الفطرة السليمة المجلد الاول – الجزء الثانی
من مصنفات
العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني
اعليالله مقامه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 135 *»
المقصد الخامس
في ذكر بعض الصفات الخاصة الكلية التي قد تكلم الناس فيها
و وقع الاختلاف بينهم في حقيقتها فيقتضي تحقيق ذلك رسم مطالب
المطلب الاول
فيما اشتهر بين القوم من الصفات الثبوتية و السلبية
و بعض ما يتعلق بالصفات و فيه فصول
فصـل: قدشاع و ذاع حتي ملأ الاصقاع ان لله سبحانه صفات ثبوتية و صفات سلبية فاتبع الخلف منهم السلف من غير انيتفكروا في المسئلة و يعضوا عليها بضرس قاطع و علموا الصبيان في المكاتب و النساء علي المناصب و جعلوها من بديهيات المذهب و نشاوا عليها تقليدا من غير روية فاحببت اناذكر هنا ما لعل الله يزيل به تلك الشبهات العامية عن اذهانهم و يردهم الي الحق الذي نزل به الكتب و جاء به الرسل صلوات الله عليهم اجمعين.
اعلم انهم قدذكروا ان لله سبحانه صفات ثبوتية بعد استقرارهم علي ان الصفات عين الذات و قالوا هي القادر و العالم و الحي و المريد و المدرك و القديم و المتكلم و الصادق فعنونوا هذه الصفات و تكلموا فيها بما لا مزيد عليه ونحن نسالهم ان المراد بهذه الصفات الصفات الذاتية او الفعلية فان كان المراد الصفات الذاتية فلم تعدون فيها المريد و المدرك و المتكلم فانها بنصوص الكتاب و السنة و صريح العقل القاطع من صفات الفعل هب لم تركتم ساير الصفات الذاتية التي قدوصف الله نفسه بها في كتابه و وصفه حججه في سنتهم و يشهد العقل القاطع بانها من صفات الذات كالسميع و البصير و السلطان و الولي و الرب و الغالب و القاهر و امثال ذلك مما لايجوز عن الله سبحانه نفيه بحال من الاحوال و هو الفارق بين صفات الذات و صفات الافعال عند المحمد: و ان كان المراد الصفات الفعلية فلم عددتم فيها القادر و العالم و الحي فانها من صفات الذات بالاتفاق هب لم اقتصرتم علي هذه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 136 *»
المذكورات و صفات الفعل خارجة عن حد الاحصاء كالخالق الرازق المحيي المميت المنعم المنتقم الي غير ذلك مما ورد به الكتاب و السنة و ان اردتم الكليات فكان العالم القادر يكفيان فان العالم القادر حي ليس بميت و القادر مريد مدرك متكلم صادق بل كان يكفي عن جميع ذلك القديم فان القديم ما يجوز فيه يجب و لايكون القديم الا الجامع لجميع الكمالات فما المخصص لذكر هذه الصفات و ان اردتم ذكر ما وقع التشاجر فيه فاعظم ما وقع التشاجر فيه العدل و تركتموه و لا نزاع في قدمه و قدرته و ذكرتموه و ان اردتم ذكر الجزئيات فهي اكثر من انتحصي و ان اردتم الاسماء الحسني التي هي اشرف الاسماء فهي تسعة و تسعون و ان اردتم كليات صفات الذات و صفات الافعال فلم ذكرتم المدرك و المتكلم و الصادق و الحي فما الذي عنيتم بهذه الاسماء دون غيرها هل من مجيب يجيبني و هل من راد يردني و هل من معترض يعترض علي فتدبر رحمك الله و اخلع عن رقبتك ربقة التقليد و انظر في المسئلة ببصر حديد و تفكر فيها براي سديد ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.
ثم ذكروا ان صفات اخر تسلب عن الله سبحانه و هي المركب و الجسم و المرئي و المحل و الشريك و المعنوية و ان يكون له خالق فتفكر فيما سلبوه عن الله سبحانه و خصوه بالذكر هل هي كليات مايسلب عن الله او جزئياته فان كانت هي الكليات فكان يكتفي بالمركب فان ما سوي الاحد مثني و لايجري عليه التثنية لانه احد و ان ارادوا كليات العوالم فلم لميسلبوا عنه كلية الحقايق و الصور المجردة عن المادة و الصورة و الكلية الطبيعية و المادية و المقدارية و ان ارادوا الجزئيات فما يسلب عن الله سبحانه بقدر ذرات الموجودات اذ لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فيسلب عنه جميع ماكان و ما يكون الي يوم القيمة ليس كمثله شيء و هو السميع البصير فاين ساير ما يسلب عن الله من صفات الحوادث.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الناس همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 137 *»
كل ريح وجدوا اباءهم حين كانوا من الجماعة و السنة علي امة و انهم علي اثارهم مقتدون و من استنار بنور المحمد: و اهتدي بهديهم و اقتدي بهم و اقتفي اثارهم عرف ان كل صفة كمالية ثابتة لله سبحانه و هي لا حد لها و لا نهاية و كل صفة خلقية منتفية عنه سبحانه و هي ايضا لا حد لها و لا نهاية فالصفات الكمالية الثابتة لله سبحانه ثابتة له في مواقعها و من عرف تلك المواقع فهو في معرفة الله سبحانه بارع و اما كنه الذات القديمة الاحدية فهي منزهة عن الصفات كلية لقوله سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون و قول وليه7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل و قال وليه الصادق7 من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة و اذا وجدت مشايخنا يعنونون هذه الصفات و يتكلمون فيها فاعلم انهم+ لما ابتلوا بهذا الخلق المنكوس لميجدوا بدا الا انيكالموهم بما يعرفون و يبينوا بطلان ما هم اليه صايرون شيئا بعد شيء حتي لايستوحشوا و يتركوا الكل راسا و لو بعد حين و ذلك سنة ساداتهم انظر الي علي 7و سلوكه في عسكره و صدق مشايخنا و الا فالامر عندهم و عندي علي السواء و اما الان فقداستعد الزمان لاظهار بعض الحق بواضح البيان و الحمد لله الملك المنان.
فصـل: اعلم ان الصفات قدتقسم في ظاهر البيان علي قسمين صفات ذاتية و صفات فعلية اما الصفات الذاتية فهي التي هي عين الذات و لما كانت عين الذات اختصت بامور:
منها انها قديمة لانها عين الذات القديمة و منها انها لا تمايز بينها في الواقع الخارج لانها عين الذات الاحدية القديمة فاني يمكن فيها التعدد و منها انها لاتدرك كما ان الذات القديمة لاتدرك قال الله سبحانه لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و منها انها اذ لاتدرك لاينتزع عنها مفاهيم متعددة فان الذهن ما لميجد مصداقا خارجيا لايقدر علي الانتزاع منه و لو وجد فيه شيء من غير
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 138 *»
خارج لكان كذبا و الله سبحانه لايدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و منها انها غنية عن المتعلق كما ان الذات غنية عما سويها فلايشترط في علمه المعلوم و في بصره المبصر و في سمعه المسموع و في قدرته المقدور و في سلطنته الملك و امثال ذلك و منها انه يمتنع في هذه الصفات كلما يجوز في صفات الممكنات لان الازل يمتنع عن الحدث و الحدث يمتنع عن الازل فلايشترط في علمه المطابقة مع معلوم و لا الوقوع عليه و لايزيد و لاينقص و لايتغير و لايتبدل و امثال ذلك و منها انها لا ضد لها و ضدها ممتنع كشريك الباري و ضده فعلمه ليس بعلم ضده جهل و سمعه ليس بسمع ضده صمم و بصره ليس ببصر ضده عمي و قدرته ليست بقدرة ضدها عجز و هكذا فعلمه علم منفرد و سمعه منفرد و بصره منفرد لا يضادها مضاد فليس علمه بمعني علمنا و لا سمعه بمعني سمعنا و هكذا فليس نعقلها ابدا و منها انها لاتنفي عن الله سبحانه ابدا لانها عين الذات فكما ان الذات لاتنفي عن نفسها كذلك لاتنفي هذه الصفات عنها ابدا فلايقال لا علم و لاسمع و لا بصر و هكذا و منها ان هذه الصفات بسيطة احدية و ليست بمشتقة و ليست لها مبادي اشتقاق فليس اسمه العالم مثلا مشتقا من العلم و القادر مشتقا من القدرة فيكون نعوذ بالله عالمابعلم و قادرا بقدرة بل هو عالم بذاته قادر بذاته و ليس هناك علم و لا عالمية و معلوم و معلمة بل هي ذات بسيطة احدية يعبر عنها بتعبيرات مختلفة لما ارانا من اثار قدرته فلما ارانا مقدوراته قلنا انه قادر و لما ارانا معلوماته قلنا انه عالم و لما ارانا ملكه قلنا انه سلطان و لمنطلع علي كنه ذاته بوجه من الوجوه ثم راينا انه في ذاته كامل لايفقد الكمال و هذه الصفات وجودها كمال و عدمها نقص فاثبتناها له كما اثبت لنفسه و ارانا في الافاق و الانفس ثم تداركنا هذا الاثبات بامور تنفي التشبيه عنه سبحانه فاخرجناه عن الحدين حد التعطيل و حد التشبيه علي ما عرفت فلمنسلب عنه الكمال فنعطله و لمنقل انه فيه ككمال الخلق فيكون لذاته حيوث و جهات فنشبهه بل قلنا انه علم بكله لا بمعني ان له جزءا و سمع بكله لا بمعني انه من حيث علم و من حيث سمع بل هو سمع من حيث انه علم و هكذا ساير الكمالات.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 139 *»
و ان قلت فاذا هذه الاسماء اعلام مرتجلة و لاتفيد للمسمي كمالا اذ لميكن لها مفهومات معنوية وصفية قلت ان لهذه الاسماء مفاهيم عندنا و الاسماء منا و الينا فلما احتجنا الي ذكر كماله اخذنا اسماء كمالية من عالمنا و عبرنا بها عنه فافاد لنا الكمال لانها اسماء كمالية و لمنعبر بغيرها مما يفيد النقص و لما خفنا عليه التشبيه استدركنا ذلك بمااستدركنا كما نستدرك من تسميتنا اياه بالله و قدسئل ابوالحسن الرضا7هل كان الله عزوجل عارفا بنفسه قبل انيخلق الخلق قال نعم قلت يراها و يسمعها قال ماكان محتاجا الي ذلك لانه لميكن يسالها و لايطلب منها هو نفسه و نفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج الي انيسمي نفسه ولكنه اختار لنفسه اسماء لغيره يدعوه بها لانه اذا لميدع باسمه لميعرف فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه اعلي الاشياء كلها فمعناه الله و اسمه العلي العظيم هو اول اسمائه علا علي كل شيء و عن ابيعبدالله7 انف عن الله البطلان و التشبيه فلا نفي و لا تشبيه هو الله الثابت الموجود و تعالي الله عما يصفه الواصفون و لاتعدوا القران فتضلوا بعد البيان و عنه7 ليس قولي انه سميع بنفسه انه شيء و النفس شيء اخر ولكني اردت عبارة عن نفسي اذ كنت مسؤلا و افهاما لك اذ كنت سائلا فاقول يسمع بكله لا ان كله له بعض لان الكل لنا له بعض ولكن اردت افهامك و التعبير عن نفسي و ليس مرجعي في ذلك كله الا انه السميع البصير العالم الخبير بلااختلاف الذات و لا اختلاف المعني و عن ابيجعفر7 في حديث ثم خلقها اي الاسماء وسيلة بينه و بين خلقه يتضرعون بها اليه و يعبدونه و هي ذكره و كان الله و لا ذكر و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لميزل و الاسماء و الصفات مخلوقات و المعاني و المعني بها هو الله الذي لايليق به الاختلاف و لا الايتلاف و انما يختلف و ياتلف المتجزي الخبر.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 140 *»
فصـل: في صفات الفعل و هي صفات تشتق من افعال يفعلها الله سبحانه في خلقه فلما خلق سبحانه الخلق اشتققنا له الخالق و لما رزق عباده الرزق اشتققنا له الرازق و هكذا فهذه الصفات مشتقة و لما كان الله سبحانه قادرا مختارا له انيفعل فعلا و له ان لايفعل فان فعل يشتق له اسم منه اثباتي و ان لميفعل يشتق له اسم نفيي كما تقول اذا والي المؤمنين موالي و اذا لم يوال الكافرين بل عاداهم غيرموال و المعادي و ان احب الخير المحب و ان ابغض الشر المبغض و ان اراد اليسر المريد و ان لميرد العسر و تطهير قلوب الكافرين غيرمريد و ان تكلم مع المؤمنين و نظر اليهم المتكلم الناظر و ان لميتكلم مع الكافرين و لمينظر اليهم غيرمتكلم و الساكت و غيرالناظر و هكذا فهذه الاسماء يوصف الله بها و باضدادها بخلاف صفات الذات فانه لايوصف باضدادها فلايقال العالم و الجاهل و البصير و الاعمي و السميع و الاصم و القادر و العاجز و امثالها لانها عين الذات الاحدية و هي لاتعدم و لاتتغير و لاتنتقل الي حالة ضد الحالة الاولي قيل لابيعبدالله7 لميزل الله متحركا فقال تعالي الله ان الحركة صفة محدثة بالفعل قيل فلميزل متكلما فقال ان الكلام صفة محدثة ليست بازلية كان الله عزوجل و لا متكلم و قيل له لميزل الله مريدا قال ان المريد لايكون الا و المراد معه لميزل عالما قادرا ثم اراد و قال خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و قيل له علم الله و مشيته هما مختلفان او متفقان فقال العلم ليس هو المشية الاتري انك تقول سافعل كذا ان شاء الله و لاتقول سافعل كذا ان علم الله فقولك ان شاء الله دليل علي انه لميشا فاذا شاء كان الذي شاء كما شاء و علم الله السابق للمشية و قال ابوالحسن7 ارادة الله الفعل لا غير ذلك و في حديث المشية و الارادة و الابداع اسماؤها ثلثة و معناها واحد و حديث الرضا7بطوله في مكالمة سليمان المروزي و مبالغته في اثبات ان الارادة حادثة معروف لاينكر فلما راينا انه يتكلم و لايتكلم و يريد و لايريد عرفنا انهما و امثالهما من صفات الافعال و هي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 141 *»
حادثة بخلاف صفات الذات فانها لمتزل كما روي عن ابيعبدالله7 لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور الخبر و عن الرضا7 المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لميزل مريدا شائيا فليس بموحد انتهي.
فتبين مما ذكرنا الفرق بين صفات الذات و صفات الافعال و تبين مما ذكر ان المتكلم و المريد و المدرك و امثالها من صفات الافعال فان المتكلم صفة مشتقة من الكلام فان اوجد الله الكلام فهو متكلم و ان لميوجد فليس بمتكلم و من زعم ان الكلام حقيقته عين الذات فقدانكر التوحيد لان الكلام ان كان هو الذات الاحدية بلا اختلاف فلميقال له كلام و ان كان الكلام مترادفا مع الذات فلايفيد المعني المتنازع فيه و ان كان له معني غير معني الذات فقداثبت في الذات غيره.
و ان قيل انا نثبت الكلام في الذات كما تثبت السمع و البصر قلت ان السمع و البصر اضدادهما نقص ممتنع علي الله سبحانه و ان عدم الكلام من كمال الله سبحانه كما ان الكلام من كماله و لايجوز انيكون الذات شيئا و عدم ذلك الشيء معا سواء اريد بالكلام الاصوات و الحروف كما هو الظاهر او اريد به الكلام الكوني الذي هو ما سواه سبحانه فان كلها كلامه سبحانه قال بكلمة منه اسمه المسيح فان له الخلق و الامر و كله سويه و خلقه لا من شيء و ليس في ذاته بالبداهة بعد ما بيناه سابقا و كذا الارادة فانها مقارنة للمراد و وجود الارادة مع عدم حصول المراد نقص فلو كانت الارادة عين الذات لكان يجب انيكون المراد معه في ذاته و القول بان الارادة هي العلم الخاص بالمراد كلام باطل فان الله يقول انما امره اذا اراد شيئا و ليس معناه اذا علم شيئا و ان كان اراد بمعني علم لوجب انيكون قول كن ازليا فاذا كان ازليا كان يجب انيكون المكون ايضا ازليا لعدم تخلف المشروط عن شرط
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 142 *»
وجوده و تقول افعل ذلك اذا اراد الله و ان لميرد لاافعل و لمترد به افعل ذلك ان علم الله فانه يعلم ابدا و كذلك انت تقول يعلم و معلومه نفسه و ان قلت يريد بذاته لزم انيكون المراد نفسه فاراد انيكون ذاته شيئا او كاملا فاختر لنفسك ما يحلو.
بالجملة ظهور كون الارادة حادثة في مذهب اهلالبيت: و الكتاب كظهور الشمس في رابعة النهار و حديث مجلس الرضا7 مع سليمان بذلك الاصرار معروف فان كانوا يريدون من الارادة ما يعقل و يفهم فهذا الجواب و ان كانوا يريدون به ما لايعقل و لايفهم فلا كلام لنا معهم.
و اما الصادق فهو و ان كان لايطلق علي الله ضده و هو الكاذب الا انه بلحاظ صفة تابعة للقول المطابق للواقع في الظاهر فان كان قول يكون صادقا في قوله و ان لميحدث قولا فلا صدق و لا كذب الاتري انك لو لمتنطق لمتصدق و لمتكذب و ان نطقت و كان موافقا صدقت و الا كذبت و الله سبحانه ان لميتكلم فلا كلام حتي يكون موافقا فلا صدق و لا كذب و ان تكلم فقد صدق و هو صادق لايكذب اللهم الا انيراد منه محض الكمال فهو عين الذات حينئذ و غني عن محل كغني الذات فيكون حينئذ كالعالم الغني عن المعلوم فبهذا المعني من الصفات الذاتية فتقول صادق لا كذب فيه كما انه عالم لا جهل فيه فافهم.
و اما المدرك بالكسر فالمدرك بالفتح يلزمه و لايمكن انيكون المدرك في ذاته سبحانه و لايعقل انيدرك نفسه اذ المدرك ليس بمعني العالم بل هو انيدرك شيئافلايفوته و لايخرج من تحت سلطانه و اما نفسه هو هو لايحتاج الي انيدركه فجميع هذا و اشباهه من صفات افعاله.
بقي شيء و هو ان بعض الصفات الذاتية لها اشراقات فعلية تقترن بالمخلوق و تقع عليه كالعلم بالمعلوم فان العلم بالخلق مقترن بالخلق و كسمع المسموع و ابصار المبصر و القدرة علي المقدور و امثال ذلك فهذه الصفات عند الاقتران صفات فعلية فان الذات لاتقترن بغيرها و لايوجد غيرها فيها فالعلم الذاتي و السمع الذاتي و البصر الذاتي و امثالها غنية عن المتعلق كما ان الذات غنية عن غير الذات فلايتوقف كونها ذاتا الي اقتران بغيرها و كذلك علمه الذاتي لايحتاج الي اقتران معلوم به في كونه علما و اما العلم بالمعلوم فماخوذ في مفهومه الاقتران
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 143 *»
بالمعلوم فهو غير الذات و هذا قوله7 فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور و هذا العلم الواقع غير الذات فان الذات لمتقع و لمتتغير عما كانت عليه و سياتي تفصيل القول في العلم ان شاء الله و ذكرنا هذين الفصلين هنا حتي تعلم ان الذي ذكروه من الصفات الثبوتية و السلبية كلام غير مرتبط و لميصدر عن حكيم و لايشهد له كتاب و لا سنة و انما اتبع اخرهم اولهم من غير بصيرة و ما ذكرناه هنا فهو قشور المسئلة و ظواهرها و اما اللباب فقد مر انفا فراجع.
فصـل: اعلم ان من الحكماء من قال ان صفاته سبحانه مغايرة لذاته باعتبار و عينه باعتبار و مثلوا بالقائم و منهم من قال بمغايرتها مع الذات مطلقا فهو حي بحيوة و قادر بقدرة و امثال ذلك الا انها علي غير نحو مغايرة الاجسام و منهم من اثبت الصفات و قالوا انها ليست اياه و لا غيره و ليست موجودة و لا معدومة و ليست قديمة و لا حادثة و منهم من قال هي عين ذاته فهي علي كثرتها موجودة بوجود واحد من غير لزوم كثرة و انفعال و قبول و فعل كما ان الماهية موجودة بعين الوجود الا ان الواجب لا ماهية له هذا بعد اتفاقهم علي ان الله سبحانه موصوف بصفات في الجملة ثم لميفرقوا بين الصفات الذاتية و الصفات الفعلية و كل هذه الاقوال خارجة عن نهج الاعتدال الذي هو الصراط المستقيم صراط المحمد: كما ستقف عليه.
اما القول بالمغايرة باعتبار فهو باطل لان الله سبحانه واحد احدي المعني ليس فيه حيث و حيث و اعتبار و اعتبار بوجه من الوجوه كما عرفت فلا معني لكون الصفات عينه باعتبار و غيره باعتبار ابدا مع عدم الاعتبار المنافي للاحدية فيه.
و كذا القول بالمغايرة من كل جهة للزوم تعدد القدماء و كون الذات محل غيرها و انما هو حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما كما قيل للرضا7
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 144 *»
ان قوما يقولون انه عزوجل لميزل عالما بعلم و قادرا بقدرة و حيا بحيوة و قديما بقدم و سميعا بسمع و بصيرا ببصر فقال7 من قال ذلك و دان به فقد اتخذ مع الله الهة اخري و ليس من ولايتنا علي شيء ثم قال لميزل الله عزوجل عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا لذاته تعالي عما يقول المشركون و المشبهون علوا كبيرا.
و اما القول بانها مع كثرتها موجودة بوجود واحد من غير لزوم كثرة فكذلك فانه ان كان يثبت فيها الكثرة و يدركها متكثرة فكيف تكون عين الاحد و ان كان لايفهم منها كثرة بل يراها كالفاظ مترادفة فقد بطل انها عين الذات موجودة بوجودها و انها مبنية علي القول بوحدة الوجود و بسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء و الوحدة في الكثرة و هي لاتتمشي في مذهب اهلالبيت:.
فالقول الحق المطابق للكتاب و السنة ان لله سبحانه صفات ذاتية هي عين ذاته الظاهرة التي دل عليها بها و هي ذات الله العليا كما شرحنا سابقا و اوضحنا انفا و صفات فعلية هي في افعاله كما اريك ايته و دليله في نفسك و قال سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال خليفته قدعلم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و انا اذا نظرنا في انفسنا راينا ان لناصفات هي عين انفسنا كالعلم و السمع و البصر و الحيوة و القدرة و امثالها فالانسان عالم في نفسه و ان لميحضر عنده معلوم و سميع و ان لميكن صوت و بصير و ان لميكن لون و ضوء و حي في نفسه و قدير و ان لميكن مقدور فهذه الصفات هي ذاته و لاتوصف باضدادها و له صفات اخر مقترنة بالمفاعيل فهو كاتب عند كتابته بكتابته و قائم عند قيامه بقيامه فلوكان قائما في ذاته لكانت تعدم بالقعود و لو كان اكلا بذاته لامتنع عليه تركه فهذه الصفات صفاته عند تجليه بافعاله و كذلك ربنا الذي ارانا اياته في انفسنا و قال و في انفسكم افلاتبصرون وقال نبيه9 من عرف نفسه فقدعرف ربه فالله سبحانه من صفاته
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 145 *»
ما هي عين ذاته الظاهرة لاتعدم و لاتزول و لايتصف باضدادها و منها ما هي عين افعاله و هي التي تكون ان فعل و ان لميفعل فلاتكون كالمنتقم و المنعم و الغافر و العافي و امثالها و هذا هو مذهب اهلالبيت الذين من عرفهم فقدعرف الله و من جهلهم فقدجهل الله و من وحده قبل عنهم.
فدع عنك قول الشافعي و مالك | و احمد و المروي عن كعب الاحبار | |
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم | روي جدنا عن جبرئيل عن الباري |
و ان قلت هب انكم ان كنتم تقولون ان الصفات الذاتية لها مفاهيم كمالية و قلتم انها عين الذات فقد اثبتم الكثرة و ان قلتم انها الفاظ مترادفة فلا كمال في اثباتها قلت ان لهذا البحث عندنا جوابين جوابا باطنا فقد قدمناه سابقا و جوابا ظاهرا فقدبيناه ايضا انفاعلي الاجمال و نزيده هنا تاكيدا للبيان و اتماما للبرهان و هو انه لا شك ان مفهوم العلم غير مفهوم السمع عندنا و مفهوم السمع غير مفهوم البصر عندنا و هكذا ساير الصفات و هذه الصفات المتعددة صفات كمالية عندنا لاينكر ذلك عاقل و ان الله سبحانه خلق الخلق و خلقه في رتبة الحدوث لا في رتبة القدم و لايحيطون به علما و هو سبحانه قدعرف نفسه لخلقه بانفسهم و جعلهم اية تعرفه و تعريفه فقال نبيه9 من عرف نفسه فقدعرف ربه و نحن لما نظرنا في ذواتنا التي هي ايته سبحانه رايناها ذاتاعليمة سميعة قديرة حية و هذه الكمالات عينها كما بينا و شرحنا فوصفناه سبحانه بماعرفنا من نفسه بانه عالم سميع بصير حي و نحن لانتجاوز ذواتنا و حقايقنا و لايبلغ مداركنا كنه ذاته الاحدية الا من حيث عرفنا من نفسه فنصفه بما وصف لنا من نفسه فينا و نعلم ان الوصف يجب ان يطابق الموصوف في صفته المتصلة به ان كان الموصوف مركبا كالحمرة التي في المراة من وجهك فانها تطابق حمرة وجهك المركب و اما ان كانت الصفة ما احدثها الذات لا من شيء و هي اي الذات احدية فلايجب المطابقة بل تمتنع فالوصف حينئذ مطابق للوصف و هو وصفها ايضا فلايتجاوز ما نقوله و ما نصفه به ايته و عنوانه و علمنا انه مباين مع خلقه لايشبه خلقه و ليس
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 146 *»
كمثله شيء و هو السميع البصير فعلمنا ان كمال توحيده في ذاته نفي الصفات عنه و كمال توحيده في عنوانه اننصفه بما وصف به نفسه فقلنا انه عليم علي ما عرفنا من نفسه و سميع و بصير و قدير علي ما وصف لنا من نفسه و سبحان ربك رب العزة في ذاته عما يصفون ولانعلم من ذاته شيئا لا بنفي صفة و لا باثبات صفة الا من حيث عرفنا فينا من انه منزه عن كل كثرة و ليس كمثله شيء و هو الله احد الله الصمد لميلد و لميولد و لميكن له كفوا احد.
و ان قلت هل هذه الصفات المتعددة التي تصفونه بها و عرفكموها في عنوانه مطابقة للواقع ام لا فان كانت مطابقة فجاءت الكثرة و ان كانت مخالفة فجاء الكذب قلت ان صفة الذات تطابق الواقع و هو صفة الذات و لايجوز انتكون مطابقة للذات و الذي تقوله يتمشي فيما يوصف به موصوفات مركبة و حينئذ يجب المطابقة بين ما تقول و بين الواقع فانه المصداق و اما اول الاوصاف بعد الذات فلايجوز انيطابق الذات و لاتكون مصداقه و انما مصداقه نفسه بنفسه فهو مطابق لنفسه صادق علي نفسه الاتري انك في وجهك احمر و ابيض و حسن او قبيح و صفاتك هذه يجب انتكون مطابقة لصفاتك فلاتكون صفة غيرك لك و ليس تطابق ذاتك و ليست ذاتك بحمراء و بيضاء فصفات الله سبحانه التي عرف نفسه للخلق بها فيه يجب انتكون مطابقة لكماله في صفاته و لا معني لمطابقتها مع ذاته الاحدية فافهم و اغتنم فقداسقيتك ماء غدقا.
فتبين ان الصفات الثبوتية و السلبية بجميع معانيها كلام خال عن التحقيق و المراد بالصفات الذاتية في اخبار اهلالبيت: صفات وصف الله بها ذاته لنا فينا و اما صفات وصف الله بها افعاله فينا فهي الصفات الفعلية و هذا منتهي القول في امر الصفات كلية علي الحق الحقيق بالتحقيق و الحمدلله.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 147 *»
المطلب الثاني
في علمه سبحانه و مراتبه في ذاته الازلية و تعلقه بالمعلومات
و فيـه فصـول
فصـل: اعلم انا قداسلفنا سابقا فيما ذكرنا من التوحيد انه سبحانه واحد احدي المعني لا غاية لذاته و لا نهاية و ليس فيه ذكر غيره لا بعين و لا كون و لا امكان لا باثبات و لا نفي علي ان النفي شيء فرع الاثبات كما روي ان النفي شيء فذاته هو و هو ذاته احديا لايثني و لايجزي لاينتهي الي غيره سواء كان امكانا او كونا او عينا و سواء كان ذاتا او صفة او فعلا و سواء كان منيرا او نورا فان كل ذلك يستلزم التحديد المنافي للاحدية و كل ما سوي ذاته الاحد خلقه كما روي عن الرضا7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فذاته سبحانه ازل ممتنع عن الحدث بكل اعتبار و خلقه حدث ممتنع عن الازل هو خلو من خلقه و خلقه خلو منه فلايذكر خلقه ابدا في ذاته لان ذكر غير باي نحو من الانحاء و اعتبار من الاعتبارات و حيث من الحيوث و جهة من الجهات و فرض من الفروض شيء غيره و هو ليس محلا لغيره و كم من كلي حق يسلمه الناس فاذا فصل ما يتفرع عليه انكروا و لا شك انه سبحانه هو هو لايفقد نفسه و لاتغيب عنه لانه هو هو فلايجهل نفسه و يعبر عن ذلك في الخلق بانه علم بنفسه علي معني انه ليس يجهل بنفسه فعلمه بنفسه هو نفسه و نفسه هي علمه فاتحد العلم و العالم و المعلوم و انما هذا في التعبير و الا فلايحتاج انيعلم نفسه فان المعلمة لنفي الخلاف و لا خلاف علي معني الامتناع و يعلم فعل و هو ذات لا حركة فيها ففي رتبة ذاته عند التعبير العلم عين المعلوم بكل اعتبار علي معني الاحدية المحضة الحقية و ليس علمه بذاته الذي هو ذاته هو عين علمه بغيره لان غيرها ليس عينها بكل اعتبار للزوم الاقرار بالاحدية التي تنفي الحيوث و الكثرة و تمنع عن ذكر الغير معه بكل اعتبار و لان علمه الذي هو ذاته الاحدية بكل اعتبار ممتنع عن ما سواه مباين له لايشابه غيره و ليس كمثله شيء و لايعقل العلم الممتنع عن المعلوم غيرالموافق له غيرالمشابه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 148 *»
به المباين له غير الواقع عليه فقدتبين انه سبحانه في ذاته عالم و لا معلوم كما قال الصادق7 لميزل الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم.
و ان قلت فاذا هو جاهل بالمعلوم في ذاته قلت علمه سبحانه عين ذاته فكما انه لا ضد لذاته لا ضد لعلمه فليس الجهل ضد كونه علما و لايلزم من امتناع كون علمه بذاته الذي هو ذاته علمه بغيره كونه جهلا بغيره و الجهل امر وجودي ضد العلم الذي في الحوادث الاتري ان الله سبحانه خلق الجهل و جعل له جنودا فهو علم سبحانه و لا معلوم علي معني الامتناع فافهم ان كنت تفهم.
و ان قلت فهل يعلم في رتبة ذاته خلقه قلت في رتبة صلة يعلم او حال عن خلقه و ظرف له فان كان صلة يعلم فيكون يعلم الفعلي عين ذاته فلا و ان كان غير ذاته و فيها فلا و ان كان دون ذاته فلايكون في صلته و ان كان ظرف خلقه فلايكون خلقه في ذاته سبحانه فلا معني لهذا الكلام و ليس في محال القول حجة و لا في المسئلة عنه جواب و لا لله في معناه تعظيم نعم هو سبحانه يعلم جميع خلقه لايفقد شيئا منه في ملكه و هو عالم ازلي بها و علمه بذاته عين ذاته و اما علمه بخلقه فاذ لميعقل انيكون هو عين علمه بذاته فوجب انيكون غيره و غيره خلقه اذ حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما ما لايكون غنيا يكون فقيرا و ما لايكون قائما بنفسه لنفسه كان قائما بغيره فعلمه بخلقه اذا وجب انيكون غيره وجب انيكون خلقه اذ لا واسطة فاما هو عين المعلوم او غير المعلوم و علي اي حال هو بنفسه معلوم فهو معلوم عين علم و كليات الحكمة لاتخصص ثم غير المعلوم مميز عنه مخالف في بعض الجهات فلايحصل الموافقة التامة بين العلم و المعلوم و ما حُجب المعلوم عنه حتي يتوصل اليه بواسطة بل كلها بانفسها حاضرة لديه مذكورة عنده بحقايقها و معانيها و رقايقها و صورها و اعراضها و صفاتها و افعالها و اشباحها الي ما لا نهاية له لمتحتجب عنه سبحانه حتي يتوصل اليها بعلم غيرها و الرحمن اذا كان علي العرش استوي و ليس شيء اقرب اليه من شيء اخر ليس العلم اقرب اليه من المعلوم و لا اشد تخصيصا به و لا اشد اتصالا به و انما القرب و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 149 *»
البعد و الاتصال و الانفصال و التناسب و التشابه و عدمهما و امثالها يتحقق بالنسبة الي مبدا محدود و اما الاحد الطاوي للحدود فنسبته الي الالف كنسبته الي الواحد بلا تفاوت بوجه من الوجوه و ليس يتوصل الي الالف بالواحد و ليس الواحد عنده اولي و اقرب اليه من الالف فاذا استوي النسب فليس احدها اولي بانيكون علما واحدها معلوما فكلها بانفسها علومه سبحانه بل علمه الكينوني الاحدي الازلي فانها كلها في هذه العرصة مذكورة بنحو الوحدة مع كونها في انفسها متكثرة و ليس العلم الا ذكر المعلوم عند العالم و حضوره لديه و لاتقس الله بنفسك حيث تريك تعلم زيدا و زيد رجل مثلك و ليس من كمالك و لا ارتباط له بك فتقول كيف يمكن انيكون المعلومات عين علم الله و كماله العلمي فلوعرفت انها ليست الا نوره و ظهوره و تجليه و تعريفه نفسه و تعرفه لخنس عنك الاستبعاد و عرفت سر الاتحاد و انه مع كون المعلوم عين العلم و العلم عين المعلوم يكون هو علمه سبحانه و هو عالم بذلك العلم واجد له لايفقده.
و ان قلت فهل قبل خلق الخلق كان الله سبحانه عالما بالخلق ام لا قلت ماتريد بهذا القول هل كان عالما بالخلق و الخلق معلوما له او كان عالما و لميكن الخلق معلوما له فان اردت هل كان الله عالما بالخلق و لميكن الخلق معلوما له فذلك من الهزل بمحل و ان اردت هل كان عالما و الخلق قبل كونه خلقا معلوما له سبحانه في ذاته انظر بنظر العبرة كيف يعقل انيكون الخلق معلوما لله في ذاته قبل انيخلقه الله و كيف يكون الله سبحانه محل غيره و ما معني قبل الخلق و لا قبل للخلق اذ القبل اما خلق او حق و ذاته لاتتعلق بغيره فـليس في محال القول حجة و لا في المسئلة عنه جواب نعم نحن نقول ان الله سبحانه كان عالما بما يخلقه قبل انيخلقه و علمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه ولكن نعني به الخلق الكوني في عالم الاكوان و قبله هو الامكان فالله سبحانه عالم بالاكوان في الامكان و علمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها اذ هي قبل كونها و حين كونها و بعد كونها لمتخرج من كونها امكانا هذا هو ظاهر القول في عبارة الخبر.
و اما باطن القول فيه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 150 *»
ان الخلق له اعتباران اعتبار هو هو و يسمي بذلك خلقا زيدا و عمرا و بكرا و في هذا الاعتبار اثر المشية و اعتبار معلومية لله سبحانه و هذا الاعتبار اعلي من الاعتبار الاول بدرجة فانك تلاحظ مذكوريته عند العالي و تري ذكر الذاكر و الذاكر عليه و هو بهذا الاعتبار متعلق العلم و العلم قبل المشية اذ بالعلم خلقت المشية و شاء كما علم فالاشياء اعتبار كونها معلومة فوق اعتبار كونها مخلوقة كما ان اعتبار كونها مشاءة فوق اعتبار كونها مرادة و اعتبار كونها اية فوق اعتبار كونها هي هي فالاشياء كانت معلومة لله سبحانه قبل انتكون مخلوقة بلاشك كما كانت مشاءة قبل انتكون مرادة قال الرضا7ليونس اوتدري ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول قال او تدري ما الارادة قال لا قال هي العزيمة علي ما يشاء و قال الكاظم7 بعلمه كانت المشية و بمشيته كانت الارادة الخبر و روي في قوله هل اتي علي الانسان حين من الدهر لميكن شيئا مذكورا قال بلي كان مذكورا في العلم فتدبر في هذا المعني الشريف و اعرف منه معني قوله7 فالعلم في المعلوم قبل كونه و المشية في المشاء قبل عينه و الارادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عيانا و وقتا و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات الخبر و هو بحر من العلم متلاطم فالشيء يكون معلوما بالعلم كائنا بالمشية متعينا بالارادة قائما بالقدر مفصلا بالقضاء مبرما بالامضاء فالله سبحانه عالم بالمعلومات قبل كونها كما يكون عالما بها بعد كونها بلا تفاوت فان الشيء كما اذا عُين لميخرج عن الكائنية كذلك اذا خلق كونا لميخرج عن المعلومية فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان علمه سبحانه بخلقه عين خلقه لا عين ذاته و عين ذاته عالم ابدا ازلا بخلقه في خلقه كلا في حده و مكانه و وقته كما ياتي ان شاء الله.
فصـل: اعلم ان كل عال متعال عن حدود ما دونه كائنا ماكان فبهذا الاعتلاء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 151 *»
لزم انيكون محيطا لجميع ما دونه في امكنته و حدوده و اوقاته بلا نهاية و الا لكان محدودا بحدود بعضها حيث احتجب عنه بعضها كما ان كان هذا البعض محجوبا عن البعض الاخر فما لميكن ذلك العالي كالبعض الاخر لميكن يحتجب عنه ما كان يحتجب عن البعض الاخر فالعالي باعتلائه لايحتجب عنه مثقال ذرة من الداني و لما كان مشعر الناس غالبا نفسانيا صوريا فاذا ارادوا انيفهموا هذا المعني فرضوا في خيالهم فضاء واسعا و فرضوا انفسهم في اعلي ذلك الفضاء و بسطوا في الاسفل بساط الموجودات و توهموا عليه موجودات ثم يتوهمون عدم اشياء ثم وجودها فيظنون انهم لميصاقعوها و لميتغيروا بتغيرها فيتوهمون ان العالي ايضا كذلك و لايكون عدم شيء في نظره و وجوده بعد عدمه سبب مصاقعته معها و تغيره بذلك اذ لايتصورون من المصاقعة الا انيكون في عرض ذلك البساط و هم غافلون عن ان السماء مصاقعة مع الارض في الجسمانية و ان كانت اعلي مكانا و يمر عليها من الوقت ما يمر علي الارض و ان الارض اذا لميكن عليها شيء يوم السبت و كان يوم الاحد فقد مر علي السماء ايضا اليومان بالبداهة فاذا تصورت نفسك اعلي مكانا و لميكن في الاسفل شيء ثم كان كان زمان عدمه غير زمان وجوده و حين عدم رؤيتك اياه غير حين رؤيتك اياه فقد مر عليك الوقتان كما مر علي البساط فالعالي الموثر ان لمير في اثاره شيئا ثم راي فقداختلف حالتاه كاثره و مر عليه مثل وقتيه البتة فذلك مناف لفرض الخروج عن وقت الاثر فالعالي الخارج عن حدود الداني يجب انيكون جميع الداني بما لانهاية له حاضرا لديه ابدا لايعقل بعد حدوث شيء في ملكه بعد ان لميكن فان كان العالي ازليا يجب انيكون جميع اثاره غيرالمتناهية حاضرا لديه ازلا ابدا علي نحو الاحدية نعم لايكون في رتبة ذات العالي و يكون بعضها بالنسبة الي بعض غير ازلية و غير احدية و ان كانت النسبة ايضا حاضرة لدي العالي ازلا ابدا فالكل و كل واحد واحد حاضر عند العالي ازلا ابدا يمتنع عليها من حيث الحضور التغير و التبدل و الحركة و الترقي و التنزل و التكثر فان حدوث كل شيء من ذات او صفة او نسبة او حالة فيه بعد ان لمتكن يوجب تصاقع العالي معها و انتظاره حين عدمها لوجودها البتة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 152 *»
و لايلزم من ذلك تناهي علم العالي و كماله اذا لمتتغير و لمتزد فانها غيرمتناهية بانفسها و كل واحد هو هو بلانهاية الاتري ان الاحد سبحانه لايزيد و لايترقي و معذلك هو غيرمتناه فالازل محيط بما لايتناهي بما لايتناهي هذا والاشياء بهذا الاعتبار تعرف العالي بعدم التغير و الترقي و الزيادة و الدوام و الثبات و وصفه فلو كانت علي غير ذلك لعرفت العالي بذلك و هذا الحضور فوق اكوان الاشياء و حقايقها و اول اذكارها باكوانها و اعيانها و مقاديرها و تفاصيلها و ذواتها و صفاتها و افعالها و اثارها و اثار اثارها بلانهاية فلكل ذلك ذكر و حضور علمي ازلي عنده سبحانه فالازل عالم بما لانهاية له ازلا و علمه بها اي حضورها لديه ازلي احدي و ان كان العالي سرمدا و هو الوجود الاطلاقي فجميع ما دونه حاضر لديه حضورا سرمديا واحديا علي طبق ما عرفت حرفا بحرف فلايفقد العالي شيئا في ملكه ابدا سرمديا فجميع ما دونه من حيث الحضور لديه سرمدي واحدي بذاته و صفاته و افعاله و اثاره و اثار اثاره الي ما لانهاية له و ان كانت من حيث انفسها و نسبة بعضها الي بعض غير سرمدية و غير واحدية و ان كان العالي دهريا و هو الوجود المقيد و حقيقة الشيء و كونه و اول اذكاره فجميع ما هو دونه بذاته و صفاته و افعاله و اثاره و اثار اثاره الي ما لا نهاية له حاضر لديه وجودا دهريا صوريا مجردا و كلها من حيث الحضور لديه دهري صوري و ان كان بعضه بالنسبة الي بعض غير دهري مادي فلايفقد شيئا مما دونه ابدا دهريا علي حذو ما سبق و ان كان العالي زمانيا فكل ما هو حاضر لديه يجده زمانيا ماديا و لايفقده في ذلك الزمان حال حضوره فعلم كل عال بما دونه صفته و تجليه و ايته علي ما تبين واعلم ان هذه اللغة لغة الحكمة و لايعرفها الا ابناء الحكمة فان كنت منا تفهم مافهمنا و الا فلاتتكلف تتعب نفسك و غيرك.
فصـل: ان لفظ الزمان و الدهر و السرمد و الازل كثير التداول بين منتحلي الحكمة و قل من عرفها فاحببت اناشرح هنا شرحا لان فهمها شرط فهم المسئلة فنقول:
اعلم ان لكل صفة حدا خاصا غير حد الصفة الاخري فالحمرة غير البياض
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 153 *»
و الطول غير القصر و الخفة غير الثقل و هكذا فهي متغايرة متصادمة لايمكن اجتماعها في مكان واحد ذاتي و الصفات كمالات الذوات و فعلياتها و لكل واحدة مكان ذاتي في عرصة الوجود غير مكان الاخري البتة فاذا نسبت صفة الي صفة وجدت حضور احديها عندك غير حضور الاخري و احديها غيرحاضرة لديك بحضور الاخري فنسبة ترتب هذه الحضورات عندك زمان اذا نظرت اليها بعين الوصفية فان الصفات مترتبة بعضها علي بعض و بعضها سبب بعض و بعضها معد بعض و بعضها شرط بعض و قدنضدت في عالم الفعليات علي النظم الطبيعي و تخرج في عالم القوة و الاستعداد من القوة الي الفعلية كذلك اي يخرج السبب اولا و المسبب ثانيا و المعد اولا و المعدله ثانيا و الشرط اولا و المشروط به ثانيا فينتزع من ترتب خروجها امتداد و هذا الامتداد هو الزمان و يكال و يمسح و يقدر بالايام و الاسابيع و الشهور و السنين و القرون فتقول من ظهور تلك الصفة الي ظهور هذه الصفة يوم او اسبوع او شهر و هكذا و لما كانت الصفات مصادمة بعضها لبعض في الظهور لاتجتمع في مكان واحد و علي ذيقوة واحد معا يترتب ظهوراتها و ينتزع من ترتبها علي حسب سرعة الظهور و بُطئه امتداد و هو الزمان فيختلف هذا الامتداد بحسب اختلاف ذيالقوة في الكثافة الحاجبة لظهور الفعليات بسرعة و اللطافة غيرالحاجبة فيكون ظهور التدرج و الترتب و الامتداد في الكثيف ابين منها في اللطيف فعلي ذلك زمان العناصر اكثف يعني اشد امتيازا من حيث الانات و الاجزاء من الافلاك و في الافلاك اكثف من الكرسي و في الكرسي اكثف من العرش فالعرش اصلح لظهور الفعليات الكثيرة منه دفعة علي نحو الوحدة من الكرسي و الكرسي اصلح لذلك من الافلاك و الافلاك من العناصر و يكون تشاكل انات العرش اكثر من تشاكل انات الكرسي و تشاكلها اكثر من تشاكل انات الافلاك و تشاكلها اكثر من تشاكل انات العناصر فظهور الحدوث و التجدد في كل دان اكثر من عاليه و توارد الحالات المختلفة فيه ابين.
بالجملة الزمان هو امتداد متنزع عن ترتب ظهور الفعليات في عرصة القوة و الاستعدادات كما رايت و سبب خفاء ما مر منه مصادمته مع الحال و انتقاله الي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 154 *»
القوة ثانيا بالنسبة الي الفعلية الظاهرة في الحال فلايدرك بعين فعلية الحال و قدانتقل الي الدهر بما هو عليه و اما ما سياتي فلانه بالنسبة الي الحال بالقوة و مصادم مع الحال فلايدرك و كلها في محالها منضدة موجودة ثابتة و ليس شيء منها خفيا خفي عن نفسه و انما يخفي بعضها عن بعض لان المادة في كل فعلية ذات قوة للباقي فاذا نظرت بعين تلك الفعلية لمينطبع فيها ما هو بالقوة و معدوم فلا موجود في الزمان ابدا الا الحال و طرفاه معدومان في زمانه و الثلثة موجودة معا في الدهر هذا شرح حال الزمان علي نحو الاجمال.
فصـل: في معني الدهر و حقيقته اعلم ان المراد بالدهر هو الامتداد المنتزع من ترتب الصفات و الفعليات علي الذوات فمدة انحفاظ الصفات لدي الذوات و امتداد بقائها لديها و ترتب الامداد النازلة اليها لحفظها عليها هي الدهر و جميع الزمان من مبدئه الي منتهاه كلحظة من الدهر فانه قدوجد بمدد واحد دهري و الاوقات الدهرية متشاكلة جدا و امتدادها الطف و اكثر و اجمع لتجردها و الامدادات المترتبة النازلة اقل تمانعا و اسرع ظهورا و اجمع وجودا و قداجتمع فيه جميع الفعليات الزمانية بقضها و قضيضها و قطميرها و نقيرها لايغادر صغيرة و لاكبيرة الا احصاها فيحضره جميع الايام و الاماكن و الحدود و النسب و الاضافات و الاوضاع و القرانات بكلها مترتبة كل في حده و مقامه لكن علي نحو التجرد الدهري اذ للكل مقام دهري و لسعة ذلك العالم و لطافة اجزائه لايقع تصادم بينها فاسفل الدهر المتصل بعالم الزمان تلك الفعليات التي كانت تظهر شيئا بعد شيء من فوارة الزمان و ترجع الي ماكان و هي الامثلة و اعلي من ذلك المادة التي هي مقترنة بها و هي محل امكانها المقيد بالنسبة و صلوحها و كانت فيها بالقوة و قدخرجت منها الي الفعل ثم فوقها الطبيعة و هي تلك المادة قبل التحصص المادي الشخصي و هي المادة النوعية للشيء فمنها يؤخذ حصة للشخص و هي المادة و يقترن بها صورة شخصية هي المثال و هي بمنزلة الامكان و المادة بمنزلة الكون و المثال بمنزلة العين و هذه المراتب الثلث اسفل الدهر المقترن بعالم الزمان بل
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 155 *»
هي ابعاض عالم الزمان و اجزاؤه الدهرية فان اجزاء الشيء قبل حال تركيبه و لذا قدتسمي هذه الثلثة بالبرزخ بين الزمان و الدهر و تسمي مع عالم الزمان بالخلق الثاني و العرضي و فوق هذه المراتب عالم النفوس و هي منتهي الخلق الاول و الشخص الحقيقي الذاتي و فعليات العالم الباقي من حيث الترتب و صور مجردة عن المواد المذكورة و عن تلك القوة و الاستعداد الزمانية و فوقها عالم الارواح و هي تلك الفعليات بقضها و قضيضها و هي في الخلق الاول كالمثال في الخلق الثاني و فوقها عالم العقول و هي مواد الخلق الاول تخرج منها تلك الفعليات و هي فيها بالقوة و المعنوية الكلية بلاتمايز صوري شخصي و فوقها مقام الفؤاد و هو بمنزلة الطبيعة للعالم الاول و الامكان للكون فهيهنا منتهي عالم الدهر و اعلاه و اسفله النفوس كما عرفت و اعلي البرزخ الطبيعة و اسفله الجسم المركب من المادة و المثال و قديلحق الفؤاد بعالم السرمد و الطبيعة بعالم الدهر و هو الانسب الاولي و عالم الزمان اعلاه العرش و هو كالعقل و المادة و اوسطه الافلاك و هي كالروح و المثال و اسفله العناصر و هي كالنفوس و الجسم و هذه الثلثة هي عرض العرض و قد حضر جميع هذه المذكورات في عالم الدهر حضورا دهريا كما ذكرنا و جميعها في الدهر في امكنتها و حدودها حاضرة مفصلة بجزئيها و كليها و نسبها و ترتباتها و اقتراناتها لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها و وجدوا ما عملوا بدهريته بعينه حاضرا.
و اما سر فعلية هذه الامور في الدهر و وجودها فيه و كونها بالقوة في الزمان معدومة انها هي في امكنتها محفوظة علي التجرد الدهري فلما خلق الله المواد الزمانية في غاية البعد و كانت هي مظهر الكل استجن فيها ظهور جميع تلك الفعليات لحجبها لغلظتها تلك الفعليات فمنعتها عن النفوذ و الظهور عنها فبقيت خفية معدومة لاتظهر لها عين و لا اثر و تدبرها ايدي التدبير علي مقتضي التقدير دائما فهي بانفعالها تحتها تترقق شيئا بعد شيء فتظهر تلك الفعليات عنها شيئا بعد شيء متميزة بتمايز زماني مادي و لاتتحمل تلك المواد ظهور فعلين عليها لتصادم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 156 *»
الفعلين المتباينين فتظهر علي ترتيب الحكمة كما مر فكلما ظهر منها فعل غاب فعل و هي في الحال الثاني صالحة من حيث نفس المادة للظهور الاول فالظهور الاول عند الظهور الثاني بالقوة لا بالفعل و ان كان هو في مكانه بالفعل لنفسه عند نفسه الاتري ان اليوم كان غد امس و صار يومنا و سيصير امسغد و امس مخفي عن يومنا كغدنا و اليوم كان مخفيا و يكون عن امسنا و غدنا و غدنا مخفي عن يومنا و امسنا و ليس شيء منها مخفيا عن نفسه كما تريك تشعر بيومك في يومك و بامسك امس و بغدك غدا بداهة و كلها ظاهرة في الدهر عند النفس.
بقي هنا كلام و هو ان النفس المستجنة في المواد تدريجية الاستكمال و المفارقة عن دار القوة و الاستعداد فالنفس ما لمتستكمل كل الاستكمال و لمتفارق دار القوة و المواد كل المفارقة بالتخلص عن شوبها لمتحط بما دونها كمال الاحاطة فانها في اول الظهور من حيث الظهور لا الوجود متجسمة و تترقي شيئا بعد شيء حتي تفارق الخصال الجسمانية بالكلية و تتخلص عن شوبها في صعودها كما كانت متخلصة في نزولها فثم يصير نظرها دهريا محضا فتري ما دونها بنظر دهري و النفوس الجزئية و ان كانت دهرية الا انها بتقيدها بالقيود الجزئية يَقصر نظرها عن جميع ما هو دونها فلا كل نفس تحيط بجميع ما هو دونه و انما الاحاطة بجميع الفعليات التي دون النفس حظ النفس الكلية وحدها فافهم.
فصـل: في السرمد و هو امتداد الحقايق و الذوات المطلقة و تسميتنا وقتها بالامتداد من باب التعبير و الا فهي لوحدانيتها و عدم تناهيها و عدم قوة و استعداد لها يخرج شيء منها بعد شيء الي الفعلية لا امتداد لها و لا ترقب فيها و اخر اوقاتها عين اولها بل لا اول لها و لا اخر و انما وقتها كله ان واحد و هي مع حاجتها الي الامداد ليس ينتزع من ترتب امدادها امتداد اذ لا ترتب و جميع امدادها اللانهاية دفعية لا بمعني انها قدوصلت اليها و استغنت بل بمعني انها ابدا في حال الامداد الاول و لايكون لها حال ثانية تحتاج فيها الي مدد ثان بل مددها مدد واحد لا نهاية له و هي ابدا في اول الابداع الاول و لا نهاية لذلك و لا غاية و هو عبارة عن وقت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 157 *»
الوجود المطلق الساري في جميع ذرات الوجود من الذوات و الصفات و الافعال و الاشباح و اشباح الاشباح الي ما لا نهاية له و جميع ذلك حاضر لديه حضورا سرمديا واحديا لايفقد شيئا منها دونه و لاينتظر حدوث شيء تحته اذ لو كان له انتظار لكان مقيدا كساير الوجودات المقيدة الفاقدة لوجود مقيد اخر فهو باطلاقه و وحدته محيط بما لا نهاية له بما لا نهاية له و جميع ما هو تحته من حيث حضوره عنده سرمدي واحدي و ان كان بعضه بالنسبة الي بعض غيرسرمدي و متكثرا كما شرحنا و بينا انفا فلعلك عرفت مما شرحنا ان الاشياء كلها من حيث هي موجودة علي قول مطلق سرمدية و هي من هذا الحيث كمالات و فعليات للوجود المطلق الكلي علي نحو الوحدة السرمدية و هذه الاحاطة التامة ليست لكل سرمدي بل للوجود المطلق خاصة و ساير الوجودات و ان كانت لها حالة سرمدية الا انها في انفسها مقيدة بقيود خاصة مانعة لها عن الاحاطة و تلك القيود و ان كانت ترفع عنها بالنظر في الوجدان الا انها لازمة لها في الخارج و تحددها اذ ما دخل عرصة الكون و تحدد بحدوده لاينسلخ عنها و لايعود الي الامكان و برفع النظر عن القيود لاتتسع اتساع الوجود المطلق الكلي و كذلك حكم النفوس الجزئية و النفس الكلية فانها برفع النظر عن قيودها لاتتسع حقيقة اتساع النفس الكلية.
و امثل لك في ذلك مثالا تستدل به علي هذا المطلب و هو ان الاحد احد محيط بالاعداد غيرالمتناهية باحديته و الاعداد من حيث حضورها عنده تسمي بالاحد لان الاحد يعطيها اسمه و حده و لذا يصدق علي كل من رايت انتقول رايت احدا فالاحد الاعلي احد محيط بالاعداد و الخمسة ايضا احد اسفل لكن يحيط بافرادٍ خمسة و لايحيط بافراد ستة و لو قطعت النظر عن حد الخمسية الخاصة لميخرج الوجود الخارجي عن كونه خمسة و بعد الاربعة و قبل الستة فبرفعك النظر عن خمسيته تدرك ما فيه من سر ذات الاحد و هو اية الاعلي المخصوصة به و هذا هو الفرق بين ما ذهبنا اليه من المذهب الحق و بين مذهب الصوفية خذلهم الله و هم يقولون اذا قطعت النظر عن الحدود و استكملت تصل الي ذات الاحد الاعلي فتكون احدا محيطا بالكل فتكون خمسة و ستة و سبعة و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 158 *»
ثمانية الي ما لا نهاية له و كذبوا لعنهم الله و في ذلك يقول شاعرهم:
كلما في عوالمي من جماد | و نبات و ذات روح معار | |
صور لي خلقتها فاذا ما | ازلتها لاازول و هي جواري | |
انا كالثوب ان تلونت يوما | باحمرار و تارة باصفرار |
و لو كان ذلك كذلك لماخفي علي احد وصل الي مقام الحقيقة شيء و تري الانبياء و الاولياء: تتفاوت درجاتهم في العلم و الفضل و الاحاطة و لقد فضلنا بعض النبيين علي بعض و تريهم قديحتاجون الي شيء يعلمه غيرهم و حكاية موسي و خضر و سليمان و النملة و غيرهم تنقض علي هولاء فتلهم ثم لميجز للنبي9 استزادة علم و قدقال الله سبحانه له فقل رب زدني علما نعوذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين والله لميرضوا لانفسهم ادعاء الا الربوبية و ذلك من عتوهم و طغيانهم علي الله سبحانه و ما الفرق بين قولهم انا الله و قول فرعون انا ربكم الاعلي فاذا لايجوز لهم قدح فرعون كما لايقدحون و لايابون من ذلك ولكن المسلمين يابون منه و ان يكفر بها هولاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين.
فصـل: في معني الازل اعلم ان الازل هو ذات الاحد جلشانه لا وقته و لو علي نحو عدم التناهي كما في السرمد فان الازل احدي المعني لايثني و لايجزي و لايحد و ليس له وقت غير ذاته و مكان غيرها بل الازل اسم كـاالله بلا تفاوت و يراد من كليهما ذات احدية حقية لاتكثر فيها و انت تعلم ان الاسماء خلقية ولكن نحن لما احتجنا الي تسميته و التعبير عنه سميناه باسماء و كما سمينا انفسنا باسماء و عبرنا عن امتدادها باوقات سميناه سبحانه باسم و عبرنا عن بقائه الذي هو ذاته بالازل و الابد و القدم و لما كان ذاته احدية تداركنا التعبير بان ازله عين ابده و هما عين ذاته بلا تفاوت في الخارج و الذهن و العقل و هو سبحانه باحديته و ازليته محيط بجميع خلقه ذواتها و صفاتها و افعالها و اثارها و اثار اثارها و هكذا الي ما لا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 159 *»
نهاية له لايغيب عن حضوره ذرة من ذراتها بخصوصياتها في امكنتها و حدودها و تفاصيلها بجزئياتها و مباديها و منتهياتها و عللها و معلولاتها و اسبابها و مسبباتها و امكاناتها و اكوانها و اعيانها و مقاديرها و تراكيبها و كتبها و اذنها و اجالها و شيء من احوالها فهي جميعها عرشه الاحدي الذي استوي عليه فليس شيء اقرب اليه من شيء اخر و ليس انه يري المعلولات من اعين العلل و المسببات من اعين الاسباب و الاداني من اعين الاعالي و المحاط من عين المحيط بل يري كل شيء بلا واسطة رؤية احاطة و اطلاع و كل شيء حاضر لديه بنفسه لا بواسطة لانها كلها احدية و بدون هذا اللحاظ لا سبيل لها اليه فتعالي من هو هكذا و لا هكذا غيره و هي كلها حاضرة لديه ازلا ابدا لميات في ملكه وقت يفقد منه شيئا ثم يجده بعد حين فمن زعم ذلك فقداشرك بالله عزوجل و اخرجه من احديته و قال فيه بصلوح الزيادة و النقصان و اختلاف الحالات و الاستكمال و قدذكر سابقا ان الذي اقعد الناس عن معرفة هذا المعني انهم يفرضون علو الازل علي الخلق كعلو السماء علي الارض و يظنون ان وجود شيء علي الارض و عدمه لايؤثر في السماء و لايغيرها و هم غافلون ان العالي اذا لمير شيئا ثم راي ينتظر في حال عدم رؤيته حال الرؤية هذا في اللسان الظاهر.
و في اللسان الباطن المتعالي عن الكل نسبته الي الكل علي نهج سواء ليس شيء اقرب اليه من شيء اخر لان الكل نور احديته و ظل ازليته فهو احدي ازلي اي اية احدية الاحد و الازل و الذي فعلياته تزيد و تنقص هو محدود داخل في عرصة القوة و الاستعداد و الخارج عن القوة المطلقة لايعقل زيادة شيء في فعلياته ابدا هذا و كل زايد زيادته صفته و كل ناقص نقصانه صفته و كل موصوف بالزيادة و النقصان زايد و ناقص فلو كان يحتمل في تجليات الحق الزيادة و النقصان لكان زايدا و ناقصا و لا معني للزايد و الناقص غير ذلك فان جاز علي شيء ذلك وصف بالحدوث و التحديد تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا و لاتقولن ان الله سبحانه عالم بذاته في ذاته و انما يزيد و ينقص الحادث و زيادة العلم الحادث و نقصانه لايضر بالقدم فان الازل سبحانه ان كان خارجا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 160 *»
عن القوة و الاستعداد يجب انيكون جميع افاعيله موجودا ازلا و ابدا و ان كان ذاقوة و استعداد فهو من جنس الحوادث الاتري انك في قوتك القائمية و القاعدية و الاكلية و الشاربية و تظهر فعلا بعد فعل فتقوم مرة و تقعد اخري و تاكل تارة و تشرب اخري و ما لمتتجل بالقيام لميكن من كمالاتك الفعلية القيام و هكذا ساير افاعيلك و ليس للقوة و الفعلية معني غير ذلك فالخارج عن القوة و الاستعداد يجب انيكون جميع كمالاته موجودة بالفعل حاضرة لديه يعلمها ابدا ازلا.
فصـل: اذا عرفت معني هذه الاوعية و الازل نقول لك ان الله سبحانه هو هو لايغيب عن نفسه و لايفقدها اذ هو احد فهو في نفسه لنفسه علم و عالم و معلوم و انما ذلك عند التعبير و الا فلايقال في الحقيقة انه يعلم ذاته و يراها و يسمعها اذ الاحد لا حاجة له الي ذلك و لايعقل في حقه ذلك هذا و يعلم و يري و يسمع فعل و هو ذات احدية فاذ لايقال يعلم فاين العلم و اذ لا علم اين العالم و اذ لا عالم اين المعلوم و المعلمة للتمييز و نفي الخلاف و اين الخلاف ولكن يقال لحضوره في نفسه بنفسه لنفسه عند التعبير انه علم لا جهل فيه فكان العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لامبصر و القدرة ذاته و لا مقدور و نريد في ذلك كله كماله في نفسه لنفسه و احديته من كل جهة و لا جهة و جميع معلوماته الخلقية حاضرة لديه بانفسها ازلا ابدا في امكنتها و حدودها و اوقاتها علي نحو الاحدية يعني ان الزمان و الزمانيات بما هي عليه ابدا ازلا حاضرة لديه يعلمها و يريها و يسمعها بها و الدهر و الدهريات بما هي عليه ابدا ازلا حاضرة لديه يعلمها و يريها و يسمعها بها و السرمد و السرمديات ابدا ازلاحاضرة لديه يعلمها و يريها و يسمعها بها كل ذرة ذرة من جميعها بانفسها لا بواسطة فان الواسطة بين كل عال و دان و ليس هو بعال و ليس خلقه ادني منه حتي يقبل بينهما الواسطة و الواسطة بين غيب و شهادة و بين لطيف و كثيف و بين مصاقع و مصاقع و بين فعل و مفعول و بين موثر و اثر و بين علة و معلول و سبب و مسبب و هو سبحانه ليس بغيب و لالطيف و لا مصاقع و لا فعل و لا موثر و لا علة و لا سبب و ليس بينه و بين
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 161 *»
خلقه و لا بين وصل و لا فصل و لا اقتران و لا افتراق فلا واسطة بينه و بين خلقه بل الوسايط بين خلق و خلق فليس شيء اقرب اليه من شيء اخر و لا شيء اولي به من شيء اخر و لا شيء انسب اليه من شيء اخر و لا شيء اشبه به من شيء اخر فكلها حاضرة لديه بانفسها علي نسبة واحدة و لا نسبة و هي كلها من حيث الحضور و كلها حيث الحضور في هذا المقام اذ كلها بموادها و صورها و ذواتها و صفاتها و افعالها حضوره حاضرة لديه فلا شيء الا معلوم الله سبحانه و هي بانفسها علمه سبحانه لا انها من حيث معلومة و من حيث مجهولة اذ ليس حيث منها اقرب اليه من حيث و لايحجب حيث منها حيثا اذ هو اقرب الي كل شيء من نفسه اذ هو الوجود الحق اللابشرط و لايخرج شيء من تحت الوجود بهذا المعني فافهم ان كنت تفهم.
فهذا العلم هو العلم الاحدي الازلي المكنون المخزون عنده الذي لايحيط به سواه سبحانه لا ملك مقرب و لا نبي مرسل حتي خاتم الانبياء صلواتالله و سلامه عليه و هذا هو العلم المستزاد منه في قوله رب زدني علما و هذه العرصة ازلية ابدية احدية اذ هي كمال الازل و صفته لايتصف بها غيره و هذا هو العلم الذي قال في حقه لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء كما نبينه بعد ذلك ولاتزعمن ان ذلك علم اجمالي امكاني نعوذ بالله فان الامكان الاجمالي احد كلمات هذا اللوح و احد مراتب هذا العلم و الله سبحانه يعلم كل شيء علي ما هو عليه فيعلم الامكان بانه اجمال الاكوان و الاعيان و يعلم الاكوان و الاعيان بتفاصيلها بلا واسطة الامكان لان كلّا منها كماله و نعته سبحانه و موجود منطو تحت الوجود الحق اللابشرط اي لا بشرط لا و لا بشرط شيء و هذا هو العلم الذي اخبر عنه الصادق7 حين سئل هل يكون اليوم شيء لميكن في علم الله بالامس قال لا من قال هذا فاخزاه الله قيل ارايت ماكان و مايكون الي يوم القيمة اليس في علم الله قال بلي قبل انيخلق الخلق و هو المشار اليه في حديث الكاظم7
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 162 *»
بالعلم علم الاشياء قبل كونها و ما روي عن ابيجعفر7انه قال في العلم هو كيدك منك و ما روي عن الصادق7 العلم من كماله و ما سئل ابوعبدالله7عن الله تبارك و تعالي اكان يعلم المكان قبل انيخلق المكان او علمه عند ما خلقه و بعد ماخلقه فقال تعالي الله بل لميزل عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كونه و كذلك علمه بجميع الاشياء كعلمه بالمكان و ما قال موسي بن جعفر7علم الله لايوصف منه باين و لايوصف العلم من الله بكيف و لايفرد العلم من الله و لايبان الله منه و ليس بين الله و بين علمه حد و في الدعاء عن الرضا7سبحان من خلق الخلق بقدرته و اتقن ما صنع بحكمته و وضع كل شيء منه موضعه بعلمه الي غير ذلك من الاخبار.
و لهذا العلم من حيث الظهور مراتب علي حسب مراتب المعلومات فاوليها مرتبة العلم الاطلاقي و هي كلمة من كلمات ذلك و هو علم اجمالي اطلاقي صلوحي بجميع الاشياء ليس فيه تعين معلوم بوجه من الوجوه و هو احدي المراتب صدق قوله7علمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها و هو بحر القدر الذي في تحته شمس تضيء و هي العلم الاول الكينوني اي العلم الازلي الحق الذي لايطلع عليه الا الفرد الصمد فمن تطلع عليه فقد ضاد الله في سلطانه و نازعه في كبريائه و باء بغضب من الله و ماواه جهنم و بئس المصير ثم دون هذا العلم مرتبة العلم المعنوي الكلي و ليس في هذا العلم للاشياء تعين صوري بل هي فيها علي نحو الكلية و المعنوية و دونه مرتبة العلم الصوري فالاشياء هنا ممتازة مفصلة معينة بتعين صوري مجرد عن المدد و المواد الزمانية و لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها ثم دونه العلم الطبيعي و هو العلم بحقايق البرزخيات و قداندرجت فيه فعليات الصور المجردة الغيبية و صارت فيه بالقوة فهو علم اجمالي برزخي مثل العلم الذي دونه من العلم المادي فانه ايضا علم كلي برزخي ليس فيه تعين صوري للاشياء ثم دونه العلم المثالي و هو العلم المفصل البرزخي بجميع
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 163 *»
جزئيات الشهادة لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها بتفاصيلها ثم من دون هذه العلوم الجسمانية العرضية الزمانية فاولها العلم الاجمالي العرشي و هو علم بجميع جزئيات العالم الظاهر علي نحو الصلوح و الكلية المعنوية اذ هو اطلس عن جميع الكثرات و التعينات الجزئية و مع ذلك فيه حقايق جميع الامداد النازلة علي مادونه علي نحو العموم ثم بعد ذلك العلم الصوري الكرسيي و هو علم تفصيلي مجرد عن المواد الثانية و الصور المثالية و تفصيله بالنسبة الي العرش و الا فهو بالنسبة الي الافلاك فعلمه كلي غيبي ثم بعد ذلك العلم المثالي الفلكي فانه علم تفصيلي بجميع امثلة الاشياء التي اسفلها متصل بالعنصريات و اعلاها بالفلكيات و هي الامثلة الخيالية و الوهمية ثم بعد ذلك العلم الجسماني العرضي و رتبته رتبة المركبات السفلية و هذه العلوم الاربعة علوم تدريجية الظهور تدريجية الخفاء فليس في عرصتها من كل شيء ابدا في كل ان الا حالة واحدة و لاتجتمع حالتان للشيء في ان واحد لتصادمهما كما عرفت فيعلم الله في هذه العرصة ان الموجود موجود و يعلم ان المفقود مفقود ولكن المفقودية في هذه الرتبة لاتوجب المفقودية عن علمه مطلقا فانه الان عالم في الدهر بما سيوجد الي يوم القيمة ولكن يعلم علم وجود بعد ان وجد في هذه الدنيا و امثل لك تمثيل تقريب لاتمثيل اية ان الماء اذا كان في مَصنَع خفي يجري منه الي مصنع ظاهر فانت لاتعلم بماء في المصنع الظاهر علم وجود و تعلمه في المصنع الخفي فكلما يجري في المصنع الظاهر شيء بعد شيء تعلم به شيئا بعد شيء مع انك كنت تعلم الكل في المصنع الخفي و مالك المصنعين لايخفي عليه الماء و حاله الا انه لايعلمه هنا الان و يعلمه بعد حين.
و ان قلت انك قدقررت سابقا انه لايجوز ان لايكون شيء في حضور الاحد جلشانه و قررت انه لو فقد شيئا يلزم منه الانتظار و التوقيت فكيف تقول هنا بنفي العلم عن غد يومناهذا قلت اني لااقول ان غدا ليس بحاضر عند الرب جلشانه و سيحضر نعوذ بالله بل اقول انه حاضر لديه ابدا ازلا و لايزول عن موضع حضوره يعلم اليوم في موضع اليوم و الغد في موضع الغد و ليس الغد بظاهر في اليوم و الكل حاضر لديه و هو علمه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 164 *»
سبحانه الا انه سبحانه يبدي علمه شيئا بعد شيء و ليس يبتديه مثال ذلك انك تعلم علوما و تنطق بعلومك فتظهر منك بالتدريج و انت عالم بكلها في كل ان ولكن تبديه شيئا بعد شيء و تظهر مواضع تلك المعلومات و حدودها و امكنتها شيئا بعد شيء و انت عالم بالكل في كل وقت و بانك ستظهر كذا و كذا في كذا و كذا بكذا و كذا و يظهر علمك شيئا بعد شيء بالنسبة الي اجزاء العلم و جميع الاجزاء باعيانها كما ذكرت علمه ازلا ابدا فافهم فاني قداوضحت السبيل و اقمت الدليل سابقا و لاحقا و من لميفهم فعلي اهل الفهم السلام.
بقي هنا كلام و هو انه كما عرفت ان هذه الرتبة رتبة القوة و الاستعداد و يخرج الفعليات التي فوقها منها شيئا بعد شيء فاعلم انه قدعلم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و العبودية جوهرة كنهها الربوبية فكما ان في هذا العالم قوة و استعدادا يجب انيكون في عالم الدهر ايضا قوة و استعداد يخرج الفعليات الامرية التي فوقها منها شيئا بعد شيء و ان كان كل شيء منها يسع جميع الزمان من اوله الي اخره لكن لجميع الفعليات الدهرية قوة الترقي و السير الي الذوات بلانهاية و بذلك يزداد نعمة المؤمنين في الجنة و عذاب الكافرين في النار و يقول الله تعالي عطاء غيرمجذوذ و لدينا مزيد و قال ذوقوا فلننزيدكم الا عذابا و ذلك ان الشيء الدهري الذي هو حبة زرع الدنيا ثمرة حبة اخري سابقة عليها و يجري منها الي هذه الثمرة امداد متوالية غيرمتناهية شيئا بعد شيء و هم يستزيدون الله من ذلك المصنع و يجري عليهم المدد منه و ليس الدهري عالما بكل شيء في كل ان و ليس كل شيء عندهم بالفعل فان المزيد النازل علي اهل الجنة و النار لميك عندهم و لميكونوا يعلمون به حتي نزل اليهم و كذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء و قل رب زدني علما فما في الدهر فعلي بالنسبة الي ما دونه و له قوة و استعداد في الترقي ابدا و الاستزادة مستمرة الا ان ما يجري عليه من المصانع السرمدية في غاية التشاكل و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 165 *»
التماثل و ليس فيه اختلاف بين كاختلاف ترقيات الزمان.
و اما السرمد فعندنا في تزييل الفؤاد له بيان لايعرفه ساير الناس اذ نقول نحن في السرمد الواحدي جميع ما نقوله في ساير الممكنات ولكن علي نحو البساطة الاضافية و لذلك يشكل علي النفوس معرفته فنقول نعم و للسرمد ايضا قوة و استعداد يجري عليه فعليات علمه سبحانه فان مصنع العلم فوق السرمد و بعلمه تجري مشيته سبحانه و يخلق كما يعلم فيجري دائما من مصنع علمه سبحانه مياه الامداد و الافاضات عليها ولكن افاضة ان واحد منها توازي جميع فعليات الكائنات الي ما لا نهاية له و لنعم ما قال الشاعر:
ماعسي اناقول في ذيمعال | علة الدهر كله احديها |
فهي اي المشية دائمة الترقي تجري بعلم الله و لا نفاد لها الا ان امدادها النازلة متحدة و اوقاتها وقت واحد و ليس لها الا ان واحد لانهاية لذلك الان و لاغاية و هي مقام رب زدني فيك تحيرا و اول مقامات رب زدني علما و لا غاية لهذه الزيادة و لا نهاية و هو المشار اليه بقوله7 بعد ما نفي الكمال عن العلم بالف باب يفتح منه الف باب و عن الجامعة الحاوية للحلال و الحرام و عن الجفر الحاوي لعلم النبيين و الوصيين و العلماء الماضين من بنياسرائيل و عن مصحف فاطمة و عن علم ماكان و ما يكون فقال العلم ما يحدث بالليل و النهار الامر بعد الامر و الشيء بعد الشيء الي يوم القيمة فعلمنا ان العلم الحادث غير العلم بماكان و ما يكون الي يوم القيمة فالعلم الحادث هو في ترقيات ما يكون صعودا و الاستقبال وقت عرضي و هذا العلم هو المشار اليه بقوله لولا انا نزداد لانفدنا مع انهم علموا ما يكون فلو لميزدادوا لنفد علمهم بما يكون و هذا هو الذي اشار اليه بقوله لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل انتنفد كلمات ربي فان علم الكلمات يجري من بحر علم الله الذي لا نهاية له و لا غاية فلانفاد لها ابدا و لو كتبت باي بحركان لنفد البحر قبل انتنفد سوي بحر علم الله سبحانه فانه لا نفاد له فمعني قول اميرالمؤمنين7 في العالم العلوي صور عارية عن المواد
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 166 *»
عالية عن القوة و الاستعداد اراد به المواد الزمانية و القوة و الاستعداد الزماني و الا فكل حادث سواه مستمد يحتاج الي المدد و كل مستمد ذوقوة و استعداد يترقي في درجات الامداد النازلة اليه بلاغاية و لا نهاية كلما وضعت لهم حلما رفعت لهم علما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و كل ذيقوة فاقد عند نفسه ما يرد اليه محتاج اليه الا الاحد جلشانه فانه لايفقد شيئا.
فصـل: قدذكر شيخنا الاجل الاوحد في بعض رسائله كلاما في العلم هو تحت كلام ساداته و فوق كلام ساير الانام و كلام الملوك ملوك الكلام فاحببت اناتبرك بذكره و اُشرف كتابي هذا بايراده و هو قوله اعليالله مقامه و رفع في دار الخلد اعلامه:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي في بيان ما يمكن العبارة عنه من صفة تعلق علم الله بالمعلومات من حيث هي معلومات اذ بدون تلك الحيثية لا سبيل للممكن اليه و تلك الصفة صفة رسم لا صفة قدم فان القديم يتعالي عن الحدوث بكل اعتبار و العبارات تعبير و تفهيم و ان كان ذلك النظر بعين منه فان ذلك النظر و تلك العين من المعاني و هي فينا من المعاني السفلي و هي من المعاني العليا كالشعاع من المنير و تلك العليا هي التعين الاول و هو اول مظاهر الذات فافهم.
فاقول اعلم ان الله سبحانه علم المعلومات بعلمه الذي هو ذاته اذ لا شيء غيره بما يمكن في ذواتها و ما يمتنع في رتبة الامكان و هو اذ ذاك عالم و لا معلوم و علمه بها هو كينونة الذات علي ما هي عليه مما له لذاته بلا اختلاف و لا تكثر و هو الربوبية اذ لامربوب فاقتضت ذواتها بما هي مذكورة به في كل رتبة من مراتب الوجوب و الجواز من الازل الي الحدث الي الابد الذي هو ذلك الازل ما يمكن لها و يمتنع في الامكان في كل رتبة بحسبها من صفة الكينونة التي هي ربوبية تلك الاقتضاءات و تلك الصفة هي نور الكينونة و ظلها و تلك الاقتضاءات هي سؤال المعلومات ما لها من تلك الصفة التي هي نور الكينونة فحكم لها ثانيا حين سألها بسؤالها بما سألته في كل رتبة بما لها فيها و هذا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 167 *»
الحكم هو تلك الصفة التي هي ظل الكينونة و هو الربوبية اذمربوب و بها قام كل مربوب في كل رتبة بحسبها و تلك المعلومات بكل اعتبار لا شيء الا انها لا شيء في الازل بمعني الامتناع الا بما هي شيء في الحدوث بمعني الامكان في الامكان و اما في الامكان فهي شيء بما شاء كما شاء يعني انها شيء بذلك الحكم و هو ظل الكينونة فاعطاها بحكمه و مشيته ما سألته من الوجود و امكن فيها ما اقتضته من الامكان و ان لمتقتضه في الوجود فما لمتقتض وجوده في الوجود تقتضي وجوده في الامكان و هاتان الرتبتان([1]) ([2]) اقتضاء([3]) ما يمكن لها([4]) من تلك الصفة المذكورة لانه اذا شاء([5]) اقتضت ما في الوجود في الامكان و ما في الامكان في الوجود([6]) لان ذلك([7]) هو ما لها من تلك الصفة التي هي المشية التي بها الاقتضاء و ذلك حكم الاختيار الربوبي فلمتقتض الا ما شاء لان مشيته هي الربوبية اذمربوب و هي صفة الربوبية اذ لامربوب كما مر و لميشا الا ما اقتضته من مشيته و تلازمهما في التحقق الظهوري و تقدم المشية علي الاقتضاء ذاتا كمثل تلازم الفعل و الانفعال في التحقق الظهوري كالكسر و الانكسار و تقدم الكسر علي الانكسار ذاتا و ان تساوقا في التحقق الظهوري و تلك الربوبية اذ لامربوب التي هي الكينونة كما مر علمه بمخلوقاته اولا و صفتها التي هي ظل الكينونة و ظل الربوبية اذ لامربوب علمه بمخلوقاته ثانيا قال تعالي اشارة الي الرتبتين (و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء) فما شاء من علمه يحيطون بشيء منه كما شاء فافهم و هذا العلم الذي لايحيطون بشيء منه اي الكينونة هو من علمه بذاته الذي هو ذاته كيدك منك كما في رواية حمران بن اعين عن ابيجعفر7 و كما في رواية هشام
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 168 *»
بن الحكم عن ابيعبدالله7 و له المثل الاعلي في السموات و الارض و هو العزيز الحكيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين.
انتهي كلامه و لعمري ان حظ العجب منه لمن فهمه اعظم من حظ العجب به و العاثر عليه اعز من الكبريت الاحمر و قدكان يختلج ببالي قديما اناشرح هذا الكلام مع قلة بضاعتي و كثرة اضاعتي و لماوفق لذلك الي الان و شرح هذا الكلام علي ما ينبغي يقتضي رسم كتاب كبير ولكن احب اناشير الي بعض مراداته هنا باوجز عبارة الي انيوفقني الله لشرحه مفصلا فاشرح بعض ما اشرح منه هنا علي نهج الاشارة الي مواضع الاشكال لئلايطول بنا المقال.
فقوله: اذ بدون تلك الحيثية لا سبيل للممكن اليه اي الي تعلق العلم به فان علمه سبحانه كماله كيدك منك كما ياتي و الاشياء من حيث الحضور علم له سبحانه و كمال له و من حيث الحاضرية معلومة و حيث المعلوم ادني من حيث العلم و الحيث الاعلي اي العلمية مثال الله الملقي في هوية المعلوم فالعلم متعلق بالمعلوم و من دون هذا الحيث لا سبيل للممكن الي تعلق هذا الكمال به.
و قوله: تلك الصفة صفة رسم لانها هي ما يبينه و لايبين الا ما تجلي له فيه و هي جلوة القديم بواسطة التجلي الاعظم الذي هو صفة قدم لا ذاته ثم بين ما اشرنا اليه في باقي كلامه.
و قوله: من المعاني لان ما يبينه من الصفات الكلية اي الظواهر العامة لان المعاني هي الظواهر قال7 نحن معانيه و ظاهره فيكم.
و قوله: بعلمه الذي هو ذاته المراد بهذه الذات هو الذات الظاهرة و هي نفس المشية التي خلقت بها و هي التجلي الاول و لايمكن انيكون عرضا لانه لايمكن قيامه بالذات القديمة و لا بما دونه فهو الذات لله سبحانه لانه ليس لنفسه و لا لغيره فعلم المعلومات بها اولا اذ لا شيء غيره و في اثبات المعلومات و نفيها
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 169 *»
سر لايعرفه الا اولوا الالباب فان هذه الذات هي مبدا الذوات فافهم.
قوله: بمايمكن في ذواتها و مايمتنع في رتبة الامكان يعني علم المعلومات بحضور يمكن هناك اي في الذات و يمتنع انيكون ذلك الحضور في رتبة الامكان الحادثة بفعله سبحانه و مشيته فانها هناك حاضرة بالتذوت الاحدي و في الامكان حاضرة بالعرض و تذوت الموثر يمتنع انيكون في الاثر و في قوله يمكن لها مع قوله يمتنع في رتبة الامكان نفي و اثبات لاهل الايقان و اشارة لاهل العيان.
قوله: و هو اذ ذاك عالم و لا معلوم اذ المعلومات هناك مذكورة بالنفي المتفرع علي الثبوت المشاراليه سابقا.
و قوله: و علمه بها كينونة الذات يعني ذلك العلم نفس كينونة الذات المشاراليها في قوله كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غيرمكونين موجودين ازليين فهي ظهوره سبحانه بالكائنية و هو سبحانه لا من شيء كان و لا من شيء كون ما قدكان و ليس كينونته سبحانه بمكونة له تعالي عن ذلك فان المكون مخلوق و يحذركم الله نفسه قال الصادق7 انما حذركم انتجعلوا الميم مصنوعا و الا لكان الذات محدثة مصنوعة نقلته بالمعني.
و قوله: و هي الربوبية اذ لا مربوب لانها احدية و الاعداد هناك منفية.
قوله: فاقتضت ذواتها بما هي مذكورة به في كل رتبة يعني في الذات علي نحو الوجود الحقي و النفي الاطلاقي و في السرمد علي نحو الوجود الاطلاقي و النفي الكوني و في الاكوان علي نحو الوجود الكوني و النفي العيني و في الاعيان علي نحو الوجود العيني و نفي الاشباح في مراتبها من الدهرية و الزمانية و في كل مقام لهم وجود هو ما لهم من الاثبات و صورة و هي ما لهم من النفي.
و قوله: من الازل الي الحدث يعني في النزول الي الابد الذي هو ذلك الازل يعني في الصعود.
قوله: مايمكن لها و يمتنع في الامكان في كل رتبة بحسبها من صفة الكينونة التي هي ربوبية تلك الاقتضاءات فقوله من صفة الكينونة بيان ما يمكن لها و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 170 *»
المراد من صفة الكينونة هي حقيقة العقل التي وصف بها نفسه و من عرفها عرف ربه و هي ربوبية تلك الاقتضاءات و كنهها و الاقتضاءات هي عبوديتها المخلوقة بها المربوبة.
قوله: و تلك الصفة هي نور الكينونة اي اثر تلك النفس القديمة التي هي الربوبية اذ لامربوب و ذلك النور هو الربوبية اذمربوب و هو الاقتضاء الذي هو نفس تلك الربوبية و هويتها و ظلها.
و قوله: يمكن لها و يمتنع في الامكان لان صفة الازل ازلية يعرف بها نفسه بالازلية و هي يمتنع في رتبة الامكان المعرف بالافتقار و الخلقية.
قوله: فحكم لها ثانيا لانه في الدرجة الثانية بعد الاولي التي كان لهم فيها اثبات و نفي.
قوله: حين سألها بسؤالها بما سألته في كل رتبة بما لها فيها فالباء في بسؤالها صلة سألها اي نفس سؤالها من الله سبحانه تلك الصفة نفس سؤال الله اياها و سؤال الطرفين هو تلك الصفة المحكوم بها لها اذ لا سبيل لها الي الله الا بتلك الصفة و هي سبيل الله اليها علي نحو قول الشاعر رايت بعينها و رات بعيني.
قوله: بما سألته في كل رتبة بما لها فيها الباء في بما سألته صلة قوله فحكم اي حكم بمسؤلها في كل رتبة بما يليق لها فيها.
قوله: و تلك المعلومات بكل اعتبار لا شيء الا انها لا شيء في الازل بمعني الامتناع يعني انها ممتنعة في ذات الازل المجهول الكنه بكل اعتبار اي بالنفي و الصلوح و الكون و العين ممتنعة في الازل فهو اذ ذاك هو.
قوله: الا بما هي شيء في الحدوث بمعني الامكان في الامكان و هذا الكلام تمام الكلام الاول و عديله قوله: و اما في الامكان فهي شيء بما شاء كما شاء و ليس بتكرار و لاايضاح فحاصله ان تلك المعلومات ممتنعة في الازل بكل اعتبار الا بنحو الامكان في الامكان و هذا الكلام يقصر عن نيله افهام الحكماء و اوهام العلماء فهي في الازل شيء بالامكان في الامكان لا في الازل فان رايته فهو اذ ذاك هو لا شيء غيره علي معني الامتناع و اذا رايتها فهي اذ ذاك هي لا هو بمعني
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 171 *»
الامتناع و ذلك ان الازل ممتنع عن الحدث و الحدث ممتنع عن الازل و لايتناهي الازل لا بذواتها و لا بصفاتها و لا بافعالها و لا باثارها و لا باثار اثارها الي ما لا نهاية له فهي هي بتكثراتها و هو هو بتوحده لانه طوي باحديته جميع ما سواه فافهم ان كنت تفهم و لميؤذن لاحد من الحكماء بازيد من ذلك البيان و استغفر الله من زلة الاقدام بطغيان الاقلام.
و قوله: يعني انها شيء بذلك الحكم و هو ظل الكينونة يعني هي شيء بتلك الحقيقة التي هي المشية و هي ظل الكينونة كشعاع الشمس من الشمس.
قوله: فاعطاها بحكمه و مشيته ما سألته من الوجود فحكمه و مشيته هما اسمان لصفة الكينونة و الوجود هذا هو الحكم الثالث لاقتضاء الوجود به و هو الوجود المقيد.
و قوله: و امكن فيها ما اقتضته من الامكان و ان لمتقتضه في الوجود و هذا هو الامكان الجايز يعني به ان الله سبحانه اعطي المقتضيات بمشيته الوجود الفعلي اي الكون في الخارج ممثلا علي حسب اقتضائها و امكن فيها من القوة مااقتضته و ان لمتقتضه في الوجود فخلق الالف الفا بالفعل و باء بالقوة و يشرحه قوله: فما لمتقتض وجوده في الوجود تقتضي وجوده في الامكان.
قوله: و هاتان الرتبتان اقتضاء ما يمكن لها من تلك الصفة اي الامكان الجايز و الوجود الجايز اي التمثل في الخارج من حيث انفسهما اقتضاء ما يقضي لهما من الوجود اي صفة الكينونة.
قوله: لانه اذا شاء اقتضت ما في الوجود في الامكان و ما في الامكان في الوجود هو تعليل لقوله هاتان الرتبتان الي اخر فيعلل لكونهما اقتضاء ما لهما من المشية بان الله سبحانه اذا شاء و اشرق بشعاعها عرصات الامكان التي هي نفس ذلك الشعاع اقتضت المشية انيكون ما في الوجود اي ما تشرق دونها و هو عرصة الامكان و لايعقل غير ذلك و ما في الامكان في الوجود و كذلك اقتضت انيكون جميع شعاعها الذي هو الامكان موجودا اما عينا او امكانا فشعاع المشية موجود ممكن و هذا الموجود الممكن من حيث نفسه اقتضاء ما له من صفة المشية التي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 172 *»
هي جهته اليها.
قوله: لان ذلك هو ما لها من تلك الصفة اي الوجود في الامكان و الامكان في الوجود هو ما للقوابل من صفة المشية كما قلنا.
و قوله: المشية التي بها الاقتضاء يعني ان الاقتضاء خلق بالمشية لانه شيء و كل شيء فمن صفة الكينونة و هو العبودية الحادثة بالربوبية و لولا ذلك لكان قديما او مخلوقا من غير شيء و ذلك محال من القول و لايلزم من ذلك جبر اذا كانت المشية ايضا لمتتعلق به الا بسؤاله كما ياتي ان شاءالله.
قوله: و ذلك حكم الاختيار الربوبي اي الحكم بما سأل يعني ان الله سبحانه لما كان مختارا و يجب انيكون صفة المختار ايضا مختارا وجب ان لايكون في خلقه و لا شيء الا نوره و صفته غيرمختار فوجب انيكون جميع ما اوجده موجودا بالاختيار و اي اختيار اعظم من ان جعل انفسهم الة الايجاد فانصبغ حكمه فيهم و جري عليهم كما شاؤا و ارادوا الاتري انه خاطبهم و قال للواحد منهم كن و هو اذن بانيكون ما شاء كما شاء و فاعل كن هو فاعل يكون و هو المخاطب الماذون بامر كن الاتري انك تقول لزيد اقعد فيقعد و هو فاعل القعود و انت الامر الاذن لا مباشر القعود فاذا قال سبحانه لما اراد انيخلقه كن و يكون هو علي حسب ما يهواه و يشتهيه و لايقدر انيكون الا علي حسب ما يشتهيه اذ الاثر علي هيئة صفة موثره فاذا هم كانوا كما كانوا كما شاؤا فاين الجبر فافهم ان كنت تفهم و ذلك ان كل عال خلق كل دان بنفسه لا بواسطة اذ لا واسطة و ذلك حكم الاختيار الربوبي الساري في كل موجود.
قوله: و تلازمهما في التحقق الظهوري الي اخر يعني ان المشية لاتظهر الا بالاقتضاء و الاقتضاء لايظهر في الوجود الا بالمشية فهما في الكون الخارجي متلازمان و اما المشية فمقدمة ذاتا و رتبة لان ما من الله مقدم علي ما من الخلق.
قوله: و تلك الربوبية اذ لامربوب الي اخر يريد به ان كينونة الذات الظاهرة هي علمه بمخلوقاته اولا و صفتها التي هي ظل الكينونة و هي اي الصفة المشية هي علمه بمخلوقاته ثانيا فيعلم بالعلم الاول نفيها الاطلاقي و الوجود الحقي فهو
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 173 *»
اذ ذاك عالم و لا معلوم كما انه رب اذ لامربوب و يعلم بالعلم الثاني ما لها من تلك الصفة اي صفة الكينونية و هي حيث معلوميتها الذي ليس له سبيل الي تعلق العلم به بدون ذلك الحيث بل علميتها فهم هيهنا معلومون غيرمكونين و لا معينين فكونهم علي حسب ما علمهم و هذا هو العلم المفصل الازلي السابق علي المشية الذي اشرنا اليه سابقا فكما كانوا سابقا و لا شيء الا الذات كانوا ثانيا و لا شيء الا المعلوم السرمدي و قدشرح ذلك الكاظم7 في حديث طويل احب اناذكره فسئل كيف علم الله قال علم و شاء و اراد و قدر و قضي و امضي فامضي ما قضي و قضي ما قدر و قدر ما اراد فبعلمه كانت المشية و بمشيته كانت الارادة و بارادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الامضاء و العلم متقدم علي المشية و المشية ثانية و الارادة ثالثة و التقدير واقع علي القضاء بالامضاء فلله تبارك و تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما اراد لتقدير الاشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فالعلم في المعلوم قبل كونه و المشية في المشاء قبل عينه و الارادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عيانا و وقتا و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدركات بالحواس من ذيلون و ريح و وزن و كيل و ما دب و درج من انس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تبارك و تعالي فيه البداء مما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء و الله يفعل ما يشاء فبالعلم علم الاشياء قبل كونها و بالمشية عرف صفاتها و حدودها و انشاءها قبل اظهارها و بالارادة ميز انفسها في الوانها و صفاتها و بالتقدير قدر اقواتها و عرف اولها و اخرها و بالقضاء ابان للناس اماكنها و دلهم عليها و بالامضاء شرح عللها و ابان امرها و ذلك تقدير العزيز العليم انتهي الحديث الشريف بتمامه و الغرض الاستدلال بان الاشياء كانت معلومة قبل انتكون مذكورة بالمشية و هناك كانت اعيانا ثابتة غيرمكونة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 174 *»
موجودة بحضور علمي لله سبحانه و لما يكونوا بالانشاء بالمشية كما شرحنا و بينا انفا.
قوله: قال تعالي اشارة الي الرتبتين (و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء) فالذي لايحيطون بشيء منه هو العلم الكينوني الذاتي بالاشياء فانه قبل اكوان الاشياء و اول اذكارهم الوجودي و ان كان هو الذكر العلمي الا انهم هناك ليسوا هم هم و انما هو علم الله سبحانه و كماله لا شيء غيره فهناك الله يعلم و هم لايعلمون و اما الذي شاء من علمه انيعلموه فهو صفة الكينونة و هو من اول الاذكار الي ما شاء الله من ساير مراتب ملكه فالعالمون بذلك مستزيدون من العلم الكينوني الذي لا غاية له و لا نهاية فيجري من باطنهم الي ظاهرهم اي من قوتهم الي فعليتها ابدا و لا نفاد له فهذان هما العلمان المشار اليهما بقول جعفر بن محمد8 ان لله علما خاصا و علما عاما فاما العلم الخاص فالعلم الذي لايطلع عليه ملائكته المقربين و انبياءه المرسلين و اما علمه العام فانه علمه الذي اطلع عليه ملائكته المقربين و انبياءه المرسلين و قدوقع الينا عن رسولالله9 و العلم الاول هو الذي قال في حقه موسي بن جعفر7علم الله لايوصف الله منه باين و لايوصف العلم من الله بكيف و لايفرد العلم من الله و لايبان الله منه و ليس بين الله و بين علمه حد انتهي.
قوله: و هذا العلم الذي لايحيطون بشيء منه اي الكينونة هي من علمه بذاته كيدك منك و المراد من يدك منك ليس علي ظاهره الدال علي التبعيض بل المراد منه شيئان احدهما ان المراد حضور العلم الثاني عند الذات كحضور يدك منك و يمثل العرب و العجم لغاية الظهور بالكف و يقولون اراه كما اري كفي و من هذا الباب قوله سبحانه في وصف الظلمات اذا اخرج يده لميكد يريها و قول ابيجعفر7 ان الله لميدع شيئا كان او يكون الا كتبه في كتاب فهو موضوع بين يديه ينظر اليه الخبر و ثانيهما انيكون المراد باليد القدرة و هو شايع في العرب
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 175 *»
و العجم يقولون له يد في هذا اي قدرة و يد الله قدرته فيدك منك اي قدرتك منك فكما ان قدرتك منك كمالك كذلك علمه سبحانه كماله كما في رواية هشام بن الحكم عن ابيعبدالله7 قال العلم هو من كماله و هذا هو المعني الذي اراد به الشيخ لانه استشهد لقوله كيدك منك برواية هشام و هي ما ذكرنا و اما رواية حمران فهي ما رواه عن ابيجعفر7 في العلم هو كيدك منك و يحتمل انيكون المراد باليد النعمة و هو شايع في العرب و يقال للنعم الايادي و في الخبر ان استطعت انيكون يدك العليا عليه فافعل يعني احسانك اليه اكثر و الايادي الجميلة اي النعم الجميلة الحسنة فيدك منك جودك و لا شك ان جميع ما سوي الله جوده و كرمه و هو جواد حق و الاولان اوجه و قدانهينا علي ما اردنا من التعليق علي كلامه و لعمري لو ضربت اباط الابل علي بسيط الارض لااظنك انتقف علي شرح هذه العبارة و كفاك في عظمته انيقول مثل الشيخ فيه العاثر عليه اعز من الكبريت الاحمر و يعظمه و كفي باستعظامه عظمة و الله ولي التوفيق و بيده ازمة التحقيق سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم و كفي بما ذكرنا في مباحث العلم فان هذه الرسالة لاتسع اكثر من ذلك.
المطلب الثالث
في البـداء
و هو مسئلة كلية قداكثر المتكلمون فيها الخلاف و من لمياخذها من المحمد:خزان علم الله سبحانه فهو عن فهمها محروم فاحببنا اننشرح ذلك ايضا في هذه الرسالة علي ما بينه الله علي السنة اوليائه و قدقال الصادق7 لو علم الناس ما في القول بالبداء من الاجر مافتروا عن الكلام فيه فالواجب اننبسط القول في هذه المسئلة طلبا للاجر و اظهارا للامر و قدروي عنه7 ماعظم الله بمثل البداء و عن احدهما8 ماعبد الله
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 176 *»
بشيء اعظم من البداء و انت اذا اطلعت علي ما بيناه عرفت ان جميع ما نطقوا فيه كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماءا حتي اذا جاءه لميجده شيئا فلا حاجة بنا الي ذكر الاقوال و تطويل المقال و تنضيد امتعة الناس كالسمسار اذ كان لنا سلعة ببركات الائمة الاطهار عليهم صلوات الله مااختلف الليل و النهار و شرح هذه المسئلة يقتضي رسم فصول.
فصـل: من البديهيات عندنا و عند الموحدين بحقيقة التوحيد ان الله سبحانه عالم بجميع ماكان و مايكون الي ما لا نهاية له قبل انيخلق الخلق كما بينا انفا و شرحنا و علمه سبحانه كماله الازلي غيرمستفاد من شيء لايزيد في علمه بالاشياء شيء و لاينقص من علمه شيء و لايتغير و لايتبدل و لايجهل و لاينتظر العلم بشيء و لايخاف محو شيء من نظره فلايجوز انيبدو له شيء ماكان يعلمه ابدا ابدا فمن زعم انه يبدو لله سبحانه في علمه الازلي شيء ماكان يعلمه فقداخرجه عن ازله و انزله الي رتبة الاوقات و حيز الامكانات و هو شرك بالله عزوجل و قدقال ابوعبدالله7 مابدا لله في شيء الا كان في علمه قبل انيبدو له و سئل7 هليكون اليوم شيء لميكن في علم الله بالامس قال لا من قال هذا اخزاه الله قيل ارايت ماكان و ما هو كائن الي يوم القيمة اليس في علم الله قال بلي قبل انيخلق الخلق و قال ابوجعفر7 كان الله و لا شيء غيره و لميزل عالما بمايكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه فتبين و ظهر انه سبحانه علم المعلومات بقضها و قضيضها قبل ان يكونها و كانت مذكورة في العلم الازلي له سبحانه علي ما بينا و شرحنا و علمه بها نفس ذلك الذكر و تلك الاذكار كانت حاضرة لديه كيدك منك كما قال7 في قوله هل اتي علي الانسان حين من الدهر لميكن شيئا مذكورا، بلي كان مذكورا في العلم و قدقال سبحانه انا خلقنا الانسان من قبل و لميك شيئا يعني مكونا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 177 *»
فذلك العلم قبل كون الاشياء و انت تعلم ان الاكوان حصلت بقوله كن و كن فعله و مشيته و اذا اراد شيئا يقول له كن فيكون و الانسان لميك شيئا و انما سمي الشيء شيئا لانه مشاء فعلمه سبحانه بالاشياء قبل انيتعلق بها مشية كما مر في الخبر بالعلم علم الاشياء قبل كونها و قال بعلمه كانت المشية و قال العلم بالمعلوم قبل كونه فالمشية هي فوارة العلم يظهر منها ما يشاء كما يشاء و مشيته تستفيد من العلم لا علمه يستفيد من المشية اذ هو يشاء ما علم لا انه لايعلم حتي يشاء كتب رجل الي ابيالحسن7 يساله عن الله عزوجل اكانيعلم الاشياء قبل ان خلق الاشياء و كونها او لميعلم ذلك حتي خلقها و اراد خلقها و تكوينها فعلم ما خلق عند ما خلق و ما كون عند ماكون فوقع بخطه لميزل الله عالما بالاشياء قبل انيخلق الاشياء كعلمه بالاشياء بعد ماخلق الاشياء انتهي ومعلوم ان الجاهل لايقدر علي العمل علي نهج الحكمة و الصواب فكان عالما بما صنع قبل انيصنع بنفسه ما يصنعه بعد علمه به فاذامحال انيبدو له بداء لميكن ذلك البداء في علمه تعالي عما يقول الظالمون العادلون الملحدون علوا كبيرا وهذا العلم كما قدمنا نفس اذكار المعلومات العلمية الحاضرة عنده و نفس كينونته سبحانه الازلية لايحيط به احد سواه ممن خلقه بمشيته علي حسب علمه فان كل شيء متاخر عن هذا العلم بدرجتين اقلا و قدضرب حجاب المشية بين هذا العلم و بين ما دونه و هو حجاب لايسع لمشاء هتكه ابدا ابدا و يظهر الله سبحانه من هذا الحجاب ما يشاء من علمه شيئا بعد شيء و ان كان مشيته هذه سرمدية لاتدرج فيها بوجه من الوجوه و لا امتداد في وقتها الا انها لاتخلو من وقتما لحدوثها و لاتخلو من تجدد و استمرارما و تنقل من الاسفل الي الاعلي بخطا لا غاية لبينها و لا نهاية و ان كان بساطتها بحيث لاتدرك كثرة فيها و مغايرة بين حالاتها و لو بادق الاوهام و اعلي المشاعر فانها لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته الا انها لحدوثها و ما وصفها الله به في اثارها كذلك فهي في كل ان و لا ان لها لسان داع بقول رب زدني علما و زدني فيك تحيرا و تزداد علما بما يعلمها الله في كل ان و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 178 *»
لا ان بما لا غاية له و لا نهاية فسبحانه من عالم لا نهاية لعلمه و لا غاية لتعليمه كلما وضعت لهم حلما رفعت لهم علما ليس لمحبتي غاية و لانهاية الا انه يظهر من هذه المشية تلك العلوم المستفادة علي حسب قوابل المستفيدين منها في مراتبها من التدرج و الترتب و بين كل مستفيد و بين هذه المفيدة حجب من موادها يظهر منها العلم الي اعيانها شيئا بعد شيء علي حسب رتبها و امتداداتها و اوقاتها فتلك المواد فوارات لها يفور منها العلم علي حسب ضيق منافذها و سعتها و لايسع تلك المستفيدات العينية خرق تلك الحجب و الاطلاع علي ما ورائها ابدا ابدا فلايحيط شيء منها بشيء من علمه سبحانه الا بما شاء كما شاء بقدر ما شاء حين ما شاء فيبسط لها فتعلم و يقبض عنها فلاتعلم سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم و ذلك ان الفعليات العلمية التي هي من وراء تلك الحجب اذا نزلت اليها اختفت فيها و ظهرت بالصلوح و القوة و الاستعداد و انحلت فيها فذابت و تجانست و تشاكلت فلميكن شيء منها من حيث نفسه اقرب من شيء اخر الي الفعلية و البروز و لا اولي بها فهي كلها واقفة بباب التدبير علي نهج التقدير فكل واحدة منها اذن لها بالخروج خرجت و الا بقيت في الامكان و القوة كما تري من قطعة الشمعة انها صالحة للتشكل بكل شكل يمكن فيها و تلك الاشكال فيها غيرمتمايزة بالفعل الا انها صالحة للتشكل بكل ما يورد عليها يد التدبير علي حسب حكم التقدير فيظهر شكل من تلك الاشكال بعد شكل و كان في علم الله سبحانه بالفي عام قبل هذا انها تتشكل بشكل كذا و كذا و كذا و تلك العلميات الفعليات كانت محجوبة تحت مادة الشمعة محلولة مذابة صائرة بالقوة فقدم الله من تلك الصور ما شاء و اخر ما شاء كيف شاء فاذا قدم ما قدم لميخالف علمه و اذا اخر ما اخر لميخالف علمه سبحانه المتقدم علي هذه المادة الاتري انك تري في نفسك عيانا انك تقدر علي تشكيل الشمعة علي صورة التثليث و اخراج تثلثها من قوتها الي فعلها و تقدر علي تربيعها و اخراج تربعها من قوتها الي فعلها و تقدر انتقدم ايها شئت و توخر ايها شئت بلاشك و لا ارتياب ثم ان قدمت شيئا او اخرته
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 179 *»
لمتخالف علم الله السابق بمايخرج منها الي الفعلية و هذا الاحتجاب هو الذي حير اولي الالباب و لايمكنهم خرق الحجاب فوقفوا في الارتياب حتي يفتح لهم الباب و ياتيهم الخبر الصواب ولكن يختلف مراتب الحجب و الواقفين من ورائها فلا كل يحجب عن كل و لكل منا مقام معلوم الا ان كل من دخل عرصة الخلق و كان مركبا من مادة و صورة واقف موقف الجهل بشيء بل باشياء لا نهاية لها و الاستزادة و الفقر و الفاقة و الذي لايجهل شيئا و لاينتظر بدو امر جديد هو الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لميلد و لميولد و لميكن له كفوا احد ثم كل ذيمادة و صورة ذو قوة و فعلية فمادته قوته و صورته فعليته فلايحيط بفعليات وراء مادته الا بما شيء منها و بين له بفعليته التي هي صورته و مادته قوته لانها من الامكان الصالح لكل صورة و لماتتصور و هي تحت تدبير التقدير يفعل بها ما يشاء الا ان من المواد ما هي رقيقة بسيطة متشاكلة مع الفعليات اشد تشاكل لمتحجبها الا بقدر غلظة هي شرط استمساك وجودها و عليها مناط عبوديتها و فقرها و منها ما هي غليظة قليلة المشاكلة او عديمتها فبهذه الرقة و الغلظة اختلف تناهي ورود الفعليات اليها و عدمه و سرعة تقضي الامتداد المنتزع عن توارد تلك الفعليات و عدمها و بها اختلف حال العلماء في كثرة ما يرد اليهم و قلته فلرب عالم يرد اليه شيء في ان لو قسم علي ساير الناس سنة لكفاهم و بها اختلف بطء تقضي اوقات الاكوان و سرعته فيكون تقضي الدهر ابطا بل لاتقضي حتي قيل انه قار و تقضي الزمان اكثر علي ما تري.
فصـل: اذا عرفت ان كل حادث مركب و كل مركب مركب من مادة و صورة و المادة هي الحصة الماخوذة من الامكان المتشاكل الاجزاء و الصورة هي خصوصية ذلك الشيء التي ليست لغيره فالمادة من حيث هي هي صالحة للتهيؤ بكل هياة و ذلك الصلوح هو استعدادها للتشخص بكل شخصية ترد عليها عرفت ان المادة في نفسها شخص بالقوة و في صورتها شخص بالفعل فكل حادث صاحب قوة و استعداد فلاتصغ الي الذين يخصصون القوة و الاستعداد لقصر نظرهم بهذه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 180 *»
الدنيا و يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون.
و اما قول علي7 في وصف العالم العلوي صور عارية عن المواد عالية عن القوة و الاستعداد فالمراد بها المواد الزمانية و قواها و استعداداتها لا مطلقا و يكشف عن ذلك قول ابنه الرضا7 ان الله سبحانه لميخلق شيئا فردا قائما بذاته وقول الله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين و اتفاق الحكماء علي ان كل ممكن زوج تركيبي و شهادة العقول السليمة بان جميع تلك الصور مشتركة في الامكان ممتازة في حدودها فلها مواد و صور بحسبها فكل مخلوق له قوة و استعداد تصلح لظهور الفعليات عليها و قدعرفت انها تختلف في التشاكل مع الفعلية و التباين منها فاول ما خلق الله سبحانه مشيته لقول الصادق7 خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فالمشية اول المخلوقات و اعظم التجليات لكينونة الذات و ابسط المركبات لان الكل بها و لايجري عليها شيء من صفاتها و فعليتها عين قوتها و قوتها عين فعليتها لبساطة اجزائها حتي ان اجزاءها بسائط لمتركب من اشياء قبل فلا اجزاء اذ لا امتياز فهي اول مركب خلق مساوقا مع اجزائه المساوق بعضها مع بعض فهي اول الاشياء لا اول قبلها ولكن لنا اننتكلم فيها علي حسب ما وصفها الله سبحانه و عرفها باثارها فنقول هي كل ماكانت ممكنةٌ و امكانها عين ذاتها بلا تفاوت ليست بسابقة علي الامكان فتكون قديمة و لا بمؤخرة عنه فيكون شيئا بغير مشيته فالامكان شيء مخلوق بمشيته و مشيته ممكنة حادثة بذلك الامكان فهما من كل جهة شيء واحد لا فرق بينهما الا ان المشية ممكنة و الامكان هو الصلوح المطلق لما لا نهاية له كما بين في محله فالمشية لها مادة ماخوذة من الامكان و صورة هي كونها مشية و فعلا لله سبحانه و قدعرفت انها لمتسبق مادتها صورتها و لا صورتها مادتها فمادتها هي قوتها و استعدادها لكونها مشية امكانية او كونية او عينية متعلقة بزيد او عمرو او سماء او ارض او غيب او شهادة او جماد او نبات او حيوان او جن او ملك او صفات هولاء او افعالها او اثارها او اثار اثارها او قراناتها و نسبها و اضافاتها و ارتباطاتها و اعراضها الي ما لا نهاية له فمادة المشية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 181 *»
صالحة لانتتصور بصورة مشية خاصة لكل ذلك كما ان حركتك المطلقة فيها قوة التعلق بكل صنعة و بالكتابة و بالالف و الباء الي غير ذلك من الحروف و تراكيبها ببسط لا نهاية له و مهماتعلقت بشيء من ذلك تهيات بهيئته فوقع عليه شبحها فكان ذلك الشيء و هي من حيث المادة صالحة لكل ذلك و فيها قوة التهيؤ بكل هذه الهيئات و كذلك المشية و العبودية جوهرة كنهها الربوبية فالمشية المطلقة قبل جميع التقيدات هي المادة النوعية لتلك الافراد الخاصة و لها صور خاصة و هي في نفسها ايضا لها مادة هي الامكان المطلق و صورة هي صورة كونها حركة و ذلك الامكان هو رطوبة الرحمة التي خلقت منها المشية و هي اثر الرحمن المستوي علي عرشها و صورة كونها مشية هي الجزء الهبائي الذي يعقد فيه الرطوبة كما بين في محله فرحمته سبحانه غير مقيدة بالمشية او غيرها مما لايدخل مشاعرنا لانها اثر المشية الا انها تصورت بصورة المشية.
بالجملة ان المشية اي صورة المشية واقفة من وراء حجاب تلك الرحمة و هي حجاب القدرة و قدانحل و ذاب جميع ما وراءها من معلومات الله سبحانه فيها و دخلت تحت القدرة و صارت مقدورة لله سبحانه و كان الله سبحانه قادرا علي كل ما علم و عالما بكل ما قدر و قداستوي نسبة جميع معلوماته الي قدرته سبحانه فلايعجزه شيء في السموات و الارض و هو علي كل شيء قدير و بكل شيء عليم الا ان الاشياء كانت قبل المشية معلومة مفصلة و هيهنا صارت مبهمة مجملة بالابهام الاطلاقي بحيث لا تعين لشيء منها فيها و لما كانت و لاتتجاوز عن مبدئها بقيت في جهل و افتقار امكاني الي الله سبحانه و استفادة و استزادة دائمة بما لانهاية له و هي في كل حين لاتعرف الا ما عرفها و لاتعلم الا ما علمها الله سبحانه و لما كانت و ليس لها امتداد متميز الاجزاء لغاية بساطتها و كانت لا نهاية لها و لاغاية و يكون جميع استعداداتها للتعلم و الاستزادة حاصلة لها بالفعل بلاترقب لها لحصول استعداد لانها خلقت بنفسها لايتوقف وجودها علي غيرها و هي نفسها و نفسها هي و لايعقل لها حصول استعداد بعد استعداد لان استعدادها اللانهاية نفسها و هي لاتفقد نفسهاو كان استعداداتها اللانهاية حاصلة لها في كل حين و لاحين
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 182 *»
كان جميع تعليم الله سبحانه له موجودا بالفعل فان الله سبحانه لايحرم الاجابة من امره بالدعاء و دعا باستعداد موجود و لا مانع و هناك لا مانع اذ ليس معها غيرها فالمقتضي بلانهاية موجود و المانع مفقود و المعطي جواد فلايحرمه التعليم اللانهاية و معذلك مفتقر الي تعليمه سبحانه في كل حين و لا حين فعلمه سبحانه بلانهاية وراء هذا التعليم و التعلم اللذين لا نهاية لهما و لا غاية كلما وضعت لهم حلما رفعت لهم علما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فسبحانه من عالم لانهاية لعلمه و لا تعليمه و هو وراء ما لايتناهي بما لايتناهي و هذا هو مقام التحير و سقوط علم كل عالم دون علمه و هذا هو مقام رب زدني فيك تحيرا و هو مقام حيرة كل عليم و سقوط وهم كل حكيم و فوق كل ذيعلم عليم.
و لماكان هذه المشية هي مبدا المبادي و لا شيء فوقها و قدخلقت بنفسها و هي بنفسها يدالله في خلق نفسها و لسان الله في التعبير عنه لها و تعليم الله اياها كانت تخرج بنفسها لنفسها ما في قوتها الي فعليتها ابدا بلانهاية باذن ربها و هي اذنه سبحانه فيعلمها الله سبحانه بنفسها و يستخرج كنوز ما في قوتها الي الفعلية بنفسها و نفسها هي هي ابدا فيخرج منها علوم لا نهاية لها و لا غاية لها بها فهي وصف معلميته سبحانه و تعليمه لها و هي المتعلمة من الله سبحانه فهي القطب و هي الكرة تدور علي نفسها بالاستمداد السرمدي علي التوالي ابدا و تدور نفسها عليها بالامداد السرمدي علي خلاف التوالي ابدا فلا هي تفقد نفسها حيث تجدها و لا نفسها تفقدها حيث تجدها و هذا العلم هو العلم الذي شاء انيعلمه غيره و هو كلمات من ذلك العلم الكينوني الذي لايحيطون بشيء منه الا بما شاء و قدشاء ما شاء كما رايت فافهم هذه العبارات المرددة المكررة ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلَم ولكن اخبرك ان هذا المقام لايدرك الا بعينه تعالي فان كنت من فرسان هذا الميدان فتقدم طالبا لسبقته و الا فدونك دونك فانه بحر عميق و صراط دقيق و كم من سفينة فيه غرقت و قدم عليه زلت و لا عاصم الا الله ففروا الي الله و من يعتصم بالله فقد هدي الي صراط مستقيم.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 183 *»
فصـل: فالمشية حدثت لها بتعليم الله سبحانه علوم وحدانية امكانية بجميع ماخلق الله سبحانه بها و ثبتت في صدرها و هي المشار اليها بقوله و كل شيء احصيناه في امام مبين و قوله بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و هي تجمع جميع ماكان و مايكون الي يوم القيمة بالفعل و تعلم العلوم الاجمالية الاطلاقية بنفسها بالاتحاد و العلوم الاطلاقية التفصيلية بتطوراتها و شؤنها و تنزلها و تعلم الاكوان و الاعيان و الافعال و الاشباح بتجلياتها و ظهوراتها و للمعلومات مقام علمية سرمدية للمشية قبل كونها و مقام كونية دهرية في مقامها كما عرفت سابقا فهي في مقام المعلومية وعاؤها السرمد لانها قبل كونها المساوق للدهر و في مقام الاثرية للمشية وعاؤها الدهر لانها واقعة تحت السرمد مساوقة لوقتها و مكانها فتلك الفعليات العلميات السرمديات لما نزلت الي مقام الاكوان الدهرية انحلت و ذابت و تشاكلت و اتحدت فكان منه الامكان الجايز الذي هو مكان الدهريات و الدهر وقتها و الاكوان واقعة فيه و لماكانت الدهريات لاتتجاوز مبداها الذي هو الكون الجايز و هو حصة من الامكان الجايز و قدخفيت جميع تلك العلوم تحت هذا الحجاب بقيت في جهالة جهلاء لاتعلم شيئا الا بتعليم الله سبحانه و اظهاره ما شاء من تلك العلوم لها و اخراج كل شيء قداستجن فيه و صار بالقوة الي عرصة الظهور و الفعلية فما خرج الي الفعلية تعلمه و الا فلا فصار لهؤلاء في الرتبة الثانية مصداق قوله سبحانه و لايحيطون بشيء من علمه الفعليات السرمدية الا بما شاء ابرازه من فوارة الامكان الجايز الدهري و لما كان الدهر برزخا بين السرمد غيرالمتناهي الواحدي و بين الزمان المتغير المتبدل يعني كان من حيث كونه اعلي من الزمان بريئا من التغير و التجدد حتي قيل في حقه انه قار الذات لايتغير و لايتبدل و لايتجدد و لايتصرم و من حيث كونه اسفل من السرمد ملازما للتغير و التبدل و التجدد صار تجدده و امتداده من حيث الترقي و التنزل و استقراره من حيث العرض يعني انه يتجدد حالاته بترقي عرصته كلية من عالم النفوس الصور المجردة الي عالم الرقايق و من الرقايق الي العقول المعنوية و فيها الي ما لا نهاية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 184 *»
له و يتنزل عرصته بكلها من العقول الي الرقايق و من الرقايق الي النفوس و من النفوس الي الطبايع و هكذا فالدهر متجدد الاوقات و الانات هكذا و اما من حيث العرض فهو بيت منجد لايتغير و لايتبدل كل شيء منه موضوع في حده و مقامه فبهذا الاعتبار قار لايتجدد كتجدد الزمان و بذلك الاعتبار متجدد واما السرمد فهو بخلاف الدهر و الزمان فهو لا نهاية له طولا و لا عرضا و كله حاصل حصولا وحدانيا فعليا علي حسبه و معذلك مفتقر مستزيد فيما لا نهاية له بلانهاية فسبحانه من عليم مااوسعه و سبحانه من واسع مااعلمه فالامكان الدهري هو حجاب اغلظ من الامكان المطلق و استر لما وراءه و لايخرج منه الا شيء بعد شيء و قدعرفت ان العلوم التي تخرج منه بالتدرج طولية للطف ذلك العلم و غلظ ذلك الحجاب فلايعرف منه شيء الا بعد حين و اما بالنسبة الي العلوم العرضية فتخرج منه دفعة لكثافتها و وجود استعداد تعلمها فيه بلاترقب لانه بكله اثر المشية غيرالقاصرة عن شيء اوجدته بنفسه و لا مانع لوجوده لعدم شيء غير نفس ذلك الاثر و هو نفسه و نفسه هو لايفقد نفسه و لايفقده نفسه و ليس يفتقر في وجوده الا الي موثره الموجود النافذ الاثر و القدرة و الي نفسه التي هي استعداد قبول التاثير و هي موجودة و لتجردها و تذوتها غيرممتدة بامتدادات وصفية ممتازة فهي مستعدة لجميع ما يفاض عليها ابدادهريا فيفاض عليها ابدا دهريا بلا نهاية دهرية فعالمة بتعليم الله سبحانه بجميع العلوم العرضية و معذلك كله لمتستغن عن تعليمه اللانهاية في كل حين دهري كما عرفت في السرمد و اما التجددات الدهرية اي الطولية فليست بحاصلة له ابدا بالفعل فان المبدا لا نهاية له و الطريق اليه غيرمحدود و لامتناه و الاثر محدود بحدوده كائنة ماكانت و دعوته اقبل مستمرة و هي جذبه الاثر اليه بنارية فعله الذي هو الحركة الايجادية فلاينتهي سير الاثر اليه ابدا ابدا و لايقطع تلك المسافة باقدام الاقبالات و الامتثالات الدهرية سرمدا فانه يمشي في نفسه و هو خارج عن نفسه تعلم ما في نفسي و لا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب فالدهر دائم التجدد بالتجددات الطولية ابدا ابدا و في كل حين
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 185 *»
يتعلم علما لميكن له و يحصل له فعلية لمتكن له موجودة فهو طولا و عرضا متعلم الا ان تعلمه في العرض بلاتجدد بلانهاية و تعلمه في الطول بتجدد بلانهاية و السرمد تعلمه في الطول و العرض بلاتجدد بلانهاية لوحدانيته الحقيقية فافهم.
فصـل: فالدهر له علوم فعلية عرضية قارة و علوم طولية متجددة و ذلك التجدد كان في السرمد قارا فهذه العلوم لما نزلت الي عالم الاجسام انحلت و ذابت و اتحدت و تشاكلت و عدمت امتيازاتها و صارت بحرا سيالا جسمانيا و صارت الحيوة موتا و العلم جهلا و الفعل قوة فصارت الجسمانيات جاهلة بماوراءها من العلوم الدهرية لايحسون شيئا منه بعين و لا اثر و هم مترقبون منتظرون حتي يخرج شيء من وراء هذا الحجاب فيطلعوا عليه و يعلموه بتعليم الله سبحانه و لايخفي عليك ان كيفية الظهور و الاظهار و التعليم في جميع هذه المراتب المتقدمة طولا تحصل بجذب المبدا العالي بادامة نداء اقبل و مواجهتها بشمس فعله المشرقة الحارة اليابسة الجذابة فتطرح عليها شعلات الامداد فتمازجها و تَحلُها و تعقدها و تصعد المطاوع منها و تذر الاعراض الخاصة بمحالها غيرالقابلة للصعود عنها فتصعد شيئا بعد شيء و تسلُخ عن نفسها تلك الاعراض شيئا بعد شيء فترِق شيئا بعد شيء و تري شيئا بعد شيء مما وراءها فتظهر عنها الفعليات الكامنة فيها هكذا و هذا الجذب و الحل و العقد و التطهير و التضعيف لاغاية له و لا نهاية لان الاثر كلما تطهر خرج ما في كيانه الي عيانه و لايخرج عن كونه اثرا و اما في العرض فذلك بايدي المكملات العرضية الحاصلة من تكثر ما في المرتبة الحاصل من البعد عن المبدا فمن توارد عكوس تلك الكثرات و تعاكسها و فعلها و انفعالها تخرج تلك القوي الي الفعلية فان كلا يتكمل من كل ما هو من جنسه فباختلاف اسباب التكميل و باختلاف التكمل و باختلاف التعاكس و قرب الاشياء بعضها من بعض و بعد بعضها عن بعض و اجتماعها في التاثير و افتراقها و تماثلها و تجانسها و تباينها و تخالفها و غير ذلك من الموانع و المقتضيات تكثر ظهور الفعليات العرضية من الامكان و القوة الي الفعلية و كل شيء في التاثير يد
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 186 *»
الفاعل اليمني لمشيته و كم ارادته و سبب احداثه و كل شيء في التاثر يد الفاعل اليسري فيبدي ما يشاء بقدرته و يظهر ما يريد بحكمته و ذلك لما عرفنا انه لايغير الشيء من جوهريته الي جوهر اخر الا الله و لايخرج الشيء من العدم الي الوجود الا الله كما في الخبر.
بالجملة اختفت تلك الفعليات الدهرية وراء حجاب الجسم الذي هو للاجسام بمنزلة الامكان للاكوان و لايعلم شيئا من ما وراءه الا علي حسب ما يظهر الله منه حين ما يظهر الله سبحانه منه و لما كان الجسم في غاية البعد عن المبدا الاحدي و كان في غاية الكثافة و بطء الانفعال لدي الموثرات في الطول و المكملات في العرض لميخرج ما في قوته الي الفعل الا بالتدرج و الترتب فكانت الامتدادات المنتزعة عن ترتب الانفعالات البطيئة الموقوفة علي شروط و اسباب و معدات علي الاختلاف مختلفة الاجزاء ممتازة الحالات فحدث من ذلك التجدد الزماني فيه طولا و عرضا و قدر و اكتيل ذلك الامتداد كما عرفت بالليل و النهار و الاسابيع و الشهور و السنين و القرون كما تري فما خرج من تلك الفعليات من القوة الي الفعل علم به و ما لميخرج لميعلم به و لماكانت تلك الفعليات هنا كثيفة غليظة و الغالب عليها حكم الحدود و المميزات تصادم بعضها مع بعض و اختص كل منها بمكانه و وقته فلميمكن اجتماع فعلين منها في وقت واحد و مكان واحد فهو ابدا جاهل بما امامه لانه بَعدُ في عالم القوة و العدم و لميخرج الي عرصة الوجود فلايعلم الا ما علمه الله و ليس له الا ما اعطاه و اما عدم احساسه بماوراءه من الفعليات الماضية لان الهيئة الحالية مصادمة للحالة الماضية في مكانها العرضي فما لميمح عن لوح الجسم تلك الهيئة الماضية لميكن اثبات الهيئة الحالية كما تري من لوح مكتوب عليه كتاب لايمكن كتب كتاب اخر عليه الا بعد محو الكتاب الاول الاتري انك لمتقدر انتكتب علي لوح الشمعة المثلثة التربيع الا بعد محو التثليث فاذا محوت صورة التثليث عن جسم الشمعة و اثبتت عليه صورة اخري مثلها او خلافها بقيت في مكانها و زمانها الذاتيين اللذين كتبت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 187 *»
عليهما اعتبر من حصة مداد كتبتها الفا ثم محوتها و رددتها الي المداد ثم كتبتها باءا ولكن كلما تلتفت بنفسك الي ذلك الوقت الذي كانت فيه صورة الالف و في ذلك المكان تجدها فيه علي ما كتبتها من استقامة و انحناء الاتري ان العناصر تلتئم فتكون شجرة ثم تقطعها و تحرقها و تجعلها رمادا و تعود عناصرها الي مراكزها عود ممازجة ثم تنبت شجرة اخري من تلك العناصر ولكن كلما التفتت الي الشجرة الاولي وجدتها في وقتها و مكانها و هيئتها و نضارتها و خضرتها لاتتغير عما وجدتها فتفطن من ذلك ان ما لمياتك هو في قوتك و الامكان عدم الكون فهو معدوم و ما جاوزك فقدبقي في وقته و مكانه و جاوزت عنه و انت صالح للظهور بمثله بالقوة فهو عندك معدوم لا عند نفسه في مكانه و حده فلنعم ما قيل:
ما فات مضي و ما سياتيك فاين | قم فاغتنم الفرصة بين العدمين |
فلاجل ذلك لست تري بعينك الجسمانية ما عندها معدوم و هذا معني ما قال ابوعبدالله7 في قوله يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده امالكتاب، هليثبت الا مالميكن و هليمحو الا ماكان فافهم فالماضي و المستقبل يكونان زمانا بالقوة و دهرا ثابتا في محلهما لايتغيران و لايتبدلان اللهم الا انيتبدلا طولا فهما في طول الدهر اي المدارج العالية و النازلة بالقوة و حاله الفعلي ما هو فيه فما محي مما جاوزه و ما لمياته اثبت في السرمد فهو ما يجوزه بلانهاية يدخل في الامكان و يثبت في علم الله سبحانه بل هو ثابت فيه و ما لمياته ايضا ثابت فيه قال سبحانه قال فمابال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب و قال قدعلمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و قال انا نحن نحيي الموتي و نكتب ما قدموا و اثارهم و كل شيء احصيناه في امام مبين.
بقي شيء و هو انتعلم ان الممحو من لوح زمان اثباته و مكانه يعدم بالمرة او يمحي عن لوح الجسم الظاهر به و قداشرنا سابقا الي ما يكشف عن المسئلة الا انه يجب التصريح به لئلاتقع شبهة في ذهن المطلع علي كتابي هذا.
فاقول ان
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 188 *»
الصورة الفعلية كلمة كونية الا انها عرض للجسم الظاهر بها و لذلك تتغير تلك الصورة و تتبدل و الجسم باق علي حاله فهي كلمة عرضية بالنسبة الي معروضها و ان كانت جوهرية بالنسبة الي اشباحها الصادرة عنها و تلك الكلمة لها مكانان مكان ذاتي هو من حدود وجودها و هو الفضاء الوجودي الذي شغلته و مكان عرضي تشغله ثم تخرج عنه فيشغله غيرها كما ان لوجود زيد مكانا ذاتيا و هو ما شغله بذاته لذاته لايمكن له انتقاله عنه و هو فيه ابدا دهريا اينماكان من الامكنة العرضية و هو من حدود ذاته به امتاز عن غيره و مكانا عرضيا و هو الفراغ الظاهري بين هذه الاجسام يشغله فاذا انتقل عنه يشغله غيره من الاجسام فكذلك لصورة زيد التي تجلي بها من لون او شكل او غيرهما مكانان مكان ذاتي تشغله تلك الصورة في عالم الصور لايسع لغيرها فلايحل فيه جوهر لانه مكان ذاتي و لاصورة اخري فانه من حدود وجودها و محل شهودها في عرصة الملك و محل عرضي لها و هو جسم زيد فانها تذهب و تقعد في مكانها صورة اخري فتذهب الحمرة و ياتي البياض و يذهب القصر و ياتي الطول و تذهب الخفة و ياتي الثقل و هكذا فعلم ان الجسم ليس بمحل ذاتي لهذه الاوصاف تعرف به عن غيرها و الا ماكانت تزول عنه و الشيء ما لميمض لميكتب في لوح مكانه فاذا امضي كتب في ذلك اللوح و برز الي الشهود و ميز بحدوده عن غيره و كذلك يكتب ذلك الشيء بوقته و حدوده علي لوح اخر عرضي و كذلك للشيء وقتان وقت من حيث نفسه التي لايذكر معها غيرها فيه فهو من مميزاته و هو امتداد ترتب ما ينزل اليه من الامداد و وقت اخر اذا لاحظته مع غيره في وضعهما بانه قبل فلان فهو في ماضيه و بعد فلان فهو في مستقبله و مع فلان فهو معاصره و مساوقه و كل شيء من حيث نفسه يمضي في وقته الذي هو من حدوده و له مع وقته نسبة الي غيره من حيث الوضع الزماني و هذا الزمان هو الزمان العرضي الذي يكال بالليل و النهار و حركة الافلاك و لذلك قيل الزمان مدة لبث الشيء في مكان او انتقاله عنه و الشيء اذا امضي امضي في مكانه و وقته ثم له من حيث الاقتران حكم ثان و كتابة ثانية فامكنة الاشياء الذاتية و اوقاتها كلها دهرية فان لمتكتب في لوحهما لمتكن و ان كتبت كانت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 189 *»
ممضاة لاتقبل المحو لانه اذا وقع القضاء بسبب الامضاء فلا بداء و هي في لوح الدهر ابدا مكتوبة من هذا الحيث و اما من حيث الاقتران بشيء اخر فيمر عليه زمان عرضي يحده الايام و الشهور و السِنون فربما يكون شيء حالا علي جسم ثم يرفع عنه و يوضع غيره فمتي ماكان مع شيء حالا فيه كان مثبتا عليه فاذا رفع عنه محي و اثبت غيره كما انك تقعد في البيت يوما فتثبت علي لوحه ثم تقوم و تخرج فتمحي عن لوحه فاذا اثبتت فيه فقداثبتت فيه يوم الجمعة مثلا و اذا محيت عنه محيت يوم السبت و اما انت بنفسك حيث امضي وجودك و اثبتت في مكانك الذاتي و وقتك الذاتي فلايعقل محوك عنه فمعني قوله هليثبت الا ما لميكن و هليمحي الا ما كان هو في الامكنة العرضية و الازمان العرضية فيمحي من لوح البيت ما كان ثابتا عليه و يثبت عليه ما لميكن ثابتا عليه فصورة زيد التي ظهر بها في يوم الجمعة نفس تلك الصورة اذا خرجت في عالم الامضاء اثبتت في مكان وجودها و وقت شهودها و هما دهريان فاذا امضيت كتبت في لوح الدهر من حيث نفسها و علمه سبحانه بها ثابت علي ماكان بلاتفاوت و كتبت في لوح الزمان علي جسم زيد في ذلك اليوم فمكانه جسم زيد و وقته يوم الجمعة فاذا جاء يوم السبت و تصور بصورة غيرها مصادمة لها في المكان العرضي رفعت الصورة الاولي عن ذلك الجسم فاذا رفعت لمترفع عن مكانها الذاتي الدهري و وقتها الدهري و انما رفعت عن مكانها العرضي و جاز الجسم عن حد الاقتران بها لانه دائم الصعود و تركها خلفه و بقي الجسم صالحا لها علي ماكان قبل الاقتران بها و لو كتبت عليه ايضا تلك الصورة ثانيا لمترد نفس تلك الصورة الماضية فانها خلفت في مكانها لاتحول عنه و لاتزول بل يعود اليه مثلها فليس في قوة الجسم تربيع واحد مثلا اذا خرج لميبق فيه تربيع اخر و اذا غير دخل ذلك التربيع بعينه فيه فيكون ثانيا في قوته بل كلما خرج من قوته الي الفعلية لايعود الي القوة ابدا اذ لا بداء فيما امضي فكل شيء خرج من الامكان الي الاكوان لايعود الي الامكان ابدا قال الله سبحانه ما ننسخ من اية او ننسها نات بخير منها او مثلها و قال الصادق
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 190 *»
7 في اللبنة المعادة هي هي و هي غيرها يعني هي ذلك الطين و هي غيرها من حيث الصورة الا انها مثلها فاذا محيت الصورة الاولي و كانت بالفعل مضت بوقتها و مكانها الدهري فليست علي الطين الا ان الطين قابل لانيخرج من قوته الي الفعلية صورة اخري مثلها او مخالفة لها فباعتبار لا محو اذ بقي كل صورة في محله و تجاوز الجسم عنه و كذا بقي اقترانه العرضي بها ايضا في محله و هو الاعتبار الدهري الذي يلحظ كل شيء فيه بالنسبة الي نفسه و باعتبار يكون محو فان الجسم خلع الصورة الاولي و لبس غيرها ففي عالم الزمان اي امتداد اقتران وصف بوصف محو و اثبات ولكن كان في علم الله اذا محي انه يمحي و اذا اثبت انه يثبت فلاتغير في علم الله و انما التغير في عالم الزمان و هذا المحو و الاثبات بديهي لاينكر كما مثلنا له امثلة عديدة و لا شك ان الجسم في كل حال امكان و صلوح لما يجوز انيتصور عليه و لا شك ان الامكان عدم الكون فجميع ما لمياته معدوم عنده و كذا جميع ما جاوزه و ان كان جميع ما جاوزه و ما ياتيه في امكنتها الدهرية موجودة كما قدتري بعينك الدهرية في طيفك او غيره ما لمياتك و ما جاوزك و هما في زمانك عندك معدومان و لست تريهما بعينك الزمانية فافهم ان كنت تفهم و اغتنم.
فصـل: اذا عرفت ان ما سوي الاحد سبحانه مركب مجزي و له مادة فيها اشتراكه مع ما يساوقه و له صورة بها امتيازه فاعلم ان لكل موجود من بدو وجوده الي منتهي شهوده الخاص به اربع مراتب لان مادته المشتركة لها مادة نوعية و هي بالنسبة اليه صلوح مطلق و صورة نوعية بها تسمي بالمادة و تلك الصورة من فعليات ذلك الصلوح الاطلاقي و هما معا صلوح ثان للمادة الشخصية التي هي حصة معينة منها غيرمشخصة و هذه المادة الشخصية صلوح ثالث للصورة الشخصية و هي من فعليات هذه المادة الشخصية التي تصلح لها و لغيرها و مرادي من الحصة ليس علي ظاهرها فان النوع بنفسه لايتحصص و لايتبعض كتحصص الطين الظاهر الي حصص بل هذه الحصة شعاع و نور منه و مثال القاه في هوية الصورة الشخصية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 191 *»
فالصورة النوعية من فعليات المنير و اشراقه و اثره و محلها في الوجود دونه و الصورة الشخصية من فعليات النور و اشراقه و اثره و محلها في الوجود دونه و مرادي من كون النوع صلوح المادة الشخصية انه صالح للظهور بالمادة الشخصية لصورتها لا انها صالحة للتبعض و لو كانت المادة الشخصية بعض المادة النوعية لماصدق علي كل مادة شخصية اسم الكل و يسمي الصورة النوعية بالمقومة و الصورة الشخصية بالمتممة و قدنعبر عن هذه المراتب بالحل و العقد فالمادة حل و الصورة عقد فنقول ان الشيء لايتم الا بحلين و عقدين و من البين ان الشيء لايوجد الا بايجاد الله سبحانه بمشيته و فعله المتعلق به المقارن له فان السبب ما لميكن من جنس المسبب لميتاثر المسبب منه فلاجل ذلك صار كل شيء مخلوقا بنفسه عند العالي القريب منه و قدشرحنا في علم الاشتقاق ان المشتقات التي مادتها واحدة صقعها واحد و كل تلك الهيئات من فعليات تلك المادة و صفاتها التي ظهرت بها فلابد من اتحاد صقع الفعل و الفاعل و المفعول و ساير ما يشتق من الفاء و العين و اللام فبذلك صار كل شيء مخلوقا بنفسه فلهذه المراتب مقام فعلي للعالي القريب منه و مقام مفعولي فالمادة النوعية مخلوقة بفعل يسمي في اصطلاح الائمة الاطهار صلواتالله عليهم بالمشية و الصورة النوعية مخلوقة بفعل يسمي بالارادة و المادة الشخصية مخلوقة بفعل يسمي بالقدر و الصورة الشخصية مخلوقة بفعل يسمي بالقضاء فاذا وقع الشخص مشروح العلل مبين الاسباب في الخارج يسمي الفعل الموقع له كذلك بالامضاء و لما وقع في مكان حدوده و زمان شهوده يسمي الفعل المثبت له كذلك بالكتاب و لما كان في كل رتبة واقفا بباب الاذن و ان كان مقتضيه موجودا و مانعه مفقودا يسمي الفعل المتعلِق باجابة دعوته بالاذن و لماكان في جميع هذه المراتب لوجوده اول و اخر يسمي ذلك الامتداد بالاجل فلاجل ذلك روي عن الصادق7 ما من شيء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن كان يزعم انه يقدر علي نقص واحدة فقدكفر و قد مر تفصيل هذه المراتب في
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 192 *»
حديث الكاظم7 المفصل فبالعلم كانت المشية و بالمشية كانت الارادة و بارادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الامضاء و قال الرضا7ليونس يا يونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول فتعلم ما الارادة قال لا قال هي العزيمة علي ما يشاء فتعلم ما القدر قال لا قال هي الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء قال ثم قال و القضاء هو الابرام و اقامة العين الخبر فلعلك عرفت مماحققنا ان المادة النوعية اذا وجدت صالحة لانتظهر بالصورة النوعية و ان لاتظهر فاذا ظهرت بالصورة النوعية كتبت عليها و هي صالحة لانتظهر بالمادة الشخصية و ان لاتظهر فاذا ظهرت بالمادة الشخصية كتبت عليها و هي صالحة لانتظهر بالصورة الشخصية و ان لاتظهر فلايوجد الشخص فاذا ظهرت بالصورة الشخصية كتبت عليها ثم لايمكن ان لاتظهر بما قدظهرت به حينما ظهرت به.
مثال ذلك في خلقة السرير ان العناصر هي المادة النوعية صالحة للخشب و الحديد و الحيوان و الانسان فاذا ظهرت بالصورة الخشبية تعينت بها و كتبت عليها و ليس لها انلاتظهر بها بعد ما ظهرت حينما ظهرت فاذا وجد الخشب فهو صالح لانيقدر بمقادير السرير و قوائمه و الواحه و مرافقه و انيوقد فيه النار و يحرق و يجعل غيره من باب او صنم او غيره فاذا تعين بصورة مقادير السرير لايمكن انلايكون قدتعين بها حين تعين ولكن المقادير ليست بسرير و يمكن انتحرق تلك القطع قبل انيركب منها السرير فلايوجد السرير في الدنيا و اذا ركب شيء منها علي شيء الي اخر الاجزاء و بقي جزء لميوجد السرير و يمكن انلايتمه و يحرقه فلايوجد السرير في الدنيا و هذا معني ان الدعاء يرد القضاء و لو ابرم ابراما و اما اذا تم السرير و وضع موضعه فلايمكن ان لايكون موجودا حين هو وجد فيه وهذا معني اذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فان ما امضي لايعقل ان لايكون امضي حين هو امضي نعم يمكن بعد تمام السرير انيكسر و يحرق و يغير اما لايكون قدوجد حين وجد فلايعقل فلاجل ما ذكرنا يجوز لمن يريد السرير لسلطان و قدحصل المادة النوعية انيمنعه السلطان عنه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 193 *»
فيتركها و لايحصلها و اذا حصل الخشب انيمنعه فيتركه و اذا قطع القطع انيمنعه فيتركها و اذا اخذ في التركيب انيمنعه فيتركه و اما اذا تم السرير لايعقل منعه فانه وقع و لايمكن انلايكون وقع نعم يمكنه امره باحراقه في الان الثاني فلاجل ذلك قدجاز البداء في المشية و الارادة و القدر و القضاء و ان ابرم ابراما و اما اذا امضي فلا بداء وقدقال الكاظم7لله تبارك و تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما اراد لتقدير الاشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء و قال اذا وقع العين المفهوم المدرك فلابداء الخبر.
ثم اعلم ان الاشياء تختلف نسبها بسبب وضعها فلرب شيء هو امضاء شيء و قضاء شيء و قدر شيء و ارادة شيء و مشية شيء فان كل شيء هو هو و هو مقدمة شيء اخر و جزء شيء اخر و جزء جزء شيء اخر و هكذا فعلي ذلك كل شيء فيما هو به هو عند ما هو هو ممضي لنفسه ولكنه بالنسبة الي غير ربما يكون قدرا يجوز فيه البداء له او ارادة او مشية فاذا لاحظت الاشياء من حيث انفسها بل اجزائها بل ذراتها و اطرافها تجدها ممضاة في حدها و مقامها فانها ان لمتوجد لمتكن اصلا و ان وجدت في حدها الذاتي امضيت ثم لايعقل انلاتكون امضيت فيه و ان محيت عن لوح عرضي لمتمح عن لوح مكانها و وقتها فتبين ان المحو في علم الله بعد ما علم الاشياء غيرمعقول فان الله سبحانه ليس ينسي و لايغيب عن نظره شيء و ليس كتاب علم الله الحادث الذي اشار اليه علمها عند ربي في كتاب غير صفحة الحقايق العلمية فلايمحي من الحقايق شيء عن وقته و محله ابدا و ليس ربك بمتغير العلم يزيد و ينقص و ينسي و يذكر تعالي عما يقول العادلون علوا كبيرا فاذ لميكن محو و لا اثبات في الواقع اي ذرات الوجود فانما هو في الاضافات و في الامكنة العرضية لا الذاتية فهي من المشية فما دونها لا في العلم و بذلك اشار الكاظم7 لاهله لله البداء فيما علم متي شاء و لميقل فيما علم مطلقا بل يبدو في ما علم حين شاء يعني في رتبة المشية فمقام العلم مقام امضاء ذرات الوجود و جميع ما امضي لكن علي جهة الوحدة و اما المشية فما دونها فهي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 194 *»
في عرصة المحو و الاثبات و لاتزعمن من قولي ان العلم مقام الامضاء يعني ان العلم متاخر عن الكل نعوذ باللّه فيشاء و يريد و يقدر و يقضي بغير علم بل العلم مقدم و هو كما بينا مقام الوجود الفعلي الخارجي الا انه اختفي وراء حجاب المشية التي هي متعلقة بالمادة النوعية الصالحة بالصلوح المطلق و الامكان المحض فيبدو منه فعلية بعد فعلية الا ان الفعلية الاولي التي ظهرت هي العلم الممضي بنفسه و الشخص المميز في نفسه ربما يكون ذكرا اولا لشيء مركب منه و من غيره ياتي فهو متعلق المشية و ما خرج من ذلك الخارج هو شيء ممضي علمي شخصي الا انه صورة نوعية للخارج الاول و متعلق ارادة لما ياتي و هكذا فلربما انتهي الامر الي ذلك الشيء المركب فامضي او لمينته فلميمض و جميع ماكان خرج من مقدمات وجوده هي منتهيات وجود انفسها و هي ممضاة معلومة قبل خروجها و بعد خروجها فافهم بقي شيء يجب انانبهك عليه و هو يقتضي رسم فصل اخر و ان كان من تمام هذا الكلام فنعنون فصلا.
فصـل: اعلم ان هذا الملك الذي تراه له مادة نوعية هو الوجود المقيد اي العقل المرتفع و هو اول اذكاره ليس له قبل الوجود ذكر و ليس في معني الوجود من حيث انه وجود تعين و له صورة نوعية و هي النفس و هي عرض بالنسبة الي الوجود و صورة محضة لا وجود لها الا اشراق الوجود الاول و نوره و شعاعه و هي صورة نوعية لانها كلية بالنسبة الي الصور الجزئية الزمانية و الدليل علي انها من شعاع المادة النوعية ظهورها في جميع شئونها و اطوارها و له مادة شخصية و هي المادة الثانية و هي من شعاع النفس و نورها لظهورها في جميع صورها و له صورة شخصية و هي هذا العالم اي عالم الاجسام و هي من شعاع المادة و نورها لظهورها في جميع صوره و احواله علي نسبة واحدة فالوجود هو متعلق المشية العامة و هو اول اذكار العالم و النفس هي متعلقة الارادة العامة و هي اول تعينات العالم و هي التعين الدهري النوعي و المادة هي متعلقة القدر العام و هي الهندسة الايجادية للعالم و الجسم هو متعلق القضاء العام المتعلق بالعالم و عند تمامه و وقوع العالم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 195 *»
تام المراتب كامل المقامات مشروح العلل مبين الاسباب يكون متعلق الامضاء فاذا امضي كتب في لوح الوجود العالم علي ما تري هذا في كلية العالم و علي هذا القياس كل جزئي جزئي يقع في العالم فلايكون شيء في جميع العالم ممضي مكتوبا مشخصا مميزا عن غيره بالتميز الشخصي الا بعد ظهوره في عالم الاجسام والشاهد علي ذلك هو قول الكاظم7 العلم بالمعلوم قبل كونه و المشية في المشاء قبل عينه و الارادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عيانا و وقتا و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدركات بالحواس من ذي لون و ريح و وزن و كيل و ما دب و درج من انس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تبارك و تعالي فيه البداء مما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء و الله يفعل ما يشاء الخبر و قال في اول الخبر فلله تبارك و تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما اراد لتقدير الاشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء الخبر.
فتبين و ظهر لمن امعن النظر ان الشيء ما لميظهر بتفصيله و توصيله الجسماني في هذا العالم يحتمل فيه البداء سواء تعلق به المشية في العقل و الارادة في النفس و التقدير في المادة و القضاء في مبادي التركيب الجسماني من اجزائه من اقتران العناصر و مزج اشعة الكواكب بها و ترقيه بحسبه نطفة فعلقة فمضغة فعظاما فاكساء لحم فانشاء خلق اخر فالخروج في عالم الكون و الشهود لان الشيء في جميع هذه المراتب في حيز القضاء ام لا فاذا تم التركيب و خرج خارجا امضي في كل شيء بحسبه و ان كان لكل شيء من تلك الاجزاء امضاء اذا اخذ شيئا في حد ذاته و له مقدمات تركيب بحسبه هو قضاؤه و ساير المراتب العالية كما شرحنا و تبين مما بينا ان الشيء المشخص المميز بما هو شيء ليس بموجود في شيء من تلك المراتب الا بعد خروجه هيهنا فليس زيد بما هو زيد في العقل و لا النفس و لا المادة الا هيهنا اي عرصة الامضاء الاتري ان السرير ليس بسرير في عالم العناصر و لا في صورة الخشب و لا في التقادير و لا في التراكيب فاذا امضي كان سريرا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 196 *»
في عالم الشخصية فاذا صار سريرا و وقع اختص به من العقل اي العناصر و النفس اي الخشبية و المادة اي التقادير ما ظهر فيه بواسطة و غير واسطة و كذلك يكون زيد ليس بزيد ممتاز مشخص عن عمرو الا بعد الامضاء هيهنا فاذا امضي اختص به من العقل و النفس و المادة الثانية علي حسب ما ظهر فيه فانه مظهر الكل و فيه شعاع من كل واحد بواسطة او غير واسطة كمراة وضعت من وراء زجاجات ثلث متداخلة فيها مصباح فيقع في المراة حصة من المصباح و حصة من الزجاجة الاولي و حصة من الزجاجة الثانية و حصة من الزجاجة الثالثة وما لمتكن مراة لمتتعين تلك الحصص بالتعين الشخصي المرءاتي و كانت علي اطلاقها فلايتعين لزيد عقل و لا نفس و لا مادة في المراتب العالية الا في بطن الجسم الشخصي بعد تميزه و امضائه في العالم المحسوس فما تسمعنا نقول ان لزيد عقلا و نفسا و مادة ثانية فلانعني به الا ما انطبع في جسمه من امثلة الحقايق المطلقة العامة فلايتجاوز هذه الامثلة في صعوده ابدا و لاينتهي الي تلك الحقايق العامة سرمدا فلوصعد اليها انحل و ذاب و احترق و تلاشي حتي لميبق له امتياز عن غيره ابدا كما اذا دخل الالف في بحر المداد و صعد اليه فلايكون الا المداد المطلق الصالح لكل حرف و سياتي ان شاءالله في ذلك مزيد بيان في مبحث المعاد و ان كان ما ذكرناه كافيا في المراد و البيان لمن له عينان.
و من ذلك تفطن ان هذا العالم عقله و نفسه و مادته ما انطبع فيه ايضا لا المراتب العالية فلايصل الجسم في صعوده اليها و المادة عقلها و نفسها ما انطبع فيها منهما فلاتصل اليهما ابدا و النفس عقلها ما انطبع فيها فلاتصل اليه في صعودها ابدا و ما منا الا له مقام معلوم و انا لنحن الصافون فاذا تم وجود زيد هنا و امضي اثبت له عقل خاص هو عقله و نفس خاصة هي نفسه و مادة ثانية هي مادته و تستكمل هذه المراتب و تشتد و تزداد تعينا كلما عمل بمقتضي شيء منها و صفا بدنه و ما لميتم لميكن له شيء من ذلك في الواح العقول و النفوس و المواد و الاجسام كما عرفت اذا عرفت فاذا عرفت هذه المقدمات السديدات و البيانات المحكمات عساك تعرف سر البداء و موقعه فلنعنون فصلا اخر لانتاج النتيجة منها.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 197 *»
فصـل: اعلم ان البداء هو ظهور شيء بعد ان لميكن ظاهرا قال الله سبحانه و بدا لهم من الله ما لميكونوا يحتسبون اي ظهر لهم و قولهم سل عما بدا لك يعني عما ظهر لك في خاطرك فمعني بدا لله ظهر لله اذا اخذ علي حقيقته و لا حاجة بنا الي تاويله كما صنعه الجاهلون ماكان لنا الي الحقيقة سبيل فنقول اذا عرفت مما اسلفنا سابقا ان علم الله بذاته عين ذاته و علمه بخلقه عين حضوره عنده لا غير و ان الله سبحانه وجوده وجود حق احدي وراء ما لايتناهي بما لايتناهي و ليس ينتظر لنفسه حدوث كمال و لايترقب ظهور جمال و جميع ما سويه كماله اللايتناهي عرفت ان الله سبحانه عالم بكل شيء قبل كونه و عينه و هندسته و تركيبه و امضائه لايحتاج في علمه بخلقه الي تكوينه و تعيينه و تقديره و تركيبه و ايقاعه كما قال الكاظم7 بالعلم علم الاشياء قبل كونها و وقع ابوالحسن7 لميزل الله عالما بالاشياء قبل انيخلق الاشياء كعلمه بالاشياء بعد ما خلق الاشياء و قد مر تمام الخبر و هذا العلم هو كينونة الذات كما مر و لايعقل بداء في هذا العلم كما قال ابوعبدالله7 مابدا لله في شيء الا كان في علمه قبل انيبدو له ففي هذا العلم لامحو و لا اثبات لانه كينونة الذات و كينونته سبحانه لاتتغير و لاتتبدل و كذلك لايعقل بداء في لوح الامضاء بعد ما تم وجود الشيء و وضعه في حده و مقامه فلايعقل انلايكون خلقه بعد ان خلقه و هذا هو ام الكتاب التي لاتتغير و لاتتبدل و هذا اللوح يقع مطابقا لعلم الله سبحانه بلا تفاوت و ايته كما روي ان الملكين اذا ارادا النزول صباحا و مساء ينسخ لهما اسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك فاذا صعدا صباحا و مساء بديوان العبد قابله اسرافيل بالنسخة التي انتسخ لهما حتي يظهر انه كما نسخ منه انتهي فتدبر فيه و هذا اللوح هو اللوح المحفوظ الوارد في الاخبار المشار اليه بقوله و عندنا كتاب حفيظ و هو ام الكتاب المشار اليها بقوله يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب و المشار اليه بقوله في لوح محفوظ و هذا اللوح دهري باعتبار و موضعه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 198 *»
في باطن الكرسي و هو صدر العالم الاكبر و قدكتب هذا اللوح بالقلم الذي هو اول ما خلق الله و هو العقل فاخذ المداد من ن و هو نهر في الجنة و هو الماء الذي منه حيوة كل شيء و هو الوجود فكتب القلم بمداد الوجود علي لوح النفس ما كان و ما يكون الي يوم القيمة ثم ختم علي فم القلم فلاينطق ابدا و الدليل علي هذه الجملة قول ابيعبدالله7 في قوله (ن والقلم) امّا (ن)فكان نهرا في الجنة اشد بياضا من الثلج و احلي من العسل قال الله عزوجل كن مدادا فكان مدادا ثم اخذ شجرة فغرسها بيده ثم قال و اليد القوة و ليس حيث تذهب اليه المشبهة ثم قال كوني قلما ثم قال له اكتب فقال له يارب و ما اكتب قال ما هو كاين الي يوم القيمة ففعل ذلك ثم ختم عليه و قال لاتنطقن الي يوم الوقت المعلوم و في اخر اما (ن) فهو نهر في الجنة قال الله عزوجل اجمد فجمد فصار مدادا ثم قال عزوجل للقلم اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ماكان و ما هو كائن الي يوم القيمة و في اخر فكتب القلم في رق اشد بياضا من الفضة و اصفي من الياقوت ثم طواه فجعله في ركن العرش ثم ختم علي فم القلم فلمينطق بعد و لاينطق ابدا فهو الكتاب المكنون الذي منه النُسَخ كلها اولستم عربا فكيف لاتعرفون معني الكلام و احدكم يقول لصاحبه اِنسَخْ ذلك الكتاب او ليس انما ينسَخ من كتاب اخر من الاصل و هو قوله انا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون الي غير ذلك فهذا اللوح المكتوب بالقلم هو لوح الامضاء و هو مؤخر ظهورا عن ساير مراتب الالواح الا انه مقدم وجودا.
فالواح المحو و الاثبات هي الواح يكتب فيها الشيء من حين يؤخذ في تركيبه الي اخر وقت تمامه اذ هو في كل هذه الالواح يحتمل المحو فلايتم الشيء و لايقع في الخارج و اثبات خلافه فينتقل ذلك الجزء الي غيره فيكون جزء غيره كانيكون التئمت العناصر مثلا للسرير فيتغير المصلحة فتكون حديدا لا خشبا او تصير خشبا ولكن يصير علي تقادير الباب او
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 199 *»
يقدر بتقادير السرير ولكن يحرق او تركب الي اخر جزء منه ثم يكسر فيكون حطبا ففي جميع هذه المراتب يقبل الشيء المحو و الاثبات الي انيقع فاذا وقع فلايمكن انلايكون وقع و قدعرفت مما سبق ان الشيء ما لميقع في هذه الدنيا ليس بممضي في عالم من العوالم فهو قبل الامضاء في الواح المحو و الاثبات ما لميقع فجميع ما سياتي في الزمان الان في لوح المحو و الاثبات و لميات ذكره في كتاب فكلما لميقع يحتمل المحو و الاثبات و التقديم و التاخير ولكن كلما محي و اثبت و قدم و اخر كان في علم الله السابق محوه و اثباته و تقديمه و تاخيره فلميغير المُلْكَ عن جهل كما روي عن الصادق7 ان الله يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يثبت ما يشاء و عنده ام الكتاب وقال فكل امر يريده الله فهو في علمه قبل انيصنعه و ليس شيء يبدو له الا وقدكان في علمه ان الله لايبدو له من جهل و كذا عرفت ان كل شيء من حيث هو تام فيما به هو هو فهو ممضي و اما بحسب كونه جزء شيء اخر فهو ناقص يحتمل التغيير و التمام فجميع الاشياء الموجودة باعتبار في لوح الامضاء و باعتبار في لوح المحو و الاثبات و المحو كلمة من لوح الامضاء و الاثبات كلمة و الممحو كلمة و المثبت كلمة و اما ما مضي فهو بكل اعتبار ممضي و اما ما سياتي فهو بكل اعتبار في الدنيا غيرموجود و قدعرفت ان الناقص هنا ناقص في جميع العوالم و التام هنا تام في جميع العوالم فالشيء مادام تحت المشية فهو مما يحتمل البداء فيه في جميع العوالم و كذا مادام تحت الارادة و القدر و القضاء فهو في جميع العوالم ممايحتمل فيه البداء فاذا وقع القضاء بالامضاء فهو في جميع العوالم ممضي و في كل حال يعلمه الله في هذه المراتب علي ما هو عليه فيعلم الناقص ناقصا قابلا للمحو و الاثبات و الزيادة و النقصان و التغير و التبدل مادام هو ناقصا و يعلم التام تاما حين هو تام و كلما كان من ذلك كان يعلمه بعلمه الكينوني الازلي الاولي و الي هذه العلوم يشير قوله تعالي ام حسبتم انتدخلوا الجنة و لمايعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 200 *»
الصابرين و قوله و ليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين و قوله و ماجعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه و قوله و ماكان له من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك و قوله و ما اصابكم يوم التقي الجمعان فباذن الله و ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا الاية فهذا العلم ما لميتحقق المعلوم ممضي لايتعلق به بخلاف العلم السابق الكينوني فانه غيرمشروط بكون الاشياء و عينها و امضائها في العالم و اليه الاشارة بقوله و لايحيطون بشيء من علمه و بقوله ان الله عالم غيب السموات و الارض و بقوله عالم الغيب لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الا في كتاب مبين و بقوله و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الا هو و امثال ذلك فان قلنا انه بدا لله فهو في هذه العوالم التي يظهر الاشياء فيها بالتدريج فيظهر فيه ما لميكن ظاهرا في هذه الدنيا و ان كان ظاهرا له في علمه الازلي من قبل انيكون.
و امثل لك في ذلك مثالا انك عالم بالنحو كله في نفسك في الدهر ولكن بدنك الدنياوي في عالم الزمان تدريجي التحصل و مشاعره الظاهرة و الباطنة تدريجي الادراك فكما انك لاتبصر شيئين في الدنيا في ان واحد لاتقدر انتتخيل شيئين في ان واحد فخيالاتك ايضا تدريجية و انت ينزل من نفسك الي خيالك من مسائل النحو شيء بعد شيء و يظهر لك فيه شيء بعد شيء و هيهنا يقال قل ما بدا لك و اسال عما بدا لك و لايضر ظهور تلك المسائل في خيالك شيئا بعد شيء بعلمك النفساني الدهري بكله في كل حين ولكن جبلة البدن لاتتحمل ظهور خيالين فيها في ان واحد فيبدو لك منه شيء بعد شيء فمن هذا تبصر امر هذه المسئلة و لله المثل الاعلي ان علمه الازلي بكل الاشياء لاينافي ظهور علمه في السموات و الارض شيئا بعد شيء فيبدو له هنا ما لميكن بادئا هنا و ان كان في علمه الاول ثابتا.
و ان شئت انتعبر عن ذلك بان الله سبحانه اجل من انيبدو له شيء لميكن باديا ولكن خلق لنفسه اولياء جعل ما يبدو لهم بداء له و ما يحصل لهم من
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 201 *»
علم وجود علما له كما هو في ساير ما ينسب اليه من الاسف و المظلومية و التاذي و الاقتراض و اخذ الصدقات و امثالها فلك فان هذه الالواح هي في جبلات اوليائه فاللوح المحفوظ هو باطن صدرهم و لوح المحو و الاثبات هو ظاهر صدرهم اذ يثبت فيها شيء و يمحي شيء كما مثلنا لك فان الله سبحانه اقامهم مقامه في ساير عوالمه في الاداء و هم معانيه و ظاهره فينا و ليس يخالف هذا الحرف الحروف السابقة بوجه الا انها تاويله و هذا باطنها و علي ذلك يجتمع جميع الاخبار لاتري فيها اشكالا ابدا.
فصـل: لما احدث الله سبحانه الاشياء بمشيته في عالم الكون و الكثرة و ظهرت فيها النسب و الاضافات و قيس بعضها ببعض و ظهر فيها مبدا و منتهي و اعلي و اسفل و علة و معلول و فعل و فاعل و مفعول و لميكن لشيء منها تلك الاحدية الطاوية و الغناء البحت و كان بعضها اعلي من بعض و اقدم و اقوي اخذ العالي الاقدم الاقوي في التاثير في الداني المتاخر الاضعف و لما كان و ليس له ذلك الغناء البحت الازلي اشترط في ظهور فعل الفاعل انفعال المفعول و اشترط في تحقق انفعال المفعول فعل الفاعل فلميحدث هنا حادث الا بفعل و انفعال و قابل و مقبول و صار ذلك سرا ساريا في جميع مراتب الاكوان الا انها كلما كانت اقرب الي المبدا كانت شروطها اقل و كلما كانت ابعد عن المبدا كانت شروطها اكثر علي حسب قربها من الغني المطلق و بعدها عنه حتي انه صارت المشية ليست تفتقر الا الي نفسها فهي القابلة من حيث هي هي و هي الفاعلة من حيث نفسها فبذلك صارت راجحة الوجود غيرمقيدة بشيء غير نفسها و صارت مطلقة عن كل قيد و اما الصادر الاول فافتقر الي الفاعل الذي هو المشية و الي فعلها و الي اثر فعلها الذي هو المقبول و الي انية هي القابلة لا غير و هكذا تكثرت القيود و الشروط الي ان بلغت المنتهي فافتقر الانسان هنا مثلا الي الشروط الكلية العالية الالف الف و الي قبضات عشر من كليات عالمه و الي اب و ام و نكاح و اعضاء و جوارح و طبايع و ارواح و اغذية و اشربة و حدود و اوضاع و قرانات
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 202 *»
الي ما لانقدر اننعد جزءا من الف الف جزء منه و ان تعدوا نعمة الله لاتحصوها فافتقرت الاشياء كذلك الي علل و اسباب و شروط و قيود مما لايحصي فمهما حصلت الشروط كملا لشيء و وجد المقتضي و فقد المانع وجد الشيء و الا فلا فتبين ان من الاشياء ما وجد شروط وجوده كملا فيخرج من العدم الي الوجود و منها ما وجد اكثر شروطه فيشفي علي الوجود او اقل شروطه فهو بعد في العدم بعيد عن الوجود يترقب فيه وجودها فهو موقوف و منها ما لايوجد شروطه ابدا و منها ما ليس بموجود و سيوجد فبذلك يختلف احوال الاشياء في هذا العالم.
فالقارئون لالواح الوجود من الملائكة و الانبياء و الرسل لايقدرون علي قراءة شيء الا بعد كتابته فيها فاذا كتب شيء مشروح العلل مبين الاسباب يقراونه بعينه و يعلمون بوجوده تاما نحو ما مضي فانه اذا اجتمعت الشروط امضيت بلاترقب و اذا كتب اكثر شروطه يقراونها و يعلمون انه اشفي علي الوجود ثم لايعلمون هل تتم شروطه و يمضي ام لا الا انيوحي اليهم انها تتم و يمضي و معذلك هم من خشيته مشفقون و يعلمون انه ان شاء انيخرمه خرم فلايوجد الا انهم بمقتضي قوله لاتحسبن الله مخلف وعده رسله يعلمون علما مع خشية مشفقون مقرون بالقدرة علي القطع و الي ذلك اشار ابوجعفر7 العلم علمان فعلم علمه ملائكته و رسله فما علمه ملائكته و رسله فانه سيكون لايكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله و علم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء و يؤخر منه ما يشاء و يثبت ما يشاء انتهي و قديخبر الله سبحانه بانه يكون بالاراءة في الالواح و عدم مانع و لايكون لما يبدو لحدوث مانع كما روي في حديث اخبار النبي ذلك المَلِك بوحي الله اني متوفيه الي كذا و كذا ثم دعا الملك فاوحي اليه اني قدزدت في اجله خمس عشرة فقال النبي يارب انك لتعلم اني لماكذب قط فاوحي اليه انما انت عبد مامور فابلغه ذلك و اذا كتب في الالواح اقل شروطه فكذلك مثل ما سبق و ان لميكتب شيء من شروطه فقديعلمون انها لاتوجد و لايمضي لمنافاته الحكمة كاشقاء السعداء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 203 *»
و قدلايعلمون فيحتاجون الي وحي انها توجد ام لا فهو موقوف عند الله سبحانه يوجد شروطه ان شاء و لايوجد ان لميشأ و هو قول الرضا7 ان من الامور امورا موقوفة عند الله تبارك و تعالي يقدم منها ما يشاء و يؤخر ما يشاء و ان عرفت ان الشيء ما لميكن هنا لميكن في عالم من العوالم عرفت انهم لايعلمون ما لايعلمون في عالم من العوالم فاذا علمهم الله علموا و قدعلمهم ما علمهم حينما علمهم و لايعلمون ما لايعلمون حين لميعلمهم فعن ابيعبدالله7ان الله عزوجل اخبر محمدا9بماكان منذ كانت الدنيا و بمايكون الي انقضاء الدنيا و اخبره بالمحتوم من ذلك و استثني عليه فيما سواه وعن علي7 بنا يمحو الله ما يشاء و بنا يثبت.
و بقي شيء و هو جواب ماعسي انيقول احد ان اخبار الانبياء و الاولياء بما يجوزون خلافه و محوه كذب عند الناس و ان كان صدقا في الواقع و ذلك ازراء بحقهم عند الجهلة كما هو بين و هو ينافي الغرض من كمال النبي و يصير سبب عدم الاعتماد عليهم في اخبارهم عن الاخرة و الجنة و النار و تشنيع المنافقين و هذا الجواب مهم و هـو ان النبي لابد و انيكون له حجة من الله من معجز حتي يصدق علي الله فان جعل حجته الاخبار بما سياتي فمحال انيكذب الله نفسه و نبيه و يدحض حجته و ان جعل حجته غيره من المعجزات و اثبت نبوته و عرف امته شان ربه بانه القادر القاهر المختار يخلق ما يشاء و يختار و ان لما ادعوكم من الدعوات و الاعمال اثارا من ادرار ارزاقكم و تكثير اولادكم و تزكية اموالكم و تصحيح اجسامكم و في خلاف ذلك ضد ذلك فنفس الدعوة الي الله القادر القاهر المختار و نفس وضع الشرايع و الامر و النهي و ثواب الامتثال و عقاب المخالفة اثبات ان الله سبحانه يغضب عليكم بالعصيان و ان تبتم يغفر لكم و ينعم عليكم بالطاعة فان عصيتم يسلب عنكم و اثبات للبداء لله سبحانه فان كان النبي يخبر حال غضب الله فيخبر بغضب الله و ان كان يخبر حال رضاء الله يخبر برضاء الله و ليس له غير ذلك فان تبدل غضب الله برضاه اخبر به او رضاه بغضبه اخبر به فلو
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 204 *»
كان سلطان غضبانا امر بقتل رجل فخرج الوزير و قال ان السلطان امر بقتل فلان ثم شفعه شفعاء فعفا عنه السلطان و خلي عنه فخرج الوزير و قال عفا عنه ليس عليه شيء بل الواجب هو كذا و هو صدق و غيره كذب و هو حكمة و غيره خطاء فانه لو علم النبي ان العصاة يعفي عنهم باسباب و قال لهم لاتعذبون لايفترون عن المعصية و لايتوبون فاذا قال لهم انكم ستعذبون خافوا و تابوا و تضرعوا فعفا الله عنهم و لايظهر بغير ذلك اختيار الله و قدرته و لايامل احد في الله بغير ذلك و لايري احد ثمرة في الطاعة و الدعاء بغير ذلك فالواجب انيكون كذا و اما ما يشنعه الجهال فيقام عليهم الحجة بساير المعجزات و اخبار النبي السابق و اقامة البرهان علي قدرة الله و ان يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و كذلك الامر في الاولياء هذا و انهم لايخبرون بما يمحي الا لاظهار ثمرة دعاء او صدقة او طاعة او ترغيب او تحذير و ليس كما يزعمه الجهلة انهم كانوا يخبرون كثيرا و لا كان يقع كاصحاب الرمل مثلا نعوذ بالله بل ماكان ذلك الا عند مصلحة يظهر ثمرها بعد حين و ان كان في غير ذلك اخبروا انه ليس بمحتوم و يمكن البداء فيه البتة و بذلك تضافرت الاخبار و فيما ذكرنا في البداء كفاية و بلاغ و انما فصلنا القول فيه فانه لميفصل قبلي فيما اعلم هذا التفصيل و ان فصل فيما لماره فهو من مشايخي فان غيرنا لايعلم رطن المحمد: فخذه و كن من الشاكرين و الحمد لله رب العالمين.
المطلب الرابع
في عدل الله سبحانه
و هو قدحصحص في هذه الاوقات لاسيما بين الفرقة الناجية حتي جعلوه في اصول مذهبهم و في الحقيقة لايحتاج الي تطويل مقال فيه الا انه لما كان من شاننا بيان حقايق الاشياء و هي خفية علي الناس و هذه المسئلة من المسائل العظيمة و يتفرع عليها فروع كثيرة في الدين احببنا اننذكر فيها ايضا كلمات بحول الله و قوته فشرحها علي ما ينبغي يقتضي رسم مقامين.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 205 *»
المقام الاول
في معني العدل و تقسيم مراتبه و جملة من احواله و فيه فصول
فصـل: اعلم ان العدل ضد الجور و العدل بمعني الاستواء و الجور بمعني الميل فالعدل هو القيوم المستوي نسبته بين كل ما يضاف اليه علي زوايا قائمة و اما الجور فهو احدي زاويتيه حادة و الاخري منفرجة و هو من الالفاظ الخلقية التي يعبر بها في عالم الخلق عن صفات الله سبحانه و له مقامان عدل ذاتي و عدل فعلي فمرة يوصف به الذات فان الله سبحانه عدل لا جور فيه و يراد به حينئذ احديته سبحانه غيرالمتناهية فان كل محدود مقترن بحده مايل اليه منفرج عن غيره فلا عدل حقيقة الا الاحد جلشانه ليس كمثله شيء فلاجل ذلك لايقوم احد بحقه كماينبغي و كل من هو سواه منحرف عن الاحدية التي هي حقه فلايقومون بحقه كما قال ابوعبدالله7علم الله عزوجل الا يقوم احد من خلقه بحقه و لنعم ما قيل:
اذا قلت مااذنبت قالت مجيبة | وجودك ذنب لايقاس به ذنب |
و هذا احد اسرار اعتراف المعصومين بعظائم المعاصي و استغفارهم الدائم منها و به يعدلون اودهم و يثقفون عوجهم دائما بلا غاية و لا نهاية فان الخلق خلق ابدا فلا عدل الا الاحد الفرد جلشانه فانه الخارج عن عرصة الميول و انحرافات الحدود بالكلية و وصف نفسه بقوله الرحمن علي العرش استوي اي ليس شيء اقرب اليه من شيء اخر و هو الذي في السماء اله و في الارض اله فافهم راشدا موفقا.
فصـل: و اما العدل الفعلي فهو تسوية فعله بالنسبة الي العالي و الداني و اللطيف و الكثيف و القوي و الضعيف و القابل و المقبول و الذوات و الصفات و الحدود و المحدودات و الاثار و الموثرات يعني ليس من جهة فعله المطلق قرب الي شيء و بعد عن شيء و اتصال لشيء و انفصال عن شيء و اقبال الي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 206 *»
شيء و ادبار عن شيء و حب لشيء و بغض لشيء و مشابهة لشيء و منافرة عن شيء و استيناس بشيء و تنفر عن شيء و جذب لشيء و دفع عن شيء و نصرة لشيء و خذلان لشيء و اخذ لشيء و ترك لشيء و هكذا مرفوع عن الاضداد منزه عن الانداد و هو صفته الرحمانية المستوية علي عرش جميع الكاينات ليس شيء اقرب اليه من شيء اخر و لا اولي به من شيء اخر قدحكم في الكل بحكم وحداني لا تفاوت فيه بوجه من الوجوه و اما الاختلاف الموجود في الملك فانما هو من اختلاف ظهور الحكم الناشئ من اختلاف القوابل انت لاتحتجب عن خلقك الا انتحجبهم الامال دونك فالاشياء هي منها قريبة و منها بعيدة و منها لطيفة و منها كثيفة و منها اشد حكاية و منها اضعف و منها اشد تشاكلا و منها اضعف و منها اصفي و منها اكدر فلاجل ذلك اختلف ظهورات ذلك الحكم العدل الوحداني في الملك فمنه ليس الا دعوة واحدة ولكن من الخلق اجابات مختلفة ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك و لذلك خلقهم ان الله لايظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون و العجب من انهم مع اختلاف دواعيهم و قوابلهم الذي لانهاية له متفقون علي طلب صفة الكينونة متوجهون اليها مظهرون لها لا بل ليس لشيء ظهور الا ظهورها و لا نور الا نورها فتعالي الاحد الذي لايباين شيئا من خلقه و لايباينه شيء من خلقه الا بينونة الصفة و الظهور و التجلي و النور فلايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و لما تنزلت عن ذلك المقام مقام الغني و الالتيام اي صفة الكينونة حكم الله لها ان لايسخر شيء منها شيئا و لايقهر منها شيء شيئا و يجروا في جميع الحالات علي التراضي و الاختيار و التحري و الاعتبار و العدل في جميع الاحوال اذ ليس شيء الا ظهوره و لا موجود الا نوره فمن يقهر من و من يجبر من فجري جميع الامور بين يديه مصونا عن الجبر و القهر فلايقدر فاعل علي فعل الا انينفعل مفعوله و لا انيعطي معط الا انيقبل عطاءه قابله و لا انيقود قائد الا انينقاد مقوده و لا انيرفع رافع الا انيرتفع مرفوعه و لا انيوجد موجد الا انينوجد موجده و لا انيؤثر موثر الا انيساله متاثره و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 207 *»
هذا هو حكم العدل و التسوية بين الخلق فليس لاحد في ملكه استيلاء علي احد و ليس لاحد انيجور علي احد فسبحانه من مدبر مااتقن تدبيره و سبحانه من مقدر مااعدل تقديره فلما وجدنا منه سبحانه ان سوي بين القوي و الضعيف و اللطيف و الكثيف و الوضيع و الشريف علمنا بغاية عدله و استواء حكمه جل جلاله و ذلك حكم العدل الربوبي بين جميع الكاينات ثم لا فاعل يفعل بغير مشيته و لا منفعل ينفعل بغير ارادته و كلا الفريقين متحركان بفضل تحريكه متصرفان بفضل تقديره و مشيته فيهما كالروح في الجسد فلا الذي يطيع يستغني عن عونه و رحمته و لا الذي يعصي يسبق مدده و قوته فلا حركة في الوجود الا بفعله سبحانه و مشيته الا انها تظهر في القوابل الفواعل فتكون بفضلها فاعلة و تظهر في القوابل المنفعلة فتكون بفضلها منفعلة فان كانت القابلية مستقيمة ظهرت علي حسب رضاء الله سبحانه اي محبته السابقة و ان كانت معوجة ظهرت علي حسب كراهة الله سبحانه اي علي خلاف تلك المحبة قال يا ادم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي بروحي نطقت و بضعف طبيعتك تكلفت فتلك الحركة في القوابل كالروح في الجسد لا حراك لشيء من القوابل الا بها و لا ظهور لها الا فيها و تلك الحركة مدد مقدر للاجساد قبل الاجساد فاذا استعدت و قبلت امضيت و خصصت لكل واحد واحد علي حسبه. بالجملة هذا معني عدله سبحانه الفعلي الذي لا جور فيه و لا حيف يعتريه و هو حكمه المبذول علي كل مجعول علي نهج الاستواء فافهم راشدا موفقا.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه واحد كما عرفت و جميع ما سواه نوره و تجليه و تجلي الواحد يقتضي انيكون علي اكمل نهج الحكمة و الصواب و الارتباط و الانتظام حتي يدل علي احدية المتجلي و وحدانيته و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فـ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هلتري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير فـلو
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 208 *»
كان فيهما الهة الا الله لفسدتا و لذهب كل اله بما خلق و لولا اتصال التدبير وانتظام التقدير لدل علي الهة عديدة و لدار علي اقطاب مختلفة و الله سبحانه واحد فتجليه علي نهاية الارتباط و الانتظام و مقتضي الارتباط و الانتظام انيكون كل جزء جزء من العالم علي نهج الحكمة و الصواب بحيث لو غير عما هو عليه لاختل النظام و فسد القوام و امثل لك مثلا تعتبر به و لله المثل الاعلي و هو انه لو كسر كاس و تقطعت و تكثرت تجد كل قطعة منها علي هيئتها فلو وصلت بعضها ببعض لوجدتها تتصل و تصير كاسا واحدة و ليس فيها تفطر و خلل و لو غير كل قطعة منها عن وضعه لاتجدها تتصل اتصالا بلا فطور و ثَلِم البتة و فسد الكاس فارتباطها بلا فطور يدل علي انها قطع كاس واحدة و تفصيل اناء واحد و لو نقص عنها قطعة لثَلِم الكاس و لو زيد فيها قطعة لمتحتج اليها و لمترتبط بالباقي البتة وانت لو نظرت الي اجزاء العالم لوجدت كل شيء منها في موضعه يحتاج اليه في موضعه انيكون علي ما هو عليه و هذا هو نهج الحكمة و الصواب و الصلاح و السداد و لايجري الخلق الموضوع علي الصلاح الا علي نهج الصلاح و كل شيء منه يده سبحانه في احداث ما يحدث به و يجري منه فلاتجري الامور الا علي الصلاح و لايفعل الله بعباده الا ما فيه الصلاح و هو مقتضي واحديته المتجلية بخلقه فلاتتهم ربك فيما يجري في خلقه من التقدير بسر التدبير كما سئل علي7 عن التوحيد و العدل فقال التوحيد ان لاتتوهمه و العدل ان لاتتهمه فلايفعل الله بعباده الا الاصلح و قدروي في القدسي ان من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فاكفه عنه لئلايدخله عجب فيفسده ذلك و ان من عبادي المؤمنين لمن لايصلح ايمانه الا بالفقر و لو اغنيته لافسده ذلك و ان من عبادي المؤمنين لمن لايصلح ايمانه الا بالغني و لو افقرته لافسده ذلك و ان من عبادي المؤمنين لمن لايصلح ايمانه الا بالسقم و لو صححت جسمه لافسده ذلك و ان من عبادي المؤمنين لمن لايصلح ايمانه الا بالصحة و لو اسقمته لافسده ذلك اني ادبر عبادي بعلمي بقلوبهم فاني
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 209 *»
عليم خبير انتهي فمن عرف سر وحدة الخالق و وحدة التجلي و انتظام الملك و اتصال الخلق لميتهم الخالق جلشانه في قضائه بين خلقه و اذعن بعدله سبحانه في خلق الخلق علي ما خلق.
فصـل: و من فروع العدل معرفة عدل الله سبحانه في امره و نهيه و اثابته الممتثلين و عقابه المخالفين فاعلم ان الله سبحانه احد غني عما سواه قائم بنفسه لنفسه لايتغير و لايتبدل و لايحول و لايزول و انما خلق الخلق جودا منه و كرما غني عن طاعة خلقه امن بمعصيتهم لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه و لميخلقهم لرفع استيحاش منه في وحدته و لا لتكثير اعوان في ملكه و انما خلقهم ليبلغ بهم الي الحيوة الابدية و النعم السرمدية و ذلك لميكن يحصل لهم الا انيعملوا بما يقتضي ذلك من جوده سبحانه و كرمه فانه ابي انيجري الاشياء الا باسبابها و قدعرفت مما سبق ان من الاسباب وجود المقتضي من نفس الخلق و فقد المانع لسر الاختيار الربوبي الجاري في الخلق و ان الله سبحانه خلق الخلق من نور و ظلمة و عقل و نفس و النور و العقل هو جهة اثرية الاشياء لفعله سبحانه و حكايتها له و هو محبته سبحانه التي هي اول ما ظهر منه في احداث الخلق و الظلمة و النفس من جهة هويتهم و انيتهم التي هي نفي الكينونة و خلافها و كل منهما يحتاج الي مدد منه سبحانه شرعي لانه الغاية في الكون و تلك الامداد علي حسب حكم العدل ليست تصل الي احد الا بقابلية هي التوجه و السير الي مبدا ذلك المدد فان تلك الامداد درجات عند الله لايصعد عليها احد الا باقدام التوجه و الخلق جهال بطرق ذلك التوجه و السير فحكم الله سبحانه بارسال الرسل و انزال الكتب و تشريع الشرايع و بيان تلك الطرق و لما كان من غير حاجة منه الي شيء من ذلك جرت علي مقتضي العدل الذي هو علي مقتضي قوابل خلقه و اقتضاء كينوناتهم حرفا بحرف فلميامرهم بشيء الا و فيه صلاحهم و لمينههم عن شيء الا و بتركه قوامهم و لما كانوا في عالم الاعراض و توارد الامراض كانت تختلف مصالحهم في الاعصار و القرون لاختلاف الحالات فبذلك جاءت الرسل تتري
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 210 *»
و تغيرت احكامهم في الاعصار و كل ذلك علي حسب مقتضي قوابلهم و قابلية مصالحهم ليس في شيء منها له سبحانه اقتضاء و ميل و هوي ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فجري جميع احكامه سبحانه علي حسب العدل الذي لا جور فيه و لا حيف يعتريه و فيه نظامهم و عليه قوامهم و فيه صلاح معاشهم و معادهم فان احسنوا احسنوا لانفسهم و ان اساءوا فعليها فاذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط و هم لايظلمون ثم قضي سبحانه لكل حسنة ثوابا فان الحسنات اقدام السير الي مبدا الخير و النور و الكمال و البقاء و الجلال فمن مشي اليها وجدها علي حسب ما قدر الله و السيئات اقدام السير الي مبدا الشر و الظلمة و النقص و الدثور و الذلة و الهوان فمن مشي اليها وجدها فلهااما كسبت و عليها ما اكتسبت و جعل ثواب الحسنة عشرة امثالها لان الحسنة اصلها من الوجود ما اصابك من حسنة فمن الله و لاتظهر في الدنيا الا انتنزل الي قلب المحسن الي صدره الي محبته الي عقله الي علمه الي وهمه الي خياله الي فكره الي حيوته الي ظاهره فيكتب له في جميع هذه المراتب حسنة لانها صورة لطيفة مجانسة لمراتب الغيب و تتصور بها و جعل عقاب السيئة سيئة مثلها لانها شجرة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار و اصلها من الماهية و نشؤها منها تنبت من ارضها فان كان مؤمنا ينعكس الي علمه ثم الي وهمه ثم الي محبته ثم الي خياله ثم الي فكره ثم الي حيوته و لاتستقر في شيء من ذلك لعدم المجانسة و تستقر في الجسد فتكتب واحدة و ان كان منافقا و كافرا فتظهر من ماهيته ثم تنعكس الي نفسه الامارة ثم الي شقاوته ثم الي الحاده ثم الي غضبه ثم الي شهوته ثم الي طبيعته ثم الي عادته ثم الي الظاهر الدنياوي و تنطبع في هذه المراتب لاجل المشاكلة و تتصور بها فهم لاتكتب لهم الواحدة بواحدة و انما هي لهم بتسعة بل عشرة بالمقابلة لما ينعكس الي جهلهم ايضا و هو قوله سبحانه اولئك يضاعف لهم العذاب ماكانوا يستطيعون السمع و ماكانوا يبصرون و اما المؤمن فلاتنطبع في
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 211 *»
نفسه و لا في عاقلته و لا ذكر لها هناك و اول ما تنعكس في عالمته و هي ثاني مشعر من مشاعره العرضية و لاتستقر فيها و لا فيما دونها لعدم المشاكلة فان انطبعت في جسده لشدة المشاكلة كتبت عليه واحدة و لاتكتب له ما لميفعل لعدم الانطباع في مشاعره و تكتب له الحسنة ما لميفعل لاجل الانطباع و المشاكلة و يؤجل المؤمن سبع ساعات حتي يصعد بخار هذه الشجرة و نتنها الي عالمته و نفسه فان لميقلعها عن اصلها شيء من مشاعره حتي نمت و ربت و افرعت و اورقت و اثمرت تكتب له و ان قلعها لمتكتب و صعود هذا البخار لايؤثر في الاوائل في تلك المشاعر لعدم المجانسة فان استانست بها و غلظت و كثفت و اسودت لاتؤجل بل تضاعف له في كل ساعة و هو قوله سبحانه ثم كان عاقبة الذين اساؤا السوءي انكذبوا بايات الله و قوله و لولا انثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا اذا لاذقناك ضعف الحيوة و ضعف الممات ثم لاتجد لك علينا نصيرا و هو من باب اياك اعني و اسمعي ياجارة.
و اما نساء النبي و السادة الذين هم من نسله9 فهم لهم جهتان جهة الاشتراك مع ساير الرعية في المراتب و جهة الاتصال بالنبي9 و كونهم منه فان احسنوا يضاعف لهم الثواب لمشاكلة الحسنة مع مراتبهم و شدة المشاكلة و التاصل الذي لهم بواسطة الاتصال بالنبي و انبساط انوارهم بواسطة القرب من المنير كما اذا كان المؤمنون اكثر ايمانا و اشد اتصالا بهم فانه يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة و بغيرحساب علي حسب قربهم من المنير و تجرد مراتبهم و سعتهم و انبساطهم و ان اساؤا تضاعف لهم لشدة اتصالهم بالنبي9 و انه لاتظهر لهم المعصية الا بداع قوي فيهم و لو كان داعيهم كساير الدواعي ماكانت تظهر عليهم لقوة دافعتهم فاذا ظهرت كشفت عن مضاعفة قوة الداعي فيهم فيضاعف لهم بذلك اما مضاعفة اعمال النساء فلقوله سبحانه يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك علي الله يسيرا و من يقنت منكن لله و رسوله و تعمل صالحا نؤتها اجرها
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 212 *»
مرتين و اعتدنا لها رزقا كريما و اما السادة فلقول علي بن الحسين7 حيث قال له رجل انكم اهل بيت مغفور لكم فغضب و قال نحن احري انيجري فينا ما اجري الله في ازواج النبي9من اننكون كما تقول انا نري لمحسننا ضعفين من الاجر و لمسيئنا ضعفين من العذاب.
و اما اخذ الله سبحانه الابناء بعمل الاباء فانما هو اذا كان الابناء راضين بعمل الاباء و الا فلاتزر وازرة وزر اخري و في ذلك قوله سبحانه لا عدوان الا علي الظالمين فقدروي لايعتدي الله علي احد الا علي نسل قتلة الحسين7 و الوجه فيه ان النفس لو لمتكن مجانسة لنفوس ابائها لمترض بفعالها فاذا كانت مجانسة و لمتفعل فعال ابائها انما عاقها عنها عائق و لو هيئت لها اسبابها لفعلت.
و ان قلت قدعرف من بياناتك السابقة ان القدر ما لميمض لميستقر و الامضاء في هذه الدنيا و هم لميفعلوا فلميمض فيهم فلاينبغي انيكتب لهم، قلت عملهم رضاهم بفعال ابائهم و جريان اعضائهم علي مقتضي الرضا بالثناء علي ابائهم و افتخارهم بهم و ذكرهم بالخير فاذا فعلوا ذلك امضي لهم ما في نفوسهم و ذلك لايخص بهم بل كل من رضي بفعل غير فهو كفاعله قال سبحانه و من يتولهم منكم فانه منهم حتي انه روي انه قيل للرضا7 يابن رسولالله ما تقول في حديث روي عن الصادق7 انه قال اذا خرج القائم7 قتل ذراري قتلة الحسين7 بفعال ابائها فقال7هو كذلك قيل فقوله عزوجل و لاتزر وازرة وزر اخري ما معناه فقال صدق الله في جميع اقواله لكن ذراري قتلة الحسين7 يرضون بفعال ابائهم و يفتخرون بها و من رضي شيئا كان كمن اتاه و لو ان رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عزوجل شريك القاتل و انما يقتلهم الله بالقائم اذا خرج لرضاهم بفعل ابائهم الخبر و هذا قول الله سبحانه و لاتركنوا الي الذين ظلموا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 213 *»
فتمسكم النار.
بل اقول ان النفس اذا خبثت و جانست المعصية و صعدت معصيتها من ارض الماهية اليها انطبعت فيها للمشاكلة و تكتب لها في نفسها و ان لمتعمل بها في ظاهرها فانها قدعملت بعمل هو امضاء جميع الاعمال الجزئية لكلية العمل و هو انكار التوحيد او النبوة او الولاية او بغض اولياء الله او حب اعداء الله فانها اعمال كلية قدامضيت و لها فروع و اوراق و اثمار في كل عالم من العوالم و هو ماخوذ بكلها فهو زان و ان لميزن و سارق و ان لميسرق و عاص بجميع المعاصي و ان لميات بها و يعذب عليها علي حسب رسوخ كفره و اجتثاثه فجميع المعاصي له ممضاة و بالفعل و ان لميفعل فلعائق عاقه عن ذلك و الا فالداعي الذي هو الاصل موجود فالعبد الابق المقيد ابق و ان لميابق و الخصي الزاني بالطبع زان و ان لميزن و لذلك يكون اعداء المحمد:اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و يعاقبون لعنهمالله بجميع لعناته بسيئات جميع الناس من غير انينقص من عذابهم شيء و قدروي حديث شريف عن ابيعبدالله7 انه قال نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و من البر التوحيد و الصلوة و الصيام و كظم الغيظ و العفو عن المسيء و رحمة الفقير و تعاهد الجار و الاقرار بالفضل و اهله و عدونا اصل كل شر و من فروعهم كل قبيح و فاحشة فهم الكذب و النميمة و البخل و القطيعة و اكل الربا و اكل مال اليتيم بغير حق و تعدي الحدود التي امر الله عزوجل و ركوب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن من الزني و السرقة و كل ما سوي ذلك من القبيح و كذب من قال انه معنا و هو متعلق بفرع غيرنا انتهي.
و اذا وصلت الي هنا اقول كذلك المؤمن اذا عمل بالايمان الثابت بالولاية الراسخة فهو قدغرس شجرة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها و هو عامل بجميع الحسنات و ان لميفعل و يكتب له جميع الطاعات ممضاة ثابتة لانه عمل عملا هو امضاء كل خير و لذلك ورد في وصف شيعتهم صفات لاتوجد في اكثرهم فهم والله مصلون مزكون حاجون مجاهدون شهداء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 214 *»
و ان كانوا نائمين علي فراشهم و ماتوا علي فراشهم قال الله سبحانه الذين امنوا بالله و رسله اولئك هم الصديقون و الشهداء عند ربهم لهم اجرهم و نورهم و روي الميت علي هذا الامر شهيد و ان مات علي فراشه بل اقول و الله يكتب له في كل ان جميع خيرات يمكن انتكون ثمرة ايمانه فانها تختلف في الاشخاص فقدروي عن الصادق7 ان العبد المؤمن الفقير ليقول يارب ارزقني حتي افعل كذا و كذا من البر و وجوه الخير فاذا علم الله ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الاجر مثل ما يكتب له لو عمله ان الله واسع كريم و قال ابوجعفر7 لجابر ياجابر يكتب للمؤمن في سقمه من العمل الصالح ماكان يكتب في صحته و يكتب للكافر في سقمه من العمل السيئ ماكان يكتب في صحته ثم قال يا جابر مااشد هذا من حديث بالجملة كل ذلك من باب عدل الله سبحانه في جزائه علي حسب القوابل كما سمعت.
و اما الفضل فهو انيعفو عن السيئة بعد صدورها عن الانسان و ايصال الانسان الي درجة لايستحقها و الانعام عليه بما لميعمل ما يقتضيه و ذلك ايضا من المشكلات فان من المسلمات ان الله سبحانه ليس فيه اقتضاء لشيء و لايمكن انيصدر فعل منه بلا اقتضاء من الخلق فان كان اقتضاء فيدخل في باب العدل و ان لميكن فلاينبغي صدور فعل منه لعدم الاقتضاء من نفسه و عدم جواز الجبر في ملكه فالواجب علينا اننشرح ذلك شرحا و هو ان للانسان مقامين مقاما في الكون و مقاما في الشرع و الفضل من الاسباب الكونية لا الشرعية لان المقتضي للشيء ان كان في نفس الانسان فالجاري عليه يكون بمقتضي العدل و اما اذا هيا الله سبحانه اسبابا خارجية بحسن تقديره تقتضي تلك الاسباب حدوث شيء في هذا الانسان فانما ذلك ليس من عمل هذا الانسان و انما هو من حسن تقديره سبحانه لهذا العبد و هو فضله الشامل هذا العبد لميكن عَمِله و لميساله من ربه و لميطلع عليه و انما اقترانه بهذا العبد من مقتضي التجلي العام و الحكمة العامة في الايجاد فهو فضل منه سبحانه لميستحقه هذا العبد بالاستحقاق الشرعي و ان كان يقتضيه بالاقتضاء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 215 *»
الكوني فالفضل هو امداد زايد كوني و اما في اصل الايجاد فلايعقل حصول شيء لشيء الا بالمقتضي قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم فلايعقل الفضل في ايجاد الكون ابدا و اما في الشرع فالفضل منه سبحانه شامل لكل احد من الناس كافرهم و مؤمنهم المتسمع قوله سبحانه لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ماترك عليها من دابة و قال لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذوفضل علي العالمين و لولا فضل الله علي الناس لهلك الناس جميعا بسيئات اعمالهم و لميمهلوا طرفة عين ابدا و لاستحقوا باول معصية منهم و اعراض اعرضوا عن ربهم الهلاك الابدي و البوار السرمدي فكل موجود يعيش بفضله سبحانه و رحمته فـ مااصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير و لو تدبرت في دعاء السجاد7بعين البصيرة و العبرة لعرفت انه لايعيش احد طرفة عين الا بفضله سبحانه و كرمه من غير استحقاق شرعي منهم و هو قوله7 الهي و عزتك و جلالك و عظمتك لو اني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلايق و شكرهم اجمعين لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك علي و لو اني كربت معادن حديد الدنيا بانيابي و حرثت ارضها باشفار عيني و بكيت من خشيتك مثل بحور السماوات و الارضين دما و صديدا لكان ذلك قليلا في كثير ما استوجبه من عقوبتك و لو انك ياالهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلايق اجمعين و عظمت في النار خلقي و جسمي و ملأت طبقات جهنم مني حتي لايكون في النار معذب غيري و لايكون لجهنم حطب سواي لكان ذلك قليلا في كثير ما استوجبه منك انتهي فلو تفكرت في هذا الدعاء بقلب خاشع ليئست من نفسك و اعمالك و قطعت بانه لا نجاة الا بفضل الله سبحانه و كرمه و رحمته و عفوه فاسئلوا الله من فضله قل بفضل الله و برحمته
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 216 *»
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون و ذلك ان نظم التقدير و ترتيب الاكوان و ان كان في الاكوان بمقتضي الاقتضاء الا انك لمتستحق شيئا من فضله باعمالك و افعالك في عالم الشرع و قدحقق في محله ان الوجود الشرعي المتاخر ظهورا كان متقدما وجودا فكما انك لمتستحق الفضل في الشرع الظاهر لمتستحقه في الوجود الشرعي المتقدم علي الكون لان حقيقة الوجودات الشرعية ليست الا من فضله و نوره الابتدائي بلااستحقاق من احد و لذلك تقرا في الدعاء يا مبتدئابالنعم قبل استحقاقها و تقرا كل نعمك ابتداء و كل احسانك تفضل و اني كنت حتي تستحق شيئا.
و ان قلت فكيف يعقل الابتداء الحقيقي من الله سبحانه و لا مقتضي منه اقول لا شك انه ليس من الله اقتضاء و لا شك انك لمتكن حتي تستحق او لاتستحق و في الدعاء اللهم انك اجل من انيكون سبب رضاك من نفسك فكيف يكون سبب رضاك مني و انما خلق الخلق كرما و جودا و هو مسبب الاسباب من غير سبب و لايسال عما يفعل و هم يسالون و لا كيف لذلك كما لا كيف له و هو سر لايمكن كشف لثامه و فض ختامه مختوم بخاتم الله محجوب عن خلق الله و اشرنا اليه فيما سبق و ياتي فيما سياتي و انت تعثر عليه لو كنت ممن سبق له من الله الحسني بالجملة لا قوام لشيء الا بفضله و جوده و بادئة نعمه و الائه اللهم عاملني بفضلك و لاتعاملني بعدلك فانه لايهلك احد عليك الا بعدلك و لاينجو احد منك الا بفضلك و لا معني لغضبه سبحانه الا عدله فانه لايعاقب احدا استشفاء غيظه و تسكين غليل صدره و انما غضبه الزام المقتضيات بالفتح لمقتضياتها بالكسر و الزام الاجابات للدعوات و هو العدل المحض نعوذ بالله من غضب الله.
و قدفسر في بعض الروايات فضل الله برسولاللّه و رحمته باميرالمؤمنين7 و انما ذلك ان رسولالله9 من اعظم اسباب الفضل بل حقيقته و مبدؤه فانه سبحانه يعفو عن كثير من العصات بفضل نوره و شفاعته و يترك عذاب الخلق ببركة وجوده فيهم كما قال و ماكان الله ليعذبهم و انت فيهم و يدر عليهم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 217 *»
ارزاقه و نعمه به و لاجله كما قال و ما نقموا الا ان اغناهم الله و رسوله من فضله و كلما ينزل عليهم من الامداد باعمالهم و يحسبون انهم يستحقونه فبفضل هدايته و ارشاده طريق العمل و الدعاء و كلما ينزل عليهم من الامداد الكونية فهو من فاضل نوره و فضل وجوده لانه الرحمة الواسعة الرحمانية علي الخلق اجمعين و هو هو فضل الله الظاهر علي جميع ما سوي الله سبحانه بصوره الكمالية الكينونية فهو فضل الله بجميع هذه المعاني و اما اميرالمؤمنين فهو7 رحمة الله المكتوبة علي نفسه التي هي نفس الله القائمة فيه بالسنن و هو هو اول كل خير و اصله و فرعه و معدنه و ماواه و منتهاه و هو صلوة المؤمنين و صيامهم و هو جنتهم و نعيمهم و هو الذي قوابلهم الصالحة من فضل صورته و قدصبغوا بصبغ ولايته صبغة الله و من احسن من الله صبغة الي غير ذلك من وجوه الرحمة الرحيمية المكتوبة.
و اما قوله تعالي و لولا فضل الله عليكم و رحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا يمكن انيكون الاستثناء من ضمير كم فكل من لميشمله الفضل و الرحمة يكون تابعا للشيطان و من نجا من ذلك فبفضله و رحمته هذا اذا اخذ الفضل و الرحمة العامة و يمكن انيكون المراد منهما الخاصة الشاملة في الشرع الظاهر و الهداية الظاهرة فلولا هذا لاتبع الشيطان كل احد الا قليلا من المستعدين بالكينونة للهداية بالفضل العام و الرحمة العامة بالمعني الاول كما تري ان الله سبحانه خلق ادم في بدع فطرته نبيا عالما كذلك خلق اناسا من بدء فطرتهم علي الهداية و اتباع الحق و هم ملهمون بالحق بفضله العام و رحمته كما تري انك تلهم بمسئلة حقة و لمتر فيها كتابا و لا خبرا ثم تجدهما مطابقين لما الهمت و انما ذلك يمكن في الذين هم اول صادر من الاناسي و قدخلقوا كونا علي هيئة موثرهم و جهة الماهية و الانية فيهم مضمحلة و قدقال في العاصين و لولا فضل الله عليكم و رحمته مازكي منكم من احد ابدا ولكن الله يزكي من يشاء و الله سميع عليم و يمكن انيؤخذ الاستثناء من الاتباع الكلي المفهوم من قوله لاتبعتم اي الا اتباعا قليلا و هو كما مر و يمكن
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 218 *»
انيكون الاستثناء من صدر الاية و هو و اذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به يعني اذاعوا به الا قليلا لميذيعوه و ليس هذا من وجوه القران ببعيد و كذا يمكن انيؤخذ من الذين في وسط الاية و يكون قوله يستنبطونه اي يستبينونه و فاعله الرعية فانه يقول و لو ردوه الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فالمعني فعلمه المستنبطون المستفتون الا قليلا منهم و علي هذين المعنيين يبقي الفضل و الرحمة علي عمومهما.
فصـل: في عدل الله سبحانه المتعلق بالاطفال و المجانين و المستضعفين الذين لميشعروا بالتكليف و البُلْه([8]) و الضلال و المرجين لامرالله و اصحاب الاعراف.
اما الاربعة الاولون فاعلم ان الله سبحانه بعد ما خلق العقل الكلي امره بالنزول في كل عالم عالم حتي نزل الي هذا العالم الي عرشه و كرسيه و افلاكه الي ارضه كما مر و ياتيك فلما وصل الي هذا العالم تصور بصورة غيب التراب لغلظته الحادثة له من النزول و انحل فيه حتي صار فيه بالقوة لا تعين فيه بوجه من الوجوه و لما امره الله بالاقبال اختلفت اجزاء العقل في الاجابة لاختلاف اجزائه الحاصلة من مقارنة التراب و تجسمه فساع سريع سَبَقَ و مقصر بطيء لَحِقَ و نائم في رقدة الغفلة لايَرمُق فمن اجزائه ما سبق الي الاجابة و لبي دعوة الداعي فصار يترقي شيئا بعد شيء الي انظهر عليه اثار العقل بالفعل فتيقظ من رقدة الغفلة الجمادية و النباتية و الحيوانية و صار ناطقا علي حسب ما فيه من العقل كما و كيفا و منها ما تاخر و سيلحق الانسانية كالنطفة و العلقة و المضغة و امثالها فانها في السلوك و الصعود فان لميمنعها مانع تصل الي رتبة الادراك و النطق و منها راقد لميَرمُقْ و هو بعد بعيد عن الفعل بعدا كثيرا و لمياخذ في الصعود كساير الجمادات المعروفة ففي السير الكوني يتحقق الانسان الناطق الكوني المدرك و لو بادراك ضعيف فان النفس الناطقة تتعلق بالمولود مسقط راسه و يبتدئ من ذلك الحين بالشعور
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 219 *»
و يستزيد شيئا بعد شيء الي انتشتد فيه النفس و تتقوي و تتعين تعينا فاحشا و الا فهو انسان كوني من يوم ولدته امه البتة فاذا ولد خرج عن حد القدر و القضاء الي حد الامضاء و صار انسانا بالفعل و كتب له في اللوح المحفوظ انه انسان و يقدر له حصة من الانسانية ضعيف التعين او قويه لمكان الامضاء الكوني البديهي ثم اما انيصله نداء اقبل الشرعي بسبب ترقيه عن عرصة الكون الذي هو شعاع الشرع و امكانه الاصغاء له و لا مانع من فهمه له لا من نفسه و لا من الخارج فيوجد حينئذ بالوجود الشرعي الذي هو مناط الصور الشرعية فيكون انسانا شرعيا و يصير نفسه الناطقة قدسية ان اخذ به او غير انسان ان تركه فيصير نفسه الناطقة امارة كما قال سبحانه انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا و قليل من عبادي الشكور فحينئذ يستحق الثواب او العقاب الشرعيين او لميصله لمانع من نفسه من عدم انتضاجه و قلة تمييزه او من خارج كوقوعه في محل لمتبلغه الدعوة فحينئذ ليس له صورة شرعية فهو بعد ارض الكون التي هي حد المشية او الارادة او القدر او القضاء للشرع و لميمض عليه استحقاق الثواب و لا العقاب فلله فيه المشية فينتظر به الي انيبلغه الدعوة عند رفع المانع في هذه الدنيا او في البرزخ او في الاخرة فان نداء دعوة الشارع صوت ممتد من عالم الذر الاول الي هذه الدنيا و البرزخ و الي الاخرة التي هي ذلك العالم اي عالم الذر فمتيما وصل اليه الدعوة و فهم بصعوده و امكانه الاصغاء و اخذ بها يكون انسانا او تركها فيكون غير انسان.
و ان قلت يظهر مما اسلفت ان هذه الدنيا دار الامضاء فما لميمض هنا لميمض في عالم من العوالم و يبقي تحت القدر و تقول هنا ربما يمضي عليهم الحكم الشرعي في البرزخ او في الاخرة اقول ان دار الاخرة هي دار البرزخ بعينها الا انها صعدت و دار البرزخ هي دار الدنيا الا انها ترقت و لطفت و دار الامضاء هي منتهي وجود الشيء فان كان المنتهي في اول مقام الترقي يكون هو دار الامضاء و ان ترقي فيكون هو دار الامضاء اين ماكان فالجسم هو دار الامضاء سواء كان هنا او في البرزخ او في الاخرة و لا اختصاص له بغاية النزول و لذلك نجوز خروج قُوي كثيرة في البرزخ و في الاخرة كما ياتي ان شاء الله.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 220 *»
بالجملة ما لميبلغ الدعوة انسانا قدامضي كونا يكون في حيز المشية او الارادة او القدر او القضاء الشرعية حتي يقوم عليه الحجة البالغة و يصل الي فهمها فان اخذ بها يخرج السعادة التي كانت في قوته من القوة الي الفعل و يصير انسانا و يخلق له باجابته طينة من عليين و يدخل الجنة و ان خالف يخرج الشقاوة التي كانت في قوته من القوة الي الفعل و يكون غير انسان اما شيطانا او حيوانا او نباتا او جمادا شرعيا و يخلق له بمخالفته صورة و طينة من سجين و يدخل النار كما بداكم تعودون فريقا هدي و فريقا حق عليهم الضلالة و اما الدعوة الشرعية فهي تظهر في كل عالم بحسبه فتظهر في عالم الحقايق بحقيقتها و في عالم الظاهر بحسبه فهي هنا كما تري و الدخول فيها بامتثالها و اما في الاخرة فلما كانت الدعوة اثر فعل الداعي و الفعل هو حركة المسمي و الحركة تحدث الحرارة تكون علي صفة النار هذا و الداعي هو المحبوب و الحبيب لله سبحانه و انما صار محبوبا لتصوره بصورة محبة الله التي هي النار المشار اليها في قوله و لو لمتمسسه نار و قدروي في تفسير المحبة نار تطلع علي الافئدة فتحرق غير المحبوب فاثر النار نار فحقيقة الدعوة علي صفة النار لا علي هيئة النار الكثيفة العرضية فالمراد بصفة النار احراقها كل رطب مايل الي غير الحق و تكليسها له و اشراقها و اضاءتها لمن توجه اليها فهي نار لكن يهاب منها البرانيون و يستانس بها الجوانيون فتظهر الدعوة يوم القيمة علي صفة النار و تسمي بالفلق فانها نور صبح الازل فيؤمر هولاء بالدخول فيها فمن دخل فيها كانت عليه بردا و سلاما و من هابها و امتنع يلقي فيها كرها و يحرق بها و له اسلم من في السموات و الارض طوعا و كرها و اما حين موتهم فيلهي عنهم كما كانوا في الدنيا لاهين الي انيبلغوا و يدل علي هذه الجملة قول ابيعبدالله7 لايسال في القبر الا من محض الايمان محضا او محض الكفر محضا و الاخرون يلهون عنهم انتهي و معني الالهاء عنهم ان ارواحهم تبقي في قبورهم مع ابدانهم علي حد مقارنتها و مفارقتها اذ ليس لهم ايمان شرعي يدخل ارواحهم به الجنة و لا كفر شرعي تدخل به النار فهم في كونهم موقوفون
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 221 *»
تبقي ارواحهم في حفرهم لان الكون شعاع الشرع و ظله و هم منحطون عن الشرع فيبقون في ظاهر ارض النفوس التي هي كينونتها و هويتها التي هي قابلة لانيلقي فيها مثال الشرع و يظهر عنها افعاله و لايصعدون الي سماواتها التي هي الجنان الشرعية و لاينزلون الي ساير الاراضي التي هي دركات النيران الشرعية و تلك الارض هي حفرتهم الي انيكلفوا فيصعدوا او ينزلوا و يدل علي ذلك ما قال ابوجعفر7 اذ قيل له جعلت فداك ماحال الموحدين المقرين بنبوة رسولالله9 من المسلمين المذنبين الذين يموتون و ليس لهم امام و لايعرفون ولايتكم فقال اما هولاء فانهم في حفرهم لايخرجون منها فمن كان له عمل صالح و لميظهر منه عداوة فانه يخد له خد الي الجنة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته الي يوم القيمة حتي يلقي الله فيحاسبه بحسناته و سيئاته فاما الي الجنة و اما الي النار فهؤلاء من الموقوفين لامر الله قال و كذلك يفعل بالمستضعفين و البله و الاطفال و اولاد المسلمين الذين لميبلغوا الحلم و اما النصاب فانه يخد لهم خد الي النار التي خلقها الله بالمشرق و يدخل عليهم منها الشرر و الدخان و فورة الجحيم الي يوم القيمة ثم قيل لهم اين ما كنتم تشركون من دون الله اي اين امامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس اماما انتهي.
و اما سر انه يخد لهؤلاء المذكورين خد الي الجنة انه اذا كان لهم اعمال صالحة في الدنيا عرضية فلابد و انيثابوا به فيثابون في القبر و اما في الاخرة فيعرض عليهم الشرع و بعد اخذهم او تركهم يحاسبون عليه و روي عن النبي9 في اولاد المشركين اذا كان يوم القيمة جمع الله عزوجل الخلايق لفصل القضاء ياتي باولاد المشركين فيقول لهم عبيدي و امائي من ربكم و مادينكم و مااعمالكم قال فيقولون اللهم انت ربنا انت خلقتنا و لمنخلق شيئا و انت امتنا و لمنمت شيئا و لمتجعل لنا السنة ننطق بها و لا اسماعا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 222 *»
نسمع و لا كتابا نقرؤه و لا رسولا فنتبعه و لا علم لنا الا ما علمتنا قال فيقول لهم عزوجل عبيدي و امائي ان امرتكم بامر اتفعلونه فيقولون السمع و الطاعة لك ربنا قال فيامر الله عزوجل نارا يقال لها الفلق اشد شيء في جهنم عذابا فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسلاسل و الاغلال فيامرها الله عزوجل انتنفخ في وجوه الخلايق نفخة فتنفخ فمن شدة نفختها تنقطع السماء و تنطمس النجوم و تجمد البحار و تزول الجبال و تظلم الابصار و تضع الحوامل حملها و يشيب الولدان من هولها يوم القيمة ثم يامر الله تبارك و تعالي اطفال المشركين انيلقوا انفسهم في تلك النار فمن سبق له في علم الله انيكون سعيدا القي نفسه فيها فكانت عليه بردا و سلاما كما كانت علي ابرهيم7 و من سبق له في علم الله عزوجل انيكون شقيا امتنع فلميلق نفسه في النار فيامر الله عزوجل النار فتلقطه لتركه امر الله و امتناعه من الدخول فيه فيكون تبعا لابائه في جهنم و ذلك قوله عزوجل فمنهم شقي و سعيد فاما الذين شقوا الي غير مجذوذ و عن ابيجعفر7 اذا كان يوم القيمة احتج الله عزوجل علي سبعة علي الطفل و الذي مات بين النبيين و الشيخ الكبير الذي ادرك النبي و هو لايعقل و الابله و المجنون الذي لايعقل و الاصم و الابكم و كل واحد يحتج علي الله عزوجل قال فيبعث الله عزوجل اليهم رسولا فياجج لهم نارا فيقول ان ربكم يامركم انتثبوا فيها فمن وثب فيها كانت عليه بردا و سلاما و من عصي سيق الي النار انتهي و هذا هو حكم العدل في هولاء كما عرفت.
و اما ما روي عن ابيعبدالله7 ان الله تبارك و تعالي كفل ابرهيم و سارة اطفال المؤمنين يغذوانهم من شجرة في الجنة لها اخلاف كاخلاف البقر في قصور من در فاذا كان يوم القيمة البسوا و طيبوا و اهدوا الي ابائهم فهم مع ابائهم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 223 *»
ملوك في الجنة و في اخري ان كان قدمات والداه او احدهما او بعض اهل بيته من المؤمنين دفع اليه يغذوه و الا دفع الي فاطمة صلواتالله عليها تغذوه حتي يقدم ابواه او احدهما او بعض اهل بيته من المؤمنين فتدفعه اليه و في اخري ان السقط يجيئ محبنطئا علي باب الجنة فيقول الله عزوجل ادخل الجنة فيقول لا حتي يدخل ابواي قبلي فيقول الله عزوجل لملك من الملائكة ايتوني بابويه فيامر بهما الي الجنة فيقول الله هذا بفضل رحمتي لك و في اخري ان اولاد المسلمين هم موسومون عند الله عزوجل شافع مشفع الخبر فالمراد بهذه الاخبار الاولاد الذاتية للمؤمنين و المسلمين لا الاولاد العرضية فانهم يمكن انيكونوا في علم الله مؤمنين و يمكن انيكونوا كافرين فان هذه الاخبار مقيدة و ساير الاخبار الواردة في التكليف مطلقة فاولاد المؤمنين الذاتية يكونون مؤمنين البتة فان الولد الحقيقي جزء الوالد و جزء المؤمنين لايكون الا مؤمنا و جزء المشركين لايكون الا مشركا و يعلم الله سبحانه في علمه السابق من هو من اولاد المؤمنين الذاتية و من هو من اولاد المشركين الذاتية فيعامل الله سبحانه باولاد المؤمنين ذلك بفضل نور ابائهم اكراما لهم و هو من باب الفضل لا العدل و من هذا الباب ما روي ان اطفال المؤمنين يلحقون بابائهم و اولاد المشركين يلحقون بابائهم و هو قول الله عزوجل بايمان الحقنا بهم ذريتهم انتهي اذ لو تدبرت في الاية لوجدت شاهد مااقول اذ يقول سبحانه الذين امنوا و اتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم و ماالتناهم من عملهم من شيء اذ يقول و اتبعتهم ذريتهم بايمان يعني انهم مؤمنون و يقول ماالتناهم من عملهم من شيء فلهم ايضا اعمال و من اعمالهم وثوبهم في النار يوم القيمة و يشهد بذلك ايضا ما روي في تفسير الاية قصرت الابناء عن عمل الاباء فالحق الله عزوجل الابناء بالاباء ليقر بذلك اعينهم فتبين ان لهم ايمانا و عملا قاصرا عن عمل الاباء.
بالجملة لا تنافي بين الاخبار فمن سبق في علم الله انه مؤمن يثب في النار
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 224 *»
و هو شافع من باب كونه محل الترحم و لمصاب ابويه بموته مع شدة حبهما له و صبرهما علي مصابه و يلحقون بالاباء كرامة لابائهم و المؤمن اعظم عند الله من ذلك و من لميكن في علم الله السابق مؤمنا فابواه يوم القيمة يبرءان منه و لايثب في النار و لايلحق بالمؤمنين و كذا ما روي ان اولاد المشركين خدم اهل الجنة فانهم الذين كانوا اولاد المشركين بالعرض و يثبون في النار و لا شافع لهم ليصيروا ملوكا كالمؤمنين و عملهم ايضا قاصر فيبقون خدما و روي في قوله يطوف عليهم ولدان مخلدون، انهم اولاد اهل الدنيا لميكن لهم حسنات فيثابوا عليها و لا سيئات فيعاقبوا عليها فانزلوا هذه المنزلة و المراد بهؤلاء ايضا اولاد المشركين بالعرض كما عرفت و المشركون هم اهل الدنيا و المؤمنون هم اهل الاخرة و نكتفي بما ذكرنا في العدل الفعلي لله سبحانه في هذا المختصر.
المقام الثاني
في عدل الله سبحانه في الايجاد و افعال العباد
و عدم الجبر و عدم التفويض و سر الامر بين الامرين
و هو مسئلة صعبة قدضل فيها الاحلام و تاه فيها الاوهام و زل فيها اقدام الاعلام لميكشف بجميع مراتبها لثامها و لميفض علي الحقيقة ختامها و العاثر عليها اقل من الكبريت الاحمر و كفاك في معرفة عظم هذه المسئلة ما روي انه سئل علي7 عنها فقيل يا اميرالمؤمنين اخبرني عن القدر فقال بحر عميق فلاتلجه و سئل ثانيا قال طريق مظلم فلاتسلكه و سئل ثالثا قال سر الله فلاتكلفه وسئل رابعا قال اما اذا ابيت فشرح له بنحو من الموعظة و قال7 في حديث اخر في القدر الا ان القدر سر من سر الله و ستر من ستر الله و حرز من حرز الله محجوب مرفوع في حجاب الله مطوي عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله عن العباد علمه و رفعه فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم فانهم لاينالونه بحقيقة الربانية و لا بقدرة الصمدانية و لا بعظمة النورانية و لا بعزة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 225 *»
الوحدانية لانه بحر زاخر خالص لله عزوجل عمقه مابين السماء و الارض عرضه مابين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعره شمس تضيء لاينبغي انيطلع عليه الا الله الواحد الفرد فمن تطلع اليها فقد ضاد الله عزوجل في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره و ستره و باء بغضب من الله و ماواه جهنم و بئس المصير انتهي، قوله عمقه و عرضه لان كل الخلق فيه فمن لميقدر علي احضار جميع الخلق عنده لايقدر علي فهم هذه المسئلة و من لمينظر بعين الله المشار اليها بقوله7 اعرفوا الله بالله لايقدر علي فهم هذه المسئلة علي الحقيقة فلفهم هذه المسئلة مقامات اعلاها شانه سبحانه لايحيط به غيره عزوجل و اما ما شاء انيعرفه عباده منها فهم يعرفونه كما شاء بقدر ما شاء و هو من المعاني السفلي فيهم ولكن ليس يدرك الا بما ذكرنا و لعمري من المحرمات البتية الغور في هذه المسئلة لمن لميبلغ مقام عين الله سبحانه و لايجوز لهم الا التسليم و التصديق لال الله: علي الاجمال و ان تكلفوها وقعوا في واد سحيق لا نجاة لهم كما وقع فيه اكثر الحكماء الذين يشقون الشعر في ساير المسائل فلما وصلوا الي هذه المسئلة توحلوا و كفروا و اشركوا من حيث لايشعرون فمنهم من قال بالجبر و نسب الله الي الظلم و كفر من حيث لايشعر و منهم من قال بالتفويض و اخرج الله من سلطانه و اشرك من حيث لايعلم و منهم من زعم ان المنزلة مركبة من الجبر و التفويض فجمع الكفر و الشرك معا ولمينج منه الا قليل من اهل التسليم و اما اهل المعرفة بذلك فاقل قليل و لميصلوا الي ذلك الا بفضل نور المحمد: و هدايتهم الخاصة و عناية خاصة منهم كما روي في المنزلة لايعلمها الا العالم او من علمها اياه العالم و اما مشايخي اعليالله مقامهم و رفع في الخلد اعلامهم فلميذكروا فيما اعلم في هذه المسئلة الا ظاهرها الواقع في عالم الوجود المقيد و لميكن ذلك الا لاجل عدم تحمل اهل الزمان و كون تلامذتهم جديدي العهد بالحكمة و اما انا فمع قلة بضاعتي في جنبهم و كثرة اضاعتي لما صنفت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 226 *»
هذا الكتاب و اردت انيكون جامعا لما يتعلق بالعقايد الحقة احببت ان لايخلو من هذه المسئلة بقدر ما يتحمله ابناء الحكمة و اخواني المعاشرون لي الاخذون عني و ارجو من الله سبحانه انتخرج بحيث لماسبق بمثيلها و لميات احد بعديلها فاني مع جميع هواني مسلم لالمحمد: مسترشد منهم مقتبس من مشكوتهم سالك مسلك مشايخي ربانييي هذه الامة في زمان الفترة و احبارها و لا قوة الا بالله العلي العظيم و لاتكاد تحل هذه المسئلة بمباديها و منتهياتها و مقدماتها و نتايجها الا بايراد فصول.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه احد في ذاته لايثني و لايوصف و لايحد و لايذكر فيه غيره لا بامكان و لا كون و لا عين و لا شبح و اثر لا بنفي و لا باثبات اذ ماسواه ممتنع معه و ليس للممتنع ذكر و هو ذات احدي المعني من كل وجه و ليس فيه حيث و حيث و جهة و جهة و اعتبار و اعتبار و فرض و فرض و وجه و وجه لا ظاهرا و لا معني و لا حقيقة ابدا ابدا بل هو ذات بحت بات احدية قديمة قائمة بنفسها لنفسها لا بمعني ان نفسها غيرها و القيام صفتها نعوذ بالله بل اردت تعبيرا عما في نفسي من احديته و غنائه المطلق عما سواه و هو لكونه احدي المعني لا نهاية لذاته و لا غاية فلاينتهي الي الامكان الراجح فيكون ما فيه خلوا منه و يكون هو اجوف و لاينتهي الي الامكان الجايز فيكون ما فيه خلوا منه و يكون هو اجوف و كذلك لاينتهي الي الاكوان و لا الي العقول و لا الي الارواح و لا الي النفوس و لا الي الطبايع و المواد و الامثلة و الاجسام و السموات و الارض و الاشباح و اشباح الاشباح الي ما لا نهاية له و لا الي مواد هذه المراتب و لا الي صورها و لا الي اعراضها و لا الي اشباحها و لا افعالها و اثارها و لا الي نسبها و لا قراناتها و لا معلوماتها و لا مجهولاتها و لا الي موجود علي نهج الاطلاق و العموم قددخل في عرصة الامكان من الازل الي الابد الذي هو ذلك الازل مما يعلمه ربنا عزوجل فليس ينتهي الي شيء من ذلك بنحو من انحاء التناهي الزماني و الدهري كائنا ماكان بالغا مابلغ و لا علي نحو عدم تناهي السرمد فهو سبحانه في كل مكان
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 227 *»
وجودي مع انه لميحوه مكان و لميحط به زمان فهو اذ ذاك هو جلشانه هو هو يمتنع عما سواه امتناعا و ان كانت هي حيث هي خلقه ممتنعة عن الله سبحانه و ذلك امر مبهم و سر منمنم لايعرفه الا الخصيصون و لاتزعم منه انه يشابه وحدة الوجود فانها كفر صراح و اني ذلك من قولنا و اصحابها يزعمون ان بسيط الحقيقة كل الاشياء و نحن نقول ممتنع معه الاشياء بنفي و اثبات امتناعا حقيقيا فاني و اني و لاتزعم منه انه حلول هيهات الاحد المباين لغيره المتعالي عنه الممتنع معه خلقه كيف يحل في خلقه و كيف يتغير القديم تعالي الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولكن لايجوز لي انابينه اكثر مما بينت و لماكن بصدد بيان هذا المطلب بل المراد ان الذات القديمة الاحدية الغنية ليس فيها جبر و لا تفويض و لا منزلة و لا اختيار و لا اضطرار و لا ذكر لشيء من ذلك و لا لغيره هناك فانها ذات بريئة من الصفات و من كل ما يعبر به عنها و هذه احدي المراتب التي يعبر عنها بالوجود و قدعرفت تعاليها عن هذه المسئلة و جميع مقاماتها منحط عن هذه الدرجة.
فصـل: اعلم ان الذات الاحدية قديمة لايحدث فيها حالة بعد حالة و لا صفة بعد صفة و الاحد جلشانه هو الذي لايزيد و لاينقص و لايستحيل و لايتحرك بعد سكون و لايسكن بعد حركة و لاينطق بعد سكوت و لايسكت بعد نطق و لايتوجه بعد ادبار و لايدبر بعد التوجه و لايحب بعد بغض و لايبغض بعد حب و لايناسب بعد تباين و لايباين بعد تناسب و لايقارب بعد بعد و لايباعد بعد قرب و هكذا ساير التغيرات و التبدلات و كل ذلك لاجل انه احد غني عما سواه قديم لا مدبر له و لا مغير و لا محول و قدعرفت ان ما سواه معه ممتنع محض محض لاتعبير عنه هناك و لا عنوان لامتناعه فلمينبعث فيه شهوة ايجاد بعد ان لمتكن و لميوجد فيه اقتضاء خلق بعد ان لميكن و لميحدث فيه محبة الي الايجاد و لا توجه الي العباد و لا فعلية و لا استعداد بل هو علي ماكان ازلا ابدا بلاتغير و لا زوال فهو مع ذلك لاينسب الي شيء و لاينسب اليه شيء و لايضاف الي شيء و لايضاف اليه شيء و لايلحظ مع شيء و لايقترن بشيء و لايدرك مع ذلك لان جميع ذلك ينافي الاحدية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 228 *»
و جميع ذلك ذكر و صفة غيره و يمتنع معه غيره.
و قولنا يمتنع معه غيره نعني به انه حيث هو و لا حيث ليس معه غيره اي ان رُئي لمير غيره و كل ما يري مع شيء هو غيره و اما الخلق في الخلق فلايعقل امتناعه و عدمه و خلو عرصة و مكان منه او عدمه مطلقا اذ لوكان الخلق حيث الخلق معدوما حيناما و لا حين يجب انيكون ممتنعا لايوجد ابدا فان الله لايتغير عماكان و لا سائل عنه يسال الايجاد و لا مقتضي للخلق من الله و لو كان لكان ابدا فلو لميكن خلق انا يجب انيكون ممتنعا يستحيل وجوده فلايجوز عدمه فان امتنع عدم الخلق حيث الخلق وجب وجوده نعم الخلق معدوم بمعني الامتناع في الواجب و ليس القديم عرصة غير عرصة الخلق نعوذ بالله فتتناهي بعرصة الخلق فالخلق ليس بذات القديم جلشانه مع انه واجب في حده و مقامه و ازل يعني لميات وقت خلقي لميكن الخلق خلقا نعم لميكن بذات الله ابدا و اعبر عن ذلك عند البيان بانه واجب بايجاب الله سبحانه لا بنفسه و قدنعبر عنه انه واجب لغيره بخلاف القديم جلشانه فانه واجب لنفسه و لايلزم من ذلك تعدد القدماء فانه معناه وجود ذاتين مستقلتين فازيد و ليس الخلق بمستقل و انما هو بنفسه لغيره و هذا الخلق الذي عبرت عنه هنا جميع ما سوي الذات الاولي بلا نهاية بحيث لايشذ عنه شاذ و لاينفلت عنه منفلت و لايندر عنه نادر بوجه من الوجوه فهذه الجملة بهذا النظر اية احديته سبحانه لايقال لها مفعول اذ الفعل و الفاعل فيها و منها فلايقال لها مخلوق و لا مكون و لا حادث قائم بشيء و لا متصل بشيء و لا منقطع عن شيء و لا تضاف الي شيء و لاتنتسب الي شيء و ليست بصفة لشيء و لا عرض لشيء اذ لايعقل عرض بلا معروض و صفة بلا موصوف و الذات القديمة ليست بمعروضة و لا بموصوفة و لاتنتسب الي غيرها و ليست بفعل غيرها لعدم النسبة و الفعل نسبة و ليس غيرها و غيوره تحديد لما سواه و هذه غير محدودة ايضا.
و ان توهم متوهم جواز جميع ذلك زعما منه انها ترجع الي ما فيها من اية الحق اقول الاية مما اقول و فيما اقول فانقطع الكلام و خاب المرام ثم لا يعقل في هذا اللحاظ تركيب لان المركب غير صفة التركيب و المراد بالمركب الذات الظاهرة بالتركيب كما ان المراد بالقائم الذات الظاهرة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 229 *»
بالقيام و القيام فعلها و اثرها و دونها و غيرها و انت لاتجد بعد هذا اللحاظ شيئا تصفها به فاذا كان اللحاظ يعم المركب بالفتح و المركب بالكسر و التركيب و الاجزاء و الاقتران و التلازم و النسبة و التفاعل و الانفعالات و الانحلالات و الانعقادات و الامتزاجات و الاتحادات و نسبها و جميع ما يشترط في تركيب الشيء فيبطل التركيب بالكلية فان التركيب امر اضافي و الاضافة هنا ملحوظة حاضرة في محضر المضاف و المضافاليه الاتري ان الذي يعم المشير و المشار و الاشارة تبطل الاشارة اليه و تستحيل فكذلك اذا عم اللحاظ الجميع بلانهاية امتنع فيه التركيب و كذا التوصيف فهو بالحروف غيرمتصوت و باللفظ غيرمنطق و بالتشبيه غيرموصوف وبالشخص غيرمجسد و بالحد غيرمحدود و بالاوصاف غيرمتصف و بالافعال غيرمفعول و بالعلل غيرمعلول و بالجواعل غيرمجعول و بالاكوان غيرمكون و بالاعيان غيرمعين و بالوجود غيرموجود و لا ممثل و بالفواعل غيرمنفعل و بالكثرات غيرمعدود و بالاجزاء غيرمجزا و بالكليات غيرمسور و بالغيور غيرمقترن بريء عن الاضداد عري عن الانداد مبعد عنه الاقطار منفي عنه الحدود اجمل لك القول بما اجمله ولي الملك المتعال الذي ليس لصفته حد محدود و لا نعت موجود و لا اجل ممدود و هذا المقام لايشذ عنه شاذ من ذات او صفة و جوهر او عرض او ما يدخل تحت مصداق الشيء او يدرك او يمكن انيدرك باحد المشاعر بل كلما في عرصة الامكان مما لاياتي في الاكوان بلانهاية.
بالجملة هذا الملحوظ فوق الامكان فان الامكان حقيقة مصورة بصورة الصلوح و هذا الملحوظ يعمهما معا فهذا الملحوظ المعري عن الحدوث و التركيب و الحدود هو كينونة الله سبحانه و علمه سبحانه الذاتي المحيط بجميع ما سواه فلايخرج شيء من تحت علمه سبحانه جزئيا كان او كليا اتيا كان او ماضيا و اني و اني بل كلما قلت او قال القائلون بجميع انحاء القول في جميع الاوقات لايتجاوز هذا المقام فانا منه و اليه لانعرف غيره و انا لله و انا اليه راجعون فهذا المقام ايضا لايعقل فيه جبر و لا تفويض و لا منزلة فانه ذات الله العليا و كينونته العظمي القديمة الدائمة الازلية الباقية و الله لايجبر نفسه و لايفوض الي نفسه و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 230 *»
لايختار في كينونته و لا منزلة في ذاته و هذه الكينونة هي مقام العلم الذاتي بجميع المعلومات من حيث هي معلومات فهي معلومات غيرمكونات و لا معينات ثابتات غيرموجودات و لا معدومات و الله سبحانه به يعلم جميع ما كان و ما يكون بعلم احدي بلانهاية و لا كيف و لا استحداث علم و لا تعلم من احد لايزيد في علمه هذا شيء و لاينقص منه شيء اني و كيف و هو كينونة الله سبحانه و ذاته العليا فهي اذا علم و لا معلوم و سمع و لا مسموع و بصر و لا مبصر و قدرة و لا مقدور.
بالجملة في هذا المقام ايضا ينقطع الكلام و يخيب المرام و لايعقل فيه شيء مما يزعمونه و هذا هو شمس الازل في قعر بحر القدر التي لايطلع عليها الا الله الواحد الفرد اذ هي احديته و فرديته و هو علمه المكنون المخزون الذي لايطلع عليه احد سواه و قد مر الاشارة اليه و ان الله سبحانه لميخلق لنفسه علما و لميكن له و كان فاقدا قبله نعوذ بالله بل علمه سبحانه كمال ازلي و نور ابدي و هو من الذات كيدك منك و لايوصف منها باين و لا بكيف و لايفرد منها و لاتبان منه و ليس بينها و بينه حد و هو هي وجودا و شهودا و عينا اذ هي و ليس هو هي كلا و لا جمعا و لا احاطة اذ هو و اما قولنا انها ثابتات غيرموجودات و لا معدومات نريد به انها لمتكن حينئذ موجودة بوجود خلقي و لا معدومة بعدم خلقي بل هي موجودة بوجود ازلي دائم ثابت فتعبيرنا عنها انفا بالخلق انما كان من ضيق العبارة و قصر الاشارة و لاجل ذلك تداركناه بهذا البيان الطويل فهي الازلية الاولية الاحدية بل حقيقة الازلية و القدم و الثبات و الدوام و الابدية و ما يقع من هذه الالفاظ علي الذات المعراة عن الاسم و الرسم تعبير فافهم ان كنت تفهم فاذ لميجز فيه التركيب و الكثرة و الجهات و لمتكن الا كينونة الحق جلشانه ذهب توهم الجبر و التفويض و المنزلة و انما هي هي كينونة الاحد و كماله و جماله الذاتي الثابت الدائم القائم فمن يجبر من و من يفوض الي من و من يجري من علي المنزلة بين المنزلتين و لا بيان بممكن الآن ازيد مما بان و لا قوة الا بالله.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 231 *»
فصـل: و اذا نظرت اليها نظرة اخري و رددت الطرف كرة بعد اولي و قطعت النظر عن الحق اللابشرط الذي هو منتهي الحظ لنا من الذات الغيبية القديمة المعراة عن الاسم و الرسم و الذات الظاهرة بالكينونة الحقيقية و التفت الي الكل من حيث اجتماعها في معني واحد كلي يصلح للتجلي بالكثرات بالقوة المطلقة بحيث يعم الذوات و الصفات و الموثرات و الاثار و المعاني و الصور و الحدود و القرانات و الاوضاع و النسب و الارتباطات لاتجد الا وجودا مطلقا لا غاية له و لا نهاية الا انه قدتعين بنفي السوي كونا و عينا و صلوح الظهور بالكثرات فهو اول التعينات و اول مركب حدث في عرصة الامكان و السرمد و هو لعدم انتسابه الي ما فوقه و عدم ارتباطه به لما ذكرنا يكون مخلوقا بنفسه لا بغيره اذ الذات العالية الغيبية لاتكون الة للخلق و ليس فيها ذكر غيرها و الكينونة الظاهرة هي الوصف الحق الاحدي المتعالي عن النسب فكان الوجود المطلق مخلوقا بنفسه و ان كان لغيره الظاهر فيه فهو من حيث انه وجود مطلق يكون له من حيث انه صفة الكينونة و صفة الكينونة هي غير نفسه في التعبير بل هي المثال الملقي فيه و انما يمنع عن الجولان ضيق المكان و مَيَدان الميدان فلايبان فوق ما بان و لا بعد ذلك الا العيان الا اني اقول لك ان الوجود المطلق مطلق في الاطلاق كما ان القائم قائم في القيام و اما فوق القيام فلاقائم و هناك يسمي بمايكون لا بما لايكون و من هذا تبصر امرك.
فالوجود المطلق مخلوق بنفسه لغيره ليس بينه و بين الله ارتباط و هذا معني قولهم: لا كيف لفعله كما لا كيف له و هذا الوجود قدحدث بنفسه يعني نفسه هي الة احداث نفسه فهو المحدث بالكسر و المحدث بالفتح و الاحداث و احدث و جميع ما يشتق منه و يؤل اليه فهو قائم بنفسه لا بغيره و هو قول الصادق7 خلق الله المشية بنفسها فاذ كان هو بنفسه يد احداث نفسه و جري احدث علي يده بها علي حسب ما يقتضيه و يهواه فلا جبر اذ لا جابر و هو بنفسه اذا احدث نفسه علي حسب ما يشتهيه و يختاره لايعقل انيجبر نفسه و الجبر هو احداث امر علي ما لايقتضيه المجبور و هو الفاعل لنفسه بنفسه علي حسب اختياره و اقتضائه هذا و لميات وقت سرمدي لميكن هو هو و هو لا غاية له
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 232 *»
و لانهاية فمن الجابر و من المجبور.
و ان قلت اذا كان هو الفاعل لنفسه بنفسه فاي ربط بينه و بين الله سبحانه و كيف صار خلقه و فعله و مشيته قلت لا شك ان الله سبحانه خلقه الا ان ذات الله سبحانه بذاتها ليست بفعل و حركة متعلقة بغيرها و ليس ذات الله بمعني خلق و انما خلق فعله و انما يخلق ما يخلق بفعله و هذا هو فعله لايصلح انيكون بفعل اخر غيره لانه اول صادر عنها و لايصلح انيكون الذات حركة الذات فالله سبحانه خلقه هكذا كما انك تفعل ساير افعالك بنيتك و النية توجدها بنفسها لا بذاتك و لا غيرها و لا غير بينك و بينها و ما دونها اثرها و هكذا توجد الذات اول صادر عنها و لايعقل غير ذلك و اما النسبة فانها نسبة تعبيرية و لا نسبة اذ الذات احدية لاتثني و لاتوجد صفة في الذات البحت البات و النسبة صفة فهو خلقها و فعلها بلا نسبة و لا ارتباط و لا كيف لذلك كما لا كيف له و قدذكرنا سابقا انه هو بنفسه اية الرب من غير ظهور الائية فهو فعل الرب جلشانه و هذا المعني محال انيدرك باحد المشاعر المخلوقة به الا انيدرك به فان اعددت المشعر فاستشعر و الا فاحذر كل الحذر من النظر فانك تتيه في واد موحش لا نجاة لك عنه بالجملة اذا كان بنفسه فاعل نفسه و هو لايفعل الا ما يقتضي و لاينفعل الا علي ما يقتضي فلا جبر.
و ان قلت فهو التفويض اذا فوض اليه فعل نفسه قلت كيف يعقل تفويض و ليس الا فعل الله سبحانه وحده و لميوجده الا الله سبحانه و هو ايجاد الله سبحانه و ليس هو بشيء غير نفس ايجاد الله فاين التفويض و من المفوض اليه فامتنع الجبر و التفويض بكل وجه و كيف لايكونان بممتنعين و الحال ان الامكان الذي هو ذلك الوجود مخلوق لله به بغير جبر و لا تفويض و ذات الله سبحانه ليس بمعني الجبر و التفويض فهما ممتنعان لايعقلان و لايفرضان فالمتحاور بهما متحاور بالمحال و ليس في محال القول حجة و لا في المسئلة عنه جواب و في هذا النظر ليس شيء غير هذا الوجود و ليس ينتهي الي غيره من ذات او معني او صورة او فعل او اثر بوجه من الوجوه قدملأ جميع اطباق الكائنات ليس شيء غيره حيث هو اي اذا رئي كما لميكن ينتهي اليه الوجود الحق لا الي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 233 *»
ذاته و لا صفته التي هي نفي السوي و عدم الشرط اذ كان لابشرط و كان يطوي باحديته هذا الاثبات و هذا النفي و هذا النفي شيء و هو الامكان و هذا الوجود هو صفة كينونة الله سبحانه و ظلها و نفسها القائمة بها فيها و هو نفس الله القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن و ان كانت الكينونة ايضا هي الذات الظاهرة للذات الباطنة الغيبية الممتنعة التي لاتدرك في البيان الاعلي الاعلي الاعلي فانها هي الذات المستجمعة لجميع الصفات القدسية و الاضافية و الفعلية و الذات الغيبية عمي بحت و لاتعين محض و لا اسم لها و لا رسم فيااخي فقد والله كشفت السبحات و محوت الموهومات و هتكت الاستار و ازلت الغبار و هذا غاية الايضاح فاطفئ المصباح اذ قدلاح الصباح و لا بيان اوضح مما بان فان فهمت مع ذلك فانت انت و اعوذ بالله من الاضاعة و استجير به من الاذاعة و اسال الله الستر عن مشاعر الاغيار و الكشف عن اعين الابرار و امتنع به عن شر الاشرار و احتجب بكنفه عن كيد الفجار.
فصـل: اعلم ان هذا المقام هو مقام الربوبية اذمربوب صلوحا و اذ لامربوب كونا و عينا كما كان المقام السابق مقام الربوبية اذ لامربوب صلوحا و كونا و عينا و كما انه لميكن مع الرب اذ لامربوب مربوب بلا نهاية لميكن مع الرب اذ لامربوب كونا و عيناكون و لا عين بلا نهاية فالمقام السابق فوق ما لايتناهي بمالايتناهي و لا فوق و لا تحت و هذا الوجود منطو تحت الوجود الاول فالوجود الاول لاينتهي الي ذاته الاثباتية و لا صفته النفيية و هذا النفي عند الوجود الاول اثبات منطو تحته اذ الظلمة عنده ضياء فلايري نور الا نوره و لا ضياء الا ضياؤه و النور من الضياء بلاتجزؤ و لا تبعض ولكنه فعلية الضياء و عيانه و الحكمة تقتضي اظهار ما في الكيان الي العيان و الا لكان متناهيا و لو لميظهر ما علمه من غامض علمه الي وجود معاين لكان ناقصا فاقدا مترقبا و الحكمة غيرتامة لان تمام القوة الفعل و تمام العلم المعلوم و تمام الكون المكون و تمام البطون الظهور و تمام الاحد الاعداد و ما لمتكن كليات الحكمة تامة في ظهورها تامة في بطونها كانت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 234 *»
الحكمة ناقصة من الحكيم و ان كان قادرا و هذا الفعل من تلك القدرة و القوة بلا اتصال و لا انفصال و لا تجزؤ و لاتبعض الا انه لا شيء الا هي اذ هي و لا شيء الا هو اذ هو ليس هو بخلو منها و لا هي بخلو منه و هو هو و هي هي لا هو معها و لا هي معه و هو اسمها و رسمها و لميكن لها عند اختراعها اياه زيادة و لا نقصان و هو منها بلاتجزؤ و ظاهرها بلا تبعض يدعو الي مولاه و يشير الي معناه و هو مخترع من نفسها المشار اليها بقوله و يحذركم الله نفسه و هو الواحد و هي الاحد كما بينا و شرحنا في محله و مقامه و لا فرق بينها و بينه الا انه ظهورها و تجليها و هذا التجلي هو الاول الذي لا اول قبله اذ ليس الاحد اول اذ لا ثاني له فليس يوجده الاحد بشيء قبله و انما اوجده بنفسه و تجلي له به لا بغيره فبطل الجبر و التفويض و جاءت المنزلة التي ليست مركبة من جبر و تفويض اذ هما ممتنعان و هي ممكنة ثابتة بلحاظ و واجبة دائمة بايجاب الله سبحانه بلحاظ و جاء الاختيار و زهق الاضطرار اذ هو بنفسه اختيار الله المختار قداختار لنفسه ما اختار و هذا هو سر الاسرار عند اهل الاعتبار و هو بحر الاقدار الذي في قعره شمس الاقتدار لايطلع عليها الا الملك الجبار و هذا البحر هو بحر النور المفاض من شمس علمه المستور المهيمن علي الامور و هو قول الكاظم7 بعلمه كانت المشية فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.
فصـل: و اذا نزلت نزلة اخري رايت حقيقة الكاينات و عرصة الموجودات و تفاصيل الفعليات لتلك المقامات في حدودها و امكنتها ثابتات و هي من شمس الاطلاق كالنور من السراج و الظل من الشاخص قدتجلي الوجود الاول لها بها و هي بانفسها فعل الوجود الاول لنفسها خلقها بها الا تري ان السراج لوانطبع نوره في مراة يكن ذلك النور من السراج بلا واسطة فعل اخر غيره و انما هو فعله و ظهوره به ظهر له و اذا انطبع عكس ما في المراة في مراة اخري كان العكس الثاني بالنسبة الي العكس الاول كنسبة العكس الاول الي السراج فالعكس الاول يظهر بالعكس الثاني بنفسه و هو فعله و ظهوره ظهر له به و ان كان يقال ان السراج
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 235 *»
ظهر للمراة الثانية بالمراة الاولي لكن المراة الاولي لمتظهر للثانية بواسطة و ما في الثانية بنفسه فعل ما في الاولي و ظهوره لا غير فالوجود المطلق و ان كان نور الكينونة و صفتها قدظهرت له به و هو فعلها خلقت نفسه به لكنه موجد للوجودات المقيدة التي دونه و خلقها بها و جعلها فعل نفسه في احداثه اياها فخاطبها الله من ورائها بلسانه كن و هو الاذن في انتكون و فاعل الكون هو هي الاتري انك تقول لزيد اقعد و اقعد اذن لاحداث زيد القعود و ليس بايجاد قعود فلما اذنت له بالقعود يقعد و يكون زيد هو فاعل القعود و موجده بالبداهة فالوجود الاول هو لسان الله الناطق بكن الاذنِ في انيفعل الماذون اي يكون و كن فعل الاذن في ايجاد الماذون به و هو الكون و انت لعلك سمعت منا ان المشتقات التي مادتها واحدة عرصتها واحدة فقول كن الذي هو الاذن مصاقع ليكون و الكون فالوجود الثاني الذي هو الكون اي الكاف و الواو و النون بعد ما وجد مقتضيه و هو نفسه و فقد مانعه و هو ما سواه و اشفي علي الخروج و خرج من القوة الي الفعل كان كونه الخارج من حيث الرب قول كن فكن من حيث المصداق مقدم علي يكون اذ لولا الاذن لميكن و من حيث الظهور متاخر عن يكون فانه مشتق منه و لايتولد منه الا بعد انيصفي عن حرف الترقب و الانتظار بالصعود الي الجبار و يتطهر عن حرف الحد و الكثرة بالترقي الي مبدا الوحدة فاذا زال الانتظار و كمل المقتضي و فقد المانع فهو من حيث المبدا اذن له لانيكون في الحال فيكون في الحال بلا مهلة الا تعتبر من ان فاعل كن هو فاعل يكون و هو انت و هو المفعول الذي اوجده الفاعل بفعله و هو كون فالمفعول هو فاعل فعل الفاعل له فكون انت فاعل كن لانه هو يكون المصعد و انت هو فاعل يكون فهو فاعل كن لكن لاضمحلاله عند الوجود الاول صار امره و الامر به هو الوجود الاول كما ان الفعل هو من الوجود الثاني و صاحبه هو الوجود الاول يملكه به فاذا كان الوجود الثاني عند الوجود الاول مخلوقا بنفسه يعني كان هو موجودا بايجاد نفسه يعني كان هو الموجد و الموجد و الايجاد و الوجود و المنوجد و اوجد و ساير ما يؤل الي الواو و الجيم و الدال فاين يتحقق الجبر و قداوجد علي ما شاء و انوجد علي ما شاء و اين التفويض
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 236 *»
و هو بكله ايجاد العالي علي ما عرفت و ظهوره فدقق النظر ماتري غير المنزلة بين المنزلتين و الامر بين الامرين.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان جميع الموجودات وجدت علي حسب مقتضاها و اوجدت علي حسب استعدادها بلا زيادة و لا نقيصة و الجبر ممتنع غير موجود فانه ايجاد بلا انوجاد و التفويض ممتنع فانه انوجاد بل وجود بلا ايجاد و هما محالان في الحقايق المخلوقة بانفسها التي نفس كونها ايجاد الله سبحانه و خاب و خزي من زعم ان الامر مركب من شيء من الجبر و من شيء من التفويض و ليس بجبر بسيط و تفويض بسيط اذا اختار الكفر و الشرك معا و خاب من زعم ان الخلق بالجبر حذرا من الشرك فوقع في الكفر و خزي من زعم انه بالتفويض حذرا عن الظلم و الكفر فوقع في الشرك فالصراط المستقيم الصادر عن النبا العظيم هو ما شرحناه و بيناه و هو النمرقة الوسطي اليها يرد الغالي و بها يلحق التالي من تقدم عليها مرق و من تخلف عنها زهق و من اخذ بها لحق و الحمد لله علي ما انعم علينا بنور اوليائه: ما نهتدي به في ظلمات حندس المعضلات و نستخرج به كنوز لالي المبهمات و صلي الله علي محمد و اله سادة البريات و رهطه غاية المخلوقات.
فصـل: هذا الذي ذكرنا من حقيقة الجبر و التفويض كان في الكينونات و الذوات و هي في جميع مراتبها علي ما بينا و شرحنا فكل رتبة دانية مخلوق بنفسه عند الرتبة العالية و هو بنفسه فعل العالي و مفعوله قدخلقه به و اذن له في احداث نفسه علي ما احب و شاء فخلق علي ما احب و شاء و انخلق علي مقتضي استعداده و هذا قول احدهم: ظاهرا لو كشف الغطاء لمااخترتم الا الواقع و هو قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئا انيقول له كن فيكون و من اسباب الاشكال التي اشكلت علي الناس هذا الداء العضال تداولهم المسئلة بغير لسانها و استشعارها بغير مدركها فيريدون انيدركوا المسئلة التي فوق افئدتهم بمدرك خيالهم و تصورهم و هي محال انتقع في اذهانهم و معذلك يفحصون عنها و يبحثون و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 237 *»
يقعون في تيه الضلالة فيَضلون و يُضلون حتي انهم اذا ارادوا انيتصوروا كيفية الخلق و الاحداث يتصورون فضاءا واسعا او برية قفرا و يتصورون الله واقفا في جانب وحده و ذلك حين سمعوا انه كان و لميكن معه شيء ثم يسمعون انه قال كن فخلق الخلق فيتصورون انه نطق بلفظة كن و لعله بصوت جهوري شديد باعلي صوت فاذا صار الخلق موجودين بحضرته و هو يراهم و يعلمهم فيتحيرون في انه لميكن شيء لان الخلق حادث و الحادث مسبوق بالعدم و الله خلقه لا من شيء فاين كان قابلية و استعداد فخلق ما خلق كما شاء و اراد فيتحيرون في معني الاختيار و لايدركون منه الا الاضطرار و ان ترقوا من ذلك شيئا فيفرضون الله فوق و الخلق تحته كما ان السماء فوق الارض محيطة بها و ان سمعوا كثرة التنزيه يفرضونه كالهواء الذي لايرونه و هو في كل مكان و ان ترقوا من ذلك فيفرضونه كالجسم المطلق و هذا غاية ما في الباب فعند ذلك يقولون بوحدة الوجود و ثبوت الاعيان في الذات و اتحاد العاقل و المعقول و الوحدة في الكثرة و امثال ذلك وحاشا انيكونوا ترقوا هذا المقام الاتسمعهم يقولون كل ما هو فوق العرش بسيط و يقولون بسيط الحقيقة كل الاشياء و ليس ذلك الا من جهة انهم ارادوا تحاول المسئلة بغير مدركها فصار اختلافهم كاختلاف السامعين العميانين في الالوان فمنهم من يقول ان الصفرة زير و منهم من يقول انها بم و منهم من يقول ان الحمرة حادة و منهم من يقول انها ثقيلة و من فتح الله عين بصيرته يستغني عن كتب محققي السامعين و مدققيهم و يعلم انهم لاغون مزخرفون جهال و ان سموا انفسهم باللضالض الفخام و القماقم الكرام و يري الورقة قدانقلبت بالكلية و يري جميع ما جمعوا قدبقي في جانب * فنحن بواد و العذول بواد*
فمن كان ذاعين يشاهد ما قلنا | و ان لميكن عين فياخذه عنا | |
و ما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد | عليه و كن في الحال فيه كما كنا |
فلا جبر و لا تفويض و انما هو امر بين الامرين غيرمركب منهما و هو حكم الاختيار الربوبي في جميع ما هو غير الواجب جلشانه.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 238 *»
فصـل: و اما في عالم الزمان الظاهر و ان كان يُستغني عن البيان فيه بماذكرنا في العوالم السابقة بانطوائه تحت الاحد تارة و تحت الواحد اخري و تحت الحقائق ثالثة الا انا نذكره في فصل خاص بما يناسب عالمه استظهارا و توضيحا للمتعلمين فنقول ان الله سبحانه بعد ما خلق الجسم في حده و مقامه علي ما ذكرنا في الحقايق كان ذاقوة جميع الفعليات الجسمانية يعني يصلح للتجلي بجميع تلك الاطوار و الظهور بكل تلك الانوار لانه جمود الوجود المقيد الصالح لجميع الاطوار الوجودية و قدعرفت انه من عدم تناهي القدرة انتكون ظاهرة بالفعلية في محلها و لولا ذلك لكانت محدودة ناقصة منتظرة موقتة حادثة فاِما انتظهر بعد حين فتتغير و اِما ان لاتظهر فيمتنع الظهور بعدُ و المفروض خلافه فصار الجسم المطلق الذي فيه قوة الظهور بالفعل ظاهرا بالفعل لعدم ترقبه انيحوله غيره عن حاله او يرجح احدي قواه سواه و ما بالقوة لايبقي في القوة الا من جهة ضعف فيها يمنعها عن الظهور و احتياج الي مكمل مقوٍ له كالمريض الذي في قوته المشي و تضعف قوته عن الاستقلال في المشي فيحتاج الي مكمل للمقتضي و رادع للمانع و لو كانت القوة قوية لمتبق في ستر الامكان و خرجت الي عرصة الاكوان الاتري ان ما في الدخان من امكان النار لو كان قويا لميبق في ستر الخفاء و برز الي الفضاء و صار شعلة مضيئة فمن هذا تبصر امرك و اعرف ان ما بالقوة لو لميظهر الي الفعلية لدل علي ضعفه و الضعف حد محدود و نقص مشهود فالفعل تمام القوة و كمالها و ما لميكن كليات الحكمة اي الاطلاقات تامة في ظهورها تامة في بطونها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم فمن عدم تناهي الاحد جلشانه انه لميترك عرصة من عرصات الوجود الذاتية و الوصفية و الفعلية و الاثرية الا و قدملأها من ظهوره و عمرها بنوره تعالي قدره فمن تلك العرصات عرصة الجسم فلما كان الجسم ذاقوة جميع الفعليات التي لا نهاية لها و كان ما في قوته كاملة و لميكن محتاجا الي مكمل خارجي اذ كان مخلوقا بنفسه و هو لاينقص عن نفسه لوجود المقتضي و فقد المانع ظهر بجميع الفعليات التي لا نهاية لها ابدا و هي كلها في محالها و اوقاتها مقضية ممضاة مكتوبة لايزيد فيها شيء و لاينقص منها شيء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 239 *»
و تلك الفعليات عنده مخلوقة بانفسها و كانت انفسها يده في خلق انفسها فاجرتها علي ما اشتهت و جرت علي ما هوت بلا جبر و لا تفويض الا ان من تدبير الحكيم في تدرجها الجسماني ايضا منزلة معضلة تحتاج الي التفصيل فنقول بلسان عالم التدرج فانه ينبغي للحكيم انيتكلم في كل مقام علي حسبه و هذا ايضا احد اسباب الاشكال لافهام الجهال.
فنقول لما كان الجسم في غاية البعد عن المبدا و يغلب عليه البرد و الكثرة و الاختلاف و تباين الاجزاء اختلف احياز اجزائه فمالت اجزاؤه الثقال الي جهة و اجزاؤه الخفاف الي جهة و تشاكلت الخفاف و استدارت و اختلفت الثقال في هيـٔاتها و حدث من اختلاف طبقات الخفة و الثقل كرات ثلث عشرة علي ما هو المعروف و سر تناهيها الي هذا العدد مما يليق بغير هذا الموضع فصارت كليات عالم الاجسام اولا ثلث عشرة و هي الكرات المعروفة و هي في بساطتها متجددة الحدوث و ان كانت حالاتها في الجملة متشاكلة و سبب تجدد حدوث حالاتها انها اي الحالات ارقام تسطر في الواح موادها شيئا بعد شيء و ما لميمح السابق لميمكن رسم اللاحق لضيق المحل و كونه عرضيا فهي اي المواد فوارة يظهر عنها الفعليات التي وراءها شيئا بعد شيء و هي تنتقل فيها و تتقلب فهي اي الحالات متجددة بروزا و ظهورا من حيث ترتب بعضها علي بعض و ثابتة دائمة كل في محله و مقامه وجودا في الخارج و ظهورا عند الله سبحانه و جميع تلك الحالات تظهر عليها باللحاظ الثاني علي حسب قابلية تلك المواد للسير الي المبدا و الاشراق الواقع عليها من المطلق المهيمن عليها الجاذب لها اليه الي ما لا نهاية له فلا جبر و لا تفويض و اما باللحاظ الاول فكلها فعليات المطلق و كمالاته التي هي من تمام القوة و القدرة و عدم تناهي الاحدية كما عرفت و لما كان الجسم مخلوقا بنفسه في مقامه و من البين ان كونه فعلا للعالي اعلي من كونه مفعولا له ظهر حيث فعليته في الاعالي فصارت مظاهر الافعال و حيث مفعوليته في الاداني فصارت مظاهر المفعول فبدت في اعاليها الحركة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 240 *»
و الفعل و في ادانيها السكون و الانفعال و حدث من بين هذا الفعل و الانفعال حوادث صارت مظاهر لتلك القوي التي كانت في الجسم فحكت الظواهر بحذافيرها قوي الجسم كما عرفت و تلك القوي ارواح غيرمميزة في ابدان هذه المظاهر و هذه المظاهر تمامها و كمالها و وجودها الخارجي و تعينها و تميزها في الخارج فلما دارت الافلاك علي الارضين و دورانها افعالها القت شعلاتها و طرحت انوارها علي حسب ما اقتضت من حالات كواكبها و قراناتها و تلك الانوار المطروحة هي الاثر الصادر اي الكون المصدري الصادر من قول كن الذي هو حركتها علي المنتهي و ذلك الاثر اي الكون رسولها المؤدي عنها الي رعيتها و دعوتها المنزلة علي امتها فوقعت تلك الدعوة في اذان المستمعين فساع سريع نجا و مؤخر بطيء رجا و معرض في النار هوي و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فصار الامر بين الدعوة و القبول و الفعل و الانفعال فالفعل من السماوات العلي و الانفعال من الارضين السفلي فما لمينفعل شيء من الارض لميظهر شيء من فعل السماء كما لميظهر تصعيدها في الصخرة الصماء و ما لميفعل السماء لميتحقق شيء من انفعال الارض كما لميظهر في الهواء حركة قبل تحريك السماء اياه فاذا صدر الفعل من السماء و صار اجزاء الارض قابلة حدث ما حدث كالبخار الصاعد ففيه قابلية مطاوعة و فعل من الافلاك صاعد و هو الشعاع الملقي فيها و حرارة منها فمااتر فيه من صعود و ارتفاع فمن السماء و ما تر فيه من ثقل و انحطاط فمن نفسه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هلتري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير فمن زعم ان ما يحدث في الارض بتاثير الكواكب ليس للناس فيه اختيار قول صادر عن جهل فلم لايضر رجعة المريخ بالفلاحين و لم لاينفع استقامة زحل بالعساكر و الجيوش و ليس ذلك من محض انهم من مسقط نطفتهم اختصوا بكوكب فلايؤثر في غيرهم فان ذلك الطالع في ذلك الان لو كان يجبر السفلي كائنا ماكان من غير قابلية منه لكان كل مولود علي طبعه ولكنه بحسب القوابل و لا شك ان الارض
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 241 *»
كانت صالحة لما الت اليه و الا لماكانت تؤل اليه فاذا كانت صالحة و انت تري اختلاف اجزائها كانت بعض اجزائها اقرب الي الانفعال و بعضها ابعد و هذا هو المراد من استعدادها و ان الافلاك تخرج ما في كيان الارض الي العيان و لاتوجد فيها ما لميكن فيها فانها من جنس الارض في الجسمانية و مكمل لها لا موثر فافهم ان كنت تفهم.
فتبين ان المخلوقات في عالم الزمان ايضا بفعل و انفعال و هو حقيقة المنزلة بين المنزلتين عند اهل الكمال فلولا الفعل لميتحقق الانفعال و لولا الانفعال لميظهر الفعل و لولاهما لميظهر الشيء فلا جبر و لا تفويض بل امر بين الامرين.
فصـل: بقي الكلام في الافعال الصادرة عن العباد فانها ايضا صادرة عنهم باختيار منهم ليسوا بمجبورين عليها مظلومين و ليسوا بمستقلين فيها مشرَكين و بيان ذلك ان العبد مخلوق من جهتين جهة من ربه و جهة من نفسه و هما النور و الظلمة اللذان خلق العبد منهما فجهته الي ربه هي حيث اثريته لفعل الله سبحانه و وصفيته له فهي علي هيئة فعل الله سبحانه بل هي هيئة فعل الله المحبوبة لله تعالي بل هي كونه حبا لله عزوجل فهي الحبيبة و المحبوبة و المحبة لله تعالي شانه و لها مقتضيات كلها محبوبة لله سبحانه و قدامر الله تعالي خلقه بالاتصاف بها و ذلك قوله ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و ذلك لانه حبيب الله و احبه الله بما هو عليه و احب الله بما هو عليه في كل رتبة فان كنتم تحبون الله فاتصفوا بصفات حبيب الله فانها اثار محبة العبد لله سبحانه و اما جهة العبد الي نفسه فهي حيث هي هي بفقره و فاقته و عجزه و هذه الجهة هي هيئة عداوة الله سبحانه و نسيانه و عصيانه لانها ضد الوجود من كل جهة و هي هيئة مبغوضة لله سبحانه و هيئة بغض الله و الكفر به و كل منكر و فحشاء و بغي و الانسان مركب من هاتين الجهتين.
ولكن سر هاتين الجهتين خفي علي كثير من اهل العلم و لابد من شرحه و هو ان هاتين ليستا بالمادة و الصورة المعبر عنهما بالوجود و الماهية فان
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 242 *»
الوجود و الماهية كليهما مخلوقان لله سبحانه خلقا بمشيته و هما ممتثلان امره و نهيه دعاهما فاجابا و امرهما فامتثلا فهما ساجدان مسبحان له كل قدعلم صلوته و تسبيحه وليس الا الله سبحانه و نوره و ظهوره فاني تكون هيئة الماهية هيئة الكفر و البغض و المنكر و امثال ذلك و انما هاتان الجهتان جهتان الي شيء اخر و الا فليس الله سبحانه باقرب الي الوجود من الماهية حتي يكون الوجود جهته دون الماهية بل الماهية ايضا تشير اليه و تدعو الي مولاها كما يدعو الوجود بلا تفاوت و ليس الوجود اولي بالله و لا احكي له من الماهية و ليس الله في جهة الوجود دون الماهية و ليس في جهة حتي يكون الوجود في جهته دون الماهية فسر هذا العلم ان الله سبحانه بعد ان عمر ديار الامكان بالاكوان و الاعيان حصل لبعضها نسبة الي البعض فكان بعضها اعلي من بعض اذ كان الطف منه و بعضها ادني من بعض اذ كان اكثف منه فحصل فيها مبدا و منتهي و وسائط و درج و مراتب فاضاء بعضها لبعض و اشرق بعضها ببعض فاضاء منيرها لمظلمها و اشرق مظلمها بمنيرها و فعل قويها في ضعيفها و انفعل ضعيفها من قويها و علم عالمها جاهلها و تعلم جاهلها من عالمها و هكذا فمن هذا التفاعل حصل لكل شيء خاصة للانسان جهتان جهة الي نفسه التي هي دونه و يقع عليه ظلها و يصعد اليه نتنها و جهة الي ربه الذي هو فوقه و يقع عليه ظله و ينزل اليه نوره و شعاعه فيحصل له من ذلك جهتان اخريان و لكل واحدة منهما دعوة له و تكميل و هو قوله سبحانه ان الشيطان يعدكم الفقر و يامركم بالفحشاء و الله يعدكم مغفرة منه و فضلا و قوله ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فاخلفتكم و قوله الم اعهد اليكم يابني ادم ان لاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم و قال انما يدعوا حزبه ليكونوا من اصحاب السعير و انما ذلك لاجل ان العالي الطف منه و ارق و ابسط و يدعو الانسان الي مقتضاه و الداني اكثف منه و اغلظ و اشد تكثرا و يدعو الانسان الي مقتضاه و الانسان الواقع بين هذين الداعيين مركب من وجود ثان هو اشبه بالعالي و انسب اليه و من ماهية ثانية هي اشبه بالداني و انسب اليه فان مال الي العالي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 243 *»
فبوجوده الثاني يميل و ان مال الي الداني فبماهيته الثانية يميل و هو مركب منهما صالح للميل اليهما و الميل الي كل من الجهتين فيه بالقوة لايفضل احدهما علي الاخر و كل منهما يخرج من القوة الي الفعل بمكمل خارجي و لما كان الشيء مركبا من الوجود و الماهية بالمعني الاول من حيث الكينونة لايفارق احد منهما صاحبه حتي يبلغ الكتاب اجله فان سعي الي العالي باقدام وجوده الثاني شايعته الماهية و لمتقدر علي مفارقته و ان سعي الي الداني باقدام ماهيته الثانية شايعها الوجود و لميقدر علي مفارقتها فان انفعل عن العالي و اشرق بنوره و امتثل امره صدر عنه الطاعات و الحسنات و ان انفعل عن الداني و اظطلم عن ظلمته و امتثل امره و اجاب دعوته صدر عنه المعاصي و السيئات و هو في جميع الحالات مختار مركب من الجهتين صالح لاجابة الدعوتين قابل لامتثال الامرين فلا جبر كما بان لذي عينين و لما كان الشيء خلقه سبحانه و اثره بجهتيه و لا قوام للاثر الا باقامة موثره بل لا شيء الا بايجاد موجده المستمر فلا تفويض و انما يصدر عنه ما يصدر بامر بين الامرين و منزلة بين المنزلتين و هو ان العبد المحفوظ بامر الله يفعل بقوة الله فعلا محفوظا بامر الله علي ما يختاره باختيار محفوظ بامر الله فهو تحت حفظه مختار.
و ان قلت عرفنا انه صالح للاختيارين ولكن نريد اننعرف ماذا سبب اختياره احدي الدعوتين قلت لا شك ان كلا الاختيارين كان فيه بالقوة بحيث لايفضل احدهما علي صاحبه و لايخرج احدهما عن القوة الي الفعل الا بمكمل مقو لجهة من الجهتين و المقوي لجهة اختيار الخير هو العالي و هو مستمر الدعوة يدعو الي الله علي بصيرة و المقوي لجهة اختيار الشر هو الداني و هو ايضا مستمر الدعوة يدعو الي الجهل الاعظم فان اختار الخير فبنظره لنفسه بتوفيق الله سبحانه و ان اختار الشر فبسوء اختياره و خذلان الله سبحانه فله الحمد عليه ان اطاعه و لا حجة له علي الله ان عصي و لو كان له عذر في اختياره الشر كان يعذره الله ولكن لا عذر له و لاجل ذلك يعاقبه الله.
و اعلم ان الحكمة اقتضت انيخرج ما في قوة الانسان من بدء كينونته الي الفعلية علي نهج الحكمة الكاملة و لولا ذلك لبطل النظام و فسد القوام و لميعرف
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 244 *»
احد خالقه و رازقه و لدل الخلق علي الاهمال المنافي للكمال فاذا وجب انيكون علي ترتيب الحكمة وجب انيكون بدء الانسان في عالم الظهور من غاية البعد و يتدرج شيئا بعد شيء في مدارج الصعود و يستكمل شيئا بعد شيء الي انيبلغ غاية الكمال المقصود من الخلق فاذا اول ما ينشا الانسان ينشا من النطفة الجمادية التي هي ادني الخلق بل من الكيلوس ثم يترقي شيئا بعد شيء الي انيصلح و يستعد لانيلج فيه الروح النباتية ثم يصعد شيئا بعد شيء الي انيلج فيه الروح الحيوانية ثم يصعد شيئا بعد شيء الي انيصلح لانيلج فيه النفس الناطقة ثم يترقي شيئا بعد شيء الي انيصلح لانيلج فيه العقل و هكذا فاول ما ينشا الانسان ليس فيه عقل الا بالقوة فيتعلق به دعوة الشيطان و هو يمتثل امره لعدم خروج عقله من القوة الي الفعل و عدم استعداده للعقل فهو اهل ما هو فيه فيتمكن فيه الشياطين النباتية و الحيوانية و النفسانية و يسخرون البلاد و الانسان في هذه الاحوال منهم و لهم الي انياتي العقل و يستعد لخروج العقل من قوته الي فعله و كان دعوة الخروج و التكميل لخروجه دائما و انما يتم الصنع و التكميل الي اجله الاتري ان النجار اذا اخذ في صنع سرير يتمه مثلا في اسبوع و لايستعد الاخشاب في اول يوم لالقاء صورة السرير عليها فاذا استعدت في سابع يوم القاها عليها و اخرجها سريرا و ان كانت فيها بالقوة فكذلك ان الانسان صالح من اول حال نطفته للعقل و معالجة المدبر دائما و هي لاتقبل العلاج الا شيئا بعد شيء و لاتستعد لظهور العقل عليها الا بعد حين فحين ياتي العقل ياتي و البلاد مملكة و العباد مسخرة و هو وحيد غريب ضعيف طفل لابد و انيكبر شيئا بعد شيء الي انيبلغ اشده و يستوي علي الملك و يخرج الشياطين فلاجل ذلك يكون الانسان مايلا الي الشهوات و الطبايع و العادات ما لميستول عليه العقل فمنهم من لايستعد لظهور العقل الكامل الذي هو ظل العالي و نوره عليه فلايعبد الرحمن و لايكتسب الجنان و قدبدا عليه ظل الداني فيطيع الشيطان و يكتسب النيران كالكفار و منهم من يظهر عليه بعد حين كالمؤمنين و منهم من يظهر عليه من اول نَشْئه كالانبياء و المرسلين فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و مابدلوا تبديلا ثم من الناس من قديهيا له حينا اسباب
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 245 *»
فتعده لظهور النور عليه فيطيع و قديهيا له حينا اسباب اخر فتغطي ذلك النور عليه فهكذا يتردد دائما بين الطاعة و المعصية الي انتري بما يختم له و منهم من يدوم له اسباب نوع فيدوم عليه.
و ان قلت فاذا كان اول نَشء الانسان من منازل الشيطان فماجرم المسكين قلت ان ذلك من استعداده و ترتب بعض الحالات علي بعض فيدرجها في الظهور الاتري ان اقتضاء الحالات انيكون انتضاج اللحم بعد غليانه و غليانه بعد سخونته و سخونته بعد تقطيعه و تقطيعه بعد سلخ الشاة و سلخها بعد ذبحها اتري يجوز في الحكمة انتضاجه قبل ذبحها و صيرورته ماكولا قبل تكونه في بدن الشاة و كونه في النبات فالحكمة تقتضي ترتب الحالات و الحالات بعضها مقدمة بعض و بعضها شرط بعض و بعضها سبب بعض و بعضها معد بعض و بعضها لسان داع لبعض و هكذا فالحكيم و ان كان قادرا الا ان الخلق لايظهر من الكيان الي العيان الا علي حسب مقتضي الحكمة و الاتقان فلاينبغي انيتكون الانسان الا من نطفة ثم اذا صار نطفة استعد لانيكون علقة فاذا صار علقة استعد لانيصير مضغة و هكذا و لايجوز في الحكمة خروجه الا هكذا و ليس ذلك من نقص في صنع الحكيم بل هو من عدم استعداد المادة لافاضة الحالات و الصور عليها الا هكذا فجميع النقص منها و اليها و ليس من الحكيم نقص و جميع امداد الحكيم و افاضاته قائم عليها دائما الا انها لاتقبل الا شيئا بعد شيء فما اصابها من حسنة فمن الله و ما اصابها من سيئة فمن نفسها.
و قدبين هذه المطالب في اخبار ال الله: بوجوه نذكر شطرا منها مشيرا الي بعض وجوهها فقدروي في التوحيد عن ابيعبدالله7 قال ان الله عزوجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون اليه و امرهم و نهاهم فما امرهم به من شيء فقدجعل لهم السبيل الي اخذه و ما نهاهم عنه من شيء فقدجعل لهم السبيل الي تركه و لايكونون اخذين و لا تاركين الا باذن الله انتهي كلامه جعلني الله فداه بحقه فقدجمع في هذه الكلمات القليلة جميع هذا العلم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 246 *»
انظر الي قوله فعلم ما هم صائرون اليه فانه لاينكر و علمه اولي بحقيقة التصديق و لايعقل ان لايكون عالما كما بينا في مسئلة العلم ثم انظر الي قوله فما امرهم به من شيء فقدجعل لهم السبيل الي اخذه و ما نهاهم عنه من شيء فقدجعل لهم السبيل الي تركه كيف بين انه خلقه مختارا و الا لميامره و لمينهه فوجود امره و نهيه و مدحه المؤتمر و ذمه التارك دليل علي وجود الاختيار ثم انظر كيف رفع وهم التفويض بقوله ثم لايكونون اخذين و لا تاركين الا باذنه فانهم في ذاتهم و صفاتهم و افعالهم قائمون بمشيته، صليالله عليه من امام ناطق بالحق كاشف عن حقيقته و عنه7 قال قال رسولالله9من زعم ان الله تبارك و تعالي يامر بالسوء و الفحشاء فقدكذب علي الله و من زعم ان الخير و الشر بغير مشية الله فقد اخرج الله من سلطانه و من زعم ان المعاصي بغير قوة الله فقدكذب علي الله و من كذب علي الله ادخله الله النار يعني بالخير و الشر الصحة و المرض و ذلك قوله عزوجل و نبلوكم بالشر و الخير فتنة انتهي فعلم ان الخير و الشر بمشيته لكن الخير بمشيته و رضاه و الشر بمشيته لابرضاه كما يدل عليه اخبار اخر و علم ان المعاصي بقوة الله و لا شك ان القوة بمشيته المصحوبة و اما قوله في اخر الخبر فهو صادر عنه بلفظ لايستوحش منه الجهال الضعفاء و اي صحة افضل من الطاعة و اي مرض اشد من المعصية و صحة الروح بالطاعة و مرضه بالمعصية و يحتمل انيكون المعني من الصدوق اذ ليس هذه الزيادة في الكافي و عنه و عن ابيه8 قالا ان الله عزوجل ارحم بخلقه من انيجبر خلقه علي الذنوب ثم يعذبهم عليها و ان الله اعز من انيريد امرا فلايكون قال الراوي فسئلا8 هل بين الجبر و القدر منزلة ثالثة قالا نعم اوسع مما بين السماء و الارض انتهي فالجبر اخراج الله من رحمته و التفويض اخراجه من عزته و المنزلة اوسع مما بين السماء و الارض لانهما فيها
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 247 *»
و عنه7 ان الناس في القدر علي ثلثة اوجه رجل يزعم ان الله اجبر الناس علي المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر و رجل يزعم ان الامر مفوض اليهم فهذا قداوهن الله في سلطانه فهو كافر و رجل يزعم ان الله كلف العباد ما يطيقون و لميكلفهم ما لايطيقون و اذا احسن حمد الله و اذا اساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ و عن الرضا7 و قدذكر عنده الجبر و التفويض فقال الا اعطيكم في هذا اصلا لاتختلفون فيه و لاتخاصمون احدا الا كسرتموه قالوا ان رايت ذلك فقال ان الله عزوجل لميطع باكراه و لميعص بغلبة و لميهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه فان ائتمر العباد بطاعته لميكن الله عنها صادا و لا منها مانعا و ان ائتمروا بمعصيته فشاء انيحول بينهم و بين ذلك فعل و ان لميحل و فعلوه فليس هو الذي ادخلهم فيه ثم قال7 من يضبط حدود هذا الكلام فقدخصم من خالفه انتهي كلامه روحي له الفداء فقدجمع في هذا الكلام كل شيء يراد حيث قال لميطع باكراه فابان انه لواكره العباد علي الطاعة لميكونوا مطيعين و لا شك انهم له مطيعون و مدحهم و وعدهم الجنة و لميعص بغلبة اي لميغلب مشية العاصين مشيته فمشيته و ارادته مصاحبة للعاصين و لعصيانهم و بقوته عصوه و لميهمل العباد في ملكه فلميفوض الامر اليهم و لميخلهم من امره و نهيه و لميرفع عنهم مشيته و شرح ذلك بقوله هو المالك لما ملكهم اي لميخرجوا من تحت ملكه و هو المالك الخالق لميلهم و قوتهم و ذواتهم و صفاتهم و افعالهم ابدا و القادر علي ما اقدرهم عليه يعني قدرتهم باقداره ابدا فان شاء سلبها عنهم و ان شاء ابقاها عليهم ثم بين انه لايصد عن طاعة لطفا و ان شاء منعهم عن المعصية كرما و ان لميمنع لميكن جابرهم علي العصيان ثم يعذبهم عليه فقد ابطل الجبر و التفويض و اثبت المنزلة باوضح بيان و اشرح برهان انهاه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 248 *»
الي المسلمات الاسلامية و قيل لابيعبدالله7 اجبر الله العباد علي المعاصي قال الله اقهر لهم من ذلك قيل ففوض اليهم قال الله اقدر عليهم من ذلك قيل فاي شيء هذا اصلحك الله فقلب يده مرتين او ثلثا ثم قال لواجبتك فيه لكفرت انتهي اراد ان اللازم علي الضعفاء انياخذوا بالبرهان النافي للجبر و التفويض و لايجوز لهم الغور في المنزلة فانهم يعجزون عن فهمها فيكفرون و قيل لعلي بن الحسين8جعلني الله فداك ابقدر يصيب الناس ما اصابهم ام بعمل فقال ان القدر و العمل بمنزلة الروح و الجسد فالروح بغير جسد لايحس و الجسد بغير روح صورة لاحراك لها فاذا اجتمعا قويا و صلحا كذلك العمل و القدر فلو لميكن القدر واقعا علي العمل لميعرف الخالق من المخلوق و كان القدر شيئا لايحس و لو لميكن العمل بموافقة القدر لميمض و لميتم ولكنهما باجتماعهما قويا و لله فيه العون لعباده الصالحين الخبر بابي هو و امي كيف بين ان قدر الله سبحانه روح عمل العبد و كيف بين ان الروح بغير جسد لايدرك بفتح الراء و الجسد بغير روح لايتحرك فحركة الكل من القدر الا انه يظهر علي حسب قابلية الجسد كما ان حركة الكاتب تظهر علي حسب استعداد اليد من استقامة و ارتعاش و لاتحتم الحركة علي اليد احدهما و لو لميكن قدر لميعرف الخالق لان العبد مهمل لايقدر علي الاستدلال علي خالقه بتصرفه تحت امره و لو لميكن عمل لميمض القدر فان امضاء الحركة في الوقوع، بابي هم و امي من هادين الي الصراط المستقيم و عن ابيعبدالله7كما ان بادئ النعم من الله عزوجل و قدنحلكموه فكذلك الشر من انفسكم و ان جري به قدره انتهي وياتي شرحه مفصلا و عن النبي9 قدر الله المقادير قبل انيخلق السماوات و الارض بخمسين الف سنة انتهي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 249 *»
و عن علي7 الاعمال علي ثلثة احوال فرائض و فضائل و معاصي فاما الفرائض فبامر الله عزوجل و برضاء الله و قضاء الله و تقديره و مشيته و علمه و اما الفضائل فليست بامر الله ولكن برضاء الله و بقضاء الله و بمشية الله و بعلم الله و اما المعاصي فليست بامر الله ولكن بقضاء الله و بقدر الله و بمشيته و بعلمه ثم يعاقب عليها انتهي روحي و جسمي له الفداء من مقسم للخلق لميقسم احد مثله انظر كيف بين ان جميع الاعمال بقضائه و قدره و مشيته و علمه فقد علم الكل و لو لميشا و لميقدر و لميقض لميصدر عمل عن عامل و اما الفرائض فهي بامره التشريعي الوجوبي علي وفق رضاه و اما الفضائل فهي علي حسب رضاه و اخبر بها و لميامر بها امر وجوب و اما المعاصي فليست بامره التشريعي و لا رضاه ولكن بمشيته الكونية و قدره و قضاه علي حسب استعداد العبد و يعاقب عليها لانه شاءها و قدرها و قضاها علي حسب اختيارهم كما قال بكفرهم لعناهم و لولا ذلك لميغلب مشيتهم مشية الله و لميعص بغلبة واروي ان في التورية مكتوبٌ ياموسي اني خلقتك و اصطفيتك و قويتك و امرتك بطاعتي و نهيتك عن معصيتي فان اطعتني اعنتك علي طاعتي و ان عصيتني لماعنك علي معصيتي ياموسي و لي المنة عليك في طاعتك لي و لي الحجة عليك في معصيتك لي و سئل ابوعبدالله7من اين لحق الشقاء اهل المعصية حتي حكم لهم في علمه بالعذاب علي عملهم فقال ابوعبدالله7 ايها السائل علم الله عزوجل ان لايقوم احد من خلقه بحقه فلما علم بذلك وهب لاهل محبته القوة علي معرفته و وضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم اهله و وهب لاهل المعصية القوة علي معصيتهم لسبق علمه فيهم و لميمنعهم اطاقة القبول منه لان علمه اولي بحقيقة التصديق فوافقوا ما سبق لهم في علمه و ان قدروا انياتوا خلالا تنجيهم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 250 *»
عن معصيته و هو معني شاء ما شاء و هو سر انتهي انظر كيف بين ان الله كان يعلم خلقه و انهم الي ما صايرون و كيف بين انه كان يعلم المطيعين فلما علم منهم العجز اعانهم بالقوة و يعلم العاصين فلما علم انهم لايقدرون علي ما يحبون اعانهم بالقوة و لولا قوته مااطاع مطيع و لا عصاه عاص و علمه اولي بحقيقة التصديق فوافقوا ما سبق لهم في علمه و هم معذلك قادرون علي ترك المعصية و قيل لابيالحسن الرضا7 ان بعض اصحابنا يقول بالجبر و بعضهم يقول بالاستطاعة قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال علي بن الحسين قال الله عزوجل يابن ادم بمشيتي كنت انت الذي تشاء و بقوتي اديت فرايضي و بنعمتي قويت علي معصيتي جعلتك سميعا بصيرا ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و ذلك اني اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك مني و ذلك اني لااسئل عما افعل و هم يسالون قدنظمت لك كل شيء تريد انتهي بابي المحمد و امي صلواتالله عليهم اجمعين كلامهم نور و امرهم رشد انظر كيف اثبت ان كينونة العبد بمشية الله فافعاله تابعة لها البتة فكلها بمشية الله و ان العبد لايقدر علي طاعة و معصية الا بقوته و نعمته ثم بين ان الحسنات من الله و هو اولي بها لانها صفة مشيته علمها العبد و وفقه لها و السيئات من العبد و هو اولي بها لانها من صفاته و سياتي شرحه مفصلا و سئل ابوعبدالله7 عن الاستطاعة فقال ابوعبدالله7 اتستطيع انتعمل ما لميكون قال لا قال فتستطيع انتنتهي عما قدكون قال لا فقال له ابوعبدالله7 فمتي انت مستطيع قال لاادري فقال له ابوعبد الله7 ان الله خلق خلقا فجعل فيهم الة الاستطاعة ثم لميفوض اليهم فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل اذا فعلوا ذلك الفعل فاذ لميفعلوه في ملكه لميكونوا مستطيعين انيفعلوا فعلا لميفعلوه لان الله عزوجل اعز من انيضاده في ملكه احد قال السائل فالناس مجبورون قال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين قال
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 251 *»
ففوض اليهم قال لا قال فما هم قال علم منهم فعلا فجعل فيهم الة الفعل فاذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين فامن السائل انتهي و سئل ايضا هل للعباد من الاستطاعة شيء فقال اذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها الله فيهم قيل وما هي قال الالة مثل الزِّني اذا زَني كان مستطيعا للزِّني حين زَني و لو انه ترك الزِّني و لميزن كان مستطيعا لتركه اذا ترك ثم قال ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل و لا كثير ولكن مع الفعل و الترك كان مستطيعا قيل فعلي ماذا يعذبه قال بالحجة البالغة و الالة التي ركب فيهم ان الله لميجبر احدا علي معصية و لا اراد ارادة حتم الكفر من احد ولكن حين كفر كان في ارادة الله انيكفر و هم في ارادة الله و في علمه ان لايصيروا الي شيء من الخير قيل اراد منهم انيكفروا قال ليس هكذا اقول ولكني اقول علم انهم سيكفرون فاراد الكفر لعلمه فيهم و ليست ارادة حتم انما هي ارادة اختيار انتهي صلوات الله عليهم من خزاين العلم و معادنه و حاصل هذه الكلمات المباركات ان الله سبحانه علم بعلمه الازلي جميع خلقه و علم اعمال كل واحد واحد و ايمانهم و كفرهم و علم افتقارهم اليه في كل جهة بحيث انهم لايكونون و لايقدرون انيعملوا من عمل الا بمشيته و ارادته و قدره و قضائه فاصحبهم اياه حين ينبغي انيكونوا لا قبله و لا بعده و حين علم انهم يعملون لا قبله و لا بعده فهم قادرون باقدار الله سبحانه حين يعملون و مستطيعون لمايصدر عنهم حين هم يفعلون لا قبله و لا بعده و جعل فيهم الة الاستطاعة و ليس انهم مستطيعون لكل فعل كل حين فان المشية بالفعل لمتصحبهم في كل حين و هم بغير مشيته لايستطيعون علي حركة و لا سكون و في ذلك الوقت الذي علم الله انهم يفعلون و اقدرهم علي الفعل لايستطيعون انيتركوا و علمه اولي بحقيقة التصديق و في ذلك الوقت الذي علم الله انهم لايفعلون و لميصحبهم مشيته لايستطيعون انيفعلوا لان الاقدار غير واقع و لميفوض اليهم و هذا الاقدار ليس
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 252 *»
يحتم عليهم العمل بل علم الله انهم يختارون في وقت كذا ذلك الفعل فاصحبهم في ذلك الوقت علي ما علم انهم يريدونه فهم مستطيعون حين الفعل مع الفعل.
و اما ما سئل ابوعبدالله7 عن الاستطاعة فقال و قدفعلوا قيل نعم زعموا انها لاتكون الا عند الفعل و ارادة حال الفعل لا قبله فقال اشرك القوم و ما روي عنه انه قال لايكون العبد فاعلا الا و هو مستطيع و قديكون مستطيعا غيرفاعل و لايكون فاعلا ابدا حتي يكون معه الاستطاعة و ما روي عنه ايضا ماكلف الله العباد كلفة فعل و لا نهاهم عن شيء حتي جعل لهم استطاعة ثم امرهم و نهاهم فلايكون العبد اخذا و لا تاركا الا باستطاعة متقدمة قبل الامر و النهي و قبل الاخذ و الترك و قبل القبض و البسط فالمراد بالتقدم تقدم مشيته و ارادته و قدره و قضائه علي العمل في وجه فانها التي بها يستطيع العبد علي ما يستطيع و في وجه اخر ان الاستطاعة استطاعتان امكانية و كونية فالاستطاعة الامكانية قبل العمل و حين العمل و بعد العمل يعني يمكن انيصدر منه و هو صالح قابل و في قوته العمل بما اصحبه الله من المشية الامكانية و اما الاستطاعة الكونية العينية يعني للعمل الممضي فلايكون الا عند العمل اذا عمل و الاستطاعة المنفية في الاول استطاعة استقلالية و المثبتة في الثاني استطاعة باقدار الله كما روي انه قيل له7 ان لي اهل بيت قدرية يقولون نستطيع اننعمل كذا و كذا و نستطيع ان لانعمل فقال ابوعبدالله7 قل له هل تستطيع ان لاتذكر ما تكره او تنسي ما تحب فان قال لا فقد ترك قوله و ان قال نعم فلاتكلمه ابدا فقد ادعي الربوبية و يشرح قسمي الاستطاعة قول اميرالمؤمنين7لرجل ابالله تستطيع ام مع الله ام من دون الله تستطيع فلميدر ما يرد عليه فقال7 ان زعمت انك بالله تستطيع فليس لك من الامر شيء و ان زعمت انك مع الله تستطيع فقدزعمت انك شريك معه في ملكه و ان زعمت انك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 253 *»
من دون الله عزوجل فقال يا اميرالمؤمنين بل بالله استطيع فقال اما انك لو قلت غير هذا فقدضربت عنقك و فيما ذكرنا من الاخبار كفاية و بلاغ لاهل الاستبصار فلنعنون فصلا لملخص هذه الاخبار حتي يظهر بلا غبار.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه قديم قائم بنفسه و جميع ما سواه حادث و الحادث ما لايخرج من القوة الي الفعل الا بمكمل و هو الخالق له اي المخرج لتلك القوة الي الفعل و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير خلق الانسان كالفخار و الله خلق كل دابة من ماء خلقه من تراب فكل ما هو من الامكان فانما هو مخلوق بهذا المعني و يحتاج الي من يخرجه من قوة الامكان الي الفعلية و ما بالقوة لايقدر علي انيخرج نفسه الي الفعلية فان ما بالقوة لايقتضي الا انيكون بالقوة و لا تعين له حين يكون بالقوة و ليس بعض ما بالقوة اولي بالخروج من بعض اخر فافهم و اما الامكان بما هو امكان فلميخرج من قوة اخري منفصلة فوقه الي الفعلية الامكانية فهو موجود بما هو موجود بالفعل اي بالفعلية الامكانية فهو مخلوق بنفسه و جميع ما في قوته فعلية و جميع فعليته جميع ما في قوته فلايتوقف في كونه بالفعل الي شيء غيره فهو خلق بنفسه و هذا معني خلقت المشية بنفسها و قلنا بكونه مخلوقا و بنفسه لما عرفنا من وجود التركيب فيه و لو من اثبات و نفي و لو علي ابسط وجه فهو مخلوق و اما الوجود الحق فلما رايناه غاية الغايات و نهاية النهايات و عرفنا بساطته و كونه هو هو بلاترقب و قوة و استعداد عرفنا انه الحق القائم بنفسه غير المخلوق فعرفنا انه حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فكل ما سوي الحق خلق و كل خلق من الامكان فان كان خالقه هو المبدا الاول فهو المطلوب و ان كان غيره يلزم الشرك و هو مذهب الثنوية و من يشاكلهم فجميع الذوات و الصفات و الافعال يكون الله سبحانه خالقه قل الله خالق كل شيء و الله خلقكم و ما تعملون فاذا كان ما سوي الله خلق الله يكون بمشيته لما قال الصادق7 خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و قال ما من شيء في الارض و لا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 254 *»
في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب سواء كان ذاتا او صفة او فعلا او اثرا بلا تفاوت فالله سبحانه علم بعلمه الازلي جميع الاشياء قبل انيخرجها من القوة الي الفعلية بتفاصيلها علي نهج الوحدة كما عرفت و اما في الامكان فيكون مثلا يعلم في المداد و هو قوة الحروف الالف و الباء و الجيم و الدال الي اخر الحروف و كان يعلم تراكيبها و تكسيراتها اللانهاية و انها اذا ركبت كذا صارت اية كلمة و اية عبارة و اي نثر و اي نظم و اي كتاب و اي حق و اي باطل الي ما لا نهاية له من تراكيبها و معانيها و مصاديقها و مدلولاتها و مفاهيمها و اثارها و افعالها الي ما لا نهاية له و كان يعلم ان الالف المفتوحة المقدمة و الباء الساكنة و الجيم المفتوحة و الدال الساكنة تكون ابجد و ان عكست تكون دجبا و ان شوشت تكون باجد و جابد و داجب و دابج و هكذا و كل تركيب لايصلح انيكون غيره فابجد هو ابجد لا غيره و دجبا هو دجبا لا غيره و لايسع ابجد انيقول لم علمتني ابجد و لمتعلمني دجبا و لا العكس و لا غيرهما و لو علم ابجد دجبا لكان كذبا فعلم جميع الاشياء علي ما هي عليه و لايجوز غير ذلك في العقل و لايعترض علي ذلك عاقل و لايتوقع سواه فعلم الله سبحانه في علمه الامكاني قبل انيوجد زيدا زيدا و علم انه شقي او سعيد فاعل او تارك و علم ذاته و صفاته و افعاله و اثاره كلا علي ما هو عليه و لايعقل غير ذلك فلما اراد انيكتب بقلم الاختراع علي لوح الابداع ابجد كتبه ابجد علي ماكان يعلمه فكما كان ابجد في علمه ابجد كان في خلقه ايضا ابجد و لو كتب دجبا ليس انه كتب ما علمه ابجد دجبا بل كتب ما علمه دجبا دجبا افهم ما اقول لك و صحح اعتقادك بما اقول فانه وحي اوحي الي الحجج: و ليس نطقا عن الهوي فعلم ما علم في علمه الازلي كما علم و في علمه الامكاني بالقوة ثم خلق ماخلق علي ما علم لميخالف علمه خلقه و لا خلقه علمه فان خلق زيدا فهو ماعلمه زيدا و ان خلقه شقيا فهو ما علمه شقيا و ان خلقه سعيدا فهو ما علمه سعيدا بلاتخلف و هكذا ساير الخلق.
و ان قلت هب انه يعلم ابجد ابجد و دجبا دجبا لكن الحصة من المداد التي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 255 *»
هي علي راس القلم تصلح لانتصور علي صورة ابجد و علي صورة دجبا فلم صورت هذه الحصة علي صورة ابجد دون جدبا او علي صورة دجبا دون ابجد قلت ان هذا البحث يصدر من مثلك حيث يكون عندك مداد غيرمكتوب ثم تكتبه شيئا بعد شيء علي حسب ميلك و هواك و اما الله الذي ليس يترقب شيئا و لاينتظر كتب شيء في لوح الايجاد و عنده يكون جميع الذرات في محله و وقته موجودا بالفعل و هي صور علمه الواجب بعينها كما قدمنا في العلم و ما يعلمه في الامكان ممايكون علي نهج حكمة الكون يعلمه في الكون و ما يكون من الحكمة كونه في الامكان لا في الكون يعلمه في الامكان كذلك و ما يعلمه في الكون يعلمه في الامكان و هي باعيانها هي ما لها من الامكان الفعلي و ما لها من الامكان الفعلي لايصلح لغيرها بذلك اللحاظ لانه هو هي بعينها فلايحتمل عنده ذلك و كل قوة عنده فعلية فعالم القوة عالم نسبي بالنسبة الي عالم الفعل و عالم الفعل عالم اضافي بالنسبة الي عالم القوة و اما عند الله سبحانه فجميعها بالفعل فالقوة النسبية امكان و الفعل الاضافي كون و علمه الازلي قبل الكون و الامكان محيط بهما كما عرفت بل كل ما سواه من جوهر و عرض من حيث الكمال علمه سبحانه([9]) فالامكان احد معلوماته كالكون كل في محله و لايتصور امكان عنده الي كون و ليس الكون عنده خارجا من الامكان و كل شيء عنده هو هو و هذا سر فخلق سبحانه الخلق اي اظهر من الامكان الي الكون في عالم النسبة و الاضافة علي ما علم في الازل و لهذا الخلق في عالم النسبة و التدرج مراتب فاول ما يوجد منه ذكره الاول و هو بالمشية ثم عينه الاولي و هي بالارادة ثم هندسته و مبدؤه و منتهاه و هي ذكره الثاني و هو بالقدر ثم تركيبه و هو عينه الثانية بالقضاء فاذا تم القضاء يمضي شيئا معينا في مكانه و وقته و حده مشروح العلل مبين الاسباب سواء في ذلك الذوات
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 256 *»
و الصفات و الافعال و الاثار لانها كلها حادثة فالعبد المخلوق علي ما وصفت قائم بمشية الله و بارادته و بقدره و بقضائه و باذنه و اجله و كتابه محفوظ بها ابدا و قدعلم الله سبحانه في علمه الازلي انه يفعل كذا في وقت كذا و كذا و في مكان كذا و حد كذا اذا امكن له الفعل و هيئ له الاته و اسبابه و علله و هو قبل خلقه فجعل هذه الافعال علي حسب مقتضي حكمته في قوته و استعداده اذ لولا ذلك لماامكن صدوره عنه و هو احد اسباب الاستعداد فجعله صالحا لانيفعل و في قوته ذلك و ركب فيه الالات و الادوات و الميول و الشهوات و الطبايع و انما هو بالمشية الامكانية للفعل ثم خلق ذكر الفعل الاول بمشيته الكونية ثم خلق عينه بارادته ثم ذكره الثاني بقدره ثم عينه الثانية بقضائه ثم امضاه علي يده حين علم انه يفعله في وقت الفعل و مكانه و حده و لو لميخلق له ذلك الفعل لماقدر انيفعله لانه ليس بنفسه شريكا لله يخلق ما يشاء و لابد و انيخلق الله سبحانه له جميع ذلك فعن ابيعبدالله7 في حديث له عن النبي9 ان الله عزوجل عند لسان كل قائل و عند يد كل باسط فهذا القائل لايستطيع انيقول الا ما شاء الله و لايستطيع انيبسط يده الا بما شاء الله الخبر فهو محفوظا بفعل الله يفعل ما اجري الله علي يديه باختياره المحفوظ الفعل المحفوظ فهو مستطيع بالاستطاعة الصلوحية بما جعل الله فيه من تلك الاستطاعة قبل الفعل و بالاستطاعة الفعلية بما جعل الله فيه من تلك الاستطاعة حين الفعل لا قبله و لا بعده فلايستطيع انيفعل ما لميفعل حين لميفعل و ان لايفعل ما فعل حين فعل ثم بعد ذلك ان احسن فله سبحانه المنة عليه لانه ليس له حق علي الله انيخلق له الحسنة و يجريها علي يديه و ليس بموجب علي الله اقتضاؤه و هو بادئٌ بنعمه و ان اساء فليس له حجة علي الله سبحانه لانه اقتضاه ولميشا الله سبحانه له الاساءة علي سبيل الحتم و ان لميقتضه فهو سبحانه اولي بحسناته منه و هو اولي بسيئاته من الله و قداطاع مع ذلك بقوة الله و عصي بقدرة الله فان صده الله عن عصيانه فبمنه و فضله و ان خلي بينه و بين عصيانه فبعدله فحسناته من الله قدظهرت به لانها هيئات محبته القاها عليه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 257 *»
مبتدئا بالنعمة و سيئاته منه قدظهرت بالله لانها هيئات نفسه و مقتضاها.
مثال ذلك الشمس و النور و الجدار و الظل فان النور من الشمس و هي اولي به و قدظهر بالجدار و عليه و الظل من الجدار و هو اولي به و قدظهر بالشمس و لولا الشمس لماكان نور و لولا الجدار لماظهر و لولا الجدار لماكان ظل و لولا الشمس لماظهر فما من الشمس كالروح و الجدار كالجسد فلولا الروح لما كان بالجسد حراك و لولا الجسد لماكان للروح ظهور فاذا اجتمعا كان ماكان فلا حول و لا قوة الا بالله ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا و طوبي لمن اجري الله علي يديه الخير و ويل لمن اجري علي يديه الشر، بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية و يهديهم ربهم بايمانهم و قد مر شواهد جميع ذلك من الاخبار و هكذا ينبغي انيحقق هذه المراتب و اعرف صحة علومنا و لا قوة الا بالله بمطابقتها مع الكتاب و السنة و انهما لايشرحان الا بها فالحمد لله علي ما من علينا به من علوم المحمد: ماايعجز عن وصفه الواصفون و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين و رهطه المخلصين.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه كان اذ لاكان فكون ماكان لا من شيء علي مقتضي مشيته و حسب ارادته و طبق قدره و وفق قضائه و نسبة امضائه فلميشا الا ماكان و لميكن الا ما شاء كما شاء فانه المخترع لا من شيء و المبتدع لا علي احتذاء شيء فالخلق كله بذواته و صفاته و افعاله و اثاره و حدوده و محدوده و وجوده و ماهيته و قابليته و مقبوله و كل ما له و منه و اليه و به و فيه و غير ذلك مخلوق له علي حسب محبته و مشيته فجميعهم مؤتمرون بما امر كما امر لايتقدم منهم شيء و لايتاخر كما قدمناه في مسئلة توحيد العبادة فبالنسبة اليه ليس طاعة و لا معصية و لا سعادة و لا شقاوة و لا كفر و لا ايمان و لا احسان و لا اساءة و لا ضر و لا نفع و لا قرب و لا بعد و لا نور و لا ظلمة بل الكل عنده عبيد مطيعون مسبحون كونا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 258 *»
لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون كل قدعلم صلوته و تسبيحه فليس هناك شيء من هذه الاضداد و الاحوال و جميع ذلك امور نسبية للخلق فيما بين الخلق اذا نسب بعضها الي بعض و قدامتحن الله سبحانه خلقه بعضهم ببعض كما قال و جعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون و كان ربك بصيرا فامر بعضهم بلسان بعض باطاعة بعض و جعل لهم اية الصدق فمن اطاع الذي امر الله بطاعته بلسانه او بلسان حجة اخر فقداطاع الله و من عصاه فقد عصي الله و من امن به فقدامن بالله و من كفر به فقدكفر بالله و من وافقه سعد و من خالفه شقي و من اتبعه احسن و من تخلف عنه اساء و هكذا فهيهنا جاءت الاضداد و اي هذه فعلوا لميخرجهم عن الطاعة الكونية الاولية و لايستحقون منه هنالك الا الجزاء الكوني بالطاعة المحضة المعصومية المَلَكية و قدمنحهم ذلك فادامهم بالدوام الابدي في جنة الوجود منعمين و يزيدهم بالامداد و هم مخلدون منعمون ابدابعطاء غيرمجذوذ و انما يستحقون من الذين اطاعوهم اكراما ثانيا و من الذين عصوهم عقابا ثانيا لانهم امنوا بهم و كفروا بهم و اطاعوا اياهم و خالفوا اياهم لا غيرهم فلايستحقون الا منهم و انما يجازيهم الله علي يد من فتنوا به كما فتنهم به و اقام عليهم الحجة به ارايت اذا احسنت الي زيد و حييته بتحية الست تستحق منه الاحسان و التحية فاذا احسن اليك فالله هو المحسن علي يديه فعلي هذه فقس ما سواها فاذا لا سعادة لسعيد الا بطاعة من امره الله بطاعته و لا شقاوة لشقي الا بمخالفة من امره الله بطاعته فلا اختلاف في الكون و انما هو في الشرع بعد ما كونوا و هذا هو المراد من قولهم كل مولود يولد علي الفطرة و قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها وتدبر في قوله تعالي كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و مااختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدي الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه و الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و اعلم انهم كانوا امة واحدة في الكون فبعث اليهم الرسل في عالم النسبة و الاضافة فاختلفوا في الحق الملقي اليهم من الرسل و هو الولاية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 259 *»
فحكم الله بينهم بالرسل فافهم فالسعادة و الشقاوة في الاعمال لا في الذوات و انما كانت الذوات مسلمة مطيعة لله لاتستكبر عن الانقياد له و انما استكبارها عن طاعة الانبياء فيؤمن بهم قوم و يكفر بهم قوم ثم يبلي المؤمنين بالانبياء بطاعة ولاة الامر بعدهم و القوام بامرهم اذ لايتحقق في الانبياء كمال الابتلاء و لايتبين كمال الانقياد لله سبحانه منهم فيبتليهم بطاعة الاوصياء فيؤمن بهم منهم طائفة و يكفر بهم اخري بغيا بينهم ثم لايكتفي بذلك لانهم لعلو مقامهم لايقدر احد علي عدم الانقياد لهم كما لميقدروا علي عدم الانقياد للانبياء و لله سبحانه كما تقرا في الزيارة طاطا كل شريف لشرفكم و بخع كل متكبر لطاعتكم و خضع كل جبار لفضلكم و ذل كل شيء لكم فلايحصل الافتتان التام الا في قوله و كذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهولاء من الله عليهم من بيننا اليس الله باعلم بالشاكرين و قال و جعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون و كان ربك بصيرا اوعجبتم ان جاءكم رجل منكم لينذركم و لتتقوا و لعلكم ترحمون ففتنهم بولاية الاولياء و عداوة الاعداء فهنالك زلت الاقدام و ضلت الاحلام و ادلهم الظلام و نجا الكرام و هوي الطغام و ليس ربك بظلام.
فتبين ان السعادة و الشقاوة صفتان فعليتان لا ذاتيتان و الخلق بعد ماخلقوا خلقوا مختارين مستطيعين لانيطيعوا و لانيعصوا لانهم كما عرفت خلقوا من وجود و ماهية يستطيعون انيعملوا بمقتضي وجودهم و بمقتضي ماهيتهم و اصحبهم مشيته حتي يفعلوا بها ما شاؤا فمنهم من امن و لله المن عليه بهدايته اياه اليه و منهم من كفر و لله الحجة عليه فتدبر.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه قادر مختار يستطيع انيفعل ما اراد و انيدع ماااراد و ظهر اختياره لما يشاء في مشيته و خلق جميع الخلق بمشيته و كل اثر تابع لصفة موثره فجميع خلقه قادر مختار الا ان الاثر كلما قرب من موثره اشتد في شباهته بموثره و كلما بعد عن مبدئه ضعفت فيه تلك الشباهة فضعفت فيه القدرة و الاختيار فاشبه الخلق به في القدرة و الاختيار اول صادر صدر عن مشيته و هو
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 260 *»
محمد9 و اهل بيته الطاهرون ثم دونهم الانبياء فالاوصياء ثم دونهم الاناسي ثم دونهم الجن ثم الملائكة ثم الحيوانات ثم النباتات ثم المعادن ثم الجمادات ثم الاعراض ثم الاشباح ثم اشباح الاشباح الي ما شاء الله فجميع ما خلق قادرون مختارون لايوجد فيهم مضطر ابدا و كيف يعقل الاضطرار فيهم و كلهم اثر المختار و قدخلقهم بهم في حدهم و مقامهم و اجري تكوينهم بهم عليهم كما مر فلاتذهب مذهب الذين يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون الي ان النار مثلا مضطرة علي الاحراق و الماء علي السيلان و امثالها فانهم كلهم مختارون الا انهم لبعدهم عن المبدا جمدوا علي ما اختاروه اولا و لايقدرون لضعف اختيارهم علي التحول عما اختاروه سريعا و لنعم ما قيل اذا اختار المختار الاخير اشتبه في فعله بالمضطر فهم لجمودهم و ضعفهم لايتحولون سريعا عماكانوا اختاروه بخلاف الارواح فانهم لشدة اختيارهم يتحركون حركات مختلفة و يتحولون سريعا عما اختاروه في حال و اشد اختيارا منهم الاناسي فهم تحولهم اسرع و اكثر اذا شاؤا و اما اوائل العلل فهم اعظم اختيارا و قدرة من الكل الا انهم لقربهم من المبدا لايختارون الا رضا المبدا و محبته و معصومون بعصمة الله و لمتبلغ عصمتهم الي الاضطرار فهم في حال عصمتهم اشد شيء اختيارا و قدرة علي التحول و بذلك يثابون علي حسناتهم لانها صادرة عن اشد الاختيار و هو قوله9 لوعصيت لهويت و من ذلك اعرف سر تكليف الجمادات و النباتات و الحيوانات كما تواتر به الاخبار و لا تاول كلمات الائمة الابرار بما اولها الجهال فهم حقيقة مختارون قادرون ذووا شعور و ادراكات الا انها ضعيفة علي حسب رتبتها و ليس اختيارهم علي حسب اختيار الانسان كما عرفت و هذا وجه انك مختار و لاتقدر انتكبر و تصغر و تسمن و تهزل و تنام و تستيقظ لان بدنك جمادي و اختياره اختيار ضعيف لايقدر علي التحول عما اختاره بالطبع فلايشتبهن عليك اختيارك بعدم قدرتك علي تغيير صفات من بدنك فانك في بدنك ضعيف الاختيار و في روحك اقواه و في نفسك اقوي منه و ذلك مزل الاقدام و اثبتتك
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 261 *»
عليه بحول الله و قوته ان عرفت و لنختم بذلك مسئلة الامر بين الامرين فان هذه العجالة لاتليق باكثر من ذلك و فيما كتبنا كفاية و الحمدلله و بلاغ.
المقام الثالث
في عدل الله سبحانه في الثواب و العقاب و الميزان و الحساب و الجنة و النار
للاخيار و الاشرار و اسرار الحشر و النشر و المعاد
و هي مسئلة صعبة قدتحير فيها قوم من الحكماء الذين كانوا يشقون الشعر في ساير المسائل الطبيعية و ضل فيها قوم اخرون لاجل عدم وقوعهم علي الحق الواقع فمنهم من انكر المعاد الجسماني و اثبته في الروح و منهم من اول جميع ما وصل اليهم من جزئيات المعاد عجزا منهم عن تعقلها علي الحقيقة و الحال ان المعاد الجسماني من ضروريات مذهب الاسلام و منكره كافر و كون ما وصل من الشارع في جزئياته علي الحقيقة ضروري لانه لايكذب و لايغري بالباطل و يكلم الناس علي قدر عقولهم و منهم من اقر به تصديقا لظواهر الاخبار و هم علي طريق نجاة الا انهم لميفوزوا بحقيقة العلم و باطنه فان كلامهم: له ظاهر و باطن و تاويل و باطن تاويل و باطن باطن و انما الاطلاع علي بواطن كلامهم شان الخصيصين الابرار الممتحنين الاخيار فاردنا اننشرح في هذا المقام مما علمنا الله سبحانه من بركات سادتنا الكرام و لا قوة الا بالله العلي العظيم ففي هذا المقام مواقف:
الموقف الاول
في سر العود و حقيقته و حقيقة المعاد و تحقيق ذلك يقتضي رسم فصول
فصـل: اعلم ان حقيقة العود لاتعرف الا بعد معرفة البدء فانه كما بداكم تعودون و لايعقل العود الا بالرجوع الي ماكان فيه فما لميعرف المنازل الاولي لميعقل كيفية العود فلابد لنا اننشرح علي نحو الاختصار كيفية البدء و النزول اولا ثم نتبعه ببيان حقيقة العود.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 262 *»
اعلم ان الله سبحانه احد بلا نهاية و لا غاية ليس فيه قوة و استعداد يظهر منه حالة بعد حالة و لا فعلية بعد فعلية و ليس فيه فعلية لانها ظهور بعد كمون و وجود بعد عدم بل هو هو ابدا ازلا بلا قوة و لا فعلية و لا نزول و لا صعود و لا تغير وجود و لا غاية له و لا نهاية كما شرحناه مكررا مرددا فهو كامل لاينتظر لنفسه حدوث كمال و جميل لايترقب لها زيادة جمال و اول كمالاته كينونته التي بها يقال له كان اذ لا كان و ذاته العليا المستجمعة لجميع الكمالات بالطي و الاتساع صاحبة الصفات الذاتية و الكمالات الازلية فكانت علما بكل معلوم اطلاقيها و مقيديها امكانيها و كونيها و عينيها كليها و جزئيها غيبيها و شهاديها ذاتيها و وصفيها و فعليها و اثريها جوهريها و عرضيها الي ما لا نهاية له و لايزيد في علمه ذلك شيء و لاينقص منه شيء و لايتغير و لايتبدل بوجه من الوجوه لا طولا و لا عرضا لا صعودا و لا هبوطا فللاشياء من حيث المعلومية هنا ليس بدء و لا عود و لا هبوط و لا صعود و لا انحلال و لا انعقاد يري اخرها كما يري اولها فلاجل ذلك يعبر جل جلاله في كتابه عما لميات بلفظ الماضي حين يخاطبنا و نحن في الرتبة الدنيا اذ كلها حاضرة لديه موضوعة عنده في حضرته في حدها و مكانها فهيهنا ليس بدء و لا عود كما عرفت.
ثم بعد ذلك كماله الوصفي الاطلاقي الشامل لجميع ما كان و ما يكون فانه القلم الذي كتب علي صفحة اللوح الذي هو محله و مظهره و هو النفس الكلية الالهية التي هي منه و اليه و تمامه و كماله جميع ما كان و ما يكون ثم ختم علي فمه فلمينطق و لاينطق ابدا ففي هذا المقام بدء و لا عود بمعني ان الاشياء ابدا سرمديا و لا نهاية له واقفة موقف البدء و لميتقض من اول الابداء شيء حتي يعلم ماذا يكون فهم ابدا في اول آن البدء و لا آن و هذه اليد ابدا في الصنع الاول من غير تجديد صنع فللاشياء في الوجود الاطلاقي و محله ايضا لا عود و ان كان لهم بدء فانهم لمايتجاوزوا حد البدء حتي يعودوا او لها بدء و عود ولكن عودها عين بدئها.
ثم بعد ذلك رتبة حقايق الكاينات الصادرة عن المشية اي النفس الناطقة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 263 *»
القدسية و ما يليها في كل رتبة و مقام و هيهنا مقام البدء و العود لوجود الامتداد و القوة و الاستعداد و تدرج الامداد و ترتب الظهورات اما طولية كما في الدهر او عرضية كما في الزمان فمنها اي من النفس الناطقة في مراتبها و تجلياتها بدء الاشياء كل بحسبه و مقامه و اليها تعود بالكمال كما ياتي ان شاءالله.
فصـل: العود اما يراد منه عود الارواح الي الاجساد بعد مفارقتها الاجساد كما ياتي و اما يراد منه عود الارواح الي مباديها كما عبر عنه اميرالمؤمنين7 في حديث كميل و كلاهما واقع حق.
اما عود الارواح الي الاجساد بعد مفارقتها فصفته علي الاجمال ان الانسان اذا بلغ اجله الذي قدر له يقبض ملك الموت نفسه اي روحه المثالي مع ما فيه من المادة و الطبيعة و النفس و الروح و العقل و الفؤاد فيبقي روحه في عالم الساهرة كما قال الصادق7 في تاويل قوله تعالي فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة قال7 تبقي الارواح ساهرة لاتنام و ذلك ان النوم للبدن لا للروح فيبقي هناك الي انينفُخ اسرافيل نفخة الصعق فتنجذب الارواح فتدخل الصور و هو قرن من نور علي شكل القلب فيه ثقب بعدد الارواح و في كل ثقبة ستة منازل فاذا دخل ثقبها القت مثالها في البيت الاول و مادتها في الثاني و طبيعتها في الثالث و نفسها في الرابع و روحها الملكوتية في الخامس و عقلها في البيت السادس فتبطل صورها و يضمحل تركيبها اربع مائة سنة من ذلك الوقت فاذا اراد الله اعادتها للجزاء امطر من بحر تحت العرش يقال له صاد مطرا فيكون وجه الارض بحرا واحدا فيتموج فيجتمع اجزاء كل انسان في قبره و تتركب و تنمو كما كان يوم اول ثم امر اسرافيل بعد احيائه انينفخ نفخة الدفع فدفع عقلها الي روحها و دفعهما الي نفسها و دفعها الي طبيعتها و دفعها الي مادتها و دفعها الي مثالها و دفعها الي بدنها و ولجت فيه و تنشق الارض فيخرج ينفض التراب من راسه يشاهد عرصة المحشر و يحشر.
و اما صفة عودها الي مباديها علي نهج الاجمال فان الله سبحانه خلق اول ما
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 264 *»
خلق العقل ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر الي ان نزل الي غاية البعد و هو هذه الدنيا دار البلاء و الاختبار فنزل الي التراب فخمد نوره و انطفا ضوؤه و مات بعد حيوته الاولي و هو قوله سبحانه كيف تكفرون بالله و كنتم امواتا فاحياكم ثم اتاه نداء اقبل الثاني و هو غير الاول فان الاول كوني انوجادي و الثاني شرعي امتثالي فعاد مقبلا الي مبدئه من غاية البعد الترابي الكيلوسي فكان كيموسا ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم لحماثم حيا ثم مدركا ثم مفارقا بعد تخلل الات البدن فيكون في عالم البرزخ فيكون فيه الي انينفخ في الصور فيكون مادة ثم يموت في الطبيعة ثم يكون مفارقا بعد تخلل الات البرزخ فيكون في عالم النفوس ثم يبقي هناك و يصعد صاعدا الي انيكون في رتبة الروح الملكوتي ثم يصعد صاعدا الي انيكون في رتبة العقول ثم يصعد صاعدا الي انيصل الي الفؤاد الذي منه بدؤه الكوني و يصعد فيه الي انيصل الي رتبة الاسم ثم يصعد الي انيصل الي رتبة المسمي ثم الي ما لا اذن لنا في بيانه ولكن اقول يصعد الي ما لانهاية له و مع ذلك لايتحد بالازل كما يزعمه المتصوفة خذلهم الله فان الحادث لميبدا من القديم فيعود اليه كلما وضعت لهم حلما رفعت لهم علما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية انتهي المخلوق الي مثله و الجاه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود كما ياتيك بيانه ان شاءالله و ان الجنة كما روي ادناها الطعام و اعلاها علم و في القدسي اذا تلذذ اهل الجنة بمـٔاكلهم و مشاربهم تلذذوا اي اهل الجوع و الصمت بكلامي و بمناجاتي فهذا مجمل القول في معني العود و لابد من بيان ذلك علي نهج الحكمة لئلايحرم ابناء الحكمة عن الوصول الي الحقايق.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه واحد احدي المعني كما بيناه مكررا و اول مااتجلي تجلي بصفة كينونته المشاراليها بقوله ماكذب الفؤاد ماراي و ذلك التجلي اي صفة الكينونة هو اول ما خلق الله خلقه بنفسه و هو ما اشار اليه الصادق7
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 265 *»
خلقت المشية بنفسها و هو الربوبية اذمربوب و اما الكينونة فهي الربوبية اذ لامربوب و اما الذات القديمة فهي المعراة عن الاسم و الرسم و هو اي ذلك التجلي جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه اذ به شيء الشيء فهو علة الموجودات و نهاية المطالب و هو القلم الذي كتب الله به جميع ما كان و ما يكون التي هي الايات البينات في صدر اللوح اي الكلية الالهية التي اوتيت العلم و هو النابت في جنان الصاقورة علي شفير بحر نون اي الدواة الاولي علي احد المعاني و انكشاف ذلك ميسور لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد اذ قدعلم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا انظر فيما تري من هذا العالم فانك تجد جميع الكثرات الجسمانية في جميع الامكنة و الاوقات منطوية تحت الجسم بحيث لايشذ عنها شاذ فلا شيء الا الجسم حين اذ ذاك جسم و اذا نظرت الي الكثرات و الاثار تجد اول موجود منها العرش منه بدئت الاجسام و اليه تعود بالكمال و هو اول ما خلق الله لا جسم فوقه و هو القلم الذي به كتب الله جميع العلوم الجسمانية في صدر اللوح المحفوظ الجسماني اي الكلية الالهية و هي الكرسي و هما اخوان في الله و بابان من ابواب الغيب و العرش هو ملك الكيفوفة في الاشياء و هو منفرد عن الكرسي لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع و منه الاشياء كلها لانه باء بسم الله الرحمن الرحيم و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف اي كيفية الخلق و الكون و القدر و الحد و الاين و المشية و صفة الارادة و علم الالفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البدء و فيه تمثال كل شيء ثم دونه الكرسي و هو النفس الكلية الالهية و هو اللوح المحفوظ و خليفة العرش في عالم الظاهر و فيه العلم التفصيلي العيني علي نهج الكلية و ساير الافلاك و الارواح و القوي و المشاعر تفاصيله و امواج بحره و لهما مقامان في الوصل و الفصل فمقام العرش في الوصل هو كل الاجسام برمتها بموادها و صورها و حدودها فهو اطلس حينئذ عن جميع الكثرات و الحدود و يدرك اذا نظر الي الكل من حيث انه جسم ذوطول و عرض و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 266 *»
عمق علي نهج الاجمال و الاطلاق و هو من باب الجسم التعليمي و هو غير الجسم اللابشرط المستوي عليه فانه جوهر قابل للابعاد و اما الكرسي في الوصل فهو الجسم الجامع للاطوال و العروض و الاعماق علي نهج التفصيل الجمعي العلمي و قدظهر الجسم الاول في الفلك التاسع الاطلس و هو يحكيه و الثاني في الفلك الثامن المكوكب و هو يحكيه و هما في عالم الفصل.
فدون ذلك التجلي الاول مقام النفس الكلية الالهية التي منها خلقت الموجودات و مقام الباء و اللوح كما ان التجلي الاول مقام الالف و القلم و المشية و الارادة فهذه النفس هي اول صادر عن المشية و هي حقيقة العالم و هي المشار اليها في حديث اميرالمؤمنين7 قوة لاهوتية و جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلت و اشارت و عودتها اليه اذا كملت و شابهته و منها بدئت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة الماوي من عرفها لميشق و من جهلها ضل سعيه و غوي و في الحديث الاخر هذه التي مبدؤها من الله و اليه تعود قال الله تعالي و نفخت فيه من روحي و قال تعالي ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية و العقل وسط الكل انتهي فهذه النفس هي حقيقة الكل من عرفها عرف ربه و هي اول صادر من التجلي الاول اي المشية و هي مبدا الوجود المقيد لا شيء فوقه و هي جوهرة لاهوتية لانها وصف الله جلشانه و جوهرة بسيطة عن الكثرات التي دونها و ان كانت بالنسبة الي العقل مركبة حية بالذات لا بحيوة مستعارة اصلها العقل لانها ظله و شعاعه و نوره صدرت عنه كنور الشمس من الشمس و عودتها اليه من حيث الظهور لا من حيث الذات لانها نوره منها بُدئت الموجودات كما بُدئت هي من العقل فالموجودات ظلها و نورها و اليها تعود بالكمال من حيث الظهور لا الذات فهي ذات الله العليا لانها ذات الذوات مضافة الي الله اضافة تشريف و شجرة طوبي فان في دار كل موجود منه غصن نور و سدرة المنتهي لانها منتهي الموجودات و هي شجرة العلم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 267 *»
علم الله سبحانه و جنة الماوي سقفها العرش و هي ارض الجنة لايسكنها احد من الخلق الا محمد و المحمد: من عرفها لميشق فانه عرف ربه و من جهلها ضل سعيه و غوي لانه جاهل بربه و مثالها في نحو المثال الاول البحر مجمع الماء و جميع الامواج شؤنه و اطواره و اغصانه و اوراقه منه بُدئت و اليه تعود و ليس كل موج ببحر كما انه ليس بماء مطلق و مع ذلك لا شيء سوي البحر في البحر فان الامواج كمال البحر و فعلياته و شؤنه كما انه لا شيء سوي الماء المطلق في الماء المطلق اذ البحر كماله و شانه و فعليته و مرادي بالماء ما يعم الاجتماع و الافتراق فالاجتماع ايضا حرف من حروف الماء عظيم كما ان الامواج حروف له صغار فلايشتبهن عليك فتضل فتفطن.
ثم دون هذه الحقيقة الالهية الكلية الحقايق الجزئية و هي ظلها و نورها كاشعة الشمس من الشمس و تلك الحقايق هي النفوس الجزئية الناطقة القدسية المشار اليها في حديث اميرالمؤمنين7 قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التاييدات العقلية فعلها المعارف الربانية فراقها عند تحلل الالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة و في حديث اخر ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية الخبر فهذه النفوس هي النفوس الانسانية و الخلق الثاني و هي لاهوتية فانها ما وصف الله نفسه لها بها بواسطة النفس الكلية فهي لاهوتية سفلي ثانية و النفس الكلية هي اللاهوت الاعلي بدء ايجادها عند الولادة الدنيوية يعني اذا تولد الولد الجسماني في الدنيا انطبع في هويته من النفس الكلية شعاع كما انه اذا وجدت مراة في الارض انطبع فيها شبح من الشمس و قبلها لايكون فاذا ولد هنا المراة وجدت هناك النفس و تتقوي كلما يتقوي الولد و تتشخص و تتميز باشتداد شيئا بعد شيء فهي في اول الامر ضعيفة جدا فانها علي حسب دعوته و مسالته فكلما يتمحض في الدعاء تمحض الاجابة مقرها العلوم الحقيقية الدينية اذ
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 268 *»
هي ليست في البدن و لا من صوافيه لا من ارضه و لا من افلاكه و انما مقرها العلوم الدينية التي هي لها بمنزلة الصورة للمادة فكلما يحصل العلم و يزداد تحصل و تزداد موادها التاييدات العقلية النازلة اليها بواسطة النفس الكلية فعلها المعارف الربانية لان العقل القي في هويتها مثاله بواسطة النفس الكلية و اظهر عنها افعاله كما ان النفس الكلية اصلها العقل منه بدئت فراقها عند تحلل الالات الجسمانية فانه ان انكسرت المراة ذهب الشبح الي مقره في العلوم الدينية و قامت بصورها العلمية مستقلة و فراقها فراق تدبير بعد تحلل الالات و الا فهي بنفسها كانت مفارقة لانها لا انبعاث لها من البدن و ليست من اجزائه فعودها رفع تدبيرها عن البدن لا شيء اخر و لا تمازج اخواتها لامتيازها بما كسبت من المعارف و العلوم فهي تختص بما لها مميزة عن غيرها كامتياز الملائكة بعضهم عن بعض بما لهم من الكمالات و المراد بالنفوس الملكية هنا نفوس الملائكة الكروبيين الذين هم وسائط بين النفس الكلية الالهية و النفوس الناطقة القدسية و برزخ بين المقامين و لذلك صارت اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و هو قول ابيعبدالله7 خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقا و بشرا نورانيين لميجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا و خلق ارواح شيعتنا من ابداننا و ابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من ذلك الطينة و لميجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا الا الانبياء و المرسلين فلذلك صرنا نحن و هم الناس و ساير الناس همجا في النار و الي النار ولعلنا ذكرنا بعد ذلك سر قول مشايخنا+ ان مؤمني الانس من شعاع الانبياء و ان ذلك كوني ام شرعي ثم بين النفوس القدسية و بين النفس الحيوانية الفلكية برزخ و هو النفوس الجنية فلهم نفوس اضعف من الناطقة الانسانية و اقوي من النفوس الحيوانية كما ياتي ان شاء الله تعالي.
ثم بعد مرتبة النفوس الناطقة النفس الحيوانية الفلكية و هي كما قال
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 269 *»
اميرالمؤمنين7 قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك بدء ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يبطل تركيبها و في حديث اخر انبعاثها من القلب الخبر فهذه النفس هي النفس المقارنة لاجسام الافلاك الممازجة لها لانها من الطبايع الجوهرية التي هي خلاصة الافلاك كما ان النفس النباتية خلاصة العناصر فاذا طرحت انوارها علي الطبايع العرضية قارنتها و كملتها و قوت ما فيها من جنس الحيوة المستجنة فيها فاخرجته من القوة الي الفعلية كما اذا القت النار حرارتها علي الدهن و قارنته و كملته و قوت ما فيه من جنس النار المستجنة فيه اخرجته من القوة الي الفعلية فاشتعل به و مقرها القلب و انبعاثها منه فان الدم الذي فيه بمنزلة الدهن فاذا قارنته الحرارة الفلكية بواسطة حيوة الام كلسته دخانا و هو قوله سبحانه ثم استوي الي السماء و هي دخان فاخرجت ما فيه من جنسها من القوة الي الفعل فاشتعل بنار الحيوة و هي الحرارة الغريزية الفلكية بدء ايجادها عند تمام البدن في الرحم و حصول الدم الصالح و اوعيتها و مجاريها و صلوح تولد المدد فمادتها تلك الحرارة المستجنة الخارجة بتكميل الافلاك و صورتها من ذلك الدخان فانبعاثها من القلب لاجل ذلك و تكتسب الاخلاق الطبيعية و تنهمك فيها بحيث يعسر عليها التخلف عنها و فعل هذه النفس الحيوة و الحركة الانبساطية و الانقباضية و الظلم و الغشم و الغلبة كفعل الطبايع بعضها في بعض من غير روية فاذا تحللت الالات الجسمانية و جمد الدم و لميتكلس انقطع مواد الدخان فبرد الدخان الموجود و تحلل فبطلت كسراج نفد دهنه فانطفا فعادت الي ما منه بدئت عود الماء الي البحر فامتزجت بما في الطبايع اي في غيبها من الفلكية بالقوة و الصلوح فتنعدم صورتها الخاصة التي كانت لها من الدخان و يبطل فعلها لبطلان ذاتها و وجودها و يبطل تركيبها الكائن من تلك المادة و الصورة فصارت بالقوة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 270 *»
بلا تميز و تعين كما كانت اول مرة اذ لميكن تمييزها الا من الدخان اذ لمتكن الا ما في قوة الدخان فاذا بطل الدخان لمتستقل بنفسها.
ثم دون ذلك النفس النباتية و هي كما قال اميرالمؤمنين7 قوة اصلها الطبايع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطائف الاغذية فعلها النمو و الزيادة و سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة و في حديث اخر انبعاثها من الكبد الخبر فهذه النفس هي صوافي الاغذية التي صارت في المعدة كيلوسا و ميزت المميزة بين طراطيرها و صوافيها و ارسلت صوافيها الي الكبد فصارت كيموسا و ميزت مميزتها بين طراطيرها و صوافيها و اخرجتها الي اوعيتها و بقي الجوهر الياقوتي فَبَخَرَ فذلك البخار هو النفس النباتية مادتها من صوافي الاغذية اي ذلك البخار الناشئ عن ذلك الجوهر و صورتها علي حسب طبايع ذلك الجوهر و بدؤ ايجاد تلك النفس عند مسقط النطفة و جريان الدم اليها من كبد امها مصحوبا بذلك البخار فينتشر ذلك الدم فيها و يحيلها الي جنسه شيئا بعد شيء و تستكمل بعد خلقة الكبد فيها و هي اول ما يوجد فيها علي الاصح كما بيناه في ساير رسائلنا و فعل هذه النفس النمو و الزيادة لانها تتحرك بلطافتها الي الاعلي من كل جهة و تجذب بناريتها و تهضم بهوائيتها و تمسك بترابيتها و تدفع العرض بمائيتها فتزيد و تربو و تشايعها الغلائظ المطاوعة و سبب فراقها اختلاف المتولدات اي الاخلاط فاذا عادت عادت الي الطبايع اي العناصر و هذا البخار هو مركب النفس الحيوانية يفيدها الصورة لانها غيبه فالروح البخاري برمته نباتي لا حيواني و لا نفساني اصله من الكبد الا ان الحاصل في القلب الطفه و احسنه كما ان الصاعد الي الدماغ اكمله و اشرفه و الا فالكل من جنس البخار و صوافي الاغذية و نباتي الا انه يركبه اي يشتعل فيه الحرارة الجوهرية الفلكية في القلب فيصعد بذلك الي سمائه اي الدماغ فهنالك يشتعل فيه اشعة ساير الافلاك بتكميل ما فيه من جنسها و لميقل7 ان الناطقة مقرها الدماغ و لا انبعاثها منه لان النفس الناطقة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 271 *»
من الملكوت و ظل الكلية الالهية و انما تظهر بفعلها في الحيوانية و ليست تقترن بها و لاتتصور بصورها و النفس المقترنة بهذه المشاعر التي في الدماغ المسماة بالنفسانية ليست بالناطقة القدسية و انما هي النفس الناطقة الكونية الملكية و هي صالحة لانيشرق عليها العقل و الجهل فاشراق العقل عليها هي النفس القدسية و اشراق الجهل عليها هي الامارة فتلك الكونية ان طاوعت العقل صارت مادة متصورة بصورة العقل و صارت سماوية عليينية و ان طاوعت الجهل صارت مادة متصورة بصورة الجهل و ارضية سجينية و لاتصير سماوية الا بما فيها من الوجود و لا ارضية الا بما فيها من الماهية فاذا صارت ارضية صارت مركب النفس الامارة بالسوء لانها متصورة بالحيوانية المتصورة بالنباتية المتصورة بالطبايع و صورتها من الاسفل فلاجل ذلك تدعو الي تربية البدن و الظلم و الغشم و تتعلق بها الشياطين الطبيعية الساكنة في الكبد و الحيوانية الفلكية الساكنة في القلب و هي ممتثلة لامرهم منقادة لحكمهم و تتعلق بها شياطين الجن ايضا و هم اشدها تعلقا بها و هم ساكنون في عرصة الحس المشترك فيوسوسون لها المكر و الكيد و النكراء و الغل و الغش بفضل ما فيهم من المشاعر لانهم ظل النفس الامارة و هذه النفس اي الامارة بالسوء ايضا محلها العلوم الباطلة و العقايد الفاسدة و الشبهات المضلة و الاهواء المردية و اقترانها بما دونها اقتران مطاوعة و اكتساب صورة و الا فهي مقرها في الملكوت و ليست من مواد جسمانية فلكية او عنصرية و هي تصير اخت الناطقة القدسية اذا تعلمت من العقل و امتثلت اوامره فتصورت بصورها اي صور اوامر العقل فتكون مقرها حينئذ العلوم الحقيقية الدينية المفاضة عليها من العقل فتكون حينئذ اخت بنت العقل التي هي الناطقة القدسية كما قال سبحانه فان تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم في الدين فتستحيل مادتها و تتكمل بتكميل العقل و يشتعل فيها نوره لما فيها يكون مستجنا من جنس العقل فتكون مادتها حينئذ مستمدة بالعرض من تاييدات العقل كما كان مادة الحيوانية من تاييدات الافلاك و صورتها تكون صورة العلم الحق و العمل به فيكون فعلها حينئذ
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 272 *»
المعارف الربانية لان العقل القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و اما الناطقة القدسية فهي ظل الكلية الالهية و هي بنت العقل كما عرفت و لاتتصور بالصور الحيوانية و لايصدر عنها المـٔاثم الا اللمم و هي من عليين كما ان النفس الامارة من باطن الصخرة و سجين و هي المقترنة بالحيوانية و هي ضد الناطقة القدسية كما ان الجهل ضد العقل و كلتاهما من عالم الملكوت فحري لمن عرف هذا التحقيق الانيق انيجتنب خصال الشياطين و يكتسب العلوم الحقة و يعمل بها ليكون من الفايزين.
ثم دون هذه النفوس مقام غلائظ الطبايع و هي المسماة بالجماد و هي ميتة لاحراك لها الا بتلك الانفس فهي تتركب تركيبا علي حسب التقدير بايدي التدبير و فيها قوي منفعلة و هي الرطوبة و اليبوسة و قوي فاعلة و هي الحرارة و البرودة فاذا اجتمعتا بميزان الاعتدال اي نحو كان و عملت فيهما الحرارة و البرودة مزجتاهما مزجا فاما انيبلغ بهما التدبير الي خروج صوافيها فتكون نباتا او تكون اصفي فتتعلق بها الحرارة الفلكية او تكون الطف فتتعلق بها النفس فان امتثلت اوامر العقل تكن محل تعلق القدسية و ذلك ليس بتدبير الطبايع و انما هو فوقها بتاييدات الهية و ليس كل من طلب وجد.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه خلق كل شيء من هذه المراتب التي ذكرنا في مقامه و حده فلا شيء منها يصعد صاعدا عن حده و مقامه و لا شيء منها ينزل نازلا فمعني نزول الاشياء هو اشراقها في العالم الادني و اشراق العالي ابدا ثابت في الرتبة الدانية في محله و حده و لو كان العالي بنفسه ينزل لكان يخلو منه الرتبة العليا و كان يلزم تحول الشيء عن حده الذي به هو هو ثم لايكون الا الدنيا و يلزم الطفرة و المحال فالعالي ابدا في محله ثابت و نوره و شعاعه المسمي باسمه بل الذي هو اسمه في رتبة ادني منه و هو نزوله الي الادني بل لانزول الا في التعبير فاذ لانزول لا صعود فان الشيء لايتجاوز ماوراء مبدئه ولكن هذا بالنسبة الي كون الاشياء حاضرة عند الله سبحانه و اما اذا لاحظت الاشياء من حيث انفسها و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 273 *»
نظرت الي مادتها التي فيها الفعليات بالقوة و الي صورها التي هي فعلياتها و نسبت بعضها الي بعض تجدها مترتبة يظهر منها شيء بعد شيء من قوة المادة الي فعلية الصورة و هذه الفعليات علي قسمين فاما هي فعليات طولية صعودية يظهر منها شيء بعد شيء فتظهر فعلية ثانية الطف من الفعلية الاولي فهي الفعليات الدهرية و اما هي فعليات عرضية متشاكلة بالنسبة الي العليا فيظهر منها شيء بعد شيء و هي الفعليات الزمانية و الشيء في فعلية موجودة فاقد لفعلية غيرها سابقة او لاحقة و مجمع فعليات الرتبة الدنيا هو الرتبة العليا و هي موجودة في العليا لا الدنيا و الدنيا هي رتبة لوح المادة لا غير و هي اذا كتبت عليها فعلية لايمكن كتب اخري عليها الا بعد محوها عنها و اما العليا فهي رتبة لوح الصور كل صورة منها مكتوبة في مقامها و حدها فالمادة الزمانية لاتتحمل فعلين متشاكلين الا بالترتب و اما المادة الدهرية فلسعتها تتحملهما ولكن لاتتحمل فعلين طوليين لضيقها عنهما و اما المادة السرمدية اي الوجود المطلق فتتحمل جميع الفعليات فهي لوح كتب عليه جميعها و هي تمثال الكل و من لميحفظ المراتب يضل في المطالب ففي رتبة كل مادة يكون جميع فعلياتها بالقوة و لايظهر شيء منها الا بالكسر و الصوغ ابدا فاذا كسرت المادة المصورة بصورة و صيغت صيغة اخري الطف يظهر فيها و عليها الصعود فيقال صعد و لما كان الالطف اقرب الي المبدا من الاكثف علم ان الالطف اسبق وجودا من الاكثف و علم ان المادة المصاغة ثانيا بالالطف كانت سابقا وجودا في رتبة الالطف و قدكانت نزلت حتي صعدت الآن فعادت الي ما منه بدئت و لولا انها كانت اول في رتبة الالطف لماعادت اليها ثانيا البتة ولكن لميكن تقدم الالطف علي الاكثف بمدة عرضية بل بمدة طولية رتبية و لميكن الالطف ممضي قبل انتصعد المادة اليها فان عالم الامضاء عالم الصعود بل كان مشاء فان الوجود مخلوق بالمشية و الظهور بالامضاء فكان الالطف في غيب المادة مبهما قبل الصعود لا تعين له و تعين بعد الامضاء اي بعد الصعود و هذا معني قولنا قوس الوجود و قوس الظهور و قل من يعرف ذلك فاعرف انت انه لو كان الالطف قبل الاكثف متعينا ممضي لكان ظاهرا لا موجودا و فعلا لا قوة و المشية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 274 *»
مقام القوة و الامضاء مقام الفعل و هذا معني ما روي ان الجنة قاع صفصف فاكثروا فيها الغراس فالوجود قبل الظهور قاع صفصف لا تعين له لشيء دون شيء فاذا صعدت المادة تعين ذلك الوجود بالامضاء فاختص بها و بينهما مراتب الارادة و القدر و القضاء و لولا ذلك لكان لمن لميعمل اعمال كثيرة و لمن لميصعد درجات عديدة رفيعة و ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري، سيجزيهم وصفهم، و ماتجزون الا ما كنتم تعملون، كما بداكم تعودون اي كبدئكم عودكم و المشبه عين المشبهبه فافهم ففي عالم المواد يكون هبوط و صعود فالهبوط كان بالاهمال و الصعود يكون بالتعيين الاتري ان المطر ينزل من السماء بلا تعيين و يصعد من الارض بالتعيين و النور ينزل بلاتعيين و ينعكس من المرايا بالتعيين و لا ظهور للنور قبل الانعكاس و يظهر عند الانعكاس فافهم فقد والله اسقيتك ماء غدقا فالبدء و العود للاشياء عند الاشياء لا عند الله سبحانه و قوله7 في النفس الكلية و هي التي مبدؤها من الله و اليه تعود فالمراد الاسم الظاهر فيها لا ذات الله سبحانه و لا كينونته و لا صفة كينونته فانه لميبدء منه شيء حتي يعود اليه فعرصة المعاد عرصات درجات المواد و كل ذيمادة زمانية او دهرية له معاد البتة لان المادة دائمة الجريان من بطونها الي ظهورها الفعليات ابدا و لابد لها في كل ظهور فعلية من كسر و صوغ و كلما تصاغ صيغة جديدة تكون الطف لان دعاء اقبال جذب الفاعل دائم و الامتثال ابدي فتترقي ابدا شيئا بعد شيء فتكون في رتبة عليا بعد ان كانت في رتبة دنيا و بذلك يثبت المعاد للاجسام كما يثبت للارواح بلا تفاوت فكل شيء دخل عرصة المواد من ابدان و ارواح لابد و انيكون لها معاد كما سياتيك ان شاء الله فمعاد كل شيء الي مبدئه و لانهاية لذلك و لا غاية.
فصـل: اعلم ان الشيء الواحد القائم في شيئيته بموثره المشيء له لايعقل انيكون من شيئين مستقلين قائمين بمشيئهما الا بحسب الظاهر و اما في الحقيقة فالشيئان شيئان قائمان بموثرهما لكل واحد ما له و علي كل واحد ما عليه و هما
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 275 *»
عبدان مسؤلان مثابان او معاقبان مكلفان علي حسب رتبتهما و مقامهما اجتمعا او افترقا و لايزر احدهما وزر اخر و لايحمد احدهما علي عمل الاخر بالبداهة فانهما كزيد و عمرو عبدان مكلفان ماجوران او مازوران اجتمعا او افترقا فالشيء الواحد المركب من شيئين واحد ظاهري و اثنان حقيقي لكل واحد بدؤ و عود و يكون اجتماعهما بالعرض و سيفترقان عن وشيك و يكشف عن كون المركب من شيئين تقدم وجود الاجزاء في الخارج مدة مميزة معروفة و اما الواحد الحقيقي فلايعقل تقدم اجزائه عليه في الخارج بل وجدت معا اذا وجدت و وجود احدها شرط وجود الاخر في الخارج لايكون احدها بدون الاخر و ذلك كنور الشمس مثلا فانه شيء واحد لميتالف من اجزاء سابقة خارجية موجودة قبله بالبداهة و انما هو شيء واحد اخترعه المخترع كما هو و له مادة مع ذلك و صورة و هما قائمتان بالشمس لاتفتقران فيما هما به هما الي غيرها و للمجموع تكليف واحد و ثواب و عقاب واحد يجزي جميع اجزائه بجزاء واحد لان العمل الواحد صادر عنهما و احديهما شرط وجود الاخري لاتقوم احديهما الا بالاخري فجميع ما تراه قدتركب من جزئين مستقلين قبل التركيب في هذا العالم ليس بشيء واحد بل انما هو اشياء عديدة اقترنت بالعرض و ستفترق و يصير كل جزء منها مستقلا بما هو عليه كما كان اول كجماعة اجتمعوا في مسجد ثم تفرقوا و دخل كل واحد بيته بلاتفاوت فهذه الوحدة العرضية الاجتماعية بدؤها في عالم الزمان او البرزخ و عودها الي بدئها فاذا عادت الاجزاء عادت الي احيازها و هي الطبايع البسيطة المتشاكلة فعادت عود ممازجة كما كانت اول مرة لا عود مجاورة فالجمادات كماتري مؤلفة من العناصر و ستتفكك و يرجع نارها الي كرتها و كذا هواؤها و ماؤها و ترابها و تصير مستقلة كما كانت و تسئل عن صلوتها و تسبيحها اذ كل قدعلم صلوته و تسبيحه، و ان من شيء الا يسبح بحمده و كذا النباتات فانها من صوافي هذه الطبايع ليست بشيء غيرها قد التامت من نار و هواء و ماء و تراب صافية فاذا تفرقت رجع كل واحد الي معبده يعبد الله سبحانه كما كان يعبد و انما سخرت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 276 *»
اياما بتسخير المسخر ثم اطلق عنها و رجعت الي مواطنها لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و ما تري من صدور عمل واحد من مركب فانما هو كاجتماع قوم علي انقاذ غريق او صيد في الحرم و يجزي كل رجل رجل منهم بعمله بالاستقلال و ان كان الجزاء متشاكلا لتشاكل الاعمال و ليس من باب انهم شخص واحد بالضرورة و كذا الحيوان فانه حيوته التي بها الحيوان حيوان من حرارة غريزية و اجزاء جوهرية الا انها فلكية و الافلاك كما تري اجزاء متعددة غاية الامر انها متشاكلة كاجزاء البحر او سيال غيره كخل و خل فهي ايضا مركبة من اجزاء مستقلة ممتازة فاذا اطلق عن تلك الاجزاء عادت الي مبدئها عود ممازجة كالطبيعيات السفلية بلا تفاوت الا انها الطف و اشد تشاكلا لانها صوافي الصوافي و لعلك تنبهت مما بينا ان نفس الطبايع و الافلاك ايضا كذلك فانها جميعها ملتئمة من اجزاء الا انها كلما تصعد تكون اشد تشاكلا و كلما تتنزل تكون اكثر اختلافا و كل ذرة ذرة منها عبد مستقل مكلف مجزي اجتمعت او افترقت و الصورة الاجتماعية لها صورة عرضية و لاجل ذلك تتبدل كما قال سبحانه يوم تبدل الارض غير الارض و السماوات و تتفكك كما قال و لقدجئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مرة و قال اذا رجت الارض رجا و بست الجبال بسا فكانت هباء منبثا و يقول اذا السماء فرجت و كشطت و انشقت و انفطرت و امثال ذلك من الايات الباهرات الكاشفات عن حقيقة الامر باوضح بيان فهذه المركبات العرضية الاجتماعية التي مبدا اجتماعها في عالم الاعراض يكون تفرقها ايضا في عالم الاعراض و ليس اجتماعها شيئا نازلا من عالم اعلي حتي يعود اليه و انما هذا الاجتماع عرض و صفة للمجتمعين تحت رتبتهم فالحيوانات و النباتات و الجمادات و بسايطها كلها تعود اذا عادت عود ممازجة لا مجاورة كما عرفت و اما الانسان اي النفس الناطقة الملكوتية فهي واحدة حقيقة قائمة بوحدتها بموثرها لمتتالف من اجزاء متقدمة عليها مستقلة و انما هي نور منير و قدرة قدير ظهور النفس الكلية الالهية و ظلها و شعاعها تليق بانتجزي بجزاء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 277 *»
واحد و تعمل عملا واحدا و تخاطب بخطاب واحد اذ هي اية الله الواحد و صفته و عنوانه او عكس ذلك اذا كانت امارة فتلك اذا عادت اي بطلت المرايا الحاكية لها في عالم الاعراض و لحقت اجزاؤها بمراكزها و عادت بالامضاء و تعينت بعد الابهام في الوجود و تميزت عادت عود مجاورة و امتياز لا ممازجة و ابهام فانها قدخرجت بالذات عن حد المشية و الارادة و القدر و القضاء الي حد الامضاء و عن حد القوة الي حد الفعلية و كتبت مميزة فلاتمحي صورتها و لاتبطل و اما الحيوانية و ان ميزت و امضيت متعينة و تصورت الا انها كانت من اشياء عديدة و تعلق بها الامضاء من باب الحكم الوضعي لا الاقتضائي الحتمي كالناطقة و كذا النباتية و الجمادات فالناطقة بعد ما خرجت من حد القدر الي حد الامضاء و كتبت في اللوح لاتمحي ابدا و هي وجه الله الذي لا فناء له قال تعالي كل من عليها فان و يبقي وجه ربك ذوالجلال و الاكرام و كل شيء هالك الا وجهه و انك لاتكاد تدرك حقيقة مرادي حتي تطلع علي جميع ما اذكره في هذا المقام فلاتبت علي المرام حتي تقف علي جميع الكلام و ميزان فهمك المراد انيطابق فهمك جميع ما عليه عامة المسلمين فانه الميزان القويم فان خالفه لمتفهم ما اقول و الله علي ماااقول كفيل ان افتريته فعلي اجرامي و انا بريء مما تجرمون.
فاذا صار حكم الناطقة علي ما ذكرت فالكلية الالهية علي طريق اولي من الاستقلال و التوحد و التفرد و عودها الي العقل لا انها تصير عقلا و تتحد به بل بمعني انها تسير سيرا الي جانب العقل و يمضي فيها ما شيء فيها علي نحو الاتحاد فانها الفعلية الكلية المحضة الممضاة بل ممضاة الكل لاتزيد و لاتنقص و جف القلم الممضي فيها فلمينطق بعد الا انها لاتزيد و لاتنقص عرضا ولكن يجري اليها الامداد الطولية اللانهاية الشيء بعد الشيء و الامر بعد الامر فهي عالمة بماكان و مايكون و متعلمة ما علمت ابدا و لو لمتعلم طرفة عين لمتعلم ماكان و مايكون فهي قائلة رب زدني علما و رب زدني فيك تحيرا فلاتحيط بشيء من علمه الا بمااشاء فافهم ان كنت تفهم و اما العقل فهو وسط الكل عليه يدور الرحي و معاد الكل اليه كما كان بدؤ الكل منه و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 278 *»
هو في نفسه معاده في بدئه و بدؤه في معاده فهو نفس الامضاء لايترقب شيئا و هو علة الموجودات يمضي ما يمضي بفضل امضائه و الكل اية امضائه و ليس فوق ما ذكرت لك بيان و الحمد لله الواهب المنان.
فصـل: اعلم ان هذا العالم بسمواته و ارضيه هو عالم البرزخ و هو بعينه عالم الاخرة و هو بعينه عالم السرمد فهذه السموات هي سموات الدنيا و البرزخ و الاخرة و السرمد و هذه الارضون هي ارضوا البرزخ و الاخرة و السرمد بعينها و جمادها و نباتها و حيوانها و انسانها ايضا كذلك لما قامت الضرورة علي ان المعاد هذه الاجسام و ان هذه الارض هي ارض المحشر و هذه السماء هي سماؤه و قدشهد العقل المستنير بذلك كما سياتي فهذه الاجسام هي اجسام الدنيا و البرزخ و الاخرة و هي السرمد الا ان الدنيا اسم لقراناتها العرضية و البرزخ اسم لقراناتها البرزخية و الاخرة اسم لحقايقها الاخروية و السرمد اسم لكينونتها الامرية و امثل لك مثلا لتقريب الذهن في قميص تلبسه انه قميص في هيئته المفصلة المخيطة و هو خام منسوج في مادته الخامية و الشخصية و قطن في حقيقته النوعية و انت لابس للقميص حقا و للخام حقا و للقطن حقا و ليس عليك شيء غير القميص و لا شيء غير الخام و لا شيء غير القطن فمن ذلك تبصر امرك و اعتبر فهذا الموجود الخارجي هو الدنيا و هو البرزخ و هو الاخرة و هو السرمد الا ان الدنيا يقع علي صورته و البرزخ علي مثاله و الاخرة علي حقيقته و السرمد علي امريته فالدنيا اسم لصورة القرانات العرضية التي منها بدئت و اليها تعود فاذا عاد كل شيء الي جوهره فني الدنيا و خربت و محيت و صحا البرزخ كماء ضربت بعضه ببعض حتي رغا و ازبد و حجب ما وراءه ثم تركته حتي صفا و صار حاكيا لما وراءه و فنيت الرغوة و الزبد و لميكن في الكاس اولا و اخرا غير هذا الماء بعينه فالبرزخ اسم لذلك الماء الصافي و في البرزخ ايضا قرانات برزخية فانه ايضا فيه طلوع و غروب و بكرة و عشي الا انه الطف من الدنيا بسبعين مرة فاذا سكن تلك الامواج و عاد كل شيء منها الي جوهره و سكن البحر و استقر صحا عن الاخرة فيكون
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 279 *»
السماء سماء صافية و الارض ارضا صافية و هو قوله سبحانه يوم تبدل الارض غير الارض و السماوات فتلك الارض غير هذه الارض باعتبار الصفاء و الكدورة و هي هي باعتبار الحقيقة و كذلك السماوات و مثلهما المولدات فيرجع ما كان فيها من الاجزاء العرضية الي اصولها و يبقي اجسامهم الصافية القائمة بوحدتها بموثرها الممضاة بامضائه و قدفنيت اعراضها الصورية و المثالية و ردت الي اصولها فاذا صفت الارض و السماء صارت ارضَ القيمة و سماءَها و قامت الناس لرب العالمين باجسامهم الطويلة العريضة العميقة مركبة من عشر قبضات تسع من افلاكها و واحدة من ارضها الا ان السماوات و الارض لكثرة صفائهما متشاكلة مقترنة واحدة في المنظر متعددة في المخبر و كذلك اجسام الاناسي المخلوقة منها لانها حينئذ بوحدتها قائمة بموثرها يجري علي كل جزء ما يجري علي كل جزء و يصدر عن كل جزء ما يصدر عن كل جزء فبذلك تتركب الاجزاء تركب خلود و وحدة و يكون كل جزء شرط وجود كل جزء في الخارج فتكون الارض قابلية السماء و صورتها و السماء مقبولة الارض و مادتها لايقوم واحدة منها بدون الاخري فتكون حقيقتها الكلية الالهية الجوهرة البسيطة الحية بالذات و هي شجرة اصلها تلك الحقيقة و اغصانها البسائط و اوراقها النفوس فهذه الشجرة من حيث السماء شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة الماوي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها و المؤمنون الغالب عليهم جهة السماء اوراقها و في دار هوية كل واحد غصن منها و من حيث الارض شجرة تخرج في اصل الجحيم طلعها كانه رؤس الشياطين اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار والكفار الغالب عليهم جهة الارض اوراقها و في درك هاوية هوية كل واحد منهم منها غصن و انهم لاكلون منها فمالـٔون منها البطون فالمؤمنون نفوس ناطقة قدسية لاهوتية و الكفار نفوس امارة بالسوء ذات هوية فالارض الطائعة الطيبة ارض عليين و ارض الجنة و السماء المشرفة عليها سماؤها و الارض العاصية الخبيثة ارض سجين و ارض جهنم و السماء المظلة عليها سماؤها الا ان ارض الجنة لمطاوعتها السماء سماوية
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 280 *»
مستحيلة الي السماء فكلها تسمي بالسماء و سماء جهنم لمطاوعتها الارض ارضية مستحيلة الي الارض فكلها تسمي بالارض فالجنة في السماء و جهنم في الارض و ليس في السماء خبث و ليس في الارض طيب و كذا ليس في كلية الاخرة الالهية خبث لانها مطيعة لله سبحانه معصومة مطهرة و الظلمة عنده ضياء و انما الخبث و الطيب في ساير النفوس الجزئية فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم فهي باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و هي الباب المبتلي به الناس من اتاه فقدنجا و من لمياته فقدهلك و هي رحمة الله علي الابرار و نقمتُه علي الفجار.
بالجملة دار الاخرة دار مكنوسة الاعراض مرفوعة الامراض ارضها مشاكلة لسمائها و سماؤها مشاكلة لارضها و حيز كلتيهما واحد و هي مع ذلك من حيث العرض صورة عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد و هي فعلية خالصة و امضاء محض و اما من حيث الطول فلها صعود و ترق الي ما شاء الله و هي مع ذلك جسم بحقيقة الجسمانية سماؤها صافية هذه السماء و ارضها صافية هذه الارض لها طول و عرض و عمق الا انها من غاية الصفاء وحدانية كالاكاسير يفعل ارواحها ماايفعل اجسادها و اجسادها ما يفعل ارواحها و بعضها ما يفعل كلها و يجري علي كل جزء جزء منها طولي او عرضي ما يجري علي الجزء الاخر فهي بكلها ثابتة ذائبة غائصة نافذة صابغة و ليس هذا الاتحاد في الاكسير مانعا من جسمانيته و طوله و عرضه و عمقه فكيف يمنع في الاكسير الاعظم بالتقدير الاقدم و التدبير الاقوم و هذه الوحدانية هي سبب خلوده و دوامه و عدم تفكك اجزائه ابدا و من اراد فهم حقيقة هذه المطالب فليراجع كتابنا مراة الحكمة و ما لميراجعه لايكاد يفهم حقيقتها ابدا.
بالجملة قدتبين بابين من الامس و اوضح من الشمس ان المعاد جسماني و هذا الجسم في الدنيا هو الجسم في الاخرة بل اقول هذه السماء هي سماء الاخرة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 281 *»
و هذه الارض هي ارض الاخرة و هذه المواليد هي مواليد الاخرة في الجنة و النار فمن جمادها حصي الجنان كاللؤلؤ و المرجان و منه حجارة النيران كالكبريت و من نباتها نبات الجنان و منه نبات النيران كما هو ظاهر و من حيوانها دواب الجنة و طيورها و منه حشرات جهنم و كلابها و موذياتها و من اناسيها سكنة الجنان و منهم سكنة النيران بل من براريها رياض الجنة كواد السلام و الحاير و منها اودية جهنم كبرهوت و حضرموت و عيون بقر و كذا جميع ما في هذه الدنيا هي ما في الاخرة الا ان الاخرة اذا لحقها الاعراض بدت الدنيا و خفي الاخري و ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي و انما كررت العبارة و رددت الاشارة لتفوز مع الفائزين.
فصـل: اعلم انه قديعبر عن الجسم الاخروي بالاجزاء الاصلية و انها في هذه الاعراض كسحالة الذهب في تراب دكان الصائغ فيحار في ذلك افهام المستمعين و يحسبون ان المثال مطابق من كل وجه و ليس كذلك فان الذهب من جنس التراب و هو ايضا عرضي و قديمثل بالزجاج في الحجر و البلور في الزجاج و الماس في البلور و جميع ذلك امثال تقريبية لتقريب الاذهان فان هذه الصوافي و الاعراض كلها من دار الاعراض و لاتطابق الواقع حقيقة بل لا مثال له حقيقة في هذه الدنيا فنبين ذلك بالشرح و الترديد لعلك تفهم حقيقة الامر.
فنقول اعلم ان كل اثر قائم بموثره بمادته و صورته قيام صدور اخترعه لاامن شيء و ابتدعه لا لشيء و لا علي احتذاء شيء فلايحتاج فيما هو به هو الي غير موثره و هو كما عرفت شيء واحد وحداني و ان كان مركبا من مادة و صورة يعني انه لميلتئم وجوده من شيئين مستقلين قائمين بموثرهما علي انفرادهما قبل التركيب كما عرفت لان ما هو كذلك تركيبه عرضي و وحدته وحدة اجتماعية لااذاتية و هما اثران مستقلان اجتمعا بالعرض و سيفترقان و يعودان الي بدئهما يسال كل واحد منهما عن تكليفه و يجزي بعمله فالاثر الواحد اجزاؤه غيرمستقلة لا قوام لواحد منها بدون الاخر فالعبد المعاد المحشور المجزي شخص واحد و اثر واحد كما
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 282 *»
بُدئ اول مرة لقدجئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مرة و هو في وحدته له مراتب بها تمامه و بها هو هو فلو فرض نقص مرتبة من مراتبه لميكن هو هو كالعشرة مثلا فانه لو نقص عنها واحد كانت تسعة لا عشرة فللشخص التام الواحد غيب و شهادة و لكل واحد منهما اربع مراتب فمراتب غيبه فؤاده و عقله و روحه و نفسه و مراتب شهادته طبعه و مادته و مثاله و جسمه و جميع هذه المراتب لها مادة و صورة و غيبه جهته الي ربه و شهادته جهته الي نفسه و شهادته هويته و غيبه المثال الملقي فيها و بجميع هذه المراتب يتم وجود الشخص الواحد لا قوام لواحدة منها بدون الاخري ابدا و ليست متقدمة عليه قبل التركيب فكل واحدة منها بعض الشيء اي بعض الاثر الواحد المستقل فذلك الجسم الذي هو اسفل مراتب الشيء هو جسمه الاصلي الذي به بُدئ و به يعود و يجزي بنعيم ابدي او عذاب سرمدي.
و قد عرض الانسان في نزوله الي دار الاعراض اعراض ليست منه و لا اليه و هي اشياء مستقلة قائمة بموثرها مسئولة عن عملها و لها مرتبتان زمانية و برزخية اما الزمانية فهي الاجزاء التي تاتي و تذهب و الانسان في جميع حالاته هو هو لايزيد بمجيئها و لاينقص بذهابها الاتري ان الانسان يَسمَن فيكون عشرين منا ثم يَهزِل فيكون خمسة عشر منا و هو في كلا الحالين هو لميتفاوت تكليفه بماكان مكلفا به و هو هو رضيعا و فطيما و صبيا و شابا و كهلا و هَرِما و لايكاد يشك عاقل بزيادة اجزاء و نقصانها في تلك الحالات و اتحاد التكليف و ثبوت المحمدة و اللوم عليه في كلها علي شرع واحد فهذه الاعراض اعراض زمانية قدلحقته حينما نزل الي هذه الدار دار الاقترانات العرضية و هذه الاعراض تلتئم كاملة الاجزاء تامة الاعضاء و تربو بوصول الامداد العرضية و تنقص بنقصانها و لها قوي عرضية من جاذبة و هاضمة و دافعة و ماسكة و مربية و زيادة و نقصان و حواس و رضا و غضب و لاتفعل تلك القوي العرضية فعلا الا في مثلها و لاتحد الا نفسها و لاتشير الا الي نظائرها فتبين للحكيم باوضح من الشمس سخافة شبهة الاكل و الماكول والحمد لله.
و اما البرزخية فهي الاجزاء الهورقلياوية و المثالية التي تاتي و تذهب و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 283 *»
تلحق بالمثال و الجسد الهورقلياوي و هي ايضا علي طبق ما سمعت ليست من الانسان و لا الي الانسان و انما هي اثار مستقلة برزخية قدلحقت بروح الانسان الفلكي و جسده العنصري الاخروي و لاتزعمن من قشور كلمات مشايخنا ان الجسد الاصلي هو الجسد الهورقلياوي فان الجسد الهورقلياوي له اعراض برزخية و قولهم انه الجسد الاصلي كقولهم ان الجسد المعاد هو هذا الجسد المحسوس و لايعنون بذلك ما فيه من الاعراض و كذلك يقولون ان الجسد الاصلي هو الجسد الهورقلياوي و لايعنون به الاعراض اللاحقة به و لو كان هو الجسد الاصلي لماكان يتفكك فانه خلق للبقاء و انما يتفكك من جهة ما فيه من الاعراض و يكسر ليطهر و يصاغ صيغة لاتقبل الفناء فلاجل ذلك يتفكك فيما بين النفختين ليطهر و لاتطهير الا بالحل و لا حل الا بنقض الصورة و لاينقض الا بالموت فيموت الانسان في الدنيا بالنفخ الدنياوي ليعود جسده الي الطبايع و يعود كل عرض فيه الي شكله و يموت في البرزخ بالنفخ البرزخي ليعود جسده الي الطبايع البرزخية فيعود كل عرض فيه الي شكله فاذا عاد كل عرض فيه دنياوي او برزخي الي جوهره و شكله بقي خالصا عن شوائب غير ما هو منه فامطر الله علي الارض مطرا له رايحة النطفة حتي يكون وجه الارض بحرا واحدا فيتموج حتي يجتمع كل جزء طاهر من بدن الي شكله الطاهر فيتركب معه تركيبا لاتفكك له ابدا و ذلك المطر من بحر الصاد الذي هو تحت العرش و منه يقطر النطف علي شجرة المزن و تقطر منها علي نبات الارض و يحصل منه نطفة كل مولود فكما كان بدؤ الانسان في الدنيا من تلك النطفة يكون بدؤه في الاخري ايضا من تلك النطفة الله خلق كل دابة من ماء و ينماث في تلك النطفة الاجزاء الترابية التي في غيب ارض الطبايع فيخلق منها الابدان فاذا تم البدن تعلق به روحه الحيواني بعد روحه النباتي ثم تعلق به نفسه الانسانية حين خروجه من قبره فيقوم من قبره و ينفض التراب من راسه و يقوم من عند راس القبر مما يلي ارض المحشر و هذا هو المشاراليه في الخبر عن الصادق7 ان الروح مقيمة في مكانها روح المحسنين في ضياء و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 284 *»
فسحة و روح المسيء في ضيق و ظلمة و البدن يصير ترابا منه خلق و ما تقذف به السباع و الهوام من اجوافها فما اكلته و مزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لايعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الارض و يعلم عدد الاشياء و وزنها و ان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فان كان حين البعث مطرت الارض فتربو الارض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء و الزبد من اللبن اذا مخض فيجتمع تراب كل قالب فينتقل باذن الله الي حيث الروح فتعود الصور باذن المصور كهيئتها و تلج الروح فيها فاذا قداستوي لاينكر من نفسه شيئا فتدبر في الخبر.
بقي شيء و هو ان الاعراض المثالية هلتمازج الاجزاء الاصلية الاخروية بظواهرها كتمازج النحاس بالذهب او تمازجها باثارها اللاحقة بها نازلة بل لايعقل تمازجها بظواهرها لعدم اتحاد الصقع و انما تمازجها باثارها النازلة اليها فان الاجزاء الاصلية قدالقت في الاعراض مثالها لكيتظهر عنها افعالها فهي تمازج تلك الاثار و للاعراض ايضا اثار صاعدة الي الاجزاء الاصلية تمازجها و تتخللها و بذلك تعظم ابدان الاناسي يوم القيمة حتي انها تعظم انياب المتكبر حتي انها كجبل احد و بذلك يعظم عذابهم لتخلل المنافي بين اجزاء كينونتهم فانها مكتسبة من نفس الاعراض و اما المؤمنون فلايتخللهم المنافي لان ما لحقهم من اثار الطاعات العرضية هي منهم بدئت و اليهم تعود فلاتنافي فلاتعذب لهم من عظمة ابدانهم فهم متشاكلوا الاجزاء عظيموا الابدان فافهم ان كنت تفهم.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و امعن الفكر فيما ذكرنا سابقا و هنا ان الاجزاء الاصلية في هذا البدن المحسوس الملموس موجودة لا كوجود الماء في الكوز و لا كالذهب في التراب و لا كالماس في الحجر فانها متداخلة بتداخل مشاكل في مشاكل و مصاقع في مصاقع و الاجزاء الاصلية اصفي من الروح الذي في البدن
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 285 *»
اربعة الاف مرة نعم هذه الامثلة تطابق الروح الساري في البدن في جميع اجزائه و هو اية دخول الاجزاء الاصلية في هذا البدن اذ هي لبه و حقيقته الاخروية و خالصته من شوب الاعراض و اصله فهذا البدن الاصلي الذي في الدنيا هو البدن الاصلي الذي في البرزخ و البدن الاصلي الذي في الاخرة و قدظهر في الدنيا علي ما يقتضيه اعراض الدنيا و يحتاج اليه في المـٔارب الدنياوية من الالات و الادوات و يظهر في البرزخ علي حسب ما يقتضيه اعراضه فيه و في الاخرة علي حسب ما يقتضيه فيها بصرافته فان الزايد و الناقص في صنع الحكيم القادر محال الاتري ان الانسان في الدنيا اذا كان و لميكن له حاجة الي التنقل كان الرجل له لغوا و اذا كان و لميكن له مدفوع كان المدفع له لغوا و اذا كان يبصر بكل جسده كان العين الخاصة له لغوا او كان يسمع بكله كان ثقبة الاذن في راسه لغوا و علي هذه فقس ما سواها و الانسان الوحداني المركب بتركيب الخلود المتشاكل الاجزاء يفعل بكل جزء منه ما يفعل بكل جزء لوجود التشاكل الباعث للخلود في جميع اجزائه فيري و يسمع و يشم و يذوق و يلمس و يتفكر و يتخيل و يتوهم و يعلم و يعقل كل ذلك بكله بلا تفاوت و هيئته علي هيئة الايمان او الكفر و يتفاوت كمهم و كيفهم و رتبتهم و جهتهم و مكانهم و وقتهم و وضعهم و تقاديرهم علي حسب ايمانهم و كفرهم و هما الطينة التي صوروا فيها و الاجابة لدعوة الداعي فان الله سبحانه خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته صبغة الله و من احسن من الله صبغة و خلق الكافر من الظلمة و صبغه في نقمته فامه هاوية و ماادريك ماهيه نار حامية و لامرنهم فليغيرن خلق الله و يشير الي ذلك التشاكل و التماثل ما روي انه سئل عن الميت هل يبلي جسده قال نعم حتي لايبقي لحم و لا عظم الا طينته التي خلق منها فانها لاتبلي تبقي في القبر مستديرة حتي يخلق منها كما خلق اول مرة انتهي و المراد بالاستدارة ما اشرنا اليه من تشاكل الاجزاء و زوال الاعراض و تصوره بصورة يقتضيها عالمه فتدبر و اما ما روي في قطعة بقرة بنياسرائيل فاخذوا قطعة و هي عجب الذنب الذي منه خلق ابن ادم و عليه يركب اذا اريد خلقا جديدا فضربوه بها
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 286 *»
فالذي افهم من هذا الخبر انه ليس المراد به الاجزاء الاصلية الباقية بل المراد ان بناء بدن الانسان كالسفينة فكما ان السفينة تبني علي عمود و تنصب عليه اضلاعها ثم يسد بينها بالالواح و المسامير كذلك بدن الانسان علي عمود فقرات ظهره و ركب عليها الاضلاع و سدت خللها بالاغشية و الرباطات و الاعصاب و اللحم و الجلد و عجب الذنب منتهي الفقرات و اصلها و يشير الي ذلك قوله7 عليه يركب اذا اريد خلق جديد يعني اول ما ينشا يبتدا في انشائه بعجب الذنب لانه اصل عمود الجسد الذي هو الفقرات و عليه يركب باقي الاعضاء فقداصاب الخطاء من زعم ان عجب الذنب يبقي في القبر و لايبلي و لا دخل له في الاجزاء الاصلية فتدبر.
الموقف الثاني
في بعض مسائل البرزخ و كليات اموره و فيه فصول
فصـل: اعلم ان هذا البدن المحسوس مركب من الكيان الثلثة و الكيفيات الاربع و فيه قوة نامية و نفس نباتية حقيقتها من صوافي الاغذية الواردة عليه فهي فرع ورود الاغذية و صلاح الالات و القوي المصفية لها و قوة فلكية و نفس حيوانية حقيقتها من الطبايع الجوهرية الفلكية و حرارة غريزية اشتعلت في دهن الروح البخاري الذي هو النفس النباتية لان البخار من صوافي الدم الذي هو من صوافي الاغذية و ان كانت النباتية اول ظهورها في الدم المتولد في الكبد لتجسم نفسها و الحيوانية تظهر عليه بعد ما بخر في القلب الا ان الحيوانية حرارة فلكية في غيب النباتية مقارنة لها مشتعلة فيها اشتعال النار في الدخان و ذلك ان العناصر السفلية بالبخر لاتخرج عن حدها و الفلك بالنسبة الي العناصر غيب و ملكوت و ان كان جسمانيا كما روي في الروح هو الذي في الدواب و الناس و هو من الملكوت و الذي في الدواب فلكي بالبداهة و سماه ملكوتيا فالروح الحيواني
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 287 *»
من صوافي الافلاك و كلها صافية اللهم الا ان لها عرضا رقيقا جدا جدا لايُعْبَأُ به كما ان الروح النباتي من صوافي العناصر فهو اي الروح الحيواني ايضا جسماني من صوافي صوافي العناصر و ملكوتها و محله القلب في الروح البخاري و يسري في كل البدن و جعل القمر فيهن نورا فاذا تحللت الالات و الاسباب و الامداد لميصل المدد الي ذلك البخار فانحل في الهواء و بَرُد فذهبت الحرارة المشتعلة فيه الي حيزها و ذهب الروح البخاري الي عناصره و تفرق البدن لفساد الحرارة الحيوانية و النباتية الجامعة لاجزائه الحافظة لها الدافعة عنها ففسد و استحال الي العناصر ثانيا كما بُدئ منها اول مرة فانقطع الروح الانساني الذي كان راكبا علي ذلك الروح الحيواني عن البدن لفساد المظهر و ليس انقطاعه لانه من صوافي الجماد او النبات او الحيوان بل لاجل انكسار المراة التي كانت تحكي ظهوره و كان قدالقي فيها مثاله و اظهر عنها افعاله و هذا هو معني موت الانسان و موت ساير الحيوانات بل النباتات و لاينافي ذلك كونه ايضا من اختلاف النجوم عليه فان الله سبحانه اذا اراد اجراء امر اوحي الي روح القدس فالقي الي النجوم فاجرته في السفليات و لا شك ان جميع ما يحدث في السفليات من كون او فساد فانما هو بالاسباب الفلكية و اثارها علي حسب ما ادارها الله سبحانه بالملائكة الموكلين بها فيسرع بها متي شاء و يبطئ بها متي شاء و يقدم منها ما يشاء و يؤخر منها ما يشاء و انما هي لله سبحانه كاليد للكاتب و لاتصغ الي اقوال المتقشفة الذين يَتَحَشَّون من تاثير الشمس و لايَتَحَشَّون من تاثير الفلفل و تسخينه فانهم لايعلمون و نحن لانؤمن بالنجوم و لانشرك بربنا شيئا كما لانؤمن بالفلفل و لانشركه بربنا تعالي قدره و نقول يفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و يفعل ما يشاء بماايشاء كيف يشاء فبذلك يموت الانسان و يفسد المكون و الله يتوفي الانفس حين موتها بملك الموت باعوانه و ليس الموت من شدة تجوهر النفس و انقطاعها عن الجسد كما زعمه قوم فان المؤمن الكامل يبقي و المستضعف يموت و نفس الكامل اشد تجوهرا من نفس المستضعف بالبداهة تدبر فيكلام اميرالمؤمنين
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 288 *»
7 كيف شرح كيفية الفراق في النفس الناطقة و قال فراقها عند تحلل الالات الجسمانية و في النفس الفلكية سبب فراقها اختلاف المتولدات وكذا في النفس النباتية قال سبب فراقها اختلاف المتولدات كيف بين ان الجسم الة للناطقة و قال فراقها عند تحلل الالات و لميقل سبب فراقها لانها لمتتولد من الجسم و اما في الفلكية و النباتية قال سبب فراقها اختلاف المتولدات لانهما منها و اليها و لميقل ان فراق الناطقة لشدة تجوهرها فافهم و تدبر.
و هنا مسئلة صعبة و هي ان الناطقة ان لمتكن متولدة من الطبايع البدنية فاي اختصاص لكل نفس ببدنه و لم لمتظهر نفس زيد في بدن عمرو و لم لاتظهر عن غير بدنها افعالها و اي تعلق لها به و هذه المسئلة بتفصيلها تليق بالمفصلات ولكن نشير هنا ببعض الاشارات و لا قوة الا بالله.
اعلم ان النفس الكلية الالهية الكونية التي هي حقيقة هذا العالم و ذاته سارية في كله داخلة فيه لا كدخول جسم في جسم و خارجة عنه لا كخروج جسم عن جسم بل هي في جميع امكنته و لاتحويها و في جميع حدوده و لاتحدها و ليس لها في نفسها ايضا تحصص و لا تحديد فاذا قبضت يد التقدير اجزاء من هذه العناصر و ادارت عليها الافلاك و طرحت عليها شعلاتها و نعمتها و لطفتها جعلتها نباتا ناميا و تحصصت نفسه النباتية بصورة تلك الاجزاء لانها صوافيها فتكون علي حسبها و هي جسمانية مثلها ثم اذا ادارتها عليها دورة اخري و طرحت عليها شعلاتها نعمتها تنعيما اخر و لطفتها تلطيفا اخر جعلتها حيوانا و ذلك بتقوية ما فيها من الفلكية الكامنة و ذلك ان جميع هذه الافلاك و العناصر كلها من الجسم و فيه صلوح الكل و يجوز استحالة الكل الي الكل ففي الارض فلكية كامنة و في الافلاك ارضية و ذلك قول الفلاسفة ماء من طبيعتين و ارض من جسدين فالارض تاتلف بالفلك لما فيها من الفلكية و الفلك ياتلف بالارض لما فيه من الارضية و لولا ذلك لماائتلفا ابدا كما ان الروح لو لميكن فيه جسدانية لمامازج الجسد و الجسد لو لميكن فيه روحانية لمامازج الروح فاذا دار الفلك علي الارض كمل ما
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 289 *»
فيها من الفلكية و اخرجه من القوة الي الفعلية و طاوعه الاجزاء الصالحة الناعمة المتناسبة فصارت حيوانا لما يظهر عليها من الحيوانية الفلكية الكلية فالمختصة بها مثال الكلية المتعين بتعينها كتعين نور الشمس في المراة و اذا ادارت الافلاك عليها مرة اخري و طرحت عليها شعلاتها نعمتها تنعيما اخر و لطفتها تلطيفا اخر و كملت تلك الشعلات الحاملة للنفس الكرسية بقوتها ما فيها من الجسم الكرسي فان الكل كما عرفت في الكل فجعلتها انسانا ناطقا كونيا فهذه الناطقة الكونية الخاصة لها مادة هي حصة من ظهور النفس الكرسية الكلية و صورة من تعين الحيوانية المتعينة بالنباتية المتعينة بالجمادية العنصرية و هما معا الناطقة الكونية الخاصة و اما ما فيها من جسم الكرسي فانه من المراتب النباتية الدنياوية يشاكلها في الطبيعة العنصرية و ان كان الطف ولكن فيه نفس ناطقة غيبية ظهرت عليه و ان شئت انتسمي ما فيه من جنس جسم الكرسي بالناطقة علي حسب مقتضي هذا العالم فلك فانه صالح لظهور نطق النفس منه و ناطق ظاهري و بذلك نسمي جسم الفلك حيوانا و الا فالنفس الحيوانية من عالم المثال و انما جسم الافلاك صالح للحيوانية فافهم و لولا ذلك التكميل لماخرج ما في تلك الاجزاء من الناطقة من القوة الي الفعلية فتكون اول علي حسب صلوح القابل و اصلاح الفاعل و لذلك تري الانسان الصفراوي ذاحدة و الدموي نبيلا و البلغمي بليدا و السوداوي ان كانت فيه صافية حديد الذهن حافظا عاقلا و ان كانت غيرصافية جُربزا وسواسا الي غير ذلك من الخصال و يصدر منه افعال علي حسب استعداد تلك الاخلاط فان كان معتدلا صالحا و عملت فيه يد التقدير جعلته كاملا و الا يكن مستضعفا.
بالجملة يكون نفسه الخاصة التي هي مثال النفس الكونية في نفسها علي حسب استعداد القابل و عمل الفاعل و هو الانسان الكوني في هذه الدنيا فالناطقة الكامنة في هذه الاجزاء مبهمة لا تعين لها الا من حيث الظهور في هذه الاجزاء علي حسب القابل و فعل الفاعل فاذا تعين حصة منها في اجزاء علي حسب استعدادها تختص بها البتة اختصاصا كونيا فالانسان الخاص هو ظهور النفس الكلية في النفس الحيوانية الظاهرة في النفس النباتية التي هي صوافي اجزاء هذا العالم و هو
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 290 *»
لايوجد الا بتركيب هذه الاجزاء فاذا تفتت هذه الاجزاء تفتت النباتية و زال تعينها فزال تعين الحيوانية الكوني الاكتسابي فزال تعين الانسانية الكوني الاكتسابي و يبقي لها الصور الشرعية التي هي من صلوحاتها الذاتية المستخرجة بتكميل الشارع فهي بعد تفتت الصور الكونية العرضية تتعين بما لها من الصور الشرعية فكانت الصور الكونية حافظة لها حتي تستخرج ما فيها من الصور الشرعية فاذا خرجت زالت و قامت النفوس متعينة بموثرها و ليس هذا الانسان حينئذ قبل التعين الشرعي بمؤمن و لا كافر الا انه علي الفطرة يعني اذا القي عليه الحق عرفه و لولا ذلك لميكن لله سبحانه علي احد حجة و كذلك تكمل تلك الشعلات بما فيها من نفس العرش التي هي العقل ما في تلك الاجزاء من جسم العرش فيظهر عليه جوهر دراك للمعاني صالح لانيكون عقلا عابدا او شيطانا جاحدا و تكون تلك الحصة فيه ايضا علي حسب قابلية الاجزاء و فعل الفاعل فتختص بها دون غيرها و لذلك تري العقول مختلفة علي حسب اختلاف القوابل و فعل الفواعل و تختلف ايضا يوم القيمة و كذلك تكمل تلك الشعلات ما فيها من جنس الجسم الاطلاقي فيصير بالفعل و يفعل افعاله فيظهر عليه بذلك حقيقة يدرك بها الحقايق و يصلح لانيكون عارفا بالله سبحانه و بنبيه و وليه او جاحدا و لولا ذلك لميكن له علي احد حجة فيكون الانسان البالغ الكامل صاحب جميع هذه المراتب و هذه النفوس الا ان النفس النباتية تظهر عليها عند مسقط النطفة و الحيوانية عند تمام البدن بظاهره و باطنه و النفس الناطقة عند الولادة الدنياوية و ان كانت في اول ظهورها ضعيفة و العقل عند التمييز و البلوغ حد الاعتدال النوعي في السياسة الكلية و الا فقديتقدم و جبر بالتمرين و قديتاخر و قدلايلحق و اعذر بالسفاهة و الحقيقة عند الحكمة و ادراك الحقايق و حد الاعتدال النوعي الاربعون و قديتقدم و قديتاخر و قدلايلحق و كل هذه النفوس كانت كامنة في البسايط الطبيعية منحلة مذابة مبهمة لا تعين لها فاذا اخذت منها حصة و ربيت ظهر عليها واحدة بعد واحدة علي حسب استعدادها و صفائها و كدورتها و قبولها للتدبير و عدم قبولها و حصول عايق او لا حصوله و هذا هو الانسان الكوني المجيب لقوله سبحانه الست
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 291 *»
بربكم بلسان الدعاة الكونية الفلكية و بهذه الاجابة صوروا علي هيئة الانسان فكانوا امة واحدة علي الفطرة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين ليكملوا ما في تلك الحصص من الصور المحمودة المطابقة لصفاته سبحانه بالقوة فقاموا بين ظهرانيهم و دعوهم الي الله سبحانه و الي قبول اوامره و نواهيه فاشرقت عليهم انوار اوامرهم و نواهيهم فساع سريع نجا و متاخر بطيء رجا و مول مدبر هوي فكمل اولئك الانبياء بما فيهم من النفس الالهية الشرعية ما كانت كامنة في المؤمنين من الصور المحمودة المحبوبة و جحد الكافرون و اعرضوا فتكمل ما فيهم من قوة التصور بالصور المبغوضة الشيطانية و تصوروا بتلك الصور فمنهم من امن و منهم من كفر فحصلت لهم نفوس شرعية لها مواد و صور موادها من اشراق اوامر الشارعين و صورها من امتثالهم و عدمه و هي روح الايمان و روح الكفر تظهر عليهم بالوصفية فلبست نفوس المؤمنين صورة الايمان و هي طينة عليين و لبس نفوس الكافرين صورة الكفر و هي طينة سجين فالحقيقة العارفة صارت فؤادا و نور الله و الجاحدة صارت ظلمة الشيطان و الجوهر الدراك المتيقن الراجي العابد صار عقلا و ضده جهلا و شيطنة و نكراء([10]) و النفس الخائفة العالمة العاملة صارت ناطقة قدسية عليينية و ضدها النفس الامارة و كذا الحيوانية و النباتية فالمطيعة صارت طيبة و ضدها الخبيثة.
بالجملة جري هذه الكلمات استطرادا و الغرض سر تخصص النفس بهذا البدن و قدتبين و الحمد لله ان النفوس المطلقة العامة لاتخصص لها بشيء من هذه المركبات و انما تظهر اشعتها عليها فتنصبغ فيها و تكتسب صورا منها كانت كامنة فيها و استكملت بالاقتران بها فلكل شخص منها ما ظهر منها عليه و تعين بتعينه نعم قديغلب التادب باداب الشرع علي النفس بحيث يجردها عن خصال البدن علما و تخلقا و عملا تجريداما فتكون في الاوائل عاملة علي خلافه علي كلفة ولكن ربما يتحول البدن بذلك شيئا بعد شيء الي انيناسب النفس و خصالها و احوالها فان الخصال النفسية تنعكس في البدن اشعتها و اشراقها فاذا اعتدلت بتعديل الشرع و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 292 *»
انعكس اثارها معتدلة في البدن و جري افعالها فيه بالاعتدال غيرته و جعلته مناسبا لها شيئا بعد شيء البتة فجري عليها نحو ما قال الشاعر:
مسئلة الدور جرت | بيني و بين من احب | |
لولا مشيبي ماجفا | لولا جفاه لماشب |
و قال الصادق7 بالحكمة يستخرج غور العقل و بالعقل يستخرج غور الحكمة بالجملة قلت في صدر العبارة تجريداما فان الاستحالة الكلية غيرممكنة بعد جمود البدن و تبعيتها له كونا و بذلك يختلف المؤمنون في درجاتهم و مع ذلك كله ليست النفس الناطقة من الاجسام العنصرية و الفلكية فانها اسم للاعراض المشهودة و لا من الاجسام البرزخية لانها اسم لاعراضه و انما هي من الملكوت و نفس الكرسي المشهود فاذا عرض هذا البدن تحلل في الاته خرج عنه الروح اي المثال بما فيه من المادة و الطبيعة و النفس و الروح و العقل و الفؤاد و بما اكتسب من الصورة قائما بموثره و مات البدن بما فيه من الاجزاء الاصلية الهورقلياوية و الاخروية فان بدن هذه الدنيا اي صوافيه المسماة بالنباتية هو بدن البرزخ و بدن الاخرة و كما كان التيامه سبب التيام البدن الاصلي يكون تفرقه سبب تفرق البدن الاصلي يعني كما كان صورته سبب تعين البدن الاصلي الظاهر فيه يكون تفككه سبب زوال تعين البدن الاصلي الكوني و ان كان صورته الاكتسابية لازمة له فيبقي الاجزاء الاصلية في قبر طبعها حتي تحيي ثانيا و ذلك قوله تعالي من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي انشأها اول مرة فيبقي الروح اي المثال ساهرا في البرزخ لاينام الي انينفخ في الصور نفخة الصعق فتموت الامثلة بخروج المواد عنها فتبقي متفتتة كما تفتت الجسد و تتفتت الامثلة الاخروية التي كانت فيها كونا ثم تموت المواد بخروج الطبايع عنها و الطبايع بخروج النفوس عنها و النفوس بخروج الارواح عنها و الارواح بخروج العقول عنها و ذلك ان النفوس و الارواح و العقول كانت متعينة بتعين الارواح اي الامثلة و الاجساد كونا فاذا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 293 *»
بطلت الامثلة و الاجساد بطل تعينها برمتها كما لميكن لها تعين قبل تركيب الاجساد فتبقي الامثلة و الاجساد متحللة مدة بين النفختين و هي اربعمائة سنة لا تعين لها و لا تعين للنفوس و الارواح و العقول المتعلقة بها طول تلك المدة فهنالك لا حاس و لا محسوس و هنالك الولاية لله الحق و تنحل الافلاك فهي يومئذ واهية و كانت وردة كالدهان و تبس الجبال بسا فكانت هباء منبثا و رجت الارض رجا و تبدل الارض غير الارض و السموات كما خلقتا اول مرة ثم بعد اربعمائة سنة ينفخ في الصور بعد ان امطر الله من بحر تحت العرش و هو الماء الذي كان عرشه عليه اول مرة و هو بحر صاد مطرا تشابه رايحته رايحة المني فيصير ارض الطبايع بحرا واحدا و قداكلت الارض جميع اعراض الاجساد و الامثلة فتدانت الاجزاء الاصلية بعضها من بعض صافية خالصة متشاكلة في صورها الاكتسابية خالية عن الاعراض و هي ملكوتية اخروية فتتركب بتركيب الخلود و تركب امثلتها ايضا خالصة بتركيب الخلود ثم تتعلق باجسادها و تتعين بتعينها نفسها و بتعينها روحها و بتعينه عقله فتحيي الاجساد و تقوم حية من قبر طبعها تنفض اتربة الاعراض عنها و تقوم في ارض المحشر هذا في الظهور و اما من حيث الاعلي فيدفع بالنفخة الثانية العقول الي الارواح فتحيي و تدفع الي النفوس فتحيي و تدفع الي الطبايع فتحيي و تدفع الي المواد فتحيي و تدفع الي الامثلة فتحيي فتدفع الي الاجساد فتحيي كما انشاها اول مرة خالصة عن شوب الاكدار و عن كل ما ليس منها و لا اليها واجدة لكل ما هي به هي وحدانية قائمة بموثرها كما ياتي ان شاءالله فعند ذلك يتم امضاء النفوس الانسانية و مفارقتها للاجساد الزمانية العنصرية و البرزخية و اما قبل ذلك فهي مشوبة بالاعراض اللاحقة بها كونا المتخللة فيها الموجبة لموتها فالاستكمالات الحاصلة للنفوس في الدنيا استكمالات علمية ظلية لا كونية و الا لكانت نفوس الكاملين تشاهد القيمة و تمشي في عرصتها و تدخل الجنة و لو كانت كذلك لماخرجت عنها و لماعادت الي اجسادها فانها دار خلود ثم لميعرضها الموت فان الموت مذبوح بين الجنة و النار فافهم و لايلتبسن عليك
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 294 *»
الامر فمن مات علما قامت قيامته العلمية و من مات كونا قامت قيامته الكونية اي الصغري الخاصة و اما العامة فانما ينتظر باولكم اخرُكم و لاتاتي الا بعد موت الكل بالموت الكلي البرزخي.
فصـل: مااسخف قول من زعم ان البدن لا شعور له و ان الشعور كله للروح و الروح لايموت و انما الموت للجسد الذي لا شعور له فلا الم للموت ابدا و انما هو تنقل من دار الي دار([11]) و ذلك لاجل ان الجسد له شعور بممازجة الروح الحيواني الفلكي المتعلق بالروح البخاري الممازج لجميع اجزاء البدن و انما هو ايضا جسماني الا انه فلكي المتسمع ما روي ان الروح جسم رقيق و الاتري الافلاك انها اجسام لها طول و عرض و عمق فالروح الحيواني ممازج بواسطة الروح البخاري جميع البدن و يحس البدن جميع الالام و الاوجاع بالروح الممازج له و لو كان الامر كما يقولون لكان الانسان لايحس وجعا لو قطع منه عضو لان الجسد يقطع و لا حس له و الروح الحاس لايقطع فهو سفه من الراي و مخالفة للشرع المعظم امر الموت كما روي ان للموت ثلثةَ الافِ سكرةٍ كل سكرة منها اشد من الف ضربة بالسيف و روي ان الميت اذا حضره الموت اوثقه ملك الموت و لولا ذلك مااستقر و سر صعوبة الموت ان جميع الالام من فراق ماايحبه الانسان لانه لايحب الا ما يشاكله و يتقوي بمقارنته لسر المشاكلة فاذا فارق ما يتقوي به ينقطع عنه المدد الذاتي فيضعف و الضعف من مبادي الفنا فيكره فناءه و عدمه فلاجرم كل موجود يبغض عدمه فالانسان يكره مفارقة الاحبة و كل احد يحب شيئا من الدنيا و كل روح يحب جسده حبا طبيعيا اقلا فبذلك يصعب علي الانسان الموت اصعب من كل فراق فانه لايطمع في الوصال الدنياوي بعده ابدا و هذا وجه ما قيل:
يقولون ان الموت صعب و انما | مفارقة الاحباب والله اصعب |
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 295 *»
اراد به ان الموت اي مفارقة الروح البدن صعب ولكن مفارقة الاحباب الذين تعلُقُ الروح بهم اشد اصعب من الموت فالروح يتالم بمفارقة البدن و ساير ما يحبه و البدن يتالم بفضل شعور الروح المخالط له في جميع اجزائه كما يبصر و يسمع بفعل الروح الملقي فيه المخالط له لايقال ان المثل هو اول الكلام لان الكتاب و السنة و العرف و الطبايع المقهورة علي الواقع تكذبه بالبداهة نعم بعض النفوس الكاملة المتعلقة بالملأ الاعلي التي قهر حبُها لمبادي العلل حبَهم ما في الدنيا بل يحبون ما سواها لها و بها لايتالمون من الموت لان الموت لهم وصال لا فراق و انما مثلهم كمن ينتقل من سجن الي قصور عالية و اين هم و كم اولئك هم الاقلون عددا الاعظمون خطرا و مااحسن ما قال الشاعر في مثلهم:
قوم فعلوا خيرا فعلَوا | و علي درج العُليا درجوا | |
صحبوا الدنيا بجسومهم | و اليك بانفسهم عرجوا | |
دخلوا فقراء الي الدنيا | و كما دخلوا منها خرجوا |
و لذا روي ان ابن ابيطالب انس بالموت من الطفل بثدي امه.
فصـل: اذا جاء الانسانَ اجلُه و احتضر و انقطع عن الدنيا بالكلية شاهد اهلَ البرزخ و الملائكةَ و تمثل له ملك الموت بعون من اعوانه فانه بنفسه لايقبض الا روح الانسان الجامع و ذلك العون هو الملك الموكل بنفسه من حيث القطع و التفريق و اما الموكل بخزنها فهو اسرافيل فملك الموت يقطعها و يسلمها بيد اسرافيل كما كان ابداؤها بيد جبرائيل و امدادها بيد ميكائيل و هذه الملائكة الاربعة موكلون بكل ذرة ذرة كل ملك بحالة من حالاتها و هم نفوس رابطية بين الفعل و المفعول و مقامهم مقام المصدر الذي هو تاكيد الفعل و شبحه و ظله من حيث الاعلي و من حيث الاسفل مرتبط بالمفعول او بمنزلة نون الوقاية في قولك خلقني فافهم و لذلك تكون عرصتُهم عرصةَ مواد العالم و هم خلق مستقل كما ان الفعل و المفعول خلقان مستقلان و ليسوا كما زعم بعضهم انهم نفس طبيعة الاشياء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 296 *»
او هم ارواح المؤمنين بعد ما انقطعت عن الدنيا.
بالجملة بين كل ذرة من المفاعيل و بين راس الفعل المتعلق بها ملك واسطة هو اقرب الخلق الي الفعل و ان لميكن باكرمهم عليه فـ الله سبحانه يتوفي الانفس حين موتها و التي لمتمت في منامها و بين توفيه و بين المتوفي ملك واسطة هو ملك الموت به يتوفي الله تلك النفس فصح انه يتوفاكم ملك الموت و قوله تتوفاهم الملائكة و هم اعوان ملك الموت و رؤسه الي المتوفَين فيظهر للمحتضَر ذلك الملكَ و له ايضا اعوان بعدد كل ذرة ذرة من جسده التي يعتريها الموت و صورة ذلك الملك علي حسب صورة النفس المتوفاة فان كانت مؤمنة تراه علي احسن صورة و اطيب ريح و اهيا هيئة و ارفق شيء به و ان كانت كافرة تراه بعكس ذلك فان كل نفس متهياة بهيئة عملها فاما تنقطع الي عليين معدن كل حسن و الملك القاطع لها علي هيئتها و اما تنقطع الي سجين معدن كل قبح و الملك القاطع لها علي هيئتها فان المتوفي بالكسر علي هيئة المتوفي و تظهر له اولياء العالم محمد و المحمد: حيث يحب او حيث يبغض فانهم متجلون في عليين و لاهله بصورة باطنهم الرحمة للابرار و في سجين و لاهله بصورة ظاهرهم النقمة علي الفجار و حيث هم الامرون لملك الموت بالتوفي و هو يدهم يامرونه بالرفق لاوليائهم اصحاب الباطن و بالتشديد علي اعدائهم اصحاب الظاهر و يتلقيهم ارواح اخوانهم من المؤمنين او الكافرين و ملائكة الرحمة الموكلون باعمالهم الحسنة و جزائها و ملائكة العذاب الموكلون باعمالهم السيئة و جزائها و قرناؤهم فان لكل نفس عرصة و قرناؤه فيها و يظهر لهم مبادي الرحمة و البشارة او مبادي العذاب و الانذار فتنجذب روحهم الي عليين و احبائهم شوقا فيكونون مع من احبوا او الي سجين و قرنائهم فرقا فان الطبع اذا خاف شيئا اوقع نفسه عليه لكثرة توجهه اليه كما توقع الدجاج نفسها الي ثعالة من الشجرة اذا خافتها عند رؤيتها فتنتقل النفس الي عرصتها فاذا سل ملك الموت اياها يذهب بها الي تحت العرش فتخر ساجدة لله سبحانه فتفقد نفسها و لاتجدها كما تري ايته حين منامك فانه اذا انسلت الروح من الجسد لاتحس اول
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 297 *»
شيء شيئا و تفقد نفسك ثم بعد ساعة تشعر بعالم المثال و كما تنامون تموتون فانها حين سيرها الي عالمها تمر بعالم الطبع و تنحل لتتخلص عن الاعراض التعلقية ثم تاتي عالمها صافية اما حال المنام فلابد و انتصفي عن ذكر العالم و توجهها الي الاعراض و اما حين الموت فلابد و انتصفي عن الاعراض الدنياوية الجسدانية و كذلك تعتري هذه الحالة اهل البرزخ اذا ماتوا منه فينحلون في الطبايع و يفقدون انفسهم اربعمائة سنة ثم يجدونها في الاخرة و كذلك فقدوا انفسهم حين نزلوا في الطبايع ثم وجدوا انفسهم في عالم المثال و فقدوا انفسهم في بسايط هذا العالم ثم وجدوها في هذا العالم و كما بداكم تعودون فاذا انسلت ارواحهم ذهبت تحت العرش و خرت ساجدة مغشية عليها ثم تفيق و تجد نفسها و تنزل بالتوجه الي اجسادها لتعلقها النفساني بها فاذا وضع في قبره اتاه رومان فتان القبور و هو ملك يذكر الانسان اعماله و يملي عليه الاعمال حتي يكتبها باصبع قدرته و مداد ريق فمه الذي عبر به عن باطنه في ظاهره علي كفن لباس صفاته فيكتب ما يملي عليه حتي لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا و يحصيها عليه ثم يلزم طائره في عنقه لاينفك عنه الي انيخرج له يوم القيمة كتاب يلقاه منشورا ثم يدخل النكير و هو ملك موكل بما انكر عليه من الحق و المنكَر و هو الملك الموكل بقبايحه التي انكرها اهل الحق او البشير الموكل بما صدق به المؤمنين من الحق و المبشَر و هو الملك الموكل بما اتي به من المحاسن التي صدقها المؤمنون و بشره الاولياء بها فيسالانه عن عقائده و يطالبانه البرهان عليها فان البرهان شرط الصدق كما قال سبحانه قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين و قال و من يدع مع الله الها اخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لايفلح الكافرون فسمي الذين لا برهان لهم علي باطلهم كافرين و علم ان الباطل لا برهان له و الحق له برهان فيسالانه عن عقائده ببرهان فان كان مؤمنا اجاب او كافرا لميُحْرِ جوابا و المسؤل في القبر هو الروح في الجسد الاصلي الذي في الجسد العرضي الذي توجه الي جسده لشدة تعلقه به ثم يذهب بالروح الي مستقره من جنة مكسيا بحلة صفراء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 298 *»
المثال او نار مسربلا بسربال من نار و يبقي جسده في القبر مستديرا ليتخلص عن شوائب الاعراض باكل ارض الطبايع اعراضه و يخد له خد الي الجنة فيفوح عليه روحها و ريحها لانه من طينة الجنان او الي النار فيدخل عليه فوحها لانه من طينة النيران ليربيه تلك الريح او الفوح و يقويه للتخليص ليلحق حيزه و يصير اخرويا شيئا بعد شيء و روحه في نعيم البرزخ او عذاب اليم و هذا في الماحضين الذين تصورت امثلتهم اي ارواحهم بالصور الشرعية و استقلت و اما المستضعفون فارواحهم غيرمتخلصة عن اجسادهم لعدم التلطيف بنار فلق الشرع فهي بعد متجسدة كالماس غير المتخلص عن الحجر و الاكسير غير المستخرج عن مادته يعني ليس لهم تعين شرعي يميزون بها عن غيرهم و يقومون بها فتبقي ارواحهم في اجسادهم في قبورهم كالمدرة لاتحس شيئا الي انتاكل الارض اعراضهم و تتخلص ارواحهم و تستقل بالعناية العامة الي يوم التخليص الاعظم فهؤلاء يلهي عنهم فلايحسون بمنكر و نكير و لايسالون و لايجيبون الي يوم القيمة فيظهر لهم التكليف و يسمعونه فيكون علي هيئة نار و تسمي بالفلق فيكلفون الدخول فيها فهناك يتصورون بالصور الشرعية العليينية او السجينية فيدخلون الجنة او النار فالماحضون بالساهرة لاينامون الي انينفخ في الصور.
فصـل: عالم البرزخ هو عالم اسفله متعلق بمحدب فلك الافلاك مرتبط به و اعلاه مرتبط بعالم النفوس الاخروية و الشبح الذي تراه في المراة من اسفل ذلك العالم و ليس هو في المراة و لا في الهواء كما زعموه بل هو اسفل عالم البرزخ المتعلق بالاجسام الا تري اتصاله و تشاكله و تجانسه بما يدرك بالحس المشترك في الشعلة الجوالة و كل ما يسرع حركته حتي ان الفرس في الجري السريع تري اطول من حالة وقوفها و ليس ذلك الا من مجانسة شبحها الذي عليها مع ما خلعته و اتصالهما و هو اي الشبح الملقي الطف من محدب العرش و هذا معني قولنا ان اسفله متعلق بمحدب العرش و الا فليس عالم المثال فوق جسم العرش كتفوقه علي الكرسي فعالم المثال في غيب هذا العالم سماؤه في سمائه و ارضه في ارضه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 299 *»
فسماواته دائرة و ارضوه حائرة له شمس و قمر و طلوع و غروب و نهار و ليل مثل هذا العالم بعينه و هو ما تراه في منامك من هذه الاحوال حرفا بحرف و ليس هو محضر جميع الاشباح فانه صفة الاخرة فيمر عليهم الاوقات و يظهر لهم فعلية بعد اخري و لهم قوة و استعداد لمكان المادة الا انه اي ذلك العالم الطف من هذا العالم سبعين مرة و اهله اسرع حركة و اهله مركبون من تسع قبضات من سماواته منها قلبهم و صدرهم و عاقلتهم و عالمتهم و واهمتهم و مادتهم و خيالهم و فكرهم و روحهم و قبضة من ارضه منها جسدهم و المراد بالقلب العقل و الصدر النفس و الواهمة قوة باطن طبعهم و المتخيلة قوة ظاهره و العالمة و المتفكرة قوة باطن نفسهم و ظاهرها و العاقلة و الروح قوة باطن عقلهم و ظاهره و ما لهم من الفلك الرابع مادتهم فاذا نزع الروح من الجسد في الدنيا نزع الروح من الجسد في البرزخ ايضا و في الاخرة فكما يبقي الجسد هنا في الطبايع و يلحق الروح بالافلاك كذلك يبقي الجسد في البرزخ في الطبايع العنصرية البرزخية و يلحق الروح اي المثال بالافلاك و ذلك ان المثال غيب الحيوانية الدنياوية و في غيبه النفس الاخروية و الجسد البرزخي غيب الجسد الدنياوي و في غيبه الجسد الاخروي فان كان روحه من السعداء كان في الجنة و هي لها ارض و سماء ارضها ارض طيبة في غيب وادي السلام و كربلاء و كل ارض طيبة و سماؤها غيب هذه السماوات و مظهرها في هذه الدنيا ايضا المغرب الذي هو جهة خمود حر الشمس الذي هو من نار جهنم و ان كان من الاشقياء كان في النار و هي لها ارض و سماء ارضها ارض خبيثة في غيب برهوت و حضرموت و عيون بقر و كل ارض خبيثة و عين حَمِئة و سماؤها غيب هذه السماوات من اطباق الارضين و مظهرها في هذه الدنيا ايضا المشرق الذي هو مطلع حر الشمس الذي هو من نار جهنم و لذا يعذبون في عين الشمس و بحرها فهم جميعا في هذه الحال حتي ينفخ في الصور و تفاصيل احوالهم مذكورة في كتب الاخبار فمن شاء راجعها و تركناها خوف التطويل.
فصـل: اذا انتهي اجل اهل البرزخ و اجل اهل الدنيا و صعد محمد و المحمد
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 300 *»
:الي السماء و بقوا في الهرج و المرج ياذن الجبار في اهلاك الخلق من كل ذيروح فينزل اسرافيل و هو الملك الموكل بخزن الارواح الواسطة بين امر الله سبحانه و بين ذوي الارواح الذي هو ظهور الامر بذلك و الحجاب بينه و بين الارواح و في فمه الصور و هو قرن من نور اصفر مخروطي علي هيئة ثمرة الصنوبر بكبر السماء و الارض له راس و طرفان بين طرفيه بقدر ما بين السماء و الارض و شكله كما في الهامش له ثقبتان من طرفيه و تنتهيان الي راسه في ثقبة واحدة ثقبة منه تلي السماء و ثقبة منه تلي الارض ولكن ثقبته التي تلي الارض فيها منافذ بعدد كل روح في الارض و ثقبته التي تلي السماء فيها منافذ بعدد كل روح في السماء و في كل منفذ ستة مخازن فينزل اسرافيل بحظيرة بيتالمقدس التي هي صدر الارض و يستقبل الكعبة التي هي قلب الارض و روي ينفخ في الصور في مسجد السهلة و اليه المحشر و يحشر من جانبه سبعون الفا يدخلون الجنة و لاتنافي لان الكوفان باطن بيتالمقدس كما ان كربلا باطن الكعبة فينفخ فيه نفخة الجذب فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الارض فلايبقي في الارض ذوروح الا صَعِق و مات فيبقي الامثلة في المخزن الاول و يخرج عنها المواد و تبقي في المخزن الثاني و يخرج عنها الطبايع فتبقي في المخزن الثالث و يخرج عنها النفوس فتبقي في المخزن الرابع و يخرج عنها الارواح الملكوتية و تبقي في المخزن الخامس و يخرج عنها العقول و تبقي في المخزن السادس ثم يخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماوات فلايبقي في السماوات ذوروح الا صعق و مات و دخل ارواحهم في ثقبها و تفرقت مراتبهم كما مر و لما كان حيوة كل مرتبة دنيا و حفظها بحفظ وحدانية الرتبة العليا لما نزعت العليا عن الدنيا فسد كونها و تفرق اجزاؤها لفساد حرارتها الغريزية التي هي حافظة تركيبها كما تري من فساد البدن و تفرق اجزائه عند خروج الروح و خمود حرارتها فتتفرق جميع المتصلات و تتفكك
* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 301 *»
التراكيب و تنحل في الطبيعة المطلقة العامة فان للمكونات في عالم المثال كل هذه المراتب المذكورة علي حسب عالم المثال و كل مرتبة اخروية في غيب ما يشاكله في البرزخية فالعقل الاخروي في العقل البرزخي و روحه في روحه و نفسه في نفسه و طبعه في طبعه و مادته في مادته و مثاله في مثاله و جسده في جسده فلما اضمحلت المراتب البرزخية اضمحلت المراتب الاخروية الممازجة لها لا كممازجة مصاقع لمصاقع و انما تحل تلك المراتب لتتخلص عنها المراتب الاخروية فانه لاتخليص الا بالحل فاذا اضمحل المثال اي المراتب البرزخية و تفكك رجع الي الطبيعة فان تحصص المواد في الامثلة فاذا تفككت عادت الي الطبيعة غيرالمتحصصة المطلقة العامة كما ان للانسان جميع هذه المراتب علي حسب مقتضي الدنيا فاذا تفكك اجزاؤه عادت الي الطبايع و امتزجت النيران و الاهوية و المياه و الاتربة و الارواح الفلكية و عادت الي الاطلاق فاذا تفككت المراتب البرزخية عادت الي اطلاق عالم البرزخ و هو الطبيعة و يرجع الي جوهره كل ما في عنصر من الاعراض و كل ما في فلك فلايبقي حاس و لا محسوس و هو معني فناء الاشياء و ليس فناؤها الي العدم المحض البات كما زعم من لميفهم ما يقول و لا ما يقال له اما والله مافهموا فهما و لا سلموا تسليما الا قليل منهم و لو فهمت ما ذكرت لك من الامر المتقن و النظم المحكم لعرفت اختلاف كلماتهم و انتشار اهوائهم و عود الاشياء الي الاطلاق هو معني الرواية تموت الخلائق كلهم عن اخرهم و اسرافيل لايقطع صيحته حتي تغور عيون الارض و انهارها و بناؤها و اشجارها و جبالها و بحارها و يدخل الكل بعضهم في البعض في بطن الارض الي ان قال و تنقطع السلاسل التي فيها قناديل النجوم فتستوي بالارض من شدة الزلزلة و تموت ملائكة السموات السبع و الحجب و السرادقات و الصافون و المسبحون و حملة العرش و الكرسي و اهل سرادقات المجد و الكروبيون الخبر بالجملة العود علي نهج البدء و من لميعرف البدء لايعرف العود كما بداكم تعودون و لقد علمتم النشاة الاولي فلولا تذكرون و قد علم اولوا الالباب
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 302 *»
ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا فاذا عادت الاشياء الي الاطلاق البرزخي فنيت بموادها و صورها و يعود العرش علي ماء الاطلاق كما كان اول مرة و هو معني ما في الدعاء يا ذا الذي كان قبل كل شيء ثم خلق كل شيء ثم يبقي و يفني كل شيء و قول اميرالمؤمنين7في خطبة هو المفني لها بعد وجودها حتي يصير موجودها كمفقودها و ليس فناء الدنيا بعد ابتداعها باعجب من انشائها و اختراعها الي ان قال و انه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلاوقت و لا مكان و لا حين و لا زمان عدمت عند ذلك الاجال و الاوقات و زالت السنون و الساعات فلا شيء الا الواحد القهار الذي اليه مصير جميع الامور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها و بغير امتناع منها كان فناؤها الي ان قال ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه اليها و لا استعانة بشيء منها عليها الخطبة و معني الفناء رجوعها الي الاطلاق.
و ان قلت مقتضي كلام الامير7 فناء كل شيء فكيف يبقي الاطلاق قلت ان الاطلاق اذا انقطع نسبته مع المكونات لفنائها لميبق الا نور منير و قدرة قدير كمال مولاك القديم جلشانه و ليس فناء الخلق بموجب لفناء كماله سبحانه و عظمته و جلاله و اسمائه و صفاته المتسمع قوله سبحانه كل من عليها فان و يبقي وجه ربك ذوالجلال و الاكرام فلا فناء لوجهه سبحانه الذي هو كماله و قدرته و هو ملك العزة و القدرة و لذلك يقول بصوت جهوري بعد ما افني الاشياء لمن الملك اليوم فيجيب نفسه لله الواحد القهار فملك الكمال و القدرة باق بعد فناء الاشياء لا فناء له لخلوه عن اسباب الفناء التي هي الاعراض فاذا امات الله سبحانه الاشياء يبقي اسرافيل فيميته سبحانه بنفسه و في رواية اخِر من يموت عزرائيل فلايبقي حي غير وجهه الحي بذاته و ليس معني فناءها عودها الي الذات القديمة كما زعمه قوم فانها لمتخلق من اصول ازلية حتي تعود اليها و انما خلقها لا من
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 303 *»
شيء و مذهب المحمد: و الكتاب و السنة تشهد بذلك و انما هو مبني علي القول بوحدة الوجود المجمع علي كفر قائلها فانه يستلزم تغير الذات و تركيبها كما حققناه في محله بل اخترع الاشياء لا من شيء و تعود كما بدئت فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.
بالجملة اذا مات كل ذيروح يامر الله سبحانه السموات فتمور و يامر الجبال فتسير و هو قوله يوم تمور السماء مورا و تطوي و طيها فناؤها كما عن تفسير القمي و تسير الجبال سيرا و هو فناء اعراضها و عودها الي جواهرها فتبسط الارض و تبدل الارض غير الارض يعني بارض لميكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال و لا نبات كما دحاها اول مرة مستقلا بعظمته و قدرته ثم ينادي الجبار جل جلاله بصوت له جهوري يسمع اقطار السماوات و الارضين لمن الملك اليوم فلايجيبه مجيب فعند ذلك يقول الجبار عزوجل مجيبا لنفسه لله الواحد القهار.
و الذي يفهم من الاخبار ان المحمد: لايصعقون و هم المستثنون في قوله تعالي و نفخ في الصور فصعق من في السموات و الارض الا من شاء الله فهناك احد لايصعق البتة و روي ان النبي9 سال جبرئيل عن هولاء فقال هم الشهداء متقلدون اسيافهم حول العرش و لا شك انهم المحمد: فانهم الشهداء و هم وجه الله الذي لايهلك و دينه الذي يبقي كما روي في تفسير وجه ربك دين ربك و روي انما يهلك من ليس منه الا تري انه قال كل من عليها فان و يبقي وجه ربك، ففصل خلقه و وجهه و روي ان الوجه الذي لايهلك من اطاع الله بما امر به من طاعة محمد و روي انه من اخذ طريق الحق بالجملة المحمد: هم الذين لايصعقون بلا شك و لا احد اقرب الي الله منهم حتي يخص بالاستثناء و هم نور الله و كمال الله و وجه الله و جلال الله و اكرام الله و لما كانوا: السنة الله في الاداء عنه و الذات
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 304 *»
لاتباشر كلاما فهم المنادون و هم المجيبون فتثبت ثبتك الله بالقول الثابت و الذي نص به رواية ان جبرئيل و ميكائيل و ملك الموت لايموتون بالنفخة و في رواية الباقي بعد النفخة اسرافيل ولكن كلهم يموتون و لا شك انهم المؤدون عنهم جهات ما وكلوا به و هم: مقدمون عليهم و اولي بان لايصعقوا.
بالجملة لايبقي الا الله سبحانه و وجهه المستثني و ما يفهم من بعض الاخبار ان السماوات و الارض تبقيان و النداء ينفذ في اقطارهما فهما المبدلتان فان فيهما اعراضا برزخية لابد و انتمور و تنشق سماواتها و تستوي ارضها و تصفي فالسموات العرضية تطوي و الارض العرضية تنقي و تسوي لامحالة و ذلك لايكون الا بالعود الي الاطلاق فانه لاتنقية الا بالحل و لا حل الا بالعود الي محل الطبيعة و الانحلال فيها و هو الحل الطبيعي الحقيقي ثم يخرج عنها الجوهر بحرارة جاذبة نداء اقبل الدائمة الناشئة من حرارة نار مشيته سبحانه و تمتد مدة التخليص اربعمائة سنة فان الاشياء قداديرت من بدء كينونتها الي منتهي كمالها اربع دورات ثلثا لاستكمال القابل و واحدة لاستكمال المقبول و كل دورة قد ركبت من عشر قبضات علي حسب دورتها و في كل قبضة نسبة الي قبضة اخري من باب ان كل شيء فيه معني كل شيء فذلك اربعمائة مقام لكل مكون لابد و انيتخلص كلها حتي تليق بتركيب الخلود و يتخلص كل مقام في سنة يدور شمس المشية المتعلقة به في بروجه الاثنيعشر التي هي حدوده الشهادية و الغيبية و تمكث في كل برج ثلثين يوما لتربي كيانه الثلثة المركب كل كون منها من عشر مراتب و لكل مرتبة مادة هي نهارها و صورة هي ليلها فتمتد المدة اربعمائة سنة حتي يترقي الجوهر الاخروي من مائة الف و اربعة و اربعين الف مرتبة عرضية برزخية([12]) فهنالك تصفي الجواهر عن شوائب الاكدار نقية عن الغبار صالحة للدوام و الخلود كما ياتي ان شاء الله فاذا ترقوا في هذه المدة و اشفوا علي الدخول في رتبة المحشر تصفي السموات و الارضون اول شيء بحيث يليق بعرصة المحشر كما خلقتا اول
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 305 *»
مرة قبل جميع ما تولد بينهما ثم يمطر الله سبحانه من صلب الاب الاعظم الذي هو السماء مطرا غليظا له رايحة كرايحة المني و هو من السماء السابعة التي هي فلك الشمس من بحر يقال له حيوان و هو بحر صاد كما روي و اصله من ركن من اركان العرش و هو الايمن المقدم و قدتوضا منه النبي9 ليلة المعراج اذ تجاوز المقامات المذكورة و وصل اليه فصلي لربه بعد ما صلي ربه و قال سبوح قدوس انا رب الملائكة و الروح و ساير الناس يصلون اليه عند النفخة الثانية فينزل ذلك الماء اربعين عاما لاحياء القوابل و المقبولات فيشق ذلك الماء الارض شقا و هو الفتق الكوني الثاني بعد الرتق الاطلاقي الثاني كما صنع اول مرة فيدخل ذلك الماء رحم الارض فيصل الي العظام البالية النخرة فتنبت بذلك الماء كما ينبت الزرع بالمطر و هو قوله يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته الي قوله كذلك نخرج الموتي و هو قوله و الله انبتكم من الارض نباتا فيَرجع عضو كل احد الي مكانه فتلتئم الاجساد بقدرة الله و تبقي بلا ارواح كماكانت اول مرة ثم ينفخ الجبار من روحه في اسرافيل فيحيي فيقوم حيا و يلتقم الصور و الصور قرن من نور فيه ثقبٌ علي عدد ارواح العباد كما عرفت فتجتمع الارواح ايضا في الصور و يامر الجبار اسرافيل انيقوم علي صخرة بيتالمقدس و الصخرة اقرب ما في الارض الي السماء لانها عرش الله الاسفل قداستوي عليها النبي9 و صعد منها الي السماء و عندها يحشر الناس فيحشر اهل الجنة عن يمين الصخرة و يحشر اهل جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارض السابعة و فيها الفلق و سجين و لذا روي ان النبي قال لبني النضير اخرجوا قالوا الي اين قال الي ارض المحشر اي الشام و ذلك ان الصخرة نفس الارض و مكة عقلها فيقوم اسرافيل علي الصخرة و وجهه الي الكعبة فينفخ في الصور نفخة الدفع و ينادي فيه للاجساد بالاحياء و هو قوله و استمع يوم يناد المناد من مكان قريب فتخرج الارواح من ثقب الصور فتنتشر بين السماء و الارض كانها النحل كل روح من ثقبة فارواح المؤمنين نيرة بنور الايمان و ارواح الكافرين مظلمة بظلمة الكفر فتدخل في اجسادها و تدب
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 306 *»
فيها كما يدب السم في الملسوع ثم تنشق الارض من قبل رؤسهم و يتولدون من بطن الارض الي فضاء القيمة و هو قوله و القت ما فيها و تخلت فعند ذلك تتركب الارواح النقية الثابتة مع الاجساد الخالصة تركب خلود لا تفكك لهما ابدا فيحيي اولا اهل السماء ثم اهل الارض بعكس نفخة الصعق كما تري ان الشمس اذا غربت يقبض نورها اول عن اسفل الجدار ثم عن اعلاه فاذا طلعت يشرق بنورها اول اعلاه ثم اسفله فافهم المثل و لايخرج الروح من الصور الا بعد انينزل نور الله في العقل الميت الملقي في الخزانة السادسة فينزل حيا الي الروح في الخزانة الخامسة فيحيي ثم ينزل الي النفس في الخزانة الرابعة فتحيي ثم تنزل الي الطبع الملكوتي في الخزانة الثالثة فيحيي ثم ينزل الي المادة الملكوتية في الخزانة الثانية فتحيي ثم تنزل الي المثال في الخزانة الاولي فيحيي ثم ينزل الي اجواف القبور في الارض فتحيي الاجساد باذن الله هذا في الصدور و يبدو المثال اول في الجسد ظهورا ثم المادة ثم الطبع ثم النفس ثم الروح ثم العقل ثم نور الله عزوجل كما بداكم تعودون ماتري في خلق الرحمن من تفاوت ولكن يخرج من القبر اذا حيي بالمثال اي الروح الحيواني فاذا خرج يظهر فيه النفس الناطقة المتسمع انهم حين خرجوا من قبورهم يقفون علي قبورهم و قدطاش البابهم و الا تري في هذه الدنيا تعلق الناطقة بعد التولد و لقدعلمتم النشاة الاولي فلولا تذكرون فافهم.
فهذه جملة وافية في احوال عالم البرزخ و قداشرنا الي رموزه لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فافهم راشدا موفقا و الحمد لله اولا و اخرا.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 307 *»
الموقف الثالث
في كليات مسايل المحشر و فيه فصول
فصـل: قدعرفت مما تقدم ان عرصة المحشر هي عرصة عالم الذر بعينها الا انها حين النزول تسمي بعرصة عالم الذر و حين الصعود تسمي بعرصة المحشر و هي هذه الدار بسماواتها و ارضها الا انها تصفي عن الاعراض و تنقي عن الاكدار فيكون ترابها ترابا ذاتيا و ماؤها و هواؤها و نارها ماء و هواء و نارا ذاتية جوهرية لاعرضية فان هذه العناصر الدنياوية تعيناتها تعينات عرضية و لذلك تري ان كل واحد يستحيل الي كل واحد و يستخرج من كمونه الي ظهوره صفة كل واحد فيصير التراب ماء و الماء هواء و الهواء نارا و هكذا فالتراب تراب بالعرض و الماء ماء بالعرض لا بالذات و الا فماكان يستحيل الذاتي و اما في الاخرة فالتراب تراب بالذات لايستحيل الي الماء و كذلك غيره كما ان البرودة لاتكون حرارة ابدا و الرطوبة لاتكون يبوسة ابدا و كذلك العكس و جهة الشيء الي ربه لاتكون جهته الي نفسه و لا العكس و ذلك ان دار الاخرة هي دار الفعلية و الذاتية و ليس فيها قوة و استعداد عرضي و ان كان فيها قوة و استعداد طولي فكل ما يكون لشيء يكون حاصلا له بالفعل فكل ما للتراب مثلا حاصل له بالفعل و هو الترابية و البرد و اليبس و ليس فيه صلوح التحول الي غيره الا انيعدم و ينتقل الي الامكان البحت ثم يصور ذلك الامكان بغيره و كل ما قدم عرصة الوجود لايفني و لايرجع الي الامكان فكل شيء في عرصة الاخرة هو هو لايتحول الي غيره فهنالك لايجوز تحول عنصر الي عنصر اخر و لا العناصر الي الفلكية و لا العكس فهنالك لا تمانع و لا تصادم و لا ظلم و لا قسر و كل شيء هو هو قائم بموثره في جميع ما له و هو به هو فكل شيء هناك راجع الي ذاتيته و جوهريته و لايفعل شيء في شيء و لاينفعل شيء من شيء الا انيكون احدهما عاليا موثرا و الاخر سافلا و اثرا و ليس مركبات ذلك العالم مركبة من اشياء مستقلة متقدمة عليها كتركب مركبات هذا العالم من عناصر مستقلة قبل التركيب فان هذا التركيب عرضي قدعرض الشيئين
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 308 *»
بل هنالك كل شيء مركب من اجزاء كل جزء منها من تمام ذلك الشيء لايقوم بعضها الا ببعض فكذلك كلية الاخرة جميع ما فيها من سماء و ارض يقوم بعضها ببعض لا استقلال لجزء منها بدون جزء اخر و لايستحيل الي شيء اخر و ساير الاشخاص الجزئية الذين خلقوا من حصص ذلك العالم ايضا يقوم بعض اجزائهم ببعض بحيث لا قوام لجزء منهم بدون جزء اخر و تمايزهم باعمالهم و عقايدهم و صفاتهم كما ياتي ان شاءالله و كل شخص منهم شخص واحدي ذاتي ملتئم من اجزاء ذاتية كل جزء منها تمام الاخر و شرط وجود الاخر لا قوام له الا به.
فصـل: لعلك عرفت مما تقدم ان الله سبحانه اول ما خلق خلق العقل الكلي بنفسه و هو حقيقة الحقايق و ذات الذوات فامره بالادبار اي بالتجلي فتجلي بالنفس الكلية الالهية اولا فاحتجب بها عنها فمثاله المحتجب و هي حجابه فكان في عالمه عقلا بالفعل و في عالمها بالقوة يخرج عنها منه شيء بعد شيء علي حسب سيرها الي مبدئها عند الاقبال ثم تجلي بالنفس الكلية بالطبع الكلي فاحتجب ما خرج منه منها فيه فمثاله النافذ منها الواصل الي الطبع هو المحتجب و هو حجابه فهو في عالم النفس بالفعل بالنفسانية و في الطبع الكلي بالقوة المحضة ففيه العقل و النفس كلاهما بالقوة لا تعين لاحدهما فيه ثم تجلي بالنفس بالطبع الكلي بالمادة الكلية و القي في هويتها مثاله فهو اي ذلك المثال المحتجب و هي حجابه ثم تجلي بها اي بتلك المادة التي هي الذات الظاهرة للمثال به فصارت بما فيها فيه بالقوة و كانت في عالمها بالفعل بالمادية ثم تجلي بتلك الوسايط به بالجسم فصارت الفعليات المتقدمة فيه بالقوة كلها فيه متشاكلة لا تعين لشيء منها و هو غاية الادبار و لما كان الجسم المطلق دهريا متحصلا لجميع مظاهره خرج عنه الي الفعلية جميع ما كان فيه بالقوة عرضا و ان كان طولا لا نهاية لترقياته فيكون قدخرج فيه الي حد الامضاء و التعيين جميع ما كان فيه في حد المشية و الابهام الاطلاقي ثم يتدرج في الظهور في عالم الزمان العرضي تلك الفعليات شيئا من بعد شيء لانها قداحتجبت في الاطلاقات الزمانية التي هي السماوات و الارض فهي المحتجبة و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 309 *»
تلك حجبها فهي فيها بالقوة و الابهام و تخرج الي الفعلية الزمانية شيئا بعد شيء و هيهنا غاية ادبار العقل ثم يدعي بالاقبال الي الله المتعال فيترقي شيئا بعد شيء الي انيصل عودا الي عالم البرزخ الذي هو عالم المثال نزولا فيلقي عن نفسه الاعراض اللازمة لهذه الرتبة المبتداة منها و عود كل شيء الي بدئه فيصعد الي عالم البرزخ ما نزل منه حين النزول و هو المثال و الجسد الهورقلياوي فان المثال هو حقيقة هذه الافلاك و الجسد الهورقلياوي هو حقيقة هذه العناصر و قدكانا نزلا الي هذا العالم بظلهما و نورهما فلما انكسر المراة ارتفع تعلق ذلك النور عنها مكتسبا عن المراة ما اكتسب من الصبغ و الشكل مستحيلا الي صفتها و ذلك النور هو عملهما اللازم لهما و كل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا فالجسد الهورقلياوي ملتزم بافعاله متهيئ بهيئتها في قبره يدخل عليه بها ريح من الجنة او فيح من النار و المثال متهيئ بهيئة افعاله ملتزم بها منعم بنعيم جنة في المغرب جهة البرد و الكرامة و الظل الممدود و الماء المسكوب او معذب بعذاب النار في المشرق جهة الحر و اليبس لا بارد و لا كريم و هم علي هذه الحالة الي انينفخ في الصور فينكسر مراة المثال عنه و يبطل تعين المادة و خصوصيات المثال و يعود الي الطبيعة الكلية المتشاكلة الاجزاء و هو قوله تمور السماء مورا اي سماوات المثال و تسير الجبال سيرا اي جبلات هورقليا و يعود العرش علي الماء المسجور اي الطبع و هو قوله اذا البحار سجرت و يبقي ما يبقي و لا حاس و لا محسوس و لا عاقل و لا معقول و لا عالم و لا معلوم هنالك الولاية لله الحق و هو قوله يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب و طيها فناؤها كما عن تفسير القمي فيبقي الامر كذلك الي انيصعد الملك بنداء اقبل درجة اخري و يرفع النفس الكلية توجهها عن الطبع ايضا كما رفع المثال توجهه عن البدن بعد انحلاله في طبايع هذا العالم عند الموت و عند النوم الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لمتمت في منامها فعن النبي9يابني عبدالمطلب ان الرايد
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 310 *»
لايكذب اهله والذي بعثني بالحق لتموتن كما تنامون و لتبعثن كما تستيقظون و ما بعد الموت دار الا جنة او نار فاذا مات اهل البرزخ و دفنوا في الطبع رفع النفس توجهها عن الطبع لتحلل الالات فاذا صعد العالم و القي اعراض البرزخ في محالها وصلوا الي عالم النفس المتعينة بالتعين الجوهري مكتسبة صورا مماكانت متوجهة اليها متعلقة بها لا تعين لها غير ذلك و لا صورة لها من غير ذلك الطريق و لذلك لمتمض و لمتتشخص الا بعد ايمانها او كفرها و اعمالها و اكتساباتها في هذه الدنيا و ماتجزون الا ما كنتم تعملون سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم فهنالك تتخلص النفوس المكتسبة للتعينات و كانت حال النزول لا تعين لها بوجه من الوجوه و كانت مطلقة فتعينها من نزولها و اكتسابها كونيتها و شرعيتها فكما ان النفس تكتسب تعين السعادة و الشقاوة من الايمان في الدنيا و الكفر فيها كذلك تكتسب الزيدية و العمروية من التعينات الكونية الدنياوية و قداخطا من زعم ان تعينات النفس منها من عالمها لا من الاسفل و الدنيا الاتري ان الاكمه لايفهم معني الحمرة و الاصم بالولادة لايدرك معني الصوت و لاتقدر نفسه علي انشاء معني الحمرة و الصوت في عالمها و كذلك لاتقدر علي انشاء صورة الايمان و الكفر و الاعمال لها من دون ما تكتسب من هيهنا و لو كان ذلك جايزا لاكتسب المتصورون صلوات و صيامات و زكوات كثيرة و ليس للانسان الا ما سعي و ماتجزون الا ما كنتم تعملون فافهم ان كنت تفهم و قدجري ذكر ذلك استطرادا بالمناسبة.
بالجملة النفوس قداكتسبت تعينات و صارت متعينة في ذاتها مستحيلة بمادتها الي طبع صورها الا انها كانت في المواد السافلة ممازجة لها و قداكتسبت ما اكتسبت و هي ممازجة كونا و ان كانت مفارقة توجها و علما الاتري انه ماكان لنفس انتموت الا باذن الله فامر الله العالم بالاقبال لانتتخلص النفوس كونا كما تخلصت علما و توجها الاتري انك حي حين منامك مع ان روحك متوجه الي عالم المثال و لماينقطع عن البدن لممازجته به و تعلقه فاذا مت انقطع بالكلية و ذهب
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 311 *»
متجردا عنه الي عالمه فكذلك تكون النفس الاخروية متعلقة بالمثال البرزخي الي انيموت و يتحلل الاته فعند ذلك تفارق النفس كونا عنها كما كانت مفارقة علما و توجها حين حيوتها في البرزخ و مدة بين النفختين مدة الانقطاع و هو كبطلان الشعور بين اليقظة و النوم فاذا تخلص النفس عن الاعراض البرزخية فتحت عينها في عرصة القيمة و رات مجمع النفوس و تلك النفس لها جسد كان في الجسد الهورقلياوي و روح كان في المثال البرزخي كما كان الجسد الهورقلياوي في الجسد العنصري و المثال في الروح الفلكي اي البخاري القلبي و الدماغي فيتخلص يوم القيمة جسدها اولا عن شوب الاعراض لانها في الصعود فاذا تخلص التام اجزاؤه علي صورة كان قداكتسبها في البدن الدنياوي و قد مر كيفية التيامه انه يمطر من تحت العرش من بحر الصاد الذي هو بحر الحيوان ماء بغلظة المني و رايحته فيكون وجه الارض بحرا واحدا فيموج ذلك الماء و يؤلف اجزاء كل جسد و ذلك ان اول ما يتخلص من العالم كلياته من عرشه و كرسيه و افلاكه و عناصره فتبدل الارض غير الارض و السماوات لان الكليات اسرع تخلصا من الاعراض من الجزئيات لقلة اعراضها فاذا عمرت دار الاخرة و حصلت الكليات امطر الله من تحت العرش من بحر الحيوة فان العرش هو اية العقل و الروح تحته فامطر من ذلك البحر مطرا علي وجه الارض بعد نزوله الي الكرسي الي فلك الشمس الي فلك القمر الي السحاب الناشئ من لطائف تلك الارض و هبائها و رطوباتها فامطر ذلك المطر علي وجه الارض فتحقق مواد الاجساد فانها ماء و به احيي الله سبحانه الارض و تصور ذلك الماء بصورة تعينات الاجساد المدفونة في التراب و هو قوله سبحانه انزلنا من السماء ماء مباركا فانبتنا به جنات و حب الحصيد و النخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد و احيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج و قال الله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الي بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور و قال هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 312 *»
نخرج الموتي لعلكم تذكرون و قوله و الله انبتكم من الارض نباتا فاذا نزل ذلك الماء الي الارض صار مادة لاشجار الابدان و تعين و تصور بالصور المكتسبة من الدنيا و النزول فصارت الابدان مؤتلفة ملتئمة علي هيئتها في الدنيا بلا تفاوت فاذا تم الابدان خرج الروح من الصور و دخل جوف القبور و هو الروح الحيوانية الفلكية فحييت فانشقت القبور من قبل راسها مما يلي السماء فخرجوا مدهوشين و تعلق بهم الناطقة القدسية الانسانية الكرسية ثم الروح الملكوتي ثم العقل العرشي فاذا نظر الي نفسه لاينكر من نفسه شيئا و تلك العرصة مقابلة لعالم الذر او هي عرصة عالم الذر و انما تسمي بالذر في قوس النزول و تسمي بالقيمة حال الصعود و قولنا ان هذه العرصة فوق عالم الطبايع و هي عرصة النفوس ليس معناه ان المعاد هو النفس لا جسد لها و المعاد نفساني روحاني لا جسداني بل مرادنا منه ان الانسان بمراتبه من فؤاده الي جسده بالنسبة الي الاجسام العرضية العنصرية و الامثلة و المواد و الطبايع البرزخية العرضية صورة مجردة عن تلك الاعراض و هي في هذه الاعراض بمنزلة النفس في الجسد لا ان المعاد نفس الانسان دون جسده نعوذ بالله و هو الكفر الصراح و خلاف ماجاء به الكتاب و السنة و اجمع عليه المسلمون بالضرورة التي اضطروا عليها و علي الاقرار و الديانة بها فالنفس الناطقة التي هي الانسان المعاد له فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسد فافهم ان كنت تفهم ان شاء الله.
فصـل: ان يوم القيمة يوم الجمع يعني يجتمع فيه جميع النفوس من ادم الي يوم القيمة و يجتمع فيه جميع الاعمال و الاقوال و الصفات و العقايد و الاشباح و اشباح الاشباح الي ما لا نهاية له و جميع القرانات و النسب و الروابط و الاوضاع و الاجال و الكتب و الامكنة و الاوقات بايامها و لياليها و اسابيعها و شهورها و سنيها و جميع ما دخل عرصة الايجاد فكلها تجتمع يوم القيمة في محضر واحد فذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود و هو يوم الجمع لا ريب فيه و يحضر الجنة و النار و الصراط و الميزان و الحوض و الصحايف و جميع ما اخبر
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 313 *»
عنه في الكتاب و السنة و تفصيل هذه الجملة ان جميع هذه المذكورات فعليات كانت مستجنة في المادة الزمانية و كانت فيها بالقوة و انما اخرجتها يد التدبير بكمال التقدير من الكمون الي البروز شيئا بعد شيء و تلك الفعليات كانت حبة مقدمة نزولا علي تلك المادة و قد زرعت في ارض المادة و انحلت و ذابت فيها ثم تعينت و تقدرت و تركبت و امضيت بتقدير العزيز العليم كما تشاهد في حبة بالفعل تزرعها في ارض فتنحل في الارض و تتلاشي و تصير بالقوة ثم تدبرها يد التقدير بادارة الافلاك عليها و ادارة الشمس و القمر حتي تخرج عودا و ورقا ثم سنبلا ثم حبا فتصير ثانيا بالفعل متكثرة متفصلة علي حسب القوابل و كذلك هذه الحبات الفعلية المتكثرة في الدنيا كانت اولا قبل المواد حبة فعلية فنزلت الي ارض المواد فانحلت و ذابت فيها حتي لميبق لها تعين ثم خرجت بالتدبير الي الفعلية المتكثرة علي حسب القوابل فساوقت تلك الفعليات الفعلية الاولي.
ولكن هنا تحقيق دقيق و هو ان الفعلية المزروعة كانت فعلية اطلاقية مبهمة ولذا عبرنا عنها بالحبة الواحدة فزرعت تلك الفعلية الاطلاقية في ارض المادة فصارت مادة مطلقة مبهمة ثم لما دعا المدبر بالسنة الافلاك الكونية و الشرعية تلك المادة الي الاقبال اختلفت اجزاؤها في الاجابة و السير الي المبدا فاختلفت تلك الفعلية الكامنة فيها علي حسب اختلاف اجابتها لانها انصبغت بصبغها و تصورت علي حسبها فبدت فعليات مختلفة و عرصتها هي عرصة تلك الفعلية المبهمة الاولي الا انها نزولا كانت مبهمة و صعودا كانت متعينة متكثرة فهي مع تكثرها فوق عالم المادة لان الفعل فوق القوة و اشبه منها بالمبدا و لذلك تصل اليها بالصعود فتلك الفعليات المتكثرة هي عرصة الامضاء و عرصة القيمة لكن هنا شيء يجب التنبيه عليه و هو ان الفعليات المشاراليها هل هي اشباح المادة الصادرة عنها علي حسبها او هي فعليات مكتسبة عنها متصلة بالحقيقة المتقدمة عليها بل هي الثانية اذ اشباح المادة اثارها و افعالها الصادرة عنها لاتصل اليها فضلا انتتقدم عليها ولكن تلحق الحقيقة الكامنة فيها من تلك الاعمال اثار و اصباغ و صفات هي المرادة من الفعليات المتقدمة علي المادة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 314 *»
و ذلك انه قدتحقق عندنا و عند الفلاسفة ان للارواح انصباغات في بطون الاجساد و استحالات مناسبة لها و ان كانت حاصلة لها من جهة الاجساد مثال ذلك ان روح الكلب روح كافر نجس لانه انصبغ في بطن صورة الكلب و تعين بها و تخصص فاذا استحال ملحا صار روحه روحا طيبا مؤمنالانه يلحقه من الصورة تعين و خصوصية كما قال الفقهاء ان الكلب لو نزا علي شاة و ولدت بصورة الكلب ولده نجس رجس حرام و ان ولدت بصورة الشاة هو طاهر حلال و لا شك ان الحكم يلحق مادتهما و صورتهما و كذلك الكافر كافر بروحه و جسده و ان مات و هو كافر يدخل النار بمادته و صورته و روحه و جسده فان امن ذلك الكافر يدخل الجنة بروحه و جسده و قبل عرض التكليف عليه لميكن روحه كافرا و لا مؤمنا فللارواح تعينات و انصباغات روحانية في بطون الاجساد فالفعليات الجسدية تابعة للجسد راجعة اليه و ليست هي بنفسها راجعة الي الروح و لاتتجاوز مبداها بل تلحق الروح انصباغات روحانية و فعليات روحانية في عرصته و هي باقية له سواء تفكك الجسد او بقي و هي الوصف المشاراليه في الاية سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم و العمل المشاراليه في الاخري و ماتجزون الا ماكنتم تعملون فالمصلي مثلا في هذه الدنيا يصلي بجسده قائما و راكعا و ساجدا علي مقتضي حكم الجسد و هي اي صلوته شبح منفصل عن جسده و فعل له علي حسب كثافته و غلظته يعرف به انه مصل و يلحق نفسه من هذه الصلوة انصباغ و صورة علي حسب نفسه من اللطافة و التجرد من قيامه و ركوعه و سجوده فتصير قائمة بتلك الصورة و راكعة و ساجدة بتلك الصورة اللطيفة المناسبة لها و هي صورتها تعرف بها في عالم النفوس انها مصلية و تلك الصورة كانت كامنة فيها و هي صالحة لها و لغيرها قبل انتعمل بجسدها ذلك العمل و جسدها ايضاكان صالحا لذلك العمل و لغيره فاذا عملت بجسدها ذلك العمل و تعين فعلها الاطلاقي في الجسد علي صورة ذلك العمل لحقتها خصوصية ذلك علي حسب مقتضي تعين الجسد فصارت مصلية بسبب تعين فعل الجسد و تلك الخصوصية تلزمها و تاتي معها يوم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 315 *»
القيمة و هي متلبسة بها و هو قوله و كل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا و اما الصلوة الجسدية العرضية فهي مكتوبة في لوح مكانها و وقتها ثابتة فيها ابدا و ثوابها و عقابها يلحق الجسد العرضي في الدنيا لا في الاخرة و النفس تتهيا بصورة الجسد اذا صارت ملكة و اَحَبَّتها و الا فلا فكم من مصل في الدنيا صائم قائم ليس له في الاخرة من نصيب و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا اولئك الذين خسروا انفسهم و خسروا في الدنيا و الاخرة ذلك هو الخسران المبين الخبيثات للخبيثين و الطيبات للطيبين ليميز الله الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم و كذلك كم من رجل صدر عنه معاص ليس عليه وزره يوم القيمة.
بالجملة الفعليات الصادرة عن الجسد تابعة له صادرة عنه راجعة اليه و اللاحقة بالنفس هي الفعليات اللطيفة المكتسبة عن الجسد بالركون اليه و الحب له و الميل اليه فاذا عرفت هذه الجملة عرفت ان يوم القيمة يحضر جميع ما ذكر من الاعمال و الاقوال و الصفات و العقايد و الاشباح و الايام و الليالي و الاسابيع و الشهور و السنين و جميع النسب و القرانات لان للنفوس اكتسابات من كلها و لكل ذلك حقيقة نفسانية اخروية و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فجميع ذلك حاضرة بالنفسانية متمايزة بتمايز صالح مناسب لعالم الاخرة بصورة مناسبة له و لاجل ذلك قدتختلف الصور علي حسب العالمين فالقران هنا قران و ياتي يوم القيمة علي صورة رجل و مسجد الكوفة ياتي علي هيئة رجل محرم و الموت ياتي علي صورة كبش املح و الخلق الحسن ياتي علي صورة رجل جميل و الخلق السيئ ياتي علي صورة رجل قبيح و المتكبر ياتي علي صورة الذر له ناب كجبل احد و هكذا من الصور التي قدوردت في الشرع تتجاوز حد التواتر و لو كانت الفعليات الجسدانية بانفسها علي كثافتها و هيئاتها اللائقة بها تاتي يوم القيمة لمااختلفت صورها بل كانت عرصة القيمة هي الدنيا بعينها فعلي ذلك يكون يوم القيمة يوم الجمع لايبقي شيء من ذات و صفة و جوهر و عرض
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 316 *»
الا و يحضر و يكون الكل مشهود الكل لصفائها و عدم حجبها ما وراءها و كذلك يكون حال الارض و السماء و هو قوله يوم تبدل الارض غير الارض و السماوات و تكون الارض خبزة نقية ياكل منها الناس الي انيفرغوا من الحساب لان الله يقول و ماجعلناهم جسدا لاياكلون الطعام و لا شك ان الارض لاتصير علي هيئة خبز الدنيا لان هذه الصورة تابعة للمواد الكثيفة فهي تكون علي هيئة خبز اخروي ياكله الاجساد الاخروية و يصير مددا لهم و بدل ما يتحلل منهم فهي علي صفة الخبز فان البدن المخلوق من الارض يكون مدده من جنسه و يكون اكلهم ايضا علي حسب اجسادهم فياكلون بكلهم و اكلة من الاخرة تساوي جميع اكلات الدنيا فتمد ابدانهم بالارض يعني ما يستحيل من بدنهم الارضي يؤخذ و يرد اليهم علي صفة الخبز فبذلك يصير جزء ابدانهم فكل احد ياكل من جزء من الارض يكون واقفا عليه و هو قبضة منها خلق منها فقدروي عن الصادق7 مثل الناس يوم القيمة اذا قاموا لرب العالمين مثل السهم في القرب([13]) ليس له من الارض الا موضع قدمه كالسهم في الكنانة لايقدر انيزول هيهنا و لا هيهنا و لاينافي ذلك ما ورد ان ارض القيمة نار ماخلا ظل المؤمن فان صدقته تظله فان ظل المؤمن ماهيته و انيته و صدقته معروفه فقدروي كل معروف صدقة فمعروف المؤمن قداظل بظل ظليل علي ماهيته و انيته و جعلها علي برد اليقين مطيعة منقادة لرب العالمين فالمؤمن يوم القيمة تحت ظل عرش الله سبحانه و صدقته ظل العرش فانها من فروع العقل و اما الارضون التي وقف عليها غير المؤمن و خلقوا منها فهي كلها نيران موقدة عليها و عن ابيجعفر صلواتالله عليه ان الله اذا بدا له ان يبين خلقه و يجمعهم لما لابد منه امر مناديا فنادي فاجتمع الانس و الجن في اسرع من طرفة العين ثم اذن لسماء الدنيا فتنزل و كان من وراء الناس و اذن للسماء الثانية فتنزل و هي ضعف التي تليها فاذا راها اهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا فيقال لا و هو
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 317 *»
ات حتي ينزل كل سماء يكون كل واحدة من وراء الاخري و هي ضعف التي تليها ثم ينزل الله([14]) في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الامر و الي الله([15]) ترجع الامور ثم يامر الله مناديا ينادي يامعشرالجن و الانس ان استطعتم انتنفذوا من اقطار السموات و الارض فانفذوا لاتنفذون الا بسلطان الخبر و سر نزول السماوات و احاطتها بالناس تشاكل السماوات و الارض و تناسبهما لحصول الايتلاف و التركيب الخالد علي طبق قول اميرالمؤمنين7 نار حائلة و ارض سائلة و هواء راكد و ماء جامد و معني نزول الله في ظلل من الغمام نزول العرش في الكرسي و الملائكة الحاملة للعرش و باطنه نزول امر الله الذي هو النبي9 في الولي و هو الظلل من الغمام و ظهور النبي و حامله و موضع رسالته.
بالجملة تاتلف السماوات و الارض و تتصل بالتشاكل و شدة حكاية الارض للسماء لصفائها لا بالالتصاق الظاهري فان الآن ايضا متصلة لا خلاء بينها بالجملة تبدل السماوات بسماوات صافية لا تمانع فيها و لا تصادم و لا قسر و الارض بارض صافية نقية لميكتسب عليها من الذنوب يري ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها فلا ليل في ذلك اليوم بل جميع الفلك الاول قمر و جميع الثاني عطارد و جميع الثالث زهرة و جميع الرابع شمس و هكذا بل يصدر من كل فلك فعل الفلك الاخر و من كل كوكب فعل الكوكب الاخر و من الارض فعل السماء و من السماء فعل الارض و هي كلها متشاكلة متضامة متحدة بالاتحاد الواحدي و جميع تلك الكرات حاد بعضها لبعض و كلها ككرة واحدة في المنظر مصمتة يصدر من الكل ما يصدر من الكل و هيئتها علي الهيئة النفسانية لا الدنياوية فان كل صورة في اللطافة و الكثافة علي حسب لطافة المادة و كثافتها فهي كلها كشخص واحد و رجل واحد لانه هو الانسان الكلي و النفس الكلية الالهية المحيطة بجميع النفوس الجزئية لايستطيعون انينفذوا من اقطارها و هم اشعتها و انوارها و كل نفس يحكيها في مراتبها لانها شئونها و اطوارها فمنها ما هي شئون باطنها و سماويتها
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 318 *»
و غيبها التي فيها الرحمة و منها ما هي شئون ظاهرها و ارضيتها التي فيها العذاب و تلك النفس الكلية المحيطة الالهية هي نفس محمد9 و اهلبيته:فعرشها محمد9و كرسيها علي7 و شمسها الحسن7 و قمرها الحسين7 و مريخها القائم7 و ساير الافلاك مع فلك المنازل و فلك البروج و فلك الراس و فلك الذنب ساير الائمة: و ارضها فاطمة3 و كلهم من نور واحد و طينة واحدة و روح واحد و نفس واحدة مؤتلفة متشاكلة متحدة حادة متداخلة محيطة بجميع الكاينات و لهم سلام الله عليهم ظهور في مقام القطبية في عرض الرعية يظهرون بالحكومة و السلطنة يحضرون الموقف و يحكمون بين العباد فاياب الخلق اليهم و حسابهم عليهم كما ياتي.
فصـل: في بيان المحشورين يوم القيمة و درجات المحشر اعلم ان كل شيء دخل عرصة الوجود فلابد و انيكون لوجوده غاية و قدتبين في محله ان العبادة هي غاية الايجاد لقوله سبحانه ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و منها المعرفة اذ هي عبادة فؤاده او الغاية المعرفة و منها العبادة فانها معرفة الاجساد و العبادة او المعرفة هي الامتثال للاوامر الشرعية التي هي ظل صفات الشارع و التهيؤ بهيئاتها و الانجذاب اليها فانها بحرارتها التي بها تظهر بصفة الفلق جذابة نادية بنداء اقبل و الموجودات بالامتثال مقبلة منجذبة الي المبدا ان اطاعوا و امتثلوا و الا فيبعدون عن المبدا و يدبرون و ينزلون و انما مكنوا من ذلك لتمام الاختيار الموجب للسعادة فليس البعد او الادبار هو الغاية و انما هو لصحة الاختيار و الاختبار و الغاية هي الامتثال.
بالجملة غاية الايجاد العبادة التي هي الامتثال و الانجذاب الي المبدا كائنا ماكان بالغا مابلغ و بحكم ان الشيء لايتجاوز عن مبدئه و لايصعد الي درجة لمينزل عنها كما قال سبحانه كما بداكم تعودون لابد و انيكون الغاية مقدمة وجودا و ان تاخرت ظهورا و يكون الشيء اولا مخلوقا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 319 *»
في تلك الرتبة ثم ينزل الي منتهي شهوده ثم يصعد الي تلك الدرجات التي نزل منها فكل نازل صاعد البتة و ان تفاوتت المبادي و يصعد الي حيث نزل منه البتة لحصول الغاية التي لولاها لكانت الخلقة لغوا عبثا و تعالي الحكيم عن ذلك فكل من بدئ من مبدا و نزل عايد اليه لامحالة و هو معاده و محشره فبذلك تتفاوت درجات المعادين و محاشرهم البتة فمعاد محمد و المحمد: اعلي المعادات لايحشر فيه احد و لايلحقه لاحق و لايصل اليه واصل و لايعود اليه عايد ثم عرصة معاد الانبياء فلايساوقهم فيها مساوق و لايلحقهم فيها لاحق و لايعود اليها عايد غيرهم صلواتالله عليهم ثم عرصة معاد الاناسي فلايساوقهم فيها مساوق و لايقوم معهم قائم ثم عرصة معاد الجن ثم الملائكة ثم الحيوانات ثم النباتات و لكل منهم مقام معلوم لايتجاوزه عودا كما لميكن عاليا عليه بدءا نعم لكل عال ظهور في رتبة الداني و لباس من سنخه و ذلك اللباس يكون بدؤه من مبدا الداني و عوده اليه و هو الذي يشاهده الداني من العالي و يوم القيمة الموعود يوم نفساني دهري يجمع كل من دخل عرصة النفوس و بدئ منها فيعود اليها و لايغادر منهم احدا نعم من كان مبدؤه دونها يكون معاده دونها البتة فمعاد الجن تحت معاد الانس و معاد الحيوانات دون معاد الجن و معاد النبات دون معاد الحيوان و لابد لكل امة من العود و الحشر في محشرهم لامحالة فمعاد النباتات الي اصفي مراتب العناصر لان نفس النبات من صوافيها كما روي عن اميرالمؤمنين7 فمحشره في هذه الدنيا و ثوابه و عقابه في هذه الدنيا و لما كان بدء ايجاده من شيئين فلابد و انيفني و لايبقي مخلدا و يعود الي ما منه بدئ عود ممازجة ليجزي كل جزء منه بجزائه في معاده و معاد الحيوانات الي صوافي الافلاك لان نفسها منها بدئت و اليها تعود كما روي عن اميرالمؤمنين7 فهي تعود الي الافلاك اي الي بواطنها و غيبها الذي هو عالم البرزخ و المثال لانها منها بدئت و اليها تعود و محشرها قبل انتصل اليها عند وجود تمايزها اذ هي اذا وصلت اليها تعود عود ممازجة و ليس لها تنبه بعد الموت الدنياوي لانها من صوافي صوافي الطبايع الدنياوية و جواهرها فاذا تفككت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 320 *»
الطبايع و الالات البدنية عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة ليجزي كل جزء منه بجزائه في معاده فمحشرهم للثواب و العقاب في الدنيا فاذا ماتوا عادوا بالممازجة و البطلان و معاد الملائكة الي باطن المادة و غيبها و صافيها الاخروية فهم اذا ماتوا بين النفختين و ردوا الي طبايع الغيب عادوا يوم القيمة و تنبهوا بعد النفخة الثانية و حشروا في غيب غيب الفلك الرابع و ليس لهم تفكك لانهم طرف الموجودات الاعلي و هم بين الفعل الذي هو من عالم القدس و الاطلاق و المفعول الذي في عالم التقيد بمنزلة نون الوقاية في ضربني فيبقون ببقاء المفاعيل و لا ذكر لهم في مقام النفوس التي هي محال الفعل و انيته فافهم المتسمع ان ذكر الرجل ربه في نفسه لايطلع عليه الملائكة و لايكتب الملك الا ما سمع و المراد بهذه الملائكة غير الموكلة بالجمادات و النباتات و الحيوانات فانها لازمة لمراتبها حافظة لامثلتها الملقاة في اماكنها و حدودها ابدا و انما المراد بها الملائكة الموكلون بالاناسي اي المدبرات و المقسمات و المعقبات و الحفظة و الكتبة و امثالهم ومعاد الجن الي غيب الطبايع و صوافيها الاخروية و المراد بغيب الطبايع هو ظل افلاك الاخرة و انوارها و اشعتها التي هي النار المخلوقة من الشجرة و هي نفوس الافلاك فهم خلقوا منها و هي المارج من النار و النار التي لا دخان لها اي لا جسم لها فهم امثلة ظلية لنفوس الاناسي و اشباح محضة لهم لهم نفوس ناطقة ناقصة ظلية كالشبح في المراة و لهم امثلة ظلية عرضية في عالم المثال تبطل بنفخ الصور و يحشر حقايقها يوم القيمة و سعداؤهم امثلة السعداء و اشقياؤهم امثلة الاشقياء وما من دابة في الارض و لا طاير يطير بجناحيه الا امم امثالكم فاذا ماتوا و حلوا في الطبايع لميكن لهم تنبه الي انينفخ في الصور فيصاغوا صيغة اخري فيقفون في ارض المحشر اي باطن الكرسي في مقعره تحت موقف الاناسي و هم مركبون من اجزاء اخروية هي تمام الشيء فيحشرون و يثابون بجزاء واحد لان كل واحد منهم شيء واحد قائم بموثره قدخلقوا من اظلال الاناسي و وجودهم وجود ناقص كالملائكة لميستوعبوا جميع جهات الكون و لذلك بقوا ارواحا لميولدوا في الاجسام
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 321 *»
الدنياوية فافهم و اما الاناسي فاذا ماتوا فالمستضعفون منهم لا تنبه لهم الي انينفخ في الصور و اما الماحضون فلهم تنبه فاذا هم بالساهرة و يبقون الي نفخ الصور فيموتون و يحلون في ارض الطبايع ثم يعادون بالنفخ الثاني و يعودون الي عرصة النفوس غيب الكرسي مما يلي اعلاه و عودهم عود مجاورة لانعقادهم في صور اكتساباتهم و لانهم كل شخص منهم شيء واحد قائم بموثره علي حسب امتثاله للامر فيثاب بثواب واحد علي حسب مقتضي عمله و معاد الانبياء و اوصيائهم الي غيب الروح الذي هو من امر الله فهم ايضا يموتون في البرزخ بالنفخ الاول ثم يعادون بالنفخ الثاني و هم اول من يعود علي ترتيب من اولي العزمية و الرسالة و النبوة و الوصاية و محشرهم غيب الروح بين العرش و الكرسي لانهم مؤيدون بروح من الله و يعودون بالمجاورة لا الممازجة لتوحدهم و اما الائمة الهداة و النبي صلواتالله عليهم اجمعين فمعادهم و محشرهم غيب العقول و ميتهم اذا مات اعراضه لميمت جوهره لعدم الممازجة و قتيلهم اذا قتل اعراضه لميقتل نفسه و حقيقته و هم وجه الله الذي لايهلك و يهلك كل شيء سواه فهم احياء بين النفختين لايموتون و هم السائلون المجيبون.
و لما كان يوم القيمة يوم الجمع يجمع فيه كل ذينفس كما قال سبحانه وحشرناهم فلمنغادر منهم احدا و يحشرون و يقف كل امة في موقفهم لايتجاوزونه فالمعصومون و الانبياء: و الماحضون من الانس يقفون في مواقفهم النفسانية الشرعية الامتثالية و المستضعفون يقفون في طبايع تلك العرصة الكونية الي انيكلفوا فان امتثلوا يصعدون الي عليين الي دوين مقام الماحضين لابطائهم عن الاجابة الا انيلحقهم شفاعة الشفعاء فيلحقون بالماحضين و ان تخلفوا ينزلون الي سجين الي فويق الماحضين لابطائهم في التخلف و اما الجن فيقفون في الطبايع الكونية الظلية فمؤمنوهم يدخلون ظل جنان الاناسي لان امتثالهم ظل امتثال الاناسي و ان تخلفوا يدخلون الضحضاح لان تخلفهم ظل تخلف الاناسي و سياتي شرح مراتب الدور الاخروية و حقيقتها ان شاء الله و اما الحيوانات فيحشرون تحت عرصة القيمة المخصوصة بذوي النفوس الناطقة في ظل القيمة و هو الدنيا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 322 *»
و لماجد في اخبارنا ما يدل علي انها تحشر يوم القيمة الكبري نعم للعامة فيه اقوال و روايات و ما روي في اخبارنا من الركبان يوم القيمة و دخول بعض الدواب الجنة و غيرها فليس بنص في حشر هذه الوحوش يوم القيمة و قوله سبحانه و اذا الوحوش حشرت ليس بنص في حشر هذه الوحوش في المحشر الاكبر هذا و الوحوش اسم للبهائم البرية و مقتضي ظاهر الاية ان البهائم الاهلية ليست تحشر و لايقول به القائلون بحشرها و يحتمل فيها انه يكون المراد حشر الكفار علي صورة الوحوش لقوله تعالي ان هم الا كالانعام و قوله7 الناس كلهم بهائم و لان الصورة الانسانية لاتدخل النار و سموا بالوحوش بازاء الانس المانوس الانس بالحق و اهله و حديث الامير7 نص علي ان عودها عود ممازجة فلابد من التاويل فيما يدل علي حشرها كتاويل عود الاكفان هذا و الادلة العقلية المستنيرة بنور الهداية دالة علي عدم عودها مع الاناسي في القيمة الكبري فالوحوش المحشورة يوم القيمة اصول هذه الوحوش لقوله سبحانه و ما من دابة في الارض و لا طاير يطير بجناحيه الا امم امثالكم اياخلقت من ظلكم و هي علي صفتكم فالكفار بانفسهم علي صورة الوحوش و جميع اعمالهم و صفاتهم علي صورة الوحوش لان الاثر علي صفة موثره و هذه الوحوش في الدنيا قوالب دنياوية عرضية تحكي تلك الاعمال و الصفات كما ان التقوي اصل اللباس و لباس التقوي ذلك خير و من اتقي الله بالامتثال في استجادة كفنه يحشر بذلك اللباس المصبوغ بصبغ الكفن للتعلق به فافهم فكذلك من استفره اضحيته يركب مطية امتثاله المتعلق بها المصبوغ بصورتها للتعلق بها فيكون ذلك الامتثال مطيته علي الصراط و البعير الذي حج عليه ثلثا او سبعا يكون من نعم الجنة اي جنة الدنيا اي الامتثال لانه يسار عليه الي طاعة الله و يبارك عليها في الدنيا و حسنات الدنيا ظل حسنات الاخرة و هي من حظاير الحظاير او كما عرفت في الاضحية فافهم و اما ما روي من اقتصاص الجماء من القرناء ثم صيرورتها ترابا فليس من طرقنا.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 323 *»
بالجملة محشر الحيوانات قبل يوم القيمة و دونها و في ايام الدنيا و يصل اليهم من النعيم و العذاب علي حسب اعمالهم في الدنيا فحشرهم في الدنيا و جنتهم و نارهم في الدنيا لا غير و كذلك حشر النبات و الجماد و ما قال الله سبحانه انكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم فالماء مصدرية يعني انكم و عبادتكم غير الله حصب جهنم و ان كانت موصولة ايضا يراد بها اصل الاصنام و حقيقتها و عبادتهم المصبوغة بها للتعلق بها فيحشر حقيقة صورة تلك الاصنام مقترنة بعباداتهم و انما كل ذلك لنص اميرالمؤمنين7 بان عودها عود ممازجة و لانها مركبة من اشياء و هي اشياء عرضية لا ذاتية فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه خلق الاناسي من هذه البسايط المطلقة كما تشاهد و تخصص بكل انسان حصة من النفس الناطقة المطلقة و كما ان بدنه حصة من هذه المطلقات نفسه ايضا حصة من نفسها و اول تعلقها بها اي ظهورها فيها مسقط راسه و تولده الدنياوي الا انها ناقص الظهور لوجود الرطوبات الحاجبة المانعة من الظهور و قليل التخصص لعدم صدور اعمال مخصصة لها و انما يتعين تخصصها و يشتد شيئا بعد شيء و يظهر اثارها و افعالها من جسده شيئا بعد شيء علي حسب زوال الموانع الي انتكمل نفسا متميزة متعينة ظاهرة الاثار باهرة الافعال و لماكانت تلك النفس حصة من النفس المطلقة و جسدها حصة من الجسد المطلق و انما تميزا تميزا كونيا لا غير بقوا في الاطلاق التشريعي يعني يمكن في حق كل واحد كل صورة من الصور الشرعية و هو قوله سبحانه كان الناس امة واحدة اي علي الاطلاق و الصلوح و الفطرة و لاجل ذلك صلح امرهم و نهيهم و تكليفهم و ارسال الرسل اليهم و انزال الكتب عليهم حتي يؤمن من يؤمن و يكفر من يكفر فجعل فيهم ما اذا سالهم اجابوا و هو الصلوح للاجابة و حين كانوا في الدنيا كذلك كانوا في جميع العوالم و عالم الذر كذلك ثم ارسل الرسل
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 324 *»
و انزل الكتب و دعا الي نفسه فمنهم من بلغ مبلغا يسمع الدعوة و يفهمها لصفاء قابليته و ظهور اثار نفسه و افعالها و منهم من لميبلغ لعدم انتضاج قوابله او وجود اعراض اخر مانعة عن وصول الدعوة اليه و فهمه اياها فهؤلاء بقيت نفوسهم علي اطلاقها من صلوح الايمان و الكفر فهم موقوفون الي انتزول موانعهم و تصل اليهم الدعوة فاما انيمتثلوا دعوة الداعي فيخلق لهم طينة من الجنان او يخالفوا فيخلق لهم طينة من النيران و تلك الطينة هي الصورة و لها مادة من دعوة الداعي و تلك الدعوة و الطينة معا المؤمن او الكافر و هما وصفان للانسان الكوني المطلق و لاجل ذلك كان قبل انيكون مؤمنا فتصور بصورة الايمان و قديخلعها و يلبس صورة الكفر فيكون كافرا و الجنان و النيران في عرصة الوجودات الشرعية لا الكونية فالذين لهم موانع عن تعلق وجود الدعوة بهم و عن الامتثال و المخالفة هم المستضعفون لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلا الي انيزول موانعهم في الدنيا او البرزخ او الاخرة فتخلص نفوسهم عن الاعراض فيسمعون دعوة الداعي فيمتثلون او يخالفون و يخلقون في التشريع فيكونون حينئذ اما من شعاع الداعي الي الحق لان وجودهم الشرعي من دعوته و دعوته ظله و شعاعه كشعاع الشمس من الشمس و اما من شعاع الداعي الي الباطل لان وجودهم الشرعي من دعوته فيدخلون الجنة او النار فهؤلاء اي المستضعفون اذا ماتوا لميدخلوا جنة و لا نارا لعدم الاجابة و المخالفة فنفوسهم تبقي مع اجسادهم في قبر اكوانهم لاتحس بنعيم و لا عذاب مذبذبين بين ذلك لا الي هولاء و لا الي هولاء ولكن شاعرون علي حسب قوة شعورهم و ضعفه للكون لايحسون بشيء من الخير و لا باحد من اهله و لا بشيء من الشر و لا باحد من اهله فهم من هذا الحيث كالمدر من جهة عدم الشعور و الجاهل ميت بين الاحياء قال سبحانه انك لاتسمع من في القبور وقال اموات غير احياء و مايشعرون ايان يبعثون و قال او من كان ميتا فاحييناه و قال استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم فالمستضعفون اذا ماتوا بقيت ارواحهم مع ابدانهم في قبورهم و يلهي عنهم فاذا نفخ في الصور نفخة الصعق
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 325 *»
تفككوا و حلوا في الطبايع الدهرية و خلصوا و صفوا ثم اذا نفخ فيه نفخة اخري فاذا هم قيام ينظرون لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد اسمع بهم و ابصر يوم ياتوننا فهنالك يحشرون صافي الحواس يسمعون الدعوة التي كانت و تكون ممتدة فاما يقبلون فيصورون بصورة الايمان و اما ينكرون فيصورون بصورة الكفر فيدخلون الجنة او النار فريق في الجنة و فريق في السعير هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن نعم يبقي فريق يستوي امتثالهم و مخالفتهم لوجود البرزخ بين كل رتبتين ابدا فهم اهل الاعراف بين الجنة و النار ثم يشملهم الرحمة لغلبة الرحمة الغضب و تاصلها فيدخلون الجنة و ان كان رتبتهم ادني من اهل الرحمة المحضة و اما ولد الزنا فلخساسة كينونته لايمتثل اذا امتثل و لايستنير بنور الدعوة اذا استنار كالذين كينونتهم طيبة فلايصل الي درجة الطيبين فيبقي في رتبة الاظلال كالجن و كذا المجنون المطبق جنونه الذي كانت نفسه مشاكلة لنفوس الجان و لذا تعلقوا به فهو ايضا لخساسة نفسه و كثافتها لايستنير كالنفوس العلية العليينية فاذا امتثل في الاخرة يكون امتثاله ظل امتثال العالين فهؤلاء الطوائف الثلث اي ولد الزنا و المجنون و الجن يدخلون الحظاير و في رواية فساق الشيعة ايضا يدخلون الحظاير و هو ما روي عن القمي انه سئل العالم7 عن مؤمني الجن يدخلون الجنة فقال لا ولكن لله حظاير بين الجنة و النار يكون فيها مؤمنوا الجن و فساق الشيعة و الذي يتلجلج في قلبي من معني هذا الخبر ان المراد من الحظاير مطلق ظلهما الذي هو دونهما رتبة فظل الجنة اسفل منها و ظل النار اعلي منها و هو ايضا بين الجنة و النار فقال7 لله حظاير بين الجنة و النار و هي بعضها حظاير الجنان و بعضها حظاير النيران و يسكن هذه الحظاير مؤمنوا الجن و فساق الشيعة لكن يسكن مؤمنوا الجن في حظاير الجنان و فساق الشيعة في حظاير النيران الي انيطهروا عن دنس اعمالهم الخبيثة فيليقوا بمجاورة محمد و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 326 *»
اله الطاهرين و معانقة الحور العين و ذلك لاجل ان فساق الشيعة و ان كانوا فاسقي العمل باعمالهم يكونون صالحي الذات بذاتيتهم و الا لماكانوا من موالي المحمد: و ليس الذات الطيبة الا موالاتهم: فان الوجود الشرعي الذي به يتنافسون في درجات الجنان هو محبتهم و مثالهم الملقي في هوية المطيع لهم و هو حاصل لهم غاية الامر انه غطاها بعض الاعراض و ستزول و هذا معني الحديث المستفيض حب علي حسنة لاتضر معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع معها حسنة و انما المراد بالنفع و الضر الذاتيان و اما النفع و الضر العرضيان فلايزال المؤمن و الكافر مصابين بهما بداهة و لاجل ذلك خص شيخنا الاجل بالحظاير ولد الزني الي سبعة ابطن و الجن و المجنون عملا بالاخبار و ولد الزني و ان والي المحمد: فليس يواليهم الا كموالات الجن لخساسة نطفته و قد مر.
فصـل: ان الاشخاص في الاخرة اشخاص واحدية كل شخص منهم شخص واحد ذاتي حقيقي لميتالف من اجزاء متعددة مستقلة كما عرفت و انما هو من اجزاء لا قوام لبعضها بدون بعض فانه اثر واحد لراس من رؤس المشية المتعلق به قائم به من مبدئه الي منتهاه راجع اليه غيرمفتقر الي غيره و قداحدثه بمادته و صورته و اجزاؤه ايضا اجزاء ذاتية لايتخللها عرض ليس منها و لا اليها و تركيبها تركيب بقاء و خلود فلابد فيها من المشاكلة التامة و الا فلاتاتلف ايتلافا تاما لاختلاف احيازها الا تري ان النار حيزها الفوق و التراب حيزه التحت فلواجتمعا من غير تشكيل لمال كل واحد الي حيزه و حصل التفكك له و بذلك يكون المركب في الدنيا و البرزخ معرضا للفناء و الدثور و لو بعد حين و لو بعارض فالمركبات الاخروية لابد و انيكون اجزاؤها متشاكلة فيكون نارها حايلة و ارضها سائلة و هواؤها راكدا و ماؤها جامدا ليكون حيز الكل واحدا و ميل الكل الي جهة واحدة ليدوم بقاؤ بعضها مع بعض ابديا كما شرحنا ذلك مفصلا في ساير رسائلنا لاسيما مراة الحكمة و مركبات الاخرة حيز جميع اجزائها واحد و هو وجه الموثر المتعلق بها فهي بجميع اجزائها دائرة عليه مائلة اليه فعقلها روحاني نفساني
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 327 *»
طبعاني مادي مثالي جسدي و كذلك كل واحد منها منسوب الي كل واحد منها فلاجل ذلك يصدر عن روحها ما يصدر عن نفسها و جسدها و يصدر عن نفسها ما يصدر عن روحها و جسدها و عن جسدها ما يصدر عن نفسها و روحها وكذلك ساير اجزائها و كذلك في هيئتها يصدر عن كل عضو منها ما يصدر عن كل عضو و اعضاؤها كلها متشاكلة فهي راس بكلها و عين بكلها و سمع بكلها و لسان بكلها و هكذا و عقل بكلها و روح بكلها و نفس بكلها و جسد بكلها و هي مع ذلك بلطافة المجردات و الملكوتيات و الروحانيات شيء واحد في المنظر يصدر عنها جميع الافاعيل في المخبر و ايتها في الدنيا الروح البخاري فانه سميع بكله بصير بكله شام بكله ذائق بكله لامس بكله متخيل متفكر متوهم عالم عاقل بكله فمن ذلك تبصر امرك و هي مع ذلك روحانية لاتصادم بينها يسكن واحد منها في مكان و يسكن الاخر فيه و في مكانه و الاخر فيهما و هكذا يسكن الف الف منهم بعضهم في بعض من دون خرق و تدافع و تصادم و اية ذلك في الدنيا ان نور سراج واحد يملأ البيت فاذا جئت بسراج اخر يسكن نوره ايضا في كل ذلك البيت و هكذا سراج اخر الي الف الف و لايصادم واحد منها الاخر و لايمازج و لايتركب واحد منها مع الاخر و اذا ذهبت بسراج منها ذهب نوره معه و لايخرق الباقي لانها كلها لطيفة روحانية فكذلك اجسام الاخرة و مركباتها و هذا هو المراد من مد الارض مد الاديم لا انها تتسع بحسب الكم الدنياوي و كذلك يكون حال كلياتها و بسايطها لانها كلها متشاكلة فعرشها كرسي سماوي ارضي و كرسيها عرشي سماوي ارضي و سماواتها عرشية كرسية ارضية و ارضها عرشية كرسية سماوية و هي كلها كرة واحدة في المنظر متعددة الاثار في المخبر يصدر عن الكل ما يصدر عن الكل و جميع الاشخاص الجزئية ايضا فيها من غير تمازج و تصادم و كذلك جميع الايام و الامكنة و الاعمال و الاقوال و الصفات و العقايد و النسب و الروابط فانها كلها انوار تلك النفوس كانوار السرج للسرج لايتمانع شيء منها و لايتمازج و بذلك تكون تلك العرصة عرصة الجمع و يكون الكل في مشهد الكل اللهم عفوك عفوك و سترك سترك فذلك يوم تبلي السرائر فما له من قوة و لا ناصر.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 328 *»
و كذلك يكون امر الجنة و النار فالجنة في جميع تلك العرصة و النار في جميع تلك العرصة و هو قوله ازلفت الجنة للمتقين و برزت الجحيم للغاوين وقوله تعالي و ازلفت الجنة للمتقين غير بعيد فمع كونهما في كل مكان يكون المؤمن في الجنة و الكافر في النار فلايتنعم هذا بالجنة و لايتعذب ذاك بالنار كما اذا اشعلت سراجا اخضر و سراجا اصفر و كان نورهما في بيت واحد فلايصفر هذا بهذا و لايخضر هذا بهذا فان كل نور قائم بمنيره لايغيره من جوهريته الا هو و ليس وجوده من غيره حتي يغيره غيره فافهم فـ كل نفس بما كسبت رهينة و سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم و كذلك حال الصراط و الميزان فهما في جميع العرصة كل احد يمشي علي الصراط في موضعه و كل احد يحاسب بعمله و يوزن اعماله و هو في موضعه لايحتاج الي تنقل من مكان الي مكان بل ليس لكل احد الا موضع قدميه و هم في امكنتهم كالسهم في القرن و كالرمح في زجه و يقدر كل احد انيري كل احد و يخاطب كل احد فيطالبه او يلومه او يستشفع منه او غير ذلك من غير تنقل من مكان و هيئة كل نفس هيئة عمله و اعتقاده مصبوغ بصفته علي حسب مقتضي الاخرة لا الدنيا كما بينا سابقا و ياتي كل نفس متصفا بجميع صفاته و اعماله من غير تمانع فيها فياتي ذاكرا بكل ذكر ذكره و عاملا بكل عمل عمله و قائلا بكل قول قاله و متصفا بكل صفة اتصف بها متخلقا بكل خلق تخلق به مدي عمره في الدنيا و كلها لازمة له من غير تمانع فهو صادق كاذب مصلح ناطق ساكت متحرك ساكن فاعل تارك مسافر حاضر نائم يقظان في ان واحد دهري و هكذا ساير صفاته فان النفس منبسطة بل بسيطة اضافية احدية نسبية يسعها التجلي بتجليات عديدة في آن واحد كظهور الجسم المطلق في العرش حين ظهوره في الكرسي و فيهما حين ظهوره في الافلاك و فيها حين ظهوره في العناصر من غير تمانع فياتي كل نفس و معه الاف الوف صورة و تجلي كلها علي هيئته و صفته من راي واحدا منها كمن راه لايقدر انينكر شيئا منها فياتي جالسا للزني مادا يده للسرقة رافعا سيفه للقتل فاغرا فاه للكذب و هكذا يا من اظهر الجميل و ستر القبيح
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 329 *»
استر علي بشعاع نورك و ستر عفوك بحق محمد و المحمد: و هكذا يشهد الجوارح بشهادة فعلية لايقدر علي التحشي عنها و الانكار لها و جميع هذه الصور في مشهد الجمع يطلع عليه الكل و هو قوله هاؤم اقرءوا كتابيه الا انيستر الستار بستر رحمته علي احد و تلك الاشباح ايضا منبسطة للطافتها كانبساط النفس و الكل في مكان الكل بل ياتي حقايق الامكنة و الاوقات و تلك الاشباح قائمة فيها و عليها و هي ايضا منبسطة بعضها في بعض من غير تمازج و تصادم.
و الذي يشهد بهذه الجملة ما رواه في البحار عن العياشي عن خالد بن نجيح عن ابيعبدالله7 قال اذا كان يوم القيمة دفع الي الانسان كتابه ثم قيل له اقرا قلت فيعرف ما فيه فقال ان الله يذكره فما من لحظة و لا كلمة و لا نقل قدم و لا شيء فعله الا ذكره كانه فعله تلك الساعة فلذلك قالوا ياويلتنا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها و عن تفسير الامام قال رسولالله9 اما ان الله عزوجل كما امركم انتحتاطوا لانفسكم و اديانكم و اموالكم باستشهاد الشهود العدول عليكم فكذلك قداحتاط علي عباده و لكم في استشهاد الشهود عليهم فلله عزوجل علي كل عبد رقباء من كل خلقه و معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله و يحفظون عليه ما يكون منه من اعماله و اقواله و الفاظه و الحاظه و البقاع التي تشتمل عليه شهود ربه له او عليه و الليالي و الايام و الشهور شهوده عليه او له و ساير عباد الله المؤمنين شهود عليه او له و حفظته الكاتبون اعماله شهود له او عليه فكم يكون يوم القيمة من سعيد بشهادتها له و كم يكون يوم القيمة من شقي بشهادتها عليه ان الله عزوجل يبعث يوم القيمة عباده اجمعين فيجمعهم في صعيد واحد فينفذهم البصر و يسمعهم الداعي و يحشر الليالي و الايام و يستشهد البقاع و الشهور علي اعمال العباد فمن عمل صالحا شهدت له جوارحه و بقاعه و شهوره و اعوامه و ساعاته و ايامه و ليالي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 330 *»
الجمع و ساعاتها و ايامها فيسعد بذلك سعادة الابد و من عمل سوءا شهدت عليه جوارحه و بقاعه و شهوره و اعوامه و ساعاته و ليالي الجمع و ساعاتها و ايامها فيشقي بذلك شقاء الابد الخبر و عن الكافي بسنده الي ابيجعفر7 في حديث و ليست تشهد الجوارح علي مؤمن انما تشهد علي من حقت عليه كلمة العذاب فاما المؤمن فيعطي كتابه بيمينه اقول و السر في ذلك ان معاصي المؤمن عرضية و نفسه متبرئة منها لمتتصور بها فاذا فني دار الاعراض اي انقضت و ظهرت القيمة جاءت نفس المؤمن مطهرة عن تلك الاعراض و قدبقيت تلك الاشباح في لوح الاعراض تحت ارض القيمة قدسترها الله عليه بخلاف التي حقت عليها كلمة العذاب و تصورت نفسها بصورة المعاصي و حبها لها و ميلها اليها فتشهد عليه جوارحه بما تصورت بها و قدعرفت ان ما يحضر يوم القيمة ليست نفس الاشباح و الامكنة و الاوقات الزمانية فانها منها بُدئت و اليها تعود و ان ما تعود الي يوم القيمة ما بُدئت منها من عالم الذر و هي حقيقتها و لذا تاتي علي صورة تناسب القيمة كما عرفت مماتقدم و تلك الحقايق هي صافية هذه اللواحق و قدصفيت كما صفيت الابدان و صارت مناسبة لعرصة القيمة و كلها دهرية فافهم راشدا موفقا.
فصـل: في الكتب و تطايرها اعلم ان كل ما سوي الاحد القديم سبحانه حادث ممكن مركب له مكان ذاتي هو من مشخصاته الذاتية لايسع احدا غيره و لايحل فيه سواه و هو تلك الحصة الامكانية من حيث نفسها قدحل فيها كونها الذي هو تلك الحصة من حيث موثرها و وقت ذاتي هو نسبة فعلياته الخارجة من القوة الي عرصة الفعلية فكل مكون مرهون في مكانه و وقته لايسعان غيره البتة و الشيء اذا بدا الموثر في ايجاده فذكره بمشيته و عزم عليه بارادته و عين هندساته بقدره و ركبها بقضائه فاتمه و اخرجه في حدوده مشروح العلل مبين الاسباب يكتبه بقلم الامضاء بمداد كونه و وجوده في لوح مكانه فما لميمض الشيء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 331 *»
لميكتب و ما لميخرج الشيء من القوة التي هي المداد الي الفعلية لميكتبه قلم الاختراع في لوح الابداع الفعلي و قدكتب القلم الكلي الاعظم الذي هو العقل الكلي علي لوح النفس الكلية من مداد الوجود الذي هو النهر الجاري من جنان الصاقورة متسنما و قدجمد حين نزوله و صلح لكتابة جميع ماكان و ما يكون الي يوم القيمة لان ذلك القلم قدتعالي علي جميع الامكنة و الاوقات بحذافيرها بتمحضه في الذاتية و عدم التعين و كونه اية الاحد جلشانه المتعالي علي خلقه و هو قول علي7 في صفة العقل جوهر دراك محيط بالاشياء عارف بالشيء قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب و ذلك اللوح قدحوي جميع ما كان وما يكون بجميع امكنتها و حدودها و اوقاتها و هو اللوح المحفوظ المشاراليه بقوله مااصاب من مصيبة في الارض و لا في السماء الا في كتاب من قبل اننبراها ان ذلك علي الله يسير و قوله و كل شيء احصيناه في امام مبين و قوله و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين و قوله مافرطنا في الكتاب من شيء فذلك الكتاب هو الكتاب الحفيظ الذي منه النسخ كلها و لما خلق الله الاشياء التي هي من اشعة تلك النفس الكلية و ظهوراتها جعل ذلك الكتاب محجوبا عنهم بحجاب موادهم و استعداداتهم و يظهر عنها من تلك المعلومات المسماة بسيوجد شيء بعد شيء و يظهر في عوالمهم و يكتب في الواح امكنتهم و اوقاتهم و هي النسخ التي انتسخت من الكتاب الاول فاذا كتبت لميخالف منها حرف حرفا و هي البرء المشاراليه في الاية السابقة في كتاب و هو اللوح المحفوظ من قبل اننبرأها يعني في الواح النسخ و هي المسماة بعلم وجود و هي اللوح الذي يمحي منه شيء و يثبت ما لميتم خلق الشيء فاذا تم و كتب في تلك الالواح فقدثبت و لايحتمل بعد المحو و الاثبات اللهم الا انيمحي دوامه في اقتراناته و الا فقدثبت في نفسه لايحتمل المحو من لوح نفسه فاذا امضي و كتب وافق الواقع الذي هو اللوح المحفوظ بلا تفاوت و قداشار الي هذين اللوحين بقوله يمحو الله ما
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 332 *»
يشاء و يثبت و عنده امالكتاب فما محي كان في علمه انه يمحي و ما اثبت كان في علمه انه يثبت و المحو امر اضافي اقتراني و الا فكل حالة في نفسها امضائية اثباتية لايحتمل المحو و قدذكرنا سابقا تفصيل ذلك مع احاديثه في مسئلة البداء فراجع.
و من تلك المراتب اي مراتب الالواح الالواح الاخروية التي يكتب فيها حقايق الاعمال و الالواح البرزخية التي يكتب فيها رقايقها و الالواح الزمانية التي يكتب فيها لواحقها فالالواح الزمانية هي الواح الامكنة العرضية و الاوقات العرضية التي هي الساعات و الايام و الليالي و الشهور و الاعوام و قدنزلت مواد الزمانيات الي عالم الزمان و احتجب من ورائها اللوح المحفوظ و الاخروي و البرزخي و يظهر منها شيء بعد شيء فيتدرج في مراتب الذكر و العزم النوعيين الي الهندسة و القضاء الشخصيين فاذا وقع القضاء التام بالامضاء كتب في لوح الامكنة العرضية و الاوقات العرضية و هو الذي اذا توجهت بذهنك اليه تجده ابدا مكتوبا هناك الاتري انك كلما توجهت الي زيد المصلي في المسجد الجامع يوم السبت وقت الزوال من الشهر الفلاني من السنة الفلانية تجده مكتوبا ثابتا هناك في مكانه و وقته ابدا فتلك الكتابة من حيث نفسها دهرية و من حيث الاقتران زمانية و اما الالواح البرزخية فهي الواح الامكنة المثالية الروحانية العرضية و اوقاتها التي نزلت المواد البرزخية اليها و قداحتجب اللوح المحفوظ و اللوح الاخروي من ورائها و يظهر منها شيء بعد شيء من تلك المعلومات فيعلمها الله سبحانه علم وجود بعد ماكان يعلمها بانها ستوجد اي ستظهر في عالم المثال و تلك الفعليات من حيث الاعلي طولية اي يظهر فعلية فوق فعلية بعدها فهي صاعدة و من حيث الاسفل لها حالات اقترانية من اقتران مثال بمثال ففيها من حيث الاسفل امكنة شبيهة بامكنة الدنيا عرضية و لذلك يقال ان جنة البرزخ في المغرب و الارواح السعيدة تجتمع في وادي السلام و ناره في المشرق و الارواح الشقية تجتمع في بئر برهوت و وادي حضرموت و فيه بكرة و عشي و اهل الجنة ياتيهم رزقهم فيها بكرة و عشيا و قال في اهل النار النار يعرضون عليها غدوا و عشيا و هم معذلك صاعدون الي الاعلي ترقيا الي القيمة شيئا بعد شيء
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 333 *»
فاية ذلك ما تراه في منامك و تري فيه اوقاتا و امكنة عرضية انتقالية و هي معذلك روحانية فكل ما يخرج من قوة المواد البرزخية من الفعليات البرزخية من الصور المثالية و تجاوز حد الذكر و العزم النوعيين و الهندسة و القضاء التام الشخصيين و وقع بالامضاء كتب في ذلك اللوح و تلك الكتابة من حيث الاقتران برزخية و من حيث نفسها في ذاتها اخروية فهذه الاعمال التي يعملها الانسان بتلك الصفة الجسمانية الدنياوية مكتوبة في الواح الزمان و تلك الانصباغات الروحانية التي حصلت للروح اي المثال و ما اكتسب منها تكتب في الواح البرزخ و تلك الالواح علي هيئة المخروط و ورقة الاس اعلاها رقيق صاعد و اسفلها غليظ عريض و هي ورقة العهد التي كتب عليها العهود و وضعت في ركن من اركان العرش بخلاف لوح الزمان فانه ذو زوايا عديدة و محيطه متضرس و اما اللوح الاخروي فهو لوح المكان الذاتي و الوقت الذاتي للشيء فلما نزلت المادة الاخروية اليهما احتجب اللوح المحفوظ من ورائها و اخذ يظهر منها شيء بعد شيء و كلما خرج و تجاوز حد النوعية و الشخصية و وقع بالامضاء كتب في لوح ذاته و وقتها علي طبق علم الله السابق اي علم سيوجد فصار علم وجود و تلك الفعليات هي الاكتسابات الحاصلة لها من الاعمال الجسمانية و المثالية و انصباغات نفسانية و لذلك قال سبحانه ليس للانسان الا ما سعي و قال و ماتجزون الا ما كنتم تعملون و قال سيجزيهم وصفهم و قدعرفت ان التي كتبت في الواح الدنيا من حيث الاقتران العرضي دنياوية و هي علي هيئة ما شاهدته في الدنيا و الانصباغات التي تحصل منها للمثال هي صورة الكتابة في الالواح المثالية و لذلك يكون ما رايته في المنام يعبر فيتغير صورة الجسمانيات في عالم المثال الاتري انك اذا رايت في المنام ان اشتريت نعلا تتزوج في الدنيا او شربت لبنا تحصل علما او تلوثت بعذرة تجد مالا و هكذا و انما ذلك لاجل ان الانصباغات المثالية للمثال علي حسب استعداد مادة المثال و علي ما يناسب عالمه و كذلك استعدادات مواد الاخرة مغايرة للمواد المثالية و الجسمانية و انصباغاتها علي حسب استعداداتها فصورة الكبر في الدنيا تاتي في الاخرة علي هيئة النملة لها ناب كجبل احد و شهوة اللواط تاتي علي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 334 *»
هيئة القردة و شهوة الزني بالمفعولية تاتي علي هيئة الفرس و قول سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر علي هيئة الشجرة و الصلوة علي هيئة لقاء الله و زيارته و هكذا ياتي الخلق الحسن علي صورة رجل جميل و الخلق السيئ علي صورة رجل قبيح و القران علي صورة انسان و هكذا و انما ذلك ان المواد اللطيفة تلبس صورا لطيفة و المواد الكثيفة تلبس صورا كثيفة و المواد الصرفة تتصور علي حسب الصرافة فتاتي علي ما هي عليه في ذاتها و المواد المشوبة تتصور علي حسب الشوب فلاتاتي علي ما هي عليه في ذاتها فيحصل لها حدود و زوايا و زوايد و اصباغ و اوضاع زايدة علي ذاتها الاتري ان الماء اذا خلص و رميبه في الهواء وقف بالطبع علي الاستدارة و اذا شيب بالتراب فصار طينا تصور علي حسب المقتضي العرضي و القوالب العرضية فالصور الاخروية خالصة صافية يتلبس بها مواد صافية خالصة فتقف علي حسب الصرافة و الخلوص و اما الصور الدنياوية و البرزخية فمشوبة بالاعراض تتصور بها مواد مشوبة بالاعراض فتاتي علي حسب المقتضيات و القوالب المكانية و الوقتية الدنياوية و البرزخية و علي حسب مقتضي القرانات و المكملات فالفعليات الزمانية علي هيئتها الزمانية تبقي مكتوبة في لوحها و الفعليات البرزخية علي هيئتها تبقي مكتوبة في لوحها فاذا نفخ في الصور و انحلت الموجودات في الطبايع ثم صيغت صيغة اخروية خالصة تصورت بصور صافية خالصة عن الاعراض فوقفت علي هيئتها الذاتية الاولية و هي التي تحضر عرصة القيمة و كتبت في الواح و كتب و دواوين و صحف تحضر يوم القيمة و تنشر و هي اما عليينية للابرار و اما سجينية للفجار و قدبقيت كتب الدنيا في الرتبة الدنيا و كتب البرزخ في رتبة البرزخ دون مقام الطبايع و هما قدنشرتا و حوسبتا و وزنتا و جوزيتا في رتبتيهما لا دخل لهما بالقيمة و عرصة الاخرة و النفوس و هما ابدا في تلك الالواح ثابتتان سرمدا و هما علم الله سبحانه العلم الوجودي قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب.
و ان قلت فما معني حضور الامكنة و الساعات و الليالي و الايام و الشهور و الاعوام قلت كذلك تحضر الامكنة علي هيئة تناسب الاخرة المتسمع ان مسجد
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 335 *»
الكوفة يحضر علي هيئة رجل محرم و ارض كربلا قطعة من الجنة و الارض تصير خبزة نقية للابرار و نارا للفجار و تحضر الاوقات علي حسبها المتسمع ان شهر رمضان ياتي في احسن صورة فيقيمه الله علي تلعة لايخفي علي احد ممن ضمه ذلك المحشر ثم يامر و يخلع عليه من كسوة الجنة و يزف يوم القيمة اربعة ايام الي العرش متزينة كالعروس التي تزف الي زوجها و هي الاضحي و الفطر و الجمعة و الغدير و الغدير بينها كالقمر بين النجوم.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الامكنة و الاوقات تاتي ايضا علي غير صورها التي كتبت عليها في لوح الدنيا و البرزخ و انها صور كثيفة تليق بمواد كثيفة و المواد الاخروية مواد لطيفة لها صور لطيفة بل تكون الاوقات يوم القيمة علي صورة كلية جميع الصور الجزئية البرزخية و الدنياوية من تجلياتها في مراتبها و لها اكتسابات اخروية منها فياتي شهر رمضان كلي واحد و شهر رجب واحد و شعبان واحد و هكذا غدير واحد و جمعة واحدة و اضحي واحد و فطر واحد لكل واحد فعليات مكتسبة من التعددات البرزخية و الدنياوية و كذلك كل مكان علي هيئة واحدة كلية له صور مكتسبة بحسب تنقله في الاوقات كما ياتي كل نفس علي هيئة كلية له اكتسابات من ايام عمره و قراناته و اعماله و افعاله و تلك الاكتسابات للكل تاتي علي صورة مناسبة للقيمة و صرافتها تابعة لتلك النفس الكلية لا فرق بين هيئاتها و بين تلك النفس الا ان تلك النفس تكلم عن نفسها و تلك الاكتسابات تكلم رواية عن تلك النفس كما انك تكلم عن نفسك و اشباحك في المرايا تروي عنك و لا فرق بينك و بينها الا انها اشباحك و امثالك من فعلك بُدئت و اليه تعود.
فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فاعلم ان الانسان اذا عمل في الدنيا عملا تكتب صورة عمله الدنياوية في لوح المكان الدنياوي و الوقت الدنياوي لانه فعلية منه امضيت و خرجت مبينة العلل مشروحة الاسباب و كتبت بقلم الاختراع في لوح الابداع بواسطة العامل بالوسايط المتقدمة و يكتسب ما يكتسبه الروح منها في لوح الامكنة البرزخية و اوقاتها ثم يكتب ما تكتسبه النفس في لوح الامكنة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 336 *»
الاخروية و اوقاتها و هي الامكنة الذاتية و اوقاتها لها و الموكل بهذه الكتابة ملكان عن يمين الرجل اي جانب وجوده و عقله يكتب ما يعمله من الطاعات في الالواح العليينية كلا ان كتاب الابرار لفي عليين و ماادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون و عليون باطن الكرسي و تكتب الطاعات هناك لانها تصدر من عقله اي من حصته التي من العرش اجمالا و تفصل في حصته التي من الكرسي ثم منها تتشعب في افلاكه و تظهر في حصته الارضية فهي اي الحسنات افعال ما فيه من الكرسي اي نفسه و هي العاملة حقيقة و ساير الشعب و الظهورات من تنزلاتها في مجاليها فاصلها هناك و تكتب هناك و عن يساره اي جانب ماهيته و نفسه الامارة يكتب ما يعمله من المعاصي في الالواح السجينية كلا ان كتاب الفجار لفي سجين و ماادريك ما سجين كتاب مرقوم و سجين باطن الصخرة و هو قوله تعالي انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات او في الارض يات بها الله و تكتب المعاصي هناك لانها تصدر من جهله اجمالا و تتفصل في النفس الامارة ثم تتشعب في ارضي مشاعره و تظهر في حصته الارضية ارض الموت التي منها ظاهر جسده فلما كان اصل سيئاته من النفس الامارة تكتب هناك فيكتبان هذان الملكان ما يظهر من اعماله الي عرصة الوجود حين هو في الدنيا فاذا مات الانسان و الحد في قبره ياتيه رومان فتان القبور و يقول له اكتب فيقول له ما عندي قلم فيقول لسانك و هو ظاهره المعبر عن باطنه و يقول ما عندي مداد فيقول ريقك و هو امداده التي كانت بها رطب اللسان و تجري بالمطاوعة لما يريد و يقول ما عندي رق يقول كفنك الذي هو لباسك لباس التقوي و حلة من الجنة او لباس الاقتحام و سروال من النار و هو وصفه فيملي عليه كل صغيرة و كبيرة عملها و هو قداملي سابقا و كتب الا انه يوقفه عليها شيئا بعد شيء و علي كتابته و يلبسه اياها فبالايقاف كانه يملي عليه تلك الاعمال فالاعمال التي يكتبها هناك هي اكتساباته المثالية ثم يعلقه علي رقبته بالالتزام و هو قوله سبحانه و كل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا و الكتاب المخرج يوم القيمة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 337 *»
روحانية ذلك الكتاب المستخرج من الكتاب البرزخي استخراج الروح من النفس فياتي ذلك الكتاب الروحاني اما من امامه و يقع علي يمينه و اما ياتي من وراء ظهره اي انيته و ماهيته و يشق ظهره صعودا الي صدره و يلقي علي يساره اي شماله الذي هو جهته من نفسه فيقول ماالهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا فاذا اوتي كل نفس كتابه يقرا عليهم الولي كتابهم و منه يصدر حرف واحد لانه من جانب الواحد و يقع في اذانهم بلغتهم تفاصيل اعمالهم حرفا بحرف فيسمعون بلغتهم قراءته عليهم جميع كتبهم و هو قوله سبحانه هذا اي الولي كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون يعني كنا نستنسخ كتبكم من نسخة الاصل الذي هو الولي لا ان ما عند الولي نسخة كتبكم فتفهم فكتاب الابرار مستنسخ من باطن الولي و كتاب الفجار مستنسخ من ظاهر الولي اذ هو رحمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار و هو باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و ان شئت ايات هذه المعاني و اخبارها فراجع الكتاب و السنة تجدها مفصلة لايخالف حرف منها حرفا ان شاء الله و انما تركناها خوف التطويل.
فصـل: في الميزان و حساب الاعمال اعلم ان الميزان هو الذي يوزن به الشيء و يعرف به كمه و يستعلم به الراجح من المرجوح سواء كان شخصيا او صنفيا او نوعيا او جنسيا و كذا ماديا او وصفيا جوهريا او عرضيا محدودا او حدا ولما كان للشيء جهات عديدة لايعلم رجحانه في تلك الجهات الا بموازين عديدة كل ميزان يناسب تلك الجهة المقصود استعلام حالها الاتري ان الميزان الذي يستعلم به كمية وزن المادة لابد و انيكون ذاكفتين كما هو المعروف و ميزان الطول و القصر بشيء له امتداد و ميزان السطوح المستديرة الة الفرجار و السطوح الكرية فرجار الخرجال و ميزان تقوم الاعمدة الشاقول و ميزان تعديل السطوح الشاقول و جسم مثلث علي ما هو المعروف و ميزان حركات الشمس الاسطرلاب
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 338 *»
و الرخائم و ميزان الشعر البحور العروضية و ميزان اعراب الكلمات النحو و ميزان الفكر المنطق و ميزان الاعمال حدود الله الموضوعة و ميزان الموازين العقل اذ هو مميز الكل و هكذا كل ميزان ينبغي انيكون مناسبا لما يوزن به فالشيء الواحد يحتاج الي موازين عديدة ليعلم كم مادته انه كم مثقالا مثلا و جوهره انه ذهب او فضة و ميزان درجته في جنسه انه ذهب عال او دان مثلا و ميزان صفائه و كدورته و ميزان قيمته و ميزان مدة بقائه و ميزان رتبته انه زماني او دهري و ميزان وصفه انه صوري او معنوي مجرد او مادي و ميزان لونه و ميزان طعمه و ميزان نعامته و خشونته و ميزان حرارته و برودته و ميزان رطوبته و يبوسته و ميزان درجات ذلك و ميزان ساير هندستها و حدودها و امثال ذلك فلذلك افرد الله سبحانه العامل و جمع الموازين فقال من ثقلت موازينه و من خفت موازينه و كذلك يجب المناسبة بين الميزان و الموزون في الدنياوية و البرزخية و الاخروية فموازين الاخرة تناسب موزونات الاخرة و الوزن يومئذ للاعمال لاستعلام مقادير جزائها فيوزن عددها لاستعلام عدد جزائها و قيمتها لاستعلام مقدار ما يستحق من الجزاء و رتبها لاستعلام رتب الجزاء من الدرجات و الدركات و جهتها لاستعلام انه يستحق الجزاء عن يمينه بفعل الطاعة مثلا او عن يساره بفعل المعصية مثلا في الدعاء اللهم اعطني كتابي بيميني و الخلد في الجنان بيساري و وقتها لاستعلام وقت الجزاء هل هو الدنيا او البرزخ او الاخرة و مدة بقائها لاستعلام مدة جزائه هل هي يوم او شهر مثلا و مكانها لاستعلام مكان الجزاء هل هو يده ام وجهه ام قلبه مثلا و كيفها و كمها و امثال ذلك و ميزان كل جهة من هذه الجهات له كفتان لكن بحسبها كفة من جانب الثقل و كفة من جانب الخفة و له صنج يوزن معه العمل و هو الامر المتعلق به فيوزن جهات الامتثال بجهات الامر المتعلق به فان وازنه فهو الحسنة و ان نقص عنه بالتفريط او زاد عليه بالافراط فهو المعصية و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه و عليك بالحسنة بين السيئتين و الاصل في الميزان هو العمود المسمي بالشاهين و الكفتان حقيقة طرفا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 339 *»
العمود و ميزان ذلك الميزان هو حقيقة العقل فانه الذي يعرف خفة الخفيف و ثقل الثقيل و الميزان الة له يحتاج اليه عند قلة المميزة الاتري انه قديوزن الشيء باليدين اذا كان المميز بالغا في التمييز و بالعين و الاذن و اللسان و اللمس و يصيب بلا تفاوت و اذا كانت المميزة ناقصة يستعان بالالات و يستعان بهذه الجوارح ايضا اذا كان العقل غيرمحيط بالشيء و يكون مكتسبا لفعلياته بالجسم و جوارحه فاذا كان محيطا بالشيء لايحتاج الي الاكتساب من الجوارح فاذا كان محيطا عرف مطابقة الاعمال مع ما امر و مخالفتها معه بلا استعمال جارحة فالعقل هو الميزان الحق و ما امر به هو صفات ذلك العقل اذا كان هو العقل الاول الكلي فالعقل هو الميزان و هو الوازن و هو الصنج الموزون معه و مااحسن الخبر ان احسن الميزان ماكان له لسان و لما كان العقل الكلي هو حقيقة الولي فالميزان هو الولي كما روي في قوله تعالي و نضع الموازين القسط فلاتظلم نفس شيئا هم الانبياء و الاوصياء: و سال زنديق اباعبدالله7 فقال اوليس توزن الاعمال قال لا لان الاعمال ليست باجسام و انما هي صفة ما عملوا و انما يحتاج الي وزن الشيء من جهل عدد الاشياء و لايعرف ثقلها و خفتها و ان الله لايخفي عليه شيء قال فما معني الميزان قال العدل قال فما معناه في كتابه فمن ثقلت موازينه قال فمن رجح عمله الخبر و روي اخبار يفهم منها انه ميزان ذوكفتين و لاتنافي بين ما ذكرنا بوجه فهو الة ذات كفتين بلا شك اما انه كالاجسام الدنيوية فلايدل عليه كتاب و لا سنة و لا عقل و لكنه علي حسب ما يوزن به البتة و قدذكرنا انه يوزن الشيء حقيقة بالعقل الكامل بلا واسطة و بالعقل الناقص بواسطة و عقل الوزان يوم القيمة كامل و هو الة الوزن و له كفتان بحسبه من نظريه الي العمل و الي صفته اي صفة نفسه التي هي امره و نهيه فكفة فيها امره و نهيه و كفة فيها عمل العبد و بينهما شاهين العدل و الانصاف و علاقته بيد الولي لانهما قائمان به قيام صدور الطاعات قائمة بباطنه و السيئات قائمة بظاهره كلا نمد هولاء و هولاء من
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 340 *»
عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا و الطاعات فروع باطنه قال نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اعداؤنا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و هو باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فالميزان الة ذات كفتين و شاهين و علاقة و هو العدل و هو النبي و الوصي فلا اختلاف و الحمد لله في الاخبار و اجتمعت بلاغبار و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و تعدد الميزان لتعدد جهات الامر و الامتثال و قديفهم من بعض الاخبار انه يوضع الطاعات في كفة و السيئات في اخري لاستعلام نسبتهما و ذلك ايضا احد تلك الموازين لا كلها كذا فكفة الطاعات حينئذ الموافقة للامر و كفة السيئات المخالفة و لابد ايضا من استعلام نسبتهما ليعلم انه من اهل الاعراف الذين استوت حسناتهم و سيئاتهم فيكون مقامهم بين الجنة و النار او ترجح حسناتهم ليميلوا الي الجنة او سيئاتهم فيميلوا الي جهة النار فهذا ايضا احد الموازين فلا اختلاف و الحمد لله.
بقي شيء و هو انه نزل في الكتاب اولئك الذين كفروا بايات ربهم و لقائه فحبطت اعمالهم فلانقيم لهم يوم القيمة وزنا مع انه في اية اخري و من خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون و في اخري و اما من خفت موازينه فامه هاوية الدالتين علي ان الكافر يوزن اعماله فتخف و الاولي تدل علي ان للكافر لايقام وزن و روي في حديث عن علي بن الحسين7 اعلموا عباد الله ان اهل الشرك لاتنصب لهم الموازين و لاتنشر لهم الدواوين و انما يحشرون الي جهنم زمرا و انما نصب الموازين و نشر الدواوين لاهل الاسلام الخبر فالمراد ان الميزان و الحساب لمعرفة المقادير و انما يقدر بالمقادير الاوصاف فاذا كفر الانسان بذاتيته و استحالت الي ظلمة الكفر و احاطت به خطيئته يخرج جزاؤه عن حد المقدار نعوذ بالله كما خرج كفره عن حد الاوصاف المقدارية و بلغ الي ذاته و اشرب في قلبه الكفر فمثل ذلك لاينصب له الموازين الموضوعة لاستعلام المقادير كما لايحتاج الي الميزان اذا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 341 *»
بلغ الايمان ذاته و قلبه فاولئك يدخلون الجنة بغيرحساب لانهم باتصالهم بالوزان المحاسب صاروا وزانين محاسبين و الوزان المحاسب لايوزن و لايحاسب بالفتح فافهم فالميزان للذين يقدر اعمالهم بقدر و يجازون بقدر و هولاء قوم من اهل الاسلام و التوحيد الظاهري و الاقرار بالنبوة الظاهرة و لميعرفوا الولي بباطن قلوبهم فاولئك يحاسبون و يوزن اعمالهم فقد روي عن النبي9كل محاسب معذب فالذي لايعذب و هو المؤمن لايحاسب و قدقال الله سبحانه انما يوفي الصابرون اجرهم بغيرحساب و هم الذين صبروا علي الولاية و قال سبحانه فيومئذ لايسال عن ذنبه انس و لا جان فقد روي انه في الشيعة خاصة و كان نزوله انس منكم و لاجان و اول من غيره ابن اروي و عنه9 ان الله يحاسب كل خلق الا من اشرك بالله عزوجل فانه لايحاسب و يؤمر به الي النار بالجملة لاينصب الموازين علي الواقعين في قاعدة النور و الظلمة و انما الميزان و الحساب علي الواقعين بينهما الذين يتقدر اعمالهم بقدر فتدبر.
و اما الحساب فهو جمع المتفرقات و استخراج نسبة القضاء مع الحق هل يساويه او يزيد عليه او ينقص عنه فيحاسب اعمال العباد فيجمع عليهم ما اريد منهم و كلفوا به ثم يطالبون بما قضوا و يحاسبون بجمع العدد مساحة و وزنا و كيلا و عددا و يلاحظ كمها و كيفها و اجلها و رتبتها و جهتها و امكنتها و اوقاتها و اوضاعها و ارواحها و اجسادها و نسبها و اضافاتها و يقابلونها مع ما امر به اللهم اني اعوذ بك من سوء الحساب و لااخاف الا عدلك و لاارجو الا فضلك فلا شك ان من حوسب عذب اذ حكم الله انه لايقوم بحقه احد من خلقه و من استمع دعاء علي بن الحسين8 في السجود عرف حقيقة ذلك فهذا هو حقيقة الحساب فالجمع الذي يجمع علي العباد هو اوامر الولي و نواهيه و هو الذي من اطاعه فقداطاع الله و من عصاه فقدعصي الله و هو المطالب منهم اداء ما امرهم به فهو المتولي للحساب و ذلك قوله في الزيارة اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم و هم: يدالله و لسان الله و عين الله و قلب الله و روح الله و نفسه و حكام
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 342 *»
الله علي العباد و البلاد و قضاة عنه فهم متولون الحساب يوم القيمة يحاسبون الاعمال و ينسبونها مع اوامرهم و نواهيهم و يصدر الحساب عنهم: في اقل من طرفة عين و يقع علي العباد و يقفون علي شيء بعد شيء منها في مدة خمسين الف سنة و هو المنتهي او اقل و الدليل علي ان طول اللبث من مرورهم و وقوفهم علي شيء بعد شيء من اعمالهم ما روي في العبدين المؤمنين الواقفين للحساب فقير و غني فيدخل الفقير الجنة و يبقي الغني للحساب فاذا حوسب و دخل الجنة يقول له الفقير ماحبسك عني قال طول الحساب مازال الشيء يجيئني بعد الشيء يغفر لي ثم اسال عن شيء اخر حتي تغمدني الله عزوجل منه برحمة و الحقني بالتائبين فمن انت فيقول انا الفقير الذي كنت معك انفا فيقول لقد غيرك النعم بعدي انتهي و اما الولي فهو محيط بالكل يري الكل بنظر واحد و يعلم عددها و مقاديرها فالله سريع الحساب ولكن يطول الحساب علي العباد و السر في طول الحساب علي العباد مع ان اعمالهم و اثارهم قائمة بهم و لاينبغي انيخفي علي الموثر اثره و مع انهم دهريون و القيمة يوم الجمع ان الناس مختلفون في مراتبهم من غلبة جهة المبدا عليهم و ضعفها فيهم فكلما كانوا اقرب الي مبدا الوحدة كان نظرهم اوحد و اجمع و كان اعرف بالحقايق و اشد احاطة و جمعا و نفوذا و كلما كانوا ابعد كان جهة الكثرة فيهم اكثر و كان فيهم شركاء متشاكسون و كانوا اكثر تعلقا بالجهات العرضية و اكثر غباوة و اقل تفطنا علي حسب هذه الدنيا حرفا بحرف الاتري ان من الناس من يقدر علي النظر بسر سار في الكثرات و منهم من لايمكنه حتي ان منهم في الجهة العليا يري وحدة سارية في الكل و منهم في الجهة الدنيا لايري الا نفس الاعداد و الكثرات فكذلك في الاخرة فانها باطن باطن الدنيا و صفات النفوس مكتسبة من الاعمال الامضائية في الدنيا فتختلف بذلك مدد تفطنهم باعمالهم مع انها اثارهم الاتري انك في الدنيا ربما لاتقدر علي النظر الي اعمالك و التوجه اليها الا في مدد طويلة مع انك تتوجه اليها بنفسك لا جسدك و يكون من يلتفت الي اعماله اسرع منك و اسرع و هكذا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 343 *»
حتي انه يكون من له جامعية يتفطن الكل بنظر واحد و اوضح من ذلك ان العالم يتفطن الي مسائل علمية كثيرة في طرفة عين و لايقدر علي المرور عليها غيره في سنة بل في سنين فكذلك حساب الخلايق يوم القيمة فالله سبحانه اسرع الحاسبين يحاسب الكل بحساب رجل واحد فما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و ما امر الساعة الا كلمح البصر او هو اقرب و يحاسب تلك النفس الواحدة اسرع من طرفة عين كما روي ان الله يحاسب الخلايق كلهم في مقدار لمح البصر و روي بقدر حلب شاة و روي يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة و روي لو ولي الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين الف سنة من قبل انيفرغوا و الله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة انتهي ولكن للحساب طرفان طرف الي الله سبحانه في القاء الحساب و طرف الي العبد في تفطنه و هو قوله اقرا كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا فالطرف الذي يليه العبد من الحساب يطول بقدر تفطنه لما ذكرنا فكل من كان فيه جهة الرب اقوي يكون اوحد نظرا و اجمع تفطنا و كلما كان فيه جهة النفس اقوي يكون اكثر نظرا و ابطا تفطنا فيختلف مدد طول الحساب علي حسب قربهم من المبدا و بعدهم عنه فتمام خمسين الف سنة لرؤساء الجهالة و العداوة لالمحمد: ان حوسبوا لاسيما و هم يحاسبون بحساب سيئات جميع الخلايق فيطول عليهم بقدر طول الكل لانه يجب انيتفطنوا بجهات سيئات الكل واحدة بعد واحدة و نهاية السرعة لاكمل المؤمنين ايمانا بعد الذين يدخلون الجنة بغيرحساب و لذا روي انه قيل للنبي9 مااطول هذا اليوم فقال والذي نفس محمد بيده انه ليخفف علي المؤمن حتي يكون اخف عليه من صلوة مكتوبة يصليها في الدنيا و اما ما روي انه لاينتصف ذلك اليوم حتي يقيل اهل الجنة في الجنة و اهل النار في النار فيأتي وجهه ان شاءالله فعلي ذلك يكون طول لبث الحساب و قصره ولكن قدعرفت سابقا انه لا حساب للمشركين و المؤمنين الكاملين الواقعين في القاعدتين و قدبلغ الايمان و الكفر حقايقهم من
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 344 *»
دون شوب فاولئك لاينصب لهم ميزان و لاينشر لهم ديوان و كذلك من حاسب نفسه في الدنيا و استدرك ما فرط و افرط بالتوبة و الاستغفار و لميحاسب نفسه في الدنيا ايضا حقيقة الا بايقاف الله سبحانه اياه علي اعماله فالله سبحانه قداوقفه و هو ايضا وقف عليها و استدرك ما يجب عليه استدراكه و حساب يوم القيمة ايضا كذلك قال سبحانه كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا فلا حساب عليه في الاخرة و الله سبحانه اجل من انيحاسب عبده مرتين ثمامن العباد من يحاسب حسابا يسيرا و هو العرض و التصفح فيوقفه الله علي ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر له و لايطلع الله عليه ملكا و لا انسيا و ما روي من ان الشيعة يدخلون الجنة بغيرحساب يعني بغيرحساب يكون عليهم و اما حساب العرض فلابد منه لغير الكاملين و منهم من يحاسب بحساب سيئ و هو الاستقصاء و ان لايقبل لهم حسنة لعدم حصول شروط قبولها و لايعفي لهم عن سيئة لعدم وجود مكفر في اعمالهم و عقايدهم كما قال اولئك لهم سوء الحساب و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.
فصـل: في الصراط و هو لغة الطريق و في اصطلاح الشرع له معان احدها الامام و ثانيها الجسر الممدود علي جهنم ادق من الشعر و احد من السيف و ثالثها الطريق الي معرفة الله سبحانه و رابعها ما قصر عن الغلو و ارتفع عن التقصير و خامسها عبادة الله وحده و سادسها الصورة الانسانية و سابعها كتاب الله.
فعن المفضل بن عمر قال سالت اباعبدالله7 عن الصراط فقال هو الطريق الي معرفة الله عزوجل و هما صراطان صراط في الدنيا و صراط في الاخرة فاما الصراط الذي في الدنيا فهو الامام المفروض طاعته من عرفه في الدنيا و اقتدي بهداه مر علي الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة و من لميعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة فتردي في نار جهنم و عن العسكري7 والصراط المستقيم هو صراطان صراط في الدنيا و صراط في الاخرة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 345 *»
فاما الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو و ارتفع عن التقصير و استقام فلميعدل الي شيء من الباطل و الطريق الاخر طريق المؤمنين الي الجنة الذي هو مستقيم لايعدلون عن الجنة الي النار و لا الي غير النار سوي الجنة و قال تعالي الم اعهد اليكم يابني ادم ان لاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم و عن علي7 في الصورة الانسانية هي الجسر الممدود بين الجنة و النار و عن الصادق7 الصورة الانسانية هي الطريق المستقيم الي كل خير و الجسر الممدود بين الجنة و النار و عن النبي و الولي8 انه كتاب الله و يستنبط من هذه الاخبار ايضا معان اخر للصراط منها انه القيام باوامر الله و اجتناب نواهيه علي ما بينه السنته الناطقة و منها محبتهم و البراءة من عدوهم و منها انه ولاية اوليائهم و البراءة من اعدائهم و منها الايمان بما امنوا و الكفر بما كفروا و منها انه معرفتهم و معرفة اعدائهم و منها انه معرفة اوليائهم و اعدائهم و القبول منهم و التسليم لهم و امثال ذلك و جميع ذلك راجع الي شيء واحد و هو الامام7 كما روي بقول مطلق ان الصراط المستقيم هو اميرالمؤمنين7 و انه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم و زاد في رواية و معرفته.
و شرح حقيقة الامر ان الصراط هو الطريق الي الله سبحانه اي الي دار قربه و جواره لا الي ذاته فان هناك الطريق مسدود و الطلب مردود لا سبيل للممكن الحادث الذي خلقه لا من شيء الي ذاته الاحدية التي يمتنع ما سواها فيها نفيا و اثباتا ذكرا و امكانا و كونا و عينا و اثرا فليس للحادث طريق اليها بوجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات و فرض من الفروض فالطريق اليه طريق الي قربه و جواره و لا شيء اقرب اليه من اياته و مقاماته و علاماته و ليس له اية اكبر من محمد و المحمد: و هم المقامات و العلامات التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه و بينها الا انهم عباده و خلقه فتقها و رتقها بيده
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 346 *»
بدؤها منه اي من تجليه و عودها اليه انتهي المخلوق الي مثله و الجاه الطلب الي شكله فالطريق اليهم هو الطريق الي الله سبحانه و الرجوع اليهم هو الرجوع الي الله سبحانه لانهم هم اسم الله الرضي و وجهه المضيء و في الزيارة اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم و في الخبر ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم فالطريق الي معرفة الله هو الطريق الي معرفتهم قال7 بنا عرف الله و لولانا ماعرف الله و انما يعرف الله بسبيل معرفتنا قال7 ان معرفتي بالنورانية هي معرفة الله عزوجل و معرفة الله عزوجل هي معرفتي فالصراط المستقيم هو الطريق الي معرفتهم سلامالله عليهم و طريق الخلق الي معرفتهم هو درجات تجلياتهم و انوارهم التي اضاءوا بها كل شيء و ملأوا بها اركان كل شيء بحيث لا تعطيل لها في كل مكان يعرف الله بها من عرفه فقداشرقت بانوارهم جميع القوابل الامكانية و القوا امثلتهم في جميع الهويات الكونية حتي عرفوها ربها من اراد الله بدا بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم فجميع الخلق يمشون الي كمال التوحيد في درجات تلك الانوار التي لا تعطيل لها في كل مكان و هو ادق من الشعر لانه الطريق الي الاحد و احد من السيف لانه يشق اقدام تنقلاتهم و تركيبهم و يفرق بين ماهياتهم و وجوداتهم و تلك الانوار مقاماتهم تسمي باسمائهم بل هي هم في تلك الرتبة و لذا تقول بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت فهم هذا الصراط لا غيرهم.
و كذلك ما قصر عن الغلو و ارتفع عن التقصير فانهم النمرقة الوسطي اليهم يرد الغالي و بهم يلحق التالي و هم الامة الوسط فمن عرفهم كما عرفوا انفسهم و لميغل في حقهم و لميقصر فهو الساير علي الصراط المستقيم قديصل اليهم و من وصل اليهم فقدوصل الي الله سبحانه و هي المعرفة النورانية التي خلاصتها قولهم نزلونا عن الربوبية و قولوا في فضلنا ما شئتم و لنتبلغوا فمن عرفهم كذا فهو علي صراط مستقيم و تلك المعرفة هي امثلتهم الملقاة في هويات الاشياء و انهم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 347 *»
لميعرفوا انفسهم الا بانهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و يجمع شئون معرفتهم البيان و المعاني و الابواب و الامامة كما ياتي و تلك الامثلة مقاماتهم القائمة مقامهم في كل رتبة و مقام بل هي هم في تلك المقامات فالطريق بهذا المعني ايضا هو هم.
و كذلك عبادة الله سبحانه فانهم قالوا بنا عبد الله و لولانا ماعبد الله و لايعبد الله سبحانه الا بالاخذ بما امروا و الترك لما نهوا عنه و العلم بما علموا و اليقين بما شرحوا و اوضحوا و المعرفة كما عرفوا و التوجه بما امروا به و ذلك كله شئون تجلياتهم و اطوار ظهوراتهم قال7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر بل في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و ماواه و منتهاه وقال7 انا صلوة المؤمنين و صيامهم.
و كذلك الصورة الانسانية فان الناس كلهم بهائم الا المؤمن و الله خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته صبغة الله و من احسن من الله صبغة فابوه النور و امه الرحمة و محمد و علي8ابوا هذه الامة النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و انفسهم المحمد: فالنبي اولي بالمؤمنين من الاوصياء و ازواجه امهاتهم و خلق لكم من انفسكم ازواجا و ماكان لاهل المدينة و من حولهم من الاعراب انيتخلفوا عن رسول الله و لايرغبوا بانفسهم عن نفسه و قال الله سبحانه و انفسنا و انفسكم فعلي7 نفس الله و كتب علي نفسه الرحمة ثم صبغ المؤمنين في رحمته فهو7 العلة الصورية و جميع صور الاناسي من شعاع صورته بل هي مقاماته و اياته و لذا قال الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه اي الصورة العلوية التي لبست علي المؤمنين هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي المختصر من اللوح المحفوظ و اية له9 و هي الجسر الممدود بين الجنة و النار لان الشخص مادام
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 348 *»
متوجها اليه سالكا مسلكه اخذا بامره الذي هو حكاية وصفه و صورته تاركا لنهيه الذي هو حكاية صفة اعدائه و صورتهم يكون علي الصورة الانسانية و سايرا فيها اليه فهو اي الصراط الصورة الانسانية حقيقة و هي مقامه و نوره و علامته و ظهوره و هو9 علتها و اصلها و معدنها و ماواها و منتهاها فيكون بهذا المعني ايضا هو الصراط المستقيم.
و كذلك اذا اخذ بمعني القيام باوامر الله و اجتناب نواهيه فانه كما بينا منه صدر و عليه دل كما بينا انفا.
و كذلك اذا اخذ بمعني محبتهم و البراءة من عدوهم فان المحبة للعالي لاتكون الا بمثاله و نوره المشاكل لصفته كما حقق في محله ان المحبة لاتتحقق الا بالمجانسة و لايجانس صفة الموثر الا مثاله و نوره قال يا ادم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و ذلك المثال هو مقامه في العبد و عنده و نوره و ظهوره و اما البراءة فهي من تمام المحبة و انيتها و هويتها فلا ولاية الا بالبراءة و لاـبراءة الا بالولاية.
و كذلك ولاية اوليائهم و البراءة من اعدائهم و هما خالصتين لاتتحققان الا بالمشاكلة الذاتية و الميل الذاتي لان الارواح جنود مجندة فما تناكر منها اختلف و ما تعارف منها ايتلف فلايوالي وليهم الا من كان منهم و من طينتهم قال سبحانه ومن يتولهم منكم فانه منهم فمن كان منهم فهو نورهم شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس و الشعاع مقام المنير و ظهوره منه بدئ و اليه يعود.
و كذلك الايمان بما امنوا و الكفر بما كفروا.
و كذا معرفتهم و معرفة اوليائهم و اعدائهم فان جميع ذلك لايمكن للعبد الا بمثاله الملقيفيه فبه يهتدي بهداهم و يعرف فضلهم سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العزيز الحكيم و ماكنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.
و كذا معرفة اوليائهم و اعدائهم كل ذلك منهم و بهم و اليهم ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و ماواه و منتهاه.
و كذلك كتاب الله المجيد فانه ظهور عقلهم و علمهم بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و هم كتاب الله الناطق
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 349 *»
و الكتاب كتاب الله الصامت كما حققناه في محله.
فبجميع هذه المعاني يكون الصراط المستقيم هو اميرالمؤمنين7 و هو الصراط في الدنيا و هو الصراط في الاخرة الا انه7 حقيقة واحدة و نور واحد قداشرق به عرصة الامكان و الاكوان و الاعيان فنوره المشرق و شعاعه المتالق من حيث صدوره منه واحد علي صفته الا انه من حيث الظهور يختلف بحسب اختلاف القوابل و ينصبغ في بطونها فيظهر في بطون القوابل الدنياوية ذات الجهات العديدة و الاعراض الشديدة علي حسبها فاذا صفيت تلك القوابل عن الاعراض و ظهرت الاغراض التي هي علي طبق هيئات ارادة المريد الشرعية من حيث نفسها اي نفس الارادة او علي عكسها خالصة ظهر ذلك الشعاع المتالق علي حسبها فتقتضي صورة ذاتية حقيقية علي غير هذه الصور التابعة للاغراض و الامراض فلاجل ذلك يكون جملة صور الاخرة علي خلاف صور الدنيا مع انها هي هي بلا تفاوت الا في التصفية فلاجل ذلك يظهر التكليف في الدنيا علي هيئة الامر و النهي و في الاخرة علي هيئة نار الفلق و غير ذلك من الصور المختلفة التي ورد بها الشرع فمن جملة تلك الصور صورة الصراط علي صفة الجسر و هو الجسر و الصراط و الطريق في الدنيا الا انه كان في الدنيا علي تلك الصور التي ذكرنا و يظهر يوم القيمة علي صفة الجسر و لاتزعمن انه علي هيئة جسور الدنيا و قناطرها الممدودة علي الانهار و الاودية فان هذه الصور لاتناسب الا هذه المواد بل الصراط علي صفة الجسر يسار عليه باقدام الامتثالات و التوجهات الي خالق البريات و كذلك كل ما اخبرت به عن الاخرة فانه علي صفة ما في الدنيا لا علي هيئته و هندسته فتبين و ظهر ان الصراط هو اميرالمؤمنين في الدنيا و الاخرة اللهم ثبتني علي ولايتهم بالقول الثابت في الدنيا و الاخرة بحقهم صلواتك عليهم.
و اما ساير ما اخبرنا به في الشرع من ان عليه قناطر و علي كل قنطرة فرض يعني عليه ثلث قناطر علي واحدة منها الصلوة و علي الاخري الرحم و اما الاخري فان ربك لبالمرصاد فالصلوة عمود الدين و الشريعة الظاهرة ان قبلت قبل ما سواها منها و ان ردت
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 350 *»
رد ماسواها منها و الرحم هو رحم المحمد: و هو قطب الطريقة من وصله جازها و قبل عنه ما سواه و من قطعه رد عليه ما سواه و زل عن الصراط واما الثالثة فهي قنطرة الحقيقة و المعرفة من وحده جازها و الا فلا و هو اظلم من الليل الدامس للعيون العمشة عن الحق و ينوره الله لاهل البصيرة كالنهار المبصر كما روي انه مظلم يسعي الناس عليه علي قدر انوارهم و روي ان جبرئيل قال لرسول الله9 ابشرك يا محمد بما تجوز علي الصراط قال قلت بلي قال تجوز بنور الله و يجوز علي بنورك و نورك من نور الله و تجوز امتك بنور علي و نور علي من نورك و من لميجعل الله له نورا فما له من نور و ادق من الشعر لانه الي الاحد و احد من السيف يقطع اقدام الانظار المتكثرة.
فصـل: ان الصراط ممدود علي جهنم فانها في مقام الطبايع و الارض الاخروية و الصراط هو الصورة الانسانية التي هي مقام النفس الناطقة القدسية و ان اهل جهنم علي صورة البهايم و الحيوانات و النفس علي الطبيعة و فوقها و مراتبها ممدودة الي مبدئها الذي هو العقل فان موادها من تاييدات العقل بواسطة النفس الكلية الالهية و لما كانت من فروعها نسب الفرع و الاصل الي مبدا الاصل فهي الصراط الممدود علي متن الطبيعة البعير الاحمر و لذا ياتي جهنم علي صورة بعير و الصراط علي متنه و هو يحيط بعنقه عرصة المحشر لان الارض محيطة بمن فيها و جميع الاناسي يؤمرون بالجواز عليه فمن كان من اهل الطبيعة و الارض يقع منه اول قدم في نار جهنم و منهم من يجوز شيئا ثم يقع و ذلك ان الاخرة باطن الدنيا من اولها الي اخرها و الدنيا كانت دار الامضاء ختما و دار المحو و الاثبات تدرجا فمن ختم له بالحسني امضي و كتب محسنا و جاز الصراط صراط المحو و الاثبات فمن محي وقع و من ثبت اثبت فكل من لميكتب ولي علي7 و لميكن له منه براءة من النار لايجوز عليه البتة فالناس يؤمرون بالجواز هناك كما امروا هنا فمنهم من يقع عند اول توجه اليه و اول نظرة منه اليه فيقع فمنهم من
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 351 *»
يمشي شيئا و يمحي عن ديوان السعداء كتاب الابرار في عليين و هو اعلي الصراط و يثبت في ديوان الاشقياء كتاب الفجار في سجين و هو اسفل الصراط و منهم من يمشي متعلقا به بيده و هو متدل في جهنم باسافله فتاخذ منه شيئا و تترك شيئا الي انيختم له بالحسني و يثبت في عليين و يدركه الرحمة و منهم من يمشي حبوا و لامحالة يصيبه وهج النار لانه يمشي مع الالتفات الي الاسفل و لو كان ممتثلا قوله سبحانه و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و يسرع عند التسابق لما كان يصيبه شيء من وهج النار و منهم من يمشي ماشيا علي القدم علي بطءٍ و سكون فكذلك يصيبه الوهج لتوجهه الي الاسفل المورث للثقل المورث للبطءِ و منهم من يمشي عدوا و منهم من يمشي كالجواد و منهم من يمشي كالريح العاصفة و منهم من يمشي كالبرق الخاطف و ما بين هولاء درجات لايحصيها الا الله و لكل درجات مما عملوا و قل من يسلم من وهج النار و ان منكم الا واردها كان علي ربك حتما مقضيا و الوارد علي الماء غيرالمغتمس فمن الناس من يرد و يغتمس و منهم من لايغتمس فلاينجو منه الا من سبق له من الله الحسني اللهم اني اعوذ بك من وعثاء ذلك السفر و سوء المنقلب و استغفرك و اتوب اليك من توجهي الي غيرك فسلمني برحمتك يا ارحم الراحمين و ليس لي بعد التقصير و التفريط الا الاستغفار و الاعتصام بعروة الابرار ثم لايهلكني الا عدلك و لاينجيني الا فضلك اللهم ثبت قدمي علي الصراط يوم تزل فيه الاقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ارحم الراحمين.
و اعلم انه روي ان علي الصراط عقبة الف سنة صعودا و الف سنة حدالا و الف سنة هبوطا و في رواية ان فوق الصراط عقبة كؤدا طولها ثلثة الاف عام الف عام هبوط و الف عام شوك و حسك و عقارب و حيات و الف عام صعود انا اول من يقطع تلك العقبة و ثاني من يقطع تلك العقبة علي بن ابيطالب و قال بعد كلام لايقطعها في غيرمشقة الا محمد و اهل بيته انتهي و في الحديث الثاني و ان قدم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 352 *»
الهبوط الا ان تسميتها بالعقبة تدل علي ان ذلك محض ذكر المراتب اذ لو كان الهبوط مقدما لكان وهدة او واديا فتسميتها بالعقبة قرينة تقدم الصعود فلاينافي الحديث الاول و الذي يظهر لي من معني هذا الصعود و الحدال و الهبوط ان الكمال لايحصل للانسان الا بانيصعد من اودية هلاك منازل البعد و الاراضي الي منازل القرب و السماوات التي هي جهة المبدا و هو سيره الي الله سبحانه و اقباله اليه عند نداء اقبل فيصعد الي منازل القرب و هو السفر الاول ثم يسير في شئون الاسماء و الصفات و الافعال و يكتسب من انوار نجومها الكمال و الحيوة و النور و القوة و القدرة و هو سيره في الحق ثم يؤمر بالاداء و الابلاغ و الايصال و الهداية لاستكمال نوره و زيادة لطيفته و بلوغه رتبة الاشراق و القيام مقام العالي في الاداء و هو السير من الحق الي الخلق و لايكمل احد الا بذلك و قد امر جميع الخلق بذلك كل بالنسبة الي حده و مقامه و ادني ما امروا به هو الايصال الي جوارحهم و اعضائهم كما هو تاويل قوله سبحانه فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الاية فهذه العقبة في طريق الصورة الانسانية و درجات النفس صعودا و هبوطا و كون حداله كثير الشوك و الحسك و الحيات و العقارب لشدة امر السلوك في الحق و صعوبة مسالكه كما روي في القدر بحر زاخر خالص لله عزوجل عمقه ما بين السماء و الارض عرضه ما بين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري الخبر فاثبت فيه الظلمة و الحيات و الحيتان مع انه مشية الله سبحانه و مبدا الانوار و قديوصف الشيء بشيء و هو وصف ما فيه كليل قائم و نهار صائم و نهار مبصر و انما يقوم الانسان و يصوم و يبصر فتسمية البحر بالاسود كالليل الدامس لاجل عدم ابصار الناس فيه شيئا و عماهم عن دركه و الا فهو مبدا الانوار و كذلك الحيات و الحيتان لانه يهلك الانسان سريعا في ذلك البحر بلدغ حيات حيوته الحيوانية التي هي مركب النفس الامارة فان مقتضاها يمنعه عن درك معناه فنسب البحر الي الحيات و ليس له من نفسه حيات كذلك مسلك الانسان في الحق ليس فيه من نفس المسلك شوك و حسك و عقارب و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 353 *»
حيات و انما هو من الجهات المتكثرة النباتية و الحيوانية الضارة المانعة التي في الانسان المتعلقة به كالعاقول فنسبت الي الصراط لكون ذلك في الساير عليه فافهم و فيما ذكرنا في معني الصراط كفاية و بلاغ.
فصـل: في منبر الوسيلة و المقام المحمود و لواء الحمد و الكوثر اعلم انه قدروي عن ابيعبدالله7 قال كان رسول الله9يقول اذا سالتم الله فاسالوا لي الوسيلة فسالوا النبي عن الوسيلة فقال هي درجتي في الجنة و هي الف مرقاة مابين المرقاة الي مرقاة حضر الفرس الجواد شهر و هي ما بين مرقاة جوهر الي مرقاة زبرجد الي مرقاة لؤلؤ الي مرقاة ذهب الي مرقاة فضة فيؤتي بها يوم القيمة حتي ينصب مع درجة النبيين فهي بين درجة النبيين كالقمر بين الكواكب فلايبقي يومئذ نبي و لا شهيد و لا صديق الا قال طوبي لمن كانت هذه درجته فينادي المنادي و يسمع النداء جميع النبيين و الصديقين و الشهداء و المؤمنين هذه درجة محمد9 فقال رسول الله6 فاقبل يومئذ متزرا بريطة من نور علي تاج الملك و اكليل الكرامة و علي بن ابيطالب امامي و بيده لوائي و هو لواء الحمد مكتوب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله المفلحون هم الفائزون بالله الي ان قال فبينا انا كذلك اذا ملكان قداقبلا الي اما احدهما فرضوان خازن الجنة و اما الاخر فمالك خازن النار فيدنو رضوان و يسلم علي و يقول السلام عليك يا رسول الله فارد عليه و اقول ايها الملك الطيب الريح الحسن الوجه الكريم علي ربه من انت فيقول انا رضوان خازن الجنة امرني ربي ان اتيك بمفاتيح الجنة فخذها يا محمد فاقول قدقبلت ذلك من ربي فله الحمد علي ما انعم به علي ادفعها الي اخي علي بن ابيطالب فيدفعها الي علي و يرجع رضوان ثم يدنو مالك خازن النار فيسلم و يقول السلام عليك يا حبيب الله
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 354 *»
فاقول له و عليك السلام ايها الملك ماانكر رؤيتك و اقبح وجهك من انت فيقول انا مالك خازن النار امرني ربي اناتيك بمفاتيح النار فاقول قدقبلت ذلك من ربي فله الحمد علي ما انعم به علي و فضلني به ادفعها الي اخي علي بن ابيطالب فيدفعها اليه ثم يرجع مالك فيقبل علي و معه مفاتيح الجنة و مقاليد النار حتي يقعد علي عجزة جهنم و ياخذ زمامها بيده و قدعلا زفيرها و اشتد حرها و كثر شررها فينادي جهنم ياعلي جزني قد اطفا نورك لهبي فيقول علي لها ذري هذا وليي و خذي هذا عدوي الخبر و في حديث اخر انه منبر من ياقوتة حمراء مكلل بزبرجدة خضراء له سبعون الف مرقاة بين المرقاة الي المرقاة حضر الفرس القارح ثلثة ايام و روي ان ذلك المنبر هو المقام المحمود و علي7 اسفل من النبي6 بدرجة و روي حلتهما و حلة الائمة وردية و روي ان عليهما حلتان خضراوان و روي انهما يكسيان الوردية و الخضراء معا.
فاعلم ان لكل درجات مما عملوا فنفس الاعمال درجات العباد يصعدون باقدام الامتثال في درجات الاعمال كما ياتيك ان شاء الله فدرجات محمد و المحمد:ارفع الدرجات قدعبدوا الله عزوجل قبل جميع الخلايق بالف الف دهر و مع جميع الخلق و بجميع عبادة العابدين و هو احد معاني بعبادتنا عبد الله و لولانا ماعبد الله و احد معاني اشهد انك قداقمت الصلوة و اتيت الزكوة و امرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و اطعت الله و رسوله حتي اتاك اليقين و ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و ماواه و انا الامل و المامول و امثال ذلك وبعد جميع الخلق حيث فنوا و بقي وجه الله سبحانه فجميع درجات الخير لهم بل هم درجات عند الله لانهم اصل كل خير و فرعه و انا صلوة المؤمنين و صيامهم فدرجة النبي9 ارفع جميع الدرجات و هي محيطة بالكل من جميع جهاتها و جميع الدرجات ظهور درجته و نورها بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الا انت و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 355 *»
تظهر تلك الدرجة علي صفة المنبر لان المنبر هو مقام استعلاء العالي علي الرعية حين رجوعه الي الخلق و سيره من الحق الي الخلق و لذا يستدبر القبلة و يتوجه الي الخلق و الخلق يجعلونه في قبلتهم يستمعون منه كلام الله كما ان المحراب مقام السير من الخلق الي الحق و لذلك يستدبر الخلق و يتوجه الي القبلة و الصلوة معراج المؤمن و هذا السير يقتضي الخضوع و الخشوع و لذلك يساوي مقامه الرعية او يكون انزل منهم فاذا انتهي سيره الي الحق يسير في الحق و هو حين سجوده و غاية خضوعه و تسويه مع التراب اقرب ما يكون العبد الي الله و هو ساجد قال الله سبحانه و اسجد و اقترب فاذا سار في الحق و استنار امر بالادبار و التوجه الي هذه الديار للامر و النهي و الحكم فيصعد المنبر و يستولي علي جميع الرعية و ينطق بالحق بالجملة هذه صفة المنبر و معناه و ارتفاع المنبر علي قدر سير الساير حال سيره الي الحق فكل احد ينزل من حيث وصل اليه في الصعود فلما كان سير النبي و الوصي صليالله عليهما و الهما حين السجود و تقلبهما في الساجدين بلانهاية و وصلا الي غاية القرب و مقام قاب قوسين او ادني و هما اي القوسان قوس السرمد و قوس حجاب الزبرجدة الخضراء المتلألأ بخفق فلما امر بالرجوع كان مطلعه علي ساير الخلق من الافق الاعلي ليس فوقه مقام لذيمقام و درجة اعلي منه لذيدرجة فتوجه9 من المنظر الاعلي و الافق المبين علي الخلايق فكان6 في اعلاه و علي7 ادني منه بدرجة لانه نفسه و صورته و ذلك المنبر العظيم له الف مرقاة و في رواية سبعون الف مرقاة فان من مطلعه الي عرصة المحشر خمسة مقامات مقامه و مقام الانبياء حال القطبية و مقام الاناسي و مقام الجن و مقام الملائكة المحشورين يوم القيمة ذوي النفوس الناطقة و لكل مقام من هذه المقامات الخمسة عشر مراتب من مرتبة المسمي الي الجسم كل بحسبه و كل مرتبة من هذه المراتب خلقت في ثلث دورات تتم بها قابليتها و دورة يتم بها مقبولها و يظهر في كل دورة اسرار التوحيد و مقاماته
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 356 *»
الخمسة فذلك الف مرقاة كل مرقاة منها من جوهرة من الجواهر علي حسب مزاجه و طبعه و مقامه و لذا روي ان المنبر من نور رب العزة و قدعبر في الحديث الاخر عنها بسبعين الفا نظرا الي موثرية تلك المراتب لما دونها و كون الموثر سبعين بالنسبة الي الاثر لانه في مقام الموثرية يظهر بالفعل المعبر عنه بـكن و قواه سبعون لان له رتبتين مادة و صورة فالكاف اشارة الي مادته و النون الي عينه و صورته نظرا الي ان المادة لها اربع مراتب من الظاهر و الفعل اي ظَهَرَ و الظهور و المظهر و يتجلي الموثر العالي في كل رتبة منها بما انطوي عليه من التذوت و الموصوفية و صفات القدس و الاضافة و الخلق فيكون مراتب المادة عشرين و لما ظهر هذه المراتب في العين ايضا بمراتبها العشر التي هي المعنوية الكلية و الصورة الاجمالية الكلية و المعنوية الجزئية و ست مراتب الصور التفصيلية الجزئية و الجامعة الحاملة للكل ظهور النون فذلك سبعون الفا من مقامات الموثر التي هي مراقي ذلك المنبر الرفيع و المقام المنيع و يظهر من بعض الاخبار ان له اربعا و عشرين مرقاة يركبه علي7 فاذا له خمس و عشرون درجة فان درجة علي7 ادني من درجة رسول الله9 بدرجة و هو من حيث الكليات و ملاحظة المقامات الخمسة الاولي و ظهور اسرار التوحيد الخمسة في كلها فالدرجة العليا لرسول الله9 و احتجب بشعاع نوره عن نواظر الخلق و الاربع و العشرون ظاهرة للخلق و بين كل درجتين شهر بسير الفرس الجواد القارح الذي هو عقل المتفرس الكامل فان العقل الواقف في كل درجة ما لميتجاوز مراتب كينونته العشر و في كل مرتبة من كيانه الثلثة لميبلغ الدرجة العليا و في بعض الاخبار سير ثلثة ايام و هو من حيث النظر الي الكيان مع قطع النظر عن الجزئيات و يمكن فيها غير ذلك من الوجوه و اعلم انه لايتفاوت في المراد اذا قلت اربعون و اردت منه اربعين واحدا او عشرون و اردت عشرين اثنين او عشر و اردت عشر اربعات او خمس و اردت خمسة ثمانيات او ثمان و اردت ثماني خمسات كلها واحد و تعبير عن كم واحد الا انه يختلف
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 357 *»
التعبير بحسب الانظار و المراد واحد و يمكن انيراد بهذه الاعداد محض الكثرة علي ما هو المتعارف في العرف فعلي اي حال هذه الدرجات مخصوصة بمقامهم: و كل درجة تقصر عن درجتهم.
و هذا المنبر يعم عرضا و طولا جميع عرصة المحشر في العظمة و الكبرياء و جميع من دونهم جاثون تحت هذا المنبر لايرتفع لاحدهم صوت و هو قوله و تري كل امة جاثية كل امة تدعي الي كتابها و قوله و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الا همسا و كلهم ينتظرون حكمهم صلواتالله عليهم فيهم و هم من خشيتهم مشفقون فيؤتي اليهم مفاتيح الجنة و مقاليد النار و يدعون من قبل الجبار القيا في جهنم كل كفار عنيد و يعطي رسول الله9 المفاتيح و المقاليد عليا7 لانه يده المعطية كل ذيحق حقه و السائقة الي كل مخلوق رزقه و بيده7 يومئذ لواء الحمد له اربعون شقة ملأت ما بين السماء و الارض و في رواية له سبعون شقة الشقة منها اوسع من الشمس و القمر و في رواية له شقتان شقة من سندس و شقة من استبرق و في رواية له ثلث ذوائب من نور ذؤابة في المشرق و ذؤابة في المغرب و ذؤابة في وسط الدنيا و طول اللواء مسيرة الف سنة و في الاخبار جزئيات اخر تركناها خوف الاطالة و لا تنافي في الاخبار و الحمد لله.
و الاشارة الي ذلك ان اللواء هو عبارة عن قيومية الملك و تظليله علي رؤس الرعية و لذلك قيام اللواء يدل علي قيام الملك و وقوعه علي وقوعه و لواء الحمد يوم القيمة علي صفة اللواء كما ذكرنا سابقا سر امثاله و سمي ذلك اللواء بالحمد لانه صفة قيومية النبي الظاهر بالولي ولي النعم المعطي كل ذيحق حقه و السائق الي كل مخلوق رزقه فلاجل ذلك سمي صاحب اللواء بـمحمد لانه يقع عليه حمد كل حامد و هو محمود كل حامد و سمي ذلك المقام بالمقام المحمود اذ لايتجاوزه حمد حامد و لايستحقه سواه اذ لامنعم غيره و لما كان هو9 ينعم علي البرية بيده العالية العلية و انما يظهر الانعام علي يده العالية فيكون مرجع الحمد علي نعمائه ذلك اليد فيكون لواء الحمد بيده و هو يعم جميع الالف الف
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 358 *»
عالم و له ثلثة ذوائب ذؤابة في مشرق الجبروت و ذؤابة في مغرب الملك و ذؤابة في وسط الدنيا اي الملكوت و هو وسطها و اشرفها و في نظر اخر له شقتان شقة من سندس و هي الشقة التي منشورة في عالم الغيب الذي هو اللطيف و شقة من استبرق و هو اغلظ من السندس و هي منشورة في عالم الشهادة و في نظر اخر له اربعون فان كليات العوالم عشرة من المسمي الي الجسم و في كل عالم اربع مقام من الباطن و البطون و الظاهر و الظهور و في نظر اخر له سبعون شقة لان كل عالم من تلك العوالم العشرة مثلث الكيان مربع الكيفية كل شقة منها اوسع من شمس المواد و قمر الصور لان ظل العالي و نوره و مثاله ابدا اوسع من الهوية التي القي فيها بالجملة لو شئنا اننشرح جميع الحقائق في كل مسئلة لفني العمر قبل انتفني فلنكتف بما ذكرنا و انما الغرض في هذا الكتاب بيان الكليات لا الجزئيات.
و اما الكوثر و هو الحوض الذي نحله الله سبحانه النبي و اعطاه اياه و نوه باسمه حتي قال انا اعطيناك الكوثر فهو مقام عظيم لميفز به غيره و هو نهر عظيم يجري تحت عرش المشية له شعبان ينصبان فيه احدهما تسنيم و الاخر المعين و هما خليجان يجريان احدهما من اعلي المشية و هو التسنيم من سنام المشية و الاخر من معين عينها عرض هذا النهر مابين مشرق المشية و ارض الامكان و مجراه في جنة عدن عليه منازل محمد و المحمد: خاصة دون النبيين و غيرهم و هو الحوض المعروف المتواتر المسمي بالكوثر و لا شك ان الاسماء الزمانية الجسمانية التي عبر بها عما في الاخرة لايراد بها نحو معانيها الزمانية الجسمانية من كل جهة فان الاخرة الطف من الدنيا باربعة الاف و تسعمائة مرة و هي دار الخلود و تلك المعاني الزمانية بتلك الكثافة من عرصة الفناء فالمعاني الاخروية يعبر عنها بالفاظ دنياوية و يراد منها انها علي صفة هذه لا هيئته فان هذه الهيئات مخصوصة بهذا الصقع لان الصور الكثيفة لاتلبس الا علي مواد كثيفة و الصور اللطيفة لاتلبس الا علي مواد لطيفة و الصور الدنياوية لاتلبس الا علي مواد دنياوية و اما المواد الاخروية فلايمكن انتتصور بالهيئات الدنياوية اماتري انك
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 359 *»
لاتقدر انتصبغ الهواء المشهود اخضر او اصفر و الهواء جسم دنياوي فكيف المواد الاخروية فهي تكون علي صفة ما في الدنيا اذا لطفتها و نعمتها و خلصتها عن الاعراض و كذلك صفة جميع ما تسمع من امور الاخرة فمن ذلك حوض الكوثر فهو امر علي صفة الحوض يعني هو مجمع ماء و ماؤه سبب الحيوة يحيي به ارض القوابل و تنبت به نباتا فلو قدرت انتصف ما في الدنيا باوصاف مطلقة و تترك عنها ما يخص الرتبة لفزت بمعرفة الحقايق البتة فاقول لذلك النهر و ذلك الحوض معان كلها واقعية حقية:
منها ان ذلك النهر هو الماء النازل من سحاب المشية و به حيوة كل شيء من شرب منه لميظما و لايشقي ابدا فيشربه المؤمنون و يحرم عنه الجاحدون للحق و النهر لرسول الله9 و اما الساقي المغترف فهو علي7 يعطي كل ذيحق حقه ويسوق الي كل مخلوق رزقه اذ هو مقام التفصيل ولكن هذا الحوض صرفه لمحمد و المحمد: و غيرهم لايقدر علي شربه صرفا و يمزج بغير لكل علي حسبه كما روي في التسنيم فالذي منه يخصهم صرفه و الذي ينال غيرهم شوبه.
و منها ماء العلم الذي خصهم الله به يحيطون بكل شيء علما علم احاطة و عيان فذلك النهر هو نفسهم العلامة الكلية الالهية الجارية من تحت عرش العقل الكلي لها مادة من تسنيم مادة العقل و صورة من معين صورته و هو نهر كثير الخير قدعم البريات و حقيقته الاحاطية لمحمد و المحمد: و يسقي علي7 غيرهم و يشوبه ليتحملوه و يذود عنه اعداءه كما يذاد الابل فـ ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و مستقي العلم بيتهم الرفيع فليس لاحد من اهل الباطل علم ابدا بباطلهم و اما بالحق فان علموا فهو من لطخ يزول يوم القيمة.
و من هذا الباب ان اُول الكوثر بالقران فهو ايضا ماء جار من تحت عرش العقل كثير الخير من شرب منه لميظما و فيه علم كل شيء له شعبان شعب تسنيم باطن و معين ظاهر صرفه و حقيقته لمحمد و المحمد: ثم كل واحد ممن سواهم علي حسب مقامه يشربه مشوبا لعدم تحمله.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 360 *»
و منها انياوّل بشرعه و سنته فهو ايضا حوضه و مشرعة عرضها مابين المشرق و المغرب لانه ما من شيء الا و فيه كتاب او سنة و فيه حد كل محدود يجري من تحت عرش الله الذي هو المشية فان الشرع صفة المشية فيه تسنيم تدبير النفوس و معين تدبير الاجسام او تسنيم الباطن و معين الظاهر او تسنيم العقايد و معين الاعمال صرفه المطابق مع المشية من كل جهة من خواص المعصوم المطهر و مشوبه لساير الناس و ساقيه علي7 المعلم للامة الكاشف للغمة فمن شرب منه لميظما و ان المستبدين بارائهم محرومون من شرب ذلك الماء يذادون كما يذاد الابل الغريب عن المشرعة.
و منها ان الكوثر هو الشفاعة و المقام المحمود فان الشفاعة كما ياتي من فضل نور الكامل المتعلق بالناقص المكملله المبلغ اياه درجة لايستحقها و لا مخلوق اكمل نورا و افضل ظهورا من محمد9 و عترته الانجبين فنوره الذي اشرقت به السماوات و الارضون من تحت مشية الله سبحانه فانه صفة المشية عرضه المشرق و المغرب لعمومه و شموله كل شيء صرف ذلك النور لمحمد و المحمد ثم كل من يشرب منه يشرب مشوبا كما مر فهم يشفعون لمن دونهم و من دونهم لمن دونهم و هكذا و نور كل شفيع مشوب عدا نورهم فانه صرف نور الله سبحانه لايشوبه صبغ و روي انه عرضه ما بين ايلة و صنعاء و في رواية بصري و صنعاء و يمكن انيكون المراد بايلة جهة الرب لانها من ايل بمعني الله و بصنعاء جهة الصنع لانه من الصنع و كذلك البصري من البصيرة و هي جهة ايل بالجملة عرض ذلك الحوض كما روي من مشرق المشية الي مغرب القوابل و الامكان و هذه الحقايق و امثالها تظهر يوم القيمة بصفة الماء و الحوض لان به حيوة كل شيء و يشرب منه الاولياء استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم فمن دخل في ولاية المحمد: في الدنيا ياتي يوم القيمة واردا علي حوضهم و يشرب من ذلك الماء و من لميدخل في ولايتهم ياتي يوم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 361 *»
القيمة مطرودا عن ذلك الحوض ظمانا فتدبر.
و قد روي في البحار عن النبي9 الكوثر نهر يجري تحت عرش الله تعالي ماؤه اشد بياضا من اللبن و احلي من العسل و الين من الزبد حصاه الزبرجد و الياقوت و المرجان حشيشه الزعفران ترابه المسك الاذفر قواعده تحت عرش الله عزوجل ثم ضرب رسول الله9 يده في جنب علي اميرالمؤمنين7 و قال ياعلي ان هذا النهر لي و لك و لمحبيك من بعدي و عنه9 ان الله عزوجل اعطاني نهرا في السماء مجراه تحت العرش عليه الف الف قصر لبنة من ذهب و لبنة من فضة حشيشها الزعفران و رضراضها الدر و الياقوت و ارضها المسك الاذفر فذلك خير لي و لامتي و ذلك قوله تعالي انا اعطيناك الكوثر الخبر وعنه9 من لميؤمن بحوضي فلااورده الله حوضي و عنه9 اني فرطكم و انتم واردون علي الحوض عرضه مابين بصري و صنعاء فيه قدحان من فضة عدد النجوم و في حديث عن علي7تنافسوا في لقائنا علي الحوض فانا نذود عنه اعداءنا و نسقي منه احباءنا و اولياءنا و من شرب منه شربة لميظما بعدها ابدا حوضنا مترع فيه شعبان ينصبان من الجنة احدهما من تسنيم و الاخر من معين و روي عنه9 في حديث انه مابين ايلة و صنعاء و عنه9 في حديث انه نهر في الجنة عرضه و طوله مابين المشرق و المغرب و الاخبار في الحوض كثيرة تشرفنا بذكر بعضها لئلايخلو كتابنا من بركاتها و انت اذا تدبرت في وجوه ذكرناها عرفت معاني هذه الاخبار بلا غبار و عرفت انه لا اختلاف فيها و عرفت ان سعة هذا الحوض سعة المشرق و المغرب كما ان حميم جهنم سعته مابين المشرق و المغرب و هو ايضا ماء في جهنم حاوٍ لجميع انحاء الشرور يرده اعداء المحمد: و مُوردهم عليه هو ايضاعلي7
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 362 *»
فانه رحمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار و هو قسيم الجنة و النار كلا نمد هولاء و هولاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا الا ان الكوثر يجري من باطن باب الله سبحانه الذي فيه الرحمة و هو عرشه سبحانه الذي استوي عليه و الحميم الآن يجري من ظاهره الذي من قبله العذاب فمن تمسك بولايته و اتبع امره و نهيه ورد حوض الرحمة و سقي منه و من تخلف عنها ورد حوض النقمة و هذان الماءان هو الماء العذب الفرات الذي عجن منه طينة المؤمن و الماء الاجاج الذي عجن منه طينة الكافر في الدعاء اللهم ان شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا فمن عجن طينته في عالم الذر من ماء الكوثر و سقي طينته منه يرده يوم القيمة و يسقي منه فان العود علي البدء و من عجن طينته في عالم الذر من الحميم الملح الاجاج و سقي طينته منه يرده يوم القيمة و يسقي منه كما بداكم تعودون فهذا هو الكوثر الكثير الخير اصله لالمحمد: وعليه منازلهم و فاضله لشيعتهم فتدبر راشدا موفقا فقداسقيتك ماء غدقا لواستقمت.
فصـل: في طول مدة يوم القيمة و يقول الله سبحانه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة و في موضع اخر في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون ويقول في موضع اخر ان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون.
اعلم ان اليوم قديطلق و يراد به في الظاهر ما يضاد الليل كقوله سبع ليال و ثمانية ايام و قديطلق و يراد به مجموع الليل و النهار كقولهم من بصرة الي كوفة مثلا مسيرة عشرة ايام و يراد بها مجموع الليل و النهار و قديطلق و يراد به مدة الملك و ان طالت كقوله سبحانه و ذكرهم بايام الله و كقوله و تلك الايام نداولها بين الناس و منه ما فسر به قوله يوم كان مقداره خمسين الف سنة و هي كرة رسول الله9 فيكون ملكه في كرته خمسين الف سنة و قديطلق اليوم و يراد به الوقت المطلق طال ام قصر و منه قوله سبحانه كل يوم هو في شان و قديطلق و يراد به المراتب كقوله
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 363 *»
خلق السموات و الارض في ستة ايام اي في ست مراتب لانه لميكن حين خلق السموات و الارض وقت فلابد اولا انتفهم يوم القيمة ثم تعرف طوله.
اعلم بقول مطلق ان الشيء له جهتان جهة الي مبدئه و هي الطف جهتيه و ابسطهما و ارقهما و احكاهما لما وراءها و جهة الي نفسه و هي اغلظ جهتيه و اشدهما تركيبا و كثافة و حجبا لما وراءها و ذلك سر سار في جميع مراتب الوجود من الدرة الي الذرة و لما كان النور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره بغلبة روحانيته علي انيته فجميع النور و الظهور هو للمبدا لانه الروح المحض بالنسبة الي المنتهي و تمام النور و الظهور له فلما كانت الجهة العليا للاثر شافة حاكية لماوراءها تحكي ذلك النور و ذلك الظهور فتكون نورا ظاهرا مظهرا و لما كانت الجهة الدنيا كثيفة حاجبة لما وراءها صارت ظلمة و هذا الامر هو سر حدوث النهار و الليل في المبدا و المنتهي فكل نهار من جهة المبدا و كل ليل من جهة المنتهي و منه ما تري ان النهار ظل السماء و الليل ظل الارض في هذه الدنيا فاذا قديدقق الحكيم نظره فاذا راي اوقاتا عديدة فيها يغلب انوار الرب و حكمه و علمه يسميها نهارا و ان تعددت و اذا راي اوقاتا فيها ظلمة الشياطين و حكمهم و علمهم غالبة يسميها ليلا و ان تعددت كما روي في قوله و النهار اذا جليها، هو قيام القائم و في قوله و الليل اذا يغشيها، هو دولة حبتر و لاجل هذه العلة يسمي العقل مثلا بالنهار و النفس بالليل و منه ما روي ان ليلة القدر فاطمة و الفجر قيام القائم وهكذا و جميع ذلك من باب ما ذكرناه لك و من هذا الباب ايضا تسمية الغيب باليوم و تسمية الشهادة بالليل للطافة الغيب بالنسبة و حكايته المبدا و كثافة الشهادة الحاجبة له و بهذا اللحاظ يسمي عالم النفس يوم الذر بدءا و يوم القيمة عودا فهذه الدنيا ليلة بين شطري النهار كما سنفسره لك.
ثم ان للنهار و الليل ثلث حالات بل اربع في تعاقبها الاولي حال استواء عمود مخروط النور علي عمود الليل فيصير اليوم منطبقا علي الليل حادا معه فحينئذ يغشي الليل النهار و الثانية عكسه و هي غشيان النهار الليل و هما حالتا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 364 *»
زوال النهار و زوال الليل الثالثة حال امتزاج الليل بالنهار و النهار بالليل و هي حالة الايلاج و هو قوله سبحانه يولج الليل في النهار يعني به الشفق و يولج النهار في الليل يعني به بين الطلوعين فتكون هذه الحالات في كل يوم و ليلة علي حسبهما فعلي معني انيكون الغيب يوما و الشهادة ليلا يكون حال غشيان النهار الليل مبدا عالم النفوس حين كون شمس العقل علي قمة الرؤس و غاية ظهورها و هو الظهر و قدانطبق النهار علي الليل فلايري فيه شائبة ظلمة ثم اذا انحدرت النفس عن مبدئها تظهر مبادي ظلمة الشهادة الي انتغرب الشمس في عالم المثال و تستتر في افق الانية ولكن شفقها باق و كلما ينحدر يشتد الظلمة و يضعف النور الي انيدخل في عالم الاجسام فيغيب الشفق ايضا و هكذا ينزل الامر نازلا الي الارض فاذا بلغ الارض التي هي المنتهي انطبق الليل علي النهار و صار زوال الليل ثم اذا اخذ في الاقبال يميل الي جهة الفجر ما هو في الجمادية و النباتية فاذا انشئ خلقا اخر و نفخ فيه روح الحيوان حدث الفجر ثم يصعد صاعدا الي انينفخ فيه النفس الناطقة القدسية فيطلع الشمس و كلما يصعد في درجات النفس يقرب من الزوال فاذا بلغ المنتهي و راي الشمس شمس المشية او العقل علي قمة راسه يكون زوالا و يقوم القيمة و الشمس فوق رؤس الخلق فتمام عالم الشهادة و هو الدنيا و عمرها مائة الف سنة كل الليل و شطر من النهار قبله و هو عالم النفس حال النزول و هو عالم الذر و شطر منه بعده و هو عالم القيمة فتبين من ذلك ان النهار خلق قبل الليل و الكواكب في اشرافها و غاية قوتها و الشمس في التاسعة عشر من حمل فهي علي قمة الرؤس فبدء الايجاد من الظهر و ختمه الي الظهر و اليوم مطابق مع الليل فشطره المقدم خمسون الف سنة و شطره المؤخر ايضا خمسون الف سنة و تمام اليوم مائة الف سنة كليله علي حد الاعتدال.
و سر كون الشطر خمسين الف سنة ان للقيمة خمسين مقاما يلبث الناس في كل مقام الف سنة و ذلك ان لعرصة القيمة خمسة مقامات جسمها و مثالها و مادتها و طبيعتها و نفسها و كل واحد من هذه المقامات خلقت من عشر قبضات تسع من افلاكها و واحدة من الارض فتلك خمسون مقاما و يلبث الساير في كل مقام الف سنة و هو قول ابيعبدالله7
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 365 *»
حاسبوا انفسكم قبل انتحاسبوا عليها فان للقيمة خمسين موقفا كل موقف مقداره الف سنة ثم تلا في يوم كان مقداره خمسين الف سنة انتهي و سر الوقوف في كل موقف الف سنة لانه ينبغي لهم انيتنصلوا في كل موقف عن الوف الجمادية و مـٔات النباتية و عشرات الحيوانية التي هي جهات الانية و القابلية الي احاد الانسانية و يتصلوا بالواحد الذي هو مبدؤهم فهم يصعدون في كل موقف من منتهاه الي مبدئه في الف سنة فالانسانية مقام الاحاد لغلبة سر المبدا عليها و الحيوان ادون من الانسان بدرجة فاذا قيس بالاعداد عبر عنه بالنسبة بالعشرات و النبات ادون منه بدرجة ففي القياس بالاعداد يعبر عنه بالمـٔات فانها ادون من العشرات و الجماد ادون منه بدرجة ففي القياس يعبر عنه بالالوف هذا و تكثر كل دان اشد من تكثر العالي عليه كما هو مشاهد فان واحدا و هو الانسان المقبول عند ربك كالف عندكم في منتهي القابلية و التعبير عن كل مرتبة بسنة لاجل ان شمس راس المشية المتعلقة بها مستكملة دورة تامة عليها قدرتبها في فصول طبايعها في اشهر كيان تلك الطبايع و ايام قوابلها في قبضاتها فبذلك صار يوم القيمة خمسين الف سنة و انما هذا الطول يمر علي الاشخاص في استخراج جواهرهم من اعراضهم و اما بالنسبة الي الله سبحانه فهو طرفة عين و ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر و عبر عن ذلك فيما روي عن ابيعبدالله7بقوله لو ولي الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين الف سنة من قبل انيفرغوا و الله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة انتهي و الساعة قطعة من الوقت الساعي و هي لمح البصر فالفعل من الله سبحانه في اخراج جواهرهم من الاعراض كلمح بالبصر و الانفعال منهم في خمسين الف سنة و لما عرفت ان هذه المدة رتبية كما يقال ان من الارض الي السماء خمسمائة عام و قطر كل سماء خمسمائة عام فالخلق يختلفون في سيرهم من اسفل العرصات الي اعلاها فمنهم من يطير صاعدا و يبلغ المنتهي في طرفة عين و منهم من يصعد كالبرق الخاطف و منهم من يصعد كالريح العاصفة و منهم من يصعد كالجواد العادي و منهم من يمشي و منهم من يحبو
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 366 *»
و هكذا فمدة السير غير مدة المسافة فافهم و تدبر فيما ذكرنا و قدكتبنا نحن في ذلك رسالة منفردة و بسطنا فيها القول بساير الوجوه فراجعها ان شئت.
الموقف الرابع
في معرفة الثواب و العقاب و الجنة و النار و المجازاة و ما يتعلق بها
و في هذا الموقف ايضا فصول نذكرها علي ترتيب الحكمة و التعليم ان شاء اللّه لنرقيك من حضيض الجهل بها الي سماء العلم بها و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
فصـل: اعلم ان الحادث يحتاج الي محدث فان كان ذاتا يحتاج الي مذوت و ان كان وصفا يحتاج الي مغير فالمذوت هو المكون يكون الذوات و يجعلها هي هي بامره الكوني الذي هو كن فيحدث عن قوله كن نور يصير هو مادة تلك الذات و يحدث من انفعالها صورة ذاتية لها و هما مطابقتان في الوصف لراس من رؤس المشية الكونية المتعلق بهما و ذلك الراس هو تلك المادة و الصورة من حيث اضمحلالهما عند سطوع نور العالي و كونهما وصفا له فهما من حيث هما مطابقتان لهما من حيث انهما وصف العالي و هذا هو الذي نقول ان الاثر يطابق صفة الموثر و هو صفة الموثر لا غير و الا فلا مطابقة بين الاثر المركب مع ذات الموثر الاحدية و المغير هو الشارع المكمل المظهر علي الكائن الثابت صفة كانت كامنة فيه فرباها المغير حتي قويها و ابرزها من الكمون الي العيون فالمغير ايضا يغير بامر له شرعي و هو في الجملة قول اقبل و في التفصيل قول صل و صم و زك و حج و امثالها فيحدث عن امره نور شعشعاني يملأ الاقطار و ذلك النور هو الشبح المنفصل عن شبح متصل بالامر فانه لميامر الا بصفاته كما انك تامر ما في المرايا من امثلتك بالقيام بقيامك في نفسك فاذا قمت انفصل عنك شبح و انطبع في المرايا فتقوم تلك الامثلة علي ما امرتها ان لمتكن المرايا معوجة او مصبوغة و الا فتغيره علي حسبها و لما كان الشارع اصل كل خير و نور و كمال و اعتدال و كان موصوفا بها جميعها في ذاته علي نهج الوحدة الجامعة و في افعاله و احواله و اقواله
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 367 *»
و اخلاقه في نفسه علي نهج التفصيل الكلي انفصل عنه امثلة في اقطار الافاق علي حسب ما فيها ففعل و قال و قرر و تلك الامثلة في نفسها مطابقة لذيها لصدورها بنفسها فمن انفعل من تلك الاكوان لتلك الامثلة و امتثل بها حدث لها من امتثال تلك الاكوان صورة كما يحدث لمثالك صورة من المراة فالبادية في المراة هي المخصوصة بها لها مادة من ظهور الشاخص و صورة من استعداد المراة فذلك المثال و تلك الصورة وجود وصفي قدحدث في الكاين لميكن له قبل ذلك و ان كان صالحا لظهور ذلك الوصف منه و هذا الوجود الوصفي هو الخلق الثاني في عالم الذر عند الدعوة و الاجابة و ذلك المثال هو الماء المتخذ لهم و ذلك الامتثال هو الطين و من هذا الماء و الطين يخلق لباس و وصف و يلبس علي الكائن فاذا نظر الناظر اليه لمير منه الا ذلك اللباس فان خلعه و لبس لباسا اخر ظهر به فالمُلك مُلكان مُلك تكوين لكل شيء و مُلك تشريع علي كل شيء فقدالبس في الخلق الثاني علي جميع الذرات لباس قدسترها عن الابصار و صارت الالبسة هي المشهودة بالفعل و الكينونة هي الغايبة و بالقوة ففي ملك التشريع مؤمن و كافر و جنة و نار و عليون و سجين و سعيد و شقي و قرب و بعد و لطيف و كثيف و عال و دان و حَسَنٌ و قبيح و واجب و حرام و محمود و معاف و طاعة و معصية و حسنة و سيئة و هكذا ما سمعت من الاضداد و لما كان الناس من بدء امرهم راوا انفسهم في ملك التشريع زعموه ملك التكوين اذ لميعقلوا غيره و لو افني الله سبحانه هذا الملك لبقيت الاكوان لا ايمان لها و لا كفر و لا طاعة و لا عصيان و لا و لا الي اخر ما ذكر فاذا كانت الطاعة و العصيان في ملك التشريع فقداطاع ملك التشريع او عصاه فيستحق منه المدح او الذم او القرب او البعد او غير ذلك و ليس يستحق من ملك الملك الاخر شيئا لانه لميطعه و لميعصه افهم ما اقوله لك هذا و ان كان طاعة ملك التشريع طاعة ملك التكوين و عصيانه عصيانه الا ان المطيع يستحق من ملك اطاعه المدح و من ملك عصاه الذم فيمدحه او يذمه ملك التشريع و مدحه مدح الملك الكوني و ذمه ذمه افهم فان عرصة الاضداد هي عرصة التشريع لا التكوين.
بالجملة ملك التشريع ملك وصفي البس علي الملك الكوني ففرق بين
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 368 *»
الاكوان و ميز و لله سبحانه في هذا الملك قائم مقامه في الاداء و هو الحق التشريعي الذي من عرفه عرف الله و من جهله جهل الله و من ادبر عنه فقد ادبر عن الله سبحانه و هكذا و له مشية تشريعية مطلقة و هي ظهور ذلك المبدا الحق المطلق بالامر المطلق و هو قول اقبل و لها رؤس بعدد الخيرات من قول صل و صم و زك و حج و جاهد و امثالها و كما ان في التكوين وجودا و نورا خارجيا يعبر عنه بقول كن اللفظي كذلك في ملك التشريع نور ساطع عن المبدا التشريعي و ضياء لامع يعبر عنه بصل و صم و زك و امثالها فهذه الالفاظ تعبيرات عن الايجادات الشرعية و في الخارج حقايق متاصلة و من وصل الي تلك الحقائق و سمع من الشارع باذن حقيقته استغني عن سماع الالفاظ كما انك اذا رايت عكس زيد في المراة قائما استغنيت عن انتخبر عنه بانه قائم و انه احمر اللون و اسود الشعر و كذا و كذا و لاتزعم من قولنا انه وجود شرعي وصفي انه عرض غير قائم بل الشرع مقدم علي الكون رتبة و لذا يتاخر عنه ظهورا و الشرع روح الكون و الكون جسده و قابليته المتسمع ان المعرفة هي الغاية و الغاية و ان تاخرت ظهورا تقدمت وجودا و ان الاكوان تترقي شيئا بعد شيء في مدارج التشريع بلا غاية و لا نهاية و كلما تصعد في تلك المدارج تزداد تذوتا و تاصلا فكونه لباسا و وصفا من باب انتم لباس لهن فهو الخلق الثاني ظهورا و الاول وجودا و لذلك قلنا ان التشريع هو ابراز ما قدكمن و التكوين هو ايجاد ما لميكن فما اوجده الله سبحانه جعل فيه قوي التقرب و التذوت و التاصل الي ما لا نهاية له و تظهر بسبب التشريع شيئا بعد شيء و كل شيء منها الطف و اشرف و اعلي كلما وضعت لهم حلما رفعت لهم علما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فافهم راشدا موفقا و كما ان في الكون مادة و هي ظل الامر الكوني الذي هو كن و صورة من انفعالها و انوجادها كذلك في الشرع مادة و هي النور الساطع من الامر التشريعي المعبر عنه بهذه الالفاظ و صورة من امتثال المكلفين و كما كان من تلك المادة و الصورة الكونيتين يحصل كائن من سماء و ارض و مواليد بينهما و فيهما يحصل من المادة و الصورة الشرعيتين عليون
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 369 *»
و سجين و مواليد بينهما و فيهما و المواليد هم المؤمنون و الكافرون و كما ان للكائنين خلقا و رزقا و حيوتا و موتا و غيرها كذلك لهؤلاء علي ما سياتي ان شاء الله.
بالجملة ملك التشريع منطبق علي ملك التكوين و مطابق معه يوجد فيه ما يوجد في ملك التكوين حرفا بحرف بلا تفاوت ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و لو شئت ان ابين اسرار هذا الملك لاقشعرت منه جلود و اشمأزت منه نفوس و لايجوز البوح به حتي ياتي زمانه ان شاء الله و اعلم مجملا ان فيه علوما جمة و اسال الله انيرزقك اياها باصلاح نفسك و لزوم التسليم لالمحمد:.
فصـل: اعلم ان الله سبحانه خلق هذا الملك عالما مستقلا له سماوات و هي عليون و له ارضون و هي سجين و جعل الجنة في سمواته و النار في ارضيه و ذلك ان النور الساطع من المبدا انتشر علي قوابل الاكوان فكان كل ما يقرب من المبدا اشد نورا و بهاءا و خيرا و كمالا و كل ما يبعد عنه اضعف نورا و بهاءا و خيرا و كمالا و فاح في مقابله المنتهي بفوحه و اظلم بظلمته فانتشرت ظلمته علي جميع القوابل الكونية و تلك الظلمة كلما قربت من المنتهي كانت اشد ظلمة و كثافة و اعصي للمبدا و اقل مطاوعة و كلما بعدت عنه ضعفت في هذه الخصال فحصل منهما عند التمثيل بالسطوح المثلثان المتداخلان راس كل واحد علي قاعدة الاخر فمثل عن القوة بالقاعدة و عن الضعف براسها و في الحقيقة الامر في مثلث النور معكوس اذا لوحظ الوحدة و الكثرة و اللطافة والكثافة فانما هما كالمثلثين المنطبقين باعتبار و قديعبر عنهما بكرتين متداخلتين حادتين يغلب النور في المحدب و يغلب الظلمة في المقعر و يدفع بذلك توهم خروج بعض المثلثين عن بعض عند التداخل بالجملة هما معا منتشران علي قوابل الاكوان باجمعها فما يلي المبدا اقوي في النور و ما يلي المنتهي اقوي في الظلمة و الوسط بين بين استوت فيه الانوار و الظلمات لا تفضل احديهما علي الاخري فلما كان النصف الاعلي فيه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 370 *»
سلطان النور و الخير و الكمال صار جهة المبدا فيه غالبة و احكي للمبدا و اشبه به و لما كان النصف الاسفل فيه سلطان الظلمة صار جهة المنتهي فيه غالبة و احكي للمنتهي و اشبه به و اعصي للمبدا و ذلك ان الشيء لايكون علي حسب ارادة شيء و صفته بكله الا ان لايكون من نفسه شيئا و هذا خلف فمادام الاثنينية باقية كانت المخالفة ثابتة و العصيان لازما فلايخلو احد من اهل الملك من انيكون فيه عرق عصيان للمبدا و لذلك تري جميع الانبياء و الاولياء دائمي التضرع و الابتهال و الاستغفار و الاقرار بالذنوب و لايخلون منه في القدسي يا ادم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و لنعم ما قال الشاعر:
اذا قلت مااذنبت قالت مجيبة | وجودك ذنب لايقاس به ذنب |
غاية الامر ان هذه المخالفة تتدرج في الدرجات الي انتبلغ المضادة التامة والكفر المحض النسبي و قلت انه نسبي فانه لولا طاعة الكل لولي الامر لماخلقوا ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون ففيها نقطة مستهلكة من الطاعة كالعدم و بها تبقي و ان لمتعرف ربنا ماخلقت هذا باطلا و قال ماخلقناهما الا بالحق فقوام الملك بالطاعة و لولاها لفني لعدم وجود الغاية لخلقه و تعالي الحكيم عن اللعب قال و ماكنا لاعبين افهم و لما كان النصف الاعلي جهة المبدا فيه غالبة صار سموات ذلك الملك و دار بفضل حركة المبدا و عدم حجبه له بالامدادات و الافاضات و ظهر بالبقاء و الثبات و الخلود و النعيم و الخيرات و ما لا عين رات و لا اذن سمعت و ظهر بالقدرة و القوة و القبض و البسط و التغيير و التبديل و التصريف كما في القدسي اطعني اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون فصار عليين و ماادريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون فقدكتب فيه و عليه جميع ما ذكر و اضعافه و اضعاف اضعافه الي ما شاء الله و لما كان النصف الثاني الادني فيه جهة العصيان و عدم المطاوعة غالبة صار ارضين لذلك الملك و سكن لحجبه المبدا و احتاج و افتقر و تذلل و ظهر بالتغير و التبدل و الانقلاب و العذاب و المكاره و المساوي و التباغض و التحاسد و التخالف و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 371 *»
العجز و الرجس و النجس و ما لا عين رات و لا اذن سمعت من المنافرات فصار سجين و ماادريك ما سجين كتاب مرقوم قدكتب عليه جميع ما سمعت و اضعافه و اضعاف اضعافه الي ما شاء الله فجعل الجنة في عليين و تلك السموات و النار في سجين و تلك الارضين و خلق المؤمنون حين امنوا بما امنوا من طينة الجنان و هي طينة الطاعة و الامتثال منها بُدِئُوا و اليها يعودون و هذا الخلق هو الخلق الشرعي بما اختاروا من الايمان و خلق الكافرون من طينة النيران حين كفروا بماكفروا و هي طينة العصيان و المخالفة منها بُدئُوا في خلقهم الثاني و اليها يعودون فلا جبر والحمدلله علي ما من علينا بفهم هذه الاسرار ببركات مبادينا محمد و اله الاطهار صلواتالله عليهم اجمعين و جعلنا من المسلمين لامرهم و الحمد لله.
فمن خلق من طينة الجنة و السماء رد اليها سالما غانما و من خلق من طينة النار و الارض رد اليها خائبا خاسرا فسماوات التشريع كامنة في هذه السماوات التكوينية و ارضوا التشريع كامنة في هذه الاراضي التكوينية كمون الزبد في اللبن فاذا مخض الكون مخض السقاء و صفي عن الاعراض ظهر عليه انوار التشريع و بدا منه افعاله و حكي عما وراءه من نور الشارع كما ان المؤمن اذا امن في هذه الدنيا و عدل مزاجه بتصحيح منهاجه ظهر عليه نور الايمان و بدا منه افعاله و حكي عما وراءه من نور محمد و المحمد:في افعاله و اقواله و احواله فالجنة و النار الان موجودتان في غيب هذه السماء و الارض وجود الشجرة في النواة و تخرج عنها بالتربية و التنمية و التسقية و ان شئت قلت موجودتان مميزتان في اخروية هذه الدنيا و غيب غيبها و باطن باطنها بالفعل عند الله سبحانه يراها و يسمعها عيانا و قد راها رسولالله9 ليلة المعراج لانه مر في صعوده علي حقيقة كل شيء و راي كل شيء حين يخلق قال الله سبحانه مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متخذ المضلين عضدا و هم الاعضاد و الاشهاد سلامالله عليهم لانهم العادلون الهادون فافهم.
فالجنة و النار موجودتان بالفعل في الدرجة الاخروية عند الله سبحانه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 372 *»
و بالقوة في ظواهر هذه الاكوان المرئية فاذا صعدت في اقبالها الي انبلغت غاياتها ظهرت عليها بالفعل ظاهرا محسوسا كما تشاهد الشمس و القمر و كذلك الاناسي ما لميؤمنوا او يكفروا يكون فيهم الجنة و النار معا بالقوة فاذا امنوا و سعدوا بايمانهم و صاروا من اهل الجنة صاروا سماويين في غيبهم الجنة بالقوة بالنسبة اليهم يعني لمايدخلوها و سيدخلونها و بالفعل بالنسبة الي الله سبحانه فان الله سبحانه يري المؤمن في الدنيا في الجنة متنعما بنعيمها شاربا من تسنيمها معانقا حورها راقيا قصورها يراها بالفعل من غيرترقب كما يري ساير حالاتها و اما المتدرج في الاوقات الصاعد الي مبدئه درجة بعد درجة مادام هو في الدرجة الدنيا يكون وصوله الي الدرجة القصوي بالقوة و ان كان في علم الله سبحانه قدخرجت هذه القوة الي الفعلية يراها و يسمعها في حدها و مقامها و هذا معني قول النبي9 علي ما روي عنه ان الجنة قاع صفصف فاكثروا فيها من الغراس فهي قاع صفصف قابلة لانواع الغرس حين هي بالقوة في غيب السماوات بالنسبة الينا صالحة للغراس علي ما يغرس فيها و ينبت فيها ما يغرس فيها و كلما غرس و نبت كان عند الله سبحانه مغروسا نابتا لميخالف عملنا علمه سبحانه و تعالي عن ذلك علوا كبيرا افهم و بذلك حث الناس علي العمل و ليس للانسان الا ما سعي و لو كان الجنة التي لزيد مغروسة معمورة بالنسبة اليه لميكن للحث علي العمل و التقوي فيه فائدة و الله سبحانه يقول سيجزيهم وصفهم و ماتجزون الا ماكنتم تعملون فما تسعي و تعمل و تتصف به بعد فيك الان بالقوة فاذا فعلت صارت بالفعل و غرسته و وصلت اليه و اكلت منه افهم ما اوضحته لك بافصح بيان و الله المستعان.
فصـل: اعلم انا قدبينا سابقا ان الاجسام في هذه الدنيا هي الاجسام البرزخية و هي بعينها الاجسام الاخروية فهذه الارض ارض الاخرة و هذه السماء سماؤها و كلما لحق بهما اعراض متخللة في اجزائهما تطهران عنها في البرزخ و كلما لحق
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 373 *»
بهما اعراض متخللة في اركانهما تطهران عنها بين النفختين حتي ياتي يوم القيمة و كل شيء هو هو بسذاجته و صرافته لايشوبه غيره فيجري له ما له و عليه ما عليه فالجنة في هذه السموات بعينها و النار في هذه الارض بعينها لكن لاتحسان بهذه الحاسة المشوبة بالاعراض فهما في هذه المحسوسة بالقوة و في مكانهما بالفعل فاذا صفيتا عن اعراض الدنيا ظهر في السماء اثار الجنان و هي الجنتان المدهامتان المسماتان بجنة الدنيا و فيها بكرة و عشي و تغير و تبدل علي ما يناسب عالم البرزخ فاذا صفيتا عن الاعراض الطبيعية صارتا جنتي الاخرة بعينهما و انما مرادي ان الجنة موجودة الان في غيب السماء و انما غطتها عن الابصار اعراض الدنيا و البرزخ و الله سبحانه يراها في مكانها فجنة الدنيا هي جنة الاخرة بل نعيم الدنيا هو نعيم الاخرة الا انه في الدنيا مشوب بالاكدار و في الاخرة يستخلص و جنة الدنيا الان في المغرب و في الاقليم الثامن المسمي بهورقليا و هو ارض عالم المثال ادناها الطف من محدب العرش و ما روي انها في المغرب فمعناها غيب المغرب و خصص بالمغرب لوجوه اما لان الشمس اذا غربت عن افقنا طلعت علي افق اخرين فوراء مغربنا مشرق قوم اخرين فاريد به مغرب الدنيا الذي هو مشرق البرزخ فكونها في المغرب يعني به البرزخ او لان المغرب مغرب بحركة الفلك الثامن و مشرق لحركة نفس الشمس فاريد به ان الجنة في مطلع شمس المبدا و جهة شروقها او المراد مغرب شمس سجين لعنها الله التي هي مع قمرها بحسبان و مغربها مشرق شمس عليين لان راس مخروط نور هذه علي قاعدة هذه او لاجل حرارة هذه الدنيا من الشمس و جهة المغرب جهة خمود تلك الحرارة و جهة المشرق جهة تشببها فناسب انتظهر الجنة في جهة خمود الحرارة و النار فان اجزاء العالم الظاهر ابدان للحقايق الغيبية كل حقيقة تظهر فيما يشاكلها من اجزاء هذا العالم فمن حيث تظهر الجنة في المغرب و من حيث تظهر في وادي السلام و من حيث في حرم الحسين7 و كلها مظاهر الجنة و بعكس ذلك النار فهي تظهر في عين الشمس و في جهة المشرق و في حضرموت و في عيون بقر و كل عين حمئة و امثال ذلك.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 374 *»
بالجملة الجنة بحقيقتها في السماء و ان ظهرت في بعض الاراضي الطيبة و جنة الاخرة هي جنة الدنيا الا ان جنة الدنيا شيبت بالاعراض و جنة الاخرة صافيها و هي بعينها في السماء الدنيا الا ان اعراض الدنيا سترتها فصارت في الاعراض بالقوة و ستصير بالفعل اذا خلصت و عند الله بالفعل في مكانها و رتبتها موجودة كما قد روي في البحار عن الهروي قال قلت للرضا7 يابن رسول الله اخبرني عن الجنة و النار اهما اليوم مخلوقتان فقال نعم و ان رسول الله6دخل الجنة و راي النار لما عرج به الي السماء قال فقلت له فان قوما يقولون انهما اليوم مقدرتان غيرمخلوقتين فقال7 ما اولئك منا و لا نحن منهم من انكر خلق الجنة و النار فقد كذب النبي6 و كذبنا و ليس من ولايتنا علي شيء و خلد في نار جهنم قال الله عزوجل هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها و بين حميم ان و قال النبي6 لما عرج بي الي السماء اخذ بيدي جبرئيل فادخلني الجنة فناولني من رطبها فاكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت الي الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء انسية فكلما اشتقت الي رايحة الجنة شممت رايحة ابنتي فاطمة انتهي فتبين من هذا الحديث الشريف ان الجنة اليوم مخلوقة بالفعل عند الله سبحانه و لما صعد النبي6 عن عالم الاعراض راها و اي دليل ادل علي وجودها من كون ادم في الجنة يوم خلق ولكن لا شك ان الاعراض قدغطتها عن الابصار و هي من ورائها و ستظهر للعيون اذا صفيت عن الاعراض.
بالجملة جميع نعم الدنيا هي بعينها جنة البرزخ و جنة البرزخ هي بعينها جنة الاخرة فاذا صفيت نعم الدنيا سبعين مرة صارت جنة البرزخ و اذا صفيت اربعة الاف و تسعمائة مرة صارت جنة الاخرة و كذلك جميع مكاره الدنيا و الامها نيران البرزخ و هي نيران الاخرة لكن بعد ما صفيت كما سمعت كما ان جسم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 375 *»
الانسان في الدنيا هو جسم البرزخ و هو جسم الاخرة ولكن بعد التصفية و انما تكسر و تصاغ لتكون خالدة باقية و لو بقيت علي اعراضها لَعَراها البوار و الزوال كما عراها في الدنيا فافهم.
فصـل: اعلم ان للجنة و نعيمها مادة و صورة مادتها من ظل مبدا الخير صلوات الله و سلامه عليه كما روي ان الجنة و الحور العين خلقت من نور الحسين7 و ذلك الظل امر وجودي مستقل لا عرضي زائل فان الناس اذا سمعوا بالظل و النور يحسبونهما كنور الشمس و ظل الانسان امرا صوريا عرضيا لا وجوديا ثابتا مستقلا و انما هو كظل مشية الله سبحانه الكونية التي خلقت بها حقايق الاكوان المستقلة فمادتها هي ظل مبدا الخير الشارع الداعي الي الله سبحانه و صفته المطابقة لرضاء الله سبحانه و محبته و صورتها من نفس ذلك الظل و انيته كما ان نور الشمس مادته ظل هيئة الشمس و صورته من نفس ذلك الظل فهما معا نور مطابق لصفة الشمس و هو صفة الشمس التي وصفت نفسها لها بها و ليس لها منها الا نفسها و هي لاتطابق ذات الشمس و انما تطابق صفتها و هي صفتها بنفسها قدتجلت لها بها من حيث مادتها و بها امتنعت منها من حيث انيتها فماكان يقال ان الاثر يشاكل صفة الموثر و يمثل له بان نور السراج كشعلته فانما هو مثل تقريب و جميع ما يري اثر النار و صفتها و هو يطابق صفتها و هو صفتها و كذلك حال كل اثر الاتري ان كتابتك التي هي حركة يدك هي اثرك و انت موثر لها بها و هي تطابق صفتك و هي صفتك و لاتشاكل شيئا فوقها لان ما فوقها معري عن حدودها فمادة الجنة ظل الولي تشاكل صفة الولي و هي صفة الولي و صورتها من نفس ذلك الظل و لما كانت ظل الولي و هو النفس الكلية الالهية التي خلقت الاشياء منها كما روي ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و هي مقام التفصيل كما ان العقل الكلي مقام الاجمال ظهرت بانواع الخيرات و النعم و الحور و القصور و الانوار و الازهار و الاشجار و الانهار و الخدم و الحشم و غيرها
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 376 *»
و هي كلها اعمال الولي و افعاله و اقواله و صفاته و احواله ولكن هذا الوجود هو الوجود النوعي للجنة بالنسبة الي الاشخاص و ليست مخصصة باحد من المجازين و انما تخصص بكل واحد بعمله فانية كل انسان كاناء يغترف به من بحر الجنة فيخصص به و تنصبغ تلك الحصة في انيته بصبغها فبذلك الصبغ تتخصص و تكون له كما ان في السوق جميع النعم موجودة مميزة ولكنها بالنسبة الي المشترين نوعية يعني غيرمخصصة باحد منهم فمن اشتري شيئا منها اختص به و يحلف يمينا انه له و يحرم علي غيره غصبه اياه و كذلك الجنة بانواع نعيمها مميزة معروفة محدودة فمن اشتري شيئا اختص به كما روي في البحار عن اميرالمؤمنين7 قال قال النبي9 ان في الجنة سوقا ما فيها شراء و لا بيع الا الصور من الرجال و النساء من اشتهي صورة دخل فيها الخبر و لا شك عند اهل الحكمة ان تخطيطات الصور يوم القيمة و في الجنة من العقايد و الاعمال فالاعمال السيئة و العقايد الباطلة صور قبيحة و الاعمال الحسنة و العقايد الحقة صور حسنة انسانية ثم لكل درجات مما عملوا فامتثالات العباد ثمن تلك الصور يشترونها علي حسب الاثمان التي يؤدونها و تتخصص بهم فحينئذ يصير تلك الحصة المشتراة المادة الشخصية لثواب الشخص و امتثاله الصورة الشخصية و هذا معني ما روي ان الاعمال صور الثواب و العقاب يعني صورهما الشخصية فان اعمال العباد هي امتثالاتهم لا غير و الثواب و العقاب هما الجزاء من الله سبحانه لهم باعمالهم.
بقي اشكال في الجمع بين الايات الواردة في هذا المقام فان منها دالة بان نفس العمل هي الجزاء كما قال سبحانه ماتجزون الا ماكنتم تعملون فجعل الجزاء نفس العمل و قال سيجزيهم وصفهم فجعل نفس الوصف جزاءهم و وصفهم عملهم و قال ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري فجعل ما له و ما يراه نفس سعيه و سعيه عمله و هكذا و قال في بعض الايات ان العمل سبب الجزاء كقوله اصلوها اليوم بما كنتم تعملون فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا وامثال ذلك فنقول ان الثواب هو نور ساطع عن عمل المبدا الشارع و كونه علي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 377 *»
حسب هيئة مشية الله سبحانه المرضية التي هي نفس ذلك العمل المنتشر علي جميع عرصات القوابل و العقاب هو ظل عمل مبدا الشقاوة قد امتد في جميع تلك العرصات و قدصارا في تلك القوابل بالقوة كحبة زرعتها في الارض فصارت في الارض بالقوة ثم تنبت تلك الارض بالسقي بالماء الالهي الذي هو الشرع الظاهري المبلغ الي العباد و الحكم و المواعظ و التحريصات التي يجمعها نداء اقبل فاي حصة من الارض كانت مستعدة تكملت و استجابت و اقبلت و صعدت صاعدة علي حسب اعتدال مزاجها و استعدادها و القت عن نفسها الاعراض الحاجبة و تخلت و تصفت و ترققت و تلطفت حتي حكت ما وراءها من ذلك الثواب و العقاب منصبغين بصبغ خصوصيتها متشخصين بشخصيتها فيختصان بها فيكون اقبالها الي المبدا كالعود النابت من الارض بالتسقية حتي اذا بلغت و كملت اثمرت و ذلك الثمر هو ظهور تلك الحبة المزروعة اول علي حسب قابلية السنبلة الاتري انك ربما زرعت حبة و حصدت سبعمائة كما انك تقف وحدك في بيت فيه مرايا فيتعدد ظهورك علي حسب تعدد المرايا و يكون ظهورك ايضا علي حسب صبغ المرايا و هيئاتها فكذلك الحبة المزروعة في ارض القوابل هي مثال المبدا الشارع و نوره فكمنت في ارض القوابل ثم ظهرت منها بعد تصفيتها فان كانت متوجهة الي عليين كشفت عنه او الي سجين كشفت عنه فالثواب و العقاب هما ثمرات الاعمال فمن زرع خيرا حصده و من زرع شرا حصده و هما لباب الاعمال من حيث الصورة و خلاصتها لان الثمر لب العود و خلاصته من حيث الصورة و ان كانت مادته من مادة الحبة المزروعة اول فالجزاء هو الاعمال الصاعدة الملطفة المصفاة من حيث الصورة و هي التي بها يسمي الشيء و يخصص و يعين و هو غير الاعمال و ان يجز الانسان به بالاعمال لان العمل في مقام العود و الجزاء في مقام السنبلة و ان عرفت ذلك صدقت انهم: كما روي اصل كل خير و من فروعهم كل بر و اعداءهم اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و ان كل عمل خير عملهم و هم القائمون بها العاملون بها المستحقون بها الثواب من الله سبحانه و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 378 *»
كذلك اعداؤهم فكل عمل شر عملهم و هم القائمون بها العاملون بها المستحقون بها العقاب من الله سبحانه و ساير القوابل كالادوات و الالات و يعوض المحمد: من كرمهم شيعتهم ببعض النعيم و كذلك يصل الي اتباع اعدائهم من شرار عذابهم كما انك لو وقفت في بيت المرايا تستحق كل مدح فيها و كل ثناء و كفي المراة فخرا ان لاتحجب ظهورك كما تحب في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و ماواه و منتهاه الزيارة فارتفع التنافي الظاهري بين الايات و الحمد لله بما ذكرنا فان العود و السنبلة و الحبات كلها نبات الارض الا ان العود اسفل و السنبلة اعلي و كذلك الجزاء و العمل كلاهما نابتان من ارض القابليات الا ان العمل اسفلهما و الجزاء اعليهما فان قلت بالعمل يجزون فحقا قلت و ان قلت ان الجزاء هو العمل فحقا قلت فان السنبلة هي اقبال الارض و نباتها و اجابتها نعم للجزاء مادة نوعية من شعاع المادة و هي من حيث النوعية لاتخص باحد و صورة شخصية هي قبول القابل و اقباله و الاشياء تسمي باسمائها في بطون صورها فجزاء زيد عمله و هو الذي يراه و يصل اليه و يؤثر فيه و يختص به دون غيره فارض الجنة قابلية المؤمن لانها حصة من طينة الجنة و حورها و قصورها و انهارها و اشجارها و ساير نعيمها هي ثمرات نابتة من تلك الارض و هي التي يدخلها الشخص و يسكن غرفاتها و يرتع في بساتينها و سعتها و ضيقها علي حسب سعة صدره و بعكس ذلك الكافر فقابليته حصة من ارض جهنم و كلابها و حياتها و شرارها و ساير عذابها هي ثمرات تلك الارض النابتة و الكافر يدخلها و يلج في دركاتها و يعذب بعذابها و عمقها و سعتها و ضيقها علي حسب استعداده فالمؤمن ابدا في الجنة و الكافر ابدا في النار الا انهما كما بينا في السماء و الارض في الدنيا علي ما تري قدشيب ابدانهم بالاعراض و ظهرت علي حسب مقتضيات هذه الدنيا و تصفي في البرزخ سبعين مرة فتكون ارض جنة البرزخ او ناره و تظهر بغير هذه الصورة بل بصورة النعيم و الجحيم و اذا صفيت اربعة الاف و تسعمائة مرة كانت ارض جنة الاخرة او نارها و تظهر علي حسب مقتضي الاخرة من الخلود و الخلوص و ذلك معني ما روي في البحار عن ابيجعفر7 قال
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 379 *»
و الله ماخلت الجنة من ارواح المؤمنين منذ خلقها و لاخلت النار من ارواح الكفار العصاة منذ خلقها عزوجل الخبر و قال الله سبحانه و ان جهنم لمحيطة بالكافرين و قال كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اتوا به متشابها و الاحاديث الواردة في ان طينة المؤمن من عليين و من الجنة و طينة الكافر من سجين و من النار متجاوزة حد اليقين فان شئت فراجع.
فصـل: ربما يتعرض من لا درية له في العلم علينا بان المفهوم من الكتاب و السنة ان الجنة يدخلها المؤمن و المؤمن غير الجنة و الجنة بستان فيه قصور يدخله المؤمن كما يدخل احد منا في الدنيا بستانا و دارا و كذلك النار حفرة يدخلها الكافر و تحيط به و الذي قلته انهما طينة الانسان و ساير ما فيهما اعماله فاين يدخل و ماذا يحيط به و علي هذا الانسان بنفسه جنة او نار فنرده بانه لاتنافي فيما ذكرنا و ذكرت فانهما من الكتاب و السنة معا و لا تنافي فيهما لانا قدبسطنا القول سابقا ان الجنة و النار و الثواب و العقاب في التشريع و ان للانسان وجودين كونيا و شرعيا فالوجود الكوني هو زيد من حيث هو الذي ياكل و يشرب و ينكح و يلد و يمشي و هو غير المؤمن و الكافر و هما خلقان وصفيان يخلقان من ظل المبدا و المنتهي و من امتثاله فان امتثل امر مبدا الخير خلق له وجود ثان من ظله و ماهية ثانية من اجابته و هي الطينة التي خلق منها المؤمن لا زيد و ذلك الوجود هو الماء العذب الذي رش علي تلك الطينة و ان امتثل امر مبدا الشر خلق له وجود ثان من ظله و ماهية ثانية من اجابته و هي الطينة التي خلق منها الكافر و ذلك الوجود هو الماء الاجاج الذي رش علي تلك الطينة فهذا الخلق الثاني صورة يدخلها زيد و هذا الخلق حصة من الجنة او حصة من النار و هذا هو جنته الخاصة به و ناره الخاصة به و سعة هذه الجنة و النار و ضيقهما علي حسب سعة الايمان و الكفر و نعيمهما و عذابهما علي حسب اعماله و زيد هو الذي يدخل الجنة بايمانه و عمرو هو الذي يدخل النار بكفره فالجنة عرصة الايمان و النار عرصة الكفر قال سبحانه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 380 *»
سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم و ماتجزون الا ما كنتم تعملون فان كانت الجنة و النار جزاء فهما وصف الانسان و عمله و هما داران تحيطان بالانسان بلا شك و الانسان يدخلهما كما مر من الخبر ان في الجنة سوقا تباع فيه الصور فيدخل المؤمن في اي صورة شاء.
و سبب كون الجنة فيها انهار و اشجار و حور و قصور و غير ذلك انها حقايق تلك الاعمال و صورها الاخروية علي حسب خصوصيات الاعمال ولكن الشان في معرفة تلك الانهار و الاشجار و الحور و القصور هل هي علي ما يشاهد في هذه الدنيا او غير ذلك و لا شك ان الصور الاخروية هي حقايق هذه الصور المصفاة عن الاعراض التي اقتضي لحوقها بها في الدنيا هذه الصور المشهودة و في الاخرة هي مصفاة عنها فتقتضي صورا غيرها المتسمع ان انهار الجنة تجري في غير اخدود و ان اشجارها علي عكس اشجار الدنيا سوقها اعلي و فروعها اسفل و هو قوله سبحانه قطوفها دانية و هيئات الحور و الاتها و ادواتها و اعضاؤها علي حسب ما تحتاج اليه في الاخرة كما بينا سابقا من صورة الانسان في الاخرة.
بالجملة من راجع الاخبار نوعا عرف ان هيئاتها علي خلاف هيئات ما في الدنيا و انما هي علي صفة طباعها و حقيقتها و ذلك ان للانسان مقاما جماديا و مقاما نباتيا و مقاما حيوانيا و مقاما نفسانيا و جميعها متعلق التكليف و الامر و النهي و الانسان يمتثل بجميع مراتبه و لكل واحد من هذه المقامات نحو امتثال يليق به فلظل مبدا الخير في كل نوع من هذه الامتثالات انصباغ فيحصل له بذلك حقايق قصور و انهار و نباتات و اشجار و طيور و مطايا و حور و خدم و حشم و غير ذلك علي حسب درجات مراتب الامتثال و استعدادها و سعتها و ضيقها فقد روي ان الجنة اسفلها طعام و اعلاها علم فافهم و كذلك امتثالات المنافقين فثمراتها علي حسبها فمنها دركات و اودية و حميم و غسلين و منها زقوم نابت و منها حيات و عقارب و كلاب و منها قرناء سوء و ازواج سوء و اسفل الكل الحمق و الجهل الذي هو اشد العذاب فتدبر في هذه الكلمات المختصرة التي فيها كنوز العلم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 381 *»
الذي من اعلي الجنة ان شاء الله.
فصـل: اعلم ان الجنات ثمان بعضها فوق بعض و لها حظاير سبعة و دركات النار سبعة و حظايرها ايضا سبعة فالدور في الاخرة تسع و عشرون والسر في ذلك ان الجنات في السماوات و هي سبع في كل سماء جنة و الثامنة المحيطة بالكل في الكرسي و هي المخصوصة بالمحمد: لايسكنها غيرهم و هي لا حظيرة لها و اما السماوات السبع فلها حظاير و هي اظلال السموات و انوارها و امثلتها و النار في الارض و هي سبع في كل ارض درك بعضها تحت بعض و لها اظلال و امثلة هي حظايرها و تسمي بالضحضاح و هي فوقها و اقل شرا منها و ليست بدار خلود للكل بل يمكن الخروج منها لبعض و معرفة هذه الجملة لايمكن الا في فصول منفردة.
فصـل: اذا عرفت ان الجنة في الخلق الثاني الشرعي و ان طينة كل امرئ قبضة من طينة الجنة فطينة جميع المؤمنين جميع الجنة و لكل درجات مما عملوا فكل جماعة منهم لهم درجة واحدة هم في جنة واحدة و طينهم من تلك الجنة و تلك الطين سماوية لانها عليون و فيها الجنة ففي الكافي عن ابيعبدالله7 ان الله جلوعز لما اراد انيخلق آدم بعث جبرئيل في اول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة الي السماء الدنيا و اخذ من كل سماء تربة و قبض قبضة اخري من الارض السابعة العليا الي الارض السابعة القصوي الي ان قال قال للذي بيمينه منك الرسل و الانبياء و الاوصياء و الصديقون و المؤمنون و السعداء و من اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال و قال للذي بشماله منك الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيت و من اريد هوانه و شقوته فوجب لهم ما قال كما قال الخبر و هو شريف طويل فالمؤمنون من طينة السماوات و كل جماعة منهم لهم رتبة واحدة في سماء خاصة بهم و فيها
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 382 *»
جنتهم و ذلك ان الله سبحانه خلق الانسان الكوني من تسع قبضات من الافلاك و قبضة من الارض ثم دعاهم الي الاقبال اليه فمنهم من اجاب و اقبل فصارت قبضاته جميعا طيبة و منهم من انكر و ادبر فصارت قبضاته جميعا خبيثة فالقبضات الطيبة هي السماوات الشرعية و الارض الطيبة حظيرتها و القبضات الخبيثة هي الاراضي الشرعية و الارض الخبيثة حظيرتها فمن كان الغالب عليه الظاهر فيه الامتثال بقبضته الارضية الشرعية و سماواته في القوة الشرعية و لما تخرج الي الفعلية فهو من اهل الحظاير و لهذه القبضة سبع مراتب لان فيها انوار السبع كما ياتي و من امتثل بقبضته الروحانية و الباقية فيه بالقوة الشرعية فهو من اهل الجنة الاولي و من امتثل بقبضته الفكرية و الباقية فيه بالقوة فهو من اهل الجنة الثانية و هكذا قبضته الخيالية و قبضته من المادة الثانية و الوهمية و العلمية و العقلية فكل من كان فيه قبضة بالفعل و ما فوقها فيه بالقوة يكون من اهل تلك الجنة و الطائفة الذين هم مشاركون في القبضة مشاركون في الجنة و الرتبة و لما كان هذه السماوات شؤن الكرسي و جهات افعاله و اثاره و كانت لها نفوس جزئية صارت هي مقامات المؤمنين علي حسب درجاتهم و اما صاحب النفس الكلية فجنته في الكرسي سقفها عرش الرحمن ليس لغيره فيها نصيب و جميع الجنات بالنسبة اليها كحلقة ملقاة في فلاة قي و استغفر الله من قلة التحديد بل لا نسبة فان النسبة بينهما كالنسبة بين الاثر و الموثر و قدروي في البحار عن علي7 قال ان للجنة ثمانية ابواب باب يدخل منه النبيون و الصديقون و باب يدخل منه الشهداء و الصالحون و خمسة ابواب يدخل منها شيعتنا و محبونا الي ان قال و باب يدخل منه ساير المسلمين ممن يشهد ان لا اله الا الله و لميكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا اهل البيت.
و قدذكر بعضهم في اسماء الجنان ان اعلاها الفردوس ثم العالية ثم النعيم ثم العدن ثم المقام ثم الخلد ثم الماوي ثم دارالسلام و هذه الاسماء موجودة في الكتاب و السنة الا اني لماجد علي هذا الترتيب الخاص دليلا و روي ان منزل
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 383 *»
محمد و المحمد: جنة عدن و هي وسط الجنان و اقربها من عرش الرحمن وفي رواية هي اعليها درجة و اشرفها مكانا و هو ينافي ما ذكروه من ان الفردوس اعلاها و في الكتاب ان جنة الماوي عند سدرة المنتهي و هي في الكرسي و لعلها تسمي بالعدن ايضا بالجملة لماجد لهذا الترتيب دليلا فالمعول اليهم سلامالله عليهم و يكفي في صحة الاعتقاد وجودها و تعددها.
و اعلم انه قدنقول ان الجنة في الكرسي و نريد به انها في غيبه و ان كانت ثمانا و في كل فلك فان المراد بالافلاك نفوسها الدهرية القدسية و مظهرها في هذا العالم الكرسي و الافلاك مظهر عالم المثال و روي لما خلق الله عزوجل الجنة خلقها من نور عرشه و روي ان سقف الجنة عرش الرحمن فمحل الجنان اذا عبر عنه في الدنيا كان في الكرسي.
فصـل: اعلم انك اذا عرفت ان الجنان في السموات الشرعية و ليس في الكون جنة و لا نار و السموات الشرعية هي الخلق الثاني لهذه السماوات اذا طاوعت و امتثلت امر الشارع اعني حصصها في المكلفين فالارض اذا طاوعت يكون فيها الحظاير التي هي ظل الجنان و هي ليست في السموات فهي في الارض و في ارض مطاوعة لا عاصية و المراد بالارض ارض عالم النفوس و جماديتها و نباتيتها و ذلك ان اهل النفوس الناطقة مختلفوا المراتب بحسب مراتب النفس و هي مثل مراتب هذه الاجسام المحسوسة و ان كان كلها جسما لكن منها عرش و منها كرسي و منها سموات و منها عناصر و هي الارض و كذلك عالم النفوس عالم مستقل تام المراتب كامل المقامات له عرش و كرسي و افلاك و ارض و من له نفس ناطقة يكون في ذلك العالم الا ان منهم في رتبة العرش و منهم في رتبة الكرسي و منهم في رتبة الافلاك و منهم في ارضه فالمؤمنون لما طاوعوا بما فيهم من الافلاك صارت افلاكهم سماوات شرعية و تنورت بنور الشارع و صارت عليين و اراضي الجنان و سكنها المؤمنون و اما الكرسي فهو مقام المحمد:
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 384 *»
في القطبية يسكنونه في ظل عرش الرحمن ليس لاحد فيه معهم نصيب الا الانبياء و الاوصياء و لمحمد و المحمد: اشرف درجاته لان درجات الجنة الواحدة متفاوتة و اما العرش فهو مقام الرضوان المخصوص بمحمد و المحمد: في مقام التفرد لايشاركهم فيه احد و هو غير الجنان و اما ارض عالم النفوس فهي مقام النفوس الدانية الخسيسة كنفوس اولاد الزني ان امنوا و نفوس المجانين الذين لميشعروا ايام الدنيا و نفوس الجن فان هولاء الطوائف يسكنون ارض عالم النفوس و اما الاطفال و المستضعفون فبعد عرض التكليف اما يصعدون الي عليين او يهوون الي سجين و الله اعلم بماكانوا عاملين و قلنا بكون اولئك الثلث في الارض لخساسة نفوسهم و عدم قابليتها لانتصير سماوية فطينهم في الخلق الثاني الشرعي مقبوضة من ارض عالم النفوس كالجمادات و النباتات التي مبدؤها الطبايع و ليس لها ذكر في السماوات و كل شيء يصعد الي حيث قبض منه له و خلق روحه و نفسه منه فاولئك مسكنهم الارض الا انها طيبة و فيها نعيم نسبته الي نعيم جنان السماء نسبة كثافة الارض الي لطافة السماء و تلك لها سبع مراتب لكل سماء ارض هي من ظلها بعضها فوق بعض في الرتبة فارض مماتهم ارض النفوس و ارض عادتهم عادة حسنة علي حسب رضاء الله سبحانه و كذلك ارض طبعهم و ارض شهوتهم و ارض غضبهم كلها لله سبحانه و ارض الحادهم ارض ميل الي الحق و عن الباطل و ارض شقاوتهم ارض قسوة عن قبول الباطل.
بالجملة هذه الاراضي اذا طاوعت الشارع صارت طيبة لطيفة و معذلك هي غير السماوات و اعليها ادني من ادني السماوات و نفوسها نفوس ظلية كما ان نفس النبات ظل نفس الحيوان و نورها و اما الكرسي و العرش فلا ارض في مقابلهما نعم في مقابلهما حملة الارض من الملك و الصخرة و الثور و الحوت و فيهما جهة الرب غالبة و هي مطاوعة لربها كساير المبادي السماوية و لان الكرسي و العرش لغلبة نورانيتهما و كليتهما لا انية لهما و لا عكس فانحصرت الحظاير بالسبع و هي الاراضي السبع التي هي اظلال السماوات السبع لكل سماء ظل خاص به يسمي باسمه و يسكنه قوم خاص كما سميناهم.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 385 *»
فصـل: اعلم ان لكل نفس سكن الجنة ترقيات الي ما شاءالله و ليس ان كل مؤمن اذا سكن درجة و رزق نعيما لايزاد عليه بل العبد في اقباله الي مبدئه ليس يسكن ابدا و هو دائم السير بل سيره في الاخرة اسرع من سيره في الدنيا لتجرده عن الاعراض الثقيلة المانعة لسرعته و هو في كل طرفة عين يسير باكثر من تمام عمر الدنيا و يزداد ملكا و نعمة و في كل جمعة يزور ربه يزداد فيه نورا و بهاءا ولكن مع سيرهم الدائم ليس يلحق الداني العالي فان العالي ايضا يسير فابدا صاحب الدرجة الاولي في الاولي و صاحب الثانية في الثانية فكل ذي درجة يسير في درجته بالسير الذاتي و يتسع عليه درجته و تزداد و ليس انه ينتقل من درجته الي درجة الاخر و لميعمل عمله و ليس سيرهم في امكنة عرضية بل ذاتية نعم يظهر له في درجته اية بعد اية من العالي و نور بعد نور و لا غاية لذلك و لا نهاية.
و اعلم ان العبد مادام هو عبدا عامل بعبوديته و بعمله بها يسير الي مبدئه و اعماله اقدام سيره الي مبدئه ولكن الاعمال تختلف بحسب العوالم لاختلاف الكينونات فاذا كان للانسان اعراض كانت الاعمال الذاتية عليه كلفة و اذا خلص عن الاعراض كان نشاطه و تلذذه و تنعمه و غاية حبوره و سروره بتلك الاعمال لانها من مقتضي شهواته الذاتية و ليست عرضا يصعب عليه فلا تكليف في الدار الاخرة و انما هي شهوات ذاتية و بها يسير الي مبدئه و تلك الشهوات في الاخرة هي ثمرات هذه الاعمال و ارواحها و اخرويتها و هذه الاعمال هي اجسادها و دنياويتها و تختلف شهوات اهل الجنة في الجنة كما كانت اعمالهم مختلفة في الدنيا فكما ان من المؤمنين من يكون غاية لذته في الدنيا التفكر في الله و في قدرته و التوجه اليه و يقول في دعائه يا نعيمي و جنتي و يا دنياي و اخرتي كذلك اهل الجنة يكون فيهم من غاية لذته في زيارة الله سبحانه و النظر الي نور وجهه كما روي في القدسي في حق اصحاب الجوع و الصمت اذا تلذذ اهل الجنة بماكلهم و مشربهم تلذذوا بكلامي و مناجاتي و كما ان من المؤمنين في الدنيا من غاية لذته في العلوم و لايكاد يلتذ من طعام و لا شراب و لا نكاح كذلك روي ان الجنة اسفلها طعام
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 386 *»
و اعلاها علم فسكنة اعلي الجنان لذتهم في العلم و كما يكون في الدنيا بعض المؤمنين لذتهم بالماكل و المشرب و المنكح الحلال كذلك يكون بعض اهل الجنة يتلذذ بتلك اللذات الموصوفة فاذا كان في الجنة ينال كل لذته فكل رجل يلتذ بما يشتهيه و لا كل احد يشتهي ما يشتهيه الاخر و لكل درجات مما عملوا و جميع تلك اللذات خزائن الاعمال في الدنيا الا ان العمل له في الاخرة صورة و في الدنيا صورة فالعبد دائما في عمله بمقتضي العبودية و به يترقي في درجته فما روي ان الجنة ليست بدار عمل فمعناه عمل فيه كلفة و مشقة و الا فلهم اعمال و دعوات و مناجاة المتسمع قوله سبحانه دعويهم فيها سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام و اخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين و وجوه يومئذ ناضرة الي ربها ناظرة و اي عبادة اعظم من ذلك و في القدسي الذي مر تلذذوا بكلامي و مناجاتي و هي عبادة و في كل جمعة يزورون الله و هي عبادة و فيما بينهم يتزاورون و يزورون النبي و الائمة: و هي عبادة و غاية كل لذة انتكون بمقتضي شهوة النفس فاذا كانت شهواتهم فيما يرضي الله فاي كلفة لهم و لايبتغون عنه بدلا و لا حولا ابدا اوليس اهل الجنة راضين عن الله متكلين عليه مسلمين له موقنين به عارفين بحقه و بنبيه و اوليائه و شيعتهم عاملين بما يرضي الله كائنا ماكان و هل العبادة الا هذه فالعبد مادام هو عبدا عبد بعبادته و بها يترقي و يزداد درجة بعد درجة و هي اقدام سيره الي ربه و في كل قدم يزداد خلوده و ثباته و توحده و تشاكل اجزائه و قوته و قدرته علي احداث ما يشاء من النعيم في ملكه بمحض ارادته و يتضاعف في هذه الامور في كل درجة بما لايحصي فكلما اسقوا من الماء الالهي الذي هو نور المبدا الشارع و الذي منه حيوتهم الايمانية انحلوا من عقودهم المحددة لهم فانبسطوا و ازدادوا وحدة و انبساطا و نفوذا ثم عقدوا عليه و تعينوا به فاسقوا مرة اخري فحلوا من ذلك العقد مرة اخري فانبسطوا مرة اخري و اتسعوا اكثر و وسعوا من ذلك الماء اكثر و هكذا فليس لذلك المزيد غاية و لا نهاية قال الله تبارك و تعالي عطاء غير مجذوذ و قال لدينا مزيد و قال لامقطوعة و لا ممنوعة افهم راشدا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 387 *»
موفقا.
فصـل: اعلم ان النار بعكس الجنة من كل جهة و هي في الارض كما ان الجنة في السماء كما سئل علي7 اين تكون الجنة و اين تكون النار قال اما الجنة ففي السماء و اما النار ففي الارض قيل فما السبعة قال سبعة ابواب النار متطابقات قيل فما الثمانية قال ثمانية ابواب الجنة و قدعرفت ان الاراضي سبع في مقابلة السماوات السبع و هي ارض الموت في مقابلة سماء الحيوة و ارض العادة في مقابلة سماء الفكر و ارض الطبع في مقابلة سماء الخيال و ارض الشهوة في مقابلة سماء المادة و ارض الغضب في مقابلة سماء الوهم و ارض الالحاد في مقابلة سماء العلم و ارض الشقاوة في مقابلة سماء العقل فهذه هي الاراضي السبع التي في كل واحدة منها طبقة من طبقات جهنم و هي علي ما روي عن اميرالمؤمنين7 بعضها فوق بعض و درجات الجنان علي العرض فعنه7 ان جهنم لها سبعة ابواب اطباق بعضها فوق بعض و وضع احدي يديه علي الاخري فقال هكذا و ان الله وضع الجنان علي العرض و وضع النيران بعضها فوق بعض فاسفلها جهنم و فوقها لظي و فوقها الحطمة و فوقها الجحيم و فوقها السعير و فوقها الهاوية و عن رواية اسفلها الهاوية و اعلاها جهنم و لعل المراد و الله اعلم من كون النار اطباقا و الجنة بالعرض ان اهل النار قدتكبروا في الارض و استعلي بعضهم علي بعض فظهروا يوم القيمة في اطباق و ان اهل الجنة متواخون متواضعون لايستعلي العالي منهم علي الداني بل يخضع له و يخشع فظهروا بالعرض عند الاجتماع اخوانا علي سرر متقابلين و ان كان لكل واحد فيما يخصه درجة لايلحقها الداني فقد قال الله سبحانه هم درجات عند الله و قال لهم درجات عند ربهم.
بالجملة صارت الجنة ثماني و النار سبعا فان جنة عدن لا مقابل لها في سجين لغلبة نورانيتها و اضمحلال الانية فيها و مظاهر تلك الابواب في الانسان
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 388 *»
حواسه الخمس و نفسه النباتية و جسده من حيث انفسها اذا استعملها في مساخط الله سبحانه و بواطن هذه الابواب و هي حواسه الخمس الباطنة و روحه و نفسه الامارة بالسوء من حيث انفسها فانه اذا عصي الله بها لادت الانسان الي جهنم التي هي في الارض فظواهر تلك الابواب تؤدي الانسان الي ضحضاح جهنم اذ له ايضا سبعة ابواب علي طبق النيران الاصلية و بواطنها تؤدي الي ساير الطبقات الاصلية فانها تنفتح عليها و ذلك ان كل سماء من هذه السموات التي في الانسان صالحة لانتجري في طاعة الله فتكون مصورة بصورة الامتثال فتكون سماء شرعية و ان تجري في معصية الله فتكون مصورة بصورة الاعراض فتكون ارضا شرعية و اما هذه الارض فهي ان اطاعت تكون حظاير الجنان او عصت فتكون ضحضاح النيران فاذا كانت سماء مصورة بصور رضاء الله سبحانه كانت باب جنة من الجنان و اذا كانت ارضا مصورة بصورة سخط الله كانت باب طبقة من طبقات النار فسبع نيران تقابل سبع جنان و اما الكرسي فهو مقام النفس الناطقة القدسية الانسانية الكلية فهي لاتعصي و لايعصي بها ابدا فان الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الطريق الي كل خير و هي الصراط المؤدي الي الجنان و لايقع في النيران الا من زل عنه فهي باب جنة و ليست بباب نار فلاجل ذلك صارت الجنان ثماني و النيران سبعا و حظاير كل واحدة ايضا سبعا و لا حظيرة للثامنة لانها كلية و لا اية لها في الجزئيات الارضية فتدبر.
فصـل: ان لجهنم تسعة عشر زبانية يزبنون الناس في جهنم نعوذ بالله و هم ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون فانك قدعرفت ان جهنم في جهة الاراضي السبع التي هي انيات السموات المقابلة لوجوداتها الشرعية و ضحضاح النار في هذه الارض من حيث انيتها فتمام هذه السماوات و الارض اسباب تادية الانسان الي النار اذا مال الي العصيان و جميعها اسباب تادية الانسان الي الجنان اذا مال الي الطاعة و الامتثال و انت اذا نظرت رايت كليات هذا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 389 *»
العالم المتعلقة بالعصاة تسعة عشر منها الافلاك السبعة من حيث انيتها و ماهيتها و منها البروج الاثناعشر فهذه تسعة عشر المدبرات السماوية التي يزبنون العصاة اذا مالوا الي المعصية فيمددهم الملائكة الكلية التسعة عشر الموكلة بهذه التسعة عشر امداد خذلان و زبن و دفع الي جهة الاسفل فيزبنونهم الي النار و كليات الارض التي هي من ظلها و ضحضاحها ايضا تسعة عشر و هي العناصر الاربعة الظاهرة في مواليدها الثلثة فهي اثناعشر عنصرا و اشعة الكواكب السبعة الممازجة لهذه العناصر المكملة المدبرة لها فهي تسعة عشر سفلية يزبنون الانسان في الضحضاح اذا مال الي المعصية عن ظاهر جسده و اية هولاء الزبانية السفلية في الانسان اخلاطه الاربعة في مراتبه الثلث ثم طحاله و كبده مع معدته و مرارته و قلبه و الات تناسله و ريته و دماغه المتحركة في مقتضيات تلك الاخلاط فهم الذين يزبنون الانسان في ضحضاح جهنم اذا مال الي العصيان و اما الزبانية العلوية الاصلية في الانسان فروحه و فكره و خياله و وجوده الحسي و وهمه و علمه و تعقله الذي ان عصي يكون جهلا السارية في مجاريها في شهور استكمال نفسه من مبدا تكونه الي غاية عمره في فصوله الاربعة الصبا و الشباب و الكهولة و الهرم فالصبا فصله الربيع و هو من اول عمره الي اربععشرة سنة و الشباب فصله الصيف من خمسعشرة سنة الي ثلث وثلثين و الخريف من اربع و ثلثين الي ستين و الشتاء من واحدة و ستين الي اخر عمره و بلحاظ اخر ربيعه الي ثلثين و صيفه منه الي ستين و خريفه منه الي تسعين و شتاؤه منه الي اخر العمر و لكل وجه و لكل فصل طرفان و وسط فالمجموع اثناعشر شهرا هو مدة استكمال النفس و بلوغ الكتاب اجله و لكل واحد ملك يزبن الانسان الي جهنم ان كان مائلا الي المعصية نعوذ باللّه.
بالجملة هؤلاء التسعةعشر ملائكة كلية مدبرة لامر العالم الكبير و الصغير يدبرون جميع ما يجري في هذا العالم كما روي عن ابيعبدالله7 ان الله تبارك و تعالي خلق روحالقدس و لميخلق خلقا اقرب اليه منها و ليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امرا القاه اليها فالقته الي النجوم فجرت به و تحت هولاء من الاعوان و
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 390 *»
الانصار ما لايحصيهم الا الله و مايعلم جنود ربك الا هو فكل من اختار المعصية يمدده ربه بامداده الخذلانية بواسطة هولاء الملائكة فيدفعه الي نار جهنم قال تعالي كلا نمد هولاء و هولاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا و من اختار الطاعة فهؤلاء الملائكة مع الملائكة الموكلين بالكرسي و العرش جميعا يمدونه امداد توفيق و تاييد و تسديد و ترقية و يسلكون به سبيل الجنة فافهم راشدا موفقا.
فصـل: اعلم انا قداسلفنا هنا و حققنا في ساير كتبنا ان للاشياء وجودين وجوداكونيا و هو كونهم مخلوقين بمشية الله سبحانه من مادة و هي الماء النازل من سحاب المشية و صورة و هي التربة المخلوقة من نفس ذلك الماء فهم في هذا الوجود عباد مطيعون لامره سبحانه لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون فيسجد له سواد الليل و ضياء النهار و يعبده الكافر بكفره كما يعبده المؤمن بايمانه لا مزية لاحدهم علي الاخر في العبادة و ليس احدهم باطوع له من الاخر و لا باقرب اليه و الرحمن علي العرش استوي يعني ليس شيء اقرب اليه من الاخر فذلك طاعة كونية اذ تكونوا علي ما كونهم و وجودا شرعيا و هو كونهم مطيعين او عاصين للشارع لهم مادة و هي الماء النازل من سحاب المشية الشرعية المطابق لمحبته و هو الماء العذب في بطن امتثالهم الذي هو الصورة او المخالف لمحبته و هو الماء الاجاج في بطن اعراضهم الذي هو الصورة فهذه المادة و الصورة هما حقيقة الوجود الشرعي كما ان تلك المادة و الصورة هما حقيقة الوجود الكوني و لا شيء في ملك الله سبحانه الا و له هذان الخلقان و لايمحي هذا الخلق الثاني و لاينسخ بعد استقراره عليهم هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن و ما ثبت في ملك الله لايخرج من ملكه كيف و الشرع غاية الكون و في محوه بقاء الخلق بلا غاية و هو لايصدر من الحكيم قال سبحانه ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و روي اي ليعرفون كما في القدسي خلقت الخلق لكياعرف فالشرع
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 391 *»
غاية الكون الا ان العبادة و المعرفة هي الغاية المنظورة بالذات و انما مكنوا من المخالفة لتكون العبادة عبادة و لو كانوا غير متمكنين من المخالفة و المعصية لمتكن العبادة عبادة و لكانوا مجبورين عليها فبعد ما مكنوا من المخالفة اختارها بعضهم فاستقرت عليهم و خلقوا في الثاني منهما علي خلاف رضاء الله سبحانه و محبته خذلانا فلما ظهرت الحالتان عليهم و ثبتتا في ملك الله لميجز محوهما عن ملكه هذا و هما كونا من حكمته البالغة الكونية و كماله و جماله فهم بعد استقرار الوجود الشرعي منه بدئوا و اليه يعودون و لايعودون الي الكون بمحو الشرع فانه لايمحي بعد ثبته فالمؤمن بدئ من الايمان و اليه يعود و الكافر بدئ من الكفر و اليه يعود كما بداكم تعودون فريقا هدي و فريقا حق عليهم الضلالة فروي عن الباقر7 في هذه الاية خلقهم من طينتهم مؤمنا و كافرا و شقيا و سعيدا و كذلك يعودون يوم القيمة مهتد و ضال فالمؤمن خلق بعد عرض التكليف عليه من طينة الجنة و عليين و اليها يعود و الكافر خلق من طينة النار و سجين و اليها يعود و قد مر عن الباقر7 والله ماخلت الجنة من ارواح المؤمنين منذ خلقها و لا خلت النار من ارواح الكافرين العصاة منذ خلقها انتهي و لو تجاوزوا عن المبدا الشرعي لبطلت الجنة و النار و هو خلاف اجماع المسلمين و الكتاب و السنة فاهل الجنة مخلدون في الجنة و اهل النار مخلدون في النار و اما اهل الجنة فيتنعمون ابدا بورود الامداد المشاكلة لذواتهم المناسبة لهم المقوية لوجوداتهم و ذلك مما لااشكال فيه و اما اهل النار فيتالمون ابدا بورود الامداد المنافرة لفطرتهم التي فطر الله الخلق عليها بحكم المقابلة و في ذلك اضطربت اراء منتحلي الحكمة فمنهم من قال انهم يانسون بعد حين بتلك المنافرات شيئا بعد شيء الي انيلتذوا بتلك الامداد و هم مخلدون فيها بحيث لو امدوا بنعيم الجنة تنافروا عنه و تاذوا به و منهم من قال بخروجهم عنها و دخولهم الجنان و لهم في ذلك ترهات واهية سموها ادلة عقلية و زخرفوها ببعض المتشابهات من الكتاب و السنة و كتبهم بها مشحونة و نحن بعد ما بينا وجه دوام التالم تستغني به عن ذكرها و ردها.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 392 *»
فنقول انك بعد ما عرفت ان الاشياء لهم وجود كوني و هو بمنزلة الامكان للوجود الشرعي و ان الوجود الشرعي كان فيهم بالقوة و صار بالفعل بتكميل الداعي الي الخير و الداعي الي الشر فجميع الخيرات و التنعمات و الشرور و التالمات كانت في الاكوان بالقوة كالصحة و المرض و الراحة و التعب و اللذة و الالم فانها في الابدان بالقوة و انما تستخرج منها بتكميل المكملات و هي كلها فيها ممكنة الي ما لا نهاية له يعني يمكن انيستخرج منها ما يلتذ به دائما و ما يتالم به دائما و انواع اللذات و الالام غيرمتناهية و كما انه يمكن انيتالم الانسان مرة يمكن انيتالم مرات الي ما لا نهاية له و سبب تالمه بما يستخرج من قوته الي الفعلية انه كاين علي صفة خاصة هي كونه هو هو و ما يمكن فيه من ضد تلك الصفة الذي به فساد كونه او ضعفه ينافر كونه كما تري ان البدن كونه باتصال اجزائه و يمكن في حقه تفرق اوصاله فاذا خرج تفرق اوصاله من القوة الي الفعلية تالم منه كونه الذي هو الاتصال فاذا فرق و تالم ثم اعيد الي حالته الاولي ثم فرق مرة اخري تالم مرة اخري كما قال سبحانه كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب فتبين و ظهر ان دوام التالم امر ممكن لايخالف العقل المستنير فاذا قام برهان علي دوام وجود التالم لا ياباه العقل لانه ممكن عنده فاذا ثبت امكانه نقول ان الشارع لميامر المكلفين الا بما فيه الخير و الراحة و النعمة و اللذة الدائمة و الصلاح و لمينه الا عما فيه الشر و التعب و العذاب و الالم الدائم و الفساد ان الله يامر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذيالقربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و ذلك بديهي فاذا امتثل المكلف امره و انزجر عن نهيه خرج من قوته ما فيه اللذة فان امتثل مرة التذ مرة و ان امتثل مرات يلتذ مرات و ان خالف امره و نهيه خرج من قوته ما فيه الالم فان خالف مرة تالم مرة و ان خالف مرات تالم مرات بالبداهة و ليس اذا خالف مرة طاب تلك الالام و صار المنهيعنه مامورابه و الفساد صلاحا و لو كان الامر كذلك لكان
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 393 *»
المخالفة مرة قبيحة و مرات حسنة و فيها الصلاح و لايقول به جاهل فضلا عن العاقل ثم لا شك ان المؤمن الممتثل يؤمن بنفسه الدهرية و يفصل امتثاله في بدنه في الازمان طال عمره ام قصر و الكافر المخالف يكفر بنفسه الدهرية و يفصل مخالفته في بدنه الزماني طال عمره ام قصر فامتثال المؤمن دهري و ان ظهر في زمان محدود و مخالفة الكافر دهرية و ان ظهرت في زمان محدود فلو عاشا ابد الابد لظهر امتثال ممتثلهما و مخالفة مخالفهما كما يظهر شعورهما و نطقهما بلا تفاوت فالمؤمن الممتثل يخلد فيما فيه لذته ابدا دهريا و الكافر المخالف يخلد فيما فيه المه ابدا دهريا باختيارهما ما اختارا و هذا معني ما روي بنياتهم خلدوا و ليس ان الله سبحانه يثيب المؤمن لقرابة بينه و بينه او لمناسبة بينهما او لرقة منه عليه و يعذب الكافر لمعاندة بينه و بينه او منافرة او شفاء غيظ حتي يقال انه ارحم الراحمين و كيف يرضي انيعذب عبدا ضعيفا ابد الابد بل العبد بنفسه اذا اختار لنفسه ملازمة ما فيه تالمه ليس في حكم العدل انيمده بغير ما يختار و لايشملهم الفضل لانهم لايستحقون منه الفضل و لايريدونه منه باختيارهم فكيف يشملهم الفضل و ليس من ذات الله سبحانه و لا من ذاتهم اقتضاء و انما يشمل الفضل الذين يرتكبون السيئات بجهالة او عادة او طبيعة او شهوة او غضب او غير ذلك و قلوبهم منكرة لها وجلة منها يجدون في انفسهم ان الله سبحانه ان عذبهم فبعدله و ان غفر لهم فبفضله فاولئك يتوب الله عليهم من فضله و رحمته فسمع ابوعبدالله7 يقول ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة قيل يدخله الله بالذنب الجنة قال نعم انه يذنب فلايزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه الله فيدخله الجنة و سمع يقول من اذنب ذنبا فعلم ان الله مطلع عليه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له غفر له و ان لميستغفر و سمع يقول ما من عبد يذنب ذنبا فندم عليه الا غفر الله له قبل انيستغفر الخبر فمن بقي فيه باقية يقر لله سبحانه انه مستحق لعقوبته و هو مؤمن بالله سبحانه يدركه الفضل و الشفاعة و الا فلا قال سبحانه اناالله لايغفر انيشرك به و يغفر مادون ذلك لمن يشاء فمن لميقر له بالوحدانية لايغفر له و ثمرة عدم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 394 *»
المغفرة انيؤخذ بشركه و اذا كان شركه ذاتيا في الشرع و لايتجاوزه و الذاتي لايزول يستحق العذاب ابدا و لا مقتضي فيه للفضل بسوء اختياره فبذلك يدوم عليه العذاب و التالم و لايستانس التالم لتجدد ما ينافر كونه الباقي علي ما هو عليه و لايستحيل الي النار لانه لايموت فيها و لايحيي و كل شيء هو هو و انما الاستحالة تجري في الصفات العرضية لا الذاتية فان استحالة الذات عدمها و لايعدم ما دخل الوجود لانه كمال كوني لله سبحانه و اسم من اسمائه القديمة و ما قيل ان العذاب للتاديب و ليرجع العاصي عن غيه و الا لافائدة فيه و العذاب الابدي لا فائدة له و لايصدر من الحكيم فهو كلام قشري صادر عن غيرحكمة فان العذاب التاديبي لمن يؤل الي الخير لصلاح ذاته و فساد اعراضه و ذلك ايضا ممن له غرض في التاديب و اين هذا الكلام من مقام العرفاء الاعلام و اما العذاب الذاتي فليس للتاديب و انما هو بسوء اختيار المعذب بالفتح بنفسه و ليس الله سبحانه يعذب احدا من الكفار لشفاء غيظ او لغاية تحصل منهم و انما الزم المسببات الاسباب بحكمته فمن قارن سببا لحقه المسبب لامحالة كمن رمي بنفسه في النار و احترق فمن رمي بنفسه في النار و الله سبحانه نهاه عنه احترق و ليس الله سبحانه احرقه لشفاء غيظه او ليرجع عن غيه فمن لميستحسن العذاب الابدي فلايخترن الكفر الذاتي حتي يامنه فان الاوقات تحد و لها اول و اخر مادامت في الاوصاف و اذا صار الوقت للذات فلاغاية له و لا نهاية فالالام التي تصل الانسانلصفاته العرضية فان لها انقضاء كما كان لاسبابها انقضاء و الالام التي تصل الانسان لذاته فليس لها انقضاء اذ ليس لسببها انقضاء و لو راجعت الي جهات كلامي و فهمت مرامي لاتكاد تشك في خلود العذاب الاليم و دوام التاذي بشدايد الجحيم و لاتكاد تقول بقول اليهود الذين قالوا لنتمسنا النار الا اياما معدودة و لاتكاد تتزلزل بشبهات الصوفية لعنهم الله سبحانه المخربين للدين المعاندين لشريعة سيد المرسلين عليه و اله صلوات المصلين.
فصـل: اعلم ان للانسان ثلث مراتب الاولي مرتبة ذاته و حقيقته ما هو به
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 395 *»
انسان غيرحيوان و لا نبات و لا جماد و هي مرتبة نفسه الناطقة التي بها الانسان انسان و هي تمام ما هو به هو و الثانية مرتبة حيوانيته و تنزله في مرتبة الحيوانات البرزخية في عالم الامثلة و هي اعراضه البرزخية و ما هو له منها حيوان ناطق نطق بفضل نور النفس الناطقة و الثالثة مرتبته النباتية و تنزله في رتبة النباتات و هي بدنه الدنياوي النامي الذابل الذي يحيي و يموت علي ما تري و قدلحقه اعراض جمادية لا كلام فيها اذ لا حركة لها و لا نفس بالفعل فالانسان يصدر عنه افعاله بمقتضي بدنه الدنياوي النباتي الطبيعي بفضل شعور النفس الناطقة و حركاتها و افعالها النازلة اليه المنصبغة فيه فتبرز علي حسب تلك الاصباغ و لعل تلك الاصباغ من نفس ذلك البدن النباتي و نفسه الناطقة عنها بريئة و لها منكرة و عنها مستوحشة كارتعاش يد صاحب الرعشة و ظهور الكتابة عنه علي خلاف هواه فهذه الكتابة المرتعشة ترجع الي يده لا الي نفسه الناطقة و قديصدر عنه افعال بمقتضي نفسه الحيوانية البرزخية و ان كانت بفضل شعور النفس الناطقة و اراداتها و افعالها فلربما يصدر عنها فعل لميكن علي مقتضي محبته و ميله و انما هو بمقتضي صبغ حيوانيته و هو يشناه و يتبرا منه فذلك ايضا لايؤل اليه اذ لميبدا منه و ربما ينصبغ ثانيا هذا الفعل الحيواني المنصبغ في طبيعته الدنياوية فيكتسب فسادا علي فساد و هي اي النفس الناطقة بريئة عنهما جميعا و اما ما صدر عنه من نفسه الناطقة التي هي ذاته فهو منه و اليه و يلحقه حسنه و قبحه فتبين ان اراضي الزرع ثلث و كذلك ايام الحصاد ينبغي انتكون ثلثة فان حصاد كل زرع عند البلوغ و بلوغه غايته و غايته في عرصة بدئه فكل عمل زرع في الدنيا بمقتضي الطبيعة الدنياوية يحصل في الدنيا ثمرته و يناله جزاؤه خيرا او شرا فهذه الاعمال متقضية و لابد و انيكون جزاؤها ايضا متقضيا و الله سبحانه ارحم و اكرم انيعذب العبد بعصيان ساعة الف سنة مثلا و الله يقول من جاء بالسيئة فلايجزي الا مثلها فمن عمل عملا بمقتضي طبيعته الدنياوية يناله نصيبه من الكتاب بقدره فاذا كان ذاته و برزخيته بريئتين منه مات و ورد العالم البرزخ و قدتخلص عن شوب اصباغ نباتية كان فيها و يرد علي نعم تليق به و يحمد الله سبحانه الذي اذهب عنه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 396 *»
الحزن ان ربنا لغفور شكور و قدناله في الدنيا مسببات الزمت تلك الاسباب من غير شفاء غيظ لله سبحانه و لا ارادة تاديب فمن رمي بنفسه في النار احترق و من القي نفسه عن الجبل انكسر عظامه و ذلك حكم ملازمة الاسباب و المسببات التي هي من مقتضي العدل في الحكم و عطاء كل ذيحق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و من عمل عملا بمقتضي برزخيته و حيوانيته و نفسه البرزخية فذلك ارض زرعها في عالم المثال و يدرك ثمره في عالم المثال فيحصده هناك و جميع نعيم الدنيا و عذاب الدنيا لايصيران ثمرة عمل من تلك الاعمال و يقصران عنه فان غاية نعيم الدنيا الي زوال عند انقضاء الزمان و ذلك العمل دهري برزخي يقتضي نعيما دائما بدوام دهري برزخي و عذابا دائما بعذاب دهري برزخي و لايكافيه جزاء الدنيا فينعم في البرزخ او يعذب كفاء عمله فاذا نفخ في الصور و مات و انشر جاء خالصا من ذلك الشوب و ليس عليه شيء من ذلك الذنب و لا من تلك الحسنة و من عمل عملا بمقتضي نفسه الناطقة التي هو هي و هي هو يكون ذلك الزرع في اعلي الدهر و يدرك ثمره ايضا هناك و يحصده هناك و يناله جزاؤه هناك علي حسب زرعه و لماكان عمله دهريا يكون جزاؤه دهريا و قدعرفت ان الدهر عرصة الثبات و الاستقرار و الدوام لانه عرصة الذات فيكون جزاؤه ثابتا دائما علي حسب عمله بملازمة المسببات و الاسباب و لعمري ماادري اين اولئك المنتحلون و اين الحكمة و كيف استبدوا بارائهم و استغنوا عن المحمد: نعم هذا جزاء من يتخلف عن النور و يفزع الي الظلمات الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون فخذ هذه الحكم الالهية النبوية العلوية و قل الحمد لله الذي هدانا لهذا و ماكنا لنهتدي لولا ان هدانا الله فتدبر و اغتنم و اشكر الله.
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 397 *»
فصـل: اعلم ان الشفاعة ثابتة بالكتاب و السنة و الاجماع ولكن معرفتها مشكلة فاحببنا اننورد فصلا في هذا الكتاب يكشف عن حقيقتها.
اعلم ان الشفاعة فضل نور من الكامل يقع علي الناقص فيتكمل بذلك النور استعداده لتعلق فضل به ماكان يستحقه قبل وقوع ذلك النور عليه فيمد بما لميكن يستحقه او يترك حق عليه كان ينبغي اخذه به لولا ذلك النور الواقع فعرصة الشفاعة عرصة تحت عرصة التشريع و انما هو حكم اقتراني بين المتصاقعين بعد نزول العالي الي عرصة الداني و تلبسه بلباسه فالنسب التي تقع بينهما من التواصل و التراحم و التعاطف و التعارف هي الشفاعة لان الشفع بمعني الزوج و هما المقترنان و اما العالي الموثر فهو من يشفع اليه و يحكم بين الخلق و ذلك في ما سوي الله سبحانه مقامات مرة ينظر الي الجميع بالنسبة الي الله سبحانه و لا نسبة فيري الكل نورا وحدانيا احديا كاينا دائما ثابتا فهو حينئذ كمال الله سبحانه و كينونته الدائمة الثابتة الكائنة غيرالمكونة فلا تعدد هناك و لا تكثر ابدا ابدا و مرة ينظر الي الكل بنظر الاطلاق بشرط لا فيري نورٌ قائم بتلك الكينونة بنفس ذلك النور و ليس فيه شيء من الكثرات و التعددات علي معني نفيها الذي هو فرع الاثبات الذكري فهو حينئذ مركب من النفي و الاثبات اثبات نفسه و نفي ما سواه فهو واحد لا احد و هو مبدا المبادي و غاية الغايات و نهاية النهايات و اول المعاني و التعينات لكن علي نهج الكلية التي هي نفي الجزئيات و مرة ينظر الي الكل و يري فيه الكثرات و التعددات و المبادي و الغايات فيري فيه عرش و كرسي و سموات و عناصر يدرك بعضها بعضا و يقترن بعضها ببعض و فيه الاقوي و الاضعف و الاشرف و الاخس و الاكمل و الانقص و الانور و الاظلم و هنا مقام الامكان الجايز و الماء النازل من سحاب المشية و فيه كثرات فعلية كلية و هو الوجود بشرط شيء و الامر المفعولي و الكلية الالهية و مرة ينظر الي الوجودات الجزئية المولدة من تلك النفس الكلية التي هي برتبتيها ابوا هذه الوجودات و تلك الوجودات موادها من سماوات النفس الكلية و صورها من ارضيها و كلها مصورة في بطن تلك الام هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء خلقكم من نفس واحدة و هي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 398 *»
السماء و جعل منها زوجها و هي الارض و بث منهما رجالا كثيرا و نساء فالمقام الاول مقام التوحيد و دار التفريد و المقام الثاني مقام معرفة فعل الله سبحانه و دار واحديته سبحانه و اسمائه و صفاته و المقام الثالث هو مقام الخلق الاول الذي لايشاركه فيه احد و دار التشريع و المنير الذي من شعاعه الكل و المقام الرابع هو مقام ساير الخلق و هنا دار الشفاعة و الاقتران فهي دار معمورة ثابتة قدخلقها الله سبحانه و عمرها بالدعاة و الهداة و السادة الولاة و المؤمنين الرعاة و الاخوان الكفاة ففي هذه الدار يشفع كل من له فضل نور مشرق لمن يقترن به نحو اقتران او يتصل به نحو اتصال و فضل نوره يكمل قابلية الناقص حتي يمد بما لميكن يمد لولاه و يترك له حق عليه ماكان يترك لولا ذلك النور فيشفعون كذلك و يشفعون فيشفع اول الشافعين و انور النيرين محمد9 لذريته الانجبين عليهم صلوات المصلين فبفضل نوره المشرق عليهم باتصالهم به و باتحاد طينتهم معه يستكملون ما لميكن لهم لولا ذلك النور فيتقوون به و يستكملون بحيث يتلألأ نورهم و يشرق علي صفحات العوالم حتي انه لو كان كلها كفارا و التجاؤا اليهم للحقهم الشفاعة و انجوهم و كملوهم ولكن لايشفعون الا لمن ارتضي فان من لايتوجه اليهم او لايتصل بهم نحو اتصال لايرتضيه الله ثم هم يشفعون لانبياء الله سلامالله عليهم لاتصالهم بهم اتصال النور بالمنير فيستكملون دوين الاستكمال الاول فيشفعون للمؤمنين الموالين لالمحمد: فيستكملون دوين الاستكمال السابق فيشفعون للمسلمين الذين دونهم بالجملة تنتشر الشفاعة انتشارا علي حسب الاتصال و الاقتران.
فعن ابيجعفر7 في حديث ما احد من الاولين و الاخرين الا و هو محتاج الي شفاعة محمد6 يوم القيمة ثم قال ان لرسول اللّه الشفاعة في امته و لنا شفاعة في شيعتنا و لشيعتنا شفاعة في اهاليهم ثم قال و ان المؤمن ليشفع في مثل ربيعة و مضر و ان المؤمن ليشفع حتي لخادمه و يقول يارب حق خدمتي كان يقيني الحر و البرد و عن علي7 في حديث يشفع كل رجل من شيعتي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 399 *»
و من تولاني و نصرني و حارب من حاربني بفعل او قول سبعين الفا من جيرانه و اقربائه و في رواية هل يشفع اي النبي9 الا لمن وجبت له النار و عن النبي9 انما شفاعتي لاهل الكباير من امتي فاما المحسنون فماعليهم من سبيل اقول الشفاعة المخصوصة باهل الكباير هو شفاعة ترك الحق لا شفاعة الامداد كما مر انه ما احد من الاولين و الاخرين الا و هو محتاج الي شفاعة محمد9 و روي شيعتنا من نور الله خلقوا و اليه يعودون والله انكم لملحقون بنا يوم القيمة و انا لنشفع فنشفع و والله انكم لتشفعون فتشفعون و ما من رجل منكم الا و سترفع له نار عن شماله و جنة عن يمينه فيدخل احباءه الجنة و اعداءه النار و روي عن الصادق7 اصحاب الحدود مسلمون لا مؤمنون و لا كافرون فان الله تبارك و تعالي لايدخل النار مؤمنا و قدوعده الجنة و لايخرج من النار كافرا و قدوعده النار و الخلود فيها و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء فاصحاب الحدود فساق لامؤمنون و لا كافرون و لايخلدون في النار و يخرجون منها يوما و الشفاعة جايزة لهم و المستضعفين اذا ارتضي الله عزوجل دينهم و عن الرضا7 مذنبوا اهل التوحيد يدخلون النار و يخرجون منها و الشفاعة جايزة لهم و عنه7 عن ابائه عن اميرالمؤمنين7 قال قال رسولالله9 اذا كان يوم القيمة ولينا حساب شيعتنا فمن كان مظلمته فيما بينه و بين الله عزوجل حكمنا فيها فاجابنا و من كان مظلمته فيما بينه و بين الناس استوهبناها فوهب لنا و من كان مظلمته فيما بينه و بيننا كنا احق من عفا و صفح و عن ابيجعفر7 ياجابر لاتستعن بعدونا في حاجة و لاتستعطه و لاتساله شربة ماء انه ليمر به المؤمن في النار فيقول يا مؤمن الست فعلت بك كذا و كذا فيستحيي منه فيستنقذه من النار و انما سمي المؤمن مؤمنا
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 400 *»
لانه يؤمن علي الله فيؤمن امانه و عن تفسير الامام7 ان الواحد ليجيء الي مؤمن الشيعة فيقول اشفع لي فيقول و اي حق لك علي فيقول سقيتك يوما ماءا فيذكر ذلك فيشفع فيه و يجيئه اخر فيقول ان لي عليك حقا فاشفع لي فيقول و ماحقك علي فيقول استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع له فيشفع فيه و لايزال يشفع حتي يشفع في جيرانه و خلطائه و معارفه فان المؤمن اكرم علي الله مما تظنون و عن ابيجعفر7 لاتسالوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم وعنه7 لاتسالوهم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة الي رسولالله9 يوم القيمة و عن ابيعبدالله7 قال قال رسولالله9 ما من اهل بيت فيدخل واحد منهم الجنة الا دخلوا اجمعين الجنة قيل و كيف ذلك قال يشفع فيهم فيشفع حتي يبقي الخادم فيقول يارب خويدمتي قدكانت تقيني الحر و البرد فيشفع فيها الي غير ذلك من الاخبار الشريفة التي ماتركناها الا خوف الاطالة و كتب الاخبار بها مشحونة.
بالجملة الحقوق وسائل و روابط و المؤمنون كرماء رحماء و كل من كان له عليهم حق لايضيع ذلك الحق و هو اخذ بحجزتهم بذلك الحق و لابد و انينجذب بجذبهم بعد اتصاله الي الجنة و لو بعد حين فان جذب القوي مقتض للجذب ان لميعوق عنه عائق من جاذب الي جهة المخالف و اذا تعارضا يكون العاقبة الي الخير ان شاءالله لان الحسنات متاصلة و السيئات مجتثة ما عندكم ينفد و ما عندالله باق و اما من لميكن متصلا بالله سبحانه و برسوله بوجه من الوجوه فهو المحروم عن الشفاعة لاتناله ابدا ابداو هو مغلول باعماله مسجون في جهنم مايوس من لحوق الشفاعة و اولئك الذين يقولون فما لنا من شافعين و لاصديق حميم نعوذ بالله.
و لعمري من اطلع علي هذا الفصل من كتابي هذا و عرف سر الشفاعة لاينبغي له التغافل عن اداء حقوق اخوانه و التوسل اليهم و الخدمة لهم و الاحسان اليهم و الاكرام لهم باي وجه يمكنه و ايم الله ان هذا المقام ارجي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 401 *»
مقام للنفوس الناقصة و لا وسيلة لها غير ذلك و لولا ذلك لايكاد يرقي الانسان هذه الاعمال المشوبة غيرالخالصة ابدا ابدا فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان قوما انكروا الشفاعة بعد هذه النصوص ليس لهم فيها نصيب و هم غافلون عن سر الامر و مقامه و روي من لميؤمن بشفاعتي فلا اناله الله شفاعتي.
فصـل: اعلم ان لكل احد منزلين منزلا في الجنة و منزلا في النار فاذا احسن و دخل الجنة ورثه اهل النار في منزله في النار و اذا اساء و دخل النار ورث منزله في الجنة اهل الجنة و ذلك قوله سبحانه و نودوا انتلكموا الجنة اورثتموها بماكنتم تعملون و روي ما من احد الا و له منزل في الجنة و منزل في النار فاما الكافر فيرث المؤمن منزله في النار و المؤمن يرث الكافر منزله في الجنة فذلك قوله اورثتموها بما كنتم تعملون و سر ذلك ان الصور تابعة للمواد فالمواد اللطيفة تلبس صورا لطيفة و المواد الكثيفة تلبس صورا كثيفة فلو رمت انتلبس صورة الياقوت مثلا علي مادة الصخر الغاسقة لمتلبسها او تلبس صورة الصخر الغاسق علي مادة الياقوت لمتلبسها البتة و قدعرفت ان الصور الشرعية علي حسب امتثال الاكوان فالكون النير الصافي اللطيف يمتثل امر الشارع ما لايمتثله الكون الظلماني الغاسق الكثيف البتة و لذلك يستنير المراة من الشمس ما لايستنيره الحايط الكثيف و النطفة الطيبة تمتثل ما لايمتثله النطفة الخبيثة فالعبد الكوني له صورة كونية علي حسبه و معلوم في علم الله سبحانه ان هذا الكون في هذه الدرجة اذا امتثل امر الشارع اي مقدار من الثواب له و اي درجة من الجنة تليق به و في اي جنة يسكن و تلك الاجور مقدرة له لا مقضية ممضاة فانه لايمضي الاجر لعامل قبل انيعمل العمل و يؤدي الثمن و اما قبل العمل فذلك في عرصة القدر كالمتاع في السوق ولكن معلوم في علم الله وُسع كل نفس و اذا خالف امر الشارع اي مقدار من العقاب له فان العقاب و الثواب علي حسب الشعور و درجة الكون و اي درك له في جهنم و في اي طبقة يسكن و جميع ذلك بالنسبة اليه في عرصة التقدير غير ممضي قبل
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 402 *»
صدور المخالفة فكذلك منزلا كل نفس في الجنة و النار فاذا اختار احدهما يرث منزله في الدار الاخري غيره و هو من اشتراه بعمله و كان في صقعه كونا مشاكلا له في الصفة او كان اقوي منه و اجمع فان القوي يحوز ما للضعيف و اكثر و اما الضعيف فلايحوز ما للقوي و لذلك يرث المشاكل المشاكل و العالي الداني و لايرث الداني العالي علي حذو ما في الدنيا من الفريضة العادلة فاذا دخل المؤمن الجنة يكشف له عن النار و يقال يا فلان لو كنت تعصي الله لكان هنالك مسكنك فيشتد سروره بنجاته عن ذلك الدرك و يكشف عن الجنة لاهل النار و يقال لكل واحد يا فلان لو كنت تطيع الله لكان هنالك درجتك في الجنة فيشتد تاسفه و تلهفه و لاينفعه بل يضره كما روي عن ابيعبدالله7 انه قال ماخلق الله خلقا الا جعل له في الجنة منزلا و في النار منزلا فاذا سكن اهل الجنة الجنة و اهل النار النار نادي مناد يا اهل الجنة اشرفوا فيشرفون علي النار و ترفع لهم منازلهم في النار ثم يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم ربكم دخلتموها قال فلو ان احدا مات فرحا لمات اهل الجنة في ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب ثم ينادون يا معشر اهل النار ارفعوا رؤسكم فانظروا الي منازلكم في الجنة فيرفعون رؤسهم فينظرون الي منازلهم في الجنة و ما فيها من النعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو اطعتم ربكم دخلتموها قال فلو ان احدا مات حزنا لمات اهل النار ذلك اليوم حزنا فيورث هولاء منازل هولاء و هولاء منازل هولاء و ذلك قول الله عزوجل اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.
فصـل: اعلم ان شيئا مخلوقا مستقلا في نفسه بذاتيته لايصير شيئا اخر و لايستحيل اليه فانه بنفسه قائم بموثره و قداثبت في كتاب الله سبحانه تاما كاملا فلايمحي نعم يمكن تبدل اعراض الشيء مع بقاء ذاته كالكلب يصير ملحا و انما هو زوال عرض الكلب و حصول عرض اخر و الا فنفس الكلب لاتستحيل الي
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 403 *»
الملحية و هي مادامت الاعراض صالحة تتعلق بها فاذا فسدت فارقت كانسان ياكله الذئب مثلا فعرض الانسان يصير عرض الذئب اما نفس الانسان فلاتصير ذئبا و كذلك حكم جميع الذوات لاتستحيل و لاتنقلب عما هي عليه قائمة بموثرها محفوظة بها ابدا و تغيير الذات اعدامها و ما دخل في ملك الله لايخرج.
فاذا عرفت هذه المقدمة السديدة فنقول ان هذا الغذاء الذي ياكله الانسان في هذه الدنيا فانما هو اعراض تلحقه و لايصير النبات انسانا و لا الحيوان بل نفس النبات في محلها محفوظة و نفس الحيوان محفوظة قائمة بموثرها و انما تنقلب و تستحيل اعراضها فكانت عرضها زمانا اذ صارت اعراض شيء اخر و الصفات المختلفة التي تظهر لشيء واحد بالاستكمال و الاستحالة فانما هي ظهورات ذلك الشيء و تجلياته و ليست عنه بباينة فعرض الكلب له جوهر احد ظهوراته صورة الكلبية و احد ظهوراته صورة الملحية و ليس صورته الكلبية بكلب ذاتي و ليس صورته الملحية بملح ذاتي و ذلك الجوهر له ظهوران وصفيان كقيام الرجل و قعوده و هو هو قائما و قاعدا فليس ان شيئا صار شيئا اخر بل الشيء تجلي بتجليات متعددة فالنعيم الذي ياكله الانسان في الجنة و الطعام الذي ياكله في النار هل هما مباينان مع الشخص تباين الجماد و النبات و الحيوان معه في الدنيا فلايستحيلان انسانا بل يصيران عرضا له و لا عرض في الاخرة و دار الاعراض دار الفناء و البوار او هما مجانسان له مماثلان فيكونان ايضا عرضين او متحدان معه فكيف يكونان نعيما و طعاما يؤكل و الانسان لاياكل نفسه و يرجع ذلك الي مسئلة ان المدد غير المستمد فيصير غير الشيء ذلك الشيء و هو محال او عينه فيكون تحصيل الحاصل و تلك مسئلة معضلة ليس هيهنا موضع شرحها مفصلا ولكن نشير اليها بقدر الحاجة.
اعلم ان الجزاء كما عرفت ثمرات الاعمال النابتة في ارض الهوية و حبتها مثال العالي و ظله و هي المزروعة المكفورة في الارض و ذلك المثال هو حقيقة الشخص الشرعية فاذا نزلت الي ارض الكون ماتت و دفنت في الارض و انحلت في طبايعها ثم دعيت فاجابت فنزل من سماء التشريع ماء الشرع الذي منه حيوة كل شيء فانشر تلك الاموات و احياها فقامت باذن الله و ظهر نورها من جهات
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 404 *»
قوابل تلك الارض علي حسبها و تلك الانوار و الظهورات هي افعال ذلك المثال المحيي باذن الله منه بدئت و اليه تعود كما اذا كمل الزرع سنبل و انعقد فيها الحب كالحب الذي زرعته اول مرة فالجزاء هو ثمرة العمل و العمل هو النبات النابت في ارض الكون من حبة المثال الملقي في هوية ذلك الكون و لاجل ذلك تنبت الاعمال السيئة من المثال السيئ و تثمر سيئة و الاعمال الحسنة من المثال الحسن و تثمر حسنة فالثمر هو من درجة الحب و هو الحب لا غير الا انه كان مجملا حين زرع و تفصل اذا حصد سبعمائة حبة مثلا فالجزاء من ذاتيات المجزي فيمد بذلك الجزاء مددا ذاتيا و قداكتسب من تنزلاته صورا حسنة علي حسب قابلية الكون و انبسط و اتسع و انتشر و لذلك يكون جزاؤه منه و اليه و ما ربك بظلام للعبيد و يطلع علي جميع جنته و نعيمه او عذابه في كل حين كاطلاعه بنفسه دائما بالتفات واحد و لميصر شيء شيئا اخر و يكون الجزاء انسب شيء بذاته و اتوا به متشابها لايقدر انينكر منه شيئا و المجزي بالجزاء حينئذ هو الحقيقة الكلية الظاهرة بتلك الصفات التي هي ذاتية لها اما ملائمة او منافرة فان كانت الصفات الذاتية ملائمة تنعمت بها ابدا و ان كانت منافرة تعذبت ابدا لانها ذاتية فجزاء كل امرئ من ذاتياته و لو كان خارجا عن ذاته مباينا معها لكان لصوقه به بالعرض و يجتمع عليه الاعراض و يصير الي الفناء اقرب منه الي البقاء و لكانت الاخرة كالاولي و لكانت الاغذية تحتاج الي كيلوس و كيموس و مدفوع لتشاكل المغتذي و نعوذ بالله من هذه الاقوال و ما روي ان غذاء اهل الجنة رقيق لاثفل له بل يخرج من اجسادهم بالعرق فالمراد من العرق هو الرشح بمعني الفاضل و هو كثير الاستعمال في الاخبار و اهل الجنة صاعدون الي الله سبحانه و يتركون في كل درجة مثالا فاضلا عنهم و هو رشح وجودهم كما روي الورد الاحمر من عرق جبرئيل و كذلك ما ياكله اهل جهنم من الزقوم و يشربونه من الحميم و الغسلين و غيرهما فتدبر و الامداد التي ترد علي الشيء هي من سنخ ذاته تخرج من كيانه الي العيان كما حققناه في محله و لما عبر عن الحقايق الغيبية بالالفاظ الشهادية ليسمعها اهل الشهادة اشكلت عليهم
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 405 *»
و حملها الجهال علي الحقايق الشهادية فتناقضت و اما اهل العلم فاذا سمعوا اللفظ كشفوا عنه السبحات التي هي من لوازم رتبة الشهادة و نظروا الي حقايقه بعين الحقيقة ففازوا بالمراد و الله الموفق للسداد.
فصـل: و اما اهل الاعراف فاولئك قوم ليس لهم حسنات يبلغون بها درجة اهل الجنة و لا سيئات يبلغون بها درك اهل النار و استوت حسناتهم و سيئاتهم فهم واقفون بين الجنة و النار حتي يقضي عليهم ما يقضي و ذلك ان نور الوجود التشريعي لما سطع من المنير و انتشر كان ما يقرب منه من المنير انور و اشبه بالمنير و فيه من الظلمة بقدر استمساك وجوده و كلما يبعد يكون اضعف نورا و انما يضعف النور بممازجة الظلمة فيضعف كلما يبعد الي انيصل غاية البعد فيكون فيه النور بقدر استمساك وجوده و الغلبة للظلمة و ما بين هذين المقامين مقام فيه النور و الظلمة علي السواء و يمثلان بالمخروطين المتداخلين راس كل واحد علي قاعدة الاخر فالنصف الاعلي فيه سلطان النور و يغلب حكم النور الظلمة سبقت رحمتي غضبي و فيه عليون و الجنة و اهل التقوي و المغفرة و النصف الاسفل فيه سلطان الظلمة و يغلب حكم الظلمة النور و فيه سجين و النار و الفجار و اهل العذاب فمن اخذ مادته من النصف الاعلي فهو من الجنة و الي الجنة و من اخذ طينته من النصف الادني فهو من النار و الي النار فالجنة العليا عند قاعدة النور ثم التي تليها بعدها ثم التي تليها و هكذا الي فويق الوسط و الدرك الاسفل عند قاعدة الظلمة و الذي فوقه فوقه و الذي فوقه فوقه الي دوين الوسط فكل من اخذ طينته من جنة او نار يرجع اليها في العود و اما الذين استوت حسناتهم و سيئاتهم فقداخذت طينتهم من الحد الاوسط فليسوا هولاء بمؤمنين و الا لدخلوا الجنة مع المؤمنين و ليسوا بكافرين و الا لدخلوا النار مع الكافرين ولكن درجتهم درجة بين الكفر و الايمان فلميقروا اقرار المؤمنين و لميجحدوا جحود الكافرين و لميشكوا شك الشاكين بل غفلوا غفلة الغافلين و مضوا علي ما هم عليه مع غفلة و لهو عما يقوله الفريقان و عملوا بما عملوا و لميستوفوا شرط القبول الذي هو الولاية و لا شرط الرد الذي هو العداوة
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 406 *»
فهم مقامهم بين المؤمنين و الكافرين مع الغافلين و ليس لهم مشعر يميزون به الايمان و الكفر فيكلفون و لو كان لهم مشعر لميتركوا بلاتكليف و لو كلفوا فان امتثلوا امنوا و كانوا مع المؤمنين او خالفوا كفروا و كانوا مع الكافرين فظهر انهم كانوا مستضعفين لميكن لهم مشعر يكلفون به فهم مرجون لامر الله اما يعذبهم و اما يتوب عليهم فكما كانوا في الدنيا بين المؤمنين و الكافرين ظهروا في الاخرة بين المؤمنين و الكافرين و هو مقام الاعراف و الاعراف جمع عرف بالضم و هو الرمل و المكان المرتفعان و قدروي عن الصادق7 ان الاعراف كثبان بين الجنة و النار او هو اسم علي وزن الجمع كما روي عن ابيجعفر7 انه سئل فما الاعراف قال صراط بين الجنة و النار او هو السور الذي يضرب بين الجنة و النار باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فان ذلك السور بين الرحمة و العذاب كما يظهر من خبر اخر و الكل واحد و اذا عرفت ان الجنة في السماء و النار في الارض فالاعراف بين السماء و الارض فهو مقام الطبيعة ليس لها تمييز نفساني فتكون من الجنة و السماء و لا تمييز جسماني ارضي فتكون من النار و انما هي مقام الانحلال و الغفلة و عدم الشعور فيحتاج اهلها الي تجديد تكليف حتي ينعقدوا علي الايمان او علي الكفر و هي الكثبان بين الجنة و النار و هي حمر هذا اذا اخذ الاعراف بمعني المكان الذي بين الجنة و النار و قديؤخذ بمعني الرجال كما روي في البحار عن ابيجعفر7 انها اعراف لايدخل الجنة الا من عرفهم و عرفوه و اعراف لايدخل النار الا من انكرهم و انكروه و اعراف لايعرف الله الا بسبيل معرفتهم فلاسواء ما اعتصمت به المعتصمة و من ذهب مذهب الناس ذهب الناس الي عين كدرة يفرغ بعضها في بعض و من اتي المحمد اتي عينا صافية تجري بعلم الله ليس لها نفاد و لا انقطاع ذلك بان الله لو شاء لاراهم شخصه حتي ياتوه من بابه لكن الله جعل محمدا و المحمد الابواب التي يؤتي منها و ذلك قوله و ليس
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 407 *»
البر بانتاتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقي و اتوا البيوت من ابوابها و عن اميرالمؤمنين7 نحن الاعراف نعرف انصارنا باسمائهم و نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا و نحن الاعراف نوقف يوم القيمة بين الجنة و النار فلايدخل الجنة الا من عرفنا و عرفناه و لايدخل النار الا من انكرنا و انكرناه و عنه7 نحن الاعراف يعرفنا الله عزوجل يوم القيمة علي الصراط الخبر فالاعراف بهذا المعني جمع العرف بمعني المعروف او ماخوذ من العرف او العرفة بمعني الحاجز بين الشيئين فمعروفيتهم: لها مقامات فهم المعروفون علي ان الله سبحانه احتجب بهم عن خلقه فهو المحتجب و هم حجبه فلايعرف الله سبحانه الا بهم فهم معروفية الله سبحانه كما قال لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا و روي بنا عرف الله و لولانا ماعرف الله و هم المعروفون بانهم حجج الله سبحانه المفترضة طاعتهم فمن عرفهم بهذا المعني و عرفوه بالتصديق يدخل الجنة و من انكر حجيتهم علي الخلق و افتراض طاعتهم دخل النار و هم المعروفون عرف الله الخلق شانهم و نوه باسمهم و اقامهم علي الصراط لايجوز عليه الا من كان بيده جائزة منهم او من العريف و هو الذي يعرف اصحابه فهم الاعراف يعرفون اصحابهم و انصارهم او من العرفة بمعني الحاجز بين الشيئين فهم الاعراف اي وسايط بين الحق و الخلق و هم الاعراف اي النمرقة الوسطي اليهم يرجع الغالي و بهم يلحق التالي و هم الباب الحاجز بين الجو و الخارج فمن دخله نجا و من تخلف عنه هوي او هو من العرف بمعني اول مايطعم فهم باكورة الوجود و اول ظهور الرب الودود كما قال7 روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدايقنا الباكورة وهم اول الخلق و روح القدس عقلهم و قدياول الاعراف بالدنيا فانها مقام بين الجنة و النار و عليه رجال كملون صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالملأ الاعلي فلهم عينان عين الرجاء الي الجنة و عين الخوف من النار فلميدخلوا الجنة و هم يطمعون
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 408 *»
و اذا صرفت ابصارهم بالكلفة تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين و هؤلاء كملون يعرفون كلا بسيماهم فيمكن انيراد بهذا المعني محمد و المحمد: و شيعتهم الكملون العارفون بالله سبحانه المعروفون بالكمال فللاعراف معان و ان للقران معاني عديدة لاتنحصر بمعني و اما الظاهر من الاية فهو ان الاعراف هو الموضع كما في اخبار و عليه رجال و هم الائمة العارفون المعروفون يعرفون كلا من المؤمنين و الكافرين بسيماهم فانهم المتوسمون ينظرون بنور الله و نادوا يعني المذنبون الواقفون مع اولئك الرجال ينتظرون حكمهم اصحاب الجنة اي المحسنين الذين سبقوا الي الجنة بحكم الرجال سلام عليكم لميدخلوها قبل الاذن و هم يطمعون انيؤذن لهم واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين ونادي اصحاب الاعراف و هم الرجال رجالا من اهل النار يعرفونهم بسيماهم في النار قالوا مااغني عنكم جمعكم في الدنيا اموال المحمد: غصبا و جموعكم استيثارا للملك علي المحمد: و ماكنتم تستكبرون عن قبول الحق و ولاية المحمد: اهؤلاء اي مذنبوا شيعتنا الذين هم في الاعراف معنا اقسمتم في الدنيا لاينالهم الله برحمة ادخلوا يخاطبون مذنبي الشيعة الجنة لاخوف عليكم من النار و لا انتم تحزنون علي ما فرطتم فانه مغفور لكم.
و لما وصل الكتاب الي هنا راينا اننجعله جلدا مستقلا بما فيه لحفظ الكراريس عن التفرق و الاندراس فان شاء الله نشرع في جلد اخر في النبوة بحوله و قوته و اسال الله سبحانه انيجعله وسيلة للتقرب الي سادتي: و يجعلني من المتبعين لاثارهم و المتمسكين باخبارهم و المتاسين بافعالهم و المقتدين باعمالهم و يحشرني في زمرتهم مع خيار اوليائهم بفضله و كرمه انه
«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 409 *»
غفور رحيم.
فقارن الوصـول الي هنا قريـب العصر من يوم الثلثـاء لخمسة مضت مـن شهر شعبان
من شهور سنة ثمان و ستين بعد الماتين و الالف فختم علي يد مصنفه
حامـدا مصليـا مستغفـرا.
([2]) اي هاتان الرتبتان حدثتا من اقتضاء المعلومات ما ينبغي لها و يجوز لها من صفة الكينونة في رتبتها بعد المشية لان الله اذا شاء انيحكم لها بما سالته اقتضت المشية انيكون ما في الوجود في الامكان و ما في الامكان في الوجود و في الرتبة الاولي اقتضت ما يمتنع في الامكان. منـه
([6]) سواء كان كونيا ام امكانيا. منـه
([9]) اعلم ان ما سوي الله بحذافيره من الذوات و الصفات و الافعال و الاشباح و النسب و القرانات و الاضافات و الجواهر و الاعراض طرا علمه سبحانه المثبت الذي لايزيد و لاينقص علي نهج الوحدة في عين الكثرة و لايتغير علمه و لايتبدل و لميحدث لنفسه علما عن عدم و ليس علمه مسبوقا بالعدم و الحالة العلمية للاشياء حالة فوق الحالة الخلقية و الحالة الخلقية علي طبق الحالة العلمية فخلق كما علم و انت لو جزيت الخلق اجزاء بالنسبة الي الله سبحانه لتجد كلها صورا فعلية علمية ليس فيها استعداد التغير و التبدل فاذ لميمكن فيها التغير و التبدل فهي علي ما هي عليه بلا احتمال تحول فيجب انتكون كما كانت و يمتنع خلافه فخلق ماخلق علي حسب واجب علمه فبطل ماكانوا يقولون لايسئل عما يفعل و هم يسالون. منـه
([10]) النكراء كصحراء الفطنة. مـع
([12]) هي الحاصلة من ضرب اربعمائة في ثلثمائة و ستين ايام السنة. منـه
([13]) الظاهر ان القرب غلط و الصواب قَرَن كسبب. منـه