01-16 جوامع الکلم المجلد الاول – شرح عبارة للشيخ علي بن فارس ـ مقابله

رسالة فی شرح عبارة للشیخ علی‌بن عبد الله‌بن فارس

 

من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم

الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 230 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله منير (مميز خ‌ل) عقول الكاملين باشراق نور اليقين و شارح صدور المؤمنين بالحق المبين (اليقين خ‌ل) و جالي افئدة العارفين بضياء المعرفة و بيان التبيين و صلي الله علي خير خلقه اجمعين محمد (ص) خاتم النبيين و علي آله الطاهرين و صحبه الميامين.

و بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان فريد دهره و نادرة عصره الشيخ العلي (العلي اباعبدالله خ‌ل) الشيخ علي بن عبدالله بن فارس احسن الله بنظر عنايته اليه و جعل عاقبته الحسني في تطورات نشأتيه قد عرض علي كلمات ذات تبيين جاءت منه عجالة جوابا لبعض السائلين من غير تأمل في الجواب و لا تراخ في الخطاب فجاءت بقراح الصواب المبطل للشك و الارتياب لمن يعرف الاشارة و يفهم الايماء في طي العبارة مشعرة بعويص غموض مرامه مشاهدة بعلو شأنه و مقامه و لكنها بعيدة المنال عن السائل فجري فيها و فيه قول القائل و اين الثريا من يد المتناول فتطلعت نفسي ان اكتب عليها كلمات تبين بعض خافيها و حاشا انيستقصي ما فيها و لكنها لبانات في الصدور و الي الله ترجع الامور.

قال سلمه الله تعالي: اللهم يا من هو هو اصلح جوهر روحانية عبدك المضطر حتي لايسمع و لايبصر و لايتكلم الا بك وحدك لا شريك لك.

قوله يا من هو هو يريد به يا من تحققت هويته بهويته لابشيء غيرها لا عقلا و لا فرضا و لا اعتبارا فالهاء اشارة الي تثبيت الثابت من غير حصر و لا كيف كما تشير اليه الهاء فان عددها خمسة فصورتها كهيئتها في الرقوم الهندية بلا فرق فبطونه نفس ظهوره بلافرق و هي حرف ليلة القدر و لها حكم العماء و لظهورها في التربيع و التكعيب كالافراد حافظة نفسها عن ممازجة الاعداد ظاهر في بطونه و باطن في ظهوره و الواو اشارة الي الغائب عن درك الابصار و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 231 *»

لمس الحواس اشارة بلفظها الي غيبته و بعددها الي الجهات الست يعني انه ليس في جهة فهو اخص الاسماء لانه الاسم الاعظم و ذلك لان الاسماء الحسني تسعة و تسعون و تمامها هو الاسم الاعظم لان عدده احدعشر فاذا اضيف الي التسعة و التسعين بنفسه تممها مائة و ظهر بالجبل المحيط بالدنيا و اذا اضيف اليها عدده كانت مائة و عشرة و هي عدد الاسم الاعظم لان الاحدعشر في مرتبة المسمي في التعين (التعيين خ‌ل) الاول فاذا نقلت الي مابعدها بمرتبة التي هي مرتبة الاسماء كانت مائة و عشرة فهي اسم و حيث كانت لها الاولية كما مر كانت هي الاسم الاعظم و الهاء اول الحروف و الواو آخرها و الهاء باطن و الواو ظاهر فهو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن و انما قدم الاول علي الآخر و الظاهر علي الباطن مع ان الاولية نفس الآخرية و الظاهرية نفس الباطنية لان التكليف علي ترتيب التعريف و الاشهاد علي طبق الايجاد فالاول اول مشهود في الاعتبار و الحصول و بعده الآخر في الظهور و النزول و الظاهر قبل الباطن في سلسلة الصعود و بعده (بعد الباطن خ‌ل) في الفناء و الشهود.

و قوله اصلح جوهر روحانية عبدك الخ، اعلم ان الروحانيات كثيرة و لكن الكليات منها تسعة اعلاها القلب و هو العرش المربع بالانوار الاربعة نور العقل الابيض و نور الروح الاصفر و نور النفس الاخضر و نور الطبيعة الاحمر و ثانيها الصدر و هو الكرسي و فلك الثوابت و البروج و المنازل و ثالثها العقل الثاني و هو روحانية فلك زحل (الزحل خ‌ل) و رابعها العلم الثاني و هو روحانية فلك المشتري و خامسها الوهم الثاني و هو روحانية فلك المريخ و سادسها الوجود الثاني و هو روحانية فلك الشمس و سابعها الخيال الثاني و هو نور (نور من خ‌ل) صفة النفس و هو روحانية فلك الزهرة و ثامنها الفكر الثاني و هو نور من صفة الروح و هو روحانية فلك عطارد و تاسعها الحيوة الثانية و هو نور من صفة العقل و هو روحانية فلك القمر و اصلاحها صرفها الي ما خلقت له بالامدادات الالهية، و قوله المضطر اشارة الي الفناء و الفقر اليه تعالي، و قوله حتي لايسمع الخ، يريد به ان خذ بناصيتي و تحبب الي و شوقني بما يصرفني

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 232 *»

عما سواك حتي احبك و تحبني فتكون سمعي الذي اسمع به و بصري الذي ابصر به الخ، و قوله وحدك لاشريك لك معناه احيني (احبسني خ‌ل) علي ذلك حتي لايكون لي مني حال موجود الا ما اشهدتني منك بك و هو اكمال (هذا كمال خ‌ل) البقاء للفناء.

قال سلمه الله: و الصلوة علي قطب دائرة الوجود محمد (ص) عبدك و رسولك و علي آله و صحبه و سلم.

اما قوله و الصلوة فاعلم ان الصلوة (الصلوة يريد به خ‌ل) من الله يراد بها رحمته و المراد من الرحمة احد وجوه نذكر منها مايناسب المقام منها ان الصلوة بمعني (بمعني ان خ‌ل) وصله به فجعل طاعته طاعته و معصيته معصيته و رضاه رضاه و سخطه سخطه. و منها انها بمعني صلته اياه اما اولا فلقوله تعالي ارفع رأسك و سل تعط و اشفع تشفع فاعطاه مايحتاج اليه الخلق و ما لايحتاجون اليه و (وما خ‌ل) لايعلمونه و هو قوله تعالي و يخلق ما لايعلمون و ذلك في الذر الاول قبل المثل الروحية في الدرة البيضاء، و اما ثانيا فهو قوله تعالي و لسوف يعطيك ربك فترضي و ذلك يوم القيمة فيعطيه من الشفاعة و المقام و الوسيلة ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر. و منها ان الصلوة بمعني الرحمة و هي الصبغة بعد الوجود قال (قال علي خ‌ل) عليه‌السلام ان الله تعالي خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة الحديث، فالرحمة الظاهرة فيه صفة الرحمن و هي الرحمة الواسعة و صفة‌ الرحيم (الرحيم و هي الرحمة خ‌ل) المكتوبة فجري الظهور فيه بالاصالة و في نفسه منه كما قال عليه‌السلام كالضوء من الضوء و في المؤمنين بالتبعية و المشايعة و المراد بالوجود هنا الوجود المقيد الدائر علي ذلك القطب و القطب هو الوجود المطلق لان الوجودات ثلاثة وجود حق (الحق خ‌ل) و هو الله تعالي و وجود مطلق و هو يدور علي الوجود الحق و وجود مقيد و هو يدور علي الوجود المطلق و الوجود المقيد اوله الالف المتحركة و آخره الميم و هي الامّ التي هي صفة الرحمن و انما قلت المتحركة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 233 *»

لان الالف اللينية (اللينة خ‌ل) هي التي قامت بها الحروف و هي النفس الرحماني المنبث في الحروف الكونية و الرقمية و لاشك ان الحروف تدور عليه و هو يشار به الي الوجود المطلق. و قوله محمد (ص) عبدك الخ، يدل بالاتيان بالخطاب دون الغيبة التي تتبادر (يتبادر خ‌ل) من سياق الكلام فانه قد انتقل عن الخطاب و الا لقال و صلاتك فرجوعه الي الخطاب قبل تمام الكلام يدل علي تقدير منك و تقدير منك يدل علي تقدير دائمة و مثلها و قوله و سلم ينبغي علي هذا التوجيه قراءته بكسر اللام و الا لزم التردد في الكلام المقتضي للتعقيد و مثلها.

قال سلمه الله تعالي: و بعد فقد ورد الينا سؤالات كلية من اشخاص جزئية و هيهات ان‌يكون للجزئي احاطة بالكلي الا انه بعد ما كان يسمع بالله و يبصر بالله و ينطق بالله امكنه ضرب الامثال حسب ما يعطيه الحال بآية واحدة من الدلالات الثلاث لاسيما اعزها و امنعها و هي الالتزامية.

قوله سؤالات كلية يعني به سؤالات عن معان كلية لان الكلية هي المسؤول عنها لا المسائل (السؤال خ‌ل) نعم قد تكون كلية باعتبار المراد منها و ذلك ان المسؤول عنه العقل و الكلي هو العقل الاول و ماسواه من عقول البشر الذي وقع السؤال عنه جزئية و لكن لما كان العقل الجزئي لا قوام له الا بالكلي لانه منه كالشعاع من المنير و معرفته بالحقيقة انما تحصل بمعرفة الكلي فلهذا قال سلمه الله تعالي كلية و ان كان السائل يجهل هذا المعني و لكن المجيب لما عرف ذلك اورد الجواب علي صورة مايقتضي الحقيقة و الاشخاص الجزئية تعريض بالسائل و امثاله يعني مالك ايها الجزئي و معرفة الكلي الا ان‌تلقي نفسك فتعطي العين الكلية من الكلي فتعرفه به قال الشاعر:

اعارته طرفا رآها به فصار البصير بها طرفها

و اليه الاشارة بقوله و هيهات ان‌يكون للجزئي احاطة بالكلي الا انه بعد ما كان يسمع بالله الي آخره. و قوله حسب ما يعطيه الحال يريد به كما لو ضرب المثل

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 234 *»

بالشمس مثلا للعقل الاول و لعقول البشر بالاشعة او بالشيء الواحد الذي له رؤوس او وجوه كما في الحديث النبوي (النبوي و هو خ‌ل) ما معناه و قد سئل (ص) عن العقل الاول فقال صلي الله عليه و آله العقل ملك له رؤوس بعدد الخلايق فاذا ولد مولود كان له فيه رأس و علي وجهه غشاوة و لاتزال تلك الغشاوة تنكشف شيئا فشيئا فيشرق نور ما انكشف منه علي قلب صاحب الرأس فيتم كشف الغطاء عند بلوغه فيكلف، انتهي المعني المنقول من الحديث فاذا ضرب المثل بذلك كان ممكنا و هو معني قوله امكنه ضرب الامثال و الدلالات الثلاث هي دلالة المطابقة و دلالة التضمن و دلالة الالتزام و انما جعل هذه اعز و امنع لانها ليست دالة بلفظها و انما هو بما يلزم تلك الحقيقة من اللوازم الخارجة و ذلك بعيد كما ذكر و من ذلك المثل للممثل به لانه خارج عن حقيقته و ان افاد معرفته و بيان بعض ذلك فيما يأتي من قوله و ان الكلي حقيقة و الجزئي مجاز و المجاز قنطرة الحقيقة يعني ان الكلي حقيقة في استحقاقه للاسم او ان الاسم حقيقة في دلالته علي مسماه بعكس الجزئي و اما كون الجزئي مجازا فبمعني انه طريق للحقيقة في حالة الظهور و النزول و في حالة الصعود لالتقاء قاب قوسين او ان الجزئي طريق للعارف الي معرفة حقيقة (الحقيقة خ‌ل) الكلي و انما قال سلمه الله و ان المسير علي هذه القنطرة عزيز المرام لان السائر الي معرفة الحقيقة ان نظر الي المجاز لم‌ير الحقيقة فلابد ان‌ينظر الي الحقيقة في المجاز ليعرفها بها لا بالمجاز و الي نظير هذا المعني قال عليه‌السلام اعرفوا الله بالله، و قوله عليه‌السلام ان الله اجل من ان‌يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به هـ ، و الي هذا المعني اشار عليه‌السلام في الدعاء الهي امرت (امرتني ظ) بالرجوع الي الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية‌ الاستبصار حتي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك انت علي كل شيء قدير، فاذا ثبت هذا المعني لك عرفت ان المسير عليها عزيز المرام لان اكثر السائرين انما ينظرون الي الآثار فيحجبهم المجاز عن

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 235 *»

الحقيقة.

و قوله و اقسم بالله انك يا هذا السائل لم‌تقصد في سؤالاتك الا التعنت المحض و ان السبب فيه الظلمة الجسمانية الحاجبة لك عن طريق الحق لانه عرف ذلك بالمقام لان السائل لو كان قصده التفهم لكان انما يسأل عما يفهم و لايسأل الا من يفهم انه يفهم و انه يجيب و لايسأل الا عما يعنيهو اذا فقد شرط خرج عن التفهم. و قوله و ان السبب فيه الظلمة الجسمانية لان الجسم هو مقر الطبيعة و هي قبر الحيوة ان الله يسمع من يشاء و ما انت بمسمع من في القبور فتجري عين ابرهوت و عين الكبريت في تراكيب الجسم فتظهر الظلمة التي هي اثر الجهل.

قال سلمه الله: ثم اعلم ان سؤالاتك منحصرة في قوله تعالي الم اذ هي براعة سورة البقرة و هي الكتاب المبين الذي لاريب فيه و ان ذلك هو كتاب الله الصامت و اما انت يا هذا الانسان من حيث انت انسان فانت كتاب الله الناطق و ان كانت حروف معانيك لاتقرئ لذي الجهل فانها عند غير ذوي الجهل لاتخفي.

قوله ثم اعلم ان سؤالاتك منحصرة في قوله تعالي الم و ذلك ان مسائل السائل عن العقل و الحلول و الاتحاد فمعناه ان العقل هو الالف القائم لبساطته لان العقل محل المعاني المجردة عن المادة و المدة و الصورة فلعدم الكثرة فيه كان الالف عدده واحدا و صورته القيام كناية عن عدم المغايرة فيها بالتشخص و لعدم حاجته الي غيره كان الالف غيرمتصل بشيء من الحروف و الواحد غير داخل في الاعداد و بسبب حاجة الخلق اليه و قيامها (قيامه خ‌ل) به و كونها منه كان الالف تحتاج اليه سائر الحروف لانها فيه كالموج في البحر و الترجيع في النفس الجاري في المزمار و كان الواحد تتركب منه الاعداد فهذا في الجملة الاشارة الي العقل و يأتي بعض البيان في مكانه.

و اما الاشارة الي الحلول المقبول بالمعني الحقالمعقول فهو ظهور العقل بالاشراق في المخلوقات علي قلوبهم بحسب قابلياتهم و ذلك

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 236 *»

صفته لا ذاته لان الحلول صفة الحال اي الظاهر و كذلك ظهور الالف في اللام يعني في المرتبة الثانية و العالم الثاني المعبر عنه بالعالم الملكوت و ذلك صفته لان ظهور الواحد في المرتبة الثانية هو كونه عشرة فالكثرة صفة ظهورات الوحدة و انما بقي صورة الالف في اللام و لم‌تبق في الميم بل كانت ياء لانه ظهر في اللام بصورته فهو بصورة الواحد و ان كان عشرة لقرب الملكوت من الجبروت للمجانسة في التجرد في الجملة و ظهرت بالعدد في الميم لبعد الملك من الجبروت فلم تتشابه الصورتان و انما كان متوسطا في اسم اللام لانه نفس اللام قال عليه‌السلام انا باطن السين و صورة ظهوره في النقش هكذا اللام. فاللام تكفلت بالجواب عن الحلول و بيان المردود منه من المقبول.

و اما الاشارة الي الاتحاد بالمعني المستفاد من الامجاد لا المعني المستلزم للاتحاد فهو ظهور العقل بالنفس في عالم الاجسام و بلد الاشكال و الارتسام بالعقد بعد الحل مرة بعد اخري كما يأتي عند الاستشهاد بقوله ادبر فادبر و ظهور الالف في الميم بالميم و هو صفة الصفة للواحد و هو الباء كما قلنا لانها هي الالف في المرتبة الثانية و توسطت في اسم الميم كما توسطت في اسم اللام بتلك العلة و انما قلنا ان ذلك هو الاتحاد لصيرورة المجرد جسما و صيرورة الالف ياء مع بقاء صفة العقل في الجسم و بقاء صفة الالف في الياء فافهم و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثرها الجهال و للاتحاد معني غير هذا بل بعكسه و تأتيالاشارة اليه عند ذكره له.

و قوله اذ هي براعة سورة البقرة الخ، لان الم ابتداء سورة البقرة و عبارة عنها و متضمنة لها كما ان العقل و النفس و الجسم عبارة عن الوجود و متضمن له و قوله ان ذلك هو كتاب الله الصامت يعني به القرآن لان الكتاب التدويني طبق الكتاب التكويني بل القرآن كتاب تكويني و العالم كتاب تدويني و انما كان صامتا لان البيان منه مقرون بقرينة و هو الانسان الكامل و هو الناطق به و لهذا قال و اما انت يا هذا الانسان من حيث انت انسان فانت كتاب الله الناطق، و قوله

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 237 *»

و ان كانت حروف معانيك لاتقرئ الخ، يعني به ان الانسان مشتمل علي الحروف الثمانية و العشرين كما ان القرآن مشتمل عليها و انا اذكر لك تسمية وجوهها و عكسها: فالالف هو العقل و هو الوجود و عكسه الجهل و الباء هو النفس اي الصدر و عكسه الثري و الجيم هو الطبيعة و عكسه الطمطام و الدال هو الهباء و عكسه جهنم و الهاء هي الشكل و عكسه الريح العقيم و الواو هي الجسم الكل منك و عكسه هو البحر و الزاء هو الفلك الاطلس و هو العرش و عكسه الحوت بهموت و الحاء هو الكرسي و هو الصدر الثاني و عكسه الثور و الطاء هو فلك البروج و عكسه الصخرة و هو سجين و طينة خبال و الياء هو فلك المنازل و عكسه الملك حامل الارض و الكاف فلك زحل و هو العقل الجزئي و عكسه ارض الشقاوةو اللام فلك المشتري و هو العلم الثاني و عكسه ارض الالحاد و الميم فلك المريخ و هو الوهم و عكسه ارض الطغيان و النون هو فلك الشمس و هو الوجود الثاني الجسمي و عكسه ارض الشهوة و السين هو فلك الزهرة و هو الخيال و عكسه ارض الطبيعة و العين هو فلك عطارد و هو الفكر و عكسه ارض العادات و الفاء هو فلك القمر و هو الحيوة و عكسه ارض الحيوة و هي الارض الدنيا و الصاد و هو كرة النار و المرة الصفراء و ريح الدبور و عكسه كمثل الكلب و القاف و هو كرة الهواء و الدم و ريح الجنوب و عكسه السموم و الراء هو كرة الماء و عكسه البلغم و ريح الصبا و عكسه الماء الاجاج و الشين هو كرة التراب و المرة السوداء و ريح الشمال و عكسه ارض السبخ و التاء هو المعدن و عكسه كونوا حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم و الثاء هو النبات و عكسه هو النبات المر و الخاء هو الحيوان و عكسه المسوخ و الذال هو الملك و كالمؤبد (كالمؤيد خ‌ل) و الحفظة و عكسه هو الشياطين و الضاد (و خ‌ل) هو الجن المؤمنون منه و عكسه هو شياطين الجن و الظاء هو الانس فانت الانسان و عكسه شياطين الانس و الغين هو الانسان الكامل و عكسه هو ابليس و فيك من الهيئات و الصفات و الامواج و الاضافات و التطورات من الجبال و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 238 *»

الشجر و مما يعرشون من الاضافات و تعلق المقارنات بالمقارنات (بالمفارقات خ‌ل) من بيوت الولاة في اكلها من ثمرات تلك المناسبات قال الله تعالي في كتابه اشارة الي سكان تلك البيوت ممن كشف لهم عن الملكوت و اوحي ربك الي النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا و من الشجر و مما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس فهم من فهم كما اشرنا (اشير خ‌ل) اليه في النقل ففيك البحار و الانهار و الجبال و الاشجار و الشمس و القمر و الليل و النهار فاقرأ حروفك و ارق الي ما شئت،

فأنت الكتاب المبين الذي باحرفه يظهر المضمر

و تكون بهذا المعني حروف معانيك لاتقرئ لذي الجهل كلا و لاتظهر و اما ذو العقل فانه يقرؤها و يفسر بها ما شاء و هو معني قوله فانها عند غير ذي الجهل لاتخفي.

قال سلمه الله تعالي: و اننا لما اعتبرنا ان النطق بالله و كذلك اعتبرنا الحديث المروي بان اول ما خلق الله العقل من كتابه الناطق يلزمنا بان‌نعتبر ان اول ما خلق الله الالف من كتابه الصامت فلما اعتبرنا ذلك استفدنا شيئا آخر و هو ان المبدع جلت قدرته لما اوجد العقل و الف اللذين لهما السبق (التبوء خ‌ل) بالاولية لم‌يكونا الا خاليين من المواد عاريين عن القوة و الاستعداد.

قوله لما اعتبرنا الخ، يعني به ما علم من ان العالم التكويني طبق للعالم التدويني و قد قال عبدالعزيز بن تمام العراقي في مثل هذا المقام في قصيدته في الانسان الفلسفي الي ان قال:

و العالمان جميعا فاعلمن له العلوي و الاوسط الادني شبيهان
و العالم الاصغر الانسان يشبهه طبعا بطبع و اركانا باركان

 

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 239 *»

هذا يدور علي هذا (علي قطب خ‌ل) و ذاك له قطب كذلك ما كر الجديدان
تباين و اتصال غير منفصل (متصل خ‌ل) كلاهما واحد و العدة اثنان

بل قالوا كما مر ان الكتاب التدويني كتاب تكويني و الكتاب التكويني كتاب تدويني و الجاري في احدهما جار في الآخر لان كل واحد منهما مبني علي صاحبه و الي مثل ذلك الاشارة بقوله عليه‌السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية الحديث، فاعتبار الالف في الحروف بكل نحو اعتبار العقل في الحقائق الكونية التي هي مراتب الوجود المقيد كذلك لان اعتبار احدهما يستلزم اعتبار الآخر بتلك الجهة و قد مر ما يؤيد ذلك. و قوله لم‌يكونا الا خاليين عن المواد عاريين عن القوة و الاستعداد يعني به البساطة اللازمة (الملازمة خ‌ل) لذي السبق بالاولية لان مواد الاشياء و الاستعدادات انما كانت بالعقل و كذلك مواد الحروف و استعداداتها انما كانت بالالف فهما مستغنيان عما هو محتاج في وجوده اليهما فافهم و لو قبلا المواد تكثرا في الكم و لو قبلا الاستعداد بعد ايجادهما تكثرا في الكيف و ليس فليس كما يظن و ما يتوهم من زيادة العقل الجزئي بالرياضات و اكتساب الكمالات فليس كما يظن و انما الزيادة في محالها بسبب اصلاحها فظهر فيها ذلك الوجه الخاص بها ظهورا اشد مما قبل فالزيادة في الظهور لا في الظاهر و العقل هو الظاهر و كذلك الالف في الحروف الاتري الي الشمس اذا اشرقت علي الارض و علي المرآة ينعكس عن المرآة مثل الشمس و لم‌ينعكس عن الارض و ليس من جهة انها اشرقت علي المرآة اكثر مما اشرقت علي الارض بل الاكثرية من جهة القابلية فلو صقلت تلك الارض كصقالة المرآة ظهر عنها كما ظهر عن المرآة فهما لسبقهما في الحروف الكونية و الحروف اللفظية استحقا البساطة الحقيقية و كانا مجازا و سبيلا للبساطة (الي البساطة خ‌ل) الحقية (الحقيقة خ‌ل) من البطون الي الظهور و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 240 *»

من الظهور الي البطون فتدبر.

قال ايده (سلمه خ‌ل) الله: فلما انه سبحانه اراد اظهار حكمته القي في هوية كل منهما مثاله فاظهر عنهما افعاله المراد بالمثال الذي القاه في هويتهما هو هويتهما من حيث هو لا من حيث هما و اما هويتهما من حيث هما فهي انما (انما هي خ‌ل) شيء بتبعية (يبتغيه خ‌ل) شيئية هويتهما من جهته سبحانه و اما ما من جهتهما فما شمت رائحة الوجود بالاصالة ان هي الا اسماء سميتموها انتم و آباؤكم ما انزل الله بها من سلطان.

فقوله فاظهر عنهما افعاله يعني به ان افعاله الذاتية النورية يكونها (بكونها خ‌ل) بهما و هما قلماه لان تلك الافعال صفاتهما و هو جل بفعل الصفة للموصوف بالموصوف لاحتياج الصفة في قبول الايجاد منه سبحانه الي وجود موصوفها لان وجوده من تمام قابليتها للوجود و في الدعاء و جعل ما امتن به علي عباده كفاء لتأدية حقه هـ ، و انما القي في هويتها (هويتهما خ‌ل) مثاله لذلك و في الحديث لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها الحديث، و هذه الفقرات التي اشار اليها من الحديث المشهور لانه نور و شفاء لما في الصدور.

قال سلمه الله تعالي: فاذا صح هذا هكذا فلنقبض عنان القلم عن الكلام علي العقل و نبسطه علي الالف فنقول الالف لها صورة ظاهرة جسمانية و لها معني باطن روحاني فمن حيث الصورة هي اسم و من حيث الهوية مسمي فصح بالبرهان ان الاسم غير المسمي.

اقول انما قبض عنان القلم عن الكلام علي العقل و ان كان هو المسؤول عنه لان المجرد لايزيده البيان الاخفاء و لا طريق اليه الا بالاشارة و السائل ليس من اهل الاشارة علي انه ان وقع الكلام في يد صاحب الاشارة فلعمري لقد تضمن كلامه علي الالف كمال الافصاح عن العقل و اقباله و ادباره و عن الحلول و الاتحاد كما لايخفي علي اهل البصيرة و السداد فقوله الالف لها صورة ظاهرة جسمانية يعني به رقمها و يجوز ان‌يراد به لفظها لظهوره و حلوله في

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 241 *»

الاجسام و قوله و لها معني باطن روحاني يعني به العقل و يجوز ان‌يراد به العدد و جعله روحانيا باعتبار باطنيته للاولين فمن حيث الصورة هي اسم يعني ان الرقم اسم للعدد (العدد خ‌ل) الذي هو واحد باعتبار و اسم للّفظ باعتبار و باعتبار ان الالف ثلاثة احرف اولها مسمي و كلها اسم لاولها يجوز ان‌يكون الجزء الذي هو الاول باطنا للكل و يراد بذلك ظهور الفاعل في اول المفعول و في آخره لمن يفهم كما ظهرت الالف في آخر الفاء الذي هو آخر الاسم فافهم اشعارا بالاولية و الآخرية و الظاهرية بالاول و الباطنية بالآخر او نقول هو كون الصورة الرقمية و اللفظية اسما للعدد لدلالتهما عليه او كونهما اسما للمعني الذي هو العقل لتركب (لتركيب خ‌ل) العالمين الرقمي و اللفظي منهما اي من امتدادهما و ظهورهما فيهما كتركب (كتركيب خ‌ل) الوجود المقيد من ظهورات العقل و تنزلاته و كل هذه الاحتمالات مرادة و هو معني قوله فمن حيث الصورة هي اسم و من حيث الهوية مسمي و لا ريب ان الاسم غير المسمي كما ذكر سلمه الله ثم عطف علي ما ذكر الصورة العددية بعد ان‌ادخلها في الرقمية او المعنوية بالعموم اخرجها بالخصوص لعموم الفائدة للسائل في ذكرها.

فقال: و كذلك علي طريقة العدد اذا اعتبرنا بان صورة الالف الجسمانية واحد في العدد يلزمنا بان نقول ظاهرها واحد و باطنها احد فصح البرهان (بالبرهان خ‌ل) ان الاحدية غير الواحدية.

اقول المراد بهذه الصورة غير تلك الصورة فالاولي ظل الواحدية و هو ما في عالم الشهادة من الوحدات و هذه الصورة من صور عالم الملكوت من الاعداد و هو واحدية من الابداع الثاني دال علي واحدية الابداع الاول فلذا (فلهذا خ‌ل) قال سلمه الله يلزمنا بان (ان خ‌ل) نقول ظاهرها واحد يعني به العدد و اعلم ان واحد عدده تسعة عشر و تمام العشرين لتظهر بذلك كاف الكون من كن واحد و هو تسعة عشر و هكذا لاتكمل العشرون الا باحد الذي لايدخل معناه في العدد فلا يلاحظ من هذه الحيثية في هذا المقام للفظه عدد فواحد حجاب لاحد و احد محتجب به و باطن له و (و هو خ‌ل) مع ملاحظة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 242 *»

ما مر هنا يأتي قوله فصح بالبرهان ان الاحدية غير الواحدية مشيرا بذلك الي ان العقل غير الالف في الذات و ان تشابها بحيث يلزم من معرفة‌ الالف معرفة العقل لانه قال فيما سبق ان الاسم غير المسمي ثم قال هنا ان الاحدية غير الواحدية فالواحدية اسم و الاحدية مسمي و الالف اسم و العقل مسمي و الحروف اسماء و المعاني مسميات و ان كان يلزم من معرفة الاسم معرفة المسمي من تلك الجهة و لهذا اشار فيما سبق بقوله و لنقبض عنان القلم عن الكلام في العقل كما نبهنا عليه سابقا فلاحظه تعرف من كلامه خفايا الاسرار و تتلألأ لك من اشاراته (اشارته خ‌ل) و ايمائه بوارق الانوار يكاد سنابرقه يذهب بالابصار اذ في كل حرف من كلامه ما لو استقصي البحث عنه لخرجنا عن الاختصار و ضاق الليل و النهار.

قال ايده الله تعالي: و لولا طريقة الاعتبار بهذا المثال لما صح لنا ان‌نقول الالف اثنان في اول العدد اذ ليس اثنان بالحقيقة لكن بهذا المعني حصلت الاثنينية فتأمل ذلك و تحقق هذه الاثنينية فانها تنزيه و تشبيه.

اقول يعني انه لولا طريقة الاعتبار بهذا المثال و هو ما ذكر من احكام الالف و ان الاسم غير المسمي و ان الواحدية غير الاحدية لما صح ان‌نقول الالف اثنان مع انه اول الحروف و كذلك العقل لانه اول مخلوق من الوجود المقيد ليس قبله الا عالم الامر في السرمد و الي هذا المعني اشار في الحديث بقوله عليه‌السلام ان الله لم‌يخلق فردا قائما بنفسه للدلالة عليه الحديث، و قال تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و قوله فانها تنزيه و تشبيه يشير به الي ان الاحد (الواحد خ‌ل) هو الاثنان و الاثنان هو الواحد فالاول تشبيه و الثاني تنزيه فخذ زادك من هذه الآثار و سافر عن هذه الديار (الدار خ‌ل) الي العزيز الغفار فافهم.

قال ايده الله: و كذلك باعتبار آخر اذا تحققنا صورة الم رأينا صورة الالف قائمة بذاتها غير متصلة بحرف من الحروف ففي هذه الحالة تسمي اتحادا فاذا اعتبرنا طريقا آخر رأينا صورة الالف قائمة في اللام الي فوق ففي هذه الحالة

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 243 *»

تسمي حلولا و ان ذلك (ذلك تسمي حلولا خ‌ل) بطريق الاعتبار و كذلك الانتقال الالف في صورة‌ الميم منعكسة الي تحت مع ان الف اللام هي الف الميم قيل للالف اقبل فاقبل باللام و قيل له ادبر فادبر في الميم فصح قوله تعالي الم ذلك الكتاب لاريب فيه بمعني الاول و الآخر و الظاهر و الباطن و انه سبحانه يقول الحق و هو يهدي السبيل هـ .

فقوله رأينا صورة الالف قائمة بذاتها غير متصلة بحرف من الحروف ففي هذه الحالة تسمي اتحادا يعني به المعني الاول لانفراد (لانفراده خ‌ل) و فناء كثرة الحروف في وحدته و باعتبار توسطها في اسم اللام تسمي حلولا يعني به المعني الثاني الذي اشرنا (اشار خ‌ل) الي ان‌نذكره بعد فهذا اوانه و هو ان الاتحاد الصحيح بالمعني المراد هو فناء الظاهر في الباطن لايكون (لاتكون خ‌ل) اثنان و في الحديث لنا مع الله وقت (حالات خ‌ل) هو فيه نحن و نحن هو و نحن نحن و هو هو هـ ، و هذا هو الذي اشار اليه بقوله هنا و الثاني بالعكس كما مر و ليس المراد بالاتحاد الاتحاد الذي هو ظاهر الفساد كما هو يتوهم و قد تقدم الاشارة الي الحلول فلا حاجة الي ذكره لانا نكتفي بادني ما يحصل به الفهم لذي الفهم و الا فكما قال الشاعر محمد بن الازري البغدادي:

كم بجنبي للصبابة واد كل آن حمامه نواح

قوله و كذلك الالف في صورة الميم منعكسة الي تحت، يريد به ان مدة الميم شاهدة علي ظهور صورة‌ الالف لان الالف التي هي في الميم الف راكد فحكتها في الهيئة لان المدة طرف الميم في الركود لركود الالف فيها و لهذا كثيرا ما يعبر بها عنها لاجل الصورة كما قالوا في بسم الله الرحمن الرحيم اولها كآخرها فافهم لا انها هي بل الالف التي هي في الميم حقيقة هي الباء لانها هي الالف في الرتبة الثانية كما مر و لكنه سلمه الله تعالي شافه في ابراز السر علي ما يلايم لئلا يستغرب ذلك كثير من اهل العقول حفظا للسر و لاتزال في الاشياء التي تظهر كاتما فجري في قول الشاعر:

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 244 *»

و مستخبر عن سر ليلي اجبته بعمياء من ليلي بلاتعيين
يقولون خبرنا فانت امينها و ما انا ان خبرتهم بامين

و الي ذلك اشار بقوله مع ان الالف لام هي الف ميم و اعلم ان الالف لما ظهرت حيث امرها بالادبار فيما تحتها اعطيت (اعطت خ‌ل) اللام صورتها للقرب في الجملة و اعطيت (اعطت خ‌ل) الميم عددها و هي الباء و هي الكثرة و تلك الكثرة باعتبار الصفات و الي ذلك اشار علي عليه السلام لكميل بن زياد بقوله نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فافرد النور لانه صفة الصبح المفرد و اشراقه و جمع الهياكل و الآثار لما قلنا و الصبح من نور الشمس و لنقبض العنان فللحيطان آذان و تعيها اذن واعية قال الشاعر:

و اياك ذكر العامرية انني اخاف عليها من فم المتكلم

و قد مر ان الاقبال في اللام في قوس الصعود و الادبار في الميم في قوس النزول او انه لحظ الاصطلاح الثاني في اللام و هو ان الاقبال هو الاقبال علي الخلق و الادبار عن الخلق و في الميم بعكس هذا الاصطلاح و لا مشاحة في الاصطلاح فمن العلماء من يري ذلك و منهم من يري الاقبال علي الخالق و الادبار نزوله الي الخلق و المعني لايختلف قال الشاعر:

عباراتنا شتي و حسنك ظاهر و كل الي ذاك الجمال يشير

و قوله فصح قوله تعالي الم ذلك الكتاب لاريب فيه، يشير به الي ان الاشارة و هو قوله ذلك الي الم هذا معني او الي بينات الف (الالف خ‌ل)و هي المائة و العشرة فانها هي الكتاب و زبره هي (هو خ‌ل) القرآن و زبر لام (اللام خ‌ل) هي الفرقان و بيناتها هي التوراة و زبر ميم هي المثاني و بيناته هي الانجيل و ذلك هو الكتاب لاريب ثم يبتدي (نبتدي خ‌ل) بقوله فيه هدي للمتقين ليشهد لك الآيات بذلك في سور القرآن و قوله بمعني هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن و يشير به الي ان كون الالف في اول الم بالرتبة و الذات و في آخر الميم بالصورة الراكدة و الاعداد و ظاهرة (فظاهرة خ‌ل) بالذات كما في الاول و بالهيئة كما في الميم و باطنه بالصورة كما في اللام و بالعدد الافعالي (الافعال

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 245 *»

خ‌ل) كما في الميم اشارة الي هذه الصفات الاول و قوله و الله يقول الحق و هو يهدي الي السبيل فيه اشارة الي قراح النصيحة و محض الحق و الصفاء و الوفاء (المفاد الوفاد خ‌ل) فافهم، انتهي كلامه في الاشارة الي العقل بحسب الوصف الحقيقي.

و اما الجواب علي حسب الظاهر فاقول فيه علي سبيل الاختصار العقل لغة الحبس و عند اهل الشرايع و الملل فيطلق علي معان: الاول العقل الذي هو مناط التكليف الشرعي من حيث انه يدعو الي التأدب بالآداب الشرعية بقدر الوسع علما و عملا فلايتوجه علي فاقدة التكليف و قيل في تحديده بوجوه متقاربة منها انه قوة غريزية يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات فلايسم النائم بهذا المعني عاقلا لعدم العلم و مثله انه مايعرف به حسن الحسن و قبح القبيح، و منها انه قوة ادراك الخير و الشر و التميز بينهما و التمكن من معرفة اسباب الامور و مايؤدي اليها و مايمنع منها، و منها انه العلم ببعض الضروريات و هو العقل بالملكة و قريب منه ما قيل انه العلم بوجوب الواجب و استحالة المستحيل في مجاري العادات، و منها انه عدم الجنون عما من شانه ذلك فهو صفة اولي للانسان تدعو الي الافعال الحسنة و ضده الجهل و الهوي او صفة يستعد بها لاستنتاج المجهولات من المعلومات و ضده الجنون، المعني الثاني العقل هو العلم التام بالشيء الحاصل من التأمل التام فيه، المعني الثالث العقل هو التأدب بالآداب الحسنة في طلب العلم بالاشياء من حيث حسنها و قبحها و كمالها و نقصها و ضرها و نفعها و العمل بذلك، الرابع العقل هو التأدب بالآداب المستفادة من التجارب بمجاري الاحوال، الخامس العقل هو جودة الذهن و سرعة انتقاله الي الدقائق مع حبس النفس علي الحق و هو الذي اشير اليه في الحديث العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و قد يطلق عليه بالزكاء و الفطنة و الفهم و البصيرة و كذا الكياسة و ان كان مع حبس النفس علي ضد الحق مع رعاية منافع الدنيا فقط فليس بعقل بل يسمي النكراء و الشيطنة و الجربزة و الفطانة البتراء و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 246 *»

يقابل هذا العقل ايضا الجهل و الحمق و الغباوة و البلاهة و البلادة، السادس العقل هو ميل النفس الي الافعال الحسنة و العقل بهذا المعني فطري و كسبي و كذا بالمعني الذي قبله و الفطري منه ما خلقه الله مع خلق النطفة و هو الاعلي و منه مايخلق بعد الولادة و هو دون ذلك و منه مايخلق عند البلوغ و هو الادني و الكسبي مايحصل بعدها بتكرر (بعد تكرر خ‌ل) مراجعة العقل و هو اختياري و اما الفطري فقيل هو يحتمل ان‌يكون اختياريا عند التكليف الاول في عالم الذر و يحتمل ان‌يكون ايجابيا لان تنزلات العقل الاول في المراتب الكونية عند ظهوره بها باذن الله ايجابي تكويني و الحق انه اختياري بل الحق ان ليس للانسان (في الوجود خ‌ل) اضطرار بل كل الموجودات مختارة لانها اثر المختار فهم من فهم و قد حققناه في مباحثاتنا بما لا مزيد عليه و لا مناص عنه و اياك و التكذيب بما لم‌تعلم به قال تعالي بل كذبوا بما لم‌يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و المراد بالاختياري ما يستحق عليه المدح و علي عدمه الذم، السابع العقل هو النفس الناطقة الانسانية باعتبار مراتبها في استكمالها علما و عملا و يطلق هذا المعني ايضا علي نفس تلك المراتب و علي قواها في تلك المراتب و ذلك ان للنفس قوة باعتبار تأثرها عما فوقها و تلقيها ما يكمل جوهرها من التعقلات و يسمي ذلك عقلا نظريا و باعتبار تأثيرها في البدن بتكميل جوهره اختياريا لأنه آلة لها في تحصيل العلم و العمل و لها قوة اخري و يسمي عقلا عمليا و للاول اربع مراتب: الاولي استعداد بعيد للكمال و هو محض قابليتها للادراك و يسمي عقلا هيولانيا تشبيها بالهيولي الاولي المجردة عن الصورة (الصور خ‌ل) احترازا عن الهيولي الثانية التي اخذت الصورة (الصور خ‌ل) فيها و هي الجسم، الثانية استعداد متوسط لتحصيل النظريات بعد حصول الضروريات بالاولي و يسمي عقلا بالملكة يعني بالقوة لا بالفعل، الثالثة استعداد قريب لاستحضار النظريات متي شاء و هو  يسمي عقلا بالفعل و منهم من جعل الثالث هو الرابع و الرابع هو الثالث، الرابعة الكمال و هو تحصيل النظريات مشاهدة و يسمي عقلا مستفادا و قد يعتبر

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 247 *»

بالقياس الي جميع مدركاته بحيث لايغيب عنه شيء و هو بهذا المعني انما يكون في الآخرة و منهم من جوزه في الدنيا لنفوس قوية لاتشتغل بشيء و للثاني و هو العقل العملي اربع مراتب: الاولي تهذيب الظاهر باستعمال الشرايع النبوية (ص)، الثانية تهذيب الباطن من المهلكات الردية و ترك الشواغل عن عالم الغيب، الثالثة تجلي النفس بالصور القدسية بعد القرب و الاتصال بعالم الغيب، الرابعة انجلاء ضياء المعرفة بالفؤاد و استغراقه في انوار الجلال و الجمال و هو مقام الصدق في المحبة و مقتول الحب الذي اشير اليه في الحديث القدسي من احبني قتلته و من قتلته فعلي ديته و من علي ديته فانا ديته و ليس وراء ذلك في العقل العملي علي هذا الاصطلاح رتبة.

و اعلم ان الموجب لهذا الجواب انه سلمه الله كان عند الشيخ الفاضل و الحبر الكامل زبدة الاوايل و الاواخر الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز ادام الله عليه مدد اسعافه و غمر جوده بمستهلّ الطافه فاتي هذا الشيخ رجل بهذه المسائل و الذي يظهر من هذين الشيخين ان الرجل سأل الشيخ محمد متعنتا فاستأذنه الشيخ علي المذكور بالجواب فاذن له فاجاب بما مر ثم ان الشيخ الممجد الشيخ محمد المزبور ذكره في هذه السطور نظم الجواب و ابان الخطاب بالصواب لاولي الالباب فاحببت ان‌اتكلم علي ابياته بما يكشف عن بعض ما اودعها و يبين شطرا مما ضمنها فانها بديعة المعاني حسنة المباني و انما قدمت الكلام علي جواب ذلك الشيخ لرعاية الترتيب الطبيعي من وجهين احدهما ان جواب الشيخ علي سابق فيكون شرح كلامه سابقا و ثانيهما ان جوابه جري علي طريقة اهل العرفان لانها اقمع (قمع خ‌ل) للتعنت و هذا الشيخ اجاب علي طريقة اهل الظاهر لانها انسب بالمقام و اقرب الي الافهام و الغيب مقدم علي الشهادة في الوجود الدهري فقدمت الكلام علي الدهري علي الكلام علي الزماني لانه سابق له في القوس النزولي التكويني فافهم و ختمت بابيات الشيخ محمد ليكون الختام مطابقا للمقام و لان الشيخ علي ابتدأ بالالف التي هي اول الحروف و الشيخ محمد جعل روي ابياته آخر الحروف التي هي

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 248 *»

الفاء بما يطابق الاول للباطن و الاخر للظاهر فان قصدا ذلك سلمهما الله و الا فان استقامة الطبيعة تظهر بطبيعة الاستقامة لان الطبيعة لاتغلط كما قالوه و هذا اوان الشروع في المقصود و بالله المستعان و عليه التكلان.

قال سلمه الله:

سألت عن العقل المهييء كلما جري من قضايا هيئات التألف
حقايق ميزان به القسط ظاه لدي اهل علم بالحقيقة ذا وفي
و عن كلمات اربع قد تكررت مآخذها من وحدة عند هاتف
و معني حلول و اتحاد و هل هما سوي ام هما غيران عند التعرف

قوله سألت عن العقل المهييء، يشير به الي ان سؤاله عن العقل النظري باصطلاح اهل العلم و المهييء فيه هو المرتبة الثانية من المراتب العقل النظري و هو العقل بالملكة و هو استعداد متوسط لتحصيل النظريات من الضروريات كما مر و لذا قال سلمه الله كلما جري من قضايا هيئت لأن النظر ترتيب امور ذهنية لتؤدي الي امر اخر و ذلك هو تألف حقايق ميزان هو عند اهل العلم علي ما اصطلحوا عليه عقل نظري و لذا قال ذا وفي اي ان هذا التعريف و في عند اهل العلم و قوله و عن كلمات البيت يأتي الكلام عليها عند الاشارة الي سورة التوحيد و كذا معني الحلول و الاتحاد و يأتي بعده.

قال سلمه الله:

فيا ذا كفاني موضح الحق للذي يروم سلوكا و هو غير محرف
خبير باسرار المعاني محقق فريد بهذا عن سواه لوصف

 

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 249 *»

اجاب بما يكفي اتم كفاية محقق ما في الحرف من سره الخفي
و انت لما ابدي تكون مباعدا اذا الشمس عن ذي علة العين تختفي

اقول ثم اشار الي ما اجاب به الشيخ علي و هو المراد بقوله موضح الحق و قوله للذي يروم سلوكا اي لمن‌ يطلب طريقة اهل السلوك و العرفان و انما لم‌يقل لك ايها السائل لمعرفته به انه ليس من اهل العرفان ثم قرر تقرير الشيخ علي و اخذ في الثناء عليه فقال انه غير محرف فيما اجابك به بل هو الحق فانه خبير باسرار المعاني محقق في هذه الطريقة متفرد بذلك عمن (عن خ‌ل) سواه عند العارفين به لقد اجاب بالجواب الكافي اتم كفاية فانه محقق ما خفي في الحروف (الحرف خ‌ل) من السر و هذا اقرار منه لهذا الشيخ و ارتضاء للجواب علي ما هو عليه من علو الشان في هذا الزمان ثم التفت الي السائل و اجابه عما اخبره (اخبر خ‌ل) به لسان حاله من استبعاد هذا الجواب بقوله ان الشمس في شدة ظهورها تختفي عن مريض العين فان ابصار الخفافيش لاتقدر (لايقدر خ‌ل) علي نور الشمس.

قال سلمه الله:

و لما علمت ان ذلك واقع و انه لايشفيك ما قرر الصفي
عزمت علي املاء ما كنت قبله عزمت علي ترك جوابك مكتفي
بعلمي بان القصد قصد شناعة بتعجيز مسؤول اذا كف او تفي
بتبديعه ان قال في كل محفل طريق حسود جاهل غير منصف

يعني لما علمت ان استبعادك لجواب هذا الرجل الصفي و ان ما قرر

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 250 *»

لايشفيك للعلة المذكورة و هي ضعف بصيرتك عن ادراك الانوار المتشعشعة عزمت علي الجواب و كنت قد عزمت علي ترك الجواب اكتفاء بما اجاب الشيخ علي و انما عزمت علي الجواب لما علمت من حال السائل ان قصده التشنيع بتعجيز المسؤول ان لم‌يجب و بنسبته الي الابتداع ان اجاب بالحقيقة لان هذه هي طريقة الحسود الجاهل اذا ركب الاعتساف و ترك الانصاف فاجاب سلمه الله بما ليس فيه ارتياب و لايلحقه من كل احد فيه عتاب.

فقال سلمه الله:

سألت عن العقل و عن مستقره و عن كل شخص من اولي العقل مانفي
جوابك ان العقل ما منع الفتي من الفحش منعا نوره غير منطفي
و في الشخص ذي العقل استقر و فوقه و من كل وجه قد احاط به اكتف

يعني انك سألت عن العقل و عن مستقره من الانسان و كان قد ساله عن حقيقة العقل فاجابه عن حقيقته الظاهرة عند اهل العلم سابقا كما مر من غير تنبيه الي ذلك و لا استعداد به لانه علم ان السائل ليس من اهل ذلك و اجابه هنا بالعقل الحقيقي عند اهل الشرع لانه هو الفائدة علي سبيل (نحو خ‌ل) قوله تعالي و يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس و الحج حيث سألوا عن الحقيقة و اجيبوا بالفائدة فقال العقل ما منع صاحبه من الفواحش التي نهي عنها الشارع كما في الحديث العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان ثم بين ان مقره في الانسان بمعني انه تعلق به تعلق التدبير و لهذا قال و فوقه و من كل وجه قد احاط به و هذه اشارة الي تجرده استدراكا لما عسي ان‌يعترض عليه من اولي العلم و نبه لمقام السائل بقوله و في الشخص ذي العقل استقر و لم‌يعترض لكون العقل حقيقة لان المقام لايناسب و لابأس بالاشارة الي بعض ذلك لان المقام هنا مناسب.

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 251 *»

فنقول قد تقدم الكلام علي العقل في شرح جواب ذلك الشيخ بالحقيقة كليا و جزئيا و في تقسيم العقل الحكمي و بقي بعض التنبيه علي العقل الجزئي و هو ان العقل هو وجه القلب من الانسان و هو اي القلب مقر اليقين و محل اشراقات الوقر الالهي و العقل جانبه الايمن و هو في الدماغ الجسمي و هو محل المعاني المجردة عن المادة و الصورة و عن المدة الزمانية و هو جوهر بسيط مفارق لا تعلق له بالاجسام و لا الجسمانيات الا تعلق تدبير بتوسط المجردات المقارنات و هو نور ابيض قائم بالقسط وجهه متعلق بربه شاخص ببصره الي ربه لاينظر الي نفسه قط فهو درجات النعيم و وراءه ظمة قد ادبرت عنه مولية لاتقبل تنظر الي نفسها لانها من الماء الاجاج و هي عن يسار القلب و هي محل المعاني المجتثة و منبع الشكوك و الارتباطات فهي دركات الجحيم فالاول باب الوجود و هذه باب الماهية فبالعقل قوام النفس الذي هو الصدر و هو محل الصور المجردة عن المادة و المدة الزمانية و هي العلم و بالنفس قوام الطبيعة الاولي و بها قوام المادة المجردة و بالمادة قوام القالب المثالي و به قوام الطينة التي خلق منها الانسان و بها قوام النفس الحيوانية الحسية و بها قوام الطبايع و بالطبايع قوام الدم الاصفر في القلب اللحم الصنوبري و بالدم الاصفر قوام العلقة التي هي في القلب و بها قوام العناصر الاربعة الكبد و الرية و المرارة و الطحال و بها قوام هذا البدن فالعقل علي هيئة الالف و النفس علي هيئة الباء و الطبيعة علي هيئة الجيم و هكذا.

قال سلمه الله:

و عن كلمات اربع قد سألتني جوابك للاخلاص فاقرأه تشتف

اقول لعله اراد بالاربع الكلمات التي سأل عنها هي الاحد و الواحد و الاحدية و الواحدية بدليل قوله في عجز البيت الثالث و هو قوله مآخذها عن وحدة عند هاتف و علي هذا فيكون قوله في الجواب هنا جوابك للاخلاص فاقرأه تشتف علي ما يظهر من السورة الشريفة علي غير هذا الترتيب

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 252 *»

لانه اجاب في الجملة لئلا يجهله السائل الجاهل فلا حاجة الي التفصيل ما لم‌يكن السائل من اهله و نحن نتكلم علي بعض ما اراد من اطلاقه لان اطلاقه شامل لكل شيء من احكام التوحيد فنقول احدي الكلمات الاحد و هو الواحد في ذاته فليس له ضد و الا لم‌يكن شيء به موجودا و في صفاته فليس له ند و الا لكان بذلك محدودا و في فعله فليس له مثل و الا لكان باثاره مشهودا و في عبادته و الا لما كان معبودا و بهذه الاربع الجهات مجموعة يفارق الواحد لانها ملحوظة فيه لان مدلوله مجرد الوجود الواجب تعالي مع قطع النظر عن كل صفة و ليس بنصب مثل اي ليس الاحد مثل احد مثل احد في اخر (عن كل صفة و ليس مثل احد في اخر خ‌ل ظ) السورة فانه جار علي حقيقة الاحدية التي يشير اليها اهل اللغة فانهم يفسرون الاحد بالواحد و قد يفرقون بينه و بين الواحد و لهذا قال الامام الرازي ذكروا في الفرق بين الواحد و الاحد وجوها: احدها ان الواحد يدخل في الاحد و الاحد لايدخل فيه و ثانيها انك اذا قلت فلان لايقاومه واحد جاز ان‌يقال لكنه يقاومه اثنان بخلاف الاحد و ثالثها ان الواحد يستعمل في الاثبات واحد في النفي انتهي، و لايخفي ان معناها واحد و هو المراد به في اخر السورة و هو الاحدية‌ المعروفة عند اهل اللغة التي يعبرون عنها بالواحدية فانهم يفسرونه بالواحد و هي (هو خ‌ل) الاحدية الحقيقية لغة و هو بهذا المعني ينتفي بنفيه القليل و الكثير و يثبت باثباته القليل و الكثير و الواحد علي المعني الاول ظهور الاحد في احدي المراتب الاربع بما يخص (يختص خ‌ل) تلك المرتبة مع قطع النظر عن غيرها كما قلنا الواحدهو الاحد في ذاته، الواحد هو الاحد في صفاته، الواحد هو الاحد في افعاله، الواحد هو الاحد في عبادته و لايقال للواحد في اكثر من مرتبة احد لأن الواحد صفة للاحد (الاحد خ‌ل) خاصة كما تقول زيد قائم زيد قاعد زيد راكب فافهم لان واحدية الذات ليست واحدية الصفات و هي ليست واحدية الافعال و هي ليست واحدية‌ العبادة و الا لاتحد الواحد و الاحد فالاحد لايتغير في صفاته و الصفة تتغير (يتغير خ‌ل) في مراتبها كزيد و القائم و القاعد و

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 253 *»

الراكب و اما الاحدية فهي صفة الاحد و الواحدية (الواحد خ‌ل) صفة الواحد و هو المعني المتقوم بتلك الصفة للموصوف.

ثم اعلم ان الاحد في اول السورة ليس مفهومه كما زعمه كثير انه كلي لمّي المدلول الحقيقة لغة فانه لا كلي و لا جزئي و لا عام و لا خاص و لا مشكّك و لا متواطئ و لايصح معرفته باثبات غيره و لا بنفيه و انما تصح معرفته به عند نفي غيره و لكن باعتبار اللغة الحقية بقي فيه عموم خصصه سبحانه في السورة الشريفة فقال الله الصمد فصح المعني المراد عند آل الله من الخواص و تفسير الصمد له وجوه كثيرة لا حاجة الي ايرادها و اكثرها جار (جارية خ‌ل) علي اللغة الحقيقية لا علي اللغة الحقية و لكن من جملتها ما هو علي اللغة الحقية كما قيل الصمد هو الذي لا مدخل فيه و ايضا الصمد هو القائم بنفسه و بقيت بقية من العموم عند خصيص آل الله فخصصه لهم سبحانه بقوله لم‌يلد و لم‌يولد فاكد تخصيص الاول بالاول من الاخرين (الاخيرين خ‌ل) و خصص الثاني من الاولين بالثاني من الاخرين (الاخيرين خ‌ل) فصحا المعلوم عند محو الموهوم في اللغة الحقية و بقيت كثرة‌ اعتبارية في اللغة الحقيقية فمحاها بقوله و لم‌يكن له كفوا احد فان احدا هنا علي المعني الذي ذكره الرازي و لايجوز ان‌يكون علي المعني الاول لما قلنا من انه لايعرف بنفي غيره و انما يعرف به عند نفي غيره فافهم فظهر مما قلنا ان الواحد صفة الاحد و ان الواحدية صفة‌ الاحدية فالاحدية نور ابيض و هو الحجاب الاعلي و هو حجاب الالوهية (و هو حجاب الالوهية و هو الحجاب الاعلي خ‌ل) و الاحد هو الحق المحتجب عن خلقه بظهوره لهم بذلك الحجاب و الواحدية نور اصفر و هو حجاب الرحمانية‌و الواحد هو الحق المحتجب عن خلقه بظهوره لهم بذلك الحجاب و شاهد الاول في الدعاء اللهم اني اسألك باسمك الذي اشرقت به السموات و الارضون و شاهد الثاني في الدعاء ايضا و باسمك الذي يصلح به الاولون و الاخرون و لهما اللهم يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه يا من تسربل بالجلال و العظمة الدعاء و الي ذلك الحجاب

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 254 *»

يشير قول الشاعر:

خفي لافراط الظهور تعرضت لادراكه ابصار قوم اخافش

و اما الاحدية في اصطلاح المتصوفة هي تجلي الذات لنفسه بنفسه و الواحدية تجلي الذات صفة و الصفة ذاتا و لايسع شرح ذلك لما يلزم منه من مثل قولهم ليس لتجلي الاحدية في الاكوان مظهر اتم منك اذا استغرقت في ذاتك فيكون حكم بين قولهم لنفسه بنفسه و بين قولهم في الاكوان و مقام عندهم لايليق شرحه علي مذاقهم و اما غير ذلك فقد اشرنا الي كثير من المراتب التي لايأباها الا جاهل بها او مكابر.

و اعلم ان سورة‌التوحيد قد اشتملت علي الاربعة الاركان من كل اسم من الاسماء الثلاثة فالثلاثة جبروت و ملكوت و ملك و هو ثابت و ذو جسدين و منقلب و الاربعة ربيع و صيف و خريف و شتاء و الثلاثة عقل و نفس و جسد و الاربعة صفراء و مرّة و دم و بلغم و الثلاثة قلم و لوح و جسم الكل و الاربعة نار و هواء و ماء و تراب و الثلاثة سماء و بر و بحر و الاربعة دبور و جنوب و صبا و شمال و الثلاثة الله العلي العظيم و الاربعة خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم و قد روي ان العرش له اربعة اركان نور اخضر منه اخضرت الخضرة و نور اصفر منه اصفرت الصفرة و نور احمر منه احمرت الحمرة و نور ابيض منه البياض و روي منه ابيض البياض و حملة العرش اليوم اربعة جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل فالاثني عشر من الثلاثة في الاربعة و الثلاثمائة و الستون من الاثني عشر في الثلاثين التي من الالوهية و النقش و اللفظ و المعني سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر فالمعني الحمد لله و اللفظ لا اله الا الله و النقش الله اكبر(سبحان الله؟) فجمعت هذه السورة ميادين التوحيد الاحدعشر بجميع الخلق من المحقين و المبطلين تشير الي كل واحد منها بما يناسبه منها و بها ظهرت الاثار في الموجودات (الوجودات خ‌ل) علي سبيل يوم التكوير و يوم الشأن و يوم الايلاج و ذكرهم بايام الله فظهرت الكلمات الاربع المذكورة في كل

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 255 *»

شيء بكل شيء كما يشير اليه مرموزا علي سبيل الاجمال لاهل الكمال التفصيلي ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الي اهلها و هم الذين يعرفون الاثار بالمؤثرات لا المؤثرات بالاثار، و قوله سلمه الله فاقرأه تشتف كلام جامع فكل قاري شفاؤه علي حسب فهمه لها الا ان الستة الميادين الاخيرة من الاحد عشر لايسلم سالكها لانها مسبعة كثيرة الحيات و العقارب نعم يسلم منهم اصحاب العقول و هم الناظرون في اولها اذا اخذت بايديهم يد العناية و الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.

ثم انه سلمه الله بين كيفية الي الاتحاد و الحلول المرضيين بقوله:

و حل عقودا من طباعك ان‌ترم حلول مقامات اتحاد و كن وفي
باكمل عهد الجواب به بلي و نور وجود الحق في الخلق ما طفي
و اسأل ربي مزج روحي بنوره لتمتحق الاشباح حتي اكن خفي

قوله و حل عقودا يعني به ان الطبيعة الامكانية قبور الاموات و ما انت بمسمع من في القبور. اومن كان ميتا فاحييناه و انما اتي بصورة الحل و العقد المعروفين عند اهل الصناعة لان الحل تمشية اجزاء يابسة مشاكلة برطوبة مشاكلة و العقد بعد الحل لتقيد (ليتقيد خ‌ل) الآبق بالطلق و الاكليل بعد ان كانا بحكم الآبق في الذوبان في الحل فتمازجا ذائبين ثم انعقدا فثبتا علي النار السبك (السبوك خ‌ل) بعد ان دبرا بنار الحضانة كذلك عقود الطبيعة وجودها (و جمودها خ‌ل) اذا حللتها شيئا فشيئا بالاداب الشرعية و التدابير الالهية حتي تذوب قال تعالي فكانت هباء منبثا ثم تعقدها بنار الرياضة الالهية و الحضانة الشرعية كما علمك الشارع الحكيم عليه‌السلام.

ثم قال ان ترم حلول مقام اهل الاتحاد و القرب من الله فانهض باعباء ما عاهدت خالقك عليه في التكليف الاول قال (قال لك خ‌ل)

 

 

«* جوامع الکلم جلد 1 صفحه 256 *»

الست بربكم فقلت بلي فانه سبحانه قد غرز في جبلتك جوابك لسؤاله ثم لما زجرك الملك بالخروج الي الدنيا و نسيت المأخوذ رحمك و اتم عليك نعمه ظاهرة و باطنة فارسل اليك افضل مبلّغ بافضل شريعة شرح لك فيها جميع ما اخذ عليك و ذكرك جميع ما نسيت و وفر عليك النعمة الباطنة التي تقر بها تعريف النعمة الظاهرة و تذكر بها ما ذكرك و فيه اشارة‌الي الحلول و الاتحاد و المسؤول عنهما، ثم قال و نور وجود الحق في الخلق ما خفي يشير به الي جواب السؤال عن الحلول و قد تقدم بعض الكلام في شرح جواب الشيخ علي بمثل هذا المعني و لعمري لقد اجاب هذا الشيخ عن هذه المسئلة في هذه الفقرة بما لامزيد عليه و لا شرح اجلي منه و لا كلام اخصر منه و هذا لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد، ثم قال و اسأل ربي مزج روحي بنوره مشيرا الي الجواب عن الاتحاد و هو كالذي قبله في الاختصار و ظهور المعني المراد علي اكمل وجه بما ليس عليه غبار و الحمد لله رب العالمين.

وقع الفراغ من تسويدها الليلة التاسعة و العشرين من جمادي الاولي من السنة العاشرة بعد المأتين و الالف بقلم مؤلفها حامدا مصليا مسلما مستغفرا.