14-01 مکارم الابرار المجلد الرابع عشر ـ الايقان في اعجاز القرآن ـ مقابله

 

 

الايقان في اعجاز القرآن

 

من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 5 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي انزل علي عبده الکتاب و لم‌يجعل له عوجا قيما علي حفظ الاحکام و جعله مهيمنا علي سائر الکتب و حجة باقية منه علي عباده الي يوم القيام و الصلوة علي من خص بنزول کلام الله علي قلبه و جريه علي لسانه لينذر الانام و علي آله المستحفظين له العالمين بتأويله المقرونين به علي مر الدهور و الاعوام و علي خزنة علومهم الداعين اليه و اليهم المتمسکين بهما في جميع الاعصار و الايام و لعنة الله علي الصادين عنهما المنکرين لشأنهما اطفاءا لنور الله و تشييدا لبنيان الکفرة الطغام.

و بعد يقول العبد الاثيم کريم بن ابرهيم اني لماوجدت ان الجور قدمد باعه و الغي قددعا اتباعه و انقرض العلماء العاملون و الفضلاء المستحفظون و خلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلوة و اتبعوا الشهوات و قنعوا بحصول الرياسة و نفاذ الامر و السياسة و تلقي الناس اوامرهم بالسمع و الطاعة و ان لم‌يصرفوا من عمرهم في ازالة شکوک الناس ساعة و بقي الناس کسفينة لا رباني لها او کغنم بلاراع قداسلس لهم الشيطان للاصغاء الي اشکوک و الشبهات ثم اشنق لهم عن الاستماع للبينات لاسيما اتفاق الداء العضال من تراود دول الضلال و تردد السفراء الجهال في الاقاليم بهذا الخلال و حمل شبهات کل مملکة الي مملکة اخري و نقل اضاليل کل فرقة الي فرقة اردي و القلوب ضعيفة و النفوس عليلة و الخلق جهال و النقلة ضلال لا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون يحملون کتب کل قوم الي کل قوم و يجوسون خلال البلاد بالقاء الشبهات من غير لوم و النفوس مجيبة لکل داع الا الحق ملبية لکل داع الا الصدق المطلق فتمسکوا بتلک الشبهات و زخرفوها بما عندهم من المتشابهات و يتلاقون بها في الانادي و يجادلون بها الحاضر و البادي يتفکهون بما يورد نقصا في الدين و يهمزون بمن يلازم سنن المرسلين و يسخرون من الذين يستنکفون عن مجالستهم و يستهزئون بمن يتنزه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 6 *»

عن مساورتهم و طال بهم الحال حتي ارتد کثير من الجهال و هم مع ذلک يمشون في المسلمين لغلبة جهل الباقين و مسامحتهم في الدين و عدم معرفتهم بمعني الارتداد عن الدين المبين فيجالسونهم و يعاشرونهم فيجادلونهم في الله و في رسله و کتبه و حججه حتي زحزحوهم بالکلية عن الايمان و دحرجوهم عن کثيب الاذعان و زلزلوهم عن الصراط المستقيم و اخرجوهم عن الدين القويم حتي زعموا جميع ذلک احاديث لهو و اخبار لغو و زعموا ان الانبياء کانوا رجالا طلاب دنيا فاحتالوا في طلبها بوضع دين و ان ذکر الجنة و النار حيلة للترغيب و الترهيب و ذکر الله تدبير للتخويف في الظاهر و الباطن و قالوا ان القرآن تاريخ ناقص لعاد و ثمود و کتاب مشوش و کشکول ما ادري اي مزخرفاتهم اقول و اللسان منها کليل و في الصدر من تصورها غليل و القلب من محنتهم عليل بالجملة آل امرهم الي انکار جميع ضروريات الاسلام و تصديق جميع اوهام الانام من غير احتمال کذب في هذا و صدق في ذاک و هذا ان يکفک شيء کفاک فبذلک سخط الله عليهم بتوارد البلايا و رفع البرکات و لزوم العاهات و الافات و جعل باسهم بينهم فضرب بعضهم ببعض و دفع بعضهم ببعض لم‌يبق شبر في ممالکهم خلا من الظلم العظيم و امر من امورهم الا و فيه جور جسيم و مع ذلک لم‌يتنبهوا و لايتنبهون و لم‌يرتدعوا و لايرتدعون حکمة بالغة فما تغن الايات و النذر عن قوم لايؤمنون و من جملة تلک الشبهات ما عرضهم في امر القرآن المجيد الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل الحکيم حميد و زعموا انه يسعهم ان يصنفوا کتابا مثله و انه ليس بمعجز و اعجب من ذلک کله انهم زعموا ان بعض الفاظه و آياته يخالف العربية مع صدوره من افصح العرب في عصر کان افصح الاعصار في قرية کا نت افصح القري حتي زعم بعضهم انه يقدر علي ان‌يأتي بمثله فاقدم علي تأليف کتاب ذي سور و اتي بخزعبلات مجّها کل سمع و نفر و اني لما رأيت ذلک و رأيت ان احدا من العلماء الماضين لم‌يأتوا في وجه اعجاز القرآن فيما اعلم بما يسکن اليه النفس و يطمئن اليه القلب و لم‌يفردوا لذلک کتابا مع اذعانهم جميعا بانه معجز لايأتي احد بمثله احببت ان افرد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 7 *»

رسالة في هذا الباب و ابذل مجهودي في جمع الاقوال و ما فيها من مقبول النظر و مردود الفکر ثم اذکر اليه ما يؤدي اليه نظري القاصر و فکري الفاتر مستعينا بالله و لاحول و لاقوة الا به و هو العلي العظيم و رتبته علي مقدمه و خمسة عشر بابا و سميته بالايقان في اعجاز القرآن و علي الله التکلان انه کريم منان.

المقدمة

في معني الاعجاز و الفرق بينه و بين السحر و غيره من آثار العلوم الغريبة و الحيل و بعض ما يجب تقديمه و فيها فصول:

فصل: اعلم ان الله عزوجل خلق ماسواه من الامکان و الامکان هو صلوح جميع الاکوان فکل حصة منه يصلح لجميع الاکوان و لايخرج کون من الاکوان من الامکان الا بسبب مناسب مرجح يرجح وجود ذلک الکون علي سائر الاکوان کالقالب المرجح لهيئة اللبنة علي سائر الهيئات فيخرجها من امکان الطين و ابي الله ان‌يجري الاشياء الا باسبابها و تلک الاسباب ايضا من الخلق و من الامکان فجعل کل شيء لکونه ملقي مثاله و مظهر کماله سببا لشيء و مسببا لشيء فوقه و علة لشيء و معلولا لشيء فوقه فجعل لجملة من الاشياء الانسان سببا فاجراها علي يديه کالکتابة و الحياکة و الزراعة و امثالها من سائر اعمالهم الصناعية فانها کلها مخلوقة لله سبحانه اجراها علي ايديهم و جعلهم اسبابا لها الله خلقکم و ما تعلمون. قل افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون فيحسب الانسان انها من صنعه و تحت قدرته و الله هو المالک لما ملکهم حين تملکهم و القادر علي ما اقدرهم عليه حين قدرتهم قل کل من عند الله و قل الله خالق کل شيء و جعل لجملة من الاشياء اسبابا غير الانسان و لکنها مما يناله ايديهم فهم يقدرون علي ما هم اسبابه في تلک الاسباب کما جعل النار سبب الاحراق و جعل الانسان قادرا علي اشعالها و تقريبها و تبعيدها و الماء سببا للترطيب و جعل الانسان قادرا علي اجرائه و صبه و استنباطه و امثال ذلک و هذا القسم نوعان فمنهما اسباب عامة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 8 *»

يعرفها اغلبهم و هي شايعة او تعرف بادني تأمل و منهما اسباب خفية لايعرفها الا الاقلون کاسباب الکيميا و السيميا و الهيميا و الليميا و الريميا و الشعوذة و غيرها من العلوم الغريبة و الحيل العجيبة التي يعرفها آحاد الناس و جعل لجملة من الاشياء اسبابا غير الانسان و لاينالها ايديهم و لايقدرون علي التصرف فيها کالاسباب السماوية و العلوية فانهم ببشريتهم الظاهرة العامه لايقدرون علي التصرف فيها اللهم الا ان يتصرفوا في القابل بما جعلوا سببا له کتغطيتهم الشيء حتي لايناله حر الشمس و امثال ذلک من الاسباب الظاهرة او الخفية الخاصة بآحاد الناس و جعل لجملة من الاشياء اسبابا روحانية کما جعل الجن سبب رمي حجارة او تخريب بنيان و کما جعل الملئکة سبب اجراء امر في العالم و جعل النفوس و الارواح الغيبية سبب تحريک الاجسام الي غير ذلک من الاسباب الغيبية و الشهادية فمقدورات الانسان الظاهر العامة امور معلومة يعرفها کل احد من نفسه و ان لم‌يقدر عليها بالفعل فانه اذا رأي الشيء علاجيا يناله يد البشر و ادرک وجه العلاج و الحيلة فيه بعقله بغير واسطة او واسطة يعلم انه قادر عليه بالفعل او بالامکان و کلما رأي الشيء غير علاجي بايدي البشر و آلاته و ادواته يعلم انه فوق قدرته مثلا اذا رأي الانسان مقدارا[1] لطيفا دقيقا يعلم انه من صنع البشر و ان لم‌يقدر هو في نفسه علي صنعة مثله ولکنه يعلم بعقله انه مما تناله الايدي و الالات و يمکن معالجته و ان لم‌يقدر هو عليه بالفعل و اما اذا اخرج رجل مقدارا من جوف الجبل مثلا کاخراج الناقة يعلم ان هذا الاخراج ليس بعلاجي و لايناله ايدي البشر و آلاته و ادواته البتة و القول الفصل انه ان کان يبلغ عقل البشر وجه الحيلة في الشيء و يدرک کيف وجه الحيلة و العلاج فيه هو مقدور للبشر و ان لم‌يتمکن في الخارج علي علاجه بيده لعدم ممارسته او لعدم تهيؤ اسبابه نعم قدتکون آلات و ادوات مقدورة للبشر هي ظاهرة لبعض و خفية عن بعض مثلا اذا لم‌ير احد المقناطيس في عمره ولم‌يسمع به و عرفه واحد فاخفاه في کمه و قرب يده من حديد انجذب الحديد اليه کذلک الشيخ المضل الذي کان يجعل المقناطيس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 9 *»

في جوربه و ينعل نعليه بالحديد فاذا مد رجله ليلبس نعله کان ينجذب اليها نعلاه و استقبلاها فجعل ذلک کرامة له عند جهال مريديه فالجاهل لايري ذلک من مقدوراته و يحسبه معجزة فامثال هذه الحيل کثيرة في العقاقير و الحروف و سرعة الحرکات و الشعوذة و السحر تخفي علي عامة الناس فانها اسباب مقدورة للبشر لکنها ليست مما يعرفها العامة فعلي ذلک يحتمل عند النبيه بهذه الامور اجمالا کون اکثر المعجزات من هذا القبيل فيرتاب و ليس هذه الريبة للجاهل الفطن بنقص فيه ما لم‌يقم عليه حجة بل هو من کماله و لم‌يکلف الله احدا شططا بل لله عزوجل الحجة علي خلقه اذا اظهر انه ليس باسباب مقدورة للبشر فلم‌يقبله الانسان و عاند و اما اذا بقي الامر مشتبها عليه فلم‌يقم عليه الحجة فليس الله يؤاخذه بتأمله اذا لم‌ينکر و لم‌يعاند و ان الله سبحانه من فضله و جوده جعل لذلک ميزانا آخر يعرف به ما هو من مقدورات البشر و ما ليس منها سنذکره بعد هذا الفصل ان‌شاءالله و من لم‌يعرف ذلک الميزان و شک في معجزة فهو في محله و ليس بمکلف بالقبول ما يحتمل عنده انه من اسباب خفية مقدورة البتة و ليس بجاحد للحق و لا بمرتاب فيه و ليس بکافر البتة و ذلک مقتضي العدل الذي لاشک فيه و لاريب يعتريه نعم علي هذا الجاهل التأمل و التوقف و عدم الانکار و الجحود و العناد و الفحص عن الکواشف الخارجية حتي يتبين له الامر و لاتحتج بدخول قوم في الدين عميانا و من غير تدبر و النبي المداري لايمنع احدا عن الدخول في دينه و لو کان عميانا فلعله سيتبصر عن قليل فلاتحتجّ بفعل الجهال و العاقل لايطاوعه قلبه التصديق من غير تعقل و من دخل في الدين من غير دليل و حجة خرج من الدين بادني شبهة و لايجوز للعاقل التصديق بغير دليل فانه يحتمل عنده ان يکون ذلک من المدعي باسباب خفية مقدورة للبشر و يحتمل ان لايکون فمقتضي الطبع السليم التردد و التوقف فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلکات فتکليف هذا الرجل من عند الله عزوجل التوقف حتي يأتيه البينة و الحجة الواضحة بل لو بادر الي القبول لکان خارجا عن مقتضي تکليفه آتيا بخلاف الحکمة و الفطرة المستقيمة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 10 *»

فاما ما ذکره القوم و منهم قطب الدين هبة الله الراوندي في الخرائج و الجرائح و صدقه المجلسي ان السحر و الحيلة لا حقيقة لها و انما هي تخييل و ارائة او حيلة علاجية يطلع علي اسبابها فليس بمفيد للجاهل الذي لم‌يطلع علي اسبابها و يري الامر علانية هذا و بالسحر يفرقون بين المرء و زوجه و هو واقعي و ليس بتخييل و يضرون بالناس و ان کان لايضرون الا باذن الله و يمرضون و يخربون البيوت و يعالجون المرضي و يجننون الناس و يعالجون المجانين و يعزمون علي الارواح و يرقون السموم الحيوانية و النباتية بان لاتضر و يبرئون المسموم بالرقي و غيرها فکيف ليس لها واقعية ولکنهم معذورون فانهم لم‌يطلعوا علي العلوم الغريبة و تصريفاتها و ما يمکن من تغيير اوضاع العالم بها و نسألهم هل يعرف اسبابها في الفور او بعد جهد جهيد و لاشک انه لايعرف اسبابها في الفور و لابد من الجهد و الفتش في البلاد و التجسس اياما بل اعواما فهل يجوزون ان لايصدق النبي اعواما حتي يفتش عن وجه اعجازه ام لا و اذا کان وجه معرفة الاعجاز الفتش فقدسقط التکليف عن القبول فانه يحتاج الي الفتش في کل الارض و عند کل احد و لا کل من يعلم وجه الحيلة يخبره و يحتاج الي الفتش عن الماضين و الاتين و في ذلک سقوط التکليف و اعجب من هذا انه ذکر في الطلسم امرا و تلقاه المجلسي بالقبول و هو ان الطلسمات التي ظاهرها و باطنها سواء و لايظهر منها وجه الحيلة فعندنا هي معجزات الانبياء الماضين و الاوصياء المتقدمين صلي الله عليهم اجمعين و لهذا لم‌يظهر طلسم بعد النبي صلي الله عليه و آله و بعد قصور ايدي الائمة انتهي اقول عد مثلکما عالمين فاضلين الطلسم معجزة و دليل نبوة مما يوهن تحقيقات العلماء و مما يزلزل اقدام الجهال و يطيل لسان الزنادقة الضلال و يوهن لهم رواياتکم و روايات امثالکم للمعجزات فلعل الرواة اغتروا و جهلوا مثلکم و لعمري لولا اصل عندنا لاحتمل في جميع الامور احتمالات لاتحصي و خفاء امر الطلسم عليکما مما يزيد في احتمال الجاهل النبيه ان يکون اسباب خفية اخر عن اکثر البشر کما خفي الطلسم عليکما و عددتموه معجزة يعرفها صاحب خارق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 11 *»

العادة و لايعرفها غيره الا قليل واحد بعد واحد و لعله في اقصي اطراف الارض و الطلسم علم علاجي ببخورات و البسة و امکنة و کتابات و اوضاع يتصرف الانسان بها في القابل حتي يجذب مددا سماويا علي حسب مراده فيحصل الامر کما هو ظاهرا و باطنا کما ان الاکسير امر علاجي ينقلب به النحاس فضة ظاهرا و باطنا فاني و اني و متي يکون المعجز مما يناله ايدي البشر باصلاح فاعل او قابل و ما اعجب جوابه في رد بحث ذکره ان قيل ما انکرتم ان يکون في الادوية ما اذا مس به ميت عاش و اذا حصل في عصا و نحوها صار حية و اذا سقي حيوان تکلم و اذا شربه انسان صار بليغا فاجاب ما حاصله ان کان للناس سبيل اليه لزم ان يکون الظفر به ممکنا و کانوا يعارضونه فلايکون معجزا و ان لم‌يمکن لزم ان يکون الظفر به معجزا الي آخر کلامه و کم من شيء يظفر به واحد و لايظفر به غيره فلو ردوه الي العلماء بهذه الامور لعلموه و حلوا عقده و استراحوا ولکنهم تکلفوا و اطالوا السنة الزنادقة و لعمري هذه الاجوبة کبيت العنکبوت يمکن خرقه من کل جانب و العجب من نفوس تسکن الي هذه الاجوبة و يتخذها دينا و يقينا و قال ايضا في الفرق بين المعجزة و الشعوذة و نحوها قدفرق قوم من المسلمين بين المعجزات و المخاريق بان قال ان المعجزة لاتکون الا علي يد رسول او وصي رسول عند الافاضل من اهل عصره و الاماثل من قومه فيعفونها عند التأمل و الشعبذة تظهر علي يد اطراف الناس و سقطهم و عند الضعفة من العوام و العجائز اقول کم من شعبذة حيرت عقول فحول العقلاء و العلماء فلم‌يهتدوا الي کنهها و اعتقدوا کونها کرامة و اتخذوا صاحبها مرشدا الي ان فضحهم الله بعد حين بالجملة تحقيق هذه الامور من شأن العلماء و من بين العلماء شأن المتکلمين و من بين المتکلمين شأن الحکماء الربانيين و العرفاء الصمدانيين الاخذين عن الحجج الطاهرين و کتاب رب العالمين لا غير و کل من هو سواهم متکلف و يقول

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 12 *»

النبي صلي الله عليه و آله بتعليم الله عزوجل و ما انا من المتکلفين و قد عرفت ان مقدورات البشر علي قسمين قسم منهما باسباب عامة معروفة کالقطع بالسکين و الحرق بالنار و امثال ذلک و قسم منهما باسباب خاصة يعلمها بعض البشر و ينتقل من صدر الي صدر کالسيميا و السحر و الريميا و الهيميا و الليميا و امثال ذلک و ذلک شبيهة بالمعجزات و منها ما لها حقيقة خارجية کالسيميا و منها ما هو تخييل و تصرف في الحس المشترک بحيث يري بحسه المشترک شيئا ليس في الخارج کما يصنعه المسکّر الذي يسکر الابصار فيرون انه قتل و احيي و صعد الي السماء و نزل و دخل في قرعة و خرج و امثال ذلک و منها ما هو بهر کالليميا فانه بسرعة الحرکات التي تبهر الاعين فيزعم انه رأي شيئا و لم‌يره و انه فعل شيئا و لم‌يفعله و منها ما هو علاج و تهيئة اسباب و آلات و لايري شيئا الا بها و فيها کاللاعب بالحق فلو اخذ عنه آلاته لعجز عن ارائة الغرائب فامثال هذه الغرائب تشتبه بالمعجز و الجاهل بالاسباب لايدري هل هي باسباب مقدورة او غير مقدورة و لايجب ان ينکشف الاسباب لکل احد و لربما تبقي مشتبهة الي آخر الابد و لايجب ان يکون اذا قدر عليه بشر يأتي بمثله سائر البشر و لايجدي ما ذکروه شيئا و يأتي تحقيق الامر في الفصل الثاني فترقب.

و اما حقيقة المعجز فان يفعله صاحبه باسباب يعجز البشر عن تعاطيها کالاسباب السماوية و الغيبية و النفسانية فيتصرف في الشيء بقوة نفسه الکاملة المفارقة الکلية و باسماء الله العظيمة و قوة روح القدس فيحرک و يسکن ما يريد کما تحرک انت يدک و يدير السماوت کيف يشاء و يزلزل الارض و يخسف بها کيف يشاء فيحکم في السماء و الارض و ما بينهما فتطيعه و لربما ليس له تلک النفس الکلية فلايقدر علي الکل الا انه قادر علي البعض فذلک ايضا معجز و لايجب ان يکون المعجز علي حسب اقتراح القوم و لو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات و الارض بل علي حسب ما اعطي علي حسب کماله و قوته و ما ظهر فيه من مثال مشية الله او علي حسب المصلحة فبمحض انه ليس من اسباب بشرية يکتفي بکونه معجزا البتة و المعجز لايکون الا لنبي او وصي نبي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 13 *»

فانهما محل مشية الله و وکر ارادته بل مشية الله و امره و حکمه فکل سبب يتحرک او يسکن في العالم فانما هو بتحريک الله اياه بهم و في الزيارة بکم تحرکت المتحرکات و سکنت السواکن فلامعجزة لغيرهم ابدا و يدل علي ذلک ما روي في تفسير الامام ابو يعقوب يوسف بن زياد و علي بن سيار من خبر والي سامرة و المکتوف المتهم و مروره به علي الحسن بن علي عليهما السلام فقال الوالي للحسن عليه السلام قدرأيت له اي للمکتوف من المعجزات ما لايکون الا للانبياء فقال الحسن بن علي عليهما السلام او للاوصياء فقال او للاوصياء الي ان قال الامام عليه السلام للوالي و انت قد کذبت کذبة لو تعمدتها و کذبتها لابتلاک الله بضرب الف سوط و سجن ثلثين سنة في المطبق قال و ما هي يابن رسول الله قال بزعمک انک رأيت له المعجزات ان المعجزات ليست له انما هي لنا اظهرها الله فيه ابانة لحجتنا و ايضاحا لجلالتنا و شرفنا و لو قلت شاهدت فيه المعجزات لم‌انکره عليک اليس احياء عيسي الميت معجزة أفهي للميت ام لعيسي أو ليس خلق من الطين کهيئة الطير فصار طيرا باذن الله أهي للطائر او لعيسي أو ليس الذين جعلوا قردة خاسئين معجزة أفهي معجزة للقردة او لنبي ذلک الزمان فقال الوالي استغفر الله و اتوب اليه الخبر فالمعجزة للنبي و الحجج عليهم السلام و انما تظهر علي بعض الصالحين کرامة من الله عليه بالحجج کما کان يظهر علي مريم کلما دخل عليها زکريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم اني لک هذا قالت هو من عند الله و ظهور الکرامات علي الاولياء غير منکر و انما هي معجزة دالة علي امامة الامام و نبوة النبي فان الولي لايدعي الا عبوديتهم و لايري تلک الکرامة الا لاجل الانتساب اليهم و لطاعتهم و اقتدائه بهم و اعتقاد امامتهم و ولايتهم فهو کرامة له و معجزة دالة لهم يظهرونه في کل عصر لتجديد العهد و ليکون المشهود دليلا علي الغائب الماضي و ما يظهر علي المبطل علي خلاف دعواه فهو ايضا معجزة امام الزمان او من ادعي مقامه اظهرها الله عليه اتماما لحجة المحق و ادحاضا لحجة المبطل کما ظهر علي مسيلمة علي ما نقل انه قيل له ان رسول الله صلي الله عليه و آله شافي اعور فقال انا ايضا اشافي ائتوني باعور فدعي له فعور عينه الصحيحة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 14 *»

ايضا و سمع ان النبي صلي الله عليه و آله مسح رأس الاطفال للبرکة فمسح رؤوس اطفال فصاروا کلهم اقرعين و حنک اطفالا للبرکة فصاروا الکنين و امثال ذلک فان ذلک معجزة صاحب المعجز ظهر علي يدي المبطل ادحاضا لحجته و اثباتا لحجة الحق کما ظهر في تکلم الذئب مع ابي‌ذر.

فصل: اعلم ان لنا اصلا اصيلا نستخرج به کل مخزون و نستکشف به کل محجوب و نستعلم به کل مجهول و نستيقن به امر کل مشکوک و هو مما عرفنا الله جل وعز و من علينا به و قل من اطلع عليه من اصحابنا رضوان الله عليهم و اقل منهم من نصره فلاجل ذلک التزمنا نحن ان ننصر هذا الاصل اينما ناسب ذکره و ننصره بغاية جهدنا و عندي ان من لم‌يعرف هذا الاصل الاصيل لايفوز باليقين في شيء من امر الدنيا و الاخرة لاسيما مع فقد النبي و غيبة الولي و کثرة العدو و قلة العدد و شدة الفتن و اختفاء العلماء و انطماس الاعلام و تراکم الشبهات و غلبة الشکوک علي البريات و زيادة تعمق الناس في الامور مع انظار غير معتدلة و اهواء معوجة و اغراض و امراض و معاونة بعضهم بعضا و تشکيک بعضهم ببعض حتي انه لم‌يبق شيء في آخر الزمان هذا الا و قدوقع فيه شبهات و قام فيه احتمالات و زال اليقين و العلم عن الخلق بالکلية و القي کل احد شبهته علي الاخر و سفر بها السفراء و کتب بها الکتب فتراکمت و ربت و نمت و ازدادت حتي بلغت اعنان السماء فما لاحد الي العلم سبيل و انسد باب العلم حتي رضي العلماء الاعلام بفتح باب الظن من باب اکل الميتة و عملوا بالظن في امور الدين فما ظنک بسائر الخلق و لعمري لو زادوا التعمق لانسد باب الظن ايضا لکثرة الاحتمالات التي قدقامت في کل شيء و کثرة الاقوال و الرد و البحث من الموافق و المخالف فمن حرم معرفة هذا الاصل غرق في بحر الشبهات والشکوک و هذه الفتنة العمياء التي يهرم فيها الکبير و يشيب فيها الصغير و يکدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه و من فاز بمعرفته وصل الي مقام اليقين و الراحة رحيب الصدر بارد القلب ثلج الفؤاد و وضع کل شيء في حده و مقامه و نحن قدکتبنا في هذا الامر کتابا مبسوطا طويل الذيل و ذکرنا فيه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 15 *»

انواع الادلة من الکتاب و السنة و دليل العقل و الامثال الافاقية و الانفسية و سميناه بعلم اليقين و نکتفي هيهنا بالدليل العقلي و لا قوة الا بالله ولکن نذکر الدليل علي نهج الحکمة لا المجادلة و الموعظة.

فاعلم ان الله سبحانه احد لايثني قائم بنفسه لنفسه غني عماسواه و جميع ماسواه ظهور امره و نوره و امره واحدة لانه غاية الغايات و نهاية النهايات و مطلق المطلقات و کلي الکليات و علة العلل و سبب الاسباب فالاشياء کلها تنتهي اليه کما ينتهي الاجسام الي الجسم المطلق و الاعداد الي الاحد فجميعها تفاصيل شئون ذلک الامر و جهاته و حکاة حيوثه کما يحکي السماء و الارض جهات الجسم المطلق المخلوق بنفسه بالنسبة اليهما فلاجل ذلک وجب في الحکمة ان تکون اجزاء الخلق مرتبطة فيکون المعلولات مرتبطة بعللها و المسببات باسبابها و المعدات بمعداتها و المشروطات بشروطها و التوابع بمتبوعاتها و الاداني باعاليها و الشهادات بغيوبها و الظواهر ببواطنها و هکذا و لاجل ذلک تدل الخلق باتساق التدبير و انتظام الامر علي وحدة الخالق القدير و لو کان فيهما الهة الا الله لفسدتا و لذهب کل اله بما خلق فوحدة امر الله جل جلاله اوجبت اتساق الخلق و انتظام الامر و وقوع الخلق علي نهج الحکمة و ليس الحکمة الا الارتباط و الانتظام و ليسا الا ظهور الوحدة للواحد الغني القديم و من مقتضيات الوحدة و الارتباط و الحکمة ان يکون کل مقتضي لازم مقتضيه و کل اثر لازم مؤثره و لکل مقتض مقتضي خاص به و لکل شيء اثر مخصوص به لان جميع الخلق اثر مشية الله القت في هويته مثالها فانصبغ فيها فاخرجت منها افعالها علي حسب الانصباغ کما يلقي الشمس شبحها في المرآة الخضراء فينعکس منها اخضر و في الصفراء فينعکس منها اصفر حتي انک لن‌تجد شيئين في ملک الله يتحد اثرهما في کل جهة کما لايتحد المؤثران في کل جهة و ذلک شرط الاثنينية فاذا کان هذا حال الشيئين المتقاربين المتشارکين في اکثر الامور فما ظنک بالشيئين المتباينين و اذا کان ذلک في الشيئين المتباينين کذا فما ظنک بالشيئين المتضادين فاذا لاهل الحق و النور آثار و لاهل الباطل و الظلمة آثار لاتشتبهان و ذلک

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 16 *»

من حکمة الحکيم و مقتضي وحدة الامر الواحد و هذا معني ان الله جل و عز لايغري بالباطل و لايشبه الباطل بالحق و هذا هو حقيقة جميع ما يقال في هذا الباب من وجوه دليل الموعظة و ادلة السياسة الظاهر و ادلة المجادلة الا ان تلک الادلة تنخدش بوحدتها و هذا الدليل لاينخدش و هذا حال دليل الحکمة في کل مقام فلاينخدش فاهل الحق و الباطل لاشتبهان ابدا فمتي يشتبه المتنبي بالنبي و المفتري علي الله بالصادق و المتنبي المفتري کافر بالله و برسله و اوليائه فاسق فاجر ضال مضل من اعظم هياکل الشيطان اتخذه له و جارا و جحرا يتوارد عليه الشياطين فوجا بعد فوج و قلبه مربط الشياطين و هم اهل الشر و الامرون بالنکر العاملون للقبائح و الداعون الي الفجور و الفسوق و فساد الدنيا و الاخرة قدجبلوا بسوء اختيارهم علي ذلک و تعيشهم بما ذکرنا و النبي مؤمن بالله و رسله و کتبه و اوليائه معصوم مطهر هاد مهدي من اعظم هياکل التوحيد و مظهر الوحدة و الاتساق في الامور و الانتظام و عدم اختلاف الرأي و العمل يتوارد عليه الملئکة بالوحي و الالهام و قلبه منبر الملئکة يصعدون عليه بالتهليل و التسبيح و الذکر و الخضوع و الخشوع و هم اهل الخير و النور الامرون بالعرف العاملون بالحسنات و الداعون الي العدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و الناهون عن الفحشاء و المنکر و البغي فلکل من الفريقين آثار في الدنيا لايتشبهان الا علي الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا هذا في الوضع الالهي الاولي و في طرفي النور و الظلمة الخالصين و قدالتطخ الضعفاء و المتوسطون الذين هم بين هؤلاء فحصل لطخ في الاخيار بالاشرار و في الاشرار بالاخيار فلو خلص الحق عن شوب الباطل لم‌يخف علي ذي حجي و لو خلص الباطل عن شوب الحق لم‌يخف علي ذي حجي ولکنهم لما امتازوا في عالم الذر و ماتوا و نزلوا و اختلطوا و التطخوا قدشيب اهل الحق بشيء من الباطل فظهر منهم آثاره و شيب اهل الباطل بشيء من الحق فظهر منهم آثاره و ان اتفق احد من الفريقين بلاعرض متلطخ بهم اقام الشيطان من الخارج اعراضا و في نظر الناظرين حتي يشتبه الامر و انما ذلک فتنة للذين في قلوبهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 17 *»

مرض و القاسية قلوبهم و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون فظهر من کل طائفة آثار الفريقين آثار الخير في اهله بالذات و آثار الباطل فيهم بالعرض و آثار الباطل في اهله بالذات و‌ آثار الخير فيهم بالعرض فقررت لهؤلاء المتوسطين بذلک الفتنة و التمحيص و الابتلاء و الاختبار حتي يخلص کل منهم و يظهر مکنون سره و حقيقة امره و لايقاوم العرضي الذاتي ابدا و

ثوب الرياء يشف عما تحته                                  و ان التحفت به فانک عار

و الذاتي يغلب العرضي ابدا و انما مثلهما کالراجح و الموهوم فمن ذهب الي الراجح اخذ طريق النجاة و من ذهب الي الموهومات وقع في الهلکات و ضل من حيث لايعلم و انما جعل الموهوم ليهلک من هلک عن بينة و يحيي من حي عن بينة و يکون لکل من الفريقين مستمسک يمکن له به اظهار مکنون سره فالظاهر الراجح لايشتبه بالموهوم و لايقاومه الموهوم مادام الانسان باقيا علي الفطرة الالهية و لکن بالفطرة المبدلة قديميل الي جانب الموهوم شيئا بعد شيء و يکثر النظر فيه حتي يثقل و يرجح و يستوضح و يبعد عن الراجح حتي يخف و يخفي فيصير عنده کالموهوم فهذه هي المصيبة العظمي و الرزية الکبري و غاية الاشکال و الداء العضال الذي لايقبل العلاج الا ان يشاء الله فانه صار يدعي المعاينة کما کان صاحب الراجح يدعي المعاينة و هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام لاترتابوا فتشکوا فتکفروا فمن زعم ان باطلا بالذات ليس له علامات دالة علي بطلانه ظاهرة بينة راجحة فقدافتري علي الله و من زعم ان حقا بالذات ليس له علامات دالة علي حقه ظاهرة بينة راجحة فقدکذب علي الله فان الله سبحانه قدخلق کل شيء بمشيته الکاملة و القي في هويته مثالها فاظهر منها افعالها علي حسبها مصبوغة بصبغها مشکلة بشکلها فاهل الخير لهم آثار يتبين خيرهم و طيب ذاتهم في اقوالهم و افعالهم و احوالهم لامحالة و اهل الباطل لهم آثار يتبين بطلانهم و خبث ذاتهم في اقوالهم و افعالهم و احوالهم لامحالة و يهتک ذاتيتهم ستر اعراضهم و تشقه و تظهر من وراء الحجاب فان عرصة‌الذات عرصة البقاء و الثبات و عرصة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 18 *»

العرض عرصة الفناء و الزوال فان الثبات لازم ذاتية الذات و معناها و الفناء لازم عرضية العرض و معناها فلو فرض فارض دوام عرض و ثباته فقدفرض ذاتيته و ذلک خلاف الواقع و الذاتي محيط بجميع الاقوال و الافعال و الاحوال في جميع الامکنة و الاوقات و القرانات ظاهر في کلها و العرض يتعلق بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث و ليس يحيط بجميع ما ذکر و ذلک الوجه المتعلق به العرض ايضا مشيب غير خالص مضطرب خافق غير مستقر فان ثبت قدم منه زال اخري و ان التفت صاحبه و حفظه مرة غفل عنه و فاته اخري بالجملة لايکاد ان يشتبهان هذا و الداعي الي الحق بالنبوة و الامامة هو المعصوم المطهر و المعصوم المطهر من لا عرض فيه فلو کان فيه عرض و صدر منه مقتضاه لم‌يکن معصوما و الداعي الي خلافه بالتنبي و التولي کافر في مقابله محروم عن الخير فلو صدر عنه خير لم‌يکن ضد المعصوم و في مقابله و لکان بقدر عرضه تابعا للحق و اهله فالامر فيهما اوضح من نار علي علم و هما بمنزلة اليقينين البينين الواضحين و محال ان يشتبها فان اشتبه النور بالظلمة و السماء بالارض و الحي بالميت و الظل بالحرور اشتبه امرهما اللهم الا ان يکون الناظر صاحب غرض و شريک الباطل و من سنخه فانه ربما يشتبه عليه الامر في الاخر لا في الاول و هو العرض الذي يأتي به الشيطان من الخارج من غير التطاخهما فان الله خلق لکل احد فطرة‌ الهية بمقتضي مشيته و فطرة ‌معوجة بسوء اختياره ففي اول وهلة کل احد ينظر بفطرته الاولية و يعرف الحق ثم يلتفت الي اغراضه و امراضه التي هي حجاب بينه و بين الواقع فيشتبه عليه الامر و بذلک يثبت الحجة علي کل احد قال الله تعالي و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم، يعرفون نعمة الله ثم ينکرونها، فلماجاءهم ما عرفوا کفروا به فالوضع الالهي في خلق الخلق و الزام کل شيء اثره اعظم شاهد لاهل الحق علي حقهم و لاهل الباطل علي باطلهم و هذا هو تسديد الله و تقريره و تأييده و شهادته علي کل فريق بما هم اهله فمن مشي بهذا المصباح وصل الي الفلاح و اهتدي الي الحق بالاستيضاح و من ابتغي غير ذلک فقدضل و غوي و هلک و تردي و وقع في شبهات لاترفع و احتمالات لاتدفع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 19 *»

و لعمري لايسکن علي اوضاع العالم الا احد رجلين رجل قدکشف له عن حقيقة الامور فعاينها بعينه و وصل الي حاق الواقع و رجل مغرور جاهل لم‌يعرف اوضاع العالم و طبائع الناس و حيلهم و مکرهم و اوضاعهم و اغراضهم و اما من تبصر و عرف من ذلک شيئا و لم‌يصل الي مقام الکشف لايکاد يستيقن في شيء‌ من امور العالم بل لايکاد يظن و لعمري ان الناس حتي العلماء قبل زماننا هذا لقدکانوا في غفلة من الاراء و الاهواء و الشبهات و الملل و المذاهب و سيرة الناس و حالاتهم و قدکانوا يمشون بصرف فطرتهم و ان عرفوا بعض الاختلاف فهو الاختلافات الاسلامية و اني جائتهم کتب الارض الجديدة و الاقاليم البعيدة و سفراؤهم و اراؤهم و شبهاتهم و الناس قدترقوا في شيطنتهم و نکرائهم و علومهم و حيلهم و مکائدهم و رأوا اشياء و جربوا اشياء و اشتبکت الاراء و شجنت الاهواء و تراکمت الفتن و اجتمعت المحن و تراکمت الظلمات من توارد الشبهات بحيث اذا اخرج الانسان يده لم‌يکد يراها و لعمري اذا تفطن علماؤنا الاصوليون بهذه الدواهي لاذعنوا ان باب الظن مسدود مسکر بحيث لاينفتح ابدا و لا نجاة لاحد من هذه الدواهي و لايمکن الوصول الي مر الحق اليوم في شيء من الاشياء الا باحد حبلين الاطول الامتن هو الکشف و المشاهدة و ليس ذلک منال کل نائل و طعمة کل سائل و اين الثريا من يد المتناول و اما الاقصر الارفع فهو دليل التقرير الذي هو بصر کل ضرير و منار کل ضال و عصا کل اعرج و دليل کل سالک و لعمري من لم‌يتمسک اليوم و ما بعده بهذا البرهان لايصل الي حد الايقان في شيء‌ من امور الاسلام و الايمان و لا يدرک ذلک الا الفطن اليقظان فخذ يا مطلعا علي کتابي هذا، هذا البيان و اشکر الله المنان و کن ثلج الفؤاد بارد القلب علي کل حق فانه شقيق العيان و ليس فوقه برهان و استعمله من التوحيد فما دونه الي ارض الخدش فما فوقه بل اقول ان هذا البرهان ليس يختص بهذا الزمان و انما هو جار في کل اوان و به يعرف حقية جميع الانبياء و المرسلين و اوصيائهم المکرمين و مسائل دينهم المبين بل کل حق من سائر امور العالم و معرفة کل عالم و جاهل و سفيه و عاقل فانه الميزان القويم و العروة الوثقي و الصراط المستقيم فخذ ما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 20 *»

اتيتک و کن من الشاکرين و قل الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما کنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.

و اعلم ان الحق هو الله جل جلاله و الباطل هو عدوه الشيطان و کل ما هو حق فهو من الله و الي الله و کل ما هو باطل فهو من الشيطان و الي الشيطان و الله سبحانه اصل النور و الخير و الکمال و الثبات و الدوام و اهل الاتساق و الاتحاد و التشاکل و التشابه في الامور و الاحکام و السنة و العدل و الصدق و غير ذلک مما يدخل باب الخير و الشيطان اصل اضداد ذلک و اهل لها فما من الله و الي الله يغلب فيه ما هو من الله و الي الله من الصفات و ما من الشيطان و الي الشيطان يغلب فيه ما هو من الشيطان و الي الشيطان البتة فان الله سبحانه خلق کل احد من نور و ظلمة و وجود و ماهية و جهة من ربه و جهة من نفسه فالنور و الوجود و جهة الرب يکون اولي بصفات الله و ما من الله و الي الله لانه علي طبق مشيته التي هي مجمع صفاته و ظهوراته و الظلمة و الماهية و جهة النفس تکون اولي بصفات الشيطان و ما منه و اليه لانها علي خلاف صفات الله و ظهوراته فمن کان الغالب عليه النور هو اهل النور و اهل صفاته و تظهر منه و من کان الغالب عليه الظلمة هو اهل صفاتها و تظهر منه البتة الا تري ان الغالب عليه الصفراء يظهر منه آثار الصفراء و الغالب عليه البلغم يظهر عليه آثار البلغم البتة فان الطبيعي لايتخلف و علي فرض ان يتطبع البلغم من الصفراويين في جهة لايغلب عليه البلغم و لا آثاره و لايقدر علي تلک الاثار في کل آن و مکان و کل جهة البتة و علي فرض ان‌يتطبع الصفراء من البلغمين في جهة لايقدر علي ادامة آثارها و،

ثوب الرياء يشف عما تحته                                            و ان التحفت به فانک عاري

فلايقدر اهل الباطل علي التشبه باهل الحق في جميع امورهم ابدا ابدا و لابد و ان يظهر من اهل الباطل صفات البطلان و ان يتبين علي اهل الحق صفات الحق و کل من ادام صفات الحق فهو الذي ينجو المقتدي به في صفاته و لا غرض بعد ذلک و انا لانريد من مقتدي الحق الا ان يظهر منه صفات يهتدي بها الانسان و يقتدي به فيها فاني و متي يمکن اهل الباطل ان يصلحوا جميع ظاهرهم حتي لايظهر عليه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 21 *»

آثار البطلان و کذب تلک الاثار الاخر التي تطبع و تکلف و اني امثل لک مثالا في متنبي يتنبأ مثلا فلما کان باطلا وجب ان يظهر عليه آثار البطلان و هو قولنا يجب ان يبطل الله امره و يظهر خافي سره فلعلک اذا فتشت عنه وجدته لغية مثلا فيکفي في بطلانه ثم يترکه الله و شأنه فلعله يظهر علي يديه خوارق عادات فان لم‌يکن لغية‌ فلعلک تعرفه بانه ولد حيض مثلا و کفي به و ان لم‌يکن کذا فلعلک تعرفه قبل تنبيه مبتليا بمعاص قبيحة و کبائر موبقة و کان به ابنة مثلا او کان ملوطا و کفي به عيبا فان لم‌يکن کذا فلعل به عاهات منفرة و ان لم‌تکن فلعل به اخلاق دقيقة منکرة و فظاظة و فحش و بذاء و ان لم‌تکن فلعله يعرف منه ايثار الباطل و اهله علي الحق و اهله و ان لم‌يکن فلعلک تري فيه حب الدنيا و ايثارها و قلة الاعتناء بالدين و ان لم‌يکن فلعلک تجده داعيا الي الشرک او واصفا ربه بغير صفته التي عليه اجماع العقلاء و ان لم‌يکن فلعلک تجده منکرا لبعض الانبياء و کتبهم و ان لم‌يکن فلعلک تجده يدعو الي ولاية بعض الکفرة و يمدحهم و ان لم‌يکن ذاک فلعله يعرف منه المکر و الحيلة و ان لم‌يکن کذا فلعلک تراه ذا نزق و خرق و سفه و خفة و امثال ذلک و ان لم‌يکن فلعلک تجده ذا سهو کثير و خطاء و غفلة کثيرة و ان لم‌يکن به ذلک فلعله غير مؤتمر بما يأمر و غير منته عما ينهي و معتذر باعذار غير موجهة و ان لم‌يکن کذلک فلعلک تجده جملة‌علي غير سيرة الانبياء و سنتهم له اشر او بطر او فخر او عجب کثير منکر و ان لم‌يکن کذا فلعله ليس له وقار و متانة و رزانة او حلم و علم او ذکر و فکر او نباهة و نزاهة او حکمة و امثال ذلک بالجملة‌ الباطل الکافر الفاسق الفاجر لايخلو من شيء من ذلک و امثالها و لايقدر علي حفظ نفسه عن نفاق و مکر في جميع الجهات و من اصلح جميع جهاته هو الصالح الباطن و لايمکن ان يتم صورة بدن علي صفة صورة الانسان و لايتعلق به روح الانسان بل يتعلق به روح حيوان من الحيوانات فان الاعمال و الصور جواذب للارواح المناسبة لها و الارواح تظهر في صور مناسبة لها و بذلک جري تقدير العزيز العليم و المتنبي کافر باشد الکفر فاسق فاجر ساقط منفصل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 22 *»

عن المبدء من حيث الروح بهيمة من البهائم و علي غير صفة مشية الله و لايظهر روحه الا في بدن واعمال و اقوال و صفات و احوال مناسبة لها البتة ففرض کون باطل صالح العمل و الصفة من جميع الجهات فرض باطل غير واقع و غير ممکن و قداخبر الله بذلک في کتابه حيث قال قل هل انبئکم علي من تنزل الشياطين تنزل علي کل افاک اثيم يلقون السمع و اکثرهم کاذبون و الشعراء يتبعهم الغاوون الم‌تر انهم في کل واد يهيمون و انهم يقولون ما لايفعلون و علي فرض ان لايظهر منه عيب في جهة من الجهات لايمکن ان يظهر علي يديه خارق عادة علي نحو لاينکشف کونه حيلة و شعوذة او باسباب مقدورة لسائر افراد الانسان البتة و هو الذي اخبر الله به في کتابه ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ان الله لايصلح عمل المفسدين و قال و لايفلح الساحر حيث اتي و لماکان هذه الايات موافقة للعقل السليم استدللنا بها مع کون وضع الکتاب في اثبات اعجاز القرآن و قدذکرنا آيا کثيرة في کتابنا علم اليقين و ان شئت فراجعه.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان شهادة الله اکبر الشهادات و تسديده و تقريره اعظم الدلالات علي حقية الناس المحقين و ليس ذلک يختص بالانبياء و الاولياء بل يعم ساير النقباء و النجباء و الحکماء و العرفاء و العلماء و ساير المؤمنين فيما يدعون و ساير الروايات و الديانات و ساير امور العالم فان کل موافق للواقع حق متصل بمشية الله و کل مخالف للواقع باطل منقطع عن مشية الله و لکل علامة و خواص و آثار الا ان في غير الانبياء و الاولياء و اعدائهم يراعي جهة الراجح و الغالب لخلطهم و لطخهم و عدم کونهم نورا لا ظلمة فيه و خالصين عن الاعراض و ذلک ايضا لاينافي ادعاءهم فانهم لايدعون العصمة نعم ان ادعوا العصمة فيکون وجود المخالف فيهم و لو قليلا مضرا بدعواهم و اما اذا ادعوا العلم او الحکمة او العرفان او النجابة او النقابة ففي کل واحد علي حسب درجاتهم يراعي الراجح مثلا اذا ادعي رجل انه نحوي فعلامته العلم بالنحو نوعا و لا يضر جهله بمسألة او قول فانه ليس ينافي دعواه و اما اذا ادعي علما لا جهل فيه فيکذبه جهله بادني مسألة فافهم و اختبر کل واحد بآثار ما يدعيه فلاتکذب النحوي بفسقه فانه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 23 *»

ما ادعي العدالة و لاتکذب المدعي للعدالة بجهله بعلم النحو فانه ما ادعي النحو و کذلک لاتکذب العارف بجهله بالنجوم و لاتکذب المنجم بجهله بالفقه و هکذا و اما مدعي النجابة فاختبره بالعلم و العمل و معرفة حقائق الاشياء و العدالة و التقوي و الزهد و الفکر و الذکر و العلم و الحلم و النباهة و النزاهة و الحکمة و علمه بجميع ما يحتاج به في الدين او يؤل الي الدين و يتوقف عليه معرفة حقائق الديانات و امثال ذلک فان لم‌يکن فيه شيء من ذلک و ادعي النجابة فکذبه. و اعرف النقباء مزيدا علي ما مر بنفاذ الحکم و الامر و علمهم بالاسماء العظيمة الفاعلة في الکون. و اما ما سول الصوفية الفسقة الکفرة تمويها علي مريديهم من ان الناقص لايکون ميزان الکامل و لايجوز ان يزنه بعقله بل الکامل هو الميزان فذلک لاجل انهم ارادوا ان يعملوا بکل فسوق و فجور ساکني القلب و لايعترض عليهم المريد فيعملون بکل فسوق فاذا اعترض عليهم المريد يقولون انت ناقص و نحن کاملون و الناقص لايجوز ان يزن الکامل بميزانه حتي انه قال بعضهم لو ان المريد رأي المرشد جالسا في محراب المسجد الجامع يشرب الخمر لايجوز عليه ان يعترض عليه و يجب عليه التسليم و اراد اللعين ان يفسق بکل فسق ساکن القلب مطمئنا و لايعترض عليه احد و لاينقصوا من تولاه و ذلک کلام باطل و عن طريق الاسلام خارج و الحق ان من الامور ما هو بديهي عند جميع العقلاء انه حسن او قبيح فيجب ان يوزن به کل مدع سواء کان نبيا او وليا و الا لاتسع الخرق و لايبقي علامة للحق و الباطل و يسع کل فاجر ان يدعي الالوهية و بعد ما عرفنا النبي بضروريات العقلاء صار هو ميزان حق و نزن به کل من يدعي الامامة و الوصاية فان طابق ما صح عن النبي فهو حق و الا فهو باطل و بعد ما عرفنا الامام صار هو ايضا ميزانا يوزن به من يدعي الکمال من المتشيعين و ادعي النقابة او النجابة او الارشاد او العلم و الحکمة او العدالة و الايمان فان طابق النبي و الامام و ما ثبت و صح عنهما باجماع او ضرورة او دليل قطعي فهو الحق و الا فهو الباطل نعم ليس عقل الناقص بوحدته حجة و ميزانا و اما النبي و الامام و ضرورة العقلاء فهو ميزان و حجة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 24 *»

قاطعة لاترد نعم يکون بين العقلاء اشياء مختلف فيها ليست هي ميزانا اذا خالف المدعي بعضا و وافق بعضا و اتي بما اختاره بدليل بين و حجة متبعة و يکون في سنة النبي و الامام اشياء مختلف فيها فليست هي ايضا ميزانا اذا خالف المدعي بعضا و وافق بعضا اذا اتي بما اختاره المدعي بدليل واضح فاذا وجدت المرشد يشرب الخمور و يعشق المردان فدق رأسه و اوجع ظهره و لا کرامة فانه ان کان يدعي الاسلام فذلک خلاف ضرورة ملة‌ الاسلام و هو فاسق و ان کان مستحلا فهو کافر و ان کان يدعي غير الاسلام فهو کافر فکيف يکون مرشدا و لم‌يصر الناقص ميزانا و انما صار اکمل الکاملين ميزانا و هو النبي و الولي صلي الله عليهما و آلهما فتبين فساد رأيهم و ضلالة طريقهم لکل من انصف و ما ذکرناه في المقدمة کاف لما نحن في صدد بيانه و عزمنا علي شرحه و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

فصل: اعلم اولا ان من يريد ان يعرف موضوعا خاصا يجب ان يعرف اولا صفة الکلي الذي يحتمل او يظن ان ذلک الموضوع احد افراده ثم اذا حققه و عرفه علي نحو الکلية حق المعرفة يبحث عن ذلک الموضوع هل هو من افراد ذلک الکلي ام لا فمن لم‌يعرف حقيقة السراج علي نحو الکلية مثلا لايجوز ان يبحث عن الفرد الخاص هل هو سراج ام لا و من لايعرف الفيل مثلا علي نحو کلي کيف يجوز ان يبحث عن الحيوان المرئي هل هو فيل ام لا و يرد و يعترض و يجادل بلاطائل و اغلب طول المباحثات من غير طائل و طول المنازعات لانهم لم‌يحققوا الکلي و لعلهم مختلفون في معرفة الکلي و نزاعهم في الکلي و هم غافلون عنه و هو سبب نزاعهم في الجزئي و ذلک باب عظيم غفل عنه کثير من الناس و لذلک طال جدالهم بلم و لانسلم و قدحوا و ردوا و اعترضوا و اجابوا من غير ان يعرفوا معني حقيقة الکلي فتنبه انت يا هذا و قدم امام کل بحث معرفة الکلي ثم باحث عن الفرد الخاص فالواجب هيهنا ان تعرف ان النبي اي معني هو و اي نوع من الانواع يسمي بالنبي فاذا عرفت النبي فتفکر في الرجل الخاص هل هو من افراد ذلک النوع ام لا حتي يسهل عليک الخطب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 25 *»

فاقول الواجب ان يکون النبي اولا انسانا بشرا فان من دون البشر ظاهرا حيوان و نبات و جماد و هي مسخرة للانسان مخلوقة لمنافع الانسان و رزقه و حمل اثقاله عديمة الشعور و الادراک للکليات و عواقب الامور و ابعد عن المبدء من الانسان و لايجوز ان يستحق نزول الوحي عليه و السفارة بين الانسان و الرب الاحد القديم جل جلاله و ليست صورها و جبلتها صالحة لهذا المقام و ذلک بديهي و الانسان فيه جمادية کاملة و نباتية کاملة و حيوانية کاملة اکمل مما لها و اقرب الي المبدء منها و اشبه بالمشية منها و انسانية مزيدا عليها کما هو بين و الله الاحد الواحد الحکيم يجري افعاله علي نهج الحکمة و الصواب کماقدمنا في المقدمة و اما الجن و الملک فهم غيب من الانسان لايرون الا اذا تجسموا و صاروا کالبشر و غلظوا فهم مع کونهم ادني من الانسان و عدم کونهم کلمة تامة حاملة لسر التوحيد الجامع و کونهم اطرافا للخلق و کلمات ناقصة و ابعد عن المبدء منه اذا غلظوا و صاروا کالبشر لايعرف انهم بشر او غير بشر و ان عرفوا لايعلم ان ما يأتون به من المعجز هل هو من مقدورات نوعهم ام من خواص من صار نبيا منهم و قد اخبر الله في کتابه بهذا المعني و لو جعلناه ملکا لجعلناه رجلا و للبسنا عليهم ما يلبسون هذا و الحکمة اقتضت ان يکونوا روحانيين مخفيين عن البشر لايراهم الانسان الا بمشاعره الباطنة فوجب في الحکمه ان يکون النبي بشرا کلمة تامة يصلح للبعثة علي الانسان و سائر الکلمات التامة بالقوة القريبة اذ لم‌يخلق الله خلقا اشرف و لا اجمع من الانسان کما هو معلوم عند الحکماء فهو فرد من افراد الانسان فاذا صار من افراد الانسان يجب ان يکون کسائر افراد الانسان في الخواص النوعي يأکل و يشرب و ينام و يستيقظ و ينکح و يلد و يولد و يحيي و يعيش و يموت کسائر افراد البشر في الخواص النوعية المشترکة بينها و لايجب بل لايجوز ان يکون فيه خواص کل الافراد فيلزم التناقض فيکون جاهلا فاسقا کافرا غبيا و عاجزا و مجنونا و امثال ذلک فما استدل علينا منکروا الفضائل ان النبي قال انا بشر مثلکم فيجب ان يکون جاهلا و عاجزا و ساهيا حتي يکون کالبشر فذلک سفه من الرأي و خطأ محض و نصب صرف و اخماد لنور الله و کتمان لفضائل اولياء الله و انما البشر له

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 26 *»

خصال نوعية مشترکة بين جميع الافراد و هي الواجبة ان تکون في النبي و الولي و اما الخصال الخاصة فالواجب ان يکون فيه افضل خصالهم و اشرف صفاتهم فان کان فرد عالما و فرد جاهلا فهو کالفرد العالم و ان کان فرد ظالما و فرد عادلا فهو کالفرد العادل و ان کان فرد بخيلا و فرد جوادا فهو کالفرد الجواد و ان کان فرد ذاکرا و فرد ناسيا فهو کالفرد الذاکر و هکذا و يجب ان يکون هو افضل افراد امته و اکملهم فيما يدعي لهم و بعث به حتي يکون حجة عليهم و يکون بينهم و بين الله يستحق من کل جهة بعث به نزول الفيض اليه اولا ثم ينزل منه الي رعيته فانه السفير في تلک الجهة فلايضر جهل النبي بشيء لايدعيه و لم‌يبعث به کقول النبي صلي الله عليه و آله ان ادري ما يفعل بي و لا بکم و کقوله تعلم ما في نفسي و لااعلم ما في نفسک فلايضر جهل سليمان مثلا بموضع الهدهد فانه لم‌يدع علم ما کان و ما يکون اذا ثبت انه لم‌يدر واقعا و ليس کل سؤال دليل الجهل فان الله يقول ما تلک بيمينک يا موسي و يقول ءانت قلت للناس اتخذوني و امي الهين و الاوفق بالقواعد الحکمية ان لايجهل شيئا يعلمه رعيته و کذا لايضر جهل نبينا صلي الله عليه و آله بحرف من حروف الاسم الاعظم مثلا لانه لم‌يدع تسوية علمه مع علم الله و الله اعلم منه يقينا و مقتضي الاعلمية ان يکون عند الاعلم ما ليس عند غير الاعلم البتة و لايضر به حاجته الي الله فانه لم‌يدع الغناء عن الله جل جلاله و هکذا علم البداء هذا اذا ثبت انه جاهل واقعا بحرف من حروف الاسم الاعظم و بعلم البداء و لايکون له تأويل فان الثابت في الحکمة و ضرورة الاسلام انه اشرف من جميع ماسوي ذات الاحد جل جلاله فاذا کان کذلک فماسوي الله اما ذاته الشريفة او دون ذاتها فلايعقل جهله بذاته و لا بما دونها فالواجب تأويل ما ورد من امثال ذلک و تخصيصه بمقام من مقاماتهم الدانية لا اعلي مقاماتهم فتدبر و انصف بالجملة و لتحقيقه مقام غير هذا المقام و الکلي الثابت بالحکمة انه يجب ان يکون النبي افضل رعيته من کل جهة بعث به حتي يکون سفيرا بينهم و بين ربهم و حجة عليهم لان النبي من ينبي عن الله و ما لم‌يکن مضمحلا متلاشيا في جنب الله مطيعا منقادا لمشيته لايشف عنها و لاينبي عنها و لو کان علي صفة رعيته و مثلهم لکان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 27 *»

محجوبا عن مشية الله مثلهم و لايقدر علي الانباء عنها حتي انه لو خالف مشية الله في جهة واحدة لايقدر علي الانباء عنها في تلک الجهة و يکون محجوبا عنها في تلک الجهة فان کان مبعوثا علي جميع ماسوي الله من کل جهة فيجب ان يکون افضل من کلهم في کل جهة و الا فعلي حسب بعثته و لماکان النبوة صفة باطنية ليست من الخصال الظاهرة المحسوسة بالحواس الظاهرة و مقام سفارة بين الله و بين خلقه و وساطة و مقام قرب بمشية الله وجب ان يکون حامل مشية الله و محلها و ان يکون صاحب صفات الهية و اسماء ربانية و آيات صمدانية لايقدر عليها احد من البشر حتي يعلم انه سفير آت من عند الله جل و عز و هو غير سائر افراد البشر فوجب ان يجري علي يديه معجزة او معجزات لايقدر عليها احد من البشر و لايکون فيه صفة عسي ان يکرهها احد و يعيب عليه عاقل مما قدمنا و ما يشاکله و لماکان من نوع الشر لابد و ان يجري عليه الحوادث و الموت فينجرح و ينکسر و يمرض و يصح و يموت فانها حالات قهرية تجري علي الجسم بحوادث الليل و النهار و لا غضاضة في امرء منها وهذا النبي رجل من ولد آدم عليه السلام کسائر اولاده نوعا و يکون في بلد من البلاد و يبعث بالامر في بلد من البلاد فيظهر امره في ذلک البلد في ذلک المجمع المعين فيسمع بامره اهل ذلک المجمع و کل الدنيا عنه غافلون ثم ينتشر شيئا فشيئا في ذلک البلد ثم ينتشر بعد زمان حول ذلک البلد مما يقرب منه و يؤمن به واحد بعد واحد و من الناس سريع الفهم و منهم بطيء الفهم و منهم کثير العرض و منهم قليل العرض و منهم من يؤمن به و منهم من لايؤمن به ابدا لشقائه ثم ينتشر امره شيئا بعد شيء في بلد بعد بلد و يؤمن به من کل بلد واحد بعد واحد و يعاينه من معه و سائر الناس يسمعون خبره و لايرونه الا من يسافر اليه و هذا عادة امر الدنيا و عادة اهلها و لايکون النبي جميع اموره علي خلاف العادة و لايغير وضع حکمة العالم الا بقدر الحاجة و بقدر اقامة الحجة مما لاينافي الحکمة فلايجيب ابدا الي کل ما يقترحه الجهال فلايجيب اذا قال له رجل ان کنت صادقا فاجعل البر بحرا و البحر يبسا او خرب السماوات او ازل الشمس و القمر و النجوم عن مجاريها او افن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 28 *»

النبات عن العالم او امت کل الحيوانات او احي کل الاموات و امثال ذلک من ما يخالف المصالح العامة و ليس من الحکمه اجابة الجهال فيما يقولون فان الله خلق العالم لحکمة و خلقه هکذا لحکمة و جعل عادته فيه کذا لحکمة فلايجوز خلافها الا بقدر الضرورة و اقامة الحجة و يکفي خرق العادة في حصاة واحدة بانطاقها والله شهيد علي ما يعملون و لايجب ان يفعله لکل احد بل يکفي ان يفعله عند جماعة ثم يصل الامر الي الباقي بالشياع و التواتر و اخبار العدل الموجب للقطع العادي فان الغرض حصول القطع و هو حاصل فليس يجب اجابة کل احد في خرق العادة و يکرر ذلک لکل واحد واحد من افراد البشر فان تغيير عادة الله لاينبغي الا عند الحاجة و بقدرها و ترتفع الحاجة بعد الشياع و اخبار العدول و التواتر فلاحاجة الي التکرير و کذلک في الابلاغ الي الاعصار فان حصل القطع لاهل عصر او بلد في زمان بالتواتر و الضرورة و اخبار الثقات فهو و لا حاجة الي شيء زائد و الا وجب علي الوصي ان يجدد الحجه حتي يحصل القطع و يرتفع العذر و ان تکرر عن نبي او وصي معجزة فلابد و ان لاتکون علي خلاف الحکمة و يکون فيها حکمة مجوزة و الا فلاحاجة الي التکرير الا ان لايمکن حصول القطع للطالب الا بها فحينئذ يجب. و يجب ايضا ان يکون اعلم اهل زمانه بالله و بکتبه و رسله و شرائعه و اليوم الاخر و حقائق الاشياء و افضلهم و اتقاهم و اورعهم و ازهدهم و اشجعهم و اقواهم و اسخاهم و اکملهم في جميع الخصال فان نوعه فوق نوع الرعية و کما يکون الانسان فوق جميع الحيوانات من جميع الجهات و يکون الحيوان فوق النبات من جميع الجهات يکون نوع النبي فوق نوع الرعية نعم قد يکون نبات اقوي من نباتية الحيوان من حيث الجثة لا اللطافة و صلوح تعلق الحيوة و کذا قديکون حيوان اقوي من انسان من حيث النباتية الکثيفة و الحيوانية و من حيث الجثة لا اللطافة و صلوح تعلق روح الانسان به فهذه ليست دليل افضلية الادني اذا کان مع ما هو عليه غير قابل لروح الاعلي فکذلک قديکون انسان اقوي و اکبر من حيث الجثة و من حيث النباتية و الحيوانية و الانسانية من النبي لکن هو علي ما هو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 29 *»

عليه کثيف غليظ غير معتدل و غير صالح لروح النبوة فذلک غير ضائر و لايدل علي افضلية انسان في جهة عن النبي صلي الله عليه فان کان حلم روبيل مثلا اکثر من يونس فلايدل ذلک علي افضلية روبيل و لو من تلک الجهة فلاکل حلم من قوة الاختيار و ان علم النملة ما لم‌يعلم سليمان فلم‌يدل علي افضلية النملة من تلک الجهة فان هو الا ککون شجرة ‌الدلب اکبر من الذئب و النخلة اکبر من النملة فهذا الکبر لايجدي شيئا البتة فانه زيادة في اجزاء کثيفة غير قابلة لروح الحيوة و النملة اشرف من النخلة کائنة ما کانت کما ان ارزة ماس اشرف من جبل ابي‌قبيس الف الف مرة فکذلک اکبرية بعض الانسان و اقوائيته عن النبي و لو في العاديات الانسانية ليست تدل علي اشرفيته فافهم فانه دقيق لطيف شريف فالنبي لاجل کونه صاحب روح النبوة التي ليست لاحد من الرعية يکون جميع ما له اشرف و الطف و اکمل و اقوي من جميع من ليس بنبي اذ بها استحق روح النبوة و نفخت بها.

فصل: اعلم ان حقيقة المعجز ايضا في الظاهر فعل يصدر من النبي او الوصي لا من حيث جماديته و لا من حيث نباتيته و لا من حيث حيوانيته و لا من حيث انسانيته بل هو آثار روح النبوة التي فيه و هي مثال مشية الله الملقي في هويته فيظهر منها اثاره و تلک الاثار آثار فوق هيمنة الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي وهي تعجز عنها البتة کما يعجز النبات عن فعل الحيوان و الحيوان عن فعل الانسان فکذلک الانسان يعجز عن فعل النبي فانه فوق هيمنته و روح النبوة روح مکونة بکسر الواو علية لها قوة علي التکوين و التغيير و لها مقام الاسمية التشريعية و الوصفية لله سبحانه حاملة لمشية الله و محلها مضمحلة متلاشية في جنبها و بذلک تحکيها و تؤدي عنها و تبلغ عنها و تشرح مرادها و وجب علي من احتجب بنفسه عنها ان يسمع لها و يطيعها و يأخذ عنها و يتصل بها حتي يتصل بما اتصلت بها کما يجب علي الاعضاء المحجوبة عن الروح الملکوتية غير المطلعة علي مرادها ان تسمع للروح البخارية المضمحلة في جنب الروح الملکوتية و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 30 *»

تطيعها و تتصل بها و تأخذ عنها و الا لتکون ميتة لا حراک لها و تنبيء الروح البخارية عن الروح الملکوتية و تشرح مرادها و تؤدي عنها قد القت الروح الملکوتية مثالها فيها و اظهرت عنها افعالها و افعالها فوق هيمنة الاعضاء و تعجز الاعضاء عن فعلها البتة و کذلک يعجز سائر افراد الانسان عن فعل روح النبوة و جميع افعالها معجزة بالنسبة اليهم اللهم الا افعال تصدر عن النبي من حيث جماديته و نباتيته و حيوانيته و انسانيته في الظاهر و الا ففي الحقيقة جميع افعاله علي غير معني افعال الرعية و يعجز الرعية عنها فان جماديته و نباتيته و حيوانيته و انسانيته اعدل من جميع الرعية فهو و ان اکل و شرب يکون اکله و شربه علي غير معني اکل الرعية و شربهم و يعجزون عن الاکل بذلک المعني و عن الشرب بذلک المعني في الحقيقة الا تدرون ان النبي مخلص في الله لايشرک به شيئا و لايفعل فعلا الا بامر الله کما امر الله و ذلک مما يعجز عنه الرعية فالنبي جميع افعاله و اقواله و احواله معجزة حقيقة و ان کان بعض افعاله في الصورة کفعل الرعية و بعضها علي خلاف صورة فعل الرعية و اهل الظاهر يعدون الاخير معجزا دون الاول و عند العارف بشأنهم جميع افعالهم معجزة باهرة فالنبي و ان قال اسقني ماءا و قال غيره کذلک الا ان قول النبي واقع موقعا يعجز عنه جميع الرعية فافهم ان کنت تفهم الا ان الذي يعده اهل الظاهر معجزا ما يخالف افعالهم ظاهرا فبذلک نقول ان ما قصده النبي من قوله کل ماء طاهر مثلا لايبلغه عقل احد من الرعية و واقع موقعا لايبلغه عقول الرجال فهو معجز کائنا ما کان بالجملة المعجز باسباب تکوينية ايجادية لا باسباب علاجية و الاسباب التکوينية اسماء الله العظيمة الکبيرة و هي نفسه الشريفة يفعل بالله ما يشاء کما يفعل الله به ما يشاء فروح النبوة مثال مشية الله و شعاعها و نورها وهي منها کالمصدر الحاصل من الفعل کالضرب من ضرب فهو تأکيدها و لذلک قيل قولک ضرب ضربا في قوة قولک ضرب ضرب فهو الفعل التأکيدي الظلي و لذا يعمل عمله و کذلک روح النبوة هي المشية التأکيدية الظلية تعمل عملها و تقوم مقامها وهي الامر المفعولي المشار اليه بقوله تعالي و کان امر الله مفعولا و في الحديث

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 31 *»

نحن امره و حکمه اذا شئنا شاء الله و يريد الله ما نريد و هي من حيث الدلالة علي الله جل و عز اسم الله يفعل الله به ما يشاء فيما هو مهيمن عليه مما دونه فلما ظهر في عالم التشريع کان نبيا يظهر علي يديه بقوة کونه اسما لله ما يشاء.

الباب الاول

اذا عرفت ما تمهد من ذکر المقدمة و الکليات اعلم انه لاشک و لاريب ان محمد بن عبدالله و ابن آمنة صلي الله عليه و آله المولود بمکة من بني‌هاشم قد نشأ فيها الي اربعين سنة و کان معروفا مشهورا حسبا و نسبا و سيرة و اخلاقا ثم ادعي النبوة و ابدي صفححته باظهار الرسالة ‌الي القوم فاضطلع باعباء الرسالة علانية و ادعي انه ليس ببدع من الرسل و انه افضلهم و خاتمهم و انتهي اليه علم جميع الرسل و الکتب فقام بين ظهراني العرب و بين يدي الله سبحانه و دعا الناس الي توحيد الله و خلع الانداد و شرع للناس شرائع و احکاما و نسخ جميع الشرائع و الکتب السابقة مصدقا بانها و رسلها و غيرهم من الرسل حق و سلک مثل ما يسلک افضل نبي في امته بحيث لو وصف عاقل حکيم نبيا حقا کاملا لما تجاوز صفته و لو فتشت عن حال الانبياء السالفين لماکانوا بافضل منه و لم‌يقدر احد علي عائبة فيه من نسبه و حسبه و اخلاقه و اقواله و افعاله الا اللمازون و المستهزئون و من لايعبأ بقوله ممن لايبالي ما يقول و لا ما يقال فيه فانه لايسلم من شرهم حق و لا باطل و لم‌يعب عليه عاقل بشيء و اعجب من ذلک ما عاب عليه اليوم بعض المنافقين المظهرين للاسلام المرتدين عن المذهب باطنا و ظاهرا من غير اقرار بالارتداد ان النبي کان سارقا قاطع طريق فياويله من کافر ما اجهله هو قد جاء بان من لم‌يدخل في دينه کافر يجب قتله و ماله حلال و دمه هدر و زوجته وصيفة يحل سبيها و فرجها و اولاده کلهم عبيد و اماء فاذا قطع سبيلا عليهم و اخذ اموالهم اي مغمض عليه و اي عيب هو يقاتل جهارا و يسبي عيانا فاذا بعث علي قافلة و اخذت ينکر عليه ءاموالهم اکثر حرمة ام دماؤهم و عيالهم و فروجهم نحن نستحل دماءهم فکيف لانستحل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 32 *»

اموالهم نستعيذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و خذلان الله و توکيله العبد الي نفسه فمن البديهيات انه لم‌يعب عليه احد بشيء و لم‌ينکر عليه احد نسبا و لا حسبا و لا خلقا و لا عملا کان اعمل الناس بما يقول و ازجرهم عما ينهي و ازهدهم في الدنيا و اخضعهم و اشدهم تواضعا و کان بحيث ان وصفي عليه و مدحي له قبيح فکان هو هو کما کان و معروف جميع ما يتعلق به مضبوط و کليات محاسنه و مکارمه من البديهيات و المتواترات کوجود صين و هند عند من لم‌يرهما و قدثبت اموره بما يثبت به امر کل نبي من آدم الي الخاتم و امر کل غائب عن الحس و هو بعين الله و امام وجه الله و بين يديه فادعي بين يدي الله و امام وجه الله انه آت من عند الله و هو رسول من الله و ماينطق الا بوحي و انه اکرم الخلق علي الله و اشبههم بصفات الله و افضل رسل الله فقتل عباد الله و سبي اماء الله و نسخ شرائع الله و دعا الي الله و حکم في عباد الله و في فروجهم و اموالهم و دمائهم فقرره الله و صدقه و سکت عن رده بل اجري علي يديه و لسانه بعض خوارق العادات فان صدور نوع خوارق العادات منه من المتواترات البديهية القطعية و قدصدر منه و من اوصيائه احياءا و امواتا خوارق عادات و روي عنهم ما لايحصي و صدور النوع مما حصل القطع به و قامت به الضرورة و ان لم‌يثبت فردا فردا و رويت عنهم ما يتجاوز الاحصاء من خوارق العادات و لم‌يکذبها الله و لم‌يردها بل صدقها و قررها نوعا و کلها بعين الله و امام وجه الله فلم‌ينکر الله عليه بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث فهذا هو تسديد الله و تقريره و تصديقه ليس فوقه تصديق لاحد من الانبياء و الاولياء و اي تصديق اعظم من ذلک في الدنيا فنفس هذا التصديق هو حجتنا علي انه نبي حق صدق عدل و اي باطل و زور يسطع نوره هکذا في العالم من غير نکير و ليس من النکير عدم ايمان الکفرة به لاجل العناد او عدم اعتناء به و لايدحض بذلک حجة نبي ابدا و ليس من شرائط صدق النبوة و تصديق الله لصاحبها ايمان جميع اهل الارض به و ما ذکروه من الاحتمالات کلها احتمالات ارضية و هذا البرهان برهان سماوي لايتطرق فيه شيء من تلک الاحتمالات و من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 33 *»

لم‌يکن من الله و الي الله کان کافرا مشرکا ضالا قرين الشياطين بعيدا من الملئکة الروحانيين و کان فاسقا فاجرا طالبا للرياسة و العزة الدنياوية و من کان کذلک کان منه امداد الخير و النور و الکمال و الاتساق و البهاء و الجمال و الجلال منقطعة و لايکون هکذا و اهل الباطل لايقدرون علي امساک انفسهم يوما واحدا و هم اصحاب خرق و نزق و اشر و بطر و بذاء و فحش و کثافة و قذارة و رجس و کبائر و افک فاني و متي و من اين الي اين و الي هذا اشار الله بقوله قل هل انبئکم علي من تنزل الشياطين تنزل علي کل افاک اثيم يلقون السمع و اکثرهم کاذبون و الشعراء يتبعهم الغاوون الم‌تر انهم في کل واد يهيمون و انهم يقولون ما لايفعلون و قال ان الله لايصلح عمل المفسدين و قال ان الله لايهدي القوم الکافرين و الظالمين و الفاسقين و هي آيات موافقة للبراهين العقلية و کذا غيرها من آي کثيرة قدسردناها في کتابنا علم اليقين کلها براهين عقلية صحيحة فان الساقط المنقطع عن الله لايتصف بصفات الله من القوام و الدوام و الاتساق و الصدق و بالخضوع و الخشوع و البکاء و التذلل و التبتل و السهر و الجوع و الجهاد في سبيل الله مع ذلک الزهد و الوقار و العز و الانتظام و الجد و اهل الباطل اهل هزل و لعب و تشاجر و تنازع و اختلاف و اختلال و من ذا رأي في الدنيا باطلا بصفة اهل الحق ابدا ابدا کل ذلک شبهات غير جارية و غير واقعة و ساحة الحق عنها منزهة فنحن ان استدللنا بعدم نکير عليه فمرادنا عدم نکير الله القادر الشاهد القاهر المتعال لا عدم نکير الخلق حتي يقال جهلوا او غفلوا او خافوا او فعلوا او غير ذلک من الاحتمالات فهو المصدق من کل جهة فيما ادعي و لم‌يعجزه احد و لم‌يُکـذِبـهُ احد اي لم‌يأت بما يظهر کذبه ابدا فهو نبي صدق حق مطلق صلي الله عليه و آله و سلم آمنا به و لم‌نره و اسلمنا معه و لم‌نشاهده صدقا و عدلا فاکتبنا اللهم من الشاهدين و الحمد لله رب العالمين.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 34 *»

الباب الثاني

و مما جاء به صلوات الله و سلامه عليه القرآن المجيد و الفرقان الحميد فقام بين ظهراني القوم و اتي بمعزجات باهرات و خوارق عادات و رأوا عليه قبل بعثته ايضا خوارق عادات کثيرة و اتي بالقرآن بعد ان عادت الامم في الجاهلية و اشرکوا بالله عزوجل و نسوا سنن الانبياء و اتخذوا الاصنام آلهة و من کان ينتحل منهم دينا و کتابا فغيروا و بدلوا حتي لم‌يبق من آثار الحق في ايديهم الا شيء قليل فاتي بالقرآن بعد فترة من الرسل و جهل من الامم فقال انه کتاب ربکم انزله علي و قدامر فيه بالتوحيد و العدل و القسط و تصديق الانبياء و کتبهم و شرائعهم و اظهر کثيرا مما غيره اممهم و اخفوه من کتبهم و دينهم و عظم شعائر الله و جدد شرائع الله فامر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و نهي عن الفحشاء و المنکر و البغي و احل الطيبات و حرم الخبائث و جدد للناس رسوم الانسانية بعد ما صاروا بهائم رتع و امر بالزهد في الدنيا و الايمان بالله و الکفر بالجبت و الطاغوت و خلع الانداد و الاخلاص في التوحيد و حکي سنن الانبياء و سيرهم و سننهم و سنن الاوصياء للاعتبار و ذکر الامثال و عظم الاخرة بما لامزيد عليه و احوال الجنة و النار و ذکر النصائح و العبر و المواعظ و رغب و رهب و امثال ذلک في غاية‌ الوقار و الکسون و الطمأنينة و الجلالة و العظمة و الهيبة و من ابده البديهيات ان مثل هذا الکتاب ليس بکتاب هازل لاعب بالدين مستهزئ بالله و رسله و کتبه و شرائعه جليس الشياطين و عديل الکافرين الفاسقين کافر بالله و رسله و کتبه مسول للناس مظهر غير ما يکتمه يريد جلب متاع الدنيا و خدعة الناس و مکرهم و کيدهم فان علي کل حق حقيقة و علي کل صواب نورا و المتنبي اکفر کافر و اعظم مشرک و افضح منافق يستهزئ بالله و رسله و کتبه و يلعب بهم يراعي دائما نفسه لايضره من ضل اذا انتفع و من هلک اذا بقي له رياسته غير مهتم بهداية‌ الناس و غير حامل اياهم علي العبادة و الزهادة و الاعراض عن الدنيا و کسب الانسانية و تمام همته في ثبوت رياسته و حصول منافعه و هو اصطبل الشياطين يغدو عليه فوج منهم و يروح عليه فوج و هو اهل فسق و فجور و افک و افتراء و کذب و زور و بهتان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 35 *»

افاک قفاز هماز لماز فاجر ماجن خائن و من کان کذلک لايتکلم بمثل هذا القول و لايطاوعه نفسه علي الاستقامة طول عمره و لايصبر اربعين سنة بلاعائبة يؤنب بها ثم يدعي النبوة ثم يستقيم علي الاعتدال الي منتهي اجله و لو والله نظرت فيما ذکرت و الي طبائع الخلق و اهل العالم لتيقنت بحقيته صلي الله عليه و آله بصرف حالاته و سيرته و اخلاقه و شرائعه و عباداته و طاعاته و زهادته و سلوکه في جميع احواله علي مقتضي العقل السليم و کيف يمکن ان يکون رجل من اهل الکفر بالله و برسله و اليوم الاخر و لايغلب عليه شهوة و لا عادة و لايخطي في شيء من احواله طريق العقل السليم بالجملة اتي بکتابه و قرأه بين ظهراني القوم ذاکرا ان فيه علم ما کان و ما يکون و انه فيه تفصيل کل شيء و تبيان کل شيء و ضرب فيه من کل مثل و ما فرط فيه من شيء و لا رطب و لا يابس الا فيه و فيه ما يحتاج اليه الامة الي يوم القيامة لانه لا کتاب بعده و لا شرع بعد شرعي (شرعه ظ) و لا نبي بعدي (بعده ظ) و قال و ما من غائبة في السماء و الارض الا في کتاب مبين و صدقه الله علي هذا المدعي و لم‌يکذبه بوجه فلما ابي القوم قبوله عنه و لم‌يقنعوا باخباره مع سائر معجزاته تحداهم و قال ان کنتم تزعمون اني کاذب في قولي انه من عند الله فانتم ايضا بشر مثلي فأتوا بمثله فان ما هو من افعال البشر و اقواله يمکن ان يؤتي بمثله و جعل لتحديه مراتب فمرة قال الله سبحانه علي لسانه ام يقولون تقوله بل لايؤمنون فليأتوا بحديث مثله ان کانوا صادقين و ذلک ان الکلام المتقول من صنع البشر و انتم بشر عقلاء ذوو الالسن فأتوا انتم ايضا بحديث مثله يحدث عما حدثت عنه و يمکن تنزيل هذه الاية الي حکاية تامة ايضا فلما رأي عجزهم اي عجز الحاضرين المکذبين عن الاتيان بمثله قال الله تعالي له ام يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله ان کنتم صادقين فنزلنا عن الاتيان بکتاب مثل القرآن فأتوا بعشر سور مثله ففيه قصار ايضا و اکتفي منکم بعشر صور  (سور ظ) قصار فلما رأي عجزهم عن ذلک ايضا قال الله تعالي له و ماکان هذا القرآن ان يفتري من دون الله ولکن تصديق الذي بين يديه و تفصيل الکتاب لاريب فيه من رب العالمين ام يقولون

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 36 *»

 افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون الله ان کنتم صادقين فلما رأي عجزهم عن ذلک ايضا قال الله تعالي له و ان کنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءکم من دون الله ان کنتم صادقين فان لم‌تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة اعدت للکافرين و اراد بقوله من مثله من مثله من مثل القرآن من الکتب المنزلة من السماء من التورية و الانجيل و الزبور و صحف ابرهيم و غيرها من الکتب فان لم‌يکن سائر الکتب السماوية التي نزلت من عند الله مثل القرآن کما لم‌يکن الرسل مثلي فکيف يمکن ان يکون کلام البشر مثل القرآن فلما رأي عجزهم عن کل ذلک ترقي و قال الله تعالي له قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا و لقد صرفنا للناس في هذا القرآن من کل مثل فابي اکثر الناس الا کفورا فقال ان القرآن لاشتماله علي کل مثل و صفة کل شيء و تبيان کل شيء لو اجتمعت الانس و الجن عربهم و عجمهم علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن في اشتماله علي تبيان کل شيء و لو بغير لسان العرب لايأتون بمثله و لو تظاهروا و علم کل واحد جهل الاخر و صحح کل واحد غلط الاخر و تعاونوا وجعلوا علومهم بعضها علي بعض فانهم لايقدرون علي ذلک فانهم لايحيطون بعلم الله منفردين و لا جميعا فکيف يقدرون علي الاتيان بمثل القرآن المشتمل علي علم ما کان و ما يکون الي يوم القيمة فلما رآهم لايقنعون بالتحدي و عجزهم و يحتمل عند بعض انه لعلهم في زمانهم عجزوا و لعل اهل تلک البلدة عجزوا و غيرهم يقدرون علي ذلک دخل عليهم من باب التقرير باوضح بيان فقال تعالي قدره يسألک اهل الکتاب ان تنزل عليهم کتابا من السماء فقدسألوا موسي اکبر من ذلک فقالوا ارنا الله جهرة فساق الکلام الي سائر اعمالهم الي ان قال لکن الراسخون في العلم منهم و المؤمنون يؤمنون بما انزل اليک و ما انزل من قبلک و ساق الکلام الي ان قال لکن الله يشهد بما انزل اليک انزله بعلمه و الملئکة يشهدون و کفي بالله شهيدا فان کان يحتمل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 37 *»

ان هؤلاء الشاهدين داهنوا او جهلوا او لم‌يعتنوا او عجزوا و غيرهم ليس بعاجز او عارضوا سرا و لم‌يجسروا ان يبرزوا فالله جل جلاله لايحتمل في حقه شيء من ذلک لايداهن و لايداري و لايخاف و لايغري بالباطل و لايهمل الخلق و لايشبه الباطل بالحق و هو شهيد علي انه انزله بعلمه و کفي به شهيدا و شهادته لصدقي اعظم من اقرار ذوي نهاکم و خطبائکم و شعرائکم و قال جل جلاله في جواب اولئک و لو نزلنا عليک کتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين کفروا ان هذا الا سحر مبين الي ان قال قل اي شيء اکبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينکم و اوحي الي هذا القرآن لانذرکم به و من بلغ فبين ان الله و انتم معترفون ان شهادته اکبر الشهادات شهيد علي صدقي فما بالکم لاتعترفون بصدقي و قال قل لو شاء الله ما تلوته عليکم و لا ادريکم به فقدلبثت فيکم عمرا من قبله افلاتعقلون فمن اظلم ممن افتري علي الله کذبا او کذب بآياته انه لايفلح المجرمون فلو کنت مفتريا علي الله لکنت اظلم الناس و ما کنت افلح ابدا و الظالم هالک منقطع عن الله خائب خاسر لايهديه الله الي خير دنيا و آخرته و شرح خيبة الذين ينقطعون عن الله في سورة هود مفصلا فقال ام يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله ان کنتم صادقين فان لم‌يستجيبوا لکم فاعلموا انما انزل بعلم الله و ان لا اله الا هو فهل انتم مسلمون من کان يريد الحيوة الدنيا و زينتها نوف اليهم اعمالهم فيها و هم فيها لايبخسون يعني لو کان محمد صلي الله عليه و آله مفتريا لکان من اهل الدنيا و لحقه وزر اعماله في الدنيا ثم قال اولئک الذين ليس لهم في الاخرة الا النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما کانوا يعملون افمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه و من قبله کتاب موسي اماما و رحمة اولئک يؤمنون به و من يکفر به من الاحزاب فالنار موعده فلاتک في مرية منه انه الحق من ربک ولکن اکثر الناس لايؤمنون و من اظلم ممن افتري علي الله کذبا اولئک يعرضون علي ربهم و يقول الاشهاد هولاء الذين کذبوا علي ربهم الا لعنة الله علي الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله و يبغونها عوجا و هم بالاخرة هم کافرون اولئک لم‌يکونوا معجزين في الارض و ماکان لهم من دون الله من اولياء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 38 *»

 يضاعف لهم العذاب ماکانوا يستطيعون السمع و ما کانوا يبصرون اولئک الذين خسروا انفسهم و ضل عنهم ما کانوا يفترون ان الذين آمنوا و اخبتوا الي ربهم اولئک اصحاب الجنة هم فيها خالدون مثل الفريقين کالاعمي و الاصم و البصير و السميع هل يستويان مثلا افلاتذکرون انظر الي صراحة الايات في دليل التقرير و شرح احوال الکاذبين و الصادقين و الفرق بينهما و الزام کل فريق علامته الخاصة به و قال في سورة‌ الشعراء و انه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين علي قلبک لتکون من المنذرين بلسان عربي مبين و انه لفي زبر الاولين او لم‌يکن لهم آية ان يعلمه علماؤ بني‌اسرائيل فبين ان البشارة بمحمد صلي الله عليه و آله في زبر الاولين و البشارة في التورية موجودة بنزول هذا القرآن و يکفي بهما آية علي صدق النبي صلي الله عليه و آله الي ان قال و ما تنزلت به الشياطين و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون انهم عن السمع لمعزولون الي ان قال هل انبئکم علي من تنزل الشياطين تنزل علي کل افاک اثيم يلقون السمع و اکثرهم کاذبون و الشعراء يتبعهم الغاوون الم‌تر انهم في کل واد يهيمون و انهم يقولون ما لايفعلون فبين حال من يتعلق به الشياطين و حال الشعراء و ذکر ان محمدا مباين حاله مع حالهم و اقواله مع اقوالهم و قال في سورة العنکبوت و قالوا لولا انزل عليه آيات من ربه قل انما الايات عند الله و انما انا نذير مبين او لم‌يکفهم انا انزلنا عليک الکتاب يتلي عليهم ان في ذلک لرحمة و ذکري لقوم يؤمنون قل کفي بالله بيني و بينکم شهيدا يعلم ما في السموات و الارض و الذين آمنوا بالباطل و کفروا بالله اولئک هم الخاسرون فبين ان هذا الکتاب يکفي من کل آية باقية و فيه الرحمة و الذکري ثم استشهد الله الذي يعلم ما في السموات و الارض ثم بين ان من آمن بالباطل و کفر بالله خاسر لايسدده الله و قال في الشوري ام يقولون افتري علي الله کذبا فان يشأ الله يختم علي قلبک و يمح الله الباطل و يحق الحق بکلماته انه عليم بذات الصدور و قال في الاحقاف ام يقولون افتراه قل ان افتريته فلاتملکون لي من الله شيئا هو اعلم بما تفيضون فيه کفي به شهيدا بيني و بينکم و هو الغفور الرحيم و قال في سورة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 39 *»

الحاقة فلاقسم بما تبصرون و ما لاتبصرون انه لقول رسول کريم و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون و لا بقول کاهن قليلا ما تذکرون تنزيل من رب العالمين و لو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منکم من احد عنه حاجزين الي غير ذلک من الايات التي استدل الله سبحانه بها علي صدق نبيه و کتابه و سائر انبيائه بالتقرير فبهذا الدليل اوضح ان الله شهيد يراني و يسمعني لايداهن و لايداري و لايسالم و لايصالح و لايعين الباطل علي الحق و لايغري بالباطل قادر علي دفعي ان کنت مفتريا بانواع الدفع و هو قد صدقني فما تأملکم بعد ذلک فآمن من آمن و کفر من کفر عنادا بعد اتمام الحجة و وضوح المحجة و استحق من الله العذاب الاليم بالجملة هذا صفة تحديه بهذا الکتاب و صفة استدلاله علي انه من عند الله.

و اما وجه اعجاز کتابه علي نحو الاختصار ان الکلام له فضلان فضل صوري و هو الفصاحة و السلاسة و الجزالة و غيرها من محاسن اللفظ و فضل معنوي و هو ما يشتمل عليه من المعاني التي هي في اللفظ کالروح في الجسد و کون اللفظ بالغا في تأدية المراد علي اکمل وجه بجميع جهاته واقعا في محل لايسع لغيره و الفضل الاول ينفع و هو کمال ان کان الفضل الثاني ثابتا و الا فلا کمال فيه بل هو في نهاية‌ القباحة الا تري انه لو جمع واحد من کتاب اللغة الفاظا سليسة و کتبها واحدا بعد واحد من غير ربط معنوي بين الالفاظ بل جمع صرف الالفاظ او تنطق بتلک الالفاظ لايعد هذا الرجل متکلما فصيحا و کلامه رکيک قبيح ميت و اما اذا کان اللفظ حيا ذا روح و له المحاسن اللفظية کان الکلام فاضلا فصيحا حيا البتة و انما مثل ذلک کبدن مصنوع من الخرق و الاخشاب معتدل الصورة لاحيوة له و بدن حي جميل و بينهما بون بعيد فتفاضل الالفاظ حقيقة بمعانيها فکلما يکون المعاني جليلة موافقة للواقع مشتملة علي علوم دقيقة و دلالة الالفاظ بموادها و صورها و مواقعها و خصوصياتها عليها صحيحة مع المحاسن اللفظية يکون الکلام جليلا فمهما فاق علم احد جماعة يفوق کلامه علي کلامهم اذ کلام کل ناطق علي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 40 *»

حسب عقله و يتکلم علي حسب علمه فيرتب کلمات تدل علي مطالبه الجليلة بحيث يعجز عنه من لا علم له بها البتة و ان تخلفا يعني کان کلمات فيها محاسن لفظية بلامعني صحيح و کلام له معان صحيحة و الفاظه غير سليسة قدم الاخير البتة و رد الاول فانه لا فائدة فيه فان اجتمعا کان الکمال و کل الکمال له و يعجز عنه من ليس له تلک الدرية البتة ارأيت لو ان جميع العرب الذين کانوا في عهد الرسول صلي الله عليه و آله حضريهم و بدويهم اجتمعوا علي ان يأتوا بکتاب مثل الروضة او الرياض او الحدائق او کتاب آخر من کتب العلماء قدروا علي الاتيان بمثلها بل لم‌يقدروا فانهم لم‌يکونوا من اهل العلم فلاکانوا يقدرون علي الاتيان بمثلها ابدا الا ان يتعلموا ذلک العلم فيمکنهم صوغ الالفاظ علي طبق تلک المعاني و کذلک لو اجتمع جميع العلماء الاولين و الاخرين فضلا عن سائر الناس من غير العرفاء الکاملين علي ان يأتوا بمثل شرح الزيارة لشيخنا الاوحد اعلي الله مقامه لم‌يقدروا عليه بل علي فهمه بل لايقفون علي مراد سطر بل لايدرکون علة وضع کلمة منه موضعها و نکتتها فلعلهم يرون انها تخالف السجع و ظنوا ان لفظا آخر يحفظ السجع اولي منها و لايفهمون حسن لفظه و موقعه من کتابه ابدا ابدا فانهم ليس لهم معرفة الشيخ بحقائق المعاني و مناسبة الالفاظ لها فاذا عرفت ذلک فاعلم ان الله سبحانه وضع في القرآن تبيان کل شيء و تبيان کل شيء فوق شهادات البشر لايقدرون عليه البتة فهم لايقدرون علي اتيان کلام يکون فيه تبيان کل شيء البتة و بلاغة اللفظ ان يصدر من الناطق به في وقته و محله و علي قدر الکفاية في احسن الدلالة و مناسبة تامة و کل ذلک يکون علي حسب العلم بالمعني و اللفظ و حقايق الاشياء و مناسبات الالفاظ معها علي ما حققناه في محله و علي ما يأتي فلو ان غير عالم جهد في البلاغة حتي يکون کالعالم لايکون ابدا فان العالم لاينطق بواو و لا فاء الا في محله و لاجل حکمة و لملاحظة سر و اني يسع غير العالم ان يتکلم ببلاغة العالم ففصاحة القرآن ليست بمعجزة فان الفصاحة صفة الکلمة في نفسها و کلمات القرآن کانت مستعملة عند العرب شائعة و کلهم کانوا يستعملون تلک الالفاظ و ليس شيوع الکلمات بين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 41 *»

العرب و قدرتهم علي التفوه بها سبب رفع الاعجاز عن القرآن الا تري ان کلمات قصائد امرئ القيس مثلا و لله المثل الاعلي شائعة معروفة عند جميع العرب و انما جمعها بحيث يعرض علي المجموع وصف الوزن و وصف البلاغة و تأدية المعني علي احسن وجه لم‌يکن الا من خواصه و خواص من هو في درجته في الشعر و کذلک کلمات شرح الزيارة للشيخ الاوحد مثلا کلها عربية معروفة عند العرب و کلهم يستعملونها و انما جمعها بحيث تفيد تلک المطالب الجليلة و المعارف العظيمة ليس شأن کل احد الا من کان في درجته من العلم فانه لايأتي بکلمة و لا بحرف الا لاجل اداء مطلب لايعرفه الا هو و من هو مثله فتفاضل الکلام بوضع کل حرف و کل کلمة في محل لو بدل و حرف لم‌يدل علي ذلک المطلب فرب عالم يأتي بحرف او کلمة يدل علي مطلب واحد و رب عالم يأتي بحرف او کلمة يدل علي مطالب عديدة و رب عالم يأتي بحرف يدل من حيث معناه اللغوي علي مطلب و من حيث صفاته المعروفة في التجويد علي مطلب بل مطالب و من حيث منسوباته و قواه الجفرية علي مطالب و من حيث خواصه الريميائية علي مطالب و لايأتي بکلمة الا و هي تطابق بعض مراداته بظاهرها و بعضا بظاهر ظاهرها و بعضا بباطنها و بعضا بباطن باطنها و بعضا بتأويلاتها و هکذا فتفاضل الکلام في امثال هذه الامور و ما يعرض علي الحروف و الکلمات و الفقرات من النظم و الترتيب الدال علي عجائب المطالب و ان کان لفصاحة الکلمات دخل في المقام فان حسن النظم مع غير فصاحة الالفاظ اخس و ادني من حس التأليف مع الفصاحة في الدرجة القصوي البتة فحروف القرآن من حيث انفسها لا اعجاز فيها بالبداهة و کذا کلماتها و اما وضع کل حرف و کلمة في مقام فانما ينشأ من علم فمن کان له ذلک العلم يقدر عليه و من لم‌يکن له ذلک العلم لايقدر عليه و لربما يمر بها من ليس له تلک الدرية و يزعم ان غيره من الحروف او الکلمات اولي فانه لايري الا ظاهرها و العالم لاحظ جميع جهاتها کوضع العالم بعينه فلرب جاهل يزعم ان الشمس لو کانت اقرب الي الارض کانت اولي او لو کانت ابعد کان احسن اذ لايدري سر خلقة العالم و کذلک امر القرآن بعينه فلرب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 42 *»

اناس اذا نظروا فيه زعموا انه ليس بمعجز و کل عربي فصيح بالغ يقدر علي مثله و انما يعجزون بسبب الصرف و لايتدبرون ان العرب لايقدرون علي تصنيف کتاب مثل کتب العلماء فکيف يقدرون علي تصنيف کتاب مثل القرآن اليس القرآن الا جسدا ميتا لا روح له ام له روح فان کان له روح فما روحه هل روحه هذه المعاني التي يعرفها کل بدوي ام له بطون و تأويلات و حقائق و لطائف و اسرار کماقال تبيانا لکل شيء فان کان منطويا علي علم الاول و الاخر فکيف يقدر العرب علي الاتيان بمثله بل کيف يقدر البشر علي الاتيان بمثله و تحدي النبي صلي الله عليه و اله تحد واقعي لانه يعلم انه انزل بعلم الله و ان الله سبحانه وضع فيه علم ما کان و ما يکون و لم‌يضع حرفا مکانه الا لاجل حکم لاتحصي و الدلالة علي علوم لاتمني بحيث لو قدم حرف او اخر عن محله لاختل ذلک المراد و لو وضع کلمة مکان کلمة لفسد ذلک المقصود و ليس النبي شاعرا و لا خطيبا محضا يکون نظره منحصرا في المعاني الظاهرة فاذا تحدي قومه يکون تحديه في المعاني الظاهرة و انه لم‌يتحد شعراء العرب وحدهم و انما تحدي جميع الانس و الجن و فيهم الشاعر و الخطيب و الاديب و صنوف العلماء و الحکماء و العرفاء و فيهم الرعية و الاولياء و الانبياء و الرسل فتحدي جميعهم لانه نظم کلامه نظما ينطوي علي علم ما کان و ما يکون الي يوم القيمة و هذا العلم ليس لاحد حتي يقدر علي نظم کلام کذلک و اما المعاني الظاهرة التي يعرفها کل عربي فليس فيها حد اعجاز و ليس يفهم العرب في حروفه و کلماته و ايه و سوره بل کله من حيث متفاهم العرب و بيان هذا المعني بهذا اللفظ اعجازا و لاجل ذلک انکر قوم کونه بنفسه معجزا و قالوا ان المعجز هو صرف الخلق عن الاتيان بمثل القرآن غفلة منهم عما ينطوي عليه القرآن و انما مثل تحديه و لله المثل الاعلي ان يتحدي الشيخ الاوحد اعلي الله مقامه العرب و العجم الجهال و العلماء بکتابه شرح الزيارة او الفوائد فيقول ان کنتم تزعمون اني افتريت علي الله في هذين الکتابين و نسجتهما باطلا فأتوا بکتاب مثل واحد منهما ان کنتم صادقين فلاشک ان مراده ليس ان ائتوا بحروف

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 43 *»

هجائه فانها حروف ينطق بها جميع اهل اللسان و لا بکلماته فانها منطوقة کل صبي و لا بمعانيه التي هي مقتضي لغة العرب و انما المراد ان ائتوا بکتاب يشتمل علي ما يشتمل من اسرار توحيد الذات و الصفات و الافعال و العبادات و اسماء الله و صفاته و شئون مشيته و جهات تعلقاته و فضائل محمد و آل محمد عليهم السلام في مقام البيان و المعاني و الابواب و الامامة و فضائل شيعتهم في کونهم من اشعتهم و ظواهرهم بين ظهراني العباد و تمام الکلمة التامة التي لايجاوزها بر و لا فاجر و هي الاسم الاعظم و ينطوي علي معرفة حقائق الاشياء في العوالم الالف الالف و سر الايجاد و احوالات النفوس و مدارج ترقياتها و اسبابها و عللها و ينطوي علي اسرار الشريعة و الطريقة و الحقيقة و علي اصول يستفاد منها علوم جمة و ذلک ان الشيخ کان عالما و کلامه علي حسب علمه لاسيما اذا تعمد ان يأتي بکتاب يشتمل علي جميع ذلک فانه لايفرط فيه بقدر جهده و کذلک النبي صلي الله عليه و آله و له المثل الاعلي عالم و ما وصفي له بانه عالم هو رسول الله و افضل خلق الله اتي بکتاب و قال فيه تبيان کل شيء و ما فرط فيه من شيء و ما من غائبة في السماء و الارض الا و هو فيه ثم تحدي الانس و الجن فقال لو اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله و فيهم الانبياء و الرسل و اولوا الامر فتبين انه لم‌يکن تحديه بالفصاحة او البلاغة في المعاني الظاهرة و لم‌يکن شاعرا او خطيبا يکون همه ذلک و لم‌يکن وجه خطابه الي الشعراء وحدهم او الخطباء او العرب او اهل عصره وحدهم بل خاطب الخلق الي يوم القيمة و لماکان هو عالما بما وضع فيه تحدي جميع الخلق و قال فان لم‌تفعلوا و لن تفعلوا فاعجاز القرآن فيما ينطوي من العلوم و وقوع کل حرف موقعا يدل علي تلک العلوم فهو معجز الان لفظا و معني لايقدر احد من الجن و الانس علي نظم الحروف و الکلمات علي حسبه و مثله بحيث يکون منطويا علي ما ينطوي و درک هذا الاعجاز منه ليس حد کل احد فان الناظر في کتاب العالم لايعرف سر نظم حروفه و کلماته ما لم‌يکن عالما و لا احد يساوي علمه علم الله سبحانه حتي يعرف اسرار نظمه و مواقع اشاراته

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 44 *»

فان قلت فهب ان العرب بما ذا عرفوا انه معجز و کيف عجزوا عن الاتيان بمثله و اعترفوا به اقول ان العرب لم‌يعرفوا انه معجز خارج عن حد البشر و ليس ذلک حدهم و غاية ما عرفوا عجزهم و انما ذلک ايضا لاجل العلوم الظاهرة التي کان يشتمل عليها و الغيوب و غيرها و نقصان فصاحتهم في الظاهر عن حد فصاحته فانه فوقهم في الفصاحة و البلاغة البشرية ايضا و اما عدم امکان الاتيان بمثله الي يوم القيمة فلا بل لعل جهالا يزعمون انه يمکن علي حسب متفاهمهم فانهم يزعمون ان حروف القرآن معروفة و کلماته مشهورة و المعاني الظاهرة اللغوية منه مفهومة و ان النبي صلي الله عليه و آله ايضا لم‌يتحدهم بآية کيف و ثم نظر آية و مدهامتان آية فيمکن عندهم الاتيان بآية فآية و آية و هکذا و لايدرکون ربط الايات البتة فاذا رکبوا من تلک الايات المقدورة علي زعمهم آيات و سموها سورة زعموا انها صارت مثل القرآن لاسيما و اقصر سورة الکوثر فکيف عرفوا انها من حيث الظاهر معجز و العلماء تحيروا بعد الفحص و البحث العظيم فانکر جمع منهم ان يکون ظاهره معجزا و ذلک الجأهم الي القول بالصرفة من حيث لايشعرون و ان قيل فلم لم‌يعارضوه قلت ترکوا المعارضة لما ذکرت من اشتماله علي العلوم التي لم‌تکن عندهم مع فصاحة کانت فوق فصاحتهم الظاهرة قطعا و ان لم‌يعرفوا کونها علي حد الاعجاز و کم من کلام نسجوا علي منواله جهلا حتي ان في ازماننا صاروا يعارضونه و تحير کثير من العرب و العجم و العلماء لجهلهم فيه حتي زعموا انه مثل القرآن حتي اعترفوا بانه مثل القرآن و افضل و انما ذلک لغاية جهلهم بما ينطوي عليه القرآن من الاسرار فلما وقع تلک الخزعبلات في ايدينا استخرجنا عوارها و فسادها و کتبنا عليها کتبا و کذلک يخزي الله الظالمين فالعرب لم‌يفهموا وجه اعجاز القرآن و لاعرفوا حد الفصاحة الممکنة و الاعجازية و لم‌يکن ذلک من شأنهم و غاية تصديق العرب انه في غاية‌ الفصاحة و فوق فصاحة کلماتهم کيف و تحير العلماء مع بحثهم و فحصهم و فصاحتهم و بلاغتهم و علمهم في ذلک فکل منهم ذهب الي شيء حتي ان منهم لماعجز عن درک وجه الاعجاز قال هو معجز لانه قديم و اضحک الثکلي بقوله فالعرب البوالون علي اعقابهم کيف يعرفون

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 45 *»

وجه الاعجاز نعم ان النبي اتي بمعجزات اخر اعجزتهم ثم اتي بالقرآن و قال فيه علم الاول و الاخر و ذلک اليوم کانوا جهلة بهذه المعاني الظاهرة ايضا لايعرفون توحيدا و لا سنة‌ المرسلين و لا سيرة الانبياء و اخبارهم و لا مايمدح و يذم من الاخلاق و الاعمال و لا تلک الامثال و العبر فانهم کانوا اهل بادية جهالا لايعرفون الهر من البر فعجزوا عن تلک المعاني الظاهرة مع انه في الفصاحة البشرية فوقهم و لاسيما و فيه غيوب و عليه شهود من التورية و الانجيل و آثار الانبياء و ينبؤهم بما في قلوبهم و بما يسرون في خلواتهم و له وقع عظيم لاسيما اذا خرج من فم النبي او قرأ في عصره و يريد اقامة الحجة به و له رعب و عظمة و تأثير في القلوب و مزيدا علي ذلک هو في الفصاحة و البلاغة الظاهرة ايضا افصح من کل کلماتهم و ابلغ و اسلس و احلي اليس ان اکثر العرب اذعنوا لامرئ القيس لانه کان افصحهم و سلموا له و ان لم‌يکن کلامه معجزا و آيسوا عن معارضته و لم‌يقدروا علي الاتيان بشعر مثل شعره فالنبي و له المثل الاعلي کان في الظاهر ايضا افصح منهم اقلا و ان لم‌يدرکوا حد اعجاز فصاحته فلما کان افصح من کلهم ظاهرا و انطوي کتابه ظاهرا علي علوم کانوا بها جهالا لانهم بدويون اظهروا العجز عن الاتيان بمثله و لا غرو و قد ذکرت ان الناس غير العالمين يعجزون عن الاتيان بمثل کتاب عالم فالعرب ايضا عجزوا عن الاتيان بمثل القرآن لانه ظاهرا افصح من کلهم و ينطوي علي علوم لايعرفونه فخضعوا لديه و اذعنوا و انقادوا مع ما يشاهدونه من سائر المعجزات و ان معاني القرآن الظاهرة قد شاع بين المسلمين بعد نزول القرآن و شرح النبي و الا فذلک اليوم ما کانوا مشتمين رائحة هذه المسائل لا اهل کتابهم المرتدون عن دين نبيهم و لا العرب البوالون علي عقبيهم و لا العجم عبدة النار و الشمس فجميع الناس کانوا جاهلين بهذه المسائل الا قليلا من اهل الکتاب الثابتين علي دين نبيهم و اني لهم بعلم جميع کتب الانبياء و سيرهم و ما حرف من کتبهم مثل ما في القرآن و ان هذا القرآن يقص علي بني‌اسرائيل اکثر الذي هم فيه مختلفون و کان اغلب سيرهم مجهولة و لذلک قال تلک من انباء الغيب نوحيها اليک و في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 46 *»

الفصاحة الظاهرة افصحهم ايضا فلما رأوا هذه الاحوال عجزوا ظاهرا و باطنا عن ظاهر القرآن و باطنه و اما درک انه معجز و فوق حد البشر فلا فانما هو مخصوص بمحمد و آل محمد عليهم السلام الذين هم العالمون به بل هي آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و اما اليوم فمن جاء بعبارات يزعم انها مثل القرآن بعد ما تعلموا العلوم الظاهرة من محمد و آل محمد عليهم السلام و سرقوا الايات و قدموها و اخروها فان الله يفضحهم لما ظهر من شأن القرآن و نکاته و ما آتي الله العلماء من معانيه و لما علم بالتقرير انه ينطوي علي علم الاول و الاخر و لما حتم الله في الحکمة ان يخزي الفاسقين و يحق الحق بکلماته و يبطل الباطل کما فعل فالحمد لله الذي هدانا لهذا و ما کنا لنهتدي لولا ان هدانا الله و لنذکر شطرا من اقوال العلماء في وجه الاعجاز لتکون علي بصيرة.

الباب الثالث

اعلم ان المسلمين بعد اتفاقهم علي ان القرآن معجز دال علي صدق النبي صلي الله عليه و اله و انه من عند الله صدر علي وجه الاعجاز بخلاف الاحاديث القدسية فانها لم‌تصدر علي وجه الاعجاز و بعد اتفاقهم علي انه من يوم نزل القرآن لم‌يقم في العالم احد بمعارضته و لم‌يأت احد بما يماثله من اهل العالم لا من کلامهم المستحدث و لا من کلمات السالفين و لا من الکتب السماوية و لا في سائر اللغات غير العربية اختلفوا فيما اعجز الناس منه اي انه معجز باي صفته و اي خاصته علي اقوال شتي حتي وقعوا تحت کل کوکب فمنهم من قال انه معجز لانه قديم و حکاية عن الکلام القديم و هذا القول بالهجر و الهذيان اشبه فانا في عويل من القول بقدمه و قد ظهر لکل محقق بطلانه و هو ينطق بحدوثه و يقول ما يأتيهم من ذکر من ربهم محدث الا استمعوه و هم يلعبون لاهية قلوبهم ثم ان العرب و المسلمين اي علم لهم بانه قديم حتي يعجزوا عن الاتيان بمثل القديم و قد عرفوا عجزهم و اذعنوا و انقادوا له من غير اعتراف بقدمه بالجملة هذا القول لايحتاج الي رد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 47 *»

و منهم من قال ان وجه الاعجاز في القرآن ان الله سبحانه صرف الخلق عن معارضته و سلبهم العلم بکيفية نظمه و فصاحته و قدکانوا لولا هذا قادرين علي معارضته و متمکنين منها و هذا القول مروي عن السيد المرتضي و جمع من العامة و استدل له بان الله تعالي صرفهم عن المعارضة و ان العدول عنها کان لهذا لا لان فصاحة القرآن خرقت عادتهم لان الفضل بين الشيئين اذا کثر لم‌تقف (لم‌تخف ظ) المعرفة بحالهما علي ذوي القرائح الذکية دون من لم‌يساوهم بل يغني ظهور امرهما عن الرؤية بينهما و لهذا لايحتاج في الفرق بين الخز و الصوف الي احذق البزازين و انما يحتاج الي التأمل الشديد التقارب الذي يشکل مثله و نحن نعلم انا علي مبلغ علمنا بالفصاحة نفرق بين شعر امرئ القيس و شعر غيره من المحدثين و لايحتاج في هذا الفرق الي الرجوع الي من هو الغاية في علم الفصاحة بل نستغني معه عن الفکرة و ليس بين الفاضل و المفضول من اشعار هولاء و کلام هولاء قدر مابين الممکن و المعجز و المعتاد و الخارج عن العادة لان جميع الشعراء لو کانوا بفصاحة الطائيين ثم اتي آت بمثل شعر امرئ القيس لم‌يکن معجزا و کذلک لو کان البلغاء في الکتابة في طبقة اهل عصرنا لم‌يکن کلام عبد الحميد و ابرهيم بن العباس و نحوها خارقا لعادتهم و معجزا لهم و اذا استقر هذا و کان الفرق بين قصار سور المفصل و بين افصح قصائد العرب غير ظاهر لنا الظهور الذي ذکرناه فلعله ان کان ثم فرق فهو مما يقف عليه غيرنا و لايبلغه علمنا فقددل علي ان القوم صرفوا عن المعارضة و اخذوا عن طريقها انتهي و قال القوشجي في شرح التجريد و ذهب النظام و اکثر المعتزلة و المرتضي من الشيعة الي ان اعجازه بالصرفة و هي ان الله تعالي صرف همم المتحدين عن معارضته مع قدرتهم عليها و ذلک اما بسلب قدرتهم او بسلب دواعيهم و احتجوا بوجهين الاول انا نقطع بان فصحاء العرب کانوا قادرين علي التکلم بمثل مفردات السور و مرکباتها القصيرة مثل الحمد لله رب العالمين و هکذا الي الاخر فيکونون قادرين علي الاتيان بمثل السورة و الثاني ان الصحابة عند جمع القرآن کانوا يتوقفون في بعض السور و الايات الي شهادة الثقات و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 48 *»

ابن مسعود قدبقي مترددا في الفاتحة و المعوذتين و لو کان نظم القرآن معجزا بفصاحته لکان کافيا في الشهادة و الجواب عن الاول[2] ان حکم الجملة قد يکون مخالفا لحکم الاجزاء و هذه بعينها شبهة من نفي قطعية الاجماع و الخبر المتواتر و لو صح ما ذکر لکان کل من آحاد العرب قادرا علي الاتيان بمثل قصائد فصحائهم کامرئ القيس و اقرانه و اللازم قطعي البطلان و عن الثاني[3] بعد صحة الرواية و کون الجمع بعد النبي عليه الصلوة و السلام لا في زمانه و کون کل سورة مستقلة بالاعجاز ان ذلک للاحتياط و الاحتراز عن ادني تغير لايخل بالاعجاز و ان اعجاز کل سورة ليس مما يظهر لکل احد بحيث لايبقي له تردد اصلا و استدل علي بطلان الصرفة بوجوه الاول ان فصحاء العرب انما کانوا يتعجبون من حسن نظمه و بلاغته و سلاسته في جزالته و يرفضون رؤسهم عند سماع قوله تعالي يا ارض ابلعي ماءک الاية لذلک لا لعدم تأتي المعارضة مع سهولتها في نفسها الثاني انه لو قصد الاعجاز بالصرفة لکان الانسب ترک الاعتناء ببلاغته و علو طبقته لانه کلما کان انزل في البلاغة و ادخل في الرکاکة کان عدم تيسير المعارضة ابلغ في خرق العادة الثالث قوله تعالي قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا فان ذکر الاجتماع و الاستظهار بالغير في مقام التحدي انما يحسن فيما لايکون مقدورا للبعض و يتوهم کونه مقدورا للکل فيقصد نفي ذلک و قال الطوسي في المتن و اعجاز القرآن قيل لفصاحته و قيل لاسلوبه و فصاحته معا و قيل للصرفة و الکل محتمل و قال صاحب الخرائج في باب الصرفة و الاعتراض عليها و الجواب عنه قال و تقرير الدليل علي صحة ذلک في الصرفة هو انه لو کانت فصاحة القرآن خارقة للعادة لوجب ان يکون بينه و بين ما يضاف اليه من افصح کلام العرب التفاوت الشديد الذي يکون بين الممکن و بين المعجز فکان لايشتبه الحال بين کلامين فصيحين و ان لم‌يکن بينهما ما بين الممکن و المعجز الا تري ان احدنا يفرق بين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 49 *»

شعر الطبقة العليا من الشعراء و بين المحدثين باول نظر و لايحتاج في معرفة ذلک الفضل ان يرجع الي من تناهي في العلم بالفصاحة و قد علمنا انه ليس بين هذين الشعرين مابين المعتاد و الخارق للعادة فاذا ثبت ذلک و کنا لانفرق بين قصار سور المفصل و بين افصح شعر العرب و لايظهر لنا التفاوت بين الکلامين الظهور الذي قدمناه فلم‌يحصل الفرق القليل و لم‌يحصل الکثير و لم‌يرتفع اللبس بين التفاوت و لم‌يرتفع مع التفاوت ثم قال و الاعتراضات علي ذلک کثيرة منها قولهم الفرق بين افصح کلام العرب و بين القرآن موقوف علي متقدمي الفصحاء الذين تحدوا به و الجواب ان ذلک لو وقف عليهم مع التفاوت العظيم لوقف مادونه ايضا عليهم و قدعلمنا خلافه فاما من ينکر الفرق بين اشعار الجاهلية و المحدثين فان اشار بذلک الي عوام الناس و الاعاجم فلاينکر ذلک و ان اشار الي الذين عرفوا الفصاحة فانه لايخفي عليهم فان قالوا الصرف عماذا وقع قلنا الصرف وقع عن ان يأتوا بکلام يساوي او يقارب القرآن في فصاحته و طريقة نظمه بان سلب کل من رام المعارضة التي يتأتي بها ذلک فان العلوم التي يتمکن بها من ذلک ضرورية من فعل الله تعالي بمجري العادة و علي هذا لو عارضه بشعر منظوم لم‌يکونوا معارضين ثم يدل عليه انه صلي الله عليه و آله اطلق التحدي و ارسله فوجب ان يکون انما اطلق تعويلا علي ما تعارفوه في تحدي بعضهم بعضا فانهم اعتادوا ذلک بالفصاحة و طريقة النظم و لهذا لم‌يتحد الخطيب الشاعر و لا الشاعر الخطيب و لو شکوا في مواده لاستفهموه فلما لم‌يستفهموه دل علي انهم فهموا غرضه و لو لم‌يفهموه لعارضوه بالشعر الذي له فصاحة کثيرة من القرآن و اختصاص القرآن بنظم مخالف لسائر النظم يعلم ضرورة و قال و الذي يدل علي انه لولا الصرف لعارضوه هو انه اذا ثبت في فصيح کلامهم ما يقارب کثيرا من آي القرآن و النظم لايصح فيه التزايد و التفاضل بدلالة انه يشترک الشاعران في نظم واحد لايزيد احدهما علي صاحبه و ان تباينت فصاحتهما و اذا لم‌يدخل النظم تفاضل لم‌يبق الا ان يقال الفضل في السبق اليه و ذلک يقتضي ان يکون من سبق الي ابتداء الشعر و وزن من اوزانه اتي بمعجزة و ذلک باطل و لايتعذر نظم مخصوص بمجري العادة علي من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 50 *»

يتمکن من نظوم غيره و لايحتاج في ذلک الي زيادة علم کما نقول في الفصاحة فمن قدر علي التبسيط يقدر علي التطويل و غيره و لو کان علي سبيل الاحتذاء و ان خلا کلامه من فصاحة فعلم بذلک ان النظم لايقع فيه تفاضل قال و الاعتراض علي ذلک من وجوه احدها انهم قالوا يخرج بقولکم هذا القرآن من کونه معجزا علي الحقيقة علي ذلک لان علي هذا المذهب المعجز هو الصرف و ذلک خلاف اجماع المسلمين الجواب ان هذه مسألة خلافية لايجوز ان يدعي فيها الاجماع علي ان معني قولنا معجز في العرف بخلاف ما في اللغة و المراد به في العرف ما له حظ في الدلالة علي صدق من ظهر علي يده و القرآن بهذه الصفة عند من قال بالصرفة فجاز ان يوصف بانه معجز و انما ينکر العوام ان يقال القرآن ليس بمعجز متي اريد به انه غير دال علي النبوة و ان العباد يقدرون عليه و اما انه معجز بمعني انه خارق للعادة بنفسه و بما يستند اليه فموقوف علي العلماء المبرزين علي انه يلزم من جعل جهة اعجاز القرآن الفصاحة الشناعة لانهم يقولون ان من قدر علي الکلام من العرب و العجم يقدرون علي مثل القرآن و انما ليست لهم علوم بمثل فصاحته قال و اعترضوا و قالوا اذا کان الصرف هو المعجز فلم لم‌يجعل القرآن من ارک الکلام و اقله فصاحة ليکون ابهر في باب الاعجاز الجواب لو فعل ذلک لجاز لکن المصلحة معتبرة في ذلک فلايمنع انها اقتضت ان يکون القرآن علي ما هو عليه من الفصاحة فلاجل ذلک لم‌ينقص منه شيء و لايلزم في باب المعجز ان يفعل ما هو ابهر و اظهر و انما يفعل ما يقتضيه المصلحة بعد ان کان دلالة‌الاعجاز قائمة فيه ثم يقال هلاجعل الله القرآن افصح مما هو عليه فما قالوا فهو جوابنا و ليس لاحد ان يقول ليس وراء‌ هذه الفصاحة زيادة لان الغايات التي ينتهي اليها الکلام الفصيح غير متناهية قال و من اعتراضاتهم قولهم لو کان المعجز الصرف لماخفي ذلک علي فصحاء العرب لانهم اذا کانوا يتأتي منهم قبل التحدي ماتعذر بعده و عند روم المعارضة فالحال في انهم صرفوا عنها ظاهرة فکيف لم‌ينقادوا و الجواب لابد و ان يعلموا تعذر ما کان متأتيا منهم لکنهم يجوز ان ينسبوه الي الاتفاقات او الي السحر او العناد و يجوز ان يدخل عليهم الشبهة علي انهم يلزمهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 51 *»

مثل ما الزمونا بان يقال ان العرب اذا علموا ان القرآن خرق العادة بفصاحته فاي شبهة بقيت عليهم فلم لم‌ينقادوا فجوابهم جوابنا قال و اعترضوا فقالوا اذا لم‌يخرق القرآن العادة بفصاحته فلم شهدوا له بالفصاحة متقدموا العرب کالوليد بن المغيرة و انقادت له و اجاب دعوته کثير من الشعراء کالنابغة الجعدي و لبيد بن ربيعة و کعب بن زهير و الاعشي الکبير لانه ورد ليسلم فمنعه ابوجهل و خدعه و قال انه يحرم عليک الاطيبين فلولا انه بهرهم بفصاحته لم‌ينقادوا له و الجواب جميع ما شهد به الفصحاء من بلاغة القرآن واقعة موقعه لان من قال بالصرفة لاينکر مزية القرآن علي غيره بفصاحته و انما يقول تلک المزية ليست مما يخرق العادة و يبلغ حد الاعجاز فليس في قول الفصحاء و شهادتهم بفصاحة القرآن ما يوجب القول ببطلان الصرفة و اما دخولهم في الاسلام فلا مر بهرهم و اعجزهم و اي شيء ابلغ من الصرفة في ذلک انتهي کلامه رحمه الله و لعمري لو تدبرت في اقوالهم و ادعائهم و اعتراضهم و جوابهم و جميع ما ذکروا لوجدت کلها امورا ظنية لايمکن التعويل عليها في امر المعجز الذي به يثبت النبوة التي هي من اصول الدين و ليس لهم عليها حجة عقلية باهرة کالشمس في رابعة النهار و لو اردنا ان نذکر عيب کل کلمة کلمة من جملة ما مر لطال بنا المقال في غير طائل کثير فنکتفي برد اجمالي لهذا القول يخرب به بنيانه من اصله فنقول هل العرب او غيرهم بمقتضي بشريتها قادرة علي ان تأتي بمثل القرآن و انما صرفت مشاعرها و آلاتها عن معارضتها ام لم‌تکن قادرة فان لم‌تکن قادرة فقد ثبت ان القرآن فوق قدرة‌البشر و خارق عادتهم و هو معجز و ان کانت قادرة فهل صرفوا عن التکلم بمثله قبل التحدي ابدا و بعده بحيث لم‌يصدر من احد من الناس منذ زمان آدم الي زمان النبي صلي الله عليه و آله و لايصدر بعده الي يوم القيمة کلام بفصاحته علي غير معني المعارضة ام کانوا من قبل يتأتون و عجزوا بعد التحدي فان کانوا من قبل التحدي يتأتون بمثله او ما يقاربه او صدر من احد من نبي او وصي نبي او حکيم او عليم او اديب او غيرهم فقد عورض القرآن و وجد مثله اذ قد صدر مثله من البشر و کان من متمکناتهم و ليس القرآن فوق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 52 *»

امکان البشر فانه قال فأتوا بسوره مثله و لم‌يقل من تأليفکم بل فأتوا به و لو کان من غيرکم من افراد البشر فمن ظن انه کان قبل يصدر من البشر و بعد تحدي النبي صرفوا کمايفهم من بعض عبائر مرت فقدقال بان القرآن قد عورض بلاحجة و هو من متمکنات البشر و کم من صنعة اتي بها احد من السالفين و لم‌يأت بها في عصره احد ثم اتي بمثلها احد من المتأخرين و الحال انه لم‌يأت احد بمثله و لو من کلام السلف بل في تفسير العسکري عليه السلام معني الطف حيث قال عليه السلام فأتوا بسورة من مثله من مثل هذا القرآن من التورية و الانجيل و الزبور و صحف ابرهيم و الکتب الاربعة عشر فانکم لاتجدون في سائر کتب الله سورة کسورة من هذا القرآن و کيف يکون کلام محمد المتقول افضل من سائر کلام الله و کتبه يا معشر اليهود و النصاري الخبر و من هذا الحديث الشريف يفهم معني آخر کان يختلج في صدري و هو انه صلي الله عليه و اله لم‌يشترط العربية في التحدي بل الغرض اتيان کتاب او سورة يشتمل علي ما يشتمل القرآن فانه لو قام واحد من العجم و اتي بسورة عجمية بهرت العجم و يشتمل علي علم ما کان و ما يکون يسعه ان يقول للنبي صلي الله عليه و اله انت جئت بسورة عربية بهرت العرب و لم‌يقدروا علي الاتيان بمثله لضعف علمهم و ها انا لست بنبي او ادعي النبوة مثلک و اتيت بسورة عجمية‌ بهرت العجم و کما لايقدر العجم علي مثل سورتک لايقدر العرب ايضا علي مثل سورتي و کما بهرت سورتک العرب بهرت سورتي العجم فيصدق علي ذلک انه عارض القرآن و ابطل حجته کأن يفتخر سلطان بان لي سريرا ليس لاحد فيفتخر آخر بان لي تاجا ليس لاحد فلايکون لاحدهما علي الاخر فضل البتة و کل فرد من افراد الانسان له خاصة ليست للآخر الا تري انه لو ادعي احد نبوة و دعا الجدار فاجاب و قام واحد آخر و قال انا لست بنبي و اقول للماء الجاري قف فيقف فقال قف فوقف الماء فقداتي بمثل امره الا ان يظهر ذلک المدعي وجه الحيلة في وقوف الماء و يبطل امره فان لم‌يبطل امره فهو ايضا آت بخارق للعادة مع عدم ادعاء النبوة فيظهر ان صدور خارق العادة ليس من اسباب النبوة فعلي ذلک لو جاء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 53 *»

احد بسورة فارسية او ترکية او هندية تبهر اهل ذلک اللسان و کان مشتملا علي ما يشتمل عليه القرآن من وجوه الاعجاز لکان آتيا بمثل القرآن و لتبين ان کلاما لايقدر عليه اهل عصر او اعصار ليس من اسباب النبوة کما رضي النبي صلي الله عليه ان يأتوا بمثله من السريانية و العبرانية علي ما اخبر به العسکري عليه السلام و لم‌يأتوا به اللهم الا ان يضم اليه امر آخر و هو خارج عن موضع البحث فمن يصعب عليه درک عربية القرآن و يزعم انه يمکن معارضته فليأت بغير لسان العرب باي لسان کان مثل القرآن فظهر ان من زعم انه کان قبل زمان التحدي يصدر عنهم مثل القرآن و صرفوا عنه بعده فقدقال بان القرآن عورض و ابطل اعجازه البتة و ان لم‌يأت احد به حاضرا بل کان وضاع عن الناس لقلة المبالاة فانه يکفي في ان مثل القرآن مقدور البشر و لم‌يقل النبي ان من قبلکم کانوا قادرين و انتم لاتقدرون و لم‌يقل عارضوه بتأليفکم لا بتأليف من قبلکم و ان کانوا مصروفين عن مثله سابقا و لاحقا احتراما للقرآن و لم‌يصدر عن احد من العرب و العجم من لدن آدم الي زمان التحدي و لايصدر من احد من العرب و العجم الي يوم القيمة فليس ذلک في قوة البشر التي يمکن بروزها و لا مرجح لبروزها و انما هي في امکانهم البعيد و لا احد يمنع ان البشر من عرض الامکان و يمکن في قدرة الله ان يجعل کل احد نبيا ذا معجز فمعارضة القرآن اذا غير مقدور لبني آدم من لدن آدم الي يوم القيمة و ان کانت في امکانهم الا تري ان في امکان النطفة ان تصير ولدا ذا رأسين ولکن جري عادة الله بخلق بني آدم ذا رأس واحد فجبلة البشر ان يکونوا کذا و عادة ايجادهم کذا فان کان البشر کلهم سلفا و خلفا مصروفين من عند الله و لم‌يخلق الله اسبابا يقدرون بها علي اتيان مثل القرآن فمن الذي يخرج من امکانهم هذه القوة الي الفعلية الا تري ان الله لو صرف جميع بني آدم عن النطق بحيث لاينطق منهم احد لکان عادة البشر و سيرتهم ان يکونوا بکما فلو تکلم واحد بعد لکان خارقا للعادة و اما الامکان البعيد الموقوف علي قدرة الله فحاصل لهم في شق القمر و رد الشمس ايضا فانه يمکن في قدرة الله جعل کل احد قادرا علي شق القمر و انطاق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 54 *»

الحصي و الذئب ولکن لم‌يخلق الله غير النبي هکذا و لم‌يهيء لاحد اسباب ذلک و کل احد لايقدر علي شيء فهو بصرف الله کائنا ما کان و بالغا ما بلغ و کل احد يقدر علي شيء فبتوفيق الله کائنا ما کان و بالغا ما بلغ و ابي الله ان يجري الاشياء صرفا و توفيقا الا باسبابها فمن هيأ الله له اسباب الصرف لايقدر علي التصرف ابدا و من هيأ الله له اسباب العمل يقدر عليه فعدم اتيان الناس بمثل شق القمر ايضا بصرف الله بمقتضي قابليتهم و لو شاء الله لفعلوا و ان قيل بين المقامين فرق فان الله مرة يجعل الشيء في قوة زيد و قدرته کالقيام ثم يمنعه عنه لحکمة و مرة لايجعل الشيء في قوته اصلا و المراد ان الاتيان بمثل القرآن من قبيل الاول قلت ان ذلک لايفيدکم شيئا فانه علي ما ذکرنا کان جميع البشر في جميع الدهور و يکونون مصروفين عن هذا و لم‌يصرفهم الله البتة الا بقابلية و استعداد لهم فکان طباع البشر مقتضيا للصرف فلاجل ذلک قضي الله لهم بالصرف و ليس يجبر الله احدا عن شيء يستعد له و يقتضيه کما لم‌يفوض اليه ان يفعل ما يشاء و اذا کان طباع جملة البشر مصروفا عن هذا من اين علمتم انهم کانوا قادرين عليه و الذي مثلتم به يعرف اذا کان واحد يفعل و واحد لايفعل فالذي لايفعل فهو بصرف الله ما في قوته و اما اذا لم‌يظهر علي احد من البشر ذلک ابدا فکان عدم الظهور علي الکل لحکمة عامة فمحال ان يظهر منهم ذلک فاذا ليس الاتيان بمثله من عادة البشر و لا من متمکنات البشر و لايقدر عليه احد من البشر و اما قولکم لولا الصرف لقدروا فذلک جار في کل شيء فاني اقول لولا صرف الله لکان کل احد نبيا فان کل من يحرم عن شيء يحرم بمنع الله و کل من ينال شيئا يناله بفضل الله و توفيقه الا تري ان النبي صلي الله عليه و آله لو اذن لاحد ان يدعو شجرا فيجيبه يمکن له ذلک فيدعوه فيجيبه البتة فمن لايقدر علي ذلک فبصرف الله و منعه و عدم اذنه و توفيقه له البتة و لو شاء الله لهدي الناس جميعا ولکن الله اعلم حيث يجعل رسالته و لو نشاء لجعلنا منکم ملئکة في الارض يخلفون فلاينفعهم هذا القول بوجه فتبين و ظهر ان القول بالصرفة ساقط بالکلية مع ما في سائر کلماتهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 55 *»

من الاختلال الکثير و ليس لي الان اقبال الي امثال هذه المباحثات و الرد و الاعتراضات فلاجل ذلک اعرضنا عن التعرض لسائر کلماتهم.

الباب الرابع

و منهم من قال ان وجه اعجاز القرآن الفصاحة قال في الخرائج الاشبه بالحق و الاقرب الي الحجة بعد ذلک القول اي الصرفة قول من قال ان وجه اعجاز القرآن المجيد خروجه عن العادة في الفصاحة فيکون مازاد علي المعتاد هو المعجز الي آخر کلامه اقول يلوح منه انه يرجح الصرفة علي سائر الاقوال و بعدها الاعجاز بالفصاحة و لعمري الظافر بالحق قليل و اقل منه العارف به فلربما يختار احد الحق من حيث لايشعر فيکون ظافرا به غير عارف به بالجملة ان کانوا يريدون ان وجه الاعجاز الفصاحة التي يدرکها سائر الناس وحدها دون سائر خواص القرآن فذلک خطأ محض فان وجوه اعجاز القرآن کثيرة کما سيأتيک ان شاء الله ثم الدليل علي عدم معرفتهم لما اختاروا انهم صاروا يستدلون علي ان القرآن معجز من حيث الفصاحة بان فصحاء العرب اعترفوا بانه معجز و ان فصاحة القرآن فوق حد البشر و انه يجب علي اهل المشرق و المغرب ان يقلدوا کعب بن قيس مثلا و کعب بن زهير و الاعشي الکبير و لبيد و وليد و امثالهم و الحال ان درجات فصاحة الکلام ليست کدرجات سائر الافعال فيعرف الناس منها ما هو حد البشر و ما هو فوق حد البشر کما انه يعرف کل رجل و امرأة و شاب و کهل و صغير و کبير و احمر و اسود ان القيام و القعود و الذهاب و المجيء من حد البشر و الصعود الي السماء و دعوة الشجر و اجابته و انطاق الحصي ليس من طاقة البشر و حدهم فليس للفصاحة حد محدود يعرفه الناس و ان کان في الواقع لها حد معجز و لکن ليس ذلک بدرجة يعرفها الناس و يقفون عليها و الا لما انکره العلماء الذين يشقون الشعر و ذلک ان کل صنعة يعرف الناس اسبابها او يقدرون علي تصورها او تصور مثلها و وجه الحيلة فيها و الطريق اليها يعرفون انها مقدورة لهم غاية الامر انها لاتتأتي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 56 *»

منهم لعدم اسبابها او عدم مزاولتها و ممارستها و کل صنعة لايعرفون اسبابها و وجه علاجها او يرون انها صدرت بلاسبب علاجي يعرفون انها معجزة لانهم يرون العمل حاصلا و لايرون له سببا و الفصاحة هي ان علم وجه ادائها باي نحو کان فيرون انهم قادرون عليها کعالم يفهم نکات کلام عالم آخر فکل من فهم نکات کلام يقدر ان يأتي بکلام مثله و يجعل فيه تلک النکات او مثلها البتة و لو بعد حين و لو بجهد و لو باعانة غيره و ان لم‌يعرفوا نِکاتها و اشاراتها فلايصدقون ان في الکلام نکات و اشارات و محسنات ازيد مما تعرف و ذلک ان الفصاحة امر علمي ان علمت علمت و ان لم‌تعلم فهي مجهولة کعامي يسمع کلام عالم و لايدري فيه نکات ام لا فکيف يصدق انه فيه نکات حتي يذعن و اما الذي يعلم اجمالا ان في الکلام نکات عديدة مما يعرف و ما لايعرف فذلک حسن ظن و ليس يبلغ به ذلک الظن الي تصديق اعجازه فانه لايري مجهولاته حتي يعلم انها فوق حد البشر بخلاف شق القمر مثلا فانه يراه و يري انه بغير اسباب علاجية فکل حد عرف من فصاحة الکلام يمکن الاتيان بمثله و کل ما لايعرف فهو مجهول لايعلم ما حده و ما مقداره فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف و اعتبر ان الفصاحة ليس لها حد يعرف الناس منه غاية حد البشر و الزائد عليه و القول بان فصحاء العرب عرفوا ذلک و نحن علي آثارهم مقتدون محض مجازفة و قول بغير علم فان متأخري العرب ليسوا باقل معرفة بفنون الکلام و اساليبه و نظمه و فصاحته و بلاغته من المتقدمين و قداجتمع عندهم الافکار و التم لديهم الانظار و دونت الکتب و لم‌يترکوا شيئا صغيرا و لا کبيرا من جهات الفصاحة و البلاغة الا و قدضبطوه فاين جامعية المتأخرين من متقدمي العرب الذين لم‌يکن لهم کتاب و لا اجتمعت علومهم و افکارهم و انظارهم و کانوا اميين و من اهل البوادي و کل واحد منهم کان يتکلم بمقتضي فطرته غاية الامر کانوا فصحاء ولکن بلاعلم کالذين يتکلمون دائما بقواعد منطقية و لايعرفون علم المنطق فاين عوام اهل الکلام من العارفين بالقواعد المنطقية و لايعرفون علم المنطق فاين عوام اهل الکلام من العارفين بالقواعد المنطقية المتدبرين فيها الکاتبين للکتب فيها فمتأخروا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 57 *»

اهل الادب البتة هم اعرف بفنون الفصاحة و مع ذلک هم لايعرفون حد فصاحة القرآن حتي ان جمعا منهم زعموا انه يمکن التکلم بفصاحة مثل فصاحته ولکن الله يصرف الناس عن التنطق بمثله هذا و کل احد لو انصف عرف من نفسه انه لايدرک حد اعجاز فصاحة القرآن البتة بل المدعون ان اعجاز القرآن بفصاحته ليس يدرکون ذلک و لو ادرکوا لما احتاجوا ان يستدلوا علي ذلک بتصديق وليد و لبيد و الاعشي و اري العلماء الازکياء و الشعراء الادباء و الخطباء الفصحاء لو تلي عليهم آية من القرآن غلطا و هم لايحفظونها من الخارج لايشعرون بانها قرئت غلطا فکيف يدرکون فصاحتها و تحرف لهم و لايشعرون و روي ان الاولين لما عزموا علي جمع القرآن کانوا يؤتون بآيات فيطلبون الشهود علي انها من القرآن فکل آية معها شهود اثبتوها و کل آية ليس معها شهود ترکوها و بذلک ترکوا کثيرا من التنزيل فکيف کانوا يعرفون فصاحة القرآن و القول بان طلب الشهود لشدة الضبط قول بمحض تخمين و لا حجة لهم عليه الا ان الغالب علي النفوس حسن الظن بالاموات و تقليد الماضين انا وجدنا آباءنا علي امة و انا علي آثارهم مقتدون هذا و الفصاحة و البلاغة ليستا من خواص العربية و عصر الماضين بل هما من کمال کل لغة و توجدان في کل لسان و في کل عصر فليتدبر متدبر في لغته و في عصره هل يمکنه معرفة حد في الفصاحة و البلاغة يبلغه البشر و حد لايبلغه البشر و القول بان في الکلام عقلا حدا فوق حد البشر ليس ينفع في المعرفة بالفعل هذا و ان النبي صلي الله عليه و اله لم‌يتحد اهل عصره فقط و لا اهل لغته فقط و انما قال لو اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا و قال فان لم‌تفعلوا و لن تفعلوا و قال و ادعوا شهداءکم من دون الله ان کنتم صادقين و من اين علم وليد و لبيد ان الانس و الجن من لدن آدم الي يوم القيمة لو اجتمعوا و جمع بعضهم فهمه مع فهم الاخر و صحح کل واحد غلط الاخر و عرف کل واحد منهم ما يعرفه من النِکات للآخر و تعاونوا علي سورة لها ثلث آيات کالکوثر لايقدرون علي ان يأتوا بمثل القرآن و من اين صار نظر الکفار و شهادتهم علي جميع الانس و الجن حجة و من اين علموا ان في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 58 *»

اقصي بلاد العالم و في بعض جزائره لايوجد واحد يقدر علي مثل فصاحة القرآن و من اين علموا ان في الارض الجديدة و بلاد لم‌يسمعوا باسمها مثلا ليس قوم يتکلمون بالعربية هم افصح من اهل مکة هب علموا ان الانس لايقدر من اين علموا ان الجن لايقدر هب علموا ان العرب لايقدر کيف علموا ان العجم لايقدر في لسانه علي فصاحة و بلاغة توازيان فصاحة القرآن و بلاغته في عربيته و ان النبي صلي الله عليه و آله لم‌يقل ائتوا بسورة عربية و کمال القرآن و اعجازه ليس في کونه عربيا بل في کونه فصيحا بليغا حاويا لعلم ما کان و ما يکون و لم‌يوضع حرف منه في موضع الا لحکمة و دلالة علي اسرار من جهات شتي کما بينا و هي کمالات خارجة عن خصوص اللغة فلو اتي احد بکلام لاطيني يکون فصاحته في لغته و بلاغته و احتوائه علي العلوم توازي القرآن لقداتي بمثل القرآن کما مر ان العسکري عليه السلام قال انه تحداهم ان يأتوا من العبري و السرياني ايضا فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان القوم عرفوا شيئا و غابت عنهم اشياء و لعمري لو کان السناد و العماد في تصديق اعجاز القرآن و ان اهل المشرق و المغرب و الانس و الجن يعجزون عن مثله قول الاعشي و وليد الکافرين الاميين الجاهلين الذين لايعرفان خيرهما من شرهما و هما غافلان عن عجائب خلق الله و فرق اهل العالم و کمالاتهم فاضعف به ايمانا و اسخف به دينا فتبين انهم لم‌يکونوا عالمين بما قالوا غافلين عن شبهات العالم و شکوکه و قالوا شيئا علي الفطرة و طباع اهل العالم التقليد فکل من قدم شيئا ينسج علي منواله الاخر فان قلت فما السناد و ما العماد و علام الاعتماد قلت علي العليم الخبير الشهيد القدير الذي خلق الانس و الجن و رفع السماء و وضع الارض و احاط بکل شيء علما و قدر کل شيء تقديرا الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و تقدم هنا کلاما مجملا لتسکين فؤادک الي ان نفصل الحق تفصيلا فاعلم ان القرآن بفصاحته و بلاغته ايضا معجز و لايقف علي حد اعجازهما احد الا الله جل جلاله و المعصوم المطهر الاتي به و النازل في بيته و الذي يعرفه سائر البشر کل واحد منهم يعرف عجز نفسه عن الاتيان بمثله و لربما لايعرف و يأتي بکلام

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 59 *»

يظن انه صار مثل القرآن ولکن علي الله ان يبعث واحدا ينبهه علي انه ناقص ليس في حد القرآن فان نبهه واحد مثله فهو و الا فجماعة من امثاله بعد الموازنة و الا فالامام المعصوم يقوم بذلک و يعرفه انه کلام ناقص ليس يبلغ حد القرآن الا تري انه رب رجل تکلم بکلام مسجع و عرف انه لم‌يصر مثل القرآن و لربما تکلم جاهل بکلام مسجع و لم‌يعرف هل ماثل القرآن ام لم‌يماثل و لرب رجل تکلم بکلام و ظن انه ماثل القرآن لجهله فاذا وقع علي فصيح عالم عرف انه لم‌يقارب القرآن و عرف ذلک الرجل عواره و نقصه و لربما يتکلم فصيح بکلام لايعرف هو و لا سائر الفصحاء نقصه عن درجة القرآن کما اعترف القائلون بالصرفة انا لانفرق بين قصار سور القرآن و افصح قصائد العرب و يصدقون علي انفسهم فاذا صدر کلام من احد و حصل الشبهة فعلي الامام و الحجة و علي الله تعالي ان يبعث واحدا او يظهر الحجة و يعرف عوار ذلک الکلام اذ ذلک فوق حد البشر و قد عجز البشر عن التمييز و علي الله البيان قال الله تعالي سأصرف عن آياتي الذين يتکبرون في الارض فنحن نعرف اعجاز فصاحة القرآن ان النبي صلي الله عليه و آله قام بين يدي الله و جاء بهذا الکتاب و تحدي العرب و العجم و الانس و الجن و عجز من سمعه عن مثله و سکت الله سبحانه الشهيد القدير العليم الحکيم عن رده و عن ان يبعث احدا يرده و يأتي بکتاب مثل کتابه فلما رأينا سکوت الله عرفنا انه صادق کما صدقنا قوله لو اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله و عجز فصحاء العرب لايدل علي عجز الجن و الانس من لدن آدم الي يوم القيمة و الجن کانوا في الدنيا قبل خلقة ‌البشر ايضا و صدقنا قوله لن‌تفعلوا و عجز عرب ذلک اليوم لايدل علي انه لايأتي احد بمثله الي يوم القيمة فکما صدقنا هذه الايات بتصديق الله الذي احاط بکل شيء علما و علم الخلق من اوله الي آخره و عرف الانس و الجن صدقنا ان القرآن بلغ فصاحته مبلغ الاعجاز و ان لم‌ندرک حده الا تري انه لو صدق فقيه مسلم عادل حکيم مؤمن ممتحن ان فلانا فقيه تتيقن انه فقيه و ان لم‌تعرف مبلغ علمه ولکن القوم سکنوا هذا السکون الي قول الوليد و قالوا انا عرفنا اعجازه بتصديق الوليد و ان لم‌نعرف حد فصاحته ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 60 *»

 الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و ان يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ماقدروا الله حق قدره و تصديق الاعشي و الوليد کبيت العنکبوت مع انه اوهن البيوت فواعجبا هل يمکن ان يحتج علي الهندي و الرومي و الترکي و الفرسي و الافرنجي و اهل الارض الجديدية بتصديق الاعشي و الوليد و يکلفوا الايمان فاذا سألوا البيان يقال لهم ان الوليد صدق فصدقوا جميعکم و الا فدمکم مباح و اهلکم سبي و اموالکم نهب فلا بالله و ان الامر اعظم من ذلک و اعظم قال في الخرائج لما کان من محمد الغالب علي قومه الفصاحة و البلاغة حتي کانوا لايتفاخرون بشيء کتفاخرهم بها جعل الله تعالي معجزته من هذا القبيل فاظهر علي يديه هذا القرآن فعلم الفصحاء منهم ان ذلک ليس من کلام البشر فآمنوا به و لذلک جاء المحضرمون و آمنوا برسول الله صلي الله عليه و آله منهم کعب بن قيس بن زهير و کعب بن زهير و جاء الاعشي و مدح رسول الله بقصيدة معروفة و اراد ان يؤمن به فدافعته قريش الي ان قال مات کافرا و جاء لبيد و آمن برسول الله و ترک قول الشعر تعظيما لامر القرآن انتهي اقول ذلک مبلغهم من العلم و ذلک غاية‌ استدلالهم و عرفت انه لايسمن و لايغني من جوع فتدبر و انصف و يأتيک ان شاء الله مزيد بيان.

الباب الخامس

و منهم من قال ان وجه اعجازه الفصاحة و النظم معا قالوا الذي يدل علي ان التحدي کان بالنظم و الفصاحة معا انا رأينا النبي صلي الله عليه و آله ارسل التحدي ارسالا و اطلقه اطلاقا من غير تخصيص يحصره او استثناء يقصره فقال مخبرا عن ربه قل لئن اجتمعت الاية و قال تعالي و ان کنتم في ريب الاية فترک القوم استفهامه عن مراده بالتحدي و هل اراد مثله في الفصاحة دون النظم او في النظم وحده او فيهما جميعا او في غيرهما فعل من سبق الفهم الي قلبه و ازال الريب عنه لانهم لو ارتابوا لسألوه و لو شکوا لاستفهموه و لم‌يجر ذلک علي هذا الا و التحدي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 61 *»

واقع بحسب عهدهم و عادتهم عندهم و معروف بينهم و قد علمنا ان عادتهم جارية في التحدي باعتبار طريقة النظم مع الفصاحة باعتبار الفن الذي يقع فيه التحدي و تفاوته في الفصاحة و لهذا لايتحدي الشاعر الخطيب بالشعر و لا الخطيب الشاعر و انما يتحدي کل انسان صاحبه بالفن المعارض حتي يأتي بمثل عروض صاحبه کمناقضة جرير و فرزدق و جرير للاخطل و هذه عادتهم جري الحکم في التحدي عليها ثم ذکر بعض الابحاث و اجوبتها ما حاصله انه و ان کانت عادة العرب کما ذکرتم في التحدي لکن لايمتنع صحة التحدي بالفصاحة و انه افهمهم قصده و اجاب بانه لو کان کذا لوجب ان ينقل الينا علي ان التحدي لو کان مقصورا علي الفصاحة لعارضوه ببعض شعرهم لانا لانعلم حق الفرق بين قصار السور و فصيح کلام العرب و هذا يدل علي التقارب المزيل للاعجاز و العرب بهذا اعلم و لهذا لايصاب في کلام العرب ما يقارب القرآن في فصاحته و نظمه انتهي اقول ان القول في ذلک کالقول في صاحبه فانه صلي الله عليه و آله لم‌يتحدهم بان يأتوا بکلامهم السابق علي زمان التحدي فيکفي ان يأتوا بما الفوه بعد سماعهم القرآن و اطلاعهم علي نظمه و لاشک ان المقدار المعروف من نظم القرآن يمکن ان يقتفي و يؤلف کلام علي نظمه فان الانسان قادر بفعله علي ما ادرک بعقله و عرف وجهه کما الف مسيلمة و سجاح و غيرهما من الناس علي نظم القرآن بحسب الظاهر و ان النظم الذي لايعرف منه فمجهول لايعلم احد انه علي حد الاعجاز ام لا فلايعرف احد من العرب و لا العجم و لا المتقدمين و لا المتأخرين حد ممکن النظم من حد اعجازه و ذلک اي ما ادعوا محض قول لا معني له و محض ادعاء و کم رأينا و سمعنا من کلام علي نظم القرآن فالقول في النظم بعينه القول في الفصاحة نعم للقرآن نظم فوق طاقة البشر من ترتيب الايات بل الکلمات بل الحروف و تقدم بعضها علي بعض و تأخر بعضها عن بعض و خواص حورفها و قواها و طبائعها و لها قرانات و اوضاع قدنطلع علي بعضها بحيث يبهر العقل فذلک فوق طاقة البشر ولکن من الذي يعرف ذلک النظم حتي يعلم انه معجز ام لا فمعرفة ان نظم القرآن معجز و لايقدر عليه احد من الانس و الجن من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 62 *»

لدن آدم الي يوم القيمة ليس من حظ العرب الاميين البدويين الجهلة‌ الغفلة عن اوضاع العالم الماشين وراء المواشي في برهم و بواديهم و آکامهم و هضابهم و لايمکن عقلاء العالم تقليدهم و حسن الظن فيهم غاية الامر انهم لماسمعوا نظم القرآن اعجبهم ذلک وراقهم و راعهم و عرفوا انه ليس بخطبة و لا شعر و لا نثر و لا نظم کالفصاحة حرفا بحرف و اما انه محال ان يخرج من فلق فم البشر مثله علي ما يعرف فلا فمعرفة اعجاز النظم شأن المعصومين سلام الله عليهم اجمعين والله هو العالم به و عليه ان يبطل کلام المبطل و يعرف عواره و يحقق الحق فانه العالم به و حججه و لعمري اعجب الامور من امر القرآن و اعظم معجزاته ما ساحکيه لک و هو ان،

الناس من حسب التمثال اکفاء                               ابوهم آدم و الام حواء

و طبائع اهل الاعصار متشاکلة و عدم عفافهم و لغوهم و هزلهم متوافقة و عرب الجاهلية معروفون في عنادهم و لجاجهم و عصبيتهم و حميتهم ثم في شربهم الخمور و هلعهم في الفجور و عدم مبالاتهم عن الکذب و الزور و الفرية و غاية الغرور و قد جاء النبي صلي الله عليه و آله بين ظهرانيهم وحيدا فريدا يتيما و لا احد يؤمن به في اول الامر و انما صدقه واحد بعد واحد و اتي بالقرآن و تحداهم به و وضع السيف علي آنافهم و البسهم الذل علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن فلم‌يقدروا علي الاتيان بمثله و ذلک سهل بل و لاقدروا ان يلغوا و يدعوا کذبا انا اتينا بمثله فيشهروه في البلاد حتي يشککوا العباد فانهم ان عجزوا عن الاتيان بالمثل لم‌يکونوا يعجزون عن ادعاء ان فلانا اتي بمثله و نحن فصحاء عرفنا انه يماثل القرآن و يساويه و يشهروه حتي يشککوا الناس بل ماقدروا ان يصدقوا کلاما معروفا ليس يساوي القرآن حمية و عصبية ابطالا لامر القرآن و اقل ما کان ينفع لهم ان يشککوا هؤلاء الذين يقلدونهم و يقتدون بهم و الشعراء و الادباء کثيرا ما يفعلون ذلک حمية و عصبية و حسدا و لاتزعم انهم کانوا عاجزين عن المقدار المفهوم من الفصاحة و النظم فلو اتوا بعبارة تشتمل علي الفصاحة بقدر المفهوم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 63 *»

و من النظم علي قدر المعلوم ثم شهروا في البلاد انا عرب فصحاء ها اتينا بمثله ثم صدق بعضهم بعضا لوقع الشبهة و الشک في الناس الي آخر الابد فان المقدار المفهوم منهما فقداتوا بمثله و غير المفهوم منهما فمجهول لايطالبون به فکان يحصل الشبهة العظيمة للجهال و کذلک في الاعصار بعدهم و قدکثر الزنادقة و تنبهوا بالشبهات و عرفوا نسج الکلام و مضامين الاسلام فلم‌يأت احد بکلام فصيح بقدر الطاقة علي نظم القرآن علي المعروف حتي يقع الشبهة في الاذهان و ان قالوا خافوا صولة الاسلام قلت کم من شعر ليس يعرف قائله و کم من کتاب ليس يعرف له مصنف فهلاکتبوا کتابا من غير نسبة الي احد و يشهروه فان غرضهم کان يحصل به اللهم الا بعض اصحاب النزق الذين خرجوا في هذه الازمان و ادعوا مقامات عجيبة و نزول الوحي عليهم و اتوا بخزعبلات تضحک الثکلي و قداحکمت امر القرآن و شيدت بنيانه حيث تحاولوا المجاراة و لم‌يقدروا عليه و تبين عجزهم عن الاتيان بما يقارب القدر المعروف من فصاحته و بلاغته بالجملة هذا الصون و صرف النفوس و العزيمات في جميع هذه الاعصار عن التعرض لما ذکرنا و عن الادعاء و عن اتيان ما يساوي المفهوم منه بل ما يقارب بل عن ادعاء انا جئنا بمثله و لو کذبا فيشهروه کمايقع کثيرا امر خارق للعادة و خلاف معتاد طبائع البشر في حقدهم و حسدهم و لهوهم و لغوهم و هزلهم و تبين بذلک معني قوله تعالي ساصرف عن آياتي الذين يتکبرون في الارض بغير الحق و معني انا نحن نزلنا الذکر و انا له لحافظون و لو کان منهم ذلک لماخفي في الدنيا مع هذه الشياطين و الاعداء و الزنادقة الساعين في اطفاء هذا النور و الادباء و الشعراء الناقلين لکل کلام فصيح و عبارة طريفة بل و غير طريفة فالصرف بهذا المعني واقع و هو خارق لعادة البشر البتة کيف لا و لم‌يسلم شيء في الدنيا عن تحاول الناس و معارضتهم و مجاراتهم و السعي في اتيان مثله و لو مع عدم ارادة ابطال امره و من باب تکميل النفس في تلک الصنعة و معارضتهم لکل شيء ان هذا الا خلاف معتاد العالم و البشر و ان هذا الا من صرف الله جل و عز و لعمري ان هذا محل تعجب فانصرف کل احد بسبب عن التعرض لمثل ذلک و ان کان و لو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 64 *»

اتي بشيء لتبين عواره و ابطل الله آثاره لان القرآن في الواقع معجز والله مظهر امره و لو کره المشرکون و عليه بيانه و اثبات حقيته و اعجازه علي اي حال و عليه رفع الشبهات و الشکوک بالحجج البينة في کل الاحوال و ليس بعجب عدم اتيانهم بمثله واقعا و انما العجب من عدم تعرضهم عن اللغو فيه و ادعاء انهم اتوا بمثله و اللبس و الخلط في الامر بل کفر من کفر جهارا و عنادا و انکر القرآن بمحض الادعاء و قول انه سحر او انه افتراء و لايمکن سد فم العدو و آمن من آمن عن معرفة بحقيته و علم بشأنه و اتبعهما من اتبعهما عن جهل بالجملة لو تدبرت فيما ذکرت لقضيت العجب مما نبهت.

الباب السادس

و منهم من قال ان اعجاز القرآن النظم المخصوص و يشعر هذا القول بان فصاحته و بلاغته ليستا بمعجزتين نعوذ بالله و قالوا الذي يجب ان يعلم في العلم باعجاز النظم هو ان يعلم مباني الکلام و اسباب الفصاحة في الفاظها و کيفية ترتيبها و تباين الفاظها و کيفية الفرق بين الفصيح و الافصح و البليغ و الابلغ و يعلم مقادير النظم و الاوزان و ما به يتبين المنظوم من المنثور و فواصل الکلام و مقاطعه و مباديه و انواع مولفه و منظومه ثم ينظر فيما اتي به حتي يعلم انه من اي نوع هو و کيف فضل علي ما فضل عليه من انواع الکلام حتي يعلم انه نظم مباين لسائر المنظوم و نمط خارج عن جملة ما کانوا اعتادوه فيما بينهم من انواع الخطب و الرسائل و الشعر و المنظوم و المنثور من الرجز و المخمس و المزدوج و العريض و القصير فاذا تأملت ذلک و تدبرت مقاطعه و مفاتحه و سهولة الفاظه و استجماع معانيه و ان کل لفظ منها لو غيرت لم‌يمکن ان يؤتي بدلها بلفظة هي اوفق من تلک اللفظة و ادل علي المعني منها و اجمع للفوائد و الزوائد منها و اذا کان کذلک فعند تأمل جميع ذلک يتحقق ما فيه من النظم اللائق المباين و المعاني الصحيحة التي لايکاد يوجد مثلها علي نظم تلک العبارة و ان اجتهد البليغ و الخطيب اقول قد نسجوا عبارات و قالوا کلمات و ما ادري هل فهموا ما قالوا ام لا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 65 *»

هل فهموا بانفسهم اعجاز نظم القرآن و عرفوا من النظم ما هو حد البشر و منه ما هو فوق حد البشر و هل عرفوا ما هو حدا الانس والجن و ما هو فوق ذلک ام لا نعم قالوا ما قالوا و لاشک ان نظم القرآن معجز و انما الکلام في ان مقدار ما يعرفون منه و عرفه کعب بن زهير و صدق هل هو امر يعرف انه فوق حد البشر و الانس و الجن ام لا و کل من راجع نفسه و استقضي قلنسوته کما في المثل عرف انه لايفرق بين حد البشر من النظم و بين حد المعجز نعم هو معجز و کل احد غاية ما يعرفه عجز نفسه و خطاء من يدعي انه اتي بمثله و هذا هو الغاية في فهم العباد قالوا و في نظم القرآن خواص اولها خروج نظمه عن سائر اسباب المنظومات فلماعدم وجود شبه القرآن من انواع المنظوم انقطعت اطماعهم عن معارضته و الثانية هي الروعة التي في قلوب السامعين الثالثة انه لم‌يزل غضا طريا الرابعة انه في صورة کلام هو خطاب لرسوله تارة و لخلقه اخري الخامسة مايوجد في جمعه فان له صفتي الجزالة و العذوبة و هما کالمتضادين و السادسة ما وقع في اجزائه من امتزاج بعض انواع الکلام ببعض و عادة ناظمي البشر تقسيم معاني الکلام و السابعة ان کل فضيلة بنفسها تأسيس اللغة في اللسان العربي هي موجودة في القرآن و الثامنة وجود التفاضل بين اجزائه من السور و بين بعض فالسورة الحسنة تظهر بين المختلفات کما في التورية کلمات عشر يشتمل علي الوصايا يستحلفون بها لجلالة قدرها و کذا في الانجيل اربع صحف و کذا في الزبور تحاميد و تسابيح يقولونها في صلوتهم و التاسعة وجود ما يحتاج العباد الي علمه من اصول دينهم و فروعه من التنبيه علي طرق العقليات و اقامة الحجج علي الملاحدة و البراهمة و الثنوية و المنکرة للبعث و القائلين بالطبائع باوجز کلام و ابلغه و فيه من انواع الاعراب و العربية و الحقيقة و المجاز و الناسخ و المنسوخ و هو مهيمن علي جميع الکتب المتقدمة و العاشرة وجود قوة النظم في اجزائه کلها حتي لايظهر في شيء من ذلک تفاوت و لا اختلاف و له خواص سواها کثيرة و قال فان قيل فهلا کانت الفاظ القرآن بکليتها مؤلفة من مثل الالفاظ الموجزة التي اذا وقعت في الکلام زادته حسنا ليکون کلام الله علي النظم الافضل الاحسن اذا کان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 66 *»

لايعجزه شيء عن بلوغ الغاية کما يعجز الخلق عن ذلک الجواب ان هذا يعود الي انه کيف لم‌يرتفع اسباب التفاضل بين الاشياء حتي يکون کلها سببا واحدا متشابه الاجزاء و الابعاض و کيف فضل بعض الملئکة علي بعض و متي کان کذلک لم‌يوجد اختلاف بين الاشياء يعرف به الشيء و ضده علي انه لو کان کلام الله کله کما ذکر لخرج في صورة‌المعمي الذي لايوجد له لذة البسط و الشرح و لو کان مبسوطا لم‌يبن فضيلة الراسخين في العلم علي من سواهم ثم انه تعالي حيکم علي ان الطائفة المبعوث اليهم انما هو في النمط الذي انزله فلو کان علي ترکيب آخر لم‌يکن لطفا بهم انتهي و کان الکتاب مغلوطا و الخطب فيه سهل فان هذه الادلة صحيحها و غلطها سواء و هي کماتري و لسنا بصدد بيان عيوبها و ردها و انما ذکرناها لتحيط بمبالغ العلم خبرا بالجملة القول في النظم کالقول في الفصاحة منفردة و مع النظم و قدمر مشروحا.

الباب السابع

و منهم من قال ان وجه اعجاز القرآن من حيث کانت معانيه صحيحة مستمرة علي النظر موافقة للعقل و ما اوهن هذا الوجه اليس جميع کلمات العلماء او کثير منها معانيها صحيحة موافقة للعقل فاذا امکن مثلها و ما عجز الانس و الجن عن الاتيان بمثلها و يسع الناس ان يأتوا ببعض احاديث الانبياء و الاولياء و يقولوا هذا مثل القرآن فان معانيها صحيحة و لم‌يتحد النبي صلي الله عليه و آله ان يأتوا بمؤلف منهم بل من اي شخص کان من المتقدمين و المتأخرين بل اليس يسع احدا من العلماء بل و غيرهم ان يأتوا بعبارة بقدر سورة‌الکوثر تکون صحيح المعني في التوحيد او فضل احد من الانبياء او في شيء من قصصهم او في شيء من خلق السماء و الارض و العبارة التي يقول هذا المدعي في بيان مطلبه هذا ان کان صحيح المعني فقداتي بمثل القرآن اذا و ان کان باطلا فيکون اختياره في هذا الباب باطلا و لو قال اعجازه انه يشتمل علي علم ما کان و ما يکون مع صغر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 67 *»

حجمه و يعلم صدق مدعاه بتصديق الله الذي ما کذبه و قدادعي ذلک بمرءي منه و مسمع لکان صحيحا مطاعا کما سنذکره.

الباب الثامن

و منهم من قال ان وجه اعجاز القرآن من حيث زال عنه الاختلال و التناقض علي وجه لايجري العادة بمثله و قداراد هذا القائل ان يستنبط الوجه من قوله تعالي لو کان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا کثيرا و ما اصاب المعني و لاعرف المراد الا يوجد في الدنيا من مبدئها الي منتهاها کلام بقدر سورة الکوثر ليس فيه اختلال و تناقض فان قيل لايوجد فقدقيل شططا و ان قيل يوجد فقدحصل مثله في العالم فکيف لم‌يجر العادة بمثله و ايضا کلام هذا القائل ان کان مختلا متناقضا فلاحجة فيه و ان کان بلا اختلاف و تناقض فقداتي اذا بمثل سورة من القرآن. و عن الرازي ذکروا في تفسير سلامته من الاختلاف ثلثة اوجه حاصلها الاول قال ابوبکر الاصم ان النبي صلي الله عليه و آله کان يخبر المنافقين حالا بعد حال عن سرائر امورهم فقال الله لو کان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا کثيرا يعني في الاخبار عن السرائر الثاني و هو مذهب اکثر المتکلمين ان القرآن کتاب کبير مشتمل علي انواع العلوم فلو کان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا کثيرا الثالث ما ذکره ابومسلم الاصفهاني ان المراد الاختلاف في رتبة الفصاحة فان الانسان و ان کان في غاية‌البلاغة اذا کتب کتابا کبيرا لابد و ان يظهر التفاوت في کلامه. اقول کل هذه ليس بشيء فان النبي صلي الله عليه و آله تحدي الناس باتيان سورة و اقصرها الکوثر اليس يمکن لانسان ان يأتي بسورة بقدر الکوثر و يکون خاليا عن الاختلاف في خبر فيه او في معني علمي يشتمل عليه او في فصاحته فتبين ان اقوالهم في معني الاية ليست بشيء و اما المراد من الاية فهو انه لو کان القرآن مفتري علي الله سبحانه لکان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 68 *»

يستحق من الله الابطال و ان يضربه الله بالاختلاف و الاختلال الکثير حتي يعلم کل ناظر انه باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و انه لايکون تنزيلا من الله العزيز الحميد و ذلک لماقدمنا من سر التسديد فلو کان القرآن من عند غير الله لکان نعوذ بالله مفتري و المفتري به کافر منافق مشرک ظالم بعيد من الله مبدء کل خير و نور و وحدة و اتساق و کمال و صحة و دوام و ثبات و کان يستحق بذلک اضداد ذلک فکان يضربه الله باضداد ذلک فکانوا يجدون فيه اختلافا کثيرا کما ارانا الله آية ذلک في عصرنا من خروج رجل متلبس خرج اولا بانه نقيب ثم ادعي الامامة ثم النبوة ثم الالوهية و اتي بکتاب زعم انه افضل من القرآن و ان الجن و الانس لو اجتمعوا لم‌يأتوا بمثله و انه في مقام النقطة و محمد صلي الله عليه و آله في مقام الالف علي ما حکي عنه و ضربه الله بالاختلاف الکثير في کتابه و اقواله و افعاله و ابان عن جهله و خرج کتابه باغلاط و اختلاف کثير و لو صنف رجل کتابا علي نظمه و لم‌يدع انه من عند الله لکان يأتي به خاليا من الاغلاط الظاهرة اقلا و لعله خلي من الاغلاط الباطنة ايضا فان العلماء دائما يکتبون الکتب و هي خالية من الاغلاط و ان وجد فيها سهو فقليل و ان الله سبحانه ضرب ذلک الرجل باختلافات و اغلاط لاتکاد تحصي و ذلک لاجل انه نسب نفسه الي الله و ادعي ان کتابه وحي و تنزيل ففضحه الله علي رؤس الاشهاد و بين عواره و خطاءه بالجملة معني الاية ان القرآن لو کان من عند غير الله لکان مفتري و المفتري به مفسدا و ان الله لايصلح عمل المفسدين و يحق الله الحق بکلماته و يبطل الباطل فلکان يضربه الله بعلامات البطلان و الفساد و منها الاختلاف و الاختلال فالقرآن حينئذ ليس هکذا بل هو کتاب لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه يدعو الي الله و الي تصديق کتبه و رسله و البر و العمل الصالح و ليس فيه اختلاف و ما يري فيه من الاختلاف فلاجل انه کتاب علم و کتاب عالم و فيه مشکلات و محکم و متشابه و ناسخ و منسوخ و عام و خاص و ليس ادراکه مشرعة کل خائض کما ذکر الزنادقة بعض اختلافاته و اجاب الائمة عليهم السلام و العلماء منها فالقرآن بعدم اختلافه علم انه من عند الله و ليس معني ان کل کتاب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 69 *»

ليس بتنزيل الله و کان من تصنيف البشر وجب ان يکون فيه اختلاف کثير اليس يوجد في الدنيا کلام متعارف بقدر سورة الکوثر ليس فيه اختلاف و تناقض فلو اتي بکلام بقدر سورة‌ الکوثر و ادعي انه من الله و اراد الافتراء علي الله لکان علي الله ان يمده من حيث استمد و ان يبعده کما ادبر و يضربه بعلامات الباطل و الاغلاط و النقائص و الاختلافات حتي يتبين انه ليس بتنزيل عليم حکيم قادر.

و معني آخر للاية ان يراد بالاختلاف التردد و المراد ان القرآن لو کان من عند غير الله لکان مشرعة لافهام کثيرة مثل سائر کتب البشر فانها تکون مشرعة امثالهم و يردها افهام کثيرة فلو کان القرآن من عند البشر لاحاط امثال مصنفه بمعانيه خبرا و الحال ان القرآن لايعلم تأويله الا الله و الرسول المتعلم من الله و الراسخون المتعلمون من الرسول و ليس حظ غيرهم.

الباب التاسع

و منهم من قال وجه اعجازه انه يتضمن الاخبار عن الغيوب و هذا القول منهم کالصريح في ان مثله في الفصاحة و البلاغة و النظم ممکن الا ان اعجازه لانه يتضمن الاخبار عن الغيوب فاذا الاخبار عن الغيوب معجز اينما حصل فلادخل للقرآن في الاعجاز فمن اخبر عن غيب فقداتي بمثل القرآن بالجملة هذا القول ساقط في الاقوال و ان کان من وجوه اعجاز القرآن انه اخبر فيه بالغيب.

الباب العاشر

و منهم من قال وجه اعجازه ان تاليف القرآن و نظمه معجزان لان الله تعالي اعجز عنهما بمنع خلقه و قدکان يجوز ان يرتفع فيقدرون عليه لکن محال وقوعه منهم الي آخر اقوالهم و هذا کالقول الاول في الفساد فلو تدبرت في هذه الاقوال لرأيت اکثرها قولا بانه يمکن للخلق ان يتکلموا بفصاحة مثل فصاحة القرآن بالجملة هذا القول ايضا کالقول بالصرفة و قدمر الکلام فيها و ذلک مبلغهم من العلم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 70 *»

و عن النيشابوري في تفسيره انه قد ذکر في کون القرآن معجزا طريقين الاول اما ان يکون مساويا لکلام سائر الفصحاء او زائدا عليه بما لاينقض العادة او بما نقضها الاولان باطلان لانهم مع کونهم ائمة الفصاحة تحدوا بسورة منه مجتمعين او منفردين ثم لم‌يأتوا بها مع انهم کانوا متهالکين في ابطال امره حتي بذلوا النفوس و الاموال و ارتکبوا المخاوف و المحن و کانوا في الحمية و الانفة الي حد لايقبلون الحق کيف الباطل فيتعين القسم الثالث. الثاني ان يقال ان بلغت السورة المتحدي بها في الفصاحة الي حد الاعجاز فقدحصل المقصود و الا فامتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم الي توهين امره معجز فعلي التقديرين يحصل الاعجاز فان قيل و ما يدريک انه لن يعارض في مستقبل الزمان و ان لم‌يعارض الي الان قلت لانه لا احتياج الي المعارضة اشد من وقت التحدي والا لزم تقرير المشبه للحق و حيث لم‌يقع المعارضة وقتئذ علم ان لامعارضة و الي هذا اشار سبحانه بقوله و لن تفعلوا و اعلم ان شأن الاعجاز لايدرک وصفه و من فسر الاعجاز بانه صرف الله تعالي البشر عن معارضته او بانه هو کون اسلوبه مخالفا لاساليب الکلام او بانه هو کونه مبرءا عن التناقض او بکونه مشتملا علي الاخبار بالغيوب و بما ينخرط في سلک هذه الاراء فقدکذب ابن اخت خالته فانا نقطع ان الاستغراب من سماع القرآن انما هو من اسلوبه و نظمه المؤثر في القلوب تأثيرا لايمکن انکاره لمن کان له قلب او القي السمع و هو شهيد ثم انه اجتمع في القرآن وجوه کثيرة تقتضي نقصان الفصاحة و مع ذلک فانه بلغ في الفصاحة النهاية فدل ذلک علي کونه معجزا منها ان فصاحة العرب اکثرها في وصف المشاهدات کبعير او فرس او جارية او ملک او ضربة او طعنة او وصف حرب و ليس في القرآن من هذه الاشياء مقدار کثير و منها انه تعالي راعي طريق الصدق و تبرأ عن الکذب و قدقيل ان احسن الشعر اکذبه و لهذا فان لبيد بن ربيعة و حسان بن ثابت لما اسلما و ترکا سبيل الکذب و التخيل رک شعرهما و منها ان الکلام الفصيح و الشعر الفصيح انما يتفق في بيت او بيتين من قصيدة و القرآن کله فصيح بکل جزء منه و منها ان الشاعر الفصيح اذا کرر کلامه لم‌يکن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 71 *»

الثاني في الفصاحة بمنزلة‌الاول و کل مکرر في القرآن فهو في نهاية الفصاحة و غاية الملاحةٰ

اعد ذکر نعمان لنا ان ذکره                          هو المسک ما کررته يتضوع

و منها انه اقتصر علي ايجاب العبادات و تحريم المنکرات و الحث علي مکارم الاخلاق و الزهد في الدنيا و الاقبال في الاخرة و لايخفي ضيق عطن البلاغة في هذه المواد و منها انهم قالوا ان شعر امريء القيس يحسن في وصف النساء و صفة الخيل و شعر النابغة عند الحرب و شعر الاعشي عند الطرب و وصف الخمر و شعر زهير عند الرغبة و الرجاء و القرآن جاء فصيحا في کل فن من فنون الکلام و منها ان القرآن اصل العلوم کلها کلعلم الکلام و علم الاصول و علم الفقه و اللغة و الصرف و النحو و المعاني و البيان و علم الاحوال و علم الاخلاق و ما شئت واما قوله فان لم‌تفعلوا و لن تفعلوا فانه يدل علي اعجاز القرآن و صحة نبوة محمد صلي الله عليه و آله من وجوه احدها انا نعلم بالتواتر ان العرب کانوا يعادونه اشد المعاداة و يتهالکون في ابطال امره و فراق الاوطان و العشيرة و بذل النفوس و المهج منهم من اقوي ما يدل علي ذلک فاذا انضاف اليه مثل هذا التقريع و هو قوله فان لم‌تفعلوا و لن‌تفعلوا فلو امکنهم الاتيان بمثله لاتوا به و حيث لم‌يأتوا به ظهر کونه معجزا و ثانيها انه صلي الله عليه و آله ان کان متهما عندهم فيما يتعلق بالنبوة فقدکان معلوم الحال في وفور العقل فلو خاف عاقبة امره لتهمة فيه حاشاه عن ذلک لم‌يبالغ في التحدي الي هذه الغاية و ثالثها ان لم‌يکن قاطعا بنبوته لکان يجوز خلافه و بتقدير وقوع خلافه يظهر کذبه فالمبطل المزور لايقطع في الکلام قطعا و حيث جزم دل علي صدقه و رابعها ان قوله و لن تفعلوا و في لن تأکيد بليغ في نفي المستقبل الي يوم القيمة اخبار بالغيب و قدوقع کما قال لان احدا لو عارضه لامتنع ان لايتواصفه الناس و يتناقلوه عادة لاسيما و الطاعنون فيه اکثف عددا من الذابين عنه واذا لم‌تقع المعارضة الي الان حصل الجزم بانها لاتقع ابدا لاستقرار الاسلام و قلة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 72 *»

شوکة الطاعنين انتهي و لعمري انه کلام منحل الزمام مختل النظام متناقض مختلف يخالف بعضه بعضا و العمر اعز من ان نصرفه في اظهار عيوب کلمات الناس و انما ذکرت ذلک لتحيط بافهام الناس و اقوالهم و آرائهم و مقادير افهام السابقين و اس امورهم و لما فيه من بعض المدح للقرآن و ليس يفهم شيء منه اعجاز القرآن و خروجه عن حد البشر و الجن من الاولين و الاخرين و ليس يدل عجز العرب علي اعجاز القرآن الا علي ما ذکرنا و سنذکره و انما يدل عجزهم علي قصور درجتهم و عجزهم لا غير و اما انه ليس في المغرب و المشرق و لم‌يکن من عهد آدم عليه السلام الي يومه و لايکون الي يوم القيمة من يأتي بمثله بدليل عجز العرب فلا و رب الکعبة الا من حيث ذکرنا و نذکره و هذه جملة من الاقوال و الانظار و الخيالات و الافکار من العلماء اطلعنا عليها ذکرناها لتحيط بها علما و قدحان لنا ان نذکر ما عندنا و ان کنا ذکرنا شطرا منه.

الباب الحادي‌عشر

اعلم انه لاشک و لاريب في ان الله سبحانه سميع يسمع جميع اقوال صنوف خلقه بصير بظواهرهم و بواطنهم عليم بشهاداتهم و غيوبهم حکيم في صنعه و ايجاده لايلغي و لايعبث و خلق الخلق لغاية تصل اليهم لغناه المطلق و تلک الغاية الوصول الي الحيوة الابدية و النعيم السرمدي و الهيمنة و الاستيلاء و اية الربوبية علي جميع ما هو دونه فجعل هذه القوة فيهم و الا لم‌يصلوا اليها و احتاجوا الي من يخرج تلک القوة من کمونهم الي شهودهم و يجعلها بالفعل کما جعل قوة الکون و العين في الامکان و استخرجها بوجود کامل مکمل قوي و هو المشية الکونية فکذلک لماخلقهم صالحين لان ينالوا تلک الغاية کانوا امکانها و احتاجوا الي وجود کامل مکمل قوي يرجح تلک القوة الکامنة و يخرجها الي عرصة ‌الفعلية و هو المشية الشرعية و هو وجود الانبياء و الاولياء فلولاهم لم‌يخرج قوة سعادة من کمون احد من الخلق لضعفها بل کونها معدوما بالنسبة الي الفعلية فبعث الرسل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 73 *»

و انزل الکتب و شرع الشرائع و سن السنن و هيأ لهم اسباب اخراج تلک القوة و تلک الرسل لما کانوا مشية الله الشرعية و الوجود الکامل المکمل و الشرع هو غاية الکون و مقدم عليه و ان تاخر ظهورا و کانوا هم الواسطة بين الله و بين خلقه و اقرب الخلق الي الله و لهم جهة الي ربهم و جهة الي الخلق وجب ان يصدر عنهم افعال ربوبية و افعال الربوبية يعجز عنها البشر و الخلق لامحالة و يصدر عنهم افعال عبودية لوجود جهة الي انفسهم و الي الخلق و تلک الافعال اي افعال الربوبية بينة علي وجود جهة الربوبية فيهم بالفعل کما ان افعال العبودية منهم بينة علي وجود جهة العبودية فيهم بالفعل فهم يشترکون سائر الخلق في افعال العبودية و يفارقونهم في افعال الربوبية فهم من حيث الرب اصحاب معجزات کل منهم علي حسبه و من حيث النفس اصحاب عبودية و من حکمته جعل سبحانه لکل شيء في ملکه اثرا لانه لو لم‌يلق مثال مشيته في هوية القوابل الامکانية لم تکوّن و ان القي انصبغ فيها علي حسبها و خرج عنها کما هي فجعل لاجل ذلک لکل شيء اثرا فالشيئان لهما اثران لامحالة فان قل امتيازهما قل امتياز اثرهما و ان کثر امتيازهما کثر امتياز اثريهما البتة حتي اذا قاما علي طرفي النقاضة باين اثراهما مباينة تامة لانهما لايجتمعان في صفة فلايجتمع اثراهما ايضا في صفة فلايکاد يشتبه اثر احد النقيضين بالاخر کما لايشتبه النقيضان البتة فلايستوي الاعمي و البصير و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور و لا الاحياء و لا الاموات و لا الذين يعلمون و الذين لايعلمون و لا العاقل و المجنون و لا المؤمنون و الفاسقون ابدا ابدا و کما تباين ذواتهم تباين صفاتهم و افعالهم و آثارهم قدالزم الله کلا من الفريقين عمله و کل انسان الزمناه طائره في عنقه قل انما طائرکم معکم فالانبياء هم اقرب الخلق الي الله و هم اهل الحق کلامهم نور و امرهم رشد و وصيتهم التقوي و فعلهم الکرم و عادتهم الاحسان و سجيتهم الخير و فعلهم البر و قولهم الصدق عليهم وقار الحق و سکينة من الرب فالنبي عامل بالجد مجتنب عن الهزل زاهد عابد عامل بما يأمر منته عما ينهي بکاء ذو کآبة و حزن قائم الليل صائم النهار يتناثر العلم من جوانبه و يتشعشع الحق من محياه و اما اهل الباطل فهم ابعد الخلق عن الله و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 74 *»

اجهلهم بالله و بکتبه و برسله و هم فساق فجار ذووا غدر و مکر و ذووا نزق و خرق حرصاء في الدنيا غير راغبين في الطاعة يتناثر الجهل من جوانبهم و يظهر الحمق من فحاوي کلامهم يعجزون عن اکثر الصواب و يستعينون بالاصحاب قهرا و يستعلمونهم و يستقيلونهم يکثرون العثار و اقبح الاعتذار يتخذون لانفسهم ولائج يطلعونهم علي سريرتهم فلايشتبهان ابدا ابدا و لعمري دعوي الاشتباه من اعظم الاباطيل و الاضاليل و ان هو الا تهاون بالحق و تدبير في الفرار عنه و جميع هذه الاثار من الفريقين بالزام الله کل قوم اثرهم و جعله لکل شيء اثرا و قل الله خالق کل شيء. والله خلقکم و ما تعملون فالله سبحانه لايدع اهل حق الا و يظهر علامة صدقه في اي درجة کانوا نبيا او وصي نبي او مؤمنا بل لايدع شيئا حقا الا و يجعل له علامات و آثارا دالة علي کونه حقا و لايدع اهل باطل بل و لاشيء باطل الا و يظهر علامة کذبه و خطائه و انقطاعه عن الله في اي درجة کان عدو نبي او عدو وصي او عدو مؤمن او شيء باطل کائنا ما کان بالغا ما بلغ فلايستوي الظلمات و لا النور ابدا و کل باطل من الظلمات و کل حق من النور فاني يشتبهان والله من بديع حکمته الزم کل شيء اثره لايقدر علي مفارقته و ان کان في بعض الناس خلط عرضي نوراني و ظهر منهم آثار نورية فانما لهم ذوات ظلمانية و لها آثار ظلمانية و الذاتي يغلب العرضي البتة‌ و لايبقي آثار خلطه العرضي خالصا و تکون ممتزجة بظلمات ذاتيته مع غلبة ظلمات ذاتيته و هيهنا يفتتن من يفتتن و يمتحن من يمتحن الا ان الامتحان هذا يکون في درجة المؤمنين و اضدادهم و اما الانبياء فهم خالصون عن الاعراض المشبهة و کذا اعداؤهم خالصون عن الاعراض المشبهة و انما الداء العضال في مقام المؤمنين و سائر الاشياء و الاخبار و الاحکام الحقة و الباطلة فهنالک يهلک من يهلک عن مستمسک و ينجو من نجي عن مستمسک بالجملة ان الغرض ان الله سبحانه الزم کل شيء اثره فالزم المعجز و صاحبه الذي هو من عنده اثره و الشعوذة و السحر و الحيلة و اصحابها آثارها و علي الله سبحانه ابطال الباطل و احقاق الحق و اما الخلق الضعيف فما علمهم بحقيقة الاعجاز و السحر و الشعوذة و الحيلة و ما علمهم بصنوف علوم العالم و عجائب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 75 *»

الخلق و الخواص و الغرائب و ما علمهم بانه لا احد في اقصي بلاد العالم و ابعد جزائره من البشر يقدر علي ذلک و کيف يمکن من رأي الاثار العجيبة من الخلق و من الاشياء ان يتيقن ان ذلک من النبي معجزة و ان العلماء المستدلين ببعض الادلة القائلين ببعض الاقوال غافلون عن صنوف علوم العالم و آثارها و غرائب اعمالها بحيث يتحير الالباب في معناها و غافلون عن مبالغ خواص الرياضات و آثارها و عن منتهي ترقيات النفوس و استيلائها علي عالم الاجسام و لذلک ينقل اتباع کل مرتاض و مرشد من متبوعه انواع اشباه خوارق العادات فان بنينا ان نکذب امة من الناس يحکون عن مرشدهم شيئا لاتسع الخرق و لجاز تکذيب المسلمين في رواياتهم و نقلهم المعجزات بل يحصل القطع من تواترهم کما يحصل القطع من تواتر المسلمين ولکن العلماء معذورون لعدم احاطتهم بالعلوم الغريبة و آثارها و عجائبها و عدم اطلاعهم بالحيل و الشعوذات و لرب شيء لو رأوها لظنوا انها معجزة لولا حفظ الله بالجملة العاقل الفطن الذي طالع کتب اهل الملل و سيرهم و رواياتهم و اطلع علي العلوم و التدبيرات و لو اجمالا يشک في کل ما رأي فان الشيطان لم‌يدع صورة حق في جانب الحق و عليين الا و قدنسج علي منواله صورة باطل في جانب الباطل و سجين فيمکن لاهل الباطل ان يأتوا بمثل کل صورة حق الا ان الله المطلع علي الحقائق الملزم کل شيء اثره هو الذي تکفل اظهار ذلک و عليه بيانه و تعريفه و تمييز الحق من الباطل و اظهار اثر کل واحد بحيث يعرف کل من نظر و ابصر و طلب الحق و تفکر الحق من الباطل و المحلي من العاطل و ذلک حتم في الحکمة لايتخلف و لو تخلف لبطل الاحتجاج و سوي الباطل بالحق و اني لاقدر ان اذکر صنوف عجائب اهل الباطل الي اين وصل حدهم و الي اين بلغ مقامهم و ان الرجل منهم علي ما قيل بلغ في باطله و رقيه و عزائمه مقاما يصب الماء علي يديه و يسقيه المحموم فيبرأ و يرسل الي الجراد ان ارجعي فترجع و قيل و العهدة علي الراوي ان رجلا کان يعد ان يأتي القوم لثلث ساعات مضت من الليل فيتأخر عمدا الي الخمس فيعاتبونه علي خلفه الوعد فيقول ما خالفت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 76 *»

وعدي اخرجوا مقاديرکم فيخرجون مأة مقدار صحيح العمل کلها علي ثلث و يري عساکر في الهواء و يخرج في دقيقة واحدة من جميع ابواب البلد فيأتي الخبر من جميع الابواب ان فلانا خرج في الدقيقة الفلانية و منهم من يشمون علي الماء و يطوون الارض و يدخلون النار و لايحترقون فاذا بلغ الامر هذا المبلغ و تضافرت الرواية لم‌يبق للخلق الضعيف الا الاعتصام بالله و الرکون الي تصديق الله حتي اذا قيل له علي الصراط ءآلله اذن لکم ام علي الله تفترون يقول انت اذنت لي و اني صدقتک حيث کنت انا الجاهل بالغيب و بواطن الامور و انت العالم القادر العادل الحکيم فهو قام بين يديک و ادعي نسبته اليک و ان ما يفعله فعل ربوبية و انت اجريت علي يديه مدعاه و سکتّ عنه و انت الرب القادر العليم العادل فاني سکنت الي تصديقک و عملت برضاک و لذلک احتج جميع الانبياء علي صدقهم بشهادة الله و علمه و عدم اصلاحه عمل المفسد و احقاقه الحق و ابطاله الباطل و عدم اغرائه الي الضلال و قدذکرنا شواهد ذلک في کتابنا المبسوط علم اليقين فخذ به و کن من الشاکرين. و من المعجزات القرآن الذي بعث النبي علي اهل المشرق و المغرب في اختلاف السنتهم و جاء به معجزا و استدل به علي نبوته و ادعي فيه عجائب منها ان فيه تبيان کل شيء و تفصيل کل شيء لا رطب و لا يابس في العالم الا و قدشرح فيه و فيه تصريف کل مثل بحيث لم‌يفرط فيه من شيء و هذا مما لايمکن تصديقه من غير فهم لاحد الا بضم امر آخر و هو ما نحن بصدده من التقرير و منها انه لو اجتمعت الانس و الجن من لدن آدم الي يوم القيمة علي ان يأتوا بمثله لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا يصحح کل واحد غلط الاخر و ينبه سهوه و يعلم جهله و يوقفه علي خطائه و يتفکرون مدي اعمارهم و لو عمروا عمر العالم کل ذلک لاطلاق القول و هذا مما لايعرف و لايمکن تصديقه الا بامر آخر و هو ايضا ما نحن بصدده من امر التقرير و من الذي يعرف ذلک انه يکون کذا الا الله و اني للعرب اهل الجاهلية الغفلة عن اوضاع العالم غير المفارقين جزيرتهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 77 *»

معرفة ذلک و کيف لغيرهم ان يعرف انهم لم‌يغتروا بجهلهم و هم يومئذ اهل مکة و المدينة و من حولهما من اهل البوادي الذين هم اتباع کل ناعق لايعرفون الهر من البر و نري اضعافهم قداغتروا من سائر الفرق فصدقوا لرجل من اهل الباطل بالاعجاز و رووا له روايات و ايم الله من اراد ان يعرف صدق القرآن بتصديق العرب انه لفي اوهن ايمان و اضعف ايقان و اني افصل العرب لک تفصيلا فمنهم اهل المواشي و الخيام و سکنة البر کالانعام مرة و کالسباع اخري يغير بعضهم علي بعض و يسرق بعضهم بعضا سفاکون للدماء قطاعون للطرق فهم لايعرفون الهر من البر و ان هم في عربيتهم الا کسائر بداوي العجم في عجميتهم اني علمهم بالکتب و المطالب و الحق و الباطل لايعرفون الا الشيح و الارض و الماء و الجبال و الاکام و الهضاب و الابل و الغنم و ان هم الا کبهائم رتع بل هم اضل فتصديقهم لايجدي لعاقل شيئا و اما اهل القري فالزراع و اکرة النخل منهم کاهل البوادي لايعرفون هرا من بر و لا عبرة بتصديقهم و اني لهم العلم بمقدار حد البشر في الفصاحة و البلاغة و قدتحير علماء الامصار في ذلک و اما اهل البلد و هم يومئذ اهل مکة و المدينة و لعل بعض الغرباء من سائر البلاد فيهما فاما اهل السوق و الحمالون و الکناسون و اهل الخانات منهم فما علمهم بالحق و الباطل و حد قدرة‌البشر و غيره و عدم اختلاف القرآن في مطالبه العلمية و ما علمهم بحدود الفصاحة و البلاغة و هم لايعرفون مقام شعر الشعراء و خطبة الخطباء فکيف يعرفون ان القرآن فوق حد البشر حتي يعتبر تصديقهم و کثير منهم يهود و نصاري قليلوا العلم بالعربية قليلوا الاطلاع بحدودها فهم ايضا بعيدون عن هذا المقام و لايعتبر قولهم و عجزهم بقي من کان منهم من اهل حل و عقد و رأي و عزم فالکهنة و السحرة و المنجمون و الاطباء و غير اهل الادب منهم بعيدون عن نيل معرفة القرآن و لايعتبر تصديقهم فان في کل فن يعتبر تصديق اهل الفن و لو تنازع شاعران في شعر او خطيبان في خطبة لم‌يتحاکما ابدا الي منجم و لا کاهن فکيف صار تصديقهم حجة علي اهل المشرق و المغرب بقي الشعراء منهم و الخطباء الفصحاء و هم يومئذ اقل عددا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 78 *»

من جميع الفرق التي عددتها فان في کل عصر من يکون مسلما تصديقه و کلامه و يحکم علي السائرين في کل بلد واحد او اثنان لايزيدون علي ذلک و انا افرض انه کان في مکة و المدينة خمسون شاعرا و خطيبا يعتني بشعره و خطبته و يعد في المعتبرين و لا اظن و لا کل من يقدر علي شعر يعتبر عقله و يوزن به عند الاختلاف فبين هذه الخمسين افرض ان ثلثة منهم او اربعة او عشرة کانوا ممن يتحاکم اليه فبعد ذلک کله ليس القرآن بشعر يتحاکم فيه الي شاعر و لا خطبة يتحاکم فيه الي خطيب و قانون التحاکم بين العرب و العجم ان لايتحاکم في الخطب الي شاعر و لا في الشعر الي خطيب ليس الشعر من فنه و لا في الرسائل الي خطيب و لا شاعر و ليس القرآن باعتراف الکل بشعر و لا خطب و لا رسالة و لم‌يکن فصحاء العرب يومئذ الا من هذه الاصناف و هم جهال بالعلوم و الحکم و اخبار الماضين و سنن المرسلين و جهال ببلاد العالم و جزائره و اطرافه و لعل في البحر جزيرة للعرب و فيه قوم عرب هم افصح من اهل مکة و ابلغ و هم لايعلمون و لعل من تقدم عليهم لو سمع القرآن او من تأخر ادعي انه يأتي بمثله فکيف يعتبر تصديق نفوس خمسة و ستة او عشرة من الذين ليسوا من اهل في القرآن في القرآن و يجب علي اهل المشرق و المغرب ان يطيعوا هؤلاء النفر هب غاية ما يعلمه هؤلاء عجز انفسهم عن الاتيان بمثله و اما انه هل الفصاحة لها حد يعرف منه حد البشر و الخارق لعادتهم ام لا فليس معرفته من شأنهم فان علماء الاسلام بعد التنبه في هذه المسألة مختلفون و لم‌يعرفوا حقيقته فکيف يعرف ذلک شاعر جاهل بسنن المرسلين و افعال الله و افعال الخلق و کيف جاز تقليده لجميع علماء الاعصار و الامصار و ليسوا من اهل معرفة حدود البشرية و الربوبية و ليسوا بمطلعين علي اهل العالم نعم غاية امرهم انهم عجزوا عن الاتيان بمثله و هذا مسلم لاشک فيه و لاريب يعتريه و لايستدل بذلک علي الاعجاز للبشر الا بضم امر آخر من الله علينا به في جميع امورنا و لعمري ان الناس تنبهوا في هذه الايام و زاد علومهم و اطلاعهم علي احوال الخلق و عجائب ما في العالم و غرور من اغتر و حيلة من احتال و لايمکنهم القناعة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 79 *»

بادلة السلف الغافلين الجارين علي صدقهم و حسن ظنهم بالناس فلايکفيهم تلک العلوم و تلک الرسوم و لذلک اظهر الله تعالي شأنه هذه العلوم التي اتي بها شيخنا الاوحد و ملاذنا الامجد الشيخ احمد اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه و شکر الله سعيه و جازاه عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين و ايم الله قسم صدق انه لولا بعثه الله في هذه الاعصار لانطمس اعلام الدين و عفي رسم الاسلام المتين و لارتد کثير من المسلمين و ضل جم غفير من المؤمنين و انما حفظ بوجوده الشريف الاسلام علي المسلمين و امسک قلوب المؤمنين کما يمسک سکان السفينة ربانيها اللهم اجزه عنا جزاءا لايحصي و يکون لحقه علينا کفاءا و زده من فضلک ما ليس له حد و لا انتهاء فانک شکور وهاب بالجملة‌اهل هذا الزمان لايمکنهم ان يبنوا بناء اسلامهم علي تصديق الاعشي و کعب و وليد و لبيد و اصحاب الخمور و الفجور الجهال الشعراء الفساق ان القرآن ليس من کلام البشر و انه کلام الله نعم تصديقهم علي انفسهم جائز و هم مصدقون في عجزهم کجميع العرب و العجم و يحتاج الي ضم ما بايدينا و خصنا الله بها و من علي اهل عصرنا باظهار هذا الامر فيهم و ذلک من فضل الله علينا و علي الناس ولکن اکثر الناس لايشکرون و لعمري لولاه لکان امر جميع الانبياء و المرسلين و جميع الشرائع و الاثار مثل القرآن لايمکن الرکون اليه ولکن بعد هذا الاصل الاصيل نحصل اليقين بامر جميع الانبياء و المرسلين و الکتب المنزلة و القرآن المبين و الحمد لله رب العالمين فنقول انا لما رأينا محمدا صلي الله عليه و اله قام بين يدي الله و ادعي النبوة و اتي بکتاب و قال انه کتاب الله و کلامه انزله علي نحو الاعجاز و فيه علم ما کان و ما يکون الي يوم القيمة و الاخبار عن الغيوب و فاق الکل في الفصاحة و البلاغة في نظم عجيب و سلاسة و حلاوة و جزالة و لايقدر احد علي الاتيان بمثله حتي انه لايقدر احد علي الاتيان بعشر سور مثله بل و لا سورة واحدة و لو کانت قصيرة بل و لا حديث واحد و لو اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثله و کان بعضهم لبعض ظهيرا ما اتوا بمثله و رأينا الله سبحانه ما حرک احدا و لا شيئا من اجزاء العالم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 80 *»

يقوم بازائه و يبطل دعواه من يوم ادعي الي يومنا هذا بل حلاه بحلية النور و الخير و الصدق و الزهد و الورع و التقوي و کرم الاصل و النسب و علو الحسب و العلم و الحلم و النزاهة و الحکمة و الذکر و الفکر و النباهة و الوقار و السکينة و نوه باسمه في الکتب السالفة علي السنة انبيائه و ذکر صفاته و انه يأتي بکتاب من عند الله هو کلام الله و رأيناه نشر علوم التوحيد و المعاد و سنن الانبياء و اتي بناموس عجيب غريب لايقوم العالم الا به و جميعه يوافق الحکمة و يشتمل علي غوامض بحيث يتنبه الحکماء و العلماء علي حکمه عصرا بعد عصر و حينا بعد حين بعد افکار و تحصيل علوم و فحص و بحث فلعمري بعد هذه التصديقات لايبقي مجال لمن لايعاند نفسه و لايخاطر بروحه ان يتأمل في امره و مع ذلک کله لم‌يقم احد يقدر علي معارضته و ابطال دعواه باي وجه کان و اما تلک الاحتمالات التي کانوا يقولون من ان محمدا صلي الله عليه و آله ملک بالتغلب و خاف الناس سيفه او لعله ما کان في بلده من هو افضل منه و اعلم و افصح حتي يقابله و کان قبل مثله او لعله يکون بعد مثله او لعلهم عارضوه و اخفاه اتباعه او لعلهم ما اعتنوا به و امثال ذلک فکلها احتمالات ارضية يحتاج الي الجواب عنها الذين يستدلون بقرائن ارضية و لايکاد يتم دليلهم و اما نحن ففي فراغ من اجوبة ذلک فان الله سبحانه لايخاف و لايداهن و لايغري بالباطل و لايصالح و لايغلب عليه احد فلو لم‌يکن رسول الله صلي الله عليه و اله متصلا به لضربه الله بما قلنا آنفا و خالفا و حق القول ما قال في کتابه و لو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منکم من احد عنه حاجزين و قال ان الله لايصلح عمل المفسدين و هو يعلم المفسد من المصلح و لايفلح الساحر حيث اتي فاذا لانخشي شيئا من هذه الاحتمالات و نتکل علي الله و من يتوکل علي الله فهو حسبه فنحن نتوکل عليه في ديننا و دنيانا و هو حسبنا و نحصر نظرنا في تصديقه فما صدقه الله صدقناه و لو لم‌يصدقه الناس و ما کذبه کذبناه و لو صدقه الناس و لانبالي و نحن بذلک نعرف امر ائمتنا و لو کذبهم جميع اهل الارض و به نعرف امر مشائخنا و لو کذبهم جميع اهل الدنيا و به نعرف امر ديننا من الفروع و لو امتلأ

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 81 *»

العالم احتمالات و ذهب عنهم الظن ايضا و سد عليهم بابه و بقوا في شک اليوم يئس الذين کفروا من دينکم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اکملت لکم دينکم و اتممت عليکم نعمتي و رضيت لکم الاسلام دينا فدع يمتليء جميع الدنيا شکا و شبهة و اخذ العالم شبهات الانجليس و الفرانسة‌و الروس و الزنادقة و الکفرة فلانخشاهم بحول الله و قوته و نتکل عليه و نعلم ان امره لايشتبه بامر الشيطان ابدا و لا قوة الا بالله و نسأله ان لايکلنا الي انفسنا طرفة عين ابدا و انت لو قصرت طرفک الي ربک و توکلت عليه و لم‌تبرأ من حوله و قوته الي حولک و قوتک لوقعت في امن و امان و لکن اذا اردت ان تعرف دينک بجهدک و قوتک لابتليت بقيل و قال و التزلزل و الاختلال في المبدأ و المآل فثق بالله و کن من الشاکرين و قل الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما کنا لنهتدي لولا ان هدانا الله هذا سر الامر و حقيقته علي نحو الاجمال و لنعنون بابا آخر للکشف عن حقيقة‌ الحال و صفة اعجاز القرآن و اني لما کان لي اشغال کثيرة و لابد لي من الاشتغال بها و قدکتبت سابقا في بعض الکتب شرح صفة الاعجاز انقل تلک العبارات بعينها هنا ليکون هذا الکتاب في حده وافيا بالمراد و لايحتاج الراجع اليه الي الرجوع الي غيره من الکتب.

الباب الثاني‌عشر

قد ذکرت في کتابي الکبير المسمي بالفطرة السليمة في بيان اعجاز القرآن مطلبا هذا لفظه لنثبت اولا امورا يفهم منها معني الفصاحة و البلاغة علي ما هو الواقع و کيفية صيرورة الکلام معجزا اعلم انهم و ان خصوا الفصاحة باللفظ و البلاغة بالمعني و بينوا ذلک و شرحوا بنهاية الاتقان و الاحکام الا انهم لم‌يأتوا بما يمس الحاجه اليه هنا فاقول اعلم ان الکلام اثر يصدر عن الانسان بتحريک آلات الکلام و ضغط الهواء من الجوف علي حسبها ليخرج اصوات مناسبة للمعني الذي في نفس المتکلم و المعني الذي في نفس المتکلم هو شبح من مقصودها الذي توجهت اليه و ارادته انطبعع فيها کالصورة في المراة و لماکان جميع مميزات الاشياء ينتهي الي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 82 *»

کيفياتها الاربع و يشيع فيها و النفس من حيث هي دراکة مطلقة و جميع اصناف المدرکات يشيع فيها و في طبائعها و يتشاکل اذا اجتمع لديها فيها و ان کان فعليته مميزة خارجة اذا انطبع فيها مدرک تميز عن غيره في قواها و مشاعرها و شاع اذا بلغ حقيقتها و ضاع في طبائعها فادرکت في نفسها منه شيئا مشارکا مع خصلة اخري من ذلک الطبع کمشارکة الحمرة و السرعة في معني الحرارة و اليبوسة و البياض و اللين في البرودة و الرطوبة فاذا ادرکت ذلک امکنها التعبير عن خصلة بمشارکها لاهل عرصة‌المشارک و صح التعبير ثم قدرته بسائر تقاديره علي حسبه فصار دالا عليه علي الحقيقة مطابقا موافقا معه علي نهج الحکمة و لولا ذلک الباب لربما کان يعبر عن مقتضي النار باحدي مقتضيات الماء و بالعکس و کان غير موافق فلما عرفت ذلک فاعلم ان المعني في اللفظ کالروح في الجسد فاذا کان هيئة الجسد مطابقة لهيئة الروح من کل جهة صلح لاستقراره فيه و صلح لان يظهر الروح منه جميع افعاله و صفاته و صلح للاستدلال به عليه من جميع جهاته و حدوده و ان لم‌تکن مطابقة و کان فيه زيادة او نقيصة او تخالف او تضاد بالذات او بالعرض لم‌يصلح لاستقراره فيه و لان يظهر الروح منه جميع افعاله و صفاته و لم‌يمکن الاستدلال به عليه فالجسد الخاص المطابق لکل روح جسد واحد خاص في ملک الله لايوجد جسد آخر غيره يوافقه من کل جهة فان نسبة الشيئين الممتازين الي شيء واحد لاتکون علي السواء فان کان احد الجسدين مطابقا کان الاخر الممتاز عنه و هو غيره غير مطابق فتبين ان جسد کل روح جسد خاص واحد معين من تجاوز عنه لم‌يجد غيره يوافقه من کل جهة و للروح جهات شتي لايحيط بجميعها الا الذي خلقه فانه حادث له مادة و صورة و لمادته حدود نوعية بها امتازت عن سائر الانواع و فيها اذکار لعللها و مباديها واسبابها و له مادة نوعية و صورة نوعية و لصورته حدود شخصية من انواع الکم و الکيف و الجهة و الرتبة و المکان و الوقت و الاجال و الاوضاع و النسب و القرانات و اذکار لما هو اعلي منه و ما يساوقه و ما يتاخر عنه ما لايحيط بجميعها الا الله سبحانه و الجسد الموافق له من کل جهة هو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 83 *»

المخصوص به و هو غير متعدد في ملک الله سبحانه و لايعلم بمواقعه الا الله سبحانه و هو الذي من اتي به لم‌يقدر احد علي الاتيان بمثله ابدا فکذلک المعني المراد هو بمنزلة الروح و اللفظ المعبر به عنه هو بمنزلة الجسد بل هما الروح و الجسد حقيقة فان المعني امر نفساني دهري و اللفظ امر جسماني زماني قد صيغ لظهوره و تمکنه فيه فکل معني ليس له لفظ حاک لجميع جهاته التي لا نهاية لها کما بينا الا واحد و هو اوفق التعبيرات عنه و اصدقها عليه و اقربها منه و انسبها به و اشدها مطابقة و ابينها له و افصحها و ابلغها و لايعرف ذلک اللفظ لذلک المعني الا الذي خلقهما فاذا عبر الله سبحانه عن ذلک المعني بذلک اللفظ کان کتعبيره عن روح زيد بجسد زيد فلايقدر احد من الخلق علي ان يأتي لذلک المعني لفظا آخر مثله اذ کل لفظ سواه اما يزيد دلالته عليه او تنقص بالذات او بالعرض و اما تخالفه او تضاده و اما توافقه في بعض و تخالفه في بعض و هکذا ربما يخالفه في المادة او في الصورة کما او کيفا او جهة او رتبة او وقتا او مکانا او اجلا او کتابا او وضعا او نسبة او قرانا او من جهة الطبع او من جهة الکواکب المربية او البروج او سائر المنسوبات فاللفظ المطابق مع المعني من کل جهة ليس في ملک الله الا واحدا و لايعلم بموقعه الا الواحد جل شأنه و هو لامحالة افصح الالفاظ و ابلغها و اکملها و لماکانت الکائنات جمال الله الجميل و کمال الله سبحانه الکامل فلايطرء علي ذرة منها من حيث کونها في نفسها او اقترانها و انتظامها مع غيرها نقص بوجه من الوجوه حتي قيل ليس في الامکان احسن مما کان کانت الالفاظ الحقة التي يعبر بها عنها ايضا علي احسن نظم و ترتيب لايوجد احسن منها ابدا ابدا و يکون نظمه و ترتيبه دالا علي کمال الله سبحانه و جماله و بهائه و حکمته و اتقانه و صنعه فما ظنک حينئذ بنظم کلامه و حسن مواقع الفاظه و ترتيبها و ترصيعها و جزالتها و سلاستها و وقعها في القلوب و عظمتها و حلاوتها و طلاوتها و بداعتها و غضاضتها و رشاقتها و مما بينا تبين ان القرآن من جميع جهاته يجب ان يکون بحيث لايوجد في ملکه غيره کاشفا عن مرادات الله سبحانه فصاحة و بلاغة و نظما و ترتيبا و جزالة و سلاسة و تيسرا و وقعا و اثرا و خاصة و شفاءا و استيلاءا علي الاشياء و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 84 *»

هيمنة و قدرة و حکمة و هکذا هذا و لاسيما ان الله سبحانه عزم علي ان يجعله تعبيرا عن جميع شئون علمه و قدرته و حکمته و اسمائه و صفاته و بهائه و سنائه و مجده و جلاله و عظمته و کبريائه و کتبه و الواحه و عوالمه و قال مافرطنا في الکتاب من شيء و قال تبيانا لکل شيء و قال و لقد جئناهم بکتاب فصلناه علي علم و جعله دليل توحيده و قال هذا بلاغ للناس و لينذروا به و ليعلموا انما هو اله واحد و ليذکر اولوا الالباب و جعله برهان الرب الحق و قال يا ايها الناس قدجاءکم برهان من ربکم و انزلنا اليکم نورا مبينا و جعله برهان النبوة فقال او لم‌يکفهم انا انزلنا عليک الکتاب يتلي عليهم و جعل فيه صفة جميع ما خلق في ملکه و قال و لقدضربنا للناس في هذا القرءان من کل مثل فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف و اعتبر ان القرآن واحد من عند الواحد ليس له في ملک الله نظير حتي يقدر احد علي ان يأتي بمثله و انه لعلم الله سبحانه کالجسد للروح و کما انه لايقدر احد ان يخلق انسانا کما بينا کذلک لايقدر احد علي ان يخلق قرآنا آخر مثله و کما انه لايقدر ان يکون حکيما عليما قديرا کاملا عظيما جليلا کبيرا سلطانا وليا مثله سبحانه کذلک لايقدر احد ان يأتي بکلام مثل کلامه و لذا روي عن النبي صلي الله عليه و اله فضل القرآن علي سائر الکلام کفضل الله علي خلقه فلايقدر مخلوق علي ان يتکلم بمثله کما لايقدر مخلوق علي ان يکون کربه و هذا من المحالات و ليس في ملک الله تعبير موافق من کل جهة عن مرادات الله سبحانه و هي جميع الکائنات غيره فاني لهم ان يأتوا بکتاب مثله او بعشر سور او بسورة او بحديث مثله بل اقول بکلمة مثله في موقعها بل حرف مثله في موقعه بل حرکة و سکون و فصل و وصل و خصلة من خصال حروفه من جهر او همس او قلقلة او اطباق او غيرها في موضعها و ان کانت الکلمات و الحروف قبله و بعده متداولة بين العرب الا تري ان العناصر مبذولة في العالم و لايقدر احد ان يخلق منها کزيد و لا کعضو منه و لا کلحمه و دمه و عظمه و لا کعرق من عروقه و وتر من اوتاره و لاکلون عظمه و لحمه مثلا و لا کشيء من خصال اجزائه في موقعه مع ان العناصر التي هي اصولها موجودة في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 85 *»

الدنيا مبذولة و کذلک القران من الحروف و الکلمات المبذولة و مع ذلک لايسع احدا ان يأتي بتلک الحروف في مواقعها و بتلک الکلمات في مواضعها فتبين ان من زعم امکان مثل القرآن لانه من الحروف المبذولة خبط خبط عشواء فالقرآن علي ذلک عالم مستقل له جسم و روح و شهادة و غيب و امر و خلق و خزائن و مراتب اذ هو تبيان کل شيء و کل من يقدر علي خلق العالم يقدر علي الاتيان بمثل القرآن و اني لهم ان يعرفوه او يعرفوا بعضه و لو حرفا منه حتي يأتوا بمثله فاعرف قدر الرجال بالمقال لا المقال بالرجال و هذا وجه اعجاز کلام الحق المتعال علي سبيل الاجمال.

فصل: هذا الذي ذکرنا وجه صيرورة الکلام معجزا و کون القرآن بجميع جهاته معجزا ولکن الباقي الذي لم‌يتعرض له العلماء و من تعرض منهم ايضا اتي بامور لاتفيد علما و لا عملا بل لاتفيد الا وهما انه هب هذا وجه الاعجاز فقل لنا من يعرف ذلک من الامة من القرآن انه ذلک اللفظ الذي ليس عديله في ملک الله سبحانه حتي يشعر بانه معجز و لايعرف ذلک احد الا الله و رسوله البتة ‌فما سبيل الناس الي معرفة اعجازه فلربما يقع کلام بديع من احد و يشتبه علي من لايعرف حقيقة الامور و لايميز بين ذلک الواحد و غيره بل ربما يزعم غيره اوفق و ثمرة المعجز ان يعرف المکلف عجز جنس البشر عن الاتيان بمثله فيذعن ان آيته من عند الله و الذي ذکرت لايعرفه غير الله و غير رسوله صلي الله عليه و اله و من هذا الباب اشتبه الامر علي المرتضي و من تبعه حتي زعم انه يمکن المعارضة و الله يصرف الناس عنها اقول لم‌اجد من اصحابنا بيانا لذلک يکشف عن الواقع و يعرف المکلف اعجازه الا بعجز العرب عن الاتيان بمثله و ادلتهم معروفة و نواقضها اوضح و اقوي و لنا في ذلک بيانات احدها انه صلي الله عليه و آله قام بحضرة الله الشهيد العليم الحکيم القدير الهادي الغير اللاعب بالخلق خالق السموات و الارض بالحق الغير المعنوي (المغري ظ) بالباطل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 86 *»

و نسب الي الله سبحانه انه ارسله بالحق و اعطاه هذا الناموس و الکتاب لينذر و يبشر به عباده و يدعوهم اليه و تحدي به عباد الله سبحانه و قال لو تقولت علي الله لاخذني و اهلکني و ابطل امري و مع ذلک ان الله سبحانه لم‌يبطل امره و لم‌يبين ان قوله فرية و کتابه کذب و لم‌يقم احدا من الخلق من ملک او جن او انس يعارضه بمثل ما جاء به و لا آية تدل علي کذبه و فريته و هو قدير عليم حکيم و لو کان کذبا و فرية لاثار رجلا مثله يأتي بکلام مثل کلامه حتي يبطل تحديه او يبطل امره من حيث شاء فاذ صدقه سبحانه و اشاع امره و اعلي کعبه و اظهر دينه و افلج حجته و شيد بنيانه و قوي ظهره و لم‌يعرف من في عصره و من اتي بعده بطلانا له و هم طالبون باحثون مجاهدون عرفنا ان الجن و الانس لايقدرون علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن و لا بمثل بعضه کما تحدي صلي الله عليه و آله و لايقدح فيما ذکرنا شيء من الشبهات التي اوردوها فان استدلالي سماوي لا ارضي و لاتصل اليها شبهات اهل الارض فاذا تدبر المکلف في ذلک تبين له اعجازه و عرف انه معجز يقينا اذ لم‌يوجد مثله و لم‌يأت احد بما يشاکله و اما الخزعبلات التي حدثت في هذه الايام و شهروها بين العوام من هذه البابية ‌الطغام فکانت مما يضحک منها الثکلي و کذلک کل من اتي بشيء اراد المعارضة فابطل الله امره و صرف عن آياته کما قال ساصرف عن آياتي الذين يتکبرون في الارض بغير الحق الاية و اي صرف اعظم من ان الرجل منهم ربما هو فصيح في غير موضع المعارضة فاذا عزم علي المعارضة يسلب عنه فهمه و علمه و ينسي العربية حتي يأتي بما يظهر لکل احد خرافته و بطلانه و ليس معني کلامي هذا معني کلام المرتضي فاني اقول في الواقع معجز کخلقة العالم و يفضح الله سبحانه من يروم المعارضة بتفضل زائد کما يفضح کل من يروم بنقص في اوليائه و يخذله و يمنع عنه المدد فيفسد و ينقطع و يخترم عن قريب فبذلک ينبغي ان يعرف کل مکلف من عربي و عجمي و عالم و جاهل ان القرآن معجز و ثانيها ان المعجز حادث يأتي به صاحب المعجز و هو من جنس احدي المدرکات و يدرک بواحد من المدارک لا بغيره مثلا شق القمر معجز من جنس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 87 *»

المبصرات يدرکه کل من له عين و غير ذي العين ليس له حظ من هذا المعجز الا من جهة اخبار بصير و انطاق الحصي معجز من جنس المسموعات يدرکه کل من له سمع و اما الاصم فلاحظ له منه الا من جهة الاعلام بوجه آخر من السامعين و هکذا و القرآن معجز ولکنه مما يسمع بالاذن و يفهم بالعقل و المفهومات منها بديهية لاتحتاج الي نظر لتکرر عروضه علي الشخص کقولي ان الواحد نصف الاثنين مثلا و منها بديهية لاتحتاج الي نظر لتکرر عروضه علي الشخص کقولي ان الخمسة عشر له نسبة‌المثلية و الربعية بالنسبة الي اثني عشر و منها ما يصير بديهيا ولکن بعد نظر طويل کالمسائل النظرية التي تنتهي الي البديهيات ککون کل مرکب حادثا مثلا ويخص ذلک اولا اهل النظر و العلم فاذا بينوا ادلته و براهينه لغيرهم يعرفها ذلک الغير بعد التنبيه و ربما يحتاج الي تعليم مقدمات کثيرة و ربما يفهمه ذلک الغير و ربما لايفهمه اذا لم‌يکن ذا فهم کماقال الشاعر:

فمن کان ذا فهم يشاهد ما قلنا                     و ان لم‌يکن فهم فيأخذه عنا

و کماقال آخر:

علي نحت القوافي من مواقعها                     و ما علي اذا لم‌يفهم البقر

و قد ينکر العين ضوء الشمس من رمد و اعجاز المعجز اما بديهي يعرف بمحض الاطلاع انه فوق طاقة جنس البشر کالصعود الي السماء مثلا و الطيران و انطاق الحصي فانها تعرف بمحض الاطلاع ان جنس البشر يعجزون عن مثلها و اما يحتاج الي امتحان و تتبع حتي يعرف المطلع ان نفسه و امثاله لايقدرون عليه فان اداه نظره و امتحانه و تتبعه الي انه اتي به من غير معالجة ظاهرية يعرف بعد ذلک انه يعجز عنه البشر و ان وجده بمعالجة فانه يعسر حصول العلم منه بعجز البشر عنه فان للصنائع العلاجية درجات لا غاية لها و ان کانت يعسر الاطلاع علي حدها و القرآن من هذا القسم الاخير فانه من صناعة الکلام و يتدرج مراتبه بالتدرب و المجاهدة فلايمکن الاطلاع علي غايته التي ليس للبشر ان يتجاوزها و لذلک تحير الناس في عرفان عجز البشر عن مثله فلايمکن عرفان عجز البشر عن مثله منه بنفسه لولا قرائن و ادلة‌ اخر و لذلک تري اعلم العلماء اذا لم‌يحفظ القرآن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 88 *»

لايميز اذا قريء عنده آية محرفة او مغيرة او حذف منها کلمة او قدم او اخر فيها کلمة او قدمت علي آية او اخرت و لو کانوا يعرفون منها بنفسها لما اشتبه عليهم و القرآن واحد من عند واحد بل کما نقل کان جمعة القرآن يطلبون الشهود علي ان هذه الاية من القرآن فلو کان العرب يعرفون من نفسه وحدها عجز البشر عن مثله لماکانوا يطلبون الشهود کما لايحتاج شق القمر الي الشهود علي انه معجز اذ بنفسه بين فليس القرآن لولا دليل آخر بين الاعجاز لغير اهله من عرب و عجم فاعجاز القرآن من الامور النظرية بل و اعظم النظريات و ليس من البديهيات کنطق الحصي حتي يعرفه کل عالم و جاهل بل يحتاج الي نظر طويل فانا ذکرنا ان وجه اعجازه مطابقته التامة لمرادات الله سبحانه فاما غير العرب فليس حظهم معرفة اعجازه من حيث فهم انفسهم لانهم محرومون عن فهم العربية بقي العرب فعوامهم و جمالوهم و رواعيهم و امثالهم فمحرومون عن فهم محسنات الفاظ سائر الفصحاء و فهم مراداتهم فضلا عن فهم کلمات العلماء فضلا عن فهم کلام الله بقي خواصهم فمنهم الادباء الخطباء و الفصحاء و الشعراء و امثالهم فمحرومون عن فهم کلمات العلماء فضلا عن فهم کلام الله جل شأنه و انت تعلم ان المعني في اللفظ کالروح في الجسد فحيوة اللفظ بالمعني و بلاغته و حقيته و صدقه الا تري ان رجلا لو اتي بکتاب في مسائل علمية غامضة و کان علمه باطلا و استدلالاته غير مرتبطة و بياناته مزخرفة يحکم ببطلانه و سخافة کلامه و ان کان الفاظه مفردة کلها من الفاظ الفصحاء فلايکفي في صحة دعواه کون مفردات الفاظه سليسة معروفة غير متنافرة و يحکم بان کتابه مزخرف و باطل فالعربي الاديب الشاعر الخطيب ما علمه بواقع مطالب القرآن و حقائقه و دقائقه و ادلته و براهينه حتي يحکم انه کلام حق لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حکيم حميد غاية الامر يعرفون بعض ظواهره و لربما يزعمه بعضهم انه کلام غير مرتبط الايات و الفقرات بل تري الاية الواحدة اولها في شيء و آخرها في شيء فهم ايضا محرومون عن فهم کون القرآن معجزا نعم يعرفون ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 89 *»

کلماته سليسة فصيحة و ذلک لايجدي في فهم الاعجاز الا تري ان رجلا لو نظم شعرا جميع کلماته مأنوسة بل و من الفاظ القرآن ولکن غير مرتبطة و لاتفيد مضمونا يحکم جميع الشعراء بانه مزخرف و لايعد شعره في کلمات الفصحاء و لايعتني به و انما ذلک لانهم يعرفون زخرفته و سماجته فالقرآن کتاب علم و هم محرومون عن العلم فلايعرفون صحة مضامينه و صدق اخباره و مطابقته مع الحکم و العلوم الحقة فلايعلمون وجه اعجازه بقي اصحاب العلم منهم فالکهانون و السحرة و المنجمون و الاطباء و المورخون و النسابة و سائر فرق العلماء منهم ايضا محرومون عن ذلک بعين ما ذکرنا في الادباء فهم ايضا لايعرفون وجه اعجاز القرآن بصرف فهمهم و لربما يقع کلام يکون في نظرهم اوفق من القرآن اذ لايعلمون وجه الحکمة کما انه ربما يظن الظان انه لو کان في العالم شمسان او قمران او لم‌يکن ليل لکان اوفق بالحکمة بقي الفقهاء و علماء الاديان فاولئک يعرفون بعض وجوه الحکم العلمية و اني لهم بجميع وجوه الحکمة کما تري ان الفقيه ربما لايعرف وجه خلق شيء‌ بل اشياء و اکثر الاشياء و لربما يظن انه لو کان علي غير ذلک الوجه لکان اوفق بل لايعرفون حکمة اکثر الاحکام الشرعية‌ و لربما يظنون انه لو شرع غير ذلک لکان اوفق فهم ايضا کسابقيهم لان القرآن مطابق مع جميع الکائنات و اني لهم بمعرفة ذلک فاولئک ايضا محرومون عن فهم اعجاز القرآن کما يفهمون سائر المعجزات و ليس لاحد اولئک ان يعرف عجز جنس البشر عن معارضة القرآن بل و بعد تفکر کما انا رأينا کثيرا لايعرفون ذلک و هم ينتحلون العلم حتي ان السيد المرتضي مع عربيته و فصاحته و علمه زعم ان العجز منه بالصرفة لا من اجل امتناع اتيان البشر بمثل الفاظه و انما ذلک لان فهم عجز جنس البشر عن الاتيان بمثله نظري من اعظم النظريات لانه کتاب علمي ينطوي علي جميع علم الله سبحانه فذلک حظ الخصيصين الابرار و الحکماء الربانيين الاطهار المطلعين علي الاسرار الذين يتلون مقام النبوة و الوصاية في الاقدار و ليس ذلک مشرعة کل خائض و منال کل ناهض فان قلت انک قلت ان احدا من الخلق غير الله و غير رسوله لايطلع علي ذلک

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 90 *»

الجسد المطابق من کل جهة مع الروح فکيف قلت ان الحکماء الربانيين يعرفون وجه اعجاز القرآن و يشعرون بعجز البشر عن مثله قلت اما اولا فلان سائر الناس يعجزون عن الاتيان بکلام مثل کلام ذلک الحکيم فان کلام کل متکلم حاک عن علمه فاذ لم‌يکن علمه عند احد من الخلق عرف انهم لايقدرون علي الاتيان بمثل کلامه فاذا عرف عجز نفسه عن الاتيان بمثل القرآن عرف عجز الکل و اما ثانيا فلان الانسان و ان لم‌يکن بالغا درجة فانه اذا کان تاليا لها يعرف آثارها و يستيقن کما ان من له قوة قريبة في الاجتهاد يعرف المجتهد و يستيقن و ان لم‌يکن بنفسه مجتهدا فکذلک اولئک الحکماء و ان لم‌يبلغوا مبلغ الرسالة و الوصاية حتي يحيطوا بالاشياء الا انهم لغاية علمهم بکثير من الحقائق يعرفون ان هذا الکلام هو الکلام الواحد الذي لا عديل له لما يلوح لهم من آثاره و يعرفون شيئا بعد شيء من اسراره کما يعرف غير البالغ مبلغ الحکمة التامة کلام الحکيم البالغ انه في غاية المتانة و الرزانة و انه عاجز عن الاتيان بمثله و اما ثالثا فانهم يرون من انوار القرآن و آثاره و عجائب تصاريفه في الملک مايعرفون به انه کلام الله الحق و غيره لايکون کذلک و لايري تلک الاثار غيرهم و اما رابعا فانهم يشاهدون من احتوائه علي العلوم و الحقائق و الحکم و اسرار الامر و الخلق و الجبروت و الملکوت و الملک و طيه علوما جمة في حرف او حرکة او صفة من صفات الحروف او کلمة او آية ما يعجز عن جمعه البشر في مثلها فيعرفون انه کلام الله و غيرهم لايشاهد ذلک و ليس حظه و اما خامسا فانهم يرون فيه تجلي الله سبحانه لخلقه به و ظهور انوار عظمته و جلاله و کبريائه کما روي لقد تجلي الله سبحانه لعباده في کلامه و لکن لايبصرون فهم يبصرون کما قال عليه السلام مازلت اردد هذه الاية حتي سمعتها من قائلها فيعرفون بذلک انه کلام الله العلي العظيم و غيرهم لايرون تلک الانوار و لايطلعون علي تلک الاسرار فلايفهمون عجز جنس البشر عنه بالجملة شعور عجز جنس البشر عن الاتيان بمثل القرآن ليس الا حظ الحکماء الربانيين الراسخين في العلم المستحفظين لعلم الله سبحانه و اما غيرهم فليس لهم الا التسليم لاولئک و تصديقهم و الاقتداء بهم و التأسي بهداهم کما يقتدي الاعمي بالبصير و الاصم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 91 *»

بالسميع و الجاهل بالعالم و کما يحکمون باقتداء العجم بالعرب في الاعتراف باعجاز القرآن و ثالثها ان النبي صلي الله عليه و آله اعلم العلماء و احکم الحکماء بتصديق الموافق و المخالف کيف لا و جميع العلوم الاسلامية انتشر منه و عرف ببيانه و ناموسه و سنته و سياسته و اخباره و آثاره اشهد شاهد بذلک و هذا العالم الحکيم اتي بهذا الکتاب و قال فيه تبيان کل شيء و ضربت فيه من کل مثل و احکمت آياته ثم فصلت و ما فرطننا في الکتاب من شيء و لارطب و لا يابس الا فيه و نحن نعلم جملا ان العجم يعجزون عن الاتيان بمثله لعدم علمهم بخصوصيات کلمات العرب و نکاتها التي لايذوقها الا من ولد فيهم و نشأ بينهم عن بصيرة عمرا و لو تعلم العربية و عرف اللغة و اما عوام العرب فيعجزون لعجزهم عن الاتيان بمثل خطبة خطيب فضلا عن القرآن و اما الادباء فيعجزون فان حيوة الکلام بالمعني و المعني علي حسب علم المتکلم و هم ليس لهم علم الا بخيالات شعرية کاذبة کما تري انهم يعجزون عن الاتيان بمثل کتاب حکيم فضلا عن القرآن و اما صنوف العلماء فانهم يعجزون عنه لانه غاية علمهم تاريخ او انساب او نجوم او کهانة او رمل او تسخير او حروف او فلسفة و امثال ذلک و ليس لهم تلک الحکمة العلمية و العملية حتي يقدروا علي مثل کتاب حکيم فضلا عن مثل القرآن بقي العلماء الراسخون و هم اشد شيء اقرارا باعجازه و اکثر الناس اعترافا بکونه معجزا فهم ايضا يعجزون و الانس افضل من الجن بسبعين مرة فالجن ايضا لايقدرون و الملائکة و الشياطين ليس لهم الا جهة واحدة من الوجود فهم ايضا عاجزون عن مثله و حال الحيوانات و النباتات و الجمادات و البسائط ايضا واحدة فلايقدر علي معارضة القرآن احد من الخلق و نؤيد هذا البيان و نشيد هذا البنيان لرفع ما عسي ان يورده مورد علي کلامي بان الله سبحانه من ورائهم رقيب فلو علم کذب هذا المدعي المتحدي المسند نفسه اليه لبعث احدا من اصناف الخلق يبطل تحديه و يأتي بکتاب مثل کتابه او يبطل امره من غير هذا الوجه و لم‌يفعل فلو اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله و لو کان بعضهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 92 *»

لبعض ظهيرا و بعد ضم هذا البيان لايعترض بشيء هذا البرهان و رابعها ان الذي يکذب علي الله و يطلب الرياسة و يفتري و يخترع دينا و لايبالي فاسق فاجر کافر بالله سبحانه و برسله و کتبه و اليوم الاخر و مثل هذا الکافر مخذول منقطع عن الله سبحانه مختلف الحالات فاسد التدابير مخزي مخترم باطل و عن حلية الکمال و السمت و الوقار و تشابه الامور عاطل و ذلک بديهي فاذا کان کذلک فامثاله في الفسقة و الکفرة وافرة فان المؤمن الکامل قليل کالکبريت الاحمر و اما الفاسق الفاجر المفتري الکذاب الطالب للدنيا فکثير فاولا مثل ذلک الکافر لايأتي بمثل هذا القرآن الذي يهدي للتي هي اقوم و يأمر بالعدل والاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنکر و البغي و يعظم الله و يعظم انبياءه و رسله و اوصياءهم و يعظم امر الدين و يدعو الي الحق و ينهي عن الباطل و ينطوي علي الحکم و العلوم و الامثال و اخبار الامم و الاخبار عن الغيوب و يقيم الناس بالقسط بل کلام کل احد يشاکل نفسه و طبعه و النزق لايأتي بمثل هذا القرآن الذي هو کالطود الاعظم وقرا و وقعا و لايدعه الله ان يأتي لانه مخزي مخذول غير موفق و لا مسدد محروم عن تشاکل الامور مضروب بالاختلاف في الاقوال و الاحوال و الافعال و ثانيا امثاله کثيرة فاذا اتي هو بشيء يأتي بمثله امثاله لاسيما اذا تحدي و اثار احسادهم و احقادهم و سبيهم و قاتلهم و ارغم انوفهم و لاسيما اذا کان مخذولا مخزيا من الله و کان اللازم في الحکمة ابطاله فانه يبعث الله البتة من يأتي بمثله و يبطل فريته فاذا رأيناه في نفسه ذا خلق عظيم لاينکر و عبادة و زهادة و مکارم و سياسة و علم لايجهل و اتي بمثل هذا الکتاب الذي يدعو الي الخير بالبداهة و ينهي عن الشر بالبداهة و يدعو الي الله و رسله و اوصيائهم و العدل و الاحسان و لم‌يأت احد بمثله مع بغضهم و حسدهم و وضع السيوف علي هاماتهم و ارغام انوفهم و هم من اهل اللسان و من اهل الفرية و الله مخزي الکافرين عرفنا انه من عند الله و لايقدر احد من البشر علي الاتيان بمثله و اما فهم کونه فوق قدرة جنس البشر کما يفهم من شق القمر و ذوق اعجازه فليس الا حظ الحکماء الربانيين و العلماء الصمدانيين بعد الائمة المعصومين کما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 93 *»

مر و خامسها ان النبي صلي الله عليه و آله عاش بينهم اربعين سنة و کان محل الانظار معروف النسب مشهور الحسب و کانوا يعلمون انه امي لم‌يختلف الي العلماء و الحکماء و اهل الاديان و لم‌يکتب و لم‌يقرأ و کان في تلک المدة وقورا حليما زاهدا صدوقا متينا امينا ليس في حال من حالاته ما يکره فقام بعد اربعين سنة و نطق بعلم الاولين و الاخرين و اتي بکتاب يصدق سائر الکتب السماوية و تصدقه و يظهر ما اخفوه منها علي نظم غريب و فصاحة عجيبة غريبة و ترتيب ليس يشابه شيئا من کلام العرب قديمهم و حديثهم و يخبر فيه عن الغيب و يدعو الي البر و العمل به و له وقع و عظم و هيبة في القلوب و نسبة الي الله و تحدي به العرب في بحبوحتهم في بلد هو مرجع جميع العرب و حوزتهم في قوم هم افصح العرب و ابلغهم في فن هم اسعي الناس في تکميله و تعديله و احرصهم علي المجاراة و الله من وراء الکل رقيب فلو علم انه مفتر عليه لاثار منهم رجلا يبطل دعواه و يأتي بمثل ما اتي به او احسن و ذلک علي الله يسير فاذ صدقه الله باظهار عجز مثل اولئک الحسدة الحقدة الفصحاء البلغاء الدهاة علمنا انه معجز و فوق طاقة البشر و ليس لاحد ان يأتي بمثله و مع ذلک ذوق عجز جنس البشر عنه کما يذاق عجزه عن انطاق الحصي ليس الا لاوحدي الزمان فانه کتاب علم و انما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه و انما مثل علم سائر الناس في هذا المقام مثل علم العامي بفضل عالم من العلماء و انه لا عديل له و لا نظير او فلان الشاعر اشعر الناس و لايذوقون اصل مقام ذلک العالم و ذلک الشاعر و لايشعرون بعلو ينحط دونه مقام الباقين فمما ذکرنا يحصل العلم بان الکلام يمکن ان يصير معجزا و ان القرآن معجز بجميع حدوده و يعجز عن مثله جميع اصناف الخلق کما يعجزون عن خلقة انسان او عالم حرفا بحرف و ادراک نفس اعجازه شأن الحکماء الخصيصين بعد الائمة الطاهرين و ليس شأن عربي و عجمي و کل احد يعرف من نفسه عجز نفسه في الحال لا ازيد من ذلک و ان عرفت ذلک عرفت ان القرآن ليس بذلک المعجز الذي يعرف اعجازه کل احد بمحض السماع و قبل التتبع و الامتحان و النظر فلايقام به حجة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 94 *»

النبوة علي السامع بمحض السماع کما کانت تقام بمحض انطاق الحصي فان من الانطلاق يعرف العجز بمحض السماع و لايعرف من القرآن العجز الا بعد التتبع و العرض علي الفصحاء و السعي في مجاراته و ظهور العجز و لذلک لم‌يقتصر النبي صلي الله عليه و آله علي القرآن و لم‌يکتف العرب منه بمحض ذلک و کانوا يطلبون منه معجزات اخر و يأتيهم بها من غير انکار عليهم فانهم ماکانوا يفهمون القرآن حتي يعرفوا اعجازه کيف و هو يقول ثم ان عليننا بيانه و اوردنا اخبارا عديدة تبلغ التواتر ان فهم القرآن حظ الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين لا غيرهم و ان القرآن معمي لايعرفه غيرهم و الناس غير مشارکين في فهمه و ذلک بين فان فيه علوم الاولين و الاخرين فلو کان الناس يفهمونه لکانوا عالمين بها و الحال کما تري و ان قلت ان العرب يعرفون ظاهره فانه بلسانهم قلت ذلک ايضا امر خفي علي جل الناس و قدکتبنا ذلک و شرحنا و فصلنا في بعض اجوبتنا للمسائل و اجماله ان شرح الزيارة لشيخنا الشيخ احمد بن زين الدين اعلي الله مقامه مثلا هل هو عربي ام عجمي بل هو عربي و بلغة العرب فهل يعرفه العرب ام لا و کيف لايعرفونه و هو بلغتهم و الفاظهم و کيف يعرفونه و لايفهمون منه سطرا بل و لانصف سطر بل و لا کلمة من ظواهر مراده دون بواطنه فانه کتاب علم و فهم الکلمات غير فهم المطلب و حيوة الکلمات و الالفاظ بالمطالب فالعرب اذا کانوا لايعرفون و لايفهمون ظاهر شرح الزيارة کيف يعرفون ظاهر القرآن و يفهمونه و فيه علوم ما کان و ما يکون الي يوم القيمة فلايعرفون ظاهره ابدا ابدا نعم يعرفون ان قال بمعين نطق و عبر عما في قلبه و نزل بمعني هبط و هکذا فانه بلغتهم و ان اردت الزيادة فراجع سائر کتبنا يرفع عنک هذه الشبهة ايضا و تستيقن ان العرب لايعرفون ظاهر القرآن و لا باطنه فاذ لم‌يعرفوا ظاهره و لا باطنه فاني لهم بمعرفة انه معجز بل و ماکانوا يعرفون کلهم جميع الفاظه ايضا کما نقل عنهم و مع ذلک کل احد يجد في نفسه انه لايقدر علي الاتيان بمثله و لايعرفه و لايعرف سر نظمه و نوع بيانه و کفي به معجزة و کفي بما ذکرنا بيانا.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 95 *»

الباب الثالث‌عشر

و قدذکرت في کتاب ازهاق الباطل في رد الرجل الذي جاري في عصرنا القرآن و ادعي السفارة بين الخلق و بين صاحب الزمان عليه صلوات الله الملک المنان في معني اعجاز القرآن کلاما انقله بلفظه لانه کامل في معناه ولکن لمن اقر بالاسلام و اراد معني اعجاز القرآن و ليس وجه الکلام الي منکري النبوة فلاتغفل قلت اعلم ان کل ظاهر جاذب لباطن خاص به يناسبه علي حسب لطافته و کثافته و شدة اعتداله و قلته فکلما کان الظاهر اشد اعتدالا و اقوي ترکيبا و اکثر صفاءا حکي باطنا اعلي و اشرف و الطف و اقوي و اعدل علي حسبه و کلما کان اضعف اعتدالا و ترکيبا و اقل صفاءا حکي باطنا ادني و اخس و اکثف و اضعف علي حسبه و ذلک ان الظاهر وعاء الباطن و مرآته الحاکية له و القابل الجاذب له و لابد من مناسبة بينهما فمهما ائتلفت العناصر و اعتدلت نحو اعتدال تقوت و صفت و اعتدلت بحيث صارت قابلة لجذب الروح النباتية من المبدء و حاکية لها و مظهرة لها ومصدرة لآثارها و منشأة لافعالها و بهذا الاعتدال لاتحکي الروح الفلکية و لاتجذبها و لاتظهرها لشدة کثافة جواهرها و غلظة بسائطها التي لاتکاد تنفعل للنفس الفلکية فاذا لطفت و رقت و اعتدلت و صفت حتي ساوت صفاء فلک القمر جذبت النفس الفلکية و استنزلها اليها فحکي صفاءها و اظهر افعالها فالترکيب الاول کان معتدلا و لولاه لم‌يظهر النفس النباتية المستعلية عليها الا ان جواهر الاول کثيفة غليظة غير مطاوعة للنفس الفلکية و جواهر الثاني لطيفة و هکذا مهما لم‌تلطف و لم‌تصف بحيث تساوي فلک الزهرة لم‌تظهر فيها روحه ابدا و ان کان معتدلا في حد ذاته فان الصفاء شرط بحسب کل مقام مزيدا علي الاعتدال و هکذا کلما صفت و اعتدلت حتي ساوت فلکا من الافلاک يظهر فيها روحه الي ان تصير بصفاء عرش الرحمن و اعتداله فيتعلق بها عقله الکلي ثم تصفو الي ان تلقي عنها الحدود و الکثرات لان الشيء بکثافته المستلزمة لبرده المستلزمة لانقباضه يقبل الحد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 96 *»

فکلما صفا قل برده و کلما قل برده اتسع و هکذا يقل برده و يتسع حتي يضمحل برودته و يبطل حکمها فيخرج الشيء عن الحد اللازم للبرد فلاينحد فلما صفت الجواهر و اعتدلت غاية‌ الاعتدال حتي فنيت البرودات المستلزمة للضيق و الانقباض اتسعت حتي خرجت عن الحد و ساوت الجسم الکلي و الجسم المطلق و لاتتعداه بعد ذلک و حينئذ يتعلق به الفؤاد و نور الله و يدخل في المتوسمين و هکذا تصعد في اللطافة شيئا بعد شيء و ليس لها غاية و لا نهاية و فيه قوله تعالي کلما وضعت لهم حلما رفعت لهم علما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و محبته هو خلوص الحبيب و شدة فنائه و اضمحلاله في المحبوب و مجانبته الاغيار و کشفه الاستار و انغماسه في الانوار فالمحبة هي الانجذاب الحاصل من صفاء الحبيب نحو المحبوب و علي هذا المثال اذا اعتدلت هذه العناصر و کان لها نوع صفاءا اقتضي تعلق الروح الجمادية بها فلما زاد اعتدالها و صفاؤها تعلق بها الروح النباتية فاذا ازدادت اعتدالا و صفاء تعلق بها الروح الحيوانية فاذا ازدادت اعتدالا و صفاءا تعلق بها الروح الجنية فاذا ازدادت اعتدالا و صفاءا تعلق بها الروح الانسانية فاذا ازدادت اعتدالا و صفاءا تعلق بها الروح النبوية فاذا ازدادت اعتدالا و صفاءا تعلق بها الحقيقة المحمدية و اذا ازدادت صفاءا و اعتدالا تترقي شيئا بعد شيء و ليس للسير الي الله غاية و لا نهاية و لايصل السائر اليه ابدا ابدا نعم اذا ازدادت نعومة و لطافة و صفاءا و اعتدالا تعلق بها المقامات و العلامات و الايات و العنوانات الي ان تزداد في کل ذلک حتي يظهر منها المجهول المطلق و العماء الحق و هکذا الي ما شاء الله ففي کل مقام و رتبة لابد من اعتدال و صفاء يناسب ذلک المقام علي ما اشرنا اليه و لعلک عرفت من هذا البيان ان مراتب التصفية تدريجية مرتبطة متصلة بعضها ببعض و ليس علي نحو الطفرة و بين کل مقامين منها برزخ لامحالة فلما جاوز القابل مثلا صفاء الانسان و اعتداله و لمايبلغ صفاء الانبياء و اعتدالهم يکون له بينهما حالة برزخية لامحالة و في هذه الحالة يحکي مقاما اعلي من مقام الانسان و اسفل من مقام الانبياء و يکون بذلک برزخا بين الانبياء و الانسان کما روي انه عرضت النبوة و الحکمة علي لقمان فقبل الحکمة و عرضتا علي داود فقبل النبوة و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 97 *»

هذا البرزخ يحدث في القابل اذا نزل المؤثر و الاثر اليه بظهورهما من جهة ان کل شيء فيه معني کل شيء فجميع المراتب ثابتة في کل شيء و کلما يصفو الشيء و يزداد اعتدالا يظهر عليه سر کان کامنا و يبدو منه آثاره و هذا معني نزول العالي في الداني فان نزول العالي الي الداني ليس بذاته و انما هو بظهوره الذي هو نفس الداني و لاجل ذلک امکن البرزخ بينهما اي بين المقامين في رتبة و ان لم‌يکن برزخ بين الاثر و المؤثر حقيقة فيمکن البرزخ بين کل رتبتين من ادني المراتب الي اعلاها و ذلک البرزخ هو المعبر عنه بالراجح في کل مقام بحسبه فان کل عال واجب بالنسبة الي دانيه و کل دان جايز بالنسبة الي عاليه و عبر عن البرزخ بينهما بالراجح فاذا عرفت ذلک و تبينت ما هنالک فاعلم ان من الظواهر الالفاظ و الحروف و الکلمات الکونية فربما تترکب الحروف في عالم الالفاظ ترکيبا لايصلح لحکاية اکثر من عالم المثال فليس لها الا معني واحد و باطن واحد و ربما تترکب ترکيبا اعدل من الاول و اصفي فتدل علي عالم المواد ايضا و ربما تترکب ترکيبا اعدل من ذلک و اقوم فتدل علي عالم الطبائع ايضا و هکذا الي ان تترکب ترکيبا اعدل و اقوم و اصفي فتحکي مع جميع ذلک الفؤاد ايضا و هذا غاية ما في الرتبة الواحدة ثم تترقي في الاعتدال و الصفاء و القوام حتي تدل علي جسد الانبياء ايضا ثم تزداد في ذلک الي ان تدل علي مثالهم و موادهم و طبائعهم و هکذا الي افئدتهم ثم تترقي الي ان تزداد اعتدالا و ترکيبا الي ان تدل علي اجسام آل محمد عليهم السلام ايضا ثم هکذا تزداد اعتدالا و صفاءا و قواما الي ان تدل علي امثلتهم و موادهم و طبائعهم و هکذا الي ان تدل علي حقائقهم ثم تزداد نعومة و اعتدالا و صفاءا الي ان تدل علي الصلوحات الامکانية و الکتاب و الاجل و الامضاء و القضاء و القدر و الارادة و المشية و هکذا تزداد نعومة و صفاءا و اعتدالا في نهج الترکيب و ملايمات التأليف الي ان تدل علي مقامات الواحدية و الاحدية و الالوهية و الهوية و الذات کماکانت الجواهر العنصرية في ترکيباتها حرفا بحرف الا تري ان من العناصر قد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 98 *»

تتألف و تکون شجرا و قدتتألف و تکون حيوانا و لايدل جسد النبات علي ما يدل عليه جسد الحيوان مع ان کليهما من العناصر الاربع و قدتتألف و تکون انسانا و لايدل جسد الحيوان علي ما يدل عليه جسد الانسان مع ان کليهما من العناصر و قدتتألف و يکون منه جسد نبي و لايدل جسد الانسان علي ما يدل عليه جسد النبي و قدتتألف و يکون منها جسد محمد صلي الله عليه و آله و لايدل جسد النبي علي ما يدل عليه جسد محمد صلي الله عليه و آله و هکذا و ليس ذلک الا من تفاوت مراتب الصفاء و حذف الزوائد و الغرائب و حسن التأليف علي ما يليق بکل روح و يحتاج اليه کل روح في اظهار صفاتها و اجراء افعالها و هکذا جواهر الحروف تختلف ارواحها التي هي معانيها بحسب اختلاف ائتلافها و ترکيبها و صفائها بحذف الزوائد و الغرائب اللفظية و الوصفية منها و بحسب حسن صوغها و سوئه فلا کل احد يقدر ان يؤلف الفاظا و حروفا تدل علي ازيد من عقله و مقامه و حده و امثل لک في ذلک مثالا ان البناء يقدر علي ان يؤلف اللبن و الطين و الماء حتي يجعل بناءا يستقر فيه الاجسام و يدل کل جزء من بنائه علي ما يستقر فيه بحسب تأليفه و ترکيبه مثلا يدل بيت من بيوته علي انه المضيف و يحل فيه الضيف و بيت علي انه لاجل ان يحل فيه النساء و بيت علي انه لاجل المخزن و بيت علي انه لاجل الاصطبل و بيت علي انه لاجل الانبار و بيت علي انه لاجل المطبخ و هکذا کل جزء منه يدل علي شيء من الاشياء التي ينبغي ان يحل فيه فالبناء يقدر ان يؤلف من حروف اللبن و روابط الطين لفظا هکذا يدل علي ما ينبغي ان يحل فيه و لايقدر ان يؤلف من الماء و التراب حتي يجعله بيتا يحل فيه الروح النباتية و الحيوانية و الانسانية و هکذا فان هذا التأليف لايحصل بالالات الجسمانية و الجوارح الجسدانية فلايمکن ذلک التأليف باليد و الرجل و يحتاج الي جارحة طبيعية و هي خارجة عن قدرته و لاتصرف له فيها الا من کان له تصرف فيها و الطبيعة بحکمه و جاحرة من جوارحه فهو يمکنه ترکيب العناصر بحيث يحل فيها الروح النباتي و هو کالملک المؤلف للنبات و اما هذا الملک لايقدر ان يؤلف العناصر بحيث يحل فيها الروح الفلکية لان جوارح ملک النبات طبيعية و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 99 *»

في تأليف العناصر حتي يصير بيتا للحيوان يحتاج الي جارحة حيوانية فلکية فليس له ذلک و انما هو شأن الملئکة الافلاکية و هکذا. و هکذا الامر في الالفاظ حرفا بحرف الا تري ان العامي الذي ليس له نفس علامة لايقدر ان يؤلف الحروف تأليفا تدل علي مسألة من المسائل العلمية و الذي له نفس علامة في الفقه و ليس له نفس علامة بالاکسير لايقدر ان يؤلف کلمات و حروفا تدل علي علم الاکسير و ان کان جميع الالفاظ من الحروف و يمکن في الامکان جميع انحاء اقتراناتها و لکن لا کل احد يقدر علي کل ترکيب الا تري ان ترکيب العناصر بجميع انحائه کان ممکنا و لکن لا کل احد کان يقدر ان يؤلف منها ما يشاء فکذلک الانسان لو اجتمعوا لايقدرون علي ان يؤلفوا من الحروف ما يمکن لادق جوارحهم و هو عقلهم و لايقدرون علي تأليف لايتصرف فيه جارحة العقل اتري يتصرف جارحة اليد في تأليف النبات فهکذا لايتصرف عقول الاناسي ان يؤلفوا من الکلام تأليفا يدل علي جسد الانبياء و يحل فيه لان ذلک فوق شهاداتهم و مراتب مقاماتهم و قدرة جوارحهم و اما النبي فيقدر ان يؤلف من الحروف تأليفا يدل علي اجسادهم او امثلتهم او غيرها من مراتبهم ولکن لو اجتمع الانبياء کلهم لايقدرون ان يؤلفوا حروفا تدل علي جسد آل محمد عليهم السلام لانه فوق شهادتهم و تصرف جوارحهم و لکن هم بانفسهم يقدرون ان يرکبوا حروفا و کلمات تدل علي اجسادهم و هکذا و هم ايضا لو اجتمعوا کلهم لايقدرون ان يؤلفوا کلمات و حروفا تدل علي ما يخص به سبحانه من المقامات و الصفات قال النبي صلي الله عليه و آله انت کما اثنيت علي نفسک لا احصي ثناءا عليک و بذلک صارت اسماء الله و صفاته توقيفية و اتفقوا عليه و ان لم‌يعرفوا وجهه و ذلک لانه لايقدر احد ان يؤلف تأليفا يدل علي صفاته سبحانه و مقاماته غيره سبحانه فهو يقدر علي تأليف ذلک بجوارح الهية لاهوتية فيؤلف ما يشاء کيف يشاء حتي يدل علي صفاته و مقاماته ثم يعرفها خلقه و يأمرهم ان يدعوه بها و يتوسلوا اليه بها کماخلق النبي صلي الله عليه و آله و عرفه خلقه ليتوسلوا اليه به فلو اجتمع اهل السموات و الارض علي ان يؤلفوا اسما من اسمائه سبحانه لايقدرون عليه و لو کان بعضهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 100 *»

لبعض ظهيرا انظر في ظاهر ظاهر هذا الخبر واعرف المقصود سئل اميرالمؤمنين عليه السلام بم عرفت ربک قال بما عرفني نفسه قيل و کيف عرف نفسه فقال لايشبهه صورة و لايحس بالحواس و لايقاس بالناس قريب في بعده بعيد في قربه الخبر و في الدعاء يا من دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة ‌مخلوقاته و ايضا في الدعاء بک عرفتک و انت دللتني عليک و لولا انت لم‌ادر ما انت و قال الرضا عليه السلام ساجدا سبحانک ماعرفوک و لا وحدوک فمن اجل ذلک وصفوک سبحانک لو عرفوک لوصفوک بما وصفت به نفسک و لااشبهک بخلقک انت اهل لکل خير فلاتجعلني من القوم الظالمين و کتب ابوالحسن عليه السلام ان الله اعلي و اجل و اعظم من ان يبلغ کنه صفته فصفوه بما وصف به نفسه و کفوا عما سوي ذلک الي غير ذلک من الاخبار و ادلة ‌الاعتبار فليس لاحد ان يصفه بوجه من الوجوه الا ان يصف الله بشيء نفسه و يعرفه خلقه ثم يتوسلوا به اليه و يصفوه به و الا فلايمکن لاحد فلعلک عرفت بذلک انه لايقدر ان يؤلف کلمات و حروف مثل تأليف القرآن و لو اجتمع عليه اهل الارضين و السموات من الجن و الانس و الملائکة و الانبياء و الرسل و الائمة الطاهرين و محمد خاتم النبيين عليهم صلوات المصلين فلايقدرون علي ترکيب حرفين من الکتاب علي النهج الذي رکب الله سبحانه و علي الوضع الذي وضعه الله و لاتزعم ان لفظة قال مثلا قاف و الف و لام و کل العرب کان يقول و نحن ايضا نقول فان مثلک في ذلک مثل من صنع وردة من الخرق و المفاتيل و زعم انه کالورد النابت و هو ينبت و ما صنعت لاينبت و هو حي و هذا ميت و هو يؤثر و هذا لايؤثر الا تري انک لو اهنت بمکتوب «قال» علي انه من القرآن کفرت و لو اهنت به علي انه قولي لم تکفر و لو لم‌تکن في تلک الکلمة روح لماثرت هذا التأثير الا تري انه يؤخذ من القرآن ما يشاء لما يشاء و يوضع في الالواح و يرقي به و يؤثر و يشفي و لايؤثر قولک قال ابدا في رقيً و لاغيرها و هل ذلک الا لاجل ان في کلامه تعالي روحا و ليس في کلامک روح و ان القرآن يجيء يوم القيمة بهيئة رجل و يشفع لکل من تمسک به في دار الدنيا و کلامک ليس هکذا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 101 *»

و انما ذکرنا هذه الجهات لمن کان مسلما و عرف انه معجز و اراد ان يعرف سره و اما غير المسلم فيتحدي بان يأتي بمثله و لايقدرون علي ان يأتوا بسورة من مثله و ذلک لانهم لايسلمون ان کلمتهم ايضا لاتکون مثل کلمة الله فيتحدون بسورة و بعشر سور و انما ذلک لصعوبة تفهيمهم ان مثل الکلمة ايضا لايمکن صدوره من غيره سبحانه و الا لو اجتمع جميع اهل السموات و الارض علي ان يؤلفوا کلمة من کلمات القرآن حتي لفظة فرعون مثلا ما قدروا عليه فان في ترکيب القرآن خصوصيات لايقدر احد ان يؤلف الحروف عليها الا الله سبحانه بجوارح سرمدية و آلات لاهوتية الا تري ان لفظة فرعون منک يحرق و لا حرج و لفظة فرعون من القرآن لاتمس بغير طهر و لفظة فرعون من القرآن شفاء من کل داء و امان من کل خوف و حفظ من کل سوء و ليس من غيره هکذا و بالجملة ‌خلقة القرآن کخلقة محمد صلي الله عليه و آله فکما انه لايقدر احد ان يخلق مثل محمد صلي الله عليه و آله لايقدر احد ان يأتي بمثل القرآن و عدم القدرة علي الاتيان بمثله علي وجهين وجه يمکن ان يؤتي بمثل صورته و ليس له تلک الروح و قسم لايمکن ان يؤتي بمثل صورته ايضا فان حسن تأليفه و ترکيبه فوق طاقة المخلوق اما ما يمکن الاتيان بمثله صورة فالکلمات و الحروف التي اذا تکلم بها وحدها لايعرف انها من القرآن بنفسها من غير قرينة کلفظة کان مثلا فمثلها يؤتي بمثله صورة و لکن لا روح لما اتوا به و لا دلالة له علي المقامات و العلامات اللاهوتية و اما ما لايمکن الاتيان بمثله ابدا فهو ما يفهم انه قرآن اذا قريء و هو مقدار سورة‌الکوثر و التوحيد مثلا فليس لاحد ان يأتي بمثله لا صورة و لا معني و لو اجتمع عليه الانس و الجن فانه ترکيب الهي بجوارح ربانية و ادوات سبحانية و مثله بعينه مثل سائر الخلق فانهم و ان کانوا يقدرون علي ان يأتوا بشبه صورة بعض الاشياء فانهم لايقدرون ان يأتوا بمثل اکثرها صورة و جميعها معني و انما يقدرون علي تأليفات عرضية لايسمن و لايغني من جوع و اني لهم بالتأليفات الحقيقية و الترکيبات الاصلية فتبين و ظهر ان لتأليف القرآن خصوصيات من تقديم حرف علي حرف و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 102 *»

تأخير کلمة عن کلمة و آية عن آية و سورة عن سورة و خصوصيات کل حرف من قلقلتها[4] و همسها[5] و جهرها[6] و اطباقها[7] و انفتاحها[8] و شدتها[9] و رخاوتها[10] و استعلائها[11] و انخفاضها[12] و ذلاقتها[13] و صموتها[14] و صفيرها[15] و لينتها[16] و منحرفها[17] و مکررها[18] و هاويها[19] و مهتوتها[20] و فتحها و رفعها و خضفها و سکونها و مدها و ظهورها و خفائها و ناريها و هوائيها ومائيها و ترابيها و متواخيها و متناکرها و نورانيها و ظلمانيها و مذکرها و مؤنثها و نظائرها و غرائزها و ناطقها و معجمها و مهملها و متعاديها و يابسها و فاتحها و جامدها و تامها و رسلها و علماها الکملين و علماها الادنين و ملوکها و صالحيها و اغنياها و فقرائها و اشقيائها و عوامها و حمليها و ثوريها و جوزائيها و سرطانيها و اسديها و سنبليها و ميزانيها و عقربيها و قوسيها و جدييها و دلويها و حوتيها و قمريها و عطارديها و زهريها و شمسيها و مريخيها و مشتريها و زحليها و مداخلها الصغيرة و الکبيرة و المتوسطة الکبري و المجموعية و الاکبر و الاکبر الاعظم و الاکبر الاکبر و بسوطها العددية و الحرفية و قواها و منسوبات المنازل و هي شرطين و بطين و جبهة و زبرة و صرفة و نعايم و بلدة لناريها و هقعة و هنعة و ذراع و غفر و زبانا و اکليل و اخبية لهوائيها و نثرة و طرفة و قلب و شولة و مقدم و مؤخر و رشا لمائيها و سماک و عوا و دبران و ثريا و ذابح و بلع و سعود لترابيها و هکذا سائر متعلقات الحروف مما ينتسب بالايام و الساعات و الشهور و الاعوام و القرون و المعادن و الاقاليم و المواضع و البر و البحر و غير ذلک مما يطول بذکرها البيان و متعلقات الکلمات من المعروف و المجهول و الاسم و الفعل و الحرف و المعرفة و النکرة و المنصرف و غير المنصرف و الصحيح و المعتل و المفرد و التثنية و الجمع و المؤنث و المذکر و التصاريف و الاشتقاقات مما يطول بذکرها البيان و متعلقات الترکيب من الاضافة و الحال و التميز و النعت و العطف و الفاعل و المفعول و الاسناد و الابتداء و الاخبار و الاسم و الخبر و غير ذلک مما هو معروف و غير ذلک من متعلقات البيان و المعاني و الفصاحة و البلاغة و الصناعات العروضية و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 103 *»

انطباقها علي العلوم الالهية و الطبيعية و علي علم الرياضي من النجوم و الرمل و الجفر و الهندسة و الحساب و الاعداد و سائر متعلقات کل واحد و حيازتها علم الشريعة و الطريقة و الحقيقة منطبقا بعضه علي بعض و انطباقها علي الکتاب التکويني من الف الف عالم و اشتمالها علي علم ما کان و ما يکون الي يوم القيمة و تضمنها جميع الحالات و العلوم اجمل لک القول لايوجد کمال و لا حسن الا اشتمله القرآن و رکب علي احسن ما يمکن في الامکان بل کل کلمة کلمة منه يشتمل علي ما يشتمل عليه الکل الم‌تسمع حديث الصادق عليه السلام عن ابيه عليه السلام في تفسير الصمد علي نهج الحروف الي ان قال لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد و الاسلام و الايمان و الدين و الشرائع من الصمد و کيف لي بذلک و لم‌يجد جدي اميرالمؤمنين حملة لعلمه حتي کان يتنفس الصعداء الخبر و الم‌تسمع ما روي عن علي عليه السلام ان کل ما في القرآن في الحمد و کل ما في الحمد في البسملة و کل ما في البسملة في الباء و کل ما في الباء في النقطة و انا النقطة تحت الباء و الم‌تسمع انه قال لو شئت لاوقرت سبعين بعيرا من تفسير باء بسم الله الرحمن الرحيم الي غير ذلک من خصوصيات تفاسير القرآن بحيث تحير فيه العقول و تفاسير الحروف المقطعة علي معان عجيبة و اسرار غريبة و ما فيها من الايات القوارع و الرقي و العوذ و التأثيرات و العزائم و الاستخدامات للجن و الملئکة و الکواکب و رقي الهوام و الدواب و غير ذلک مما لايخفي علي اهله و هو مع ذلک في الظاهر مرتبط بالارتباط الظاهري و في الباطن بالباطني و في التأويل بالتأويلي و اذا صرفته الي اي علم و عرفته يتصرف اليه مرتبطا مؤتلفا و في کل وجه کلام منطبق علي العالم هيهات هيهات من الذي يقدر ان يلاحظ جميع ما ذکر في وضع کل حرف و ذاته و في وضع کل کلمة و ذاتها و في وضع کل ترکيب و ذاته و لمن الاحاطة بتمام ملک الله حتي يراعي فيه الانطباق علي جميع ملک الله و لمن تلک الجارحة المرکبة لهذه الحروف علي هذا النهج و انت لو شئت ان ترکب الحروف بجارحة وهمک ها هو لايحيط بکل شيء فربما ينطبق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 104 *»

کلامک علي شيء و ينفک عن باقيه او ترکبه بجارحة نفسک فهکذا او عقلک فهکذا بل لو اجتمع جميع النبيين لايقدرون ان يؤلفوا کلاما ينطبق علي جميع علم الله بل محمد و اله سلام الله عليهم و ان کانوا يقدرون علي تطبيق کلامهم علي جميع المکونات و لکن لايقدرون علي تطبيقه علي جميع الامکانيات و الافاعيل و المقامات و العلامات و الايات و الامکانات التي لم‌تکن بعد والله يعلم انها لو کانت کيف کانت تکون فمما ذکرنا و شرحنا و بسطنا علم ان خلقة القرآن مثل خلقة محمد و علي و الائمة عليهم السلام و لذا تواتر الخبر اني مخلف فيکم الثقلين کتاب الله و هو الثقل الاکبر و عترتي و هم الثقل الاصغر فاذا القرآن هو خليفة رسول الله و لايخلف احد احدا الا ان يکون من طينته و نوره و جنسه و لا فرق بين علي و القرآن الا انه ظهر بصورة ‌انسان و القرآن ظهر بصورة الکتاب بل هو رجل واحد ظهر بصورتين و لذا يأول الکتاب في الباطن في جميع الايات بعلي عليه السلام و هو الکتاب المبين حقا ظهر بصورتين بالصورة الانسانية التي هي الکتاب الصغير او الوسيط الکوني و بصورة القرآن التي هي الکتاب التدويني اسمع ما رواه مکحول عن اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله او ليس کتاب ربي افضل الاشياء بعد الله عزوجل فاذا کان افضل الاشياء بعد الله عزوجل و محمد هو الافضل صلي الله عليه و اله ثم علي فهو محمد و هو علي فکيف يماثل محمد و علي عليهما السلام بل القول بامکان وجود کتاب مثل القرآن هو بعينه القول بامکان وجود مثل محمد صلي الله عليه و اله و القول بامکان انزال الله کتابا بعد القرآن مثله القول بامکان انزال الله نبيا بعد محمد صلي الله عليه و آله مثله و القول بامکان کتاب آخر مثل القرآن قول بامکان صيرورة مبدء الاشياء اثنين و الخاتم اثنين فان القرآن هو مبدؤ الکتب و خاتمها کما ان محمدا صلي الله عليه و آله مبدؤ الاشياء و خاتمها و لماکان القرآن افضل الاشياء بعد الله سبحانه کان محيطا بجميع الاشياء و متضمنا بها و لاجل ذلک قال سبحانه مافرطنا في الکتاب من شيء و لفظة شيء نکرة واقعة في سياق النفي تفيد العموم بقدر سعة علم المتکلم و قال تبيانا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 105 *»

 لکل شيء و لفظة کل يفيد العموم بقدر علم المتکلم و سعته و قال لارطب و لا يابس الا في کتاب مبين و النکرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم بقدر علم الناطق به بالبداهة و قال و لقد صرفنا في هذا القرآن من کل مثل و هو من ادوات العموم بقدر احاطة الناطق و هکذا فاين ذکر کل هذه الامور و جميع ما في علم الله من شيء في القرآن لولا ما اذکر اتراه انه قد کذب لا والله صدق الله العلي العظيم و صدق رسوله النبي الکريم و نحن علي ذلک من الشاهدين و في الخبر ما من شيء الا و فيهه کتاب او سنة و ان کل شيء في القرآن فاذا قال الله سبحانه کل شيء في القرآن و ماترکنا فيه ذکر شيء و هو الناطق مع احاطته و سعة علمه انظر بعين عقلک هل يسع احدا ان يقول اني آتي بکتاب مثل القرآن فعلي هذا هو الله المحيط بجميع الامکان حتي وضع في کتابه کل علمه سبحان الله عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمدلله رب العالمين.

الباب الرابع‌عشر

اعلم ان بعضا من اهل العلم طلب مني ان اذکر لاعجاز القرآن وجها يعرفه کل عامي معتلا بانه رب نفس لاتسکن الي تصديق الغير و تقليده حتي تعرف ما يبرد به قلبه و ما ذکرناه سابقا و ان کان وافيا کافيا الا انا احببنا ان نذکر هيهنا جوابا خاصا له.

اعلم ان معرفة الشيء علي قسمين معرفة تفصيلية و معرفة اجمالية.

اما المعرفة التفصيلية فمن ارادها فلابد و ان يدخل البيت من بابها و يحصل ما يشترط فيها و طلب ذلک من دون تحصيل ما يتوقف عليه ظلم ظاهر و طلب خارق للعادة و لم‌يجر به العادة فمن اراد معرفة علم القرآن و وجوه کمالاته مفصلا يجب عليه ان يحصل جميع العلوم اذ في القرآن تبيان کل شيء و تفصيل کل مسألة فما لم‌يعرفه الانسان لم‌يفز بعلم القرآن مفصلا و الحال ان علمه التفصيلي مخصوص باناس مخصوصين قال الله تعالي فيهم و مايعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم و قال بل هي آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و قال انه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 106 *»

 لذکر لک و لقومک فليس معرفة اعجاز القرآن مفصلا مشرعة لکل خائض و منالا لکل ناهض و قول العامي اني لااحصل علما و لاالازم عالما و لااحضر مجالس العلم و لي اشغال دنيوية و ليس لي فرصة و ليس لي فهم دقيق و اريد ان افهم علم اعجاز القرآن مفصلا و قدعجز عنه العلماء الماهرون بعد کد و جهد و تحيروا فيه فذلک ظلم ظاهر و مخاطرة بالنفس و حسبه ما هو عليه من الجهل و ليس عندنا له جواب بل لايجيبه نبي و لا وصي نبي اذ لو بنوا علي ذلک لکان اللازم عليهم ان لايترکوا في الدنيا عاميا الا و يعلموه علما تفصيليا بجميع اسرار التوحيد و النبوة و الولاية و الکتاب و السنة فلينصف منصف هل يمکن العلم التفصيلي بالنجارة و الخياطة من دون ممارسة‌و لايمکن فان کان لايمکن فکيف يجوز طلب ذلک في المعقولات الدقيقة.

و اما العلم الاجمالي الذي يسکن به القلب فهو ممکن و من ليس في قلبه مرض و ليس في طينه الحاد و شقاء يکتفي بذلک و يؤمن به و لاينبغي للانسان التارک للعلوم التفصيلية ان يعود نفسه الوساوس و عدم الرکون الي ما حصل له مخافة ان يکون في التفصيل شيء ينافي ذلک فمن يوسوس له فاما ان يتوجه الي العلوم التفصيلية او يدفعها بالاذکار و العبادات فانها من الشيطان فاقول لاولئک العوام بعد ما عرفوا التوحيد و صفات الرب المجيد انه من البديهيات انه قدظهر بمکة رجل اسمه محمد بن عبدالله و ابن آمنة و ظل فيها اربعين سنة لم‌يدع شيئا ثم ادعي النبوة و نزول الوحي عليه و اتي بهذا الکتاب نوعا يقينا و ان وقع فيه تحريف في الجملة و اسقاط و کافح بها العرب و قرأها عليهم و بديهي انه هو کتاب يدعو الي التوحيد و الاخلاص و خلع الانداد و انکار البنين و البنات و الاکفاء لله سبحانه و ترک الاوثان وتصديق الانبياء الماضين و المؤمنين و يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنکر و البغي و يدعو الي البر و العمل به و ينهي عن الفساد و العمل به و يدعو الي الاخلاق الزکية و الخصال المحبوبة و الزهد والکرم و الوفاء والجود و الصفح و المداراة و کل خير و ينهي عن الفرية و الکذب و الغيبة و الظلم و امثال ذلک و لم‌يأمر في کتابه بشيء و لم‌ينه عن شيء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 107 *»

الا و يصدقه العقول السليمة و تستحسنه و جري علي سنة الانبياء والمرسلين و منهاج الصالحين بحيث لو سألت حکيما عاقلا ان النبي اي رجل يکون و الي اي امر يدعو و کيف ينبغي ان يکون سيرته و يسلک بين العباد والبلاد و ما صفة النبي الحق لماتجاوز صفته و لا وصف غيره فقام بين يدي الله عزوجل و هو الشاهد العليم الخبير القادر المقتدر يراه و يسمعه فقام بين يديه في عباده و بلاده و قال اني قدجئت من عند الله الشاهد المطلع القادر غير المغري بالباطل و لو تقولت عليه لاخذني و لو صدقت لصدقني و سکت عني بل ايدني و قواني فانا نبي من عنده و هذا الکتاب کتابه قدوضع فيه علم الاولين و الاخرين علي نحو لايعرفه الا هو و من علمه هو من نبي او وصي نبي او حکيم علمه ذلک النبي و ذلک الوصي و فيه جميع ما تحتاجون اليه في جميع امورکم الي يوم القيمة فاني خاتم النبيين و شريعتي باقية الي يوم القيمة و هذا کتابي و لايقدر علي الاتيان بمثل هذا الکتاب احد من الخلق من لدن آدم الي يوم القيمة فان فرض انه اتي آت بکلام مسجع فمن اين لهم تلک العلوم التي وضعها الله في هذا الکتاب و من اين لهم خصوصيات کل حرف و خصوصيات کل کلمة فمن اتي بکلام فاما يکون علي قباحة يعرفها نفسه فان لم‌يعرفها نفس القائل فيقيض الله من يعرفه عوار کلامه من الادباء و امثالهم حتي يعرف و ان لم‌يعرف بعد التنبيه فيقيض الله قوما يشهدون علي عوار کلامه و يتفقون عليه حتي‌يسكن و ان لم‌يكن في عرض الناس احد يعرف عواره يبعث الله حکيما عالما يبين نقص کلامه و انحطاطه عن درجة القرآن و ان کان فوق ادراک الحکماء يبعث الله وصيا او نبيا يظهر و يبين وجه انحطاط کلامه عن درجة القرآن البتة بالجملة علي الله نقض الکلام الباطل و بيان عواره المنبيء عن انه ليس من الله و لو بازهاقه و محقه عن العالم و ابطال ذکره و اخماد ناره فهذا القرآن معجز و من عند الله و لو تقولت علي الله لاخذ مني باليمين ثم لقطع مني الوتين و ماامهلني و فضحني بما شاء کيف شاء باسباب غيبية او شهادية و لا اقل من ان يبعث احدا يظهر فساد ادعائي و يبطل دعوائي و هو قادر علي ذلک لايداري و لايداهن و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 108 *»

لايساهل و لايغري بالباطل و لايصلح عمل المفسدين فلما قمت بين يدي الله و بين اظهرکم و جئت بما جئت و صدقني و سکت عن دفعي و هو مبطل کل باطل و مصدق کل حق فاعلموا اني علي الحق و نبي صدق فعلي العوام الجاهلين بوجه اعجاز القرآن هذا الوجه اجتهادي يقيني کاف واف و يري و يشاهد انه من لدن ظهوره و ادعائه لم‌يأت احد بکلام يماثله و کل من اخذ في الوقاحة و اتي بکلام ظن انه مثله قمعه الله باختلافات و ضربه الله بفسادات عديدة و اغلاط يستنکرها کل احد و لو کان القرآن من عند غير الله لکان الله قادرا علي ان يبعث من يأتي بمثل کتابه فهذا هو وجه يعرفه کل عامي و عالم و يمکن ان يستيقن به عن اجتهاد فتدبر و انصف و بياناتي هذه سماوية لايقدح فيها الاعتراضات الارضية فالشبهات القديمة کانت ترد علي بياناتهم الارضية حيث کانوا يستدلون علي اعجاز القرآن بتصديق الاعشي و الوليد و غيرهما من شعراء العرب و نحن لاناخذ ديننا من هؤلاء فلايقدح في ادلتنا ما قدح في ادلتهم فراجع.

الباب الخامس‌عشر

و من العجب العجاب و ما يزيد في الاستغراب ما ذکره من اهل الشبهة انهم يقولون ان في القرآن کلمات تخالف العربية کالتذکير و التأنيث و الافراد و الجمع و الحذف و الزيادة و امثال ذلک و قدذکر السيوطي في کتاب الاتقان اکثرها و ذکر في کتب العربية المبسوطة قليل منها و قدتنبه بها المفسرون و وجهوه بتوجيهات قريبة و بعيدة و قدفسرها الائمة عليهم السلام بما يستغرب غير متبعهم و امثال ذلک من الکلمات. اقول فيا لله و للعجب انظروا ايها الاخوان الي استحواذ الشيطان علي اهل هذا الزمان حتي شکوا في عربية القرآن و زعموا انه وقع فيه الخطاء و النسيان و يخالف القواعد الموضوعة و الميزان و لعمري ان ذلک يضحک الثکلي افلاتنظرون افلاتتفکرون ان هذا الصرف و النحو و المعاني و البيان علوم مستحدثة في الاسلام و ذلک ان العرب قبل بعثة النبي صلي الله عليه و آله کانوا لازمي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 109 *»

جزيرتهم لم‌يجوسوا خلال الديار و لا اختلطو بسائر فرق العالم و کانوا في قراهم و بواديهم يتکلمون بلغتهم علي اختلاف فرقهم و کل فرقة‌منهم لهم لغة و هم فيما بينهم مختلفون في کثير من الالفاظ مادة و صورة و استعمالا کما هو معروف مضبوط في کتب العربية فلما بعث النبي صلي الله عليه و اله علي الخلق و علا امره و دعاهم الي الجهاد جاهدوا القبائل الي ان آثر جوار الله و قام رؤساء الضلالة مقامه و اشتغلوا بالجهاد حتي فتحوا بلاد العجم و انتشروا في بلاد العجم و اسروهم و ذهبوا بهم الي بلادهم و ظلوا عندهم و تناکحوا و نتجوا فصار اولادهم يخالطون آباءهم و سائر العرب حتي نطقوا بعربية ناقصة معوجة حتي کثروا في بلاد العرب و خالطهم اولاد العرب و نشوا معهم ففسدت السنتهم ايضا حتي آل امر العرب الي انحراف لسانهم و اعوجاجه کماتري الان من اختلاف لسان جميع بلادهم و قراهم و بواديهم و کل ذلک بمخالطة العجم کما تغير لسان العجم في جميع بلادهم حين انتشار العرب فيهم حتي صار اغلب کلمات العجم عربيا و آل امرهم الي ان نسوا عجميتهم في کثير من الالفاظ فلما رأي مولانا اميرالمؤمنين و حافظ الايمان و الدين عليه السلام ذهاب العربية و فسادها و رأي ان في فسادها يفسد امر الکتاب و السنة و يخفي مراداتهما بل يفسد الفاظهما لفساد لسان الناقلين و نقل السنة‌ بالمعني في کثير من الاحاديث اراد حفظ الدين و ضبط الکتاب و السنة فوضع قواعد کلية و اعطاها ابا الاسود الدؤلي و قال انح هذا النحو و امره بتتبع کلمات العرب و ضبط موادها و صورها و حرکاتها و سکناتها فبني علي تتبع کلمات العرب و جمع بقدر الميسور و اضاف الي تلک القواعد التي القيت اليه ثم تنبه الناس و استحسنوه و کثر طلابه فبنوا علي الفحص و معرفة القياسي و السماعي و ضبط اختلافات فرق العرب و استعانوا باشعار العرب البوالين علي اعقابهم و ‌آکلي لحم الضب و شاربي بول الابل لان اللسان لسانهم فجمعوا سماعيات و لماکثرت قاسوا عليها قياسيات اخر و استشهدوا بتلک الاشعار الصادرة عن صبيانهم و عجائزهم و رواعيهم و جماليهم و اهل حضرهم وبواديهم لانهم السناد في الامر المسموع الذي ليس للعقل فيه سبيل فشاع هذا العلم في اعصار الخلفاء و کثرت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 110 *»

المباحثات و المجادلات و الکتب فيه و مال الخلفاء الي هذا العلم و بذلوا عليه الاموال فکثر في علمائهم التحاسد و التباغض و الخصومات حتي اختلفوا فنفي واحد ما اثبته الاخر و اثبت واحد ما نفاه الاخر لجاجا و عنادا فانهم لم‌يکن تقوي يحجزهم و لاتدين يمنعهم و لم‌يکن تلک المسائل بمسائل دينية يخافون التشنيع عليهم و للتحاسد و التباغض فيه مجال واسع و ربما يضعون لاختيارهم شواهد وضعية من عند انفسهم کما اقروا به في کتبهم و کثر فيه الاجتهاد الي ان شاع هذا العلم في جميع البلاد و لماکان کوفة مهاجر مولانا اميرالمؤمنين عليه السلام و اخذوا عنه غالبا ما اشکل عليهم و کانت البصرة مهاجر صاحبة الجمل و کان بين اهل کوفة و البصرة من المخاصمة و التحاسد و التحارب و اللجاج ما لايخفي کان اکثر سعي اهل بصرة في مخالفة اهل الکوفة و لذلک کثر الاختلاف بينهم و اختلفوا في کثير من المسائل الادبية و لماکان بناء الناس و السلاطين علي اطفاء نور آل محمد عليهم السلام و علي مخالفة اميرالمؤمنين عليه السلام رجحوا اهل بصرة و قدموهم و نشروا کتبهم و اقوالهم و هي الکتب الشائعة بين الناس اليوم من يوم کانوا علي مذهب اهل السنة او کانوا يتقون حتي نشوا علي الاعتقاد بکتب اهل البصرة حتي انه لو قال اليوم احد بقول اهل کوفة في مسألة‌ مثلا و قال ان المصدر مشتق من الفعل کما اختاره اهل الکوفة و ليس بالعکس کما اختاره اتباع صاحبة الجمل لانکر عليه عالم الناس و جاهلهم بالجملة ان علم العربية حدثت في الاسلام لاجل ذلک و ان کان مستنبط العلماء اشعار الجاهلية و کلمات اهل البوادي و رواعي الغنم و جمالي الجمل و النساء و الصبيان من العرب فاستنبطوا منها و نسجوا عليها و کلما سمعوا منهم و لم‌يقدروا علي جريانه في کل موضع قالوا انه سماعي و انما سمعوه من امرأة او من راع او جمال و لم‌يکن للعرب يومئذ کتاب و علم مضبوط حتي يستخرج نحو التکلم منه و ينسج علي منواله فاعظم مستند علماء الادب کلام العرب سکنة البوادي و القفار و متتبعي مساقط الامطار و ليست العربية بعلم عقلي يقام عليه ادلة عقلية و انما تکلفوا ادلة ظاهرية لما سمعوه و کلما عجزوا عن الدليل قالوا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 111 *»

انه سماعي و ليس للعقل فيه مدخل فکيف صارت کتب اهل العربية و قواعدهم حاکمة علي القرآن و صاحبه افصح العرب و اعلمهم بالاتفاق من المؤمنين و المنافقين و الکافرين و کيف ينبغي ان يعرف به صحة الفاظ القرآن و سقمها و قد جاء النبي بالقرآن و قرأ عليهم حين لم‌يختلط السنتهم ابدا بلسان قوم و کانوا في غاية‌ الفصاحة و البلاغة فطارت البابهم و تحيروا حتي اعترفوا و اذعنوا و آمنوا و لم‌يقل احد منهم انه علي خلاف العربية فياويلهم کيف يجوز ان يصير ميزان علم العربية کلام العجوز الساکنة في البر آکلة الضب شاربة بول الابل و لايکون کلام محمد صلي الله عليه و اله ميزان علم العربية و صاروا يزنون کلامه بکتب العربية و يزعمون ان فيه اغلاطا علي خلاف العربية هلانزلوه هؤلاء المرتدين عن الاسلام منزلة ‌امرأة من العرب و يقولوا ان لفظته هذه سماعية و ان ذکر مؤنثا او انث مذکرا يقولوا قد جاء الوجهان في العربية کما قدجاء الوجهان في کثير من الالفاظ و ان افرد جمعا او جمع مفردا فکذلک فان کل ذلک سماع من العرب و کم من لفظ مفرد الصورة يستعمله العرب في مقام الجمع و کم من لفظ جمع الصورة يستعمله العرب في معني المفرد آه آه آل امر آخرالزمان الي هنا حيث شکوا في عربية القرآن و لم‌يشکوا في عربية‌ نساء العرب الحائضات علي اعقابهم کذلک يمتحن الله هذه الامة کما امتحن الذين من قبلهم و قال بسم الله الرحمن الرحيم ا لم‌ احسب الناس ان يترکوا ان يقولوا امنا و هم لايفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الکاذبين و هذا الباب لايحتاج الي ازيد من هذا الجواب و ما اشبه هذه الشبهة بشبهة بعض علماء الافرنج حيث قالوا انا بعثنا رجالا منا تعلموا العربية فلم‌يعرفوا معجزة في القرآن بل وجدوا مقامات الحريري افصح من القرآن ياويلهم ان الحريري بنفسه خاضع لدي القرآن و هم وجدوا مقاماته افصح من القرآن و اني اتحديهم ان يأتوا بکتاب بل بسورة مثل القرآن من زبورهم و انجيلهم و توريتهم و لو کانت علي غير لسان العرب کما قدمنا و يقولون انها کلام الله فان لم‌يکن کلام الله بزعمهم مثل القرآن فکيف يکون کلام الحريري او غيره

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 112 *»

مثل القرآن و الرجل المسکين معترف بعجزه عن الاتيان بمثله. ها ان نبينا صلي الله عليه و آله لم‌يتحد العرب وحدهم و انما تحدي العرب و العجم و لم‌يطلب منهم ان يأتوا بلسان العرب فليأت کل قوم في لسانه بکتاب علي لسانه يماثل القرآن في فصاحته في العربية و بلاغته و لطافته و احتوائه علي العلوم و الغرايب و الغيوب ان کانوا صادقين و لنعم ما قال القطب الراوندي في الخرائج و الجرائح حيث قال ان کتاب الله المجيد ليس هو مصدقا لنبي الرحمة خاتم النبيين فقط بل هو مصدق لسائر الانبياء و الاوصياء قبله و سائر الاوصياء بعده جملة و تفصيلا و ليست جملة الکتاب معجزة واحدة بل هو معجزات لاتحصي و فيه اعلام عدد الرمل و الحصي لان اقصر سورة انما هو الکوثر و فيه الاعجاز من وجهين احدهما انه تضمن خبرا عن الغيب قطعا قبل وقوعه کما اخبر من غير خلف فيه ان شانئک هو الابتر الي ان قال و الثاني من طريق نظمه الي ان قال ثم ان السور الطوال متضمنة للاعجاز من وجوه کثيرة نظما و جزالة و خبرا عن الغيوب فلذلک لايقال ان القرآن معجز واحد و لا الف معجز و لا اضعافه فلذلک خطأنا قول من قال ان للمصطفي صلي الله عليه و آله الف معجزة او الفي معجزة بل يزيد ذلک عند الاحصاء علي الالوف انتهي. فليأتوا بکتاب مثله يشتمل علي ما يشتمل فان قضية المماثلة عامة و اما الفصاحة و البلاغة و حدها فقدذکرنا ان حد اعجازها فوق حد البشر و لاتعرف الا بعد تنبيه المنبه علي قصور کلام الجاسر عن حد القرآن و اما المماثلة في کل شيء و خاصة للقرآن فانما هي تعرف و يعرف اعجاز جميع خصال القرآن شيئا علي شيء فمن زعم انه من عند البشر و ليس بمعجز فليأت بحديث مثله فان ما من البشر و ما ليس بمعجز يمکن ان يأتي به احد من البشر فليأتوا کل قوم في لسانهم کتابا او سورة مثله ان کانوا صادقين و انا اتحديهم بآية واحدة من الکتاب و هو بسم الله الرحمن الرحيم فليأتوا بآية تعادلها في فصاحتها و حکمها و اسرارها و علومها و خصوصية الفاظها ان کانوا صادقين بل اتحديهم بکتاب رجل من امة محمد صلي الله عليه و آله و هو کتاب شرح الزيارة او کتاب الفوائد للشيخ الاوحد الشيخ احمد اعلي الله مقامه فليأتوا بکتاب مثل واحد منهما ان کانوا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 113 *»

صادقين فلا والله لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا فان کتبه اعلي الله مقامه مستنبطة من القرآن و من سنة محمد صلي الله عليه و آله و من احاديث آله عليهم السلام و ليس يقدر علي مثلها من کان منحطا عن درجته اعلي الله مقامه و هو اوحدي الزمان بل لا والله لايقدرون علي ان يأتوا بمثل ورقة من کتابه بل و لا صفحة مع انه لم‌يأت بها علي سبيل الاعجاز فاذ لم‌يأتوا بمثل صفحة من کتاب رجل واحد من امة محمد صلي الله عليه و اله کيف يظنون انه يمکن ان يؤ‌تي بمثل کتاب محمد صلي الله عليه و اله و قداتي به علي سبيل الاعجاز غاية الامر انهم لايدرکون وجه اعجازه فليعارضوه بما يقدرون عليه باي لسان هم مسلطون عليه حتي يظهر عوارهم هيهات هيهات لايفعلون و لن يفعلوا ابدا ابدا و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم و الساعين في اطفاء نورهم اجمعين و لنختم هذا الکتاب بذکر بعض الاحاديث ليکون ختامه مسکا.

الباب السادس‌عشر

ففي البحار من الکافي بسنده عن ابي‌يعقوب البغدادي قال قال ابن السکيت لابي‌الحسن عليه السلام لماذا بعث الله موسي بن عمران بالعصاء و يده البيضاء و آلة السحر و بعث عيسي بآلة الطب و بعث محمدا صلي الله عليه و آله و علي جميع الانبياء بالکلام و الخطب فقال ابوالحسن عليه السلام ان الله لمابعث موسي عليه السلام کان الغالب علي اهل عصره السحر فاتاهم من عند الله بما لم‌يکن في وسعهم مثله و ما ابطل به سحرهم و اثبت به الحجة عليهم و ان الله بعث عيسي عليه السلام في وقت قدظهرت فيه الزمانات و احتاج الناس فاتاهم من عند الله بما لم‌يکن عندهم مثله و بما احيي لهم الموتي و ابرأ الاکمه و الابرص باذن الله و اثبت به الحجة عليهم و ان الله بعث محمدا صلي الله عليه و آله في وقت کان الغالب علي اهل عصره الخطب و الکلام و اظنه قال الشعر فآتاهم من عند الله من مواعظه و احکامه ما ابطل به قولهم و اثبت به الحجة عليهم قال ابن السکيت تالله مارأيت مثلک قط.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 114 *»

و من العيون بسنده عن محمد بن موسي الرازي عن ابيه قال ذکر الرضا عليه السلام يوما القرآن فعظم الحجة فيه و الدلالة المعجزة في نظمه فقال هو حبل الله المتين و عروته الوثقي و طريقته المثلي المؤدي الي الجنة و المنجي من النار لايخلق من الازمنة و لايغث علي الالسنة لانه لم‌يجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان و حجة علي کل انسان لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حکيم حميد و عن ابرهيم بن العباس عن الرضا عليه السلام عن ابيه عليه السلام ان رجلا سأل اباعبدالله عليه السلام مابال القرآن لايزداد علي النشر و الدرس الا غضاضة فقال لان الله تبارک و تعالي لم‌‌يجعله لزمان دون زمان و لالناس دون ناس فهو في کل زمان جديد و عند کل قوم غض الي يوم القيمة و من الخرائج روي ان ابن ابي‌العوجاء و ثلثة نفر من الدهرية اتفقوا علي ان يعارض کل واحد منهم ربع القرآن و کانوا بمکة عاهدوا علي ان يجيئوا بمعارضته في العام القابل فلماحال الحول و اجتمعوا في مقام ابرهيم ايضا قال احدهم اني لمارأيت قوله و قيل يا ارض ابلعي ماءک و يا سماء اقلعي و غيض الماء کففت عن المعارضة و قال الاخر و کذا انا لماوجدت قوله فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا آيست عن المعارضة و کانوا يسرون بذلک اذ مر عليهم الصادق عليه السلام فالتفت اليهم و قرأ عليهم قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله فبهتوا و من تفسير الامام عليه السلام و ان کنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا الي قوله تعالي اعدت للکافرين قال العالم موسي بن جعفر عليه السلام فلماضرب الله الامثال للکافرين الي ان قال قال الله لمردة اهل مکة و عتاة المدينة و ان کنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا حتي تجحدوا ان‌يکون محمدا رسول الله و ان‌يکون هذا المنزل عليه کلامي مع اظهاري عليه بمکة الباهرات من الايات کالغمامة التي کانت تظله في اسفاره و الجمادات التي کانت تسلم عليه من الجبال و الصخور و الاحجار و الاشجار و کدفاعه قاصديه بالقتل عنه و قتله اياهم و کالشجرتين المتباعدتين اللتين تلاصقتا فقعد خلفهما لحاجته ثم تراجعهما الي امکنتهما کما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 115 *»

 کانتا و کدعائه الشجرة فجائته مجيبة خاضعة ذليلة ثم امره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة فأتوا يا معاشر قريش و اليهود و يا معشر النواصب المنتحلين بالاسلام الذين هم منه برءاء و يا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الالسن بسورة من مثلهه من مثل محمد من مثل رجل منکم لايقرء و لايکتب و لم‌يدرس کتابا و لا اختلف الي عالم و لا تعلم من احد و انتم تعرفونه في اسفاره و حضره بقي کذلک اربعين سنة ثم اوتي جوامع العلم حتي علم علم الاولين و الاخرين فان کنتم في ريب من هذه الايات فأتوا من مثل هذا الرجل بمثل هذا الکلام ليتبين انه کاذب کما تزعمون لانه کلما کان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله و ان کنتم معاشر قراء الکتب من اليهود و النصاري في شک مما جاءکم به محمد من شرائعه و من نصبه اخاه سيد الوصيين وصيا بعد ان قداظهر لکم معجزاته التي منها ان کلمه الذراع المسمومة و ناطقه ذئب و حن اليه العود و هو علي المنبر و دفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم و قلب عليهم البلاء و اهلکهم به و کثر القليل من الطعام فأتوا بسورة من مثله يعني من مثل هذا القرآن من التورية و الانجيل و الزبور و صحف ابرهيم و الکتب الاربعة عشر فانکم لاتجدون في سائر کتب الله سورة کسورة من هذا القرآن و کيف يکون کلام محمد المتقول افضل من سائر کلام الله و کتبه يا معشر اليهود و النصاري ثم قال لجماعتهم و ادعوا شهداءکم من دون الله ادعوا اصنامکم التي تعبدونها ايها المشرکون و ادعوا شياطينکم يا ايها اليهود و النصاري و ادعوا قرناءکم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين و سائر اعوانکم علي آرائکم ان کنتم صادقين بان محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه لم‌ينزله الله عليه و ان ما ذکره من فضل علي علي جميع امته و قلده سياستهم ليس بامر احکم الحاکمين ثم قال عزوجل فان لم‌تفعلوا اي لم‌تأتوا يا ايها المقرعون بحجة رب العالمين و لن‌تفعلوا اي و لايکون هذا منکم ابدا فاتقوا النار التي وقودها حطبها الناس و الحجارة توقد تکون عذابا علي اهلها اعدت للکافرين المکذبين لکلامه و نبيه الناصبين العداوة لوليه و وصيه قال فاعلموا بعجزکم عن ذلک انه من قبل الله تعالي و لو کان من قبل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 116 *»

 المخلوقين لقدرتم علي معارضته فلما عجزوا بعد التقريع و التحدي قال الله عزوجل قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا و قال علي بن الحسين عليهما السلام قوله عزوجل و ان کنتم ايها المشرکون و اليهود و سائر النواصب من المکذبين لمحمد في القرآن في تفضيله عليا اخاه المبرز علي الفاضلين الفاضل علي المجاهدين الذي لانظير له في نصرة ‌المتقين و قمع الفاسقين و اهلاک الکافرين و بث دين الله في العالمين ان کنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا في ابطال عبادة الاوثان من دون الله و في النهي عن موالاة اعداء الله و معاداة اولياء الله و في الحث علي الانقياد لاخي رسول الله و اتخاذه اماما و اعتقاده فاضلا راجحا لايقبل الله عزوجل ايمانا و لا طاعة الا بموالاته و تظنون ان محمدا تقوله من عنده و تنسبه الي ربه فأتوا بسورة من مثله من مثل محمد امي لم‌يختلف قط الي اصحاب کتب و علم و لاتلمذ لاحد و لاتعلم منه و هو من قدعرفتموه في حضره و سفره لم‌يفارقکم قط الي بلد ليس معه منکم جماعة يراعون احواله و يعرفون اخباره ثم جاءکم بعد بهذا الکتاب المشتمل علي هذه العجائب فان کان متقولا له کماتزعمون فانتم الفصحاء و البلغاء و الشعراء و الادباء الذين لانظير لکم في سائر الاديان و من سائر الامم فان کان کاذبا فاللغة لغتکم و جنسه جنسکم و طبعه طبعکم و سيتفق لجماعتکم او لبعضکم معارضة کلامه هذا بافضل منه او مثله لان ما کان من قبل البشر لا عن الله فلايجوز ان لايکون في البشر من يتمکن من مثله فأتوا بذلک لتعرفوه و سائر النظار اليکم في احوالکم انه مبطل کاذب علي الله و ادعوا شهداءکم من دون الله الذين يشهدون بزعمکم انکم محقون و ان ما تجيئون به نظير لما جاء به محمد و شهداؤکم الذين تزعمون انهم شهداؤکم عند رب العالمين لعبادتکم لها و تشفع لکم اليه ان کنتم صادقين في قولکم ان محمدا تقوله ثم قال الله عزوجل فان لم‌تفعلوا هذا الذي تحديتکم به و لن‌تفعلوا اي لايکون ذلک منکم و لاتقدرون عليه فاعلموا انکم مبطلون و ان محمدا الصادق الامين المخصوص برسالة رب العالمين المؤيد بالروح الامين و باخيه اميرالمؤمنين و سيد الوصيين فصدقوه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 117 *»

 فيما يخبر به عن الله من اوامره و نواهيه و فيما يذکره من فضل علي وصيه و اخيه و اتقوا بذلک عذاب النار التي وقودها حطبها الناس و الحجارة حجارة الکبريت اشد الاشياء حرا اعدت تلک النار للکافرين بمحمد و الشاکين في نبوته و الدافعين لحق علي اخيه و الجاحدين لامامته. و من تفسير الامام عليه السلام ايضا الم ذلک الکتاب لاريب فيه قال الامام عليه السلام کذبت قريش و اليهود بالقرآن و قالوا سحر مبين تقوله فقال الله عزوجل الم‌ذلک الکتاب يا محمد هذا الکتاب الذي انزلته عليک و هو بالحروف المقطعة التي منها الف و لام و ميم و هو بلغتکم و حروف هجائکم فأتوا بمثله ان کنتم صادقين و استعينوا علي ذلک بسائر شهدائکم ثم بين انهم لايقدرون عليه بقوله قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي ان يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيرا ثم قال الله تعالي الم هو القرآن الذي افتتح بالم هو ذلک الکتاب الذي اخبرت به موسي و من بعده من الانبياء و اخبروا بني‌اسرائيل اني سانزله عليک يا محمد کتابا عربيا عزيزا لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حکيم حميد لاريب فيه لاشک فيه لظهوره عندهم کما اخبرهم انبياؤهم ان محمدا ينزل عليه کتاب لايمحوه الماء يقرأوه هو و امته علي سائر احوالهم الخبر قال المجلسي رحمه الله بعد ذلک في بيان اعجاز القرآن و وجهه زائدا علي ما تقدم و هو انه صلي الله عليه و آله تحدي بالقرآن و دعا الي الاتيان بسورة مثله مصاقع البلغاء و الفصحاء من العرب العرباء مع کثرتهم کثرة رمال الدهناء و حصي البطحاء و شهرتهم بغاية العصبية و حمية الجاهلية و تهالکهم علي المباهاة و المباراة و الدفاع عن الاحساب و رکوب الشطط في هذا الباب فعجزوا حتي آثروا المقارعة علي المعارضة و بذلوا المهج و الارواح دون المدافعة فلو قدروا علي المعارضة لعارضوا و لو عارضوا لنقل الينا لتوفر الداعي و عدم الصارف و العلم بجميع ذلک قطعي کسائر العاديات لايقدح فيه احتمال انهم ترکوا المعارضة مع القدرة عليها او عارضوا و لم‌ينقل الينا لمانع کعدم المبالاة و قلة الالتفات و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 118 *»

الاشتغال بالمهمات الي آخر کلامه اقول لولا التقرير لکان جميع هذه الادلة کرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لايقدرون منه علي شيء هب اي دلالة في عجز العرب علي کون القرآن معجزة فوق حد البشر منذ عصر آدم الي يوم القيمة و فوق حد الجن کذلک و لم لايضر الاحتمال اذا کان قويا و ما ضعف هذا الاحتمال لولا التمسک بالتقرير و هل هذه الادلة علي اثبات المدعي الا ظنية لاتغني من الحق شيئا بالجملة لعمري هذه الادلة التي يتمسک القوم بها لو جاز نبي بعد نبينا صلي الله عليه و اله و جاء احد و ادعي النبوة و استدل علي نبوته بهذه الادلة لما آمن به احد من هذه العلماء و لا من عوام عصرنا فان هذه الادلة اوهن من بيت العنکبوت مع انه من اوهن البيوت و لذلک لايقر بها احد من الخارجين عن المذهب و لکن اهل الاسلام تولدوا في الاسلام و نشوا@ عليه و اطمأنوا به فلما سئلوا عن الدليل قاموا يستدلون بهذه الادلة و يتکلفون في کونها دليلا مفيدا للقطع و هي کما تري و لو تدبرت في ادلة‌ الناس و آرائهم لصدقت عن معرفة انه من لدن آدم الي يومنا هذا و الي يوم القيمة لولا دليل التقرر لم‌يتم دليل ابدا الا قليل بل و لا القليل و لايمکن القطع بشيء غير المحسوسات و البديهيات الا به فلمثل هذا فليعمل العاملون و اياه فليطلب الطالبون و عنه فليبحث الباحثون فانه منار هدي لايخفي نوره و نجم اهتداء لايستتر ظهوره فيا معشر الاخوان و جماعة الخلان عليکم بهذا الدليل في آخر الزمان و البحث عنه في کل آن اذ به يعرف صفات الله المنان و به يثبت نبوة نبي الانس و الجان و به يظهر ولاية آل محمد عليهم السلام لمن له عينان و به يثبت مقامات شيعتهم في کل عصر و اوان و به يثبت جميع الشرائع و فروع الايمان من عرفه و ثبت عليه لم‌يشق و من جهله لم‌يفز بشيء من اليقين الا ان يشاء الله فلما بلغ الکلام هنا و رأيت انه قد جري علي لسان القلم ما يکتفي به المکتفي و يهتدي به المهتدي و عرف الحق من الباطل و المحلي من العاطل و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 119 *»

رأيت ان لي اشغالا عديدة و بيدي کتب سديدة کان قلبي مشغولا باتمامها رأيت ان اختم هذا الکتاب هيهنا فوقع الفراغ من تصنيفه في ضحوة يوم السبت الرابع من شهر ذي القعدة من شهور سنة ثلث و سبعين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا.

 

 

[1] – المقدار الساعة

[2] هذا الجواب ينفع ان عرف الناس حکم الجملة و الا فلا جواب فيه. منه

[3] هذا محض خرص و تخمين و ليس بقطعي و لا دليل علي انهم کانوا يطلبون الشهود احتياطا. منه

[4] قداطبج

[5] ستشحثک خصفه

[6] باقيها

[7] صضطظ

[8] خلافها

[9] اجدک قطبت

[10] لم‌ يزو عنا

[11] خصضغطقظ

[12] خلافها

[13] مربنفل

[14] خلافها

[15] ضرس

[16] واي

[17] ل

[18] ر

[19] ا

[20] ت