09-21 جوامع الکلم المجلد التاسع ـ جواب الملامحمدحسين البافقي ـ مقابله

رسالة فی جواب الآخوند الملا محمد حسین البافقی

 

من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم

الشيخ احمد بن زين‌الدين الاحسائي اعلي الله مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 558 *»

بسم الله الرحمن الرحيم و به ثقتي

بسم الله و كفي و سلام علي عباده الذين اصطفي

و بعد فيقول الخاطيء الجاني ابوجعفر محمّد المدعوّ بحسين البافقيّ السّراياني انّي كنت مدة مديدة راغباً في تفسير احاديث مشكلة و تبيين اخبار معضلة طالباً لعالم ربّاني و فاضل صمدانيّ ينظر بنور الله و يقول بكلمات الله و يسير في آيات الله يبصر ببصره و يسمع بسمعه ليفسّرها يتفسير واف و يبيّنها ببيان شاف فاذاً فزت بحصول المراد و تشرّفت بخدمة الاستاد و من عليه من جميع علماء البلاد و فضلاء العباد اعتماد و استناد المولي المعظم و الشيخ المكرم خاتم الحكماء و المتألهين زين العرفاء و المتكلمين رئيس الفقهاء و المجتهدين جليس الفقراء و المساكين شيخنا الشيخ احمد بن الشيخ زين الدين حشرهما الله مع ساداتهما الطيّبين فالتمست منه المطلب و بلغت المني بتوفيق الربّ.

الحديث الاول: روي الصّدوق قدّس سرّه في الفقيه عن عمّار السّاباطيّ انه قال سئل ابوعبدالله 7 عن الميّت هل يبلي جسده قال نعم حتّي لايبقي لحم و لا عظم الا طينته التي خلق منها فانها لاتبلي بل تبقي في القبر مستديرة حتّي يخلق منها كما خلق اول مرة.

الجواب: و من الله الهام الصّواب، اعلم انّ الانسان الموجود الآن له جسمان و جسدان فالجسم الاوّل هو الحامل للعقل و الرّوح و هو اشدّ الاربعة قوّةً و تحققاً و رزانة و خفة و لطافة و عظماً و هو الذي وقع عليه التكليف في عالم الذر و به يدخل الجنة ان كان مؤمناً و يدخل به النّار ان كان كافراً و هو موجود الآن في غيب الانسان و هو الباقي الذي لايجري عليه الفناء و الدّثور و له النعيم او العذاب الاليم و الجسم الثاني هو الذي يعبّر عنه في الروايات بأنه هيكل كهيكل الدّنيا فاذا رايته قلت هذا فلان و ربّما يعبّر عنه بقولهم 7في

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 559 *»

حواصل طيور خضر و هذا هو الّذي اذا قبض ملك الموت الرّوح قبضها فيه و اخذها معه و تبقي ان‌كانت من الاخيار في الجنان تتنعّم و تأتي وادي السلام و تزور اهلها و حفرة قبرها و تبقي الي نفخة الصور الاولي باقية و كذلك ان كانت من الاشرار فانها تعذب بنار الدنيا عند مطلع الشمس و تأوي الي وادي برهوت عند غروبها الي نفخة الصّور الاولي و هو قول الصادق7 في تأويل قوله تعالي فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالسّاهرة قال تبقي الارواح ساهرة لاتنام الحديث، و هذا الجسم الثاني هو ظاهر جسم الاول و مركبه و ذلك باطنه و لبّه و ان كان الميت من المستضعفين و امثالهم بقيت روحه في قبره مع هذين الجسمين مجاورين للجسد الباقي الي يوم القيمة و امّا الجسد الاول فهو مخلوق من عناصر هورقليا و هو من جنس محدّب محدّد الجهات الا انه الطف من المحدّد لان اسفل مراتبه فوق محدّب محدّد الجهات في الاقليم الثّامن الحاوي للعجائب و الغرائب و هذا الجسد يبقي في القبر مستديراً متغيّباً في هذه الارض كسحالة الذهب في دكّان الصائغ و هذا هو الطّينة التي خلق منها الانسان كما قال7انها تبقي في قبره مستديرة فاذا نفخ في الصور نفخة‌ النشور نزلت الروح مصاحبة لذلك الجسم الاول و دخلت معه في هذا الجسد فخرج من قبره للحساب و امّا الجسد الثاني فهو مخلوق من هذه العناصر المعروفة تكوّن منها من لطائف الاغذية فاذا تفكّك في القبر رجع ما فيه من النّار الي عنصر النار و امتزج بها و ما فيه من الهواء كذلك و كذلك الماء و التّراب و ذهب فلايعود اذ لاحساب عليه و لاعقاب و لا نعيم له و لا ثواب و لا شعور فيه و لا احساس و لا تكليف عليه و لا مدخل له في الحقيقة و انما هو بمنزلة ثوب لبسته ثم تركته و لبست غيره فافهم و كتب العبد المسكين احمد بن زين الدّين الاحسائي و الحمد لله رب العالمين.

الحديث الثاني: قال روي الصّدوق; في العلل عن الحسين بن احمد عن ابيه عن احمد بن محمّد بن عيسي عن الحسين بن خالد قال قلت للرضا7انّا روينا عن النّبي9انّ من شرب الخمر لم‌تحسب صلوته اربعين صباحاً

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 560 *»

فقال صدقوا فقلت و كيف لاتحسب صلوته اربعين صباحاً لا اقلّ من ذلك و لا اكثر قال لانّ الله تبارك و تعالي قدّر خلق الانسان فصيّر النطفة اربعين يوماً ثم نقلها فصيّرها علقةً اربعين يوماً ثم نقلها فصيرها مضغة اربعين يوماً و هذا اذا شرب الخمر بقيت في مشاشته علي قدر ما خلق منه و كذلك يجتمع غذاؤه و اكله و شربه تبقي في اربعين يوماً.

الجواب: انّما علل ذلك بمدّة بقاء النطفة و العلقة و المضغة الي ان‌يكمل انقلابها الي الطور الثاني لان النطفة اذا وقعت في الرحم و امتزجت بها نطفة المرأة و ماث الملك فيهما (بينهما خ‌ل) التّربة‌ التي من قبره المقدّر له في اللوح المحفوظ بقيت النطفتان تستمدّ من الحيض و تتعفّن بتلك الرطوبة و بحرارة‌ الرحم و تعين هذه حمّي تعرض للمرأة و لاتزال تتنقل تنقلاً سيالاً و تترقي الي العلقة فيكمل استحالتها الي العلقة في اربعين يوماً و كذلك العلقة تكمل استحالتها الي المضغة في اربعين يوماً بعدّة ميقات موسي7لانّ ذلك هو عدد مراتب الوجود و انّما كان ذلك اربعين لان الانسان خلق من عشر قبضاتٍ من التسعة الافلاك من كل واحد قبضة و من الارض قبضة و كل قبضة من العشر تكمل في اربعة ادوار فهذه اربعون دوراً و جميع ما في الوجود جري علي صنع واحدٍ بتدبير واحد من مدبر واحد سبحانه فكل شي ء ينقلب كمال الانقلاب في اربعين فاذا انقلب كمال الانقلاب تغيّرت حقيقته و تغيّر حكمه فلمّا كانت الخمر نجسة كان شاربها حامل نجاسة فلاتحسب (فلاتقبل خ‌ل) له صلوة حتّي ينقلب جميع ما فيه من الخمر الي مزاج آخر من دم و لحم و عظم فيتغيّر ذلك فتقبل صلوته و الي هذا المعني المذكور المفصل اشار7بقوله بقيت في مشاشته علي قدر ما خلق منه و لهذا قال7و كذلك يجتمع غذاؤه و اكله و شربه يبقي في مشاشته اربعين يوماً و المراد بالمشاشة رؤوس العظام التي يمكن مضغها و انّما ذكرها لانها آخر ما يبقي من الغذاء في (عن خ‌ل) الاستحالة الي العظم لانّ العظم آخر ما يغتذي من ساير الجسد من الغذاء لصلابته و في بعض نسخ الحديث مثانته و هي مجمع البول و وجهه ان‌ّ الخمر اذا طبختها

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 561 *»

المعدة اول طبخ جذبت كيلوسها الي الكبد و قذفت ثفلها من الماء الي المثانة من الكليتين علي التدريج الي مدّة الاربعين اليوم و ان‌دخل عليه غذاء غير الخمر و خالطها في الكيلوس و في ثفله لكنّها لاتنقطع مادّتها بتحلّل او انقلاب الا بعد الاربعين للقاعدة المذكورة و لهذا قرّروا عليهم‌السلام ان‌ّ النطفة تمكث اربعين يوماً ثم تكون علقة و تمكث اربعين و تكون مضغة و تمكث اربعين فتلجه الرّوح مع انّ التّفصيل انّ ولوج الروح انّما يحصل عند تمام الاربعة الاشهر و هي مفرّقة علي المراتب الستّ اعني النطفة و العلقة و المضغة و العظام و يكسي لحماً و ينشأ خلقاً آخر و كلّ مرتبة له عشرون يوماً تمكث النطفة عشرين فتكون علقة و العلقة عشرين و المضغة عشرين و العظام عشرين و يكسي العظام في عشرين و تلجه الرّوح في عشرين فهذه هي الاربعة الاشهر فكيف تكون كلّ رتبة في اربعين كما هو ظاهر الاحاديث و الجواب انّ النطفة تبقي خالصة من شوب العلقة عشرين يوماً ثم يشوبها نموّ العلقة مع بقاء خلط النّطفة فاذا تمّت الاربعون ارتفع شوب النطفة و ظهر ابتداء المضغة مصاحباً لبقايا العلقة الي عشرين و ترتفع بقايا العلقة و يظهر ابتداء العظام مع بقاء بقايا المضغة و هكذا فصدق ان النّطفة تبقي اربعين يوماً لما بيّن في القاعدة و انّ بقاءها خالصة عشرون فصحّ تقسيم المراتب و الحمد لله رب العالمين و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الثالث: قال و روي في الانوار النّعمانية عن الصدوق باسناده الي رسول الله9 قال انّه صلّي ذات يوم باصحابه الفجر ثم قام باصحابه حتّي اتي الي باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت اليه امرأة فقالت ماتريد يا اباالقاسم قال رسول الله يا ام عبدالله استاذني لي علي عبدالله فقالت يا اباالقاسم (يا رسول الله خ‌ل) و ماتصنع بعبدالله فوالله انه لمجهود في عقله يحدث في اثوابه و انّه ليراودني علي الامر العظيم (امر عظيم خ‌ل) فقال استاذني لي عليه قالت افلي (افي خ‌ل) ذمّتك قال نعم قالت ادخل فدخل فاذا هو في قطيعة له يهيم فيها فقالت له امّه اسكت و اجلس هذا محمّد9قد اتاك فسكت و جلس

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 562 *»

فقال النبيّ9ما لها لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم اهو هو ثمّ قال النبي9 ما تري قال اري حقّاً و باطلاً و اري عرشا علي الماء فقال اشهد الا (ان‌لا) اله الا الله و انّي رسول الله9 فقال بل تشهد الا (ان‌لا) اله الا الله و انّي رسول الله فما جعلك الله بذلك احقّ مني فلمّا كان في اليوم الثاني صلّي9باصحابه الفجر ثم نهض و نهضوا معه حتي طرق الباب فقالت امّه ادخل فدخل فاذا هو في نخلة يغرّد فيها فقالت له امّه اسكت و انزل هذا محمّد9 قد اتاك فسكت قال النبيّ لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم اهو هو فلمّا كان في اليوم الثالث صلّي9 باصحابه الفجر ثم نهض و نهض القوم معه حتي اتي ذلك المكان فاذا هو في غنم له ينعق بها قالت له امّه اسكت و اجلس هذا محمد قد اتاك فسكت و كان قد نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدّخان فقرأها بهم النبي9في صلوة الغداة قال اتشهد الا (ان‌لا) اله الا الله و انّي رسول الله9فقال بل تشهد الا (ان‌لا) اله الا الله و انّي رسول الله و ماجعلك الله بذلك احقّ منّي فقال النّبي9اني قد خبأت لك خبأ فما هو قال الدّح الدّح فقال النبي 9 اخسأ انّك لن‌تعدوا اجلك و لن‌تبلغ املك و لن‌تنال الا ما قدّر لك ثم قال لاصحابه ايّها الناس مابعث الله نبيّا الا انذر قومه الدجال و ان الله تعالي اخّره الي يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من امره فان ربكم ليس باعور انّه يخرج علي حمار عرض ما بين اذنيه ميل يخرج و معه جنة و نار و جبل من خبز و نهر من ماء اكثر اتباعه اليهود و النساء و الاعراب يدخل آفاق الارض كلّها الا مكة و لابيّتها (لابتيها خ‌ل) و المدينة و لابيّتها (لابتيها خ‌ل).

اقول: روي هذا الحديث في اكمال الدّين و اتمام النعمة و هو في الدّجال و هو الذي يخرج عند قيام صاحب الامر7في السّنة التي يخرج فيها و الذي يظهر لي من بعض الاخبار انّه يظهر في العاشر من جمادي الاولي و الصاحب7 يخرج (يظهر خ‌ل) في العاشر من المحرّم فبين خروجه و خروج الحجة7 ثمانية اشهر كما صرّح به في الرّواية و انّما مضي اليه النبي9ليقيم عليه الحجة بان يدعوه الي الاسلام و الايمان به و احبّ ان‌يدخل عليه علي الحالة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 563 *»

الّتي يقتضيها طبعه كما هو مذكور في هذا الحديث و غيره قبل ان‌تخبره امّه بدخول النبيّ9عليه ليعرفه اصحابه بصفته و فعله ليكفروا (ليكفروا به و خ‌ل) بدعوته فأنه الآن كما في هذه الرّواية يدّعي النبوة ثمّ ادّعي (يدعي خ‌ل) الرّبوبية و انه يخرج عند قيام القائم7و يدعي الرّبوبية و يتبعه علي دعوته ستّ عشرة مائة الف و يسير في الارض كما في آخر هذا الحديث الي ان‌يخرج حجة الله القائم 7و يقتله و يقتل جنوده فقول النبي9في حقّ امه ما لها لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم اهو هو لبيان صفته و فعله لهم كماقلنا ثمّ قال النبي9 ماتري قال اري حقّاً و باطلاً و اري عرشاً علي الماء و كلامه لعنه الله هذا يكذّب ما ادعته امّه لعنها الله في حقّه انّه لمجهود في عقله يحدث في اثوابه يعني مجنون لانه لم‌يفعل ذلك لعدم التمييز و لكنّه قاذورة لايستنجس نجساً و قولها انّه ليراودني علي الامر العظيم لايدل علي جنونه لانه يريد ان‌يفجر بامه لعدم انفته و تحريمه لشيء من المحرّمات و لعلّ قوله اري حقاً و باطلاً الخ، مشعر بقوة شعوره و حيلته فانه بفطرته يري حقاً عند محمد9و باطلاً عند من خلافه و لكنه ابهمه ليدعي ان ما راه من الحق انه هو المستحق له و انّ الباطل عند من خالفه ايهاماً منه و تدليساً و لهذا سمي الدّجال من دجّل تدجيلا غطّي و طلّي الذهب لتمويهه بالباطل و يقال للنفس الامارة (الامارة بالسوء خ‌ل) المدجلة لاجل ذلك و من اجل ذلك قال للنبي9بل تشهد الا (ان‌لا) اله الا الله و اجاب بانّي اري عرشاً علي الماء ليخدع النبي8كما هو مقتضي طبيعته من التلبيس كما انّ امه الملعونة انّما قالت انّه لمجهود في عقله ليكفّ عنه محمد9دعوته و قول الراوي و هو ابن عمر في حكاية المرة الثالثة و كان قد نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها اي سورة الدخان لاجل الآيات المذكورة المناسبة لبيان احوال ذلك الخبيث بهم اي باصحابه الّذين سار معهم الي الخبيث الدجال فقوله بهم اي حين صلي بهم صلوة الفجر او انّ الباء بمعني مع او المصاحبة و الظّاهر انّ الآيات المشار اليها هي المناسبة لبيان حال

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 564 *»

الدّجال و مآل امره و هي قوله تعالي فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشي الناس هذا عذاب اليم ربّنا اكشف عنّا العذاب يعني بتعجيل الفرج انّا مؤمنون و هي علامات قيام القائم7وهو الّذي خبأه رسول الله 9لهلاك هذا الدجال المدلول عليه بهذه الآيات حين عارض هذا الملعون رسول الله9بدعوي النّبوة فقال9له انّي خبأت لك خبأ اي دفنت لك دفينا و سترت لك (لك سترا خ‌ل) مستوراً و خبأ بمعني ستر فما هو يعني ان كنت تدّعي انّك رسول الله فاخبرني ماالذي  ادّخرت لك مما يسوؤك و يبطل دعواك فاجابه اللعين بالكلام الفحش ليخجل النبيّ9فينقطع عن جوابه فقال الدحَّ الدحَّ و الدّحُّ بالمهملتين الدّس (و الدس في خ‌ل) النّكاح و الدّعّ (الدح خ‌ل) في القفا كناية عن اللّواط فقال النبي8اخسأ انّك لن‌تعدوا اجلك و لن‌تبلغ املك و لن‌تنال الا ما قدر لك فاخبره9انّ اجلك علي يد قائمنا اهل البيت حين تدّعي الربوبية و لن‌تبلغ املك من البقاء والاستعلاء علي العباد و لن‌تنال من مطلوبك من ذلك الا ما قُدر لك و كتب في ام الكتاب انك تدعي الربوبية و تسلط علي رقاب الجهال الذين اجابوا دعوتك ثم لاتتمتّع بذلك الا قليلا حتّي يقتلك قائمنا7شرّ قتلة و قد ذكرنا علي ما في الحديث ان ليس بين ظهوره و ظهور القائم7الا ثمانية اشهر ثمّ قال9لاصحابه مابعث الله نبيا الا انذر قومه الدجال يعني انّي انذركم فتنة هذا كما فعل الانبياء: قبلي و قوله فما تشابه عليكم من امره فان ربّكم ليس باعور كما رأيتم من قبح صورته ثم قال9انّه يخرج علي حمار عرض مابين اذنيه ميل و في رواية ابي الصّدوق عن النّزال بن سبرة (سيرة خ‌ل) في خطبة اميرالمؤمنين 7فقام اليه الاصبغ بن نباتة فقال يا اميرالمؤمنين7من الدجال فقال الا انّ الدجال صائد ابن الصّيد فالشقيّ من صدّقه و السّعيد من كذّبه يخرج من بلدة يقال لها اصبهان من قرية تعرف باليهودية عينه اليمني ممسوحة و العين الاخري في جبهته تضيء كانّها كوكب الصّبح فيها علقة كانّها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كلّ كاتب و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 565 *»

امي يخوض البحار و تسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان و خلفه جبل ابيض يري الناس انه طعام يخرج في قحط شديد تحته حمار اقمر خطوة حماره ميل تطوي له الارض منهلاً منهلاً لايمر بماء الا غار الي يوم القيمة ينادي باعلي صوته يسمع مابين الخافقين من الجن و الانس و الشياطين يقول اليّ اوليائي انا الذي خلق فسوي و قدر فهدي انا ربكم الاعلي و كتب (كذب خ‌ل) عدوّ الله انّه اعور يطعم الطعام و يمشي في الاسواق و ان ربكم عزوجل ليس باعور و لايطعم و لايمشي و لايزول الا و انّ اكثر اتباعه يومئذ اولاد الزّنا و اصحاب الطيالسة الخضر يقتله الله عزوجل بالشام علي عقبة تعرف بعقبة افيق لثلث ساعات من يوم الجمعة علي يدي من يصلّي المسيح عيسي بن مريم خلفه، انتهي كلامه7هنا في وصف الدّجال لعنه الله و انّما نقلته لما فيه من الفوايد و بيان ما اشير اليه في التاويل طويل اعرضنا عما نعرف منه لطوله و عدم اجتماع القلب و ماذكرنا جامع لبيان باقي الحديث المسؤول عنه و قوله9الا مكة و لابيّتها (لابتيها خ‌ل) و المدينة و لابيّتها (لابتيها خ‌ل) فيه اشارة الي انّ مكة يخرج فيها القائم7و هو قاتله و لايقدر علي الوصول اليها خوفا منه7لعلمه انّه7يخرج في مكّة و المدينة لقربها منه (منها خ‌ل)7 ظاهراً و باطناً و اللابة هي الحرّة ذات الحجارة السّود قد الّبتها لكثرتها و لابتا مكة الحرّات التي تكتنفها و المراد بها حدود الحرم و هو اثنا عشر ميلاً طولاً و عرضاً فمن المشرق الي الكعبة المشرّفة احدعشر ميلاً و من المغرب ميل واحد و من الشّمال اربعة اميال و من الجنوب ثمانية اميال و لابتا المدينة حرم المدينة و هو حرم رسول الله9و هو مابين حرّتين عظيمتين يكتنفانها و في خبر ما معني لابيّتها (لابتيها خ‌ل) قال ما احاطت به الحرار و في خبر آخر مابين ظل عائر الي ظل وُعَير و هما جبلان معروفان و في خبر آخر قال مابين الصّورين الي الثنيّة يريد جبلي المدينة اعني عايراً و وعيراً ثم لمّا كان خروج الدجال انما كان من اشراط الساعة و يخرج بعد الدّنيا و ان كان في آخرها لانّ احكامه من نوع احكام الاولي الّتي هي قيام القائم7و الرّجعة فيجري التقدير له و عليه علي

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 566 *»

مقتضي نظام الوجود وجب ان‌يكون في جميع احواله مطابقة الظّاهر للباطن (و الباطن خ‌ل) و لمّا كان حرم مكة و حرم المدينة لايصاد صيدهما لانّ من دخلهما كان آمناً و الدجال هو الصائد فلايدخل الصائد حرمهما و الا لما اَمِن من دخلهما الذي الذي هو صيدهما و الي هذا المعني اشار صلّي الله عليه وآله بقوله يدخل آفاق الارض كلّها الا مكّة و لابتيها و المدينة و لابتيها و ذلك لانّ نظام الوجود يقتضي مطابقة الظاهر للباطن و في هذا الحديث لطائف كثيرة و كتب العبد المسكين احمد بن زين الدين.

الحديث الرابع: روي الثّقة الجليل بن طاووس (ره) في كتاب الاقبال حديثاً منه قوله7لو علم النّاس ما في زيارة نصف شعبان من الثّواب لقامت ذكور رجال علي الخشب.

الجواب: انّ في معني ذلك وجوهاً و اقربها الي الصّحة و الطّبيعة و ابعدها عن التكلّف ما قيل انّ المعني لتبادر فحول من الرّجال الي زيارة الحسين7شوقاً الي ما في زيارته من الثّواب و ان صلبوهم ائمة الجور علي الخشب كما علم السّحرة بنبوّة موسي7و لم‌يبالوا بفعل فرعون بهم فلو علموا لزاروه و لو في حال منع حكّام الجور من زيارته و لوفعلوه حينئذ لصلبوا علي الاخشاب فيكون قد قامت ذكور رجال اي فحول رجال علي الخشب و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الخامس: روي عن اميرالمؤمنين7انّه قال لو كان الموت يشتري لاشتراه اثنان كريم ابلج و حريص ملهوف.

الجواب: الابلج طلق الوجه و البلج الوضوح و الظاهر ان المراد بالكريم الابلج الذي لاينقبض وجهه عند كثرة سؤال المحتاجين له و الحاحهم عليه حتّي يبلغ به الحال انّه يحبّ الموت لشدّة الاقلال و حزناً الا يجد ماينفق كما قال تعالي و لاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً و الحريص الملهوف شديد التحسر و التلهّف في طلب الدّنيا حيث لاينال منها مايكيفه لشدّة حرصه اذ كل مافيها لايكفيه فهو عند نفسه ابداً فاقد مطلوبه و ان وجد لشدّة حرصه حتّي تبلغ

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 567 *»

به الحال انّه يتمنّي الموت لانه لم‌ينل مناه فلوكان الموت يشتري لاشتراه هذان الاثنان او انّ المعني لو كان الموت يشتري لكان ينبغي لهذين الاثنين ان‌يشترياه لانّ راحتهما فيه لو كانا عاقلين لرأيا انّ الراحة لهما لاتوجد الا في الموت فينبغي لوكان يشتري ان يشترياه و الله اعلم بمراد وليه7و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث السادس: روي عنه انّه قال  انّ الله يكره البخيل في حيوته و الكريم في مماته.

اقول: معناه و الله اعلم انّ الله يحب الكرم في الدّنيا فاذا كان الرّجل بخيلا في الدّنيا كره ذلك لانه سبحانه يحب الكرم و الكريم يحبه في الحيوة فاذا مات كره موته لما يترتب علي حياته من منافع المحتاجين لا انّه يكره الكريم لانّ الكريم حبيب الله في الحيوة و في الممات و انّما كراهته له كراهة موته و امّا البخيل فالله يكرهه في الحيات و في الممات و ان كان مؤمناً كانت (كان خ‌ل) كراهة الله له عبارة عن قلّة ثوابه بالنسبة الي الكريم فانه اذا اثابه لم‌يبسط له في الفضل و اذا حاسبه لم‌يتجازف (لم‌يتجاوز خ‌ل) عنه فهو يكرهه و امّا الكريم فانه اذا اثابه بسط له في الفضل و ان حاسبه لم‌يعامله بالعدل بل‌يجازفه (يجازيه خ‌ل) لانّه يحبّه و الله اعلم و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث السابع: روي ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني (ره) عن المفضّل بن عمر عن الصّادق7 انّه قال بين المرء والحكمة نعمة العالم و الجاهل شقيّ بينهما.

اقول: اعلم انّ التنعّم بطيّب المآكل و الملابس و المناكح هو النّعيم في الدّنيا لاهل الدنيا و هذا في الشهادة مثال لما في الغيب في الدّنيا و الآخرة فامّا ما في الغيب في الدنيا فهو انّ الطيب مأكل النفس هي العلوم النافعة التي هي علم الحقيقة و علم الطريقة و علم الشريعة علي ماينبغي بان‌يعلم و يعمل و امّا باقي العلم فما طلب منها ليتوصّل به الي هذه الثلثة كان علماً و كان نافعاً و الا فهو جهل ضارّ في الدنيا و الآخرة امّا ضرره في الدّنيا فلأنه يكون ظلمة (كلالة خ‌ل)

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 568 *»

في قلب طالبه و يكون بذلك محجوباً عن الطّريق الموصلة الي رضوان الله كما اشير اليه في الحديث القدسيّ قال الله تعالي يا داود لاتجعل بيني و بينك عالماً مفتوناً بالدنيا و اولئك قطّاع طريق عبادي المريدين اليّ انّ ادني ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم فقوله سبحانه انّ ادني يراد به معنيان:

احدهما انّ ادني بمعني اقل.

و الثّاني انّه بمعني اقرب يعني اقلّ مااجازيهم بما عملوا و استعملوا لغيري ان‌انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم فيكرهون خدمتي فيكون ذلك سبب حرمانهم من خيرات الدّنيا بعدم استجابة الدعاء و عدم معرفتهم بي و حجبهم عن التّرقي الي عالم النّور و من خيرات الآخرة بأنهم لايجاورون اوليائي في دار كرامتي و لاينالون نعيم جنّتي و ذلكم اوّل ما انا صانع بهم هل‌يجزون الا ماكانوا يعملون و امّا العلوم الثلثة النافعة و ما تتوقف عليه اذا اجابها العمل حين تهتف به و هي طعام النّفس التي بها تحيي من موتها كما اشير اليه في قوله تعالي او من كان ميتاً فاحييناه مضافاً الي قوله تعالي فلينظر الانسان الي طعامه الي آخر الآيات فهذه العلوم النافعة هي طيّب مأكل النّفوس الّتي امرتم بالاكل منها في قوله تعالي كلوا من طيبان مارزقناكم و امّا طيب الملابس فهو الزّهد و التّقوي قال تعالي و لباس التقوي ذلك خير فأن كلّ لباس غير التقوي لايستر صاحبه بل تنكشف معه عورته و ما احسن ما قال الشاعر:

ثوب الرّياء يشفّ عما تحته فاذا التحفتَ به فانك عاري

و كمال الزّهد الا تأس علي مافاتك و لاتفرح بما آتيك و بيانه انّ الزّهد ليس هو تحريم الحلال و لا تضييع المال و انّما هو الا تكون بما عندك اوثق منك بما عند الله و كمال التقوي ان‌تترك المباح بل المندوب الا علمت انّه يجوز ان‌يكون في الواقع حراماً او يجرّ الي الحرام و لو بلوازم العادات كما قال9 ما معناه لايكون الرّجل من المتّقين حتّي يدع ما لابأس به (فيه خ‌ل) خوفاً مما فيه بأس و من الملابس الطيّبة الزّوجة المؤمنة الصالحة تعينه علي دنياه و دينه و اليه

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 569 *»

الاشارة بقوله9 اذا اراد الله بعبد خيراً جعل له قلباً ذاكراً و لساناً شاكراً و بدناً علي البلاء صابراً و زوجة تسرّه اذا نظر اليها و تطيعه اذا امرها و تحفظه اذا غاب عنها في نفسها و ماله فجعلها مما هو الخير بالعبد و اشار سبحانه الي كونها لباساً بقوله هن‌ّ لباس لكم (و انتم لباس لهن خ‌ل) فافهم التلويح فانه ابلغ من التصريح لذي الحسّ اللطيف الصحيح

وامّا طيب المناكح فمنه ظاهر و باطن فالظاهر هذه الزّوجة المشار اليها فأن مثلها من افضل الاعمال او من المعين علي الصّالحات والي هذا اشار9حبّب اليّ من من دنياكم ثلاث النساء الخ، و معلوم انّه9انّما يميل الي الاعمال الصالحات و في هذا كثرة الطروقة من سنن النبيين و كسر شهوة‌ النفس عن الطّموح الي المحارم و طلب النّسل الذي يثقل الارض بشهادة الا (ان‌لا) اله الا الله فتستريح النّفس فتتوجه الي عالم النّور (الانوار خ‌ل) و في الحديث من طرق الخاصّة ما معناه عن الصادق7ما ازداد احد حبّاً في الولاية الا ازداد حبّاً في النساء و من طرق العامّة عنه9 ماازداد احد حباً في الايمان الا ازداد حباً في النساء و انما جعل9ذلك محبّباً (محبوبا خ‌ل) اليه لان الرّكعة من المتزوّج تعدل سبعين ركعة من عزب و كذا الطيب و الباطن من النّكاح هو نكاح العقل للنّفس بعد تأديبه لها بآداب الله حتّي تنقاد لأمر الله فاذا انقادت كانت اخت العقل فلاتخالفه بل لايدرك اكثر الاعمال الصّالحة الا بها و الي ذلك الاشارة بتأويل قوله تعالي اتوكؤ عليها و اهشّ بها علي غنمي (و لي فيها مآرب اخري خ‌ل) لأنه انّما يؤدب رعيّته و يعلّمهم احكام دينهم بها لأجل مناسبة النفس و مقارنتها لهم فاذا وافقته فيما يقتضيه و يطلبه من مراد الله كان ذلك هو النّكاح الطيب لانّ ما يتولّد منها من الاعمال الصالحة انّما هو من العقل و منها فكان ذلك النّكاح الطيّب علي كتاب الله و سنة نبيه9و بالجملة فهذه المآكل و الملابس (الملابس و المشارب خ‌ل) و المناكح الطيبة هي النّعيم الطيب لان هذه تثمر العلوم الحقة و المعارف الالهية فيكون المرء بين ما فهم رشده و بلغ اشده الي ان‌يكون حكيماً ربانياً يتنعّم بثمرات العلوم و صالحات الاعمال حتّي اذا كان كذلك استغني بتعليم الله عن تعليم النّاس كما

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 570 *»

اشار اليه سبحانه بقوله تعالي و لمّا بلغ اشدّه و استوي آتيناه حكما و علماً و كذلك نجزي المحسنين يعني انّ من احسن آتيناه حكماً و علماً و لن‌يخلف الله وعده و حسن العمل هو ما اشرنا اليه من اعمال الدنيا الّتي تدعوا الي الله و الي رضاه من المآكل و الملابس و المناكح فاذا امتثل اوامر الله و اجتنب نواهيه في كلّ ما ورد به الشرع الشريف و تأدب بآداب الله وجد للعلوم و الاعمال لذة و نعيماً لايوجد له نظير في العالم لانّ ذلك مع حسن النظر و دوام الذكر و صحة الفكر يورث محبّة الله فهو مابين ابتدائه الي ان‌يبلغ الحكمة يتقلّب في رياض الانس من حظائر القدس فهو في تنعّم الافكار و تلذّذ الاذكار تأوب معه الجبال و الاطيار في اعالي اغصان اشجار الانوار و يقتطف من ازهار الاسرار فلهذا قال7بين المرء و الحكمة نَعمة العالم بفتح النون اي تنعّم العالم الرّبانيّ الذي مرّ ذكر عمله و صفة تعلمه فان من كان بخلاف تلك الاوصاف فهو الجاهل و ان‌كان يشقّ بدقيق علمه الشعر و هو الشّقيّ بين تعلّمه (فعله خ‌ل) و بين الحكمة لانه اتي البيوت من غير ابوابها فهو محجوب مبعد كما قال تعالي صمّ و بكم في الظّلمات و في بعض نسخ الحديث نعمة العالم بكسر النون و المعني انّه بين حالتيه هاتين نعمة العالم اي نعمة الولاية من الوليّ علي العالم المتابع لامامه لانه7يسقيه فيما بين ذلك من الكوثر شربة لايظمأ بعدها ابداً و الجاهل المشار اليه مطرود عن تلك الشّربة (الشريعة خ‌ل) مذود عنها فهو بذلك شقيّ بينهما هذا اشارة مجملة الي معني الحديث و ان كان الكلام كثيراً لانّ هذا (الا ان هذا خ‌ل) بمنزلة المقدمة لتلك المعاني المبهمة و قد ذكر الملا محسن في الوافي لهذا الحديث كلاماً له و كلاماً لاستاده صدر الدّين الشيرازي و لابأس بذكرهما تتميماً للفائدة

قال الملا النعمة بفتح النون يعني انّ الموصل للمرء الي الحكمة تنعّم العالم بعلمه فأنه اذا رآه المرء انبعثت نفسه الي تحصيل الحكمة او اضافة النعمة بالكسر بيانيّة اي العالم الذي هو نعمة من الله سبحانه يوصل المرء الي الحكمة بتعليمه له ايّاها و الجاهل شقيّ بينهما اي له شقاوة حاصلة من بين المرء و الحكمة او المتعلم و العالم و ذلك لانه لايزال يتعب نفسه اما بالحسد او

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 571 *»

الحسرة علي الفوت او السّعي في التحصيل مع عدم القابلية للفهم و قال استادنا صدر المحققين طاب ثراه لعلّ المراد به ان الرّجل الحكيم من لدن عقله و تمييزه الي بلوغه حدّ الحكمة يتنعّم بنعمة العلم و نعيم العلماء فانه لايزال في نعمة من اغذية العلوم و فواكه المعارف فان معرفة الحضرة الالهية لروضة فيها عين جارية و اشجار مثمرة قطوفها دانية بل جنة عرضها كعرض السماء و الارض و الجاهل بين مبدأ امره و منتهي عمره في شقاوة عريضة و امل طويل و معيشة ضنك و ضيق صدر و ظلمة قلب الي قيام ساعته و كشف غطائه و في الآخرة عذاب شديد انتهي (‌انتهي كلامه خ‌ل)، و كلام الملا صدر الدّين كلام دقيق متين الا انه اشار الي الغايات و لم‌يشر الي المبادي امّا بناءً علي طريقته لانه لايجري في حكمته علي مطابقة الشرع الظاهر للشرع الباطن او غفلةً عن المبادي و لاشك انّ تلك الغايات علي ما يحبّ الله سبحانه لايحصل الا بالشرع الظاهر و الملازمة للفرض و النفل (للفرايض و النوافل خ‌ل) و التأدب بآداب الله الواردة في النقل و العقل و الله اعلم و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الثامن: روي ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني (ره) مسنداً الي ابي‌عبدالله7قال ذكرت التقية يوماً عند ابي‌عبدالله7فقال لو علم ابوذرّ ما في قلب سلمان لقتله.

اقول: انّما قال7ذلك في جواب ذكر التقية يعني انّها واجبة علي كلّ عالم بما لايقبل و بما لايحتمل و كما تكون من اعداء الدين كذلك تكون من المؤمنين و ناهيك بذلك ذكرها في حقّ ابي ذرّ عند سلمان و قد آخا بينهما رسول الله9بل قد تكون في اثنين كل واحد منهما من الآخر روي ابوبصير قال سمعت اباعبدالله7يقول قال رسول الله صلي الله عليه وآله يا سلمان لو عرض عملك (علمك خ‌ل) علي مقدادٍ لكفر يا مقداد لو عرض عملك (علمك خ‌ل) علي سلمان لكفر و اعلم انّ سلمان لايجهل عمل (علم خ‌ل) مقداد و لكن الذي افهم من الحديث ان المقداد لو عرض عليه عمل سلمان و علم ما اراد سلمان بعبادته و من يعبد و الي من يتوجه و ما يريد من الفاظ عبادته

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 572 *»

و مايدلّ بها عليه و ما الاسماء الّتي يدعو بها ربه من الاسماء و الافعال و الحروف و ما اشبه ذلك فأنه يريد منها غير مايعرف المقداد و لو اخبره بمراده منها لكفر بذلك و انكره و هذا ظاهر من الحديث.

و يحتمل انّه لو كلّف به المقداد لماقبله و لجحده او رأي انّه خلاف الحقّ و الانكار هو الكفر و امّا الحرف الثاني و هو لو عرض عملك (علمك خ‌ل) علي سلمان لكفر فالّذي افهم انّ المعني لو كلّف سلمان بعمل المقداد لكفر به لأنه يعلم انه في حقه كفر لا انه لايعلم مراد المقداد و لا ان المقداد اخطأ بعمله طريق الحق بل يعلم ان المقداد اصاب بعمله (بعلمه خ‌ل) طريق الحق و النّجاة في حقّه و في حقّ مثله و ان كان في حقّ سلمان انّه خطأ و جهل و في الحديث ما معناه و انّ الذّرة لتزعم انّ لله زبانين (زبانيتين خ‌ل) يعني قرنين و هذا في حقّها لاينافي التوحيد و لا التّنزيه لانّ عدمهما نقص عندها و وجودهما كمال عندها فهي تصف ربّها بما هو كمال (كمال عندها خ‌ل) فلو عرض عليك عملها (علمها خ‌ل) لكفرت به و جحدته لانّك تنزّه الله تعالي عن القرنين و عن صفات جميع الخلق و لو عرض عملك (علمك خ‌ل) علي الذرّة بانّك تعبد الذّات المنزّهة عن القرنين لكفرت به لان ذلك عندها نقص في حقّ خالقها و لكنّك تعرف انّ ذلك يقبل منها و لايقبل منك فيكون قوله 9 يا مقداد لوعرض عملك (علمك خ‌ل) علي سلمان لكفر من هذا القبيل فافهم فقد صدق من الحديث انّ التقية تكون في اثنين مؤمنين صالحين من المتقين كلّ واحد يتّقي الآخر و لاتختصّ التقيّة بالمخالفين كما توهّمه بعض من لا قريحة له في الدّين.

و امّا امر ابي‌ذر مع سلمان فقد كان من هذا القبيل لانّ سلمان كان عالماً بالله فوق ما يعرف ابوذرّ و لهذا في بعض الاحاديث ما يشعر بانّ سلمان في حال من احواله (الاحوال خ‌ل) ليس من الشّيعة بالنسّبة الي مطلق الشيعة بل هو من الائمة المتبوعين علي نحو ما قال عليه‌السلام نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و سائر النّاس غثاء و بيان ذلك ما روي عنه عليه السلام انّه قال ما معناه لويعلم (علم خ‌ل) ابوذرّ ما في قلب سلمان لقتله لانّ حديث العلماء صعب مستصعب و انّما قلت العلماء لانّ سلمان

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 573 *»

منّا اهل البيت و الي هذا المعني الاشارة بما رواه زرارة قال سمعت اباعبدالله عليه السلام (يقول خ‌ل) ادرك سلمان العلم الاول و العلم الآخر و هو بحر لاينزح و هو منّا اهل البيت عليهم‌السلام بلغ من علمه انّه مرّ بوجل في رهط فقال له يا عبدالله تب الي الله عزوجل من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة قال ثمّ مضي فقال له القوم لقد رماك سلمان بامر فما دفعتَه عن نفسك فقال انّه اخبرني عن امر مااطّلع عليه الا الله و انا و في خبر آخر مثله و زاد في آخره انّ الرّجل كان ابابكر بن ابي‌قحافة و في رواية الفضيل بن يسار عن ابي‌جعفر عليه‌السلام قال قال لي تروي مايروي النّاس انّ عليا عليه‌السلام قال في سلمان ادرك علم الاوّل و الآخر قلت نعم قال فهل تدري ما عني قال قلت يعني علم بني‌اسرائيل و علم النّبي صلي الله عليه و آله قال ليس هكذا يعني و لكن علم النّبيّ9 و علم عليّ عليه‌السلام و امر النّبي و امر عليّ صلوات الله عليهما فاذا كان هذا حاله فقد ادخلوه في جملتهم بالنسبة الي عامة الشيعة الذين نقصوا عن العصمة الذين من جملتهم ابوذرّ لانه ليس من المتعلمين بالنسبة الي هؤلاء الشيعة بل هو من العلماء فاذا كان هذا حاله لايحتمل ابوذرّ ما اضمر عليه قلب سلمان و مثل هذا ما روي عن عبدالرحمن بن اعين قال سمعت اباجعفر عليه‌السلام  يقول كان سلمان من المتوسّمين و معلوم ان المتوسّمين آل محمد الطيبون صلي الله عليه و عليهم كما روي عنهم عليهم السلام و المتوسّم من ينظر بنور الله و التوسم هو الفراسة المذكورة في الحديث و عن ابي‌بصير قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول سلمان علم الاسم الاعظم و قول اميرالمؤمنين عليه‌السلام يا اباذرّ سلمان باب الله في الارض من عرفه كان مؤمناً و من انكره كان كافراً و انّ سلمان منّا اهل البيت و عن ابي بصير عن ابي‌عبدالله7 (قال خ‌ل) كان والله عليّ محدثاً و كان سلمان محدّثاً قلت اشرح لي قال يبعث الله اليه ملكاً ينقر في اذنه يقول كيت و كيت و هذا الملك روح القدس لما روي حين بعث النبي9عليّاً في سنة حجة الوداع الي اليمن ليقبض الحلل التي عاهد عليها نصاري نجران و قد سئل بما معناه بم يحكم عليّ و هو غائب عنك وقد ينزل الوحي

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 574 *»

بخلاف الحكم السابق فاجاب9كان روح القدس يلقي عليّاً و يلقي سلمان و لاينافي ما اردناه من هذه الرّوايات ما روي عن الصّادق 7 انّه قال في الخبر الذي روي فيه انّ سلمان محدّثاً عن امامه لا عن ربه لانه لايحدّث عن الله عزوجل الا الحجة لأن الملك الذي يحدّثه انّما يكون ببعث الحجة المطلق لانه صاحب الولاية المطلقة و لو كان محدثا بغير واسطة الامام عليه‌السلام لكان مساوياً له و لايقول به احد لانه من شيعته (الشيعة خ‌ل) لا ان الشيعة علي اقسام ثلثة الاول السابقون من الخصيصين و هم الانبياء عليهم السلام كابراهيم قال تعالي و انّ من شيعته لابراهيم و الثّاني المقتصدون من الخصيصين كسلمان و الثّالث الخواصّ كابي‌ذر لكن لمّا كان سلمان في الدّرجة العاشرة من الايمان و ابوذر في الدرجة التاسعة من الايمان لم‌يحتمل ما يحتمله سلمان و لمّا كان سلمان من الخصيصين كان الملك يحدّثه عن امامه و لم‌يكن ابوذر محدّثاً لانه من الخواص و لايبلغ رتبة الخصيص و قولنا قبل ان‌ّ سلمان من العلماء في بعض الاحوال نشير به الي انّه من اهل البيت:بالنسبة الي سائر الشيعة الذين يدخل فيهم ابوذر لا في كل حال و اين سلمان من قول الله عزوجل و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله (من قول الله تعالي قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان‌تنفد كلمات ربي و لوجئنا بمثله مدداً خ‌ل) و في ماذكرنا من الاحاديث ابحاث و توجيهات يطول بها الكلام و يخرج عن المقام

والحاصل انّ المراد انّ اباذر لايحتمل معتقدات سلمان في معرفة الله عزّ و جلّ و معرفة نبيه صلّي الله عليه و آله و معرفة‌ ائمته عليهم السلام و معرفة اسرار الدين و التّكاليف و المراد من اوامر الله و نواهيه و خطاباته و مواعظه و امثاله و سريان افعاله في مصنوعاته و اسرار كتابه و غير ذلك بحيث لو اطّلع علي بعض ما عند سلمان فيها انكر و جحد و ربّما قتل سلمان كما روي ايضاً و بعض العلماء جعل ماينكره ابوذرّ من معاجز سلمان و يستدلّ علي ذلك بما رواه جابر عن ابي‌جعفر عليه السّلام قال دخل ابوذرّ علي سلمان و هو يطبخ قدراً له فبينا هما يتحدثان اذا انكبّت القدر علي وجهها علي الارض فلم‌يسقط من مرقها و لا

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 575 *»

من ودكها شيء فعجب من ذلك ابوذرّ عجباً شديداً و اخذ سلمان القدر فوضعها علي حالها الاول علي النار ثانية و اقبلا يتحدثان فبينا هما يتحدّثان اذا انكبّت القدر علي وجهها فلم‌يسقط منها شيء من مرقها قال فخرج ابوذرّ و هو مذعور من عند سلمان فبينما هو متفكّر اذ لقي اميرالمؤمنين عليه‌السلام علي الباب فلمّا ان بصر به اميرالمؤمنين عليه‌السلام قال له يا اباذر ما الّذي اخرجك من عند سلمان و ما الّذي ذعرك فقال ابوذرّ يا اميرالمؤمنين رأيت سلمان صنع كذا و كذا فعجبت من ذلك فقال اميرالمؤمنين عليه‌السلام يا اباذرّ ان سلمان لو حدّثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان يا اباذر انّ سلمان باب الله في الارض من عرفه كان مؤمناً و من انكره كان كافراً و انّ سلمان منّا اهل البيت هـ ، و مثل ما روي انّه رآه قد وضع رجله تحت القدر مكان الحطب و النّار تشتعل فيها و يطبخ بها القدر و امثال ذلك و لايخفي انّ هذا مما يتعجّب منه و يذعر منه بل يمكن توجيه التكفير او القتل بهذا كان يظن فيها السحر و لكن مع التأمل للاحاديث (في الاحاديث خ‌ل) يظهر لك انّ المراد به ما اشرنا اليه لا هذا و بعض من العلماء حمل الاحاديث علي انّ معناها انّ اباذر لو علم ما في قلب سلمان من المعرفة و التّقوي و الايمان لمات من حبّ سلمان و يجعل الضمير في قتله الي ابي‌ذرّ و هو مع ما فيه من التكلف و البعد عن ظاهر الحديث و باطنه لو سلّم في لقتله (قتله خ‌ل) لم‌يسلّم في لكفّره و بالجملة فالمعني الذي اشرنا اليه ان شاء الله تعالي ظاهر لمن فهم كلامنا و كتب احمد بن زين الدّين الاحسائي.

الحديث التّاسع: روي شيخ الطّائفة محمّد بن الحسن الطّوسي; بسند صحيح عن الصّادق7 انّه قال لاينقض الوضوء الا حدث و النوم حدث.

اقول: هذا الحديث دالّ علي انّ النّوم ينقض الوضوء لانه حدث و الحدث ينقض الوضوء اما انه حدث فلنص الصّادق عليه‌السلام في هذا الحديث علي ذلك و الاصل في الاستعمال الحقيقة لايقال انّ العرب لاتعرف ذلك لانّا نقول انّ العرب انّما يعرفون من العربية القليل و هو مايحتاجون اليه في محاوراتهم و اكثر المعاني لايعرفونها مع انّها موجودة عند اهلها و انّما وصلت اليهم بتعليم الله

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 576 *»

سبحانه الذي خلق اللغة و انّما التّعليم بواسطة الالفاظ الموضوعة لها فالله سبحانه اخبر نبيه9 بانّ النوم حدث كما اخبره بان البول و الغائط حدث فهو في الحقيقة حدث شرعاً و لغةً اما في الظاهر فكما سمعت و اما في الحقيقة فلان النوم عبارة عن الوفاة الحادثة عن اجتماع النفس الحيوانية الحسية المتعلقة بالابخرة المتقوّمة بها الحرارة الغريزية في القلب و صرف وجهها الي جهتها العليا و يبقي شعاعها الذي هو الحرارة الغريزية متعلّقاً باقطار البدن و هو الرّابط للحيوة بالبدن حال النّوم فاذا انصرف نظرها عن اقطار البدن و اجتمع في القلب و توجّه الي العالم المثاليّ اظلمت تلك الاقطار و ذبلت و بردت و هو الحدث الاصغر لخروج نظر النّفس الذي هو ظاهرها عن اقطار البدن و اجتماعها في القلب و هو الموت الاصغر و اذا خرجت مع الابخرة بجميع الحرارة الغريزيّة عن تلك الاقطار و عن القلب حصل البرد الكلّي و الذبول التّام و الظلمة الغاسقة و هو الحدث الاكبر لخروجها مع الحرارة الغريزية الكامنة في النطفة و تلك الابخرة المتقوّمة بها الحرارة الغريزية هي المعبّر عنها بالنطفة التي خلق منها كما في حديث العلل و هو الموت الاكبر فكما انّ خروج المنيّ و دم الحيض مثلاً اللذين هما صفو الغذاء و مركب الحرارة الغريزية موجب للحدث الاكبر و خروج البول و الغائط اللذين هما ثفل الكيلوس موجب للحدث الاصغر لانهما ظاهر ذلك الصفوّ صفو الغذاء الذي هو الكيموس كذلك خروج الابخرة مع الحرارة الغريزية جميعها باصلها موجب للحدث الاكبر و خروج نظرها بوجه الحرارة الذي هو ظاهرها موجب للحدث الاصغر فالنّوم حدث في نفسه مثل حدث البول و الغائط فتفهّم ما اشرنا اليه تفهم

و اورد علي هذا الحديث اشكال لانه من ثاني الاشكال و شرطه اختلاف المتقدّمتين كيفاً و كليّة كبراه و الاولي علي ما يظهر منها مركّبة من سالبة و هي لاينقض الوضوء غير الحدث و من موجبة و هي ينقض الوضوء حدث فلمّا تضمّنت الصّغري المقدّمتين المذكورتين تعذّر علي ظاهر ذلك الانتاج امّا علي الاولي فلعدم تكرّر الوسط لانّ غير الحدث ليس بحدث و امّا علي الثانية فلعدم شرط الانتاج و هو

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 577 *»

الاختلاف كيفاً و الجواب انّه ليس المراد بالحدث حدثاً معيناً  و لا حدثا مّا بل المراد به كلّ حدث كما هو ظاهر فتكون في قوّة كلّ حدث ناقض للوضوء فيصير من الشّكل الرّابع فحصل شرطه و هو ايجاب المقدمتين و كليّة الصّغري فينتج او يعكس فيكون من الشّكل الاوّل فينتج علي انّه اذا اريد بمحمول الصّغري العموم كما هو المراد من كلامه عليه السّلام كان محمول الكبري احد افراده و يكون الوسط متكرراً فلاحاجة الي ردّه الي الرّابع او الاول لان النوم حدث في الحقيقة بحكم الكلية لاستغراق حرف التّعريف و النّوم في الحقيقة حدث كما تقدّم بيانه ثمّ ان النوم الغالب علي الحاستين ناقض للطهارة باجماع الفرقة المحقّة بعد الصدوقين كما نقله اكثر العلماء عن الصّدوقين و الموجود في الفقيه في باب ما ينقض الوضوء من رواية زرارة عنهما عليهما السلام الي ان قال من غائط او بول او منيّ او ريح و النّوم حتي يذهب العقل (بالعقل خ‌ل) و لاينقض الوضوء ماسوي ذلك و هذا صريح بانّ النوم ناقض عنده لاسيما مع ذكره في هذا الكتاب الذي اعتماده علي ما يورده فيه نعم اورد بعد ذلك رواية سماعة و هي دالة علي ما نقل عنه ظاهراً و لعلّه اراد منها ما لم‌يذهب عقله فانه اذا ذهب عقله في الغالب انفرج و لايكاد يستمسك بدليل ما ذكره في المقنع فأنه قال فيه و ان نمت و انت جالس في الصلوة فان العين قد تنام من العبد و الاذن تسمع فاذا سمعت الاذن فلابأس و هو شاهدٌ لما قلنا له نعم بعد هذا الكلام ظاهر كلامه انّما الوضوء مما وجدت ريحه او سمعت صوته يدلّ باداة الحصر علي انّ‌ النّوم عنده ليس بناقض في نفسه و انّما ينقض لانّه مظنّة للنّاقض فلو قيل انه انما خالف الاصحاب في كونه ناقضاً بنفسه لم‌يكن بعيداً كما في المقنع و امّا انّه عنده ليس بتناقض مطلقاً فلا كما نقلنا عنه و نقل بعض عنه انّه ادعي في الخصال الاجماع علي النقض به و بالجملة فهو ناقض بالاجماع و كتب احمد بن زين الدين الاحسائي.

الحديث العاشر: روي ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني في الكافي بسنده عن الباقر 7 قال قال لمّا اسري بالنّبي 9 قال يا ربّ ما حال المؤمن

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 578 *»

عندك قال يا محمد9 من اهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة و انا اسرع شيء الي نصرة‌ اوليائي و ما تردّدت في شي ءانا فاعله كترددي في وفاة المؤمن يكره الموت و اكره مساءته و انّ من عبادي من لايصلحه الا الفقر و لو صرفته الي غير ذلك لهلك و ما يتقرّب اليّ عبدي بشيء احبّ مما افترضت عليه و انه ليتقرّب الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الّذي ينطق به و يده الذي يبطش بها ان‌دعاني اجبته و ان سألني اعطيته.

اقول: اما اول الحديث و هو قوله تعالي من اهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة الخ، فظاهر و اما قوله و ما تردّدت في شيء انا فاعله ففيه وجوه في الجواب عن الاشكال الوارد علي نسبة التردد اليه سبحانه فان المعروف من اللغة ان التردد في الامور انما يكون للجهل في عواقبها او لعدم الثقة بالتّمكن منها لمانع و نحوه من اقتضاء للجانب اقوي او انقضاء مقتضي العقل و الله سبحانه اجلّ و اعظم (اعظم و اجل و اكرم خ‌ل) من ذلك و كذلك قوله تعالي كنت سمعه الذي يسمع به الخ، فانّه يرد عليه انّ ظاهره الاتحاد و هو ممتنع و ممنوع منه عقلاً و نقلاً ففي الجواب عن الاول وجوه:

الاوّل ما ذكره محمّدباقر الداماد تغمّده الله برحمته و ملخّصه انّ التردّد انّما يكون في الفعل لتعارض اسبابه المرجّحة لاحد طرفيه و اطلق المسبّب و اريد به السّبب و معني ذلك انّ قبض روح المؤمن خير بالنسبة الي نظام الوجود و شر من حيث مساءته لان الموت يسوؤه فكان ذلك الخير الذاتي مقتضياً للفعل و الشرّ العرضي مقتضياً لترك الفعل فهذان الاقتضاءان هما منشأ التردّد المشار اليه بالنسبة الي نفس الفعل و نفس التّرك.

و الثّاني ما اشار اليه الملا محسن الكاشاني و ملخّصه ان القوي المنطبعة الفلكية لم‌تحط بتفاصيل ما سيقع في الامور دفعة لعدم تناهي تلك الامور كما لو انتقش فيها انّ عمر زيد عشر سنين ان لم‌يتصدق و ان تصدّق فعمره عشرون سنة فقد تنتقش فيها العشر لبعض العمارات ثم يتصدّق فتنمحي العشر و تنتقش

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 579 *»

العشرون و قد يزني فتنمحي العشرون و تنتقش خمس عشرة فهذا المحو و الاثبات هو التردد و انّما نسب اليه لانّ ذلك جري باراداته.

و الثالث ذكره (ما ذكره خ‌ل) البهائي ; و هو انّ في الكلام اضمارا و التقدير لو جاز علي التردد كنت ما تردّدت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح الخ.

و الرابع ذكره (ما ذكره خ‌ل) البهائي ايضاً و هو انّه لمّا جرت العادة بان يتردّد الشخص في مساءة من يحترمه مثل الصديق الوفي و الا (ان لا) يتردّد في مساءة من ليس له عنده قدر كالحية و العقرب فيكون معني التردد هنا علي هذا التاويل انه ليس لاحد عند حرمة مثل عبدي المؤمن و هذان الوجهان ذكر معناهما (ذكرهما خ‌ل) في الاربعين فجعل معني الكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.

و الخامس ذكره ايضاً في الاربعين و ملخّصه انّه قد ورد من طريق الخاصة و العامّة ان الله سبحانه يظهر للعبد عند الاحتضار من اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة ماينسي معه كراهة الموت و يرضي بنزوله به فاشبهت هذه المعاملة من يريد ان‌يؤلمه الماً يتعقّبه نفع عظيم فهو يتردّد في انّه كيف يوصل ذلك الالم اليه علي وجه لايتأذي به فلايزال يرغّبه بتلك الالطاف و البشارات حتي يحب الموت فهذا معني التردّد.

و السادس ذكر (ما ذكره خ‌ل) الشهيد في قواعده نقله عن بعض الفضلاء انّ التردّد انّما هو في الاسباب بمعني انّ الله تعالي يظهر للمؤمن اسباباً تغلب علي ظنه دنوّ الوفاة ليصير الي الاستعداد للآخرة استعداداً تاماً و ينشط للعمل ثم يظهر له اسباباً توجب البسط في الامل فيرجع الي عمارة الدنيا بما لابدّ منه و لمّا كان ذلك بصورة التردّد اسند التردد اليه تعالي حيث انه فاعل للتردد في العبد قال ;و هو مأخوذ من كلام بعض القدماء الباحثين عن اسرار كلام الله تعالي فالتردّد في اختلاف الاحوال لا في مقدار الآجال انتهي،

 اقول قال الشيخ يوسف بن الشيخ احمد البحراني صاحب كتاب الحدائق في الدّرة الرابعة عشرة من

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 580 *»

الدرر النجفية و لايخفي ما فيه من البعد و التكلف و انا اقول لايخفي علي من كان من اهل البصيرة بان هذا الوجه اقرب من كل الوجوه المتقدمة و لكن اكثر الناس لايعلمون.

و السابع نقله الشهيد;في القواعد و هو انّ الله لايزال يورد علي المؤمن اسباب حبّ الموت حالاً بعد حال ليؤثر الموت فيقبضه مريداً له و يراد تلك الاحوال من غير تعجيل بالغايات من القادر علي التّعجيل و ذلك يكون تردّداً بالنسبة الي قادرية المخلوقين فهو بصورة التردّد و ان لم‌يكن ثمّة تردد و يؤيده الخبر المرويّ ان ابراهيم7 لمّا اتاه ملك الموت ليقبض روحه و كره ذلك اخره الله تعالي الي ان رأي شيخاً ياكل و لعابه يسيل علي لحيته فاستفضح (فاستقبح خ‌ل) ذلك و احبّ الموت و كذلك موسي7 اقول و قد الحقه صاحب الدّرر النجفية بسابقيه في عدم رفع الاشكال و انا اقول انّه كسابقه قريب.

و الثامن نقله بعض علمائنا عن بعض علماء العامّة و هو انّ معناه ما تردّد عبدي المؤمن في شيء انا فاعله كتردّده في قبض روحه فانه متردد بين ارادته للبقاء و ارادتي للموت فانا الطفه و ابشّره حتي اصرفه عن كراهة الموت فاضاف سبحانه نفس تردّد وليّه الي ذاته المقدّسة كرامة و تعظيماً له كما يقول سبحانه غدا يوم القيمة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصير تعهّد وليّ من اوليائه عبدي مرضت فلم‌تزرني فيقول كيف تمرض و انت رب العالمين فيقول مرض عبدي فلان فلم‌تعده و لو عدته لوجدتني عنده.

و التّاسع ما ذكره بعض الاعلام انّ فعل الله لما كان غيرمسبوق بمادة و مدّة و ليس بتدريجي الحصول بل آني الوجود كما قال سبحانه انّما امره اذا اراد شيئا ان‌يقول له كن فيكون فاشار بقوله ما تردّدت في شيء انا فاعله الحديث، الي انّ افعاله ليس فيها تردّد بمعني ان‌يفعله الحال او سيفعل الملزوم للتراخي في الفعل مثل هذا الفعل الذي هو قبض روح عبده المؤمن فان فيه التراخي و ليس مثل سائر الافعال التي كان حصولها منه تعالي بمجرّد امر كن فكان هذا

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 581 *»

الفعل مستثني من سائر الافعال اي ليس في كل افعاله تردّد ملزوم للتراخي في الفعل الا في قبض روح عبده المؤمن فان فيه التراخي فقد ذكر الملزوم و اراد اللازم و معني التشبيه راجع الي الاستثناء الخ.

و العاشر ماذكره بعض علماء العامة و هو انّ ترددت في اللغة بمعني رددت مثل قولهم فتذكّرت و دبّرت فتدبّرت (ذكره فتذكره و دبره فتدبره خ‌ل) فكانه يقول مارددت ملائكتي و رسلي في امر حكمت بقوله ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فاردّدهم في اعلامي بقبضي له و تبشيره بلقائي و ما اعددت له عندي كما رددت ذلك الموت الي ابرهيم7 و موسي7 في القضيتين المشهورتين الي ان اختار الموت فقبضهما الخ.

و الحادي عشر ماذكره بعض علمائهم ايضاً و هو ان المعني مارددت الاعلال و الامراض و البرؤ و اللطف و الرفق حتي يري بالبرء عطفي و كرمي فيميل الي لقائي طمعا و بالبلاء و العلل فيتبرّم بالدنيا و لايكره الخروج منها انتهي، اقول في هذا القول قربٌ.

و الثاني عشر قال الشيخ يوسف المذكور الذي خطر (و الذي سنح خ‌ل) بالبال العليل و الفكر الكليل هو ان‌يحتمل ان‌يراد بذلك الاشارة الي ما في لوح المحو و الاثبات من المعلومات المنوطة بالاسباب و الشروط نفيا و اثباتا فانه اشبه شيء بالتردد الخ،

اقول هذا المعني هو ما اشار اليه الملا محسن و هو الوجه الثاني و كان الشيخ يوسف هذا قد ردّه و ضعّفه و جعله من كلام الصوفية قال هنالك فماذكره في هذا المقام بناء علي قواعد المتصوفة و الفلاسفة و فسّر به اخبار اهل الذكر عليهم السلام مختلّ النظام منحلّ الزمام و هؤلاء لو لعبهم (لو لعهم خ) باصول الفلاسفة و الحكماء التي جرت عليها الصوفية يزعمون تطبيق اخبار اهل البيت عليهم السلام كما وقع من هذا المحدث في غير موضع من كتبه و هو جمع بين النقيضين و تاليف بين المتباغضين و من اين الي اين انتهي كلامه رحمه الله، و لاشك انه بعد طعنه علي الملامحسن هذا الطعن العظيم لم‌يقع في خاطره الا ما قرّره الملا محسن فاعتبروا يا اولي الابصار

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 582 *»

و اقول و الذي افهم في معني هذا الحديث ان الله سبحانه جري بلطيف رأفته في خلقه ان‌يعاملهم باللطف و الرأفة و الرحمة فيفعل في كلّ شيء من مفعولاته بما يحسن بهم و لهم حتي يتمّ عليهم جزيل نعمه ففي الحقيقة هذا مستلزم للتردّد في افعاله لانه اذا اراد ان‌يفعل شيئاً فعله علي ما هو عليه من قابليته و القابلية تتوقف علي ستة اشياء لا اقلّ منها بل تزيد و هذا حكم جار في كل شيء الوقت و المكان و الجهة و الرتبة و الكم و الكيف و قد تزيد باشياء كثيرة كالنّسب و الوضع و الاذن و الاجل و الكتاب و غير ذلك و هذه الاشياء في كلّ شيء بحسب و هي (بحسب ما هي خ‌ل) في انفسها مختلفة فيجب ان‌تكون اسبابها مختلفة فقد تكثّرت افعاله سبحانه في ايجاد الشيء و مشخّصاته و اسبابه و هذا تردّد حقيقة الا انها في المؤمن عند قبض روحه اعظم و ذلك لانه لما جرت حكمته (حكمة الله سبحانه خ‌ل) و حقّت كلمته انّ من كره لقاءه الذي سبيله الموت كره لقاءه و من احبّ لقاءه سبحانه احب لقاءه و المؤمن يحبّ الله لقاءه و هو يكره الموت و كراهة الموت توجب كراهة لقاء الله فلطف به ليجلبه الي لقائه فمرة اغني عبده المؤمن و مرّة افقره و مرّة امرضه و مرّة عافاه و مرّة ابتلاه في ولده و احبّائه و مرّة حفظ عليه و ذلك لانه اذا اغني عبده و خيف عليه رغبته في الدنيا افقره و اذا خيف عليه القنوط اغناه و اذا خيف عليه الركون الي الدنيا افقره و اذا خيف عليه اليأس و سوء الظن به سبحانه اغناه و كذلك في جميع احواله و مايعنيه و ينسب اليه و لايزال بفعل به كذلك حتّي يعرف خساسة البقاء في الدنيا و يري ان الخروج عنها اولي لما يري من كثرة تقلّبها و تنكّرها فيحبّ لقاء الله و الموت و من احبّ لقاء الله احب الله لقاءه و هذه التقلبات تردّد الله في قبض روحه و هذا صريح قوله تعالي يكره الموت و اكره مساءته لاني اذا قبضت روحه ح وجبت مساءته في الحكمة و حق الكلمة و قد اشار الي هذا المعني سيد الشهداء7 يوم عاشورا لاصحابه فاذا عرفت هذه الكلمات لم‌تطلب في معني الحديث غيرها فخذ ما آتيتك و كن من الشاكرين و الحمدلله رب العالمين.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 583 *»

و امّا الاشارة الي معني كنت سمعه الذي يسمع به الخ، ففيه ايضاً وجوه الاول ماذكره الشيخ البهائي قال لاصحاب القلوب في هذا المقام كلمات سنية و اشارات سرية و تلويحات ذوقية تعطّر مشام الارواح و تحيي رميم الاشباح و لايهتدي الي معناها و لايطلع علي مغزاها الا الذي تعب (تعب نفسه خ‌ل) في الرياضات و عنّي (غير خ‌ل) نفسه بالمجاهدات حتي ذاق مشربهم و عرف مطلبهم و امّا من لم‌يفهم تلك الرموز و لم‌يهتد الي تلك الكنوز لعكوفه علي الحظوظ الدنية (الدنيوية خ‌ل) و انهماكه في اللذات البدنية فهو عند سماع تلك الكلمات علي خطر عظيم من التردّي في غياهب الالحاد و الوقوع في مهاوي الحلول و الاتحاد تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً و نحن نتكلم في هذا المقام بما يسهل تناوله علي الافهام فنقول هذا مبالغة في القرب و بيان لاستيلاء سلطان المحبّة علي ظاهر العبد و باطنه و سرّه و علانيته فالمراد و الله اعلم انّي اذا احببت عبدي جذبته الي محلّ الانس و صرفته الي عالم القدس و صيّرت فكره مستغرقاً في اسرار الملكوت و حواسّه مقصورة علي اجتلاء (احتذاء خ‌ل) انوار الجبروت فيثبت ح قدمه و يميّز (و ينبت ظ) بالمحبة لحمه و دمه الي ان‌يغيب عن نفسه و يذهل عن حسّه فتتلاشي الاغيار في نظره حتي اكون بمنزلة سمعه و بصره كما قال من قال:

جنوني فيك لايخفي و ناري فيك لاتخبو
فأنت السمع و الابصار و الاركان و القلب

انتهي كلامه.

و الثّاني قال بعض العلماء انّ صاحب الشجرة الكلية ذكر في بيان الاتحاد الصحيح و الفرق بينه و بين الباطل مايصلح ان‌يكون بياناً لقوله تعالي كنت سمعه الذي يسمع به حيث قال كما انّ النفس حالة التعلق بالبدن يتوهم انها هو و انها فيه و ان لم‌تكن هو و لا فيه فكذلك النفس اذا فارقت البدن و قطعت تعلقها عن شدة قوتها و نوريتها و علاقتها العشقية مع نور الانوار و الانوار العقلية يتوهّم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 584 *»

انّها هي فتصير الانوار مظاهر النفوس المفارقة كما كان الابدان ايضاً فهذا هو معني الاتحاد لا صيرورة الشيئين شيئاً واحداً فانه باطل انتهي، ثم قال و هو قريب من الاولي في المعني.

و الثالث ماذكره الملا محمد صالح المازندراني في شرح (في شرحه علي خ‌ل) اصول الكافي حيث قال و الذي يخطر بالبال علي سبيل الاحتمال اني اذا احببته كنت كسمعه الذي يسمع به و كبصره الخ، في سرعة الاجابة و قوله ان دعاني اجبته اشارة الا وجه التشبيه يعني اني اجيبه (اجبته خ‌ل) سريعاً ان دعاني الي مقاصده كمايجيبه سمعه عند ارادته سماع المسموعات و بصره عند ارادته ابصار (رؤية ‌خ‌ل) المبصرات و هكذا و هذا قول الناس المعروف بينهم فلان نور عيني و نور بصري و يدي و عضدي و انما يريدون التشبيه في معني من المعاني المناسبة للمقام و يسمون هذا تشبيهاً بليغاً بحذف الاداة مثل زيد اسد.

و الرابع ماذكره الملا محمّد صالح المازندراني بعد الكلام الاول (الملا محمد صالح المذكور علي سبيل الاحتمال بعد كلامه الاول خ‌ل) علي سبيل الامكان قال و يمكن ان‌يكون فيه تنبيه علي انّه عزوجل هو المطلوب لهذا العبد المحبوب عند سمعه المسموعات و بصره المبصرات و ينتهي اليّ فلايصرف شيئاً من جوارحه فيما ليس فيه رضائي و اليه اشار بعض الاولياء بقوله مارأيت شيئاً الا و رأيت الله قبله انتهي.

و الخامس مانقل عن الملا محسن الكاشاني في بعض تعليقاته حيث قال و الّذي يخطر ببالي القاصر انّ معني كنت سمعه الذي يسمع به و يده الذي (التي خ) يبطش بها الخ، انّ العبد اذا ائتمر بالاوامر و انزجر بالنواهي كان بمنزلة من لايسمع شيئاً الا ما امر ربه بالسّماع و لايبصر ببصره شيئاً الا ما امر ربّه بالرؤية و لاتأخذ يده شيئاً الا ما امر ربه بالاخذ فكان العبد كالشخص المقرب عند ملك عظيم الشأن يكون فعله فعل الملك من غاية قربه و اطاعته و الله عز شأنه منزّه عن السّمع و البصر و اليد و الحلول و الاتحاد تعالي الله عن ذلك علوّاً

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 585 *»

كبيراً فاذا كان العبد راسخاً في الاطاعة لله سبحانه (راسخاً في اطاعة ربه خ‌ل) يكون ماسمع العبد كانه سمع الله و مارأي كانه رؤية الله و مابطش كانه بطش الله لغاية امتثاله و انزجاره فمثله كمثل الملك يامر بضرب واحد و اهانته و اعطاء احد و كرامته و الذي يضرب و يهين غير الملك و كذا من يعطي و يكرم غيره و يقال في العرف انّ الملك ضرب فلاناً و اهانه و اعطي فلاناً و اكرمه فكان محلّ الضارب و المعطي (المكرم خ‌ل) فعله انتهي،

قال بعض العلماء و يشبه ان‌يكون هذا النقل عن المحدث الكاشاني اشتباهاً و سهواً فانه لايشرب مشربه في امثال هذه المقامات كمالايخفي علي من لاحظ كلامه في حلّ الاخبار المجملات و المتشابهات الواردة من هذا القبيل كيف و قد قال في اصول الوافي في ذيل هذا الخبر ما صورته و امّا معني التقرب الي الله و محبّة الله للعبد و كون الله سمعه و بصره و لسانه و يده ففيه غموض لاتناله افهام الجمهور و قد اودعناه في كتابنا الموسوم بالكلمات المكنونة و انّما يرزق فهمه من كان من اهله انتهي،

اقول هذا الكتاب الموسوم بالكلمات المكنونة لم‌يكن عندي و لكنّي رايته مرة واحدة و نظرت فيه قليلاً و هو مبنيّ علي القول بوحدة الوجود الممنوع من اعتقادها شرعاً و يريدون بها اهل التصوف انّ الوجود هو الوجود الحق وحده و ليس شيء غيره و امّا ماتري من هذه الكثرات فهي اوهام فالشيء مركب من وجود الله تعالي و من مشخصات وهمية حتي انه قال في هذا الكتاب انه سبحانه ما اوجد الا ذاته و لاشك في فساد هذا الاعتقاد و بطلانه بل القول به كفر و انّما الحق ان وجودات الاشياء محدثة اوجدها الله لا من شيء فالشيء مركب من وجود مخترع و من ماهية مجعولة محدثة و ان الحوادث بجميع اكوانها من وجود و ماهية و مشخصات كلها في نفسها من حيث هي مستقلة ثابتة بامرالله لابنفسها قائمة بامره سبحانه قيام صدور لا قيام عروض و الله سبحانه منزه عن جميع ذواتها و صفاتها و احوالها ليس فيها و ليست فيه و لا بائن منها بينونة عزلة والذي يخطر ببالي ان مشربه في هذه المسألة في مثل هذا الكتاب ان العبد اذا احبّه الله و انقطعت عنه اعتبارات انيته في جميع افعاله

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 586 *»

بقي اعتبار وجوده في جميع افعاله من سمع و بصر و بطش و وجوده هو الله عنده فيكون الله هو سمعه و بصره حقيقة لانه لماكان مركباً من وجود هو الله و من ماهية هو هويته فاذا انقطع اعتبار الموهوم بقي اعتبار المعلوم و هذه طريقة اهل التصوف و لقد اشار استادهم مميت الدين ابن عربيّ الي هذا المعني في فتوحاته المكية في اوّ ل الباب المائتين و احدي و ثمانين منها في قوله:

صلوة العصر ليس لها نظير لنظم الشمل فيها يا حبيبي
هي الوسطي لأمر فيه دور يحصّله علي امر عجيب

قال في الاشارة‌ الي بيان هذا البيت مامعناه انّه قد كان حقّ لاخلق فيه و خلق لا حقّ فيه جمعاً و عصر منهما الانسان فالانسان حق و خلق و مثل ذلك ما ذكره في الفصوص حيث قال:

فانا اعبد حقاً و انّ الله مولانا
و انّا عينه فاعلم اذا ما قيل انساناً
فلاتحجب بانسان فقد اعطاك برهاناً
فكن حقّاً و كن خلقاً تكن بالله رحماناً

الي آخر كلامه فانه صريح بالاتحاد (في الاتحاد خ‌ل) و انّ الاتحاد لايريدون به صيرورة الشيئين شيئاً واحداً بل يريدون ان الوجود واحد قد تعرض له الصور و الاعراض و هي موهومة فالوجود في الحق و الخلق واحد تعالي الله عمّا يقول الجاحدون (الظالمون خ‌ل) علواً كبيراً.

و السادس مانقله بعض الافاضل من انّ العبد لايسمع الا بحقّ و لاينظر الا بحقّ و الي حقّ و لايبطش الا باذن الحقّ و لايمشي الا الي مايرضي به الحق و هو الحقّ الموالي و المؤمن حقاً و الذي زاح عنه كلّ باطل و صار مع الحقّ و هو الحقّ المولي و المؤمن حقّاً و الّذي زاح عنه كلّ باطل و صار مع الحق واقفاً و انا اقول انّ‌ الذي افهمه انّ المحبة من الله سبحانه للعبد تكون بنسبة مقامه عند ربّه فاذا بلغ بالطّاعات الصادرة عن علم و بصيرة حتي رضي الله عنه و رضي عن

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 587 *»

الله كان مشابهاً لمبادي اسبابه حتي يتحصل له كل ما طلب بقوة نفسه فيظهر ما في غيبه الي شهادة (شهادته خ‌ل) كما انّ اسبابه تصدر عنها سائر اكوانه بالله من وجود و ماهية و عين و تقدير و غير ذلك في ذاته و صفاته و افعاله و الي هذا الاشارة بقول اميرالمؤمنين عليه‌السلام و خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكّيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها و اذا بلغ كمال الاعتدال و أنتفاء الاغيار و الاحوال حتي يعتدل مزاجه و يكون وجوده نور الله كان علّة لمادونه من الموجودات لانه ح محلّ مشية الله تعالي للكائنات و الي هذا الاشارة بقول اميرالمؤمنين عليه‌السلام فاذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شاركت بها السبع الشداد هذا علي سبيل الاجمال و التلويح و امّا علي سبيل البيان و التصريح فيحتاج الي تقديم كلمات لايعرف المطلوب علي الحقيقة الا بعد معرفتها و هي:

اعلم انّ الصفات التي نتكلم علي متعلقاتها من صفات الله سبحانه فمرادنا بها صفات الافعال و اما صفات الذات فليس لها معني لا في الواقع و لا في الفرض و الاعتبار الا الذات حتي لو حاول الخلائق ان‌يفرضوا او يعتبروا او يقدّروا شيئاً في الازل غير الذات و لو بالفرض و العبارة ما وقع وهمهم و فرضهم الا علي الحوادث لان القديم لايجوز فيه الفرض و التقدير فافهم ان‌كنت تفهم قال (قل خ) الله ثم ذرهم في خوضهم يعلبون فقولك انّ سمعها معناه حين كانت شيئاً و حين كانت شيئاً انّما هو في الامكان و لايقع السّمع و البصر علي ما ليس شيئا فمعني كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به انّ العبد يسمع بالله يعني يسمع بسمع الله و يبصر بالله يعني يبصر ببصر الله انّه يكون محل فعل الله فيما له فلا اعتبار لذاته في السمع و لا (لا في خ‌ل) البصر وانّما سمعه بفعل الله و كذلك بصره بفعل الله فالمدرك لمسموع العبد محبوب هو سمع الله الذي هو فعله لان الذات البحت لاتقع علي الحادث و انّما يقع فعله علي انّ ظاهر قوله كنت سمعه انه قبل المحبّة لم‌يكن كذلك فكانت حالة لم‌تحصل للذات قبل المحبة و الذات البحت لم‌يختلف احوالها و لم‌يسبق لها حال حالاً و لم‌تفقد

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 588 *»

في ذاتها شيئاً ذاتياً و انّما هذه الحال المتجدّدة فعله و يؤول حاصل ما قلنا من (قلنا الي خ‌ل) انّ العبد المحبوب يسمع بالله يسمع بفعله يعني انّه محل فعل الله فالله يسمع له و يبصر له و يبطش (يبطش له خ‌ل) بل الله يسمع بالعبد و يبصر به و يبطش به و هذه حال العبد المحبوب الكامل في محبّة الله فان فهمت المراد ارتفع عنك الايراد و الا فلايزول الاشكال و الحمد لله رب العالمين و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الحادي‌عشر: روي عن النبي9 انّه قال انّ قلوب بني‌آدم كلّها بين اصبعين من اصابع الرّحمة يصرفها كيف يشاء.

اقول: روي من طرق العامة ان قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن و المعني في الروايتين واحد و الطريقان متشابهان و نحن علي تقدير صحّة الورود فنقول المراد بالرحمة الرحمة الواسعة تشتمل علي الفضل و العدل لا الرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين فالرحمة الواسعة العامة هي طبق الوجود الحادث ذاتية ذاتيّها و عرضية عرضيّها فالجانب الايمن منها هو الفضل و الرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين يوم القيمة و الجانب الايسر منها هو العدل و قد يطلق علي الغضب فقول الله سبحانه سبقت رحمتي غضبي اذا اوّل بالوجود كان الفضل و مقتضاه و ما يرتبط به الذي قلنا انه الجانب الايمن قبل الجانب الايسر الذي هو العدل و مقتضاه و ما ارتبط (يرتبط خ‌ل) به و اعلم ان الملائكة و جميع الخيرات من جهة الرحمة المكتوبة التي هي الفضل و هو الجانب الايمن من الرحمة الواسعة و الشياطين و جميع الشرور من جهة العدل الذي هو الجانب الايسر من الرحمة الواسعة

ثم اعلم ان الله سبحانه خلق قلب الانسان و جعل له اذنين فجعل علي الاذن اليمني ملكاً مؤيداً يوحي الخيرات و يجلب الطاعات الي العقل الذي هو في الجانب الايمن من القلب فهو في الجانب الايمن و سريره في الدماغ و تحت ذلك الملك جنود كثيرة من الملائكة يعينونه علي الخيرات و يقاتلون عنه الشياطين و جعل علي الاذن اليسري من القلب شيطاناً مُقَيَضاً يوحي الشرور و يجلب المعاصي الي النفس الامارة بالسوء التي هي في

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 589 *»

الجانب الايسر من القلب فهي في الجانب الايسر ناظرة الي جهة الثّري ناكسوا رؤسهم عند ربّهم كما انّ العقل ناظر الي المحلّ الاعلي من جهة النور يستمدّ من ربه و تحت ذلك الشيطان المقيض جنود كثيرة من الشيطان (الشياطين خ‌ل) يعينونه علي الشرور و يقاتلون عنه الملائكة و تفصيل هذا المقام يطول فمعني انّ قلب الانسان من جميع بني آدم بين اصبعين من اصابع الرحمة ان القلب بين اصبع من اصابع الفضل و هو الملك المؤيد و بين اصبع من اصابع العدل الذي هو ذلك الشيطان المقيّض و انما سمي الملك و الشيطان بالاصبع لتسمية الفضل و العدل باليدين و هذا هو معني قبض قبضة بيمينه و هي يد الفضل و قبض قبضة بشماله و هي يد العدل فالقلب بين الملك و الشيطان اللذين هما اصبعان من اصابع الرحمة يقلّبه بهما في تقديره و قضائه كيف يشاء من طاعة و معصية و سعادة و شقاوة و مثل هذا ما في الرواية‌ الاخري من قوله بين اصبعين من اصابع الرحمن و المعني واحد فان المراد به صفة‌ الرحمن و هي الرحمة الواسعة الشاملة للفضل و العدل و لو اريد الخاصة لقال الرحيم لان صفته خاصة و هي الفضل كما قال تعالي و كان بالمؤمنين رحيماً و لأجل كون صفة الرحمن عامّة قال الصادق7 و الرحمن اسم خاصّ بصفة عامّة فافهم و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الثاني عشر: روي ثقة‌ الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني; في الكافي عن ابي‌عبدالله7 قال اسلم ابوطالب بحساب الجمل و عقد بيده ثلثاً و ستّين.

اقول روي ابن بابويه في الحسن عن المفضّل بن عمر و هو عندي ثقة عنه7 في كتاب معاني الاخبار و روي بسنده عن ابي‌القاسم الحسين بن روح قدّس الله روحه فسأله رجل عن معني قول العبّاس للنبيّ9 انّ عمّك عباس قد اسلم بحساب الجمل و عقد بيده ثلثاً و ستّين فقال عني بذلك اله احد جواد و تفسير ذلك انّ الالف واحد و اللام ثلثون و الهاء خمسة و الالف واحد و الحاء ثمانية و الدال اربعة و الجيم ثلثة و الواو ستّة و الالف واحد و الدّال اربعة فذلك

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 590 *»

ثلثة و ستّون اقول هذا مبني علي قاعدة وضعها القدماء في مفاصل اصابع اليدين لضبط العدد من الواحد الي العشرة الآلاف و صورة الثلثة و الستين ان تثني الخنصر و البنصر و الوسطي من اليد اليمني للثلاثة الاعداد كما هو المعهود عند الناس في عدّ الواحد الي الثلثة الا انك تضع رؤوس الانامل في هذه العقود قريبة من اصولها و ان‌تضع ظفر ابهام اليمني علي باطن العقدة الثانية للسبابة كما يفعله الرامي و لا بأس بالاشارة الي بيان القاعدة فاعلم انّ الخنصر و البنصر و الوسطي من اليد اليمني لبيان عقود الآحاد الي التّسعة فقط و المسبّحة و الابهام منها لعقود العشرات الي التّسعين و الخنصر و البنصر و الوسطي من اليد اليسري لعقود المئات الي التسعمأة و المسبّحة و الابهام منها لعقود الآلاف الي التسعة الآلاف فالواحد ان‌تضم الخنصر تضمّ انملتها الي عقدها الاوسط مع نشر البنصر و الوسطي و الاثنان ان‌تضمّ البنصر مثل الخنصر معها و الثلاثة ان‌تضمّ الوسطي اليهما كذلك و الاربعة ان‌تنشر الخنصر وحده و تبقي الاثنين و الخمسة نشر البنصر مع الخنصر و ترك الوسطي مضمومة و السّتة نشر الخنصر و الوسطي و ضمّ البنصر و السبعة ان‌تجعل الخنصر فوق البنصر منشورة مع نشر الباقي ايضاً و الثمانية ضمّ الخنصر و البنصر فوقها و نشر الباقي و التسعة ضم الباقي اليهما فهذه تسع صور جمعت في ثلث اصابع الخنصر و البنصر و الوسطي فهذه (فهذه صور خ‌ل) الآحاد

و امّا العشرات فالعشرة ان‌تجعل ظفر المسبّحة في مفصل الابهام في جنبها و العشرون وضع رأس الابهام بين الابهام و الوسطي و الثلاثون ضمّ رأس المسبحة مع رأس الابهام و الاربعون ان‌تضع الابهام معكوفة الرأس الي ظاهر الكفّ و الخمسون ان‌تضع الابهام الي باطن الكفّ معكوفة الانملة ملصقة بالكف و الستون ان‌تنشر الابهام و تضمّ الي جانب الكفّ اصل المسبحة و السبعون عكف باطن المسحبة علي باطن رأس الابهام و الثمانون ضمّ الابهام و عكف باطن المسبّحة علي ظاهر انملة الابهام المضمومة و التسعون ضمّ المسبحة الي اصل الابهام و رفع الابهام عليها و اذا اردت آحاداً و اعشاراً عقدت من الآحاد ما شئت مهما شئت و اذا اردت اعشاراً بغير آحاد عقدت ما شئت من

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 591 *»

الاعشار مع نشر اصابع الآحاد كلها و اذا اردت آحاداً بغير اعشار عقدت في اصابع الآحاد ماشئت (عقدت ماشئت من الآحاد خ‌ل) مع نشر اصابع الاعشار

و امّا المئات فهي عقد اصابع الآحاد من اليد اليسري فالمائة كالواحد و المائتين كالاثنين و هكذا الي التسعمائة و امّا الألوف فهي عقد اصابع العشرات من اليد اليسري فالألف كالعشرة و الألفان كالعشرين الي التسعة الآلاف فاذا عرفت هذا تبيّن لك معني الحديث و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الثالث‌عشر: روي جابر عن ابي‌جعفر عليه‌السلام انّ عبداً مكث في النار يناشد الله سبعين خريفاً و سبعين خريفاً و الخريف سبعون سنة و سبعون سنة و سبعون سنة هـ ، فداك ابي و امّي لم لم‌يقل عليه‌السلام مائة و اربعين خريفاً و كذا مائتان و عشر سنين.

اقول: لعلّ المراد بذكر سبعين خريفاً و سبعين خريفاً ما اشير اليه في كثير من الآيات و الروايات من انّ عذاب اهل النّار باعمالهم و انّ دوامه بنيّاتهم فلمّا كان طور الاعمال يقتضي الظاهر و النيات تقتضي الباطن حسن التفرقة بين الجزئين في التعبير تبعاً للتفرقة بين المقتضيين و امّا ما ذكره في بيان الخريف ثلاث مرات فاعلم انّ‌ الاعمال التي قلنا انّها تقتضي الظاهر انّ مرادنا انّها تقتضي ذلك بصورها لانّ‌ الاعمال صور الثواب و العقاب و موادّها في الثواب امتثال الاوامر و اجتناب النواهي و في العقاب اجتناب الاوامر و ارتكاب النّواهي فصار حكم اهل النّار بالنسبة الي متعلق العقاب فيهم ثلثة‌ احوال كما اشار اليه سبحانه انطلقوا الي ظلّ ذي ثلاث شعب قالوا الشّعبة السفلي تعذّب بها (فيها خ‌ل) الارواح و الشعبة التي فوقها تعذّب بها (فيها خ‌ل) النفوس و الشعبة‌ العليا تعذّب بها الاجسام فصار المعني كانّه قال و الخريف سبعون سنة لتعذيب الاجسام و سبعون سنة لتعذيب النفوس و سبعون سنة لتعذيب الارواح و الخريف في نفسه سبعون سنة كما في الاحتمال الثاني الآتي فكان هذا العبد يناشد الله بلسانه سبعين خريفاً حتي تقطّع لسانه و ناشده بقلبه سبعين خريفاً حتّي تقطع من قلبه فلم‌يستجب له حتي سأله بمحمّد و آله صلي الله عليه وآله و يحتمل ان‌يكون

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 592 *»

المراد انّه بقي يناشد الله سبعين خريفاً حتّي نضجت جميع قواه ثمّ اعيدت فاخذ يناشده سبعين خريفاً فكان الافراد للفاصلة الحاصلة من سحقه بالنار قبل الاعادة او انّه ناشده بلسانه حتي تقطّع ثمّ بقلبه كما مرّ او بمقاله حتّي ختم علي فيه ثمّ ناشده بحاله

و الحاصل انّ عدم الجمع لفائدة كما اشرنا الي بعض نوعها (انواعها خ‌ل) فافهم ثمّ اعلم انّ ما رواه الصدوق في معاني الاخبار ليس فيه تكرار في الموضعين كما هو المعروف و هو هكذا عن جابر عن ابي‌جعفر عليه‌السلام قال قال انّ عبداً مكث في النار سبعين خريفا و الخريف سبعون سنة قال ثم انه سأل الله عزوجل بحق محمد و اهل‌بيته لمّا رحمتني قال فاوحي الله عزوجل الي جبرئيل عليه‌السلام ان‌ اهبط الي عبدي فاخرجه الحديث، و هذه رواية المعاني ليس فيها تكرير و كذلك رواية الخصال و امّا رواية التكرير فلم‌يحضرني الآن مكانها و لكن علي كلّ تقدير فالفائدة في التكرير علي ما حضرني الآن كما سمعت و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الرابع‌عشر: عن ابي‌حمزة الثمالي قال قال ابوعبدالله عليه السلام اياك و الرياسة و ايّاك ان‌تطأ اعقاب الرجال قال قلت جعلت فداك اما الرياسة فقد عرفتها و اما ان‌ اطأ اعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي الا مما وطئت اعقاب الرجال فقال ليس حيث تذهب ايّاك ان‌تنصب رجلاً دون الحجة فتصدّقه في كلّ ما قال هـ ، فديتك بيّن لي كيف تقرأ العبارة الغير المنقطة ( المنقوطة خ‌ل) و ما عني الرواي بسؤاله و ما المراد من الجواب زدت حكمة و برهاناً هـ .

اقول: اما العبارة التي غير منقطة (منقوطة خ‌ل) فتقرأ هكذا كما كتبناها فما ثلثا ما في يدي الا مما وطئت اعقاب الرجال يعني انّ الثلثين مما عندي من العلم انّما تعلمته من الرّجال فقال7 ما تقدّم و معناه انّ مرادي ليس هذا و انّما اردت ان احذّرك ان‌تتخذ لك اماماً تأتم به دون من جعله الله في ارضه حجة علي عباده و الامام عليه السلام حذّره عن امرين احدهما هذا و الثّاني هو اوّل ما حذّره عنه بقوله ايّاك و الرياسة فقال امّا الرياسة فقد عرفتها و هذا يحتمل ان‌يكون اراد ما اراد الامام عليه السلام و يحتمل ان‌يكون انما فهم مطلق الترأس و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 593 *»

الظاهر ان مراد الامام عليه‌السلام بها دعوي الامامة المطلقة من الله و انما لم‌يبين له هنا كما بيّن له في الثاني لان ترك مطلق الترأس كاف في المطلوب و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الخامس‌عشر: روي الصدوق في يه و غيره ايضا عن الصادق7 انّ الله تبارك و تعالي اوحي الي موسي بن عمران7 ان اخرج عظام يوسف7 من مصر و وعده طلوع القمر و ساق بالخبر الي ان‌قال فاستخرجه من شاطيء النيل في صندوق مرمر فلمّا اخرجه حين طلع القمر فحمله الي الشّام و قد ورد في عدّة اخبار ايضاً انّ نوحاً قد حمل عظام آدم7 من الكعبة و دفنها في الغري و هذه الاخبار معارضة للاخبار الكثيرة المستفيضة من انّ الانبياء و الاوصياء يرفعون من الارض بعد الدفن بابدانهم الي السماء فكيف التوفيق بينهما.

اقول: الاشكال في هذا الحديث و ما بمعناه من وجهين:

الاوّل انّه قد دلت اخبارهم انّ الارض لاتاكل لحوم الانبياء و الاوصياء بل العلماء العاملون بعلمهم و الملوك العادلون  كك و ظاهر هذه الاحاديث انّ الذي حمله موسي عظام يوسف7 و كذلك نوح7 انّما حمل عظام آدم7 و هذا صريح في انّ لحوم الانبياء تأكلها الارض و يؤيده ما روي عن استسقاء الراهب بعظم نبيّ يكشفه تحت السماء فتهطل السّماء فاخذه الحسن العسكريّ7 بيده ثمّ قال استسق الآن و استسقي و كانت السماء مغيّمة فتقشّعت و طلعت الشمس بيضاء فقال الخليفة ما هذا العظم يا ابامحمّد قال7 هذا رجل مرّ بقبر نبيّ من الانبياء فوقع في يده العظم و ما كشف عن عظم نبيّ الا هطلت السّماء بالمطر.

الثاني انّه قد تكثّرت الاخبار في انّهم:لايبقون في قبورهم بل يرفعون الي السماء مثل ما روي عن ابي‌عبدالله بن بكر الارجاني في كامل الزّيارة عن الصادق7 قال له قلت جلعت فداك اخبرني عن الحسين7 لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئاً قال7 يابن بكر مااعظم مسائلك الحسين 7

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 594 *»

مع ابيه و امّه و الحسن عليهم السلام في منزل رسول الله9 يُحْبون و يرزقون فلو نبش في ايّامه لوجد فامّا اليوم فهو حيّ عند ربه ينظر الي معسكره و ينظر الي العرش متي يؤمر ان‌يحمله و انّه لعلي يمين العرش متعلّق الحديث، و فيه (و في كامل‌الزيارة خ‌ل) عن زياد بن ابي‌الحلال عن ابي‌عبدالله7 قال ما من نبيّ و لا وصيّ يبقي في الارض اكثر من ثلثة ايام ثم يرفع روحه و عظامه و لحمه الي السّماء و انّما يؤتي مواضع آثارهم و يبلّغونهم من بعيد السّلام و يسمعونهم في موضع اثارهم من قريب و امثال هذين كثير و الجواب عن الاشكال الاول انّه قد شاع و ذاع عند اهل اللغة اطلاق العظام علي الجسم و هذا مما لايجهل و لايدافع امّا لشرف العظام في الجسم او لانها قوامه او لتأصلها فيه (لتداخلها فيها خ‌ل) او لأنها آخر مايبلي و مااشبه ذلك فيراد بعظام يوسف و آدم عليهما السلام جسماهما و لهذا قال في رواية المفضل بن عمر عن ابي‌عبدالله7 قال فاذا زرت اميرالمؤمنين7 فاعلم انّك زائر عظام آدم و بدن نوح و جسم عليّ بن ابي‌طالب7 الحديث، فذكر بدن نوح و جسم عليّ7 و لا قائل بالفصل ظاهراً و انّما غاير في الثلثة لتحسين اللفظ و فيه في الحقيقة سرّ خفيّ يطول ببيانه الكلام و سنشير الي بعض ذلك في جواب (في الجواب عن خ‌ل) الاشكال الثاني ان‌شاء‌الله و امّا العظم الّذي عند الرّاهب فيجوز ان‌يكون اخذه فقطع اللحم عنه لينكشف (فكشف خ‌ل) العظم ليبرز تحت السّماء و يجوز ان‌يكون المراد بقولهم انّ الارض لاتأكل لحومهم انّها لاتحيلها تراباً كما تحيل لحوم ساير النّاس بل انّ لحومهم تتفكّك و تتفرّق اجزاء صغيرة لطيفة بحيث لاتستبين للناظر من غير ان‌تنقص الارض منهم شيئاً بخلاف ساير الناس مثال الفريقين مثال الذهب و النّحاس في الارض فانّ الذهب اذا حكّ بالمبرد و القي في الارض اختلط بالتّراب و غاب فيه من غير ان‌تكون الارض تحيل منه شيئاً و اذا حكّ الناس كك و القي في الارض و بقي فيها اكلته الارض و احالته تراباً هذا في ساير الصالحين الذين لاتأكل لحومهم و اما محمد و اهل‌بيته صلي الله عليه و آله فان الارض لاتاكل لحومهم كما مرّ و لاتفكّكها و لاتفرّقها لانّ حقيقة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 595 *»

لحومهم ليست من الارض و انّما الارض بل و السموات من فاضل فاضل اجسامهم و يأتي التلويح الي الجمع بين الاخبار و هو يتضمّن بيان هذا الحرف الاخير علي سبيل الاشارة و الجواب عن الاشكال الثاني هو انّهم : اشباح نورانية بحسب ظواهرهم وراء عالم الاجسام و البسوا الصور البشرية في مدة حياتهم في الدنيا كما البس الشخص الثياب و اذا شاءوا خلعوا تلك الصور كما يخلع الشخص ثيابه بارادته و اختياره و اذا خلعوا تلك الصور كانوا وراء الاجسام بل وراء عالم ملكوت ما سواهم في الرتبة و المكانة لا انّهم يصعدون الي جهة العلوّ المحسوس كما يتوهّمه من لايعرف العلو المعقول و مثاله فيك انّك اذا نظرت الي شيء محسوس انطبعت صورته المحسوسة في بصرك و هو من هذا العالم و اذا تخيّلت تلك الصورة بخيالك ارتفعت صورة ملكوتها عن هذا العالم و استقرّت في ملكوتك الذي هو نفسك في الملكوت قبل عالم الاجسام باربعة آلاف عام و لم‌يكن هذا الارتفاع و الصّعود الي جهة العلو المحسوس لانّ نفسك ليست فوق جسمك الفوقية المحسوسة و الا لكانت نفسك في هذا الهواء بين الارض و السماء لانه فوق جسمك و اذا تعقلت معني تلك الصورة استقرّ ذلك المعني في عقلك فقد ارتفع ذلك المعني عن الصورة التي في نفسك مسير الفي عام فوق ملكوتك لان عقلك اعلي من جسمك باربعة آلاف عام و بالفي عام و ليس مقدار الالف من الالفين كمقدار الالف من الاربعة بل الالف من الالفين مثل الدرجة من محدّب الفلك الثامن و الالف من الاربعة مثل الدرجة من محدّب الفلك الرابع تقريبا و مع‌هذا فليس عقلك وراء جسمك في العلوّ الحسّي فاذا ارتفع ملكوت المحسوس الذي رايته ببصرك لم‌يدركه بصرك مع انّه لم‌يرتفع عن المحسوس الي الجهة المحسوسة و اذا ارتفع معناه الي عقلك لم‌يدركه نفسك كك فاذا عرفت المثال عرفت بانّ المراد من رفعهم: الي السماء هو رفعهم الي رتبة اشباحهم و اجسامهم اذا خلعوا الصور البشرية لا الي هذا السماء المحسوس بل هو وراء جبروتكم و ان كان في هذه الصور الظاهرة و لو نبشت لم‌تر اجسامهم لخلعهم البشرية كما انّهم لو نبشوا في ايّامهم:

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 596 *»

لوجدوا ذلك قبل خلعهم الصور البشرية فافهم الاشارة من المثال و العبارة و قول الصادق7 فيما تقدم انّ الحسين7 لعلي يمين العرش متعلّق يريد به ما ذكرنا لك و كشفنا لك من الغطاء عن هذه الاسرار وجوه تلك الاستار و الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث السادس‌عشر: قد ورد في بعض الاخبار نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله.

اقول في رواية البرقي في المحاسن نيّة الفاجر مكان نيّة الكافر و المراد لايختلف و اعلم انّ الوارد علي هذا الحديث سؤالان:

احدهما انّه قد روي عن النبي9 افضل الاعمال احمزها و اذا كان الاحمز افضل فكيف تكون النّية خيراً من العمل مع انّ العمل احمز لانّ النيّة قصد القلب و التفاته و لا شيء من الاعمال اخفّ منهما.

و ثانيهما انّه قد ورد عنهم: انّ نيّة السيّئة لاتكتب حتي تعمل فكيف تكون النية شراً من العمل و قد اجاب العلماء عن السؤالين بوجوه لابأس بايراد كثير منها اوّلاً علي سبيل النقل:

احدها ما حكاه المرتضي و هو انّ نية المؤمن بدون عمل خير من عمل المؤمن بدون نية و يرد علي هذا الجواب انّ العلم بغير نية لاخير فيه فكيف يدخل في باب التفضيل و اجيب بانّ ذلك مستعمل كثيراً في السنة و يصح التفضيل امّا باعتبار انّ الملحوظ بيان افضلية الافضل في نفسها و ان لم‌يلحظ فيها انّها زائدة علي الآخر ليلزم حصول فضل الآخر و المفضّل زائد عليه او انّ التفضيل انّما جاز لما يتوهّم من حصول فضل في الآخر و ان لم‌يكن كك في نفس الامر و قد ورد ذلك في القرآن كثيراً مثل قوله تعالي آلله خير اما يشركون و ورد انه يستحب ان‌يقول القاري بعدها الله خير و اكرم و لاريب ان ما اشركوا به لاخير فيها و قوله تعالي افمن يهدي الي الحق احق ان‌يتبع و من المعلوم ان ذلك الضد الذي لايهدي للحقّ (الي الحق خ‌ل) لايجوز ان‌يتّبع بوجه‌مّا لا انّه

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 597 *»

يحق له ذلك الا ان من يهدي الي الحق احق منه بالاتباع.

و ثانيها انّه مخصوص ببعض النّيات و بعض الاعمال فان نية الجهاد في سبيل الله و امثاله من الاعمال الكبيرة العظيمة افضل من العمل الصّغير الخفيف كمثل تحميده واحدة و يرد عليه انّ هذا خلاف الاصل فان الاصل العموم و خلاف الظاهر منه.

و ثالثها انه قد ورد ان خلود المؤمن في الجنة انما هو بالنية لا بالعمل ولو كان الخلود بجزاء الاعمال لما كانوا خالدين لانقطاع المجازات علي المتناهي بخلاف النية فانها لاتقف علي حدّ بل المؤمن نيته ان‌يطيع ابداً و الكافر نيته ان‌يعصي ابداً.

و رابعها ان النية هي العزم علي الفعل و ذلك يمكن فيه الدوام بخلاف العمل فانه يتعطّل احياناً فاذا نسبت النية الي العمل كان الدائم اعظم من المنقطع.

و خامسها ان النية لايكاد يدخلها الرياء و العجب لانا نتكلم علي تقدير النية المعتبرة شرعاً و لانه اذا راءي انّما يرائي بالعمل لايرائي بانه نوي او لم‌ينو او نوي نيّة حسنة او لا لانّ ذلك فيما يشاهد و يري و هي لاتري انّما يري العلم فكانت اعظم منه.

و سادسها انّ المؤمن يراد به المؤمن الخالص كالمغمور بمعاشرة اهل الخلاف فان غالب افعاله جارية علي التقية و هذه الاعمال منها ما فيه ثواب و منها ما ليس فيه ثواب و لاعقاب و اما نيته فخالصة فتكون نيته خيراً من اعماله الخالية من الثواب لانه و ان اظهر موافقتهم باركانه و نطق بها بلسانه الا انه غير معتقد لها بجناحه و قد روي عن الصادق 7 و قد سأله ابوعمرو الشامي عن الغزو مع غير الامام العادل انّ الله يحشر الناس علي نياتهم يوم القيمة و روي عن النبي 9 اقول هذا الوجه فيه كلام في اصله.

و سابعها انّ لفظة خير و شر ليست التي بمعني افعل التفضيل بل هي الموضوعة لما فيه منفعة و يكون معني الكلام انّ نية المؤمن من جملة الخير من

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 598 *»

اعماله حتي لايقدر مقدر انّ النية لايدخلها الخير و الشرّ كما يدخل ذلك في الاعمال و هذا من الوجوه المنقولة عن المرتضي ; و فهي انّه خلاف الظاهر لان المفهوم المتبادر منه التفضيل و لايعدل عنه الي التأويل الا اذا لم‌يمكن غيره علي انّهم 7 قالو انا لانخاطب النّاس الا بمايعرفون و مع هذا فاذا اريد مجرّد المنفعة فلابدّ ان يؤتي بصورة التفضيل من باب الاولوية و الاحقية و ان لم‌يلحظ جهة المرجوحية في مدخول من و يلزم منه الزيادة علي مدخول من و ان لم‌يكن علي جهة التلازم و الارتباط بل علي جهة الانفراد.

و ثامنها انّ لفظة افعل التفضيل قد تكون مجردة عن الترجيح كما في قوله تعالي و من كان في هذه اعمي فهو في الآخرة اعمي و اضلّ سبيلاً و مثله قول المتنبّي:

ابعد بعدت بياضاً لا بياض له لأنت اسود في عيني من الظّلم

قال ابن جنيّ في بيانه اراد لانت اسود من جملة الظلم و يرد عليه ما ذكر في سابقه اولاً و في الاول قيل فان قيل يلزم من قولكم بطلانه لانّ النية من افعال القلوب و هي غير الاعمال فكيف تكون من جملتها و اجيب بجواز ان‌تسمّي النية عملاً كما تسمي فعلاً و فيه انّ سياق الكلام في الحديث ملحوظ فيه المغايرة فكيف يقصد منه في لحاظ واحد مع ذلك المجانسة.

و تاسعها ما نقل عن الغزّالي بان النية سر لايطلع عليه الا الله تعالي و عمل السر افضل من عمل الظاهر و فيه ان العمل المراد به الصحيح شرط صحته ان‌يكون بالنية الصادقة فلاتكون النية وحدها افضل منه.

و عاشرها ماذكره البهائي; في الاربعين من انّ المراد بنية المؤمن اعتقاد الحق و لاريب انه خير من اعماله (عمله خ‌ل) اذ ثمرته الخلود في الجنة و عدمه يوجب الخلود في النّار بخلاف الاعمال و فيه ان اطلاق النية التي هي القصد و الباعث شرعاً علي الاعمال علي الاعتقاد الذي هو اليقين و الثبات علي الحق خلاف الاصل و خلاف المراد من الحديث.

و حادي عشرها مما ذكره البهائي; انّ طبيعة النية خير من طبيعة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 599 *»

العمل لانها لايترتب عليها عقاب اصلا بل ان كانت خيراً اثيب عليها و ان‌كانت شراً كان وجودها كعدمها بخلاف العمل فانه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره فصح انّ النيّة بهذا الاعتبار خير من العمل هـ ، و هذا الوجه و ان‌كان توجيهاً حسناً لكنّه غير المراد من الحديث لانه خلاف المفهوم و المتبادر منه.

و ثاني‌عشرها ايضاً ان النية من اعمال القلب و هو افضل الجوارح و فعله افضل من عملها الاتري الي قوله تعالي اقم الصلوة لذكري حيث جعل الصلوة وسيلة الي الذّكر و المقصود اشرف من الوسيلة و ايضاً فاعمال القلب مستورة عن الخلق لايتطرّق اليها الرّياء و نحوه بخلاف اعمال الجوارح و فيه ايضاً انّه خلاف المعروف من ظاهر الحديث فان المعلوم منه ان النية احسن من العمل.

و ثالث‌عشرها ان المراد بالنّية تاثّر القلب عند العلم و انقياده الي الطاعة و اقبالي علي الاخرة و انصرافه عن الدنيا و ذلك يشتدّ بشغل الجوارح بالطاعات و كفّها عن المعاصي فان بين الجوارح و القلب علاقة شديدة يتكاثر (يتأثر خ‌ل) كلّ واحد منهما بالآخر كما اذا حصل للجوارح آفة سري اثرها للقلب فاضطرب و اذا تألم القلب لخوف مثلا سري اثره الي الجوارح فارتعدت و القلب هو الامير المتبوع و الجوارح كالرعايا و الاتباع و المقصود من اعمالها حصول ثمرة القلب فلاتظنّ في وضع الجبهة علي الارض غرضاً من حيث انّه جمع بين الجبهة و الارض بل من حيث انّه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب فان من يجد في نفسه تواضعاً اذا استعان باعضائه و صوّرها بصورة التواضع تأكد بذلك تواضعه و امّا من سجد غافلاً عن التواضع و هو مشغول القلب باغراض الدنيا فلايصل من وضع الجبهة علي الارض اثر الي قلبه بل سجوده كعدمه نظراً الي المطلوب منه و كانت النية روح العمل و ثمرته و المقصد الاصليّ من التكليف به فكانت افضل اقول هذا الوجه قريب من الذي قبله و ان كان اخصّ من الاول الا انّ الذي فيهما متقارب.

و رابع‌عشرها و هو آخر ما ذكره البهائي; و هو طويل و يرجع معناه

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 600 *»

الي انّ النية في نفسها انّما هي قصد القلب و انبعاثه الي العمل و لاتتهيّأ لصاحبها الا بتحصيل الاسباب الموجبة لميل القلب الي فعل الشيء من المقاصد حتي انه ليفعل الشيء و لم‌يتوجّه له القلب اذا لم‌يحصل له ميل اليه لوجود مقصده فيه فلم‌تكن النّية اختيارية و انما الاختيار في المنويّ فكانت اشقّ من العمل و احمز فلاتنافي بين قوله 9 افضل الاعمال احمزها و بين قوله 9 نية المؤمن خير من عمله و نية الكافر شرّ من عمله بل هو كالمؤكد و المقرر هـ ، اقول و هذا ايضاً مثل السابقة في عدم انطباقه علي المراد من الحديث اذ ليس المراد بيان انّ النية اشق من العمل ليدخل في قوله افضل الاعمال احمزها و اين هذا من معني الحديث.

و خامس‌عشرها انّ نية المؤمن بجملة الطاعات خير من عمله يعني عملاً واحداً و نية الفاجر كك فانية دائمة و العمل موقت و الدائم خير من الموقت اقول و هذا فيه ايضاً ما في الوجوه المتقدّمة.

و سادس‌عشرها ان العمل يوجد بالنية لا النية بالعمل اقول هذا الوجه ايضاً غيروجيه بل هو ابعد من كثير مما تقدّمه.

و سابع عشرها انّ سبب هذا الحديث انّ رجلاً انصارياً نوي ان‌يعمل جسراً كان علي باب المدينة قد انهدم فسبقه يهوديّ فعمله فاغتمّ الانصاريّ لذلك فقال النبي 9 نيّة المؤمن خير من عمله يعني خير من عمل اليهودي اقول بيان ذلك بهذا الحديث جار علي الطريقة الا انا نقول ان‌كان لم‌يرد ذلك الحديث الا في هذه الرواية و لم‌يستعمله احد من الائمة عليهم‌السلام في غير هذه الرواية لا منفرداً و لا مستشهداً به و ان‌كان في هذه الرواية فقد انتهي القول في بيان ذلك الحديث و لايحسن توجيهه بغير ما في هذه الرواية و ان‌كان قد استعملوه7 منفرداً او استشهدوا به فلاحاصل في هذه الرواية لبقاء الاشكال علي حاله.

و ثامن‌عشرها انّ المراد بالنية الارادة بمعني ان ارادته و اخلاصه بجميع الاعمال خير من عمله اقول هذا و امثاله لايحصل منه المراد كما ذكرنا.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 601 *»

و تاسع‌عشرها انّ نية المؤمن اَلا يرجع من الايمان خير من عمله و الكافر علي ضدّه اقول و هذا يرجع الي الثالث و العاشر و فيه مافيهما.

و العشرون انّ نية المؤمن علي ان‌يزداد خيراً ان‌قدر عليه خير من عمله و کذا نيّة الفاجر اقول و هذا يرجع الي بعض ماسبق و يرد عليه مايرد علي ذلک.

و الحادي و العشرون ما ذکره بعض متأخّري المتأخّرين و هو انّ خيراً و شراً منصوبان علي انّهما مفعولا نية و ان کان وجه حذف الالف منهما يبادر کونهما صيغتي تفضيل و انّهما خبرا المبتدئين فوقع فيهما تحريف و المعني انّ‌ المؤمن اذا نوي خيراً و ان لم‌يفعله کان ذلک محسوباً من جملة (محسوباً عليه من خ‌ل) اعماله و الكافر اذا نوي شرّاً كان ذلك محسوباً من اعماله فيثاب المؤمن بذلك و يعاقب الكافر به و فيه تنبيه علي انّ هذا من العمل الذي في قوله تعالي فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّة شراً يره و في تنكير خير و شر في الحديث دلالة علي انّ كلاً منهما و ان كان قليلاً يكتب له و عليه و قد دلّ الحديث الذي نقله الشهيد;علي انّ المؤمن يكتب له الحسنة بمجرّد النية و لابعد في كون السيئة تكتب علي الكافر بمجرد النية.

و بالجملة فان كان ما (قد خ‌ل) تكلّم به العلماء علي هذا الحديث بعد ثبوته عندهم بالنقل مرفوعاً و الا فهذا وجه وجيه كذا قال الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدايق في الدرر النجفية اقول و في هذا الوجه من البعد و خلاف الظاهر ما لايخفي من التكلف البعيد بل و خلاف نفس الامر فانه يلزم عليه (علي خ‌ل) انّ نية الكافر مجرّدة عن العمل تكتب سيئة و لا دليل عليه بل الدليل علي خلافه بانها كعدمها لاتحسب و ان (و ما خ‌ل) دلّ علي انّها قد تحسب في الامم الماضية و الحديث الذي نقله الشهيد; لايدل الا علي نية المؤمن

فان قيل ان كون نية الشر مجردة عن العمل كعدمها انّما هو في حق المؤمن و امّا الكافر فلايدخل في هذا الحكم قلنا ليس المراد بنية الكافر خصوص الكافر بل المراد انّ المؤمن يهم من الطاعات بما لايقدر عليه و ان غير المؤمن الصالح يهم من المعاصي بما لايقدر عليه و لهذا ورد كما تقدم و نية الفاجر شر‌من عمله فلايختص المراد بالكافر

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 602 *»

ليخصص احتساب نية الشر بغير هذه الامة فان كثيراً من فسقة هذه الامة داخل في قوله و نية الفاجر و الكافر شر من عمله لان المراد ان غير المؤمن سيء السريرة و لو سلمنا ذلك لم‌تكن نية الكافر شراً من عمله لان المفروض ان العمل مع النية.

اقول يظهر لي من معني الحديث ان‌يراد به معنيان كلاهما فيما افهم و يظهر انه مراد له9 و ان كان ما اذكره اولاً في نظري اظهر المعنيين للحديث:

الاوّل: انّ المؤمن يعزم علي ان‌يعمل اعمالاً من الخيرات لايسعه ايقاعها لحصول عوايق الدنيا و اشغالها و مايجري عليه من الامراض و من مخالطة النّاس لا من جهة كثر‌ة الاعمال الصّالحة و لا من اصلاحها و اخلاصها و الاقبال عليها مما كان في نيته ذلك مشفوعاً بعزمه انه لايعصي الله ابداً و لهذا ورد عن اهل العصمة7 مما في نياتهم لانفسهم و تعليمهم لشيعتهم في الدّعاء و بلّغني من طاعتك و عبادتك املي فاذا كان هذا عزمه و هذه نيته بانه لايترك شيئاً من الخيرات الا و يتمنّي و يترجي ان‌يفعله كما يحب الله و مع ذلك فلاتحصل منه الا بعض الاعمال و تحصل منه التقصيرات الكثيرة فنيّته خير من عمله و يمكن ان‌يراد بهذا المعني ليس محض الموازنة بحيث يكون العمل احمز بل المراد منه انّه في نيته لايفقده الله حيث يامره و لايجده حيث ينهاه بخلاف عمله.

الثّاني انّ شرط كمال نية المؤمن انضمامها الي العمل و شرط صحّة عمله انضمامه الي النية فاذا انضمّا و اجتمعا كما يحب الله حصل العمل الصالح الباقي فالنية روحه و العمل جسده فهو مركب منهما و النية افضل الجزئين و اقواهما و اشرفهما و احبهما الي الله تعالي و اقربهما منزلة منه و كك الكلام في نية الكافر و الفاجر في حكم العكس فتدبّر و الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله الطاهرين و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث السابع عشر: قد روي في عدّة اخبار و في طرق عديدة من الآثار ان الرسول المصطفي اكل الكراع (الذراع خ‌ل) المسموم و كذا الحسن

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 603 *»

المجتبي و الكاظم و علي بن موسي الرضا شرب الماء الممزوج و اكل التمر الملطّخ و العنب الملطّخ بالسم و ان اميرالمؤمنين 7 قد عرف قاتله و الليلة التي يقتل فيها و الموضع الذي يقتل فيه و انّه 7 لمّا سمع صياح الاوزّ (الاوز قال7 خ‌ل) صوايح تتبعها نوائح و قول ام‌كلثوم له لو صليت الليلة داخل الدار و امرت غيرك يصلي بالناس فابي عليها و كثر دخوله و خروجه تلك الليلة بلاسلاح و الحال انه يعلم ان‌ ابن‌ملجم قاتله بالسيف و كك الحسين 7 كان عالماً بقاتله و وقت قتله و موضعه و هكذا الرّضا7 و ساير الائمة كما قال الكاظم7 حين ارادة اكل الرّطب اللهم انك تعلم اني لوكنت قادراً لتركه لما القيت نفسي الي التهلكة و يشكل بان الامام7 اذا كان عالماً بقاتله و موضع قتله و وقته و سببه من السم و غيره فاقدامه علي مايعلم انّ فيه سمّاً و فيه ضرراً القاء باليد الي التهلكة و هو حرام بنصّ القرآن و السنة و ان‌كانوا غير عالمين فيلزم انّ علمهم كان اقلّ من تلك المرأة و من جعيدة و من الرشيدين.

اقول: الاشكال في هذه المسألة من وجهين:

الاول انّ الاخبار قد تكاثر تواردها من الائمة: انّهم لايخفي عليهم شيء في الارض و لا في السماء و مما يدل علي ذلك مارواه جعفر بن قولويه في نوادر كامل الزيارة عن عبدالله بن بكر الارجانيّ عن الصادق7 في حديث طويل و فيه يابن بكر انّ قلوبنا غير قلوب الناس انّا مطيعون مصطفون نري مالايري النّاس و نسمع ما لايسمع الناس و ان الملائكة تنزل علينا في رحالنا و تتقلّب علي فرشنا و تشهد طعامنا و تحضر موتانا و تأتينا باخبار ما يحدث قبل ان‌يكون و تصلّي معنا و تدعو لنا و تلقي علينا اجنحتها و تتقلب علي اجنحتها صبياننا و تمنع الدواب ان‌تصل الينا و تاتينا بما في الارض من كل نبات في زمانه و تسقينا من ماء كل ارض نجد ذلك في آنيتنا و ما من يوم و لا ساعة و لا وقت صلوة الا و هي تنبهنا لها و ما من ليلة تأتي علينا الا و اخبار كل ارض عندنا و مايحدث فيها و اخبار الجنّ و اخبار اهل الهواء من الملائكة و ما من ملك يموت في الارض و يقوم غيره الا اُتِينا بخبره و كيف سيرته في الذين قبله و ما من

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 604 *»

ارض من ستة ارضين الي الارض السابعة الا و نحن نؤتي بخبرهم الي ان‌قال قلت جعلت فداك فهل‌يري الامام مابين المشرق و المغرب قال يابن بكر فكيف يكون حجّة علي ما بين قطريها و هو لايراهم و لايحكم فيهم و كيف يكون حجة علي قوم غيّب لايقدر عليهم و لايقدرون عليه و كيف يكون مؤدياً عن الله و شاهداً علي الخلق و هو لايراهم و كيف يكون حجة عليهم و هو محجوب عنهم و قد حيل بينهم و بينه ان‌يقوم بامر ربه فيهم و الله يقول و ماارسلناك الا كافة للناس يعني به من علي الارض و الحجة بعد النبي صلي الله عليه و آله يقوم مقام النبي صلي الله عليه و آله علي ماتشاجرت فيه الامة و الآخذ بحقوق الناس و القيام بامر الله و المنصف لبعضهم من بعض فاذا لم‌يكن معهم من ينفذ قوله و هو يقول سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم فايّ آية في الآفاق غيرنا اراها الله اهل الآفاق و قال مانريهم من آية الا هي اكبر من اختها فايّ آية اكبر منّا و في الكافي قال ابوعبدالله7 ايّ امام لايعلم مايصيبه و الي مايصير فليس ذلك بحجّة الله (لله خ‌ل) علي خلقه و فيه عن الباقر7انّه اُتي علي بن الحسين عليهما السلام ليلة قبض فيها بشراب فقال يا ابه اشرب فقال يا بنيّ ان هذه الليلة التي اقبض فيها و هي الليلة التي قبض فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و فيه عن ابي‌عبدالله7 قال كنت عند ابي في اليوم الذي قبض فيه فاوصاني باشياء في غسله و كفنه و دفنه و في دخوله قبره فقلت يا ابه والله مارأيتك منذ اشتكيت احسن منك اليوم مارأيت عليك اثر الموت فقال اماسمعت علي بن الحسين عليهما السلام ينادي من وراء الجدار يا محمّد تعال عجّل و في الكافي انّ موسي بن جعفر عليهما السلام لمّا قال السندي بن الشاهك لعنه الله يا هؤلاء انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث الي ان‌قال موسي بن جعفر عليهما السلام انا (ان خ‌ل) ماذكر من التوسعة و ما اشبهها فهو علي ما ذكر غير انّي اخبركم ايها النفر اني قد سقيت السم في سبع تمرات و انا غداً احضر و بعد غد اموت و هذه و امثالها صريحة في انّهم يعلمون متي يموتون و من اين اوتوا فكيف يخفي عليهم مافيه هلاكهم.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 605 *»

الثاني ان كونهم عالمين بمناياهم مما لا اشكال فيه عند الفرقة المحقة وراثة من رسول الله صلي الله عليه و آله فاذا ثبت ذلك و هم قادرون علي الامتناع من ذلك فاقدامهم عليه القاء بايديهم الي التهلكة المنهي عنه و الجواب انّهم عالمون بذلك علم عيان و اخبار امّا العيان فلما صح عنهم ان الله يعطي وليه عموداً من نور يري فيه اعمال الخلائق كما يري احدكم الشخص في المرآة و انّهم يرون اعمال الخلائق و لايخفي عليهم شيء من احوالهم و امّا الاخبار فلانّ رسول الله صلي الله عليه و آله اخبرهم عن الوحي بالكلي و الجزئي و مايجري عليهم و علي غيرهم و لان عندهم علم القرآن كله و فيه تفصيل كل شيء و تبيان كل شيء و عندهم الجفر يعلمون به كل شيء و عندهم الجامعة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلي الله عليه و آله و فيها كل مايحدث علي مستقبل الدهور و عندهم مصحف فاطمة3 و فيه جميع الملاحم و الحوادث و عندهم الغابر فيه كلّ ماكان و عندهم المزبور و فيه كل ما سيكون و عندهم الاسم الاكبر و به يعلمون ماشاءوا و عندهم النّكت في القلوب و هو الالهام و النّقر في الاسماع و هو السماع قالوا و هذان افضل علومهم فهم يعلمون مايجري به القضاء عليهم حين يجري و قبل ان‌يجري اذا كان محتوماً مطلقاً اي ليس له مانع في الغيب و الشهادة و لكن اذا جري القضاء عليهم غاب عنهم الملك المحدث عن امر من الله (عن امر الله خ‌ل) ليجري عليهم القضاء فيأكل الامام السم و هو غافل و هذا اي غيبوبة (غيبوبة الملك خ‌ل) المحدث هو معني ما ورد من ان الله ينسيهم ليجري عليهم القضاء و بيان هذا و الاشكال الثاني هو انّهم: يعلمون مناياهم عند حضورها و اسبابها و انه من المحتوم عليهم لينالوا به الشهادة و الدرجة العليا التي لاينالونها (لن‌ينالوها خ‌ل) الا بهذه الشهادة و الاقدام عليها و ليس ذلك القاء باليد الي التهلكة لانهم مأمورون بذلك عن الله و ترك امر الله هو الالقاء باليد الي التهلكة لا امتثال امره فانه جهاد واجب عليهم لان الله تعالي اشتري منهم انفسهم بما يرضون من ثوابه الاتري انك اذا امرك الامام7 بان‌تمضي بنفسك الي بعض اعدائه و تقاتلهم حتّي تقتل و انت تعلم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 606 *»

قطعاً انّك مقتول لامحالة فانه يجب عليك ذلك حتي تقتل و ليس ذلك القاء باليد الي التهلكة و انما هو الشهادة و السعادة و علي هذا النحو خرج الحسين7 و انصاره و قاتلوا و هم يعلمون انهم مقتولون لامحالة و لو سلموا لسلموا و لكنه لايجوز لهم التسليم لطلب السلامة بل يجب عليهم الجهاد حتي يقتلوا كما قد فعلوا، عليهم التحية و الرضوان و هذا صريح قوله تعالي ان الله اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم الآية، فيقدم الامام علي ما امر به من اهل (اكل ظ) المسموم امتثالاً لامر الله تعالي و اذا اراد الاكل انساه الله تعالي ذلك و بعبارة اخري غاب عنه المحدث اي الملك يعني روح القدس الذي يكون معهم يسدّدهم و المعني في الاول انه7 اذا توجه الي ما امره الله تعالي به من الاكل استغرق بجميع مشاعره استغراقاً ذاتياً في امتثال امر الله تعالي و التوجه اليه حتي يغفل عن كل ماسوي الله حتي عن نفسه فيأكل غير ملتفت الي نفسه و لا الي ما يترتب عليه من هلاكه كما يكون في صلوته يأتي بها بما يريد الله تعالي غير ملتفت الي نفسه و لا الي صلوته بل كل مشاعره مستغرقة في خدمة ربه و امتثال امره و هذا معني الانساء و معني ذلك انّ‌ الله سبحانه جذب جميع مشاعره بجمال جلاله عن نفسه و عن كل شيء و معني غيبوبة الملك انّه يغيب به عنه و هو غيبوبته بتوجهه عن نفسه و عن ساير احواله بمعني انه لايشعر بغير امتثاله الامر و هو معني ان الله انساه لان الملك يسدّده عن النسيان و الغفلة و السهو و هو لايزال معهم لايفارقهم الا حالة جريان القدر عليهم فانه يفارقهم يعني يفارق ما يتعلق بظاهرهم الي مايتعلق بباطنهم و هو مرادنا بغيبوبة (بغيبوبة الملك خ‌ل) عن الامام7 لا انّه يفارق باطنهم اذ لامكان له في الوجود الا قلوبهم بل قلوبهم شرط وجوده فهو يغيب و غيبوبته عن ظاهرهم هو انساء الله لهم لان الله ينسيهم بغيبوبة الملك فافهم فقد ذكرت لك الجواب عن الاشكالين بل عن جميع الاشكالات و اما قولكم و لولا انهم يعلمون لكانت جعيدة بنت الاشعث لعنهما الله و اليهودية اعلم من رسول الله صلي الله عليه و آله و ابنه الحسن7 لانهما عالمتان بالسم الذي وضعتاه فليس بمرتبط لان الذي يفعل الشيء عالم به البتة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 607 *»

بخلاف غيره فلايدخل منه (فيه خ‌ل) اشكال للسؤال و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث الثامن عشر: روي سيّد (السيد خ‌ل) الرضي رضي الله عنه في نهج البلاغة عن سعدة بن صدقة عن الصادق7 و روي الصدوق في التوحيد و العياشي في تفسيره ان اميرالمؤمنين7خطب بهذه الخطبة علي منبر الكوفة و ذلك ان رجلاً اتاه فقال يا اميرالمؤمنين صف لنا ربنا لنزداد له حباً و معرفة فغضب7 و نادي الصلوة جامعة فاجتمع الناس حتي غص المسجد باهله فصعد المنبر و هو مغضب متغير اللون فحمد الله سبحانه و صلي علي النبي 9و قال الحمدلله و ساق الخطبة الي ان‌قال فقال 7 فانظر ايها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به و استضئ بنور هدايته و ما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه و لا في سنة النبي و ائمة‌ الهدي اثره فكل علمه الي الله سبحانه و تعالي فان ذلك مقتضي حق الله عليك.

اقول: اشار7 الي ان كلما اراد الله من خلقه ان‌يعرفوه به فانه قد نبه عليه فاراد ان‌يوحدوه في ذاته فنبّه علي ذلك و قال الله لاتتخذوا الهين اثنين انّما هو اله واحد و اراد ان‌يوحدوه في صفاته فقال ليس كمثله شيء و اراد ان‌يوحدوه في افعاله فقال اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و اراد ان‌يوحدوه في عبادته فقال و لايشرك بعبادة ربه احداً فمن وحد الله بزعمه في ذاته فقال انه سبحانه احدي الذات و جعل بينه و بين صفاته الذاتية مغايرة و لو في الاعتبار فانه لم‌يصدق لفظه علي معتقده و لقد شافهنا كثيراً منهم من يقول (كثيراً مما يقول خ‌ل) في قوله تعالي و هو مع كل شيء و محيط بكل شيء انه مع كل شيء بعلمه و محيط بكل شيء بعلمه فاذا قلنا له مع كل شيء بذاته و محيط بكل شيء بذاته انكر ذلك و ليس ذلك الا لانه يفرق بين الذات و العلم فالعلم عنده مغاير للذات و ان‌كان يقول ان علمه عين ذاته و الذي يدلّ القرآن عليه انه اله واحد فكون علمه مغايراً لذاته في حال مّا او اعتبار مّا و العلم قديم يدل علي تعدد الآلهة و من وحد الله بصفته و قال ان الله خلق ليس كمثله

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 608 *»

شيء ثم يقول ان الخلق خلق من سنخ الحقّ سبحانه او من ظل الحق عزوجل او قال بان العلم يقتضي معلوماً او قال بان الخلق ينتهي الي الخالق سبحانه او قال بين الخلق و بينه فصل او بينه و بينهم وصل او قال انه يعرف بذاته و ان لم‌تدرك صفاته او قال ان الوجود يطلق عليه و عليهم بالاشتراك و غير ذلك فان قوله ليس كمثله شيء لم‌يصدق علي معتقده فان من كان شيء من سنخه او كان له ظل ليس بقديم و امثاله كثيرة و من انتهي اليه المخلوق فهو مخلوق لانه غاية المخلوق و قد ادركه المخلوق فهو مثله و من كان بينه و بين شيء فصل او وصل فهو حادث كما ان بينك و بين عمرو فصل و بينك و بين بعضك وصل و من كان كذلك فله امثال من الخلق و كذلك المعروف بذاته مصنوع و من يدرك بذاته و لم‌تدرك صفاته مختلف و المختلف له نظير من الخلق و المشارك فيما يدل عليه و مشارك فيما يميزه و يختص به و هو حادث.

و كذلك العلم اذا اقتضي معلوماً كان بينه و بين المعلوم اقتران و هو حادث فمن قال بامثال هذا ليس بقائل في الحقيقة انه ليس كمثله شيء و الذي يدل القرآن عليه ان الخلق ليس من سنخه كقوله تعالي و جعلوا بينه و بين الجنة نسباً و لقد علمت الجنة انهم لمحضرون و ان الخلق ليس ظلاً له سبحانه و ان علمه لايقتضي معلوماً و الا لكان مقترناً بغيره فيكون مشابهاً للمخلوق لقوله تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و ان الخلق لاينتهي الي الخالق و الا لكان مدركاً لهم و قد قال تعالي لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و انه ليس بينه و بين الخلق فصل و الا لكان معزولاً عنهم و قد قال تعالي و نحن اقرب اليه من حبل الوريد و  نحن اقرب اليه منكم و لكن لاتبصرون ، ام لهم آلهة تمنعهم من دوننا و انه ليس بينه و بينهم وصل لانه يقول و جعلوا له من عباده جزءاً ان الانسان لكفور مبين و انه لايعرف بذاته لانه يقول و لايحيطون به علماً و انه لايشاركونه فيما يختص به لانه سبحانه قال و ذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، ان الذين يلحدون في آياتنا لايخفون علينا و قال تعالي حكاية عن ندامة المجرمين و اتباعهم تالله ان كنّا لفي ضلال مبين اذ نسوّيكم بربّ العالمين.

 و من وحد الله

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 609 *»

بفعله فقال ليس له شريك في صنعه و ملكه ثم يقول ان العبد مستقل بافعاله و اقواله و انه يكون في ملكه ما لايريد ان‌يكون فان كلامه هذا خلاف ما قال الله تعالي في كتابه فانه يقول اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و اسروا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير، و ماتشآؤن الا ان‌يشاء الله، قل لن‌يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولينا، افمن هو قآئم علي كل نفس بما كسبت، له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله.

 و من وحد الله في عبادته بقوله تعالي فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً ثم يعصي الله تعالي فيما تشتهيه نفسه و يطيع غير الله في معصية الله و الله سبحانه يقول افرأيت من اتخذ الهه هواه، و ما يؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون، الم اعهد اليكم يا بني آدم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم و ذلك لانهم لايعبدون في ظنهم الا الله و لكنهم يُراءون و يمنعون الماعون و يفعلون مايشتهون فقد ضلّ سعيهم في الحيوة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً  فاذا كان يوم القيمة قال الله لهم اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم‌تكن فتنتهم الا ان‌قالوا والله ربنا ماكنا مشركين انظر كيف كذبوا علي انفسهم و ضلّ عنهم ماكانوا يفترون فلاجل انهم في الدنيا اشركوا و لم‌يعلموا انهم اشركوا قال الصادق7 هيهات فات قوم و ماتوا قبل ان‌يهتدوا و ظنّوا انهم آمنوا و اشركوا من حيث لايعلمون و كذلك ما اراد سبحانه منهم ان‌يعرفوه من شأن نبيه9 و خلفائه و اهل‌بيته: و الانبياء و الاوصياء و ما جاء به محمد صلي الله عليه و آله من احوال النشأتين مما قد علمهم و اشار اليه لهم في كتابه مما لايسع الدفاتر شرحه و بيانه و في خلاف ما ذكرنا قد كلفهم الشيطان باخذه و اعتقاده فمنه شيء قالوا فيما عرفوه بخلاف ماعرفوه و تكلفوا ما لم‌يعلموا فبيّن7 فيما تقدم من كلامه منتهي حق الله علي العباد ثم قال7 و اعلم ان الراسخين في العلم هم الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضروبة الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم‌يحيطوا

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 610 *»

به علماً و سمي تركهم التعمق فيما لم‌يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً فاقتصر علي ذلك و لاتقدّر عظمة الله سبحانه علي قدر عقلك فتكون من الهالكين.

 اقول اشهد اَلا اله الا الله و اشهد ان محمداً رسول الله9 و اشهد ان علياً ولي الله و خليفة رسول الله9 و حجة الله علي اهل الدنيا و الآخرة و الاولي و اشهد ان ما اتي به محمد9 و اتوا به هو الحق المبين و الصراط المستقيم و اشهد ان كلام سيدي و مولاي اميرالمؤمنين 7 حق باطن و سر ظاهر و ضياء مشرق و نور زاهر و ان من خالف قوله هذا فقد جاز عن الهدي و هوي الي الردي و نقل عن الامام الحق جعفر بن محمد الصادق عليه و علي آبائه و ابنائه الطاهرين السلام قال:

علم المحجة واضح لمريده و اري القلوب عن المحجة في عمي
و لقد عجب لهالك و نجاته موجودة و لقد عجبت لمن نجا

صلي الله عليه و علي آبائه و ابنائه الطاهرين و الحمدلله رب العالمين و كتب احمد بن زين الدين.

الحديث التاسع عشر: روي المحمدون الثلث رحمهم الله في الكافي و التهذيب صحيحاً و في الفقيه مرسلاً عن الصادق7 انه قال الصلوة‌ لها اربعة آلاف حد و روي الصدوق ايضا في الفقيه مرسلا و في العلل و العيون مسندا عن الرضا7 قال الصلوة لها اربعة آلاف حد.

اقول: الحد يراد به الحكم و المعني ان الصلوة لها اربعة آلاف حكم من واجب و حرام و مندوب و مكروه و هي مذكور اكثرها في كتب العلماء مفصلة مثل الفية الشهيد و نفليته و مثل اثني عشرية البهائي الصلاتية و غيرها من اراد ذلك طلبه و كتب احمد بن زين الدين.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 611 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال مختصر: فسروا تشبيه العامة علياً7 بالشكل الرابع حيث اسقطه بعضهم عن درجة الاعتبار لمخالفته الاول و اعتبر جمهورهم الثاني بعد الاول لموافقته معه في اشرف المقدمتين ثم اعتبروا الثالث لموافقته معه في مقدمته الآخري فما وجه الشبه في مخالفة الشكل الرابع للاول و مخالفة علي7 لابي بكر (لع) و كذا في الاشكال و الخلفاء.

الجواب: الشكل الثاني يوافق الاول في الصغري كموافقة‌ الثاني للاول في زهده و تركه الدنيا و في تاصله (تألمه خ‌ل) في الخلافة الذي هو شبيه الاصغر في اشتراكه فيهما بكونه موضوعاً و الشكل الثالث يوافق الاول في الكبري كموافقة الثالث للاول في استحقاق الخلافة بالمشاورة و التدبير و الاتفاق عليه و اما الشكل الرابع فهو عكس الاول في المقدمتين فيكون علي7عكس الاول في استحقاق الخلافة و تاصله و في عدم اتفاق الصحابة عليه و الشكل الرابع يخالف الثاني في الصغري كمخالفة علي7 للثاني في الاستحقاق و التاصل و الشكل الرابع يخالف الثالث في الكبري و علي7 يخالف الثالث في عدم الاتفاق عليه من كثير من الصحابة فانهم قد اتفقوا علي الثالث و لم‌يتّفقوا علي عليّ 7 سيجزيهم وصفهم انه عليم حكيم و من اسقط الشكل الرابع قال هو لاينتج الا بردّده الي الاول فلا اعتبار به بل الاعتبار بالاول و قال ان علياً7 لايصح له الخلافة الا بشرط رده الي الاول بان‌يكون تابعاً له و ماموماً و رابعاً للخلفاء و اما ان له خلافة ابتدائية فلا فلااعتبار في الحقيقة بخلافته و لهذا خالفه اصحاب الجمل و حاربوه و حاربه القاسطون و المارقون انّ الله لعن الكافرين و اعدّ لهم سعيراً، اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون.

السؤال: ان في الحديث اذا احببت احداً من اخوانك فاعلمه بذلك فأن ابراهيم7 قال رب ارني كيف تحيي الموتي قال أولم تؤمن قال بلي و لكن ليطمئن قلبي، كيف يستنبط اعلام المحبة للاخوان من الآية المذكورة في مقام التعليل بدليل فاء (الفاء خ‌ل) التعليلية.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 612 *»

الجواب من وجهين:

احدهما ان القلوب شواهد اذا احببت شخصاً فاعلم انه يحبك لان الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف (ائتلف و ماتنكر منها اختلف خ‌ل) و قد تحتمل الطبيعة البشرية خلاف ذلك فاذا اخبرك اطمأن قلبك كذلك كما انّ ابراهيم7 يعلم ان الله يحيي الموتي و يعلم كيفية ذلك و تجوّز الطبيعة البشرية احتمال ان الكيفية غير مايعلم و لو لم‌ير بالبصر الكيفية لجاز ان‌يضطرب قلبه بتلوّن طبيعته البشرية كالاخ المؤمن تحبه و هو يحبك و تحتمل بشريته غير ذلك فاذا اخبرته اطمأن قلبه فلما سأل7 عن كيفية الاحياء قال الله له الم اخبرك بها قال بلي و لكن ليطمئن قلبي و ينتفي عنّي تجويز الطبيعة بمعني ان التعليم للقلب و الباطن و الرؤية للظاهر.

و ثانيهما ان الله سبحانه اوحي الي ابراهيم ان لي خليلاً لو سألني احياء الموتي لاجبته و كان يعلم بالتوسم انه هو و لكنه لايحتم علي الله فاحب ان يطمئن بما يعلم انه خليل الله تعالي فقال رب ارني كيف تحيي الموتي و مراده ليعلم انه خليل الله فقال الله له اولم تؤمن قال بلي يعني انك تحيي الموتي و لكن ليطمئن قلبي بالخلة كذلك المؤمن يعلم بقلبه ان زيداً يحبه لانه يحب زيداً و هذا من التوسم و لكن لايقطع علي جهة الحتم فاذا اعلمه زيد انه يحبه اطمأن قلبه.

السؤال: ان في الحديث اذا اراد احدكم ان لايسأل ربه شيئاً الا اعطاه فلييأس من الناس و لايكون له رجاء الا من عند الله فاذا علم الله تعالي ذلك من قلبه لم‌يسأله شيئاً الا اعطاه فحاسبوا انفسكم قبل ان‌تحاسبوا عليها، فما وجه تفريع المحاسبة علي الامر باليأس.

الجواب: تفريع المحاسبة للنفس علي اليأس من الناس هو ان الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه و ضمن لهم كلما يحتاجون اليه في الدنيا فمن عبدالله و توكل عليه فقد حاسب نفسه بمعني ادي مايجب عليه و من لم‌يتوكل علي الله فان الله يسأله غداً يقول له كيف طلبت رزقك ممن لايملك شيئاً و كيف لم

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 613 *»

تصدّق بضماني و قد اقسمت لك في كتابي فقلت لك و في السماء رزقكم و ماتوعدون فوربّ السماء و الارض انه لحقّ مثل ما انّكم تنطقون فلم تقبل مني فان توكل عليه فقد يئس مما في ايدي الناس و حاسب نفسه و في قوله تعالي فوربّ السماء و الارض اشارة الي انه مالكهما و مالك ما فيهما فاعتمدوا عليه و فيه اسرار اُخر.

السؤال: في الحديث عن الباقر7 يا جابر انّ الدنيا عند اهل اللّب و العلم بالله كفيء الظلال فاحفظ ما استرعاك الله من دينه و حكمته و لاتسألن عمّا لك عنده الا ما له عند نفسك فان تكن الدنيا علي غير ما وصفت لك فتحوّل الي دار المستعتب انتهي، بيّنوا و فسّروا كلامه7 و لاتسألن عمّا لك الخ، و كذا قوله فتحوّل الي دار المستعتب ما المراد به.

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم – المعني ان الدنيا التي هي الزينة و التفاخر و التكاثر عند اولي الالباب كفيء الظلال سريع الزوال و هذا ظاهر و انما يراد منك و كلفت ما استرعاك الله من دينه من الاعمال المأمور بها و من حكمته من الاعتقادات الصحيحة و لايراد حبك (حسبك خ‌ل) ان‌تسأل عما لك عنده من الرزق و الثواب علي صالح الاعمال و انما يراد منك ان‌تسأل عما له عند نفسك و هو التكاليف و شكر نعمه فان كانت دنياك عند نفسك غير ما وصفت لك مما يراد منك من الاعتقاد او الاعمال فاعرض عنها و تحول الي دار المستعتب يعني تحول في الدنيا عن الدنيا التي هي كفيء الظلال الي مايراد منك من صالح الاعمال التي هي افضل الزاد الي الاخرة التي هي دار المستعتب.

السؤال: افيدوا رضي الله عنكم كما رضيتم عنه ان الروح الذي يثاب و يعاقب اي روح من الارواح الاربعة او الخمسة و هل هو الشريك الاقوي من البدن او لا فان كان اقوي فبينوا السبب و الجهة و ان لم‌يكن اقوي فلم‌يحزن او يفرح في عالم البرزخ و البدن لاحس له و هو فارغ عنهما فيه و هل هو الروح الذي يفارق الجسد في المنام و يذهب من مقام الي مقام (مقام آخر خ‌ل) او

 

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 614 *»

غيره فأن كان غيره فبينوا اسم كلّ منهما.

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم –  الذي يثاب و يعاقب هو الانسان نفسه الحيوان الناطق المشتمل علي الارواح كلها لاروح واحدة فان روح المَدرَج هي القوة التي بها يسعي الانسان و هي من قواه و روح الشهوة بها يأكل و يشرب و ينكح و هي من قواه و روح القوة بها يحمل الاثقال و هي من قواه و روح الايمان بها يحتمل ثقل التكليف (التكاليف خ‌ل) من الاعتقادات و الاعمال و هي من قواه فالمثاب و المعاقب هو الانسان نفسه الذي هو (التي هي خ‌ل) الكل و كتب احمد بن زين الدين.