12-04 جواهر الحکم المجلد الثانی عشر ـ رسالة في جواب السيد حسن القطيفي ـ مقابله

رسالة فی جواب السید حسن القطیفی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 259 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطاهرين.

اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان السيد السند و الولي المعتمد اللوذعي الالمعي المنزه عن کل شين جناب السيد حسين بن … قد بعث الي مسائل انحطت دون اغلبها الاحلام و الافکار و عجزت عن حل اکثرها عقول اولي الانظار و قد اتت في حال کمال اشتغال البال و اختلال الاحوال و عروض الاعراض المانعة عن استقامة الحال و قد احببت ان تأتيني في غير هذا الوقت لاؤدي بعض حقها من التحقيق و ارشد المتحير الي سواء الطريق بانحاء جهات التدقيق ولکن الميسور لايسقط بالمعسور و اشير الي بعض ما هو المقدور مقتصراً علي اقل ما يحصل به المطلوب و الي الله ترجع الامور و جعلت کلامه سلمه الله تعالي متناً و جوابي کالشرح له کما هو عادتي في اجوبة المسائل لتطابق کل جواب بسؤاله.

قال سلمه الله تعالي ما يقول سيدنا في الحديث المروي في القمي عن الصادق في قوله تعالي و انه هو اغني و اقني قال اغني کل انسان بمعيشته و ارضاه بکسب يده مع انا نري ذي الصنعة الرذيلة کالقصابة و غيرها لايرضي بها تحت غيرها من العالية فما معني ارضاه بکسب يده.

اقول اعلم ان الله سبحانه لايعطي احدا الا ما هو مقتضي مسئلته و طلبته و الا لکان بخيلا او ظالما تعالي الله عن ذلک علوا کبيرا و الملازمة ظاهرة فلاتقع العطية الا علي حسب مقترح المعطي عدلا او فضلا الا ان السؤال علي قسمين احدهما سؤال بلسان المقال و ثانيهما سؤال بلسان الحال و الاستعداد و القوابل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 260 *»

فاذا تطابق اللسانان في المسئلة وقع الجواب و جرت العطية في الحال بلا تراخي و عند التخالف يجب اجابة اللسان الحالي لان اجابة المقالي عند المخالفة يلزم فساد الکينونة و الطبيعة و هو خلاف ما جرت عليه حکمه الايجاد مثال المطابقة کالمريض الغالب عليه المرة الصفراء اذا طلب المبردات فالطبيب يجيبه لا محالة لحفظ الکينونة و يعطيه ما يصلحها من انحاء التبريد و مثال المخالفة کالمريض المذکور اذا طلب المسخنات و انحاء الحلويات مثل العسل و غيره فان لسان الحال لا يطلبها لانها تفسدها و الطبيب الماهر الحکيم يجيب لسان الحال دون المقال و ان کرهه الداعي بلسان المقال بالشهوة الکاذبة فانه بعد ان صلح مزاجه و اعتدل بخلاف مشتهاه يرضي و يسکن و يطمئن.

فاذا عرفت ما ذکرنا اتضح لک الجواب عن کل مسئلة من هذا الباب فان الله سبحانه مااعطي احداً شيئاً الا و ارضاه بذلک بحسب الحقيقه و الکينونة وان کان بحسب الشهوات الظاهرية المقالية يکرهه و هذا الرضا و السخط لا اعتبار بهما و اليهما الاشارة بقوله تعالي عسي عن تکرهوا شيئاً و هو خير لکم و عسي ان تحبوا شيئاً و هو شر لکم و قال عز وجل مصرحاً بما ذکرنا و لو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والارض و من فيهن بل آتيناهم بذکرهم فهم عن ذکرهم معرضون. فالذکر هو ما طلبوا و سألوا بلسان الکينونة و الاهواء هي مشتهيات النفس بالعوارض الخارجية الظاهرة بلسان المقال و قوله تعالي ادعوني استجب لکم اشارة الي ما ذکرنا مع تخلف اغلب الادعية من الاجابة و الله سبحانه لا يخلف الميعاد فافهم و اغتنم.

قال سلمه الله تعالي : وما تقول في حديث کا عن الصادق عليه السلام اورده الکاشي في الصافي في تفسير قوله تعالي فلولا ان کنتم غير مدينين ترجعونها ان کنتم صادقين قال انها اذا بلغت الحلقوم اري منزله من الجنة فيقول ردوني الي الدنيا حتي اخبر اهلي بما اري فيقال ليس الي ذلک من سبيل.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 261 *»

اقول معناه علي ظاهره لا خفاء فيه فان کان الاشکال من جهة طلبه الرد الي الدنيا الذي هو طلب الادني الاسفل مع وجود الاعلي و التمکن منه و هو ليس شأن اهل الجنة الکاملين فالجواب ان ذلک ليس لاجل نفسه حتي يلزم ما ذکر و انما هو من جهة اظهار ما کان خافياً و ابداء ما کان کامنا من آثار اسرار الولاية التي اخفتها الحکمة الالهية لئلايلزم الاجبار و الالجاء و الانقياد لا لمحض الاخلاص عن قوله تعالي ان الساعة آتية اکاد اخفيها لتجزي کل نفس بما تسعي فاراد المؤمن عند مشاهدة تلک الآثار و ظهور تلک الانوار ان يرجع الي الدنيا و يظهر الامر ليجذب ما کان من سنخه و ليتمم الناقص ببيان ما وجد من رسمه و اسمه حتي يحصل اخواناً قد نزع الغل من صدورهم ليکونوا علي سرر متقابلين و ذلک اعظم ملاذ الجنة و اعلاها لانها من ثمرات المحبة التي لها خلق الله الخلق و هي الاصل في الوجود و السر في الشاهد و المشهود فاراد الرجوع لهذه الغاية و هي اشرف الغايات و اقصي الدرجات فمنع حيث کانت شريعة الاختفاء و الاحتجاب بعد ثابتة و الحکمة ما اقتضت في محوها و ازالتها فلابد من عدم الرجوع و لذا تري ان الحکمة اذا اقتضت محو آثار الخفاء رجعوا الي الدنيا لاظهار مخفيات الاسرار و ابداء مکنونات الانوار ففي ذلک عبرة لاولي الابصار و اما کون الآية في سياق الذم فلاينافي هذا التفسير لان القرآن علي وجوه و احوال و تفاسير و هذا التفسير نسميه في الاصطلاح تفسير التأويل لعدم ملاحظة سوق الآية و ترتيبها و شرح هذا الکلام يطول به الکلام و الاشارة‌ کافية و التفصيل في هذه الاحوال يطلب في رسالتنا الموضوعة لبيان انحاء التفاسير من الباطن و التأويل و الظاهر و ظاهر الظاهر و غيرها من الوجوه السبعة او السبعين و غيرها.

قال سلمه الله تعالي و ما معني ما ورد في حديث القمي ان کل شيء حامله الماء و الماء علي الهواء و الهواء لايحد فاي رتبة الهوي و هذا الحديث

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 262 *»

لايحضرني بما قبل و الهوي لايحد اي شيء نقلته بالظن نعم السؤال عن رتبة الهواء و انه لايحد ما معني انه لايحد.

اقول الهواء في اصطلاح اهل البيت عليهم السلام في محاوراتهم و عباراتهم يطلق و يراد به کل امر موجود ثابت غايب عن الادراک الظاهرة او الباطنة او الجميع کماقال عليه السلام ان قيل الهواء صفته فالهواء من صنعه و قال عليه السلام ان الروح متعلق بالريح و الريح متعلق بالهواء و قال عليه السلام في جواب من سأله اين کان الله قبل خلق السموات و الارض قال عليه السلام کان في عماء تحته هواء و فوقه هواء فالمراد بالماء في هذا الحديث الشريف و من الآية الشريفة من الماء کل شيء حي هو الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله التي بوجودها ثبتت الاشياء و بتحققها قامت الموجودات و لذا تري ان الارض اذا خلت من حجة الله ساخت باهلها کالبدن اذا خلا من القلب فالماء هو نور الانوار و حقيقة الاسرار و سر الموجودات و ايس الايسيات و اسطقس الاسطقسات و المراد بالهواء الذي لايحد هو الاسم المخلوق الذي خلقه الله بلا کيف و اشارة کما اشار اليه الصادق عليه السلام علي ما رواه الکليني في الکافي ان الله خلق اسماً بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ بريء من الامکنة و الحدود مبرء عنه الحدود محجوب عنه حس کل متوهم مستتر غير مستور.

و وجه آخر ان المراد بالهواء هو المشية التي خلق الله الاشياء بها کما قال عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها و المشية هي فعل الله سبحانه و ارادته و امره و کلمته و قد قال مولانا الرضا عليه السلام ارادته احداثه لا غير لانه لايروي و لايهم و لايفکر و انما يقول للشيء کن فيکون بلا لفظ و لا کيف لذلک کما انه لا کيف له و الوجه في ذلک ان الحدود و الاوضاع و الکيفيات کلها مخلوقة لله سبحانه بالمشية فهي موجودة قبلها فلو کانت الحدود موجودة لکان ايجادها تحصيلا للحاصل و لايجوز ذلک و انما هو محال.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 263 *»

و وجه آخر ان الماء هو النور الابيض الذي منه البياض و منه ضوء النهار لما علم بالبرهان ان کل بارد رطب الذي هو طبع الماء لونه البياض و هو الرکن الايمن الاعلي من العرش و باقي الارکان و الانوار متوقفة بهذا الرکن و هو عامل لها و الاشياء کلها قائمة بهذه الارکان لان مجموعها العرش الذي استوي الرحمان برحمانيته عليه و اعطي کل ذي حق حقه و ساق الي کل مخلوق رزقه و الاسماء قائمة بالعرش و هو متقوم بهذه الارکان و هي متقومة بالماء الذي هو النور الابيض و هذه المرتبة متقومة بالهواء و هو المادة التي اصل و سارية في کل هذه الارکان و جميع الحدود منتهية الي الارکان فالمادة من حيث هي هي منزهة عن جميع الحدود و القرانات و النسب و الاضافات و الاحوال لانها هي موصوف الصفات و موضوع تلک الجهات و محل النسب و الاضافات فهي في نفسها لا حد لها قضاءاً لوجوب المغايرة بين النسبة و المنسوب و المنسوب اليه فالشيء من حيث هو هو ليس الا هو و لذا قالت الحکماء ان اجتماع النقيضين و ارتفاعهما في المرتبة جائز و المراد بالمرتبة نفس الشيء لا من حيث هو فان الهوية ايضا صفة تستدعي موصوفا فالحقيقة المعرافة المنزهة عن جميع الحدود و القيود و الحيثيات هي الهواء المذکور في الحديث و التعبير لنفس وجوده و غيبته کما اشار اليه لفظه فان الهاء اشارة‌الي تثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب عن درک الحواس و لمس النار و لماکانت هذه الحقيقة من حيث هي لها صحة الصلوح للتقيد و التحديد اضيفت الي الهاء و الواو الالف اللينية لا المتحرکة لبيان نفس التعلق و الارتباط اي صلوحها لهما و قوام الحروف کلها بالالف المذکورة کما ان قوام الاشياء ذات الحدود و القيود بتلک الحقيقة المعبر عنها بالهواء فافهم فان شرح هذه المراتب و المقامات يقتضي بسطا في الکلام و ليس لي الان ذلک الاقبال.

قال سلمه الله تعالي و ما يقول سيدنا في اهل البرزخ من المؤمنين هل لهم تناکح و تزاوج في الجنة البرزخية اذا دخلوها اما تنعمهم بمأکل و غيره فنعم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 264 *»

ورد ولکن هل ورد التناکح کما في جنة الآخرة و من يناکحونه في البرزخ ابناء الدنيا ام غيرهم.

اقول اما التناکح و التزاوج في الجنة البرزخية فقد نص عليه القرآن بعد عموم قوله تعالي و فيها ما تشتهيه الانفس و تلذ الاعين و لاريب ان التناکح مما ترغب اليه النفوس القدسية و القلوب السليمة و ليس کساير الاعمال القبيحة الدنياوية التي تأباه النفوس العالية و تخصيص الآية الشريفة بجنة الآخرة لا دليل عليه کما هو المعلوم في القواعد اللفظية و اما خصوص ما يدل عليه من القرآن فقوله تعالي و من دونهما جنتان فباي آلاء ربکما تکذبان مدهامتان فباي آلاء ربکما تکذبان الي ان قال تعالي فيهن خيرات حسان فباي آلاء ربکما تکذبان حور مقصورات في الخيام, لم‌يطمثهن انس قبلهم و لا جان.

و هذه الجنة دون الجنتين اللتين اشار اليهما الله سبحانه بقوله و لمن خاف مقام ربه جنتان الآيات و دونهما هي جنة الدنيا و الدليل عليه ما ورد في الاخبار المتکثرة ان الجنتين المدهامتين تظهران في آخر الرجعات فتکونان هما من جنان الدنيا وهي جنة البرزخ ثم وصف الله سبحانه و بين ان فيهن اي جنان الدنيا خيرات حسان ثم فسرهن سبحانه بقوله حور مقصورات في الخيام, لم‌يطمثهن انس قبلهم و لا جان فبين ان اهل جنة الدنيا التي هي جنة البرزخ ينکحون الحور في القصور و ذلک ظاهر و لا منافاة في ذلک بوجه من الوجوه.

و اما بنات الدنيا فالظاهر ان نکاحهن موقوف الي الآخرة لعدم التصفية الکاملة من عوارض الخلط و اللطخ الحاصل بينهن و بين الرجال في الاحوال العرضية فان لنا في قوله تعالي الطيبات للطيبين الايات کلاماً شريفا في النسب الذاتية و العرضية بين الرجال و النساء ‌و لايسع المقام شرح ذلک و تفصيله و الجواب من السؤال حاصل مما ذکرنا.

قال سلمه الله تعالي و ما يقول سيدنا علي ما نقل لي بعض العلماء الفضلاء في ان فائدة مصافحة الانصار يوم کربلا للحسين عليه السلام انه اذا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 265 *»

بايعه و برز لايلتقي في وجهه من عسکر ابن زياد (لع) الا من ليس في صلبه مؤمن حتي يقتله فاين ورد هذا في اي کتاب عنهم عليهم السلام.

اقول اما خصوص رواية بهذا المعني فلم‌اقف عليها ولکن معناها صحيح مقطوع به لاشک فيه و لاريب فان النطف الطيبة لما سرت في الاصلاب الخبيثة حين نزولها اي الطيبة من عليين و النطف الخبيثة المتصاعدة من سجين و وقو عها علي البقول و الثمار و جريان حکم الله سبحانه بان لايقطع الفيض من اهله و مستحقه فوجب ان لايقتل الذين في اصلابهم تلک النطف الطيبة من الکفار و المنافقين اما بمشاهدة لها اما بانفسهم مثل الائمة عليهم السلام او بتبين و اعانة و زيادة نور في خواص شيعتهم او بحاجز بينه و بينهم من مدافعة الملائکة الحافظين من قوله عزوجل له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله و هکذا کان الحکم في محاربة الانبياء و الاوصياء و الحجج عليهم السلام فان العساکر مايعرفون و لايستطيعون النظر الي الاصلاب فتحول الملائکة الحفظة بينهم و بين الکفار الذين في اصلابهم تلک النطف الطاهرة حتي لاينقطع الفيض عنهم و لاتکون لهم علي الله حجة.

و اما اصحاب سيدنا الحسين روحي له الفداء فحيث فاقوا و سبقوا الکل بثباتهم و قوة نورانيتهم فکشف مولانا الحسين عليه السلام الغطاء عن بصايرهم و ابصارهم حتي نظروا الي الاصلاب لانقاذ اولئک الاطياب کما انه عليه السلام اراهم اماکنهم و منازلهم في الجنة و مقاماتهم و درجاتهم و هذا ايضا من تلک المکاشفات التي من الله عليهم بنصرتهم لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله يا ليتني کنت معهم فافوز فوزا عظيما فما ذکرتم ايدکم الله تعالي ليس خاصا باصحاب الحسين عليه السلام و لا خصوصية لمبايعته و مصافحته روحي له الفداء و ان الله سبحانه يجب عليه حفظ تلک النطف الطاهرة و هو قوله تعالي انا نحن نزلنا الذکر و انا له لحافظون و الخصوصية لعلها فيما ذکرنا فافهم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 266 *»

قال سلمه الله تعالي و ما النکتة في قوله تعالي لما اسري بنبيه صلي الله عليه و آله سبحان الذي اسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي و الاقصي کما في بعض الاخبار انه البيت المعمور مع انه تجاوز جميع مراتب الخلق فما النکتة في هذه الغاية و ما النکتة في الاسراء ليلاً لانهاراً

اقول اما التعبير بالمسجد الاقصي فقد قال مولانا الباقر او الصادق عليهما السلام کما في الصافي انه اقصي ما صعد اليه رسول الله صلي الله عليه و آله لا البيت المعمور و ان اطلق علي البيت المعمور مرة و علي بيت المقدس اخري فان له اطلاقات و المراد به في هذه الآية الشريفة اقصي المراتب و المقامات التي صعد اليها صلي الله عليه و آله و هو اعلي مقامات العرش الاعظم الاعلي الاقصي و انما اطلق عليه المسجد لانه محل الخضوع و الخشوع اذ المراتب کلما علت و قربت من المبدء الاعلي کان اعظم في الخضوع و الانقياد و التسليم و الفناء و التمحض لذکر الله تعالي و لذا کني الله سبحانه في القرآن عن الائمه عليهم السلام بالمساجد و قلوب المؤمنين مساجد و مواضع لذکر الله سبحانه فذلک الموضع الذي هو اعلي المواضع و اشرف المقامات في القرب اولي بان تسمي مسجداً فکان هو المسجد الاقصي حقيقة و البيت المعمور و بيت المقدس يسميان الاقصي من باب الحقيقة بعد الحقيقة فعبر الله سبحانه عن منتهي سير النبي صلي الله عليه و آله ثم عبر بانه الاقصي لبيان انه لايقع عليه اسم و لا رسم و لا اشارة و لايقال فيه الا انه اقصي المراتب و المقامات.

و اما کون الاسراء في الليل فلان الصعود انما يکون من العالم الاسفل الادني الي العالم الاعلي الاقصي و العالم الاسفل عالم الکثرة و هي لونها السواد و محلها و مظهرها في عالم الشهود الليل کما ان مظهر النور و محله و موقعه في عالم الشهادة النهار فحيث وجبت المطابقة بين العالمين لرفع الاختلاف في البين وجب الصعود الي العوالم العلوية في الليل و الوصول الي مقامات القرب و الوصال في النهار و لذا ورد انه صلي‌الله‌عليه‌وآله لما وصل الي اعلي العرش ناداه الله سبحانه بلسانه يا محمد ادن من صاد و توضأ لصلوة الظهر و انما خص

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 267 *»

صلوة الظهر لبيان الوصل و الاتصال بمقامات القدس في وقت استواء النور و وقوفه علي اعلي مراتب العوالم الامکانية حتي تساوت نسبته الي جميع الذرات و ان اختلفت نسب الموجودات بالنسبة اليه فافهم.

قال سلمه الله تعالي و ما معني کلام النبي صلي الله عليه و آله في خطبة‌الغدير و احاط بکل شيء علماً و هو في مکانه ما المراد بالمکان.

اقول لاريب ان الله سبحانه منزه عن المکان و الکاينات و کل شيء في عالم الامکان سبحان ربک رب العزة عما يصفون و انما المراد بالمکان الرتبة فمراده صلي الله عليه و آله ان العلم في الامکان و ان کان عين المعلوم او مقارناً و مطابقا به و لايمکن الا بهما و ليس کذلک علم القديم سبحانه و تعالي اذ لايشبه خلقه و انما هو سبحانه محيط بکل شيء و هو سبحانه في ازليته و رتبة قدمه و ابديته بلا اتصال و لا اقتران فان المقترن في رتبة قرينه و هو سبحانه متعال عن ذلک و انما احاط بکل شيء علما و هو رتبة ذاته بلا تغير و لا انتقال و لا حرکة و لا زوال علم الاشياء کلها في اماکن وجودها و مراتب شهودها و محال تحققها و هو سبحانه علي ما هو عليه في عز قدمه و سلطانه و هذا ظاهر ان شاء الله تعالي.

قال سلمه الله تعالي و قول علي عليه السلام لما ضرب و کان في مرضه قال يوما افرشوا لي في صحن داري لعلي انظر في ملکوت السموات وهل يغيب عنه الملکوت الا في صحن الدار فما معناه

اقول اعلم ان العالم کله کتاب علم مشتمل علي اوراق اودع الله سبحانه فيه علومه و غيوبه و اسرار صفاته و اسمائه و جلاله و جماله و احکام ملکه و ملکوته و هو قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و من اعظم تلک الاوراق المشتملة علي جلايل العلوم و غوامضها و اسرارها و حقايقها هو السموات لشرفها و علوها و صفائها و لطافتها و نورانيتها

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 268 *»

مع ان الله سبحانه جعلها مهبطاً للفيوضات و مرکزاً للخيرات و ينبوعا لانحاء الافاضات و مسکنا لملائکة الرحمة و الملائکة الحاملون لمواد العلوم والرسوم و الحقايق والصفات و حيث کان قلب الامام عليه السلام عيبة لعلم الله و وعاء لسره و حافظا لغيبه فجميع تلک الاحوال منکشفة لديه و حاضرة عنده.

و لما وجبت المطابقة بين مشاهدة ملکوت السموات الباطنيه و مشاهدة ملکوت السموات الشهودية و الاولي ظاهرة لقلبه اراد اظهار الثاني و انکشافه لحواسه حتي يطابق الباطن بالظاهر و السر بالعلانية ليرتفع الاختلاف في جمبيع الوجوه کما کان يقرء عليه السلام القرآن علي المصحف وان کان يعلمه بظهر الغيب فقال عليه السلام افرشوا لي في صحن داري لعلي انظر في ملکوت السموات و ينظر الي تلک العلوم المسطرات و يلقي الملائکة بانحاء الافاضات و ليتزودوا من لقائه عليه السلام فانهم لايرونه بعد الانتقال الي العالم الآخر و ليس لهم الانتقال عن محالهم و مراکزهم لقوله تعالي حکاية عنهم و ما منا الا له مقام معلوم و هذا کله لايحصل في بطن الدار و ان لم‌تکن غائبة عنه فان مطابقة العلم للمشاهدة اقوي و اعظم له و لغيره.

علي انا نقول ان مادة العلم لاتنقطع عنهم و تتجدد عليهم آناً فآناً في تلک الالواح الحقيقية فلابد من ملاحظتها و مشاهدتها و مشاهدة الآيات و العلامات الحاصلة بقران الکواکب و تحقق النظرات الدالات علي فقد الامام عليه و علي ابنائه اکمل التحيات و افضل التسليمات کما روي عنه عليه السلام انه في ليلة تسعة عشر کان يکثر الخروج الي صحن الدار و النظر الي اطراف السماء و يقول هذه الليلة التي وعدت فيها و ذلک لمشاهدة العلامات و الآيات الدالة علي ذلک و الامر و ان کان معلوما عنده عليه السلام لکنه اراد مشاهدة عللها و مبانيها و اسبابها و هذا لايتفق الا تحت السماء فافهم ان کنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 269 *»

قال سلمه الله تعالي و ما معني قول علي عليه السلام لما مر علي جدار مائل فاسرع في المشي فقيل اتفر من قضاء الله قال عليه السلام افر من قضاء الله الي قدره.

اقول اعلم ان القدر علي ما قال مولانا و سيدنا الرضا عليه السلام هو الهندسة و وضع الحدود و ترتب احکام قرانات الاشياء و نسبها في نفسها و بعضها ببعض مما هو مستودع في امکانها من مقتضيات الاجابة و الانکار في عالم الذر الاول او الثاني او الثالث و المراد بالذر الاول عالم العقول و الثاني عالم النفوس و الثالث عالم الاجسام فالقدر تفاصيل احکام تلک الاقتضاءات و صلوح الشيء لترتبها عليها بعد وجود اسبابها و عللها و مباديها و القضاء وقوع المقتضي علي المقتضي و اقتران العلة بالمعلول و السبب بالمسبب و هو المعبر عنه بالترکيب في قوله تعالي في اي صورة ما شاء رکبک فاذا وقع القضاء و تم فلا بداء في تحقق الشيء و ان حصل البداء في محوه و اثباته ففي التقدير يکون محو او اثبات دون القضاء مثلا في مثالنا لما خلق الله سبحانه جسم الانسان قدر فيه النعومة و اللين و قدر فيه سرعة الانفعال اذا وقع عليه شيء حاد او ثقيل و قدر في الجسم الثقيل مثل الجدار المائل عدم التماسک فاذا وقع الجدار الثقيل علي البدن اللطيف الناعم ينفعل يقينا فبعد الوقوع يتم القضاء لتمام وقوع العلة علي معلولها و المقتضي علي مقتضاها و قدر ايضا سبحانه انه اذا اسرع و هرب عن الجدار المائل ينجو من هذا التأثر و التألم و قد هرب عليه السلام من قضاء الله سبحانه و هو وقوع الجدار الموجب للانفعال الي قدره تعالي و هو ما قدر سبحانه بان في الاسراع و عدم وقوع الحائط نجاة من الاذية المتوقعة فهرب من امر الله الي امر الله و من حکمه الي حکمه و من قضائه الي قدره و القضاء و القدر لهما اطلاقات کثيرة و يترتب علي کل اطلاق احکام کثيرة اقتصرنا منها علي موضع للحاجة فليطلب الزيادة في ساير رسائلنا.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 270 *»

قال سلمه الله تعالي و ما يقول سيدنا فيما ورد عنهم عليهم السلام ان الميت يعاين الحجج الاربعة‌عشر عليهم السلام مع کون الزهراء امرأة فکيف يعاينها الرجل الاجنبي و ما معني معاينتها.

اقول ان الله سبحانه خلق الخلق باسرهم من شعاع انوار آل محمد عليهم السلام مثل شعاع الشمس من الشمس فلهم الهيمنة العليا و السلطنة الکبري عليهم فاذا اردت ان تنسبهم الي الخلق في المثال الظاهری بالصورة الظاهرية تقول انهم للخلق آباء فرجالهم آ‌باء لهم و امرأتهم ام حيث ان الاولاد خلقوا مما حملته نطفة آبائهم و امهاتهم فما ظنک بمن خلقوا في ذواتهم و حقايقهم من شعاع شعاع انوارهم و عکوسات آثارهم و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله انا و علي ابوا هذه الامة او تقول انهم عليهم السلام السادة و الموالي و ساير الخلق عبيد ارقاء کما في زيارة الحسين عليه السلام عبدک و ابن عبدک المقر بالرق و التارک للخلاف عليکم الزيارة.

و اما هذه الدنيا فحيث کانت الشهوة البهيمية غالبة و النفس الامارة متسلطة فلايقف الخلق الاشخاص الدنياويون علي حدودهم و لايقنعون بما تقتضيه کينوناتهم فيتمنون ما ليس لهم و يعرضون عما هم عليه من مقتضي اعمالهم و افعالهم فاوجب الله سبحانه عليهم الاجتناب الا عن المحارم التي لهم ارتباط ذاتي في اطوار کينوناتهم الدنياوية التي تمنع النفس في الغالب عن الميل اليهم بما لم‌يجعل الله لها فاذا خرجوا من الدنيا قنع کل احد بما له و لم‌يتعد حده فلا حجاب لعدم ميل الشيء الي ما ليس له في ذاته او صفاته او افعاله.

فعند الموت و معاينة الملک تظهر احکام الفطرة الاولية فلا بأس حينئذ ان يعاينوا مولاتنا الزهراء عليها السلام کما اذا عاين الرجل امه و هي روحي لها الفداء اعظم مدخلية في وجوده من امه بالنسبة اليه کما هو المعلوم لمن تتبع احاديثهم خصوصاً احاديث خلق انوارهم و کذلک الائمة عليهم السلام اذا حضروا و نظروا الي النساء ممن يحضرون عنده من المؤمنات الممتحنات فانهم ينظرون اليهن کما اذا نظر المولي الي امته و لا بأس بذلک و اما هذه الدنيا فلمحل الريبة المتوهمة في حقهم عليهم السلام منعوا عن النظر و ساير

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 271 *»

التصرفات حتي يرتدع الجاهل بذلک عن التخيل و التوهم في حقهم سلام الله عليهم بما ينافي مرتبتهم و مقام قدسهم کما منع النبي صلي الله عليه و آله عن انشاد الشعر و اما بعد هذه الدنيا فقد تمايزت النقطتان نقطة الظلمة و النور و مالت کل واحدة منهما الي مرکزهما فلايقع الاشتباه لکشف الغطاء عن ابصارهم و بصايرهم کماقال عزوجل لقد کنت في غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد فلابأس اذا نظرت الزهراء اليهم و نظروا اليها کما في نساء اهل الجنة و رجالهم الا تري کيف استثني الله غير اولي الاربة من الرجال فافهم.

قال سلمه الله تعالي و ما معني ما ورد کما في الفقيه عنهم عليهم السلام ان آخر طعم يجده الانسان عند موته طعم العنب ما معناه.

اقول الظاهر ان الانسان في هذه الرواية يراد به المؤمن بل الانسان حقيقة هو المؤمن و الکافر ليس بانسان و لايحشر علي الصورة الانسانية و ليس في النار من هو علي الصورة الانسانية لانها هيکل التوحيد و الکافر صورته عرضية لا حقيقية تنزع عند حلول الموت و قد قال تعالي اولئک کالانعام بل هم اضل و المشبه في القرآن و الاحاديث عين المشبه‌به کما برهنا عليه في کثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل و قد صرح مولانا الباقر عليه السلام بذلک في قوله الناس کلهم بهائم الا المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و معني وجدانه لطعم العنب هو السکر و الذهول في حالة الطرب الذي يحصل للمؤمن عند الموت عند حضور النبي و الائمة عليهم السلام و يظهر له ملک الموت علي صورة حسنة جميلة جداً بحيث ينجذب اليها انجذاب الحديد الي المقناطيس و العاشق الي معشوقه و المحب الي محبوبه فلايحس بسکرة الموت الا علي نحوها اي السکرة التي ليس معها نصب و لا تعب و قد حصلت من شجر الولاية التي نهي آدم عن تناولها و انما خص العنب لقوة الحرارة و الرطوبة اللطيفتين فيه اللتين بهما قوة الروح و انتعاش الحرارة الغريزية المعنوية القلبية بالروح و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 272 *»

الريحان و لک ان تجعل وجدانه لطعم العنب عاما لکل ميت فانه حين موته و انتقال روحه لايحس بشيء بل هو ذاهل عن کل شيء کما انک حالة النوم حين دخولک في النوم لاتحس شيئاً ابداً فقد وجدت طعم العنب و هو السکر و لعله لهذا سمي حالة الاحتضار سکرات الموت و العنب اسرع الاشياء استحالة الي الخمر و الطفها و اصفاها و انفعها و لذا ورد التعبير عنها به دون غيره و يحصل منه کالتمر و الشعير و العسل و غيرها فافهم.

قال سلمه الله تعالي و ما معني ما ورد ان القوم اذا کانوا جلوسا و سکتوا کلهم فتلک لحظة ملک الموت اياهم ما معناه.

اقول اعلم ان الموت ضد الحيوة و کل منهما له آثار فمعظم آثار الحيوة الحرکة بل هي الحرکة فان غيرها يرجع اليها و اثر الموت السکون فان کانت الحرکة بجميع اطوار الشيء و اکوار الانسان و ادواره في باطنه و ظاهره و داخله من قلبه و صدره و شراسيفه و اضلاعه و شرائينه و ظاهره من حواسه سمعه و بصره و لسانه و يده و رجله و ساير اعضائه فهي دالة علي قوة الحيوة و ظهور الروح الحيواني و سريانه في جميع مراتبه و رفع الموانع الحاجبة عن نفوذه و الا اي و ان لم‌تکن ظاهرة کذلک فهي دالة علي ضعف الحيوة و فتور الروح اما بالذات او بالعوارض فعلي مقدار ضعفها تظهر آثار الموت فيه و ذلک قد يکون بانعدام الحرارة الغريزية التي هي مرکب للروح الحيواني فاذا انعدمت فارقت فسکنت الجوارح و الاعضاء الداخلة و الخارجة بالمرة فلاتعود و هو المسمي بالموت عند الناس و قد يکون بتوجه الروح الي القلب و اجتماعه فيه و اعراضه عن ظاهر البدن باسباب و امور يطول بذکرها الکلام و قد ذکرناها في تفسير آية الکرسي.

فاذا اعرض الروح عن ظاهر البدن سکن ظاهر البدن عن الحرکة و ان کان الباطن متحرکا و ذلک هو النوم الذي هو اخو الموت ففي ظاهره اثر الموت و باطنه اثر الحيوة و قد يکون بالاعراض عن الکلام الذي هو العمدة في آثار الحرکات الظاهرية من جهة الحواس التي هي اشرف الاعضاء فاذا اعرض

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 273 *»

عن هذه الجهة سکن و سکت و ذلک ايضا اثر من آثار الموت لکنه ليس بثابت دائم وحيث کان الموت بجميع المعاني انما هو بنظر ملک الموت و هذا ايضا وجه من وجوهه الخفية سماه الامام بلحظة من لحظات ملک الموت فان الملک الموت انما ينظر الي الشيء اذا وجدت اسبابه و قد قلنا لک ان السکون من تلک الاثار و الاسباب فيلحظه ملک الموت مادام في تلک الحالة فاذا تکلم و حصل له شغل و حرکة انصرف ملک الموت بلحظه لعدم المقتضي و من هذه الجهة لايأتي الملک لقبض الروح الا اذا وجد المقتضي لذلک و هو انعدام الحرارة الغريزية فافهم و قد اشرت الي نوع العلم باب ينفتح منه الف باب ما اسعدک لو وفقت لفهمه.

قال سلمه الله تعالي و ما معني ما قال تعالي و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن ان المراد بها شجرة الزيتون ما وجه تخصيص طور سيناء مع انها تنبت في کل الارضين غير الطور فکيف قال تعالي تخرج من طور سيناء.

اقول هذه الشجرة النابتة في طور سيناء ان اردنا بالطور هو الجبل المعروف هو سر الشجرة الزيتونة التي لا شرقية و غربية کما في الآية الشريفة يوقد من شجرة مبارکة زيتونة لا شرقية و لا غربية يکاد زيتها يضيء و لو لم‌تمسسه نار و دهن الزيتون اصفي الادهان و الطفها لاسيما اذا کانت الشجرة نابتة علي سواء الجبل تقع عليها الشمس في المشرق و المغرب و هذه الشجرة تحمل النار بل النار تحملها الا تري کيف اشار الله سبحانه الي هذه الدقيقة بقوله يوقد من شجرة مبارکة زيتونة الخ فالدهن منها و النار ايضا منها کما في قوله تعالي الذي جعل لکم من الشجر الاخضر نارا و لذا ظهرت آثار النار عليها و تجلي الله سبحانه لموسي علي محمد و آله و عليه السلام بالنار عليها و تکلم باني انا الله لا اله الا انا و اعبدني منها.

فالنار سر المشية و دهن الزيتون الحقيقة المحمدية صلي الله عليها و تعلق النار بالدهن هو السراج الوهاج في قوله تعالي يا ايها النبي انا ارسلناک شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا الي الله باذنه و سراجا منيرا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 274 *»

فاضاء به الاکوان و الاعيان و ظهر به مستجنات غيب الامکان لمتممات الامکنة و الازمان فظهر توحيد الله سبحانه في السر و الاعلان و هو قوله عليه السلام في دعاء رجب فبهم ملأت سمائک و ارضک حتي ظهر الا اله الا انت و الشجرة الزيتونة الحاملة لهذا السر ما تنبت في غير جبل الطور و بذلک الزيتون اقسم الله سبحانه بقوله و التين و الزيتون و اما الزيتون في غيره فليس بحامل لذلک السر و لذا لم‌يقع عليه التجلي و انما هو مکدر بعوارض الاغيار المستوجبة لانحاء الاکدار ان في ذلک لعبرة لاولي الابصار.

و روي القمي ان شجرة ‌الزيتون مثل رسول الله صلي الله عليه و اله و اميرالمؤمنين صلوات الله عليه فالطور الجبل و سيناء الشجرة و في التهذيب عن الباقر عليه السلام في وصية اميرالمؤمنين عليه السلام اخرجوني الي الظهر فاذا تصوبت اقدامکم و استقبلتکم ريح فادفنوني فهو اول طور سيناء و عن الصادق عليه السلام و قد ذکر الغري قال و هي قطعة من الجبل الذي کلم الله عليه موسي تکليماً و قدس الله عليه عيسي تقديساً و اتخذ عليه ابراهيم خليلاً و اتخذ محمداً صلي الله عليه و آله حبيبا و جعله الله للنبيين مسکنا و رواه ايضا في البحار في کتاب المزار فاذا تأملت في هذه الاخبار عرفت صحة ما اشرنا اليه في هذه الکلمات و انه تعالي يريد به الزيتون الخاص لا العام و هو لاينبت في غير الجبل و فيه اشارة الي حقيقة اخري اشار اليها صاحب الشذور بقوله:

لنا شجر في طور سيناء راسخ

و فوق ذراها الشم منها شمارخ

الي آخر الابيات و هي التي تنبت بالدهن و صبغ للآکلين و شرح هذا الکلام يطول و ليس لي الآن اقبال الي ذلک و فيما ذکرناه کفاية.

قال سلمه الله تعالي و ما فائدة تکليف من انکر في الذر الايمان مع انه انکر و من انکر هناک ينکر هنا و کما ورد عنهم عليهم السلام ان من انکر في الذر ينکر هنا مع ان سيدنا علي ما رأيت في بعض اجوبته انه في هذه الدار لو

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 275 *»

انکر قد يقر هنا و لو اقر هناک قد ينکر هنا مع ما ورد ان من انکر هناک ينکر هنا و بالعکس فما الجواب.

اقول اما الفائدة في التکليف مع الانکار في عالم الذر فهي بعينها الفائدة في ارسال الرسل و انزال الکتب مع ان الله سبحانه عالم بالمؤمن و الکافر قبل ان يخلقهم و الفائدة ظهور الامر للمکلف الکافر و لغيره حتي لايقولوا انا لو کلفنا و امرنا بالايمان لکنا نؤمن و نصدق و نعمل علي مقتضي الربوبية و حتي تظهر الحکمة و السر للمؤمن ايضا اذا ادخل الله ذلک الکافر نار جهنم و للکافر اذا ادخل المؤمن الجنة و لايتوهم في حقه تعالي الترجيح من غير مرجح و التخصص من غير مخصص اذا جهلوا الامر و خفي عليهم السر و کذلک الکفار المنکرين في ذلک العالم انما کلفهم هنا لاستنطاق سرائرهم الخبيثة و استعلام بواطنهم القبيحة لان ذلک العالم من عالم الارواح و التکليف هناک روحاني و في هذا العالم جسماني و لتطابق العالمين و توافق النشأتين فان امر الله سبحانه و حکمه واحد في جميع المراتب في الارواح و الاجساد و الاجسام.

و اما ما ذکرنا من التخلف احيانا و ان المنکر هناک قد يقر هنا و بالعکس فليس علي ما تعرفه العامة و لا منافاة بينه و بين ما ورد في الخبر من التوافق فان المنکرين و المقرين علي اختلاف مراتبهما يجمعهما مقامان.

احدهما مقام الايمان و الانکار علي وجه البصيرة فالمؤمنون آمنوا علي جهة المعرفة و صدقوا بعد وضوح الحق و الکفار انکروا کذلک اي بعد ظهور الامر و وضوح الحق فهؤلاء لايرجعون هنا عما استقرت عليه عقايدهم و استمرت به سرائرهم و هو قوله تعالي فما کانوا ليؤمنوا بما کذبوا به من قبل اي في عالم الذر.

و ثانيهما مقام الجهل و عدم البصيرة و غلبة التقليد و هؤلاء اذا آمنوا او انکروا هناک فحيث کان ايمانهم و انکارهم لا عن معرفة بل عن تقليد و جهالة فلربما رجعوا اذا تبين لهم الامر و وضح لهم السر ايمانا او کفرا فما ورد في الاخبار من تطابق العالمين يحمل علي صورة العلم و البصيرة و ما ذکرناه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 276 *»

محمول علي صورة الجهل و قلة المعرفة فلا منافاة ح و المسئلة في الصورتين مقطوع بها فان الاثر انما يجري علي الثابت لا علي المتزلزل الغير القار المضطرب فاذا آمن هنا بعد البصيرة فهو قد آمن هناک قبل هذه الدنيا بالفي عام او باربعة آلاف عام علي اختلاف الانظار في اختلاف المراتب لان الانسان لايؤمن بالحواس الا و قد سبقه القلب به و سبقه روحاني و الحواس الظاهرة جسمانية و لاريب ان الارواح قبل الاجساد بهذه المدة بل لا نهاية لسبقها و خصوص هذا العدد لاجل الکثرة و ملاحظة المرتبتين اذ المراتب التي بين عالم الاجسام و الارواح فباعتبار عالمان و هو عالم الاجسام و عالم المثال ثم عالم الارواح و باعتبار اربعة و هي الاجسام و الامثال الاشباح و المواد و الطبايع و النفوس و هي مبدء عالم الارواح و حيث کان عالم الارواح في المرتبة الرابعة صح التعبير عنه بالالف لان الالف في المرتبة‌ الرابعة من الاعداد فافهم.

قال سلمه الله تعالي و ما الوجه في اختلاف الرؤيا و المنامات بين حصول مؤداها هنا فانه قد يري الانسان زبادا و هو دم کما ورد فيمن رأي نزول ملک علي قبر الاول و الثاني و لطخ قبريهما بزباد و ترک قبر النبي صلي الله عليه و آله فاخبر الرجل الصادق عليه السلام ان قتل قتيلا و الزباد دم المقتول لطخ به قبريهما لان کل دم يسفک فوزره عليهما فما وجه الاختلاف بين النوم و اليقظة و غير هذا من الرؤيات کلها.

اقول قد شرحنا احوال النوم و الرؤيا و اختلاف التعبير و اختلافها باختلافه في شرحنا علي آية الکرسي عند قوله تعالي لا تأخذه سنة و لا نوم بما لامزيد عليه و نشير هنا الي نوع المسئلة اشارة ما لتحظي بالمطلوب ان شاء الله تعالي.

اعلم ان الرؤيا تختلف بحسب حال الرائي في صفائه و کدورته و اجتماع حواسه و عدمه و امتلائه من الاغذية و الرطوبات و عدمه و خلوه منها و بحسب اوضاع العالم و اختلاله و استقراره و نظرات الکواکب فقد يري شيئاً في الرؤيا يراه بعينه في اليقظة و قد يري شيئا فيها يقع تعبيره و تأويله في اليقظة و قد يري

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 277 *»

شيئا هو ليس بشيء في اليقظة مثلا اذا رأي انه يشرب حليبا قد يتفق انه يشرب الحليب و قد يتفق انه ينال علما و قد يتفق انه ليس بشيء فاذا کان عند نومه ناظرا الي الملأ الاعلي غير ممتلي بطعام و لا ماء و لا غيرهما من الرطوبات الفضلية و العرضية و حواسه مجتمعة غير متفرقة و اوضاع العالم متسقة غير مختلة بکثرة الابخرة الکائنة في الجو و النظرات الحاصلة للکواکب الموجبة للاختلال في العالم فح اذا نظر الروح الي عالمها بعد حصول الکلال و الملال بمعالجة الاغذية و جذبها و هضمها و امساکها و دفع الاعراض و الفضولات منها و اجتماعه في القلب ينظر الي الاشياء کما هي لسعة دائرته فيکون رأي کما رأي و هو الذي اشار اليها في الحديث ان الرؤيا جزء من سبعين جزء من النبوة هـ و هي الرؤيا الصادقة الخالصة من الموانع المذکورة فکلما يري في الطيف يقع في اليقظة کما رأي لانه ذاک بعينه فقد طوي الزمان و رأي ذاک هناک لان الرؤيا من عالم المثال و هو اوسع دائرة من عالم الزمان و الاجسام اذا نظر حالة الارتباط بالاجسام و اذا کان الناظر في الطيف ناظرا في الوجه الاعلي من عالم المثال فان له جهتين جهة مرتبطة بالارواح و الاخري مرتبطة بالاجسام فان نظر الي الجهة المرتبطة بالاجسام يري ما يقع بعينه و ان نظر الي الجهة العليا الاولي يقع بتأويله کما اذا رأي يخوض في الماء الصافي فانه يخوض في العلم فان الماء في العالم الاول اذا نزل يظهر بصورة العلم کما ان الماء هنا اذا ترقي يظهر بصورة‌ العلم و قد ورد ان طعام اهل الجنة اسفله طعام و اعلاه علم فافهم.

و اذا کان الرائي عند نومه علي اضداد ما ذکرنا في نفسه بان کان ممتلياً تتصاعد الابخرة ففي تصاعده تتشکل باشکال و تتصور بصور فيتخيل الرائي انه ناظر الي حقايق و هي اشکال و صور لا اصل لها کذلک اذا حدث اختلال في اوضاع الجو بکثرة الابخرة و زيادة الرطوبات و الادخنة الموجبة لحصول اشکال و صور خيالية لا اصل لها و تختلف رؤيا هؤلاء علي اختلاف امزجتهم و استعداداتهم فاهل الدم يرون ما يناسبه في اللون و في الطبع و الاقتضاء و اهل الصفراء و السوداء و البلغم کذلک و اطوار هؤلاء لاتحصي کثرة يطول الکلام

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 278 *»

بذکرها و ذکر علاماتها و هيئاتها الا اني اشرت الي نوعها فتبصر و هؤلاء اذا رأوا شيئا في الطيف لا اصل له و لا حقيقة الا ان المعبر اذا عبرها علي وجه انتقشت صورة ذلک الوجه في النفس و ارتسمت هيئتها فيها فان کانت مستمرة مستقرة و لا تاتها صورة مناقضة تقابل فوارة الفيض فتحيي تلک الصورة التي عنده وتظهر آثارها وهو معني قولهم عليهم السلام تفاءلوا بالخير تجدوه و منعوا من التطير لان النفس اذا ارتسمت فيها الصورة استمدت بها فجذبت علي مقتضاها فان الهيئات و الصور قوابل و جواذب للمدد من المبدء الاعلي کالبلور الجاذب لنور الشمس الجامع له حتي يظهر منه الاحراق و لذا تري الحکماء و الاطباء ذکروا ان من تصور حالة الجماع صورة مخصوصة و استمر بها يأتي الولد علي تلک الصورة و هذا معني قولهم ان الرؤيا علي ما عبرت فافهم فقد کشفت لک القناع عن حقيقة المراد.

فالزباد الذي رآه في الطيف ذلک الرجل فقد ظهر بتأويله لا بعينه لما بين الزباد و الدم من المناسبة بل الزباد اصله هو الدم فلما خرج تصور علي هذه الصورة لمجاورة المحل و هواء البلد کذلک المعاصي اصلها و مبدءهما منهما و عنهما ولکنهما تظهر في کل محل بصفة ذلک المحل و تنسب اليه فظهر الزباد شارحا للمواد و مبينا لقصد الفؤاد و خصوصية الشرح لرطوبته و سيلانه و دسومته السارية کافعال اولئک في جميع افعال العباد فافهم راشداً.

قال سلمه الله تعالي و ما الجواب عن تکليف الجهاد و قد قال تعالي ماجعل عليکم في الدين من حرج و لو بحصول مشقة علي النفس فکيف بالقتل و تلف المهجة فاي مشقة اعظم من تلف النفس.

اقول الجهاد و ان کان فيه مشقة و صعوبة الا ان مشقة ترک الجهاد اعظم و اعظم لان في ترکه غلبة للکفار و استيلاء للفجار علي الابرار فعند ذلک لايؤمن المسلم المؤمن علي نفسه و علي عرضه و علي ماله وکلها في معرض الزوال و الاضمحلال فاذا اتقي منهم و اظهر دينهم يضمحل الدين شيئاً فشيئا الي ان لايبقي له اثر و في ذلک خلاف حکمة الحکيم فان الله سبحانه حکم ان يظهر

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 279 *»

کلمته و يعلي دعوته و يبين للناس طريق الهدي من طريق الضلال و الا لم‌تتم حجته و لم‌يظهر دينه و الاظهار اما بمحض القول من غير سل السيف و اما به فان کان الاول فلايصدق الداعي الا القليل و اهل الجور من اهل الباطل کانوا يستولون عليه فلم‌يتمکن من اظهار نفسه فضلا عن اظهار دعوته و لذا تري ان رسول الله صلي الله عليه و آله بقي مدة مديدة في مکة و اظهر الدعوة ما آمن معه الا قليل و کانوا خائفين من مشرکي قريش حتي بقوا مدة في شعب ابيطالب محصورين لايعاملونهم و لايبايعونهم و لايعاشرونهم و لولا ابوطالب و حمايته و هيبته في اعين الکفار لقتلوهم عن آخرهم و مع هذا کله ما تمکنوا من اظهار امرهم و اعلان کلمتهم و کانوا في ذل و محنة شديدة حتي کانوا يستهونون الموت الي ان توفي ابوطالب عليه السلام و خديجة عليها السلام فامر الله نبيه بالهجرة لعدم الناصر فلما هاجر انزل الله عليه صلي الله عليه و آله اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا و ان الله علي نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله.

فلما فرض الله الجهاد لدفع المذلة و المظلومية صارت للاسلام عزة و للدين قوة و شوکة و صار الناس يدخلون في دين الله افواجا و هل يقاس الحالة التي بعد الجهاد بالحالة التي قبل الجهاد حتي کان الجهاد راحة للنفس بلحاظ ما تترتب علي ترکه من الذلة و الهوان و اتلاف النفس و العرض و المال و بالجهاد تعالت کلمة الحق و انتشرت آثار الصدق و ظهر امر الله و هم کارهون هذا مع ما يجد المؤمن الشجاع عند منازلة الاقران و اصطکاک الاسنة عند اشتداد الضرب و الطعان ليعلي به کلمة الله و ليذب عن دين الله و ليحفظ ولي الله و ليمانع عن حوزة الاسلام و ليحامي حرم المسلمين عن تسلط الکفرة اللئام من اللذة و الفرح ما لايکاد يصفه واصف الا تري انک اذا هاج عليک الدم الفاسد تستعمل الحجامة و الفصد مع ما فيهما من المشقة الا انک ترتکبهما لتوقع ما هو اعظم من ذلک فاذا تأملت ما يترتب علي ترک الجهاد لعلمت ان الجهاد ح يسر لا عسر راحة لا زحمة فرح لاترح نسئل الله الجهاد بين يدي السيد و السناد و الشهادة في طاعته و متابعته لنفوز بالسعادة يوم المعاد مع ان التکليف في نفسه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 280 *»

کلفة و مشقة علي نفس الغير البصير و لذا سمي تکليفا و هذه الکلفة في جنب ما اعد الله سبحانه بحسب المقتضيات و الاسباب الظاهرة و الباطنة بازائها عين الراحة و السرور و لذا قال النبي صلي الله عليه و آله و قرة عيني في الصلوة ارحنا يا بلال و قال علي بن الحسين عليهما السلام و اعوذ بک من کل راحة بغير ذکرک و من کل لذة بغير انسک و هذه التکاليف بعضها بالنسبة الي بعض ايسر فاختار الله سبحانه للمکلفين ايسرها بالاضافة الي انواع التکاليف لا عدم التکليف رأسا کيف و ان التکليف مشقة و رحمة و لايقوم مقام الجهاد سواه حتي يکون ذلک ايسر ليختاره الله سبحانه فتعين ذلک فافهم الاشارة و لاتقصر علي العبارة.

قال سلمه الله تعالي و ما الجواب عن النص الدال في قطع يد السارق ان راحة الکف لاتقطع لانها له سبحانه يسجد له عليها و ما کان لله لايقطع مع ان في قطع الرجل قطع الاصبع الابهام التي يسجد عليها فکيف هنا تقطع و هناک لاتقطع و علله عليه السلام انها لله فلاتقطع.

اقول اعلم ان ما وضع للسجود و العبادة لله سبحانه و تعالي فلايقطع و لايغير لان ذات الانسان انما تترقي بتلک العبادات و الاعمال الي اعلي الدرجات و تنال اعلي المقامات و المعصية ما لم‌تبلغ حدا يکون عدم العاصي في الدنيا ارجح من وجوده يراعي بقاء الاعضاء و الاسباب التي بها تحصل العبادة علي الوجه الاکمل لحصول الغرض و الغاية في ايجاد المکلف من العبادة و الطاعة و المعصية العرضية لاتمنع قطع الفيض الاصلي الحقيقي بقطع جواذبه و اسبابه فما کان معدا للعبادة من الاعضاء و الجوارح يکون مقتضياً للبقاء و عدم تطرق الخلل عليه و لکنه قد يعتري المقتضي مانع اقوي فيمنع المقتضي عن اظهار مقتضاه و يکون الحکم للمانع ح کما في المقام فان اقامة الحدود الالهية و التأديبات الربانية لحفظ المکلفين عن المجاهرة في العصيان و المکابرة بالطغيان الموجبتين لاعراض المبادي العالية عنهم الموجب بهلاکهم الابدي و فنائهم السرمدي المسبب للخلود في النار ذات الوقود اولي و اعظم من مراعات

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 281 *»

الاجزاء و الاعضاء التي بها تحصل الاعمال الجسمانية و حيث ان السارق تکون العمدة في سرقته شيئين احدهما يداه و اعظمهما اليمني و بهما يقبض ما يقبض و ثانيهما رجلاه و بهما يسعي الي الوجه المقصود و حيث کانت مدخلية اليد اعظم و ادخل تقطع اولا اليد و حيث ان اليد مشتملة علي الاصابع و الکف و موضع العبادة في السجود و اصلها فيه الکف و في السرقة کانت مدخلية الاصابع في القبض اکثر فوجب قطع الاصابع ماعدا الابهام لئلايتمکن من قبض مال الحرام بالسرقة فکان بقطع الاصابع مندوحة عن قطع الکف فوجب قطعها و ابقاءه لوجود المقتضي و رفع المانع و ابقاء الاصل علي ما هو عليه من قوله تعالي و ان المساجد لله.

و اما اذا تکررت منه السرقة بعد قطع اليد الموجب لقطع الرجل لانه اعظم الاسباب في السرقة بعد اليد فقطع الرجل لايخلو اما ان يکون من العقب او من الاصابع فان کان الاول کان في ذلک تعطيل الشخص اذا تاب عن حمله عظيمة من العبادات و الطاعات و القربات التي تحصل بالسعي و المشي و في ذلک مشقة عظيمة و فوت جلايل القربات و الطاعات فوجب قطع الاصابع و في قطع ماعدا الابهام لم‌تحصل فائدة معتد بها لان اصل المشي بالابهام و قوته فهنا و ان کان المقتضي لعدم القطع و هو کونه محلا للسجود و ان المساجد لله موجودا الا ان المانع الذي هو اقامة الحدود علي الوجه المطلوب و مراعاة ما هو اقل ضررا و اکثر فائدة و هو قطع الابهام دون الاعقاب موجود فيمنع ذلک المقتضي فدليله عليه السلام بالاية الشريفة من جهة الاصل المقتضي حيث لا مانع و هو الدليل الذي يقولون خرج ما خرج بالدليل و مرادهم بالدليل هو المانع الذي يمنع المقتضي عن اظهار مقتضاه کما شرحنا لک و ان لم‌يکن رفع المانع من تتمة المقتضي کما توهم و ذلک کما قلنا ان الحق ان الرافع في الفعل المضارع هو حرف المضارعة لاتجرده عن الناصب و الجازم نعم هي مقتضية للرفع فاذا وجد مانع اقوي يمنعه عن اقتضاه و يأتي حکم النصب و الجزم بدخول حرف الناصب و الجازم فافهم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 282 *»

قال سلمه الله تعالي و ما توجيه المراتب الوجود السبع المشية الخ في مثل الصلوة و الصوم و غيرهما من الاعمال مع انه لايکون شيء في الارض و لا في السماء الا بسبعة اشياء.

اقول قد قال مولانا الکاظم عليه السلام علي ما في الکافي و التوحيد و غيرهما لايکون شيء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و کتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة منها فقد کفر و في رواية اخري فقد اشرک و النکرة في سياق النفي تدل علي العموم و الشيء اعم من ان يکون ذاتا او صفة او لفظا او معنا او جوهرا او عرضا او غيبا او شهادة و غيرها من ساير الاکوار و الاطوار و الادوار و الاوطار و ذلک لان کل شيء لايقوم و لايتحقق الا بمادة و صورة نوعية و صورة شخصية و حدود مشخصة معينة و قران تلک الحدود بتلک المواد و الذوات و الحقايق و تحقق الحقيقة الوحدانية ثم ظهور الآثار من الشيء التام و الکون العام و کل هذه المراتب حيث کانت مخلوقة و لايکون مخلوق الا بتعلق فعل الخالق عليه فالفعل المتعلق بالمادة هو المشية و المتعلق بالصورة النوعية هي الارادة و المتعلق بالحدود و المشخصات هو القدر و من تفاصيل حدوده الاذن و الاجل و الکتاب و المتعلق بالترکيب و تمام الحقيقة هو القضاء و المتعلق بظهور الشيء التام بآثاره و حدوده و اشعته و انواره علي الوجه الاعم هو الامضاء ولکن تعلق هذه المراتب انما يکون بامر بين الامرين و علي جهة الاختيار کما فصلنا في ساير رسايلنا و اجوبتنا و مباحثاتنا و لايسعني الآن تفصيل تلک الاحوال و ليست ايضا بموضع السؤال.

و حيث کانت الاشياء المتميزة المرکبة من الجواهر و الاعراض و الاشعة و الانوار لاتخلو عن هذه المراتب المذکورة و کذلک حکم الصلوة و الزکوة و ساير الاعمال لان لها مادة و صورة و روابط فلابد من تعلق هذه الافعال الالهية بالشيء لتمام تکوينه بسر الامر بين الامرين فمادة الفعل من الله تعالي اولاً و بالذات لانه لولاها لماکان شيء اصلا و لايقدر علي ايجاد المواد سواه تعالي و هو قوله عليه السلام و کل صانع شيء فمن شيء صنع الا الله

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 283 *»

سبحانه و تعالي و الصورة من حيث هي في نفسها ايضا مخلوقة لله تعالي خلقها و اودعها في باطن الکرسي کتاب الابرار و في باطن الصخرة في سجين کتاب الفجار و قران المادة بالصورة بفعل العبد و طلبه من الله سبحانه و الترکيب و التمام ايضا بفعل منه تعالي بمقترح العبد و سؤاله منه تعالي و اظهار الآثار من ذلک الشيء ايضا بفعل منه تعالي بحسب قابلية العبد و المکلف فالفعل منسوب الي العبد لان القران المذکور بين الصورة و المادة انما هو بطلبه و سؤاله و هو العمدة في النسبة و الا فنسبة الله سبحانه و تعالي الي جميع من سواه علي حد سواء فان کان القران علي محبة الله سبحانه فيزيد الرضا علي السبعة المذکورة فيکون الخير و فعله انما يکون بثمانية بالسبعة المذکورة و الرضا و المحبة و ان لم‌يکن علي محبة الله سبحانه بل علي خلاف محبته فلايکون الا بسبعة و لک ايضا ان تقول ثمانية بزيادة السخط و الکراهة و الغضب فيلحق الاول بمرکزه و هو دار المحبة و الثاني بمرکزه و هو دار الغضب و السخط و الاول هو المعبر عنه بالجنة و الثاني بالنار نعوذ بالله منها.

قال سلمه الله تعالي و ما الفراسخ الواردة في الشمس عن علي عليه السلام انها ستون فرسخا في ستين فرسخا و القمر اربعون فرسخا في اربعين فرسخا ما هذه الفراسخ مع ان علماء الهيئة يقولون ان الشمس اکبر من الارض مائة مرة و ربع و ثمن.

اقول اعلم ان مقدار جرم الشمس قد اختلفوا فيه فقال بعضهم کما ذکر جنابک و قال اخر ثلثمائة مقدار جرم الارض و هو مذهب اهل الهندسة من اليونايين و قال آخرون انها اکبر من الارض الف مرة و قال اخرون الف الف مرة کما هو مذهب علماء فرنج و لکل وجه وجيه يطول الکلام بذکره.

و المراد من الحديث الشريف بالفرسخ هو المرتبة لا خصوص العدد کما هو مراد اهل الهندسة فان فلک الشمس علي ثلث مراتب خارج المرکز و المتممان الحاوي و المحوي و کل واحد من هذه الافلاک الثلثة له تدبير في ظاهر العالم الجسماني

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 284 *»

بظاهريته و في باطن العالم بباطنيته فکانت ستة و لماکانت الشمس هي الاصل في تدبير السفليات لان بها المواد بالحرارة الغريزية کان لها ارتفاع بمرتبة فاذا رقيت الستة مرتبة واحدة کانت ستين و الفرسخ حدود المسافة في کل شيء بحسبه و قد اشار الامام عليه السلام بکونها ستين الي اصالتها و ان لها تصرفا في الغيب و الشهادة و لها مزية علي غيرها من ساير الکواکب و القمر حيث کان له اربعة افلاک و هو التدوير و الحامل و المائل و الممثل و حيث کان اعلي من السفليات بمرتبة رقيت الاربعة الي الاربعين و الشمس لها مزية ترقيها الي الغيب دون القمر فکان القمر اربعين و الشمس ستين و هذه الجهات هي الحدود المعبرة في الشرع يعبرون عنها بالفرسخ مرة و باليوم اخري و بالشهر اخري و بالسنة اخري و يرقون العدد و ينزلونه علي حسب جهات الشيء باقتضاء المقام الا تري ما ورد ان المسافة بين سماء الي اخري خمسمائة عام يريدون ان الاصل في الفلک هو الخارج المرکز و بينهما المتممان من الفلک الاعلي و المتممان من الاسفل و ملاحظة نفس الفلک الخارج المرکز بالنسبة و الملاحظة و هي خمسة افلاک من الفلک الي الفلک الاخر و عبر عن کل فلک بمائة عام لان السنين حدود الشيء من حيث الزمان کما ان الفراسخ حدوده من حيث المکان و يعبر عن الشيء الواحد بالجهات المتعددة بالاعتبارات المختلفة بالاسماء المختلفة و لا منافاة في الواقع و ان اختلف في التعبير.

و ما ذکر اهل الهندسة هو الحدود المحسوسة و ادلتهم قطعية بديهية لاتحتمل الخلاف فوجب التأويل في الاخبار و هو علي نحو ما اشرنا اليه و انما عبر عنها بمائة عام لملاحظة ارتفاعها عن المراتب السفلية بثلث مراتب احدها الجو و ثانيها ظاهرية الفلک و ثالثها غيبها الذي له تصرف في غيب هذا العالم ذلک تقدير العزيز العليم و حيث کانت الشمس في جملة هذه الاعداد لوحظ رتبة الغيب و حيث انفردت لوحظت فيها دون ماسواها.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 285 *»

قال سلمه الله تعالي و ما توجيه معني ما ورد ان من خاف الله اخاف الله منه کل شيء مع انا نري ان کل مؤمن يخاف من کل شيء خصوصا مثل زماننا و نري کل من لم‌يخف الله يخافه کل شيء.

اقول قال الله تعالي في الحديث القدسي من اقبل الي شبراً اقبلت اليه ذراعا هـ فاذا اقبل العبد اليه تعالي بسره و خاف مقام ربه و اندکت جبال انيته و انهدمت ارکان هويته بحيث لايجد شيئا سواه و لايري مستقلا ما عداه اقبل الله تعالي اليه کرما منه و فضلا و رأفة و رحمة فاودع قلبه و صدره و جوارحه هيبته و کبريائه و جلاله فلايراه شيء و يعرفه بحقيقة المعرفة او يريد ذلک المؤمن الخائف من الله سبحانه ان يخاف الا و يخاف منه و لذا تري اميرالمؤمنين عليه السلام ماقدر ان يصبر لماصعد النبي صلي الله عليه و آله علي ظهره و کان رسول الله صلي الله عليه و آله يمشي علي وجه الارض و يرکب الدابة و کان اميرالمؤمنين عليه السلام ما کان يقدر ان يتکلم عند النبي صلي الله عليه و آله بخلاف ساير الناس لقلة معرفتهم دونه و هکذا حال العارف بالنسبة الي غير العارف و کذلک اذا اراد المؤمن ان يخاف کما فعل الصادق عليه السلام بهشام بن الحکم لما ان اتي اليه اول مرة قبل ان يستبصر و کمافعل النبي صلي الله عليه و آله برسول ملک اليمن ولکن الله سبحانه حيث جعل هذه الدنيا دار مشقة و ابتلاء علي المؤمنين و امرهم بتحمل المشاق و الآلام من السفلة اللئام ما اظهروا جلالهم و هيبتهم لقلة معرفتهم حتي قيل للصادق عليه السلام ما معناه لولا انک رجل متکبر لکان لک شأنا قال عليه السلام لست بمتکبر ولکن ظهرت کبرياء الله في فظننت اني متکبر.

و الحاصل ان عدم خوف الناس لاولياء الله بظاهر فطرتهم المغيرة لا بفطرتهم الحقيقية عند عدم المعرفة و عدم الارادة و الذي ذکرت من امثال زماننا فجوابه ما ذکره مولانا الصادق او الباقر عليهما السلام المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الکبريت الاحمر و هل رأي احدکم الکبريت الاحمر.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 286 *»

و اما خوف الانبياء و الائمة عليهم السلام من طواغيت زمانهم فليس خوفا حقيقة فان من عرف عظمة الله سبحانه يستحقر کل من سواه و لايري مستقلا منشأ للاثر الا الله سبحانه ولکنه سبحانه امر اوليائه بامر من التقية لحکم و مصالح يطول الکلام بذکرها و قد وقعت الاشاره اليها في اول دعاء‌ الندبة فامتثلوا امر الله و اتبعوا حکمه و لو ارادوا لکان المخالفون يأتون اليهم عليهم السلام خاضعين خائفين ذليلين الم‌تقرء قوله عليه السلام في الزيارة‌ الجامعة طأطأ کل شريف لشرفکم و بخع کل متکبر لطاعتکم و خضع کل جبار لفضلکم و ذل کل شيء لکم مع انهم عليهم السلام قتلوا و ذبحوا و اسروا الا لعنة الله علي الظالمين, و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

قال سلمه الله تعالي و ما معني کلام علي عليه السلام کما في التوحيد قال عليه السلام الا رب شيء من کتاب الله تعالي تأويله علي غير تنزيله و لايشبه کلام البشر من ذلک قول ابراهيم عليه السلام اني ذاهب الي ربي سيهدين فذهابه الي ربه توجهه اليه عبادة و اجتهاداً و قربة اليه تعالي الا تري ان تأويله غير تنزيله ما وجه هذا و کذا عنه عليه السلام في و انزلنا الحديد فيه بأس شديد يعني السلاح الا تري ان تنزيله غير تأويله.

اقول اعلم ان القرآن لايشبه کلام البشر لان کلام کل متکلم علي مقتضي علمه و فهمه و قد قال عليه السلام المرء مخبوء تحت لسانه فکلام الله تعالي علي قدر علمه تعالي و مقتضي حکمته و ربوبيته و قهاريته فلايشبهه الا کلام من هو مثله و لايتم ذلک الا علي القول بوحدة الوجود او الموجود او القول بوجود اله غير الله, تعالي الله عن ذلک علوا کبيرا و قد اشار سبحانه الي نوع هذا الاستدلال بقوله الحق فالّم‌يستجيبوا لکم فاعلموا انما انزل بعلم الله يعني عجزهم عن الاتيان بسورة من مثله انما هو لاجل ان الله تعالي انما انزل القرآن بعلمه و هو علي مقتضي علمه و وفق حکمته و اني للخلق و الاحاطة بعلمه تعالي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 287 *»

حتي يتکلموا بمثل هذا الکلام او يأتوا بما يشبه هذا القرآن ثم لما انقطع علم الخلق و قدرته ان يأتوا بمثل هذا القرآن فلو کان لله شريک يعلم علمه و يقدر قدرته لاتي به و قد ثبت امتناع الشريک بالادلة القطعية و ان الشريک لله تعالي لايتعقل و لايتصور فضلاً عن الوجود و التحقق فلايمکن الاتيان بمثله و اليه الاشارة بقوله تعالي و ان لا اله الا هو فاذا ثبت ذلک فوجوه القرآن کثيرة غير عديدة منها التنزيل و منها التأويل و منها الباطن و منها الظاهر و منها ظاهر الظاهر و ظاهر ظاهر الظاهر الي ان يرتقي الي السبعة او الي السبعين و منها تأويل التأويل کذلک و منها باطن التأويل کذلک و منها باطن الباطن کذلک و شرح هذه الوجوه يطول به الکلام فليطلب نوع الاشارة‌ اليها في رسالتنا الموضوعة لذلک.

و اما التنزيل فقد يطلق و يراد به الظاهر و هو ما تفهمه عامة اهل اللسان من جهات التقديم و التأخير و الزيادة و النقصان علي القواعد اللغوية و الاصطلاحات النحوية و الصرفية و الجهات البديعية و النکات المعانية.

و قد يطلق و يراد به ما دل عليه ظاهر اللفظ بمعناه اللغوي الحقيقي المنساق الي الذهن و المتبادر اليه. و قد يطلق و يراد به ما في عالم الاختلاف من الاحکام النفس الامرية الموجبة لاختلاف الاحکام و اختلال النظام للاتقان و الاحکام المقتضية لاختلاف نزول القرآن باختلاف الامکنة و الازمان و لذا نزل القرآن في عالم الزمان و المکان منجما موزعا في اوقات مختلفة و اماکن متعددة و قد قال تعالي انا انزلناه في ليلة القدر يعني القرآن اجمع و قد ورد في الحديث المتفق عليه ان اميرالمؤمنين عليه السلام لماولد من بطن امه قرء القرآن کله من اوله الي آخره و قد ولد عليه السلام قبل البعثة بسبع سنين او بعشر سنين علي الخلاف.

و قد يطلق و يراد به ما يفهمه و فهمه الخلق حين اوقفهم الله تعالي عند الحجر الاسود لماکان طالع الدنيا السرطان و الکواکب کانت في اشرافها و الشمس کانت في برج الحمل في التاسع‌عشر درجة منه و من المعاني التي تظهر عند الخلوص عن الخلط و اللطخ و ظهور حکم الله الوحداني الغير

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 288 *»

المختلف.

و قد يطلق و يراد به ما يفهمه اهل العناصر من ذلک العالم.

و قد يطلق و يراد به ما يفهمه اهل السموات السبع من ذلک العالم.

و قد يطلق و يراد به ما يفهمه اهل العرش و الکرسي و اهل الحجب و السرادقات من اهل ذلک العالم.

و التأويل مقابلات ما ذکرنا من الوجوه و في جميع هذه الوجوه تأويله علي طبق تنزيله و التفاوت بالعلو و السفل و الظهور و الخفاء الا الوجهين الاولين فان الاول منهما لم‌يزل تأويله غير تنزيله و الثاني منهما قد يطابق و قد يخالف فان کثيرا ما يطلق الالفاظ في القرآن و يراد بها معني غير المعاني الحقيقية المتعارفة المنساقة الي اذهان العوام کما في قوله تعالي اني ذاهب الي ربي سيهدين فان المتبادر الي اذهان الناس من الرب هو المعبود بالحق سبحانه و الذهاب اليه علي المتعارف بينهم ممتنع فانه تعالي ليس في مکان و لا اليه حد و لا نسبة و لايخلو منه مکان دون مکان و لا حال دون حال فوجب حمله علي ما ذکره عليه السلام مرموزا من التوجه اليه و التقرب اليه و العبادة له تعالي فذکر عليه السلام اللازم و اخفي الملزوم لعدم تحمل الناس و لما في صدورهم من وسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس و قد اشاروا عليهم السلام الي ما اخفاه عليه السلام في هذا المقام في الزيارة الجامعة من اراد الله بدء بکم و من وحده قبل عنکم و من قصده توجه بکم فالتوجه الي الله سبحانه و التقرب اليه و العبادة له لايکون الا بالتمسک بولايتهم و الاعتراف بحقهم و الاخذ عنهم و الرضا بفعلهم لانهم ارکان التوحيد و محال المعرفة.

فبين ان تنزيله غير تأويله و تأويله تأسيس اصل کلي و يتفرع عليه جميع العبادات و الطاعات و احوال الجنة و النار و کتاب الابرار و الفجار و اوضاع الدنيا و الآخرة و کذا قوله تعالي و انزلنا الحديد فيه بأس شديد يريد به السلاح الذي عندهم وديعة من سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله الذي هو آية الامامة و علامة الولاية المراد به الاستيلاء و الغلبة و الاستعداد لذلک عن رسول الله صلي الله عليه و آله و قد قالوا عليهم السلام ان مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني‌اسرائيل فان التابوت علامة النبوة و الملک عند من يوجد و کذا السلاح کل من عنده السلاح فهو

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 289 *»

القائم بالامر و قوله تعالي و انزلنا الحديد فيه بأس شديد اشارة الي السلاح الذي عندهم سلام الله عليهم من آيات النبوة و علامات الامامة و الوصاية فکان تنزيل هذه الآية الشريفة غير تأويله فالآية الاولي بيان انهم وجه الله و باب الله و عين الله و سبيل الله و الصراط المستقيم و باب الخيرات کلها لانها کلها من عند الله و ما عند الله لاينال الا بهم من اراد الله بدء بکم و الآية‌ الثانية بيان هيمنتهم و استيلائهم و سلطنتهم علي کل مذروء و مبروء لان بذلک السلاح يذلل لهم کل صعب و يخضع لهم کل متکبر و خص عليه‌السلام تين الآيتين بان تنزيلهما غير تأويلهما لان بهما تبيان سلطانهم و شرح فضايلهم و مناقبهم بما لامزيد عليه و ذکر تفاصيل هذه الاجمال يطول بها الکلام و ليس لي الآن اقبال ذلک لان الجور قد مد باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فکثر مجيبوه و ملبوه و يذوب قلب المؤمن کما يذوب الملح في الماء‌ نسئل الله الصبر و الاعانة و حسن الخاتمة و لا حول و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

قال سلمه الله تعالي ما معني قول الرضا عليه‌السلام في صفات الله تعالي شاء لا بهمة مريد لا بهمامة ما الفرق.

اقول الهمة هي القصد و مبدء العزم و الهمامة تمام العزم و کماله و اتصاله بما عزم عليه و الکلمتان للعزم لان زيادة المباني حيث کانت تدل علي زيادة المعاني فکانت الهمامة اکد في العزم و انما نسب الهمة الي المشية لانها هي الذکر الاول اي اول القصد و مبدئه و الذي يعقد به القلب و يميل اليه الضمير و اذا تأکد ذلک و تصمم سمي الارادة فالتأکيد في الارادة اکثر و اعظم و المشية ابسط و حيث ان مشية الله سبحانه ليست بعقد الضمير و ميل القلب لانه من صفات المخلوقين و کذا ارادته بالتصميم و العزيمة التي هي من صفات الخلق نزه الله سبحانه عنهما و نسب اصل الفعل و نفي صفة المخلوقين فقال عليه السلام شاء لا بهمة … و مريد لا بهمامة و کلاهما بمعني واحد الا ان الثاني تأکيد للاول لما قلنا و هو ظاهر واضح ان شاء الله تعالي.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 290 *»

قال سلمه الله تعالي و ما معني ان لله مشيتين مشية عزم و مشية حتم ما معني مشية عزم.

اقول روي الکليني في الکافي و غيره في غيره ان لله مشيتين و ارادتين مشية حتم و مشية عزم و ارادة حتم و ارادة عزم يأمر و هو لايريد و ينهي و هو يريد امر ابليس بالسجود لآدم و شاء ان لايسجد و لو لم‌يشأ لماغلبت مشية ابليس مشية‌الله و نهي آدم عن اکل الشجرة و شاء ان يأکلها و لو لم‌يشأ لماغلبت مشية آدم مشية الله نقلت معني الحديث اذ لم‌احفظ لفظه اما مشية العزم و هي مشية المحبة و النور و الخير فان الله سبحانه يحب للمخلوقين ان يعملوا بمقتضي اوامره و نواهيه فينالوا بذلک اعلي درجات القرب حيث انه تعالي جعل الاوامر و النواهي اسباباً للارتقاء الي معالي الدرجات و الوصول الي اسني المقامات ولکنه سبحانه حتم علي نفسه ان لايجبر احدا الطاعة و لا المعصية فمن اراد الطاعة يمکنه منها و لايحول بينه و بينها و لايمنعه عن المدد الذي يتمکن به منها و من اراد المعصية يمکنه منها و لايحول بينه و بينها و لايمنعه عن المدد الذي يتمکن به منها فان الخلق الحادث في جميع الاحوال لايستغني عن المدد و الا لانعدم و هو قوله تعالي کلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربک و ما کان عطاء ربک محظورا لکن العطاء في الخير يسمي مدداً و في الشر يسمي خذلانا فالله سبحانه حتم علي نفسه ان لايجبر احداً في حال من الاحوال لا في الطاعة و لا في المعصية فان الجبر ظلم و هو سبحانه متعال عن ذلک علوا کبيرا فهو سبحانه يحب من عباده ان يعملوا الخير و يشاء ذلک بمشية عزم ولکنه سبحانه لايحتم ذلک عليهم ليجبرهم عليه و هو قوله تعالي و لو شئنا لآتينا کل نفس هديها ولکن حق القول مني لاملئن جهنم من الجنة و الناس اجمعين و کذلک هو سبحانه يحب من عباده ان يترکوا الشر و المعاصي ولکنه سبحانه لايجبرهم عليه فاذا مالوا الي الطاعات جري حکم المشيتين مشية عزم لانها نور و خير و هو سبحانه يشاء ذلک لعباده و مشية حتم لانه تعالي اجراهم علي وفق ارادتهم و مشيتهم و لاجبرهم و لااکرههم علي خلاف ما تميل اليه کينونة نفوسهم و اذا مالوا الي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 291 *»

المعاصي جري حکم مشية الحتم دون العزم لانه سبحانه لايحب ان يعصي و ان يرتکب الخلق المعاصي الا انه سبحانه اجري عليهم ما حتم علي نفسه ان لايجبرهم علي الطاعات فشاء سبحانه ذلک بمشية حتم دون مشية عزم.

فمشية الحتم لازمة للکينونات غير منفکة عنها بخلاف مشية العزم کما بينت لک فامر ابليس بالسجود لآدم و شاء ذلک بمشية عزم الا ان ابليس حيث مالت بماهيته الخبيثة الي المخالفة و ترک السجود و الامتناع منه ما جبره الله علي ذلک و شاء ان يجري محبته و ميله و لو شاء الله جبره علي السجود لماوسع ابليس المخالفة و لماغلبت مشيته مشية الله ولکنه سبحانه احب ان توجد مشيته لئلاتجبر فشاء سبحانه عدم السجود بمشية حتم حيث اجري عليه مختاره و نهي آدم عن اکل الشجرة و شاء عدم اکله منها بمشية عزم ولکن آدم لما مالت طبيعته الي ترک الاولي ما جبره علي فعلها و امده عليه حتي اکل منها فلو لم‌يشأ الله ذلک و لم‌يمده بالمدد الوجودي لماتمکن آدم من المخالفة و الترک فشاء ان يأکلها بمشية حتم و لولا ذلک لماغلبت مشية آدم مشية الله فمشية الحتم لاتتخلف ابدا دون مشية العزم فافهم راشدا موفقا.

قال سلمه الله تعالي و ما معني ما ورد اطووا ثيابکم بالليل فانها اذا کانت منشورة لبستها الشياطين الي الصباح ما معني لباسهم و ما وجه النکتة الي الصباح.

اقول ان الليل حيث کان بعيدا من النور و حاملا للظلمة فله مناسبة مع الشياطين لانهم ظلمانيون خلقوا من بحر الظلمات و النهار حيث کان مقارنا للنور و حاملا له فله مناسبة مع الملائکة لانهم انوار و نورانيون فالشياطين و الجان و العفاريت و کل من غلبت علي طينته الظلمة لهم انتشار في الليل لتوافق کينوناتهم فاللباس لکثرة الخلل و الفرج اذا کانت منشوره في الليل تتخلل في خلالها الابخرة و الرطوبات الفضلية العرضة الحاصلة ببرودة الليل فاذا تخللت في خلالها تهيأت و استعدت لتعلق الشياطين لانها لاتتعلق الا في محل مناسب

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 292 *»

لها فتستقر و تتعلق الاجنة و الشياطين بتلک اللباس مادامت المناسبة موجودة فاذا لاح الصباح و ظهر سلطان النور و استبان آثار الحرارة فتظهر ملائکة الانوار و تجف بحرارة النور تلک الرطوبات الفضلية العرضية فتنتفي مناسبتها مع الشياطين و تظهر الانوار فلاتبقي للشياطين و الابالسة قرار الا في قلوب الکفار في کتاب الفجار فاذا طوي اللباس يقل تخلل الرطوبات و تقل المناسبة مع ان طي المؤمن ختم من الله يبعد عنه الشياطين حفظا لما اراد المؤمن حفظه فيما غاب عن حسه فاذا نوي ذلک بفعله فالله سبحانه هو الاولي بحفظه له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله فان الشياطين اذا تعلقوا باللباس تأثرت ظلمتهم فيه فتبعد عنه الملائکة لعدم محل لايق مناسب فاذا لبسه الشخص تظهر آثار تلک الظلمة فيه اما في ظاهره بان تؤثر الامراض و الفقر و الهم و الحزن و امثالها و اما في باطنه بان تؤثر القساوة و البلادة و الميل الي المعاصي و السيئات نعوذ بالله منها و لذا ورد کنس البيت عن الکثافات و علل ذلک بانها تورث الفقر و الوجه في ذلک ان الکثافات و النجاسات لها مناسبة مع الشياطين فاذا رأوا مکاناً مناسباً تعلقوا به فتبعد عنه ملائکة النور و الخير فاذا بعدت الرحمة عن البيت يکون فيه الفقر و الفاقة و الذلة و المسکنة لانها کلها اضداد للنور و هو معني ما ورد ان الملک لايدخل في بيت فيه کلب و المراد بالملک ملک الخير و النور و الکلب مناسب للشياطين و الابالسة و بينهما تضاد و اما ما تجد من الغني و العز في بعض بيوت الکفار فلقوله تعالي و لايحسبن الذي کفروا انما نملي لهم خيرا لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين و قوله تعالي سنستدرجهم من حيث لايعلمون و املي لهم ان کيدي متين فافهم فقد نبهتک علي سر دقيق و هنا وجوه باطنية و اسرار غيبية يطول بذکرها الکلام و يحتاج الي ذکر مقدمات کثيرة و فيما ذکرنا کفاية لاولي الدراية و تعيها اذن سامعة.

قال سلمه الله تعالي و ما يقول سيدنا في حديث العياشي عن الصادق عليه السلام في تفسير الله يتوفي الانفس حين موتها الي قوله تعالي و يرسل الاخري

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 293 *»

الي اجل مسمي, انه اذا نام العبد خرجت نفسه و بقيت روحه في جسده و صار بينهما سبب کشعاع الشمس فان اذن تعالي لرد النفس جذب الروح الشعاع و جذب الشعاع النفس فردت النفس الي الجسد و بالعکس تجذب النفس الروح بالشعاع فلاترجع ما المراد بالشعاع هنا من اي الرتب.

اقول المراد بخروج النفس في النوم و في الموت قطع النفس علاقتها عن هذا البدن لا نها خرجت عن محلها و نزلت الي عالم الاجسام کيف و الله سبحانه و تعالي يقول و ما منا الا له مقام معلوم و انا لنحن الصافون فالنفس هي النفس القدسية الانسانية التي مقرها في الملکوت نازلة من عالم اللاهوت و هي التي اشار اليها اميرالمومنين عليه السلام في حديث الاعرابي و اشار الي قواها و خواصها في حديث کميل فراجع اليهما و هذه النفس من عالم الغيب و هي الاصل في الانسان و هي لاتظهر و لاتتعلق بالبدن الا بشيء مناسب لها يکون ذلک الشيء حاملا لظهور آثارها في اقطار البدن و ذلک الحامل المناسب هو الدخان الصافي المتصاعد من تجاويف القلب و يطلق عليه البخار ايضا و هو في غاية اللطافة و الخفة لها مناسبة بعالم الغيب لکمال لطافته و نورانيته و النفس تظهر آثارها في هذا البخار و هو المسمي بشعاعها لانه حامل آثارها الي البدن کالشعاع الحامل لآثار الشمس الي الارض و هذا البخار ايضا لايحل الا في محل مناسب له في اللطافة و الصفاء و القوة و ذلک هي العلقة الصفراء الکائنة في تجاويف القلب الحاملة للحرارة الغريزية فهي في تلک العلقة و البخار المسمي في عرف الاطباء بالروح الحيواني انما يتصاعد من تلک العلقة.

فالحرارة الغريزية هي المراد بالروح في هذا الحديث لان بها قوة البدن و حيوته و تحققه فهي حاملة لذلک البخار الشعاع المتصل بين النفس الغيبية و بين الروح الحرارة الغريزية و البخار اي الروح الحيواني هو السبب لايصال آثار النفس الي البدن مع ما فيه من القوي و المشاعر و الحواس فلولاه لم‌يکن للنفس ظهور فهو حاک للشعاع الظاهر من النفس الي البدن فاذا اراد الله رد النفس الي البدن و حيوة الشخص و رجوعه الي الدنيا امر بالروح فجذب الشعاع و ذلک بعد تحقق المواد

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 294 *»

الصالحة في البدن القابلة لبقاء الحرارة الغريزية باعتدال المزاج و صفو العناصر الاصلية عن الاختلاط و الامتزاج بالاعراض و الغرائب المخرجة اياها عن الاعتدال فاذا وجد الله سبحانه المحل قابلا و المزاج معتدلا امر بالروح الحيواني المعبر عنه بالشعاع بالتعلق به فاذا تعلق الروح البخاري بالحرارة الغريزية انجذبت آثار النفس الغيبية اليه لامحالة کمايجذب البلور الحرارة و الاحراق من الشمس فيجري آثارها في القوابل السفلية المستعدة لظهور تلک الآثار فيها کذلک الروح البخاري جاذب و حامل لظهور آثار النفس القدسية الکائنة في باطن الکرسي فيقوم الشخص حيا سويا فاذا انعکس الامر و اختل المزاج و فسد النظام المتصل في الاعضاء و الجوارح لم‌يبق للحرارة‌ الغريزية قرار فتلحق بمرکزها و تخر ساجدة تحت عرش ربها و لايبقي ايضا للروح البخاري قرار فلاحامل لآثار النفس المجردة البسيطة فتجذب النفس الشعاع و هو الروح البخاري اي روحه المتعلق به المفاض من باطن الجوزهر من فلک القمر فينجذب الي مرکزه و يعود اليه عود ممازجة و الروح البخاري يجذب الروح الذي هو الحرارة الغريزية فتعود الي مرکزها و تتصل باصلها و تلحق بمبدءها و هو کرة النار تحت فلک القمر فاذا جذبت النفس الروح البخاري و قطع العلاقة بينه و بين محله الحرارة الغريزية المعبر عنها بالروح في هذا الحديث يبقي البدن ميتا لا حراک له فان الحرکة و الحيوة من مباديها و عللها من النفس الغيبية بحواملها و جواذبها و مباديها و اسبابها من الشعاع و الروح کما فصلت لک و انما کررت العبارة للتفهيم فافهم و قد تبين لک ان الشعاع من اي الرتب فان مبدئه باطن جوزهر القمر و منتهاه اعلي کرة النار فافهم.

قال سلمه الله تعالي و ما يقول سيدنا في حديث العياشي عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالي فنظر نظرة في النجوم قال انه تعالي خلق روح القدس و لم‌يخلق خلقا اقرب اليه منها و ليست باکرم خلقه اليه فاذا اراد امراً القاه اليها فالقته الي النجوم فجرت به ما معني لم‌يخلق خلقا اقرب ما الاقريبية و قال

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 295 *»

ليست باکرم خلقه اليه ما اکرم منها و ما معني الکرم و اذا اراد امرا القاه اليها فالقته الي النجوم فجرت به ما المراد بالنجوم.

اقول روح القدس في غالب اطلاقات الائمة عليهم السلام يراد به العقل الکلي العقل الاول المعبر عنه بالقلم الاعلي اول غصن اخذ من شجرة الخلد و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش الذي قال الله تعالي له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر و اليه الاشارة فيما وجد بخط مولانا العسکري عليه السلام روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباکورة و قد قضي بطلان الطفرة علي ان الفيض و الامر من المبدء الاعلي انما يکون من الاعلي فالاعلي حتي لايلزم خلاف الحکمة و يجري حکم اجرائه سبحانه الاشياء علي اسبابها و حيث ان روح القدس اول الخلق و کان اقرب الخلق الي فعله تعالي و مشيته و ابداعه لا الي ذاته لان ذات الله سبحانه لا مناسبة بينه و بين غيره تعالي بوجه لا بقرب و لابعد و لا بنهاية و لابداية وجب ان يکون امره تعالي بالنسبة الي اطوار الکائنات اولا يلقي الي الروح اذ ليس اقرب منه خلق فکان حاملا للامر النازل و الحکم الواص.

و قد يطلق عليه الملک بمعني الالوکة اي الرسالة او من الملک بمعني العبودية و کلا الامرين في ذلک الخلق علي الوجه الاکمل کما فصلنا في ساير رسائلنا و اجوبتنا فاذا وصل الامر الالهي من التکويني و التشريعي الي هذا الخلق القاه بوسايط و هي الروح و النفس و الطبيعة و المادة و المثال و جسم الکل و العرش محدد الجهات و الکرسي و منه الي النجوم في المنطقة ثم الي البروج ثم الي المنازل ثم الي ساير النجوم في اطراف المنطقة ثم الي فلک الشمس بعدها ثم منها الي زحل و القمر ثم منها الي المشتري و عطارد ثم منها الي المريخ و الزهرة ثم منها الي ساير الخلق و اطواره و اکواره و ادواره و اوطاره فتجري في کينونات المتولدات بعد ما يجري الي العناصر فنظر ابراهيم عليه السلام الي النجوم و ما اودع الله سبحانه في سرها من اطوار الکائنات اطلع علي شهادة الحسين عليه السلام و روحي له الفداء و قتله بيد شر خلق الله توجع قلبه و حزن و سري الي کل اقطاره فتألم فقال اني سقيم من تلک الداهية الکبري

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 296 *»

و البلية العظمي التي ظهر منها الخلل العظيم في العالم الکلي و وهنت قواه و انهد اساسه.

و اما کونه اقرب الخلق فقد ذکرنا لک و اما کونه ليس باکرم علي الله لوجود من هو اکرم منه عنده تعالي و هو الجامع الکلي الذي روح القدس شأن من شئونه و طور من اطواره و هو محمد صلي الله عليه و آله فانه العاقل الکامل الجامع للعقل و غيره من المراتب الکونية و نسبة العقل اليه نسبة الرأس الي المجموع الجسد و لاشک ان الرأس و ان کان اشرف من ساير الجسد لکن الجامع بين الرأس و الجسد اشرف من الرأس وحده ضرورة ان الکل من حيث هو کل اشرف و اعظم من اجزائه لان فيه ذلک الجزء بکمال شرافته مع شيء زايد بکماله ففيه الکمالات المتکثرة التي منها ذلک الخلق الاول فکان اقرب الخلق الي الله تعالي و ليس باکرم عليه لان الجامع له و غيره اکرم و اعظم من الواحد کما هو المعلوم ضرورة و هذا لاينافي کون کلما هو اقرب الي الله تعالي اشرف فان ذلک بالنسبة ‌الي مراتبه النازلة لا بالنسبة ‌الي الحقيقة الجامعة فمحمد و آله صلي الله عليه و آله اکرم علي الله و اشرف عنده من روح القدس و غيره و ذلک معلوم بالضرورة من المذهب و الدين.

و قولکم ايدکم الله تعالي و ما معني الکرم اعلم انه ليس المراد منه هنا الکرم و انما هي الکرامة و الشرافة فان الکرم لادخل له هنا کما هو الظاهر و باقي المباحث فقد شرحناها فافهم راشدا موفقا.

قال سلمه الله تعالي و ما الفرق بين صفات الذات و صفات الافعال في الواجب جل و علا مع ان الذات لاتوصف فما معني انها لاتوصف مع اثبات صفات الذات.

اقول الفرق بين صفات الذات و الافعال هو ان کل صفة تثبت لله تعالي و يثبت ضدها له تعالي فليس بصفة للذات تعالي لان صفاته الذاتية عين ذاته تعالي و ذاته تعالي لايمکن ان يکون محلا للاثبات و النفي فان النفي عدم يستحيل اثباته للقديم تعالي فتکون الصفة المذکورة من صفات الافعال کماتقول شاء

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 297 *»

الله و لم‌يشأ و اراد و لم‌يرد و اخبر و لم‌يخبر و هکذا من ساير الصفات التي تنفي و تثبت کما تقول غفر و انتقم و رضي و غضب و غيرها و هذه کلها صفات تجري علي افعاله تعالي اذا تعلقت بالشيء و ضده و توصف الله تعالي بها لان الذات غيبت الافعال و الاضافات و تغيب عند ظهور الذات فتوصف الذات سبحانه و تعالي بها.

و  کل صفة تثبت و لاتنفي و يستحيل نفيه فهي من صفات الذات کما تقول علم و قدر اذ لايصح ان تقول لم‌يعلم و لم‌يقدر او سمع و لم‌يسمع و ابصر و لم‌يبصر و هکذا من ساير الصفات التي لايجوز نفيها عنه تعالي و يستحيل ذلک فان (فانها ظ) صفة ذاته تعالي و لايجوز عليها النفي و الاثبات کما مثلنا لک و هذه قاعدة شريفة اذا اتقنتها لايخفي عليک امر الصفتين بحال و هي المستفادة من کلماتهم عليهم السلام.

و اما الجمع بين قوله عليه السلام کمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة کل صفة علي انها غير الموصوف و شهادة کل موصوف علي انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث و ما اتفق عليه اهل الاسلام ان لله سبحانه صفات ذاتية و الاحاديث و الاخبار ناطقة بذلک فاعلم ان الصفة من حيث هي تقتضي المغايرة لموصوفها کما هو المعلوم الظاهر و قد صرح بذلک اميرالمؤمنين عليه السلام في الحديث المتقدم لشهادة کل صفة علي انها غير الموصوف و شهادة الموصوف علي انه غير الصفة الخ و الصفة بهذا المعني لاريب انها منفية عنه تعالي اذ ليس في ذاته تعالي اختلاف و لا فيها جهة و اعتبار و حيث و حيث و کيف و کم و اضافة و نسبة و جهة و جهة فاذا اعتبرنا هناک صفة مغايرة للذات لزم الکثرة و هي علامة الحدوث.

و اما الصفة التي نثبتها له تعالي فهي اثبات الکمال مما نعلمه کمالاً من غير ملاحظة صفة و موصوف و مغايرة و مخالفة و نقول ان الصفة هي عين الذات و الذات و الصفة لفظان لمعني واحد بلا اعتبار اختلاف و لا تعدد فقولک عالم هو بعينه هو معني قادر و القادر هو بعينه معني البصير و هو بعينه معني السميع و العالم و القادر و السميع و البصير الفاظ لمعني

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 298 *»

واحد بلافرض المغايرة لا مفهوما و لا مصداقا و لا اعتبارا و لا حقيقة و القول بالمغايرة الاعتبارية ان کانت واقعية اي ما في الاعتبار مطابق لما في الواقع فجاء التعدد و الاختلاف في الذات و ان لم‌تکن واقعية کانت کذباً فلاتجوز الديانة بالکذب فانف المغايرة بالکلية ليستقيم لک التوحيد و تکون من اصحاب المذهب السديد و الصفة التي هي عين الذات ليکون اثباتها للخروج عن الحدين حد التعطيل و حد التشبيه هي التي نثبتها له تعالي و الصفة التي بها المغايرة و الاقتران و الاتصال هي التي ننفيها عنه تعالي فلامنافاة ح قال عليه السلام فاسماؤه تعبير و صفاته تفهيم و ذاته حقاقة و کنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه و تفصيل هذه الاحوال و شرح هذا المقال کما ينبغي يطلب في ساير رسائلنا لاسيما في اجوبة المسائل التي اتتنا من مشهد مولانا الکاظم عليه السلام فان ما فيه کفاية للطالب المسترشد بل ليس له دونه کلام و لو کان لي مجال لاريتک من عجائب المقال ما تقر به العيون.

قال سلمه الله تعالي و ما معني قوله تعالي فکان قاب قوسين و اصله فکان کقابي قوس فما الوجه فيه.

اقول المراد قوسان لا قوس واحدة فان العالم ماسوي الله کرة واحدة و بعض الکرة قوس فانقسمت هذه الکرة الي تسعة قسي و کل قوس عبارة عن عالم من العوالم الکونية و هي عالم الاجسام و عالم المثال و عالم الطبايع و عالم المواد و عالم النفوس و عالم الارواح و عالم العقول و عالم الفؤاد و عالم المشية و الامکان و کل عالم اعلي من الذي تحته و رسول الله صلي الله عليه و آله صعد في عروجه الي هذه العوالم المعبر عنها بالقسي الي ان وصل في صعوده الي عالم العقول و مبدءه العقل الکلي روح القدس فلما وصل في سيره الصعودي الي هذا العالم احاط بالمکونات فکان من ربه اي من قطعه لعالم الامکان بالمرة و وصوله الي عالم الازل قاب قوسين اي مقدار قوسين و هما عالم الفؤاد و الوجود و عالم المشية و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 299 *»

الامکان الراجح فصعد صلي الله عليه و آله الي ان قطع قوس الفؤاد و الوجود و وصل الي عالم المشية و الامکان فکان ادني ولکن قوس الامکان لايمکن قطعها و يستحيل الوصول الي عالم الازل فحده صلي الله عليه و آله في صعوده ليلة المعراج الي قاب قوسين اي الي ان يبقي قوسان بل ادني اي قوس واحدة لقطع عالم الامکان بالمرة فلايصح قابي قوس فان المراد بالتثنية التعدد في القوس لاطرفيها کما توهمه بعض المفسرين و ما ذکرنا لک من الکلام هو الحق الذي لايحوم حوله نقض و لا ابرام فخذه و کن من الشاکرين فليس وراء عبادان قرية و لاحول و لاقوة الا بالله.

قال سلمه الله تعالي و ما معني ما ورد ان الميت اذا دفن لايتخلف احد عند القبر لئلايحدث علي الميت شيء فتسمع الاحياء کيف هذا و الحدث في المثال فکيف يسمع هذا السمع و المسموع في ذاک العالم.

اقول عالم المثال له وجهان وجه الي عالم الغيب و النفس و وجه الي عالم الشهادة و الاجسام فاهل الدنيا المتجلببون بجلباب الجسم المأخوذ من القبضات العشر اذا کانت حواسهم غير مختلة و مشاعرهم معتدلة غير متفرقة و لم‌تکن عوارض من غلة الاحکام الدنيوية الجسمية يسمعون اصوات اهل جابلقا و جابرصا من الذين في عالم المثال باسماعهم الجسمية المناسبة للوجه الاسفل من الاطوار المثالية فاذا کان نصف الليل و انت حواسک مجتمعة غير متفرقة تسمع اصوات عجيبة من اصوات اهل ذلک العالم و صرير اقلام الملائکة و غيرها من اطوار العوالم الجسمية في المقامات العلوية لحکم المناسبة المذکورة اما سمعت ما ورد ان الکافر اذا دخل في قبره يأتيه الملکان و يضربانه مرزبة من نار يصيح صيحة يسمعها کل حيوان سوي الجن و الانس و سر السماع هو الذي ذکرنا لک من مناسبتهم لاهل ذلک العالم بوجه و سر عدم استماع الجن و الانس عدم لزوم الالجاء و ليبقي لهم معاشهم الذي به تحصيل معادهم فافهم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 300 *»

قال سلمه الله تعالي ما الوجه في کون الزکوة اوساخ الاموال فليست للسادة بخلاف الخمس فانه ليس من الاوساخ مع کونهما حقين للفقراء سادة خمسا و غير سادة زکوة فما الوجه في ذلک.

اقول اعلم ان هنا سر دقيق و رمز خفي ذکرنا تفصيله و شرحه في اسرار العبادات في اسرار الزکوة و الخمس فان اردت التفصيل فراجعها و لاريب ان الخمس من صافي الحقوق فمن هذه الجهة جعل الله تعالي لنفسه المقدسة نصيبا و لنبيه اشرف الخلق و لاوليائه نصيبا صلي الله عليهم بخلاف الزکوة فان الله سبحانه لم‌يجعل له منها و لا لنبيه و اوليائه عليهم السلام نصيبا بل حرمها عليهم فجعل للسادة ما جعلها لنفسه و اوليائه و لاشک ان ذلک لايکون من الاوساخ و من الفضلات بخلاف الزکوة فانها لساير الناس فقد صرحوا عليهم السلام بانها اوساخ ما في يد الناس و ليس الخمس للفقراء و انما هو لله و لرسوله و اولي الامر و اين الفقير من هؤلاء و اما اليتامي فقد صرح الشيخ بعدم اشتراط الفقر فيهم و ليس ببعيد و اما الزکوة فللفقراء خاصة الا المؤلفة قلوبهم لکنهم من قسم الکفار و الفرق ابين من الشمس.

و الوجه في ذلک ان الشيء اذا تم في نفسه يجري عليه الحکم و يثبت له و عليه و تمام الشيء فالعالمين عالم الغيب و الشهادة فعالم الغيب هو الاصل و هو انما يتم في خمسة عوالم عالم الامکان الراجح و عالم الفؤاد و عالم العقل و عالم الروح و عالم النفس و هو تمام الذر و تمام الخلق الاول في العالم الاول فاذا تم فلاحظ فيه جهة الحق سبحانه بظهور التوحيد و النبوة و الولاية و الشيعة الذين هم محل العناية و ظهور الولاية المطلقة و هم المختصون بالولي و النبي و المنتسبون اليه و مظهرها في هذا العالم الذرية من اولادهم عليهم السلام ممن ليسوا في مقام الاصل و انما هم في مقام الرعية و هم علي ثلثة اقسام العوام منهم و الخواص منهم و الخصيص منهم و مقام التوحيد و النبوة و الولاية فهذه ستة نصفها خاصة للامام عليه السلام لانه عليه السلام مظهر الجميع و الاصل الثالث و النصف الآخر الي الاقسام الثلثة المذکورين فالخمس الذي لله فيه نصيب لايکون الا من الوجه الاعلي.

و اما عالم الشهادة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 301 *»

فذلک عالم الکثرة و الاختلاف و البعد عن المبدء فيتم في عشرة عوالم الخمسة المذکورة و عالم الطبيعة و عالم المواد و عالم المثال و عالم الاجسام و عالم الاعراض فاذا تمت هذه العوالم العشرة تم الشيء في عالم الشهادة مشروح العلل و مبين الاسباب فلوحظت فيها جهتها من حيث نفسها فعشرها من حيث نفسها اسفل المراتب و هو مقام الاعراض و ذلک اوساخ ما في ايديهم لان العشر بازاء الوجه الاسفل و الاعراض معلوم حالها و دناءة محلها و کلما هو بازاء الشيء يجري عليه حکمه و حيث کان الملحوظ في الزکوة ظهور الشيء بعد تمامه في نسبته الي غيره و لاشک ان نسبة الشيء الي غيره من جنسه او اسفل منه بالوجه الاسفل لا بالوجه الاعلي کان ما بازائه مما يتعدي الي غيره مما يظهر سره في ماله في الوجه الاسفل و کان ذلک حکم الاوساخ و الفضلات و يؤثر تأثيره و من هذه الجهة ورد عنه عليه السلام انه قال لاتهن المؤمن و لاتعطه اوساخ ما في ايدي الناس بخلاف الخمس فان ذلک بازاء الشيء بعد تمامه من جهة انتسابه الي المبدء الاعلي و لاشک ان وجهه من ربه هو اعلي مراتبه و مقاماته فيکون الخمس اصفي الاموال و ازکاها و اشرفها و الزکوة ادني الاموال و اخسها و اکثفها و الئامها و حيث کانت الزکوة بازاء وجه الشيء الي غيره من نفسه بعد تمامه اختلفت بالعشر و نصف العشر و الجزء من اربعين جزء و ذلک علي حسب اختلاف تمامية الشيء في ترتب الاحکام عليه و ان کانت الاصول انما تتم في العشرة ولکن الظهور بآثار الشيء و احکامه قد يتوقف بالاربعين کما في قوله تعالي خمرت طينة آدم بيدي اربعين صباحا و بالعشرين في مقام ظهور العشرة في قوسي الصعود و النزول

و لکل رأيت منهم مقاما

شرحه في الکتاب مما يطول

و قد اشرت لک الي حقيقة السر فان فهمته فقد سعدت به و الا فليس لقصور فيک بل انما هو لعلو مقام المسئلة لان دليلها من دليل الحکمة و سرها من شرح سر العصمة و هو في هذا الزمان بعيد المنال و عزيز الوصال فان افتريته فعلي اجرامي و انا بريء مما تجرمون.

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 302 *»

قال سلمه الله تعالي ما الوجه فيما ورد عنهم عليهم السلام ان الصادق عليه السلام اذا ذکر عنده يعقوب عليه السلام قال صلي الله عليه و آله صلي الله علي الشيخ يعقوب يکرر هذه الصلوة ثلثا ما وجه تسميته بالشيخ و ما وجه الثلث المرات.

اقول ان يعقوب عليه السلام اسرائيل الله هو مثال اميرالمؤمنين عليه السلام باعتبار ذريته و کون الانبياء منهم و ان يعقوب له اثني عشر ابنا عدد الائمة الاثني عشر و ان ابنا واحد منهم قد ابتلي بالبلايا و المحن و وقوع ما جري عليه و هو مثال ابنه الحسين عليه السلام في ابتلائه بالبلايا العظيمة و المحن الجسيمة و انه بعد الابتلاء قد رجع اليه الدولة و السلطان و الحکم في الارض کذلک الحسين عليه السلام يرجع اليه الدولة و السلطان في الرجعة و الکرة و يبقي سلطانا متمکنا في الارض خمسين الف سنة علي بعض الروايات و يأتي اليه والداه بعد السلطنة و هو عبارة عن رجوع محمد و علي و فاطمة و ساير الائمة عليهم السلام و اجتماعهم بالحسين عليه السلام في الرجعة.

و بالجملة حيث کان يعقوب مثالا له عليه السلام و لهم و ان کان المثال مقربا من وجه و مبعدا من جميع الوجوه و هو عليه السلام اصل لجميع الانبياء من نسله فصح اطلاق الشيخوخة عليه و في الزيارة لاميرالمؤمنين عليه السلام السلام علي اسرائيل الامة و باب الرحمة و ابي الائمة و لماکان مثالا مطابقا و دليلا موافقا لحدود الولاية الظاهرة في اثني عشر متي ما ذکره مولانا الصادق عليه السلام صلي عليه لحکايته لهذا الامر العظيم و الخطب الجسيم و النور القويم و الصراط المستقيم.

و انما لقبه شيخا لبيان ان الممثل اصل تفرع منه الائمة عليهم السلام فهم المؤمنون و هو عليه السلام اميرهم و شيخهم و سيدهم و الواسطة بينهم و بين ربهم و نبيهم و لذا کان هذا الاسم اي اميرالمؤمنين خاصا به عليه السلام دون غيره و لما کان ظهور الولاية المطلقة ظاهرا في الاوعية الثلاثة علي حسب اختلاف المراتب و المقامات اي الدنيا و الاخرة و البرزخ کرر الصلوة عليه ثلث مرات اتباعا لقوله تعالي و السلام عليه يوم ولد و هو الدنيا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 303 *»

و يوم يموت و هو البرزخ للانتقال بالموت اليه دون غيره و يوم يبعث حيا و هو الاخرة اي القيامة و ما بعده و الصلوة اي الرحمة المتصلة او الوصلة او الصلوان بمعني التبعية في جريان الاحکام علي الوجوه الثلثة ثابتة له عليه السلام في الاحوال الثلثة و لذا کان يکررها عليه السلام ثلثا اشارة الي هذه الدقيقة الشريفة ملاحظا لحکم الفرع و الاصل فافهم.

قال سلمه الله تعالي ما وجه ما ورد ان ما اصاب الانسان غير المعصوم فهو عن ذنب و هذا له تصفية و بين ان اشد الناس بلاء الامثل فالامثل اما هم عليهم السلام فما ينالهم فهو تصاعد و علو في درجاتهم.

اقول ان الانسان المکلف اما مقبل الي الله تعالي او مدبر عنه فان کان الاول فهو في سرور و غبطة و نور و خير و رحمة لان النور و الرحمه و الخير و البرکة کلها من عند الله سبحانه و من فيض فضله بفعله فالمقبل اليه غائص في بحر النور و الخير و الرحمة و البرکة و الصحة و السلامة و العافية لمقابلته لفوارة النور وان کان الثاني فهو في ضر و زحمة و ضيق و حرج و ذلة و محنة و هوان و مرض و بلية فان کان الاقبال في الظاهر و الباطن و السر و العلانية في جميع المراتب من الغيب و الشهادة و الذاتية و العرضية فمقتضي مقابلته لفوارة النور ان لاتصيبه محنة و لا کدورة و لا مصيبة لمنافاتها لما توجه اليه ولکن من جهة تحمله لاوزار غيره و ارادة التخفيف عن الغير قد يصيبه ما کان الغير مستحقا لذلک من ادباره و اعراضه من آثارهما من المحن و الشدايد او من جهة ان الدنيا قد جعلها الله لاعدائه لامور استحکمت في عالم الغيب و يطول الکلام بذکرها کما اشار اليها في دعاء الندبة فشرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية و زخرفها و زبرجها فشرطوا لک ذلک و علمت منهم الوفاء بذلک فقربتهم و جعلت لهم الذکر العلي و الثناء الجلي الدعاء فلاتقبل الدنيا اليهم لترکهم اياها فيمتنعون من ملاذها و تصيبهم مکارهها و هم في ذلک في عين الراحة و السرور

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 304 *»

و ان کانوا في الکدورة و الهم و الغم کما اشار اليه في البيت المنسوب الي علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام:

عتبت علي الدنيا و قلت الي متي

اکابد هما بؤسه ليس ينجلي

اکل شريف من علي بجدوده

حرام عليه العيش غير محلل

فقالت نعم يابن الحسين رميتکم

بسهم عنادي حين طلقني علي

و هؤلاء هم الانبياء و الائمة و الاوصياء المعصومون الذين لايقترفون سيئة و لايخطر ببالهم سوي الحسنة و المصائب الواردة عليهم و المکاره النازلة بفنائهم اما لاجل تحملهم لذنوب شيعتهم و تبعات رعيتهم کما اشير اليه في قوله تعالي ليغفر لک الله ما تقدم من ذنبک و ما تأخر او لاجل الدنيا و قد طلقوها و ترکوا ملاذها و محابها امتثالاً لامر الله تعالي و اعطاء لکل ذي حق حقه و واضعا لکل شيء موضعه فان المسافر لايستريح الا في وطنه و المؤمن غريب في الدنيا و بذلک نالوا اعلي الدرجات و لحقوا باعلي المقامات و يترقون ابد الابدين و ما يشاهدونه من الاذية عندهم في الغاية من الراحة و المحبة.

و ان کان الاقبال بقلبه ولکنه بظاهر بدنه بالشهوات العرضية يقترف المعاصي و يدبر و يعرض عن فوارة النور و الخير فيستحق مقتضياته من انواع الآلام و الاسقام و المصائب و المکاره و ان کان ممن يريد الله به الخير و له عنده سبحانه في الدار الآخرة المقام الاعلي و الرتبة الاسني يبليه الله تعالي في الدنيا بالبلايا و المصائب و المحن و الشدايد کفارة لذنوبه و محوا لسيئاته و الشفيع المنيع لايشفع عن مکاره الدنيا غالبا الا في وقت يکون المانع اقوي لان الدنيا مما اذن الله بزوالها و فنائها و اضمحلالها و الاعراض عنها و عدم الرکون اليها فاذا استقامت له الامور الدنيوية من کل الجهات و هو ليس بمعصوم فيخاف عليه من الميل و الرکون الي الدنيا الملعونة کماقال تعالي ان الانسان ليطغي ان رءاه استغني فتشتد عليه المحن و البلايا علي حسب قوته و طاقته في ايمانه دفعا لمکروه اعماله و کفارة لذنوبه و صونا له عن الرجوع الي مثله و الميل الي ما يجب الاعراض عنه بقلبه فتتوجه اليهم البلايا الامثل فالامثل و قد ورد ان الله سبحانه يهدي البلاء الي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 305 *»

المؤمن هدية کما يهدي بعضکم الي بعض هـ و ذلک لکرامته عليه ليکفر ذنوبه و يصرف قلبه الي ما هو الاهم الاعلي فلا منافاة حينئذ بين المقامين فان المؤمن علي حسب قوة ايمانه يبليه الله تعالي بالبلايا لعلمه بان الدنيا ليست بدار راحته و لا عزته و حيث انه لم‌يخل من المعصية يکون کفارة لها فجمع بين الامرين فارتفعت المنافاة من البين.

و اما الکفار فلکمال اعراضهم لايجري عليهم حکمه في الدنيا في الغالب لقوله تعالي و لايحسبن الذين کفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب مهين و هذا ايضا بلاء و اي بلاء ولکنهم ما يشعرون و المؤمن ايضا اذا کان ضعيف الايمان لايقوي قلبه لحمل المعارف و ان البلاء خير من عند الله تعالي انزله اليه لايبليه الله تعالي بالمکاره الشاقة و المصائب العظيمة حتي لايفسد عليه دينه و قد شاهدت بعض اشباه الناس و قد حصلت له بعض العوائق في الطريق في رجوعه من مکة زادها الله شرفا بلا اذية و لامحنة و قد سمعته يقول احببت ان احشر محشر اليهود و النصاري و لاحجيت و سمعت الاخر يقول ما ظلم الله احدا مثل ما ظلمني في هذا السفر و امثالهما کثير و هو سبحانه لايبلي الغالب من الفرقة المحقة بالبلايا المستمرة العظيمة لئلا يصدر منهم مثل هذه المقالة الخبيثة فيخرجوا عن الدين و الله سبحانه هو الموفق و الهادي نسئل منه العافية و حسن الخاتمة و الرضا بما يقضي و يمضي.

قال سلمه الله تعالي و ما الوجه في کون العنوان للواجب ليس داخلا في الامکان مع انه محدث لانه ليس ازل الآزال غير الذات البحت و کونه عالما اذ لا معلوم ليکون علم بلا معلوم مع ان العلم عين المعلوم فمتي تحقق عينية العلم للمعلوم فکون الذات تعلم الممکنات في الحدوث فقبل حدوثها هو عالم بها فما معني العلم في الذات البحت و في رتبة العلم علمه تعالي بالممکنات قبل وجودها مع ان العلم غير المعلوم فهناک عينية ام لا.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 306 *»

اقول قد دلت الادلة القطعية من العقلية و النقلية ان الشيء لايتجاوز مبدئه و انه لايصل الي ما فوق ذاته اذ لا ذکر له فوق ذاته و هو عدم هناک فاين الادراک و الوصول و قد قال تعالي و ما منا الا له مقام معلوم و انا لنحن الصافون و قال اميرالمؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها فاذا ثبت ذلک فالخلق الحادث و الممکن المخلوق لايمکن له الوصول الي کنه ذات الخالق و البلوغ الي حقيقة معني الصانع و ذلک واضح ظاهر ضرورة فلايعرف احد ربه الا بما ظهر له من آثار صفة و صفات فعله و معني ذلک انه تعالي اوجد فيهم صفة نفسه تعالي ما يعرفه له تعالي و تلک الصفة هي المسماة بالعنوان ولکن حيث انها صفة له تعالي في مقام التعريف و التعرف فلو قصدت بها سواه و لاحظت امکانها لم‌تکن صفته فان الصفة دليل علي الموصوف و ان کانت الصفة في نفسها من عالم الامکان ولکن لايلاحظ امکانها کما اذا قلت لک انا فلان بن فلان و صفتي کذا و فعلي کذا فالسامع حين ما يسمع هذا الکلام ينظر الي و يلتفت الي و لايلتفت الي ان هذا قول و کلام احدثه فلان و هو اثره فاذا اشتغل بهذه الالتفاتات احتجب عن معرفتي بما عرفته من نفسي باثر فعلي و هو کلامي فالکلام الدال علي حين دلالته علي و توصيفه لي عنوان اعرف به يعرفني به غيري و ذلک الکلام الدال علي و ان کان اثري احدثته بفعلي ولکني احدثته فيکون صفة لي فلايلتفت اليه حين ارادتي منه الي و انما يلتفت الي و ان کان ما عرف صفة فعلي و شبح کينونتي فکذلک حين تتوجه الي صفة الاستدلال التي جعلها الله سبحانه في کينونات الخلق فانما تتوجه الي صفة الله سبحانه و توحيده و انت حينئذ ذاهل عن کون هذه الصفة عنوانا محدثا او صفة مخلوقة و ان کان في الواقع کذلک و هو معني قول شيخنا العلامة اعلي الله مقامه ان عنوان الواجب ليس داخلا في الامکان يعني عند الملاحظة لا في الواقع و نفس الامر حتي يکون قديما آخر غير الله تعالي و لاريب ان العنوان محدث و قد نص قدس سره علي حدوثه في الفوائد و غيرها و المعروف مذهبه و اذا قال ليس في الامکان مراده لايلحظ امکانه و حدوثه فانک اذا لاحظتهما ما استدللت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 307 *»

به الي القديم و ذلک معلوم ان شاء الله تعالي بعد البيان و ان کان من اصعب ما يرد علي الافهام.

و اما کون عالم اذ لا معلوم فقد ذکرنا ان الصفة الذاتية عين الذات بلا فرض المغايرة و الاعتبار فعلمه تعالي عين ذاته و ذاته عين علمه بل العلم و الذات لفظان لمعني واحد کما مر سابقا فح لا اشکال فان الذات الاقدس موجود و لا خلق من الامکان و الاکوان فاذن يصح ان تقول علم و لا معلوم کما تقول ذات و لا خلق لان مؤدي احدي العبارتين عين الاخري ثم نقول ان العلم الذي يقتضي المعلوم هو العلم الاضافي و الاضافة من العوارض و الاعراض من المقولات التسع فکيف يصح ان ينسب اليه تعالي العلم الاضافي الذي هو من مقولة الاعراض و هو سبحانه لايوصف بعرض و لا جوهر و هو سبحانه ليس محلا للاعراض فالعلم الثابت له تعالي لو جعلته مما يقتضي المعلوم کان اضافة و هو سبحانه منزه عنها و الا لزم ما ذکرنا من کونه اما محلا للاعراض اذا کان العلم غير ذاته و اما ان يکون ذاته عرضا اذا کان عينها و هو من مقولة الاضافة و يلزم ان يکون ذاتاً اخري حتي تکون ذات الله سبحانه اضافة ارتباطية بينهما سبحانه سبحانه سبحانه و تعالي عما يقولون علوا کبيرا فاذن من اين استبعاد ان العلم ينفک من المعلوم اذا لم‌تجعل العلم من مقولة الاضافة.

فالعلم في الحقيقة في الوضع الاولي اسم للذات البحت المجردة عن کل الاضافات و الاعتبارات فهي علم و هي قدرة و هي نور و هي سمع و هي بصر من غير اضافة الي معلوم و مسموع و مقدور و غيرها ثم لما تحققت الاضافة و النسبة بينه تعالي و بين خلقه و اقتران سمي تلک الاضافة علما من باب الحقيقة بعد الحقيقة لا ان العلم هو محض تلک الاضافة و اليه الاشارة في قوله عليه السلام کان ربنا عزوجل و العلم ذاته و لا معلوم و القدرة ذاته و لامقدور و السمع ذاته و لامسموع فلماوجدت الاشياء و کان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر نقلت معني الحديث.

فالمراد بالعلم في الاول هو ذات الله سبحانه کالقدرة و السمع و البصر فانها الفاظ ترد علي معني واحد و العلم و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 308 *»

القدرة و البصر و السمع هي الاضافية و هي انما تتحقق باشراق فعله تعالي علي المفعولات حين احداثها فالاقتران انما هو باعتبار فعله تعالي بالمفعولات و الذات منزهة عن ذلک مثاله و لله المثل الاعلي ان السراج له نوران نور هو عين ذاته اي لايتحقق السراج بدونه اصلا و نور يقع علي الجدران و الاراضي و الاشخاص فالنور الذي هو عين ذاته لايتغير و لايتبدل و انما هو شيء واحد و الذي يتعلق بالمرايا و الجدران هو اشراق فعل السراج فيختلف بحسب المتعلق فيکون في المرآة الحمراء نورا احمر و في الصفراء نورا اصفر و في البيضاء نورا ابيضا (ابيض ظ) و هکذا و الکل في السراج شيء واحد و لک ان تقول النور الاحمر و النور الابيض و النور الاصفر عين ذات السراج بلافرض تعدد و مغايرة فان التعدد و الکثرة و الاختلاف انما حصل عند تعلق الاشراق بمتعلقاته فنحن لما نظرنا الي المتعلقات و رأينا تعدد الکمالات اثبتناها له لکن بدون فرض المغايرة و الاختلاف بل علي جهة الوحدة الحقيقية فالتعدد في الاشراق و الوحد ة في الذات و الاضافة في الخلق الحادث لا في الرب القديم القاهر فافهم.

و اما ان العلم عين المعلوم فذلک في الامکان و الحدوث لا في القدم فانه تعالي لايدرک من حيث ذاته و علمه عين ذاته فلايکيف علمه کما لايکيف ذاته فلايقال ان علمه تعالي حصولي او حضوري او انکشافي لو (او ظ) عين المعلوم او غير ذلک فان ذلک کله بعد فرض المعرفة فاذا کان الطريق مسدودا و الطلب مردودا فلاسبيل لک اليه الا من جهة الآثار و الاثر لايکيف المؤثر الذات و لايفهمه و انما يدل بفقره الي غني يسد فقره و اما شرح ذات الغني فلاسبيل للاثر اليه و لذا اذا رأيت بناء دلک علي ان له بانيا ولکن لايدلک علي انه رجل او امرأة حر ام عبد اسود ام ابيض مسلم ام کافر ام منافق طويل ام عريض ام قصير جن ام انس يعلم غيره ام لا.

بالجملة جميع احوالات الذات و صفاتها و اوضاعها غائبة عنک فلاتعرف منه الا انه موجود ولکن لا کما هو عليه بل کما انت عليه فاذن فما عسي ان تقول في العلم الذي هو ذاته من التوصيف و التکييف و التحديد حتي تقول عين

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 309 *»

المعلوم ام غير المعلوم نعم نعلم يقينا انه تعالي عالم و العلم ذاته ولکنا لانعلم کيفية ذلک العلم الذاتي فمن کيفه فقد ثناه و من ثناه فقد جزاه و من جزاه فقد الحد فيه نعم العلم في الامکان عين المعلوم لان العلم عبارة عن ظهور المعلوم للعالم و ذلک الظهور قائم بالمعلوم دون العالم و لذا تري ان المعلوم اذا لم‌يوجد و لم‌يظهر لم‌يکن معلوما فالظهور اي ظهور المعلوم للعالم قائم بالمعلوم کما ان الضرب قائم بالمضروب و الکلام قائم بالهواء المتقطع منه الکلام فتقول ضارب و متکلم لدي الضرب و الکلام و کذلک العلم قائم بالمعلوم و تقول للشخص عالم باعتبار وقوع العلم في المعلوم فذلک الشيء علم باعتبار ظهوره للعالم و معلوم باعتبار تعلق الظهور به فالعلم و المعلوم شيء واحد و ان کان يلحظ بينهما التغاير الاعتباري الا تري الصورة الخالية المدرکة في الخيال فانها معلومة لک ولکن علمک بها ليس بصورة اخري حتي يدور او يتسلسل بل انما علمک بها بنفسها فهي علم باعتبار و معلوم باعتبار و کذلک اذا رأيت الشيء في الخارج فان نفس وجوده و حضوره لک علمک به فعلمته به لا بغيره فاذا غاب عنک انتقشت صورته في ذهنک فتلک الصورة حينئذ معلومک لا العين الخارجة فهي علمک بها و لذا تري لو تغيرت العين الخارجة باحوال مختلفة لم‌تطلع عليه الا بما انتقش في نفسک من صورتها.

فلو کان المعلوم هو الخارجي و العلم هو الذي في نفسک لتغير علمک بتغير معلومک ضرورة المطابقة بينهما لو لم‌نقل بالعينية و عدم التغيير ضروري الا بتجدد ظهور آخر اما بالصورة المغايرة او بالعين الخارجة مثلا اذا رأيت زيدا علمته به علي الهيئة التي رأيته فاذا غاب انتقشت صورة ما رأيته منه في الذهن فاذا تغير زيد بعد غيبته بمرض او موت او سمن او هزال او غير ذلک من الاحوال و انت ما تجد ذلک شيئا غير ما رأيته فلايتغير ما عندک فلو کان المعلوم هو الخارجي لاستحال ذلک فلما رأينا تحقق ذلک علمنا ان المعلوم هو الصورة الذهنية لا غير و ذلک ان شاء الله تعالي ظاهر لمن القي السمع و هو شهيد و لتحقيق المسئلة مقام آخر و قد حققه مولانا و شيخنا العلامة قدس الله نفسه و سره في رسائل متعددة بما لامزيد عليه وقد

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 310 *»

کتب الحقير ايضا في مواضع متعددة و شرحته علي کمال ما ينبغي خصوصا في اللوامع الحسينية.

و بالجملة فالعلم في الامکان عين المعلوم فح فلانقول انه من مقولة الکيف او الاضافة او الانفعال او غير ذلک کما ذکروا و اختلفوا بل نقول ان العلم بالجوهر جوهر و بالعرض عرض و ساير المقولات علي حسبها من غير اختصاص بمقولة دون اخري فافهم.

فظهر لک ان القول بعينية العلم للمعلوم انما هو في الامکان لا في القديم فنقول انه تعالي عالم بالاشياء قبل حدوثها فعلمه بها قبل حدوثها کعلمه بها بعد حدوثها بلا تغير و لازوال و لاحدوث حال و لا کيف لهذا العلم نعم ان الکثرات و الاضافات و التعدد منتفية في ذاته تعالي و العلم بها حاصل.

و اما کيفية هذا العلم فلايمکن للمخلوق ادراکه و لايسع الحادث تحقيقه و الا لشارکه في قدمه فهو تعالي عالم في الازل بالاشياء في رتبها و اماکنها في الحدوث و لاکيف لذلک کما انه لاکيف له.

ثم اعلم ان العلم قد يطلق علي المشية و علي الامکان الراجح و علي الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله و علي القلم الاعلي و اللوح المحفوظ و علي الکتاب و علي الواح الکائنات و علي الآيات المرئية في الآفاق و في الانفس و علي ما في الخزائن الغيبية الکونية و الشرعية من الاسرار المکنونة و حيث ان هذه الاشياء المذکورة و الغير المذکورة من الجواهر العلوية لشرافتها تنسب الي الله تعالي نسبت الي الله تعالي فقيل انها علمه تعالي الا تري الاخبار الواردة في ان لله علمين علم علمه انبيائه و رسله و ملائکته و علم استأثره في علم الغيب عنده و قد عقد الکليني (ره) بابا في هذا المعني و لاريب ان العلم الذي علمه الله انبيائه ليس هو ذاته تعالي ولکنه نسب اليه تعالي تشريفا کماقال تعالي و نفخت فيه من روحي و لماکانت هذه العلوم کلها اشراقات فعله تعالي في الاطوار الکونية الوجودية سميناه علما لله حادثا اشراقيا لان هذه الاشياء لاتصح ان تکون عين ذاته تعالي فتکون غيره و کل‌ما سوي الله حادث فيکون هذا العلم حادثا و ليس معناه انه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 311 *»

تعالي حدث علمه بها تعالي الله عن ذلک فان الله تعالي لايتغير عن حال و لايجري عليه زوال و لا اضمحلال و انما المعني کما ذکرت لک علي ما ذکرت لک من ان هذه الامور اشراقات فعله و انوار کينونته نسب اليه تعالي کما ينسب ساير اسماء الافعال و صفاتها اليه تعالي . . . . . . . .

(الي هنا وجد في النسخة الاصلية)