رسالة فی جواب السید محمود الآلوسی مفتی بغداد
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 391 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي خير خلقه محمد و آله الاکرمين و صحبه الانجبين.
اما بعد، فان العبد الفاني و الاسير الجاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي يقول ممتثلاً للامر مع قصور الباع و عدم الاطلاع:
قال: صاحب کتاب الملل و النحل العالم النحرير و الفاضل الخبير محمد الشهرستاني: المقدمة الخامسة في السبب الذي اوجب ترتيب هذا الکتاب علي طريق الحساب و فيها اشارة الي مناهج الحساب و لما کان مبني الحساب علي الحصر و الاختصار و کان غرضي من تأليف هذا الکتاب حصر المذاهب مع الاختصار اخترت طريق الاستيفاء ترتيباً و قدرت اغراضي علي مناهجه تقسيماً و تبويباً و اردت ان ابين کيفية طرق هذا العلم و کمية اقسامه لئلايظن بي حيث انا فقيه و متکلم اجنبي النظر في مسالکه (مسائله خل) و مراسمه اعجمي العلم بمدارکه و معالمه فآثرت من (مع خل) طرق الحساب احکمها و احسنها و اقمت عليه من حجج البراهين اوضحها و امتنها و قدرتها علي علم العدد و کأن الواضع الاول منه استمد المدد.
اقول: لما کانت الفطرة الانسانية و الجبلة البشرية مقتضية بالکينونة للبصيرة و اليقين و الرسوخ و التمکين في کل شيء خصوصاً في امر الدين لان به يصل الشخص الي اعلي مقامات القرب و الوصال و اسني درجات الوحدة و الاتصال و يدخل في لجة بحر الاحدية و يسبح في طمطام يم الوحدانية وجب في مقام الطلب و السلوک انلايقف علي الظن و التخمين و لايسکن في مقام التزلزل و التلوين و يترقي عن مقام الوهم و الشک الي مقام اليقين ثم يترقي شيئاً فشيئاً عن علم اليقين و عين اليقين الي مرتبة حق اليقين. فان الشکوک و الظنون لواقح الفتن و مکدرة لصفو (لصفوة خل) المنايح و المنن.
و لما
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 392 *»
کان مبني العقايد الحقة و ان کان علي الدلائل القطعية و القياسات العقلية من غير توقف علي نقل ناقل و قول قايل لاستلزامه التقليد المحظور في شرع اصحاب الحقيقة الا ان الاطلاع علي الاقوال المختلفة و الاراء المتشتتة و المذاهب المتفاوتة و الاحاطة بها و رد الباطل و احقاق الحق منها مما يزيد تبصرة و اطميناناً و رسوخاً و تمکيناً فيما هو عليه من القول الفصل و المذهب الجزل فيکون فيه کالجبل لاتحرکه العواصف و لاتزيله القواصف. و لما کانت المذاهب متشتتة و الاراء مختلفة متکثرة و الاقوال متجددة متفاوتة لاتکاد تنضبط فشمر هذا الفاضل الجليل و العالم النبيل عن ساق الجد و جمع تلک المذاهب و الاراء تسهيلاً للامر و تحصيلاً لهذه الغاية القصوي و الدرجة الاسني و طلباً لزيادة البصيرة و اتماماً للحجة. و لما کانت تلک المذاهب کثيرة و الاراء غير عديدة و الاقوال متباينة و مع تباينها کادت تکون غير متناهية احتاج الي ترتيب جامع و تبويب نافع يحصر المذاهب و يرشد الطالب الراغب و لايشذ عنه الطالب من غير تطويل ممل و لا اختصار مخل. و لما کان علم الحساب انما وضع لامثال هذه الابواب و کان الاوفق لهذه الطريقة و الاولي و الانسب لتحصيل هذه الحقيقة طريق الاستيفاء و کان علمه و ان کان عند اهل الدفتر و حساب الديوان معروفاً مشهوراً لکن عند غالب الناظرين الي هذا الکتاب من المتکلمين و الحکماء من الطبيعيين و الاشراقيين و الالهيين و غيرهم مخفي مستور و لهذا تري الحکماء في علم الهندسة و الرياضي قد ذکروا علم الحساب و طرقه و اطواره و استخراجاته و اصوله و فروعه و لميذکروا هذه الطريقة في غالب کتبهم في هذا الباب لعدم احتياجهم کثيراً اليه. نعم اهل الدفتر و الديوان ضبطوا هذا الحساب و بنوا عليه حساب الخرج و الجمع و الاخذ و العطاء و ضبط ساير ما يحتاج ضبطه لامر المملکة، رتب المصنف کتابه علي هذه بيان الطريقة. و هي لما کانت مخفية علي اغلب الناس اراد ذکر قواعدها و مناهجها و بيان مسالکها و ضوابطها و براهينها و حججها ليدل علي غزارة علمه و سعة باعه و يسهل تناول کل قسم من ابوابه بلا کلفة و لا مشقة. و لهذا وضع هذه
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 393 *»
المقدمة التي هي خاتم المقدمات لبيان السبب لهذا الترتيب و طريقه و برهانه.
فقال: «المقدمة الخامسة في السبب الذي اوجب ترتيب هذا الکتاب علي طريق الحساب و فيها اشارة الي مناهج الحساب.» و قد ذکر في هذه المقدمة امرين احدهما السبب الموجب لترتيب هذا الکتاب علي طريق الحساب. و ثانيهما طريقة الحساب الذي بني عليه الکتاب و بيانها و شرحها بالاجمال. و هنا امر ثالث يحتاج الي البيان و هو السبب الاصلي لوضع هذا الکتاب. و قد ذکرنا آنفا ما يدل علي الوجه الثالث و ان المقصود زيادة البصيرة و الرسوخ في المعرفة بعد (بهذا خل) الاطلاع علي المذاهب الباطلة و الاراء الفاسدة. و يکون آلة للولي الکامل الذي يجب وجوده کفاية لحفظ الدين و لئلايستولي اوهام الکفار و شبهات المنافقين علي المسلمين لان العارف الکامل و الولي المطلق في مقام القطبية الجزئية لابد و انيکون عالماً بجميع العلوم و هذه المذاهب و الاراء حتي يحتج علي کل طايفة بما هم عليه من الطريقة. فان ذلک اقطع للحجة و ادحض للاباطيل و اقرب لقطع شبه اهل الضلال و التضليل. فلو اتاهم بخلاف ما هم عليه لما عرفوا و لانکروا و لميصدقوا و کذبوا و قالوا ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين. و الحساب في هذا الباب اشارة الي حساب اهل الاستيفاء لا مطلق الحساب. فان المصنف مارتب کتابه الا عليه و الحُسّاب هم اهل الاستيفاء و اصحاب الدفتر و الديوان الذين يضبطون کميات التوجيه و التاريخ و ساير ما يتعلق بضبط امر الملک.
ثم اشار المصنف الي الامر الاول بقوله «لما کان مبني الحساب علي الحصر و الاختصار» و الحساب في الاصطلاح علم يستعلم منه استخراج المجهولات العددية من معلومات مخصوصة. و هذا و ان کان ايضا مبناه علي الحصر و الاختصار اما الاول فلانه وضع للتحديد و التشخيص و تعين المعدودات و استخراج المجهولات و تعدادها بتعيين حال من
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 394 *»
الحالات بالاعداد المعلومة و الحدود المرسومة.
و اما الثاني فلانه يکتفي بارقام جزئية عن کلمات کثيرة ولکنه ليس هو المراد هنا بالمراد بل المراد بالحساب وضع اهل الاستيفاء فانه اقرب الي الحصر و الاختصار من غيره لاسيما من الحساب المصطلح لانه لايتجاوز عن السبعة بخلاف غيره و هو مدات معلومة بتقاسيم مضبوطة بخلاف الحساب المصطلح کما يأتي تفصيله انشاءالله تعالي.
ثم شرع في بيان الامر الثاني و قال: «و اردت انابين کيفية طرق العلم و کمية طرق اقسامه» الي ان قال: «فآثرت من طرق الحساب احکمها و احسنها و هو علم الاستيفاء» و هو علم يضبط به کليات الاصول الحسابية التي هي صدر الحساب و منها المحقق و المطموس و جزئيات من ذلک المحقق و المطموس مبوباً و مفصلاً لسهولة المأخذ و يسر الاطلاع و هو اضبط العلوم الحسابية و احکمها في حصر المعدودات و رد الجزئيات الي الکليات و استنباط الحدود و المشخصات و تنويع الاجناس و تصنيف الانواع و تشخيص الاصناف و جعل کل فرد مع کليه و سهولة الاخذ في المعدودات الکثيرة. و هذه الطريقة احکم من غيرها فيما ذکرنا.
و اما (ذکرنا خل) في باقي الاحوال من الضرب و الجذر و استخراج المجهولات من المعلومات و معرفة النتايج و القرانات و النسب و ساير الاضافات و الحساب المصطلح المتداول بين العلماء الرياضيين هو الاضبط و الاحکم و الاتقن و الاقرب. و لذا قد اولوه و يطول الکلام بذکر هذه الاولوية و لسنا بصدده.
و لما ان الناظرين في هذه الطريقة و المتکلمين في هذا العلم اقتصروا علي ذکر محض القواعد و لميتعرضوا لدليلها و لميوضحوا سبيلها و لميبينوا مأخذها و لميصرحوا باصلها و منشئها و المصنف ادعي انه وصل الي تلک الادلة بوجوه متعددة و اطوار مختلفة و حيث ان ذکر المجموع يؤدي الي التطويل و يخرجه عما هو عليه من تعداد المذاهب و الاراء علي وجه الاختصار، اقتصر علي ذکر احکم
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 395 *»
الادلة و اتقنها و اوضحها و امتنها.
و قال «و اقمت عليه من حجج البراهين اوضحها و امتنها» و اشار الي منشأ هذا العلم و اصله و قال: «و قدرتها علي علم العدد» و التقدير هو وضع الحدود و الجهات و الاوضاع اي حددت تلک البراهين او القواعد علي مقتضي علم العدد و قواعده و مراتبه. لان العدد روح اغلب العلوم الهندسية. فاذا ظهر في شکل التثليث و التربيع و التخميس و غيرها فهو علم الاوفاق. و اذا ظهر في الحروف و الاشکال الحرفية فهو علم البسط و التکسير و منه الجفر و ان کان في بعض الاحوال لها شرايط اخر و علم السيميا و غيرها. و اذا ظهر في النقاط باعتبار ظهورها في الاربعة الاصول و الستةعشر الفروع فهو علم الرمل. و اذا ظهر في الارقام المخصوصة للجمع و التفريق و التقسيم و الضرب و الجذر و الکعب و استخراج المجهولات و ساير النسب و الاضافات فهو علم الحساب. و اذا ظهر بالمدات علي الاوضاع المخصوصة فهو علم الاستيفاء. و مدات هذا العلم و مراتبها علي طبق مراتب العدد من الواحد الي السبعة حرفاً بحرف فيما يقتضي الوحدة و الکثرة (الکسرة خل) و القسمة و عدمها کما سيأتي.
فالعدد لکونه السر الناشي عن الوحدة الحاکية للوحدة الالهية و وحدة الواحدية و وحدة الاسمائية و الصفاتية و الکثرات الناشية عن تلک الوحدة هو الاصل و السر في جميع الاطوار الوجودية اذ لا موجود الا و سري العدد في باطنه و خافيه فهو سر الاسرار و نور الانوار و غيب باطن و سر کامن يظهر بمظاهره و حدوده فکل حد ظهر علي مقتضاه هو اشرف العلوم و اقربها الي المبدأ و يشتمل علي خواص عجيبة و تأثيرات غريبة و کلما خفي فيه ذلک الاقتضاء ضعفت خواصه و اسراره.
و قوله: «قدرتها» ان کان المراد بهاء الضمير البراهين يصح الکلام اذ لعل مراده قدرتها اي رتبت تلک البراهين و قدرتها و حددتها علي قواعد علم العدد. و اما اذا کان المشاراليه نفس القواعد فلايصح لان المصنف ماقدرها و مارتبها و انما رتبها الواضع الاول علي الوضع المخصوص. و لما ذکر ان البراهين و حجج هذا العلم مرتبة مقدرة علي علم العدد و مطابقة له طبق
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 396 *»
الظاهر و الباطن و الصورة للمعني اراد انيبين ان هذه ليست نکاتاً بعد الوقوع و استحسانات سمحت بها القريحة الوقادة عند النظر بعد وضعها کما قيل في البراهين المذکورة للقواعد النحوية و ساير العلوم النقلية الفرعية بل انما هي امور اولية ابتدائية صارت علة لوضع الواضع الاول و علل حقيقية لهذا الترتيب الخاص و لما لميکن قاطعاً بالامر و جازماً للحکم اتي بکأن و قال: «الواضع الاول منه استمد المدد» و الواضع الاول لهذا العلم الشريف هو مولانا اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب عليه الصلوة و السلام وضعه لضبط اموال المسلمين لما کثرت ثم انتشر الي الکتاب و ارباب الدفاتر لاحتياجهم اليه و الحفظ عندهم بخلاف غيرهم و نذکر ما هو القاطع الجازم في المقام من دون الاتيان بلفظ کأن.
قال المصنف: فاقول مراتب الحساب يبتدي من واحد و ينتهي الي سبع.
اقول: اخذ في تفصيل بيان الامر الثاني و هو کيفية هذا العلم و هذا الحساب حتي يکون الناظر في ترتيب کتابه علي بصيرة و يعرف الدقايق التي لاحظها فقال: «مراتب الحساب» و اللام للعهد اي حساب الاستيفاء لا مطلق الحساب فان مراتبه اربعة و کل مرتبة عشرة. و اما هذا الحساب فمراتبه يبتدي من واحد و ينتهي الي سبع. و انما اختيرت السبعة لانها اول عدد ترکب من اول الفرد و اول الزوج فان الواحد الحقيقي من جميع الجهات کما يأتي انشاءالله تعالي ليس من العدد بل لايوجد في الامکان و انما مبدؤه الثلاثة و هي مبدأ الفرد و باقي الافراد کلها يتفرع عنها و ينتهي اليها و الاربعة هي مبدأ الزوج و الازواج کلها متفرعة عنها منتهية اليها و العدد الجامع للمبدأين لابد و انيکون کاملاً مطلقاً لان المعدودات و الاشياء اما فرد و اما زوج و کمالات الفروع کلها مجتمعة في الاصل علي الوجه الاکمل فکمالات الافراد کلها تنتهي الي الثلاثة و الازواج کلها تنتهي الي الاربعة. فهما مجمع الکمالين و الواقف علي الطتنجين و الاصل في العالمين و الجامع لهما هو
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 397 *»
الاصل الذي يدور عليه الوجود. و اما الواحد فثلاثة و اما الاثنان فاربعة کما نفصله فيما بعد انشاءالله تعالي عند بيان المصنف. فحيث ان السبعة اشرف الاعداد من حيث الجامعية و الکمال ظهرت في المبادي الاولية في الکتابين التکويني و التدويني فکانت السموات و الارضون سبعة و المشاعر سبعة و الايام سبعة و السيارات سبعة و فاتحة الکتاب سبعة و غيرها من الاصول.
و لما کان علم الاستيفاء ايضاً من العلوم التامة الکاملة قد وضعه الحکيم الحاذق العالم بکمية الاشياء و کيفيتها و ظاهرها و باطنها و لوازمها و متمماتها و مکملاتها و شرايطها و عللها و اسبابها و مراتبها و کل ما لها و منها و عليها و فيها و عندها و عنها و بها لضبط الحساب من الجمع و التفريق في التاريخ و التوجيه رتبه علي النظم الطبيعي الاولي الساري في مبادي الاصول ليکون المعني علي طبق اللفظ و الباطن علي نسق الظاهر. فجعل عليهالسلام لضبط المعدودات اصولاً سبعة و هي مدات کل مدة حاکية لاصل من الاصول. و لما کانت الاشياء کلما قرب الي المبدأ لطف و رق في کل شيء بحسبه و ظهر فيه سر السريان لرقته و ذوبانه و کلما بعد کثف و غلظ کذلک و انعقد و جمد فکل قريب مطلق علي حسب قربه و عام ذو سريان و کل بعيد مقيد کذلک منجمد منعقد متشخص. و لذا کان جنس الاجناس اعم من کل شيء و کل ما بعده اخص حتي ينتهي الي الشخص. و فيه ايضاً عموم الي ان ينتهي في التشخص بما لا تشخص بعده. فاذا لاحظت العام المطلق الاعم مع الخاص المطلق الاخص تجدها و ما بينهما سبعة مقامات مختلفة في الاطلاق و التقييد الي آخر المقامات. و کل مرتبة اصل و کل اصل بازائه مدة مسماة باسم خاص و ها نحن الآن نشرح هذه المراتب السبع علي وجه الاجمال لتکون علي بصيرة ثم نفصلها عند کلام المصنف.
فنقول: اعم الاجناس في المحسوس الجسم المطلق و هو بمنزلة الواحد عند اهل الحساب و اخص منه برتبة. و اعم ماسواه الجسم النامي و هو بمنزلة الاثنين فان الجسم ينقسم اولاً الي نام و غير نام و لا ثالث. و
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 398 *»
اخص منه الجسم المتحرک بالارادة و هو بمنزلة الثلاثة لان الجسم ينقسم الي غير نام و نام و حساس و لا رابع. و اخص منه الناطق و هو بمنزلة الاربعة. و اخص منه تقييده بضم عرض عام اليه و هو العلم مثلاً و هو بمنزلة الخمسة. و اخص منه الفقيه مثلاً و هو بمنزلة الستة. و اخص منه زيد الفقيه و هو بمنزلة بمنزلة السبعة و هو کمال التشخص و التقييد. و هذه السبعة هي التي قلنا آنفا انها مرتبة بالاطلاق و التقيد (التقييد خل). و قد وضع الواضع الاول لهذا العلم اي الاستيفاء علي هذا الترتيب الطبيعي و سبع مدات متخالفات بالکلية و الجزئية و الاطلاق و التقيد (التقييد خل). فاول الاجناس العالية صدر الحساب و هو اعلي الخطوط و المدات و هي تمتد من الطرف الي الطرف و هو الاصل الاول الذي ينتهي اليه جميع المراتب و هو بمنزلة الواحد في العدد و هو واحد لا اخت له تساويه. و المدة الثانية اقصر من الاولي و هي المسماة في عرفهم منها الاصل و هو اول التقسيم و القسمة هنا ثنائية لان الحساب اما تاريخ او توجيه يغني لما يعطي و هو الاول او لما يؤخذ و هو الثاني و هذه المدة بمنزلة الاثنين کالجسم النامي المقسم للجسم المطلق قسمين.
و المدة الثالثة اقصر من الثانية و هي المسماة في عرفهم من ذلک الاصل و فيه بيان اقسام الاعطاء و الاخذ هل هو مستمري ام اتفاقي ام حقوق؟ و ذلک بمنزلة الثلاثة. و المدة الرابعة اقصر مما (فيما خل) سبق و هي المسماة عندهم منها المطموس و فيه بيان اقسام کل واحد من الثلاثة و اقل تقاسيمه اربعة فما فوق مثل هذا المستمري من الواجب او الوظايف او الزکوٰة او الخمس او غيرها و ذلک بمنزلة الاربعة. و المدة الخامسة اقصر من المطموس و هي المسماة في عرفهم من ذلک المرکب يعين اصناف (اقسام خل) کل قسم من اقسام الفرق. و المدة الثالثة (السادسة ظ) اقصر من سابقتها و هي المسماة عندهم منها المعوج يعين الفئة من الصنف و اقسامها و هي بمنزلة الستة. و المدة السابعة تمتد من الطرف الي الطرف في مقابلة الاولي صدر الحساب فالدفتر واحد و هو اصل الحساب و له
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 399 *»
شطران شطر التاريخ و شطر التوجيه و لکل شطر دواوين اقلها اثنان و ثلاثة الي اربعة و هي الابواب و لکل باب فصول غير معينة و لکل فصل اجزاء و لکل جزء افراد و کل فرد لشخص خاص. ففرد زيد الفقيه مثلاً من جزء الفقهاء من فصل العلماء من باب ارباب الوظايف من ديوان المستمريات من شطر التاريخ من دفتر الحساب. و هکذا العمرو (عمرو ظ) و بکر حتي يتغير الجزء او الفصل او الباب او الديوان او الشطر و الدفتر دايم ابداً فمناط هذا العلم علي هذه السبعة علي هذا التفصيل. و يکتب تحت کل مدة حشو و بارز علي ما يأتي تفصيله. هذا مجمل القول فيما لزم ذکره في هذا المرام ليکون الطالب علي بصيرة. ثم نفصل ما يقتضيه تحت کل کلام من کلمات المصنف. ثم اخذ في ذکر تفاصيل تلک السبعة المذکورة بالاجمال.
و قال: المرتبة الاولي صدر الحساب و هو الموضوع الاول الذي يرد عليه التقسيم الاول و هو فرد لا زوج له باعتبار و جملة تقبل التقسيم و التفصيل باعتبار فمن حيث انه فرد فهو لايستدعي اختاً تساويه في الصورة و المدة و من حيث هو جملة قابل للتفصيل حيث ينقسم الي قسمين و صورة المدة تجب انتکون من الطرف الي الطرف و يکتب تحتها حشو مجملات التفاصيل و مرسلات التقدير و التقرير و النقل و التحويل و کليات وجوه المجموع و حکايات الالحاق و الموضوع و يکتب تحتها بارز من الطرف الايسر کميات مبالغة المجموع.
اقول: لما کانت المدة الاولي تجب انتکون اعم الاجناس و لما کان في مقام الاستيفاء ليس اعم من صدر الحساب شيء لانه جنس لجميع ما يتعلق به الحساب، فوضعت المدة الاولي له و تسمي بصدر الحساب و في بعض الدفاتر يصرحون بصدر الحساب و في بعضها يکتفون بالمدة المطلقة في الجميع. فکل مدة في کل مقام تسمي باسم ذلک المقام و تجري عليها احکامه و ان لميصرح باسمه و هذا حکم جميع المدات. فصدر الحساب جنس الاجناس و الموضوع الذي يرد عليه جميع التقاسيم.
فنقول: الحساب اما تاريخ او توجيه کالواحد اما فرد و اما زوج فهو من
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 400 *»
حيث عمومه و ذوبانه و سريانه في جميع التقاسيم و الافراد الحسابية واحد لا ثاني له کما تقول العالم واحد اي ما سوي الله الصادق علي کل ممکن. و هو بهذا الم عني واحد لا ثاني له و لايساويه شيء لان کل ما عداه جزئياته و افراده و مصاديقه و ليس امراً مساوياً له في المرتبة و مبايناً معه في الخصوصية ليکون ثانياً له. و کما تقول الانسان بالنسبة الي افراده واحد لا ثاني له و کذلک صدر الحساب واحد لا ثاني له في مقام الحساب اذ کل ماسواه افراده و ظهوراته و متعلقاته فهو من حيث هو واحد فلايکون له اخ يساويه. فيجب انيکون مدته اطول المدات لبيان استطالته و احاطته و شموله و انبساطه علي الجميع فلاتکون جهة من الحساب الا و هي تحته فلاتصح انتکون مدة تساويها. و لذا قال: هو فرد لا زوج له باعتبار.
و لما کان الامر الواحد اذا کان له في نفسه شمول و انبساط و اطلاق يجري في مظاهره و حدوده و يتحصص في الظهور بضم القيود المتخالفة و الحدود المتباينة اليه کان تقبل القسمة لانها عبارة عن ضم القيود المتخالفة بالمقسم ليحصل بضم کل قيد قسم فمن حيث انه فرد لا زوج له يکون جملة تقبل التقسيم لاستلزام الامکان الکثرة. و ما لا کثرة له بوجه هو الله سبحانه و آيته و ظهوره.
ثم فصل هذا المعني بعبارة اخري و قال: فمن حيث انه فرد فهو لايستدعي اختاً تساويه في الصورة و المدة و من حيث هو جملة قابل للتقسيم و التفصيل حيث ينقسم الي قسمين. فنقول: جمع و خرج او تاريخ و توجيه او غير ذلک من الثنائيات المحصورة. و لما کان اول الکثرات اثنين کانت القسمة الاولي اثنين و للعلة التي ذکرناها و شرحناها.
قال: و صورة المدة يجب انيکون من الطرف الي الطرف. اعلم ان المستوفي اذا اراد تدوين حساب معين علي النظم الطبيعي يجب انيأخذ فرداً من البياض و يجعل له هامشتين متساويتين يميناً و شمالاً ثم يقسم المتن بعشر تقاسيم. و يعلم علي طول الفرد بما يؤثر فيه من غير لون خطوطاً متوازية فتصير الخطوط مع الهامشتين اثنيعشر فيکتب صدر الحساب من الخط الاول الي الثانيعشر مدة واحدة. فلما ذکر المصنف
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 401 *»
المدة اراد بيان ما يثبت تحتها و يکتب عندها مما يليق بمقامه، فقال: و يکتب تحتها حشواً من مجملات التفاصيل و مرسلات التقدير و التقرير و النقل و التحويل و کليات وجوه المجموع و حکايات الالحاق.
و الموضوع المراد بالحشو ما يکتب تحت المدة و تحتشي به و هکذا کلما يکتب تحت کل مدة تسمي حشواً لاحتشاء تلک المدة بذلک المکتوب بالارقام الموضوعة اللايقة المناسبة لتلک المدة فيکتب في حشو المدة الاولي مجملات التفاصيل اي مجمل الامور التي تفصل في ذلک الفرد من ذلک الدفتر. و مرسلات التقدير اي مهملاتها ارسله اي اهمله. و الحديث مرسل اي مهمل التصريح باسم ذلک الرجل، کان يقول بعض اصحابنا او عن رجل من غير تعيين و تشخيص. و الارسال في هذا المقام کناية عن الابهام و الاجمال لا الاهمال الذي هو ضد الحکمة. و التقدير و التقرير هما المقدرات و المقررات اي الذي تقرر و تعين و تشخص لاربابه و اصحابه من اهل الوظايف و غيرهم.
و النقل و التحويل في الحساب معلومان. و کليات وجوه الجمع هو ما ذکره من مجملات التفاصيل فيذکر المجموع اولاً في صدر الحساب ثم يفصل و يقدر کيف يشاء و کليات الالحاق هو ما يحکي الملحق اولاً في صدر الحساب فان الموضوع مثلاً هو النقود و الحساب واقع عليه و الدفتر له الا انه لحق به جنس آخر فيذکر هاهنا و الموضوع قد ذکر سابقاً انه محل القسمة و مورد الحساب.
و هذه الامور هي التي تکتب حشو المدة الاولي التي هي صدر الحساب و لما کان کل حشو تحته بارزاً اشار المصنف اليه بقوله: و يکتب تحتها بارز من الطرف الايسر کميات مبالغة المجموع. اما الحشو فانه يکتب تحت المدة برقوم موضوعه لضبط الحساب من کليات ما يذکر في الذيل تفاصيله.
و اما البارز فيکتب بارزاً تحت الحشو کما کان الحشو يکتب تحت المدة و انما سمي بارزاً لکونه ظاهراً يقرأه الفريقان اي اصحاب الاصطلاح و غيرهم و انما يکتب بارزاً للصون عن الخلل و الدس و التحريف و الحک و يکون اضبط
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 402 *»
للحساب و ابعد عن تطرق الخلل و الفساد و الزيادة و النقصان فان الرقوم کثيراًما يقع فيها الاشتباه بخلاف ما اذا کان الرقوم الاصطلاحية مع البارز فيبعد عن التغير و التحريف و غير ذلک. و لما کان البارز استنطاق الحشو و تأکيده يقتضي انيکون تحت الحشو و في الطرف الايسر منه لان التأکيد شأنه التبعية و التابع في الجانب الايسر الذي هو الاضعف و الادني.
قال: المرتبة الثانية منها الاصل و شکلها محقق و هو التقسيم الاول الذي ورد علي المجموع الاول وهو زوج ليس بفرد و يجب حصره في قسمين لايعدوان ثالثاً و صورة المدة تجب انتکون اقصر من الصدر بقليل اذ الجزء اقل من الکل و يکتب تحتها حشواً تساويها في المدة و ان لميجب ان تساويها في المقدار.
اقول: «المرتبة الثانية تسمي منها الاصل» فان من للتبعيض. و اول ما يتبعض الجمل المصدرية (الصدرية خل) في الحساب هذا التقسيم و التبعيض. «و شکلها محقق» اي علي هيئة الخط المتعارف بانيکون مفتوح الميم و الهاء غير معوجة و لا مغيرة. لانه اول اصل برز من المبدأ فحکي ظهوره و لميغيره تکثرات النزول و الادبار فهو باق علي ما هو عليه من الظهور الاصلي و عدم النقصان و عدم التغيير (التغير خل) فهو محقق ثابت علي ما کان عليه من النور و الظهور و هو التقسيم الاول الذي ورد علي المجموع لانه اول مقام التفصيل و اول ظهور الالف من النقطة الاصلية الاولية و تقسيم القطب في الظهور علي طرفي المحور و هو اول تفصيل ذلک الاجمال الذي في صدر الحساب. و لما کان مبدأ القسمة و اول الکثرة کان زوجاً ليس بفرد و يجب (بفرد يجب خل) حصره في قسمين لانه بمنزلة الاثنين کما سيأتي. و صورة المدة (الثانية خل) تجب انتکون اقصر من الصدر بقليل اذ الجزء اقل من الکل. فيکون (الکل في خل) الامتداد من الخط الثاني الي الخط الحاديعشر. و انما (و لک خل) ذلک اذا اردت انيکون لکل قسم منه له فرد خاص. فيکتب القسم الخاص في مدة واحدة کما ذکرنا و هو المتعارف عندهم لانهم يجعلون فرد التاريخ
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 403 *»
غير فرد التوجيه.
و ان اردت جمعها في فرد فلک ذلک ولکن تجعل المدة اختين متقابلتين (مقابلتين خل) فالمدة الاولي من الثاني الي الخامس و المدة الثانية من الخامس الي الحاديعشر و تکتب تحتها حشواً تساويها في المدة ان کانت مدة واحدة و الا فمدتان تحتها. و لايجب انيساوي الحشو منها الاصل في المقدار لانه يکتب تحته مجمل ما في الشطر لا مطلق ما اخذ و اعطي بخلاف الحشو في صدر الحساب فانه مجمل جميع الحساب. و انما ذلک اذا جعل الدفتر شطرين و الا يجب انيساويها في المقدار ايضاً و سنکتب صورتها فيما بعد انشاءالله تعالي.
قال: المرتبة الثالثة من ذلک الاصل و شکله ايضاً محقق و هو التقسيم الثاني الذي ورد علي الموضوع الاول و الثاني. و ذلک لايجوز انينقص من قسمين و لايجوز انيزيد علي اربعة اقسام و من جاوز من اهل الصنعة فقد اخطأ و ماعلم وضع الحساب و سنذکر السبب. و صورة مدته اقصر من مدة منها الاصل بقليل و کذلک يکتب تحتها ما يليق بها حشواً و بارزاً.
اقول: «المرتبة الثالثة» من المراتب السبع التي بني عليها علم الاستيفاء، تسمي «من ذلک الاصل» اي ما يکتب في هذه المرتبة بعض الاصل الاول و اجزائه «و شکله ايضاً محقق» اي مفتوح الميم منفصلة الکلمة الاولي من الثانية بعين ما ذکرنا هنا الاصل لقربه عن المبدأ الاول المقتضي لعدم التغيير (التغير خل) و انما يبقي هذه المرتبة عن ذلک الاصل لبيان ان هذه المدة اجزاء للاصل الاول بخلاف المدة الثانية فانها هي الاصل في مقام التقسيم. و الثالثة تفصيل هذا الاصل و اجزائه و انما عدل في الاشارة اليه عن هذا الي ذلک. و قيل من ذلک دون من هذا البيان استقلال هذا الاصل و انه و ان کان جزءاً لکنه اصل آخر يتفرع عليه اصل آخر و هو المرتبة الرابعة و هذا الاصل لايجوز انيکون اقل من قسمين للزوم حصول التقسيم و لا انيکون اکثر من اربعة
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 404 *»
لان الرتبة الثالثة في الاعداد عندهم اربعة و الواحد ليس من العدد و من جهة مطابقة الروح العددي مع الجسد المدي (مع الحساب الذي خل) يجب انلايتجاوز هذه المدة من الاربعة في التقسيم و يکتب مدتها واحدة اذا جعلت لکل قسم فرداً علي حدة و الا تکتب مدات بحسب القسمة تحت اقسام منها الاصل و يکتب تحتها الحشو و البارز بحسب ما يکون من الحساب و مدتها اقصر. و هي يکون مبدؤها من الخط الثالث الي الخط العاشر و حشوه حشو جميع ما في الدفتر. و لايجب انيطابق ما في الفرد کما کان حشو (حشواً خل) منها الاصل جميع ما في الشطر و ان کان مخالفاً لما في الفرد. و کذلک حشو صدر الحساب فانه موافق لتمام الدفتر فتدبر.
قال: المرتبة الرابعة منها المطموس و شکلها هکذا منها و ذلک يجوز انيجاوز الاربعة و احسن الطرق انيقتصر علي الاول (الاقل خل) و مدتها اقصر مما مضي.
اقول: «المرتبة الرابعة» تسمي «منها المطموس» اي من جملة اجزاء من ذلک الاصل هذا الاصل المطموس اي يکتب منها مطموساً اي بعين غير مفتوحة کالهاء لبيان الفرق و ان الادبار و البعد کلما کثر خفيت الظهورات الاولية فانطمست في هذا المقام آثار العين المعبر عنها بکلمة کن و الهاء التي هي ميادين التوحيد. فوجود العين و الهاء دليل تحققهما و صدور الآثار عنهما و انطماسهما دليل خفاء امرهما بکثرة الغواشي و الحجب و الاستار حتي لايکادان يوجدان. و هذه المرتبة ينقسم من ذلک الاصل و مدلوله ابعاض الاصل الثالث. و في هذه المرتبة اقل اقسامه اربعة و ربما تزيد لحصول الکثرة و مدتها واحدة ان کان يجعل لکل باب فرداً و الا فيکتب مدات متعددة تحت کل قسم من اقسام الفوق و يبدأ لهذه المدة من الخط الرابع الي التاسع و يکتب حشوها تحتها مساوياً لها و البارز تحته من طرف اليسار.
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 405 *»
و ليعلم ان النسخة التي عندي من کتاب الملل و النحل قد سقط منها بيان المرتبة الخامسة و هي المدة التي تسمي في عرفهم من ذلک المطموس اي من ابعاض جملة منها المطموس نسبتها اليها نسبة من ذلک الاصل الي منها الاصل و انما يطمس للفرق و لحصول الکثرة الطامسة لانوار القدس الظاهرة بفتح الميم التي هي تمام ميقات موسي فافهم و هو يعين صنف المطموس. و لما کان في مقام التکرار لاينتهي الي حد. فيجوز في اقسام من ذلک المطموس اي قسمة کانت باي حد يکون فتکتب مدته من الخط الخامس الي الخط الثامن و تکتب مدة واحدة اذا جعل لکل فصل فرد و الا فبعدد الفصول و التقسيمات.
قال: المرتبة السادسة المعوج و شکله هکذا @شکل@ و ذلک ايضاً يجوز الي حيث ينتهي التفصيل.
اقول: «المرتبة السادسة» من المراتب السبع تسمي منها «المعوج» و هي تقسيم من ذلک المطموس و تفصيل اجزائه «و شکله» المعوج للتميز و الفرق و للبعد عن المبدأ الاول و کثرة الوسايط و حصول الاختلاف فخفي فيها ذلک النور الازهر الحاصل للقابلية فظهر بحسب القابلية البعيدة و هي مقام الستة ظهور الماهيات و الحدود الستة و تلاحق الکثرة و الاختلاف فيجوز فيها باي حد کان و مدتها اقصر من ذلک المطموس فتمتد من الخط السادس الي الخط السابع فيکتب تحتها حشواً تساويها و بارزاً من الطرف الايسر و مدتها واحدة ان کان لکل جزء فرد و الا فبعدد الاجزاء. و انما لميذکر
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 406 *»
المصنف في هذه المراتب الاخيرة ما ذکرنا من الاحکام اتکالاً علي القانون الثابت الذي اشار اليه في المرتبة الاولي و الثانية.
قال: و المرتبة السابعة من ذلک المعقد و شکله هکذا @شکل@ ولکنه يمد من الطرف الي الطرف الاعلي انه اخت صدر الحساب بل من حيث انها النهاية التي تشاکل البداية فهذه کيفية صورة الحساب نقشاً و کمية ابوابها جملة و لکل قسم من الابواب اخت تقابله و زوج يساويه في المدة و لايجوز اغفال ذلک بحال و الحساب تاريخ و توجيه.
اقول: و المرتبة السابعة و بها تمام مراتب کليات علم الاستيفاء من ذلک المعقد و صورته مغيرة معقدة لايعرفها کل احد لما ذکرنا لزيادة التنزل و لحوق الکثرة و البعد عن المبدأ حتي خفيت الصورة الاصلية و ما انحفطت (کذا) الي ان صارت معقدة يحتاج (تحتاج خل) الي من يحلها بصافي کماله و لطيف سره. و هذه المدة نهاية الاصول و عندها التفصيل و ليس وراءها اصل آخر لعدم عموم و شمول و انبساط بعدها ليکون مؤسس اصل آخر ينقسم الي تقسيمات. و صورتها تمتد من الطرف الي الطرف لا لانه اخت صدر الحساب بل لانه محل التقاسيم الکثيرة و ذکر الاحوال و الاوضاع العديدة فلابد لها من سعة تسع لک التفاصيل و لذا تمد من الطرف الي الطرف.
و قول المصنف «انها النهاية التي تشاکل البداية» لاينطبق علي مذاق العارفين الکاملين لان النهاية التي تشاکل البداية هي التي تحکيها و تکون صفتها و حکايتها في
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 407 *»
العالم الادني او يکون ظهور البداية في هذه النهاية و نهاية البداية. و اما هذه النهاية فليست نهاية البداية و انما هي نهاية الکثرات و تراکم الحدود و الانيات و نسبتها الي صدر الحساب نسبة الجسم الي العقل الکلي و اين الجسم من العقل في المشابهة؟ فان العقل مقام الوحدة و الجسم مقام الکثرة و العقل مقام التجرد و الجسم مقام المادية و العقل مقام الرقة و الجسم مقام الغلظة و العقل مقام السريان و الذوبان و الجسم مقام الانجماد و الانعقاد. و بالجملة، فالبداية مقام الوحدة باعتراف المصنف. و لذا قال انه فرد لا زوج و ليس له اخت تساويه. و من ذلک المعقد مقام الکثرة و اي مشابهة للکثرة مع الوحدة و العالي مع الداني.
و قوله: «و لکل قسم من هذه الابواب اخت تقابله و زوج يساويه» ليس علي اطلاقه و عمومه. بيانه ان الحساب تاريخ و توجيه و بعبارة اخري جمع و خرج کما اشار اليه بقوله «الحساب تاريخ و توجيه» لانه اما لما يعطي او لما يؤخذ و العطاء يسمي اوارجة و هي کلمة عجمية عربت (اعربت خل) لانها في الاصل اوارة [آواره ظ] وهي المتفرقة و سمي ديوان العطاء بالاوارجة لانه ديوان يضبط فيه حساب ما فرق عند ارباب التحاويل و التحاصيل. ثم صاغت العرب منها التاريخ بمعني التفريق و الاخذ و سمي ديوان الاخذ بالتوجيه و ذلک لانه يوجه الي کل واحد حوالات تؤخذ منه و کل واحد شطر من مهام الدفتر المصدر بالحساب فصدر الحساب واحد لا اخت له لان التاريخ و التوجيه کلاهما من اقسامه.
و اما باقي الاصول الستة من مدة منها الاصل الي من ذلک المعقد يجري في کل من التاريخ و التوجيه و هما متساويان فکل مدة تقابلها مدة اخري و تساويها (تساويا خل) الا الاصل الاول اللهم الا انيقال ان مراد المصنف من قوله: «و لکل قسم» هو الاقسام الحاصلة من الصدر الاول و هو المقسم و هذه اقسامه و حينئذ يسقط الاعتراض و صورة المدات السبعة هکذا:
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 408 *»
@شکل@
و ينبغي انيکتب تحت کل حشو و بارز ما قررنا من الاجمال و التفصيل مما يقتضيه المقام و هذا الذي ذکرنا هو صورة القاعدة و دستور العمل و الا فحين العمل و الکتابة و الحساب ربما لايکتبون هذه الاسماء. و مرادنا بهذه المدات علي هذه الصورة للتعليم و التعلم و الافادة و الاستفادة. و اما في وقت الحساب يکتبون مرادات هذه الابواب و مقاصدها في الحساب علي حسب اقتضاء المقام فصورة العمل مثلاً في الحساب هکذا:
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 409 *»
@شکل@
فاذا عرفت نوع هذا العلم و قانونه، و انما قلنا نوع هذا العلم لان لهم تصرفات في جزئيات کتابة المدات و التقسيمات بحيث لو تصدينا لشرحها و بيانها لطال الکلام و مقصودنا حل العبارة بما تتضمنه من الاشارة. فاعلم ان المصنف رتب کتابه علي هذه الطريقة فجعل کتابه مثل فرد دفتر واحد و جعل المذاهب بمنزلة صدر الحساب لانها العالم الکلي في هذا الباب الجامع النحل و الملل و الاراء و الاقوال و ساير الاختلافات و لايشذ منها شيء کالواحد في الاعداد و کالجسم في المحسوسات فهي المدة الاولي الاعلي التي لا اخت لها
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 410 *»
تساويها و فرد لا زوج له. ثم ذکر بعدها منها الاصل و هو اول التقسيمات الواقعة علي الموضع (الموضوع خل) الاول اي المذاهب و هو اثنان ارباب الديانات و ارباب الاهواء. و ذکر تحت کل واحد منها من ذلک الاصل و هو کما ذکرنا اقله ثلاثة فکتب تحت ارباب الديانات المسلمين و اهل الکتاب و من له شبه کتاب و تحت ارباب الاهواء المعطلة و المحصلة و الصائبة. ثم ذکر تحت کل واحد من هذه الست من ذلک الاصل اقساماً تزيد علي الاربعة و ذکر تحت کل قسم منها المطموس اقساماً صدرها بمن ذلک المرکب. و کتب اقسام کل قسم من «من ذلک» المرکب تحته و صدرها بمنها المعوج و کتب تحت اقسامه و صدر کل قسم بمنذلک و کتب تحت کل قسم من هذه الاقسام حشو مجملات الاحوال و کلياتها و بارز تفاصيلها و هو و ان لميصدر بمنها الاصل المحقق و منها المطموس و منها المعوج و من ذلک المحقق و المطموس و المعقد بل اقتصر علي منها و من ذلک الا ان العارف البصير بالقواعد التي ذکرها يعرف منها و من ذلک في کل مقام بما يقتضي ذلک المقام و لميکرر صدر الحساب و منها الاصل و ساير الابواب علي رأس کل شخص من المذاهب کما هو عادة کتاب الحساب لان الکتاب کله فرد واحد. و هذه صورة ما اخترعه المصنف من نظم الکتاب في الجملة.
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 411 *»
@شکل@
و اذا تتبعت کتابه کله موضوعاً علي هذا القانون فراجع تجده ظاهراً انشاءالله تعالي.
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 412 *»
قال: و الآن نذکر کلية هذه الصور و انحصار الاقسام في السبع و لم صار الصدر الاول فرداً لا زوج له في الصورة؟ و لم انحصرت من ذلک الاصل في اربعة؟ و لم خرجت الاقسام الاخر (الاخري خل) عن الحصر؟
اقول: لما ذکر المراتب السبع و شرح بعض احوالها و بين ترتيب الکتاب عليها اراد بيان ما وعده سابقاً من الاستدلال عليها و اقامة البرهان کما نبه عليه بقوله «سابقاً و اقمت عليه من حجج البراهين اوضحها و امتنها.»
فقال: فاقول ان العقلاء الذين تکلموا في علم العدد و الحساب اختلفوا في الواحد أهو من العدد ام هو مبدأ العدد و ليس داخلاً في العدد؟ و هذا الاختلاف انما نشأ من اشتراک لفظ واحد. فالواحد يطلق و يراد به ما يترکب منه العدد فان الاثنين لا معني له الا واحد مکرر و اول مکرر. و کذلک الثلاثة و الاربعة و يطلق و يراد به ما يحصل منه العدد اي علته و لايدخل في العدد. و قد تلازم الواحدية جميع الاعداد لا علي ان العدد ترکب منها بل کل موجود فهو جنسه او نوعه او شخصه واحد. يقال انسان واحد و شخص واحد و في العدد کذلک. فان الثلاثة ثلاثة واحدة فالوحدة بالمعني الاول داخلة في العدد و بالمعني الثاني علة للعدد و بالمعني الثالث ملازمة للعدد.
اقول: لما اراد انيبين سر انحصار المدات في السبعة و ان الصدر الاول فرد لا زوج له و ان منها الاصل ينقسم الي اثنين و ذلک يتم ببيان ان مبدأ الفرد ثلاثة و مبدأ الزوج اربعة و ان الواحد ليس من العدد و ان السبعة منتهي الدور الاول لانها مجتمعة من المبدأين اخذ اولاً في بيان الاختلاف في ان الواحد من العدد. و قال: «ان العقلاء الذين تکلموا في علم العدد اختلفوا في الواحد اهو من العدد ام هو مبدأ العدد و ليس داخلاً في العدد» و هذا الخلاف بينهم قائم من اول الامر و قد نقل الخلاف في ذلک فيثاغورس الحکيم الذي کان في زمان النبي سليمان7 و قد اخذ الحکمة من معدن النبوة. و نقل ايضاً في المتأخر مولانا و سيدنا محمدالباقر7 في قوله في تفسير قل هو الله احد الي ان قال7 و من ثم قالوا ان بناء العدد من الواحد و ليس الواحد من العدد لان العدد لايقع علي
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 413 *»
الواحد و انما يقع علي الاثنين.
و انا الآن اخبرک بشيء معلوم عندک ضروري عند کل اهل النظر يتفرع عليه معرفة هذه المسألة بالضرورة انشاءالله تعالي و هو ان المعلوم عند کل احد من العقلاء ان الواحد في الحقيقة من جميع الجهات هو الله سبحانه القديم الازل و هو احدي المعني لاتفرض فيه جهة الکثرة بحال من الاحوال و هو سبحانه هو الذي ليس فيه جهة و جهة و حيث و حيث و ماسوي الله تعالي هو الامکان و هو من شأنه الکثرة و الاختلاف فلايمکن انيکون في الامکان شيء واحد بسيط غير متکثر بجميع الجهات و الاعتبارات. فالامکان شأنه الکثرة و القديم شأنه الوحدة من جميع الجهات. فلايمکن فرض الوحدة المطلقة في الامکان بحال من الاحوال و من هذه الجهة (الجهات خل) قسمت الوحدة الي اقسام: الوحدة الحقية و هي وحدة الله سبحانه من کل الجهات بلا کيف و لا اشارة و لا جهة و لا حيث و لا فرض. و الوحدة الحقيقية و هي وحدة الفعل الاختراع و الابتداع و هو خلق ساکن لايدرک بالسکون و فيها کثرة اعتبارية و هي المسماة عند العارفين المحققين بالاعيان الثابتة و مبدأ الاسماء و الصفات في مقام التجلي و الظهور و البروز. و الوحدة الانبساطية الاطلاقية و هي وحدة الوجود المقيد اي المطلق الساري في حقايق الانيات (الکاينات خل) و ذرات الموجودات سريان المطلق في المقيدات و سريان الذايب في المنعقدات و المنجمدات و فيها کثرة صلاحية (صلوحية خل) لعروض الحدود و الماهيات. و الوحدة النوعية و هي کالجنسية بمراتبها من الجنس العالي الي الجنس السافل و فيها کثرة ترکيبية وجودية و کثرة ذکرية بالنسبة الي افرادها العامة. و الوحدة النوعية و هي کالجنسية الا انها اخص و اکثر قيوداً ففيها کثرة صلوحية و امور وجودية. و الوحدة الشخصية و فيها کثرة الترکيبية (ترکيبية خل) وجودية. و وحدة اضافية و الوحدة العددية و فيها ايضاً کثرة ذکرية الا تري ان الصوفية لما اثبتوا الاعيان الثابتة في الازل مثلوا لها بالواحد فان فيه ذکر جميع الاعداد صلوحاً قبل وجود الاعداد و کوناً بعده فان الواحد هو نصف الاثنين و ثلث الثلاثة و ربع الاربعة و خمس
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 414 *»
الخمسة و سدس الستة و سبع السبعة و ثمن الثمانية و تسع التسعة و عشر العشرة و جزء من احدعشر جزءاً و جزء من اثنيعشر جزءاً و هکذا الي مائة الف جزء الي ما لا نهاية له و کلها مذکورة في الواحد الذي قبل الاثنين.
و مع هذه الکثرات کيف يکون واحداً حقياً؟ فالوحدة الحقية مختصة بالقدم و لا وجود لها في الامکان ابداً بوجه من الوجوه و حال من الاحوال الا ان الممکن بکثرته يراعي فيه حال الغالب کما يقال ان فلاناً صفراوي اي الغالب عليه ذلک و ان کان فيه سوداء و دم و بلغم. و کذا اذا قيل ان هذا واحد اي الغالب عليه جهة الوحدة و الا فالکثرة موجودة متحققة.
فاذا فهمت و ايقنت ما تلونا عليک فاعلم ان الذي يقول ان الواحد ليس من الاعداد فان کان يريد بالواحد هو الذات القديمة جلت عظمتها فحق لا شک فيه و لاريب يعتريه لان تلک وحدة لايقارنها اثنان و لا ثلاثة و لا غيرهما. و ان کان يريد بالواحد هو الذي يقابله اثنان فذلک لا شک انه من الاعداد لوجود المقابلة و تحقق الکثرة لما ذکرنا ان الواحد الصرف لايوجد في الامکان. و لاريب ان هذه الوحدة يقابلها اثنان و المجموع من سنخ واحد في صقع واحد. و ان کان يريد بالواحد هو الذي ترکيب الاعداد منه فيکون نسبته الي الاعداد کنسبة الاجزاء الي المرکب کما اشار اليه المصننف بقوله: «يطلق و يراد به ما يترکيب منه العدد فان الاثنين لا معني له الا واحد مکرر و کذلک الثلاثة و الاربعة» و غيرها فليس الواحد حينئذ من الاعداد لضرورة ان الکل غير الجزء فما يوصف به الکل لايوصف به الجزء قطعاً و الکل يوصف بالعددية قطعاً فان الاثنين و الثلاثة و الاربعة و غيرها لا شک انها من الاعداد و قد عرفت ان الواحد جزء ترکب منه الاعداد فلايکون من العدد لان الجزء غير الکل.
ولکنک ينبغي انتعلم ان الوا حد الذي ترکيب منه الاعداد ليس هو الواحد الذي في مقابلة الاثنين لان ذلک ايضاً عدد تألف من وحدة انبساطية محدودة بکونها قبل الاثنين. و لاريب ان هذه الوحدة من حيث هذا القيد لايصح انتکون جزءاً للاثنين و الثلاثة بل لابد من ملاحظة الوحدة من
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 415 *»
حيث هي هي و هي الوحدة الانبساطية التي مر ذکرها کما قيل في الکلي الطبيعي فانه من حيث کونه صحيح الصدق علي الکثيرين لايکون جزءاً لفرد و موجوداً في ضمن شخص بل وجوده في الفرد من حيث هو هو. و کذلک هذه الوحدة فانها من حيث القيود و الحدود الخاصة ليست جزء الاخر بل من حيث الوحدة فانها مثلاً من حيث التکرير مرة ليس جزءاً للثلاثة و من حيث التکرير مرتين ليس جزءاً للخمسة. فکذلک من حيث کونها مبدأ مقابلاً للاثنين له حد خاص و قيد معين لاتصح انتکون جزءاً لغيره. و الفرق بين الواحد الانبساطي و الواحد العددي الذي هو قبل الاثنين هو الفرق بين اسم الجنس و علم الجنس. فالواحد بهذا المعني اصل و مادة للاعداد و اب لها و لايدخل معها و هو عدد الالف اللينية التي هي مادة الحروف و اصلها و منشؤها و هي ليست من المرکبات الحرفية التي صيغت منها.
و کذلک الواحد بالوحدة الانبساطية. و لذا قال صاحب خلاصة الحساب: ان الواحد ليس من الاعداد و ان ترکبت الاعداد منه کما ان الجزء الذي لايتجزي عند مثبتيه ليس جسماً و ان ترکبت الاجسام منه. و قول المصنف: الواحد «يطلق و يراد به ما يحصل منه الاعداد» و هو علة العدد لايدخل في العدد. و ان کان المراد من العلة هي المادة فهي التي ذکرها بقوله: «و يطلق و يراد به ما يترکب منه العدد» و هل مادة المرکب الا غير اجزائه فلميکن علي هذا التقدير فرق بين المقامين و الاطلاقين حتي يکون في الاول من العدد و الثاني ليس من العدد.
و ان کان المراد بها العلة الفاعلية و الواحد الوحدة الالهية الحقية فهذا لا شک فيه ولکنه لايقتضي انيکون الواحد الذي قبل الاثنين ليس بعدد لانه لايطلق علي الله سبحانه. و ان اراد ان الواحد الذي قبل الاثنين هو العلة الفاعلية لباقي الاعداد فهو في محل المنع لانه ان کانت فاعلية لتوقف الاثنين عليه فيکون الاثنان ايضاً علة فاعلية للثلاثة و هي للاربعة فتخرج جميع الاعداد من کونها اعداداً و هذا لايستريبه عاقل.
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 416 *»
و بالجملة، هذا الفرق و هذا القول في غاية السقوط و التحقيق ان الواحد الذي هو علة العدد فاعلية هو الواحد بالوحدة الحقيقية و هو باطن الواحد بالوحدة الانبساطية التي تألفت الاعداد و ترکبت من قشورها و ظواهرها و حدودها و ذلک الواحد هو الاختراع و الابتداع فاول مخترع بذلک الاختراع هو الواحد الا نبساطي و هو شيء واحد ظهر بالحدود و الهيئات و الجهات فاول ما ظهر من تلک الحدود و القيود و التعينات هو الواحد الذي في اول الاعداد لان عالم العدد عالم مطابق للکون فاول ما اخترع الاختراع الاول و هو الفعل و هو الواحدية بالوحدة الحقيقية. ثم اوجد الله سبحانه المفعول المطلق علي هيئته و صفته و لذا يقع المفعول المطلق تأکيداً للفعل و يکون علي مثاله و هيئته. فاذا قلت ضربت ضرباً کان في قوة قولک ضربت ضربت.
فهذا المفعول المطلق في عالم العدد مبدؤه و مادته هو الواحد الانبساطي و في عالم الحروف مبدؤها و مادتها و اصلها هو الالف اللينية. ثم انبسطت الوحدة الانبساطية فکانت عنها الاعداد و انبسطت الالف اللينية فکانت عنها الحروف و اول الحدود العددية الواحد الذي قبل الاثنين و اول الحدود الحرفية الالف التي قبل الباء المسماة في عرف علماء الجفر الالف المتحرکة و القائمة. فالواحد علي ثلاثة اوجه واحد هو علة العدد و واحد هو مبدأ العدد و واحد هو من العدد. فالاول و الثاني ليسا من العدد و الثالث منه و عليه فابن امرک.
و المصنف جعل مناط اختلاف العلماء في الواحد اطلاق لفظ الواحد علي ما هو العدد و غيره و قال: «و هذا الاختلاف انما نشأ من اشتراک لفظ الواحد فالواحد يطلق و يراد ما يترکب منه العدد» و قد ذکرنا سابقاً ما فيه بيان لهذا المقام من ان الواحد الذي ترکب منه العدد هو الانبساطي لا الذي قبل الاثنين فانه محدود خاص و ذلک مطلق عام و المادة هي المطلقة الی [لا ظ] المختصة کما هو المعلوم لدي کل عاقل.
و قد يطلق الواحد و يراد به ما يحصل منه العدد اي علته و ليست العلة هنا هو الله لانه يصرح فيما بعد ان هذه الاقسام ليس قسم منها يطلق علي الباري
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 417 *»
تعالي معناه. و ذکر فيثاغورس ان هذه العلة هو العقل الاول ولکن الواحد الذي يطلق علي العلة هل هو الواحد الذي قبل الاثنين ام غيره؟ و قد علمت ان ذلک غيره. فان المعلول عدم عند العلة فلايعد معها قطعاً. و العلة واحد لا ثاني له و المعدودات في صقع واحد فلاتعد الشمس مع اشعتها و الشخص مع آثاره من قيامه و قعوده و غير ذلک. و ذلک معلوم فظهر لک ان الواحد الذي هو علة العدد هو الواحد الحقيقي و هو الاختراع الاول و الابتداع الاول. و لاشک انه ليس من العدد لان ذلک الواحد واحد ابداً لا ثاني له بحال من الاحوال.
و اطلاق الواحد علي الذي يترکب منه العدد و علي الذي يحصل منه العدد علي التقسيم (التفسير خل) الذي ذکرنا ليس من باب الاشتراک المعنوي و لا اللفظي و لا الحقيقة و المجاز و انما هو من باب الحقيقة بعد الحقيقة. و هذا الباب و ان خفي علي علماء الاصول و اللغة ولکنا بحمد الله تعالي قد ملأنا مصنفاتنا و اجوبتنا للمسايل من تحقيقه و بيانه و ليس المقام مقام شرحه و بيانه لادائه الي التطويل.
فلما ذکر المصنف الاطلاقين اراد انيذکر هنا وحدة تجامع الاعداد و الکثرات کلها و کل عدد و ان کثر لايأبي انيقال له واحد فقال: «و قد تلازم الواحدية جميع الاعداد لا علي ان العدد ترکب منها بل و کل موجود فهو جنسه او نوعه او شخصه واحد» و في العدد کذلک فان الثلاثة في انها ثلاثة واحد. لما کانت الاشياء کلها حکاية ظهوره تعالي و علي ظهوره فکلها في کل حال (حکاية ظهوره تعالي و تجلي ظهورها فکلها في تلک الحال خل) تحکي تلک الوحدة و ان اشتملت علي الکثرات المختلفة. فنقول: العالم اي کل ما سوي الله واحد مع اشتماله علي العوالم الکثيرة المتباينة المختلفة الف الف عالم و کل عالم مشتمل علي افلاک و ارضين و کاينات الجو و المواليد اذ ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و کل عالم بما فيه من الکثرات واحد. و کل بلدة بما فيها واحدة. و کل بيت بما فيها واحدة. و کل حجرة بما فيها واحدة و هکذا. قال الشاعر:
کثرة لاتتناهي عدداً قد طوتها وحدة الواحد طي
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 418 *»
و هذا جار في کل شيء و هي باطن الوحدة الانبساطية الظاهرة بعد الترکيب و التأليف و علي کل حال. و اطلاق الواحد علي الاول و علي هذا القسم الثالث بالاشتراک المعنوي من باب التشکيک.
ثم فرع المصنف علي ذکر اطلاق الواحد و قال: «فالوحدة بالمعني الاول داخلة في العدد و بالمعني الثاني علة للعدد و بالمعني الثالث ملازمة للعدد» و قد عرفت بطلان ما ذکر لانها علي المعني الاول ليست داخلة في العدد لان الجزء لايجري عليه اسم الکل الا مجازاً و عدم دخولها فيه بالمعنيين الاخيرين بالطريق الاولي و الحق هو الذي ذکرنا مکرراً من ان الواحد الحقيقي علة للعدد و الواحد الانبساطي مادة العدد و الواحد العددي اول العدد.
قال: و ليس من الاقسام الثلاثة قسم يطلق علي الباري تعالي معناه فهو واحد کالاحاد اي هذه الوحدات و الکثرات منه وجدت و يستحيل عليه الانقسام بوجه من وجوه القسمة.
اقول: هذا کله حق لا شک فيه و لاريب يعتريه و ظاهر لا خفاء فيه لانه سبحانه لايجري عليه ما هو اجراه و وحدته خارجة عن هذه الوحدات کما ذکرنا و فصلنا فراجع.
قال: و اکثر اصحاب العدد علي ان الواحد لايدخل في العدد فالعدد مصدره الاول اثنان و هو ينقسم الي زوج و فرد فالفرد الاول ثلاثة و الزوج الاول اربعة و ما وراء الاربعة فهو مکرر کالخمسة فانها مرکبة من عدد و فرد و يسمي العدد الداير و الستة مرکبة من فردين و يسمي العدد التام و السبعة مرکبة من فرد و زوج و يسمي العدد الکامل و الثمانية من زوجين بداية اخري.
اقول: لما قام البرهان القاطع علي ان الواحد الحقي الذي ليس فيه جهة الکثرة بحال هو الله سبحانه فکل وحدة في الامکان ليست تخلو من الکثرة. و لما کان اقل کثرة يمکن فرضها في الوجود اول متعلق الجعل و الفعل و
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 419 *»
هو و ان کان قبل الکثرات کلها و اقرب الاشياء الي الوحدة الحقيقية ولکنه حين انجعاله يتحقق فيه ثلاث جهات متساوقات: احدها الجعل اي وجهه الي جاعله. و ثانيها الانجعال اي وجهه الي نفسه. و ثالثها المجعول اي الشيء من حيث هو. و هذه اقل کثرة يمکن فرضها. و لايمکن فرض وحدة الحادث من حيث هو حادث بحال ابداً فکل حادث و ان قرب الي مبدئه لايخلو في حد ذاته من هذه الوجوه الثلاثة. فالثلاثة مبدأ الوجود و مبدأ الاعداد. و لذا کان الشکل المثلث اول الاشکال و ابوها و هو شکل آدم من آدم الاول الي آخر الادميين الالف الف.
و لما کانت هذه الرتبة واقعة في المبدأ الاول و فيه ظهور تجلي الاحدية فغلبت عليه الوحدة و خفيت جهات الکثرة فسمي بالواحد تغليباً لحکم الوحدة و نفي الکثرة کما يقال ان الزنجبيل حار و المراد الطبيعة الغالبة و هکذا في نظايرها فالواحد حقيقة ثلاثة و قد غلبت عليها جهة الوحدة. و لما کان کل ممکن زوج ترکيبي و الترکيب في اللحاظ بعد الجعل و هو انما يتحقق في اقل المراتب جزءين بينهما نسبة اي نسبة کل جزء مع الآخر فتحققت الاربعة.
و لما کانت النسبة امراً تبعياً و الاصل اثنان غلبت جهة الاصل علي جهة التابع فسمي بالاثنين تغليباً لجهة الاصل المتبوع علي جهة الفرع التابع. فالاثنان حقيقة اربعة و الواحد حقيقة ثلاثة. فالواحد اول الاعداد فاذا فصل کانت ثلاثة. فاذا لوحظت نسبة هذه الثلاثة بعضها ببعض و هو المعبر عنه بالتجذير حصلت تسعة و هي تمام رتبة الاحاد. و اذا لوحظ ظهور الوحدة الاصلية معها کانت عشرة کاملة فاذا جذرت العشرة کانت مائة و اذا کعبت المائة کانت الفاً و هکذا تترامي مرتبة الاعداد الي ما لا نهاية له و اصلها ثلاثة وهي مبدأ الفرد و تتلوها اربعة و هي مبدأ الزوج. فعلي هذا قول المصنف: «و الاکثر علي ان الواحد لايدخل في العدد» صحيح علي التفصيل الذي ذکرنا فان الحکماء الاولين کلماتهم محتوية علي مقامات عالية يلوحون اليها في اثناء العبارات الظاهرة فالذي ما ورد ماءهم و ما شرب من صافي مرامهم يحمل تلک العبارات علي ما يظهر منها و يغفل عن تلک المقامات السنية و
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 420 *»
المراتب العلية فيخبط خبط عشواء.
و قوله «فالعدد مصدره الاول اثنان» ان اراد به ما ذکرنا من ان المبدأ الاول جعل و انجعال فمن الجعل يحصل ثلاثة و من ظهور الجعل في المجعول تحصل اربعة فهو صحيح و اني له ارادة هذا؟! و ان اراد بالاثنين ما هو المتعارف عند العوام و هو الذي بعد الواحد فغير صحيح فان الاثنين لا شک انه زوج و الفرد اشرف من الزوج فلايصح انيکون المبدأ علي قاعدة امکان الاشرف زوجاً. و امکان زوجية الاثنين و فردية الواحد کأنه مکابرة و سفسطة.
و قوله: «فالفرد الاول ثلاثة و الزوج الاول اربعة» صحيح بمعني ان الثلاثة لما غلبت عليه جهة الوحدة قيل واحداً و الاربعة لما غلبت عليه جهة الاصلية قيل اثنان. فالواحد هو الفرد الاول لانه ثلاثة و الثلاثة تفصيله و الاثنان هو الزوج الاول و الاربعة تفصيله و الاعداد کلها تحصلت منهما. فالخمسة مرکبة من الفرد الاول و اصل الزوج الاول و لذا کانت عدداً دايراً تحفظ نفسها في جميع مراتب التجذير و التکعيب في کل المقامات. و الستة مرکبة من فردين و هي تفصيل الثلاثة. و لذا کانت عدداً تاماً تساوي کسورها الصحيحة نفسها. و السبعة مرکبة من الفرد الاول و الزوج الاول فکانت عدداً کاملاً لاجتماع کمالات الفرد و الزوج بجميع مقاماتها لديها. و الثمانية مرکبة من زوجين بداية مرتبة اخري لان السبعة بها الکمال. فان اصول العدد علي ما ذکرنا في مقام الاجمال و التفصيل اربعة الواحد و الاثنان و الثلاثة و الاربعة فاذا لاحظنا الواحد مع الاربعة کانت الخمسة و اذا لاحظنا الاثنين مع الاربعة کانت الستة و اذا لاحظنا الثلاثة مع الاربعة کانت السبعة فهو تمام اول النسب. فالثمانية مبدأ مرتبة اخري و لذا يزيدون واو الثمانية.
قال: فصار الحساب في مقابلة الواحد الذي هو علة العدد و ليس يدخل فيه و لذلک هو فرد لا اخت له و لما کان العدد مصدره من اثنين صار منها المحقق محصوراً في قسمين. و لما کان العدد منقسماً الي فرد و زوج صار من ذلک الاصل محصوراً في اربعة فان الفرد الاول ثلاثة و الزوج الاول اربعة و هي
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 421 *»
النهاية و ماعداها مرکب منها فکان البسايط العام الکلية في العدد واحد و اثنان و ثلاث و اربع و هي الکمال و ما زاد عليها فمرکبات کلها و لا حصر لها فلذلک لاتنحصر الابواب الاخر في عدد معلوم بل تتناهي بما ينتهي به الحساب.
اقول: اخذ في نتيجة تلک المقدمات و براهين خصوصيات المدات کما وعد سابقاً فقال ان صدر الحساب انما کان واحداً يمد من الطرف الي الطرف و ليس له اخت تساويه لانه في مقابلة الواحد الذي هو علة العدد. و لما کان العدد علي زعمه مصدره اثنان و هو تحت الواحد الذي هو علة العدد کان ينقسم منها الاصل الي قسمين لا اکثر. و لما کان العدد ينتهي الي فرد و زوج و مبدأ الزوج اربعة و فروعها کلها من ساير الازواج تنتهي اليها لا غير کان من ذلک الاصل منتهياً الي الاربعة لا غير. و لما کان باقي الاعداد کلها مرکبات من هذين المبدأين کان تقسيماتها لا حصر لها و لذا کانت الاربعة الاخيرة التي هي منها المطموس و من ذلک و منها المعوج و من ذلک المعقد بل تنتهي بانتهاء الحساب. هذا محصل کلامه و نتيجة استدلاله.
اما قوله: «فصار الحساب في مقابلة الواحد الذي هو علة العدد» ففيه ان المراد بهذه العلة هي الفاعلية دون المادية کما صرح هو بذلک. و لا ريب ان المفعول ليس قسماً من الفاعل و لاينقسم الفاعل الي مفعولاته و لايتحصص فيها فان المفعول هو الذي اوجده الفاعل لا من شيء فاذا کان هو حصة من الفاعل ماتعلق به الجعل و الايجاد اذ لايعقل ايجاد الشيء نفسه. و قد صرح العلماء ان المقسم لابد من ان يکون معتبراً في الاقسام بل المقسم جزء للاقسام و لايکون الفاعل من حيث انه فاعل جزءاً للمفعول و لا معتبراً فيه. و لاريب ان صدر الحساب هو محل التقاسيم و مورد التفاصيل و المدات الستة کلها جزئياته و افراده و هو بالنسبة اليها جنس الاجناس و ما تحتها انواع بالنسبة اليها و اجناس بنسبة بعضها الي بعض فالسافل بالنسبة الي عاليه جزئي اضافي او حقيقي و العالي بالنسبة الي سافله جنس او نوع. و لاشک ان الجنس الکلي ينقسم الي افراده و جزئياته و قد صرح المصنف بذلک. فقال: «هو فرد لا زوج له
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 422 *»
باعتبار و جملة تقبل التقسيم و التفصيل» الي ان قال: «فمن حيث هو جملة قابل للتفصيل حيث ينقسم الي قسمين» انتهي. فاذا کان صدر الحساب ينقسم الي قسمين و هما منها الاصل فکيف يکون في مقابلة الواحد الذي هو علة العدد فان العلة لاتنقسم الي معلولاته و الفاعل الي مفعولاته.
و الحق ان صدر الحساب بمنزلة الواحد الذي هو مادة العدد و هو الواحد الانبساطي الجامع الکلي الذي يجمع الاعداد کلها کصدر الحساب الذي جمع المدات و احوالها کلها. و من جملة (جهة خل) احاطته و سريانه کان في الظاهر يمد من الطرف الي الطرف و لايساويها شيء من المدات لانها تحتها الا المدة السابعة المسماة في عرفهم بمن ذلک المعقد فانها تمد من الطرف الي الطرف لا لعلة التساوي بل لاجل الکثرات الحاصل في الحساب کما ذکرناها.
و الکلام علی فقرات کلام المصنف کثير اعرضنا منه لاختلال البال و ضيق المجال و تبلبل الاحوال و موانع الاقبال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و الله المستعان و عليه التوکل في المبدأ و المآل.