبغة و اذن تدرك الاصوات و شم يدرك الروايح و ذوق يدرك الطعوم و لمس يدرك الكيفيات الخاصة لايتأتّي من واحد منها غير ما جبل عليه و اوتيه و لايسعه سواه و قد عرفت ان اللّه تعالي عن مجانسة مخلوقاته و تقدس عن مماثلة مذروءاته فليس بسماوي و لا ارضي و لا شرقي و لا غربي و لا شمالي و لا جنوبي و لا ضوء و لا صوت و لاريح و لا طعم و لا كيفية ملموسة فقد عجزت الاجسام بذلك عن دركه في الدنيا و الآخرة و قد قال و هو اصدق قائل (لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير) و قال و هو اعدل حكيم (لايكلف اللّه نفساً الا ما آتيها) و قال (لايكلف اللّه نفساً الا
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 202 *»
وسعها) و قال و هو اعلم المخبرين (ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون) و من خلقه الجسم فخلقه للعبادة و لابد في العبادة من التوجه الي المعبود و قد عرفت امتناع مقارنة الجسم معه و مقابلته له فاصطفي اللّه الرءوف الرحيم العليم الحكيم جهة من الجهات التي هو فيها فجعلها جاهه و اضافه اليه و بني فيها بيتاً و نسبه الي نفسه فجعله علماً لتلك الجهة و آية لذلك الجاه و ذلك ان البيت لو كان بنفسه قبلة لبطل صلوة المستعلي علي ابيقبيس او المتسفل تحت بئر عميقة و الحال انها صحيحة لان القبلة تلك الجهة من تخوم الارض الي اعنان السماء و البيت علامة الجهة فاذا رفع البيت و خرب تكون القبلة باقية و يصلي الي الجهة و هي القبلة فالبيت كناية عن الجهة فهو قبلة لاهل المسجد لانهم يشاهدونه عياناً و اما اهل مكة فلايشاهدون الكعبة فجعل قبلتهم المسجد الحي بوجود البيت فيه المشتعل بناره المتشرف بشرفه فالبيت اذاً بمنزلة القلب و المسجد بمنزلة البدن الحي بحيوة القلب فكله يحيي بالحيوة النافذة من القلب فالمسجد ظاهر الكعبة و القائم مقامها و خليفتها و المؤدي عنها الي اهل مكة فهم يصلون الي المسجد لا لاجل المسجد من حيث انه مسجد بل لاجل كون الكعبة التي هي قبلة الاسلام فيه ثم تحيي مكة بحيوة المسجد و تتشرف بشرفه و تشتعل بناره و تصير جاهاً و قبلة لاهل الحرم المحجوبين عن رؤية المسجد فاذاً مكة قبلتهم لا من حيث انها مكة بل من حيث المسجد لا من حيث انه مسجد بل من حيث الكعبة و في الحقيقة لا من حيث انها كعبة بل علي ما يأتي فاذا حيي الحرم بحيوة مكة و اشتعل بنارها و تشرف بشرفها صار قبلة لاهل الدنيا و انما اكتفي بالحرم ليكون حداً محدوداً و جهة معروفة و الا ففي الحقيقة يشتعل بنار الحرم كل شطر و كل جهة و كل ما بينك و بينه و يحيي بحيوته و يتشرف بشرفه حتي انك لو كنت في مسجد بلدك يكون المحراب مشتعلاً بنار الحرم حياً بحيوته متشرفاً بشرفه فلاتتفل اليه و لاتوليه ظهرك في الصلوة و تبطل اذا ولّيته دبرك و تذبح اليه و لاتجامع في تجاهه و لاتبول اليه و كل ذلك لاجل اشتعاله بنار الحرم و لو بوسائط لا لاجل نفسه ألاتري انك لو ذهبت وراء الجدار جدار قبلة المسجد وجب ان تولي المحراب دبرك في الصلوة و توليه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 203 *»
دبرك حال الذبح و تتفل اليه و لا حرمة له ابداً فجميع ذلك الشرف لاجل رؤية الحرم فيه و ما اشبه ذلك بنظرك الي السراج فمن حيث نظرت الي السراج فان رأيت السراج كان بينك و بينه نيراً و ان وليته ظهرك اظطلمت و اما اذا تقدمت علي جزء فلو توجهت الي ذلك الجزء اظطلمت فانك حينئذ بينه و بين السراج بالجملة متيما رأيت السراج فبينك و بينه نير و له شرف النور و ان لمتر السراج فلا شرف له و لا نور كذلك اذا واجهت الي جدار او جهة و رأيت في تجاهك الحرم فله شرف القبلة و يجب حرمته و الا فلا شرف له البتة فعلي هذا جعل الحرم قبلة الدنيا معروفاً مشهوراً و ساير الجهات حكاة و رواة عنه و لا شرف فيها بخصوصها بخلاف الحرم فله شرافةما شرفه اللّه بها حيث اتخذه حرماً آمنا و نهي ان يصاد صيده و يختلي خلاه و كذلك بالطريق الاولي مكة و المسجد و الكعبة فلكل من هذه الاربعة فضل علي حسب درجته و ان كان فضل الحرم بسبب مكة و فضل مكة بسبب المسجد و فضل المسجد بسبب الكعبة لكن هذه الاربعة مما نوّه اللّه باسمها و شرفها و عظمها و كرمها و فضلها علي ساير الجهات و الامكنة فهذه الاربعة جاه العالم معلومة مشهورة معروفة محدودة في العالمين و اما ساير المحاريب و الجدران و الجهات فكلها شريفة ان رأي الحرم فيها و كانت واسطة بينك و بين الحرم و الا فلا فانت اشرف منها ان كنت الواسطة.
فبعد اذ عرفت ذلك فاعلم ان اللّه لما خلقك كما عرفت و كان كما ذكرت اصطفي الكعبة من بين اجزاء الارض فجعلها جاهه و وجهه الذي بين ظهراني الارضين و خليفته و القائم مقامه و ظاهره في الارض فجعل التوجه اليها توجهاً اليه و رفع اليد اليها رفعاً اليه و القيام بين يديها قياماً بين يديه و الركوع اليها ركوعاً اليه و السجود اليها سجوداً اليه كما سجد نبي اللّه يعقوب و زوجته و بنوه كلهم ليوسف و هو نبي اللّه المعصوم الذي لايشرك باللّه طرفة عين و لكن اتخذ يوسف جهة العبادة و سجد شكراً للّه لانه رأي يوسف حياً صحيحاً و عرف انه عبد صالح شريف معصوم منقطع الي اللّه معرض عما سواه فاتخذه جهة كما تسجد الي المحراب و لست متخذاً المحراب الهاً و انما تأخذه جهة سجدتك اذ بدنك ذو وجه و ظهر و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 204 *»
مفاصل لاتلتوي الا الي جهة وجهك فلابد و ان تسجد الي جهة فخير الجهات ما رأي الحرم فيه لانه مشرف مكرم من اللّه و كذلك اتخذ يعقوب نبي اللّه المعصوم عن الشرك يوسف عبد اللّه و نبيه جهة لسجدة بدن لايلتوي مفاصله الا الي جهة و اي حجر و مدر كان اشرف من يوسف و اي جهة اشرف من جهة هو فيها و ان كان اللّه كما قال (اينما تولوا فثم وجه اللّه) فاذا استوي الجهات بالنسبة اليه بقي شرافة الشريف مرجحاً خارجياً فجهة يوسف كانت اشرف الجهات أرأيت ان اللّه يأمر بالشرك و هو عز من قائل يقول (ان اللّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي) (ان اللّه لايرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم) فكيف امر ملئكته المعصومين عن الكفر و الشرك بالسجود لآدم و كرر هذه القصة في كتابه ليعتبروا و ما يعتبر الا الاقلون فانهم اقل من الكبريت الاحمر فامرهم بالسجود لآدم علي نبينا و آله و عليه السلام و كذلك عهدنا الي آدم من قبل فنسي فلمنجد له عزماً فهل تري امرهم بالشرك و لايجوز السجود الا للّه و من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً كلّا ماامر بالشرك و انما امر بالتوحيد الصرف و مااشركوا و انما وحّدوا اللّه جل و عز و ذلك انه امرهم بالسجود له عزوجل و لكن الملئكة ذووا جهات و وجوه و ظهور و لابد لهم من السجود الي جهة و ان اللّه سبحانه منزه عن الجهات و انما سجدوا الي جهة آدم تكريماً و تعظيماً له كما يسجدون الي البيت المعمور حرفاً بحرف و عجباً لقوم يرضون بالشرف لجمادات و احجار و لايرضون لنبي اللّه آدم و يوسف علي نبينا و آله و عليهما السلام فاخبرهم اولاً (اني جاعل في الارض خليفة) فلما خلقه قال اسجدوا له ليتحقق انه خليفة اللّه و جاهه و كعبته و قبلته لهم و القائم مقامه و معانيه و ظاهره فيهم كما جعل البيت المعمور خليفة و جاهاً و قبلة لاهل السماء و جعل الكعبة خليفةً و جاهاً و قبلة لاهل الارض و الغرض ان ذوي الجهات لابد لهم من التوجه الي جهة و الجهة الشُرفٰي اولي من الجهة الخُسّٰي و الكعبة هي الجهة الشرفي بين جهات الارض و البيت المعمور هو الجهة الشرفي بين جهات
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 205 *»
السموات و ان اللّه سبحانه عاقب انبياءه بترك الاولي فكيف يترك الاولي و فعله لايتعلق الا بالاولي لانه الغني المطلق و العالم الحق اللّه يعلم حيث يجعل رسالته فوجب علي اهل العالم ان يتوجهوا شطر المسجد الحرام كما نص عليه في كتابه و ابانه بالتكرير فقال (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره و ان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم و ما اللّه بغافل عما يعملون) و لا شك ان النبي9 لايرضي بالكفر لان اللّه لايرضي لعباده الكفر فرضي بالكعبة لانها مرتضي اللّه و ان اللّه ارتضاها له من قبل و ذكره في الكتب السالفة (و ان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم) ليس بباطل و من وضع الناس و اتفاقهم وانما هو من الرب منصوص من قبله من قبل و في القرآن ثم قال (و لئن اتيت الذين اوتوا الكتاب) اي المتهودين و المتنصرين (بكل آية) و دليل و برهان (ماتبعوا قبلتك) التي ارتضيتها (و ما انت بتابع قبلتهم و ما بعضهم بتابع قبلة بعض) لان لهم آراء مختلفة و اهواء متشتتة و وسائل متكثرة و شركاء متشاكسين (و لئن اتبعت اهواءهم) ايها المطلع علي كتابي هذا و حكمي (من بعد ما جاءك من العلم) في الكتاب ببيان اللّه و بيناته (انك اذاً لمن الظالمين) المشركين باللّه فان الشرك لظلم عظيم ثم قال (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه) اي امر القبلة و شأنها و فضلها و انها خليفتي في ارضي و جاهي بين عبادي و قبلتي (كما يعرفون ابناءهم) اقرانهم و امثالهم (و ان فريقاً منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون) انه مع الحق و الحق معه لانه منصوص من اللّه في الكتب السالفة و في هذا الكتاب و علي لسان الانبياء ثم قال (الحق من ربك) اي القبلة المذكورة (فلاتكونن من الممترين) (و لكل) اي من اهل الجهات او الاعصار (وجهة) و جاه و هاد فابان ان القبلة هي الوجهة و الجاه (هو) اي اللّه (موليها) اي جعل الوجهة والياً عليهم او مكنهم من تولية وجوههم اليها علي ما رأي المصلحة (فاستبقوا الخيرات) بتولية وجوهكم الوجهة المجعولة لكم (اينما تكونوا
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 206 *»
يأت بكم اللّه جميعاً) اليه و تجتمعون لديه كما ان اهل الشرق و الغرب اذا توجهوا الي الكعبة يجتمعون اليها و لايتفرقون عنها و اذا حجوها اتوها جميعاً فاجتمعوا بعد تفرقة الاماكن و بها تمت الكلمة و ائتلفت الفرقة (ان اللّه علي كل شيء قدير. و من حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) و هو نص في انك لو كنت في مقام و بلد و خرجت منه ول وجهك و اتباعك و شيعتك شطر المسجد الحرام و مُرهم ان يولّوا بعدك وجوههم الي شطر المسجد الحرام الحافّ بالمسجد الحافّ بالكعبة و هو كقولك و من اي بلد خرجت فأمر قومك ان يصرفوا وجوههم نحو فلان و لمار من المفسرين من تنبه بهذا المعني بل كلهم قالوا انها في حكم السفر و لميتنبهوا بان حكم المسافر لايؤدي هكذا بل يقال و حيث خرجت فول وجهك و لما قال (من حيث خرجت) عرفنا انه حكم ما خرج منه لا حكم ما خرج اليه و اما تفسير الوجه بالاتباع فلاجل انه من قبيل اياك اعني و اسمعي يا جارة نحو (يا ايها النبي اذا طلقتم) و وجهه ظهوره و نوره كما انهم وجه اللّه و شيعتهم نورهم و وجههم يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس و شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس فالشيعة وجه النبي الذي من رآه فقد رآه فقال و من اي بلد خرجت يا محمد في الدنيا او اذا خرجت من الدنيا اوص امتك المرحومة ان يولوا وجوههم شطر المسجد و خلفه عليهم لانه القبلة التي ارتضاها اللّه لك و لامتك و وعدك ان يوليك قبلة ترضيها و هو لميرض الا شطر المسجد الحرام لانه محتده و مولده و بلده و مسقط رأسه و قبلة آبائه ابرهيم و اسمعيل (و انه) اي ان شطر المسجد او المسجد او التولي اليه و الكل مراد (للحق من ربك) حق نازل من عند ربك و مربيك لك او مربيك لامتك (و ما اللّه بغافل عما تعملون) ثم قال (و من حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) ثم كرر القول ليقرن به العلة و يستدل عليه و يؤكده عليهم فكأنه قال انا حكمنا بان تولي وجهك شطر المسجد الحرام من حيث خرجت و ان تولوا وجوهكم اليه حيث ما كنتم (لئلايكون للناس عليكم حجة) بان هؤلاء مثلنا و ليس لهم قبلة منصوبة من عند اللّه عز و جل او يقولوا
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 207 *»
لو صدقتم في انه يجب ان يكون ذلك بنصب النبي و نصه و نصب اللّه و نصه فاين قبلتكم المنصوبة من اللّه عز و جل ها قد امرناك بذلك لقطع اعذارهم فبين هذا الحكم بثلثة الفاظ: الاول (فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) يعني مر امتك حين تكون فيهم و معهم ان يتبعوه، الثاني (و من حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) اي من اي بلد و مقام من الدنيا او غيرها خرجت و فارقت مر امتك ان يتبعوه بعدك، الثالث (و حيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره) و هذا الخطاب الي الائمة الامراء الذين هم بعد النبي فبعد ما قال يا محمد فول وجهك شطر المسجد الحرام خاطب الائمة و قال و حيث ما كنتم يا اوصياء محمد الذين حكمهم كحكم محمد في فرض الطاعة فولوا وجوهكم و شيعتكم و اتباعكم شطره فحاصل الاوامر الثلثة انه قال مر امتك ان يتبعوا شطر المسجد الحرام و اذا خرجت من بينهم اوصهم بذلك و مروا ايها الاوصياء في كل زمان الي يوم القيمة شيعتكم ان يتبعوا شطر المسجد الحرام فانه امر حتمي واقعي اولي لايقبل النسخ و يجب العمل به دائماً.
بالجملة ان اللّه سبحانه لما جبل هذا الخلق الظاهر جبلة جسمانية بني لهم هيكلاً جسمانياً و اتخذه بيته و جعله جاهه و خليفته و القائم مقامه و وجهه بين ظهراني العباد و قبلته و كعبته و امر خلقه الجسمانيين ان يولوا وجوههم نحوه في الحالات و يرفعوا اليه ايديهم بالدعوات و يركعوا لديه بالخشوع و يسجدوا له بالخضوع و يعبدوا اللّه بامتثالهم امره و يجعلوه جهة العبادة و لولا ذلك لامتنع ايقاع ذلك كله الي ذات اللّه فانها خارجة عن حد مشاعر العباد فافهم.
تلويح: اعلم ان اللّه سبحانه اختص الكعبة بهذا الشرف العظيم لانه حين اراد ان يخلق العالم خلق نطفته و هو الماء الذي منه كل شيء حي فسلط عليه ريحاً من جميع جهاته فموّجه و ضرب بعضه ببعض حتي رغا و ازبد و كلما ازبد صار لطايف ذلك الزبد صاعدة و غلايظه هابطة علي التداخل و لكن كان اللطائف تفور
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 208 *»
من موضع معين و الكثائف تدحي من تحته علي نحو التداخل فكانا دائمين كالنهر الجاري فصار ذلك الموضع و تلك الجهة قلب الارض و قطبها و ليس القبلة الهواء الذي علي الكعبة صاعداً الي السماء فانه يتبدل و لا احجار الكعبة و اتربتها فانها لو حولت عن ذلك الموضع مازال القبلة و لا الارض التي تحت الكعبة فان الصاعد علي ابيقبيس يصلي الي الهواء لا الارض فتبين ان الجهة هي القبلة و الكعبة عَلَم الجهة فتلك الجهة موضع اجتماع الزبد فكان الريح دائمة الهبوب و الزبد دائم التكون و الاجتماع في تلك الجهة دائماً و اللطائف دائمة الصعود و الكثائف دائمة التدحي فبذلك صار تلك الجهة ام القري و قلبها و ساير القري المدحية من تحتها اولادها و اعضاؤها كما ان الانسان اذا اراد اللّه خلقه خلق اولاً ماءً ثم سلط عليه ريحاً فضربت بعضه ببعض فاحدثت فيه نفاخات ثم عين موضعاً معيناً هو قلبه و اصعد لطائف اجزاءه الي الاعلي فاحدث منها دماغه و دحي من تحته كثائفه و هي كبده و ساير بدنه و كما ان القلب الظاهر كرسي الروح البخاري و مهبطه و مأواه و منزله كذلك الكعبة كرسي الروح الفلكي و مهبطه و مأواه و منزله و كما ان جميع اوامر روحك تنزل الي قلبك و منه تنتشر الي ساير بدنك و علي جميع اعضائك ان يتصلوا و يتوجهوا الي قلبك في الاستحياء و الاستمداد و الاستفاضة و لو اعرضوا عنه لماتوا كذلك يجب علي القري ان يتوجهوا الي الكعبة من جميع اطرافها و يستمدوا منها و يستحيوا و يستفيضوا منها و يمدها اللّه بكل مدد بها ينزل اليها اول مرة ثم منها ينتشر الي ساير القري و البلاد فبذلك صار تلك الجهة قبلة الانام و جاه الخاص و العام و وجهة الابدان الجسمانية و لكن الواجب ان يوجّه روحك بدنك الي الكعبة و يولّي وجهه اليه امتثالاً لامره تعالي (فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) ثم يذهب الي حيث ينبغي له و لاينكس رأسه الي الاسفل و يجعل ظهره الي مبدئه فعلي الروح ان يولّي وجه بدنه الجسماني الجمادي الذي فيه تأويل (و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال) الي جهة الكعبة و يأمره بالمواجهة و اما تكليفه بنفسه ان يتوجه الي كعبة روحانية و علي ذلك اوّلنا قوله تعالي (فول وجهك شطر المسجد الحرام) انه امره ان يولي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 209 *»
امته و شيعته شطر المسجد الحرام لقوله (و لكل وجهة هو موليها) فان الشيعة ظاهر الامام و وجهه و مخاطبيته و جهة خطابه و نوره و شعاعه (فول وجهك) اي شيعتك و امتك و الغرض انه لما كان الكعبة اول بيت وضع للناس و اول جهة احدثت في الدنيا و هي العرش الاسفل المستوي عليه الرحمن و مصعد لطائف الزبد الي السماء و مهبط الاوامر السماوية و امدادها و افاضاتها صارت قبلة و هي قبلة الاجسام لا الارواح و لايجوز ان يولّي روحه نحو الكعبة ألاتري انه لو ولّي روحه نحو الكعبة تنكس رأسه و قصد الكعبة في تعظيمه و ركوعه و سجوده و دعائه و خطابه و صار مشركاً باللّه فتوجه البدن الي الكعبة عبادة و توجه الروح اليها شرك و الواجب علي كل رتبة من مراتبك الالفالف ان يولّي الي كعبة هي اول بيت وضع له و هو قبضة مما دحي من تحته كما ان الارض دحيت من تحت الكعبة و بدنك قبضة من التراب و كذلك روحك من ارض عالم الارواح و لها كعبة دحيت من تحتها و ذلك الروح قبضة من تلك الارض فيجب عليه التوجه الي كعبتها و اول جزء خلق منها و هو قطبها و قلبها و كذلك عقلك قبضة من ارض عالم العقول و لها كعبة دحيت من تحتها و تلك الكعبة اول بيت و اول جزء خلق منها و ساير العقول اعضاؤها و اولادها و عقلك جزء منها فيجب عليه التوجه الي كعبتها و لكل عال ان يولّي وجهه الادني الي كعبة مساوقة للادني ثم يذهب الي عالمه في عالمه و يتوجه الي كعبته و هكذا الي ان الواجب علي الحقيقة ان تولي جميع ما دونها كلاً الي وجهتها بمقتضي تأويل قوله تعالي (و لكل وجهة هو موليها) اي تلك الحقيقة و الواجب عليها ان تتولي الي ظهور الحق لها بها كما روي تجلي لها بها و بها امتنع منها و هو مقام اعرفوا اللّه باللّه و لنعم ما قال الشاعر في الشعر المعروف:
كلانا ناظر قمراً و لكن | رأيت بعينها و رأت بعيني |
و قال الآخر:
اعارته طرفاً رآها به | فكان البصير بها طرفها |
و ذلك انها هي ما عرف اللّه لها نفسه بها و وصف لها بها نفسه و هي ظاهره لديها و تعرّفه اليها و ذلك منتهي الغاية و غاية النهاية في السير الي اللّه سبحانه و هي مرحلة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 210 *»
لا غاية لها و لا نهاية و لايصل سالكها الي ذات اللّه جل جلاله ابداً ابداً بل علي حذو ما قال الشاعر:
قد طاشت النقطة في الدائرة | فلمتزل في نفسها حائرة | |
محجوبة الادراك عنها بها | منها لها جارحة ناظرة |
فافهم.
شاهد صدق: قال شيخنا الاوحد في شرح الزيارة عند شرح قوله: مستشفع الي اللّه عزوجل بكم «يراد بالاستشفاع بهم ان يتوجه الي اللّه تعالي باحضار صورهم امام قلبه المتوجه الي اللّه و هم امام توجهه متوجهون الي اللّه تعالي له فيدعو اللّه بتوجههم الي اللّه في استجابة دعائه و قبول توبته و ان يقبله علي ما هو عليه من تقصيره و يدخله في عباده الصالحين» الي ان قال «و مقدمكم امام توجهي و ارادتي في كل احوالي و اموري يراد من التقديم معني الاستشفاع و التقرب بهم كما ذكرنا سابقاً و معني آخر سنذكره بعد لا انه يتخيل عند العبادة صورهم و يتمثلهم كما يفعلونه اهل التصوف الذين يأمرون مريديهم به يقول الشيخ لمريده اذا اردت ان تصلي فرض الظهر تتصور صورتي امام نيتك و تمثل هيأتي عند قصدك لانك قاصد الي معبود بينك و بينه مسافة طويلة و انت لاتقطعها و انا قطعتها و وصلت اليه و انت تابع لي و سالك مسلكي لاتصل الا باتباعي فاذا تخيلت صورتي امام قصدك و صورتي في خيالك هي حقيقة ظاهري الذي تشاهده ببصرك لان الخيال هو اصل الوجود و الظاهر من آثاره قائم به و حقيقتي قد اتصلت بمعبودك و انت بخيالك اذا اتصلت بحقيقتي وصلت الي معبودك بدلالتي و هدايتي و كذب لعنه اللّه لان مريده اذا تخيل صورته امام قصده كانت الصورة المحدودة بالابعاد هي معبوده المقصود بعبادته او وجه معبوده فان قيل انه يدعي انها ليست مقصودة بالعبادة قلنا اذا لمتكن مقصودة بالعبادة فهي اما دليل علي المقصود بالعبادة اولا فان كانت دليلاً فهي اما تدل بهيئتها فيلزمه ان يكون مدلولها علي تلك الهيئة من التحديد و التخطيط و ان لميكن مدلولها كذلك
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 211 *»
فباي شيء تدل عليه اذا لمتدل بهيئتها و ان لمتكن دليلاً و لا مدلولاً فهي صورة شيطانية تشغله عن التوجه الي معبوده الذي ليس كمثله شيء بملاحظتها و انما المراد بتقديمهم: امامه في كل احواله لان المعبود الحق جل و علا هو المقصود بالعبادة وحده و المطلوب منه كل خير وحده لا شريك له و لما كان سبحانه لايشبهه شيء و لايعرف كيف هو في سر و علانية الا بما دل علي نفسه و لايدل علي نفسه بغيره لان ذلك يضل المدلول فانك لو دللت علي الطويل بالقصير لضل المدلول و انما يدل علي نفسه بما يهدي المدلول و ذلك لايكون الا باسمائه و صفاته و هم: اسماؤه و صفاته و الذات لايمكن القصد اليها و الارادة لها الا باسمائها و صفاتها و مع هذا فلايجوز ان تتصور صورة النبي9 و عليٍّ و الائمة: عند توجهك الي اللّه تعالي لان هذا شرك و كفر لان ما تتصور لايدل عليه و ما يدل عليه تعالي لايمكن تصوره اذ لا صورة له و الا لعرف تعالي بصورة فليس معني التقديم لهم امام كل شيء للّه تعالي من عبادة و دعاء و ذكر و غيرها الا ان تدعوه وحده باسمائه و هم: تلك الاسماء ألاتري انك اذا اردت ان تخاطب زيداً و تقصده و هو متعين قاعد عندك لمتقدر علي ذلك الا باسمائه و صفاته فتقول يا زيد و لاتريد الاسم و لاتتصوره و انما تعني المعني المدعو و لكن لاتقدر ان تتوصل الي جهة توجهه و اقباله اليك الا باسمه او صفته فتقول يا قاعد و لست تريد القعود و لاتلاحظه و لاتتصوره الا ان مقصودك هذا المعني المعلوم عندك بصفة القعود او بالاشارة اليه فتقول هذا غير ناظر الي الاشارة فاذا دلّك الاسم و الصفة و الاشارة علي زيد في حال منك قد خلي وجدانك منها و ملاحظتك و نظرك فهي اسماؤه و صفاته و آياته الدالة عليه و لايدل شيء منها عليه حين وجدانه لانه حينئذ حجاب جلال لوجدانك» الي ان قال بعد ذكر مخازي الصوفية لعنهم اللّه «و نحن مرادنا بتقديم ائمتنا: امام عبادتنا و ذكرنا و دعائنا انا نعبد اللّه علي نحو عبادتهم و بما عبدوه و نعرفه بما عرفوه و نصفه بما وصفوه و ندعوه تعالي باسمائه و صفاته و معانيه كما مثلنا سابقاً و معني ذلك انا مثلاً اذا قلنا يا رحيم فانا ندعو معبوداً وصف نفسه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 212 *»
برحمة حادثة خلقها و اشتقها من لطفه و هم: تلك الرحمة الحادثة و لانريد بها الرحمة التي هي ذاته لان تلك لا عبارة لها و لا كيف لانها هي هو بلا اعتبار تعدد و لا كثرة و لا مغائرة فلاتقع عليه العبارة و لاتُعيّنه الاشارة و لاتميزه الصفات و لاتكتنفه الاوقات و انما الرحمة التي هي معني من معاني اسمائه احدثها و تعبّد بها خلقه قال تعالي (و للّه الاسماء الحسني) اي ملكه و خلقه (فادعوه بها) فنقول يا كريم يا رحيم يا غفور و هكذا الي ساير اسمائه و هي هم ففي تفسيرالعياشي عنه7 قال اذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا علي اللّه و هو قول اللّه تعالي (و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها) قال نحن واللّه الاسماء الحسني التي لايقبل اللّه عملاً الا بمعرفتنا و في التوحيد عن ابيعبداللّه7 قال اللّه غاية من غيّاه و المغيّٰي غير الغاية و وصف نفسه بغير محدودية فالذاكر اللّه غير اللّه و اللّه غير اسمائه و كل شيء وقع عليه اسم شيء سواه فهو مخلوق ألاتري الي قوله (العزة للّه)العظمة للّه وقال(و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها) و قال (قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن اياً ما تدعوا فله الاسماء الحسني) و الاسماء مضافة اليه و هو التوحيد الخالص».
شاهد صدق: قال اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه في رسالة اخري له: «اعلم ان اللّه سبحانه لايدرك من نحو ذاته بكل اعتبار و انما يدرك بما تعرّف به لعبده فكل شيء يعرف بما تعرّف به فتشير العبارات اليه بما اوجدها و تشير القلوب اليه بما ظهر لها به و لا سبيل اليه الا بما جعل من السبيل اليه و هو جل شأنه يظهر لكل شيء بنفس ذلك الشيء كما انه يحتجب عنه و الي ذلك الاشارة بقول علي7 لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و كل مظهر لك به فهو مقام من مقامات ذاته فيك و حرف من حروف ذاتك به فمن وصل الي رتبة قد ظهر سبحانه و تعالي له فيها تبين ان المطلوب وراء ذلك و ان هذا الذي حسبه اياه لميجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفيه حسابه و هو سريع الحساب و هكذا و اليه الاشارة بقول الحجة7 في دعاء شهر رجب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 213 *»
و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فهذه المقامات هي التي دعاك اليها فيتوجه اليها قلبك فيجده عندها كما يتوجه وجه جسدك الي بيته الكعبة فيجدها عندها و تعبّدك بان تدعوه بها و تعبده فيها بلا كيف و لا وجدان الا ما اوجدك من ظهوره لك و انه في كل مقام اقرب اليك من نفسك و ليس ما وجدته ذاتاً بحتاً و لو كان ذاتاً بحتاً لجاز ان تدرك الذات البحت و الذات البحت في الازل و انت في الامكان فيكون ما في الامكان يدرك الازل و ما في الازل مدركاً للممكن في الامكان تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً و الي ذلك اشار اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها و قول الرضا7 و اسماؤه تعبير و صفاته تفهيم و قول الصادق7 كل ما ميزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و ذلك لان اللّه سبحانه هو المجهول المطلق و المعبود الحق فاذا قلت اياك نعبد لكنت قد قصدت شيئاً مخاطباً و قد وقع الخطاب ذلك علي مخاطب و المخاطب لايدرك الا من جهة الخطاب كقولك يا قاعد لايدرك من ذلك المدعو الا جهة القعود و ان كنت تعني الموصوف بالقعود لان الموصوف غيّب الصفة عند الواصف حتي انه عنده اقرب اليه من الصفة و اظهر منها له لكن الواصف لايدرك جهة الصفة من الموصوف كما قال الرضا7 و اسماؤه تعبير و صفاته تفهيم و بالجملة كل شيء لايدرك اعلي من مبدئه و انت خُلِقت بعد اشياء كثيرة من خلقه فلاتدرك ما وراء مبدئك و مع هذا تدرك انك مخلوق و تدرك ان للمخلوق خالقاً و تدرك ان الخالق اوجدك بفعله الذي وصفت به و قلت خالق و تدرك ان الخلق ايجاد و حركة و تدرك انها حدثت من الفاعل و تدرك ان الفاعل هو المحدث للفعل و تدرك ان الحركة الايجادية لمتكن قديمة و لمتنفصل من الذات بل انما احدثت بنفسها فتكون جهة الصفة صفة الجهة و لا شيء مما ذكر قديم فلاتدرك الا نظائرك في المخلوقية و هي الآثار و مع هذا فهي لا شيء الا به فهو اظهر منها
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 214 *»
أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فهو اقرب اليك من نفسك فاذا قلت يا زيد كنت قد خاطبت شخصاً و دعوته باسمه و هو غيره و اشرت اليه و الاشارة وجهتها غير ذاته لان ذاته ليس حيواناً ناطقاً و اشارةً و اسماً و دعاء بل هذه غيره و هو غيرها مع انك تخاطبه و الخطاب و جهته غيره فافهم ما كررت و رددت قال الرضا7 كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه فانظر في زيد فانه حيوان ناطق الي غير ذلك و لاتدركه بنفس الحيوانية و نفس النطق و انما تدركه بمظاهره من الخطاب و النداء و الاشارة و غير ذلك و كله غيره و مع هذا فلاتلتفت الي شيء منها و انما يتعلق قلبك بذات زيد و لكن تلك الاشياء التي قلنا انها غيره هي جهة تعلق قلبك به و جهة ظهوره لك فاذا عرفت هذا عرفت مطلوبك من عرف نفسه فقد عرف ربه ، سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فاذا قلت اياك نعبد فانت تعبد اللّه و تقصده لعبادتك لا غير علي نحو ما قلنا لك و هو قوله تعالي (و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها) هذا اذا توجهت و اما اذا غفلت و ذهلت فانه سبحانه لميغفل و لميذهل قال تعالي (و ماكنا عن الخلق غافلين) و ذلك انك اذا غفلت و ذهلت فانت حينئذ قد توجهت الي شيء من احوال الدنيا و الآخرة و كلها بالحقيقة ليست شيئاً الا بظهوره فيها فاذا غفلت عنه لمتغب عنه و لميغب عنك قال الصادق7 في قوله تعالي (اولميكف بربك انه علي كل شيء شهيد) قال7 يعني موجود في غيبتك و حضرتك فصلوتك صحيحة بمعني انها مجزية و قد تكون غيرمقبولة بمعني غيرموجبة للجنة وحدها بدون غيرها من الاعمال و وجه صحتها انك قد دخلت في الصلوة و انت مقبل عليه بنيتك عند اول التكبير و الا لميصح اصلاً فان قلت قد اتوجه الي النية المعتبرة عند الفقهاء غيرملتفت الي ما يقصد العارفون قلت ان فعلك لما امرك به يلزمك منه التقرب اليه بذلك العمل و لو اجمالاً و كل ذلك توجه اليه من حيث امر الا ان مقام العابدين تحت مقام الموحدين و كلها مقامات المعبود سبحانه فهذا القصد في الحقيقة لا غفلة فيه ثم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 215 *»
في باقي الصلوة يستمر القصد حكماً و اختلف الفقهاء في معناه فقال بعضهم هو ان لايحدث نية تنافي الصلوة و قال آخرون هو العزم و تجديده كلما ذكرت و الخلاف مبني علي الخلاف في ان الوجود الحادث الباقي هل يحتاج في بقائه الي المؤثر ام لا و الحق الاول في المسئلة الكلامية فالاصح الثاني في المسئلة الفقهية و وجه عدم مقبوليتها ان النية التي هي روح العمل كانت في الابتداء فعلية فان اقبل علي كل صلوته كانت بمنزلة توجه الروح الي الجسد في تدبيره فهو حيّ مشعر مدبّر لاموره كما هو حال اليقظة و اذا كانت في باقي الافعال حكمية كانت بمنزلة روح النائم في جسده هي مجتمعة في القلب فبشعاعها الاسفل الذي هو وراءها و خلفها كانت متعلقة بالبدن و اما وجهها فهو متوجه الي جابلسا و جابلقا و هورقليا فمن جهة انها في القلب كالنية الفعلية في التكبير و شعاعها الاسفل في ساير البدن حالة النوم كالنية الحكمية قلنا ان الصلوة صحيحة مجزية كما ان الانسان يصدق عليه انه حي و من جهة غفلته عن النية فعلاً في ساير الصلوة و انما في الباقي القصد الاول كالنائم قلت انها لمتستقل بالمقبولية الموجبة للجنة بل لابد من انضمامها الي ما يكملها كما ان النائم يحكم له بالحيوة التي ينتفع بها بانضمامها الي حيوة اليقظة فافهم» انتهي كلامه و قد ذكرته بطوله لكثرة محصوله و؛
اذا قالت حزام فصدقوها | فان القول ما قالت حزام |
شاهد صدق: قد ذكر الشيخ الاوحد كلاماً في بعض فوائده احب ان اذكره هنا قال: «ان للّه ذاتاً و صفة فاذا قلت يا اللّه دعوت الصفة و عنيت الذات و لهذا تقول للرجل القاعد يا قاعد و لاتقول له يا قائم و اذا قام علي العكس و الصفة هي الالوهية و هي جميع الصفات و مظهرها الوجود المطلق بجميع انحائه و الوجود المقيد كذلك و لاتطلق هذه الصفة الا علي من يشتمل جميع الصفات بان كل ما سوي اللّه به و هذا الذي اشرنا اليه هو الصفة و الذات لاتطلق
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 216 *»
عليه العبارة و لاتجده الاشارة و اما من نقص عن جميع الصفات فلاتطلق عليه الالوهية اي فلاتكون ذاته قرينة الالوهية التي هي صفة الحق سبحانه و تعالي قال اللّه (لاتغلوا في دينكم و لاتقولوا علي اللّه الا الحق) فان الحق الذي يشتمل من الموجودات كل ما سوي الذات يطلق علي الذات اي يكون صفة الذات و الحق هو المشار اليه بقوله تعالي (تعلم ما في نفسي و لااعلم ما في نفسك) و هو نفس اللّه الذي لايعلم ما فيها عيسي7 فلايصح ان تطلق عليه الالوهية و ذلك هو الظاهر برحمة اللّه تعالي المكتوبة قال اللّه تعالي (كتب علي نفسه الرحمة) في باطنه و بالرحمة المطلقة التي استوي بها الرحمن سبحانه علي العرش في كله و هو الباب بين الخلق و بين رب الارباب باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فذلك الظاهر بالرحمة المكتوبة في باطنه ذات اليمين و هو اذ ذاك يمين و بالعدل في ظاهره ذات الشمال و ليس هو اذ ذاك شمالاً اذ لايشار اليه بهو اذ العدل صفته ذات الشمال و المكتوبة صفته ذات اليمين و الفرق ان باطنه منه و ظاهره لا منه و هما معاً ظهور الرحمن علي العرش و ذلك الظهور هو الحق بقول مطلق الذي اشرنا اليه سابقاً و الي ما ذكرنا في هذه الابحوثة الاشارة بقول علي7 انا صاحب الازلية الاولية و قال7 في هذه الخطبة و لا اله الا اللّه ربي و رب آبائي الاولين فافهم» انتهي كلامه.
و له كلام آخر في معني استجابة الدعاء يناسب المقام و به الختام قال جزاه اللّه عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين: «و اما كيفية استجابة الدعاء فان تعرف الواحد ثم معناه ثم بابه و لتلحظ فقرك لحاجتك فتقصد بابه و تدعو واحداً طوي بوحدته ذاتك و حاجتك و قصدك و دعاءك فيظهر معناه من بابه بحاجتك من بابها و الي هذه المراتب الثلث اشار علي بن الحسين8 في الحديث المشار اليه سابقاً بقوله المعرفة اثبات التوحيد اولاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالثاً » الي آخر كلامه.
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 217 *»
اعتضاد: قد روي في بلدالامين في دعاء ذكره بعد الاقامة باللّه استفتح و باللّه استنجح و بمحمد رسول اللّه9 اتوجه و في دعاء تعقيب الظهر اسألك بآل يس خيرتك من خلقك و صفوتك من بريتك و اقدمهم بين يدي حاجتي و رغبتي اليك ومن دعاء لدفع الغم بعد صلوة في يوم الجمعة اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة محمد9 يا رسول اللّه اني اتوجه بك الي اللّه ربي و ربك لينجح بك طلبتي و اقض حاجتي بتوجهي اليك بنبيك محمد9 و من دعاء اول ليلة من رجب اللّهم اني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة9 يا محمد يا رسول اللّه اني اتوجه بك الي اللّه ربك و ربي لينجح لي بك طلبتي و من دعاء ليلة المبعث بعد الرفع من السجود اللّهم اني قصدتك بحاجتي و اعتمدت عليك بمسألتي و توجهت اليك بائمتي و سادتي و من دعاء بعد صلوة العيد اللّهم اني توجهت اليك بمحمد اَمامي و علي من خلفي و ائمتي عن يميني و شمالي استتر بهم من عذابك و منه توجهت اليك بمحمد و آلمحمد صلي اللّه عليهم و قدمتهم اليك امامي و امام حاجتي و طلبتي و تضرعي و مسئلتي فاجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا و الآخرة و في دعاء يوم عرفة اللّهم انا نتوجه اليك في هذه العشية التي شرفتها و عظمتها بمحمد رسولك و خيرتك من خلقك و من دعاء في يوم الغدير مخاطباً للنبي و الولي8 بكما اتوجه الي اللّه ربي و ربكما في نجاح طلبتي و قضاء حوائجي و تيسير اموري و من دعاء يوم المباهلة اللّهم صل علي محمد و علي اخيه و صنوه اميرالمؤمنين و قبلة العارفين و علم المهتدين و من زيارة للنبي9 اتيتك مستغفراً تائباً من ذنوبي و اني اتوجه بك الي اللّه ربي و ربك لتغفر لي ذنوبي و من زيارة الحسين يوم المبعث اشهد انك نور اللّه الذي لميطفء و لايطفأ ابداً و انك وجه اللّه الذي لميهلك و لايهلك ابداً و من دعاء الحريق و اشهد ان كل معبود مما دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهك الكريم فانه
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 218 *»
اعز و اكرم و اجل و اعظم من ان يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته و في زيارة اميرالمؤمنين7 يوم الغدير اشهد انك جنب اللّه و انك باب اللّه و انك وجه اللّه الذي لايؤتي الا منه و انك سبيل اللّه و منها اللّهم لاتخيب توجهي اليك برسولك و آل رسولك و استشفاعي بهم اليك و من الجامعة المشهورة من اراد اللّه بدء بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم و في دعاء السجود بعد دعاء العبرات فاني استشفع اليك بكرامتك و الصفوة من انامك الذين انشأت لهم ما تظل و ما تقل و برأت ما يدقّ و ما يجلّ اتقرب اليك باول من توّجته تاج الجلالة و احللته من الفطرة الروحانية محل السلالة و منه و بمن جعلته لنوره مغرباً و عن مكنون سره معرباً و من دعاء في الصحيفة السجادية في دفاع كيد الاعداء اللّهم فاني اتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة و العلوية البيضاء و اتوجه اليك بهما ان تعيذني من شر كذا و كذا و في مهجالدعوات من حرز لزينالعابدين7 اللّهم بك استفتح و بك استنجح و بمحمد عبدك و رسولك7 اليك اتوجه و من دعاء له7 الهي اتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة و اتوجه اليك بالعلوية البيضاء و في زادالمعاد في دعاء امداود اللّهم بك استفتح و بك استنجح و بمحمد عبدك و رسولك و آله اتوجه اليك و في دعاء كل يوم من شهر رمضان اتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة و اقدمه بين يدي حوائجي يا محمد يا رسول اللّه بابي انت و امي اتوجه بك الي ربك و ربي و اقدمك بين يدي حوائجي يا رباه يا رباه يا رباه اسألك بك فليس كمثلك شيء و اتوجه اليك بمحمد حبيبك و بعترته الهادية و اقدمهم بين يدي حوائجي و في دعاء بعد صلوة صبح يوم الفطر اللّهم اني توجهت اليك بمحمد امامي و علي من خلفي و عن يميني و ائمتي عن يساري و استتر بهم من عذابك و اتقرب اليك زلفي لااجد احداً اقرب اليك منهم فهم ائمتي و فيه فقد توجهت اليك بمحمد و آلمحمد و قدمتهم اليك امامي و امام حاجتي و طلبتي و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 219 *»
تضرعي و مسألتي فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين فانك مننت عليّ بمعرفتهم و في زيارة يوم المولود متوجهاً اليك بنبيك نبي الرحمة صلواتك عليه و آله فاجعلني اللّهم بمحمد و اهل بيته عندك وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين يا محمد يا رسول اللّه بابي انت و امي يا نبي اللّه يا سيد خلق اللّه اني اتوجه بك الي اللّه ربك و ربي ليغفر لي ذنوبي و في دعاء بعد صلوة زيارة فاطمة3 اللّهم اني اتوجه اليك بنبينا محمد و اهل بيته صلواتك عليهم و في الجامعة الكبيرة مستشفع الي اللّه تعالي عز و جل بكم و متقرب بكم اليه و مقدمكم امام طلبتي و حوائجي و ارادتي في كل احوالي و اموري و في دعاء الندبة اين باب اللّه الذي منه يؤتي اين وجه اللّه الذي اليه يتوجه الاولياء اين السبب المتصل بين اهل الارض و السماء و في مزار البحار في زيارة للنبي9 اني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة محمد9 يا محمد اني اتوجه الي اللّه ربي و ربك ليغفر لي ذنوبي و في زيارة اخري له فاني اتوجه اليك بنبيك محمد9 نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها و في دعاء بعد صلوة الزيارة اللّهم اني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة و باهل بيته حججك علي خلقك و امنائك علي بلادك و من دعاء آخر بعد صلوة الزيارة متوجهاً بنبيك نبي الرحمة صلواتك عليه و آله فاجعلني اللّهم بمحمد و اهل بيته عندك وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين يا محمد يا رسول اللّه بابي انت و امي يا نبي اللّه يا سيد خلق اللّه اني اتوجه بك الي اللّه ربك و ربي ليغفر لي ذنوبي و من زيارة اميرالمؤمنين7 اللّهم لاتخيب توجهي اليك برسولك و آل رسولك و لاترد شفاعتي بهم و من زيارة له السلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضيئ و صراطه السويّ و في دعاء بعد زيارته و زيارة ابيعبداللّه7 اتيتكما زائراً و متوسلاً الي اللّه ربي و ربكما و متوجهاً الي اللّه بكما و مستشفعاً بكما الي اللّه في حاجتي هذه فاشفعا لي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 220 *»
فان لكما عند اللّه المقام المحمود و الجاه الوجيه و المنزل الرفيع و الوسيلة و في اخري له اشهد انك جنب اللّه و انك وجه اللّه الذي يؤتي منه و انك سبيل اللّه و من زيارة القائم عجل اللّه فرجه السلام عليكم انتم نورنا و انتم جاهنا اوقات صلوتنا و عصمتنا بكم لدعائنا و صلوتنا و صيامنا و استغفارنا و ساير اعمالنا ومنها مولاي انت الجاه عند اللّه ربك و ربي انه حميد مجيد و في زيارة اخري له السلام عليك يا وجه اللّه المتقلب بين اظهر عباده سلام من عرفك بما تعرّفت به اليه و نعتك ببعض نعوتك انت اهلها و فوقها و قد تكرر في دعاء التوسل يا سيدنا و مولانا انا توجهنا و استشفعنا و توسلنا بك الي اللّه و قدمناك بين يدي حاجاتنا يا وجيهاً عند اللّه اشفع لنا عند اللّه و في زيارة ابيمحمد عثمن بن سعيد العمري الاسدي السلام عليك يا قرة العيون و السر المكنون السلام عليك يا فرج القلوب و نهاية المطلوب الي ان قال اتوسل الي اللّه بالشفاعة اليه ليشفع الي شفعائه و اهل مودته و خلصائه ان يستنقذوني من مكاره الدنيا و الآخرة اللّهم اني اتوسل اليك بعبدك عثمان بن سعيد و اقدمه بين يدي حوائجي و في كتاب فقهالرضا7 في دعاء التوجه باللّه استفتح و بمحمد استنجح و اتوجه اللّهم صل علي محمد و آلمحمد و اجعلني بهم وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين و قال في موضع آخر منه و انو عند افتتاح الصلوة ذكر اللّه و ذكر رسول اللّه و اجعل واحداً من الائمة نصب عينيك و لاتجاوز باطراف اصابعك شحمة اذنيك و في الكافي عن ابيعبداللّه7 قال كان اميرالمؤمنين7 يقول من قال هذا القول كان مع محمد و آلمحمد اذا قام من قبل ان يستفتح الصلوة اللّهم اني اتوجه اليك بمحمد و آلمحمد و اقدمهم بين يدي صلواتي و اتقرب بهم اليك فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين مننت عليّ بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم و معرفتهم و ولايتهم فانها السعادة و اختم لي بها فانك علي كل شيء قدير ثم تصلي فاذا انصرفت قلت اللّهم اجعلني مع محمد
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 221 *»
و آلمحمد في كل عافية و بلاء و اجعلني مع محمد و آلمحمد في كل مثوي و منقلب اللّهم اجعل محياي محياهم و مماتي مماتهم و اجعلني معهم في المواطن كلها و لاتفرق بيني و بينهم انك علي كل شيء قدير و فيه عن بعض اصحابنا رفعه قال تقول قبل دخولك في الصلوة اللّهم اني اقدم محمداً نبيك بين يدي حاجتي و اتوجه به اليك في طلبتي فاجعلني به وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين الدعاء، الي غير ذلك من الدعوات و الزيارات و الاخبار الساطعة المنار المتجاوزة حد الاستفاضة البالغة حد التواتر و المراد هو ما ذكره الشيخ الاوحد اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه و ما ذكرناه و اردنا شرحه و المقطوع انهم صلوات اللّه عليهم لميريدوا بذلك احضار صورهم في الخيال حال الصلوة و جعلها صنماً تعبد من دون اللّه سبحانه كما يفعله الصوفية لعنهم اللّه و يتصورون صورة المرشد في صلوتهم و يخاطبونها او يخاطبونه و يركعون لها و يسجدون و يزعمون انهم يمكنهم الوصول اليه بها و هو الواصل الي اللّه سبحانه فاذا وصلوا اليه وصلوا الي اللّه بل هو الوصول الي اللّه عند بعضهم فان المرشد هو اللّه و قد خلع عن نفسه آثار الانية و مقتضياتها فهو اللّه علي معني وحدة الوجود و لذلك من فني في تصور الشيخ يقولون هو موحد حقاً فلا شك و لا ريب ان آلمحمد: لميريدوا بتلك الآثار هذا المعني و ماكان لبشر ان يؤتيه اللّه الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون اللّه و انهم هم الدعاة الي اللّه و الي قول لا اله الا اللّه فلايدعون الناس الي عبادة انفسهم و جعل صورهم معبودة فلابد و ان يكون لتلك الاخبار معني صحيحاً يطابق الكتاب و السنة و يوافق اركان التوحيد و مقامات التفريد لا ان تحمل عليه و تأوّل كما يقوله الجهال و يفعلون فاذا وردت اخبار مختلفة يأولون المرجوح اذا عجزوا عن وضعه موضعه و ذلك غلط باطل و زبد مجتث زايل فان الهادي من عند اللّه المبعوث للهداية و الناطق للناس علي قدر عقولهم المتفوه بلسان القوم ليبين لهم لايخاطبهم بما ظاهره باطل او كفر من
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 222 *»
غير بيان تأويله فيغريهم علي الباطل و يردهم قهقري عن دينهم و يبقي ازيد من الف سنة حتي يأوله رجل اليوم و اي حاجة الي القاء الكفر بين الناس ثم تأويله بعد قرون و لو فعل ذلك رجل اليوم من عرض العلماء لكفروه و لقالوا بجهله و حمقه فما بالهم يدحضون حججهم في ائمتهم و يأولون اقوالهم اذا خالف ظواهر ما في ايديهم و انكار صدور الخبر عنهم اقرب سبيل و اذا كان الخبر بحيث لايمكن رده لصحته فالقول بكونه تقية اقرب سبيل و ان كان مضمونه مخالفاً لموضع التقية فطلب معرفة مضمونه اقرب سبيل فان لميعرف فليسأل اللّه ان يصحح وجدانه فانه لا اختلاف في اخبارهم و لعلهم يخبرون عن شيء واحد باسماء مختلفة او يتكلمون بالكلمة و يريدون منها احداً من سبعين وجهاً لهم من كلها المخرج و تلك الوجوه ليست من باب التأويل بلا مناسبة بل يشهد لها ساير الظواهر و يطابق الكتاب و السنة ايضاً.
و اعلم انك لو قدرت علي حمل اخبار آل اللّه الهداة كلها علي الحقيقة لفزت بباطن الباطن باقسامه فلاتعوّد نفسك علي صرف كلماتهم الي المجاز بمحض ما خالفت قواعدك و ترك القواعد اولي من ترك ظواهر اخبارهم فانهم نطقوا لاجل الهداية و الهادي لايتكلم بالمجاز من غير نصب قرينة و لايتكلم علي التأويل بغير دليل من الظواهر بالجملة انهم لا اختلاف في كلماتهم و انما الناس لايعرفون لغتهم فيزعمون انهم اذا عرفوا وجهاً واحداً منها عرفوا جميعها فيقبلون ما يعرفون و ينكرون ما يجهلون فافهم و لاتكن من الجاهلين و من ذلك هذه الاخبار الساطعة المنار البالغة اقصي غاية الاعتبار فلايجوز تأويله بما لايطابق الظواهر و لو فتح باب التأويل لميبق للاسلام عمود و لميخضرّ له عود و امكن تأويل جميع الشرايع و الاحكام كما يفعله الصوفية الطغام و فيما ذكرنا في هذه الفصول لمن يراجعه كفاية و بلاغ و ان قدرت علي فهمها بحيث لاتنافي ظواهر الكتاب و السنة و الشريعة البيضاء فانت انت و اللّه ولي التوفيق قال الشاعر و للّه دره:
اخاف عليك من غيري و مني | و منك و من مكانك و الزماني | |
و لو اني جعلتك في عيوني | الي يوم القيمة ماكفاني |
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 223 *»
فافهم راشداً موفقاً.
فصل: في مراقبة اللّه عز و جل و هي استشعار العبد اطلاع الرب عليه في كل حالاته و تقلباته في آناء ليله و نهاره و هي من اعظم مصالح العبد و اسّها و عمودها بل لايصلحه الا هذه فاحببنا ان نذكر هنا فصلاً لشرح هذا المطلب العظيم و التنبيه عليه.
اعلم ان اللّه سبحانه احد لايثني اذ كل مثني حادث ينطوي اجزاؤه تحت احدية الاحد جل و عز و ان الي ربك المنتهي فلايتناهي فلايحويه مكان و لايخلو منه مكان و هو معكم اينما كنتم معية لاتتناهي و هو اولي بك و بظاهرك و بباطنك منك و شاهد لما اعلنت و ما اسررت ان تبدوا ما في صدوركم او تخفوه يعلمه اللّه و يعلم ما في قلوبكم و ما منه بدأتم و اليه تعودون لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض ما من نجوي ثلثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا ادني من ذلك و لا اكثر الا و هو معهم قل اي شيء اكبر شهادة قل اللّه شهيد بيني و بينكم أولميكف بربك انه علي كل شيء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط و ماكنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم و لاابصاركم و لا جلودكم و لكن ظننتم ان اللّه لايعلم كثيراً مما تعملون و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديٰـكم فاصبحتم من الخاسرين فاذا كان اللّه جل و عز اقرب اليك منك و اعلم بك منك و اولي بك منك و معك معية لاتتناهي وجب عليك استحضاره ابداً و استشعار حضورك لديه و اطلاعه عليك و استشعار انه الملك العظيم الجليل القاهر القادر الشديد العقاب الذي لاينجو من هلك عليه و لايعز من عاداه و لايذل من والاه و تنبه انه يراك و يسمعك و لايخفي منك عليه خافية و هو عليم بذات الصدور و باطنك ظاهر عليه و مشهود له و يحاسبك عليه و يعلم خطرات قلبك و هواجس صدرك و وساوس خيالك و فكرك و يؤاخذك علي سيئاتها و يجازيك علي حسناتها و انت ما لمتراقبه لمتخفه و لمترجه و لم
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 224 *»
تحبه و لمتستحي منه و لمتقبل اليه و لمتخلص فيه و لمتعمل بطاعة و لمتترك معصية و لايصلح دينك و دنياك الا بذلك و ان ما صلح من الناس و لميصلح منهم الا قليل ما صلح الا بلفظ يلوكونه بين السنتهم من اطلاعه فانت لو استحضرته في جميع انفاسك صلح لك الدين و الدنيا و صلح لك ذاتك في ترقياتها و صلح لك اخلاقك و اعمالك و آثارك و جميع ما منك و لك و اليك و دفع عنك شر كل ذي شر بتحصنك بحصنه و جلب اليك خير الدنيا و الآخرة بالجملة لااعلم شيئاً يصلح جميع الامور الا دوام المراقبة و هي الذكر الحقيقي و لا شيئاً يفسد جميع الامور الا الغفلة عنه تعالي شأنه ففي الكافي عن ابيجعفر7 قال مكتوب في التورية التي لمتغير ان موسي سأل ربه فقال يا رب أقريب انت مني فاناجيك ام بعيد فاناديك فاوحي اللّه عز و جل اليه يا موسي انا جليس من ذكرني فقال موسي فمن في سترك يوم لا ستر الا سترك فقال الذين يذكرونني فاذكرهم و يتحابّون فيّ فاحبهم فاولئك الذين اذا اردت ان اصيب اهل الارض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم و عن ابيعبداللّه7 قال لا بأس بذكر اللّه و انت تبول فان ذكر اللّه عزوجل حسن علي كل حال فلاتسأم من ذكر اللّه و عنه7 اوحي اللّه الي موسي يا موسي لاتفرح بكثرة المال و لاتدع ذكري علي كل حال فان كثرة المال تنسي الذنوب و ترك ذكري يقسي القلوب و عن ابيجعفر7 قال مكتوب في التورية التي لمتغير ان موسي سأل ربه فقال الهي انه يأتي عليّ مجالس اعزك واجلّك ان اذكرك فيها فقال يا موسي ان ذكري حسن علي كل حال و عن ابيعبداللّه7 قال اللّه عز و جل لموسي اكثر ذكري بالليل و النهار و كن عند ذكري خاشعاً و عند بلائي صابراً و اطمئن عند ذكري و اعبدني و لاتشرك بي شيئاً اليّ المصير يا موسي اجعلني ذخرك و ضع عندي كنزك من الباقيات الصالحات وعنه7 قال اللّه عز و جل لموسي اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم و اكثر ذكري بالليل و النهار و لاتتبع الخطيئة في معدنها فتندم فان الخطيئة موعد اهل النار و قال فيما ناجي اللّه سبحانه به موسي
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 225 *»
قال يا موسي لاتنسني علي كل حال فان نسياني يميت القلب و عن ابيعبداللّه7 سيد الاعمال ثلثة انصاف الناس من نفسك حتي لاترضي بشيء الا رضيت لهم مثله و مواساتك الاخ في المال و ذكر اللّه علي كل حال ليس سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه فقط و لكن اذا ورد عليك شيء امر اللّه عزوجل به اخذت به و اذا ورد عليك شيء نهي اللّه عزوجل عنه تركته و بذلك وردت روايات مستفيضة ففي بعضها انها اشد ما فرض اللّه علي خلقه و في بعضها ما ابتلي المؤمن بشيء اشد عليه من خصال ثلث يحرمها فهي تؤمي بان الخصال الثلث المذكورة من المكتوبات فان عفي اللّه عن تاركها فهو فضل منه جل شأنه فعلي ذلك المراقبة فريضة مكتوبة و هي ذكر اللّه علي كل حال و استشعار شهادته عليك في كل حال و توقيره و تعظيمه حتي لايهون امره عليك و يذهب نوره عن قلبك و عظمته عن نفسك فتجتري عليه و ترتكب في حضوره مساخطه بلا اكتراث بل لابد للسالك من استشعار عظمته و حضوره و اطلاعه دائماً و العمل بما يرضيه ملتفتاً الي انه في حضرته فاذا كان مثلاً في حال المشي يلتفت انه يمشي قدامه و بين يديه و هو يراه فيمشي قصداً و هوناً لا مرحاً و اختيالاً و فخراً و لايمشي الي ما يكرهه من ابواب المعصية بل يمشي الي جهة الطاعة و يلتفت في حال التكلم الي انه متكلم بين يديه و هو يراه و يسمعه فلايتكلم هجراً و لا كذباً و لا غيبةً و لا فريةً و لا بمسبّة و شتيمة بل يتكلم بما يحب اللّه من الامر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس او بتعلم او بتعليم و هكذا يلتفت في حال نظره الي انه بين يديه يري خائنة الاعين و ما تخفي الصدور فلاينظر الي غير محرم و الي شيء لايجوز له النظر اليه بل ينظر الي ما يحب اللّه من كتاب او سنة او ما يهتدي به و امثال ذلك و كن في جميع الحالات كمن هو بين يدي سلطان عسوف شاهد ناظر اليه فلايقدر رفع صوت بكلام و لا ضحك و لا حركة عنيفة و لا قول بما لايليق و لا عمل ما لاينبغي يتوجه الي نفسه لمحة و الي السلطان اخري و هو خائف معظم له مرتعش من سطوته و عظمته فوربك لو لازمت المراقبة لتري
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 226 *»
اثرها في اقرب زمان انها قد زادت في خوفك و رجائك و حبك و اصلحت علمك و عملك و انكشف لك عظمته سبحانه و وقاره قال اللّه سبحانه (ما لكم لاترجون للّه وقاراً و قد خلقكم اطواراً).
و ما اعجب ما ذكره ابنبابويه في العلة التي كانت من اجلها عرف يوسف اخوته و لميعرفوه لما دخلوا عليه قال فاني سمعت محمد بن عبداللّه بن محمد بن طيفور يقول في قول اللّه عز و جل (و جاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون) ان ذلك لتركهم حرمة يوسف و قد يمتحن المرء بتركه الحرمة ألاتري ان يعقوب7 حين ترك حرمته غيّبوه عن عينه و امتحن من حيث ترك الحرمة بعينه عن عينه لا عن قلبه عشرين سنة و ترك اخوة يوسف حرمته في قلوبهم حيث عادوه و ارادوا القطيعة للحسد الذي في قلوبهم فامتحنوا في قلوبهم كأنهم يرونه و لايعرفونه و لميكن لاخيه من امه حسد مثل ما كان الحسد لاخوته فلما دخل قال اني انا اخوك علي يقين عرفه فسلم من المحن فيه حين لميترك حرمته و هكذا العباد انتهي و ما قاله حكيم متين مجرب فان من لميراع حرمة شيء لايعتني به و يمتحن بفوته عنه لامحالة فمن لميراع حرمة شهادة اللّه و اطلاعه و لميراقبه او راقبه و لميعتن به و لميراع حرمته في ترك مساخطه هان عليه خطبه و ارتكب القبايح في حضرته حتي صار جريّا فاجتري علي اللّه و اذا املاه اللّه زادت جرأته و ضعف اعتقاده بوعيده فكذّب الانبياء و الكتب ثم كذّب اللّه فوق عرشه و ان ترك المراقبة آل الي ان نسي اللّه عزوجل و حسبه كأن لميكن و حسب نفسه مستقلة بلا رب و هلك بحيث لا نجاة له.
و كذلك اذا لميراع المرء حرمة الحجج الشهداء: فيهون عليه خطبهم حتي نتج له انكارهم رأساً كما عرفت و كذلك الخطب في المؤمنين فاذا لميراع حرمتهم عاد الي عدم الاعتناء بهم فقصّر عن حقوقهم الي ان ظلمهم حقوقهم و غصبهم و آذاهم و ضربهم و شتمهم و قتلهم بالجملة لاينشؤ خير الدنيا و الآخرة الا من مراعاة الحرمة و لاينشؤ شرهما الا من تضييعها و لا حرمة مع عدم المراقبة فعوّد نفسك يا اخي من مراقبة اللّه و استشعر دائماً انك امامه و هو جالس علي كرسي ملكه و عرش سلطانه في
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 227 *»
غاية الجلال و العظمة و الكبرياء و انت كالعبد الآبق العاصي المستردّ الي مولاه العسوف الواقف بحضرته بين يديه و هو ناظر اليك رقيب عليك يلتفت الي خائنة عينك و هاجسة صدرك فراع حرمته و لايتحركن عضو منك في مسخطه البتة و داوم علي ذلك و ان سقط منك سقطة فتدارك بالتوبة و الانابة و الاعتذار و جميع اعضائك حينئذ في خدمته و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون فقد روي في الارشاد عن النبي9 انه قال لبعض اصحابه اعبد اللّه كأنك تراه فان لمتك تراه فهو يراك قال و قال لقمن لابنه يا بني اذا اردت ان تعصي اللّه فاطلب مكاناً لايراك فيه و ما احسن ما روي عن شاب حسن العبادة و الاجتهاد فقيل له يا فتي علي ما بنيت امرك فقال علي اربع خصال علمت ان رزقي لايفوتني منه شيء و ان وعد اللّه حق و صدق فاطمأننت الي وعده و الثانية علمت ان عملي لايعمله غيري فانا مشغول به و الثالثة علمت ان اجلي يأتيني بغتة فبادرته و الرابعة علمت اني لااغيب عن نظر اللّه تعالي في سري و علانيتي فانا مراقبه في كل احوالي و في الكافي عن اسحق بن عمار قال قـال ابوعبداللّه7 يا اسحق خف اللّه كأنك تراه و ان كنت لاتراه فانه يراك و ان كنت تري انه لايراك فقد كفرت و ان كنت تعلم انه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من اهون الناظرين اليك و عن داود الرقي عن ابيعبداللّه7 في قول اللّه عز و جل (و لمن خاف مقام ربه جنتان) قال من علم ان اللّه يراه و يسمع ما يقول و يعلم ما يعمله من خير او شر فيحجزه القبيح من الاعمال فذلك الذي خاف مقام ربه و نهي النفس عن الهوي.
فصل: ان المراقبة لاتنحصر باستشعار اطلاع اللّه تعالي عليه بل استشعر انه قد اطلع عليك اللّه جل جلاله و اطلع عليك الانبياء و الاولياء و المؤمنون قل اعملوا فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون و اطلع عليك الملئكة الكروبيون و ساير المقربين و ثبت اعمالك في اللوح المحفوظ و علي الواح السموات و الارض و نفوس الملئكة و العلل و الشهود و انت علي ما انت عليه مكشوف الحال بارز
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 228 *»
السريرة يرونك و يسمعونك و يطّلعون علي ظاهرك و باطنك فمن تنبه بذلك و استشعر حضوره عند محمد و آلمحمد: و هم ناظرون اليه مصغون نحوه ائتمر اوامرهم و انتهي عن زواجرهم في حضورهم البتة ففي الكافي عن بريد العجلي قال سألت اباعبداللّه7 عن قول اللّه عز و جل (و كذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس) فقال نحن الامة الوسطي و نحن شهداء اللّه علي خلقه و حججه في ارضه الي ان قال ليكون الرسول عليكم شهيداً فرسول اللّه الشهيد علينا بما بلغنا عن اللّه عز و جل و نحن الشهداء علي الناس فمن صدقنا صدقناه يوم القيمة و من كذب كذبناه و في العوالم عن محمد بن خالد عن صفوان عن ابيعبداللّه7 قال ان اللّه اجل و اعظم من ان يحتج بعبد من عباده ثم يخفي عنه شيئاً من اخبار السماء و الارض و علي هذا المعني اخبار متضافرة و عن جماعة انهم سمعوا اباعبداللّه7 يقول اني لاعلم ما في السموات و ما في الارضين و اعلم ما في الجنة و اعلم ما في النار و اعلم ما كان و ما يكون الخبر و علي هذا المعني ايضاً اخبار متضافرة و عن عبدالعزيز الصايغ قال قـال لي ابوعبداللّه7 أتري ان اللّه استرعي راعياً و استخلف خليفة ثم يحجب عنه شيئاً من امورهم و عن النضري و الحضرمي عن ابيعبداللّه7 قالا قـال مايحدث قِبلكم حدث الا علمنا به الخبر و عن النضري قال قـال ابوعبداللّه7 اتقوا الكلام فانا نؤتي به و عن رميلة قال وعكت وعكاً شديداً الي ان قال فقـال اي اميرالمؤمنين7 ليس من مؤمن يمرض الا مرضنا بمرضه و لايحزن الا حزنّا لحزنه و لايدعو الا امّنّا لدعائه و لايسكت الا دعونا له فقلت يا اميرالمؤمنين جعلني اللّه فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في اطراف الارض قال يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الارض و لا في غربها وفي رواية و لا مؤمن و لا مؤمنة في المشارق و المغارب الا و نحن معه و قد تواتر الاخبار بان الاعمال تعرض عليهم كل خميس و كل يوم و ليلة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 229 *»
و كل صباح و في كل حين بل قد جاوز حد التواتر فهم: يشاهدون الخلايق و اعمالهم و حركاتهم و سكناتهم و يسمعون كلماتهم و يعلمون ضمايرهم و جميع اخلاقهم و احوالهم علم مشاهدة و عيان كيف لا و هم محالّ مشية اللّه و تراجمة ارادة اللّه الذين بهم خلق اللّه ما خلق و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و هم امره و حكمه و مشيته و هم اعين اللّه الناظرة و شهود اللّه الحاضرة بهم صنع اللّه ما صنع و هم شهادة اللّه و ظاهره في بلاده و بجميع ذلك قد تواتر الاخبار و ضيّقت مجال الانكار و ساير كتبنا مشحون بادلة ذلك و شواهده.
فاذن ينبغي للمؤمن السالك الي اللّه سبحانه ان يستشعر دائماً في آناء ليله و اطراف نهاره انه في حضورهم و هم الناظرون اليه المطلعون عليه يسوءهم سيئاته و يسرّهم حسناته و يستشعر عظمتهم و جلال كبريائهم و انهم السلاطين الملوك في الدنيا و الآخرة و بيدهم امر الجنة و النار و مقاليدهما و ان عقابهم شديد و رحمتهم قريبة و يستشعر اخلاقهم و احوالهم و محاسنهم و كمالاتهم و يستشعر ان حضوره لديهم هو حضوره لدي اللّه سبحانه بعينه و بالعكس و ان اللّه ناظر اليه بهم و فيهم و منهم حاضر لديه بهم و شاهد عليه بهم مطلع عليه بهم من غير حاجة منه اليهم بل قد اجتباهم و جعلهم هكذا و اللّه اعلم حيث يجعل رسالته لانهم ظاهر اللّه و عينه و لسان اللّه و جنب اللّه و يد اللّه و امر اللّه بالاخبار المتواترة فتديم استشعار ذلك فتزداد يوماً فيوماً خوفاً منهم و رجاءً اليهم و حباً لهم و شوقاً اليهم و تعظيماً و تكريماً لهم و تحذر عما يسخطهم و تبادر الي ما يرضيهم فتبلغ بذلك درجة الكاملين في اسرع وقت و اعلم ان ذلك مؤثر في اصلاح النفس تأثيراً لايبلغه شيء و قد شرحنا ذلك سابقاً مفصلاً فراجع.
و اعلم انه يجب المداومة علي العلاج حتي يزول الخلط الفاسد من المزاج و يحدث فيه اخلاط صالحة و علامة ذلك ان لايظهر منك بعدُ مقتضيات الاخلاط الفاسدة طبعاً و يصدر منك مقتضيات الاخلاط الصالحة طبعاً من غير تكلف و عسر و هذا هو معني قول رسول اللّه9 علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور و هذا هو علامة صدق كل دعوي عندنا و نحن لانشك ان مداومة
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 230 *»
مجالسة الغضوب و رؤية الغضب تهيّج الصفراء و تثير داعي الغضب و كذا مداومة خيال الغضب تهيّج الصفراء و تثير الغضب البتة فيصدر عن الانسان غضب نستدل به علي ثوران صفرائه فكذلك دوام استحضار محمد و علي و الحجج: يجعل الانسان محمدياً علوياً حجياً معصومياً بلا شك و كل قليل يستحيل في الكثير و كل مغلوب يتبع الغالب و ذلك حكم من اللّه سبحانه لايتخلف (قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه) (من تبعني فانه مني) و (من يتولهم منكم فانه منهم) و كذلك واللّه من ادام استحضار اعدائهم و صفاتهم راكناً اليهم تجعله بكرياً عمرياً عثمانياً علي ما شرحنا من يتولّهم منكم فانه منهم و هذا هو السر في العهد المأخوذ المشار اليه بقوله تعالي (ألماعهد اليكم يا بني آدم الاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني) فافهم ما لماعرب عنه بما لوّحت عليه فانه من مكنون الامر و مستوره و كذلك ينفع مجالسة الاخوان المؤمنين الكاملين فان الطبع مكتسب من الطبع و الغالب يغلب المغلوب و المرء مع من احب و لو ان رجلاً احب حجراً حشره اللّه معه و المرء علي دين خليله فينفع مجالستهم و مساورتهم و ملازمتهم ظاهراً و باطناً كما هو محسوس مجرب لاينكر و لذلك وردت روايات متواترة في المنع عن معاشرة ناس و الحثّ علي معاشرة ناس فانظر من تجالس اذا كان تصور مهيب يرعب و تصور جميل يشهّي فما ظنك بمعاشرة الكاملين البالغين المتقين الصالحين الداعين الي الخير الملازمين له و الناهين عن الشر المنتهين عنه مع مراعات الحرمة كما عرفت فانك ان لمتراع حرمتهم هانوا عليك و ليسوا باعظم من اللّه و قد هان عليك حتي ترتكب عنده الموبقات بلا اكتراث فافهم راشداً موفقاً ثبتنا اللّه و اياكم بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة.
فصل: و لما كان من آثار المراقبة الحياء احببنا ان نذكر هنا شيئاً من امر الحياء و اعلم ان الحياء هو الحشمة و الخجلة و هي حركة من الروح الي الداخل و استتاره عن التبرز بما لايحب ان يراه عليه احد فلاجل ذلك يستتر الروح بالدم و يحتجب
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 231 *»
به فيقدم الدم الي الخارج و يتأخر عنه الي الداخل محتجباً به و لاجل ذلك يعرق عرقاً و لعله لايكتفي بذلك فيدلي برأسه ايضاً و لعله لايكتفي بذلك ايضاً فيستتر بيده و لعله لايكتفي بذلك ايضاً فينهزم و يتستر ببيت و حصن و اذا اشتد الحياء و انهزم الروح الي الداخل فلعله يحتقن في القلب فيموت و اصل الحياء ينشؤ من الخوف مع رجاء الصفح فانه يخاف عن الغير ان يطلع علي عيبه فيعاتبه او يشينه و مع ذلك يرجو صفحه فبرجائه الصفح يقدم الدم و يتوجه الي الخارج و بخوفه يحتجب و يتحرك الي الداخل و لو كان الخوف صرفاً لانهزم الدم ايضاً و احتقن في القلب و ابيضّ اللون و كمد بعده و الموت الي الخائف اسرع من المستحيي لاجل ذلك و لايحتشم الانسان الا عند من يستعظمه و يراه شاهداً متوجهاً اليه و يرجو مدحه و يخاف ذمه فاذا كان الانسان ممن يستشعر شهادة اللّه و عظمته و شهادة النبي و الائمة: و عظمتهم و تحقق ذلك في نفسه حقيقة اورث له الحياء البتة فلايتبرز اليهم بما يسوؤهم و ما يسخطهم البتة و يستحيي منهم واقعاً حقيقة و لو صدر عنه خلاف رضاهم ظهر عليه آثار الحياء و لاجل ذلك روي في الكافي عن ابيعبيدة الحذاء عن ابيعبداللّه7 قال الحياء من الايمان و الايمان في الجنة و عنه7 من رقّ وجهه رقّ عمله و عن احدهما8 الحياء و الايمان مقرونان في قرن فاذا ذهب احدهما ذهب الآخر و عنه7 لا ايمان لمن لا حياء له و عن النبي9 الحياء حياءان حياء عقل و حياء حمق فحياء العقل هو العلم و حياء الحمق هو الجهل وقال9 اربع من كنّ فيه و كان من قرنه الي قدمه ذنوباً بدّلها اللّه حسنات الصدق و الحياء و حسن الخلق و الشكر و في الارشاد قال رسول اللّه9 لاصحابه استحيوا من اللّه حق الحياء قالوا ما نصنع يا رسول اللّه قال ان كنتم فاعلين فليحفظ احدكم الرأس و ما وعي و البطن و ما حوي و ليذكر الموت و البلاء و من اراد الآخرة ترك زينة الحيوة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيي من اللّه حق الحياء و روي ان اللّه يقول عبدي اذا استحييت مني انسيت الناس عيوبك و
«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 232 *»
بقاع الارض ذنوبك فمحوت من الكتاب زلّاتك و لااناقشك الحساب يوم القيمة و روي ان اللّه تعالي يقول عبدي انك اذا استحييت مني و خفتني غفرت لك و من بعض كتب اللّه ماانصفني عبدي يدعوني فاستحيي ان اردّه و يعصيني و لايستحيي مني.
و اعلم يا اخي ان من علامات الحياء ان لايراك اللّه حيث يسخط و هو فرع مراقبة اللّه ابداً مع العلم بانه مطلع عليك قادر عليك منعم لك له حق الايجاد و الربوبية و الانعام و الهداية و تهيئة الاسباب عليك فاذا حصل لك هذا العلم و علمت انه نهاك عن شيء استحييت ان ترتكب بين يديه ما يكرهه البتة فلاجل ذلك صار الحياء من الايمان لانه اثر الايمان بما ذكرنا و من لا حياء له لا ايمان له فان عدم الاثر دليل عدم المؤثر كما ان وجوده دليل وجوده فاذاً كان الحياء اثر الايمان باطلاع اللّه القادر الرب المنعم الهادي الموفق العظيم فاذا كان الايمان موجوداً كان منشأ اثر و اذ لا اثر فلا مؤثر واعلم ان بالحياء يصلح امر الدنيا و الآخرة و بالوقاحة يفسد امر الدنيا و الآخرة.
([1]) في مصباح الشريعة: التوبة حبل اللّه.