رسالة اصلاح الاجساد
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 161 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابراهيم ان هذه رسالة شريفة في معني تنقية الاجساد و تطهيرها عن الاعراض و اصلاحها كتبتها تذكرة لمن تذكر و عبرة لمن اعتبر فيا من عليها عثر و بفضلها اختبر اعرف قدرها و اغل مهرها فانها حسناء لمتكشف لغيرك لثامها و خزانة علم لميفض ختامها و سميتها باصلاح الاجساد كما هي بنيت عليه و صنفت لاجله و فيها مقدمة و ابواب:
المقدمة
اعلم ان الله سبحانه خلق اولاً بسائط هذا العالم و هي الافلاك التسعة و العناصر الاربعة ثم ادار الافلاك علي العناصر لاستخراج ما استجن فيها من الفعليات الدهرية فحصل في الافلاك اوضاع من اختلاف مسيراتها و حصل منه فيها اختلاف آثار و تعاكس انوار فاثارت العناصر بفضل روحانيتها و اختلفت اجزاء العناصر في القبول بحسب اختلاف حالاتها كما بينا ذلك بما لامزيد عليه في مرآت الحكمة فتداخل بعض العناصر في بعض بتحريك اشعة الكواكب اياها و حصل منها مركبات فمنها مركبات كان الغالب عليها النار او الهواء فلمتدم و لميشتد تركيبها كالشهب و ذوات الاذناب و الغيوم و الابخرة و الادخنة و امثال ذلك و منها مركبات كان الغالب عليها الماء و التراب فهذا النوع منها ما اتفق بغير ميزان الاعتدال الطبيعي كالمدر و كثير من الحجر و الطين و امثال ذلك و منها ما اتفق بميزان طبيعي فذلك علي اقسام قسم لميبلغ به التقدير الي منتهي التدبير و كان القابل ايضاً كثير الاعراض غير صافية فحصل منها الشبوب و الزاجات و الاملاح و قسم كان في القابل اجزاء صالحة مشيبة باعراض فاسدة و اختلف
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 162 *»
عليه القوي الفاعلة بالافراط و التفريط فحصل منها نحو المرقشيشا و المغنيسا و الانتيمون و الفحم المعدني و الدهنج و الراسخت و امثال ذلك مما لايحصي و هذا القسم يمكن استخلاص الاجزاء الصالحة منها و تعديل القوي الفاعلة فيها بعسر و قسم كان القابل صالحاً في باد الامر الا ان رطوبته اقل من انيطاوع الي آخر التدبير فينجمد قبل تمام العمل من الفاعل فيحصل منه نحو الاحجار الجوهرية و قسم كان القابل صالحاً و ميزانه ميزان طبيعي و رطوبته بقدر انيكمل الفاعل فعله فيتكون من ذلك الاجساد المنطرقة و لها درجات في الصلوح و الخلوص عن الاعراض و الموازين و مقدار الرطوبة و توارد الواردين فما كان من جميع ذلك علي وجه الكمال حصل منه الذهب و ان تفاوتت حصل منه ما سوي ذلك و هذه الاجساد هي موضوع هذا العلم يبحث عن اعراضها و امراضها فمعرفة حقايقها من علم اعلي فما يذكر هنا فلتميز الاعراض عن الذاتيات فاصلها جميعاً عن زيبق و كبريت غير منعقدين و ملح فهي كلها مثلث الكيان كساير المركبات فهي لاتخلو اما انتكون ردية الجوهر او حسنة الجوهر و اما انتتساوي الاركان و اما انيغلب احدها او اثنان منها و اما يشوبها اعراض غريبة او لا فذلك حال القابل و اما الفاعل فاما انيكون هو الحر او هو البرد او هما معا بتوارد باعتدال او تفاوت و ذلك ايضاً حال الفاعل.
اما الذهب فهو من زيبق صافي و كبريت صافي و ملح لطيف صافي و الغلبة لزيبقه و كبريته و العامل فيها الحرارة و البرودة مع غلبة للحرارة و لذلك يكون حاراً يابساً في ظاهره بارداً رطباً في باطنه و بعد بواسطة صفاء المادة عن الظل و الروايح و الطعوم الكريهة و صار متلألأ صيقلياً صافي اللون خالص الجوهر عن الادران و بتوارد الفاعل باعتدال صار نضيجاً متشاكل الاجزاء قابلاً للمد و الانطراق ثابتاً صابراً في نار الخلاص.
و اما الفضة فهي من اركان صافية لطيفة بالنسبة و الغلبة فيها للزيبق و الملح فظاهرها بارد رطب و باطنها حار يابس و الفاعل فيها الحرارة و البرودة مع غلبة البرودة و في كبريتها قليل رداءة و منه ظلها و سوادها و صداها و لغلبة البرد عليها صارت قليلة النضج و لغلبة الملح فيها
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 163 *»
صارت ملحية سريعة التحلل في المياه و يظهر ذلك لمن حلها فيجدها تنحل بالحر و تنعقد كالنوشادر بالبرد و لغلبة زيبقها تكون سريعة الالتغام بالزيبق و سريعة الايتلاف به و الانحلال فيه و لعدم نضجها التام و ثباتها يصعد من كبريتها بخار اكسيري يعقد الرجراج بخلاف الذهب فانه قليل البخار و قليل الايتلاف بالزيبق و هما اي الذهب و الفضة قطبا المعادن المنطرقة و اخوان فالذهب روح الفضة و الفضة نفس الذهب و الذهب مظهر النبوة و الفضة مظهر الولاية و ليس شيء اشد اتصالاً بالذهب منها و هي سريعة الاستحالة الي الذهبية اذ لميقعدها(لميعقدها) عن الذهبية الا قلة الحرارة الفاعلة و غلبة الزيبق في القابل مع الملح فاذا زاد في كبريته الحكيم حتي استوي اركانه و استعان بحر طابخ ناضج استحالت ذهباً لانها اذا تم نضجها تلززت و ثقلت كالذهب.
و اما النحاس فهو اصله الفضة و اركانه كاركان الفضة فالغالب عليه الزيبق و الملح الا انه افسدته القوة الفاعلة بغلبة الحرارة و خالطه في المعدن كبريت عرضي و اوساخ و لمتمازجه و لذا يصعد منه في السبك شعلات كبريتية و يحترق من جوهره في كل سبك بتلك الكباريت كثير فيقع منه توبال كثير فباطنه بارد رطب كالفضة و ظاهره حار يابس فمن اقتدر علي اخراج كباريته الفاسدة و اوساخه المانعة لتلززه ابيض فضة خالصة و انتفع به كما سئل الصادق عن النحاس ايش اصله فقال فضة الا ان الارض افسدتها فمن قدر علي انيخرج الفساد منها انتفع بها انتهي و لذلك لايصير ذهباً الا بعد انيصير فضة و ذلك انه مادام فيه الغرايب ليس يستحيل الي الذهبية و اذا طهرت عنها كان فضة و كباريته سريعة العقد للرجراج و فيه صبغ فايق يصبغ الفضة.
و اما الحديد فهو مركب من الكيان الثلثة و الغلبة للكبريت و الملح و لذلك فيه بأس شديد و لايذوب الا برطوبة ممازجة و لايلتغم بالزيبق الا بعسر و الفاعل فيه الحرارة و باطنه بارد رطب و الصفرة في صداه من حرارة ظاهره و رطوبة باطنه فهو فضة في الباطن و مرارته من غلبة الحرارة و نتنه من فساد كبريته و توباله لشدة يبسه و اوساخه الرمادية اكثر من النحاس و لذا صار اخف منه فمن اخرج اوساخه و زاد في رطوبته حتي ذاب استحال فضة و يقيم القلعي و يصبر علي الروباص و فيه صبغ
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 164 *»
قليل و في تطهيره عسر عظيم كالنحاس.
و اما الاسرب فهو مركب من الكيان الثلثة و الغلبة فيه للملح ثم الكبريت ظاهره بارد يابس و يبسه اقل من برودته و باطنه حار رطب و فيه صبغ فايق يناسب الفضة في ظاهره و الذهب في باطنه و هو سريع الذوب لدهانته كريه الرايحة لفسادها رزيناً لغلبة ملحه و هو يصبغ و يرزن و يلين بدهانته و الفاعل فيه البرد المجمد و فيه اوساخ كثيرة و اصول قليلة في فجاجة و هو لدهانته سريع الاحتراق و رايحته تعقد الرجراج سريعاً و تثبته و يطفو علي الاجساد و ان كانت اخف منه فمن قدر علي تطهيره عن الاوساخ و طبخه طبخاً ناضجاً استحال فضة و مازجها من غير افساد و يلين الاجساد بدهانته و يرزنها بثقله و يصبغ باسرنجه.
و اما القلعي فهو ايضاً مركب من كيان ثلثة و الغلبة فيه للزيبق مع رداءة و بورقية ثم للملح و كبريته ردي الجوهر و هو بارد يابس و فيه مياه عرضية بورقية جامدة بالبرد و لذلك يصنع منه ماء حاد و الفاعل فيه البرودة المجمدة و هو كثير العرض جداً و باطنه حار رطب و نسب الي المشتري بباطنه و لعدم انتضاجه يصعد منه في السبك ابخرة كبريتية عاقدة للرجراج و لكثرة زيبقه سريع الذوب و الالتغام بالزيبق و لفساد كبريته له زهومة و لجمود اجزائه قبل الانتضاج له صرير و لحرارة باطنه يحصل منه اسرنج و لكثرة رطوبته و حدتها فيه صبغ كثير و انبساط و بذلك يميل الي الاكسيرية ابيض او احمر و من قدر علي تطهيره من اوساخه و سواده و ازالة اعراضه عاد فضة.
و اما التوتيا فهو ايضاً مركب من كيان ثلثة غير مؤتلفة و الغلبة فيه للزيبق و الملح و الفاعل فيه البرد المجمد و هو بين الرصاصين و اصلب منهما و ابطأ ذوباً و سريع الاحتراق و كبريته مشتعل قيل انه حار يابس و عندي انه بارد يابس في ظاهره حار رطب في باطنه و لا شك في صبغه النحاس و تجليته له و قليله يصبغ الكثير و يكسر حرارته و يزيل سواده و حمرته فان طهرا و اقيما و رزنا لا نقص في المركب منهما فذلك جملة القول علي الاختصار و الاجمال في امر الفلزات و معرفة امزجتها و خواصها فلنشرع في الابواب.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 165 *»
الباب الاول
في تنقية هذه الاجساد و تخليصها عن الاعراض اعلم ان هذه الجواهر ايضاً كساير المركبات لها كيان ثلثة طبيعية و هي الماء و الدهن و الملح التي هي حاصل العناصر الاربعة فهي حين ركبت من كيانها بموازينها الخاصة لحقها اعراض و تمازج كيانها فلحقها مياه غريبة و ادهان و املاح و تركبت مع الاصول فبعد ما تكونت اهبيتها عرضها اعراض آخر من الاتربة و الاحجار و غيرها اما الاعراض الهبائية منها فتزول عنها بالسبك و تنفصل و يكفوننا المؤنة فيها الجالبون لها المستخرجون لها من معادنها و بقي علينا اخراج اعراضها الطبيعية و هي كما عرفت ممازجة لطبايعها فتنقية الجهلة لها بالحمي و الطفي او بالذوب و الهرج لاتسمن و لاتغني من جوع و ليست تتنقي ابدا ابدا و لايغتر بنقاء ظواهرها الا الاحمق و كذا جميع ما ذكره القوم في كتبهم من التطعيمات و التطافي و الهرج في المياه و الادهان و الرجوم في البواطق و الدموس في النيران كلها تضليلات و تدهيشات و تشبيهات و لاتسمن و لاتغني من جوع و اعظم النفع فيها طرد الجهلة عن مر الحق و الحكيم يعلم ان التدبير ما لميوافق الطبيعة في مدخلها و مخرجها و لميتابع الحكيم مسلكها قهقري فيدخل من حيث خرجت و يخرج من حيث دخلت و يؤب من حيث اتت و يأتي من حيث ابت و ينزل من حيث صعدت و يصعد من حيث نزلت و يقبل من حيث ادبرت و يدبر من حيث اقبلت و هكذا لميصل الحكيم الي مبدأ المكون فلميقدر علي اخراج ما خالطه من مبدئه و اشبه شيء بالتدبير الحق حل العقدة فما لمتخرج رأس الخيط من حيث دخل و ما لمترفعه من حيث نزل لاتقدر علي حله ابدا ابدا فانت ما لمتحل الفلزات الوسخة لمتقدر علي اخراج ما مازج طبايعها البتة من الاوساخ و لمتقدر علي اخراج الاعراض المائية و الدهنية و الملحية منها كما ينبغي و تالله ان الناس لفي ضلال مبين عن هذه الحكم الالهية و يزعمون انهم يحسنون صنعاً فاذا حللتها بحرارة و رطوبة و اخرجت اوساخها بالتصعيد تعيدها الي السبك باستعانة الملينات لجواهرها و المذيبات لها و ان خفت تشيط النار عليها و افناءها فابتغ لها قبل الحل رطوبة ممازجة لها مقاتلة عنها النار
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 166 *»
حين السبك فاذا سبكتها ثانياً حصل لك جوهر خالص بريء عن الاعراض ظاهراً و باطناً فركب منها ما شئت لما شئت و ان شئت فشمعها بعد السبك بالمياه الثقيلة البيض او الحمر الممازجة حتي تكتسب اكسيرية فاذا اطعمت بها جسداً طاهراً آخر حصل لك مراد الترزين و الصبغ و التقريب و التليين و التصليب و الاقامة و امثال ذلك هذا هو العمل الحق و ما سوي ذلك من اعمال الجهلة خبط في خبط و ضلال في ضلال و من لميعرف اسرار الطبايع و اسرار البدايات و النهايات كيف يلج حريم المصافات فهاتان القاعدتان انما هما في الاعمال التركيبية التي لاتلقي عليها اكاسير منقية نافذة خارقة فعالة و اما اذا كان لك اكاسير مطروحة فان كانت برانية فلابد لك من تقريب القابل الملقيعليه و ان كانت جوانية فهي غنية عن هذه الامور بحدتها و نفوذها ولكن اذا قربت او نقيت و القيت فلاشك انها ابلغ و ابلغ و لربما بلغتها حد الاكسيرية.
و اعلم ان الذهب و الفضة طاهران غنيان بانفسهما عن التطهير و يكفيهما الطبخ في الشبوب و الزاجات لاجل زوال الاوساخ عن السحالة و خروج الاتربة و فيهما للموازين و الاكاسير البرانية كفاية و بلاغ و انما يحتاج في البواقي الي التنقية التامة عند اعوازهما او اراءة القدرة او مشاهدة خواص الاشياء او غير ذلك من مقصود خاص و كذا يحتاج اليهما في التراكيب الحقة كما مر لا غير فالنحاس من ذلك يبيض و يطهر مرة بصابون الحكماء المصغر لاجزائه المتخلل طبايعه المخرج لاوساخه و سواده و حمرته فيبقي الجوهر نقياً بعد الاستخراج بدهانة و حدة يصلح للميزان و يكون ركناً من الاركان و ان حمل عليه عشره فضة قام علي الحمي و مرة يبيض بالارواح كالزيبق و الكبريت و الزرنيخ فلو صعد الزيبق عن النحاس او عن الراسخت مرات طهره و لو القي عليه النفوس المبيضة الثابتة بعد سلخ السواد بالكلية يبيض بياضاً خالداً و ان طهر بالصابون و القي عليه الارواح الثابتة استحال فضة خالدة و مرة يبيض بطرح الاجساد الطاهرة المشمعة فالفضة المشمعة تقيم منه عشرة و القلعي المشمع يقيم منه عشرين الي ثلثين و التوتياء المشمع يقيم المائة و المجسد منه يقيم العشرين الي الثلثين و مناط الزيادة و
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 167 *»
النقصان في حد التشميع و في ازالة سواد النحاس او السواد مع الحمرة و نعم المنقي له لبعض الحوائج الشب المحلول مع الملح المر المحلول في الدن اذا اختلطا بالسوية و هرج فيه النحاس و ان قطرا كان ابلغ و ان ضم معهما نوشادر كان ابلغ و ان حلت في الخل ايضاً كان نافعاً و المقطر اولي و اما الحديد فكذلك ولكن لابد من خلط ملين معه ينسبك بسببه فان انسبك صلح للممازجة مع الفضة و يقيم الرصاصين علي الروباص و ان حمر قام في الخلاص و اما الاسرب فلابد من خلطه برطوبة ممازجة تقاتل عنه نار السبك ثم يطهر بالصابون كما مر ثم يسبك و يطير عنه تلك الرطوبة فيبقي جسد طاهر نقي صلب لاشك فيه يصلح لتليين الصلاب و الممازجة و يرزن الخفاف و يصلح للموازين والتركيب و ان طرح عليه الزرنيخ الثابت بعد ذلك كمله و اما القلعي فكذلك يحتاج الي رطوبة ممازجة و يكفي فيهما بقدر الثلث و اقل ثم يطبخ في الصابون حتي يخرج اوساخه بالكلية ثم يسبك و يطير عنه الرطوبة و يستعان بالملينات و المذيبات فيخرج جسد ابيض طاهر نقي صباغ صلب بطيء الذوب من غير صرير و رايحة و نقص يصلح للمزاج في الموازين و يصبغ غيره و لايحترق في النار و العمل الحق ابدا اسهل من الاباطيل و لعمري ان الناس في تعب عظيم
علم المحجة واضح لمريده | و اري القلوب عن المحجة في عمي | |
و لقد عجبت لهالك و نجاته موجودة | و لقد عجبت لمن نجي |
و اما الخارصيني فتدبيره كالنحاس ولكنه سريع الاحتراق و ينبغي التحفظ من احتراقها فمن طهره تطهيراً تاماً و زوجه بالنحاس المدبر المرزن اقامه ذهباً و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ و جميع ما ذكروه من تبييضها و تطهيرها اضاليل و اباطيل لايسمن و لايغني من جوع و انما هو ملعبة الجهال و مشغلة الضلال خذ ما ذكرته لك مستخلصاً و احمد الله.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 168 *»
الباب الثاني
في تكليس الاجساد اعلم ان الانهاك لهذه الاجساد مما يجب في الاكاسير ليختلط بساير الاركان و يمتزج و يتحد و يصدر عن المجموع فعل واحد و فيه حق و باطل و قد شحن القوم كتبهم بالاباطيل و الاضاليل و لاطايل لذكرها فمنهم من كلسها بالنيران اليابسة حتي افني رطوباتها و اماتها بالكلية و جعلها رماداً لاتقبل الحيوة و ذلك تدبير باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و منهم من كلسها بادخال الغرايب عليها ثم تسليط النار اليابسة عليها حتي تتهبا و كلاهما خارجان عن قصد الحق و منهم من يكلسها بالارواح بانيلغمها بها الغاماً محكماً ثم يخرجها عنها الي انيتهبا و طريق هؤلاء اقوم من الاولين ان علم وجه الالغام و اخراج الارواح عنها بحيث يبقي الجسد طاهراً نقياً متهبأ و هي حية و منهم من يكلسها بالتصعيد و هو ايضاً مثل سابقه ان قدرت علي اخراج الارواح منها لتحصل الجسد الخالص و انما يحتاج الي ذلك في بعض الاعمال و يجوز الابقاء في بعض و لاضير و منهم من يكلسها بالتصدية بالسحق بالنوشادر المحلول ثم الدفن في موضع ندي الي انيصير تربة لامجسة لها ثم تطيير النوشادر عنها و ربما يحتاج الي التكرير و فيه عسر شديد و منهم من يكلسها في الحرارة الرطبة و اي هذه الاجساد اذا نقي (ظ) و طهر ثم كلس (حقا ظ) و هدم و شمع حتي ذاب و انطبع كالشمع و ذاب علي اللسان فقد صار ركناً فان اسقي الروح المتحد بالنفس يقوم منه اكسير تام اذا حفظ الوزن الذي به يكون قوامه فاعرف ذلك و ابن عليه.
الباب الثالث
في تصعيد هذه الاجساد و الفلاسفة في ذلك علي قولين فمنهم من انكر تصعيد هذه الاجساد نظراً الي انا احتجنا الي الجسد لثبوته و حبس الطيارات و الفرارات فيها فنحن اذا صعدناها و جعلناها طيارة فرارة صارت ارواحاً و هو خلاف الغرض منها و منهم من استلزمه نظراً الي ان المناسبة شرط الايتلاف و الممازجة فما لمتكن الاجساد سماوية روحانية لمتأتلف بالارواح و ما لمتأتلف
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 169 *»
لمتمازج و ما لمتمازج لمتتحد و ما لمتتحد لميصر حكم الكل حكم البعض و ما لميصر كذلك لميكن اكسيراً فعالاً فنحن اذا صعدناها نحتاج الي نفس رابطة بينهما مؤلفة مثبتة و بها تمام العمل و لاتصعد هذه الاجساد عن الارض الي السماء الا بقوة ارواح صاعدة محلولة فتلغم بها الغاماً محكماً و الروح ازيد من الجسد بثلث مرات او اربع ثم يصعد و ان بقي شيء يكرر العمل برد الاعلي علي الاسفل و تكميل ما نقص بروح جديد حتي يصعد بكله ثم يفصل بينهما بنار لينة جداً فيبقي جسد روحاني طاهر قابل للمزاج ان شئت و للتشميع و الحل و العقد و هو ركن من الاركان و لعمري لكل منهما شأن ولكن الاجساد المصعدة لها شأن و شأن و نفوذ اخر و كمال الاكسير في روحانيته و قوة نفوذه و غوصه و ليس غوصه و نفوذه بثقل كمي جسماني و انما هو بروحانيته مع ثبوته و ذوبه و لطافته و هو حاصل في المصعد و ليس فعل السماويين كفعل الارضيين البتة و ان الله سبحانه يقول و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه و قد ينوب عن التصعيد انينقي الجسد حق التنقية ثم ينعم جسمه في غاية النعامة برطوبة مشاكلة و هي الارواح المحلولة يشمع بها او يلغم بها ثم يحل في المياه بحيث اذا وضعت قليلاً منه في البوطقة طار بالكلية فاذا بلغ الجسد هذا المبلغ نكتفي عنه به و هو عندنا في حكم التصعيد بالفعل و لا نصعده بالفعل و ان كان التصعيد الفعلي ابلغ و لعمري اذا بلغ هذا المبلغ لاصعوبة في تصعيده بعد و لايزيد تصعيده تعباً علي تصعيد الزيبق و جميع سر التصعيد في احكام الالغام اول مرة فافهم.
الباب الرابع
في تشميع الاجساد اعلم ان عمدة العلم في التشميع و من لميعرفه كأنه لميعرف شيئاً من علم الصناعة ابداً و في لفظه كفاية عن شرحه فان معناه جعل الشيء كالشمع يعني ليناً سريع الذوب يذوب بايسر نار و ينعقد بايسر برد يكون قابلاً للختم عليه و يذوب علي اللسان الا ان الشمع يحترق و يشتعل و المشمعات في هذا الباب ينبغي ان لايحترق و لايشتعل و لايسود اذا ذاب و لايدخن و لايطير
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 170 *»
فاي ركن من الاركان بلغ هذا المبلغ فقد بلغ الكمال ولكن تدبر في هذه الخصال هل يحصل ذلك من المياه او الادهان او الاملاح اما المياه فلاشك انها تضاد النار و تجف في النار و تنعقد و تموع في الهواء الرطب فذلك غير لايق بهذا الباب الا انيكون ماء يمازج الجسد ثقيلاً طاهراً دهناً في باطنه ماء في ظاهره و اما الاملاح فهي تجمد في النار و تموع في الهواء و هو ضد المطلوب و ان كانت تموع اذا اشتد النار عليها بعد العقد لانها في الاصل ادهان منعقدة و كباريت الا انتكون روحانياً دهنياً ممازجاً غائصاً في الجسد فانحصر الامر في الادهان و تدبر في الادهان هل هي ادهان محترقة ام غير محترقة و هل هي ادهان ممازجة ام غير ممازجة فانحصر الامر بادهان غير محترقة صالحة للممازجة فلاتشميع الا به و عمود تشميع الاجساد الارواح كدهن الزيبق و دهن النوشادر و نعم المشمع ماء بياض البيض المقطر ثم المخلوط به المحلول به في كل رطل منه اوقية تنكار و اوقية بورق و اوقية ملح القلي و اوقية نوشادر المستقطر بعد ذلك ثم المخلوط به مقطر النوشادر ربعه فانه يشمعها بسرعة و يحلها حلاً طبيعياً و كذلك النوشادر المحلول اذا سحقت به و صعد عنها مرات بنار خفيفة و للنوشادر فعل بليغ في تشميعها فالعمل الحق في الادهان الروحانية البيض او الحمر الممازجة فلاتشمع الاجساد الا بادهان الارواح فان الاجساد اذا زاد ارواحها و ادهانها لانت بلاشك و اذا لانت اسرعت ذوبها و رق جوهرها و كثر نفوذها و غوصها في ساير الاجساد و هو البغية فاسقها ادهانها بعد تكليسها الحق او تصعيدها او حلها و شوها و عرقها حتي تغوص الادهان في اعماق الجسد و تتعلق برطوباته الطبيعية و تمازجه فيلين و من علم سر التشميع امكنه انيحصل رطوبة مشاكلة ممازجة ملينة فيدخل علي الجسد النقي حتي يلين و يرطب بحيث يبلغ امكان الختم عليه و يمكن انيوضع موضع اللك علي الكتاب و هكذا كان يصنع الذهب المتعصر المشهور و يحصل الفضة المتعصرة و كذا ساير الاجساد البتة فالتشميع نوعان نوع يدخل الرطوبات علي المكلسات و تعرق حتي تلين و يسرع ذوبها كالشمع و يسرع انحلالها و نوع يدخل علي الاجساد رطوبات متجسدة منسبكة حتي يسرع ذوبها و يلين جسمها
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 171 *»
الي انتصير قابلة للعصر و الغمز عليها و لكل مقام يعرفه اهله و لاتغتر بما ذكروه من المياه البورقية المشمعة علي ادعائهم و بالادهان المحترقة و غيرها فانها كلها زخارف لاتسمن و لاتغني من جوع و التشميع هو مبدء الحل الطبيعي فان ما شمع علي ما ذكرناه اذا بولغ فيه اسال البتة.
الباب الخامس
في الحل اعلم ان من الحكماء من انكر حل الاجساد و زعم انه يكلسها ثم يسقيها محلول الارواح وحدها او مع محلول الانفاس لتستقر فيها و تثبت فيشمع الاجساد بها حتي تبلغ سرعة الذوب ثم تغوص بقوة ما فيها من الارواح نظراً الي الحاجة الي مثبت و منهم من رأي حلها نظراً الي انها ما لمتنحل لمتمازج حق الممازجة و ما لمتمازج لمتتفاعل و ما لمتتفاعل لمتتحد و ما لمتتحد لميحصل عنها اثر واحد و لم يقو اثر العالي منها و فيها و منهم من تجاوز ذلك و رأي ان الحل الذي يعود الجسد بعده حياً لايمازج الارواح كل الممازجة و اذا اصابه النار يعود جسداً و يخلي الارواح و النفوس فرأي انه لابد من انيصير الجسد محلولاً حلاً لايعود معه جسداً بنار السبك و هو الحق الذي لاشك فيه و لا ريب يعتريه و القول الاول ناقص الاثر فاحتجنا الي حلها و انما يجب حلها بعد تنقيتها و تصعيدها و تشميعها فاذا شمعت غمرت بما شمعها و اودع الحل حتي يموع ماء ثقيلاً رائقاً صمغياً اذا عقد غلظ شيئاً بعد شيء و تربب الي انينعقد جسداً ذائباً منطرقاً و هو الحل الحق و اما الحل في المياه البورقية فهو حل ملحي اذا حلت المحلولات بها ثم عقدت انعقدت املاحاً تموع بالهواء و تعود حية بصورتها الاولي و تخلي الارواح و النفوس و هو ضد المقصود فالحل الحق للاكاسير الحل الصمغي و ذلك لايكون الا بادهان غير محترقة ثقيلة ممازجة مجانسة قابلة للتجسيد فتدخل علي الجسد ثلثة اضعافه و اكثر بعد التشميع الحق الكامل و يودع التعفين فينحل في عشرين يوماً الي الاربعين و يصير قابلاً للتقطير و لايعود حياً بالسبك بل يذوب كالادهان فهو حينئذ بدل عن الجسد الجديد فالحلال فی الحق هو الشماع
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 172 *»
و الشماع هو الدهن سواء كان ابيض او احمر و ينبغي انتكون بحيث اذا عمل عمله و ابلغ يخرج عن الجسد ليبقي خالصاً عن الغرايب و ذلك هو الكمال و اما المياه البورقية فاذا حلت بقيت في الاجساد و ان طيرت بقيت املاحها و ان غسلت بالتطيير بقي الجسد كالكلس و يحتاج الي حل جديد الا انه سريع الانحلال و ان سبك عاد جسداً منطرقاً كما كان اولاً و الحل المراد في هذه الاركان قاطبة ان لاتعود كما كانت و هو الحل الطبيعي المفرق لطبايع الشيء فافهم ما اذكره لك من مر الحق فانه الحق الذي لو عدلت عنه عدلت الي ضلال و تعب و محنة فخذ ما اتيتك و ترحم علي متي نلت منه الخير و الغنيمة فاني ما قصرت في القاء الحق و ما شحنت كالقوم كتبي بالاباطيل و المبعدات عن الحق و اعلم ان مدة الحل تختلف بحسب لين الجسد و صلابته و بحسب حدة الدخيل و عدم حدته و جودة التشميع و رداءته فربما يطول اربعين يوماً او اقل او اكثر فتدبر و علامة صحة عملك انيذوب الجسد علي الصفحة كالادهان و يطير كالارواح باعانة الارواح فحينئذ هو مفلك و من الارض المبدلة الجديدة الصافية الاخروية التي لاظل لها و ان قلت فحينئذ ما الضابط للارواح قلت الضابط لها ما يقررها مع الاجساد و عمل الاكسير بالروحانية لا بالجسدانية و غوصه بحدته و سميته لا بثقله الحسي و لا شك ان حجاب الجسد كلما كان ارق كان اثر الروح اكثر غاية الامر انه يلقي بوقاية كما حقق في محله و سنصنف انشاءالله كتاباً آخر في علم الطرح و لا قوة الا بالله.
الباب السادس
في تقطير الاجساد و ذلك باب فاضل له فوايد جمة من المعالجات في المولود الانساني و اركان المولود الفلسفي و لمار للحكماء باباً خاصاً به و لعلهم كتموه عن الجهال و اعلم ان ذلك لايحصل لك كماينبغي الا بعد تطهير الاجساد عن الاوساخ ثم تكليسها التكليس الهبائي ثم تكليسها التكليس الطبيعي حتي تطهر طبايعها ثم تشميعها حتي تصير كالشمع قابلاً للختم كما تعلم ثم حلها الحل
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 173 *»
اللزج الطبيعي ثم مزجها بالارواح النافرة المحلولة ثم حلها بالتعفين حتي تتحدا ثم تقطيرها و تكرير الارواح علي ما بقي حتي يقطر الكل بنار قوية في آلة قصيرة فاذا قطرت كانت صالحة لخدمة ساير الاركان و ايصالها حد الكمال و لو الغمتها بعد التطهير بالارواح و صعدتها ثم اخرجت عنها الارواح ثم حللتها كما علمت استجابك باعانة داخل خارج علي الكمال و السهولة و في ما ذكرنا كفاية و بلاغ ان فهمته و السلام.
و اعلم ان الاجساد و ان بلغت حد التقطير لاتبلغ في الروحانية حد المياه و الارواح و ان قطرت ثم فصل عنها الارواح المستعان بها تصير اثبت من الارواح البتة و انما فائدة ذلك خلوصها و رقة حجابها و حلها حلاً طبيعياً و صلوح مزجها بالارواح كما ان الارواح اذا تقررت و تجسدت لا تبلغ في الثبات و القرار حد الاجساد الراسية الثابتة و الاشياء تأتلف باشكالها و تنفر عن اضدادها فلاتمتزج الارواح بالاجساد الا بعد ان تنزل الارواح عن روحانيتها و ترتفع الاجساد عن جسدانيتها و هو معني قول اميرالمؤمنين7 في وصف الكيميا نار حائلة و ارض سائلة و هواء راكد و ماء جامد و روي في الامام الذي هو اكسير الهداية و الكامل المكمل انه بشر ملكي و جسد سماوي و روي ان جسد النبي9 في الدنيا كاجساد اهل الجنة في الجنة فما لميبلغ حجاب جسد الكامل هذه الرقة لميحك ماورائه أرأيت لو ان الزيت بقي علي غلظته و لميصر دخاناً صاعداً حكي عماورائه من ضوء النار و صار كاملاً و مكملاً و ما زعمه قوم انه اذا صار بهذا السبيل لميضبط الارواح خطاء فانه و ان تروح و صار فلكياً سماوياً الا انه يبلغ جسد الافلاك لا ارواحها و انا اذا نزلنا الارواح قليلاً بعد ترقيتها و تطهيرها و صعدنا الاجساد قليلاً فتشاكلتا تعانقعتا و صارا خالدين كما ان اهل الآخرة يخلدون و من شأن الجوهر الطاهر عدم التأذي من نار الجحيم فلايعمل النار في المركب عملها في غير الطواهر من التبديد و الهلاك فلايهلك المركب و ان زال عنه جموده العارضي من البرد فيبقي ذاتيته عاملة في الجسد الملقي عليه هذا و نحن نقرر الجميع بالمقررات و تقررها مقام انا بشر مثلكم و لابد منه للتشكيل فافهم فلابد
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 174 *»
من تجسيد الارواح و ترويح الاجساد فتلتقيان في الوسط و تتشاكلان فتتمازجان فتتحدان و هو سر الامر اولاً و آخراً و من خالف ذلك حاد عن الطريق و مال عن سبيل الحكمة الي السفاهة فافهم ذلك.
فالغرض في تقطير الاجساد احد اربعة اشياء فاما انتقطر لخدمة الارواح و تقريرها لان تصير رؤساً صباغة او كاملة مكملة فان تقريرها قبل التركيب و بعده اكمل في عملها و اما انتقطر لخلاصها عن الادران الارضية الدنياوية و البرزخية لتكون اخروية و تصير خالدة حية بعد دخول الارواح بالحيوة الابدية و اما ان تقطر لتعقد لاصلاح اجساد اخر من تليين و ترزين و صبغ و غير ذلك مفردة و مركبة فانا ذكرنا انها اذا اخرجت عنها ما كان سبب تقطير لاتكون علي حد الارواح في الطيران و تكون اثبت منها و انما تستفيد من ذلك نفوذاً في اعماق ما القيت عليه و انتشاراً و روحانية مؤثرة و صلوحاً لتمازج مع ما يمزج به في الموازين فافهم و اما انتقطر لتركب مع الارواح لتحصيل الماء الالهي الخالد ليسقي به الاكاسير المركبة لتربو و تنمو و تتضاعف الي حيث شاء الله و هو سر و لا احتم عليك في ابواب تصعيدها و تقطيرها الفعلية فان دبرت الجسد تدبيراً اذا وضع علي النار طار بكله و اذا سبك لميعد جسداً كما كان و يذوب علي اللسان اذا وضع عليه فهو البغية و فيه الكفاية اللهم الا ان تحتاج الي شيء من ذلك فتفعله لاجله و ان كان الكمال في التصعيد و التقطير الفعلي و به يحصل الماء الخالد الالهي لا غير فان الجسد اذا صعدت تروحت و اذا تروحت انبسطت و اذا انبسطت طهرت عن الكثائف و الحجب فاذا طهرت اضاءت و اذا اضاءت نورت و اذا نورت كملت و اذا كملت استعدت و اذا استعدت استمدت و اذا استمدت امدت و اذا امدت زكت و اذا زكت ربت و اذا ربت اتسعت و اذا اتسعت بعدت نهاياته و اذا بعدت نهاياته شابهت جواهر اوائل عللها فاذا شابهتها فعلت مثل فعلها فصارت مبدءاً للتكوين و لا غاية لذلك و لا نهاية و ترقت كلما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية في القدسي انا رب اقول للشيء كن فيكون اطعني اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون و ايضاً انما يتقرب الي العبد بالنوافل و هو
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 175 *»
التصعيد الحق حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه و بصره و يده و رجله نقلتها بالمعني و هذا هو وجه ترقية الاجساد حتي يتعلم من الارواح الروحانية و يعلمها الجسدانية علمته علمي و علمني علمه فاذا تعلم احدهما من الآخر امكن تقرير الروح لانه تعلم القرار و امكن انفاذ الجسد و غوصه لانه تعلم الروحانية فلابد بعد ذلك من تقييد هذا المولود الملكي و المركب السماوي و الامر الالهي و تقريره بلباس بشري عرضي حتي يماثل الاجساد و يخاطب القوم بلسانهم و يكملهم و يبلغهم منتهي ما يمكن لهم فهل يمكن احداً من الفلاسفة مخالفة هذا القانون الالهي او يشك فيه فاذا وجب ذلك في الجس فكيف لايجب تطهير الارواح و تلطيفها و تفليكها ولكن لكل تدبير وجه معروف عند اهل الحكمة و قد ذكرناه في ساير كتبنا و كتب القوم به مشحونة مع اباطيل و اضاليل و تفريق و نحن قد جمعنا كل علم في مقامه و وضعنا له كتاباً معيناً فحصلها ان شئت.
الباب السابع
في بعض النوادر العملية و فيه فصول
فصل: اعلم ان القطبين طاهران بانفسهما لايحتاجان الي تنقية فان وجدا لايحتاجان الي ازيد من تكليسهما و هدمهما ولكن لابد و انيكلسا بما لايزنجر و لايصدي و يبقي الابيض علي بياضه و الاحمر علي حمرته فلابد من تكليسهما بعد الغامهما بالارواح ثم حلهما ثم يطير عنهما الارواح برفق فتلك الارواح نافعة في الاعمال لما تعلمت القرار منهما و عقدها في الجملة انفسهما و هما ايضاً ينعمان في غاية الصفا و اللطافة فيستجيبان لما دعيا اليه بعد ذلك و ذلك غاية تدبيرهما الاول.
فصل: في تنقية الرصاصين و يحتاج اليهما في الموازين و عند فقد القطبين فيلغمان بالارواح في السبك او بالسحق ثم يحلان ثم يستنزلان فينزلان طاهرين
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 176 *»
عن كل دنس و عيب و فساد ثم يكلسان و يعمل بهما مايراد منهما او تكلسهما اولاً بالنار بالقوة ثم تسقيهما بالمياه الثقيلة الممازجة حتي يترطبا و يكتسبا رطوبة تقاتل عنهما النار ثم تستنزلهما بنار خفيفة فقد طهرا و افعل بهما ما شئت.
فصل: في تنقية النحاسين اما النحاس الاحمر فكلسه بالنار بالقوة بعد الالغام ثم استنزله حتي ينزل طاهراً نقياً و اما كلسه ثم اسقه الماء الثقيل ثم استنزله و اما الغمه ثم صعد الروح عنه برفق و استنزل الباقي ثم علي اي حال تكلسه ثانياً و تفعل به ما شئت و ان اردت تنقيته للطرح عليه فيكفيه الهرج في محلول الملح و الشب مرات و ان كان معهما النوشادر فابلغ او رجمه في البوط بالملح المدبر ثم بالزرنيخ الطاهر مع البورق فانه يبيضه بياضاً ثابتاً او يبيض بعد الهرج بالفضة المشمعة او القلعي المشمع او التوتياء المشمع ثم تطرح عليه وحده او مع سبكه بشيء من الفضة و يلين النحاس بالهرج في ماء النوشادر و يرزن بمشمع الانك و كذا القصدير و اما الحديد فالغمه بالروح و ان كان بعد التليين فاحسن ثم كلسه كما عرفت في النحاس حرفاً بحرف و يذاب ثم يخرج عنه برجم البارود فيبقي ذائباً و ان كان بعد التليين فاحسن.
فصل: في التوتيا و تنقيته كالنحاس و يثبت اذا دمس بعد البرد مرات في الكبريت و الزاج الاخضر و العقاب ثم يسبك ثابتاً ثم افعل به ما شئت من التنقية كالنحاس.
فصل: الغم الاجساد بالارواح ثم كلسها بالنار بالقوة ثم صعدها فانها تصعد ثم طير عنها الارواح يبقي الجسد المصعد المهبي ثم شمعها ثم حلها بما شمعتها به ثم قطرها فينحل حلاً طبيعياً و تشميعها بماء النوشادر و بماء بياض البيض تأخذ منه رطلاً و تقطره عن اوقية تنكار و اوقية بورق محلولين فيه و اوقية نوشادر مصعداً او محلولاً ثم اخلطه بربعه مقطر النوشادر و لو اكتفيت بالالغام و التكليس و الامتحان
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 177 *»
علي النار ثم التطيير ثم التشميع و الحل فلك و الاول ابلغ و الغاية صيرورتها دهناً لاتعود جسداً.
فصل: خذ الاسرب المكلس بالتعليق علي المياه الحادة او بادخال برادته فيها و انقعه في مقطر الخل عن مثليه علك البطم او رطل منه عن اوقية من الزاج و هو الخل الاصل فتنقه فيه ست مرات و تجففه ثم تدعه في مكان بارد حتي ينحل ماء ثم تقطره في مايل الرقبة فيخرج الخل اولاً ثم يقطر الدهن.
فصل: خذ الذهب المكلس بالكواريس بانتحله فيه ثم تطيره عنه ثم تطير عنه الماء مراراً حتي يطيب او المكلس بتطير الزيبق ستة اجزاء و الكبريت جزئين عن جزء منه ثم حله في الخل المذكور و اعقده ثم حله و اعقده حتي يتفسخ دهناً فان شئت تقطيره فقطره باستعانة روح النوشادر و كرر الي انيقطر كله ثم اعقده و طير عنه النوشادر ان شئت.
فصل: خذ الفضة المكلسة بانتذر علي صفايحها الرقيقة مثلها الزيبق المصعد ثم تطيره عنها او المكلسة بالماء الحاد ثم تغمرها بالخل المذكور حتی تنحل ثم يطير عنها الخل يبقي الدهن فان شئت تقطيره فاستعن بماء النوشادر و قطره و كرر ثم اعقده و طير النوشادر عنه.
فصل: كلس النحاس بالتعليق علي المياه الحادة و الخلول او كالفضة ثم اغمره بالخل المقطر عن الملح و اتركه حتي ينحل و كرر العمل علي ما لمينحل او كلسه بالماء المعشر ثم طيبه ثم اغمره في الخل او الخل السابق ثم قطر الخل يبقي دهن اخضر و ان شئت تقطيره فافعل كما مر.
فصل: خذ برادة الحديد و اغسله بالخل و الملح مراراً حتي تنقي ثم اغسلها
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 178 *»
ثم اغمرها بجزء من ماء الكبريت و جزئين من الماء ثم توضع في مكان حار حتي تنحل ثم تجفف بنار خفيفة ثم تصعد و يؤخذ الصاعد و يحل حل الرطوبة فان شئت تقطيره افعل به كما مر و لو جعلت مكان البرادة مكلسها فلك و تكليسها بغمرها مع مثلها كبريت في خل الزاج فتترك اياماً ثم تطير عنها فتخرج مكلسة او تلغم بالزيبق ثمانية امثالها و يطير عنه او يعلق صفايحه علي المياه الحادة او تغمس بماء الكبريت و توضع في مكان رطب ثم تفعل به كما مر.
الباب الثامن
في عقد الاجساد اعلم انا احتجنا الي عقد الاجساد لسهولة الضبط و الوزن و الطرح و تعانق الاجزاء و تضامها فانت اذا شمعت الاجساد بالادهان الممازجة الغير المحترقة حتي انطبعت ثم حللتها بها حلاً دهنياً ثم اودعته العقد علي نار لينة كنار الحضان حتي انعقد في مثل مدة الحل صار ركناً صالحاً تاماً ثم افعل به ما شئت فانه يجيبك الي ما تريد فان كان صباغاً صبغ و نفذ و غاص و ان كان مليناً لين و ان كان مقيماً اقام و ان كان مثبتاً ثبت.
الباب التاسع
في تحصيل الاصباغ و صبغ ما ينصبغ منها اعلم ان الحكماء ذكروا في صبغ الاجساد مياها بورقية ملحية و عقاقير غير ممازجة مع الاجساد و جميعها نفخ في غير ضرام و تضليلات و تدهيشات و ملاعب للجهال و لا منفعة فيها الا اصباغ زائلة و تلوينات باطلة و الحق في ذلك تحصيل اصباغ ممازجة متحدة مع الاجساد و ذلك لايكون الا في ادهان غير محترقة ثقيلة متعلقة بالاجساد او اجساد صباغة منحلة حلاً دهنياً تداخل و تمازج فتتحد و الا فلافائدة فيها الا الكد و التعب و التدليس اما الادهان فان كانت بيضاً فانها تبيض ما يحتاج من الاجساد الي التبييض و تزيد في رونقها و بهجتها و تشرقها و لابد و انتدخل بعد نقائها و طهارتها و ان كانت حمراً فانها تحمرها و تزيد في بريقها و صقالتها و تلزز اجزائها و كذلك لاتدخل الا بعد
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 179 *»
النقاء التام و اما الاجساد فيمكن تحصيل ادهان بيض منها و ادهان حمر فايها حصل حصل منها دهن ثابت ثقيل ممازج نافذ فتدخل علي الاجساد بعد نقائها و تكليسها و هدمها فتصير ركناً صالحاً فاما الادهان البيض فتحصل من زحل و المشتري و عطارد و القمر و اما الادهان الحمر فتحصل من المريخ و الزهرة اما الادهان البيض الاول فتتخذ من الزرانيخ و الزيابق فتكون فعالة صباغة ولكن يكون ذلك بعد بياضها و رفع احتراقها و سوادها و ثباتها فاذا بلغت هذا المبلغ صبغت بلامهلة صبغاً خالداً و الحمر منها يتخذ من الكباريت و من الشنجرف الرماني المطهر المثبت فانهما يصبغان الاجساد الطاهرة صبغاً خالداً ثابتاً و احسن انحاء اتخاذ الزنجفر انيغسل الزيبق و الكبريت و الزرنيخ كما تعلم حتي لايبقي فيها رائحة سواد ثم يؤخذ من الكبريت جزء و من العبد ثلثة و من الزرنيخ جزء و يجعل في قوارير قصيرة الاعناق بعد السحق التام و التجفيف و يؤخذ الوصل بالصاروج و يجعل في تنور علي مكان مبني فيه بالاجر و الطين و النار محيطة به الي انتحمي القوارير فيسد التنور و يترك في الوقيد اثنتيعشرة ساعة ثم تبطل الوقيد و تتركه الي انيبرد و تفتحه تجد الزنجفر في صدورها رمانياً صالحاً فترفعه ثم تثبته بعد ذلك حتي يقبل الانسباك ثم تشمعه بالادهان الغير المحترقة ثم تحله او لاتحله و ان شئت الحف به صحيفة من الشمس فادمسها فانها تتكلس فاضفها الي وزنها مرتين من الزنجفر المشمع و شمعهما معاً و الق منه فانه يصبغ حسناً و اما الادهان البيض الثانية فتتخذ من زحل و المشتري و عطارد و القمر بحلها بعد تكليسها حتي تتفسخ دهنا فيمازج ما القي عليه بالتسقية و التشوية و ان شمعت تلك الاجساد بدهن الزرنيخ او الروح المحلول كما وصفت و طرحت صبغت كثيراً كما مر و المشمعات شموع و الشموع ادهان و اما الادهان الحمر الثانية فتتخذ من زعفران الحديد و الزنجار و السيلقونات و احسن تدابير الزعفران انينقي الحديد ثم يكلس بالتصعيد او بادخال الارواح و اخراجها و البغية التهبية التامة ثم يستنزل فان خرج نقياً تام الثبات علي الحمي فقد صلح للتزعفر فبرده و اسقه الخل المقطر عن العقرب المغسول و النوشادر الطاهر المصعد و اسحقه به و شوه مرات بالنار او الشمس
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 180 *»
حتي يصير زعفراناً فائقاً و قد يزعفر بعد النقاء بالمياه الحادة فيأتي حسناً فشمعه بدهن العقرب حتي يجري فالق منه علي ما شئت تحميره و اما الزنجار فاحسنه ما صنع من الروسختج بعد ازالة سواده و خلوص حمرته و النوشادر و الخل و افضله ما عمل من النحاس المنقي و الخل المقطر عن النوشادر و طريقه انينقي بالحل و العقد ثم يستنزل فان لميسود في الحمي فقد بلغ و الا يكرر حتي يخرج من غير سواد فيبرد فيسحق بالخل المقطر عن النوشادر و العقرب المغسول الي انيصير زنجاراً فائق الخضرة علي لون الزبرجد فيسحق و يشمع بدهن العقرب الي انيذوب فهو حينئذ دهن صباغ كامل و كذلك يتخذ الاسرنج من الاسرب او القلعي المطهرين اللذين لاسواد لهما ابداً فيكلسان بالمياه الحادة و يسترسبان او يكلسان بالنار ثم يغسلان حتي لايشوبهما شيء ابداً ثم يودعان اتون الفاخور او الزجاج حتي يصيرا كالشنجرف الرماني الفائق ثم يشمعان بدهن العقرب حتي يجريان فيصبغان صبغاً حسناً فالغاية في هذه الادهان طهارتها و نقاءها وخلوصها عن الغرايب لتمازج و جميع ما سوي ذلك امور تلوينية تزول الوانها و تفسد و لاتقوم و الحكيم لايحوم حولها فوالله لقد نصحت لك و اريتك مر الحق في كتبي لاسيما في كتابي هذا و كتابي اصلاح الارواح و كتابي اصلاح النفوس و كتابي المسمي بالفصول فان هذه الكتب لانظير لها لا من كتب جابر و لا من كتب الجلدكي و لا غيرهما فانهم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً و اضلوا الحق و انا ذكرت مر الحق ان فهمت و ان لمتفهم فلاتضل انشاءالله و ان انت حصلت هذه الاصباغ و اردت انتصبغ بها الارواح صبغت ولكن صعدها عنها بنار خفيفة جدا حتي تصعد خالصة منصبغة ولكن ان صبغ الارواح بالنفوس فانها اقرب اليها و انس بها و اخف عليها ثم جميع ما ذكر من المياه الصباغة و المقطرات و المحلولات و ساير العقاقير جميعها باطلة محضة و لا طائل فيها الا الكد و بعد الكد التدليس و التلبيس علي المسلمين بالتلوين فاتق الله و انظر لدينك و نفسك و مالك و ماء وجهك و اجتنب عما لايحل لك و اعلم ان الحق في التكوين و الاحالة بالممازج المتفاعل و الباطل في التلوين الظاهري و الصبغ
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 181 *»
بالمخالط المجاور الزايل و الله خليفتي عليك و قد فرغ من كتابتها مصنفها في آخر شهر ذيالحجةالحرام من شهور سنة تسع و ستين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً تمت.