شرح المشاعر – الجزء الثالث
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمد بن زین الاحسائی اعلی الله مقامه
قال الثالث الوجود المنبسط الذي شموله و انبساطه علي هياكل الانسان و الماهيات ليس كشمول الطبايع الكلية و الماهيات العقلية بل علي وجه يعرفه العارفون و يسمونه بالنفس الرحماني اقتباسا من قوله تعالي و رحمتي وسعت كل شئ و هو الصادر الاول في الممكنات عن العلة الاولي بالحقيقة و يسمونه بالحق المخلوق به و هو اصل وجود العالم و حيوته و نوره الساري في جميع ما في السموات و الارضين .
اقول كلام المصنف هنا اول كشف القناع ما فهمه العالم الارشد الملا احمد بن محمد بن ابراهيم في تعليقاته علي هذا الكتاب و انا انقل لك كلامه هنا لتعرف منه مراد المصنف رفعا للتوهم علي اني احمل كلامه علي خلاف مراده ليكون كلام هذا العارف شاهدا لي و ان كان طويلا يطول بذكره مع ما اذكره الكلام فيما هو ظاهر قال قوله و هو الصادر الاول في الممكنات عن العلة الاولي بالحقيقة و قول الحكماء ان اول الصوادر هو العقل الاول بناء علي ان الواحد لايصدر عنه الا الواحد كلام حملي بالقياس الي الموجودات المتعينة المتباينة المتخالفة الآثار فالاولية ( و الاولوية خل ) هيهنا بالقياس الي اول الصوادر المتباينة الذوات و الوجودات و الا فعند تحليل الذهن العقل الاول الي وجود مطلق و ماهية خاصة و جهة نقص و امكان حكمنا بان اول ما ينشأ هو الوجود المطلق المنبسط و تلزمه بحسب كل مرتبة مهية خاصة و تنزل خاص يلحقه امكان خاص كذا افاده في الكتاب
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 338 *»
الكبير و لايذهب عليك ان اطلاق الوجود المطلق علي الوجود المنبسط علي هذا اضافي هذا ثم لايخفي علي العارف بمذهبه انه لايصح منه القول بصادرية الوجود المنبسط حقيقة فلعل المراد منه ان الوجود المنبسط هو الطور الاول للوجود الاول و البواقي اطوار له فالمتطور في هذه الاطوار هو الوجود المنبسط و هو غير الوجود الحق اذ طور الشئ غير ذلك الشئ بوجه و علي هذا يحمل ايضا ما قاله ( قال خل ) في الكتاب الكبير من ان الوجود المطلق اذا اطلق في عرفهم علي الواجب يكون مرادهم به الحقيقة بشرط لاشئ ( لا بشئ خل ) لا الحقيقة السارية و لايلزم عليهم المفاسد الشنيعة كما لايخفي فتثبت و بالجملة لعل مراده من صادرية الوجود المنبسط بهذا المعني لا ان الوجود المنبسط هوية منفصلة عن هوية الواجب في الواقع ناشية عن وجوده نشو المعلول من العلة كما يظهر لمن تتبع كلامه و فهم مراده و بالجملة مذهب المصنف هو هذا و من فهم غيره من مذهبه فقد خبط خبط عشواء و حرف الكلم عن مواضعه فعلي هذا قوله بالجاعلية و المجعولية بين الموجودات و ان في الوجود علة و معلولا و جاعلا و مجعولا مبني علي ظاهر النظر و لئلايتوحش الناظر في اول الامر باستماع امثال هذا الكلام فلذا بني الامر اولا علي ما هو الظاهر من القول بالجاعلية و المجعولية و العلية و المعلولية و اشار اشارات خفية الي ما هو مذهبه في بعض الاوقات في اثناء تلك الكلمات حتي تنكسر سورة وحشة الناظر و ترتفع شدة نفرته تدريجا و يستأنس به قليلا قليلا حتي يرتفع قبح ذلك بالمرة عن نظره ثم بعد ذلك يصرح بما هو مذهبه في الواقع كما فعل في هذه الرسالة و سائر كتبه و رسائله و العجب من جمع من المعاصرين الناظرين في كلامه المدعين لفهم مراده انهم يدعون ان مذهب المصنف ان وجود المعلول ظل لوجود علته و ليس في سنخه و بالجملة يقولون ان مذهبه ان الوجود المنبسط ظل لوجود الباري و ليس من سنخه بل بحسب اصل الذات و سنخ الهوية مباين لوجوده تعالي و لعل الباعث علي هذا الحمل انهم لما رأوا ان ذلك مخالف لما ورد في هذه الشريعة الحقة بل بجميع ( لجميع خل ) الشرايع و ايضا الانسان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 339 *»
بفطرته و جبلته التي فطر الناس عليها يحكم بمباينة وجود الحق المتعال عن وجود سائر الموجودات علي ان المصنف ايضا ادعي في كتبه و رسائله مرة بعد اخري و كرة بعد اولي ان في الوجود جاعلا و مجعولا و ان الجاعلية و المجعولية بين الوجودات دون الماهيات و اقام عليه الحجج و البراهين و ايضا قد اطلق الظل و العكس علي وجود المعلول و قد مثل بنسبة وجود الواجب الي وجود الممكن بما يوجب مثل هذا التوهم مثل الشمس بالقياس الي ضوئها و غير ذلك من الامثلة الموهمة و الكلمات المشنعة فدعاهم جميع هذه الامور الي ذلك الحمل و التوجيه الذي لايرضي به صاحبه اصلا و ليت شعري انه علي هذا عليم يحمل كلامه في التوحيد الذي قال به و سيجيء عن قريب و قوله في آخر بحث التوحيد في هذه الرسالة حيث قال اياك ان تزل قدمك من استماع هذه العبارات الي آخر ما قال هناك و عليم يحمل هذا قوله بان الوجود امر واحد شخصي مع قوله بان الوجود حاصل في كل موجود من الموجودات مطلقا كما يقوله اذواق المتألهين كما ظهر و عليم يحمل كلامه في ان الواجب كل الاشياء و يحيط بجميع الامور احاطة وجودية لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها و غير ذلك و لايقبل هذه المسائل بعض التأويلات و التوجيهات حتي يرتفع التخالف بينها و بين ما استندوا اليه كما لايخفي علي من هو من اهل الكياسة و الفطانة و بالجملة بعد غور تام و تأمل كامل في كلماته و اقواله مع فطرة سليمة من الآفات غير سقيمة ( مستقيمة خل ) بذمائم الصفات يظهر ان مذهبه هو ما قلنا و ان كل ما وقع في كلامه مما هو مخالف للشريعة فهو امر آخر ليس له دخل فيما نحن بصدده هيهنا من بيان مذهب المصنف و كن من الشاكرين انتهي كلام الملا احمد المذكور في التعليقات علي هذا الكتاب هنا اقول و الذي يظهر لي من مذهب المصنف هو ماذكره هذا العارف و ان من وجهه بغير هذا فهو حماية عن المصنف و دفاعا عنه من شناعة القول و الاعتقاد و اقول ظاهر قوله الوجود المنبسط الخ ، ان هذا الوجود الذي يشير اليه منبسط علي سائر الموجودات كانبساط نور الشمس علي الاشياء الا ان الاشياء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 340 *»
موجودة بغير نور ( النور خل ) المنبسط عليها من الشمس و هنا لا وجود لها و لا تحقق الا بهذا المنبسط فهي كاجزاء الشعاع من نور الشمس و هو ذلك النور فيكون المعني انه منبسط بها فلا حقيقة لها غيره و هذا هو الذي يظهر من مراده من قوله و اما ظاهر نفس قوله فالاشياء غيره و هو غيرها لانه منبسط عليها كما قال و انبساطه علي هياكل الانسان و لميقل و انبساطه بهياكل الانسان ليدل صريح قوله علي مراده و قوله بل علي وجه يعرفه العارفون يعني انه هو ايضا يعرفه و قد اشار اليه قبل في تمثيله بالجنس و الفصل كما ذكر سابقا و ذكرنا هناك انه كما نقول و ان هذا الوجود المنبسط هو كالحيوان المنبسط علي هيكل الانسان و الفرس و هو عندنا هو المادة المطلقة فانه يؤخذ منها حصة للانسان و حصة للفرس كقولك يؤخذ من الحيوان حصة للانسان و للفرس و يتمايزان بالفصول كقولك يتمايزان بالصور و قد بينا مرارا فيما سبق ان العقلاء اتفقوا علي تحديد الانسان بالحيوان الناطق تحديدا حقيقيا بجميع ذاتياته لميخرج منها شئ فلو جعل الوجود حقيقيا للانسان فلا بد ان يكون هو احد الحصتين الحيوانية او الفصلية او ان الحد ليس حقيقيا اما بخروج بعض ذاتياته عن الحد او ان الوجود ليس حقيقيا في الانسان بل هو عرض خارج فيلزم المصنف اما جعله المادة اي الحصة الحيوانية او الصورة اي الفصل او كونه غير حد حقيقي لخروج بعض ذاتياته او لكون الوجود عرضا خارجا فيلزمه من عدم كونه حدا تاما مخالفة جميع العقلاء و من كونه عرضا مخالفة جميع اقواله في سائر كتبه فيلزم ان شمول الوجود للاشياء و انبساطه عليها يعرفه كل احد حتي الجاهلون و لولا كثرة اقوال الباحثين عنه و تعارضها و تصريحها بانه شئ لايعرف و لايمكن تعقله لماجهله السوقة و العوام و الآن كذلك الا انه قد اخذتهم الاوهام من كثرة الكلام و الاختلاف بين من هم عندهم اعلام فجهلوا اسم ما عرفوه و اقتصروا في معرفته علي مفهوم الاسم الآخر الذي هو المادة و قوله و يسمونه بالنفس الرحماني بفتح الفاء و قيل بسكونها كما تقدم
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 341 *»
و هو عندنا اي النفس الرحماني له مراتب متعددة كما تقدم اعلاها في اعتبار تزييل الفؤاد المشية في نفسها باعتبار انها الكلمة التامة و ان الكلمة اذا اعتبرناها وجدناها تكونت باربعة مراتب احدها النقطة التي هي مبدء النفس من جوف المتكلم و يقال لها الرحمة ثم تمتد الي الهواء و هو الالف اللينية التي هي هيولي سائر الحروف و ان الحروف منها شعب كالشعب من النهر الواحد و هو النفس الرحماني الاولي الذي ليس قبله نفس بالنسبة الي الكلمة ثم يقطع المتكلم من هذا النفس اجزاء و حصصا بواسطة آلات التمييز من الحلق و اللسان و اللهاة و الاسنان بالقلع و القرع و الضغطة ( الضغط خل ) هي حروف تتألف منها الكلمة ثم يؤلف منها الكلمة فالنقطة اول منشأ الكلمة و النقطة تسمي الرحمة اقتباسا من قوله و هو الذي يرسل الرياح بشرا ( بشري ظ ) بين يدي رحمته و الالف هي الرتبة الثانية من الكلمة و الحصص المجزاة المميزة هي الحروف التي تتركب منها الكلمة و المؤلف منها هو الكلمة و لما كانت المشية هي الكلمة التامة اعتبر فيها ما يعتبر في الكلمة في التزييل الفؤادي و ان كانت المشية بسيطة ليس في الامكان ابسط منها او يساويها لكنها باعتبار متعلقها المتجزي يلاحظ فيها جهات التجزي فتفصل في الاعتبار كما تفصل الكلمة فهذه الكلمة التامة ان اريد بالنفس الرحماني اياها كان تقوم الاشياء به تقوم صدور لان الاشياء لاتتألف منها و صح اطلاق النفس الرحماني عليها اما باعتبار المرتبة الثانية في تفصيلها او انها بعد تمامها هي النفس الرحماني الثانوي لقيام ( لقوام خل ) الاشياء بها و هو اول صادر خلقه الله تعالي بنفسه اي بنفس ذلك الصادر لانه بمعني الحركة الايجادية و الحركة الايجادية محدثة بنفسها لانها انما تحتاج في ايجادها الي حركة ايجادية و يستغني بها عن تكررها و هو الحق المخلوق به اي خلق الله به اكوان الاشياء ان لوحظ الذكر الاول و به خلق سبحانه اعيان الاشياء ان لوحظ العزيمة عليه و ان اريد بالنفس الرحماني اول صادر من هذا و هو الحقيقة المحمدية التي هي محل ذلك الفعل و هي اثره الاول فهي بالنسبة اليه كالانكسار بالنسبة الي الكسر كان قيام الاشياء به قياما ركنيا كقيام الباب و السفينة و السرير بالخشب لان مواد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 342 *»
الاشياء كلها من شعاع هذا الصادر عن فعل الله الذي هو المشية و قوله و هو الصادر الاول في الممكنات عن العلة الاولي ان اريد منه العلة الاولي و ذات الباري عز و جل فهو غلط لان ذات الباري عز و جل لاتكون علة قريبة لشئ كما هو مقتضي الاطلاق فانه يراد بالعلة هي القريبة و الواجب لايكون علة لشئ و انما علة الاشياء صنعه فلايصح كون شئ صادرا عن ذاته تعالي كما بينا سابقا و اذا اريد بها فعله صح فيكون حينئذ اول صادر عنه هو الوجود و هو المادة ( الماء خل ) و هو الحقيقة المحمدية ، و قوله و هو اصل العالم ان اريد به اي الصادر نفس الفعل الذي هو مشية الله تعالي كان معني كونه اصل العالم انه علة تكوينه و منشأ ايجاده و ان اريد به اول صادر عن المشية اي اول مفعول لكان معني كونه اصل العالم انه علة ماهيته اريد بالماهية هنا الهوية و هي الهوية بالمعني الثاني اي المركب من الوجود و الماهية الاولي ، منه اعلي الله مقامه .
اي ان مادة العالم و صورته من شعاعه كما مر و كذا قوله و حياته و نوره الساري في جميع السموات و الارضين اي مثل ما قلنا في معني كونه اصل العالم و ظاهر كلامه بعد هذا انما يتمشي علي المذهب الحق اذا اريد بالصادر اول صادر عن مشية الله تعالي و هي فعله لان الحق ان الفعل لايتركب منه المفعول ، و قوله حتي انه يكون في العقل عقلا الخ ، يريد انه يصير عقلا في انبساطه علي العقول فيكون معلولا و هو علة ثم اعلم ان الظاهر من كلامهم انه يراد به الفعل لا الصادر عن الفعل فيلزمهم ان يكون المفعول متركبا من الفعل و هو باطل فان الكتابة لاتتركب من حركة يد الكاتب و لاجل انهم يريدون بالصادر هو الفعل و بالعلة الاولي هي الذات المقدسة تعالي قال الملا احمد المذكور في تعليقاته علي قوله و قد يسمونه بالحق المخلوق به قال قد نقل عن بعض الاعاظم انه قال و قد يسمونه بالمشية كما ورد في الحديث ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 343 *»
و لعل وجه التعبير عنه بها ان المشية مع وحدتها لكون انها عين ذاته المقدسة لما كانت متعلقة بالامور المتكثرة المختلفة و كذلك الوجود المنبسط مع وحدته متعلق بالماهيات المختلفة الكثيرة و ان كان بين التعلقين فرق فلذا عبر عنه بها انتهي ، اقول و كلامه هذا هو معني كلام المصنف و كلام القوم سواء يفرغ بعضها في بعض فالعلة الاولي عندهم هو الله سبحانه و الصادر الاول هو ابداعه و هو الساري في الاشياء و منه تركبت كما قال في العقول عقلا كما يأتي و ان المشية هي ذات الله تعالي عن قولهم و كل هذه امور باطلة و اعتقادات عاطلة و مذهبنا هو مذهب ائمتنا عليهم السلام هو ان العلة الاولي هي القريبة و هي فعل الله تعالي و الصادر الاول عنها هو الوجود و الحقيقة المحمدية و الاشياء كلها تركبت من شعاع تلك الحقيقة و ان فعل الله سبحانه هو مشيته و ارادته كما قال الرضا عليه السلام فالمشية و الارادة و الابداع اسماؤها ثلثة و معناها واحد و روي الصدوق في التوحيد بسنده عن الرضا عليه السلام انه قال المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله سبحانه لميزل شائيا مريدا فليس بموحد ه ، و الاحاديث كلها متفقة علي الحدوث و انه ليس لله ارادة قديمة و لا مشية قديمة و ان المراد بهما الفعل لا غير و لميوجد حديث يوهم كون شئ منهما قديما و قد اتفق العقل و النقل علي حدوثهما و من عجيب الامور انهم يروون الاحاديث المصرحة بالحدوث مثل هذا الملا يروي ان الله خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية ثم يقول لعل وجه التعبير عنه اي عن الصادر بها اي بالمشية ان المشية مع وحدتها لكون انها عين ذاته المقدسة و ذلك لانه يحمل هذه المشية علي مشية الخلق فيا سبحان الله ما الموجب لميلكم الي قدم المشية مع انكم لمتمضوا الي الازل فتشاهدوا انها قديمة و انها عين ذاته و لميخبركم بذلك و انتم تقرون بانه لايعرف الا بما عرف به نفسه و لميعرف نفسه الا علي السن اوليائه و اولياؤه كلهم اتفقوا علي كون مشية الله حادثة و انها ليست عين ذاته فماادري ما الذي حداكم علي هذا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 344 *»
ان كان لكم حاصل و فائدة تحصلونها من القول بقدمها بخلاف ما قال نبيه و اهل بيته صلي الله عليه و آله فربما يحصل لكم عذر لئلاتفوت عليكم الفائدة و الا فائمتكم عليهم السلام علماء لايجهلون و حكماء لا يهملون و ذاكرون لاينسون و ناصحون لايغشون و تشهدون ان الحق معهم و فيهم و بهم و ان كل من خالفهم فهو علي باطل من امره فما بالكم تتركون كلامهم الحق و تأخذون بكلام اعدائهم و لاتسلمون لهم و لاتردون اليهم و انتم تعلمون فمن اراد الاحتجاج علي ذلك من جهة العقل فلينظر الي احتجاج الرضا عليه السلام مع سليمن المروزي كما في الاحتجاج للطبرسي و التوحيد و عيون اخبار الرضا للصدوق فان العاقل لايجد للعقل فيما قرر عليه السلام من حدوث المشية و الارادة مجالا و ذلك لاني انا اذا قلت بحدوثها حجتي الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام و الدليل العقلي علي معني للارادة معقول لي لان المعني المحدث يمكن للعقل ادراكه و انتم اذا قلتم بقدمها كانت الاخبار عنهم عليهم السلام كلها مخالفة لكم ليس لقولكم فيها مستند و لا لعقولكم مدرك فيما تدعون لانكم تثبتون قديما و القديم لايتعقل فاذا تعقلتم فانما فهمتم حادثا و ادركتم مصنوعا و ليس لكم مأوي و لا موئل الا انه تعالي يخبركم بذلك ( و خ ) الواسطة بينكم و بينه اخبركم بخلاف ما قلتم فاين تذهبون و اما ادلة المجادلة بالتي هي احسن فهي في هذه المسئلة لنا لا لكم فانكم قلتم ان المشية صفة و الصفة لاتقوم بنفسها و لا بغير موصوفها فاذا قامت بموصوفها و كانت حادثة كان محلا للحوادث و نحن نقول هي صفة و الصفة تقوم بغير موصوفها كالكلام يقوم بالهواء و لايقوم بالمتكلم و تقوم بنفسها كما قررتم ان الذوات الحادثة صفات للذات القديمة و هي قائمة بنفسها لانه اقامها بنفسها و كذلك المعلولات في الحقيقة صفات العلل و هي قائمة بنفسها و ايضا اذا سلمنا انها تكون قائمة به تكون قائمة قيام صدور لا قيام عروض كالاشعة مع ( من خل ) المنير و لو سلمنا استدلالكم كان ايضا حجة ناقصة لقولكم لان قولكم لو كانت حادثة كان محلا للحوادث فتقول و ان كانت قديمة يكون محلا للقديم المغاير
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 345 *»
له فان قلتم هي ليست مغايرة قلنا هي مقترنة بالمراد و ذاته غير مقترنة و هي خاصة اي علم خاص و ذاته غير خاصة و هي تقترن بالنفي كما قال تعالي اولئك الذين لميرد الله ان يطهر قلوبهم و ذاته لاتقترن بالنفي و هي علي طبق المراد و المراد علي طبقها و ذاتها لاتطابق شيئا و لايطابقها شئ و هي لها ضد فهو مريد و كاره و ذاته لا ضد لها و هي لها وجه خاص بالمراد فان ارادة ايجاده لزيد غير ارادة ايجاده لعمرو و ذاته ليست كذلك و امثال هذه مما نعقلها من صفات الخلق التي قد اتصفت به و انتم لاتعقلون صفات الحق تعالي لتصفوها بها و تجدوها فيها و الوجه الثاني انكم قلتم لو كانت حادثة لكانت محدثة بارادة غيرها و ننقل الكلام الي هذه و هكذا و يلزم الدور او التسلسل و نحن نقول ان الامام عليه السلام قد اجاب عن هذا الخطاب بما فيه كفاية لاولي الالباب فقال ان الله سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية فابطل عليه السلام الدور و التسلسل و قد تتبعنا جميع الافعال فوجدناها كلها محدثة بنفسها مثل حركة يد الكاتب احدثها بنفسها ثم احدث الكتابة بها و بيانه ان حركة يد الكاتب محدثة و المحدث يحتاج الي حركة يحدث بها حركة يده مثلا فان قلت ان حركة يده محدثة بحركة غيرها نقلنا الكلام اليها حتي يعود انها احدثها بنفسها لانها حركة و الايجاد حركة و لايحتاج الموجد الي غيرها فيحدثها بها و يرتفع الدور و التسلسل و تأمل فانك تجد قراح الحق الذي لا شوب فيه و ليس قولي و قد تتبعنا ان معناه ان الدليل محض الاستقراء و انما هو لبيان ضرب المثال من الملك المتعال عز و جل فلاتكون المشية عين ذاته لان المفهوم من معني المشية هو ميل الشائي و هذا الميل ليس هو ذو الميل و لو قلت انها عين ذاته بمعني ان المراد كون ذاته بحيث يفعل ما هو الاصلح فكون ( فتكون خل ) ذاته بحيث يفعل او يختار ما هو الاصلح هو ذاته كيف يكون ذلك المعني الرابطي عين ذاته و مع هذا فهو محيث بفعل ( بحيث يفعل خل ) ما يشاء و يختار و ذلك معني فعلي لايكون هو الذات الحق ( سبحانه خ ) المقدسة عن النسب و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 346 *»
الروابط فان هذا هو معني الارادة القديمة عندهم التي هي ذاته فيكون ذاته هي كون ذاته بحيث يفعل ما يشاء و يخلق ما يشاء و يختار سبحانه و تعالي .
قال و هو في كل شئ بحسبه حتي انه يكون في العقل عقلا و في النفس نفسا و في الطبع طبعا و في الجسم جسما و في الجوهر جوهرا و في العرض عرضا و نسبته اليه تعالي كنسبة النور المحسوس و الضوء المنبث علي اجرام السموات و الارض الي الشمس و هو غير الوجود الاثباتي الرابطي الذي كسائر المفهومات الكلية و المفهومات العقلية لايتعلق بها جعل و لا تأثير لها ايضا كالمعقولات المتأصلة وجود لكن وجودها نفس حصولها في الذهن و كذلك الحكم في مفهوم العدم و اللاشئ و اللاممكن و اللامجعول بل لا فرق عندنا بين هذه المفهومات و غيرها في كونها ليست الا حكايات و عنوانات لامور الا ان بعضها عنوان لحقيقة موجودة و بعضها عنوان لامور باطلة الذات .
اقول يريد ان القسم الثالث اعني الذي يتعلق بغيره لانبساطه علي اعيان الاشياء و لايتقيد بقيد مخصوص يكون في كل شئ مما انبسط عليه بحسبه يعني يكون من نوع ما انبسط عليه ففي العقول عقل و في النفوس نفس و في الطبايع طبيعة و هكذا فهو كالغذاء المستحيل كيموسا و بعد تعفينه في الكبد تدفعه الدافعة الي عضو فيستحيل قدر منه بقدر احتماله و استعداده في العظم عظم و في المخ مخ و في اللحم لحم و في العصب عصب و هكذا و تهضمه هاضمة ذلك العضو و تمسكه ماسكته و تدفع باقيه الي ما بعده و تجذبه القابضة و هكذا او يكون المعني ان ظهوره في كل شئ بحسب قابلية ذلك الشئ ، و قوله و نسبته اليه تعالي و في نسخة و نسبته الي الله تعالي كنسبة النور المحسوس الخ ، اعلم ان هذه النسبة تشير الي ذكرها الاخبار عنهم عليهم السلام و الآيات القرءانية و الانفسية و الآفاقية تشهد به و تشير اليه و لا اشكال في التعبير عنه بهذه العبارة و انما الاشكال في المراد منه و في معناه و في حقيقة هذه النسبة اما المراد منه عند المصنف فهو فعله الذي هو ذاته كما تقدمت الاشارة اليه و اما المراد عند ائمتنا عليهم السلام و عندنا تبعا لهم فهو الماء الاول و الحقيقة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 347 *»
المحمدية و الوجود الذي هو اول اثر صدر عن فعل الله تعالي و قد تقدمت الاشارة الي بيان نوع انبساطه و اما معني كلامه عنده فهو ما تقدم في قوله و اما تخصيصه بمراتبه و منازله الي ان قال فبما فيه من شؤنه الذاتية و حيثياته الغيبية ( العينية خل ) يعني انه يتعين و يتخصص بما فيه من الشؤن الذاتية كما هو مقتضي البساطة الحقيقية و اما عند ائمتنا عليهم السلام و عندنا فهو ما يعرفون من معني المادة المطلقة و اما حقيقة هذه النسبة فهي عنده نسبة الشئ في شؤنه الذاتية الي ذاته البحت و اما عند ائمتنا عليهم السلام و عندنا نسبة الاثر و المعلول و المفعول الي فعل المؤثر و الفاعل و بيان هذه يظهر في بيان نسبة النور الي الشمس و هي بعينها نسبة النور الي السراج و انا اريد امثل بالسراج و اشعته لا بالشمس لانه و ان كان في الحقيقة واحدا الا انه في الشمس اخفي و في السراج ابين لما فيه من النار الظاهرة و الدهن و الاشعة و في الشمس كذلك لكنها لخفائها لو مثلت بها سارعت النفوس الي الانكار فاقول قد ذكرنا هذا الذي نريد ان نمثل به مرارا فيما سبق و لكني اكرر الذكر فان الذكري تنفع المؤمنين اعلم ان السراج الظاهر بالاشعة هو الشعلة و هي دهن قد كلسه ( كلسته خل ) فعل النار حتي صار دخانا و انفعل بالاستضائة عن فعل النار و مسها و الاشعة المنبسطة منه انما انبسطت و نشأت و بدت من الشعلة التي هي الدخان المنفعل بالاستضائة فالاشياء كالاشعة المنبسطة في اطراف البيت و فعل النار كالمشية و الاستضائة ( بالاستضائة خل ) من الدخان الذي كلسه فعل النار من الدهن و اما آية الفاعل سبحانه فهي النار الغيب التي لاتدرك و انما يدرك مفعولها اعني الدخان المنفعل بالاستضائة عن مس النار و ظهور الشعلة بذوات الاشعة كظهور الوجود الصادر عن فعل الله اعني الحقيقة المحمدية بذوات الاشياء علي نحو لفظ المصنف لا علي معني مراده فآية الفاعل هي النار الغيب و فعله احراق النار و تكليسها للدهن حتي كان دخانا و الصادر عن فعل الله سبحانه كالشعلة الصادرة عن فعل النار و الاشعة القائمة بالشعلة اي بشعاعها يعني ظهورها بالاشعة هي الاشياء فافهم فهمك الله تعالي و بصرك في الدين ،
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 348 *»
و قوله و هو غير الوجود الاثباتي الرابطي اي غير الحصول في كذا كالكون في الاعيان الرابطي الحملي فان هذا كسائر المفهومات لانه اسم معني فهو عنده كالمفهومات الكلية التي لايتعلق بها جعل في الخارج و لا تأثير لها كذلك اذ ليس لها وجود متعين و انما وجودها حصولها في الذهن و هو حظها من الوجود ثم قال و كذلك الحكم في مفهوم العدم و مفهوم اللاشئ و اللاممكن و اللامجعول فانها لايتعلق بها جعل و لا تأثير لها في الخارج لانها امور اعتبارية اعدام بل لا فرق عندنا يعني المصنف نفسه و اتباعه و هم الاكثرون بين هذه المفهومات و غيرها في كونها ليست الا حكايات اي اذكار خيالية و عنوانات استدلالية يتوصل بتصورها الي امور صحيحة او باطلة فبعضها كالمعقولات المتأصلة لحصولها بحقيقتها في العقل مجردة عن العوارض الخارجية عنوان لحقيقة موجودة في الخارج او ( اي خل ) في الواقع و بعضها عنوان لامور لا اصل لها في الخارج و لا في نفس الامر و لا في الحقيقة الذهنية بل هي اي المقصود من ذلك البعض امور باطلة في ذلك كما اذا تصور المحال و تصور قدم الحادث و حدث القديم و اعلم ان قوله الذي هذا بعض لفظه و بعض معناه لميتفرد ( لمينفرد خل ) به هو بل القائل به اكثر العلماء و الحكماء و هم في هذه ليسوا بعلماء و لا حكماء بل هم علي حد قوله و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة و تراهم ينظرون اليك و هم لايبصرون فكيف يدخل الشئ في علمهم و يتصورونه و يتخيلونه و هو ليس بشئ و لا مخلوق ما هذا الا شئ نشأ اصله من الركون من بعضهم الي بعضهم ( بعض خل ) تقليدا و اعتمادا علي فهم الغير و قولا تبع فيه بعضهم بعضا من غير دليل و لو انهم حيث رضوا بمتابعة غيرهم ثم جعلوا متبوعهم ائمتهم ائمة الهدي و اعلام التقي و العروة الوثقي لنجوا من هذه الجهالات و اهتدوا من هذه الضلالات و هم يسمعون سيد العلماء جعفر بن محمد عليهما السلام يقول كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم و قوله عليه السلام
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 349 *»
علي ما رواه في البحار لمن سأله عن شيعته فقال الرجل انهم قد اختلفوا فقال عليه السلام فيما اختلفوا فقال قال زرارة النفي غير مخلوق و قال هشام بن الحكم النفي مخلوق فقال عليه السلام قل بقول هشام في هذه المسئلة و مثل ما تقدم عن الرضا عليه السلام انه مايقع في وهم احد شئ الا و هو موجود في خلق الله و غير ذلك و في القرءان المجيد و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و العقل حاكم بهذا و قد سبق فيه بعض البيان و اشير هنا الي قليل منه تتميما للحجة اعلم ان الله سبحانه لما خلق الانسان علي صورة كاملة كان جامعا مملكا فكان مدني الطبع كثير الشؤن يحتاج في نظم معاشه و معاده الي جهات كثيرة و معاملات واسعة و مثل هذا لايسع شؤنه عالم الملك و مايقدر علي الاحاطة به من عالم الاجسام فجعل الله سبحانه له مرءاة يدرك بها ما غاب عنه و ما لايقدر علي الاحاطة بملكه مما يترتب عليه معاملاته و اعماله و علومه و تعريفاته تسهيلا لمداركه فاذا اراد ذكر شئ غائب عنه او بيانه او الاشارة الي تحصيله تصوره و عبر عنه بلفظ يدل عليه فيلتفت الي جهة ذلك المطلوب و مثاله الذي هو ظله قائم في محله من الالواح العلوية و ذلك المثال قائم باصله كقيام النور بالمنير و الظل بذي الظل فيقابل هذا الشخص الطالب له ذلك المثال الذي هو مثال المطلوب فتنتقش صورته في مرءاة خياله فيدركه بواسطة مثاله كما تري في المرءاة عند مقابلة الشخص لها فلو طلبت تصور رجل له الف رأس او الف نصف رأس كان مثاله منتقشا في بعض تلك الالواح لان ذلك الرجل كان قد خلقه الله تعالي في خزائنه بذات ذلك الرجل و حقيقته و امر الملائكة ان تنقش ( تنتقش خل ) مثاله في الالواح الجزئية فاذا توجهت الي جهة ذلك الرجل انتقشت صورة مثاله في خيالك فكان ما في خيالك ظل مثاله و ذلك المثال ظل ذلك الرجل و الدليل علي هذا الوجود ان لمن كان له عينان و هو يعرف بالمثال فانك اذا رأيت زيدا يوم الخميس ( الجمعة خل ) يصلي في المسجد الفلاني في السنة الفلانية في الشهر الفلاني انتقش مثاله بان امر الله الملكين الحافظين فنقشا مثاله في ذلك المكان من ذلك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 350 *»
المسجد يوم الخميس ( الجمعة خل ) من الشهر المعين و السنة المعينة يصلي دائما في تلك الصلوة ( الصورة خل ) التي رأيته فيها الي يوم القيمة فاذا كان يوم القيمة اتي بذلك المكان و ذلك الوقت و المثال الذي يصلي فيه فيلبس ذلك الرجل مثاله كالثوب فيشهد له ذلك المكان و ذلك الوقت و انت ما دمت حيا كلما اردت ان تذكره لايمكنك ان تذكره حتي يلتفت خيالك الي ذلك المثال المصلي في ذلك المكان المخصوص في ذلك الوقت المعين فتجده هنالك فتقابله بمرءاة خيالك فتنتقش فيه صورة ذلك المثال و لاتقدر ان تذكره ما لمتلتفت الي مكانه و وقته فلولا ان كنتم غير مدينين ترجعونها تذكرون ذلك المثال في غير ذلك المكان و الوقت ان كنتم صادقين فلو امكن ان تتصور ما ليس بموجود لامكنك ان تتصور ذلك لا في مكانه و لا في زمانه فافهم دليل الحكمة الذوقية القطعية التي لمتكن مأخوذة بالاوهام و انما هي حكمة ائمتك عليهم السلام و المصنف انما ذكر ذلك بانها كلها امور اعتبارية الا انه فيما سبق صرح بما اومأ اليه هنا من الفرق في الجملة بين مفهوم الوجود و الماهية فان مفهومه ليس له خارج ليتحقق الوجود في الظرفين بخلاف الماهية فانها قد تكون كذلك و قد يكون لمفهومها خارج متحقق متحد بالوجود في العينية لانها قد تحصل بحقيقتها في الذهن معراة عن العوارض الخارجية فتكون متحققة في الظرفين و جعله الوجود لايحصل في ظرف التحليل مبني علي ما يشير اليه من القول بالظلية فليس عنده الا الواجب تعالي بذاته في الازل و بظله في الامكان و قد ذكر الامجد الملا احمد في سائر كتبه في بيان قوله و نسبته اليه كنسبة النور المحسوس و الضوء المنبعث ( المنبث خل ) علي اجرام السموات و الارض الي الشمس ما يحقق مراد المصنف و هو غير ما بينا من المثال في نور الشمس فان المثال حق لانه من آيات الله في الآفاق و انما الاشكال في بيانه علي مذاقهم و كلام هذا الرجل في بيان كلام المصنف يشير بل يصرح بموافقته علي الظلية و انا انقله لك بتمامه لتسمع فانه قال هنا كما ورد في الحديث يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 351 *»
و هذا الكلام منه يوهم المغايرة بينه و بين الوجود الحق المتعال و يشعر بالظلية كما زعمه جمع من المعاصرين لكنه مبني علي ظاهر النظر فان بناءه في هذا المقام عليه كما لايخفي و حمل الحديث لا ما زعموه من المغايرة و الظلية لا غبار عليه اذ الظاهر ان الامر كذلك في الواقع لا ان مذهب المصنف ذلك و فرق بينهما فان قلت القول بالظلية فاسد اذ حينئذ اما ان لاتكون بينهما مشاركة او تكون فعلي الاول هو المباينة و ليس امرا ورائها كما زعمه الذاهبون الي هذا القول و علي الثاني اما ان تكون المشاركة بحسب تمام الذات فهذا القول بالسنخية او بحسب جزئها فيلزم التركيب المستحيل علي الله تعالي و بالجملة ينحصر القول في السنخية و المباينة الصرفة لا كمخالفة الظل بالنسبة الي ذي الظل و بالسنخية المشاركة الحقيقية كمشاركة القطرة للبحر في اصل الحقيقة فاحتمال قسم ثالث مما لايمكن انكاره ان اراد بهما غير ما ذكرنا مثلا اريد بالمباينة المخالفة بالمعني الاعم فعدم احتمال قسم آخر ثالث لهما هو القول بالظلية ممنوع لكن كلامنا مع من يقول بالسنخية بالمعني المذكور و بالمباينة بمعني المخالفة الصرفة فتأمل تفهم انتهي كلامه ، و قوله و الظلية لا غبار عليه اذ الظاهر ان الامر كذلك في الواقع و قوله فعدم احتمال قسم آخر ثالث لهما هو القول بالظلية ممنوع صريح في انه قائل بالسنخية و اما قول المصنف فهو مختلف الظاهر و الباطن لكنه يدور بين السنخية و الظلية لايخرج عنهما و القولان باطلان و الحق فيما قاله ائمة الزمان و امناء الرحمن عليهم السلام من القول بالمباينة كما قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه فقد بين (ع) الامر الواقعي و اجاب عما يتوهم الذاهبون الي السنخية و الظلية بقوله و غيوره تحديد لما سواه و ذلك لانهم يقولون يلزم التركيب اذا لمنقل باحد الوجهين فقال (ع) ان المغايرة التي يتوهم لزومها مع المباينة بتعين المتعينات و كثرة المتشخصات تحديد لها لا تحديد له تعالي لانها ليست معه في صقع لا بالذات و لا بالصفات و لا بالاعتبار و لا بالاحتمال و لا بالاسماء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 352 *»
فتكون صفاتها اثباتا و نفيا ( تعينا خل ) لاحقة لها و هو متعال عن كل ما سواه .
قال السادس لو تحققت الجاعلية و المجعولية بين الماهيات لزم ان تكون ماهية كل ممكن من مقولة المضاف و واقعة تحت جنسه و اللازم باطل بالضرورة فكذا الملزوم اما بيان الملازمة فلما سبقت الاشارة اليه من لزوم التعلق الذاتي و الارتباط المعنوي بين ما هو مجعول بالذات و بين ما هو جاعل بالذات .
اقول يريد انه علي فرض كون الماهية مجعولة بالذات يكون الجاعل لها بالذات و يلزم الارتباط المعنوي و التعلق الذاتي بينهما لما سبق من لزوم ذلك بين الجاعلية و المجعولية الذاتيين فيكون من مقولة المضاف لما بينهما من التلازم الذاتي فتكون ماهية كل ممكن داخلة تحت جنس ما هو من مقولة ذلك المضاف بما معها من الارتباط لعدم تحققه بدون الطرفين فيدخل الوجود تحت الجنس فيلحقه التحديد و قد ثبت فيما تقدم عدم دخوله تحت جنس او نوع اذ لا جنس له و لا نوع فلو كانت الماهية مجعولة بالذات لزم دخول ماهية كل ممكن تحت جنس ما هو من مقولة المضاف بما معها و اللازم باطل فكذا الملزوم و بيان الملازمة لما بين سابقا من لزوم التعلق الذاتي و الارتباط المعنوي بين المجعول بالذات و بين جاعله بالذات هذا حاصل كلام المصنف و فيه ما تقدم مما ذكرنا لك من ان الارتباط و التعلق الذاتيين لايحصلان بين المجعول و بين ذات جاعله و الا لزم كون الذات جعلا و كون الجعل و المجعول متساوقين ( مساوقتين خل ) لوجود الجاعل و هو باطل لما ثبت من ان الفاعل لايكون فاعلا بذاته بل لا بد من توسط الفعل بينه و بين مفعوله و الا كانت ذاته فعلا لا فاعلا و اعتبار فعلية الذات علي زعمهم ليس مساوقا لوجود الذات اذ لو كان مساوقا لوجود الذات لكان هو الذات او مع الذات و اللازم من حقيقة المساوقة كون الذات فعلا لغيره و صفة له و التزام المساوقة مع اعتبار التأخر ليستند الفعل الي الذات مناف للمساوقة و موجب لحدوث الفعل و اذا تحقق كون الجعل واسطة بين الجاعل و المجعول كما هو في الواقع لزم حدوث الجعل لكونه مسبوقا بذات الجاعل و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 353 *»
لزم حصول الارتباط بين الجعل و المجعول لا بينه و بين الجاعل و الداخل تحت مقولة المضاف مع المجعول مبدء التضائف الذي يتحقق به الارتباط فان الارتباط انما هو بين المضروب و الضرب لا الضارب علي ان الضارب ليس هو الذات و انما هو اسم فاعل ( لفاعل خل ) الضرب و التسمية انما تحققت بحصول التأثير بالضرب فالتضائف و الاقتران يكون بينهما و هو اي الجعل معني نسبي مغاير للذات و مسمي الجاعل هو الذات و الذي لايدخل تحت مقولة المضاف هو الذات و قد تقدم في مثالنا بالقائم ما يلزم منه ان الجاعل اسم فاعل و اسم الفاعل مركب من مبدء التأثير الذي هو الحركة الايجادية و الاثر و هو في الحقيقة صورة و مثال لهيئة ظهور الجاعل بالجعل و الضارب بالضرب و القائم بالقيام و لايتخلص من هذا الالزام الا جاهل به ليس له قوة ادراك هذا فيلتجأ الي جهله به و اذا اردت فهم هذا فاعتمد علي قول الله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فاذا نظرت الي الآيات الآفاقية مثل الكتابة التي هي مجعول الكاتب هل يكون بينها و بين ذات الكاتب ارتباط ذاتي بحيث يؤخذ في مفهومها حتي تدخل معه تحت جنس مقولة المضاف لايكون ابدا و ان الكتابة لاتدل علي شئ من ذات الكاتب بوجه من الوجوه و انما غاية ما يتعلق به انها تشابه ( تتعلق به بانها خل ) هيئة حركة يده في احداثها خاصة و اما ( انما خل ) معني قولهم ان الشئ مجعول بالذات فهو انه مجعول بغير واسطة مجعول آخر يترتب جعله علي جعله و مجعول بالعرض انه مجعول بتوسط مجعول آخر و هذا ظاهر لا غبار عليه و ليس المراد انه مجعول بذات الجاعل لان هذا جهل لا جعل اذ الذات لاتكون جعلا انما الجعل هو الفعل فالتضائف يكون بين المفعول و بين اثر فعل الفاعل من المادة و الصورة و هما علل الماهية و قد يعتبر التضائف بين علل الوجود اعني العلة الفاعلية و الغائية و هما غير الفاعل و هما و الفاعل غير الذات التي لمتدخل تحت جنس مقولة التضائف و قد قال اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قد قال ايضا (ع) انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظايرها ه .
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 354 *»
قال لايقال هذا مشترك الورود علي المذهبين لان المجعول اذا كان نفس وجود المعلول لا صفة زائدة عليه فكان في ذاته مرتبطا بغيره فيلزم من تعقله تعقل غيره اعني فاعله و كل ما لايمكن تعقله الا مع تعقل غيره فهو من مقولة المضاف لانا نقول مقولة المضاف و كذا غيره من المقولات التسع انما هي من اقسام الماهيات دون الوجودات فالاجناس العالية هي المسماة بالمقولات و كل ما له حد نوعي له جنس و فصل و هو لا محالة يجب ان يكون واقعة تحت احدي المقولات العشرة المشهورة .
اقول هذا جواب عن سؤال مقدر هو انه لايقال هذا مشترك الورود الخ ، اي مشترك الورود علي قولهم و علي قولك ايضا لانك اذا قلت ان المجعول بالذات هو الوجود يرد عليك هذا لان المجعول اذا كان كما نقول هو نفس وجود المعلول دون ماهيته ( الماهية خل ) لا ان المجعول امر زايد علي وجود المعلول فكان ذلك الوجود مرتبطا بذات الجاعل فيكون تعقل ذات الوجود ملزوما لتعقل ذات الجاعل و كل ما لايمكن تعقله الا مع تعقل غيره فهو من مقولة المضاف فاجاب المصنف بان مقولة المضاف و غيره من المقولات التسع التي هي مقولة الجوهر و الكم و الكيف و الاضافة و الاين و المتي و الوضع و الملك و الفعل و الانفعال كلها من اقسام الماهيات فتدخل تحت اجناسها بخلاف الوجود فانه لا جنس له كما تقدم و اعلم انه انما ذكر هذا الاعتراض و الجواب ليخلص ما ذهب اليه من شوائب الاعتراض و قد تقدم علي معاني ما ذكر هنا اعتراضات لا مناص له عنها فان الوجود لايمكن ان نتكلم عليه معه لانه لايحرر موضع النزاع فمرة يذكر الوجود و يريد به الواجب و تارة يريد به الممكن و تارة يريد به الاعم و قد قلنا مرارا ان الواجب ليس لنا فيه كلام و انما كلامنا فيما يمكننا ادراكه و لو بوجه ما و الواجب لايعلمه الا هو سبحانه و اما وجود ( الوجود خل ) الممكن فقد ذكرنا مرارا انه لايعقل الا انه هو المادة المطلقة كما هو مذهب اهل الحق (ع) او المعني الرابطي و هو لايريده او البسيط او النسبي او العرضي و هو لايريد شيئا منها فيلزمه ان يقول بانه المادة المطلقة او
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 355 *»
ان قولهم ان الانسان حيوان ناطق ليس حدا حقيقيا لان الوجود عنده ذاتي له و هذا الحد الذي اتفقوا علي انه حد حقيقي شامل لجميع ذاتيات المحدود و قد تقدم الكلام فيه فعلي ما قررنا و علي ما ذكره في بعض المواضع من كتابه الكبير و قد نقلنا شيئا منه سابقا فراجع فعلي ذلك تكون الوجودات داخلة تحت اجناسها و لاسيما علي قوله بانه متحد بالماهية و انها تدخل بمفهومها و بذاتها تحت الجنس فالمتحد بها اذا لميتحلل داخل معها و ان شرط التحليل بطل استدلاله هنا بالارتباط الذاتي الذي يلزم منه دخول ذات الجاعل تحت جنس مقولة المضاف و لا ريب ان الاتحاد اشد ربطا من الارتباط و التعلق فيقال له لايلزم من كون الماهية مجعولة بالذات ارتباطها بذات الجاعل بل باثر فعله و ان تنزلنا قلنا بفعله و لو سلمنا لزم الارتباط فان كان الدخول في الخارج بواسطة الماهية للارتباط دخل الوجود تحت الجنس لدخول الماهية تحته بالطريق الاولي للاتحاد الذي هو اشد من الارتباط و التعلق و ان كان الدخول في الذهن و اذا كانت في الذهن حللها العقل فلميدخل الوجود فهيهنا ايضا كذلك اذا كانت داخلة في الذهن حللها العقل من ذات الجاعل فلمتدخل ذاته تحت جنس مقولة المضاف فيبطل استدلاله هنا كغيره .
قال و اما الوجود فقد ثبت انه لا جنس له و لا فصل له و هو ليس بكلي و لا جزئي متخصص بخصوصية زايدة علي ذاته فاذا لايقع الوجود تحت شئ من المقولات بالذات الا من جهة الماهية فيما له ماهية و من هنا تحقق ان الباري جل اسمه و ان كان مبدأ كل شئ و اليه نسبة كل امر ليس من مقولة المضاف ، تعالي عن ان يكون له مجانس او مماثل او مشابه علوا كبيرا .
اقول قوله فقد ثبت انه لا جنس له و لا فصل له الخ ، لميثبت ذلك و انما ثبت انه لميفض من فعل الله تعالي الا الوجود خاصة و انه ليس شئ غير الوجود لا خارجا و لا ذهنا اذ لايقابله الا النفي و انه قد علم ان الاجناس و الفصول و الانواع مخلوقة بفعله و انها موجودة في الخارج بذواتها و في الاذهان باظلتها و اشباحها و ان بعض الاشياء داخلة تحت اجناسها و انواعها و ان الاشياء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 356 *»
الداخلة و المدخول فيها وجودات لانها بنفسها هي المفاضة من فعل الله و لميفض من فعل الله الا وجودات فقد دخل بعض الوجودات تحت بعض فدخلت انواع الوجودات تحت اجناسها و افرادها تحت انواعها كل شئ بحسبه في الذهن و الخارج و الغيب و الشهادة و قوله و لا جزئي متخصص بخصوصية زائدة علي ذاته يفهم منه ان الوجودات تتخصص بخصوصيات غير زائدة علي ذاتها كما ذكر سابقا انه يتخصص في مراتبه و منازله بشؤنه الذاتية و غيره انما يتخصص بخصوصية زائدة علي ذاته و هذه عبارات مخلوطة لايمكن اصلاحها لكثرة ما فيها من الاختلالات فان غير الوجود ليس بشئ فما هذا المتخصص بزائد علي ذاته و هذا الزايد ان كان وجودا كان شيئا يخصص لاشئ و ان كان ليس وجودا فليس بشئ و الوجود ما يتخصص به من شؤنه الذاتية هي هو او هي غيره فان كانت هي فلم قيل بشؤنه و لميقل بذاته و لم كانت الشؤن كثيرة و هو واحد و ان كانت غيره فهي زائدة علي ذاته فهو كغيره و الحاصل لو اسرح بصري في امثال هذه ما وجدت لفظة واحدة مستقيمة و السبب في ذلك ان اعتقاداتهم لميبنوها علي ما هو الواقع و انما بنوها علي الحمليات الصناعية و القضايا الملفقة المصوغة في ظاهرها كأنها شئ كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئا والله ماتبين لي شئ مستقيم فانكرته و لاكتبت من هذه المناقضات الا ما ادين الله تعالي بها و اسأل الله الكريم ان يجعلها عنوان صحائفي يوم القاه ، و قوله فاذن لايقع الوجود تحت شئ من المقولات الا من جهة ماهيته فيما له ماهية ، فيه اولا انه يدخل تحتها من جهة ماهيته فان كان حال اتحاده دخل معها و ان اراد بقوله من جهة ماهيته ان الداخل هو الماهية خاصة فعبارته لاتؤدي عن مطلبه لانه اثبت دخوله من جهتها فهو الداخل و ان اراد بذلك عند التحليل بطل دليله السابق كما قلنا ثم ان قوله فيما له ماهية صريح في ان الوجود مقول علي حقيقة واحدة بعضها له ماهية هو الحادث و بعضها لا ماهية له و هو
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 357 *»
الواجب تعالي او يقول ان مفهومه كذلك فيلزمه المحذور الاكبر و ايضا قد دلت الاخبار و الادعية عنهم عليهم السلام ان له تعالي ماهية هي نفس وجوده فنفيها عنه تعالي لا معني له فان قلت انه عني بالماهية الزائدة علي الوجود قلت ظاهر عباراته انه لايريد هذا المعني لانه يريد بالماهية معني ينافيه ( ينافي خل ) طبيعة الوجود او يغايره فلذا نفاها عنه تعالي لان هذا المعني هو المتبادر عنده و نحن نقول ان وجوده تعالي هو ماهيته و انيته و لا جائز ان تنفي عنه و انما ينفي عنه التكثر و المغايرة فكما لايجوز ان تنفي عنه القدرة و ان اثبت له العلم و انه هي هو و هو معناها كذلك لايجوز نفي الماهية عنه و انما ينفي عنه مغايرتها للوجود كما لايجوز نفي الوجود عنه و ان كان هو الماهية فلو قلت له ماهيته عين وجوده قال نعم و قلت له قل ليس له وجود لميقبل و ان قلت قل ليس له ماهية قبل لانه يريد بالوجود معني لايمكن تأويل سلبه عنه بوجه و نحن هكذا نريد فان الماهية هي الربوبية اذ لا مربوب و كذلك الكبرياء و العظمة و الجلال و ساير صفات الكمال و العزة كلها من صفات الماهية و لاتكون من صفات الوجود الا علي تأويل الماهية و ايضا قد ذكر المصنف في قوله قبل هذا ان كل موجود يجب ان يكون فعله مثل طبيعته و ان كان ناقصا عنه قاصرا درجته عن درجته فما كانت طبيعته بسيطة ففعله بسيط و كذا فعل فعله الخ ، و يريد بالفعل المفعول فيلزم من هذا ان فعله الذي هو الوجودات لاتكون لها ماهيات لمشابهتها لفاعلها او تكون له ماهية و علي الفرضين بحكم هذه القاعدة يلزم الوجود الواجب ما يلزم الوجود الحادث لانه عنده من سنخه و منه الدخول تحت مقولة المضاف من جهة ماهيته او عدم ذلك في الحادث لان ذلك مقتضي المشابهة و التساوي و انما يختلفان في القوة و الضعف و قد تقدم و قوله و من هيهنا اي من جهة ان الوجود لايدخل تحت جنس مقولة المضاف الا ( له لا خل ) من جهة ماهيته و ما لا ماهية له لايدخل و تحقق و ثبت ان الباري جل اسمه و ان كان مبدء كل شئ و اليه نسبة كل امر ليس من مقولة المضاف فنقول للمصنف يلزمك اما ان تقول بان ذات الباري تعالي لاتكون مبدأ لشئ و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 358 *»
لاينتسب اليها امر كما نقوله و انما مبدء الاشياء فعله و الي فعله و حكمه ترجع الامور او تقول بدخوله تحت جنس مقولة المضاف لانه اذا كان عنده فاعلا بالذات لزم التضايف بينه و بين مفعوله سواء كان وجودا ام ماهية الا ان تقول بانه الوجود فاذا نسبنا اليه الماهية لزم المحذور بخلاف ما اذا نسبنا اليه الوجود لانه هو فلايلزم المحذور و ذلك كما قاله صهره و تلميذه الذي يحذو حذوه الملا محسن قال في الكلمات المكنونة و الذات واحدة و النقوش كثيرة فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره انتهي ، و قوله تعالي ان يكون له مجانس او مماثل فيه انه علي قوله يكون فعله اي مفعوله اعني الوجود الحادث مثل وجود المصنف مماثلا له و مجانسا له الا انه اقوي من عبده هذا علي فرض المباينة كما هو مذهب الائمة عليهم السلام و اما علي مذهب السنخية و الظلية فذلك لايحتاج الي استدلال .
قال و سابعها انه يلزم علي مذهبهم ان يكون معني الذاتي مشككا متفاوتا بالاقدمية و التالي باطل عندنا و عندهم جميعا فكذا المقدم لان بعض افراد الجو علة لبعض آخر كما في علية الجواهر المفارقة بعضها لبعض و علية الجواهر المفارقة للاجسام و علية المادة و الصورة للجسم المركب منهما و العلة في ذاتها اقدم من المعلول .
اقول يريد به انهم اذا قالوا بان الماهية موجودة اولا و بالذات ان يكون معني الذاتي مشككا متفاوتا بالاقدمية لانها اذا كانت علة لماهية اخري اولا و بالذات لزم التفاوت فيما لا تفاوت فيه و هو باطل لان العلة من حيث هي علة سابقة و الآخر المعلولة مسبوقة و من حيث انهما ماهيتان لجوهرين يكونان متساويتين لعدم اولوية العلة بالعلية و بالسبق من المعلولة بهما قال و هذا باطل عندنا و عندهم و اما عند المشائين فكذلك و يحتمل ان يريد بقوله عندهم اي عند محصلي الحكمة منهم لانه كان منهم الا انه مزج مذهبهم ببعض كلام اهل الاشراق و اهل التصوف فيحتمل انه ارادهم لان الاشراقيين يجوزون الاولوية و التفاوت و هو المعروف من مذهب اهل الحق عليهم السلام بل من مذهب اغلب
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 359 *»
العقلاء فانا اذا قلنا بان العقلي الكلي علة للروح الكلية او للنفس الكلية فلا ريب في اولويتها و اقدميتها بل المشاؤن ايضا قائلون بذلك كما ذكروه في بيان اول صادر فانهم منعوا ان يكون نفسا و ان يكون جسما و ان يكون عرضا و اوجبوا ان يكون عقلا و ذلك لاولويته و اقدميته و في الحقيقة ان المعني الذاتي حقايق ذاتيات متعددة و معان متكثرة فليس ما في العقل منه هو ما في النفس بل كل واحد معني علي حدة و يتفاوت بالاولوية و الاقدمية و ان كانت معلولات لعلة واحدة لان جوهرها في الشدة و الضعف و القرب و البعد و السبق و التأخر انما علي حسب قوابلها و بهذا الاعتبار تتفاوت اما في العلل فظاهر و اما في المعلولات فعلي حسب سبق القبول من العلة و شدته و منع التشكيك في المعني الذاتي مبني علي كونه بسيطا و ليس فيه ما بالقوة و الامر علي خلاف هذا بل الواقع ان الجواهر المجردة المفارقة يراد من تجردها عن المادة العنصرية لا عن مطلق المادة بل لها مواد و صور تألفت منها مثل الجوهر الماديات في التركيب و التأليف و احتياجها الي المواد و الصور الا انها بنسبتها و انما قيل انها لا تجدد فيها و لا تقضي و لا استعداد لبطؤ تغيرها لان التغير انما هو بحسب المكان و الوقت و المجردات اوقاتها واسعة فاللحظة فيها اوسع من الزمان فيتوهم الناظر عدم التجدد فيها و التقضي و ليس كذلك و انما تجددها و تقضيها علي معني قوله تعالي و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب و النقل دال مثل هذه الآية و مثل قول الصادق (ع) العبودية جوهرة كنهها الربوبية الحديث ، و قول الرضا (ع) قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا ه ، فجميع الخلق مشتركون في هذه الصفات يعلم باطنها بظاهرها و غيبها بشهادتها و من قال ان المعني الذاتي لايكون مشككا متفاوتا فانه لما تمسك في ذلك بمفهوم المعني الذاتي الصادق عليها بالتواطي علي زعمه و لهذا كثيرا ما يشركون ( يشتركون خل ) بين الواجب تعالي و بين خلقه في كثير من الصفات و المعاني حتي قالوا بوحدة الوجود بل و وحدة الموجود و سبب ذلك قصر نظرهم علي مفهوم
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 360 *»
الشئ و صدقه في الحمليات الصناعية علي الواجب و الممكن انا لله و انا اليه راجعون ان القضية انما تكون صادقة لمطابقتها لما في نفس الامر لا ان حقيقة ما في نفس الامر موقوف و مبني علي صدقها الحملي الذي منشاؤه العقول الناقصة و الانظار المتهافتة فان قلت من اين خصصتهم بنقص العقل و تهافت النظر دونك فلعل الامر بالعكس قلت لو كان ما قلته من هوي نفسي لصدق علي قوله تعالي و من اضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله و لكني اقول بقول من اتفقت انا و هم علي صدقهم و عدم جواز جهلهم و خطائهم و غفلتهم فلذا افترقنا و لو كان التنظير بيني لنفسي و بين هؤلاء الاعلام لماساويت تراب اقدامهم و لكني تمسكت بالعروة الوثقي و هم استقلوا فافترقنا فقولهم بان العلة اقدم من المعلول و اولي لا ريب فيه هدي للمتقين .
قال بل لا معني لهذا النحو من التقدم و التأخر منها الا العلية و المعلولية فاذا كانت العلة ماهية و المعلول ماهية كانت ماهية العلة بما هي هي متقدمة علي ماهية المعلول و هي في ذاتها متأخرة عن ماهية علتها و ان كانتا جوهرين كانت جوهرية احدهما بما هي جوهرية اسبق من جوهرية الاخري كذلك فيلزم التشكيك في المعني الذاتي و هو باطل عند محصلي الحكماء فانهم قالوا لا اولية و لا اولوية لماهية جوهر علي ماهية جوهر آخر في تجوهره و لا في كونه جوهرا اي محمولا عليه معني الجوهر الجنسي بل يتقدم عليه اما في وجوده كتقدم العقل علي النفس او في زمان كتقدم الاب علي الابن .
اقول قوله بل لا معني لهذا النحو من التقدم و التأخر الا العلية و المعلولية الخ ، كما تقدم و مراده الزامهم بهذا النحو مع ان المحصلين من الحكماء نفوه و قد بينا تحقق السبق للعلية و المسبوقية للمعلولية لتوقفها عليها و هو ظاهر بالنظر الي ما هو الواقع و تحقق الاولوية للعلة ( للعلية خل ) لكونها مفيدة للمعلول فتكون اولي من المعلول لانه اثر مفاد منها و هذا ظاهر كذلك و اما من ذهب الي نفي ذلك فانه ناظر الي نفس الشئ و الشئ و هذا النظر انما هو الي ذواتهما لا من حيث العلية و المعلولية و لا من حيث كونه مفيدا او مفادا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 361 *»
لانه حين احضرهما في الذهن مجردين عن عوارضهما و لوازمهما و عن مشخصاتهما و عن كل ما سوي نفس الذات و حينئذ لا ريب في عدم الاولية و الاولوية و الكلام انما هو من تلك الحيثية و هذا يكون معني كلامه انك اذا نظرت اليهما من حيث العلية و المعلولية كانا لا من تلك الحيثية بل من حيث نفي تلك الحيثية لا اولية و لا اولوية و هذا معلوم و لكنه من نحو القول بالموجب عند اهل البديع كما ذكرنا سابقا مثل قول الشاعر في وصف محبوبه :
قده لا طعن في اوصافه ** * ** عجبا لا طعن فيه و هو رمح
اذ يريد بقوله لا طعن في اوصافه يعني لا عيب فيها و قوله عجبا لا طعن فيه و هو رمح فان لا طعن الثاني يريد به الشك بالرمح و هذا غير ذلك و الالزام لو صح ان يقول انهما من حيث العلية و المعلولية لا اولية و لا اولوية فانه لايصدق كلامه فلايصح الزامه ، و قول المحصلين الي اولية و لا اولوية الي قولهم في تجوهره و لا في كونه جوهرا يعنون به انك اذا لحظت جوهرين كل واحد منهما في تجوهره اي في قبوله الجوهرية و لا في كونه جوهرا اي في ان كان بالقبول جوهرا لتساويهما في حصول القبول للجوهرية و في الكون جوهرا كل واحد بنسبته بل يتساوي الجوهر و عرضه في ذلك اذ كل واحد منهما موجود بالمعني البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست بالنسبة الي نفسه مع قطع النظر عما سوي هذا من العارضية و المعروضية و العلية و المعلولية و الاحتياج و عدمه و هذا جار في كل شئ حتي لو فرض بين الواجب و الممكن امكن تصحيحه لانه عليه السلام حين قال من عرف نفسه فقد عرف ربه يريد من عرف نفسه و لحظها بانها نور و اثر دله ( دل خل ) ذلك علي وجود الموجد و المؤثر بخلاف ما لو لحظت انيتك و انك انت فانك حينئذ لمتعرف نفسك فلميمكن لك ان تعرف ربك بهذه الانية لعدم تحقق اولية و لا اولوية و انما نظرت الي شيئين مستقلين و لايدل احد منهما علي الآخر فلذا قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 362 *»
و تفسير المصنف كلامهم انما هو علي ما يوافق استدلاله في قوله اي محمولا عليه معني الجوهر الجنسي الي آخره مع ان تفسيره ان اريد منه علي ما يريد صح له التفسير علي ما يوافقه و ان اريد منه مدلول اللفظ اذا بين علي ما يطابق الواقع كان ناقضا لقوله فان قوله اي محمولا عليه معني الجوهر الجنسي ظاهر في ارادته الحمل الصناعي و قد ذكرنا مرارا و بينا ان الحمل الصناعي لايكشف عن الحقايق لانه مبني علي ادراك الافهام القاصرة عن ادراك تلك الحقايق فيتوصل بذلك الحمل اليها و هو حمل سقط لان فايدته انما تحصل ممن عرف تلك الحقايق فيترتب علي معرفة تلك الحقايق صورة الحمل ليبين للغير و اما اذا ركبه من لميدرك ليتوصل به الي الادراك فهو بعيد عن الادراك لانه بعد به عن حاله الاول درجة اخري نازلا فيها مع ان كلامه هذا هو ما قلنا من النظر اليه مجردا عن النسبة فيحكم عليه بحالة التجرد في حال النسبة لان العلة يحمل عليها معناها الجنسي و المعلول كذلك لا من حيث كونه علة و معلولا اذ ملاحظة الحيثية ملاحظته في رتبته و يظهر في الرتبة الاولية و الاولوية بخلاف ما لو نظر الي ذاته المجردة و اما قوله بل يتقدم عليه اما في وجوده كتقدم العقل علي النفس يعني ان هذا التقدم انما هو بحسب الحصول لا من جهة الاولية او الاولوية او في زمان كتقدم الاب علي الابن يعني انه كذلك بحسب الحصول خاصة فنقول له تقدم العقل علي النفس بمرجح او بغير مرجح فان قلت بلا مرجح اتيت بالمحال و ان قلت بمرجح فنقول المرجح هو من الفاعل او من المفعول او من غيرهما فان قلت من الفاعل قلنا من نفس الفعل او من شئ فعله الفاعل بذلك الفعل خاصة او من ذات الفاعل فان كان من ذات الفاعل او من نفس الفعل او من شئ فعله الفاعل بذلك الفعل من غير مشاركة من ذلك المفعول لزم الترجيح بلا مرجح لتساوي ذاته و فعله و ما هو من خصوص فعله الي جميع الاشياء فلايكون شئ اولي من شئ فيمتنع التقديم و التأخير اذ لا مقتضي لهما و ان كان المرجح من غير
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 363 *»
الفاعل و فعله و ما يختص بالفعل و من غير المفعول فذلك الغير ان اختص حصوله و ترجيحه بالفاعل او فعله او ما اختص به فعله لزم الترجيح من غير مرجح و ان كان ذلك المرجح من ذات المفعول او من الغير المختص به او المشارك فيه ثبت المطلوب و ثبتت الاولية و الاولوية و كذلك تقدم الاب علي الابن حرفا بحرف بقي شئ يحصل لك منه التوقف و التوهم و هو ان المرجح لا بد و ان يكون سابقا علي ما يكون مترجحا به فكيف يكون منه و لميكن شيئا فالجواب انه كما تقول في القابلية فانها شرط للكون و للتكوين و للتكون و لاتكون قبلها و انما تكون معها بحكم المساوقة التي اشرنا اليها سابقا كالانكسار الذي هو شرط الكسر و لايحصل قبله و لا بعده و انما هو معه و قد اشرنا سابقا ان هذا المعني من المساوقة لايكون شئ في العالم الا بها في كل شئ مثلا كالايجاد ان توجه الي موجود كان تحصيلا للحاصل او الي معدوم فالمعدوم ليس بشئ يتوجه اليه او تحصل منه قابلية الايجاد فلا بد من المساوقة فان اعتبارها في جميع ذرات الوجود مفتاح لخزائن اسرار الخليقة و الغيب لايمكن ان يفتح لاحد قط الا بمشاهدتها و اعتبرها بالكسر و الانكسار و ليسهل عليك طريق الاعتبار ثم اعلم انا قد اشرنا سابقا ان الايجاد لايتعلق بموجود الا بالمشخصات الست و ما يتبعها و قد ذكرنا في بعض رسائلنا ان كن صورة فعل الله سبحانه انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون و انما خص الامر بهذا اللفظ للاشارة بالكاف الي الكون و بالنون الي العين و اعلم انه حرفان و بينهما حرف مضمر ملحوظ الثبوت و انما حذف للاعلال و هو الواو اذ الاصل كون حذفت الواو لالتقاء الساكنين و هي منوبة الثبوت لان عدد قواها ستة اشارة الي ان ظهور امره الذي قال عليه السلام فيه يا من امره بين الكاف و النون فان الواو بين الكاف و النون و هو قابلية امره و صورة ظهوره اعني الستة المشار اليها و هي الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و المكان و الوقت و ما يتبعها من متمماتها من الوضع و الاذن و الاجل و الكتاب و لايمكن ان يتحقق مخلوق في عالم الغيب و الشهادة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 364 *»
من المفارقات و الاجسام و الجسمانيات اي الجواهر و الاعراض من كل ما سوي الله سبحانه الا بتحقق هذه الستة و بما يتممها من الاربعة المذكورة و هذه الامور الستة و الاربعة هي مقومات القابلية و مشخصات الماهية المشخصة للوجود و قد اشار الصادق عليه السلام اليها و الي اسبابها بقوله لايكون شئ في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر و في رواية اخري كما رواه البرقي في المحاسن فقد اشرك بدل فقد كفر و في رواية علي نقض واحدة بالضاد المعجمة فالنقل دال عليها و العقل القاطع يشهد بها و تفصيلها يطول به الكلام فاذا ثبت عندك انه لايكون مخلوق الا بمادة و صورة و هي الوجود و الماهية بالمعني الاول كما قلنا سابقا و ان كان كل بحسب فالنوري مادته و صورته نوريان و المعنوي مادته و صورته معنويان و الجوهري الصوري مادته و صورته جوهريان و البرزخي كذلك من نوعه و الجسمي من نوعه و العرضي من نوعه و الذهني من نوعه و قول الحكماء الاوليين العقل مجرد و النفس مجرد يريدون ان العقل مجرد عن المادة العنصرية لا العقلية و عن المدة الزمانية لا الدهرية و عن الصورة و النفس مجرد عن المادة العنصرية لا عن الملكوتية و عن المدة الزمانية لا عن الدهرية و عن الصورة المثالية لا عن الجوهرية فلميعنوا بالتجرد الا هذا و انما غير المراد من اتي بعدهم جهلا بمرادهم اذ يستحيل ايجاد مفعول بلا مادة و صورة و المجرد المطلق انما هو رب واحد ليس كمثله شئ سبحانه و من يثبت مجردا مطلقا غيره فهو يثبت اربابا يعبدها من دون الله تعالي فاذا ثبت عندك ذلك فاعلم ان المشخصات الظاهرة هي هذه الستة خاصة و متمماتها الاربعة للذي هو الوجود التكويني الذي هو ظاهر الوجود و المشخصات الباطنة للذي هو الوجود التشريعي الذي هو باطن الوجود و سر الوجود و هي الاستجابة الحسني بالاعمال الصالحة و الطاعات المقبولة و امتثال اوامر الله سبحانه و اجتناب نواهيه و التأدب بالآداب الشرعية
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 365 *»
و التخلق بالاخلاق الروحانية فانها مشخصات الوجودات التشريعية التي هي روح التشريعات الوجودية فاشار الواو بعدده ( بعده خل ) الي تلك الستة الظاهرة في كل رتبة لما يوجد فيها بنسبة تلك الرتبة من نوع ذلك الموجود سواء كان ذلك من عالم السرمد لاعتبارها في متعلقات افعاله تعالي ام من الجبروت كالعقول ام من الملكوت كالنفوس ام من الملك كالاجسام ام من البرازخ مما بينها و بهذه الستة و ما يتبعها تكثرت الموجودات و ارتفع الجبر و التفويض عن افعال العباد الاختيارية و ثبت للخلق الاختيار في التكوينات و شرعها و في الشرعيات و وجودها فاذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك اولية العلل و اولويتها و اولية كل سابق و اولويته سواء كان في الغيب ام في الشهادة في المكان ام في الزمان في كل شئ صدر عن فعل الله تعالي و عن فعل غيره اذا كان موافقا للشرع و ان كان مخالفا فالاولية و الاولوية كانت للسابق علي نمط الحكم الوضعي عند اهل الاصول من الفقهاء و لايظلم ربك احدا .
قال انه قد تقرر ان مطلب ما الشارحة غير مطلب ما الحقيقة و ليست الغيرية في مفهوم الجواب عنهما لانه الحد عند المحققين لا غيره الا عند الاضطرار فهذه المغايرة بين المطلبين ليست الا من جهة اعتبار الوجود في الثاني دون الاول و لزم من ذلك الايكون الوجود مجرد امر انتزاعي عقلي بل يكون امرا حقيقيا و هو المطلوب .
اقول اعلم ان ما يطلب بالاستفهام اربعة بآلتين ما و هل فالمطلوب بما ان لميسبق بالعلم به كان السؤال بما عن مفهوم الاسم كقولك ما العنقاء فتسأل عن مفهوم اللقب يعني تصور المطلوب و ان سبق العلم به فتسأل عن حقيقته فتقول ما حقيقة العنقاء فتسأل عن حقيقتها فما الاولي هي ما الشارحة سميت بذلك لان الجواب شرح الرسم و بيان مفهوم الاسم و الثانية تسمي ما الحقيقة لان الجواب عنها بالحد او الرسم و هو التصديق و المطلوب بهل البسيطة متأخر عن ما الشارحة لان مطلوب هل مسبوق بالعلم بمدلول لقبه ( سبق بالعلم بلقبه خل ) الذي هو جواب ما الشارحة فلذا تقول هل العنقاء موجودة ام لا و بعد هل البسيطة ما الحقيقة لان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 366 *»
جوابها تصديق سواء كان حقيقيا كقولك حيوان طائر له وجه كوجه الانسان و ثديان كثدي الامرأة كما يشعر به بعض النقول ام رسميا كذلك و بعد ما الحقيقة هل المركبة كقولنا هل العنقاء في المغرب ام في الهند ام في غيرهما فما الشارحة غير ما الحقيقة في قول المصنف يريد به ان الفرق بينهما مع ان كلا منهما سؤال عن مطلب ان المطلب الاولي لميكن شيئا حاصلا للسائل فيسأل عن بعض احكامه كما في ما الحقيقة بل مطلبها ما هو قبل الوجود من معرفة رسمه و مفهوم اسمه و لهذا يكون جوابه من التصور فكان الفارق بينهما هو كون الوجود في جواب سؤال ما الحقيقة امرا حقيقيا اذ لو كفي الانتزاعي العقلي في تحقق مسماه لكان حاصلا في ما الشارحة اذ لايتوجه السؤال عن الليس المحض بل الوجود العقلي الانتزاعي حاصل و لذا سأل عن مدلول لقبه و ما هو من مطلق الوجود و لو كفي ذلك لميحصل فرق بين الشارحة و الحقيقة فلما نصوا علي الفرق بينهما ثبت ان المراد به حيث يطلق انما هو العيني الحقيقي و هو المطلوب و قيل عليه انا لانسلم الملازمة لجواز ان يكون انما لوحظ الوجود في مطلب ما الحقيقة لكونه محل الانتزاع بخلاف مطلب ما الشارحة او من حيث اعتباره في المصداق و لايلحظ المصداق في مطلب ما الشارحة و ايضا انه اراد بهذا الاستدلال اثبات ان الوجود مجعول بالذات و الماهية بالتبع و هذا لايفيد شيئا من ذلك و انما يفيد كونه متحققا في الخارج و هو غير المدعي فقوله و هو المطلوب غير المطلوب و في الاعتراض الاول ان تحقق الوجود ليس شرطا في كونه محل الانتزاع بل قد يحصل الانتزاع من العقليات كما يحصل من غيرها و لان التصور لايشترط فيه التمييز بالكنه بل قد يكفي فيه مطلق حصول التمييز فلايستوحش من بناء الاقوي علي الاضعف و قيل في الاعتراض الثاني انه لو فرض ان الوجود بجعل و الماهية بجعل آخر او انها بالذات و هو بالتبع لماكان ذلك الوجود المفروض وجودا لها فيلزم ما تقدم سابقا من الدور و التسلسل و يلزم ان تكون الاشياء من لوازمها و لوازم الماهية كلها اعتبارية و في هذه الاجوبة ما ذكرنا سابقا فلايلزم علي ذلك دور و لا تسلسل و لا كون الاشياء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 367 *»
علي ذلك من لوازم الماهية لانها من لوازم افعالها و لايلزم كون لوازم الماهية امورا اعتبارية كما مر فلاحظه و قوله الا عند الاضطرار قيل اي فيما اذا كان كنه الشئ مجهولا بحيث لايبلغ الذهن الي دركه انتهي ، يعني فانه يكون الجواب حينئذ ليس بالحد فاذا سئل بما الحقيقة كان جوابه ليس بالحد بل بما تحصل به الفائدة كما في قوله تعالي حكاية عن سؤال فرعون موسي عن حقيقة رب العالمين فقال تعالي قال فرعون و ما رب العالمين قال موسي في الجواب قال رب السموات و الارض و ما بينهما ان كنتم موقنين و هذا صحيح و لكن في اصل هذه المسئلة احب ان اشير اليها لفائدتها و هو ان السؤال بما الحقيقة ان كان مطلبها ممكن الاكتناه و الادراك كان الجواب بغير الكنه ليس جوابا حقيقيا بل اقناعي و تسكين لسورة الدعوي بل يجب بالحقيقة ( في الحقيقة خل ) و الا فليس بجواب لها و ان كان مطلبها مما لايمكن اكتناهه و لا ادراك حقيقته لمتكن ما واقعة موقعها لانها استعملت في غير ما وضعت له و مثل هذه وضعت لمعني نوعي و هو ما يمكن العبارة عنه في حق السائل خاصة او في حقهما كما هو المستفاد من احاديث ساداتنا عليهم السلام و علي هذا المعني يكون المراد من الاضطرار هذا لا انها وقعت موقعها و انما الاضطرار في جانب الجواب كما هو ظاهر المصنف فافهم .
قال المشعر الثامن في كيفية الجعل و الافاضة و اثبات البارئ الاول و ان الجاعل الفياض واحد لا تعدد فيه و لا شريك له .
اقول قوله في كيفية الجعل يريد بالجعل المجعول و اقامة المصدر مقام اسم المفعول كثير اما اولا فلان الجعل لميكن بصدد بيانه و اما ثانيا فلانه عندهم ليس شيئا متحققا في العين مستقلا و انما هو معني ارتباطي فليس بملحوظ و اما ثالثا فلان ظاهر كثير من عباراتهم مصرح بان الجاعل انما هو بذاته
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 368 *»
جاعل لانه لميزل لذاته فعالا لما يريد و ان هذه الصفة ليس لها مصداق غير ذاته و ربما استدلوا علي هذا بظواهر اخبار مثل ما في الدعاء عن اميرالمؤمنين عليه السلام يا من دل علي ذاته بذاته ، و بادلة عقلية علي زعمهم مثل انه لو كان فاعلا بغير ذاته لكان محتاجا الي ذلك الغير و ايضا ذلك الغير اما ان يكون حادثا او قديما فان كان الاول لزم الدور او التسلسل بيان الملازمة انه اذا كان حادثا كان محدثا بغير آخر غير الفاعل و هكذا فان عاد الي الاول دار و الا تسلسل و ان كان الثاني لزم تعدد القدماء و دليل التوحيد كما يأتي ينفيه و اما رابعا فلانه عنونه بالكيفية فقال في كيفية الجعل و لا خلاف في ان الكيفية مجعولة فلو كانت مجعولة به لتوقف تحققه علي اثره اعني الكيفية و هذه و امثالها لاتصلح ان تكون ادلة يستند اليها في اثبات الاعتقاد او يعول عليها في معرفة رب العباد لانها لمتكن علي حقيقة الحال مبنية علي اصل ثابت له قرار و انما اصلها مجتث في الآخرة و في هذه الدار و من بيان بطلانها ما اشرنا اليه سابقا و نشير الآن فنقول اما كون الجعل بمعني المجعول فهو صحيح في الاستعمال و لاسيما اذا وصف بالكيفية لكن المناسب في بيان الايجاد انه الصنع المتعلق بالعباد بيان الاشارة الي استناد الخلق الي الفعل الصادر بقدرة الفاعل عز و جل و انه تعالي احدثه بنفسه اي بنفس الفعل كما هو شأن جميع الافعال الصادرة من فاعلها سواء كان الفاعل قديما او حادثا و انما خلقت بنفسها لانها افعال لايكون الاحداث الا بها فاذا كانت في رتبة المخلوق لميحتج في مخلوقيتها الي غير نفسها و فعل الله سبحانه ايجاده و احداثه و يطلق عليه المشية باعتبار صدور الكون عنه و الارادة باعتبار صدور العين عنه في الخلق الاول و القدر باعتبار صدور حدود الاشياء عنه و مقاديرها و ارزاقها و آجالها و هندستها و سعادتها و شقاوتها و امثال ذلك و القضاء باعتبار اتمام المحدث بما له من الرتب السابقة و الامضاء اخراجه في مكان حدوده و وقت وجوده مبين الاسباب مشروح العلل و الاذن الرخصة له في خروجه من غيب امكانه الي شهادة اكوانه و الاجل محدود البقاء و الكون و الفناء و الكتاب محفوظ الوجود و الاصول و الاسباب و هو شئ
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 369 *»
واحد بسيط يسمي بهذه الاسماء المختلفة باعتبار اختلاف متعلقاته و اما الجعل فيطلق علي الفعل و يسمي حينئذ في كل رتبة باسم فعلها و قد يراد منه عند الاطلاق ايجاد التغيير و احداث القلب و التصيير و قد يراد منه ايجاد اللوازم اذا لحق الافعال المتعلقة بمسبباتها ( بمسمياتها خل ) كقوله تعالي الحمد لله الذي خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور فعلي ارادة المعني الاول من الجعل الذي يكون مساويا للفعل تقول جعل سبحانه الوجود اي خلقه و شاءه و جعل اعيان الاشياء اي ارادها و برأها و جعل حدودها اي قدرها و صورها و جعلها قائمة باظلتها اي قضاها و جعلها دالة عليه و مدلولا عليها اي امضاها فكان بمعني الفعل في كل رتبة من مراتبه بحسبها و هذا هو المعني الاول من معاني الجعل و هو مراد المصنف هنا في قوله في كيفية الجعل و الافاضة فاذا اريد به المصدر بمعني المفعول كما هو ظاهر كلام المصنف او المراد منه فظاهر و اذا اريد به الفعل فلا كيفية له و اذا عنون بها فيراد بها كيفية متعلقة اذ الفعل لا كيفية له لانها محدثة به فلاتجري عليه كما قال عليه السلام و لا كيف لصنعه كما انه لا كيف له و اما قوله اثبات البارئ عز و جل فاعلم انه تعالي ثابت كما قال تعالي اولميكف بربك انه علي كل شئ شهيد ، قال الصادق عليه السلام يعني في غيبتك و في حضرتك فهو ثابت بلا اثبات بل الاثبات انما ثبت به الا انه لما انست الاوهام بامثالها من الاغيار جوزت العدم لنظرها الي نفسها و الي نفس الاشياء فوجدت الانيات و وجدت الكثرة دعت الاحوال الي الاستدلال علي اثباته في الاوهام و وحدته و لذا قال الباقر عليه السلام في تفسير قل هو الله احد في قوله هو قال فالهاء تثبيت الثابت يعني اثبات وجوده و وحدته في الاوهام و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام وجوده اثباته و دليله آياته ه ، و قوله و ان الجاعل الفياض لا تعدد فيه و لا شريك له يعني انه بسيط الحقيقة احدي المعني فلايجوز عليه الكثرة بخلاف ما عليه القوم الصوفية و اتباعهم و المصنف منهم و ذلك كثير في عباراتهم و منها ما نقله ابن ابيجمهور في كتابه المجلي في توجيه كلام الشيخ الهروي و هو طويل الي ان قال
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 370 *»
فبعضهم اراد بالجمع احدية عين جمع الذات و بعضهم احدية عين جمع الوجود و هو شهود وحدة الذات في الحضرة الواحدية الاسمائية اعني شهود واحديتها المحيط بجميع الاسماء و الصفات و كلاهما وجود الحق بلا خلق لان الاول هو شهود الذات وحدها اي مع انتفاء شهود الاسماء و الصفات و الثاني هو الذات مع اسمائها و صفاتها و هو شهود الكثرة في الوحدة و استهلاك الكل بالكلية في الله هو جمع الجمع عند الاولين بشهود ما سوي الله قائم بالله و عند الباقين شهود الحق في الخلق و قيل شهود الوحدة في الكثرة و المعني واحد و هو بعينه الفرق بعد الجمع و بعضهم يسمي شهود الوحدة في الكثرة هو الجمع و الاستهلاك المذكور جمع الجمع و اما احدية الفرق و الجمع فهي شهود الذات الاحدية المتجلية في صورها المختلفة المسماة هياكل التوحيد فالشيخ اراد اندراج الفرق في الجمع حتي لاتزاحم كثرة الرسوم عين الاحدية الحقيقية و لايكدر صفو الشهود و المشرب الكافوري اكدار التفرقة و زعاق الغيرية و اورد التوحيد بعده بمعني احدية الجمع و الفرق حتي لايري الضعفاء مقام الفرق الباقي امرا ينافي الجمع و هو شهود الوحدة في الكثرة و الكثرة في الوحدة مع اضمحلال الكثرات في العين الواحدة في شهود الحقيقة في الاطلاق و التقييد شهودا مطلقا عن كلا القيدين فيري الحق عين المطلق و المقيد فلاينافي تقييده الاطلاق بهذا المعني و لا اطلاقه التقييد فلاخرج من احاطته شئ الخ ، و هذا و امثاله من مذاهبهم الفاسدة كلها تأول الي مثل قولك الشجرة فانها بسيطة بالنظر الي وحدتها و متكثرة بالنظر الي اجزائها فتري الكثرة في وحدتها و الوحدة في كثرتها و هم في هذه الامور لايشاهدون الا وجها من حقيقة عباده المكرمين التي هي ركن توحيده سبحانه و مقاماته و الحاصل ان تضييع الوقت في بيان فساد كلماتهم غير راجح لان الائمة (ع) نهوا عن اتباعهم و عن التسمية باسمائهم الا للتقية و عن تأويل كلامهم الي ما يطابق الحق بل يجعلون نسيا منسيا و ذلك لان من اراد الله سبحانه هدايته حفظه من الميل اليهم و من وكل الي نفسه فهو يميل اليهم لو اننا نزلنا اليهم الملائكة و كلمهم الموتي و حشرنا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 371 *»
عليهم كل شئ قبلا ماكانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله و بالجملة فقول المصنف من قولهم فانه يقول هو تعالي بسيط لا تعدد فيه و بسيط الحقيقة كل الاشياء فانظر رحمك الله الي هذا و الي قولهم ان كل شئ في ذاته تعالي بنحو اشرف لان معطي الشئ ليس فاقدا له في ذاته و ان العالم كامن فيه بالقوة ككمون النار في الحجر انما يخرجها الحك بالزناد و يقول ان النقوش كثيرة و الذات واحدة فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره و امثال هذه الكلمات الباطلة و اقبح من هذا كله انهم يقولون هذا هو مذهب النبي محمد و اهل بيته صلي الله عليه و آله و مذهب الانبياء عليهم السلام فاعتبروا يا اولي الابصار و من العجيب ان كثيرا ممن يري مثل كلامي هذا يبادر الي ابطاله و الطعن فيه و في و لايتدبر و لايراجع مذهب ائمته ( الائمة خل ) عليهم السلام و مذهب الانبياء عليهم السلام و المسلمين فيردون ( فيسردون خل ) كلامي حتي ما انقله عن ائمتهم (ع) و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا و انا اقول لهم كما قال الشاعر :
فهب اني اقول الصبح ليل ** * ** ايعمي الناظرون عن الضياء
اما انه قد غطي طلب المناصب و الرياسات و حب الدنيا علي البصاير فمن يقدر علي قبول مثل هذا فيقولون فيه الناس انه كان قبل هذا مايفهم شيئا بل يبقي علي جهله و ضلالته لئلاتقول الناس و العوام ذلك فيه و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم .
قال و فيه مشاعر المشعر الاول ان نسبة المجعول المبدع الي الجاعل نسبة النقص الي التمام و الضعف الي القوة لما علمت ان الواقع في العين و الموجود بالحقيقة ليس الا الوجودات دون الماهيات و ثبت ان الوجود حقيقة بسيطة لا جنس لها و لا فصل مقوم لها و لا نوع لها و لا فصل مقسم لها و لا تشخص لها بل تشخصها بنفس ذاتها البسيطة و ان التفاوت بالذات بين آحادها و هوياتها ليس الا بالاشد و الاضعف و الاختلاف بالامور العارضة انما يتحقق في الجسمانيات و لا شك ان الجاعل اكمل وجودا و اتم تحصلا من مجعوله فالمجعول كأنه رشح و فيض من جاعله و ان التأثير في الحقيقة ليس الا بتطور
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 372 *»
الجاعل في اطواره و منازل افعاله .
اقول قيل فيه ان نسبة المجعول المبدع اشارة الي توحيد الفعل و هو هيهنا بمعني ان الفعل واحد و هو الوجود المنبسط و البواقي آثاره و لوازمه اقول هذا القائل ظاهر كلامه انه يريد بتوحيد الفعل توحيد المفعول و ان مراده بالفعل المصدر كما مر و يحتمل بعيدا انه اراد به الفعل الايجادي فان اراد به المعني الاول فصحيح الا في العبارة كما يقوله غيره اما تجوز او تسامح و هو ان قولهم منبسط ما يراد بهذا الانبساط و علي اي شئ يكون منبسطا فظواهر عباراتهم انه منبسط ان المنبسط عليه شئ آخر و هو ماهيات الاشياء و هذا انما يصح علي ثبوت الحقايق في العلم الذاتي او الثابتة في اماكنها بشروطها اما لكونها صورا علمية متحققة الثبوت عند الحضرة الالهية او صورا علمية معلقة بالذات كتعلق الاظلة و الاشعة بالمنير و اما علي المذهب الحق من امتناع وجود شئ غير ذاته الا ما صدر عن فعله و لميكن شيئا قبل احداثه بفعله ( بفعل خل ) فلا معني لانبساط الوجود علي ما ليس بشئ فان اردنا به الفعل فالمراد بكيفيته كيفية تعلقه بالمفعول اذ لا كيفية له لذاته و اما انبساطه فالفعل الامكاني في الانبساط و التعلق ابسط منه في التعلق التكويني لتوقفه علي القيود في الثاني دون الاول و الفعل لايتعلق بالمكونات كله بكلها كما هو معني الانبساط و انما يتعلق كل رأس منه بمفعوله المختص به فلايصلح ( فلايصح خل ) لغيره و لايظهر ذلك المفعول بغير ذلك الرأس فالانبساط علي المكونات باعتبار تعلقه بها اي كل رأس بمتعلقه المختص به تدريجي سواء كان ذلك المفعول من الجبروت ام من الملكوت ام من الملك الا انها مختلفة الظهور في السرعة و البطؤ حتي كانت المفعولات المجردة لسرعة قبولها و سرعة الظهور يصح ان يقال انها عارية عن القوة و الاستعداد بخلاف الماديات فانها لبطؤ قبولها و ظهورها يصح ان يقال فيها انها تدريجية لظهور التدريج فيها بخلاف المجردات و ان كانت تدريجية و ان اردنا به المفعول كما يقتضيه المقام و ان لميرده المصنف فالاولي و الاحق ان يراد الفائض الاول المعبر عنه بالحقيقة المحمدية و الوجود
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 373 *»
الاول و هو النور الذي به تنورت الانوار و هو الماء و الدواة الاولي و هو المادة المطلقة لكل شئ فانبساطه علي الاشياء انبساط تقوم ركني لانه امر الله الذي به قامت السموات و الارضون فانبساطه علي الاشياء كانبساط الحيوان علي الانسان و الفرس و الطير فان انبساط الجنس علي انواعه و النوع علي افراده انما هو بحصص منه هي مواد تلك الانواع و بها تقومت و تلك الحصص هي وجوداتها الخاصة بها علي المعني الاول الذي اشرنا اليه من المعنيين اللذين يراد من الوجود احدهما فمعني انبساطه عليها ليس انها اشياء غير الحصص التي منه و هو واقع عليها كما يفهم من عباراتهم التي لاتصح الا علي كون حقايق الاشياء لها تحقق ما بغير وجوداتها الخاصة بها كما مر ثم ان قوله ان نسبة المجعول المبدع الي الجاعل نسبة النقص الي التمام و الضعف الي القوة ظاهر في السنخية كما هو المعروف من مذهبه فان قوله نسبة النقص و هو الوجود الحادث الي التمام و هو الوجود القديم لان النقص ضعيف التمام فيكون المراد به التشكيك لان الوجود اذا كان حقيقة واحدة قويها و تمامها الواجب تعالي و ضعيفها و نقصانها الحادث ثبت علي قوله هذا القول بالسنخ و ان الاشياء من سنخه تعالي و لهذا لايقع عليه العدم كما قالوا و انما يختلفان علي الماهيات و الدليل علي قوله بالسنخية قوله لما علمت ان الواقع في العين و الموجود بالحقيقة ليس الا الوجودات دون الماهيات و قوله و ثبت ان الوجود حقيقة بسيطة و قوله و لا تشخص لها يعني لتلك الحقيقة بل تشخصها بنفس ذاتها البسيطة يعني ان تكثرها عين وحدتها و قوله و ان التفاوت بالذات بين آحادها و هوياتها ليس الا بالاشد و الاضعف و قوله ان التأثير في الحقيقة ليس الا بتطور الجاعل في اطواره و منازل افعاله يعني ان هذه الكثرة ليست لاختلاف في الحقيقة و انما تلك الكثرة منشاؤها تطور الوحدة في افعاله مثل كون زيد قائما و قاعدا و نائما و ذاهبا و جائيا فان هذه الكثرة من زيد الواحد فانما حصلت من تطوره في افعاله و افعاله عند المصنف ذاتيات له و لو كانت عوارض لكان التكثر انما حصل منها فيكون متعددا و هو ينافي البساطة و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 374 *»
لهذا قال و الاختلاف بالامور العارضة انما يتحقق في الجسمانيات و كل هذه صريحة في القول بالسنخ فمن قال بان هؤلاء لايقولون الا بقول ائمتهم عليهم السلام فنقول له هذا قول الله تعالي حين قال و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا و لقد علمت الجنة انهم لمحضرون ام قول رسوله صلي الله عليه و آله ام قول اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ام قول احد اولاده المعصومين عليهم السلام ام تقولون علي الله ما لاتعلمون فما الداعي لتصحيح كلامهم ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيمة ام من يكون عليهم وكيلا ثم انا نقول للمصنف اذا كان بناؤك علي تلك الوحدة من جهة توجيهك ما ينافي دعواك مما هو موجود وجداني بان التشخص و التكثر انما هو تطور ذاتي و في الحقيقة ليس الا شيئا واحدا فالاختلاف المتحقق في الجسمانيات ان كان من التطورات كانت التطورات بالامور العارضة و كانت منافية للوحدة لكون منشائها الامور العارضة و لهذا اعتذر عن اختلافها و الا فقد حصل في الكائنات ما ليس بالسنخ بل بالمباينة و الاشياء لاتختلف في هذه النسبة فاما ان تكون كلها بالسنخ و اما بالمباينة و التبعيض غير جائز و حصوله بالعوارض الغير الذاتية باطل لان الطاري لايغير الذاتي الا ان يكون الذاتي قابلا للتغير و انما علق علي العوارض لكونها متممة اما للدواعي او التمكينات او التمكنات او القبول فهي لاتغير الذاتي نعم قد تكون علامات لتغيره الذاتي و هو مقتض للمباينة علي ان هذه التطورات التي حصل عنها الكثرة هل هي عرضية ام ذاتية فان كانت عرضية تحقق الاختلاف في الجسمانيات و غيرها و ان كانت ذاتية فاين محل الوحدة التي لا كثرة فيها فان كان محلها الاعتبار لمتتحقق الوحدة اصلا و ان كان محلها نفس الامر او الواقع فاين محل مقتضي الكثرة فان قيل هي الاطوار و المنازل اختلف البسيط في ذاته و تكثرت حيثياته و كلما هو كذلك فهو حادث و معني فرض الاعتبار ان هذه الحقيقة هي واحدة بعين ما هي به كثرة في الواقع ام بغيره فان كان بعينه في الواقع جاء المحال و ان كان بغيره فما به الوحدة غير ما به الكثرة و هذا هو التعدد الحقيقي فالبسيط الحقيقي هو الذي لايجري عليه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 375 *»
اختلاف الاعتبار و الحيثية لا خارجا و لا ذهنا و لايجري عليه الفرض في حال من احواله و ما سوي هذا هو المركب فهو مربوب مصنوع و قوله و المجعول كأنه رشح و فيض من جاعله ، يشير الي قوله (ع) لكميل انما يرشح عليك ما يطفح مني و الرشح اذا اطلق يراد منه ما خرج عن الحقيقة كالعرق و الفيض اعم منه و من الداخل فان اريد به التعبير و التمثيل فقد مضي الكلام فيه و ان اريد الداخل و الفيض و الرشح دليل التعدد و الكثرة و الاختلاف و لايدلان علي نوع شئ من الوحدة مع انه اذا ادعي احد معهما الوحدة عورض باختلاف الحالين الدال علي التعدد و التركيب فانه ان كان في حال واحدا و في حال متعددا ثبت الاختلاف و ان كان لميزل لذاته كذلك ففيه تركيبان تركيب التعدد و تركيب التعدد و الوحدة فالحكم لله العلي الكبير .
قال المشعر الثاني في مبدء الموجودات و صفاته و آثاره و هو المشار اليه بالايمان بالله و كلماته و آياته و كتبه و رسله و فيه مناهج : المنهج الاول في وجوده تعالي و وحدته و فيه مشاعر : المشعر الاول في اثبات الواجب جل ذكره و في ان سلسلة الموجودات المجعولة يجب ان تنتهي الي واجب الوجود برهان مشرقي و هو انا نقول الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها و نعني بحقيقة الوجود ما لايشوبه شئ غير صرف الوجود من حد او نهاية او نقص او عموم او خصوص و هو الوجود فنقول لو لمتكن حقيقة الوجود موجودة لميكن شئ من الاشياء موجودا و اللازم بديهي البطلان فكذا الملزوم اما بيان الملازمة فلان ما عدا حقيقة الوجود اما ماهية من الماهيات او وجود مشوب بعدم او نقص و كل ماهية غير الوجود فهي بالوجود موجودة لا بنفسها كيف و لو اخذت بنفسها مطلقة او مجردة عن الوجود لمتكن بنفسها نفسها فضلا عن ان تكون موجودة لان ثبوت شئ لشئ فرع علي ثبوته في نفسه فهي بالوجود موجودة .
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 376 *»
اقول قوله في مبدء الموجودات يريد به الواجب الحق عز و جل و ظاهر هذا الكلام ان ذاته المقدسة هي مبدء الموجودات اما علي معني انها كانت حقايقها كامنة في ذاته بنحو اشرف او انها صور علمية في علمه الذي هو ذاته او صور معلقة بعلمه كتعلق الظل بالشاخص او انها من سنخ ذاته لان الوجود حقيقة واحدة صافيها و محضها هو الواجب و مشوبها بالماهيات هو حقايق الممكنات اذ هي تنزلاته في مراتبه و منازله فتخصيصها بشؤنه الذاتية لا بماهياتها و هذا الاخير علي الظاهر هو مذهب المصنف و انما ذكرنا احتمالات اخر في عبارته لان القائلين بهذه الاحتمالات يعبرون بمثل هذه العبارة و امثال هذه الاقوال مثلها في البطلان كما يدل عليه الدليل العقلي و النقلي لاستلزامها الكثرة و التركيب و منافاتها للوحدة الحقيقية و اما عندنا فاذا قلنا بانه تعالي مبدأ الموجودات فهو علي المجاز بمعني ان فعله مبدأ انشاء الموجودات و تكويناتها و فعله مبدؤه نفسه فليس الحق تعالي في الحقيقة مبدأ لشئ ( الشئ خل ) اذ هو لايبدء من شئ و لايبدؤ منه شئ و انما احدث فعله بنفسه اي بنفس الفعل لا من شئ غير الفعل و الفعل مبدء لتكوين الاشياء لا للاشياء انفسها اذ الاشياء انفسها لمتكون من الفعل كما مثلنا سابقا بالكتابة فان حركة يد الكاتب ليس مبدأ لنفس الكتابة و انما هي مبدء لتكوينها و احداثها فليست الكتابة مكونة من حركة يد الكاتب و انما هي مركبة من المداد و هيئاتها كذلك الاشياء الممكنات لمتكن مركبة من الفعل الذي معناه في الشاهد ( المشاهد خل ) انه الحركة الايجادية و المعلوم ضرورة ان المفعول لميتكون من الفعل و انما يتكون به نعم بالفعل يتكون من مادته و صورته اللتين احدثهما الفاعل بالفعل لا من شئ فان قلت ان الآيات الآفاقية تشهد بان المفعول مركب من الفعل اذ لايعني بالمفعول هنا الا ما هو المفعول المطلق عند اهل النحو مثل قولك ضرب ضربا قلت هذا مسلم بان المراد من المفعول هنا هو ما يكون كالمفعول المطلق عند النحاة و هو الذي عندنا لا المفعول به الذي يقع عليه فعل الفاعل كما هو المفعول عندهم و انما نريد بالمفعول الصادر عن فعل الله تعالي هو ما لايكون له ذكر قبل الفعل بوجه ما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 377 *»
فبالفعل اخترعت مادته و صورته و آيته كما ذكرت من الآيات الآفاقية في مثل قولك ضرب ضربا و لكن الله سبحانه يقول و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون فانت تتعقل الآية فانها تدلك علي ما قلنا و اجمل تفصيل البيان فان الكتابة انما يصدق عليها اسمها اذا كانت حروفا مؤلفة كما تري لا حال كونها مدادا فان المداد لايصدق عليه اسم الكتابة من وجه فاذن انما تتحقق بالصورة و الصورة هيئة الفعل يعني حركة يد الكاتب و بدونها لاتتحقق بوجه ما و كذلك اللفظ لايصدق عليه اسم الهواء بحال من الاحوال حتي تتميز حصصه بهيئات فعله باللهات و الاسنان و اللسان و اصل الهواء فتأخذه كما تأخذ المداد بالقلم و تصوره بهيئات حركة آلات المتكلم كما تصور المداد بهيئات حركة يد الكاتب و كذلك مثال ضرب بفتح الراء فان حقيقة معناه الحركة المستندة الي فاعلها المتعلقة باثرها و هذا الاثر الصادر عنها هو معني ضرب بسكون الراء و اما لفظه اي لفظ ضرب مفتوح الراء فانه اصل لفظ ضرب بسكون الراء و هذا فرعه فالضاد في المصدر سلخت من ضاد الفعل سلخ انفصال كما سلخت الصورة التي في المرءاة من صورة المقابل سلخ انفصال و الراء في المصدر سلخت من الراء في الفعل و الباء في المصدر سلخت من باء الفعل و كلها سلخ انفصال و معني سلخ الصورة في المرءاة سلخ انفصال من المقابل انها انتزعت منه نزعا منفصلا عنه فهي قائمة بصورة المقابل قيام صدور و لو كانت سلخ اتصال لكانت قائمة به قيام عروض و لو كانت قائمة به قيام عروض لمااختلفت في المرءاة لكن اللازم باطل لانها تكون بلون المرءاة و تعوج باعوجاجها و تصغر بصغرها و تطول و تعرض كالمرءاة و كذا في اضداد هذه الصفات و لو كانت متصلة بالشاخص لمااختلفت باختلاف قابلها فكذا حروف المصدر فانها صفات منتزعة من صفات حروف الفعل المنفصلة فيختلف معني المصدر في الشدة و الضعف و القلة و الكثرة و الهيئة باختلاف قابليته بنوع المشكك بالنسبة الي تحققه في نفسه و يظهر اختلافه في وصفه ( وضعه خل ) لانه كاشف له لا لفعله مثل قولك ضربا شديدا و ضعيفا و كثيرا و قليلا و لايختلف في الحركة من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 378 *»
حيث هي و بالجملة فمادة المصدر صفة مادة الفعل انتزعت منه انتزعتها قابليته كما ان هيئة الحروف في الكتابة صفة هيئة حركة اليد انتزعتها قابلية الحروف و هي بمشخصاتها و منها مثلا القرطاس كما ان منها في المصدر محل التأثر فافهم الاشارة و كذلك الحروف اللفظية فانها بالنسبة الي مادتها المطلقة هواء كلها فيه سواء فاذا تحصص بالحاء المهملة بآلات التكلم تخصص بالخاء المعجمة بقوابله و مشخصاته فالفعل لميكن له اصل في الفاعل و لا ذكر قبل تكونه بنفسه فخلقه تعالي بنفسه و اقامه بنفسه و جعل مادته و صورته نفسه بلا تعدد و في كل شئ من ذلك فالله سبحانه تقدس في عزه عن شئ من فعله لانه تعالي هو الازل و الفعل في الامكان الراجح و لمينزل شئ من الازل الي الامكان و لميصعد شئ من الامكان الي الازل بوجه و المفعولات هي من فعله بالتكوين و الانشاء و لمتكن مركبة من شئ من الفعل و انما بالفعل اخترع سبحانه مادة من هيئة فعله و ابتدع من تلك المادة هيئتها و اقام اول صادر من تلك المادة المخترعة من هيئة فعله و من تلك الصورة المبتدعة من هذه المادة فاذا قلنا انه سبحانه مبدأ الموجودات فنريد به هذا المعني و لانريد تلك الاحتمالات الباطلة الممتنعة الوقوع التي لاتسمن و لاتغني من جوع و قوله صفاته و آثاره و هو المشار اليه بالايمان بالله الخ ، اي في بيان صفاته و آثاره يعني المخلوقات من العلوم و المعلومات مما هو ممكن مما كان او يكون او لايكون و معرفة ذلك و الاستقامة عليه و الاعتقاد له عن الادلة القطعية مطلقا سواء كانت عيانية ام اخبارية ( اختيارية خل ) تفصيلية ام اجمالية هو الايمان بالله الخ ، هذا بقول مطلق و ان كان يعني الاخص لكنا نقول ان القول الحق مطلقا هو الايمان بالله الخ ، و قوله المنهج الاول في وجوده تعالي و وحدته الخ ، يعني بيان انه موجود و انه واحد و هو يريد في بيان وجوده بالوصف الذي يمكن للممكن ان يصفه به
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 379 *»
و قوله المشعر الاول في اثبات الواجب جل ذكره اي في بيان اثباته بالدليل في الاوهام و في بيان ذلك الدليل و هو ان سلسلة الموجودات المجعولة يجب في العقل ( الفعل خل ) اذا كانت موجودة محدثة ان تنتهي الي محدث لايصح ان يكون احدثه غيره و قوله برهان مشرقي اي بدا من مطلع الوجود او انه سبحانه اشرقه علي قلبه فيكون حقا لانه الهام عنه تعالي او اشارة الي قوله (ع) نور اشرق من صبح الازل الخ ، او اشارة الي عليته ليكون لميا لا انيا او الي انه كاشف للحجاب من قوله تعالي لمنجعل لهم من دونها سترا او انه علي طريقة اهل الاشراق و الله اعلم ثم انه اخذ في ذكر الاستدلال علي ما ذكره من هذه المقدمات شيئا فشيئا و يريد بالبرهان المعني الاصطلاحي لزعمه ان كل مقدمات ادلته ضروريات قطعيات و قد بينا مرارا ان الادلة المنطقية تفيد المدعي بشرط ان لاتخالف القضايا الحمليات مثلا في احكامها ما هو الواقع لا ما هو في نفس الامر لان تلك القواعد انما تعصم الفكر عن الخطأ اذا كانت حاكية عن الواقع لا اذا كانت حاكية عن نفس الامر و ما يحكم به او تصححه العبارة او نظم المقدمات او حسن الترتيب او نقل الحكم الي المحكوم عليه بالوسايط كالقياسات المركبة فيكون في بعضها نقل بالمعني و بعض بالمفهوم و بعض بالمدلول و بعض بالمصداق و بعض بالعموم و بعض بالاطلاق و بعض بالخصوص و بعض بالتقييد فيكون الوسط المتكرر فيها في بعضها تكرره من عموم و بعضها من اطلاق و يكون بعضها من مفهوم و من معني و هكذا فانه يلزم منها الفساد الاعظم في صورة الصلاح مثل ما ذكره المعلم الاول و اتباعه في بيان علم الواجب تعالي بذاته و بغيره قالوا ان كل مجرد قائم بذاته فيجب ان يكون عاقلا لذاته و لغيره و الواجب لذاته مجرد عن المادة فيجب ان يكون عاقلا لذاته و لغيره اما كونه عاقلا لغيره فلانه يمكن ان يعقل سائر المعقولات و كل ما يمكن ان يعقل سائر المعقولات يمكن ان تقارنه صور المعقولات و كل ما كان كذلك فامكان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 380 *»
مقارنته ساير المعقولات له لازم له و الا لزم الانقلاب من الامكان الي الامتناع و هو محال فاذا كان كل مجرد يمكن ان يقارنه صور المعقولات و كل ما امكن للمجرد كان واجب الثبوت له و الا لكان موقوفا علي استعداد المادة فلايكون المجرد عن المادة مجردا عن المادة هذا خلف انتهي ، فقالوا ان كل مجرد قائم بذاته مع انهم قالوا ان العقل مجرد و هو غير قائم بذاته و قالوا يمكن ان تقارنه صور المعقولات و كل ما كان كذلك فامكان مقارنته سائر المعقولات له لازم له مع انهم قالوا ان حقيقته لايمكن ان تتصور لذاته و هي منفصلة عن كل شئ فلا لازم له ليتوصل بمعرفته الي ادراك حقيقته و قالوا هو بسيط الحقيقة فلايتصور فيه تعدد و لا تكثر بوجه ما و مع هذا قالوا ان صور المعلومات في علمه الذي هو ذاته و قالوا انها في ذاته حاصلة حصولا جمعيا وحدانيا لايلزم منه كثرة و لا تعدد لانه الكل لاستهلاك الكثرة في وحدته فهو تعالي كالالف اللينية في الحروف او الصوت في الحروف او كالمداد في الحروف النقشية او كالبحر في الامواج او كالماء في الثلج او كالشجرة في الاغصان و قالوا في التوحيد مشاهدة الوحدة في الكثرة و الكثرة في الوحدة فالنمط الاول في مغالطات القياسات و الثاني في مغالطات التعبيرات لانه يذكر الكثرة و التعدد و يقول علي وجه لايلزم منه تكثر في الذات و لا تعدد فيخالفون الواقع و يدعون نفس الامر ، و قوله الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها اي شئ يعني بغير حقيقة الوجود هل هو وجود ام غير وجود ثم انه قد بين ما عدا حقيقة الوجود بانه اما ماهية من الماهيات او وجود مشوب فيكون غير حقيقة الوجود منه وجود مشوب فهذا الوجود المشوب هو ذلك الخالص او منه او من حقيقة واحدة بمعني ان ما خلص منها واجب و ما امتزج منها ممكن فهما حقيقة واحدة و وحدة هذه الحقيقة منشأها الواقع و الحمل الذاتي الاولي او الحمل الصناعي الذي منشاؤه صدق الاسم اللفظي او المعنوي او مفهومه و المعروف من عبارات المصنف انها واحدة بالحمل الذاتي الاولي الواقعي لا خصوص النفس
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 381 *»
الامري و لهذا قالوا ان المصنف قائل بالسنخية فيتفرع علي هذا ان الوجود الممكن في نفسه غير مجعول و انما المجعول تعينه و ظهوره بعد البطون اذ الشئ لايجعل نفسه و انما يجعل احواله و يفهم مما سبق من قوله في تخصيص الوجود بالواجبية و تخصيصه بموضوعاته ان جعله احواله ليس بواسطة امر خارجي و انما هو بامور و شؤن ذاتية له و هو كما قاله صهره في الكلمات المكنونة في قوله و النقوش كثيرة و الذات واحدة فصح انه مااوجد شيئا الا ذاته و ليس الا ظهوره ه ، و لايخفي عليك بطلان هذه المذاهب الفاسدة و الاعتقادات الكاسدة ، و قوله و كل ماهية غير الوجود فهي بالوجود موجودة لا بنفسها قد تقدم فيه الكلام و مما فيه ان هذا الوجود الذي به كانت الماهية اذا اريد به انه ذات حقيقية للشئ غير مادته و صورته لايعقل الا ان يراد بقوله انه حقيقة للشئ انه اصل تكوينه و مبدء تحققه و مفيد ايجاده لا انه جزء ماهيته اذ لو اريد به جزء ماهيته لميكن الا مادته او صورته او هما فلا بد ان يكون اما هما او احدهما او الخارج عن الشئ و الخارج عن الشئ اما مبدء تكوينه و علة ايجاده او عرضه الخاص او العام هذا عليهم و فيما يلزمهم و اما نحن فليس عندنا ان وجود زيد هو ربه و معبوده و لا فعل جاعله و لا شئ من لوازم وجوده او ماهيته و انما وجوده هو مادته و صورته كما تقدم و قوله و لو اخذت بنفسها مطلقة او مجردة عن الوجود الخ ، قد تقدم الكلام فيه من ان الشئ لايؤخذ مجردا عن الوجود في حال من الاحوال و انما يؤخذ اذا وجد بوجود الرتبة التي اخذ فيها لا مناص عن هذا قط و كل ما ينافي هذا الكلام فهو زخرف القول غرورا و مفاد كلامهم هذا و مثله ان الماهية لا تحقق لها في حال من الاحوال الا بالوجود فيكون مغايرا لها و لا شك في كونه مغايرا لها و ان الشئ موضوع لهما عندنا فهو باعتبار كونه اثرا لفعل الباري عز و جل وجود و باعتبار كونه هو هو ماهية هذا علي المعني الثاني كما تقدم و علي المعني الاول مادة الشئ وجوده و ماهيته صورته كما تقدم و الحاصل من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 382 *»
برهانه علي وجود الواجب تعالي البرهاني الاني لانه استدل علي وجوده بوجود مخلوقاته و دعوي انه برهان لمي صناعية فانه في الحقيقة استدلال بالمعلول علي العلة فهو اني الا ان الاستدلال باللمي اشرف فعدلوا الترتيب و التركيب ليكون بزعمهم لميا اي الاستدلال بالعلة علي المعلول فقالوا ان تحقق موجود في الخارج يدل علي ان بعض افراد الموجود واجب فتحقق الموجود حالة اولي له و كون بعض افراده واجبا حالة ثانية معلولة للاولي لتوقف الثانية علي الاولي فالمستدل بها هي الحالة الاولي التي هي العلة و المستدل عليها هي الحالة الثانية فجعل ( فحصل خل ) الاستدلال بالحالة الاولي للموجود المطلق علي الحالة الثانية اعني كون بعض افراد ذلك المطلق واجب الوجود و هو البرهان اللمي اي الاستدلال بالعلة علي المعلول و الي معني هذا اشار الشيخ في الاشارات و هذا لمي في الطريقة الصناعية كما اشرنا اليه من ان اكثر امورهم يثبتونها بالحمل الصناعي سواء طابق الواقع ام خالفه مثل هذا فانه في الحقيقة اني لانه استدلال بالمعلول علي العلة الذي هو الواجب تعالي و هذا و امثاله استدلال بالآثار علي المؤثر و لكن كما قال الشاعر :
في زخرف القول تزيين لباطله ** * ** و الحق قد يعتريه سوء تعبير
تقول هذا مجاج النحل تمدحه ** * ** و ان ذممت فقل قيء الزنابير
قدحا و مدحا و ما جاوزت حدهما ** * ** حسن البيان يري الظلماء كالنور
و لو اردنا الاستدلال بالعلة علي المعلول حقيقة امكن بشرط ركوب متون التأويلات و الا فاين يخرجون عن الاني انظر الي ما قال سيدالشهداء ابوعبدالله الحسين صلوات الله عليه في ملحقات دعاء عرفات علي ما نقله بعض الروات في قوله
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 383 *»
(ع) الهي امرت بالرجوع الي الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كل شئ قدير و الاشارة الي ما اشرنا اليه من البرهان اللمي علي وجه التأويل الذي لايهتدون في الوصول اليه ( الي خ ) سبيل فاعلم انه سبحانه لايعلم من نحو ذاته لاحد غيره لان كل ما يدركه غيره فهو غيره انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظايرها كما قال علي عليه السلام و انما يعرفه كل احد من جهة ما تعرف له به و ماتعرف لمخلوق الا بما خلقه عليه من وصفه تعالي لعبده و ماتعرف لاحد بشئ يشابه شيئا من خلقه و الا لعرف بذلك الشئ سبحانه و تعالي فكان ما تعرف به لكل احد من خلقه هو آيته و دليله في نفس عبده و هي نفس عبده و هو عنوان لمعرفته خلقه ليعرفه عبده به و هو شئ ليس كمثله شئ من الخلق و هو ما تعبد به عبده المكلف ليعرفه به و يعبده سبحانه و تعالي بالتوجه الي جهته لانه وجه الله سبحانه الي عبده المشار اليه بقوله كل شئ هالك الا وجهه ، و انما قلنا ان الله سبحانه تعبد عبده بمعرفة تلك الآية التي هي نفسه في قول اميرالمؤمنين (ع) من عرف نفسه فقد عرف ربه و هي وجه الله اليه كالكعبة بالنسبة الي المصلي لانه هو وصف الله سبحانه نفسه لعبده و دليله اليه و الدليل علي معرفة هذه الآية التي هي النفس و الموصل الي معرفتها و المرشد اليها هو خالقها و منشئها و كاتبها بيد قدرته و منزلها بعلمه فهذا هو الدليل اللمي الحقيقي فمن اراد الله سبحانه و تعالي هدايته و رفع قدره و تشريفه بمعرفته عرفه نفسه و اعلم ان لي رسالة في معرفة النفس لايعرف احد نفسه بغير ذلك الا ان تكون معرفة قشرية او جهلا بنفسه فمن ارادها طلبها من له في الكون حظ لميمت حتي يناله ثم ان قوله الموجود اما حقيقة الوجود او غيرها يعني ان الموجود من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 384 *»
حيث هو مع قطع النظر عن الخصوصيات التي بها يحصل التمايز في التعريف و يحصل بملاحظتها التقسيم ان كان ذلك الموجود حقيقة الوجود ثبت المطلوب لانا لانعني بحقيقة الوجود الا صرف الوجود و هو الواجب الحق تعالي شأنه او غير تلك الحقيقة قال و نعني بحقيقة الوجود الخالص الذي لايشوبه شئ غير صرف الوجود اي غيره من حد فان المحدود مركب اما من جنس و فصل او من خاصة او عرض عام او نهاية لان المنتهي او المنتهي اليه محصور بالنهاية منقطع الدوام في جهة مما ينسب اليه او نقص لان النقص بداية ينتهي الي تمامه او عموم لتناوله للكثرة و التعدد و انبساطه علي امثال تقتضي توزيع جهاته او بعضها عليها فلايكون احديا مطلقا او خصوص يؤدي الي التحديد و حصر بعض جهاته في بعض المتعلقات دون بعض و هو الوجود المقابل للعدم و هو الوجود الذي يكون احق بهذا الاسم من سواه فشرع في البرهان فقال لو لمتكن حقيقة الوجود موجودة و هو الوجود الصرف اعني الواجب عز و جل لميكن شئ من الاشياء موجودا و هذا الدليل و ان كان في الظاهر انه استدلال بالآثار علي المؤثر لكنه من دليل الحكمة لان وجود ما لايستغني عن الغير لا في كونه و لا في بقائه طرفة عين دليل علي وجود ذلك الغير و لما كان ذلك الغير الذي هو العلة في الكون و البقاء مستحيل الاستدراك من غيره كان وجوده عند العارف عين وجود اثره فلايخفي عن شئ بآثاره و لايجده شئ بذاته و هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام وجوده اثباته و دليله آياته و هذا الاستدلال ( استدلال خل ) ثابت صحيح الا انه بغير نمط استدلال المصنف لانه صوره بصورة القياس الاقتراني اذ لايعرفون غيره و هذا الاستدلال و امثاله اذا تعلق بمعرفة الحقايق الالهية ظهر فيه الخلل لانحطاط مداركه عن تلك الحقايق كما تقدم و لذا كان قوله في بيان الملازمة غير مرتبط فان قوله فلان ما عدا حقيقة الوجود اما ماهية من الماهيات او وجود مشوب بعدم او بنقص و هذا حصر علي اصطلاحهم صحيح لان الاشياء اما وجود بحت
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 385 *»
او وجود مشوب او ماهية و يعني بالمشوب به هو الماهية اذ لا شئ غير الوجود و المهية فصارت الملازمة ثابتة بالنسبة الي الماهية و اما بالنسبة الي الوجود المشوب فلا لانه لو لميوجد الوجود الخالص لمالزم عدم الوجود المشوب اذ الوجود المشوب لميكن بغيره و ان كان ما شابه اعني الماهية لميوجد بنفسه بخلاف الوجود فانه ليس مجعولا لغيره و لا بغيره لاسيما علي قول المصنف و قوله فيما تقدم و يأتي انه مجعول لايريد به انه كونه الجاعل بعد ان لميكن في نفسه شيئا اصلا و انما يريد بجعله تنزله في مراتبه و شوبه بما يعرض له من عوارض مراتبه لاتحاده بجاعله بعد رفع تلك العوارض لانه حقيقة واحدة بسيطة كاتحاد اجزاء السرير بعد رفع صورته بالخشب المطلق و كذا حكم الوجود لانه حقيقة واحدة منه صاف و منه مشوب فيعود الكلام علي قوله لو لمتكن حقيقة الوجود موجودة لميكن شئ من الماهيات موجودا فلايلزم من عدمها عدم مطلق الوجود ( الموجود خل ) و انما يلزم عدم الماهية منفردة او مشوبة بوجود فعلي قوله باستقلال الوجود الحادث يبطل استدلاله و علي قولنا بعدم استقلال الوجود الحادث بمعني انه لايتقوم الا بالماهية يمكن تصحيح استدلاله و قوله كيف و لو اخذت بنفسها مطلقة او مجردة عن الوجود لمتكن بنفسها نفسها هذا مطابق موافق لاعتقادنا و مخالف لاعتقاده خصوصا في هذا الكتاب فانه يزعم انها في الذهن معروضة للوجود و لاتكون معروضة له الا حال كونها مجردة عنه و هي هي نعم عندنا كما يقول هنا لانها في الذهن غير مجردة عن الوجود الذهني لان ما في الذهن منها ظل منتزع من الخارج المتقوم بالوجود و في الذهن كذلك بنسبة الوجود الظلي الي وجود ذي الظل لان ثبوت شئ لشئ فرع علي ثبوته في نفسه و جريان القاعدة الفرعية علي ما نقول اولي من جريانها علي ما يقول و قوله فهي بالوجود موجودة متفرع علي قوله و اما علي قولنا فقد تقدم الوجهان فيه الا ان مرادنا بالوجود و بالماهية غير ما يريد فراجع .
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 386 *»
قال و ذلك الوجود ان كان غير حقيقة الوجود ففيه تركيب من الوجود بما هو وجود و من خصوصية اخري و كل خصوصية غير الوجود فهي عدم او عدمي و كل مركب مؤخر عن بسيطه مفتقر اليه و العدم لا مدخل له في موجودية الشئ و تحصله و ان دخل في حده و معناه و ثبوت اي مفهوم كان لشئ و حمله عليه سواء كان ماهية او صفة اخري ثبوتية او سلبية فهو فرع علي وجوده و الكلام عايد الي ذلك الوجود ايضا فيتسلسل او يدور او ينتهي الي وجود بحت لايشوبه شئ فظهر ان اصل كل موجودية كل شئ موجود هو محض حقيقة الوجود الذي لايشوبه شئ غير الوجود .
اقول قوله و ذلك الوجود ان كان غير حقيقة الوجود يعني ان كان غير الله سبحانه فيه ان تسمية الله تعالي بحقيقة الوجود انما اطلقه عليه لزعمه ان الوجود في ذاته منه حقيقة و منه مشوب اي مركب مما يذكره و هذا لايصح الا علي شيئين تجمعهما حقيقة واحدة اما من حيث الاسم الحقيقي كالمعني المصدري و النسبي و الرابطي و البسيط المعبر عنه بهست في الفارسية او من حيث المعني الحقيقي بان يكون ذاتا واحدة تتجزأ الي الحقيقي و المركب من الحقيقي و شئ آخر و كلا المعنيين باطل اما الاول فلكونه متقوما بغيره و اما الثاني فلكونه منقسما الي غيره و لكن علي تقدير قبول ذلك منه معني قوله ان الوجود ان كان حقيقة الوجود فهو الوجود الحق تعالي و ان كان غير حقيقة الوجود بل فرعه او تنزله او غير ذلك مما يكبر في صدورهم ففي ذلك الوجود الذي هو غير حقيقته تركيب منه اي من الحقيقي ( الحقيقة خل ) كما هو رأي مميتالدين في الحتوفات فانه يري ان الحق الذي لا خلق فيه و الخلق الذي لا حق فيه اجتمعا فعصر منهما الانسان فهو الحق و هو الخلق و كذلك آراء اتباعه كالمصنف و صهره او ان قوله من الوجود اي المطلق يعني فيه تركيب من الوجود المطلق بما هو وجود يعني ان جزئه حصة من الوجود المطلق الغير المقيد بتخصيص الوجود بنفسه و بتخصيصه بمراتبه و منازله بشؤنه الذاتية بل من حيث هو هو و حصة من خصوصية اخري غير
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 387 *»
الوجود كتخصيصه بالماهية او بامر اعتباري و الاول هو العدم و الثاني هو العدمي و قد تقدم انه في غير التخصيص الواجبي يتخصص في مراتبه و منازله بشؤنه الذاتية و قد يكون بها و بالماهية و لا ريب انه اذا تخصص بشؤنه الذاتية سواء جعلت هي العدمي المذكور لانها في علمه الذي هو ذاته ليست عند انفسها شيئا و ان وحدته طوت تلك الكثرات ام العدم اذ لا تحقق لها من ذاتها ام علي التقسيم الاولي فانه هو التخصيص بذاته اي التخصيص الواجبي لان هذه الشؤن الذاتية ان كان لها اعتبار ما تكثر مع وحدته و الا فقد قال العدم لا مدخل له في موجودية الشئ فلاتتحقق رتبة او منزل متخصص مغاير لغيره بسبب شؤن لا حظ لها من الوجود باعتبار اذ ليست شيئا فلايترتب عليها شئ فقد دار تحقق الغير و عدمه علي وجود الشؤن في نفسها و عدمها علي ان هذه الشؤن الذاتية التي هي علة التكثر اذا تحققت في انفسها امتنعت الوحدة علي الوجود الواجبي في كل حال اذ ليس فاقدا للشؤن في حال من الاحوال و الا لمتكن ذاتية هذا خلف و قوله و ان دخل في حده و معناه ليس بصحيح لان العدم لايدخل في حد الشئ و معناه الا اذا كان له معني خارجي و ان كان كذلك كان له مدخل في موجوديته او موجودية لازمه او منافيه و الا اي و ان لميكن له معني خارجي لميكن له معني ذهني لما قررنا من ان ما في الذهن فرع علي ما في الخارج و لو جرينا علي مذاقهم من امكان كون الوجود في الذهن منفردا عن الخارج كان له مدخل في موجوديته او موجودية لازمه او منافيه و من هذا ما استدل به المصنف كما يأتي في ذكر الاستدلال علي كون بسيط الحقيقة كل الاشياء من انه اذا اخذ معني النفي و السلب في مفهوم الشئ كان مركبا في حقيقته من معني الثبوت و من معني السلب فلايكون بسيط الحقيقة و لو كان العدم لا مدخل له في موجودية الشئ لماتركبت حقيقة جيم من معني جيم و من معني ليس ب علي ما قرره هناك فيما يأتي و قوله و ثبوت اي مفهوم كان لشئ و حمله عليه سواء كان ماهية او
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 388 *»
صفة اخري ثبوتية او سلبية فهو فرع علي وجوده يرد عليه انه قد قرر سابقا ان الوجود متحد بالماهية في الخارج و عارض لها في الذهن فيلزم ان عروض الوجود لها فرع علي وجودها فيتسلسل او يدور و ايضا قد ثبت فيما اشرنا اليه مما دل عليه النقل و كلام الحكماء و العقل شاهد لهما من ان كل محدث لايكون الا مركبا من جهتين جهة من ربه و هو المسمي في الاصطلاح بالوجود و جهة من نفسه و هو المسمي ايضا بالماهية فاول المحدثات جزءاه قد ثبتا له و لميكن موجودا قبل ثبوتهما له و بالعكس و كذا القابلية و المقبولية ثابت كل منهما لما يحمل عليه من دون ان يكون المحمول عليه موجودا قبل المحمول بل كل موجودين احدهما شرط للآخر اما في جهة كالابوة و البنوة او في جهتين كالوجود و الماهية و كالكسر و الانكسار فان الوجود و الكسر شرط للماهية و الانكسار في التحقق و هما شرط للوجود و الكسر في الظهور فان شيئا منها لايسبق الآخر في الوجود الذي هو الكون في الاعيان و الحصول و مثل هذا قوله و كل مركب مؤخر عن بسيطه مفتقر اليه مع ان في هذا زيادة علي ذلك بتصريح ان الحادث مركب من وجود قديم و من ماهية محدثة و هذا علي القول بالسنخ كما هو مذهب المشهور من الصوفية نعم اذا فسر الوجود بالمعني الحقيقي الذي يريد المصنف فعلي قول المصنف من تحققه بدون شرط او من بساطته المطلقة او ان حقيقة الوجود يتم له بعض كلامه مثل الوجود و علي قولنا لايتم له شئ من ذلك فيما هو من الحادثات الا في الاصول المطلقة بالنسبة الي المقيدة كالمادة المطلقة بالنسبة الي الخاصة فظهر لمن فهم ان استدلاله بهذا الترتيب و هذا المعني ليس بشئ و انما الميزان في الاستدلال هو الاحتياج اللازم للمحدث المستلزم للاستناد الي الغني المطلق الذي لايحتاج الي شئ و الاستدلال بلزوم التسلسل او الدور كما فعله العلماء علي غير هذا النمط اصح من هذا فافهم و قوله فظهر ان اصل كل موجودية كل شئ موجود هو محض حقيقة الوجود هذا الكلام علي قول المصنف القائل بالسنخ كما هو المشهور من قول
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 389 *»
الصوفية مطابق لمذهبه لان ظاهر معني هذا الكلام و هو ان اصل كل موجودية كل موجود ان موجودية كل موجود فرع علي موجوديته تعالي و الفرع مشتق من اصله باحد الاشتقاقات اللغوية و الاصطلاحية كاخذ مادة الفرع من الاصل اما بالاقتطاع كاخذ بعض من كل او التوليد كالثمرة من الشجرة او كالضرب المصدر من ضرب الفعل او الاستنباط كالحكم من الدليل او الطريقة كالشريعة من الشارع و امثال ذلك و المستفاد من مذهب المصنف و استدلالاته هو ان المراد بهذا الاصل هو الاول اي الاقتطاع و ظاهر رأي صهره في الكلمات المكنونة هو الثاني اي التوليد و ظاهر كلام بعض الحكماء هو الثالث و ظاهر بعضهم الرابع و هنا آراء كثيرة كلها فاسدة ليس لها في الحق نصيب و اعلم اني انما اتتبع ما في كلام المصنف طلبا لتنبيه المؤمنين بمذهب ائمتهم عليهم السلام لان كثيرا منهم مالوا مع هؤلاء ظنا منهم ان هذا الذي عليه هؤلاء هو مذهب اهل البيت عليهم السلام فقبلوا منهم و سلموا لهم و اتبعوا ادلتهم من غير نظر قاطع و انما اتبعوهم لتخيل ( لتخييل خل ) مثل هؤلاء علي رتبة لاتنالها العقول و لاتحوم حولها الاوهام فاحسنوا الظن في معرفتهم و شدة اطلاعهم و عظيم شهرتهم فكبروا في اعينهم و ظنوا ان اقوالهم في انفسها حجة لايحتاج الي النظر فيها و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا فذكرت اكثر ما في كلامهم علي جهة التنبيه لتقوم الحجة بعد العيان و البيان علي الفطن النبيه و لماقصد تنقيصهم و عيبهم و الله سبحانه علي ما نقول وكيل فاني و لله الحمد و المنة علي اعلم ان الله سبحانه يسئل عباده عما يسرون و ما يعلنون و هو عليم بذات الصدور .
قال الثاني في ان واجب الوجود غير متناهي الشدة و القوة و ان ما سواه متناه محدود لما علمت ان الواجب تعالي محض حقيقة الوجود لايشوبه شئ غير الوجود فهذه الحقيقة لايعتريها حد و لا نهاية اذ لو كان له حد و نهاية كان له حد و تخصيص بغير طبيعة الوجود فيحتاج الي سبب يحدده و يخصصه فلميكن محض حقيقة الوجود .
اقول قوله الثاني اي المشعر الثاني في ان واجب الوجود الخ ، يريد به
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 390 *»
ان واجب الوجود هو حقيقة الوجود فيكون غير متناهي الشدة و القوة ثم علل هذه الدعوي بقوله لما علمت ان الواجب تعالي محض حقيقة الوجود لايشوبه شئ غير الوجود و هذا يدل علي فرض صحة استدلاله انه يريد بالوجود ما يقابل العدم ليتفرع علي هذا ان كل شئ هو عدم كالجهل او يأول الي العدم كالانتهاء فانه اذا فرض له انتهاء كان فاقدا لما يفرض وراء ذلك فاذا لميجر عليه فقدان شئ كان غير متناه في الشدة و القوة و لايكون هذا الا في محض الوجود اذ غيره مشوب بعدم او عدمي كما تقدم و هذا هو معني الوجود البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست فيلزمه ان تكون ذات الواجب تعالي هو معني هست و هذا صفة لشئ كما هو ظاهر و لايجوز ان تكون ذات الله تعالي بهذا المعني لان ذاته المقدسة لو كانت بهذا المعني لكانت محمولة علي ذات فوقها فتكون معلولة لها محتاجة اليها و ان اريد غير ذلك و غير ما في معناه كالرابطي و المصدري فما شرحه فان وقف علي شرحه باي طور فرض فهو ممكن اذ لا سبيل الي شرح حقيقة الحق تعالي و ان لميقف علي شرحه فكيف نص علي عدم تناهيه في الشدة و القوة لكونه محض حقيقة الوجود لان تعليل عدم التناهي بشئ يجب ان يكون معلولا ( معلوما خل ) مميزا محدودا و الا لكان مثل قولك زيد لايتناهي لانه شئ و الحال انك لاتعرف من الشئ معني مشروعا عندك لان التعليل جهة المعرفة و الادراك و لايتم الاستدلال الموجب لصحة المدعي الا بمعرفة حقيقة التعليل و هذا نور ظاهر لمن له بصر باطن و قوله فهذه الحقيقة لايعتريها حد و لا نهاية الي قوله كان له حد و تخصيص بغير طبيعة الوجود الكلام فيه كالذي قبله اذ بدون معرفة الذات التي هي حقيقة الوجود عنده لايمكن وصفها بما ذكر و اما غيره من الحكماء و العلماء فانهم استدلوا علي عدم تناهيه بلزوم الحصر و الفناء و النقص و العجز و امثال ذلك مع التناهي و تلك توجب الحدوث المستلزم للدور و التسلسل او الانتهاء الي الواجب الغني المطلق الذي لا غاية لذاته و لا نهاية لصفاته و استدلالهم احسن و اسلم من استدلاله .
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 391 *»
قال فاذن ثبت ان واجب الوجود لا نهاية له و لا نقص يعتريه و لا قوة امكانية فيه و لا ماهية له و لا يشوبه عموم و لا خصوص فلا فصل له و لا تشخص له بغير ذاته و لا صورة له كما لا فاعل له و لا غاية له كما لا نهاية له بل هو صورة ذاته و مصور كل شئ لانه كمال ذاته و كمال كل شئ لانه ذاته بالفعل من جميع الوجوه فلا معرف له و لا كاشف له الا هو و لا برهان عليه فيشهد ذاته علي ذاته و علي وحدانية ذاته كما قال شهد الله انه لا اله الا هو و نشرح لك هذا .
اقول قوله فاذن ثبت ان واجب الوجود لا نهاية له و لا نقص يعتريه نعم قد ثبت هذا الا انه بغير ما ذكره من دعوي كونه حقيقة الوجود لما ذكرناه بل بما ذكره العلماء مما قرروه في كتبهم و ان كان الاكثر منها مدخولا و اذا اردت محض الحق فزك عقلك بكتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و انظر به في الآيات التي جعلها دليلا علي ذلك و هي آياته في الآفاق و في انفسهم ( الانفس خل ) كما قال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق الآية ، و لولا خوف الاطالة لذكرت لك شيئا مما ذكروه في كتبهم و لكنه لايعسر عليك و انا في الغالب انما اذكر ما لميذكروه او ما يرد عليهم مما لميشعروا به ، و قوله و لا قوة امكانية لايريد به بان فيه قوة وجوبية اذ الوجوب ليس فيه شئ غيره و انما ذكر هذا البيان ما هو الواقع و ذلك لان الواجب لو فرض فيه قوة امكان ( امكانية خل ) لكان محتملا للاستكمال و الكمال و محتمل الكمال محتمل النقصان و هو الحادث لان كل ما يمكن له عز و جل فهو بالفعل علي حد لايحتمل الزيادة و لا النقصان اذ كل ما جاز عليه وجب له فليس في الازل حالة منتظرة و لا حالات مختلفة و هذا ظاهر الا انهم مع قولهم بهذا قد يذكرون اشياء يفرضونها فيه او له يبنون عليها احكاما و الحق تقدس تلك الحضرة تعالي شأنه عن كل ما ليس هو ذاته لا خارجا و لا ذهنا و لا فرضا و لا احتمالا و اعتبارا او حيثية لان كل ذلك صفات الممكنات فالازل تعالي لايصح فيه فرض الامكان و الاحتمال بكل اعتبار و فرض ،
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 392 *»
و قوله و لا ماهية له صحيح علي قصده لانه يريد انه عز و جل وجود بحت بدون ماهية و هذا صحيح الا انه لايقال ذلك في صحيح التعبير اذ صحيح التعبير ان يقال ان وجوده عين ماهيته بكل فرض و اعتبار لا ان يقال لا ماهية له لما تقرر ان المراد بالوجود باعتبار مفهومه الذاتي بانه ( انه خل ) شئ لغيره و الماهية شئ لنفسها و الوجوب اذا اطلق عليه الوجود يراد منه ما يعتبر من الماهية باعتبار هويتها فهو الماهية و لذا قلنا سابقا ان الماهية لايجوز سلبها عنه تعالي و انما يقال كما في اخبار ائمتنا عليهم السلام يا من لايعلم ما هو الا هو و هو المراد من الماهية التي هي مناط الكبرياء و العظمة و ذلك ثابت لمن له هوية لذاته و لهذا كان وجود الممكن لايستحق لذاته الكبرياء و العظمة لانهما لله سبحانه اذ لا هوية للممكن لذاته و المصنف يقول بان الممكن لايستحق لذاته الكبرياء و العظمة مع انه يثبت له وجودا من سنخ الوجود الحق تعالي فلولا انه لا ماهية له ذاتية لاستحق الكبرياء و العظمة مع ثبوت الوجود الذي هو عنده من سنخ الوجود الحق تعالي و ذلك لانه انما هو شئ بمشية الله تعالي و مشية الله عز و جل انما هي شئ بالله سبحانه و قوله و لايشوبه عموم و لا خصوص الخ ، اي انه ليس له طبيعة جنسية و لا نوعية فيدخل تحت شئ او يدخل تحته شئ و لا فصل له مقوم او مقسم و الا لكان مركبا او متجزيا و هذا علي ما نذهب اليه صحيح لانه مطابق لاعتقادنا اما عند المصنف فيلزمه علي اعتقاده ان الوجود المطلق الشامل للحق تعالي لانه عز و جل خالصه و محضه و حقيقته و الشامل للخلق ايضا لان وجودات الخلق احد افراد المطلق الا انها ( لانها خل ) مشوبة بالعدم او العدمي فالاشياء مركبة من حصص من ذلك المطلق و من ماهيات و قابليات متغايرة بها تكثرت الاشياء سواء قيل انها شؤن ذاتية لتلك الوجودات في رتبها و منازلها ام مخصصات اجنبية منها اذ هي علي الاول بشؤنها الذاتية تجنست و تنوعت بفصولها فانه بهذا يلزمه دخول مطلق الوجود المطلق او خصوصه تحت العمومات و الخصوصات حتي ان هذه الطريقة صرح بعضهم بان الوجود الممكن لايجري عليه العدم و انما الوجود
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 393 *»
الممكن و العدم يختلفان علي الماهية فاذا ارتبط بها العدم لحق وجودها بمبدئه القديم فيبطن فيما ظهر منه فلايجري عليه العدم لانه ضده فاذا بنيت المعرفة علي مثل هذه الكلمات السؤي بحيث يبطن الحادث في القديم لانه منه بدئ و اليه يعود كيف يقال علي مثل هذه انه لايشوبه عموم او خصوص ، و قوله و لا صورة له هذا حق و لايقال له صورة بهذه العبارة ليناولها الهندسة و الحدود التي هي صفات الحوادث و قال بعضهم ان له صورة ليست كصور الاشياء و هي كينونته اي قيامه بذاته و المعني صحيح و اللفظ باطل و قال بعضهم صورته صورة العالم و قال آخرون خلق الله العالم علي صورته و آخرون خلق آدم علي صورته و هي اكرم الصور و هي الصورة الانسانية حتي قال هؤلاء انه في صورة شاب امرد قطط الشعر كما في الحديث الذي رووه و اللفظ كله باطل و اما قول من قال ان صورته صورة العالم تعالي فقالوا لانه روح عقل الكل و عقل الكل روح العالم و الظاهر صورة الباطن و من قال خلق آدم علي صورته فانه يقول انه تعالي مؤثر للعالم و العالم اثره و الاثر يشبه صفة المؤثر و كذبوا جميعا فانه تعالي خلو من خلقه و خلقه خلو منه كما قال (ع) و الا لكان حالا او محلا و كذا قول الآخرين فانه سبحانه ليس فاعلا للعالم بذاته اذ ذاته ليست فعلا و الا لكانت صفة لموصوف و انما فعل العالم بفعله فالعالم اثر فعله و معلوم ان الاثر يشابه صفة المؤثر كما ان الكتابة تشابه حركة يد الكاتب لا ذاته لان الكتابة اثر لحركة اليد و من قال خلق آدم علي صورته كما هو في الحديث النبوي صلي الله عليه و آله فان العلماء وجهوه بان الضمير في صورته يعود الي آدم يعني ان الله سبحانه خلقه علي ما هو عليه و بعضهم وجهه بان معناه ان الله تعالي خلق آدم آية تدل عليه كما قال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم ، و روي عن الصادق (ع) في هذا الحديث ما معناه انهم حذفوا اول الحديث و ذلك ان رسول الله صلي الله عليه و آله سمع رجلا يقول لآخر قبحك الله و قبح كل من يشبه صورتك فقال رسول الله صلي الله عليه و آله لاتقل هكذا فان الله خلق آدم علي صورته اي علي صورة هذا الرجل و الحاصل ان الصورة لايصح اطلاقها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 394 *»
علي الله تعالي و ان اريد منها معني صحيح و يجوز ان يكون المصنف اراد ان الله سبحانه لا صورة له لان الصورة تلزم المادة و هما علة التركيب و يدل علي هذا قوله كما لا فاعل له يعني انه لو كان له صورة لكان معلولا معمولا و اشار المصنف بقوله بل هو صورة ذاته الي ان ذاته هي نفس صورته بلا تغاير بينهما بحال و الي انه مصور كل شئ فلايجري عليه ما هو اجراه لان ذاته كمال ذاته فليس ذاته شيئا غير ذاته لان ذاته بالفعل من جميع الوجوه فلا امكان فيها و ما لا امكان فيه لا صورة له لان الصورة استكمال لذي الصورة فلا معرف له اذ التعريف متوقف علي الفصل الذي هو الصورة كما ذكرنا سابقا و لا كاشف له الا هو لانه لو كان له حد لتوقف الكشف له علي الجنس و الفصل و يكون مركبا منهما و الكل مسبوق باجزائه و امتناع ذلك عليه دليل علي انه سبحانه انما تعرف لعباده بهم و يريد المصنف بقوله و لا كاشف له الا هو التلويح الي قول اميرالمؤمنين عليه السلام يا من دل علي ذاته بذاته و هذا المعني هو المعروف عندهم كما هو ظاهره و عندنا هذا لايصح و انما يراد من قولنا لا كاشف له الا هو انه تعالي انما يعرف به و لايعرف به الا بما تعرف به لعباده و ماتعرف لهم الا بهم بان نقشهم كما تعرف لهم به و ذلك لانه لما اراد ان يعرفه عبده خلقه انموذجا فهوانيا بان صوره بصورة معرفته و معني الانموذج معرب نمونه اي مختصرا من صفة معالمه و مقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه و معني الفهواني خطاب الله سبحانه لعبده في سلوكه اليه بطريق المكافحة اي بطريق كشف الغطاء عنه و جذبه اليه و مشافهته به فيكون هذا النقش الانموذجي هو حقيقة عبده من ربه يعني ان وجوده الذي هو نور الله سبحانه و اثره آية معرفته و صفة ظهوره به له و هي صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام فمعني قوله (ع) يا من دل علي ذاته بذاته يراد منه وجوه احدها ان المراد بالذات الدالة هي النفس الملكوتية الالهية و هي نفوس محمد و آله صلي الله عليه و آله كما في حديث الاعرابي عن اميرالمؤمنين عليه السلام في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 395 *»
قوله اصلها العقل منه بدءت و عنه وعت و اليه دلت و اشارت و عودها اليه اذا كملت و شابهته و منها بدءت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لميشق و من جهلها ضل سعيه و غوي الحديث ، و الذات المدلول عليها هي مقاماته كما في دعاء شهر رجب للحجة عليه السلام في قوله فجعلتهم معادن لكلماتك و اركانا لتوحيدك و آياتك و علاماتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و رواد فبهم ملأت سمائك و ارضك حتي ظهر الا اله الا انت الدعاء ، فهذه العلامات و المقامات هي الذات المدلول عليها و المراد بها الوجه المسمي في اصطلاحهم بالعنوان و هو بمنزلة قائم بالنسبة الي زيد لانه اسم فاعل القيام لا اسم زيد لذاته فافهم و سمي سبحانه ذاتهم عليهم السلام ذاته و نسبها اليه تشريفا لها كما سمي روحهم روحه في قوله تعالي و نفخت فيه من روحي و سمي نفسهم نفسه في قوله تعالي حكاية عن عيسي عليه السلام تعلم ما في نفسي و لااعلم ما في نفسك ، و ثانيها ان المراد انه تعالي لميحتج في تعليم خلقه معرفته و ما يراد منهم الي شئ غيره تعالي و ثالثها ان المراد انه تعالي دل علي ذاته اي علي معرفة ذاته بذاته اي بوصف ذاته فلايعرف بوصف غيره و انما يعرف بوصفه مثل ما روي عنهم عليهم السلام اعرفوا الله بالله و مثل ان الله تعالي اجل من ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به و القوم لايريدون من قوله عليه السلام يا من دل علي ذاته بذاته مثل هذه المعاني التي اردنا منه و انما يريدون انه تعالي دل بذاته البحت الخالص او المتصفة بالصفات القديمة علي ذاته ( ذات خل ) البحت القديمة كذلك و هو عند ائمتنا عليهم السلام باطل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 396 *»
و قوله و لا برهان عليه يعني غير ذاته لانه دل علي ذاته بذاته و نحن نقول انه تعالي لايدرك من نحو ذاته لغير ذاته و انما يعرف بما وصف به نفسه فلا برهان علي ذاته الا بما دلت آثار فعله علي وجوده قيل و المراد به اي الذي نفاه المصنف ، منه .
البرهان اللمي و هو ظاهر اذ لا علة له حتي يستدل بها عليه انتهي ، و هذا يريد ان البرهان المنفي هو اللمي و هو الاستدلال بالعلة علي المعلول فلما لمتكن له علة نفاه و فيه شيئان احدهما ان المصنف قد ذكر البرهان عليه فان لميكن لميا كان انيا و هو الاستدلال بالمعلول علي العلة فيلزم ثبوت البرهان الاني و اللمي اشرف من الاني و المصنف ظاهر كلامه نفي مطلق البرهان لان البرهان يميز الشئ و المميز مدرك محاط به فلا برهان له الا ذاته و ثانيهما انهم انما استدلوا عليه بالبرهان اللمي و لايريدون به ما اراد صاحب هذا القيل لانهم يريدون به ان في الخارج موجودا قطعا و هذه القضية هي العلة و ان بعض ذلك الموجود واجب الوجود و هذه هي المعلول لتوقفها علي الاولي فيستدلون علي ثبوت الواجب بثبوت الموجود المطلق فحالة الاطلاق علة لحالة التقييد و التخصيص و قد اشرنا سابقا الي هذا و هذا المعني غير معني ما اراد صاحب القيل من البرهان اللمي و لو ارادوا ما اراد لمااستدلوا باللمي في اثبات واجب الوجود حتي انهم يجعلون ذلك طريق العارفين و المحققين و الاني طريق العوام و الجهال فقوله فشهد ذاته علي ذاته و علي وحدانية ذاته قيل لعل مراده بهذا الاشارة الي ظهوره بذاته بلا واسطة امر و شهادته علي وحدانيته اشارة الي كون ذاته المقدسة بحيث اذا لاحظها العقل لو امكن يحكم بامتناع ان يكون لها شريك فذاته تدل علي الوحدة اذ صرف الشئ لايمكن التعدد فيه و اليه اشار صاحب التلويحات بقوله صرف الوجود الذي لا اتم منه كلما فرضته ثانيا فاذا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 397 *»
نظرت فهو هو اذ لا مميز في صرف الشئ فوجوب وجوده الذي هو ذاته يدل علي وحدته انتهي ، فقول هذا القائل اشارة الي ظهوره بذاته مثل قول المصنف قبل هذا بان تخصيص الوجود الواجب بالواجبية نفس حقيقة ( حقيقته خل ) المقدسة الي ان قال و اما تخصيصه بمراتبه و منازله في التقدم و التأخر و الغني و الحاجة و الشدة و الضعف فبما ( فيما خل ) فيه من شؤنه الذاتية و حيثياته العينية ( الغيبية خل ) بحسب حقيقته البسيطة ه ، و قد تقدم الكلام علي قول المصنف و القول علي هذا كذلك لان ظاهره ان ظهوره بذاته و هذا باطل لانه اذا كان بذاته كان لذاته حالتان و ما كان كذلك فهو حادث لانه اذا ظهر بذاته بلا واسطة فان كان الظهور قديما لزم عدم وجود البطون و كان محصورا في الظهور و ان كان حادثا اختلفت حالتاه و قوله فذاته تدل علي الوحدة اذ صرف الشئ لايمكن التعدد فيه نقول عليه ان صرف الشئ لا مدخل له في نوع هذا التوحيد لان المراد انه لا شئ غيره لا انه لبساطته يكون كل شئ حتي لايوجد غيره لانا لانثبت في الازل شيئا آخر ( غيره خل ) ليكون ببساطته مستهلكا فيه فقول صاحب التلويحات كلما فرضته ثانيا ليس بشئ اذ الفرض من احكام الممكنات لايصح استعماله في الازل فتوهم التعدد بالفرض و الاتحاد امور ممكنة نعم هذه الامور التي يشير اليها تصلح في بادي الرأي للعنوانات لا للذات البحت و يأتي في كلام المصنف بعد هذا .
قال الثالث في توحيده لما كان الواجب تعالي منتهي سلسلة الحاجات و التعلقات و هو غاية كل شئ و تمام كل حقيقة فليس وجوده متوقفا علي شئ و لا متعلقا بشئ كما مر فيكون بسيط الحقيقة من كل جهة فذاته واجب الوجود من جميع الجهات كما انه واجب الوجود بالذات و ليست فيه جهة امكانية و لا امتناعية و الا لزم التركيبالمستدعي للامكان و هو ممتنع فيه تعالي. اقول يريد الاستدلال علي توحيده من دليل الحكمة يعني ان صورة نظم
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 398 *»
مقدماته من نمط دليل الحكمة و انما قلت فيما سبق انهم لايعرفون الا دليل المجادلة بالتي هي احسن ليس لانهم لايهتدون الي نمط نوعه لانه لازم للطبايع ( للطباع خل ) بل لانهم يرجعون الي قواعدهم مع عدم تحصيل اصولها عن اهلها و مجرد قبولها لايؤدي الي الصواب بل لعله يؤدي الي الخطأ فاذا وجدوا قاعدة عن احدهم جعلوها معيارا حتي انه يترك ما يعرفه عقله لاجل القاعدة و يتكلفون صرف ما فهمته عقولهم علي القاعدة و هذا مما ذكرنا فقال لما كان الواجب تعالي منتهي سلسلة الحاجات و التعلقات بمعني ان كلما ليس هو الواجب محتاج الي الواجب و الواجب لايكون ازيد من واحد لانه لو كان اثنين او ازيد فنقول اما ان يكونا محتاجين او مستغنيين او يحتاج احدهما الي الآخر فان كانا محتاجين كان الواجب غيرهما و ان كان احدهما محتاجا الي الآخر كان المحتاج محدثا ممكنا و ان كانا مستغنيين لزم كونهما محتاجين بيان الملازمة انك اذا فرضت غناهما تساويا فكل واحد منهما ايما اكمل في حقه كون الآخر محتاجا اليه او مستغنيا عنه و لا ريب ان كون احدهما محتاجا الي الآخر اكمل في حق الآخر من عدم الاحتياج اليه فاذا لميحتج الآخر اليه كان فاقدا لكمال فيكون ناقصا فقد بطل تساويهما في الاحتياج و الغني و هو قول المصنف منتهي سلسلة الحاجات و التعلقات كلها و قوله و هو غاية كل شئ و تمام كل حقيقة حمله علي المجاز اصح و لو حمل علي الحقيقة بطل المعني لان ذاته تعالي لاتكون غاية لشئ سواها الا علي معني قوله عليه السلام كلهم صائرون الي حكمك و امورهم آئلة الي امرك و كذلك كونه سبحانه تمام كل حقيقة و لذا قال تعالي انكارا علي من ادعي المناسبة بينه و بين خلقه و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا و لقد علمت الجنة انهم لمحضرون ، و قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه ، لان الممكن لو انتهي الي شئ وجب ان يكون ذلك الشئ ممكنا لما بينهما من الاقتران الممتنع من الازل لانه يلزم منه اما الاجتماع او الافتراق و الكل من صفات الخلق و من هنا قال سيد الوصيين عليه السلام انتهي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 399 *»
المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قوله فليس وجوده متوقفا علي شئ و متعلقا بشئ هذا حق لا مرية فيه ، و قوله فيكون بسيط الحقيقة من كل جهة اذ لو كان مركبا لكان متوقفا علي جزئه و متعلقا بشئ فيكون مفتقرا اليه هذا خلف و قوله فذاته واجب الوجود من كل الجهات يعني ان كلما لذاته من حيوة و علم و قدرة و سمع و بصر و ادراك و كمال و غني و غير ذلك من جميع ما ذاتي له باعتبار مفهوم العبارة عنه فهو واجب الحصول لذاته لانه عين ذاته المقدسة و لذا قال كما انه واجب الوجود بالذات يعني ان كل واحد من هذه الامور الذاتية واجب بذاته كما ان ذاته واجب الوجود بذاتها ثم بين قوله من كل الجهات بقوله و ليست فيه جهة امكانية اي لاتجب بذاتها و انما تجب بشئ آخر و انما وجودها علي جهة الجواز بل كل شئ منها يجب بذاته اذ احدها عبارة عن كلها و بقوله و لا امتناعية بان تكون ممتنعة الوجود فلاتكون لها حقيقة الا في اللفظ بل لا صفة له عز و جل الا ما هي ذاته الواجبة الوجود بذاتها و كل هذه معان صحيحة في نفسها بما وضع الواضع من اللفظ الدال علي معانيها لا ما يريد المتكلم بها فانه قد يريد منها معان باطلة كما اعتقد في علمه تعالي الذي هو ذاته ان صور الاشياء المعلومات فيه لانها لو ثبت ذلك لكانت واجبة الوجود بذاتها لانها لايجوز ان تكون واجبة بغيرها او غير واجبة فانها لو كانت كذلك لماجاز ان يكون علمه تعالي الذي هو ذاته محلا لها لانها حينئذ حادثة و لخلا علمه عنها في حال ما فلا بد ان تكون واجبة بذاتها فلو اعتقد هذا كما هو ظاهر كثير منهم كالمصنف في ( من خل ) بعض اقواله و اراداته و صهره الملا محسن و غيرهما فانه يدخل هذه الصورة ( الصور خل ) العلمية في المراد من قوله و ليست فيه جهة امكانية و لا امتناعية و هذا باطل فاسد لانها غيره و الا لماقالوا في علمه الذي هو ذاته و قولهم انها حاصلة له حصولا جمعيا لايلزم منه تعدد و لا تكثر و لا تغاير وسوسة و الحاد فقولي معان صحيحة في نفسها بما وضع الواضع
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 400 *»
من اللفظ الدال علي معانيها احتراز عن دعوي ادخال مثل هذه في الحكم بالصحة فافهم و قوله و الا لزم التركيب المستدعي للامكان و هو ممتنع فيه تعالي يعني به انه لو كان في شئ من ذاتياته جهة امكانية لكان مركبا من الواجب و الممكن و هو اي التركيب مقتض للامكان الممتنع فيه اي في حقه تعالي و هذا صحيح علي نحو ما مر احترازا من ادعاء دخول الحوادث فيه بدعوي وجوبها و عدم امكانها كما قلنا في صور المعلومات و حقايق الاشياء و وجوداتها و كمالاتها التي يسمونها بالشؤن الذاتية فانها عندهم في ذاته بنحو اشرف بحيث لايحصل عنها شئ من المفاسد من التعدد و التركيب و غيرهما فان مثل هذا باطل و قولهم في هذا و نحوه بحيث لايحصل عنه مفسدة اماني باطلة فانه اذا اثبت المفسدة و قال بحيث لايحصل عنه فساد يكون من الاماني فيقال لهم ليس بامانيكم و لا اماني اهل الكتاب فانك اذا ضممت شيئا الي شئ و نظمته منه علي حقيقة التركيب و قلت علي وجه لايكون منه التركيب يكون منه التركيب و ان لمترده و لمترض به .
قال فاذا تقرر هذا فنقول لو فرضنا في الوجود واجبين فيكون ما فرض ثانيا منفصل الذات عن الواجب تعالي لاستحالة ان تكون بين الواجبين علاقة ذاتية و الا لزم معلولية احدهما او كليهما و هو خلاف الفرض فلكل منهما مرتبة من الكمال الوجودي ليس للآخر و لا مترشحا منه فائضا من عنده فيكون كل منهما عادما لكمال وجودي و فاقدا لمرتبة وجودية فلمتكن ذات الواجب محض الحيثية الفعلية و وجوب الوجود بل مؤلفا من جهتين و مصداقا لوجود شئ و فقد شئ آخر كليهما من طبيعة الوجود بما هو وجود و مناطا لوجوب نحو من الوجود و امكان نحو آخر منه او امتناعه فلميكن واجب الوجود من كل جهة و قد ثبت ان ما هو واجب الوجود بالذات يجب ان يكون واجب الوجود من جميع الجهات هذا خلف .
اقول قوله لو فرضنا في الوجود واجبين قد قلنا قبل هذا انه لايجوز
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 401 *»
مطلق الفرض في الواجب لان الفرض من صقع الممكنات فكيف قال لو فرضنا واجبين فنقول الامر كما قلنا سابقا و كلامه هنا ان كان اراد جوازه في رتبة الازل فهو باطل و اما ما قال الله سبحانه في كتابه في مواضع كثيرة بنحو هذا الفرض مثل قوله لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا و قوله تعالي اذا لذهب كل اله بما خلق و لعلي بعضهم علي بعض قل ان كان للرحمن ولد و امثال ذلك في الكتاب و السنة كثير فليس المراد به الفرض في رتبة الازل بل في رتبة الخطاب بالنسبة الي الاوهام و ما يتوارد عليها من الشكوك و التجويزات الباطلة الناشية من تشبيه الخالق تعالي بالخلق فجري الخطاب علي ما يعرفون فان لحظ المصنف هذا المعني ففرضه صحيح و الا فلا و قوله فيكون ما فرض ثانيا منفصل الذات عن الواجب لانه ان كان متميزا حصل الانفصال و الا لمتتحقق الاثنينية و لقوله لاستحالة ان يكون بين الواجبين علاقة ذاتية لانها لو فرضت لكانت غيرهما و لزم التسلسل بان يكون بين واجب و بين العلاقة علاقة غيرهما و كذا بين كل علاقتين و لزم اذا كانت ذاتية كما هو المفروض اي لزومية ان يكون احدهما معلولا للآخر او هما معلولين لثالث كما هو مذكور في محله و اعلم ان المصنف ذكر الذاتية اما لان غيرها لايفرض في الازل او لان فرضها يلزم منه المحذور بالطريق الاولي اما لكونها حادثة فوجود المحذور من التركيب منه و الحاجة اليه اشنع او لتركبه منه و من كونه مسبوقا بضده من نوعه و هو التباين الذي هو عدم العلاقة و قوله و هو خلاف الفرض يعني ان الفرض ( فرض خل ) كونهما واجبين ، و قوله فلكل منهما مرتبة من الكمال الوجودي ليس للآخر و لا مترشحا منه فائضا من عنده و فرع بالفاء علي فرض الاثنينية و لايرد عليه تحقق الفرق بكون واحد منهما جامعا لجميع مراتب الكمال كما يقتضيه الواجب ( الوجوب خل ) الحق فلايصح التفريع لان فرض التعدد مناف لكون احدهما كذلك لان كون احدهما كذلك لايعقل الا مع الوحدة اذ لو فرض كونه جامعا لجميع مراتب الكمال و فرض ان الآخر لمتكن عنده زيادة علي الكامل اي شئ
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 402 *»
لميكن عند الكامل كان هو الكامل او جزءا منه فان كان هو الكامل فهو واحد لا اثنان و ان كان جزءا منه كان فرضك جامعية كماله غير صحيح فالتفريع صحيح فاذا فرض كل واحد له رتبة كمال لمتحصل للآخرة و لاتنسب له كان كل منهما فاقدا لكمال موجود عند الآخر و حينئذ لميكن ما لذات ( تكن بالذات خل ) الواجب بالفعل بل اما ان تكون منتظرة لما فقدته فلميكن لها الا بالقوة و الاستعداد او مركبة مما وجدت و مما فقدت و هو قوله فيكون كل منهما عادما لكمال وجودي و فاقدا لمرتبة وجودية فلمتكن ذات الواجب محض حيثية الفعلية اي كل ما هو الوجوب بالفعل لا شئ منه بالفعل و شئ منه بالقوة و وجوب الوجود اي ما هو واجب في الواجب واجب بل مؤلفا من جهتين اي بل يكون مؤلفا من جهتين وجدان و فقدان او وجوب و امكان و مصداقا لوجود شئ و فقد شئ آخر اي يكون الواجب بنفسه مصداقا لموجود و هو ما عنده و مفقود و هو ما عند الآخر و الموجود الذي عنده و المفقود الذي وجد عند الآخر كلاهما من طبيعة الوجود اي كلاهما هو الوجود الواجب و امكان نحو آخر منه او امتناعه و يجوز ان يكون و امكان نحو آخر منه او امتناعه عطفا علي ( لوجود شئ ) اي يكون مصداقا لامكان شئ نحو منه بالامكان العام و هو الموجود او مصداقا للممتنع علي نحو الترديد بان يصدق عليه بعض الوجود او بعض المفقود و هو ما عند الآخر و ان يكون عطفا علي ( من طبيعة الوجود ) اي كليهما من طبيعة ما امكن له منه و هو ما عنده او ما امتنع منه و هو ما عند الآخر و كل ذلك مناف للوجوب اذ مقتضاه الوحدة المطلقة و هذا الدليل الذي ذكره هو ما ذكره الحكماء الا انه غير العبارة و هو قولهم لو كان اثنين واجبين لزم تركيب كل منهما مما به الاشتراك و هو الازلية و مما به الامتياز و هو ما به تحقق الاثنينية و المركب حادث و ظاهر عبارات المصنف ان هذا الدليل غير ما ذكروه و ليس كذلك و لو سلم انه مغير الترتيب و الالفاظ فانه من هناك اخذ و الي قولهم يؤل لانه قال في الكتاب الكبير هذا الدليل يتكفل لدفع ما تشوشت به طباع الاكثرين و تبلدت ( تبدلت خل ) اذهانهم مما ينسب الي ابنكمونة و لايرد عليه اصلا و هو انه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 403 *»
لم لايجوز ان تكون هناك هويتان بسيطتان مجهولتا الكنه مختلفتان بتمام الحقيقة يكون كل منهما واجب الوجود لذاته و يكون مفهوم الوجود منتزعا منهما مقولا عليهما قولا عرضيا فيكون الاشتراك بينهما في هذا المعني العرضي المنتزع عن نفس ذات كل منهما و الافتراق تعرف حقيقة كل منهما انتهي ، قيل هذا هو تقرير الشبهة فتفطن و هذه شبهة عويصة و عقدة عسرة منسوبة الي ابنكمونة و لكن ليست منه لما قال المصنف في كتابه الكبير من اني قد وجدت هذه الشبهة في كلام غيره ممن تقدمه و لكن الباعث علي اشتهارها هو ابنكمونة و لذا نسبت اليه و سنشير الي دفعها بوجه آخر ان شاء الله تعالي فانتظر انتهي ، اقول هذه الشبهة ليست عويصة لانها باطلة و الباطل لايعسر رده و بيان بطلانه نعم اذا اوردت ( وردت خل ) علي من لميكن عارفا بالله تعالي بالدليل العياني دليل الحكمة قد تشتبه عليه العبارات و ترتيب القضايا و اصل الاشتباه خلط المفهوم و المعني و المدلول و المصداق بعضها ببعض في الحمل و كذا في الحمل الشايع المتعارف و الحمل الاولي فلاجل ذلك يحصل الاشتباه و تعظم الشبهة و بيان شبهة ابنكمونة ان نقول قوله لم لايجوز ان يكون هناك يعني في الازل هويتان بسيطتان لايجوز ذلك لان الازل معناه ذات بحت و الواحد من حيث هو واحد لايكون اثنين لان المفروض ان يكون للازل كمال مطلق و اذا فرض التعدد قلنا الكمال المطلق يحصل لمن يكون الآخر محتاجا اليه او يحصل لمن يكون الآخر مستغنيا عنه فلا مناص من ان يقال لمن يكون الآخر محتاجا اليه لان كون الآخر محتاجا اليه اكمل في حقه من كون الآخر مستغنيا عنه فلو فرض الاستغناء عنه من غيره لميكن كاملا مطلقا فليس هو الازل بل هو حادث و ايضا قد ثبت ان الازل ليس ظرفا يحل فيه الواجب ليجوز ان يكون محلا لغيره كما كان له و الا لتعددت القدماء فتتوجه اليه ادلة التوحيد كغيره من المفروضات القديمة و انما هو نفس الذات البحت و ليس الذات شيئا غيره و ما كان خارجا عن الذات فهو في الامكان اذ ليس غير الازل او الامكان و الازل هو الذات فاذا لميكن هو الذات كان في الامكان و ايضا الازل ليس متجزيا بل هو
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 404 *»
بسيط المطلق ( مطلق خل ) فاذا فرض هويتان لا بد ان يلحظهما العقل في الاعتبار بلحاظين و يستحيل ان يكون بلحاظ واحد لمتغايرين ( متغايرين خل ) فلو كانا في الازل كان كل واحد في جهة غير جهة الآخر فيكون الازل متجزيا و يكونان محصورين و ايضا لايعقل من معرفة الواجب الا كونه غير محصور و لا مدخل لغيره فيه فاذا فرض اثنان كان كل منهما محصورا في غير محل الآخر او يكون احدهما داخلا في الآخر نافذا فيه او كل منهما نافذا في الآخر داخلا فيه و الاول و الثالث باطلان للزوم الحصر في الاول لكل منهما و حدوث كل منهما في الثالث و اما الثاني فيثبت به الواجب الحق الداخل في كل ما سواه و الا لكان محصورا و الذي لا مدخل فيه و الا لميكن صمدا و قوله مجهولتا الكنه يريد به تعظيم الشبهة و اغلاق باب المعرفة بهما لئلايسهل الجواب الا انه لايتم له ذلك لان قوله بسيطتان و قوله مختلفتان بتمام الحقيقة ينافي كونهما مجهولتي الكنه فان حكمه بالبساطة عليهما ينفي كونهما مجهولتين مطلقا بل هما معروفتان بالبساطة و كذا بالتضاد بان تكون كل واحدة منهما ضد الاخري لان الاختلاف و ان كان اعم من التضاد الا ان قوله بتمام الحقيقة مخصص له فيكون المراد بالاختلاف التضاد و علي فرض التضاد يمتنع فرض الوجوب لان الوجوب لايكون لذاته محصورا في ذاته و لا في فعله و لا في تسلطه و لا في علمه و لا في قدرته و لا في ملكه و فرض الاختلاف مناف لفرض الوجوب لان معناه الكمال ففرض المخالف هو مثل قولك هذا شئ كامل مطلقا ليس بكامل مطلقا فقوله يكون كل منهما واجب الوجود بذاته مناقض لما فرض من التعدد و الاختلاف في اصل مفهومه و مدلوله فلايجوز الفرض في نفسه فلاتثبت الشبهة اصلا ، و قوله و يكون مفهوم واجب الوجود منتزعا منهما مقولا عليهما قولا عرضيا يمتنع انتزاع مفهوم واجب الوجود منهما لان مفهومه الوحدة البسيطة في جميع الجهات من الواقع و الذهن و الفرض و التجويز و كل مفهوم غير هذا فهو مفهوم ممكن الوجود و انما سميته بغير اسمه كتسمية الصنم المنحوت من الخشب بواجب الوجود المعبود بالحق الخالق لناحته و هو قوله مقولا عليهما قولا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 405 *»
عرضيا لان هذا المفهوم لميكن منتزعا من ذاتيهما بل مما عرض لهما و ليس الا محض التسمية و لو كان المفهوم منتزعا من معني ذاتي كان مقولا عليه قولا ذاتيا فاذا فرض ان يكون مفهوم الوجوب مقولا عليهما قولا عرضيا دل علي انه منتزع من تلك الجهة فلايكونان علي هذا الفرض واجبي الوجود و الا لصدق مفهومه عليهما صدقا ذاتيا ، و قوله فيكون الاشتراك بينهما في هذا المعني العرضي المنتزع عن ( من خل ) نفس ذات كل منهما صريح في عدم اشتراكهما في وجوب الوجود الذاتي و انما اشتركا في العرضي و علي هذا بطلت الشبهة اصلا اذ لاتتحقق الا بفرض اشتراكهما في وجوب الوجود و اذا ( كان خ ) اشتراكهما انما هو في العرضي الذي هو محض التسمية كان كل منهما ممكنا او احدهما و الآخر واجب فتبطل صورة الشبهة علي ان قوله المنتزع عن نفس ذات كل منهما يدل علي ان ذلك المفهوم يقال عليهما قولا ذاتيا و الا فكيف ينتزع من ( عن خل ) ذات كل منهما و يقال عليهما بالعرض و ان قلت هو يريد ان الانتزاعي ظلي عرضي ليس هو نفس الذات و اذا كان كذلك يقال بالعرض و هذا ظاهر قلت نعم و لكنه يقال علي مبدء الانتزاع فاذا كان المنتزع صفة الذات كان مقولا علي تلك الجهة و ان ( اذا خل ) كان صفة الهيئة او الفعل كان مقولا علي ذلك ايضا مثلا اذا كان المنتزع من حقيقة زيد كان مقولا علي جهة الحيوانية و الناطقية منه و ان كان من صفته ( صفة خل ) من بياض و سواد كان مقولا علي تلك الصفة الجسمانية و ان كان من صفة فعله كقيامه و قعوده كان مقولا علي تلك الصفة الفعلية و بالجملة يكون المنتزع مقولا علي جهة الانتزاع قولا ذاتيا و لا نريد بالذاتي هنا كما ارادوا بان يكون هذا المنتزع عين المنتزع منه اذ لايكون الا في نقل حقيقة الشئ معري عن العوارض الخارجية و ان كان ظلا كان مقولا قولا عرضيا بل نريد انه اذا تصورت قيام زيد كان ذلك المنتزع الذهني الذي هو ظل قيام زيد مقولا علي قيام زيد قولا ذاتيا بمعني انه اسمه الصادق عليه حقيقة لا انه ذاته اذ من المعلوم ان هذه الصورة الذهنية ظل و صورة لقيام زيد انتزعها الذهن منه الا انه في الحقيقة اسمه الصادق عليه صدقا ذاتيا يعني انه اسمه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 406 *»
المعين له المطابق اي الدال عليه بالمطابقة لانه موضوع له كما ان الاسم اللفظي كذلك بل هذا اولي فاذا انتزعت مفهوم واجب الوجود من نفس تلك الهويتين كان المعني ان تلك الهويتين كل منهما في ذاته واجب الوجود كان ذلك المنتزع دالا عليهما بالمطابقة و لو اريد منه ما ارادوا كان المعني انه في الواقع ليس كل منهما في الفرض واجب الوجود و انما نقول ذلك باللفظ و علي هذا لاتكون الشبهة شبهة و المفروض كونها شبهة و لذا قال ابنكمونة في اول كلامه لم لايجوز ان تكون هناك الخ ، و لو اراد فرض اللفظ و امكانه لكان متحققا واقعا فان الله سبحانه يقول لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا ففرض الالهة في اللفظ و هو لايدل علي امتناعه و انما الجواب يوجه الي الفرض باعتبار الوقوع لا محض اللفظ و هذا المعني العرضي الذي اشتركا فيه كما في قوله لايقول احد انه ذاتهما و انما يقال انه اسم لما هو ذاتهما في الفرض في الواقع لتتحقق الشبهة و قد سبق الجواب الكاشف لكل حجاب و قوله و الافتراق يعرف حقيقة كل منهما نعم الا انه يلزم منه التركيب مما به الافتراق و مما به الاجتماع و هذا ظاهر ان شاء الله تعالي .
قال فواجب الوجود بالذات يجب ان يكون من فرط الفعلية و كمال التحصل جامعا لجميع النشئات الوجودية و الاطوار الكونية و الشؤن الكمالية فلا مكافئ له في الوجود و لا مماثل و لا ند و لا ضد و لا شبه بل ذاته من كمال الفعلية يجب ان تكون مستند جميع الكمالات و ينبوع كل الخيرات فيكون تاما و فوق التام .
اقول قوله من فرط الفعلية اي كونه غير منتظر في ذاته لشئ بل لكمال فعليته التي فوق ما يعقل مما بالفعل بما لايتناهي و لكمال تحصله و تحققه بما هو هو جامعا لجميع النشئات الوجودية لذاته بذاته يعني في ذاته فلايخرج عن ذاته شئ و لايفوته شئ و لايعزب عن علمه الذي هو ذاته شئ فتكون ذاته جامعة لجميع وجودات ما سواه و لجميع اكوان الكائنات و اطوارها و شؤنها الكمالية فهو مبدأ لكل ( كل خل ) شئ الفائض عنه كل شئ و اعلم ان هذه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 407 *»
معاني كلمات المصنف و اتباعه و يلزمهم ان يكون كل شئ يخرج من ذاته و يعود اليها فما خرج منه فهي ولادة و من قواعدهم المقررة التي هي اس اعتقاداتهم و سر معارفهم قولهم ان معطي الشئ ليس فاقدا له و عندنا و عند ائمتنا عليهم السلام ان هذه كلها ( كلمات خل ) كفر و زندقة فانه سبحانه خلو من خلقه فلايكون محلا لشئ من المخلوقات و خلقه خلو منه فلايكون في شئ منها قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه ه ، و ذلك لان الوجودات الامكانية و النشئات الوجودية و الاطوار الكونية و من الاطوار النطفة و العلقة و المضغة و العظام و كذلك الشؤن الكمالية في جميع المراتب و التنزلات و الظهورات كلها نقائص امكانية محل ذكرها و كونها و عينها اماكنها و اوقاتها الامكانية ليس بينها و بين الازل عز و جل نسبة ما بوجه من الوجوه و اين التراب و رب الارباب و الحق في العبارة عن المعني الصحيح ان يقال انه عز و جل لفرط فعليته و كمال تحصله ان يكون الها فردا صمدا قائما بذاته لاينسب الي شئ و لاينسب اليه شئ و لايدخل في شئ و لايدخله شئ كان في الازل الذي هو ذاته المقدسة واحدا متوحدا متفردا ليس معه شئ غيره و هو الآن علي ما كان ثم شق بفعل قدرته فعل قدرته و احدث مشيته ( المشية خل ) بمشيته لا من شئ غير نفسها حين كونها بها و لا اصل لها في غير نفسها تستند اليه غير ما اقامها به من نفسها و ذكرها بنفسها فهي لسان ذكره لها ثم اخترع الاشياء موادها و صورها لا من شئ الا بفعله يعني انه تعالي اخترع موادها لا من شئ غيرها و لا لشئ غيرها فاقامها بها و بما خلقها من نفسها من صورها فاخترع النشئات الوجودية لا من شئ و ليست مذكورة عنده قبل اختراعها الا باختراعها فلاتقل انه عالم بها في الازل فيلزمك ان تكون معلوماته في الازل اذ ليس الازل غيره تعالي و الا لكانت حالة فيه و لكن قل انه سبحانه عالم في الازل بها في امكنة حدودها و اوقات وجودها فالازل علم بحت لا جهل فيه و ذكر بحت لا غفلة فيه و المعلوم و المذكور معلوم و مذكور بما هو موجود فاخترع النشئات الوجودية و الاطوار الكونية و الشؤن الكمالية
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 408 *»
كلها بفعله لا من شئ و اقامها بذواتها و قوابلها و كل ذلك في الامكان كل في مكان وجوده و وقت حدوده فهذه هي القدرة التي لا نهاية لها و لا غاية حيث شيأ الاشياء بمشيته لا من شئ و عين الاعيان بارادته لا من عين حتي كانت الاشياء بمشيته اشياء و الاعيان بارادته اعيانا قل الله خالق كل شئ و هو الواحد القهار و قد قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و انت تفكر في هذه الاصوات التي احدثتها باسبابها التي هي الهواء و آلات الكلام من اللهات و الاسنان و اللسان و ليس في شئ من هذه الاسباب صوت فمن اين جاء الصوت و لو كان خلقها من حقايقها التي في ذاته لما كان يوصف بالقدرة الكاملة بلا نهاية و لا غاية و لكانت تلك الحقايق اشياء مغايرة له في ذاته و غير مخلوقة له و لماصح قول المصنف علي الحقيقة فلا مكافئ له في الوجود اي معادل و مساو مأخوذ من قوله تعالي و لميكن له كفوا احد ، و هذا توحيد الذات و لا مماثل و لا ند و لا ضد و الند علي اشهر التفسيرين المشارك في الصفات الذاتية و كذا المثل كما قال تعالي ليس كمثله شئ ، و الضد هو المقابل في الصفات الذاتية و قد يستعمل في المقابل في الافعال و قيل بتعاكس معني الضد و الند و هذا توحيد الصفات و لا شبه له و هو المشارك في الصفات الفعلية او مطلقا و من ذلك قوله تعالي هذا خلق الله فاروني ما ذا خلق الذين من دونه و قوله تعالي قل الله خالق كل شئ ، و هذا توحيد الافعال و الرابع من مراتب التوحيد توحيد العبادة و لايشرك بعبادة ربه احدا و قوله بل ذاته من كمال الفعلية يجب ان تكون مستند جميع الكمالات و ينبوع كل الخيرات فيه ما تقدم لانه هو مراد المصنف فذرهم و ما يفترون و قوله فيكون تاما و فوق التام قال فيه الملا احمد المذكور في تعليقاته علي هذا الكتاب اما كونه تاما فلانه جامع لجميع مراتب الوجود و لاتكون مرتبة من مراتب الوجود لاتكون له و لمتكن مشتملا عليها بل هو محض الوجود و صرف النورية و اما انه فوق التمام فلان جميع الموجودات التي سواه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 409 *»
حاصلة من وجوده و فائضة عن ذاته فهو الكل فوق الكل انتهي ، و كلامه هذا مثل ما ذكره المصنف و اتباعه القائلون بوحدة الوجود و قد تقدم بيان بطلانه مثل ان قوله و لاتكون مرتبة من مراتب الوجود لاتكون له و لمتكن مشتملا عليها يلزم منه اشتماله علي النقائص الخلقية و القبايح لانها من جملة مراتب الوجود لانها وجودات و ان كانت اصولها و دواعيها اعداما فيكون محلا لغيره او مركبا منها و علل ذلك تبعا لغيره بكونه محض الوجود و صرف النورية و تفسيره فوق التمام بكون جميع الوجودات التي سواه حاصلة من وجوده فائضة عن ذاته يشعر بكونها حالة فيه عنده فيكون محلا لغيره من الاشياء القديمة و الحادثة الحسنة و القبيحة و هو كما تري في غاية من الشناعة و قوله فهو الكل فوق الكل يشعر بتركيبه منها و انه عبارة عن كلها مثل قولك الشجرة فانها مجموع الاصل و الفرع و الاغصان و الورق و الثمر و اما فوق الكل فمعناه كالشجرة و ان كانت هي مجموع تلك الامور المذكورة الا انها في رتبة الوحدة رتبتها فوق رتبة مجموع تلك الامور من حيث هي ذلك المجموع و هو فوق رتبة الافراد جميعها فالشجرة فوق الكل اي فوق المجموع من الافراد و فوق جميع الافراد و كل هذه اعتبارات ( الاعتبارات خل ) باطلة لايزداد السالك الي الله سبحانه من هذا الطريق الا بعدا منه عز و جل و من معرفته اللهم اهدنا من عندك و افض علينا من فضلك و انشر علينا من رحمتك و انزل علينا من بركاتك يا كريم .
قال المشعر الرابع في انه المبدء و الغاية في جميع الاشياء الاصول الماضية دلت و قامت علي ان واجب الوجود واحد بالذات لا تعدد له و انه تام فوق التام فالآن نقول انه فياض علي كل من سواه بلا شفي الافاضة لان ما سواه ممكنة الماهيات ناقصة الذوات و متعلقة الوجودات بغيرها و كل ما يتعلق وجوده بغيره فهو مفتقر اليه مستتم به فذلك الغير مبدئه و غايته .
اقول قال الملا احمد المذكور في تعليقاته المقصود من هذا المشعر هو اثبات الوحدة الفعلية بمعني انه ليس للواجب شريك في الفعل و الافاضة كما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 410 *»
قالوا لا فاعل في الوجود الا الله تعالي اعلم ان الحق المتعال من حيث انه نشأ منه الاشياء يقال له المبدء و من جهة رجوعها اليه و كونه منتهي سلسلة الحاجات يقال له الغاية فان المراد بالغاية هيهنا هذا المعني فافهم انتهي ، اقول كونه المبدء و الغاية انما يصح القول به ممن هو من اتباع ائمة الهدي عليهم السلام بان يكون يسلك طريقهم و يقتدي بهم و يجعل قولهم دليل عقله في كل شئ و اما من يأول كلامهم علي ما يطابق رأيه فانه لايهتدي الي الصراط المستقيم لانهم اذا قالوا بذلك يريدون بكونه المبدأ ان الاشياء كلها بفعله احدثها لا من شئ فهذا و نحوه معني انه المبدأ و اما كونه الغاية فلان جميع الاشياء تأول الي حكمه و قدره و قضائه كما قال تعالي و الي الله ترجع الامور ، و الي الله المصير ، و قال سيدالساجدين عليه السلام في دعائه من الصحيفة كلهم صائرون الي حكمك و امورهم آئلة الي امرك و اما علي رأي المصنف و من تابعه او وافقه علي رأيه فهذا الكلام لايصح منهم و لاتجوز نسبته الي الله سبحانه لاستلزامه التشبيه و الحدوث اما سمعت قول الملا احمد المتقدم ان الحق المتعال من حيث انه نشأ منه الاشياء يقال له المبدء الخ ، بل ربما قالوا بان الاشياء ليست الا اطواره و هيئاته العارضة لذاته في مراتب تنزلاته بشؤنه الذاتية قال الملا محسن الكاشاني صهر المصنف و تلميذه في الكلمات المكنونة قال او نقول ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و القابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالي و الفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره انتهي ، فتدبر رحمك الله في كلامهم ( كلماتهم خل ) لتعرف مقامهم و اما قوله الاصول الماضية فقد قال الملا احمد المذكور في آخر كلامه فنقول ان المعلول الاول محتاج في اصل ذاته اليه تعالي و ذاته مع جميع صفاته منه تعالي و فائضة عنه فاذا صدر عنه شئ فحقيقة صدور ذلك الشئ عن الواجب لان اصل ذات المصدر المفروض منه تعالي و هو جعل ذلك المصدر مصدرا فحقيقة الصدور و الفيض منه و كذلك البواقي فثبت ان الكل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 411 *»
من عند الله و ان ليس في الوجود فاعل و مؤثر حقيقة الا هو و ما يظن انه فاعل مما هو غيره فليس بفاعل في الحقيقة بل هو آلة و لكن ليس انه بفاعليته من حيث هو فاعل بمعني احتياجه الي تلك الآلة في الفاعلية بل هو آلة لفعله بمعني ان ذلك الفعل لايمكن ان يتحقق بدون ذلك الشئ و لو امكن لتحقق قال المصنف في كتابه الكبير لايحتاج الفاعل الاول في ان يفيض عنه شئ الي شئ غير ذاته صفة كان او حركة او آلة كما تحتاج النار في احراقها لشئ الي صفة هي الحرارة و الشمس في اضائتها اطراف الارض الي الحركة و النجار في نحت الباب الي الفاس و لايمكن ان يكون له في فعله عائق او شرط منتظر انتهي كلامهما و قوله فاذا صدر عنه شئ فحقيقة ذلك الصدور الخ ، يلزم منه القول بالاجبار كما هو مذهب الاشاعرة و لو لا خوف الاطالة لبينت اللزوم و قوله و هو جعل ذلك المصدر مصدرا قد انكر هذا فيما تقدم من كلامه علي قول صاحب الاشراق انه تعالي ماجعل المشمش مشمشا و هنا اجازه بقوله و هو جعل المصدر مصدرا و المصنف في كلامه في كتابه الكبير يشعر بانه فاعل بذاته لا لشئ ( بشئ خل ) غيرها من فعل او صفة و قد تقدم ما فيه كفاية و رد لمن يؤل كلامه الي انه بفعله يفعل و قوله و لايمكن ان يكون له في فعله عائق لايدل علي انه يقول بذلك و لكن لايقدر علي العبارة بدونه لان الفعل عنده ليس شيئا و انما هو ارتباط نسبي يعني يفيض بذاته الفيض و الخير لا ان الفعل شئ مستقل احدثه الله بنفسه و الله امره بما شاء فالاشياء انما سميت شيئا لانها من مشيته كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه و هو منشئ الشئ حين لا شئ اذ كان الشئ من مشيته الي آخر كلامه (ع) و انما تذوتت الذوات بفاضل تذوت فعله الذي هو مشيته و ارادته و قوله او شرط منتظر اقول فلم لميخلق المصنف في ( من خل ) زمن آدم او قبل العقل الكلي اذا لميكن شرط منتظر نعم الشرط المنتظر الذي لايمكن الايجاد قبله هو متمم قابلية الموجود للايجاد فليس شرطا في نفس الفعل بل لانه عضد المفعول و هذا علي طريقتنا فان القوم ليسوا بهذه الصدود ( بهذا الصدد خل ) و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 412 *»
انما يريدون المعني الاول و بعد كلام طويل للملا احمد تركناه قال انك اذا قلت لغلامك خذ هذا الدرهم و اعطه فاذا اعطاه فحقيقة المعطي ليس الغلام بل انت ( انت خ ) كما هو ظاهر فما ظنك بالمفيض الواحد الحق المتعال الذي ذوات الاشياء و حقايقها منه فهو المعطي و المفيض ليس الا و لعل قوله تعالي و مارميت اذ رميت و لكن الله رمي و كذا قوله انك لاتهدي من احببت و قوله و الله خالق كل شئ و نحوها اشارات الي هذا فتفطن انتهي ، فتأمل في قوله الذي ذوات الاشياء و حقايقها منه ثم قال فان قلت علي هذا التحقيق رجع الي ان الفعل مطلقا للحق الفياض المتعال و الباقي ادوات معدات بعضها بالنسبة الي بعض فنقول اما ان يكون لذلك البعض المعد تأثير في الجملة بالنسبة الي البعض الآخر او لايكون له تأثير اصلا فان كان الاول فيلزم ان يكون ذلك بالنسبة الي اثره الخاص به فاعلا فتحقق فاعل من غيره و ان كان الثاني فيرجع الي مذهب الاشعرية الذي هو باطل عندهم و بالجملة لزمهم اما القول ببطلان هذه الدعوي او الاعتراف بصحة مذهب الاشاعرة و بان ما ادعوه هو بعينه ما ذهب اليه الاشعرية مع انهم ينكرونه فكيف يكون هذا قلت نختار الاول و نقول ان له اثرا بالنسبة اليه لكن اثره اثر المعد بالقياس الي المعد له و الشرط بالاضافة الي مشروطه بمعني انه لو لميكن لميصدر ذلك من الفاعل و الحاصل ان صدوره من الفاعل موقوف علي ذلك الشرط لا ان الصدور منه بل من الفاعل و فرق بينهما يفهم من له ادني شعور الخ ، اقول قوله انك اذا قلت لغلامك الخ ، يريد ان المفاض من الفاعل و هذا صحيح لكن ( لكنه خل ) فيه شيئان احدهما ان المفاض هو ما نسميه الوجود و المادة و يسمونه القوم بالوجود و لكنه جزء الموجود لان الموجود مركب منه و من القابلية التي هي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 413 *»
الماهية الاولي و الصورة و لا شك ان الصورة جزء الشئ و ليس بقديم و لااوجد نفسه و لميوجده مثله فلا بد و ان يكون اوجده موجد الوجود و نقول هو مخلوق من الوجود الذي هو المادة و الوجود لو كان مفاضا من ذات الواجب لكان المخلوق منه مفاضا منه تعالي اذ لايكون في ذاته ما بالقوة فيرجع الامر علي المنع السابق و اذا كان الوجود مفاضا بفعله تعالي لا من شئ و خلقت الصورة منه لميكن المحذور و انما يكون علي قولهم مثل قوله الذي ذوات الاشياء و حقايقها منه يعني به من ذاته و لايعني ما نريد نحن من ان حقايقها اخترعها بفعله لا من شئ و خلق صورها منها و اليه الاشارة بتأويل قوله خلقكم من نفس واحدة اي المادة المطلقة و خلق منها زوجها يعني صورتها كما تقدم و ثانيهما اذا لميكن شئ من الايجادات الا من الفاعل لزم الجبر لان التخلص من الجبر انما يكون بنسبة افعال العباد اليهم و ذلك ان ينسب فعل الطاعة من العبد الي ما من اعطاء الله و فيضه اعني جهته من ربه و فعل المعصية من العبد الي ما بالله لا منه و هو جهته من نفسه اعني انيته من نفسه و ماهيته فالطاعة من الله بالعبد لانها من الوجود و المعصية من العبد بالله لانها من المهية و لو كان كل من الطاعة و المعصية من الله لكان العبد مجبورا و قوله في جواب الاعتراض المفروض قلت نختار الاول اعني كون السبب المتوسط بين الفاعل و المفعول له تأثير و نقول ان له اثرا بالنسبة اليه و يريد به اثر الشرطية بمعني توقف الفعل عليه لا ان المفاض صادر عن ذلك الشرط و ذلك المعد الخ ، و هذا الكلام يوهم الصحة و ليس كذلك لان ذلك قابلية او متمم لها و ذلك له تأثير بالفاعل لا ان الفعل فائض من الفاعل و ان ذلك المعد شرط الافاضة لا غير بل جهة الماهية و الانية صادرة عنه بالفاعل اي بان جعله الفاعل فاعلا كما اشار الي الاثر بقوله تعالي و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني و الاخبار كثيرة في ان الله سبحانه خلق ملكا و فوض اليه خلق سموات و ارضين و كذا في الملكين الخلاقين يقتحمان بطن الام من فمها فهما يخلقان الجنين و لما كان التفويض الذي هو رفع يد المالك عن ملكه عز و جل باطلا بقي الصنع و الخلق و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 414 *»
التأثير بالله سبحانه الاتفهم قوله كن فيكون فان يكون ضميره الفاعل يعود الي المفعول فلذا قلنا ان المفعول فاعل فعل الفاعل باذن الفاعل في مثل قولك لزيد اضرب فان الامر امرك و فاعله ضمير زيد و الحاصل ان الفاعل انما يفيض المادة يحدثها لا من شئ بشرائطها من القابلية و متمماتها و اما الصورة فيفيضها الفاعل بالمفعول و لو قيل يحدثها المفعول بالفاعل اي بقابليته لفعل الفاعل صح علي تأويل ما تقدم فان قوله كن فيكون من هذا النحو فكن هو الفعل و فاعله ضمير المفعول ففاعله الفاعل بالمفعول لانه عضد لفعل الفاعل لايمكن بدون ان يتعلق بمفعول و يكون هو الانفعال و فاعله ضمير المفعول و فاعله هو المفعول بقابليته بالفاعل لانه واهب القدرة و بالجملة فله تأثير بالله سبحانه و قول المصنف انه فياض علي كل من سواه صحيح القول فيه ان يقال انه فياض بفعله من مبادي الاشياء الممكنة هي و الاشياء امكن امكاناتها بمشيته الامكانية لانها محال مشيته الامكانية و متعلقات وجوهها الامكانية فهي خزائن غيوب الكاينات و اكوان الكاينات محال مشيته الكونية و متعلقات وجوهها الكونية فهي خزائن الكاينات و المشيتان وقتهما السرمد دهره للامكانية و زمانه للكونية فالمشية الامكانية و وجوهها و متعلقاتها في السرمد و محلها العمق الاكبر و كل ذلك في الامكان الراجح و المشية الكونية و وجوهها في ظاهر السرمد و محلها العمق الاكبر و كل ذلك في الامكان الراجح و متعلقاتها في الدهر و محلها الممكن و كل ذلك في الامكان المساوي فهو سبحانه بفعله فياض يعني فعله فياض علي من سواه بذلك السوي بلا شركة في افاضة فعله و قوله لان من سواه ممكنة الماهيات ناقصة الذوات صحيح و بمثله استدللنا و علي نمطه سلكنا فلذا قلنا لايجوز ان يكون شئ غيره فيه تعالي و هو مشتمل عليه او مركب منه او فائض عن ذاته او بادئ منه او عائد اليه لانها محتاجة الي غيرها و هو قول المصنف و متعلقات الوجودات بغيرها و كل ما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 415 *»
يتعلق وجوده بغيره فهو مفتقر اليه مستتم به فتكون حادثة فلايكون تعالي محلا لها مشتملا عليها فلاتكون فائضة عن ذاته و الا لكانت في ذاته قبل الفيضان فيلزم اختلاف حالتيه قبل الفيضان و بعده و مختلف الحالتين حادث فلاتكون ذاته المقدسة تعالي مبدأ للحادث و لا غاية له و انما يصح كون ذاته مبدأ لها اي للممكنات و غاية لها علي نحو ما ذكرنا بخلاف قول المصنف فذلك الغير مبدؤه و غايته لانه لما رتب اساس حاجتها و فقرها اليه بني عليه كونه مبدأ لها و غاية و قد بينا قبل هذا ان مبدءها اي مبدء ايجادها فعله فيكون هو غايتها و اما وجوداتها فليس فعله مبدأ لها بمعني انها خلقت منه فيكون مادة لوجوداتها كما حكاه الرضا عليه السلام عن ضرار و اصحابه القائلين به ردا علي سليمن المروزي في قوله بقدم المشية فان ضرارا و اصحابه قائلين بكونها مادة الاشياء كما هو رأي بعض الصوفية و اكثرهم مثل قول المصنف بالسنخ فوجوداتها خلقها عز و جل بفعله لا من شئ بل اخترعها اختراعا لا من شئ خلقت منه و اليه تعود و ايجاداتها فعله فوجوداتها المخترعة موادها و خلق منها اي من قابليات وجودها صورها فاقامها بفعله قيام صدور و بوجوداتها التي هي موادها و بصورها التي هي ماهياتها قياما ركنيا و هو قيام امر في قوله تعالي و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره ، و قول الصادق عليه السلام في الدعاء كل شئ سواك قام بامرك ه ، فهي قائمة بامره قياما ركنيا .
قال فالممكنات علي تفاوتها و ترتبها في الكمال و النقص فاقرة الذوات اليه مستغنية به فهي في حدود انفسها ممكنة واجبة بالازل ( بالاول خل ) الواجب تعالي بل باطلة هالكة بانفسها حقة بالحق الواحد الاحد كل شئ هالك الا وجهه و نسبته الي ما سواه نسبة ضوء الشمس لو كان قائما بذاته الي الاجسام المستضيئة منه المظلمة بحسب ذواتها و انت اذا شاهدت اشراق الشمس و انارته بنورها ثم حصل نور آخر من ذلك النور حكمت بان النور الثاني من الشمس و اسندته اليها و هكذا الثالث و الرابع الي ان ينتهي الي اضعف الانوار الحسية فعلي هذا المنوال وجود الممكنات المتفاوتة المتفارقة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 416 *»
في القرب و البعد من الواحد الحق فالكل من عند الله تعالي .
اقول قوله فالممكنات الي قوله مستغنية به صحيح ليس منهم ( فيه خل ) الا دعويهم الحقيقة و دعوائنا التجوز لانهم يقولون مفتقرة الي ذاته و نحن نقول الي فعله و ان كان فعله اقامه الله بنفسه اي بنفس الفعل قيام صدور و قياما ركنيا معا باعتبارين و قوله فهي في حدود انفسها ممكنة هذا صحيح ، و قوله واجبة بالازل ( بالاول خل ) الواجب تعالي فان اراد بالوجوب الوجوب المتعارف و هو الثبوت المانع من النقيض كوجوب وجود المعلول عند وجود العلة التامة علي اصطلاحهم فصحيح و هو حينئذ لايخرج بهذا الوجوب عن الامكان و هو مانع من حصول التعلق بينهما و ان اراد كما يقولونه بان للممكنات وجهين وجها تفصيليا اليها و هي بهذا الاعتبار ممكنة و وجها اجماليا اليه تعالي عنده و هو ما في علمه الذي هو ذاته من صورها العلمية و حقايقها الوجودية و هي حينئذ واجبة ازلية بالوجوب الذاتي و يستشهدون بقوله تعالي ما عندكم ينفد و ما عند الله باق و هو قوله بل باطلة هالكة بانفسها حقة بالحق الواحد الاحد و يريد باستشهاده بقوله تعالي كل شئ هالك الا وجهه ان الضمير في وجهه يعود الي شئ و هو احد التفاسير في الآية اي كل شئ هالك و فان و باطل الا وجه ذلك الشئ الذي هو صورته العلمية التي في علم الله الذي هو ذاته و وجوده الذي هو من سنخ وجود الله او ظله و هو لا شك باق لاينفد لانه في ذاته و كلامهم في مثل هذا و نحوه و انت اذا نظرت فيه علي طريقة ائمة الهدي الذين جعل الله الحق فيهم و معهم و بهم عليهم السلام رأيت كلامهم هذا و نحوه باطلا فاسدا لانه كفر صريح و شرك بين و زندقة ظاهرة قال المصنف في كتاب اسرارالآيات ان معني الواحد هو الذي يمتنع من وقوع الشركة بينه و بين غيره و معني الاحد هو الذي لا تركيب فيه و لا جزء له بوجه من الوجوه فالواحد عبارة عن نفي الشريك و الاحد عبارة عن نفي التكثر في ذاته انتهي ، و قال ابن ابيجمهور في المجلي الفرق بين الواحد و الاحد ان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 417 *»
الاحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها اي الحقيقة التي هي منبع العين الكافوري نفسه و هو الوجود من حيث هو وجود بلا قيد عموم و لا خصوص و شرط عروض و لا عروض و الواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات و هي الحضرة الاسمائية لكون الاسم هو الذات مع الصفات انتهي ، و قوله و نسبته الي ما سواه نسبة ضوء الشمس لو كان قائما بذاته الي الاجسام المستضيئة منه المظلمة بحسب ذواتها انما قال اذا كان قائما بذاته لارادة كون الضمير في نسبته يعود الي الواجب تعالي فاذا كان كذلك لايمثل له بضوء الشمس اذا كان يفرض انه قائم بذاته ليطابق التمثيل لانه تعالي غير مستند الي غيره و ضوء الشمس مستند اليها فلايصح التمثيل الا اذا فرض انه قائم بذاته و لو جعل الضمير في قوله نسبته يعود الي الوجود الممكن الذي هو حقايق الاشياء و وجوداتها لميحسن قوله اذا كان قائما بذاته لانها قائمة بفعل الحق تعالي كما ان ضوء الشمس قائم بظهور الشمس به و سياق كلماته هنا و في غير هذا المكان يفيد انه يريد به ضمير الواجب و ذكر مراتب متفاوتة له و نسبتها الي وجودات الممكنات لاينافي ذلك عنده لانه قد ذكر سابقا انها عبارة عن تنزلاته في مراتبه و منازله بما فيه من شؤنه الذاتية فالتعدد انما هو لخصوص المراتب و المنازل بما يخصها من آثار تلك الشؤن و الا فالوجود كله عنده حقيقة واحدة بسيطة و اختلاف هذه المراتب في الشدة و الضعف باعتبار قربها و بعدها بالنسبة الي قويها المطلق و هو الوجود الصرف الذي لايشوبه شئ من عدم او عدمي و يكون جعل تعدد المراتب و تفاوتها انما هو باختلاف المراتب بما فيه من الشؤن الذاتية المتفاوتة لا لاجل اختلاف حقايقها المركبة و هذا اما ان يكون جهلا بحقيقة المخلوق او يكون المصنف لاحظا لكون وجود المخلوقات واجبة الوجود بوجوب الواجب الوجود فهي ثابتة التحقق لانها من سنخ واجب الوجود و علي كل تقدير فكل هذه الامور باطلة لايجوز اعتقادها و لا القول بها الا علي سبيل الحكاية او للرد عليهم اذ علي ارادة ان معود الضمير هو الواجب تعالي و ان جاز التقييد بقوله اذا كان قائما بذاته اذ بدونه يبطل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 418 *»
التمثيل لكن متضمن للتشبيه بان ضوء الشمس مثله في هذه النسبة و قوله تعالي ليس كمثله شئ شامل لهذه و غيرها لانه يريد به تمثيل الذات البحت و متضمن لتكثر الحقيقة البسيطة الواجبة و تعددها مع فرض بساطتها المطلقة و اتحادها المطلق و علي ارادة ان معود الضمير هو الممكن يكون تشبيهه صحيحا و تقييده باطلا علي ان قوله نسبته الي ما سواه سواء اريد منه الاحتمال الاول يعني الوجود الحق تعالي او المطلق ام الاحتمال الثاني يعني وجود الممكنات يلزم من تمثيله بضوء الشمس بالنسبة الي الاجسام ان هناك حقايق ليست مجعولة عرض لها الوجود المجعول كما ان الاجسام لمتكن مجعولة لضوء الشمس العارض عليها و تلك الحقايق هي الماهيات الغير المجعولة التي ماشمت رائحة الوجود و هذا هو المعروف من مذهبهم و قد اشرنا سابقا الي بطلان كل هذه الامور و الاعتقادات لمخالفتها الحق و لدين الاسلام و قواعد الايمان ، و قوله و انت اذا شاهدت اشراق الشمس علي موضع و انارته بنورها يريد به بيان كيفية تنزلات الوجود في مراتبه و اطواره و مفاد تمثيله ان الشمس اذا اشرقت علي كثيف حتي استنار بنورها و ذلك المستنير مقابل لكثيف آخر فانه يستنير بنور الشمس لا بنور المستنير و ان كان الثاني اضعف من الاول و كذلك الثاني اذا قابل ثالثا و استنار الثالث فانه يستنير بنور الشمس لا بنور المستنير الثاني و ان كان الثالث اضعف بالنسبة الا انها كلها من الشمس الاتري ان الشمس اذا ذهب نورها عن الاول ذهب نورها عما بعده لانها لما غربت ذهبت انوارها و هذا بخلاف ما فهم المصنف لان الشمس لو غابت او حجبت عن الاول و ان لمتغب عن الافق لميوجد لها نور فيما بعده من الثاني و الثالث و غيرهما و هذا يدل علي ان النور من الاول و قد غلبت طبيعته تطبعه ( بطبعه خل ) حيث قال ثم حصل نور آخر من ذلك النور و النور الثاني الحاصل في الموضع الثاني و ان كان بافاضة الشمس الا انها لاتستقل بايصاله الي الموضع الثاني بدون النور الاول الذي في الموضع الاول لانه انما هو نور له و اما كونه ( كون خل ) نور الشمس و انه لايبقي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 419 *»
بدونها فلانه نور نورها فلما لميبق النور الاول اذا غربت او حجبت عنه لميبق الثاني لانه فرعه و ان كانا من الشمس الا ان الاول بلا واسطة فوجوده من الشمس بسيط و اما الثاني فهو يكون نورا لها لانه نور نورها فهو بالواسطة نور فوجوده مركب من اشراق المنير الاول و من اشراق المنير الثاني و لقد اشارت اخبار الائمة عليهم السلام الي ما قلنا من قول الصادق عليه السلام ان السكينة جزء من سبعين جزءا من نور الزهرة و الزهرة جزء من سبعين جزءا من نور القمر و القمر جزء من سبعين جزءا من نور الشمس و في صحيحة عاصم بن حميد عنه عليه السلام و الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر الحديث ، و اشار عليه السلام بنور الستر الي انوار محمد و آله صلي الله عليه و آله و بنور الحجب الي انوار الكروبيين و هو انوار الانبياء (ع) و بنور العرش الي انوار شيعتهم المؤمنين اي انوار قلوبهم و بنور الكرسي انوار نفوس شيعتهم المطمئنة فلو اراد المصنف ان النور الرابع من الثالث و الثالث من الثاني و الثاني من الاول و ان كان اصله الشمس الا انها مركبة فالرابع مركب من قابلية الموضع الرابع و هي صورته و من مادة هي شعاع النور الثالث و الثالث كذلك من الثاني و الثاني كذلك من الاول و كلما قرب من المنير كانت مادته ابسط و كلما بعد كثر تركيب مادته كان تمثيله صحيحا و لكنه يلزمه ان يكون الوجود غير بسيط الحقيقة فلذا تكلف القول بان جميع الانوار كلها من الشمس و كلامه هذا انما يصح علي مذهب الاشاعرة كما في مسئلة افعال العباد من كون تلك الوسائط و الاسباب ظاهرا ليست اسبابا و انما الفاعل هو الله سبحانه يخلق افعالهم عند حصول الاسباب و لا اثر لها اصلا و هو ظاهر البطلان و كذلك المصنوعات ، و قوله فيها كقول الاشعري في الافعال و المصنف حيث يذهب الي ان الوجود شئ واحد و تكثر ( تكثره خل ) في بادئ الرأي انما هو تطوراته في مراتب تنزلاته بما فيه من الشؤن الذاتية التزم القول بما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 420 *»
سمعت و اما ما نذهب اليه فهو نتلقاه من ائمتنا عليهم السلام مما هو مطابق للادلة العقلية ادلة الحكمة المستنبطة من آيات الله تعالي في الآفاق و في الانفس من ان كل مرتبة من ( مراتب خ ) الوجود الممكن ظل و شعاع للاولي و ليس من سنخها و انما الثانية من اشراق الاولي و هو تجليها بها و اشراق نورها علي ما تحتها و قولنا اشراق نورها علي ما تحتها مثل قولنا اشراق نورها بما تحتها اي هو المرتبة التي دونها و ليس المراد ان هناك شيئا يشرق عليه نور الرتبة العليا غير النور الذي اشرق بل هو نفس النور المشرق مثلا حقيقة المعادن شعاع النباتات و ان شئت قلت من فاضل طينتها فان المراد واحد و حقيقة النباتات شعاع الحيوانات و حقيقة الحيوانات شعاع الانسان و حقيقة الانسان شعاع الانبياء (ع) و حقيقة الانبياء (ع) شعاع محمد و آله صلي الله عليه و آله قال تعالي و ان من شيعته لابراهيم و حقيقة محمد و آله صلي الله عليه و آله اثر فعل الله و نفس فعل الله المتقوم به ذلك الفعل كما اشار عليه السلام الي هذا بقوله ان الله سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فهذه النفس لها معنيان احدهما معني المادة و الثاني معني الصورة فاما الاول فلان المشية لما كان المراد منها حقيقة معني الحركة الايجادية و كانت مخلوقة كانت محتاجة في ايجادها الي حركة ايجادية تحدث بها فكانت هي حركة ايجادية لانه تعالي انما يوجد الاشياء بالمشية و المشية فعل و معناه الحركة الايجادية فلميحتج في ايجادها الي شئ غير نفسها فخلقها بها لانها آلة ايجاد ( ايجاده خل ) المصنوع و هي مصنوع و هي آلة الايجاد و اما الثاني فلان حقيقتهم عليهم السلام صورة الفعل و اثره الذي لايتحقق الفعل بدونه فاقام الله سبحانه ايجاد حقيقتهم بحقيقتهم فحقيقتهم صلوات الله عليهم كالانكسار من الكسر ثم انقطع السير قال اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله ه ، فمثال حقيقتهم (ع) من فعل الله سبحانه كالضرب الذي هو المصدر من ضرب الذي هو الفعل في قولك ضرب ضربا فان الحدث هو الذي تقوم به الفعل تقوم ظهور
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 421 *»
لانه محل ظهوره و تحقق ظهوره و تقوم الحدث بالفعل تقوم تحقق فبالفعل تحقق المصدر و الفعل انما تحقق في المصدر و ان كان بالفعل تحقق فافهم و قد ذكرنا مرارا انه لمتوجد مرتبة من مراتب الوجود علي جهة الحقيقة فيما فوقها من المراتب و لا فيما تحتها و انما هي اثر لما فوقها و اما ما تحتها فاثر لها و جعل المصنف الوجود حقيقة واحدة بسيطة في نفسها و انما تكثرها في المراتب و المنازل و الاطوار بما فيها من الشؤن الذاتية و لهذا قال فعلي هذا المنوال وجود الممكنات المتفاوتة في القرب و البعد من الواحد الحق فالكل من عند الله انتهي ، و يعني بالحق الذي هو الله حقيقة تلك الحقيقة البسيطة المتكثرة بتلك الشؤن الذاتية و لا شك ان هذا باطل و زندقة بل الحق ان الحقيقة البسيطة التي تكثرت في مراتبها بشؤنها العارضة هي حقيقة وجود الممكنات و هي حقيقة اوجدها الله سبحانه بفعله لا من شئ و لمتتكثر بشؤنها الذاتية بل لصلوحها للتكثر بالمشخصات المتفاوتة علي نحو ما مر و اما الواجب الحق تعالي فليس من هذا كله في شئ و لايعلم ما هو الا هو و ليس في خلقه و لا خلقه فيه كما قال عليه السلام هو خلو من خلقه و خلقه خلو منه و قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديده لما سواه .
قال المشعر الخامس في ان واجب الوجود تمام كل شئ قد علمت ان الوجود حقيقة بسيطة لاتتفاوت اعدادها بامور ذاتية من جنس و فصل و نحوهما بل بكمال و نقص و غني و فقر و ليس النقص و الفقر مما تقتضيه نفس حقيقة الوجود و الا لميوجد واجب الوجود و التالي باطل كما ثبت فالمقدم مثله فظهر ان حقيقته في ذاتها تامة كاملة غير متناهية القوة و الشدة و انما ينشأ النقص و القصور و الامكان و نحوها من الثانوية و المعلولية ضرورة ان المعلول لايساوي علته و الفائض لايكافئ المفيض فظهر ان واجب ( الواجب خل ) الوجود تمام الاشياء و وجود الموجودات و نور الانوار .
اقول قوله قد علمت ان الوجود حقيقة بسيطة الي قوله فالمقدم مثله فيه ان الوجود اذا كان حقيقة بسيطة لايجوز ان يكون لها اعداد اصلا الا ان يكون
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 422 *»
القول ببساطته انما هو باعتبار خاص لا مطلقا فحصول الاعداد ان جاز لطبيعة تلك الحقيقة لزم التعدد في جميعها فلايكون من تلك الحقيقة واجب وجود لذاته و ان جاز لامور خارجة عن تلك الحقيقة جاز علي كل فرد منها بتلك الامور فلايكون من تلك الحقيقة واجب وجود و لو فرض جواز ذلك في شئ منها دون شئ لزم الترجيح بلا مرجح فيصح في الكل او يمتنع في الكل لان الحقيقة البسيطة الواحدة لاتختلف اعدادها لذاتها و لا لخارج ( الخارج خل ) عنها الا ان يكون لذاتها صلوح قبول ذلك و يلزم اختلافها فلاتكون واحدة بسيطة الا ان تكون تلك الحقيقة مستندة الي غيرها فتختلف اعدادها من اختلاف النسب الي ما استندت اليه في القرب و البعد و الرتبة و الجهة و ما اشبه ذلك هذا خلف و هذا ايضا لازم اذا كان تفاوتها بالنقص و الكمال و الغني و الفقر لان ذلك انما يمكن في الحقيقة المركب و لو بالصلوح للتركيب بالا ( ما لا خل ) يكون منافيا لها كالتي تعرض لها الوحدة بعد التركيب لمفهوم اسم قد لحقها بعد ذلك كما لو كانت تلك الحقيقة مؤلفة من اشياء يجوز الغني علي بعض و يجب لآخر و يجب ( يجوز خل ) الكمال لبعض و يجوز ( يجب خل ) لآخر ثم لحقها بعد اجتماعها اسم جامع لها كالشئ و الموجود فان تلك الاشياء من مفهوم الاسم حقيقة واحدة و من حيث اختلافها في وجوب الغني و الكمال و جوازهما تكثرت اعدادها و هذه ليست حقيقة بسيطة واحدة يقال انها انما تكثرت من جهة الغني و الكمال و الفقر و النقص بل هي اشياء مختلفة اذ علة تكثرها و هو اختلافها في تلك الصفات هي علة شيئيتها فتكون حقايق مختلفة لا حقيقة بسيطة و اما اذا كانت حقيقة بسيطة و لمتكن مستندة الي الغير في تحققها فانها لاتتفاوت اعدادها بغني و كمال و فقر و نقص مثلا حقيقة الماء المشروب المعروف لايمكن تعقل تفاوت اعداده بغني و كمال و فقر و نقص الا اذا كانت علة التفاوت امورا خارجية و حينئذ تكون جنسا تتميز انواعه بالفصول و مادة مطلقة تتشخص افرادها بالصور و الا اذا كانت مجتمعة من اشياء مختلفة جمعها اسم عام كما قلنا علي ان النقص و الفقر ان لمتقتضه حقيقة الوجود كان قوله سابقا و اما تخصيصه بمراتبه و منازله في التقدم و التأخر و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 423 *»
الغني و الحاجة و الشدة و الضعف فبما فيه من شؤنه الذاتية و حيثياته الغيبية ( العينية خل ) بحسب حقيقة البسيطة الخ ، باطلا لانه هناك جعله من شؤنه الذاتية و لو لمتقتضه حقيقته لماقال من شؤنه الذاتية بقوله ( لقوله خل ) بحسب حقيقته البسيطة و هنا قال ليس النقص و الفقر مما تقتضيه نفس حقيقة الوجود و قد ذكر ان علة التفاوت و الاختلاف في تعدد المراتب هي النقص و الفقر فاذا ذكر هناك تخصيصه بمراتبه في تلك الامور التي من جملتها النقص و الفقر بما فيه من شؤنه الذاتية فلا ريب كانت تلك الشؤن التي يتخصص بها بمراتبه في النقص و الفقر مما تقتضيه حقيقته و لاسيما مثل ما سمعت من قوله هناك بحسب حقيقته البسيطة و قد سبق منه في التوضيح ان اعداد الوجود تمتاز بحسب الماهية فان لمتقتضه كان ما ذكر من تنافي كلاميه و تدافعهما كما سمعت و ( كان خل ) كانت تفاوت اعداده و مراتبه بامور خارجة عن حقيقته ثم نقول تلك الامور ان كانت شيئا فاما ان تكون مجعولة له او لا فان كانت مجعولة له لزمه ان تكون وجودات لان غير الوجودات لاتكون مجعولة عنده بالذات و لو جعلها مجعولة بالعرض لمتكن سببا للتفاوت لتقدم مسبباتها علي اسبابها لان ما بالعرض لاحق لا سابق و الوجودات المتفاوتة سابقة عليها و ان لمتكن مجعولة كانت من تلك الحقيقة البسيطة اذ لايكون شئ غير مجعول الا ما كان من تلك الحقيقة البسيطة و ليس الا صرف الوجود اذ كل ما سواه مجعول و ان لمتكن شيئا فلميكن ما ليس بشئ سببا متفاوتا لما هو الشئ هذا خلف و ان كان النقص و الفقر مما تقتضيه حقيقة الوجود فنقول قد صرح المصنف في كتابه المسمي بالحكمة العرشية فقال و نعني بحقيقة الوجود ما لايشوبه شئ غير الوجود من عموم او خصوص او حد او نهاية او ماهية او نقص او عدم و هو المسمي بواجب الوجود انتهي ، فان عني بقوله نفس حقيقة الوجود هنا هو الواجب كما هو مقتضي قوله فظاهر و لكن النقص و الفقر لا مانع من ان يكون تقتضيهما حقيقة الوجود غير الوجود الواجب و لذا حصل التفاوت بهما في الوجودات الممكنة و يلزم من هذا الايتحد الوجود بل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 424 *»
يكون الواجب سبحانه لاتقتضي ذاته النقص و الفقر و الممكن يقتضيهما حقيقته فلايكون الوجود حقيقة واحدة بسيطة و ان عني بقوله نفس حقيقة الوجود المطلق او خصوص الممكن جاء التفصيل السابق و لميلزم عدم وجود الواجب لانه انما يلزم علي فرض اقتضاء حقيقة الواجب خاصة و في التعليقات للملا احمد المذكور ما يدل علي ان تلك الحقيقة من ذاتها تقتضي الكمال و لاجل الثانوية و المعلولية يقتضي النقص فانه قال علي قول المصنف ليس النقص و الفقر الي آخر يظهر منه جواب عن سؤال يرد في هذا المقام تقريره ان الوجود لو كان حقيقة واحدة مختلفة بالكمال و النقص فاما ان لاتقتضي شيئا منهما او يقتضي و حينئذ اما ان يقتضي الكمال و النقص و التوالي باسرها باطلة اما الاول فلاستلزامه الاحتياج الواجب الذي هو عين الوجود الي الغير في الكمال و اما الثاني فلاستلزامه عدم الاختلاف فيهما و اقتضائه عدم النقص في التمام و لا معني لاقتضاء الجميع كما لايخفي و تقرير الجواب ان الوجود حقيقته لاتقتضي النقص و لذا قيل ليس لاتقتضي شيئا منهما كما هو الظاهر بل يقتضي التمامية و النقص في بعض المراتب لاجل الثانوية و المعلولية و الحاصل انا نختار في الجواب ان حقيقة الوجود تقتضي التمامية و لانسلم ان الجميع يجب ان يكون كذلك لان الثانوية مانعة من اقتضاء الوجود ذلك انتهي ، و هذا مذهب المصنف فيكون الوجود يقتضي الكمال و الغني بحقيقته و بعروض الثانوية و المعلولية يقتضي النقص و الفقر و يأتي نقض هذا ، و قوله فظهر ان حقيقته في ذاتها تامة كاملة غير متناهية القوة و الشدة الخ ، ظاهره ان المراد بحقيقة الوجود هنا هو الوجود المطلق و علي هذا كيف يكون مطلق الوجود غير متناهي القوة و الشدة و فيه الوجودات التي في غاية الضعف في اصل حقيقتها لان حقيقتها ان كانت عين حقيقة الواجب لميكن فيها نقص و فقر و يلزم الاتحاد الحقيقي اي عدم التعدد و الوحدة المطلقة لان الكثرة انما نشأت منهما فاذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول و ان كانت غيرها لمتكن حقيقة الوجود المطلق بسيطة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 425 *»
و قوله و انما ينشأ النقص و القصور و الامكان و نحوها من الثانوية و المعلولية يعني ان النقص و القصور و الامكان لاتكون مأخوذة في مفهوم الموجود ( الوجود خل ) لتكون ذاتية له و انما تعقل هذه الاشياء عارضة فتكون لاحقة للحصص الوجودية تبعا لتنزلاتها في مراتبها و منازلها فتكون الحصص في ذاتها باقية علي بساطتها و وحدتها لان منشأ التعدد هي المعقولات الثانوية و انت اذا نظرت الي هذا الكلام بعين البصيرة وجدته راجعا الي اختلاف الموضوع فان دعواه في الاعتبار مسلمة و لكنها غير المدعي لان الحصص اذا نظرت اليها مع قطع النظر عما لحقها فلا شك في وحدتها و عدم تعددها كالحصص الحيوانية التي في الانسان و الفرس و الغراب فانها متحدة مع قطع النظر عن الفصول لان هذه الفصول التي بها تمايزت الانواع بالنظر الي حقيقة الجنس من الثانوية بمعني ما ندعيه بمقتضي الادلة القطعية من ان النقص و القصور و الامكان و ما اشبهها من حدود الماهيات و من ان الوجودات لاتتقوم في الوجود بدون هذه الحدود لا كما زعمه المصنف علي ما يدعيه من ( في خل ) عكس ما قلنا يعني ان قولنا وارد علي قوله من انها من الثانوية قلنا انما تكون من الثانوية اذا نظرت الي نفس الوجود كما لو نظرت الي نفس الجنس و لا ريب انك اذا نظرت الي الحصص التي في الباب و السرير و السفينة من الخشب مع قطع النظر عن المشخصات فانها شئ واحد بسيط فهي اي المشخصات بالنسبة الي نفس حقيقة الجنس من الثانوية اذا لحظتها عارضة علي تلك الحصص و لكنا نقول انها ذاتيات في الباب و السرير و السفينة فلو صح وجود هذه الحصص منفردة باسمائها بدون هذه المشخصات توجه بعض ما يدعيه من ان تلك الحصص القائمة بنفسها لمتكن موجبات التعينات لها من مقتضي ذواتها و لكنها ليست كذلك لان تلك الحصص انما تتقوم بالفصول فلايعقل السرير و الباب و السفينة بدون تلك الفصول لان هذه المشخصات اعني الصور الخاصة هي فصولها اذ لانعني بالفصول الا الصور النوعية التي هي الماهيات الاولي عندنا و لانعني بالحصص الا المواد التي هي الوجودات كما تقدم و قولنا توجه بعض ما يدعيه نريد انا اذا سلمنا له كون تلك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 426 *»
المميزات من الثانوية لانسلم له كون تلك الوجودات مع قطع النظر عن النقص و القصور و الامكان و نحوها ترجع الي حقيقة بسيطة واحدة احد افرادها صرف الوجود الخالص الذي لايعتريه النقص و القصور و الامكان و هو الواجب تعالي كما يشير اليه المصنف من ان تلك الحقيقة باعتبار الفرد او المطلق هو الواجب تعالي لانه صرف الوجود و تعدد الوجودات انما هو تنزله ( بتنزله خل ) بمراتبه و منازله فيها بشؤنه الذاتية كما تقدم لان آية ( آيته خل ) ما يدعيه هو و نحن هو الجنس و حصصه كما فصلنا مرارا فلايصح كون حقيقة الحيوانية الصرف الخالص تتصف بصفات بعكس صفات حصصها في الانسان و الفرس و الغراب مع قطع النظر عن فصولها فانه ان ادعي ان حقيقة الوجود هو صرف الوجود الحق الواجب الوجود تعالي و ان افراد الوجود التي هي وجودات الممكنات مخالفة لتلك الحقيقة و متصفة بخلافها في الوجود ( الوجوب خل ) و الامكان و النقص و الكمال و الغني و الفقر كان حقيقة الوجود عنده الجامعة لجميع مراتبه البسيطة المتحدة انما هي باعتبار مفهوم اللفظ او المعني المصدري او المعني البسيط اعني المعبر عنه بهست في الفارسية و هذه الامور لايصح ان تطلق الا علي طبيعة مجازية عارضة فيكون وجودا نسبيا بالحمل الشايع المتعارف كما اذا قلت زيد هست و الجدار هست و الحركة للحيوان هست و حمرة الثوب هست فتكون هذه الامور داخلة تحت حقيقة واحدة هي الحصول للواجد و ارادة نحو هذا لايجوز فيما نحن بصدده لان اتحادها اي هذه الحقيقة المعنوية التي هي متعلق الوجدان بجهة الحصول منها لا في حقايقها لانها مختلفة و ان ادعي ان الوجود حقيقة واحدة متصفة بصفة واحدة لذاته و ان تلك الوجودات متعددة باعتبار عوارض خارجية كالنقص و الفقر و غيرهما ليست من مقتضي حقيقة الوجود وجب ان تكون تلك الافراد مع قطع النظر عما لحقها مساوية لتلك الحقيقة في جميع ما لها من الوجود و الكمال و الغني و الا لمتكن الحقيقة الجامعة للكل بسيطة متحدة بل تكون متعددة مختلفة في ذاتها بخلاف الفرض هذا خلف فحيث بطلت الدعويان لميكن بد له و لغيره من القول بان الكلام منحصر
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 427 *»
في الوجود الممكن و انه هو المادة المطلقة اذ لا مناص عن هذا كما ذكرنا سابقا بقي الكلام هل هو حقيقة واحدة من حيث الذات من باب المشكك فيه القوي باعتبار القرب من المفيض و فيه الضعيف باعتبار البعد من المفيض كما هو رأي الاكثر من القائلين بالمباينة او الظلية ام حقايق مختلفة و ان كل رتبة منه لاتنزل الي ما تحتها بذاتها و لاتصعد الي ما فوقها كذلك و انما تنزل باثرها و ان الاشياء كل منها خلق في رتبة وجودها فلاتخلق الاجسام مما تخلق منه العقول و لا العكس علي نحو ما اشرنا اليه قبل هذا و هذا هو الحق و هو المستفاد من مذهب اهل البيت عليهم السلام فالاسم في الحقيقة صادق علي تلك الافراد بالاشتراك اللفظي لانه لميكن بوضع واحد في اصل اللغة لان الواضع عز و جل وضع الاسماء علامات المسميات فهي صفات لها كما قال الرضا عليه السلام حين سئل عن معني الاسم فقال صفة لموصوف فلما خلق الله سبحانه الرتبة الاولي سماها باسمه ثم لما خلق الرتبة الثانية من شعاع الرتبة الاولي و كانت بمقتضي طبيعة الصفة انها بهيئة الموصوف و ان الاسماء حين كانت المسميات كان بينها و بين المسميات مناسبة ذاتية لمتكن في الاسماء المؤلفة من الحروف اوفق للمناسبة من اسم الرتبة الاولي لما بين الثانية و بين اسم الاولي من اتحاد الجهة فسماها باسم الاولي كما سمي شعاع الشمس باسم الجرم و لما كان كل مرتبة منه بالنسبة الي التي قبلها كشعاع الشمس بالنسبة الي الشمس سمي كل رتبة باسم ما قبلها فلما اتحد اللفظ في جميع المراتب توهم بعض الناس ان ذلك من باب الاشتراك المعنوي و ليس كذلك لان المعنوي يكون بوضع واحد و اللفظي يكون باوضاع متعددة و لكن ذلك المتوهم لميكن قبل المراتب فلما وجد بعدها وجد الاسم الواحد يطلق علي كل منهما فقال انها بوضع واحد و ليس كذلك لان المراتب بينها مدد متطاولة و لميوضع الاسم حين وجدت المرتبة الاولي لها و لغيرها مما لميوجد ليكون من الاشتراك المعنوي بل يوضع لها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 428 *»
خاصة فاذا وجدت مرتبة اخري بعدها و اعتبرها الواضع و وجد فيها مناسبة ذاتية بنسبتها بينها و بين الاسم الذي وضع للاولي وضع ذلك الاسم عليها بوضع جديد لان الاسماء صفات المسميات و لاتوجد الصفات قبل الموصوفات و اما من جعل الوضع بالاشتراك المعنوي فلزعمه ان الوجود شئ واحد وضع له الاسم علي تلك الحقيقة و المراتب المتكثرة انما هي من تنزلاته و هذا القول يعلم صحته و فساده بمعرفة الوجود هل هو علي ما قلنا ام علي هذا القول و يعلم الحق من احاديث الائمة ( اهل البيت خل ) عليهم السلام الذين اشهدهم الله خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و اتخذهم اعضادا لخلقه و انا اشهد ان الحق لهم و معهم و فيهم و بهم ، و قوله ضرورة ان المعلول لايساوي علته صحيح و هو يدل علي ان المعلول لميكن من سنخ العلة و ان كان قد يكون في نوع رتبتها كما لو كانت العلة جسما و المعلول جسما فان العلة و ان كانت من نوع المعلول لكنها لاتكون في رتبته الشخصية و لو كان من سنخ العلة لكان مساويا لها في الحقيقة و يجري عليه لذاته كل ما يجري عليها لذاتها و كذلك الفائض لايكافئ الفيض كما لايكافئ المفيض و لو اريد بالفيض هنا المصدر اي المفاض لكان مكافئا له بل الفيض هو الفائض ، و قوله فظهر ان واجب الوجود تمام الاشياء و وجود الوجود و تمام الاشياء يعني انه ظهر من قوله انه تعالي تمام الاشياء بذاته و انه وجود الوجود الممكن فيلزمه ما قال سابقا ان وجود الشئ هو حقيقته و هو متحد بماهيته في الخارج فيكون الواجب حقيقة وجود زيد و متحد بماهيته لانه بمقتضي ادلته السابقة لانها لو صحت جرت هنا علي دعوي انه تعالي وجود الوجود و ظهر من قولنا بطلان جميع الوجوه التي اعتقد انها سر العلوم و انها لمتكن من انظار الحكماء البحثية و لا الخيالات الصوفية و لميخالف حروف ( حرف من خل ) قوله شيئا من تلك الانظار و لا تلك الخيالات لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم .
قال المشعر السادس في ان واجب الوجود مرجع كل الامور اعلم ان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 429 *»
الواجب بسيط الحقيقة و كل بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الامور لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها و احاط بها الا ما هو من باب الاعدام و النقائص .
اقول اخذ يقرر ان الواجب عز و جل كل خلقه لانه لو لميكن كل الاشياء لكان معه غيره و حيث كان بسيطا لميتميز بحدود و مشخصات لان ذلك حال المركب و انما يتميز بنفي غيره فيكون نفي غيره مأخوذا في مفهوم ما يتميز به و يكون حينئذ مركبا مما به هو و مما به هو ليس غيره و يلزم من عكس نقيض ذلك انه كل الاشياء علي ما يذكره من تقريره و لو قال سائل ما المانع من كونه مركبا مما به هو و مما به هو ليس غيره لقال المانع الدليل القطعي علي حدوث المركب و لو قال في جوابه ذلك للسائل لقيل له انه اذا كان كل الاشياء لزم ما هو اشنع من ذلك لانه لو كان مركبا كان مركبا من شيئين من اثباته و نفي ما سواه و اذا كان هو كل ما سواه كان عبارة عن الاشياء لانه ليس هو و الاشياء بل هو الاشياء فينقسم اليها فاذا كان قد تكلف المصنف تعديل كلام يكون كالدليل ليتخلص مما يلزمه فقد وقع فيما هو اعظم مما فر منه مع كثرة ما يلزمه حيث فر من التركيب من اثنين و التجأ الي التركيب من كل شئ بل ليس هو شيئا غيرها كما قال الشاعر :
و المستجير بعمرو عند كربته ** * ** كالمستجير من الرمضاء بالنار
و الوحدة التي يشير اليها لايلزم منها كونه كل الاشياء بل يلزم منها انه هو لا غيره و الآية الشريفة لاتدل علي مدعاه لا بظاهرها و لا بتأويلها اما ظاهرها فلانه انما يدل علي ما تدل عليه الآيات الاخر من كون المراد بالمحيط هو كتابه لا ذاته و القرءان يفسر بعضه بعضا فيكون معني الجميع واحدا و هو انه سبحانه احصي كل الاشياء في كتابه و هو علمه الحادث اعني اللوح المحفوظ علي الظاهر و الامام سيد الوصيين صلوات الله عليه علي الباطن و الآية هو قوله تعالي و قالوا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها و المراد بهذا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 430 *»
الكتاب اللوح المحفوظ او كتاب الاعمال او الاكبر فانه يأتي كل شخص بكتابه الذي كتبه الملكان الحافظان من اعماله فيجد كل ما عمل من خير و شر محضرا او يقرء عليهم الكتاب الاكبر بلفظ واحد و يطابق جميع كتب الخلائق علي اختلافها فيقع صوته علي كل كتاب بما فيه لايخالف حرف حرفا مع شدة اختلافها و كثرة تباينها و علي الباطن ان الامام عليه السلام الذي هو كتاب الله الناطق يقرء علي الخلائق قرائة واحدة بلسان فيقع علي الكتب كل بما فيه و علي التفسيرين قوله تعالي هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون و اما تأويلها فلان شرط التأويل الذي يسوغه و يصرفه عن ظاهره هو ان لايكون المعني المستنبط مخالفا لما في نفس الامر و اما اذا قام الدليل علي بطلان معني لميجز تأويل آية من القرءان علي تصحيح ما ابطله الدليل الحق لان التأويل علي خلاف الظاهر فلايصار اليه الا بدليل قطعي صارف عن الظاهر او مجوز للانتقال اليه و الآيات المفسرة للعلم الذي اشير اليه في تلك الآية كثيرة مثل قوله تعالي حكاية عن سؤال فرعون و جواب موسي (ع) قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي و لاينسي فقال تعالي علمها عند ربي في كتاب و لميقل في ذاته كما يراه المصنف و اتباعه و كذلك قال تعالي قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ اي حافظ لعلمنا بها و هو اللوح المحفوظ او كتاب الاعمال او الامام عليه السلام و الاخبار في هذا المعني لاتكاد تحصي كثرة و قول المصنف قيل فيه ان قوله هو كل الاشياء احتمالات الاول انه تعالي كل واحد واحد من الاشياء بمعني ان كل واحد واحد منها من حيث هو كذلك عينه و هو باطل قطعا و الا لزم ان يكون كل منها واجب الوجود علي ما اخذه في الدليل من انه تعالي بسيط الحقيقة ينافيه الثاني ان يكون المراد ان المجموع من حيث المجموع من الاشياء عينه تعالي و هو كالاول باطل كما لايخفي فالحق ان يقال ان المراد انه جامع لجميع مراتب وجودات الاشياء
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 431 *»
بمعني انه لايكون سبب شئ ينتهي عنه و لكن بنحو اشرف اي مع سلب جميع نقائصها فالواجب كل الاشياء بهذا المعني فالكل يحتمل المعنيين بالمعني المذكور انتهي كلامه و هو الملا احمد المذكور في تعليقاته و قد ابطل الاحتمالين الاول و هو صحيح فانهما باطلان و اما الاحتمال الثالث الذي يذهب اليه المصنف و اتباعه و اختاره هو من ان المراد بقولنا كل الاشياء انه تعالي عين وجودات الاشياء مع تخليصها عن جميع نقائص الحادثات من حدودها و صفاتها و هو معني قولهم بنحو اشرف و لذا اجمله في قوله و الحاصل ان الواجب من حيث هو واجب واجب يعني بهذا اللحاظ مشتمل علي تلك الوجودات حال كونها مسلوبا عنها تلك النقائص لانها حينئذ هي هو و لذا قال و لكن مسلوب عنه تعالي الخ ، يعني اذا قلنا هو مشتمل عليها و عينها يكون تعالي منزها عن تلك النقائص يريد ان المنزه هو تعالي لا هي فهي من حيث هي محل النقائص و من حيث هو مقدس الذات فتكون تلك الحقيقة بلحاظ الوجوب مقدسة و بلحاظ الحدوث مشوبة و لذا قال مسلوب عنه تعالي و لميقل مسلوب عنها و انت خبير بان هذا تمحلات لاتسمن و لاتغني من جوع لان سلب جميع النقائص عن تلك الوجودات انما يصح بحيث يبقي لهم منها بقية تكون واجبة اذا كانت تلك الوجودات ذاتها التي بها تحققت مشوبة من قديم و حادث فاذا طهرت من الحدوث و صفيت بقي ما فيها من الوجوب علي نحو ما قرر في العلم الطبيعي المكتوم من علم الميزان و علي ما ذهبوا اليه يلزمهم عدم خلو الواجب من الحدوث و الحادث من الواجب ( الوجوب خل ) و هم يلتزمون به فيكون الازل محلا للحوادث و الامكان محلا للازل و ايضا حقيقة تلك الوجودات ان كانت قديمة فهو ما قلنا من اللزوم و ان كانت حادثة فاذا اخذت تسلب عنها النقائص لميبق منها شئ اذ كلها نقائص لاتنتهي الي كمال ذاتي قط و انما تنتهي الي كمال مستفاد من الغير اقامه الغير تعالي بنفسه الحادثة لان الاشياء منبعثة عن فعله لا عن ذاته و الآيات الآفاقية و الانفسية تشهد بهذا اي انه لميبق بعد كمال التصفية
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 432 *»
شئ الا مما يكون مشوبا من ثابت و متغير ليكون السلب نافيا و مزيلا للمتغير لا غير ثم قال و لكن مسلوب عنه تعالي من حيث هو واجب حدودها و نقائصها فهو كل الكل يعني به ما قلنا و مثاله مثال ( مثل خل ) الخط اذا سلبت عنه الكون في القرطاس و اليبوسة التي عرضت له و الهيئات الحرفية رجع مدادا و هذا اعتقادهم و هو عند الله باطل و معني كلامه كما قلنا في قوله مسلوب عنه تعالي يعني ان سلب الحدود انما هو بلحاظ الوجوب مع ثبوتها بلحاظ الامكان و قوله هو كل الكل يعني كالمداد فانه كل الكتابة مع سلب العوارض و قوله اياك اياك و ان تظن بفطانتك البتراء ان مرادنا باشتماله علي الكل اشتمال الكل علي الاجزاء او اشتمال الكلي علي الجزئي ، و انا اقول اياك اياك و ان تفهم بفطانتك المنكوسة غير انه يلزم من كلامهم ان ذلك اشتمال الكل علي الاجزاء خاصة لا اشتمال الكلي علي الجزئيات كيف لا و هم يصرحون بانه تعالي كالبحر و هي كالامواج و هو كالنفس و هي كالحروف و هو كالواحد و هي كالاعداد لان كلامهم منحصر في احد طريقين يوصلان الي ما علمت احدهما اشتمال الكل علي الاجزاء و هم اصحاب البحر و النفس و المداد و ثانيهما اشتمال الشئ علي اعراضه بمعني قيامها به بحلولها فيه و هم اصحاب الثوب المتلون بالالوان و الماء الذي يكون ثلجا ثم اتي بما يدل علي ان مراده بالواجب مع كونه كل الاشياء بانه كالمداد في الحروف النقشية فقال بل المراد انه بوحدته الصرفة و بساطته المحضة لايسلب عنه شئ من تلك الوجودات بمعني ان كلا منها مع سلب جميع نقائصها و حدودها عنها هو عينه تعالي هذا و قد قال في التعليقات المذكورة الا ان القول بها يعني بكون بسيط الحقيقة كل الاشياء دونها اي دون القول بكون الوجودين في الاصل مع قطع النظر عن الاغيار شيئا واحدا بسيطا من سنخ واحد من قبيل القول بالمتناقضين يعني ان القول بالكلية مع القول بتغاير
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 433 *»
الوجودين قول بالمتناقضين ثم قال و العجب من المعلم الاول انه قال بها في اثولوجيا مع القول بتخالف وجود الممكن مع وجود الواجب من حيث الحقيقة و كذا يظهر من كلام المعلم الثاني القول بها مع قوله بذلك التخالف اللهم الا ان يقال المراد بالتخالف ما مر من المصنف سابقا من توجيهه كلام المشائين فحينئذ لا اشكال فتذكر انتهي ، و هذا ظاهرا في توافق اقوالهم علي هذا المذهب المخالف لمذهب الائمة عليهم السلام الا ان الذي ليس له غور في مذهب محمد و آله صلي الله عليه و آله قد يميل الي اقوالهم لانهم يوجهون كلام الله و كلام اوليائه عليهم السلام علي وفق مذهبهم و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالآخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون و لهذا ( لذا خل ) قال في التعليقات المذكورة تبعا لهم في التأويل قال و ليعلم ان الآيات الدالة علي هذا المطلب علي طور فهمه كثيرة منها قوله تعالي و الله واسع عليم و منها قوله الا انه بكل شئ محيط و منها قوله هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن الي آخر ذلك من الآيات و في كلمات المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين اشارة الي هذا كما هو ظاهر عند من تتبع كلامهم كقول ابيعبدالله الحسين عليه السلام في دعاء عرفة ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك فان فيه دلالة علي هذا علي طريقته انتهي ، فانظر رحمك الله الي ما في مأخذ هذا التأويل من عجيب العدول عن الصواب فانه اذا اول قوله تعالي و الله واسع عليم بان ذاته لبساطتها واسعة حتي شملت كل الاشياء كان المراد من هذه السعة المعني المدرك بان تكون منبسطة علي الاشياء انبساط امتداد او محيطة بها احاطة الكرة او انبساط المادة المطلقة علي حصصها المتميزة بالصور او الفصول كانبساط الجنس علي حصص انواعه و الخشب علي خشب السرير و الباب و السفينة فاما احاطة الكرة و انبساط الامتداد فانهم يمنعونه في القول و ان كان لازما لهم في ما ارادوا و اما انبساط المادة المطلقة و الجنس فانهم يتعقلون دعواهم علي هذا النحو و راجع كلام المصنف في ما سبق في ذكر ارتباط الوجود بالماهية قال لان الارتباط بينهما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 434 *»
اتحادي لا كالارتباط بين المعروض و عارضه و الموصوف و صفته بل من قبيل اتصاف الجنس بفصله في النوع البسيط عند تحليل العقل اياه اليها من حيث هما جنس و فصل لا من حيث هما مادة و صورة عقليتان انتهي ، و هو يشير الي الوجود الذي هو من سنخ الواجب و قال قبل و يظهر لك ايضا انه كيف يصدق القول بكون حقيقة الوجود مع كونها متشخصة بذاتها مختلفة الحقايق بحسب اختلاف الماهيات الامكانية المتحدة كل منها بدرجة من درجاته و مرتبة من مراتبه سوي الوجود الحق الاول الذي لا ماهية له الخ ، يشير الي ان تلك الحقيقة الواحدة البسيطة المتشخصة بذاتها لها مراتب اعلاها الوجود البحت الحق الذي لايشوبه شئ يعني به الواجب تعالي و في كل هذه العبارات يلزم منها القول بالكلية مع القول بالتخالف فيما هو من سنخ الواجب و فرد من تلك الحقيقة التي انما تطلق عليه تعالي عندهم و كل هذه التي يشيرون اليها فهي من صفات الحوادث المدركة المشاركة لها في معني الاتحاد و الاختلاف و تنزل المراتب و امثال ذلك مما هو من احوال الحوادث و اما قوله تعالي هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن فعلي ظاهرها ان اول الاشياء لايصدق علي اوسطها و آخرها فلايكون كلا و آخرها كذلك و ان لوحظ الاتحاد بين الصفتين كما هو الحق لميشملا الاوسط و اما الظاهر و الباطن فليس في دلالة ظاهرهما ما يشمل المدعي و علي تأويلها فلايجوز لما قلنا سابقا ان دلالة التأويل لما هو خارج عن ظاهر الوضع اللغوي انما يجوز فيما لميقم الدليل الصريح القطعي علي خلافه و لميلزم منه التباس و لا اضلال فلا يصار اليه في مقام المنع منه اذ لقائل ان يقول ليس في الآية و لا في التي قبلها اثر من دلالة علي المدعي من الوجوه و اما ما نقل عن الحسين بن علي عليهما السلام في دعاء عرفة من قوله ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاشارة هي التي توصل اليك فمن معانيه انه (ع) يقول ايكون لغيرك ظهور لميكن مستفادا منك بان يكون ظهور الغير من نفسه او من غير الله او يكون المعني ان ظهور الغير لك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 435 *»
و في قبضتك و ملكك و علي ظاهر الكلام الذي صاروا اليه يكون المعني انك اظهر من كل شئ لان ظهور كل شئ انما هو اثر ظهور فعلك فظهور كل شئ اثر اثر ظهورك و انت اظهر من كل شئ لانك ظهرت بكل ظاهر فكل ظاهر هو و ظهوره في الحقيقة ظهورك و انت اظهر من كل شئ لان من لايظهر بذاته و انما يظهر بمن سواه اظهر ممن ظهر به و هو من سواه و كون نفس الغير و نفس ظهوره في كل مرتبة من مراتب الاكوان نفس ظهوره عز و جل لايلزم منه كونه تعالي ظاهرا بذاته كما توهم من جعل المجعول من سنخ الجاعل او نفس الجاعل مع قطع النظر عن حدود الجعل و الانجعال او من جعل ظهور الغير و الغير هو ظهوره بذاته بمعني ان ذلك الغير و ظهوره هو ظاهره عز و جل لما في هذه الوجوه من المفاسد اما في الاول فظاهر كما سمعت مرارا و اما الثاني فاشنع و اما الثالث فان معناه ان الوجود حقيقة واحدة فيها لب هو الواجب و هو الروح و كل ما سواه جسده و قشره و منهم من جعل النسب بينه و بين من سواه و النسب بين بعض السوي الي بعض شيئا واحدا قال الشيخ محمد بن ابيجمهور الاحسائي في المجلي و لبعض اهل هذه الطريقة في معني العالم طريقة اخري و هي قولهم العالم هو الظل الثاني ( الفاني خل ) و ليس هو الا وجود الحق الظاهر بصور الممكنات فلظهوره بتعيناتها سمي باسم السوي و الغير باعتبار اضافته الي الممكنات اذ لا وجود للممكن الا مجرد هذه النسبة و الا فالوجود عين الحق و الحق هوية العالم و روحه و هذه التعينات في الوجود الواحد احكام اسمه الظاهر الذي هو مجلي لاسمه الباطن و لهذا قالوا العالم غيب لميظهر قط و الحق تعالي هو الظاهر ما غاب قط و اهل الظاهر علي عكس ذلك فيقولون العالم ظاهر و الحق تعالي غيب فيهم و كل هؤلاء عبيد السوء و قد عافي الله تعالي بعض عبيده من هذا الداء و الحمد لله الي ان قال بعد ذلك فالعوالم علي اختلافها باللطافة و الكثافة و الجسمية الحسية المثالية و النفسية و العقلية و اللاهوتية محيط بعضها ببعض الاعلي بالادني و الاشد نورا بالاضعف و الالطف بالاكثف علي الوجه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 436 *»
المذكور و الترتيب اللطيف لا تباين بينها ( بينهما خل ) فكان المجموع عالما واحدا مركبا من اعضاء و آلات و هيئات كثيرة مشتملا علي قوي من الروحانيات لاتتناهي يبتدي من العلة الاولي التي هي ( الذي هو خل ) اشدها لطفا و صفاء و هو النور المحض القاهر لجميع الموجودات و ينتهي الي ما يقابله من الكثافة و الظلمة و الغلظة و هي الارض و العوالم الباقية تترتب فيما بينهما و كلما قرب الشئ الي الباري تعالي لطف و صفا و طفا و نفذ في سائر العوالم و غاب عن الحس و كلما قرب من الارض كثف و غلظ و رسب و ظهر للحس انتهي ، فتأمل مراد هؤلاء فان العالم عندهم شخص واحد روحه هو الباري تعالي و جسده ما سواه فاي مفسدة اعظم من هذا و اي تجسم ( تجسيم خل ) ابلغ من هذا و مثل هذا قول الملا محسن الكاشاني في الكلمات المكنونة حيث قال و الذات واحدة و النقوش كثيرة فصح انه مااوجد شيئا الا ذاته و ليس الا ظهوره ، و قوله الا ما كان من باب الاعدام اقول ان كان تعالي لميكن كل شئ حتي الاعدام فلايصح دليله الآتي الذي يلزم منه علي دعواه التركيب من شئ و من ليس شئ و ان صح دليله بطل قوله هذا اعني الا ما هو من باب الاعدام لانا نقول الاعدام من الاشياء و انها مخلوقة كما قال الصادق عليه السلام حين سأل السائل عن الشيعة فقال اختلفوا فقال فيم اختلفوا قال اختلف زرارة و هشام في النفي فقال زرارة النفي ليس بمخلوق و قال هشام النفي مخلوق فقال عليه السلام قل بقول هشام في هذه المسئلة نقلته بالمعني رواه المجلسي في البحار و اما علي قول المصنف بانها ليست شيئا فنقول له ان كانت اشياء مخلوقة لميصح الاستثناء لعدم جواز الترجيح من غير مرجح و ان كانت غير مخلوقة كان عدم الاستثناء اولي لانها بالدخول في الكلية اولي من الحادثة اذ كونه كل اشياء قديمة اولي من كونه كل اشياء حادثة الا ان اراد بان الاشياء ليست مجعولة و انما المجعول ظهوراتها كما قيل في باب البداء انما هي اشياء يبديها لايبتديها فتكون حينئذ متساوية و ان كانت ليست شيئا اصلا فلايضر كونه مجموع هو كذا ليس كذا كما لايضر انه كل شئ الا ما كان من قبيل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 437 *»
الاعدام اذ ليست شيئا و الا لكان كلها اذ الاعدام و النقائص لاتخلو من ان تكون شيئا تتغير النسب بضميمتها او لاتكون شيئا يتغير الحال بضمها و بعدمه .
قال فانك اذا فرضت شيئا بسيطا هو ج مثلا و قلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتي تكون ذاته بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب و السلب شيئا واحدا و لزم ان يكون كل من عقل الانسان مثلا عقل ليس بفرس بان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك فظهر و تحقق ان موضوع الجيمية مغاير لموضوع انه ليس ب و لو بحسب الذهن فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا و جهة هو بها ليس كذا فبعكس النقيض كل بسيط الحقيقة هو كل الاشياء فاحتفظ بهذا اذا كنت من اهله .
اقول قال فانك اذا فرضت شيئا بسيطا هو ج مثلا و قلت ج ليس ب اقول بان يكون مفهوم هو ج ليس ب معا مصداقه معني ج و لهذا قال فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتي تكون ذاته اي ذات ج بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب و السلب معني واحدا فتكون ذات ج مصداقا للمجموع منهما و لهذا قال و لزم ان يكون كل من عقل الانسان عقل ليس بفرس بان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس قال لكن اللازم باطل لانه اذا لزم من عقل الانسان عقل ليس بفرس كان مصداقه مركبا لوجوب المطابقة بين المصداق و ما صدق عليه فكذلك الملزوم اي باطل بدليل بطلان اللازم ( لازمه خل ) لان الملزوم اعني الصادق هو الاسم المركب من الايجاب و النفي اقول و انت خبير بان هذا التقريب الذي ذكر المصنف انما يعقل في بسائط الحوادث لانها هي ذوات الحيثيات و الجهات المختلفات و الاعتبارات المتعددات و اما القديم عز و جل فما يفرض من شئ من الاعتبارات و الحيثيات فهي حدود ما سواه ففي المثال الذي ذكره لو اريد به بيان حال الازل عز و جل و تعالي عن ضرب الامثال هو ج فاذا قلت هو ج ليس ب يكون النفي و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 438 *»
نسبته الي ج قيدان لب لانه هو المقيد بالنفي و الصفة له و هو المنسوب و النسبة له و اما ج فهو مبرء عن قيد النفي و عن نسبة ب اليه و المصنف فرض الواجب في الامكان حتي قرنه بب الممكن و هو تعالي منزه عن الفرض و الامكان او فرض الممكن في الازل و كذلك اذا كان الازل مقرونا بالحوادث في محالها كان من جملتها و يجري عليه احكامها ففي الحقيقة كل كلام المصنف من اوله الي آخره في الحوادث و ان تلفظ بعبارة القدم و العبارة لاتغير المسمي عن مرتبته كما كان المشركون سموا هبلا الها و هو حجر منحوت و لمتكن تسميتهم له بذلك جعلته الها و قد قلنا سابقا ان الفرض و التمثيل و الاحتمال و الاعتبار و امثال ذلك كلها من احوال الحوادث فلايصح فرضها في احوال القدم فكيف يكون هو كذا ليس كذا يجري في الازل و لذا قال الرضا عليه السلام كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه فقوله عليه السلام غيوره تحديد لما سواه هو معني ان قولك هو ج ليس ب لايصح فرضه لان الفرض و القيد و النسبة من صفات الحادثات فلاتجري علي القديم تعالي بل هي تحديد للحوادث كما قلنا ان ليس ب قيد لنفسه و هو ب و كذا النسبة و الفرض و لقد سئلني الآخوند ملا محمد الدامغاني العمرواني ايده الله عن مسائل هذه المسئلة احديها فاجبته و انا احب ايراد جوابي له هنا قال سلمه الله في كلامه عن كيفية معني بسيط الحقيقة كل الاشياء و ما هو الحق فيه عندكم فان اقاويل العلماء فيه مختلفة و الاشكالات الواردة علي كل قول ( منها خ ) متكثرة الخ ، اقول اعلم ان هذه المسئلة اصلها باطل لان مبناه علي الاوهام و التخيلات بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير و لقد سئلت بعض الفضلاء القائلين بها فقلت له من بسيط الحقيقة قال هو ذات الله تعالي و اعلم ان الملا صدرا الشيرازي من القائلين بها و قد ذكر في المشاعر اصل دليل هذه المسئلة و انا اورده بلفظه بتمامه قال في ان واجب الوجود مرجع كل الامور اعلم ان الواجب البسيط الحقيقة ( بسيط الحقيقة ظ ) و كل بسيط الحقيقة فهو بوحدته كل الامور لايغادر صغيرة و لا كبيرة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 439 *»
الا احصيها و احاط بها الا ما هو من باب الاعدام و النقائص فانك اذا فرضت بسيطا هو ج و قلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب حتي يكون ذاته بذاته مصداقا لهذا السلب فيكون الايجاب و السلب شيئا واحدا و لزم ان يكون ( كل خ ) من عقل الانسان ( عقل خ ) ليس بفرس بان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك فظهر و تحقق ان موضوع الجيمية مغاير لموضوع انه ليس ب و لو بحسب الذهن فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا و جهة هو بها ليس كذا فبعكس النقيض كل بسيط الحقيقة هو كل الاشياء فاحتفظ بهذا اذا كنت من اهله انتهي ، و قال في اول الكتاب في ذكر ما يتوقف عليه اي علي معرفة الوجود الي ان قال و مسئلة ان البسيط كالعقل و ما فوقه كل الموجودات الخ ، و الحاصل ان مذهبه و مذهب كثير منهم متفق علي ان البسيط يكون هو كل من دونه و من معه و نحن نتكلم علي دليلهم علي هذه الدعوي قوله اذا فرضت بسيطا هو ج مثلا و قلت ج ليس ب فحيثية انه ج ان كانت بعينها حيثية انه ليس ب فيه ان حيثية ج ليست حيثية انه ليست ب اما اولا فلان المفروض ان هذا البسيط بسيط مطلق من كل جهة و اعتبار حيثية تنسب اليه باطل لان الحيثية جهة التمييز و هي غير الذات في نفس الامر و في المفهوم و مطلق التغاير و الاختلاف لايجري علي البسيط المطلق و لا علي ما ينسب اليه و يوصف به و اما ثانيا فلان حيثية انه ج اثبات و حيثية انه ليس ب نفي و لايجتمعان في انفسهما و لا في غيرهما الا مع فرض تجزيته و اختلاف جهته علي ان مسمي الاثبات موجود و مسمي النفي مفقود فلايسمي بهما واحد و ما ورد في ذكر الصفات السلبية فليست في الحقيقة صفات له تعالي و انما هي صفات تنزيه يؤتي بها لنفي الغير لا لاثبات صفة له فان كلما ليس ذاته فهو محدود بالنفي و التشبيه كما قال الرضا عليه التحية و الثناء كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه فكلامه في الظاهر مطابق لما قلنا لانه ابطل ان يكون
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 440 *»
البسيط مركبا من الموافق و المنافي و لهذا قال يكون الايجاب و السلب شيئا واحدا و لزم ان يكون من عقل الانسان ليس بفرس ان يكون نفس عقله الانسان نفس عقله ليس بفرس لكن اللازم باطل و الملزوم كذلك فظهر و تحقق ان موضوع الجيمية مغاير لموضوع انه ليس ب و لو بحسب الذهن و هذا الكلام موافق بحسب الظاهر لكن في الحقيقة هذا غير موافق لانه يفرض حصول البسيط مع الغير في صقع واحد و الحاصل مع الغير لايكون بسيطا مطلقا بل اضافيا و الاضافي انما يسلب عنه المغاير الذي لميتقوم به و اما ما يتقوم به فلايسلب عنه لانه سلب لكنهه و مرادنا ان البسيط الذي يفرض معه ما يصح سلبه عنه هو الاضافي بمعني انه محصور في غير ما يسلب عنه فيتحدد بسلب الغير و اما البسيط المطلق فلايمكن فيه ذلك الفرض و ليس امتناع ذلك الفرض لئلاتتركب ذاته بل ليس معه في صقعه غيره لا في الخارج و لا في الذهن و لايصح الفرض و الامكان و الاحتمال و التجويز لانها كلها في الامكان ليس في الازل منها شئ و لو كان الغير و السوي حصصا من البسيط ميزت بالحدود لكانت اذا ازيلت الحدود و اتحدت بكلها او كليها كما هو مبني اعتقاد القوم في هذه المسئلة علي هذا و لهذا يقولون كل الاشياء يعني ان البسيط اذا ازيلت حدود الاشياء المنسوبة اليه اي ازيلت عنها حين النسبة حدودها كان هو كلها فالاشياء اشياء بحدودها و البسيط كل بلا حدود و ذلك كالمداد الذي كتبت منه هذه الحروف اذا ازيلت عنها حدودها اجتمعت مدادا بسيطا كما هو شأن المواد الكلية و هذا مذهب الصوفية القائلين بان الوجود شئ واحد بسيط لا كثرة فيه و الاشياء المتكثرة كلها مركبة من وجود هو الواجب تعالي و من ماهية هي الحدود الموهومة و قول هؤلاء قول اولئك بلا اختلاف لا في اللفظ و لا في المعني فقوله فعلم ان كل موجود سلب عنه امر وجودي فليس هو بسيط الحقيقة فيه ما قلنا فان قوله سلب عنه اذا فرض كونه بازائه في صقعه و ناحيته بل اقول سلب عنه امر وجودي او عدمي لان السلب فرع الايجاب و الثبوت و لو
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 441 *»
لميفرض شئ مطلقا لماجاز فرض السلب و لا امكانه و احتماله و تجويزه و كل شئ فرض عنه السلب او جوز او احتمل ذهنا او خارجا فهو حادث مركب من جهة هي وجهه من فعل صانعه و من جهة هي انيته و قابليته لايمكن ان يكون حادث بدون هذين الجهتين فقوله فهو ليس بسيط الحقيقة بل ذاته مركبة من جهتين جهة بها هو كذا و جهة هو بها ليس كذا و انا اقول بل ذاته مركبة من اربع جهات جهة من ربه و جهة من نفسه و جهة هي انه وحدة و هي جهة بها هو كذا كما قال و جهة هو انه ليس غيره و هي جهة هو بها ليس كذا فهو مركب من اربع جهة انه اثر فعل الله و جهة انه هو و جهة انه وحدة و جهة انه ليس غيره فهذه العبارة بيان الاولي فقوله فبعكس النقيض و هو عكس نقيض كل موجود سلب عنه امر وجودي فليس هو بسيط الحقيقة و هو علي طريقة القدماء و هي ان تجعل نقيض التالي اولا و نقيض الاول ثانيا فنقيض التالي بسيط الحقيقة مصدرا بكلمة كل لانها سور الموجبة الكلية و نقيض الاول موجود لايسلب عنه امر وجودي فعكس النقيض هكذا كل بسيط الحقيقة موجود لايسلب عنه امر وجودي فلما كان في عكس النقيض يكون عكس السالبة الجزئية مثل ليس بسيط الحقيقة موجبة كلية كان عكسها كل بسيط الحقيقة و عكس الموجبة الكلية مثل كل موجود سلب عنه امر وجودي سالبة جزئية كان عكسها موجود لايسلب عنه امر وجودي و المعقودة منهما كل بسيط الحقيقة موجود لايسلب عنه امر وجودي فحكموا بان كل شئ هو بسيط الحقيقة كالعقل الكلي و ما فوقه كالواجب تعالي موجود لايسلب عنه امر وجودي فهذا وجه دليلهم و قد ذكرنا في كثير من رسائلنا و في كثير من مباحثاتنا بان دليل المجادلة بالتي هي احسن مثل هذا الاستدلال لايعرف به الله سبحانه لانه مبني علي دلالات الالفاظ بما يفهمونه بافهامهم القاصرة و علي المفاهيم الاصطلاحية بما ادركته عقولهم الحاسرة و الاعتماد في معرفة المعارف الالهية و الحقايق الربانية علي امثال هذه تجارة خاسرة و انما الاعتماد في معرفة تلك الاسرار الخفية و الحقايق الغيبية علي دليل الحكمة الذي بصره
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 442 *»
بنور الفؤاد الذي هو نور الله في العباد و هو التوسم الكاشف للحجب الشداد و بيان فساد ما قالوا و حل ما عقدوا من هذه المقدمة بدليل الحكمة الذي يوصل الي نور العلم بالعيان لا بالخبر هو ان نقول ان حكمهم بهذه الكلية هل هو صناعي ام عياني فان كان صناعيا و هو ينطبق علي الامر الواقعي القطعي العياني فهو حق و الا فلا فان قولك فيه لو سألتك عنه انا اقطع بثبوت مدلوله الذي هو المدعي فانا اقول لك العقل الكلي بسيط مطلق ام اضافي فان قلت اضافي لمتصح دعواك فيه لانه مركب بالنسبة الي ما فوقه و ان قلت انه بسيط حقيقي قلت لك فهو اذا ليس بمخلوق لان المخلوق قد قام علي تركيبه الدليل نقلا و عقلا اما النقل فما في آية النور و قد ذكر كثير من المفسرين بان قوله تعالي مثل نوره هو العقل الكلي و ظني ان ممن ذكر هذا الملا صدرا في رسالته في تفسير هذه الآية الشريفة و فيها يوقد من شجرة مباركة الي ان قال يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار فاخبر بانه من دهن و نار و قول الرضا عليه السلام ان الله سبحانه لميخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه و الاخبار مشحونة بما يدل علي ذلك و اما العقل فقد اتفقت كلمة الحكماء علي ان كل مخلوق لا بد و ان يكون له اعتبار من ربه و اعتبار من نفسه فاذا لميكن بسيطا في حقيقته فما معني كونه كل الاشياء مما دونه لاني انما قلت بان دليل المجادلة بالتي هي احسن لايعلم منه المعرفة الحقيقية لمثل هذا بان بنوا علي انه بسيط و هو مركب و اخذوا الحكم ببساطته من الاوهام و ظواهر الحمليات و المفاهيم الوهمية مثل هذا فلما نظروا بانه ليس له صورة كصورة النفس حكموا ببساطته من غير تدبر و مشوا حكم البساطة باعتبار مدلولها اللفظي بان ساووا به ذات الحق تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا كما ساووا في حقيقة الوجود بين الحق تعالي و بين الخلق لانه تعالي موجود بالمعني البسيط المعبر عنه بالفارسية بهست و الموجودات كلها موجودة بهذا المعني فصح في الكل الاشتراك المعنوي و مفاده التساوي في حقيقة الذات و فرعوا علي هذا كلمات الكفر و الجحود نعوذ بالله من سخط الله و اما ذات الله عز و جل فهو بسيط الحقيقة بكل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 443 *»
معني اما نحن فنقول هكذا و نحن صادقون و اما اولئك اذا قالوا بانه تعالي بسيط الحقيقة فالله يعلم انه عز و جل بسيط الحقيقة و الله يشهد انهم لكاذبون كيف يكونون عند الله صادقين و هم يقولون بان حقايق الاشياء فيه و ان العالم كامن في ذاته متأهل للكون و لقبوله عند ورود كن عليه من الله تعالي فهو كامن معدوم العين موجود بالقوة فاذا ورد عليه الامر من الله تعالي كان كائنا موجودا بالفعل و ما بالقوة هو المكون لما بالفعل الا انه بالله تعالي و هم ايضا يقولون بانه كل الاشياء و الكل للاشياء انما تنسب اليه بتحققها فلو لمتكن متحققة هناك لماكان كلها و هي لا شئ لانه لو كان كذلك للزمهم ما نفوه سابقا لانهم ان كانوا هناك و هو يعلم انه عنده غيره فما اكثر القدماء عند هؤلاء الجماعة و ان لميكونوا عنده بل كانوا لا شئ بمعني انه تعالي يعلم انه لا شئ غيره و ليس معه غيره كان قولهم بسيط الحقيقة كل الاشياء مفاده بسيط الحقيقة كل لاشئ فيكون قد اثبتوا ما نفوا فيكون مركبا من شئ و لاشئ و هم ايضا يقولون ان حقايق الاشياء صور علمية غير مجعولة فان كانت في الازل فليس بسيط الحقيقة و ان كانت خارجة عن الازل فهي حادثة و الخيار لهم ان شاؤا ان يقولون هو خلقها او هي خلقت نفسها او لها رب غيره خلقها سبحانه سبحانه سبحانه و تعالي عما يقولون علوا كبيرا و هذا معني جوابنا بدليل الحكمة و شرحه ان نقول اما انه بسيط الحقيقة فحق لا شك فيه انه احدي المعني احدي الذات في نفس الامر و في الخارج و في الذهن لايمكن ان يتصور خلاف ذلك و لايحتمل و لايمكن بفرض و لا وهم و لا توهم لا اله الا هو و اما انه كل الاشياء فهذا باطل حيث لا شئ فاذا كان في الازل الذي هو ذاته الحق واحدا احدا صمدا لا شئ غيره و لا شئ معه و الاشياء التي جعلتموها ابعاضه و قلتم هو كلها لا ذكر لها و لا وجود و لا تحقق الا في الامكان و هو خارج الذات فكيف يكون كلها و ليست معه و ليس هو معها في الامكان بذاته فهي في رتبة ذاته بكل اعتبار لا شئ فهو اذا كل لاشئ ذلك ما كنت منه تحيد و انما يجوز ان يقال انه كل الاشياء لو اجتمعت معه في صقع واحد و جاز ان تسلبها ( لاتسلبها خل )
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 444 *»
من حقيقته و انها غيره ليصح قول كل فمعني قولنا ان كلامهم مبني علي الاوهام انهم لما فهموا بان النفي عن الشئ لو اعتبر في مفهومه لزم التركيب و اذا كان التركيب لازما للحدوث كان بسيط الحقيقة فاذا كان اعتبار نفيها عنه يستلزم تركيب مفهومه كان عدم اعتبار النفي مستلزما للبساطة و يلزمه الاتحاد به و لميفهموا ان مقدمتهم تستلزم عدم البساطة هكذا بسيط الحقيقة موجود لايسلب عنه امر وجودي فبسيط الحقيقة موجود مقيد بعدم السلب فليس بسيطا بل هو مركب لانها مثل الاخري المنفية فهذه موجود لايسلب عنه غيره و تلك موجود سلب عنه غيره فنفي السلب ان لوحظ فيه نفس النفي كان سلبا بحكم السلب و ان لوحظ فيه نفي النفي كان ايجابا و هذا الايجاب ضد ذلك النفي فهو خارج عن حقيقة الذات كخروج ضده الذي هو النفي عنها و ان اردت بنفي السلب عدم التقييد كان المعني بسيط الحقيقة موجود و هذا حكم صحيح و قضية صادقة و لكنهم يريدون بنفي السلب في قولهم موجود لايسلب عنه انه مقيد بذلك ليثبت لهم دخول الاشياء فيه تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا فيكون هكذا بسيط الحقيقة موجود موصوف بعدم نفي الاشياء الموجودة عنه لا مطلقا فلايكون موجودا بسيطا بل هو موجود مركب من وجود و من عدم سلب كل شئ عنه فالقضية التي نفوا في المثال هي كون حقيقة مفهوم ج مركبا من مفهوم ج و سلب ب عنه لاستلزامه التركيب و التي اثبتوا هي كون مفهوم ج مثلا مركبا من مفهوم ج و سلب ب و سلب د و سلب ه و سلب و الي آخر الحروف ماادري كيف حال هذا البسيط و اظنه مشتق من البسط و التكسير و الحاصل مختصر ما يقال عليهم ان كون الشئ كل الاشياء لايكون الا مع حضور الاشياء في رتبة كل ان كان معناه كل الاشياء بذاته فالاشياء في ذاته و ان كان بعلمه فالاشياء في علمه و ان كان بتسلطه فالاشياء في تسلطه و اما دليلهم بانه لو لميكن كذلك لزم التركيب فتأمل فيما قلنا فانه اذا قالوا بهذا لزم تركيب متكرر متكثر لان قولهم موجود لايسلب عنه ان ارادوا تقييد موجود بلايسلب عنه لزم التركيب الكثير و ان ارادوا عدم التقييد بطل عكس نقيضهم و بطلت دعويهم و ان ارادوا به
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 445 *»
الاثبات فهو تقييد افحش من النفي لان ( علي ان خل ) النفي و الاثبات انما يصح ذلك اذا كان المنفي و المثبت موجودين في مواضع النفي و الاثبات خارجا او ذهنا فرضا او امكانا و تجوزا و توهما بكل اعتبار و انما كررت العبارة للتفهيم و التقرير لكل ذي قلب سليم انتهي كلامي في جواب هذه المسئلة و ما ذكره الملا احمد المذكور في تعليقاته عن المصنف و عن استاذه منقوض بما ذكرنا فانه قد ذكر فيها قال ان الواجب بسيط و كل بسيط الحقيقة كل الاشياء اما الصغري فلما مر في المشعر الثالث اقول كونه تعالي بسيط الحقيقة بكل معني مما لا شك فيه قال و اما الكبري فلان بسيط الحقيقة لو لميكن كل الاشياء للزم ان لايكون مصداقا لامر وجودي اصلا او يكون مصداقا لامر وجودي و سلب وجودي آخر لكن التالي بكلا شقيه باطل فكذا المقدم اما بيان الملازمة فظاهر كبطلان الشق الاول في التالي اقول لايلزم ذلك لانه انما يلزم لو لميكن بسيط الحقيقة متحققا الا اذا لميسلب عنه امر وجودي مع وجود ذلك الامر الوجودي ليكون الحال دائرا بين ان يسلب عنه موجود غيره او لايسلب عنه امر موجود غيره و هذا في حيز المنع و خلاف مفهوم التوحيد الخالص لان الفروض ثلاثة و الطرفان باطلان احدها ان يكون معه امر وجودي سلب عنه و ثانيها ان يكون معه امر وجودي لايسلب عنه و ثالثها ان لايكون معه شئ تكون به نسبة او اقتران يتعلق بهما الايجاب او السلب لان الايجاب و السلب انما يتحقق خارجا او ذهنا بموجود تحصل به الاضافة فيثبت او يسلب اذ الايجاب و السلب المذكوران هنا لايتوجهان الي ذات بسيط الحقيقة انما يتوجهان الي وجودي غير متحصل بوجود النسبة و الاضافة و اذا لميوجد شئ لا ذهنا و لا خارجا و لا فرضا و اعتبارا و امكانا لميوجها النفي و الاثبات لانهما طرفا الفرض و المنزلة التي فيها الحق لا ايجاب و لا سلب لعدم وجود امر فهو سلب مطلق
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 446 *»
باعتبار انتفاء الموضوع فالحق بينهما فافهم معني التوسط و قد قدمنا ان منافي بساطة الحقيقة مطلق اعتبار شئ في ذات بسيط الحقيقة غير ذاته سواء كان ذلك الشئ سلب وجودي عنه او عدم سلب وجودي عنه اذ لمتريدوا بمن هو كل الاشياء مجرد موجود بسيط بل تريدون به بسيطا لميسلب عنه امر وجودي و هذا قيد غير ذات البسيط اخذ في مفهومه كما اخذ في مفهومه موجود سلب عنه امر وجودي فالتركيب في الصورتين متحقق علي حد واحد و البسيط الحقيقة علي القول الحق هو ما ذكره ائمة الحق عليهم السلام كما قال الرضا عليه السلام لعمران الصابي حين قال يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه قال الرضا عليه السلام انما تكون المعلمة بالشئ لنفي خلافه و ليكون الشئ نفسه بما نفي عنه موجودا و لميكن هناك شئ يخالف فتدعوه الحاجة لنفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما علم منها الحديث ، فان قوله لنفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما علم منها يريد به ان ليس معه غيره لا انه يريد ان معه الاشياء و هي لاتنافيه و لاتخالفه لانا قد ذكرنا سابقا في مواضع متعددة بعبارة الزامية و هي انا نقول ان قولكم هو تعالي كل الاشياء هل يعلم هو تعالي ان شيئا او اشياء يكون هو كلها او عينها ام لايعلم شيئا غير ذاته فان كانت غير ذاته كان مركبا مؤلفا منها او ناشيا عنها و ان كانت هي ذاته لايعلم غير ذلك فلم قلتم كل الاشياء و انتم تريدون هو كل ذاته علي ان المركب كل ذاته ايضا فقوله عليه السلام بتحديد ما علم منها اي من ذاته صريح عند المؤمنين انه عليه السلام يريد به محض الذات البسيطة فاذا فهمت ما ذكرنا من ان التوحيد الخالص تجريد الذات البسيطة عن نفي السوي و اثباته لا عن نفيه خاصة ثبت عندك بطلان الملازمة المذكورة لانها انما تحقق ( تتحقق خل ) اذا انحصر تحقق الذات البسيط في موجود سلب عنه موجود آخر او لميسلب عنه موجود آخر و هذان باطلان و هما الطرفان و بينهما الحق و هو عدم الايجاب و السلب للغير الوجودي و انما هو هو بدون هو لا في اللفظ و لا في الاشارة الذهنية او العقلية كما قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه في خطبته و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 447 *»
ان قلت مم هو فقد باين الاشياء كلها فهو هو و ان قلت فهو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و ان قلت له حد فالحد لغيره و ان قلت الهواء نسبه فالهواء من صنعه رجع من الوصف الي الوصف و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و هجم به الفحص الي العجز و البيان علي الفقد و الجهد علي اليأس و البلاغ علي القطع و السبيل مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته الخ ، نفسي لك الفداء يا هادي المتحيرين بمثل كلامه عليه السلام اتبعه و بهداه اقتده فقوله كبطلان الشق الاول في التالي يعني ان لايكون مصداقا لامر وجودي اصلا باطل في التالي صحيح في المقدم لما بينا من عدم الملازمة و اما في الشق الثاني في التالي فباطل كالمقدم قال و اما بطلان الشق الثاني منه فلانه حينئذ اما ان يكون من حيث انه مصداق لامر وجودي مصداقا لسلب وجودي آخر اي يكون كل من الايجاب و السلب منتزعا من شئ واحد بالذات من جهة واحدة او لا و الثاني مستلزم للتركيب و لو بحسب الذهن و هو مناف للبساطة المحضة المطلقة اقول يستلزم التركيب اذ بدون الحيثية المذكورة يكون الصدق بنوع التوزيع فيصدق بعضه علي الايجاب و الآخر علي السلب قال و علي الاول الي قوله و بطلانه ظاهر اقول هذا باطل لكون الصدق بنوع البدلية فيلزم اتحاد الضدين لفرض ( لا فرض خل ) اتحاد الحيثية قال فظهر ان التالي بكلا قسميه باطل فالمقدم مثله اقول يعني بقسمي التالي الايكون مصداقا لامر وجودي اصلا او يكون مصداقا لامر وجودي و سلب وجودي آخر و هما باطلان و اما المقدم فهو صحيح لما بينا من عدم الملازمة فليس مقدما في الحقيقة و انما هو مقدم في قياسهم قال فثبت ان كل بسيط الحقيقة كل الاشياء هكذا قرره المحقق الفاضل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 448 *»
الاستاذ اقول قد ثبت بما قررنا ان بسيط الحقيقة من لميعبر عنه بلحاظين او اعتبارين و لميقيد بسلب و لا ايجاب و ان قولك بسيط الحقيقة يتوجه اليه القلب بتوجه غير توجهه الي كل الاشياء و من اخذ في مفهوم ذاته و معرفة هويته كونه كل الاشياء فهو مركب من حيثيتين و هويتين و يتوجه اليه القلب بتوجهين فافهم و الله سبحانه ولي التوفيق ثم قال بعد كلام طويل من ذلك القبيل ثم ان الفاضل المحقق الاستاذ زعم ان هذا الدليل كما يدل علي انه جامع الوجودات كذلك يدل علي انه جامع لجميع المفاهيم الثبوتية اقول كلام الاستاذ المذكور اذا فرع علي دليل كون بسيط الحقيقة كل الاشياء مما تقدم في كلامه و كلام المصنف من الاستدلال كونه تعالي كل المفاهيم و الماهيات الذهنية و الخارجية مما ينسب لها التحقق بنسبتها كما انه كل الوجودات لان الاشياء تشملها و لانها تصدق عليها الامر الوجودي فكلام الاستاذ متجه علي فرض صحة دليلهم قال حتي الجسمية و الحيوانية بمعني ان الحق المتعال ذاته بذاته مصداق لجميع المفاهيم من دون ان يكون شئ منها عين ذاته المقدسة او جزئها اقول و ذلك لان الجسمية و الحيوانية امر وجودي و ان كان وجوده بغيره اذ مقتضي الدليل كونه كل الاشياء الثابتة فما كان منها موجودا بنفسه لا بوجود غيره كالوجودات الممكنة كان تعالي هو كلها بذاته و ما كان منها موجودا بالوجود كسائر المفاهيم و المعاني و الماهيات مما هو ثابت كان هو تعالي كلها بواسطة وجوداتها و هذا المذهب معروف مشهور بين الصوفية فان احدهم يقول انا الله بلا انا و يقول شاعرهم :
فتركتني فوجدتني ** * ** لا ام ثم و لا اب
انا ذلك القدوس في ** * ** قدس العماء محجب
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 449 *»
انا قطب دائرة الرحا ** * ** و انا العلي المستوعب
انا ذلك الفرد الذي ** * ** فيه الكمال الاعجب
و بكل لحن طايري ** * ** في كل غصن يطرب
نفسي انزه عن مقالتي التي لاتكذب
ضاع الكلام فلا كلام ** * ** و لا سكوت معجب
الي ان قال :
الله ربي خالق ** * ** و بريق خلقي خلب
الي ان قال : انا غافر و المذنب . و انا اقول لو قال انا مذنب و المذنب لصدق و كذلك ما قاله ابنعربي في الفصوص في قوله :
فلولاه و لولانا ** * ** لماكان الذي كانا
فانا اعبد حقا ** * ** و انا الله مولانا
و انا عينه فاعلم ** * ** اذا ما قيل انسانا
فكن حقا و كن خلقا ** * ** تكن بالله رحمانا
الي ان قال :
و غذ خلقه منه ** * ** تكن روحا و ريحانا
فاعطيناه ما يبدو ** * ** به فينا و اعطانا
فصار الامر مقسوما ** * ** باياه و ايانا
الخ ، و قوله من دون ان يكون شئ منها عين ذاته المقدسة يعني به انه هو الجدار لا بلحاظ الجدار من حيث هو جدار لان هذه اعراض مظاهره لا اعراض ذاته فلذا قال شاعرهم :
كل ما في عوالمي من جماد ** * ** و نبات و ذات روح معاري
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 450 *»
صور لي خلعتها فاذا ما ** * ** زلتها لاازول و هي جواري
انا كالثوب ان تلونت يوما ** * ** باحمرار و تارة باصفرار
و الحاصل انهم لايتسترون بهذا المذهب بل به يفتخرون و الله سبحانه يقول و لكم الويل مما تصفون و هو سبحانه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ، قال بل يمكن ان يقال انها عينه تعالي بمعني انها تنتزع من عين ذاته لا بالمعني المتبادر تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا اقول قوله لا بالمعني المتبادر يعني اخذ شئ من شئ لما فيه من شناعة القول و مخالفته لظاهر كلام الله سبحانه الله الصمد لميلد و لميولد و لميكن له كفوا احد و الا فالمعني عندهم واحد و لهذا يمثلونه بان الخلائق منه تعالي كالنار الخارجة من الحجر بحك الزناد لانها خارجة من النار الكامنة في الحجر و لا ريب ان هذا قوله بانه تعالي يلد كما دل عليه حديث الحسين عليه السلام المتقدم في معني الصمد لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم قال و ( قال خ ) انما سلبوا عنه تعالي من بعض المفاهيم كالجسمية مثلا فمرادهم سلب الاعدام و النقائص اي ليس له تعالي نقائص الجسم و ليس له هذا المفهوم فقط اي هذا المفهوم فقط ليس له اقول يشير الي معني ما قال بعضهم انا الله بلا انا قال و ما قالوا من ان الحق به ماهية فمرادهم انه ليس به ماهية خاصة او ليست له ماهية بحيث اتحدت مع وجوده تعالي خارجا حتي لو امكن تعقله انحلت ذاته المقدسة في العقل الي شيئين فلا منافاة . اقول يريدون ان له ماهية هي كل الماهيات كما ان وجوده هو كل الوجودات لا ان له وجودا خاصا محصورا او يريدون انه تعالي لو كانت له ماهية كالموجود الحادث ( كالموجودات الحادثة خل ) لاتحدت بوجوده ليكون وجوده غير صرف الوجود بل هو مشوب كسائر الوجودات الحادثة و يكون تحليله ممكنا كغيره قال ثم قال مستدلا عليه بخصوصه انه تعالي اما عالم بها في مرتبة ذاته
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 451 *»
بذاته او لا و علي الثاني ان لاتكون ذاته المقدسة حقيقة العلم بل تكون علما بوجه جهلا بوجه و هو خلاف ما سيجيء من ان ذاته تعالي حقيقة العلم كما انه حقيقة الوجود اقول هو عالم بذاته لذاته فهو عالم و لا معلوم اذ لايلزم من وجود العلم وجود المعلوم و العلم تلزمه المقارنة و الوقوع علي المعلوم و المطابقة له و اذا كان علمه عين ذاته فيلزم ان تكون ذاته مقارنة لزيد لانه بلا شك معلوم له تعالي لانه مخلوق له و لقد قال تعالي الايعلم من خلق و يلزم ان تكون واقعة عليه و مطابقة له و الا لمتكن علما و كل ذلك لايصح و لايلزم من قولنا هذا انه ليس عالما بزيد بل نقول انه عالم في مرتبة ذاته بزيد في مرتبة زيد لا في مرتبة ذاته تعالي و الا لكان زيد في الازل موجودا و هو معني قولنا عالم في الازل بها في الحدوث و مثال هذا انك سميع و لميكن احد يتكلم لتسمع كلامه فاذا تكلم شخص وقع سمعك عليه و الوقوع حادث بحدوث المسموع و هذا معني قولهم بالعلم الاشراقي الحضوري الاتري انك اذا لميكن في يدك شئ لاتعلم ان في يدك شئ و لايلزم من عدم علمك لشئ ( بشئ خل ) في يدك لعدم ذلك الشئ كونك جاهلا فاذا وجد شئ علمته و هو معني قول الصادق عليه السلام كان ربنا عز و جل و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ، و اعلم ان هذا الواقع علي المعلوم ليس هو ذات العلم اذ لا معلوم و انما هذا شعاعه و نظيره و لله المثل الاعلي ان العلم الذي هو الذات كجرم الشمس المنيرة في السماء الرابعة و قبل وجود الكثيف الذي يظهر فيه النور هي منيرة و لا مستنيرة فاذا وجد الكثيف وقع النور اي الاشراق الذي استنار به الجدار مثلا فان هذه الانارة و الاستنارة من اثر الشمس المنير لا ذاتها و لايوجدان خارجا الا مع وجود القابل للانارة و الاستنارة فالعلم الذاتي هو الذات و هو في الازل و لميكن شئ من الاشياء هناك فاذا وجدت ارتبط بها العلم الاشراقي و لايلزم من
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 452 *»
هذا القول بانه تعالي ليس بعالم بل يلزم منه اثبات العلم المطلق المقدس عن صفات الحادثات من المقارنات للحادثات و المطابقة لها و الوقوع عليها فاذا ( و اذا خل ) وجدت وقع العلم الاشراقي عليها و هو اشراق العلم الذاتي و صدق العبارة عن هذه و صحتها ان يقال هو سبحانه عالم في الازل بها في اماكنها و اوقاتها و لايقال هو عالم بها في الازل لئلايلزم وجودها في الازل او يكون كون العلم جهلا لعدم المطابقة للمعلوم و الاقتران به و الوقوع عليه فنقول هو عالم بذاته في مرتبة ذاته بكل شئ في اماكن تلك الاشياء و اوقاتها فيما لايزال و لايصح ان يقال ليس عالما بها لانها لايقع لها ذكر الا و هي معلومة له و اذا لمتكن شيئا مذكورا كما في مرتبة ذاته فما معني العلم بها بل تقول هو عالم و لا معلوم و ذاكر و لا مذكور فافهم و لاتحوجنا الي تكرار اكثر من هذا فتكون عند العلماء جاهلا و عند الله غافلا قال فيلزم الاول اقول و هو كونه عالما بها الا انه عالما بها فيما هي به مذكورة فهو يعلم ما هو شئ و لو قيل يعلم لاشيئا صدق عليه انه لايعلم شيئا و يلزم التجهيل تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا قال و حينئذ لايتصور ان يكون علمه بها بالارتسام لاستلزامه الخلق و العينية و الجزئية لايتصوران في حق الوجود المحض البسيط الصرف فيلزم ان يكون كل منها منتزعا من حاق ذاته المقدسة اقول ليس علمه بها بالارتسام لاستلزامه الخلق و لا وجودها و لا حضورها في الازل لاستلزام وجود غير الحق تعالي في الازل و لا ذكرها في الازل لاستلزامه وجود الغير في ذاته لان ذكرها غير ذاته و لا ان تكون في الازل معلومة بغير وجود امر منها يتعلق به العلم من وجود او حضور او ذكر بلفظ او معني او صورة او شئ غير الذات المقدسة لامتناع ذلك كله اليه فلميحصل الا كونه تعالي عالما في الازل بها في امكنة حدودها و ازمنة وجودها كما قلنا و لايجوز ان يكون شئ منها منتزعا من حاق ذاته بحال لاستلزام ذلك القول بانه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 453 *»
يلد تعالي الله بل كما خلقها لا من شئ غيرها علما بها و هو العليم الخبير قال و يكون علمه بها بان يكون علمه بالذات عين علمه بها و يكفي في المعلولية هذا النحو من الوجود انتهي كلامه اقول انتهي كلام الاستاذ المشار اليه و قوله و يكون علمه بها الخ ، بيان لقوله فيلزم ان يكون كل منهما اي من الوجودات و الماهيات منتزعا من حاق ذاته المقدسة يعني ان الوجودات و الماهيات و ان كانت مختلفة و شأن المختلف ان يكون مبدؤه مختلفا الا ان ذاته وجودها هو ماهيتها بغير اعتبار اختلاف لا ذهنا و لا خارجا و لما كان شيئا واحدا بسيطا انتزعت الاشياء مع اختلافها من هوية ذاته الكاملة البسيطة لجامعية تلك الهوية لكل كمال و اذ قد ثبت ان علمه بذاته عين علمه بها كفي هذا النوع من التحصل و التحقق في حصولها عنه و كونها معلولة اذ كون علمه بذاته علما بها مع ثبوت فيضانها عن ذاته بذاته شارحا لاشتقاقها منه و اقول اذا تأملت هذه المعاني و امثالها وجدتها غير جارية علي قواعد الاسلام كما هو المعروف بين المسلمين من ايجادها علي نحو الاختراع لا من شئ سبق كونها الا ما هو من ايجاده و لا من شئ ( كان خ ) معه اذ لا شئ معه و اما تجرد ( مجرد خل ) اتحاد العلم فلايكفي في المعلولية بل مقتضي اتحاد العلم عدم المعلولية علي ان العلم من حيث هو لايكون مؤثرا فلايكون علة و الا لكانت المعقولات الثانية و الامور الاعتبارية و مثل كون رجل له الف رأس او الف نصف رأس و الامور العدمية عندهم بل الممتنعة علي قول من يجعلها معلومة مجعولة لانها معلومة و هو لايقول به و نحن و ان كنا قائلين به لانسنده ( لانستنده خل ) الي العلم .
قال فان قلت لا ريب ان كثيرا من المفاهيم كالجسمية و الحيوانية و نحوهما يقتضي ان يكون مصداقه محدودا متناهيا كما هو ظاهر فكيف يمكن ان يكون الواجب تعالي الذي هو غير محدود اصلا مصداقا لامر يجب ان يكون مصداقه محدودا متناهيا قلت تلزم محدوديته لو كان مصداقا لبعض المفاهيم و اما لو كان مصداقا للجميع فلا كما في الوجود .
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 454 *»
اقول هذا الجواب يوهم الصواب لمعني ربما لميتنبه له الاستاذ و هو انه لما ثبت ان كل شئ من الحادثات فله ضد و ثبت ان ما يكون مصداقا للطول و مصداقا للعرض مثلا بجهة واحدة لايعرف بالطول و لايعرف بالعرض و لايعرف بهما و انما يعرف بعدمهما فاذا عرف بهما معا فالمراد به عدمهما كما قررناه في كثير من مباحثاتنا ثبت ان ما كان للجميع الذي كل افراده متضادة لايكون للبعض و لكن فيه شئ و هو ان ما يكون من الواجب تعالي مصداقا لما يصدق علي البعض هل هو جهة الصدق ام نفس الذات فان كان جهة الصدق فلا اشكال في المحدودية لمساواته لذلك البعض في خصوص ذلك الصدق و الا اختلف المتعلق و التعلق باختلاف مصداقه و ان كان نفس الذات كان مصداقيته للاشياء المتعددة المختلفة اما علي جهة البدلية و يلزم الحصر و المحدودية في اعتبار كل فرد او اختلاف الصدق او يرجع الي جهة الصدق كالقسم الاول و حينئذ يغاير ما هو مصداق للجميع و اما علي نحو التوزيع المستلزم للتركيب و التجزية و الامر الشنيع و اما بطلان المصداقية اصلا الا فيما هو من الافعال او الصفات الفعلية فلا ريب في صحة هذا اعني هذا الوجه الاخير لانطباقه علي القواعد الاسلامية التي اقر عليها رسول الله صلي الله عليه و آله من اجاب دعوته و استجاب له عليها و اجري عليهم بها احكام الشرع الشريف كله من الاموال و التناكح و التوارث و القصاص و غير ذلك و هم لايعرفون شيئا مما يدعي هؤلاء القوم بل ينكرونه و يدينون الله سبحانه بجحوده فافهم قال و لكن لاحد ان يقول لا ريب في ان يكون كثير من المفاهيم يقتضي صدقها حدا خاصا من الوجود اذا تجاوز ذلك الشئ عن ذلك الحد لميكن مصداقا له فحينئذ نقول لو كان تعالي مصداقا لجميع المفاهيم لزم ان يكون محدودا بجميع الحدود و النقائص تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا و ما ادعاه الاستاذ من ان هذا الدليل دال عليه ايضا فهو ممنوع لكن ما ذكره الاستاذ يظهر من تضاعيف كلماته في الاسفار كما هو ظاهر للمتتبع هذا اقول كلامه هذا قد تنبه له و هو صحيح خلافا لكلام استاذه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 455 *»
قال فان قلت ناقضا علي هذا الدليل لو تم هذا للزم ( اللزوم خل ) ان يكون كل من الماهيات البسيطة كل الاشياء بعين هذا قلت هذا الدليل لايجري فيها لايمكن ان يمنع الملازمة حينئذ مستندا بانه لو لميجوز بان تكون الماهية البسيطة مصداقا لامر و قد لاتكون مصداقا لسبب امر آخر و لا لايجابه فان ارتفاع النقيضين عن المرتبة جائز اقول نعم يلزم بمقتضي دليله ذلك في الماهيات البسيطة و اما جواز كونها مصداقا لامر في بعض الاحوال فانما هو في حال تقييدها ببعض العوارض الذهنية بنسبة تصديق ( تقييد خل ) ما صدق عليها و الا لماجاز كونها غير مصداق لسلب امر آخر و لا لايجابه لان فرض الصدق في الثاني في حال فرض الصدق في الاول يلزم منه اجتماع النقيضين و هو غير جائز و في غير حال فرض الصدق في الاول يلزم تركيبها في الاول بشئ من الضمائم و هذا ان شاء الله تعالي ظاهر قال و لايمكن ان يقال مثل هذا في الوجود اقول نفي امكان ذلك في الوجود ( الموجود خل ) منفي كما سنذكره .
قال و توضيحه ان الماهيات البسيطة من حيث انها بسيطة في ظرف العقل اي في ظرف ملاحظة العقل اياها من حيث نفسها بلا ملاحظة شئ آخر معها حتي ملاحظة هذه الملاحظة و انها نحو من وجودها و في ذلك الظرف يمكن ان يقال ليست مصداقا لامر آخر و لا لسلبه لما قالوا من جواز ارتفاع النقيضين حينئذ و انما قلنا انها من حيث البساطة في تلك الظرف لكونها في غير ذلك مركبة و اما الوجود فلايحصل في الذهن حتي يمكن اجزاء ( اجراء خل ) ذلك فيه ايضا و في الخارج و مع قطع النظر عن ملاحظة العقل يتم فيه اذ ارتفاع النقيضين في مرتبة الواقع جايز لا في الواقع و ارتفاع النقيضين في مرتبة الواقع ليس ارتفاع النقيضين في الواقع .
اقول يريد ان المانع من كون الماهيات البسيطة كل الاشياء اختلاف حالتيها بسبب اختلاف ملاحظة العقل فقد يلحظها ( فيلاحظها خل ) العقل مع ضميمة امر آخر فتكون مركبة قد يلاحظها العقل معراة عن جميع ما سوي هويتها حتي عن
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 456 *»
ملاحظة كونها ملاحظة و عن ملاحظة الملاحظة لانها نحو من انحاء وجودها و في هذه الحال لايمكن ان تكون مصداقا لامر آخر او لسلبه فان كونها مصداقا غير هويتها فتجرد عنه و لايضر ارتفاع النقيضين حينئذ و اما الوجود فلايحصل في الذهن كما تحصل الماهية فيه لانها قد يحصل فيه ما يحصل منها في الخارج بعينه مجردا عن العوارض الخارجية و الوجود لايحصل في الذهن الا الانتزاعي العارضي و قد ذكر المصنف هذا فيما قبل و نحن اشرنا الي رده لانا لانسلم انه لايحصل في الذهن و اي فرق بينه و بينها علي انه اذا خلا منه الذهن كان محصورا محدودا بل الاولي ان يقال بامتناع حصول حقيقة الشئ من حيث هو في الذهن و انما يحصل فيه مثاله و شبحه الانتزاعي كما هو الحق و حينئذ لا فرق بين الوجود و الماهية و اولي لو جاز وجود حقيقة الشئ و ماهيته في الذهن ان توجد حقيقة الشئ و وجوده في الذهن لئلايكون محصورا بخلاف الماهية اذ لا مانع من محصوريتها علي ما يذهبون اليه علي ان دليلهم علي كون البسيط كل الاشياء لو اراد تمشيته في الماهيات البسيطة انما هو في حال بساطتها و لايمنع ذلك وجود حالة لها لاتقتضي البساطة كما قلنا و الحاصل لو صح دليلهم عندنا في الوجود صح عندنا في الماهية علي نحو ما قررنا في بيان قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه من ان من عرف نفسه بعد القاء علي كل ما هو لذاته ليس هي لذاتها فانه حينئذ هو معني قوله عليه السلام كشف سبحات الجلال من غير اشارة فيكون الباقي بعد الكشف للسبحات و للاشارة انموذجا فهوانيا و شبحا وصفيا ليس كمثله شئ فمن عرف نفسه فقد عرف ربه لان الشئ لايعرف الا بوصفه و ذلك هو وصفه تعالي الذي خاطب عبده مكافحة و الي هذا الاشارة بقوله عليه السلام لايحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها ه ، فاذا كانت بعد كشف سبحاتها من غير اشارة هي وصف الله تعالي نفسه لعبده وجب ان يكون ذلك الوصف ليس كمثله شئ و لو كان شئ من الاشياء مثله لكان يعرف به الله سبحانه و هو سبحانه لميعرف بشئ من خلقه مثلا ( مثله خل ) لو كان ذلك الوصف مثل البياض و الحال ان الله سبحانه قد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 457 *»
وصف نفسه به لعبده لعرف الله بالبياض تعالي الله عن مشابهة شئ من خلقه علوا كبيرا و قد اطلت الكلام في هذا المقام مع هؤلاء لمسيس الحاجة اليه في هذا الزمان و ان كان العاقل تكفيه الاشارة و الجاهل لاينتفع بالف عبارة .
قال المشعر السابع في انه تعالي يعقل ذاته و يعقل الاشياء كلها من ذاته اما انه يعقل ذاته فلانه بسيط الذات مجرد عن شوب كل نقص و امكان و عدم و كل ما هو كذلك فذاته لذاته بلا حجاب و العلم ليس الا حضور الموجود بلا غشاوة و كل ادراك فحصوله بضرب من التجريد عن المادة و غواشيها لان المادة تتبع العدم و الغيبية اذ كل جزء من الجسم فانه يغيب عن غيره من الاجزاء و يغيب عنه الكل و يغيب الكل عن الكل فكل صورة هي اشد براءة من المادة فهي اصح حضورا لذاتها ادناها محسوسة علي ذاتها ثم التخيلية علي مراتبها ثم المعقولة و اعلي المعقولات اقوي الموجودات و هو واجب الوجود فذاته عاقل ذاته و معقول ذاته باجل عقل و ذاته مبدء كل فيض و جود فبذاته يعقل جميع الاشياء عقلا لا كثرة فيه اصلا .
اقول اخذ المصنف بعد اثبات الوجود في صفاته و اعتبر اولا العلم و الترتيب الطبيعي عند بعضهم تقديم تعريف الحيوة لترتب العلم عليها و لعله انما قدمه لكثرة الكلام فيه و لانه مستلزم للحيوة و الحاصل الخطب في هذا سهل فقال انه تعالي يعقل ذاته و يعقل الاشياء كلها من ذاته اما المسئلة الاولي فظاهرة و اما الثانية فكونه يعقل الاشياء فلا شك فيه و اما كون ذلك بذاته فهو محل الكلام فنقول اولا ما معني بذاته ان ذاته عاقلة للاشياء ثم هل هي فيها اي في ذاته بان تكون الاشياء في ذاته او صورها في ذاته ام معناه ان ذاته عاقلة للاشياء في امكنة حدودها و ازمنة وجودها و ربما يتوقف بعض ابحاث هذه المسئلة علي معرفة مسئلة فينبغي تقديم ذكرها و بيان بعض ابحاثها و لو علي نحو الاقتصار و هو ان العلم هل هو المعلوم ام غيره ام بعضه المعلوم و بعضه غيره اقوال ثلثة فقيل العلم عين المعلوم للزوم المطابقة للمعلوم و الاقتران و الوقوع و لو غايره لزم مع تعدد المعلوم اتحاد العلم و هو مناف فيلزم الجهل في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 458 *»
العلم و ذلك كما اذا قلنا ان العلم بالبياض هو العلم بالسواد فان لزم المطابقة كان في احدهما جهلا لانه اذا طابق البياض لميطابق السواد و بالعكس ان كانت جهة المطابقة من العلم واحدة سواء كانت ذاته ام لا و الا فننقل الكلام الي كل من الجهتين و لايمكن للشئ الواحد ان يطابق ضدين الا بجهتين و في كل منهما يعتبر الاتحاد مثلا الهواء انما يطابق النار بجهة الحرارة التي هي حرارة النار و لايطابق يبوستها و يطابق الماء بجهة الرطوبة التي هي رطوبة الماء و لايطابق برودته علي ان العلم بنمط واحد فاذا ثبت الاتحاد في الصورة العلمية كما اذا قلت ان صورة العلم بزيد هي ايضا معلومة للعالم و لايجوز ان يكون معلومة بصورة اخري و الا لزم الدور او التسلسل فيجب ان يكون معلومة له بنفسه ( بنفسها خل ) بها و من قال باتحاد العلم و المعلوم في الصورة خاصة فرق من غير فارق لما اشرنا اليه من المطابقة و الوقوع و الاقتران اللاتي لاتتحقق الا مع الاتحاد و اشتباه ذلك علي من زعم امتناع مطابقة الشئ لنفسه و وقوعه علي نفسه و اقترانه بنفسه اشتباه ضعيف لان حقيقة هذه الامور الثلثة انما تكون علي اكمل وجوهها حقيقة اذا نسبت الي نفسها اذ حصولها في غير نفسها انما هو ببعض كل منها لبعض كل من الآخر مثلا لايتحقق الاقتران في شئ لآخر بكل جهة في كل حال دفعة واحدة و كذا الوقوع و المطابقة الا مع الاتحاد و الا ثبت فيها المجاز فقد تبين حكم الاقوال الثلثة الاتحاد و المغايرة و الاتحاد في بعض دون بعض و الحق الاتحاد مطلقا علي نحو ما بيناه في شرح رسالة العلم التي وضعها ملا محسن لابنه علمالهدي فراجع هناك ان لميتبين لك الحق هنا فاذا ثبت ان العلم عين المعلوم امتنع ان تكون الاشياء في ذاته تعالي او صورها او معانيها و الا لكانت الحادثات في ذاته و حيث كانت الاشياء لا تحقق لها و لا وجود لها و لا ذكر لها الا في الامكان و كان العلم بها هو عينها وجب ان يكون ذلك العلم اشراقيا نسبيا يوجد بوجودها لانه هو هي فان قلت يلزم ان يكون تعالي قبل وجودها علي هذا التقرير غير عالم بها ( به خل ) قلت ما تريد بوجودها المذكور في السؤال هل هو الوجود الكوني ام الوجود الامكاني فعلي الاول هو عالم بها قبل
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 459 *»
كونها كعلمه بها بعد كونها كما في الحديث عنهم عليهم السلام و يكون قوله بعد كونها له معنيان احدهما بعد فناء كونها و الثاني حال كونها و هذا العلم هو الامكاني الذي لايحيطون بشئ منه الا بما شاء كونه منه و علي الثاني هو عالم و لا معلوم فلما احدث امكاناتها وقع العلم اي الاشراقي علي المعلوم الذي هو نفس ذلك الواقع و قولنا عالم هو ذاته و حينئذ لا معلوم فالعلم ذاته تعالي و ذاته لاتقع علي غير ذاته فالواقع غير ذلك العلم و انما الواقع الفعلي الاشراقي النسبي الذي لايوجد قبل ما ينسب اليه و لا بعده و انما يوجد معه لانه هو هو و لايلزم من عدم العلم بما ليس شيئا جهل لان الجهل انما يلزم اذا وجد شئ و لميعلمه الاتري انك اذا لميكن في يدك شئ و قلت انك لاتعلم شيئا في يدك لايلزم منه جهلك و انما يلزم منه علمك اذ لو ادعيت علم شئ في يدك و لميكن فيها شئ لكنت جاهلا فافهم المثل فلايلزم التجهيل الا مع نفي العلم اذا وجد المعلوم و لقد قال تعالي في كتابه قل اتنبئون الله بما لايعلم في السموات و لا في الارض و قال تعالي ام تنبئونه بما لايعلم في الارض ام بظاهر من القول فاخبر تعالي بانه لايعلم له شريكا في السموات و لا في الارض و لايلزم من نفي علمه بالشريك تجهيله لعدم وجود الشريك و انما يلزم ثبوت علمه فافهم و اعلم ان العلم المتعلق بالمعلومات الحادثة سواء قلنا انه نفس المعلوم علي المعني الذي ذكرناه سابقا في التعلق و المطابقة و الوقوع ام هو غير المعلوم او بعضه متحد و بعضه مغاير كما مر حادث سواء قيل انه نفس المعلوم ام صورة المعلوم لانه علي تقدير انه صورة المعلوم فهو الكتب الالهية كاللوح المحفوظ و الواح المحو و الاثبات و سائر الخلق اذ كل شئ علم بنفسه و فيه امثال غيره بنسبته و علي فرض ان العلم صورة المعلوم فعلي الاتحاد يكون معني صورة المعلوم كينونته علي ما هو عليه مطلقا و علي المغايرة تكون الصورة هي العلم بحالة ادراك الشئ المنفصلة مثلا اذا رأيت زيدا يصلي في المسجد ثم غبت عنه او غاب عنك كان علمك به هو صورة الرؤية حالة الصلوة فلو انه بعد ذلك مات او نام لمتعلم منه الا حالة انه يصلي لان شبحه و مثاله قائم في المسجد يصلي الي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 460 *»
يوم القيمة فكلما اردت ان تذكره التفت بمرءاة خيالك الي مثاله الذي هو في غيب المسجد و غيب ذلك الوقت فتنتقش صورته المنفصلة في مرءاة خيالك فذلك علمك بخصوص تلك الحال لاتعلم من زيد غيرها ( غير هذا خل ) حتي تشاهده في حال اخري برؤية او سماع اخبار او غير ذلك فتنتقش صورة اخري هي علم بحال زيد الاخري و هكذا و الحاصل انه ليس عندك من العلم الصوري الا صورة ما انطبع في خيالك من صفة ذات المعلوم و تلك الصورة منفصلة لانها غير الصورة المتصلة به لانها تتغير في خيالات المتصورين بالكبر و الصغر و اللطافة و الكثافة و الاستقامة و الاعوجاج او غير ذلك فالعلم المتعلق بالحوادث حادث و لو قلت هو في الازل عالم بها في الحدوث كان صحيحا و افاد ما قلنا و لو قلت هو عالم بها في الازل لميصح لاستلزامه كونها في الازل و هو ممتنع لانه ذاته عز و جل فاذا اتيت بالعبارة الصحيحة اعني انه عالم في الازل بها في الحدوث كان العلم المتعلق بها المطابق لها الواقع عليها حادثا بحدوثها علي القول بالمغايرة او حادثا بحدوثها لانه هو هي و هذه المعاني اشار اليها جعفر بن محمد عليهما السلام كما تقدم في قوله عليه السلام كان ربنا عز و جل و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ، فهذا الواقع ليس هو العلم الذي هو ذاته كما توهمه بعض من لميعرف ربه تعالي لانه لو كان الواقع هو العلم الذاتي لكانت الذات واقعة علي المعلوم او نفس المعلوم علي الاتحاد و ذلك لايقول به عارف بالله و نقول للقائلين به الذين يأولون الوقوع بالظهور و امثاله لو كان الواقع علي المعلوم حين وجد المعلوم هو العلم الذاتي لزم الحدوث لانه ان كان هو الذات اختلفت حالتاها لانها قبل حدوث المعلوم لمتقع و بعده وقعت و مختلف الاحوال حادث و ان كان غير الذات لزم تعدد القدماء و الدليل القطعي دال علي حدوث المتعددين مع فرض التعدد كما هو مقتضي ادلة التوحيد فلا بد ان يراد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 461 *»
بالوقوع المعني الفعلي اي الفعل او المنسوب اليه من آثاره و هو المراد بقولنا العلم الاشراقي هو الحضوري و الحصولي و معناه ان العلم حاصل للعالم او حاضر يعني حصول المعلوم و حضوره الذي هو ذات المعلوم فالعلم هو الكتابة اي كتابة المعلوم سواء كان المعلوم ذاتا ام صفة و لاتعقل حيث لا معلوم فانه اذا لميوجد المعلوم فاي شئ يكتب اذ لاتعقل الكتابة حيث لاتوجد الكتابة فالعلم هو المكتوب و المكتوب نفس المعلوم و الي هذا اشار تعالي لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد بقوله قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و فيما ذكرنا من المثل تصريح لمن يقرأ معاني الامثال فان زيدا يصلي و لما صلي في المسجد يوم الاثنين صلوة الظهر كتبت الحفظة عمله في تلك الورقة من اللوح المحفوظ فاذا التفت بخيالك قرأت تلك الكتابة و ان كنت اميا و هو انك تري بخيالك مثاله و شبحه و صورته في المسجد يوم الاثنين يصلي صلوة الظهر كلما ذكرته لاتقرء غير المكتوب مثل ما اذا كتبت لك في هذا الكتاب الله لا اله الا هو فانك كلما نظرته لمتقرء الا خصوص هذه الكتابة و هي الله لا اله الا هو دائما فكذلك المثال و الذي تراه هو علمه ( عمله خل ) فعلمك بعلمه يعني صلوته في ذلك المكان و ذلك الوقت هو ما يتخيله خيالك مكتوبا في صحيفة اعماله باعماله فعلمك عين تلك الكتابة التي هي عين صلوته فافهم فقد كشفت لك من الاسرار ما لايعرفه الا من يعرف مراد الائمة الاطهار صلوات الله عليهم من تلك الاخبار فخذ ما اتيتك و كن من الشاكرين لله رب العالمين مصليا علي محمد و آله الطاهرين و قول المصنف اما انه يعقل ذاته فلانه بسيط الذات مجرد عن شوب كل نقص و امكان و عدم و كل ما هو كذلك فذاته لذاته بلا حجاب و العلم ليس الا حضور الموجود بلا غشاوة صحيح ليس فيه اشكال و قوله و كل ادراك فحصوله بضرب من التجريد عن المادة و غواشيها الي قوله ثم التخيلية علي مراتبها ثم المعقولة كذلك يعني انه صحيح في المعني و العبارة و ان كان قد يحصل فيه بعض المناقشة الا انها ترجع الي الاصطلاحية و اللفظية
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 462 *»
و اما قوله و اعلي المعقولات فالعبارة ليست بصحيحة لانه عز و جل لايدخل في هذا اللفظ بوجه و ان اريد بمتعلق العبارة العنوان اذ لو اريد به العنوان لميحسن ايضا لانه و ان كان محدثا و مخلوقا لمينظر اليه من هذه الحيثية و الا لميعرف به الله سبحانه و كذا المعقولية اذ لايعرف الله عز و جل بالمعقولية ليصح في العنوان الذي هو الآية و الدليل و الاثر فالتعبير بالمعقولية غير صحيح يعني فالتعبير بالمعقولية غير معقول لانه تعبير صوفي و سوفسطائي و كذا الفقرتين الآتيتين – ١٢
و قوله اقوي المعقولات اقوي الموجودات و هو الواجب الوجود ايضا ليس بصحيح بنحو ما ذكر و قوله فذاته عاقل ذاته و معقول ذاته باجل عقل ، فيه ما قلنا من التعبير من عاقل و معقول و عقل اذ عبارات اهل الحق عليهم السلام يتحاشي عن امثال هذه العبارات لانها و ان كانت مجازات و استعمالا في التعريف ( التعبير خل ) و البيان الا انها قد توهم ما لايجوز علي الصانع سبحانه و تعالي و لهذا لاتوجد في كلماتهم عليهم السلام و قوله و ذاته مبدء كل فيض و جود ليس بصحيح لان مبدء الفيض و الجود انما هو فعله و ليس قولنا ان فعله مبدء الفيض معناه ان الفيض من فعله لان هذا باطل اذ المفعول لايتقوم بالفعل تقوما ركنيا بان يكون المفعولات مركبة منه كما لاتكون الكتابة مركبة من حركة يد الكاتب و انما هي اثره يعني ان الفيض و الجود احدثهما الله سبحانه بفعله لا من شئ اي لا من فعله و لا من غيره فالاشياء اثر فعله بمعني انه تعالي احدث العنصر الاولي لا من شئ و هو الحقيقة المحمدية روحي فداه فكان ذلك مواد الحادثات و قوله فبذاته يعقل جميع الاشياء عقلا لا كثرة فيه اصلا هذا باطل الا علي معني ما قلنا بانه سبحانه يعلم جميع الاشياء في امكنة حدودها و ازمنة وجودها و كما عبرنا عنه بقولنا هو عالم بها في الازل في الحدوث لا بمعني انه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 463 *»
عالم بها في الازل لان هذا المعني باطل لاستلزامه انها في الازل و انما العلم الازلي الذي هو ذاته عالم و لا معلوم يعني غيره في الازل فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و القوم انما قالوا ذلك لان الاشياء كلها عندهم في الازل بنحو اشرف و انا اول الجاحدين لهذا و الحاصل علمه الذي هو ذاته في الازل الذي هو ذاته عالم بنفسه و لميتعلق في الازل بشئ غير ذاته و ما سوي ذاته من المعلومات فهي في الامكان و هو تعالي عالم بها في الامكان فالتعلق في الامكان و قولنا ان كلامه هذا باطل في قوله فبذاته يعقل جميع الاشياء عقلا لا كثرة فيه اصلا لانه هو و اتباعه يريدون بذلك انها في ذاته اما بصورها العلمية التي في علمه الذي هو ذاته او بكونها كامنة فيه معدومة العين بالفعل موجودة بالقوة علي نحو ما نقلنا عنهم سابقا كما في الكلمات المكنونة للملا محسن و معلوم ان مرادهم بكون بسيط الحقيقة كل الاشياء هذا الكمون و يعبرون عنه ان كل شئ كمال في ذاته بنحو اشرف لان الوجودات اذا جردت عن كل ما سوي ذاتها حتي عن التجريد اتحدت بحقيقتها التي هي صرف الوجود الذي لا شوب فيه و قد ذكرنا ما يدل علي فساد هذا الاعتقاد بما فيه الصواب و الرشاد و لما بنوا امر اعتقادهم علي انه يعلمها في الازل لزم ان تكون معه و ذلك مستلزم لمفاسد كثيرة فاجابوا عن تلك المفاسد بانه لميفقدها في حال من الاحوال لانه كما ورد عنهم عليهم السلام انه تعالي لميكن خلوا من ملكه فيجب ان تكون في ذاته بنحو اشرف يعني حصولا جمعيا وحدانيا لايلزم منه كثرة كما قال هنا عقلا لا كثرة فيه اصلا و قد قدمنا ان معني لمتكن خلوا من ملكه و لميفقده ابدا في مكان الملك لا في ذاته كما ان الشمس لمتكن خلوا من شئ من اشعتها في مكان ذلك الشئ لا في ذات الشمس ففي رتبة الذات لا شئ غير الذات فلميكن فاقدا لذاته اذ لا شئ غيرها و لا ذكر لشئ في ذاته غير ذاته و الاشياء مذكورة بما هي به شئ كل في تلك الرتبة اي الذكر الاول فكل مذكور فله وجود ما به ذكر و قبل ان يحصل له وجود ما فاي شئ يذكر به فهو تعالي لميفقد شيئا مما هو له و خلقه كل في محل حدوده و وقت وجوده
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 464 *»
و اما انها فيه بنحو اشرف فقد قلنا سابقا ان فرض انه تعالي يعلم فيه شيئا غيره جاء الفساد الاعظم و ان لميعلم فقولكم فيه بنحو اشرف فساد بعد فساد و اما الحصول الجمعي ففيه انه ان كان حصول غير ما هو الذات المقدسة فهو الفساد الاعظم و ان لميكن حصول اصلا فهو الفساد الثاني علي ان قولهم لايلزم منه الكثرة مثبت للكثرة اذ لايقال في احدي الذات و المعني من حيث الاحدية المطلقة لايلزم منه الكثرة يعني انه انما يقال ذلك في المتعدد المتغاير بما يقتضي الكثرة لولا الحكم الفرضي الحكمي ثم ان مجرد القول بنفي الكثرة في الكثير حال الكثرة تناقض لاينطبق علي متعلق القصد و الارادة اذ لاينفي الكثرة مع وجودها القول بنفيها كما لايثبتها مع انتفائها القول بثبوتها فافهم .
قال ثم كل صورة ادراكية سواء كانت معقولة او محسوسة فهي متحدة الوجود مع وجود مدركها ببرهان فائض من عند الله و هو ان كل صورة ادراكية و لكن عقلية فوجودها في نفسها و معقوليتها و وجودها لعاقلها شئ واحد بلا تغاير بمعني انه لايمكن ان يفرض لصورة عقلية نحو آخر من الوجود لمتكن هي بحسبه معقولة لذلك و الا لمتكن هي هي .
اقول اما قوله ان كل صورة ادراكية الي قوله فهي متحدة الوجود مع وجود مدركها ببرهان فائض من عند الله فهو غلط و لميفض منه شئ من عند الله و انما فائض ( فاض خل ) من عند غير الله لانا قد بينا ان الصورة انتزاعية و ان انكر كونها انتزاعية لمينكر ان منها ما هو انتزاعي و وجودها مع الانتزاع مسبوق بالمنتزع منه فلو اتحد وجودها مع وجود عاقلها لزم ان يكون وجود عاقلها مسبوقا بوجود غيره و هو باطل او يكون وجودها سابقا علي وجود ما انتزعت منه و هو باطل و يأتي بيان هذا و مطلق الاتحاد بجميع وجوهه سواء كان اتحاد موجود بموجود او وجود شئ بوجود آخر فيكون الموجودان موجودا واحدا او الوجودان وجودا واحدا كما سيذكره هو و غيره و ان ذلك محال الا اذا انقلبت حقيقة احدهما الي حقيقة الآخر و هذا في الواجب مع الممكن محال و سواء كان اتحاد مفهوم بمفهوم آخر فان المغايرة تنافي الاتحاد و سواء كان الموجود مفهوما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 465 *»
عقليا او ماهية كلية لان الموجود اذا صار بالتعقل مفهوما عقليا انما يعرض للعاقل حين التعقل و التعقل معني فعلي مبدؤه حركة عقل العاقل و الصورة المعقولة لاتتجاوز مبدء منشأها فلاتتحد بالعاقل بل و لو قيل بالاتحاد فانما تتحد بالتعقل الذي هو فعل العاقل و الفعل مغاير للفاعل حادث مع حدوث المفعول ثم ما انتزعت منه الصورة المعقولة هو الموجود الخارجي هل هو معقول بموجوديته الخارجية او ليس بمعقول فان فرض انه معقول بموجوديته الخارجية العنصرية الزمانية كان مع فرض اتحاده اما ان يكون في محل عاقله او عاقله في محله او لايعقله اذ المفروض ان المعقول مفهوم عقلي فالموجود الزماني ليس معقولا و الفارق بينهما متحكم فان كان في محل عاقله ماكان عنصريا زمانيا بل الموجود العنصري الزماني في هذه الحالة ازلي و ان كان عاقله في محله كان الازلي عنصريا زمانيا و ان لميكن معقولا الا المفهوم منه لزم الجهل بالموجود و اما اشتداد الوجود و قوته و استكماله فانما يعقل في الحادث و اما القديم تعالي فلايصح فيه ذلك و دعوي انه حاصل له في ازله فلايصح علي القول الحق لان المعقول ليس في الازل و التعلق به انما يكون حين يكون و الا لزم ان يكون اما انه عالم بشئ معه في ازله و قد قال عليه السلام كان الله و لا شئ معه و اما انه يعلم ما ليس شيئا و هذا جهل محض لا علم و اما ان يكون عالما بها في اماكن حدودها و ازمنة وجودها و هذا حق و لكنه لايكون العاقل عين المعقول للاختلاف و المباينة بين الازل و الامكان و بين المحدود و المشخص و غير المحدود و المشخص علي ان المانع عندهم من اتحاد وجودين و موجودين متغايرين و مفهومين متغايرين بان يصير احدهما هو الآخر حملا ذاتيا اوليا يجري في المفهوم العقلي و الماهية الكلية مع عاقلهما لان المفهوم مغاير للفاهم و قياسهم علي اجتماع جميع المعاني المتفرقة في النبات و الحيوان في الانسان بدليل ان النفس اذا تعقلت شيئا تتحد مع صورته المجردة في الوجود بمعني ان وجودها يشتد بحيث يصدق عليها ذلك المفهوم و حينئذ يكون عقلها لذاتها عين عقلها له باطل هو و دليله اما بطلان القياس فمن
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 466 *»
وجهين الاول انه قياس الحق تعالي علي الخلق و هو باطل باتفاق العقلاء من المسلمين و غيرهم لميخالف فيه ذو عقل الا من لايستعمل عقله او ليس له عقل و الثاني ان الكلام جار في حق الانسان ايضا فان النفس اذا تعقلت شيئا فان تعقلها له من حيث كونه مغايرا فاذا تعقلت فانها حينئذ تعقل انه غيرها و لو عقلت انه هي لمتكن عاقلة لشئ غير نفسها فكانت جاهلة به و كونه صادقا عليها ان كان بحيثية فقد ثبت المغايرة من جهة الحيثية و ان كان بغير حيثية فلا معني للاتحاد اذ الاتحاد انما يعرض ( يفرض خل ) في شيئين فالصدق المدعي كذب و اما بطلان الدليل فلان الاتحاد المراد اذا اردتم منه ان اشتداد وجودها بتعقلها لذلك بحيث يصدق عليها ففيه ان وجودها هل هو كتاب معان حقيقة و ما عندها من الشئ كلمة او حرف من ذلك الكتاب او انه قرطاس تطرح فيه الصور المعقولة فيشرق بها ذلك القرطاس كما يشرق الجدار بما يطرح من الاضواء فيه فيكون علي الاحتمال الاول ان تلك الصورة جزؤ مادة الشئ ( للشئ خل ) لما بينا سابقا ان الوجود في نفس الامر ليس الا المادة في جميع المخلوقات و اما في الواجب فلا سبيل لاحد الي معرفة كنهه اذ ليس وجوده كوجود خلقه و علي الاحتمال الثاني ان استضائته مؤلفة من المعقولات الخارجية عند تعقلها و علي الاحتمالين فلا بد من اعتبار المميزات عند التمييز بين كل منها و الوحدة البسيطة ان طوت كثرة المجردات علي زعمهم فلاتطوي الماديات من حيث هي ماديات اذ تعقل المميزات من حيث هي مميزات انما يمكن من هذه الحيثية و يلزمه اعتبار المغايرة المستلزمة لنفي الاتحاد و اتحاد المفهوم بالوجود من هذا القبيل فان المفهوم انما يكون مفهوما بفهم الفاهم له و فهم الفاهم له مغاير لفهم الفاهم لنفسه لاختلاف المفهومين و الجهتين مع ما قلنا من لزوم جزئيته للفاهم او لصفته التي به يشتد و بعدمه تضعف و ما اصوب ما قاله الشيخ هنا في الاشارات من ان قول القائل ان شيئا يصير شيئا آخر لا علي سبيل الاستحالة من حال الي حال و لا علي سبيل التركيب
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 467 *»
ليحدث عنهما شئ بل علي انه كان شيئا واحدا فصار واحدا آخر قول شعري غير معقول فانه ان كان كل واحد من الامرين موجودا ( وجودا خل ) فهما اثنان متمايزان و ان كان احدهما غير موجود فقد بطل الذي كان موجودا و ان كانا معدومين فلايصير احدهما الآخر انتهي ملخص كلامه و قال في علم النفس من طبيعيات الشفاء و ما يقال ان ذات النفس تصير هي المعقولات فهو من جملة ما يستحيل عندي فاني لست افهم قولهم ان يصير شئ شيئا آخر و لااعقل ان ذلك كيف يكون فان كان بان تخلع صورة ثم تلبس صورة اخري و انه يكون مع الصورة الاولي شيئا و مع الصورة الاخري شيئا آخر فلميصر بالحقيقة الشئ الاول الشئ الثاني بل الشئ الاول قد بطل و بقي ما هو موضوعه او جزء منه و ان كان ليس كذلك فلننظر كيف يكون فنقول اذا صار الشئ شيئا اما ان يكون اذ هو قد صار ذلك الشئ موجودا ايضا او معدوما فان كان هو موجودا فهما موجودان لا موجود واحد و ان كان معدوما فقد صار الموجود معدوما لا شيئا آخر موجودا و هذا غير معقول و ان كان الاول قد عدم فما صار شيئا آخر بل عدم هو و حصل شئ آخر فالنفس كيف تصير صورة الاشياء انتهي ، و معني تصويب قوله في الاشارات انهم اذا قالوا بالاتحاد كان شئ و هو الصورة المعقولة بالتعقل شيئا آخر اي عاقلا و قد كانا متغايرين لان الصورة صورة زيد الحادث فهي حادثة فاذا تعقلها الواجب صارت واجبة قديمة فيلزم انقلاب الحقايق لان الحادث صار قديما و هو باطل اتفاقا فان قلت انه تعالي لميفقد الصورة فلمتكن حادثة بل هي صورة علمه الذي هو ذاته قلت ان الصورة ان كانت صورة لزيد فهي غيره تعالي و ان لمتكن صورة له فليست علما بزيد علي ان الاتحاد كما مر لايعقل و لايعبر به الا في المتغايرين و التغاير مناف للاتحاد و هذا معني ما ذكره في الشفاء من ان ما صار هو العاقل ان كان موجودا فهما موجودان و ان كان معدوما فلميكن هو العاقل بل هو قد كان معدوما و الحاصل ان ( اما خل ) قوله فوجودها في نفسها و وجودها لعاقلها شئ واحد بلا
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 468 *»
تغاير فهو عندي حق و لكنها موجودة لعاقلها في رتبة وجودها لا في رتبة وجوده لان وجودها لعاقلها هو وجودها في نفسها و وجودها في نفسها لايكون في غير رتبته و الا لميكن هو اياه و تفسيره لذلك في قوله بمعني انه لايمكن ان يفرض لصورة عقلية نحو آخر من الوجود لمتكن هي بحسبه معقولة لذلك و الا لمتكن هي هي صريح في ان جميع انحاء وجوداتها انما تكون معقولة بها و لا شك ان جهة مادية المعقول و زمانيته و عوارضه العنصرية كلها من انحاء وجوده فاذا كان معقولا بجميع انحاء وجوده وجب ان يكون كل واحد معقولا بما هو به هو من جميع الحدود و المشخصات و كل ذلك موجود لعاقله بما هو موجود لنفسه و كل ذلك مناف للاتحاد بعاقله بنحو ما ذكرناه .
قال فاذا تقرر هذا فنقول لايمكن ان تكون تلك الصورة مباينة الوجود عن وجود عاقلها حتي يكون لها وجود و للعاقل وجود آخر عرضت لهما اضافة المعقولية و العاقلية كما للاب و الابن و الملك و المدينة و ساير الامور المضافة التي عرضتها الاضافة بعدم ( بعد خل ) وجود الذات و الا يلزم امر محال لانا اذا نظرنا الي الصورة العقلية و لاحظناها و قطعنا النظر عن الجوهر العاقل فهل هي في تلك الملاحظة معقولة و الا فلميكن نحو وجودها بعينها معقوليتها بل كانت معقولة بالقوة لا بالفعل و المقدر خلاف هذا و هو ان وجودها بعينه معقوليتها و ان كانت تلك الملاحظة اياها التي هي تكون مع قطع النظر الي ما سواه معقولة فهي لا محالة في تلك الملاحظة عاقلة ايضا اذ المعقولية لايتصور حصولها بدون العاقلية كما هو شأن المتضائفين و حيث فرضنا وجودها مجردة عما عداها فتكون معقولة لذاتها ثم المفروض اولا ان هنا ذاتا تعقل الاشياء المعقولة لها و لزم من البرهان ان معقولاتها متحدة مع من يعقلها و ليس الا الذي فرضناه .
اقول قوله لايمكن ان تكون تلك الصورة مباينة الوجود عن وجود عاقلها غلط بل لايمكن ان يكون متحدا به لتحقق المغايرة بين ( من خل ) جميع مراتب وجودي العاقل و المعقول و لا شك ان لها وجودا و لعاقلها وجودا آخر و ان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 469 *»
اضافة العاقلية و المعقولية قد عرضت لهما و هو المشار اليه بالعلم الاشراقي كما ذكرناه فانه يعرض عند وجود المعقول و المعلوم و ينتفي بانتفائه كعروض اضافة الابوة و البنوة حرفا بحرف و قوله لو لميثبت الاتحاد لزم المحال ليس بصحيح اذ المحال انما يلزم علي القول بالاتحاد كما قدمنا بيانه و يأتي فان قوله لانا اذا نظرنا الي الصورة العقلية و لاحظناها و قطعنا النظر عن الجوهر العاقل فهل هي في تلك الملاحظة معقولة فيه نعم هي معقولة بتعقل الجوهر العاقل و ان قطعتم النظر عن الجوهر العاقل لمتقطعوا النظر عن تعقله فهي بتعقله معقولة فان كان اتحاد فمع تعقله لا بجوهره و لو قطعتم النظر عن جوهره و تعقله كانت اما متعقلة لنفسها و لا شك ان صورتها حينئذ متحدة بتعقلها في رتبته لا بذاتها اذ لاتتحد بذاتها الا نفس ذاتها المدركة بذاتها لا بالتعقل لانه معني فعلي لايتحد الا بما في رتبته و علي فرض اتحاده فعلي ما ذكرنا فيما سبق من احد الاحتمالين بان يكون المراد بالتعقل العقل و انه كتاب معان و اما غير معقلة لقطعكم النظر عن متعقل ما فجعلكم اياها معقولة بغير عاقل لا معني له و بعاقل يصح كون نحو وجودها بعينها لعاقلها معقوليتها حين معقوليتها في رتبتها اي في رتبة وجودها لا في رتبة ذات عاقلها اذ كل عاقل لايعقل شيئا الا في رتبة معقوله لا في رتبته كما توهمه المصنف و اتباعه فان الشئ لايكون مدركا الا بنحو وجوده و لايوجد الشئ قبل رتبة وجوده و قد ذكرنا هذا المعني في عدة مواضع من هذا الشرح و خصوصا في مبحث ابطال بسيط الحقيقة كل الاشياء فراجع فان الله عز و جل لو علمها في رتبة ذاته لكانت مع ذاته و لكنه تعالي عالم في الازل بها في الحدوث و لايصح ان يقال انه عالم بها في الازل لما قلنا من انه تعالي لميكن معه غيره و صفاته هي هو ، و قوله ان كانت تلك الملاحظة اياها التي هي تكون مع قطع النظر الي ما سواه معقولة ، فيه هذا غير مسلم بان تكون معقولة مع قطع النظر عن عاقل اذ الوجود بعينه لاتلزمه المعقولية الا مع وجود عاقل له فاما ان تكون عاقلة لنفسها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 470 *»
بنفسها و هنا يتحقق الاتحاد او يعقلها غيرها و هنا يتحقق الانفراد و التعدد فلاتثبت معقولية بدون عاقل عند كل عاقل و حيث فرضتم وجودها مجردة عما عداها جاز ان تعقل ذاتها بذاتها و لايجوز اذا فرضتم ذاتا تعقل الاشياء المعقولة لها ان تكون معقولاتها اذا كانت غير ذاتها متحدة مع من يعقلها و لميقم برهان الا اذا كانت عاقلة لذاتها فجعل قيام البرهان علي اتحاد عاقليتها و معقوليتها اذا كانت عاقلة لذاتها بذاتها يلزم منه اتحاد معقوليتها بعاقلية غيرها لها مغالطة محضة و غباوة صرفة مع الفرق العظيم و مخالفة البرهان و مع شدة التكلف الظاهرة في تحصيل هذا البرهان و مع المغالطة قال انه برهان فائض من عند الله و هو مما يشهد به الوجدان انه ليس من عند الرحمن و لايلايم ادلة الايمان و اما استدلال من قال بانه لو لميكن وجودها في نفسها و وجودها لعاقلها شيئا واحدا لكان تلك الصورة وجودان احدهما وجود ( وجودها خل ) لعاقلها و ثانيهما وجود غير وجودها لعاقلها و هي بحسب هذا الوجود غير معقولة لكن التالي باطل فالمقدم مثله قلت و هذا مسلم و لايجديه نفعا ثم قال و اذا تقرر هذا فنقول لو لميكن المعقول متحد الوجود مع العاقل بل كانا ذاتين متغايرين بان يكون لكل منهما هوية علي حدة و كان الارتباط بينهما بمجرد الحالية و المحلية او غير ذلك لكان يمكن اعتبار وجود كل منهما مع قطع النظر عن الآخر لكن التالي باطل فالمقدم مثله علي نحو ما ذكره المصنف في الاسفار اما بطلان التالي فلما تقدم ذكره عنه من انا اذا نظرنا الي الصورة العقلية و لاحظناها و قطعنا النظر عن العاقل فهي حينئذ معقولة فتكون عاقلة الي آخر ما تقدم قلت و قد بينا صحة ما ادعي بطلانه من المقدم و التالي قال ثم المفروض اولا ان هيهنا ذاتا تعقل الصورة فاذا لمتكن متحدة الوجود معها لزم ان يكون لشئ واحد وجودان اذ لهما معقوليتان احدهما بالقياس الي عاقلها و هذا مما يحكم بديهة العقل ببطلانه فظهر و تبين ان كل معقول متحد الوجود
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 471 *»
مع عاقله و ذلك هو المطلوب و بمثل هذا البيان يعلم حال الخياليات و الحسيات انتهي استدلال هذا المستدل تبعا للمصنف قلت و اراد بقوله ان لشئ واحد وجودان الخ ، ان ذلك المعقول معقول لنفسه بوجوده فاذا كان معقولا لذات اخري كان ايضا معقولا بوجوده فان كان المعقولان واحدا تم المطلوب و ان فرض اثنان فهو ما حكمت بديهة العقل ببطلانه و اقول هذا باطل كما تقدم مع انا نقول ان وجود زيد غير وجود عمرو فاذا عقلا صورة معقولة من خالد كانت الوجودات الثلثة وجود زيد و عمرو و خالد شيئا واحدا و كانت ثلثة قبل التعقل فهو باطل كالاول و لايصح هذا الكلام بحال الا علي القول بوحدة الوجود فان المصنف اذا اراد ان يسلم له دليله في هذا و غيره فيستدل باصل مذهبه فيقول الوجود كله في الحادث و القديم شئ واحد بسيط و انما الكثرة نقوش تكثرت بتكثر التعينات فكل الاشياء شئ واحد كما هو مراده بقوله بسيط الحقيقة كل الاشياء و لايحتاج في جعل العاقل و المعقول متحدا الي هذه التكلفات البعيدة و التعسفات الشديدة فانها لاتثبت مطلوبه و ما ادعوه لايصلح لشئ من مطلوبهم فانا انما حكمنا باتحاد الشئ بنفسه اذا عقل نفسه لانه لميعقل غيره فلميخرج بمعرفة نفسه عن نفسه بخلاف غيره فانه انما يعقل الغير و الغير انما هو معقول بما هو عليه و ما هو عليه انه غيره فهو معقول من هذه الحيثية سواء لوحظت الحيثية ام لا فلا بد من عقله بانه عاقل غيره فجهة المعقولية منافية للاتحاد و لا سبيل له الي هذا الاتحاد الا بالقول بوحدة الوجود و هو عندهم سهل اذ لا محذور فيه الا انه كفر و هو لايضر عندهم فان التوحيد و الايمان معرفة النفس و انكار ما سواها اذ هي المعبود عندهم بدون الحدود و لهذا يقول شاعرهم :
قسما بقائم بانه احدية ما ** * ** مست علي كثبان جمع صفاته
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 472 *»
ما في الديار سواي لابس مغفر ** * ** و انا الحمي و الحي مع فلواته
افرأيت من اتخذ الهه هويه و اضله الله علي علم و ختم علي سمعه و قلبه و جعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلاتذكرون .
قال فظهر و تبين مما ذكر ان كل عاقل يجب ان يكون متحد الوجود مع معقوله و هو المطلوب و هذا البرهان جار في سائر الادراكات الوهمية و الخيالية و الحسية حتي ان الجوهر الحساس منا يتحد مع الصورة المحسوسة له بالذات دون ما خرج عن التصور كالسماء و الارض و غيرهما من الماديات التي ليس وجودها وجودا ادراكيا فتدبر و احسن اعمال رؤيتك فيه فانه صعب المنال و الله ولي الفضل و الافضال .
اقول فظهر و تبين مما ذكرنا خلاف ما ذكره المصنف و هو منع اتحاد وجود كل عاقل مع وجود معقوله و قوله و هذا البرهان جار في سائر الادراكات الوهمية و الخيالية و الحسية يريد به ان المتوهم يتحد وجوده بالصورة الموهومة و المتخيل مع الصورة الخيالية و الحساس مع الصورة المحسوسة و هذا من جملة ما ذكر من تناول برهانه لها حتي انهم اجروا هذا البرهان في المتضائفين و غيرهما و قالوا ليس لاحد المتضائفين وجود للآخر وجود بل ليس هناك الا علاقة و ربط واحد قائم بمجموع المحلين اذا لوحظ مع احد المحلين سمي باسم و مع الآخر سمي باسم سواء تغاير المحلان و العلاقة كالابوة و البنوة ام اتحدا كالمجاورة و المماسة و قالوا ايضا بمقتضي هذا البرهان يكون الفاعل التام متحد الوجود مع وجود معلوله لان العلية عين وجود الفاعل التام و المعلولية عين وجود المعلول و كذلك يتحد الحال و المحل في الوجود فاذا عمل بما قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايعلم الا بما هيهنا ه ، علي مقتضي برهانهم كان وجود الماء في الكوز هو وجود الكوز و وجود العذرات فيهم هو وجودهم فان الوجود المتحد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 473 *»
بماهية الماء متحد بالوجود المتحد بماهية الكوز و الوجود المتحد بماهية العذرات متحد بالوجود المتحد بماهيتهم و الوجود المتحد بماهية السواد متحد بالوجود المتحد بماهية الجسم و لا عيب علي من يقول ان الوجود في جميع الوجودات قديمها و حديثها و جوهرها و عرضها غيبها و شهادتها وجود واحد لا كثرة فيه الا في تعيناته الموهومة ان يقول بهذه و امثالها فانها داخلة في تلك الجملة و اما من يكفر بقول وحدة الوجود و يؤمن بالله و يعتقد انه تعالي خلو من خلقه و خلقه خلو منه و انه تعالي قديم و كلما سواه مخلوق خلقه تعالي لا من شئ و لا لشئ غير الخلق فيعرف ان كلما قرره المصنف و اتباعه باطل مناف للتوحيد لان عمدة دليله ان الفاعل التام المفيد للصورة العقلية يجب ان يكون عاقلا لها بذاته فيتحد وجودها بوجوده و هذا كله باطل لاينطبق منه شئ و لا مما يتفرع و يبتني عليه علي قواعد التوحيد لان قواعد التوحيد مبنية علي اصول منها ان الواجب القديم عالم و لا معلوم و سميع و لا مسموع و ذاكر و لا مذكور و هكذا باقي الصفات الذاتية فاذا عبرت عنه بعاقل فهو معني عالم اي عاقل و لا معقول فلاتعقل الاضافة في صفاته الذاتية و معني ما اعتبرت الاضافة فيها فالمراد بها الفعلية فافهم ان كنت تفهم فالصورة المعقولة يستلزم عاقلا لها الا ان عاقلها ليس هو الذات البحت اذ الذات البحت عاقلة و لا معقولة ( لا معقول خل ) و انما عاقلها هو الفاعل لها و الخالق لها هو المثل الاعلي للذات و هو بمنزلة فاعل القيام من زيد و القائم اسمه و هو اي القائم مصاغ من الفعل و الحدث اعني القيام و المسمي بالقائم هو محدث القيام بفعله و هو شبح زيد و اول تعينه باول ظهوره فقولهم يجب ان يكون عاقلا لها بذاته غلط فاحش لان ذاته عاقلة و لا معقول و الا لكان في ذاته معقولا غيره معه و لو قلت ليست الصورة حال معقوليتها غيره قلنا فاذا هو عندكم لميعقل غير ذاته فان كان لايعقل غير ذاته فلم قلتم اتحد بمعقوله و ان قلتم يعقل غير ذاته و هو عقله لذاته فاقبح بان يكون ممازجا للغير علي ان الغير يكون معه و اذا كان هذا العقل تريدون به العلم فلم قلتم الصورة العقلية خاصة و قلتم لان الصورة العقلية ليس لها تعلق بالمادة حتي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 474 *»
يمكن فيها التغيير من حال الي حال فهل تريدون تخرجون المتغير من حال الي حال من حيث هو متغير عن العلم فلايكون معلوما او معقولا و الله يقول الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فهذا المتغير من حيث هو متغير معلوم للواجب فان كان بالعلم الفعلي فذاك و ان كان بالعلم الذي هو الذات فان اتحدت معقوليته بما هي معقولة به من التغير بالعاقل و جعلته البحت كان متغيرا بما اتحد به لان جهة الاتحاد هي جهة ما ثبت به من التغير لعاقله حتي انه لو كان متحركا علي الدوام كان معقولا بحركته الدائمة فاذا اتحد بعاقله كان وجود عاقله متحركا بحركة ما اتحد به من حيث هو متحرك و الا لميكن عاقلا له بما هو موجود له فيكون انما هو عاقل له بالعقل الفعلي و كما ان الكتابة الحادثة بحركة يد الكاتب لمتكن مركبة من تلك الحركة و لا متحدة بها كذلك الصورة المعقولة بل و المدركة مطلقا لمتكن مركبة من مدركها و لا متحدة به و هذا ظاهر لمن اطاع الله في الاهتداء بآياته حيث قال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون و قول المصنف دون ما خرج عن التصور كالسماء و الارض و غيرهما من الماديات ، فيه ما تقدم من انها و ان كانت اجساما ( كانتا جسما خل ) الا انها معقولة لانها معلومة و معلوميتها بوجودها الذي هو ( هي خل ) عليه عند العالم بها و قد قدمنا ان العلم عين المعلوم فوجودها المادي معلوم بوجودها المادي لاتحاد العلم مع المعلوم و هذا حاصل للعالم عند وجود المعلوم و هو العلم الاشراقي و هو وقوع العلم الذاتي و تعقله ( تعلقه خل ) بالمعلوم الحادث عند حدوثه لان الذاتي لاتجوز عليه الاضافة و لا النسبة و لا الوقوع و لا المطابقة لانه ( لان خل ) ذات الله تعالي التي لايجوز عليها ذلك فوجودها وجود ادراكي خلافا لما فهمه المصنف في قوله ليس وجودها وجودا ادراكيا قياسا علي الصورة المعقولة بزعمه ان الوجود المدعي اتحاده بعاقله هو تعقله لها فنقول ان كان يريد باتحاد المعقول بعاقله اتحاد وجوده التعقلي خاصة فيلزم انه نحو من انحاء الوجود لا انه جميع وجودات المعقول فان للمعقول
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 475 *»
وجودا به هو هو و له وجود به يكون معقولا و وجود هو به نور الله و صنعه و وجود هو كونه في الاعيان و التمايز بينهما ( بينها خل ) بالاعتبار فقوله المتقدم بمعني انه لايمكن ان يفرض لصورة عقلية نحو آخر من الوجود لمتكن هي بحسبه معقولة لذلك العاقل و الا لمتكن هي هي ينافي ما قال قبله كل ادراك فحصوله بضرب من التجريد عن المادة و يلزم هذا ان المرتبط بالمادة و المادة ايضا ليست مدركة و يؤيد هذا ايضا قوله التي ليس وجودها وجودا ادراكيا فيحصل من اقواله ان المتحد بعاقله انما هو المجرد لان وجوده لمدركه وجود ادراكي و اما المادة و المادي فلايتحد وجوده الذاتي بوجود مدركه لان وجوده الذاتي هو المادي و خصوصا اذا لوحظ في ادراكه عدم التجريد فانه من جملة مدركاته فلايتحد عنده بمدركه و اما نحن فنقول لايدركها في ازله لانها ليست في الازل و انما يدركها بما هي عليه في كل رتبة من مراتب وجوداتها بما لتلك الرتبة المدركة من الوجود في وقت وجودها و مكان حدودها و ما حضر له تعالي في كل رتبة منها هو علمه بها فيتحد وجودها بوجود علمه بها و لميفقد شيئا منها مما اقامه فيه اذ الحضور و الغيبة و الوجدان و الفقدان اشياء بمشيته و اما ذاته تعالي فعلم و لا معلوم و سمع و لا مسموع و قدرة و لا مقدور و بصر و لا مبصر و ادراك و لا مدرك و ذكر و لا مذكور فاذا وجد المعلوم وقع عليه العلم و كذا باقي الصفات اذ لميتعلق شئ منها بغير شئ و السماء و الارض و غيرهما من الماديات كل شئ منها مدرك معلوم سبحان العالم بكل شئ و علمه بكل شئ من خلقه حضوري و حصولي و لا فرق بين الحصول و الحضور ( الحصولي و الحضوري خل ) عندنا اذ المراد بذلك العلم هو العلم الاشراقي و المراد به نسبة الموجود الي فعل المعبود سبحان ذي الكرم و الجود .
قال المشعر الثامن في ان الموجود بالحقيقة هو الواحد الحق تعالي و كل ما سواه مما هو مأخوذ بنفسه هالك دون وجهه الكريم لما علمت ان الماهيات لا تأصل لها في الكون و ان الجاعل التام بنفس وجوده جاعل و ان المجعول ليس الا نحوا من الوجود و انه بنفسه مجعول لا بصفة زائدة و الا لكان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 476 *»
المجعول تلك الصفة فالمجعول مجعول بالذات بمعني ان ( انه خل ) ذاته و كونه مجعولا شئ واحد من غير تغاير حيثية كما ان الجاعل جاعل بالذات بالمعني المذكور .
اقول ان الموجود الحق الذي لا نقص في شئ من ذاته و صفاته و لا امكان في شئ منه هو الواحد الحق عز و جل و كل شئ مما سواه فهو هالك بمعني انه مفتقر الي امر الله الفعلي فانه متقوم به تقوم صدور و مفتقر الي امر الله المفعولي فانه متقوم به تقوم تحقق اعني تقوما ركنيا و هالك بمعني انه لميخلق من شئ و الا لكان ذلك الشئ مع الله في ازله تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا و قوله دون وجهه الكريم يريد ان كلما سوي الله فان دون ذاته فعبر بالوجه عن الذات و فيه اشارة الي الاقتباس من قوله تعالي كل شئ هالك الا وجهه و ما ذكره احد الوجوه فيها و منها ان الضمير في وجهه يعود الي الشئ و يصير المعني ان كل شئ فاصله الذي هو وجهه من ربه مثبت في ام الكتاب باق ببقاء ذلك الكتاب فيفني الشئ و وجهه باق حتي يخلق منه كما خلق اول مرة منه فقال تعالي كل شئ هالك ( فان خ ) الا وجه ذلك الشئ و منها ان الضمير في وجهه يعود الي الله و المراد بالوجه محمد و اهل بيته الثلاثةعشر معصوما صلي الله عليه و اهل بيته الطاهرين فهم وجه الله و معني كونهم وجه الله له انحاء احدها انما سموا وجه الله لان اولياء الله يتوجهون الي الله تعالي بهم كما في الزيارة و من قصده توجه بكم ، و قوله لما علمت ان الماهيات لا تأصل لها في الكون يريد به ان ما سواه هو الماهيات و هي الهالكة و فيه اشارة الي ان وجودات الاشياء ليست مغايرة للحق تعالي فانها اذا ازيل عنها حدود التعينات الموهومة كالماهيات لميبق الا وجود الحق تعالي لانها متأصلات بخلاف الماهيات لانها لمتوجد بنفسها بخلاف الوجود فانه موجود بنفسه و هذا لايصح منه شئ لما علمت من ان كلما سوي الله حادث و هو كل ما وضع بازائه لفظ ما خلا الله عز و جل و من جملة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 477 *»
السواء الوجودات كلها و هي في الحقيقة المواد اذ ليس الوجود المحدث في الحقيقة شئ غير المادة لما قررنا سابقا من ان الوجود هو النور الذي خلق منه القلم و اللوح و العرش و الكرسي و الانسان و المراد به مادتها و قد ذكرنا سابقا ان قولك الانسان حيوان ناطق حد تام جامع لجميع ذاتيات الانسان و لو كان للانسان شئ ذاتي غير الحيوان و الناطق لذكروه في حده التام و الا كان حدا ناقصا فحيث اجمعوا علي انه حد تام مع انه لميذكر فيه الا المادة و هي الحيوان و الصورة و هي الناطق دل علي ان الوجود هو المادة كما قاله بعضهم و هو الحق و اما الماهية فهي الصورة و هي مخلوقة من نفس الوجود من نحو نفسه لا من نحو ربه فالوجود خلقه بنفسه يعني لميخلقه من وجود غير نفسه التي هي من جهة ربه فالفرق بين الوجود و الماهية ان الوجود خلق من النور و الماهية خلقت من الظلمة فان اراد بالكون في قوله ان الماهيات لا تأصل لها في الكون التكوين بمعني انها عدم لميشم رائحة الوجود فهو غلط فان حظها من التكوين كحظ الوجود علي حد سواء و ان اراد به الوجود الذي هو النور اعني الجهة من فعل الله و الحصة من امر الله فكلامه صحيح فانها ليست متأصلة في ذلك و انما هي من لوازمه و قوله و ان الجاعل التام بنفس وجوده جاعل ليس بصحيح لان وجوده ذات و الجعل انما يكون بالفعل لا بالذات لان الجعل حركة ايجادية باي اعتبار فرض و الذات لاتكون حركة و الا لكانت فعلا لغيرها فافهم و لا فرق بين التام و الناقص بل الجاعل التام اولي بان لايكون جاعلا الا بفعله و الا لكان محتاجا في معاناة الايجاد الي المباشرة التي هي كمال النقص و الافتقار و قوله و ان المجعول ليس الا نحوا من الوجود صحيح ، و قوله و انه بنفسه مجعول لا بصفة زائدة الخ ، صحيح الا ان قوله و الا لكان المجعول تلك الصفة يفهم منه انها هي المجعولة لا غيرها و هذا ليس علي اطلاقه صحيحا بل تكون تلك الصفة مجعولة بلا واسطة و يكون المجعول بها مجعولا بواسطتها فافهم الا ان يدعي ان المراد بالصفة الزائدة صفة ذلك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 478 *»
المجعول فانها اذا كانت زائدة اي ليست صفة ذات لايكون موصوفها مجعولا بها الا علي تأويل بعيد لايكاد يتبادر الاطلاق اليه و قوله فالمجعول مجعول بالذات بمعني ان ذاته و كونه مجعولا شئ واحد ، فيه ان المجعول قسمان مجعول بالذات و مجعول بالعرض و المجعول بالعرض يراد منه ان جعله مترتب علي غيره لا انه غير مجعول حقيقة و قوله بمعني ان ذاته و كونه مجعولا شئ واحد ، فيه ان كونه مجعولا معني مصدري ليس هو ذاته بل ذاته و المجعول نفسه شئ واحد اذ المجعول هو ذاته لا كونه مجعولا فافهم و اما انه من غير تغاير حيثية فلان الشئ هو نفسه من غير تغاير حيثية و هذا هو الاتحاد الحقيقي و اما مع تغاير الحيثية فلا اتحاد كما يدعيه المصنف في اتحاد المعقول بالعاقل فانه مع تسليم برهانه و القول بقوله يلزمه تغاير الحيثية فلهذا منعنا الاتحاد علي فرض التسليم لبرهانه و قوله كما ان الجاعل جاعل بالذات الخ ، يريد به ان المجعول مجعول بالذات كما ان الجاعل جاعل بالذات و هذا تشبيه باطل فان المجعول قسمان كما قلنا مجعول بالذات و مجعول بالعرض كجعل الماهية و اما الجاعل فهو جاعل بالفعل لان الذات لاتصح ان تكون فعلا لنفسها فلو كانت فعلا كانت فعلا لذات فوقها تكون الذات الفاعلة بنفسها صفة لتلك الذات و الحاصل ان المصنف يتكلم بغير لسان الفطرة بل بلسان التطبع المستفاد من تبديل الفطرة و لهذا قال بالامور المنكرة غير مستوحش منها لانسه بها من جهة التطبع لا حول و لا قوة الا بالله .
قال فاذا ثبت و تقرر ما ذكرناه من كون العلة علة بذاتها و المعلول معلولا بذاته بالمعني المذكور بعد ما تقرر ان الجاعلية و المجعولية انما يكونان بين الوجودات لا بين الماهيات لانها امور ذهنية تنتزع من انحاء الوجودات فثبت و تحقق ان المسمي بالمجعول ليس بالحقيقة هوية مباينة لهوية علته الموجدة اياه و لايمكن للعقل ان يشير اشارة حضورية الي معلول منفصل الهوية عن هوية موجدة حتي تكون عنده هويتان مستقلتان في الاشارة العقلية احدهما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 479 *»
مفيضة و الاخري مستفيضة .
اقول الذي ثبت و تقرر بالدليل القطعي و النظر الذوقي كون العلة علة بفعلها لا بذاتها ( بذواتها خل ) و الا لكانت فعلا لذات اخري لان الايجاد و الاحداث و الافاضة و غيرها من كل ما هو من هذا النحو نوع من الحركة اي حركة حسية او معنوية و هي صفة فعل لذات اخري و الفعل محدث بنفسه فلو كان الفاعل فاعلا بنفسه لتغيرت حالتاه اذ هو قبل الفعل ساكن و بعد الفعل متحرك و مختلف الحالات حادث و قد ثبت ايضا كون المعلول علي قسمين قسم معلول بذاته اي بلا واسطة كالوجود و قسم معلول بالواسطة كالماهية و دعوي انها غير متأصلة و ان الوجود متأصل مبنية علي اساس باطل و هو ان الوجود بالحقيقة بقول مطلق هو الواحد الحق المتعال و نحن قد بينا مرارا ان وجود زيد مثلا هل هو متميز من الوجود الحق في حال كونه وجود زيد بمشخصاته ام لا فان لميكن متميزا كان زيد هو الحق تعالي الله و ان كان متميزا من وجود الحق فهل تميزه بنفسه ام بمشخصاته فان كان تميزه بنفسه فهو حادث لايكون وجودا حقا و ان كان متميزا بمشخصاته كان قبلها غير متميز و بعدها متميزا فاختلفت حالتاه و من اختلفت حالتاه ( حالاته خل ) فهو حادث عند جميع العقلاء لايختلف فيه اثنان و ماهية زيد ايضا مجعولة و ان كانت بواسطة الوجود لان زيدا انما يعرف انه هو بماهيته فان لمتكن موجودة لميكن زيد معروفا و ايضا قد دل الدليل المستفاد من العقل و النقل بان وجود زيد لايتقوم في الكون الا بالماهية لاتفاق العقول علي ان المجعول لايمكن تحققه الا بجهتين جهة من ربه و جهة من نفسه فالتي من ربه هو الوجود و التي من نفسه هي الماهية و قال الرضا عليه السلام ان الله سبحانه لميخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه ه ، فاذا ثبت بالعقل و النقل ان الوجود بنفسه لايمكن ايجاده الا بما يتقوم به و هو الماهية ثبت انها موجودة متحققة و الا لكان الوجود الحادث قائما بذاته و اذا ثبت انها موجودة كان الفرق بينها و بين الوجود عند من يدعي الاتحاد غير صحيح فاذا ادعي الاتحاد في الوجود لزمه دعوي الاتحاد في الماهية لاتحاد الدليل فيلزمه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 480 *»
القول بالوحدة مع اختلاف الحيثيات و تباين الجهات و المصنف يلتزم ذلك و يقول طوت وحدته كل كثرة فهو الكل في وحدته فيلزمه ان الوحدة التي اثبتها اعتبارية فرضية كوحدة الشجرة مع تكثر اغصانها و اوراقها و ثمرها و لا شك في انهم قائلون بذلك و الله يقول و لكم الويل مما تصفون ، و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا ، سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ، و قوله لانها امور ذهنية غلط لما قررنا ان الجاعلية و المجعولية كما يكونان بين الوجودات يكونان بين الوجودات و الماهيات و في الحالين لا بد من توسط الافعال بين الوجودات و بينها و بين الماهيات و كون الماهيات تنتزع من انحاء الوجودات لايخرجها عن حقيقة المجعولية سواء جعلت المنتزع ظلا كما في المرءاة فانه مجعول في الذهن كما تجعل الصورة في المرءاة و هذا هو الحق في غير ذهن علة الاكوان ام ذاتا معراة عن العوارض الخارجية كما يذهب اليه المصنف و اتباعه فان هذا المنتزع مجعول اذ هو قبل الذهن لميكن ذهنيا و لا شيئا غير الخارجي و لميكن جاعلا لنفسه ثم اذا ثبت ان الشيئية الخارجية انما هي موجودة بذلك الشئ الذي يسمونه ذهنيا لانه شرط تحققها و شرط تكون كونها فلو كانت ذهنية محضة لميكن الشئ الخارجي شيئا اذ تصورك للشئ لايجعله شيئا في الخارج وجب ( و يجب خل ) ان تكون الماهيات امورا خارجية و اما ما في الذهن منها كما في الذهن من الوجودات علي حد واحد فحيث لميكن تحقق الوجودات المقيدة في الخارج بدون ماهياتها و ثبت تحققها في الخارج دل علي تحقق شرطها في الخارج و حصول الشرط في الذهن كحصول المشروط في الذهن و لاينافي الوجود في الذهن الوجود في الخارج علي ان الامور الذهنية وجودات ايضا علي فرض كونها انتزاعية ظلية كما ذكره المصنف في الاسفار فاذا ثبت ان الماهيات هي الهويات حقيقة لانها هي الشيئية كما هو الظاهر و في الواقع للشئ هويتان هوية من جهة ربه و هي وجوده الذي هو اثر فعله تعالي و هوية من جهة نفسه و هي ماهيته التي خلقها الله تعالي من نفس الوجود كما قال تعالي و خلق منها زوجها ثبت ان المجعول هوية مباينة لهوية
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 481 *»
علته الموجدة اياه كما دلت عليه الآيات التي جعلها سبحانه بيانا لما خفي عن ( علي خل ) الناظرين مما غاب عنهم فقال تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و في الآفاق ان الكتابة علتها الموجدة لها هي حركة يد الكاتب و هوية الكتابة مباينة لهوية حركة يد الكاتب و ان كانت هيئة الكتابة مشابهة لهيئة حركة اليد التي صدرت عنها لان هوية الكتابة المداد المقدر بالهيئة المخصوصة فاذا ( فان خل ) كانت مباينة في الهوية لهوية علتها القريبة التي هيئتها مشابهة لهيئتها فكيف تكون هويتها اي الكتابة التي في القرطاس متحدة بهوية الكاتب الذي يجيء و يروح و يأكل و يشرب و ينكح ما هذا الا وساوس الشيطان ليضل من اجاب دعوته عن طريق الايمان و لايختص هذا بالمعقولات فان الاشياء الخارجية معلومة ايضا فيجب ان تتحد هوياتها بهوية العالم بها او يكون غير عالم بها الا حال تجريدها فحيث تساوت عنده تعالي في العلم بها كانت نسبتها اليه في العلم بها سواء لا فرق بين الوجودات و بين انحائها و بين الماهيات و بين المنتزعات ظلية او جوهرية مجردة او مادية فاذا اعترف بعدم اتحاد شئ منها بموجده لزمه بقية المعلومات لكونها متساوية النسبة اليه تعالي و قوله و لايمكن للعقل ان يشير اشارة حضورية الي معلول منفصل الهوية عن هوية موجده ، غلط فاحش و لكن اذا كان رأيه كما ذكره صهره في الكلمات المكنونة انه تعالي فاعل باحدي يديه و قابل بالاخري و النقوش كثيرة و الذات واحدة فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره انتهي ، فما شاء ان يقول فليقل فان العقل لايمكنه ان يشير اشارة حضورية او حصولية الي هوية معلول الا بلحاظ ان هويته منفصلة عن هوية موجده سواء نظر الي العلة القريبة ام الي العلة البعيدة و لايمكنه ان يتعقل الا ان يكون العلة مفيضة و المعلول مستفيضا او بلحاظ ان العلة ليست علة و المعلول ليس معلولا او ( الا خل ) بتغاير الحيثية كما قلنا في معني خلق المشية بنفسها فان كان بهذا الاعتبار كان المعلول هو العلة الا ان ذلك في المحدثين لتغاير الحيثية و من ذلك
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 482 *»
ما قررنا سابقا ان المعلولات المجردة عن المادة العنصرية و المدة الزمانية كالعقول و النفوس و الارواح و الطبايع و جوهر الهباء فقد قلنا انها قائمة بفعل الله قيام صدور و كذلك غير المجردات و القائم بعلته قيام صدور منفصل عن علته كالكلام القائم بالمتكلم اي بفعله قيام صدور فانه قائم بالهواء قيام حلول و كالصورة في المرءاة فانها قائمة بالشاخص قيام صدور و هي منفصلة عنه لانها هي هيئة صورته ( صورة خل ) القائمة به قيام عروض و ذلك ان مادة الصورة التي في المرءاة من الصورة التي في الشاخص و صورتها من صقالة المرءاة و هيئتها و لونها و مقدارها و ليست الصورة التي في المرءاة متصلة بالشاخص لانها تصفر بصفر ( تصغر بصغر خل ) المرءاة و تعوج باعوجاجها و تلبس لون زجاجة المرءاة فهي منفصلة عن الشاخص مختلفة باختلاف المرءاة و لو كانت متصلة لمتخالف ما في الشاخص نعم هي قائمة به قيام صدور و كذلك الصورة المجردة مثلها و لا فرق و لا شك ان العقل يشير الي هويات المعلولات القائمة بعلتها قيام صدور منفصلة عن هويات عللها مباينة هوياتها و جميع ما سوي الله عز و جل قائم بفعله قيام صدور من المجردات و الماديات في الغيب و الشهادة فيجب ان يكون هوياتها مباينة لهويات عللها نعم من جعلها قائمة بذات صانعها قيام عروض لانها صور علمه الذي هو ذاته و انه فاعل بذاته لا بفعله و امثال هذه الترهات ( التوهمات خل ) كالمصنف و ابناء نوعه جاز ( جار خل ) له في وهمه و مغالطات ادراكه ان يقول ان هوياتها متحدة بهويته و كثرتها و تغايرها و تباينها في كونها في ذاته لاتنافي بساطته و هو مبني علي مقتضي حكم الطبع علي القلوب نعوذ بالله من سخط الله و من لميجعل الله له نورا فما له من نور و لهذا قال حتي تكون عنده هويتان الخ ، لانه يريد انها في ذاته و لو اراد انها قائمة بفعله قيام صدور قد وضع ( و وقع خل ) كل واحد منها في مكانه من ( في خل ) ملكه تعالي لما قال حتي تكون عنده الخ ، لانه لايريد بهذا ملكه و انما يريد به ذاته لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم .
قال نعم له ان يتصور ماهية المعلول شيئا غير العلة و قد علمت ان المعلول بالحقيقة ليس ماهية المعلول بل وجوده فظهر ان المعلول في حد نفسه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 483 *»
ناقص الهوية مرتبط الذات بموجده متعلق الكون به فكل وجود سوي الواحد الحق لمعة من لمعات ذاته و وجه من وجوده و ان لجميع الوجودات اصلا واحدا هو محقق الحقايق و مشيء الاشياء و مذوت الذوات .
اقول يريد به بيان ما ذكر قبل هذا ان الماهيات لا تأصل لها بخلاف الوجودات ليترتب ( ليرتب خل ) عليه دعواه و قد قدمنا ان الماهيات مجعولة كما ان الوجودات مجعولة و ان من قال باتحاد الوجودات بموجدها يلزمه ذلك في الماهيات لانها مثلها و قوله انها امور ذهنية يخالف قوله المتقدم في كتابه هذا قال و لاني اقول ان تصور الشئ مطلقا عبارة عن حصول معناه في النفس مطابقا لما في العين و هذا يجري فيما عدا الوجود من المعاني و الماهيات الكلية التي توجد تارة بوجود عيني اصيل و تارة بوجود ظلي مع انحفاظ ذاتها في كلا الوجودين انتهي ، و قد ذكر بعده ان للوجود وجودا ذهنيا كما تقدم و كذا ذكر ذلك في الاسفار فاذا كانت الماهيات الوجودات لها وجود عيني اصيل لايمنعها عن الاتحاد بعاقلها علي دعواه ان لها وجودا ذهنيا كما ان الوجود لايمنعه عن الاتحاد وجوده الذهني الظلي علي انا قد ذكرنا لذوي العقول انها معقولة و مجعولة و ان الامور الذهنية كلها معقولة له فما وجه التخصيص بالوجودات دون غيرها مع انه قدم ان بسيط الحقيقة كل الاشياء فاذا خصص الاتحاد بالوجودات كان بسيط الحقيقة بعض الاشياء لا كلها و يلزم ( يلزمه خل ) ان العقل اذا امكنه تصور ماهية المعلول شيئا غير العلة امكنه تصور وجود المعلول شيئا غير العلة ليس بينهما فرق الا بحكم العادة و ما رسخت فيه الشبهة و الا فكلا الاثنين مجعول و كلاهما معقول و كلاهما متحقق فسلمنا له في حكمه علي الماهيات و عارضناه في حكمه علي الوجودات و قوله و قد علمت ان المعلول بالحقيقة ليس ماهية المعلول جوابه الذي علمت ان المعلول هو مجموع وجود المعلول و ماهيته لا خصوص وجوده بل هو بالماهية اولي و قوله فظهر ان المعلول في حد نفسه ناقص الهوية مرتبط الذات
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 484 *»
بموجده ، فيه ما تقدم فان المعلول علي قوله هو وجود زيد في حد نفسه ناقص الهوية ايضا صحيح لكنه ليس بمرتبط الذات بذات موجده كما ان الضرب الذي هو معلول ليس مرتبط الذات بالذات التي احدثت الضرب بفعلها و انما هو مرتبط الذات بفعله الذي صدر عنه لان المعلول انما يرتبط بما يتقوم به من اسبابه و هي ( و هو خل ) ثلثة اشياء احدها الفعل الذي صدر عنه و ثانيها المادة التي تقوم بها تقوما ركنيا و هي حصة من امر الله المفعولي اعني الوجود الاولي الذي هو الماء و هو المسمي بالحقيقة المحمدية فان وجود زيد حصة من شعاعها و ثالثها اسباب ظهوره اعني الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان و الوضع و الاجل و الاذن و الكتاب و هذه الاسباب هي حدود ماهيته ( ماهية خل ) التي هي علة ظهوره لانه يتوقف في ظهوره و تحقق كونه علي الماهية كما يتوقف الكسر في ظهوره و تحققه علي الانكسار بل هو آيته التي جعلها الله عز و جل بلطيف حكمته دليلا عليه و كما في الكتابة فانها لميرتبط ( لمترتبط خل ) في وجودها و تحققها و استمرار بقائها الي الكاتب و لميرتبط وجودها بوجود الكاتب بل بحركة يد الكاتب في الصدور و بالمداد و القرطاس في التحقق و الاستمرار فكل وجود سوي الوجود الحق عز و جل لمعة من لمعات اثر فعله لا من لمعات ذاته تعالي ان تكون لذاته لمعات لان ذلك صفة المخلوق و وجه من وجوه اثر افعاله اذ لا وجوه لذاته بل ذاته شئ بسيط احدي المعني لا تكثر فيه لا في نفس الامر و لا في الفرض و الاعتبار و لا بالحقيقة و لا بالمجاز الا ما اثبته الله تعالي من اسماء افعاله و معانيها كما سمي محمدا و آله صلي الله عليه و آله اسمائه و معانيه و وجهه و سبيله و المراد بانهم معانيه انهم عليهم السلام معاني افعاله كالقيام و القعود بالنسبة الي زيد فانهما من معانيه اي معاني افعاله و قوله و ان لجميع الموجودات اصلا واحدا الخ ، غلط و الحاد علي المعني الذي يريد و انما هو تعالي اصل لايجادها بفعله لا من شئ بل اخترع وجوداتها بفعله لا من اصل هو ذاته و الا لكان تعالي يلد عن ذلك و لا من اصل هو معه و الا لكان معه في ازله غيره تعالي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 485 *»
و قوله هو محقق الحقايق و مشيء الاشياء و مذوت الذوات ، حق علي ما نريده لا علي ما يريده المصنف لانا نقول انه عز و جل محقق الحقايق اي جاعل الحقايق بقوابلها حقايق بفعله و جعله لا بذاته كما يزعمه المصنف لما قدمنا من انه لو كانت ذاته فعلا لكانت صفة لذات اخري و هو جاعل الحقايق حقايق لا كما توهموا من انه تعالي لميجعل المشمش مشمشا لان كون المشمش مشمشا شئ غير المشمش و هو حادث فيكون مجعولا و جاعله اما نفسه او المشمش او الله سبحانه فليقولوا ما شاؤا و هو مشيء الاشياء بمشيته التي خلقها بنفسها ثم خلق الاشياء بها لا بذاته ( بذاتها خل ) و هو مذوت الذوات بفعله كذلك و هذا لمن هداه الله ظاهر .
قال فهو الحقيقة و الباقي شؤنه و هو النور و الباقي سطوعه و هو الاصل و ما عداه ظهوراته و تجلياته هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن و في الادعية يا هو يا من هو يا من لا هو الا هو يا من لايعلم اين هو الا هو .
اقول هو سبحانه الحقيقة بلا شك و الباقي اي ما سواه شؤنه اي مفاعيله و مصنوعاته الصادرة عن افعاله لا عن ذاته كما توهموا من انها في ذاته بنحو اشرف كامنة فيه ككمون النار بالحجر مستعدة للظهور و ورود امر كن فتكون بالامر بالفعل بعد ان كانت بالقوة كما كانت النار من الحجر بحك الزناد بل هي اي شؤنه شؤن افعاله يعني مفاعيله الصادرة من افعاله كالاكل و الشرب و القيام و القعود الصادرة من افعال زيد فانها هي شؤنه و لو كانت صادرة من ذات زيد نفسه من غير توسط فعل كما توهم او بتوسط فعل لكانت ولادة و لمتكن شؤنا و هو سبحانه النور بمعني الهادي او بمعني الذات التي لميوضع بازائها الظاهر بنفسه المظهر لغيره لان هذا وضع بازاء ما خلقه الله آية لمعرفته فافهم ان كنت تفهم و الباقي سطوع آثار فعله لان السطوع هو النور المشرق من المنير و ليس مشرقا من نفس ذاته بل هو ظهوره به اي ظهور الفاعل بذلك الظهور فهو في الحقيقة من فعله لا من ذاته و الا لصدق عليه انه منير لا نور لانه اثر و الاثر صادر من التأثير فظهوره به كظهور من كان في بيت مظلم فدخلتها و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 486 *»
انت لمتره ثم تكلم لك فقد ظهر لك بكلامه و هو علي ما هو عليه من انك لاتراه و انما علمت وجوده بكلامه و صفته بما عرف نفسه و وصفها في كلامه و لا شك ان هذا الظهور ظهور فعلي لا ظهور ذاتي و لهذا نقول ان الاشياء تنتهي الي افعاله لا الي ذاته كما قال سيد الوصيين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الجاه الطلب الي شكله السبيل مسدود و الطلب مردود الخطبة ، و هو سبحانه الاصل لها بفعله كما مر و الباقي مما سواه ظهوراته علي نحو ما بينا لا علي نحو ما توهمه المصنف بانه سبحانه اصل الاشياء و هي متفرعة عن ذاته تعالي الله عن هذا الكلام علوا كبيرا لانه سبحانه انما ظهر و تجلي بمصنوعاته لمصنوعاته هو الاول بعين ما هو الآخر و هو الآخر بعين ما هو الاول و هو الظاهر بنفس ما هو الباطن و هو الباطن بنفس ما هو الظاهر قال اميرالمؤمنين صلوات الله عليه لميسبق له حال حالا فيكون اولا قبل ان يكون آخرا و يكون ظاهرا قبل ان يكون باطنا لانه تعالي احدي المعني فلا تغاير بين صفاته و مراد المصنف انه كل الاشياء اي انه اول الاشياء و آخرها و ظاهرها و باطنها كما مثلوا بالبحر و امواجه و النفس بفتح الفاء و الحروف و المداد و الكتابة و الثوب و الالوان و الماء و الثلج و ما اشبه ذلك مما هو قول بوحدة الوجود ، و قوله و في الادعية يا هو الخ ، يريد به انه الحقيقة لكل شئ ليس شئ غيره بمعني ما اشار اليه في قوله هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن فقصد بارادته من الدعاء يا من هو ، ان لفظة هو عني بها الذات البحت و ليس كما اراد لان القائل (ع) لميرد ما ارادوا لانه فسر هو فقال الهاء اشارة الي تثبيت الثابت و الواو الي انه المحتجب عن الحواس فاراد بتثبيت الثابت تثبيته في الاوهام حيث طلبته بالتمييز فاشار بالهاء الي تثبيته فيها من غير تميز ( تمييز خل ) يعني تثبيت معرفة من هو ثابت بذاته في الاوهام من غير تمييز ( تميز خل ) و لا تحديد و لا تكييف بل هو محتجب عن ادراك الحواس و هذا اعلي ( علي خل ) ما يدل علي الآية الدالة عليه دلالة استدلال عليه لا دلالة كاشفة له تعالي عن ذلك كما قال علي (ع) في خطبته الدرة الموسومة بالدرة اليتيمة قال و ان قلت مم هو فقد باين
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 487 *»
الاشياء كلها فهو هو و ان قلت فهو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له الخ ، فقد بين عليه السلام ان هو كلامه الذي وصف به نفسه لعباده وصف استدلال عليه لا وصف يكشف له و يبين حقيقته كما توهمه المصنف و اتباعه الذين جعلوا هو الاسم الاعظم لانه اخص جميع الاسماء و ابسطها فهو يدل علي الذات البحت تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا لان الهاء في هو لتثبيت معرفة الثابت في الاوهام بغير تحديد و لا تكييف فلذا الحقت بالواو الدالة علي الاحتجاب عن الادراك و باقي كلمات الدعاء بهذا النمط و اما قوله يا من لايعلم اين هو الا هو فيراد منه انه لما لميثبت صفته في جهة من جهات الاوهام و لميصف نفسه لها بكيف و لا اين و لا متي و انما وصف نفسه لهم وصف استدلال عليه لا وصف يكشف له و اما الوصف الكاشف له فلايعلم اين هو من ملك الله الا هو فانه يعلمه تعالي و يطلع عليه احب خلقه اليه صلي الله علي محمد و آله فانه به تنكشف حقيقة معرفته الامكانية و هو الاسم الاكبر و هو الوصف الكاشف له اي لمعرفته الامكانية و اما كنه الذات البحت فلا كشف لها اصلا و لاتجري عليها العبارات بحال من الاحوال فلما لميعرف اين ذلك من ملكه الا هو او من اطلعه عليه قال يا من لايعلم اين هو الا هو و كل هذا و امثاله في الامكان لما قلنا من ان الازل لايسع الامكان التعبير عنه و من هنا قال الرضا عليه السلام و صفاته تفهيم و اسماؤه تعبير او كما قال فاستعذ بالرحمن و دع عنك حيرة الحيران .
قال و اياك ان تزل قدمك من استماع هذه العبارات و تتوهم ان نسبة الممكنات اليه تعالي بالحلول و الاتحاد و نحوهما هيهات ان هذا يقتضي الاثنينية في اصل الوجود و عند ما طلعت شمس الحقيقة و سطع نورها النافذ في اقطار الممكنات المنبسط علي هياكل الماهيات ظهر و انكشف ان كل ما يقع عليه اسم الوجود ليس الا شأنا من شؤن الواحد القيوم و لمعة من لمعات نور
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 488 *»
الانوار .
اقول يريد انا قلنا باتحاد المدرك بالمدرك ليس بان حل المعقول بالعاقل و المفعول بالفاعل و لا بان امتزج به او استهلك فيه و امثال ذلك لان هذا انما يكون بين الاثنين و هذا لايكون و انما ذلك لانه في الحقيقة انما هو الفاعل وحده و ما سواه فهو تطوره و هذا هو معني ما قاله صهره الملا محسن في الكلمات المكنونة قال ذات الاسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و القابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالي فالفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره انتهي ، فاعتبروا يا اولي الابصار في هذه الاعتقادات الباطلة و تفهموا قوله فصح انه مااوجد شيئا الا نفسه و ليس الا ظهوره و كلام قدوته المصنف مثله لانه يغترف من العين الكدرة و نحن انما قلنا بان كلامكم يلزم منه التركيب و الكثرة و التعدد لما ثبت ان الشئ لايحدث نفسه و انه لو كان كما قالوا لاختلف ( لاختلفت خل ) حالاته و مختلف الحالات حادث و ذلك لان الحوادث كانت كامنة فيه فظهرت كما قال في الكلمات المكنونة فان الكون كان كامنا فيه معدوم العين و لكنه مستعد لذلك الكون بالامر و لما امر تعلقت ارادة الموجد بذلك و اتصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الي الفعل الخ ، و هذا ظاهر بانه مختلف الاحوال اذ حال كون العالم فيه غير حال ظهوره و المختلف حادث ثم اذا ثبت الاختلاف كان دعوي الاتحاد هذا لا بد ان يكون اما بالحلول او الامتزاج او الاستهلاك او الاستحالة او الانقلاب او التداخل و ما اشبه ذلك ( هذا خل ) و اذا طلبنا معرفة ذلك بنحو ما بين عز و جل لعباده في قوله الحق سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق وجدنا ان ما في الآفاق مثل الكتابة فان فاعلها غيرها و فعلها بحركة يده من مادة صنعها فاقامها بتلك المادة في القرطاس و لمتتحد بفاعلها و لا بفعله و مثل صورة الشخص في المرءاة فانها لمتوجد قبل المرءاة و هي بحسبها في الكبر و الصغر و الطول و العرض و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 489 *»
الاستقامة و الاعوجاج و البياض و السواد و لو اتحدت بالشاخص لمتكن مختلفة باختلاف المرءاة و مثل الاشعة من المنير فانها لاتوجد الا في الكثيف و المنير موجود وجد كثيف ام لميوجد و مثل الاصوات من المصوتات و وجدنا في انفسنا ان الفاعل لايوجد بدون فعل و ان الفعل مقترن بالمفعول و كل واحد من هذه الثلثة غير الآخر فيجب تحقق المغايرة المنافية للاتحاد علي نحو ما قررنا سابقا قال المصنف في بعض رسائله علي ما نقل بعض المحشين علي هذا الكتاب ان النظر الي هوية النفس و مقاماتها الذاتية الشخصية من حد العقل بالفعل الي حد الوهم و الفكر و الخيال و هلم جرا الي مراتب الحس حتي الادراك اللمسي كلها موجودة بوجود النفس حياته بحياتها علي الوجه الجزئي الحضوري يؤيد ما قررنا و ينور ما ذكرنا ان هويات المشاعر ليست تشخصاتها و وجوداتها مباينة لهوية النفس و وجودها و لا انها اعراض قائمة بالنفس كما زعم او بالبدن كما توهم و لان استخدام النفس اياها كاستخدام احدنا للخادم و الاجير و لا انها جواهر منفصلة الذات عن النفس و لا ان النفس بحسب مقامها العقلي مدركة لهذه الجزئيات و لا ان الحواس هي المدركة دون النفس كما توهم و لا انها ( انهما خل ) متشاركان في هذه الادراكات بل النفس بعينها العاقل المتصور المتخيل الحاس الشام الذائق اللامس المدبر المحرك النامي الغاذي المولد الآكل الشارب النائم القاعد و هذا باب من التوحيد ينفتح بمفتاح النفس علي هذا الوجه فتدبر و اهتد انتهي ، و اقول ان اكثر كلماته في هذه الرسالة ليست مستقيمة و بيان اعوجاجها يطول به الكلام و لنشر الي شئ منها منه انها اعراض قائمة بالنفس قيام صدور كما هو شأن الافعال بالآلات و منه انهما مدركان لا علي سبيل المشاركة بل النفس مدركة بهذه الاشياء و هذه الاشياء مدركة بالنفس و معني هذا علي سبيل الاشارة ان كل مدرك انما يدرك بنفسه ما هو من نوعه و لايدرك ما دونه الا بما هو من نوعه و ادراكه لما دونه بما هو من نوعه ان كان عن غني مطلق كان لعدم احتمال ما يدركه لادراكه اذ لو كشف
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 490 *»
حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه جميع ما انتهي اليه بصره من خلقه كما في الحديث النبوي فجرت الحكمة علي ان يدركها بها و بمن هو من نوعها في كل شئ بحسبه و ان لميكن عن غني مطلق فيدرك بعلته بمعني كون علته حافظة لكونه و لمشاعره و لآلاته فالنفس تدرك الطعم مثلا بالقوة الذائقة بمعني ان ادراك الذائقة للطعم ادراك اشراقي للنفس كما قلنا في كون زيد اذا حضر عندي علما لي به اشراقيا نسبيا له يوجد لي بوجوده و يعدم بعدم حضوره و القوة الذائقة تدرك الطعم بالنفس بمعني ان النفس حافظة للذائقة و لادراكها و اسبابه كحفظ الشاخص للصورة في المرءاة فانها تفعل ما دامت شيئا بحفظ الشاخص لها فافهم فان فهمت ما بينت و شرحت شربت شربة من حوض رسول الله صلي الله عليه و آله بكف وصيه صلوات الله عليه لاتظمأ بعدها ابدا و ان لمتفهم فلاتكذب بما لمتحط بعلمه و لمايأتك تأويله و لاترد ما لاتعرفه اسمع قول الشاعر :
اذا كنت ماتدري و لا انت بالذي ** * ** تطيع الذي يدري هلكت و لاتدري
و اعجب من هذا بانك ماتدري ** * ** و انك ماتدري بانك ماتدري
فالذائقة حال كونها مدركة بالنفس مستقلة بالادراك ما دامت النفس حافظة لها و لادراكها و ادراكها للطعم بالنفس اي بحفظ النفس ادراك اشراقي للنفس يوجد للنفس بوجود ادراك الذائقة للطعم حال كونها محفوظة و يعدم بعدمها فافهم هذا الترديد فاني لو اقتصرت علي اجمالي بقولي ان النفس تدرك بها و هي تدرك بالنفس لمافهمت ما اريد ، و قوله و عند ما طلعت شمس الحقيقة الخ ، يريد به عند ما طلعت شمس الحقيقة اي تجلت الذات بذاتها عنده و عندنا تجلت الذات باحداث مصنوعاتها و سطع نورها النافذ في اقطار الممكنات يعني ما كان كامنا في ذاته بالقوة اشرق و برز بالفعل عند ورود امره كن و نحن نعني بمثل هذا الكلام ما احدث
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 491 *»
من فعله و ما احدث به من مفعولاته و النور الساطع وجوداتها و اضافة الاقطار الي الممكنات بيانية و قوله المنبسط علي هياكل الماهيات يريد به ان نور الوجود انبسط علي الهياكل و معناه يصرفه كل الي مذهبه فمن جعل الهياكل اي الماهيات صورا علمية غير مجعولة جعل نور الوجود مظهرا لها في الاعيان و من جعلها مجعولة بالوجود جعل الوجود مقوما لها و قد تقدم ذكر اختلافهم في الماهية و ورودها عليه او وروده عليها و جهة تقومه به او تقومها به و لا فائدة لاعادته و لاسيما مع كثرة التكرير و الترديد لمن رسخ في قلبه مذهب المصنف لعله يذكر او يخشي ، و قوله ظهر و انكشف ان كل ما يقع عليه اسم الوجود ليس الا شأنا الخ ، يريد به انه شأن من شؤن الذات البحت و لمعة من لمعات نوره الازلي الذي هو ذاته الصرف و هذا مثل ما تقدم من جعله تعالي كل الاشياء الا المصنف اخذه الطمع علي الماهيات و الذي ينبغي له ان يدخلها مع الوجودات الممكنة لانها من الاشياء التي هي عنده انه تعالي كلها لانها شئ و هو عنده موجود لايسلب عنه شئ تعالي ربي و مالك رقبتي عما يقولون ( يقول خل ) علوا كبيرا و انما الحق في هذه المسئلة ان كل ما يقع عليه اسم شئ من وجود او ماهية فانه شأن من شؤن فعله و لمعة من لمعات نور مفعوله اعني الحقيقة المحمدية علي ما نطقت به اخبار العترة النبوية صلي الله علي محمد و آله و اما انه تعالي نور الانوار فليس علي ما يفهم اذ لايصدر منه تعالي شئ كما توهمه من ان جميع الانوار صادرة منه و لقد اخطأ القياس لانه قاس ذلك علي السراج و اشعته و نحن قد قدمنا ان السراج المرئي ليس هو النار بل هي غيب لايدرك و هي الحرارة و اليبوسة الجوهريان و انما المرئي هو مفعوله المنفعل بالاستضائة عن فعلها لان الشعلة المرئية من السراج هي الدخان المستحيل من الدهن بحرارة فعل النار المنفعل بالضوء عنها و هي اي الشعلة المرئية التي هي بمنزلة الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله التي هي محل فعل الله هي منور الاشعة الواقعة في الجدار فالشعلة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 492 *»
هي المنورة لجميع اشعة السراج و جميع الاشعة منتهية اليها قائمة بها قيام صدور و قيام تحقق ركني فالدخان الذي هو بمنزلة الحقيقة المحمدية و بمنزلة الحديدة استضاء بمس النار و هو مس فعلها و النار في حد ذاتها غيب لاتظهر الا بتأثيرها في الدخان و في الحديدة حتي تكون بمنزلة النار و الاشعة من الدخان المستضيء بمس النار و اليه يعود فلاتكون الاشعة من النار و انما هي ( من خ ) مفعولها و السراج و اشعته خلقه الله عز و جل آية لفعل الله بمس النار و للحقيقة المحمدية التي خلق الله جميع الاشياء من شعاعها و نورها بالدخان المستضيء بمس النار كما استضاءت الحقيقة بفعل الله تعالي و لسائر خلق الله المحدث من الحقيقة المحمدية باشعة السراج فاذا قاس ما ادعاه علي السراج و اشعته كان مراده ان الاشعة كانت كامنة في النار التي هي مركبة من حرارة و يبوسة جوهريين فبرزت عند ورود كن عليها فكانت موجودة بالفعل خارج الازل بعد ما كانت موجودة في الذات بالقوة و هذا باطل لانه قاس ما لايعرفه علي ما لميعرفه .
قال فما وصفناه اولا بحسب النظر الجليل من ان في الوجود علة و معلولا ادي بنا اخيرا من جهة السلوك العلمي و النسك العقلي الي ان المسمي بالعلة هو الاصل و المعلول شأن من شؤنه و طور من اطواره و رجعت العلية و الافاضة الي تطور المبدء الاول باطواره و تجليه بانحاء ظهوراته فاستقم في هذا المقام الذي زلت فيه الاقدام و كم من سفينة عقل غرقت في لجج هذا القمقام و الله ولي الفضل و الانعام .
اقول يريد ان ما ذكرناه لك مما ادي اليه الدليل بالنظر الكشفي اولا ادي بنا اخيرا اي وقع بنا اخيرا بقاء علي الدليل بالنظر الجليل من جهة السلوك العلمي اي من جهة الترقي في مراتب العلوم الالهية و المعارف الاحدية و من جهة النسك العقلي اي العبادة العقلية اي امتثال امر ربه فيما تعرف به لنا ادي بنا ذلك الي ان ما سميناه بالعلة هو الاصل الذي تنشق منه الفروع و يتنوع منه كل نوع و ان المسمي بالمعلول انما هو شأن من شؤن ذاته و طور من اطواره بمعني ان
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 493 *»
الشأن الذي يريده هنا ليس اثرا فعليا يعني صادرا من فعله بل المراد بالشأن طور من اطوار الحق سبحانه و تعالي عما يقول علوا كبيرا و هو رأي باطل اما اولا فلان دليله نشأ عن كشف نفساني لان الكشف يتحصل للكاشف من نوع ما جعله مطمح نظره فان جمع قلبه و سره و ظاهره علي جهة عقلانية قد شهد الدين و المذهب الحق بنوع تلك الجهة العقلية تحصل له الكشف عن اسرار تلك الحقيقة من حيث يحب الله سبحانه و ان جمع قلبه و سره و ظاهره علي جهة نفسانية قد شهد الدين و المذهب اي الكتاب و السنة ببطلانها اعني ببطلان تلك الجهة النفسانية تحصل له كشف عن اسرار تلك الجهة التي هي بمنزلة السراب يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئا و وجد الله عنده فوفيه حسابه و الله سريع الحساب و اما ثانيا فلان النظر الذي ذكر انه جليل صحيح و لكن جلالته ليست في جهة الحق لمخالفة متعلقه ( متعلقة خل ) للحق لانه قد جمع قلبه علي تصحيح ان الخلق من سنخ الخالق فاداه كشفه الي ذلك و نحن لما نظرنا في كلام ساداتنا عليهم السلام و جمعنا قلوبنا علي ان الخلق ليسوا من سنخ الخالق و لا ظلا له و انما احدثهم صانعهم تعالي لا من شئ و انما احدثهم بفعله اختراعا و ابداعا كما اشار اليه اميرالمؤمنين (ع) في خطبة يوم الغدير و الجمعة قال عليه السلام في الثناء علي الله تعالي و هو منشئ الشئ حين لا شئ اذ كان الشئ من مشيته ه ، فابان عليه السلام ان الشئ انما هو من مشيته و لذلك سمي شيئا لانه مشاء فان قلت يلزمك في قوله عليه السلام الله شئ بحقيقة الشيئية ان يكون مشاء صادرا عن مشيته قلت ان ما تعرفه الخلائق اجمعون من معني قولهم عليهم السلام ان الله سبحانه شئ بحقيقة الشيئية انه معني محدث صدر عن مشية الله تعرف به لعباده و هو شئ ليس كمثله شئ و نعني به آيته تعالي التي اراها عباده في الآفاق و في انفسهم و هو العلامات و المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و هو شئ بحقيقة الشيئية لانه انما يعرف الله تعالي به فلا بد ان تجرده في لحاظ الوجدان عن جميع الاكوان و التكونات و الاحتياج الي شئ و ان تجرده عن كونه محدثا و ان تصفه بحقيقة الشيئية لانك اذا نفيت عنه كل ما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 494 *»
ليس هو ذاته من المفهوم و المعلوم بحيث لاتثبت فيه شيئا من انواع الاستفادة من الغير كان كذلك و الا لميعرف به الله سبحانه اذ لو بقي فيه شئ من انواع الاستفادة و الحاجة الي الغير لميعرف به الله لانه تعالي انما يعرف بذلك و لا سبيل لاحد من الخلق الا اليه فينسبون اليه ما ينسبون الي المعبود تعالي لانه وجهه و وصفه لنفسه لهم فافهم و انما جري علي المصنف ذلك حتي انطبعت نفسه علي الكشف المخالف لانه آنس بكلمات اهل الضلالة و البدع الذين غيروا فطرة الله و خلقه فمالت بهم طبيعة التغيير الي ما سمعت و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا و الدليل علي انهم لايكشفون عن حقايق الاشياء علي ما اعطاهم النظر بل علي ما يريدونه قول عبدالكريم الجيلاني من اجلاء اهل التصوف و كبرائهم في كتابه المسمي بالانسان الكامل ان شرط التصوف ان يكون علي ما يوافق مذهب السنة و الجماعة و علي هذا لو اداهم النظر و الكشف الي ما يخالف مذهب السنة و الجماعة تكلفوا صرفه و توجيهه حتي يطابق مذهبهم و ما هذا حاله لايكون كشفا بل تكلفا فقوله فاستقم في هذا المقام الذي زلت فيه الاقدام صحيح و لكنه مااستقام فيه كما امر و انما اتبع هواه .
قال في نبذ من احوال صفاته تعالي و فيه مشاعر المشعر الاول ان صفاته تعالي عين ذاته لا كما قاله الاشاعرة اصحاب ابيالحسن الاشعري من اثبات تعددها في الوجود ليلزم تعدد القدماء تعالي عن ذلك علوا كبيرا و لا كما تقوله المعتزلة و تبعهم الآخرون من اهل البحث و التدقيق من نفي مفهوماتها رأسا و اثبات آثارها و جعل الذات نائبة منابها كما في اصل الوجود عند بعضهم كصاحب حواشي التجريد .
اقول ان العقلاء من المتكلمين و الحكماء اختلفوا في صفات الله سبحانه بعد اتفاقهم علي انه تعالي موصوف بصفات في الجملة فمنهم من قال انها مغايرة لذاته باعتبار و هي ذاته باعتبار و مثلوا بالقائم فانه زيد باعتبار ان زيدا هو القائم اذ ليس القائم شيئا غير زيد و هو غير زيد باعتبار انه لو كان هو زيدا لمافارق القيام و هو خلاف الوجدان و هؤلاء بعض الاشاعرة اصحاب علي بن
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 495 *»
اسمعيل بن ابيبشر ( بشير خل ) الاشعري و منهم من قال بمغايرتها لذاته تعالي و انه تعالي حي بحيوة غيره و قادر بقدرة غيره و سميع بسمع غيره و هكذا و هؤلاء من اتباع الاشعري و ممن قال بهذا ابنتيمية و استدل بقول الله سبحانه و تعالي و اذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن انسجد لما تأمرنا قال لما نزلت هذه الآية قالوا و ما الرحمن كل وقت تأمرنا بالسجود لواحد امرتنا بالسجود لله ثم امرتنا بالسجود للرحمن و عنده ان الصفات مغايرة في المفهوم و في الوجود الا انها علي غير نحو مغايرة الاجسام و لهذا قال الحنابلة يعبدون صنما و الامامية يعبدون عدما يريد انهم ينفون الصفات و انما يثبتون الذات البحت و ذات بحت بلا صفات لاتوجد و قولهم علي الوجهين باطل للزوم تعدد القدماء الثابت بطلانه و قالت المعتزلة اصحاب واصل بن عطاء باثبات احوال و هي العالمية و القادرية و السميعية و البصيرية و هكذا من احواله صفاته و قالوا انها ليست اياه و ليست غيره و ليست موجودة و ليست معدومة و ليست قديمة و ليست حادثة و هذا القول كالاول في البطلان لانه غير معقول فقد اثبتوا ما لميعقلوا و قوله و تبعهم آخرون من اهل البحث و التدقيق الخ ، و منهم الملا جلال الدواني يريد به ان هؤلاء نفوا الصفات اصلا و رأسا لان اثباتها يوجب تعدد القدماء ان فرضناها قديمة و يوجب الاحتياج الي الحوادث ان فرضناها حادثة فينفون مفهوماتها ليتخلصوا من هذين الاشكالين و يثبتون آثارها لان الذات لاتقع منها الآثار الا باعتبار صفاتها و لما كانت الآثار لاتقوم بدون مؤثر جعلوا الذات نائبة مناب الصفات في اظهار آثارها و هذا ايضا باطل لان الآثار ان كانت للصفات دلت علي ان الصفات موجودة و ان لمتكن موجودة لمتوجد لها آثار اصلا لان وجود الآثار فرع علي وجود المؤثر و لاتتصور هذه الدعوي الا علي فرض وجود الصفات ثم بعد ان وجدت عنها آثارها عدمت الصفات و قامت الذات مقامها و هو ظاهر البطلان و ايضا اذا كانت الذات نائبة مناب تلك المعدومات لزم ان تكون الذات غير مؤثرة من نحو ذاتها بل بالنيابة عن غيرها و لايقال ان تلك ليست غير الذات لانا نقول انها لو لمتفرض ( لمنفرض خل ) غير الذات لمافرض
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 496 *»
عدمها مع وجودات ( وجود خل ) الذات فهي غير الذات و مثل ذلك كله في البطلان قول سيد صدر بنفي الوجود من الواجب مطلقا و ان الذات البحت قائمة مقام الوجود علي جهة النيابة كما ذكره في حواشي التجريد من ان الذات نائبة مناب الوجود و كل هذه الاحتمالات خارجة عن حد الاستقامة و قد مر ما يؤيد ما ذكرنا و يأتي ايضا .
قال بل علي نحو يعلمه الراسخون من ان وجوده تعالي الذي هو عين ذاته هو بعينه مصداق صفاته الكمالية و مظهر نعوته الجمالية و الجلالية فهي علي كثرتها و تعددها موجودة بوجود واحد من غير لزوم كثرة و انفعال و قبول و فعل فكما ان وجود الممكن عندنا موجود بالذات و الماهية موجودة بعين هذا الوجود بالعرض لكونه مصداقا لها فكذلك الحكم في موجودية صفاته تعالي بوجود ذاته المقدس الا ان الواجب لا ماهية له .
اقول يوهم كلام المصنف من نظر فيه انه صحيح و لكنه كالاقوال الاولة في البطلان و ان اختلفت جهات البطلان و ساوقفك علي وجه البطلان ان شاء الله تعالي اعلم ان وجوده عين ذاته الا ان قوله هو بعينه مصداق صفاته لايصح لانه ان فرض بين الوجود و بين الصفات نوع مغايرة و لو بالفرض و الاعتبار لميكن الوجود مصداقا لها اذ الوجود البحت لايقبل التغاير و لو بالفرض و التقدير اذ الفرض و التقدير و الاعتبار من احوال الامكان و لايصح شئ منها في حق الواجب عز و جل بوجه ما و ان لميفرض شئ اصلا بكل اعتبار امتنع فرض الصدق لان هذا النمط اعني الصدق المذكور انما علم من مشية الله خلقه تعالي و اجراه بين بعض خلقه و لايجري عليه ما هو اجراه و لاتغتر بعبارات المصنف و امثاله فتقبلها من غير فهم فتكون كما قال الشاعر :
قد يطرب القمري اسماعنا ** * ** و نحن لانفهم الحانه
لان الصفات الكمالية في الحقيقة ليست شيئا غير الله و الشئ لايصدق علي نفسه الا بلحاظ مغايرة و ذلك لايصح الا في الحوادث و اما الواجب فليس فيه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 497 *»
غيره و لا معه و لايصدق عليه و الفرق بين الصفة و النعت قيل ان الصفة لاتلزم و النعت يلزم و هذا في غير القديم تعالي و الفرق بين الجمال و الجلال ان الجمال نور الذات و قيل نور الجلال و الجلال هو حجاب الجمال و قيل حجاب الذات و علي كل حال فالجمال من صفات العظمة و الجلال من صفات العزة و الاختلاف في الاول فقيل جمال الجلال و قيل جلال الجمال و لاجل ذلك قيل لجماله جلال و قهر و سطوة و لجلاله جمال و نور و بهجة و كل ذلك في الامكان بعضه في الامكان الراجح و بعضه ( بعض خل ) في الامكان الجايز ، و قوله فهي علي كثرتها و تعددها ليس بصحيح لانها انما تكون كثيرة و متعددة في الامكان اعني الصفات الفعلية باعتبار تعلقها بالامور المتعددة المتغايرة و هي حينئذ لايصح ان يكون مصداقا لها و اما في الازل فليس الا هو عز و جل لانه هو الازل بلا مغايرة و لا كثرة بوجه من الوجوه و قوله من غير لزوم كثرة لا معني له لانه اذا فرض الكثرة لمينفها قوله غير من لزوم كثرة كما لو قلنا هذا الشئ مركب من اربعة اجزاء من غير لزوم تركيب فانك بعد اثبات التركيب لاينفيه قولك من غير لزوم تركيب ، و قوله فكما ان وجود الممكن الخ ، يريد به ان وجود الممكن موجود بنفسه لا بوجود غيره و قد قدمنا مرارا متعددة بيان وجود الممكن و انه هو المادة لا غير في كل شئ بحسبه من الغيب و الشهادة و هي لمتوجد بمادة غير نفسها و الماهية هي الصورة كذلك و هي موجودة من نفس المادة من حيث نفسها و ذلك تأويل قوله خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و الماهية لاتصدق علي الوجود بوجه ما لان الوجود كما قدمنا يطلق علي المادة و الماهية علي الصورة او علي الفعل و الماهية علي الانفعال و لاتصدق الصورة علي المادة و لا الانفعال علي الفعل و يطلق علي معني آخر و هو ان الشئ بلحاظ انه نور الله و اثر فعل الله وجود و بلحاظ انه هو ماهية و لايصدق الشئ من حيث انه هو عليه من حيث انه نور الله و صنع الله لانه هو استغناء بنفسه و هو جهة انيته و تشخصه و كونه نور الله و صنع الله و اثر فعل الله عدم انيته و محو ( نحو خل ) تشخصه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 498 *»
فلاتصدق الانية علي عدم الانية هذا بالنسبة الي نفس الوجود و الماهية و اما بالنسبة الي ايجادهما فلان وجود زيد مثلا احدثه الله تعالي بفعله و هو احداث احدث اولا و بالذات بمعني انه غير ( خير خل ) مقصود بنفسه لانه منشأ الطاعات و ماهيته احدثها الله عز و جل بفعله و هو فعل من الفعل الذي احدث به الوجود مترتب عليه و هو غيره مثل شراء الفرس للركوب اولا و بالذات و شراء الجل للفرس ثانيا و بالعرض و هو مترتب علي شراء الفرس و هو غيره و ان كان ناشئا عنه كذلك ايجاد الماهية فانه ايجاد ثانيا و بالعرض لانه غيره و ان كان مترتبا عليه لان الماهية شر لايحسن ان تقصد لنفسها و لكن الوجود لما لايمكن تقومه بنفسه من دون ضده لانه ممكن و كل ممكن زوج تركيبي بمعني ما تقدم من عدم صحة ايجاده الا باعتبار جهة من ربه و هو الوجود و جهة من نفسه و هو الماهية و بعبارة اخري لا بد لكل مخلوق من جهتين خلقه فانخلق جهة خلقه هي وجوده و جهة انخلق هي ماهيته و قد قال الرضا عليه السلام ان الله تعالي لميخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه قال تعالي و من كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فلما كان الوجود هو المقصود و لكنه متوقف ( متوقفا خل ) علي الماهية اوجدها الله ليتقوم بها الوجود و لانها منشئ المعاصي التي يكون التمكين منها شرطا لتحقق الطاعات اذ لو لميتمكن المكلف من المعاصي لميكن فاعلا للطاعات اذ لاتكون الطاعة طاعة حتي ( لا خ ) يكون المكلف فاعلا لها و هو يقدر علي ضدها فاذا ترك المعصية مع القدرة عليها و فعل الطاعة باختياره صحت الطاعة فكانت الماهية و ما يترتب عليها احدثها الله ثانيا و بالعرض بهذا المعني لا انهما احدثا بايجاد واحد كيف و هما ضدان و هيئة الموجود من هيئة الايجاد و ما يصدر عنه الوجود من الهيئة لاتصدر عنه الماهية و الا لكانت وجودا كما قلنا في نور الشمس و الظل الحادث من نفسه خلف الجدار اذ لو كان الظل موجودا بنفس ما وجد به النور لكان نورا و لعاد الي الشمس و قولنا ان الوجود وجد بنفسه و الماهية وجدت بالوجود و هو يوهم دعوي المصنف و اتباعه لمنرد به ما ارادوا و انما نريد ان الوجود لميكن موجودا من وجود قبله
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 499 *»
بل هو وجود مخترع لا من شئ و اما الماهية فهي موجودة من نفس الوجود من حيث نفسه لا من حيث خالقه و لانريد ان الوجود شئ مغاير للمادة كما توهموه حتي ظنوه غير المادة و الصورة و هو حقيقة الشئ و لا حقيقة للشئ غيرهما كما بيناه سابقا من اتفاق العقلاء علي ان قولك الانسان حيوان ناطق ان حيوان ناطق حد تام حقيقي جامع لجميع ذاتيات الانسان و ليس الا الحيوان فانه المادة و الناطق فانه الصورة و اين ذهب الوجود الذي توهموه و انه حقيقة للانسان فان الشئ لايحتاج في تكونه الا الي اربع علل علتان يتقوم بهما تقوما ركنيا و هي المادة و الصورة و علة يتقوم بها تقوم صدور و هي العلة الفاعلية و هي لاتكون جزءا من المفعول كما لاتتركب الكتابة من حركة يد الكاتب فلاتكون جزءا للكتابة و علة تكون باعثة للفاعلية و هي الغائية و هي خارجة عن حقيقة المفعول اتفاقا فلايتركب منها و لاتكون جزءا له فاين الوجود الذي هو حقيقة الشئ اذا لميكن مادته ( مادية خل ) و لو اردنا ما ارادوا من الوجود لوجب علينا ان نقول ان الماهية موجودة بنفسها كالوجود و لكن لما اردنا انها مخلوقة من نفسه قلنا انها موجودة بالوجود لانه المادة و الماهية هي انفعال المادة و قبولها فافهم ، و قوله فكذلك الحكم في موجودية صفاته تعالي الخ ، مبني علي ما سمعت فلايكون صحيحا في الحقيقة و ان كان يوهم الصحة في بادي الرأي عند من لميقل بقول اهل البيت عليهم السلام ممن عرفوه معاني كلامهم عليهم السلام لانه يريد كما ان ماهية الممكن تصدق علي وجوده مع ان الوجود موجود بالذات و الماهية موجودة بعين هذا الوجود كذلك مفهومات صفاته تصدق علي ذاته تعالي مع ان تلك المفاهيم موجودة بوجود الذات و هذا القول في الحقيقة مثل الاقوال الماضية في البطلان لانه اذا فرض مفاهيم غير الذات ماصدقت عليها و لو كانت المغايرة بالاعتبار و ان لمتغاير ( تغايرا خل ) اصلا امتنع الصدق لانه حمل و لايتحقق مع الاتحاد المحض و بيان حقيقة ذلك ان المفهوم اما ان يكون محصلا من الذات البحت او من الاسم الدال عليها او من الفاهم فان كان من الذات البحت فلايحصل منها غيرها و الا لما كانت بسيطة و بحتا و هي
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 500 *»
لاتحمل علي نفسها و ان كان من الاسم الدال عليها فان كان التحصيل علي نحو ما يقتضيه في اصل الوضع او العقل لميحصل منه غير الذات و هي لاتحمل علي نفسها و ان كان علي غير نحو ما يقتضيه من الدلالة الوضعية او العقلية فهو اجنبي لايحمل علي الذات و كذا ما يحصله الفاهم من نفسه علي انا ( انه خل ) لانسلم ان للصفات مفاهيم في الازل اذ ليست شيئا غير الذات و اما ما نعرف من المفاهيم التي تنسب الي الصفات فانما ذلك فيما دون المشية و كلما تحت المشية فهو حادث و هي حينئذ معاني افعاله تعددت تلك المعاني و اختلفت بتعدد متعلقاتها المختلفة فالمتعلق بالمعلوم علم و المتعلق بالمسموع سمع و المتعلق بالمبصر بصر و المتعلق بالمقدور قدرة و هكذا سائر الصفات الفعلية و ليس وراء الفعل صفات و لا معاني و لا اسماء و لا شئ من الاشياء الا الذات البحت البسيط التي لا كثرة فيها و لا تعدد و لا اختلاف و لا تغاير لا في الواقع و لا في الخارج و لا في الاذهان و لا في الفرض و لا في الاعتبار و لا حيث و لا كيف و لا لم و لا شئ من الاشياء من تصادق او تضايف او تناسب او جهة و جهة او غير ذلك لان كلما سوي الذات البحت من معني او عين في غيب او شهادة او نفس الامر او الخارج او الذهن فهو محدث بفعل الله و فعل الله محدث بنفسه و معاني الصفات و مفاهيمها محدثة بالفعل كما قلنا و قبل الفعل ليس الا الذات البحت فما الذي يصدق علي الذات البحت هل هو ما بعد الفعل و هو حادث بالفعل ام ما قبل الفعل و ليس ما قبل الفعل الا الذات البحت و لايصدق الشئ علي نفسه مع عدم المغايرة لا خارجا و لا ذهنا و لا في نفس الامر لا بالفرض و لا بالاحتمال فقد ظهر لك ان كلامه ليس بصحيح بل الصحيح ان المراد من عينية الصفات هو ما يبني علي المجازفة مما لاتحسن العبارة عنه و انما نقول انه تعالي احدي المعني و انما وصف نفسه بهذه الصفات تعريفا للعباد بما يفهمون كما قال الرضا عليه السلام اسماؤه تفهيم و صفاته تعبير و ليس شئ مما تدركه الخلايق من صقع الازل في شئ و التعريف انما هو بما اظهر من افعاله المفيدة لهذه المفاهيم المتكثرة المختلفة و ليس لها مبادي في ذاته و انما مباديها في
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 501 *»
فعله و ذلك انه وصف بالعلم لادراكه المعلوم و السمع لادراكه المسموع و البصر لادراكه المبصر و هكذا و الادراك معني فعلي و اما ذاته فانما هي كمال مطلق خارج عن حد الادراك و التقدير و الوصف فصدور آثار تلك المعاني الفعلية لايدل علي وجود مباديها او معانيها في الذات كما ان صدور الكتابة لايدل علي كون مباديها من الذات و انما تنتهي الي حركة يد الكاتب لا الي ذات الكاتب لمتكن في ذاته شئ مما للكتابة تعلق به الا العلم و القدرة المطلقان و العلم و القدرة الخاصان بالكتابة وجه من وجوه المطلقة العامة و هو عبارة عن التعلق الحادث عند الكتابة يحدث بحدوثها و يرتفع بارتفاعها فلاتصدق الكتابة و لا الصفة التي تنشأ عنها الكتابة و لا حركة اليد علي الذات البحت بوجه من الوجوه و بالجملة فمفاهيم الصفات تصدق علي الوجه المسمي عندهم بالعنوان اي الدليل و الآية عند اهل البيت عليهم السلام يسمي بالوجه و بالمقامات ( و العلامات خ ) التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه و هي محدثة كما قال الحجة عليه السلام و عجل الله فرجه في دعاء شهر رجب قال و اركانا لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك الدعاء ، ففي هذه الرتبة تصدق المفاهيم المذكورة علي الذات التي هي الوجه كصدق الماهية علي الوجود علي زعم المصنف و الا ففي الحقيقة انما تصدق عليه من حيث انه هو الذات اي الشئ المركب من وجود و ماهية صدق الجزء علي الكل لانها اركان لتلك الذات او كصدق الثلج علي الماء حال جموده لان الوجود كالماء حال ( قبل خل ) جموده و الماهية هي كالثلج فلايصدق الثلج علي الماء الا حال جموده لا قبله و هذا كله في مقام المقامات و العلامات التي هي الوجه الذي اشار اليه تعالي ( سبحانه خل ) بقوله فاينما تولوا فثم وجه الله لان المفاهيم المذكورة قد تلحظ باعتبار و قد يكون لها ذكر بجهة من جهات التفهيم و التعبير و ذلك في مرتبة ( رتبة خل ) توحيد الجملة و هذا التوحيد و ان كان مجزيا بمعني انه مخرج
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 502 *»
للمكلف عن حد الشرك الا انه ليس بتوحيد كامل لعدم نفي الصفات فيه اصلا كما اشار اليه اميرالمؤمنين و الرضا عليهما السلام اول الديانة معرفته و نظام معرفته توحيده و هذان الحرفان يشملان توحيده ( توحيد خل ) الجملة الذي لايعتبر فيه نفي الصفات و اما التوحيد الحقيقي الخالص الذي يعتبر فيه نفي الصفات اصلا بان تعرف انه تعالي ليس له وصف غير ذاته بكل اعتبار و لحاظ لا في الوجود و لا في الوجدان انما هو هو و لايقع عليه هو هو لان الهاء و الواو خلقه جعله صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و لايحتاج الخلق في تكوينهم و تكونهم و استمرارهم الي معرفة ذاته البحت لعدم انتهائهم اليها بحال و الا لماوجد شئ من الخلق ففي رتبة هذا التوحيد الخالص قالا عليهما السلام و كمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ه ، ففي توحيد هذه الرتبة لايجوز اعتبار جهة و جهة او حيث و حيث او صدق و مصداق او صفة و موصوف لا لفظا و لا معني لا خارجا و لا ذهنا و لا فرضا و لا اعتبارا بوجه ما و هذا كمال التوحيد الامكاني الذي تتسابق الخلايق فيه قوة و ضعفا و الله سبحانه منزه عن ذلك كله سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين فمعني كون صفاته عين ذاته في توحيد الجملة اعني الرتبة الاولي ان تعتبر ان لفظ العلم و القدرة و السمع و البصر و الحيوة من باب الالفاظ المترادفة لا ان لها مفاهيم غير ما افاده اللفظ كثيرة متعددة تصدق عليه كما ذهب اليه المصنف و انما استفيدت الكثرة و التعدد باعتبار تعدد المتعلقات و الآثار المختلفة باختلاف القوابل فافهم و الا فامسك و لاتهلك نفسك و قول المصنف تبعا لغيره الا ان الواجب لا ماهية له ، غلط لانه شئ بحقيقة الشيئية و الشيئية هي الماهية و في الادعية يا من لايعلم ما هو الا هو فقد اثبت الماهية الا ان وجوده تعالي ليس علي نمط وجود الحادث لان وجود الحادث لايجد نفسه و لايجده غيره لنفسه و انما يجده نورا لغيره و هو حقيقة
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 503 *»
الشئ من جهة فعل ربه و الماهية حقيقته من جهة نفسه و اما وجود الواجب فليس مستفادا من غيره بل وجوده هو ذاته فلما كان وجوده هو كان هو عين الماهية اذ لانعني بالماهية الا جهة هو فماهيته وجوده بلا اعتبار تغاير بمعني امتناع التغاير اصلا الا في اللفظ في مقام التعريف كما لو قلت وجوده نفس ماهيته فتأتي بلفظين معناهما واحد و انما فرق بينهما في الحادث لان الحادث وجوده مستفاد من الغير و ماهيته من نفسه فاختلفا فامتنع الاتحاد الحقيقي و الواجب تعالي وجود ( وجوده خل ) ليس مستفادا من الغير بل هو هو و هذا هو الماهية فاتحدا اتحادا حقيا و امتنع التعدد لامتناع الاختلاف لا في الذات و لا في الصفة و لا في الجهة و لا في الحيث و لا في شئ ما فالواجب تعالي ماهيته وجوده و وجوده ماهيته لا انه لا ماهية له اذ كل من لا ماهية له لا شيئية له فافهم .
قال المشعر الثاني في كيفية علمه بكل شئ علي قاعدة مشرقية هي ان للعلم حقيقة كما ان للوجود حقيقة و كما ان حقيقة الوجود واحدة مع وحدتها تتعلق بكل شئ و يجب ان يكون وجودا يطرد العدم عن كل شئ و هو وجود كل شئ و تمامه و تمام الشئ اولي به من نفسه لان الشئ يكون مع نفسه بالامكان و مع تمامه و موجبه بالوجوب و الوجوب آكد من الامكان .
اقول قوله في كيفية علمه بكل شئ ، فيه احد محذورين اما البطلان او سوء الادب فالاول ان اراد اثبات الكيفية للعلم فان الكيفية لاتجري علي علمه تعالي الا ان يراد به العلم الحادث الذي هو الالواح الكلية و الجزئية من الانسان و الملائكة و الحيوانات و النباتات و الجمادات الذوات و الصفات مطلقا و الثاني ان اراد بها التفهيم في التعبير فانه و ان جاز الا انه سوء ادب ان يعبر عما لا كيفية له بالكيفية مع ما في ذلك من الاشتباه علي اكثر الناس حتي انهم يستعملون ذلك غافلين عن محذوريتها ( محذورها خل ) لكثرة ما يسمعون من ( عن خل ) عبارات القوم بامثال ذلك من غير توحش و لو اشعروا لمانطقوا بهذه فانه ربما يدخل بذلك في قوله تعالي و لعنوا بما قالوا فان القول بالكيفية في علمه الذي هو ذاته كالقول بانه تعالي جسم او مركب و مراده في بيان الكلام في العلم بكل شئ ثم اعلم ( ايضا خ )
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 504 *»
ان العلم المبحوث عن كيفيته كما يقول ان اراد به العلم الذي هو ذاته فهو بحث في اكتناه الذات و هو لايزداد صاحبه بكثرة السير فيه الا بعدا من الحق و الصواب و لا سبيل لاحد من الخلق الي ذلك لا ملك مقرب و لا نبي مرسل فيجب سد الطريق الي ذلك مطلقا و ان كان اراد به العلم الحادث فيمكن البحث عنه و الكلام فيه و لكن المصنف لايريده بل ربما مايقول بثبوته الا علي طريقته في السنخ و هو مع هذا لايريد ما نريده و يريد بالقاعدة المشرقية ضابطة طريقته كما مر من ان بسيط الحقيقة كل الاشياء و ان معطي الشئ ليس فاقدا له في ذاته بل هو في ذاته بنحو اشرف و ان العقل و ما فوقه كل الاشياء كما ذكره في اول هذا الكتاب بناء منه علي ان العقل بسيط الحقيقة و لايكون بسيطا الا اذا كان غير مخلوق و الا فكل ممكن زوج تركيبي و من اتحاد المعقول بالعاقل و المعلوم بالعالم و المفعول بالفاعل و المجعول بالجاعل و هكذا و ان هذه الضابطة مشرقية اي وصلت اليه من اشراق واهب النور حتي انكشفت له هذه الحقايق التي سمعت بعضها نسئل الله تعالي العافية عافية الدنيا و الآخرة و من افراد تلك الضابطة المشرقية ان للعلم حقيقة كما ان للوجود حقيقة ( و خ ) يريد بالحقيقة هنا في الموضعين الازلية و لما تكلم كثيرا علي الوجود كما مر حتي ثبت عنده ان ما قرره ارتفع عنه الاشكال علي كل حال اخذ ينظر به العلم في نفسه و فيما يتفرع عليه من الاحكام قال و كما ان الوجود حقيقة واحدة و هذا يصح في الوجود الحق تعالي لا في مطلق الوجود كما يريده هو ليجعل تلك الحقيقة الواحدة شاملة لوجودات ( لوجود ذات خل ) الخلايق كلها فان هذا باطل و لهذا قال و مع وحدتها تتعلق بكل شئ و هذا باطل ايضا لان الشئ الواحد البسيط انما يتعلق بالاشياء المتعددة بجهات متعددة و تلك الاشياء المتعددة ان كانت مصنوعة لتلك الحقيقة البسيطة كانت تعلقاتها بتلك الاشياء المتعددة بافعالها لا بذاتها و ان كانت غير مصنوعة لها كانت تعلقاتها بتلك الاشياء بجهات لها متعددة و تلك الجهات غير الذات البسيطة لان تلك مختلفة باختلاف المتعلقات و الذات بسيطة لا اختلاف فيها و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 505 *»
لو فرض ان الجهات هي عين تلك الذات كانت الذات مختلفة متعددة و هذا ظاهر قال و يجب ان يكون وجودا يطرد العدم عن كل شئ يعني ان تلك الحقيقة التي هي واحدة و تتعلق بكل شئ يجب ان تكون وجودا كأنه يشير الي مخالفة السيد صدر علي نحو النقض يعني ان الذي تصدر عنه الوجودات يجب ان يكون وجودا و لو فرض ان الذات نائبة مناب الوجود في التحقق لمتكن نائبة منابه في احداث الوجودات فلو احدث ( احدثت خل ) حينئذ احدثت ذوات لا وجودات ثم نقول هذا الطارد اذا سلمنا انه وجود فهل يطرد العدم بنفسه ام بوجود ليس من ذاته بل محدث لا من شئ ام بوجود من ذاته متصل بذاته ام منفصل ام بوجود من ذاته غير متصل و لا منفصل و ليس بينه و بين الذات فعل فهذه خمسة احتمالات فالاول قد ابطلناه مرارا متعددة في هذا الشرح و في غيره و عند المصنف صحيح لانه قائل بالسنخ و بالاشتراك المعنوي و بالوجود المطلق كما تقدم و الثاني صحيح عند اهل البيت عليهم السلام و ان المطرود به العدم وجود احدثه الله تعالي بفعله لا من شئ و هو الحق لان الحق ما حققوه و الباطل ما ابطلوه و المصنف نص علي بطلانه بل ربما هو الباعث له علي تأليف هذا الكتاب و الثالث يريد منه ان لكل محدث منه تعالي جهة من ذاته تطرد عنه العدم بان تكون وجودا له و قد تقدم بطلانه لاستلزامه التعدد و الكثرة و الرابع باطل لاستلزامه التبعيض و الخامس باطل كما تقدم و يصح عند المصنف كما تقدم من القول بالوجود المطلق و اعلم ايضا ان الوجود اذا فرض انه يطرد العدم بنوره عن الشئ الذي يشرق عليه نوره فكيف هذا النور يحرق العدم الامكاني و لايحرق غيره من جميع الاشياء و قد قال صلي الله عليه و آله ان لله عز و جل سبعينالف حجاب
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 506 *»
من نور و ظلمة لو كشف حجاب منها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه ه ، و هذا الحديث الشريف صريح في ان كل شئ وقع عليه نور وجهه احترق لانه انما يحرق العدم بل يحرق كل شئ من عدم و وجود لان السوي يمتنع تحققه مع الحق تعالي و انما يتحقق مع احتجابه عنه به و في مستطرفات السراير عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن الكروبيين فقال قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لما سئل موسي ربه ما سأل امر رجلا من الكروبيين فتجلي للجبل فجعله دكا انتهي ، و ذلك لان ذلك الرجل لما تجلي للجبل بان ظهر له منه نوره و اشرق عليه فاحترق الجبل و تقطع ثلاث قطع قطعة انبثت في الهواء و هو الذر ( النور خل ) الذي يري من الكرة ( الكوة خل ) و قطعة ساخت في البحر فانبثت فيه كالهباء و قطعة ساخت في الارض فهي تهوي حتي قيام الساعة و نور هذا الرجل جزء من سبعين جزءا من نور الستر و الستر اثر فعله تعالي فكيف يشرق عليه اي علي الشئ شئ منه تعالي و يبقي له اسم او رسم فضلا عن كونه يتحقق بذلك الا ان يجعل شيئيته انما هي لنفس تلك الحصة الواجبة و اما ان تلك الحصة من الواجب اذا وقعت علي الشئ طردت عنه العدم و تحققت ذاته بتلك الحصة و لايكون ذلك الا بين الحوادث بعضها مع بعض و اما بين الوجوب و الحدوث فلا الا اذا جعل ذلك الشئ من الاعيان الثابتة في العلم الذي هو ذاته كما يقوله هؤلاء فانها عندهم غير مجعولة و انما كساها حلة الوجود فلميكن مناف بينهما الا التركيب و هو سهل عندهم فانهم يقولون لايلزم منه التركيب لانها كثرة في وحدة و قد مثلوا لهذا بالبحر و هو واحد و يشتمل علي امواج كثيرة كلها موجودة بوجود البحر و بالصوت و الحروف و بالمداد و الكتابة و بالماء و الثلج و بالثوب المتلون بالاصباغ و امثال ذلك و ما اعجب هذه الانظار الكليلة تفهم كلامه من غير لزوم كثرة و اي شئ اكثر من امواج البحر و اي شئ اكثر من تكثره و كيف لايلزم انفعال و قبول و البحر انما تكثر بالريح و انفعل بها و الوجود انما هو في الاشياء علي زعمهم كالخشب فانه شئ واحد و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 507 *»
وجود واحد فالباب و السرير و الصنم فيها الخشب موجود من غير تغيير و هذه الكثرة لو لا انفعال الخشب بالمشخصات المختلفة لماوجد باب و لا سرير و لا صنم و قد ذكرنا هذا مرارا متعددة بعبارات دليل الحكمة لماذكر شيئا من دليل المجادلة بالتي هي احسن لاستلزامه وضع المقدمات و القضايا الموهمة لارادة المفهوم او المعني او الرابطية و انما اذكر عبارات بديهية ظاهرة مكررة مرددة و الله ولي التوفيق و من ( فمن خل ) وفقه الله فهم ان ما يطرد العدم عن الاشياء لايكون الا وجودا محدثا لا من شئ و اما اذا فرض انه تلك الحقيقة الحقة الازلية فانه يطرد كلما سواه الا اذا قيل بكونها فيه كما في الكلمات المكنونة لملا محسن او انها صور علمية غير مجعولة كما في كتابه الوافي سواء قيل بكونها في علمه الذي هو ذاته و انها اعيان ثابتة ام بكونها معلقة كتعلق الظل بالشاخص فان هؤلاء كل شئ عندهم جايز ، و قوله و هو وجود كل شئ و تمامه يعني به ان تلك الحقيقة الازلية هي مع وحدتها وجود كل شئ و تمامه لانه قبل ظهور هذا الوجود عليه انما هو مفهوم مطلق ناقص التحقق لانه مع نفسه اي في نفسه انما هو محض امكان و جواز اذ لا شيئية له اصلا الا بهذا الوجود و به تم ناقصه و وجب جايزه فيكون هذا الوجود “٦” احق بالشئ “٢-” بان يكون “٢” له “٦-” و منه “٦-” و من نفس الشئ لانه “٢-” بدونه “٦-” انما هو مع نفسه و ليس شيئا و انما يمكن ان يكون بهذا الوجود شيئا و كلامه هذا كسابقه مبني علي قواعدهم المنهدمة عندنا كلها بما سمعت مرارا و نزيدك بان نقول ان الشئ انما سمي شيئا لانه مشاء لله عز و جل كما سمعت من كلام اميرالمؤمنين (ع) المتقدم و ذلك ان الله عز و جل كان وحده ليس معه شئ و لا فيه شئ و ذلك في الازل و الازل ذاته و ليس الازل وقتا او مكانا حل فيه تعالي عن ذلك و هو الآن علي ما كان ثم خلق المشية بنفسها لا بمشية غيرها و هذا في السرمد و هو عالم الرجحان و امكن بها الامكان الذي هو محل الممكنات و العمق الاكبر و هذه تسمي المشية الامكانية و هي و ما تعلقت به من الامكانات هو العلم الذي لايحيطون بشئ منه و بها كانت الاشياء كلها
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 508 *»
ممكنة غير مكونة فاذا اقتضت العناية السرمدية تكوين شئ منها خلقه بمشيته التكوينية و هي و ما تعلقت به من الاشياء المكونة هي المستثناة في قوله تعالي الا بما شاء و فيها و بها جميع المكونات و في الاولي ( الاول خل ) و بها جميع الممكنات قبل تكوينها و بعد تكوينها و في الحقيقة الامكانية و التكوينية شئ واحد و انما اختلفتا باعتبار اختلاف متعلقاتهما فالاشياء حقيقة اشياء ممكنة في الرتبة الاولي مكنونة في الرتبة الثانية فالاعيان الثابتة انما هي في الاولي لا في ذاته تعالي ذاته عن السوي و لكن اكثر الناس لايعلمون فاذا اراد اظهار شئ مما في الخزانة الاولي و انزاله الي الخزانة الثانية اخترع له مادة و صورة بالمشية الكونية و خلقه فيهما فالشئ قسمان شئ وجوده امكاني و شئ وجوده كوني و كل منهما مشاء لله عز و جل و ليس الامكان امرا اعتباريا و لا ذاتيا من نفسه و لا منقلبا عن وجوب او امتناع بل امكنه عز و جل فجعله شيئا ممكنا و لميك قبل ذلك ممكنا و لا مذكورا بشئ و لا في شئ و الشيئية المدركة لاتكون الا بالامكان او بالكون و محدث الكون هو محدث الامكان و اما الحكم علي الشيئية المدركة قبل تكوين بالمفهومية احترازا عن التكوينية فهو قشري عامي يصلح ( يحصل خل ) ان تتعاطاه السوقة ( السوقية خل ) لا العلماء الذين يصفون انفسهم بالرسوخ في الحقايق العلمية فالوجود الكوني و الوجود الامكاني هما الطاردان للعدم و ان كان الطارد في الحقيقة هو معطيهما الا انه تعالي يطرد ( يطرده خل ) عن الاشياء بهما لا بذاته لان الاشياء تتلاشي في رتبة ذاته بل كل شئ في رتبة ذاته المقدسة مستحيل الذكر و الامكان و التكوين لايجري عليه حكم الجواز و الامكان لا في الخارج و لا في نفس الامر و لا في الذهن و لا في الفرض و الاحتمال و الاعتبار بوجه من الوجوه بل هو مستحيل عقلا و نقلا لا اله الا الله و اما في الامكان الراجح فهو راجح الثبوت و في الكون جايز الثبوت و تمام الشئ الحادث هو الوجود الحادث سواء كان امكانيا ام تكوينيا فان تمام الكتابة هو المداد لا الكاتب بان يكون جزء من جسمه تماما للكتابة او حركة يده اذ تمام الشئ هو السبب القريب له لا البعيد و القوم في مثل اقوالهم هذه ينادون من مكان بعيد و علي ما
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 509 *»
بينا يكون ما به الامكان اولي بالشئ مما به التكوين لان ما به الامكان لايفارقه و يستحيل ان يفارقه بخلاف ما به التكوين و اما ان الوجوب آكد من الامكان فان اريد بالوجوب الوجوب الذاتي الازلي فلايدخل تحت القياس و التنظير حتي يقال انه آكد من الامكان و ان اريد به وجوب وجوده عند وجود علته التامة فالامكان آكد منه لان الوجوب بالغير يفارق بخلاف الامكان فانه لايفارق الشئ الممكن حال كونه بل هو فيه قبل كونه و مع كونه و بعد كونه علي حد واحد .
قال فكذا علمه تعالي يجب ان يكون حقيقة العلم و حقيقة المعلوم حقيقة واحدة و مع وحدتها علم بكل شئ لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها اذ لو بقي شئ من الاشياء لميكن ذلك العلم علما به لميكن صرف حقيقة العلم بل علما بوجه جهلا بوجه آخر و صرف حقيقة الشئ لايمتزج بغيره و الا فلميخرج جميعه من القوة الي الفعل و قد مر ان علمه سبحانه تعالي راجع الي وجوده .
اقول يريد ان علمه تعالي يجب ان يكون حقيقة واحدة و مع وحدة تلك الحقيقة يعني من حيث وحدتها تكون علما بكل شئ كما ان حقيقة الوجود واحدة و من هذه الحيثية تكون وجودا لكل شئ هكذا رأي المصنف و قد ابطلنا دعواه في الوجود كما سمعت قبل هذا و ستعلم بطلان رأيه في العلم فنقول اعلم اعانك الله ان ائمة الهدي عليهم السلام دائما ينهون عن الكلام في ذات الله و ان السائر في ذلك الطريق لايزداد من الله الا بعدا و في العلم الا جهلا و هم قد شغلوا اوقاتهم في ذلك خلافا لنهي اهل الحق عليهم السلام و الكلام في علم الله الذي هو ذاته عين الكلام في ذات الله و مع هذا كله عنونوا كلامهم فيه بالكيفية كما قال المصنف في كيفية علمه تعالي بكل شئ و نحن نتكلم في ذلك بالتنزيه لا بالتمييز و التشبيه كما قال جعفر بن محمد عليهما السلام فنقول اعلم ان المصنف لايعني بالعلم الذي يتكلم فيه الا العلم الذاتي الذي هو الذات و البحث فيه ممنوع منه لايفيد الباحث الا جهلا و القول الحق فيه ما قاله سيد
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 510 *»
العارفين و العلماء و الحكماء المتقين جعفر بن محمد عليهما السلام قال كان ربنا عز و جل و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور ه ، و اعلم ان بيان هذا بحيث يرتفع عنه الريب مما يطول فيه الكلام و العلة في ذلك مع دقته اعوجاج الافهام و لولا اعوجاج الافهام من كثرة الاصغاء الي قول كل ناعق لكان بيانه سهلا في قليل من الكلام و قد مثلت له فيما مضي بما لا مزيد عليه في البيان حتي مجه طبعي لكثرة الترديد و الحاصل انه تعالي علم كل شئ في مكانه و وقته حين كونه و حين امكنه و ليس شئ منها في ذاته ليعلمه في الازل و انما هي مذكورة في اوقات وجودها و امكنة حدودها و لايصح ان يقال انه تعالي يعلمها في ازله لانه ليس معه شئ منها و لايصح ان يقال انه تعالي في ازله جهل شيئا منها في اماكنها و لميفقد في ازله العلم بها في اوقات وجودها و امكنة حدودها حين كونها و ليس معه استقبال و لاينتظر حالا من احواله ليقال انه كان لميعلمها فلما اوجدها علمها لان هذه صفة المستكمل المستفيد من غيره و هو تعالي عالم بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها بل نقول انه حين اوجدها في اوقاتها و اماكنها علمها و لمتكن له حالة لمتكن حاضرة في ملكه عالما بها بل علمها حين اوجدها في انفسها ( نفسها خل ) و عند خلقه قبل ان توجد في انفسها و عند خلقه اذ ليس معه ماض و لا استقبال و لميتجدد له شئ مما له و لميتغير احواله فيكون فاقدا و واجدا بل لميزل في ازله واجدا لها في اوقاتها و اماكنها و هذا معني قول الصادق عليه السلام لميزل الله ربنا عز و جل و العلم ذاته و لا معلوم اي هو عالم لميتجدد له ما لميكن حاصلا له و لا معلوم معه و انما هي مع انفسها و هو معها بعلمه الاشراقي و لميكن معها بذاته و في الحديث كان الله و لا شئ معه و هو الآن علي ما كان لان من اختلفت ( اختلف خل ) حالاته فهو حادث و من احتمل الزيادة احتمل النقصان و لو كانت له حالة لميعلمها ثم علمها حين اوجدها كان فاقدا قبل الايجاد ( و خ ) واجدا بعده بل لميكن واجدا لها في ذاته ابدا و
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 511 *»
ازلا و لميكن فاقدا لها في ملكه ابدا و ازلا و العلم الذي لايغادر صغيرة و لا كبيرة اشراقي و العلم الذي هو ذاته علم و لا معلوم لان هذا العلم هو الله سبحانه و ليس مع الله غيره كما ان الوجود الذي هو ذاته وجود و ليس معه غيره و لا فيه لا بتعلق و لا بانبساط و الاعيان الثابتة التي يدعونها المصنف و من هو قائل بهذه المقالة الشنيعة ليست في ذاته و لا في علمه الذي هو ذاته و انما هي في خزائنه الامكانية التي جعلها ممكنة بعد ان لمتكن مذكورة لا في العلم و لا في الاسم لان كل السوي في رتبة ذاته ممتنع عقلا و ممنوع نقلا فامكنها بمشيته الامكانية و هو اول ما ذكرت به في العلم فانه العلم الاشراقي و هذا اول مراتبه و لا اول له في الامكان و ثاني مراتبه ما ذكرت به في الاكوان و ما امكن بمشيته ( بمشية خل ) الامكانية هي خزائنه التي لاتنفد و لاتنقص ابد الامد و امد الابد ينفق منها كيف يشاء و العلم الاشراقي يوجد بوجودها يرتفع بارتفاعها بل هو نفسها و حيث وجد فهو موجود عند نفسه و هو عند الله و حيث يفقد فهو مفقود عند نفسه و هو عند الله لان ما دخل في ملك الله لايخرج منه فالعلم الاشراقي لايخرج عن ملك الله و لايدخل في ذات الله و اول مراتبه الامكان و آخر مراتبه آخر مراتب الاكوان كل شئ بحسبه و كيف يخرج شئ عن ملكه و قبضته و انما هو هو بملكه الذي هو الامر المفعولي و بقبضته الذي هو ( التي هي خل ) الامر الفعلي فنحن ( و نحن خل ) نقول بقول المصنف الآتي بعد هذا بمعني مرادنا لا بمعني مراده و هو قوله فما عند الله هي الحقايق المتأصلة التي نزلت هذه الاشياء منها منزلة الاشباح و الاظلال انتهي ، و اختلافنا معه في هذا العند فعنده ان هذا العند هو علمه الذي هو ذاته و عندنا ان هذا العند هو ملكه من الامكانات و الاكوان و يأتي تمام هذا و قوله اذ لو بقي شئ من الاشياء لميكن ذلك العلم علما به لميكن صرف حقيقة العلم ، علي ظاهره صحيح لكنه قشري و علي باطنه باطل اما صحته علي ظاهره فظاهرة و اما كونه قشريا فلانه انما يصح علي ظاهر اللفظ و لو كان لبيا لكان ظاهره و باطنه صحيحا مع ان باطنه باطل كما تسمع الآن لانه انما يفرض هذا فيما يكون المعلوم غير صادر عن فعل العالم و اما اذا فرض انه
«* جوامع الکلم جلد 3 صفحه 512 *»
صادر عن فعله فكيف يفرض انه غير عالم به و هو صانع له الايعلم من خلق و هو اللطيف و لانه انما يفرض اذا كان العلم مغايرا للمعلوم و اما ما قيل بالاتحاد فما معني الفرض حينئذ و اذا فرض انه مغاير للمعلوم لزمه محذورات تنهدم بها اعظم قواعده و اما انه علي باطنه باطل فلانه يريد بالعلم الذي ذكره هو العلم الذاتي الذي هو الذات بدون مغايرة من جميع الوجوه و قد قررنا سابقا انه علم و لا معلوم لان العلم لا بد ان يكون مطابقا للمعلوم و مقترنا به و واقعا عليه فاذا اراد بالعلم المتعلق بالاشياء هو الذاتي الذي هو الله سبحانه فان فرضه مطابقا للمعلوم لزم ان يكون مطابقا للمعلوم كالجدار مثلا و ان فرضه غير مطابق كان جهلا و كذا حكم المقارن له و الواقع عليه فلايكون مطابقا و لا مقترنا و لا واقعا و الا لزم الحدوث و ان لميكن مطابقا و لا مقترنا و لا واقعا لزم الجهل فهذا معني ان باطن كلامه باطل و مثل قوله الذي تكلمنا عليه قوله فلميخرج جميعه من القوة الي الفعل حرفا بحرف في صحة ظاهره في بادي الرأي و فيما يرد عليه و في بطلان باطنه و قوله و قد مر ان علمه راجع الي وجوده يريد ( به خ ) ان وجوده هو وجود كل شئ و علمه اذا كان هو وجوده بناء ( بنائه خل ) علي عينية الصفات كان علمه هو وجود معلومه او وجود علمه وجود معلومه فلميبق شئ لميكن معلوما له كما لميبق موجود لميكن موجودا به و هذا المعني و ان كان في نفسه صحيحا الا انه باطل بما قدمنا من عدم امكان تقوم الحادث بالقديم اذ لايجتمعان في مكان لامتناع نزول القديم الي الامكان بذاته و امتناع صعود الحادث الي القديم بذاته .