11-02 مکارم الابرار المجلد الحادی عشر ـ طريق النجاة المجلد الثانی – چاپ – الجزء الثانی

طريق النجاة المجلد الثانی – الجزء الثانی

 

من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعلي‌الله مقامه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 233 *»

الباب الثانـى

من ابواب الكتاب فى الفكر

و ما يتعلق به من البيان و ما يتفرع عليه و فى هذا الباب مقدمة و فصول

المقدمــــة

فى بيان حقيقة الفكر و مبدئه و منشأه و آثاره و فيها مقاصد ثلثة

المقصد الاول

اعلم ان الفكر قوة من قوي النفس الناطقة القدسية و فعل من افعالها قد ظهر في القبضة الفلكية العطاردية التي في الانسان و تعلق بالنسب و انصبغ فيها فهو من حيث النسب تفكرات جزئية خاصة متعلقة بامور خاصة و من حيث صدوره عن النفس له ابهام نوعي و له مادة صادرة عن النفس نوعية يشترك مع الخيال و الوهم و العلم و التعقل و صورة نوعية يمتاز بها عن اخوانه و هي خصوص درك النسبة بين صورتين او معنيين او معني و صورة فهو قد يخدم الخيال فيدرك النسبة بين الصورتين الحاصلتين فيه و قد يخدم الوهم فيدرك النسبة بين المعنيين الذين فيه و قد يخدمهما معاً فيدرك النسبة بين معني مدرك للوهم و صورة مدركة للخيال فهو خادم الذاكرة بقول مطلق فلايقدر علي الفكر من لايذكر صورة و لا معني فاذا استحضرت صور الاشياء او معانيها امكنك التفكر فيها و درك النسب بينها.

و الاشارة الي ذلك علي نحو الاجمال ان اللّه سبحانه خلق الانسان انموذج هذا العالم و جعل فيه مما جعل في هذا العالم الذي هو الانسان الكبير حقيقة فخلق فيه حصة من العرش و جعلها قلبه اي عقله الجسماني و حصة من الكرسي فجعلها صدره الجسماني و من فلك الشمس حصة فجعلها طبعه و وجوده الثاني اي الشخصي و ذلك ان الطبع واحد فهو قبل التلبس بصورة طبع و بعد التلبس مادة شخصية و يعرض عليها الصورة المثالية الشخصية و حصة من فلك زحل و بها تعقله و حصة من فلك المشتري و منها عالمته و حصة من فلك المريخ و منها واهمته و حصة من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 234 *»

فلك الزهرة و بها خياله و حصة من فلك عطارد و بها فكره و حصة من فلك القمر و بها حيوته و ليس مرادي بالحصة انه عزوجل نزع قطعة من الافلاك و جعلها في الانسان بل احدث مثلها و مشاكلها و مساويها في الدرجة و اللطافة و احدثها من ماء نطفتها او الماء الذي منه مددها و غذاؤها كما خلق الافلاك يوم اول من لطايف الماء و من الماء كل شي‌ء حيّ و قد شرحنا ذلك مفصلاً في محله اللايق به فاذا صعد بخار الدم الصافي الذي في القلب الي الدماغ و وصل الي مقام الفكر و هو علي ما قالوه التجويف الاوسط لطف لطافة حكي فعل النفس و له صبغ‌ما من طبعه و خصوص المحل فانصبغ مثال النفس فيه انصباغاً ادركت به فيه النسب الفكرية كما انصبغ مثال النفس في الخيال انصباغاً ادركت به فيه الصور الفكرية و قد يسمون المتفكرة المتخيلة يعني تلك القوة في الانسان متفكرة و في الحيوان متخيلة و علي اي حال هي قوة تخدم الواهمة و الخيال و كرسيها علي الماء و شغلها درك النسب بين الصورتين اي ما ينطبع في هذه الصورة من هذه الصورة و ما في هذه من هذه و بين المعنيين كذلك و بين الصورة و المعني و عكسه كذلك و هو ناظر ابداً في لوح الخيال او الوهم و يتفكر في نسب ما فيها و يدركها ثم يعرضها علي العالمة فتجردها العالمة عن عرض اقترانها و ارتباطها بالمواد و يعرضها علي العاقلة كما كان الخيال يعرض الصور التي فيه علي الواهمة فتدرك العاقلة ما فيها من المعني المجرد الكلي كما كان الواهمة تدرك ما في الخيال من المعاني الجزئية و المدرك لجميع ذلك هو النفس و لكنها تنظر من هذه المناظر و من كل منظرة تدرك ما يشاكلها و يناسبها.

بالجملة و انما عيّن القوم التجويفات لانهم رأوا ان الانسان اذا اصاب مقدم دماغه آفة فسد خياله و اذا اصاب وسط دماغه آفة فسد فكره و اذا اصاب مؤخر دماغه آفة فسد حفظه و الحق ان الحس المشترك جسم مثل هذا الجسد داخله كل عضو منه في عضو مشاكل من هذا الجسد عينه في العين و اذنه في الاذن و هكذا و كل عضو احس بشي‌ء يؤدي اليه علي نحو السراية فيدرك الحس المشترك و هو سريع النسيان فيؤديه سريعاً الي الخيال و هو احفظ منه فيكون الخيال عيناً للنفس تنظر بها في لوح الحس المشترك كما كان الفكر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 235 *»

عيناً للنفس تنظر بها في لوح الخيال و الوهم و كذلك الوهم عين تنظر النفس بها في لوح الخيال و العالمة عين تنظر بها في لوح المتفكرة و في لوح الواهمة و في لوح الخيال و تدرك جميع ما فيها مجردة فما فيها فذلكة جميع ما في دونها ثم العاقلة عين تنظر بها النفس ما في العالمة و تلطفه و تأخذ معناه.

قالوا و الحافظة قوة في التجويف الآخر من الدماغ و هو كلام لااري له معني اذ نقول ما المراد بانها حافظة يعني تحفظ ما يصل اليها ففيها صور عديدة منطبعة سواء كان الانسان ذاكراً لها ام لا ام ليس فيها جميع تلك الصور التي ادركها بساير حواسه فان لم‌تكن فيها فكيف تكون حافظة لما ادّت الحواس اليها و ان كانت فيها بالفعل فلابد لان يكون الانسان شاعراً ابداً لجميع ما ادركه بحواسه مما يحفظه و ذلك خلاف البداهة بل الحافظة عندي هي النفس الملكوتية المهيمنة علي الصور المثالية و امكنتها و حدودها و مقاماتها و قراناتها فهي تعلم كل ما تعلم في حده فاذا شاءت ان تذكره في بدنه القت شبح ما انطبع فيها في العالمة ثم في الخيال قهقري فيراه الانسان حاضراً لديه و كل ما يحضر في خيالك او في حسك و لم‌تدركه في الظاهر او الاسباب البدنية فانما يأتيك من النفس قهقري و النفس لاتحتاج الي ان تحفظ الصور دائماً بل كلما نظرت الي شي‌ء في محله و مقامه وجدته كما هو و انطبع فيها شبحه كما انك لاتحتاج الي ان تحفظ شبح كل شي‌ء في عينك بل تفتح عينك و تنظر الي اي شي‌ء شئت متي شئت و الذاكرة هي النفس ايضاً و الحواس البرزخية ليس لها ان تدرك و تحفظ الا ما حضرت لديها حين هو حاضر و هو حال المقابلة كالمرآة و اما النفس فهي ملكوتية مهيمنة علي المثل تنظر الي اي مثال شاءت حين تشاء و تجده في حده و مقامه ان علمته و الا فلا الا بعناية ربانية و لسنا في هذا الكتاب بصدد ازيد من ذلك.

المقصد الثانى

اعلم ان اللّه سبحانه واحد لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير فعرّف نفسه بنفس الانسان فجعلها واحدة احداً فردة صمدية ليس كمثلها

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 236 *»

شي‌ء و لذلك قال (سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق) و قال (و في الارض آيات للموقنين و في انفسكم أفلاتبصرون

ففي كل شي‌ء له آية تدل علي انه واحد

فنفس الانسان آية الواحد الاحد الفرد فتكون واحدة واحدية الذات و واحدية التوجه و واحدية الفعل و هو قوله سبحانه (ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه) فالقلب الواحد مستقر النفس الواحدة و كرسيها و هي وحدانية التوجه لاتقدر ان تتوجه في آن واحد الي شيئين ابداً اللّهم الا ان تتعاقب عليهما سريعاً و الا فهي واحدة و وجهها واحد و توجهها واحد و لايسعها درك شيئين في آن واحد يعني الدرك الصحيح و ذلك ان القلب يحتاج في درك الشي‌ء الي لبث حتي ينطبع فيه صفة ما يريد دركه و يتأمل فيه فان تعاقب علي شيئين سريعاً يدركهما دركاً ناقصاً و لربما يبلغ سرعة التعاقب مبلغاً لايدرك شيئاً بوجه فاذاً لايقدر الشي‌ء الجزئي المحصور المحدود ان يدرك شيئين في آن واحد او يتوجه الي جهتين في آن واحد حتي انه لايمكنه ان يتوجه من عينين الي شي‌ء واحد و لايمكنه ان يتوجه الي العين و الاذن في آن واحد فضلاً عن ان يتوجه الي الباطن و الظاهر فاذا توجه الانسان الي الحواس الظاهرة لايمكنه التوجه الي الحواس الباطنة و ان تعاقب عليهما فلايدرك بواحد منهما كما هو ألاتري انك اذا توجهت الي خيالك في حال اليقظة لاتدركه صريحاً كما تدركه في حال النوم و ذلك انك في حال اليقظة تعاقب علي الحواس الظاهرة ايضاً فلاتدرك ما في الخيال واضحاً بل حين تتخيل لاتدرك ما تراه بالحواس الظاهرة ايضاً واضحاً الا انه اوضح من خيالك لان توجهك اليه اشد فلو تعطل حواسك الظاهرة ادركت ما في الخيال واضحاً بوضوح هذه الدنيا كما في حال النوم حرفاً بحرف و ذلك سبيل اصحاب الكشف حيث يختارون موضعاً مظلماً حتي لايري عينهم شيئاً و خالياً عن متكلم حتي لايسمع اذنهم شيئاً ثم يتوجهون الي عالم الخيال و هم مشغولون بعملهم فيظهر بعد الممارسة لهم عالم الخيال و لكنهم حين يلتفتون الي عالم الخيال يتعطل مشاعرهم الظاهرة و ان لم‌يكونوا نائمين ألاتري انه قد يغرق رجل في بحر التفكر فكلما تناديه لايسمع و هو

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 237 *»

يقظان ليس بنائم و لربما يصير الانسان في فكره و خياله كأنه يري احداً فيكلمه و يشير اليه بيده كل ذلك لتمحض التوجه الي عرصة البرزخ فكل من تمحض الي مشعر يري ما به يشعر و يدرك متمحضاً خالصاً اللّهم الا ان يكون معوراً.

فنتج مما ذكرنا ان الانسان مادام متوجهاً الي العين و ما تري و الاذن و ما تسمع و الحواس الظاهرة و ما تدرك لايتمكن من الخيال الصريح الواضح البين و لايتمكن من فكر واضح يدرك اطراف الشي‌ء و يشق فيه الشعر و يتبين دقايقه بل و لايتمكن من درك خيال واحد ما لم‌يخلص التوجه اليه فاذا تعاقب الانسان علي خيالين او فكرين او خيالات او افكار لايكاد ان يدرك واحداً منها صريحاً و من ذلك قد علم عياناً ان من اراد التمكن من الفكر لابد له من التوجه الي عرصة الفكر و الخيال و الوهم و الاعراض عن الحواس الظاهرة و عما تدركه و الاعراض عن ساير الافكار و الخيالات الدنياوية المعتادة و التخلص الي تلك المسئلة التي يريد ان يتفكر فيها فان فعل ذلك وفق للفكر و الا فلايكاد يمكنه التفكر علي ما ينبغي البتة و ان تفكر تفكراً ناقصاً فلايكاد يجديه شيئاً و لاينتفع به البتة و لما كان غرضنا في هذا الكتاب تفهيم الاصحاب نتعب انفسنا بشرح كل مسئلة كما ينبغي حتي يصيروا علي بصيرة.

المقصد الثالث

اعلم انه قد يكون المشاعر من ذات نفسها منصبغةً باصباغ و كل ما ينطبع فيها ينصبغ فيها فيتغير عن صفة الشاخص الخارج فيحكم عليه المشعر علي خلاف ما ينبغي كما اذا نظرت الي مرآة حمراء رأيت وجهك فيها احمر او عوجاء رأيت وجهك فيها اعوج حتي انه قد بلغنا ان الافرنج صنعوا مرآة للمسخرة اذا نظر الانسان فيها رأي وجهه فيها علي هيئة كلب او خنزير فاذا كانت كذلك تتبرأ مما تري فيها اذ ليس يشبهك و ليس يناسبك فكذلك مشاعر الانسان فان الاحول يري الواحد اثنين و الذي في عينه خيالات يري علي الشي‌ء شامات سود او غيرها و ليس في الخارج شي‌ء من ذلك و الذي في اذنه دويّ و طنين يسمع دوياً و صوتاً من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 238 *»

غير ان يكون في الخارج صوت و صاحب المرار يجد طعم التمر مراً و هكذا ساير المشاعر الظاهرة و كالحواس الظاهرة الباطنة فاذا كانت متلونة مصبوغة مشكلة بالوان و اصباغ و اشكال تدرك الشي‌ء علي خلاف الواقع و لربما تمحض في النظر بها و انكشف له صريحاً و مع ذلك هو معوج مصبوغ علي حسب اعوجاجه و صبغه فمثل ذلك لايكاد يصدّق من ينكر عليه و يدعي الكشف و العيان نعوذ باللّه و اصباغ المشاعر تأتي من قبل الجمود و الاستيناسات و العادات و من قبل الطبايع و غلبة الاخلاط الفاسدة الممرضة و من قبل الشهوات و من قبل النواميس و من قبل الغضب و من قبل الالحاد و من قبل الشقاوة و كل لاحق اشد من سابقه و زواله اصعب و قد فصلنا ذلك في ساير كتبنا كالفطرة السليمة و كتبنا الاصولية.

فمن رام التفكر و الاصابة لابد له ان يخلي مشاعره عن تلك الاعراض و الامراض و ينظر في الاشياء بفطرته الاولية التي فطر اللّه الناس عليها فانها خلقت علي وفق المشية و ليس يخطي حكمها فتري السليم سليماً و السقيم سقيماً و المعوج معوجاً و المستقيم مستقيماً و لولا ذلك لم‌يكن للّه علي احد حجة و لما علم الشيطان ذلك قال لآمرنّهم فليغيرنّ خلق اللّه مع انه قال تعالي (فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه) اي لاتبدلوا خلق اللّه فمن نظر بعين اللّه التي اعاره اياها و هي فطرته التي جعلها علي وفق مشيته الحكم العدل القسط فنظر بها الي الاشياء رآها علي ما خلقها اللّه عليه و رأي حقايقها و اما اذا نظر بمشاعر مشوبة بتلك الاعراض لايكاد يصيب شيئاً و جميع اختلافات الدنيا و تشاجرها و نزاعها و تسويدها القراطيس و جميع القال و القيل من اجل انهم في عرصة الفطرة المبدّلة و لو نظروا بالفطرة الالهية لماوقع بينهم اختلاف و لمّاوجدهم اللّه كذلك جعل بينهم حكماً باقياً ثابتاً حاكماً علي الفطرة و امرهم بطاعته و هو نبي كل عصر و وليه الذي هو الحجة من اللّه علي الخلق و لايمشي الا علي وفق مشية اللّه و لايحكم الا علي طبق رضاء اللّه و محبته لانه علي الفطرة الالهية لم‌يستفزّهم الشيطان و لم‌يغيّرهم عن خلق الرحمن ثم آمن بهم من ساير الخلق من لم‌يتغير عن الفطرة تغيراً يباينهم معها و ان انحرف في الجملة فعن هشام بن سالم عن ابي‌عبداللّه7 قال

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 239 *»

قلت (فطرة اللّه التي فطر الناس عليها) قال التوحيد و في رواية فطرهم جميعاً علي التوحيد و في رواية فطرهم علي المعرفة و روي هي الولاية و عن عبداللّه بن سنان عن ابي‌عبداللّه7 قال سألته عن قول اللّه عز و جل (فطرة اللّه التي فطر الناس عليها) ما تلك الفطرة قال هي الاسلام فطرهم اللّه حين اخذ ميثاقهم علي التوحيد قال ألست بربكم و فيه المؤمن و الكافر و عن عبدالرحمن بن كثير مولي ابي‌جعفر عن ابي‌عبداللّه7 في هذه الآية قال التوحيد و محمد رسول اللّه و علي اميرالمؤمنين وعن زرارة في هذه الآية قال فطرهم علي التوحيد عند الميثاق علي معرفته انه ربهم قلت و خاطبوه قال فطأطأ رأسه ثم قال لولا ذلك لم‌يعلموا من ربهم و لا من رازقهم و عن الهيثم بن عبداللّه الرماني قال حدثنا علي بن موسي الرضا عن ابيه عن جده محمد بن علي: في هذه الآية قال هي لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين ولي اللّه الي هيهنا التوحيد و عن الطبرسي قوله7 كل مولود يولد علي الفطرة حتي ليكون ابواه هما اللذان يهودانه و ينصرانه بالجملة ان استطعت ان‌تنظر بنظر الفطرة تصيب الحق و ان نظرت بعين هذه العوارض و الاصباغ فلاتكاد تدرك حقاً.

و ان قلت نحن ننظر نظراً و كل احد ينظر نظراً و كل احد يقول لغيره انت ماانصفت و انت نظرت بالعين المغيرة و انا نظرت بالفطرة  اقول للكلام مقامان مقام تحاكم بين الخصوم و مقام نتكلم في قلب كل احد لكل احد و هذا المقام هو المقام الثاني فانا نتكلم معك و نعلمك الحق لكي تستقيم علي الحق و الانسان علي نفسه بصيرة و لو القي معاذيره و انت بينك و بين اللّه تعرف نفسك ان نظرك حين تنظر بعين الفطرة او الانس و العادة و الشهوة و الغضب و تقدر ان تجاهد نفسك حتي تتعري عن كل ذلك و لو في آن واحد و لو لم‌يكن يمكن ذلك لماكلّف اللّه عباده بذلك و مرادي من هذا الكلام ان تعالج نفسك حين طلبك الحق و لاتخاطر بها و لاتخونها و تعريها حين تريد الفكر عن جميع الاعراض و الامراض ثم تنظر في المسئلة بنظر الانصاف و تعلم انه يحاكمك اللّه فلاتجور في الحكم.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 240 *»

و اما المقام الاول و هو مقام التحاكم بين الخصوم فاعلم ان اللّه سبحانه اضطر خلقه علي الاجتماع علي بعض الامور و الاتفاق عليها و ذلك الاجتماع ناشئ مما به اشتراكهم و هو الفطرة و فيهم من جهة اصباغهم اختلافات و تنازع فاذا تنازعوا نحملهم علي ما به اجتماعهم و ما اتفقوا عليه فكل من وافق الاجماعيات و الضروريات فهو الحق و كل من خالفها فهو علي الباطل و ان اللّه سبحانه اجلّ من ان لايجعل لاهل الاختلاف حَكَماً مما به اتفاقهم سواء كان في تلك المسئلة بعينها او في مقدماتها او مقدمات مقدماتها و هكذا و لابد و ان يكون من اللّه حكم حتي يحملهم الحاكم بينهم علي الحق بالجملة ما لم‌تخل عن الاغراض و الامراض جميعاً و تنظر بنظر الفطرة معرضاً عن كل شي‌ء سوي تلك المسئلة لاتكاد تصيب الحق ثم ان حصل لك شي‌ء في تخليتك او اعراضك فشككت في المسئلة زنها بالموازين القسط من الاجماعيات و الضروريات او ما ثبت لك بها فان وافقتها فهو و الا فاعلم ان العيب في مشاعرك فعالجها فافهم راشداً موفقاً.

فصل: قد وردت روايات في فضل التفكر احب ان اتبرك ببعض ما يتيسر منها فعن الصادق7 اعتبروا بما مضي من الدنيا هل بقي علي احد و هل احد فيها باق من الشريف و الوضيع و الغني و الفقير و الولي و العدو و كذلك ما لم‌يأت منها بما مضي اشبه من الماء بالماء و قال رسول اللّه9 كفي بالموت واعظاً و بالعقل دليلاً و بالتقوي زاداً و بالعبادة مشغلاً و باللّه مونساً و بالقرآن بياناً و قال9 لم‌يبق من الدنيا الا بلاء و فتنة و مانجي من نجي الا بصدق الالتجاء و قال نوح7 وجدت الدنيا كبيت له بابان دخلت من احدهما و خرجت من الآخر هذا حال صفي اللّه فكيف حال من اطمأن فيها و ركن اليها و اضاع عمره في عمارتها و مزق دينه في طلبها و الفكرة مرآة الحسنات و كفارة السيئات و ضياء للقلوب و فسحة للخلق و اصابة في اصلاح المعاد و اطلاع علي العواقب و استزادة في العلم و هي لايعبد اللّه تعالي بمثلها و قال رسول

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 241 *»

اللّه9 تفكر ساعة خير من عبادة سنة و لاينال منزلة التفكر الا من خصه اللّه تعالي بنور التوحيد و المعرفة و عن علي7 لا علم كالتفكر و عنه7 الفكرة مرآة صافية و عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال كان اميرالمؤمنين7 يقول نبه بالتفكر قلبك و جاف عن الليل جنبك و اتق اللّه ربك وعن الحسن الصيقل قال سألت اباعبداللّه7 عما يروي الناس تفكر ساعة خير من قيام ليلة قلت كيف يتفكر قال يمر بالخربة او بالدار فيقول اين ساكنوك اين بانوك ما لك لاتتكلمين و عنه7 افضل العبادة ادمان التفكر في اللّه و في قدرته و عن معمر بن خلاد قال سمعت اباالحسن الرضا7 يقول ليس العبادة كثرة الصلوة و الصوم انما العبادة التفكر في امر اللّه عز و جل و عن ربعي قال قـال ابوعبداللّه7 قال اميرالمؤمنين7 التفكر يدعو الي البر و العمل به و عن اسمعيل بن بشير قال كتب هرون‌الرشيد الي ابي‌الحسن موسي بن جعفر7 عظني و اوجز قال فكتب اليه ما من شي‌ء يراه عينك الا و فيه موعظة و عن ابي‌عبداللّه7 قال كان اكثر عبادة ابي‌ذر التفكر و الاعتبار و عن النبي9 في حديث لا عبادة مثل التفكر و من كتاب ابي‌عبداللّه السياري صاحب موسي و الرضا8 قال سمعته يقول ليس العبادة كثرة الصيام و الصلوة و انما العبادة الفكر في اللّه تعالي و روي الملا محسن في خلاصة‌الاذكار تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة  الي غير ذلك من الاخبار المؤيدة بصحيح الاعتبار.

و قد حثّ اللّه سبحانه في كتابه في آيٍ كثيرة فقال (كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا و الآخرة) و قال (قل هل يستوي الاعمي و البصير أفلاتتفكرون) و قال (أولم‌يتفكروا ما بصاحبهم من جنة ان هو الا نذير مبين)(أولم‌ينظروا في ملكوت السماوات و الارض و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده يؤمنون) و قال (أولم‌يتفكروا في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 242 *»

 انفسهم ماخلق اللّه السموات و الارض و ما بينهما الا بالحق و اجل مسمي و ان كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون)(أولم‌يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا اشد منهم قوة و اثاروا الارض و عمروها اكثر مما عمروها و جاءتهم رسلهم بالبينات فماكان اللّه ليظلمهم و لكن كانوا انفسهم يظلمون) و قال بعد آيٍ (و من آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) و قال (و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزّل اليهم و لعلهم يتفكرون) و قال (اللّه يتوفي الانفس حين موتها و التي لم‌تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت و يرسل الاخري الي اجل مسمي ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) و قال( الذين يذكرون اللّه قياماً و قعوداً و علي جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الارض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) و قال (و سخر لكم ما في السموات و ما في الارض جميعاً منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) و قال (و اوحي ربك الي النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً) الي ان قال (ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون) و قال (انما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس و الانعام حتي اذا اخذت الارض زخرفها و ازينت و ظن اهلها انهم قادرون عليها اتيها امرنا ليلاً او نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم‌تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) و قال (هو الذي انزل من السماء ماء لكم منه شراب و منه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع و الزيتون و النخيل و الاعناب و من كل الثمرات ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون) الي آيات عديدة و قال (و هو الذي مد الارض و جعل فيها رواسي و انهاراً و من كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) و قال( لو انزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية اللّه و تلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) و كذلك جميع الآيات المادحة للنظر و الآمرة به واردة في هذا الباب و تركنا ذكرها خوف الاطالة و هي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 243 *»

معروفة مشهورة تتلي عليهم آناء الليل و اطراف النهار.

فاذا كان هذه العبادة الشريفة بهذه المثابة محبوبة للّه سبحانه نافعة للمؤمن فلاينبغي اهمالها كيف و المعرفة و الايمان ليست بامر طبيعي يكون في بدن الانسان قهراً و انما هي امر كسبي و لايحصل المعرفة الا بالتفكر في آياتها و اسبابها فمن لا تفكر له لا ايمان له البتة و علي هذا هو اول فريضة من اللّه سبحانه و اعظمها فمن اخلّ بها فقد اخلّ بجميع فرايض اللّه و شرايعه و احكامه و دينه و من اتي بها يرجي له وصول ما كتب له منها و لما كان الشيطان عالماً بمسالك الاغواء منع الناس يومنا هذا التفكر حتي ان الرجل يعمر ستين سنة و لم‌يتفكر في امر نفسه ساعة من النهار و لعل كل الناس الا قليلاً منهم كذلك لايترك الشيطان لهم فرصة يمكنهم فيها التفكر بل و لايريدون ان يتفكروا و لاجل ذلك سلبوا الدين و الايمان فليس في ايديهم من الايمان الا اسمه و لا من القرآن الا رسمه و انما صار الاسلام يومنا هذا اسماً كاسماء القبائل كربيعة و مضر فقوم يسمون بالمسلم كما يسمون بربيعة و قوم يسمون بنصاري و هكذا و اذا سئل الرجل من اي الناس انت يقول من المسلمين و الا فاسلام يكون صادراً عن نظر و تفكر في الآفاق و الانفس و الآيات و الآثار فلا و هذا من البديهيات يومنا هذا لايحتاج الي شرح و بيان فلنقبض العنان.

فصل: اعلم انه لايمكن فهم امر نظري الا بالتفكر و النظر فيه كما انه لايمكن رؤية شي‌ء الا بالنظر الظاهري اليه و لايمكن التفكر في الشي‌ء الا بعد الاعراض عما سواه كما انك لايمكنك النظر الي شي‌ء حتي تعرض عما سواه و يعبر عن ذلك الاعراض بالصمت اذ صمت كل شي‌ء بحسبه و ابينه صمت اللسان فما لم‌يصمت حواسك و جوارحك بل و ساير حواسك الباطنة عن افعالها لايمكنك النظر في الشي‌ء الذي تريد كما روي عن اميرالمؤمنين7 فاذا صمت عن الخلق تمكن من النظر فاول الفرض و ان كان التفكر و لكن الصمت اسبق منه و مقدمته و لذا ورد الحثّ الاكيد في الصمت و لنذكر بعض الاخبار الواردة في المضمار ثم نتبعها ببيان ما يلهم اللّه سبحانه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 244 *»

ففي ارشادالديلمي قال الرضا7 من علامات الفقه الحلم و الحياء و الصمت ان الصمت باب من ابواب الحكمة و انه ليكسب المحبة و يوجب السلامة و راحة الكرام الكاتبين و انه لدليل علي كل خير و قال اميرالمؤمنين7 لايزال الرجل المسلم سالماً مادام ساكتاً فاذا تكلم كتب محسناً او مسيئاً و قال رسول اللّه9 ألاادلّك علي امر يدخلك به الجنة قال بلي يا رسول اللّه قال اَنِل مما انالك اللّه قال فان لم‌يكن لي قال فانصر المظلوم قال ان لم‌اقدر قال قل خيراً تغنم او اصمت تسلم و قال رجل للرضا7 اوصني فقال احفظ لسانك تعزّ و لاتمكّن الشيطان (الناس خ‌ل) من قيادك فتذلّ و قال اميرالمؤمنين7 في وصيته لابنه محمد بن الحنفية اعلم يا بني ان اللسان كلب عقور ان ارسلته عقرك و رب كلمة سلبت نعمة و جلبت نقمة فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك و من سيّب عذار لسانه ساقه الي كل كريهة و قال رسول اللّه9 و هل يكبت  الناس علي مناخرهم في النار الا حصايد السنتهم و من اراد السلامة في الدنيا و الآخرة قيّد لسانه بلجام الشرع فلايطلقه الا فيما ينفعه في الدنيا و الآخرة و قال رسول اللّه9 من صمت نجا و قال عقبة بن عامر قلت يا رسول اللّه فيما النجاة قال املك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك علي خطيئتك و قال9 من وُقي شر قبقبه و لقلقه و ذبذبه فقد وقي الشر كله فالقبقب البطن و اللقلق اللسان و الذبذب الفرج و قال لايستقيم ايمان عبد حتي يستقيم قلبه و لايستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه لان لسان المؤمن وراء قلبه اذا اراد ان يتكلم تدبر الكلام فان كان خيراً ابداه و ان كان شراً واراه و المنافق قلبه وراء لسانه يتكلم بما اتي علي لسانه و لايبالي ما عليه مما له و ان اكثر خطايا ابن آدم من لسانه و قال من كفّ لسانه ستر اللّه عورته و من ملك غضبه وقاه اللّه عذابه و من اعتذر الي اللّه قبل عذره و قال اعرابي يا رسول اللّه دُلّني علي عمل انجو به فقال اطعم الجايع و ارو العطشان و أمر بالعرف و انه عن المنكر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 245 *»

 فان لم‌تطق فكفّ لسانك فانك بذلك تغلب الشيطان و قال ان اللّه تعالي عند لسان كل قائل فليتق اللّه امرء و ليعلم ما يقول و قال اذا رأيتم المؤمن صموتاً وقوراً فادنوا منه فانه يلقي الحكمة و قال عيسي بن مريم7 العبادة عشرة اجزاء تسعة منها في الصمت و  احد في الفرار من الناس وفي حكمة آل داود علي العاقل ان يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً علي شأنه مستوحشاً من اوثق اخوانه و من اكثر ذكر الموت رضي باليسير و هان عليه من الامور الكثير و من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه الا من خير و قال رسول اللّه9 لابي‌ذر; ألااعلّمك عملاً  ثقيلاً  في الميزان خفيفاً علي اللسان قال الصمت و حسن الخلق و ترك ما لايعنيك و عن ابي‌حمزة قال سمعت اباجعفر7 يقول انما شيعتنا الخرس و عن ابن‌القداح عن ابي‌عبداللّه7 قال قال لقمن لابنه يا بني ان كنت زعمت ان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب و عن النبي9 امسك لسانك فانها صدقة تصدّق بها علي نفسك ثم قال و لايعرف عبد حقيقة الايمان حتي يخزن لسانه و عنه9 في معني الزاهد يتحرج عن الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها الخبر و عن ابي‌عبداللّه7 في قول اللّه عزوجل (ألم‌تر الي الذين قيل لهم كفّوا ايديكم) قال يعني كفّوا السنتكم و عن النبي9 نجاة المؤمن من حفظ لسانه و عن ابي‌بصير قال سمعت اباجعفر7 يقول كان ابوذر يقول يا مبتغي العلم ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر فاختم علي لسانك كما تختم علي ذهبك و ورقك و عن عمرو بن جميع عن ابي‌عبداللّه7 قال كان المسيح7 يقول لاتكثروا الكلام في غير ذكر اللّه فان الذين يكثرون الكلام قاسية قلوبهم و لكن لايعلمون و عنه7 ما من يوم الا و كل عضو من اعضاء الجسد يكفّر لللسان يقول نشدتك اللّه ان‌نعذّب فيك و كذلك روي عن علي بن الحسين8

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 246 *»

قال ان لسان ابن‌آدم يشرف علي جميع جوارحه كل صباح فيقول كيف اصبحتم فيقولون بخير ان تركتنا و يقولون اللّه اللّه فينا و يناشدونه و يقولون انما نثاب و نعاقب بك و عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 من لم‌يحسب كلامه من عمله كثرت خطاياه و حضر عذابه و عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 يعذب اللّه اللسان بعذاب لايعذب به شيئاً من الجوارح فيقول اي رب عذبتني بعذاب لم‌تعذب به شيئاً فيقال له خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الارض و مغاربها فسفك بها الدم الحرام و انتهب بها المال الحرام و انتهك بها الفرج الحرام وعزتي لاعذبنك بعذاب لم‌اعذب به شيئاً من جوارحك و عن النبي9 ان كان في شي‌ء شوم ففي اللسان و عن الرضا7 كان الرجل من بني‌اسرائيل اذا اراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين و عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 من رأي موضع كلامه من عمله قلّ كلامه الا فيما يعنيه و عن النبي9 راحة الانسان في حبس اللسان و قال حبس اللسان سلامة الانسان و قال بلاء الانسان من اللسان و قال البلاء موكل بالمنطق و عن الصادق7 الصمت شعار المحقين بحقايق ما سبق و جفّ به القلم و هو مفتاح كل راحة من الدنيا و الآخرة و فيه رضي الرب و تخفيف الحساب و الصون من الخطايا و الزلل و قد جعله اللّه ستراً علي الجاهل و زيناً للعالم و فيه عزل الهوي و رياضة النفس و حلاوة العبادة و زوال قسوة القلب و العفاف و المروة و الصلف (و الظرف خ‌ل) فاغلق باب لسانك عما  لك بد لاسيما اذا لم‌تجد اهلاً للكلام و المساعد في المذاكرة للّه و في اللّه و كان الربيع بن خيثم يضع قرطاساً بين يديه فيكتب كل ما يتكلم به فيحاسب نفسه عشية ما له و ما عليه و يقول آه آه نجي الصامتون و بقينا و كان بعض اصحاب رسول اللّه9 يضع حصاة في فيه فاذا اراد ان‌يتكلم بما علم انه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 247 *»

للّه و في اللّه و لوجه اللّه اخرجها فان كثير اصحابه رضي اللّه عنهم كانوا يتنفسون تنفس الغرقي و يتكلمون شبه المرضي و انما سبب هلاك الخلق و نجاتهم الكلام و الصمت فطوبي لمن رُزق معرفة عيب الكلام و هوانه و علم الصمت و فوايده فان ذلك من اخلاق الانبياء و شعار الاصفياء و من علم قدر الكلام احسن صحبة الصمت و من اشرف علي لطائف الصمت و ائتمنه علي خزائنه كان كلامه و صمته كله عبادة و لايطلع علي عبادته هذه الا الملك الجبار و عنه7 ما معناه النوم راحة البدن و الكلام راحة الروح و الصمت راحة العقل.

فصل: اعلم انه لا شك ان فضل الانسان علي الحيوان و النبات و الجماد بالنطق و انما السكوت و الصموت من صفات الجماد و النبات و الحيوان و لقد كرّم اللّه عزوجل بني‌آدم و فضّلهم عليها بالنطق و لقد وصف اللّه نفسه بالقول حيث قال (انما امره اذا اراد شيئاً ان‌يقول له كن فيكون) و من صفاته المتكلم و لم‌يصف نفسه بالساكت و الصامت و تكلم بالقرآن و بساير الكتب السماوية و الامر و النهي و الانذار و الاعذار و خلق الملئكة في صنوفها متكلمين بالتسبيح و التقديس و النزول علي الانبياء بالامر و النهي و ارسل رسلاً فامرهم بالكلام بالانذار و الاعذار و الامر و النهي و العظة و القضاء و سياسة المدن و سوق العساكر و تعمير البلاد و اصلاح العباد و امر المؤمنين بالقول الحسن و الذكر و تلاوة الكتاب و تعلم العلوم و تعليمها و الامر و النهي و الاصلاح بين الناس و التحدث و حفظ الشرايع و الآثار و ايصالها الي من بعدهم و كل ذلك بالكلام و لايستقيم شي‌ء من ذلك بالصمت و لايعمر العالم بالصمت بل و لايصلح بيت و لايربي ولد و لايحفظ اهل الا بالكلام فلايكون الصمت افضل من الكلام ابداً و قول لقمن ان كنت زعمت ان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب فهذا فيما كان فوق الكلام مناص احسن فالسكوت فوقه و اما اذا وجب الكلام او استحب فلايكون السكوت احسن منه ابداً  ألاتري ان اللّه امر بالذكر الكثير فالمراد من هذه الاخبار الصمت عن الكلام المباح او المرجوح فحينئذ يكون الصمت عنه اولي و احسن و هو عبادة لايعلم قدرها الا اللّه سبحانه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 248 *»

فانه امر عدمي بالنسبة الي الكلام و لايطلع علي خير السكوت احد و اما شر الكلام فظاهر يعرفه كل احد.

و اعلم ان هذه الاخبار قد جرت علي الغالب الشايع و اكثر كلام الناس فيما لايعنيهم بل فيما يضرهم و يوقعهم في المهالك و مثل هذا الكلام يقسي القلب و يمنع عن الذكر و الفكر و العبادات و ربما يهلك صاحبه بل و قوماً فالسكوت عن مثل هذا الكلام لازم و اما اذا اشتغلت بالذكر اذا خلوت و بالحديث اذا زرت اخاك و بالسؤال اذا لقيت عالماً و بالقول الحسن اذا لقيت الناس و بالصدق اذا كسبت الرزق و بالشكوي اذا وجدت من يداويك و بادلاء الحجة اذا وجدت القاضي و بالاصلاح اذا وجدت متنازعين و بالامر بالمعروف اذا ظننت الاجابة و الامتثال و بالنهي عن المنكر اذا زعمت الانزجار و امثال ذلك فانطق و تكلم و لكن بقدر الحاجة لا ازيد و لا اقل فانك ان تجاوزت عن ذلك و زعمت ان الكلام فضة فالسكوت ذهب.

و اعلم ان السكوت يجمّ القلب و يقوّي الحرارة الغريزية و يجمع اللبّ و يسكّن الفؤاد و يدقّق النظر و يصحّح الفكر و يمكّن منه و هو ادعي شي‌ء للفكر فان الانسان غالباً اذا سكت يشتغل بالفكر و قلّ من يسكت و لايتفكر الا ان من الفكر ما يكون فيما يعنيه و منه فيما لايعنيه و هو اكثر فلاجل ان الكلام امنع شي‌ء عن الفكر قلنا ان الفكر موقوف علي الصمت و اعظمه صمت اللسان فان الاشتغال بساير الجوارح لايمنع عن الفكر مثل ما يمنع اللسان و ان كان صمت جميع الجوارح اكمل و اعظم و من اراد الدرجة القصوي في الفكر فلابد له من صمت جميع الاعضاء و رفع ما يشغلها عنه و لما كان الفكر ايضاً من العبادات اللازمة و لايتأتي الا بالصمت فقد يصير الصمت احسن من كثير من الكلام المستحب بل من كله اذا كان الفكر لازماً واجباً بل اذا كان الفكر مستحباً و الكلام مستحباً اري الرجحان كلية للفكر و لما كان هو لايتأتي الا بالصمت و تركك الكلام فيمكن ان يقال ان الانسان اذا اشتغل بالفكر الذي يعنيه يكون صمته افضل من كلامه المستحب و اما اذا لم‌يكن ذلك فالكلام افضل من الصمت فسئل علي بن الحسين8 عن الكلام و السكوت ايهما احسن فقال ما معناه لكل منهما آفة فان سلما من الآفة فالكلام افضل فان اللّه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 249 *»

عزوجل لم‌يبعث الانبياء و الاوصياء بالسكوت لااقابل القمر بالشمس ابداً ان تبين فضل السكوت بالكلام و لاتبين فضل الكلام بالسكوت انتهي  فاذا لم‌يكن السكوت لاجل الفكر او غاية اخري علم فضلها علي الكلام فالكلام افضل و الا فالسكوت اجمل فعن اميرالمؤمنين7 ما معناه كل الخير في ثلثة في النظر و السكوت و الكلام فلا فائدة في نظر ليس فيه عبرة و كل سكوت ليس فيه تفكر غفلة و كل كلام ليس فيه ذكر اللّه فهو لغو انتهي.

فاذا اردت ان تتكلم فتدبر فيه اولاً و تفكر فيه بالموعظة الحسنة فان كان يحتمل في كلامك ضرر فاتركه و من الضرر فوت مستحب عنك و منه استحباب السكوت و الصمت و الفكر و ان كان لايحتمل فيه ضرر و ذلك حينئذ في الكلام الواجب او المستحب المؤكد الذي هو اشد تاكيداً من الصمت و النظر فتكلم به و الا فالصمت اولي و كذلك ان اشتبه الامر عليك و لم‌تدر هل فيه ضرر ام لا فلاتبدل حسن السكوت القطعي بكلام لاتدري أضارّ هو ام نافع.

و اعلم ان ثلثةً الغي شي‌ء في الدنيا و اكثر عملاً و اقل طاعة و هي العين و اللسان و الخيال فانها ابداً الا قليلاً في الحركة و الجولان و اشدها الخيال فانه لايتفاوت له نوم و لا يقظة فعالج يا اخي لسانك بالصمت و اختم عليه بخاتم الصمت و هو اسهلها و اما العين فغض طرفك عما كرهه اللّه و امره اصعب من اللسان الا انك اذا غضضت طرفك عما كرهه اللّه و اشتغلت في اغلب وقتك بقراءة القرآن و النظر في آثار آل‌محمد: و النظر في الآفاق و في الانفس و لزمت بيتك كفيت كثيراً من مـــݘـونتها و لم‌تغلبها و هي الغالبة عليك فانك لاتقدر علي كفها عن النظر المباح اقلاً و لاتقهرها و اما الخيال فاشتغل بالفكر في العلوم و في آيات الآفاق و الانفس و في ذكر آل‌محمد: و النظر في امرهم و انهم صاحب المرأي و المسمع و اذكر الموت كثيراً فانك ان فعلت ذلك كفيت مـــݘـونة كثير منه و هو الغالب عليك و علي كل احد الا من عصمه اللّه و لاينجو من شره الا المعصوم الكلي او من عصموه بعصمتهم فاني وجدت بعض الانبياء شكوا من الوسوسة فما ظنك بساير الخلق فقد روي عن ابي‌عبداللّه7

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 250 *»

ثلثة لم‌ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة في الخلق و الطيرة و الحسد الا ان المؤمن لايستعمل حسده انتهي نعم ان للذكر النفسي اثراً عظيماً في دفع الوساوس فمن عوّد نفسه به امن من كثير من الوساوس ان شاء اللّه و ليس ذلك الاثر في الذكر اللساني كما هو ظاهر للسالكين و المعتبرين و قد مرّ ما يدل عليه في باب الذكر فراجع.

فصل: اعلم ان التفكر علي قسمين تفكر في ما يوجب العلم و تفكر في ما يحث علي العمل.  اما التفكر في ما يوجب العلم فعلي اقسام:

منها التفكر في كتاب اللّه سبحانه و التدبر فيه كما قال سبحانه (أفلايتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها) فتقرأ القرآن و تتدبر في آياته فتتعظ من مواعظه و تنزجر من زواجره و تتفكر فيما بيّن من احكامه و اوضح من آثار توحيده و آيات تفريده و شرح من صفاته و اسمائه و افعاله و حكمه و احوال رسله و كفي في منظر يقول اللّه سبحانه فيه(تبياناً لكل شي‌ء) و (مافرطنا في الكتاب من شي‌ء) و (لارطب و لا يابس الا في كتاب مبين) فتنظر فيه نظر مسلم متعلم متفهم فكلما فهمته منه تعرضه علي احاديث آل‌محمد: فان وافقها فهو و ان خالفها ترجع الي احاديثهم فانهم اعلم بمداليل الكتاب و ان لم‌تجده فيها فتصبر حتي يأتيك البيان بالجملة الكتاب اعظم المناظر و اكبرها و امرت بتلاوته و التفكر فيه و قد شرحنا ذلك في محله و الحمد للّه مبسوطاً.

و منها التفكر و التدبر في سنة الرسول و آثار الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين و تكرر النظر فيها نظر مستهد مسترشد مسلم و تكثر التتبع فيها و التصفح لها فان كلامهم نور و امرهم رشد و وصيتهم التقوي و فعلهم الخير و عادتهم الاحسان و سجيتهم الكرم و شأنهم الحق و الصدق و الرفق و قولهم حكم و حتم و رأيهم علم و حلم و حزم ان ذكر الخير كانوا اوله و آخره و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و الحق معهم و فيهم و منهم و بهم و اليهم اينما كان و ليس في يد احد علم صحيح الا ما خرج من عندهم: فقد سمع ابوجعفر7

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 251 *»

يقول ليس عند احد من الناس حق و لا صواب و لا احد من الناس يقضي بقضاء حق الا ما خرج منا اهل‌البيت و اذا تشعبت بهم الامور كان الخطاء منهم و الصواب من علي7 وقال7 في حديث فليذهب الحكم يميناً و شمالاً فواللّه لايؤخذ العلم الا من اهل بيت نزل عليهم جبرئيل7 و في رواية فليشرّق الحكم و ليغرّب اما واللّه لايصيب العلم الا من اهل بيت نزل عليهم جبرئيل7 و في رواية خاطب سلمة بن كهيل و الحكم بن عتيبة شرّقا و غرّبا فلاتجدان علماً صحيحاً الا شيئاً خرج من عندنا اهل‌البيت و قال في رواية انه ليس احد عنده علم شي‌ء الا خرج من عند اميرالمؤمنين7 فليذهب الناس حيث شاءوا  فواللّه ليس الامر الا من هيهنا و اشار بيده الي بيته.

بالجملة ان احاديثهم خزانة العلم و مستقاه و فوارة النور من قصدها و توجه اليها استفاد و استنار و لكن لابد من التسليم و النظر اليها بالفطرة و عدم التأويل فيها الي الآراء الفاسدة و الاهواء الكاسدة و القواعد القاعدة و لينظر فيها نظر مستمد مستفيد معتقد مسلم حتي ينتفع بها و ليعلم انهم معصومون مأمورون من عند اللّه بابلاغ ما يصلح العباد و ما يفسدهم و هم لم‌يقصروا فيما امرهم اللّه عز و جل فجميع ما وصل منهم كاف شاف في علمك و عملك في دنياك و آخرتك و لا خير لك فيما نهوك عنه و كل الخير فيما امروك به أليس تقرأ فيما تقرأ من الزيارة بينتم فرايضه و اقمتم حدوده و نشرتم شرايع احكامه و سننتم سنته حتي صرتم في ذلك منه الي الرضا و سلمتم له القضاء و صدقتم من رسله من مضي فالراغب عنكم مارق و اللازم لكم لاحق و المقصر في حقكم زاهق و الحق معكم و فيكم و منكم و اليكم و انتم اهله و معدنه و ميراث النبوة عندكم و آيات اللّه لديكم و عزائمه فيكم الزيارة   فهذا ايضاً احد اقسام النظر و التفكر.

و منها النظر في كتب العلماء الربانيين و الحكماء الصمدانيين الماحضين في الاخذ عن الائمة الطاهرين عليهم صلوات المصلين المعرضين عن اعدائهم اجمعين عليهم لعنة اللاعنين النافين عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 252 *»

المبطلين و تأويل الجاهلين و هم العدول المشار اليهم في حديث الصادق7 ان العلماء ورثة الانبياء و ذلك ان الانبياء لم‌يورثوا درهماً و لا ديناراً و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ شيئاً منها فقد اخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و حديث النبي9 يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد انتهي و قد قال اللّه سبحانه (أفمن يهدي الي الحق احق ان يتبع ام من لايهدّي الا ان‌يهدي فما لكم كيف تحكمون) و قال (و اتبع سبيل من اناب الي) وقال (اولئك الذين هدي اللّه فبهديٰهم اقتده) الي غير ذلك من الآيات و الاخبار التي تأتي في باب العلم ان شاء اللّه تعالي فترقبها فاذا وجدت علماء هكذا فاعلم ان مراجعة كتبهم نظر فيما احب اللّه و تفكر في شرح الكتاب و السنة و هي مراجعة الي اللّه و رسوله و آله: حقيقة و مراجعة كتبهم من اسباب العون علي التفكر و فهم الكتاب و السنة و تقوم الذهن و تعلم الانسان طريق الاستنباط و تسدده.

و منها التفكر في آيات الآفاق و النظر في ملكوت السموات و الارض و لذلك طريق لايمكن الوصول اليه الا به فلنعنون لذلك فصلاً يستقل ببيانه و يعرف به موضعه.

فصل: اعلم انه لايمكن لك التفكر الصحيح و النظر المعتبر حتي تتخلي في مكان لاتسمع فيه صوت احد و لايكون فيه مرئيات معجبة رائقة من متاع الدنيا فتشغلك و تكون في حال معتدل لا شبعان مثقلاً و لا جوعان متبلبلاً و لا مهموماً و لامغموماً و لا كسلان و لا نعسان و لا خائفاً من عدو و لا عاشقاً ولعاً بشي‌ء من حطام الدنيا و اهلها و لا متعلق القلب باهل و لا عيال و يكون الوقت غيرحارّ شديد و لابارد و لا في وقت تريد التهيؤ لصلوة و لاتكون مريضاً و لا غالباً عليه خلط من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 253 *»

الاخلاط علي حد المرض و افساد الخيال لاسيما السوداء بالجملة لابد و ان تكون فارغاً من جميع ما يشغلك و يصرفك عن النظر طبعاً و قهراً ساكن القلب مطمئن البال فتقعد في زاوية و لو كان البيت غير ضيئ شديد و لا مظلم شديد لكان احسن فتنظر في ملكوت السموات و الارض و تتعجب من هذا الوضع العجيب و البناء الغريب و تنظر الي كل شي‌ء و تقول في نفسك كيف صار هكذا و من اين جاء و الي اين يذهب و باي شي‌ء يقوم و هكذا تنظر في كل شي‌ء شي‌ء فان انفتح لك في شي‌ء باب و طريق تدخل منه و تمشي فيه من غير تكلف و من غير انس بما تعلم و بالقواعد المسلمة عندك و بالنواميس المعتبرة و بالاساتيذ الذين كنت تحسن الظن بهم فتنظر بفطرة اللّه التي فطرك اللّه عليها و تنظر ما يلقي في روعك من كل شي‌ء و بعد ما فرغت من التفكر اعرض ما فهمته علي اجماع الشيعة و الكتاب المجمع علي تأويله و السنة الجامعة و اتفاق العقلاء فان خالفها اتركه فانه اي ما فهمته باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و انما هو من وحي الشيطان و ان وافقها فخذه فانه نفث روح القدس و ان لم‌تجده فيها فذره حتي يأتيك البيان و تعيد التفكر و كلما فهمته في شي‌ء فحصّله في غيره ايضاً فان كل شي‌ء فيه معني كل شي‌ء فان وجدت ما فهمت في كل شي‌ء بحيث نطق به جميع آيات الآفاق صريحاً اجمالاً و تفصيلاً فهو و قلما يخطي مثل ذلك و قلّ ان لايكون ذلك في كتاب و سنة بالجملة هذا مجمل القول في آداب التفكر و اجعل ذكر الموت لك سابقاً لفكرك و قائداً كلما تفرق فكرك و ذهب يميناً و شمالاً فاصرفه بذكر الموت فانه يذل بهذا لا بغيره و ينقاد و ان لم‌تقدر في الاوائل علي جمع البال فلاتتضجر فانك اذا تعودت الفكر تقدر علي جمعه و يجتمع لبّك و يقلّ وسوستك و ان غلبك النوم في الاوائل حين جمع البال فنبّه قلبك بذكر الموت فان لم‌يتنبه قم من مقامك و امش قليلاً و اغسل وجهك و يدك ثم عد و اقطع اسباب غلبة النوم و هو النوم الكثير و كثرة شرب الماء و كثرة الاكل و التعب الشديد و تبيّغ الدم و سخونة البيت و امثال ذلك و اسع دائماً في تعديل المزاج و قطع الاسباب المحرفة فانه العمدة في الباب فانك اذا داومت علي ما ذكرنا ينفتح لك ابواب من العلم لم‌يخطر علي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 254 *»

احد من غير اهل التفكر و تشاهد ما لم‌يشاهده غيرك و غير اخوانك و اعلم ان الآن قد اظلم لك عرصة الخيال لانك متوجه الي الحواس الظاهرة فتري الدنيا ضيئة و عرصة الخيال مظلمة كمن هو قاعد في ضياء فيري داخل البيت مظلماً و اما اذا توجهت الي الخيال و انست به و تمحضت في النظر اليه انكشف لك عرصة الخيال ظاهراً باهراً و اظلم لك الدنيا عكس الحالة الاولي و لما بلغ الكلام الي هيهنا احب ان اذكر لك شيئاً من امر الكشف لتعلم طريقه فانه مهم.

فصل: اعلم ان اللّه سبحانه خلق الارواح قبل الابدان باربعة‌آلاف عام ثم خلق الابدان و جعل تلك الارواح متعلقة بتلك الابدان و مدبرة لها و مربية اياها و متصرفة فيها فجعل الروح الكلي مدبراً  لبدن هذا العالم الكلي و الارواح الجزئية مدبرة لابدانها الجزئية و صفة ذلك التعلق ان اللّه سبحانه امر تلك الارواح بالادبار فماتت و دفنت في ارض الطبايع و صارت فيها بالقوة ثم نزلت في المادة الكلية ثم في المثال الكلي ثم في جسم الكل ثم في العرش ثم في الكرسي ثم في الافلاك ثم في العناصر و التراب و تلك الارواح في جميع هذه المراتب كانت بالقوة غير متعينة و لا متشخصة فلما امر اللّه الخلق بالاقبال و دعاه اليه صعد الي ان وصل الي رتبة النطفة و العلقة و المضغة و العظام و اكساء اللحم و هي في جميع هذه الاحوال ميتة بالية و بالقوة ممتزجاً بعضها ببعض لا تعين لواحد منها فلما كمل بدنه و اعتدل اخلاطه و صفا مزاجه ببخر الدم الاصفر تنبه باشعة الاحياء الممازجة مع ذلك البخار و اولئك الاحياء الافلاك و الام فانتعش صرعة الروح و تنبه غافله و استيقظ نائمه و حيي ميته مصبوغاً بصبغ ذلك البخار النباتي المنصبغ بصبغ الاخلاط الجمادية كما حيي ميت النار في الدهن و الدخان بشعاع حي اي شعلة اخري الممازج معه منصبغاً بصبغ ذلك الدخان فظهرت صفراء و خضراء و حمراء فكذلك حيي ذلك البخار فظهر حيواناً ناطقاً او سبعاً او بهيمة او حشاراً علي حسب اعتدال ذلك البخار و انحرافه حتي اذا خرج الي الدنيا فان كان حيواناً ناطقاً تعلق به نفس ناطقة انسانية يعني تنبه ما فيه من النفس الناطقة الانسانية باشعة الافلاك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 255 *»

الحية و بتربية ساير الاناسي حيث يعلمونه شيئاً بعد شي‌ء و يربونه علي الانسانية فيتأدب حيوانيته و تعتدل حتي يحيي ما كان فيه من الانسانية الميتة الصايرة بالقوة فيصير انساناً بالفعل منصبغاً بصبغ تلك الحيوانية و تلك النباتية البخارية و تلك الجمادية فيكون انساناً ظاهرياً جواداً او بخيلاً بليداً او ذكياً فطناً غضوباً او شهوياً فلربما يكون فيه صبغ الجمادية غليظاً غالباً او النباتية او الحيوانية فايها غلظ و كثف و غلب الباقي تبعه الباقي و مشي بسيرته و انصبغ جميع مشاعره و افعاله في ذلك الغالب ثم ان وفق بهاد كامل مكمل و معلم رباني معتدل و توجه اليه و اشرق نوره عليه مازج نوره انسانية هذا الانسان و غاص في اعماقه فنبّه ما فيه من غافل العقل و احيي ما فيه من ميته و ذكّر ما كان من غافله فصار عقلاً بالفعل بعد ان كان عقلاً بالقوة و حيي بعد ان كان ميتاً و ذلك ايضاً يظهر عليه بالفعل بحسب قابليته منصبغاً بصبغه فان غلب العقل و رقّ الصبغ سعد و ان صار مغلوباً و صار الصبغ غالباً استعمله في هواه و خالف به مولاه فاستحال العقل في ذلك الصبغ جهلاً و كان الرجل جاهلاً لا عاقلاً كما ان الناطقة الانسانية اذا صارت مغلوبة للبهيمية بهيمة لا انسان ان هم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون ، الناس كلهم بهائم الا المؤمن و كذلك الحيوانية المنصبغة المطيعة للنباتية نبات كأنهم خشب مسندة و كذلك النباتية المنصبغة في الجمادية فهي كالحجارة او اشد قسوة فافهم و اما في العقل فقد روي عن ابي‌عبداللّه7 كل ذنب عمله العبد و ان كان به عالماً هو جاهل حين خاطر بنفسه في معصيته و قد قال في ذلك تبارك و تعالي يحكي قول يوسف لاخوته (هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون) فنسبهم الي الجهل لمخاطرتهم بانفسهم في معصية اللّه انتهي فالعاقل لايعصي و انما يعصي الجاهل المتبع لهواه المدبر عن مولاه فلايكون عقله عقلاً شرعياً ايمانياً و ان كان تكليفياً فهو جهل فهو جاهل و عن ابي‌الحسن7 ان اللّه تبارك و تعالي ايّد المؤمن بروح يحضره في كل وقت يحسن فيه و يتقي و يغيب عنه في كل وقت يذنب فيه و يعتدي فهي معه تهتزّ سروراً عند احسانه و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 256 *»

تسيخ في الثري عند اساءته فتعاهدوا عباد اللّه نعمه باصلاحكم انفسكم تزدادوا يقيناً و تربحوا نفيساً ثميناً رحم اللّه امرءاً همّ بخير فعمله او همّ بشرّ فارتدع عنه ثم قال نحن نزيد الروح بالطاعة للّه و العمل له و من هذا الباب ما روي عن ابي‌جعفر7 قال ما من عبد الا و في قلبه نكتة بيضاء فاذا اذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء فان تاب ذهب ذلك السواد و ان تمادي في الذنب زاد ذلك السواد حتي يغطي البياض فاذا غطي البياض لم‌يرجع صاحبه الي خير ابداً و هو قول اللّه عزوجل(كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون) وعن ابي‌جعفر7 في قول رسول اللّه9 اذا زني الرجل فارقه روح الايمان قال هو قوله (و ايّدهم بروح منه) ذلك الذي يفارقه و عن ابي‌عبداللّه7 يسلب منه روح الايمان مادام علي بطنها فاذا نزل عاد الايمان قيل أرأيت ان همّ قال لا قال أرأيت ان همّ ان يسرق أتقطع يده و روي انه جاء رجل الي اميرالمؤمنين7 فقال يا اميرالمؤمنين ان ناساً زعموا ان العبد لايزني و هو مؤمن و لايسرق و هو مؤمن و لايشرب الخمر و هو مؤمن و لايأكل الربوا و هو مؤمن و لايسفك الدم الحرام و هو مؤمن فقد ثقل عليّ هذا و حرج منه صدري حين ازعم ان هذا العبد يصلي صلوتي و يدعو دعائي و يناكحني و اناكحه و يوارثني و اوارثه و قد خرج من الايمان لاجل ذنب يسير اصابه فقال اميرالمؤمنين7 صدقت سمعت رسول اللّه9 يقول و الدليل عليه كتاب اللّه ثم قسم الناس ثلثة اقسام السابقين و اصحاب الميمنة و اصحاب المشأمة ثم شرح7 ان في السابقين خمسة ارواح روح القدس و روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن و في اصحاب الميمنة اربعة دون روح القدس و في اصحاب المشأمة ثلثة دون روح الايمان انتهي اقول ان روح القدس هي العقل الكلي و روح الايمان هي العقل الجزئي و روح القوة هي الروح الحيوانية الفلكية و روح الشهوة هي النفس النباتية و روح البدن هي الغريزية الحافظة للبدن فالمؤمن فيه العقل الجزئي المخصوص به و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 257 *»

الكافر ليس له ذلك وقيل لابي‌الحسن7 الكباير تخرج من الايمان قال نعم و ما دون الكباير قال قال رسول اللّه9 لايزني الزاني و هو مؤمن و لايسرق السارق و هو مؤمن و في العوالم في باب الارواح عن ابي‌عبداللّه جعفر بن محمد8 في حديث خمسة ارواح روح الايمان يلازم الجسد ما لم‌يعمل بكبيرة فاذا عمل بكبيرة فارقه الروح و روح القدس من سكن فيه فانه لايعمل بكبيرة ابداً انتهي.

بالجملة ان العقل عقل اذا صفي عن شوائب المراتب الدانية و الا فهو في الاول عقل مصبوغ ثم يعود جهلاً قال اللّه سبحانه (الذين آمنوا و لم‌يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن و هم مهتدون) و قال (و كان عاقبة الذين اساءوا السوأي ان كذّبوا بآيات اللّه و كانوا بها يستهزءون) فكل تلك المراتب له مقام استخلاص عن شوائب الاكدار الدانية و مقام انهماك فيها ثم اما ان يشتد الانهماك حتي يتطبع العالي بطبع الداني و يتغير و يستحيل بمقتضي فلآمرنهم فليغيرن خلق اللّه بحيث اذا زال عنه الصبغ بقي له ذلك الطبع و اما ان يضعف فيكون غير متطبع بالطبع و غير متغير فاذا زال عنه الصبغ زال عنه الصفة و لهذين علامة اما علامة المتطبع فهو ان‌يحب صفة الداني و يشتهيها و يكره ما سواها نعوذ باللّه و ذلك كالحطب اذا وضع في النار يجزع اولاً و يتألم من النار و يزفر بالدخان لان طباع الحطب علي خلاف طباع النار و الحطبية باقية فمقتضاها ثابت و له اثر و اما اذا استحال ناراً و كان ناراً فانه يكره خلاف النار و يشنأه البتة نعوذ باللّه فمادام المؤمن يبغض المعاصي و الباطل و يشمئز من وروده بخاطره فالوارد له بالعرض و يزول بفناء البدن و موته لانه مع البدن لا مع الروح و اما اذا كان يحبه و يهواه و يكره ما سواه فهو المتطبع الذي اذا زال و فني بدنه يبقي هو علي ذلك الطبع و لايتغير عما هو عليه فافهم.

فاذا عرفت هذه المقدمة النافعة فاعلم ان حاصل الرياضات و المجاهدات هو انقلاع النفس عن البدن و مقتضياته و عودها صرفة ملكوتية كما خلقت اول مرة لتكون مستولية علي البدن قادرة علي التصرف فيه كما شاءت و ارادت مربية

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 258 *»

له بل اذا تجردت النفس كما ينبغي تقدر علي التصرف في غير بدنها علي حسب تجردها و ارائة الكلي و قد تتصرف اذا فارقت البدن فراقاً اختيارياً او اضطرارياً في ساير امور الدنيا و موجوداتها بالجملة همّ جميع اصحاب الرياضات الانقلاع عن المواد الدنياوية و الانزجار عن الخصال النباتية و الحيوانية علي ان المنهمكين فيها اخس الناس همة و هم اضل من البهائم و اذل البتة فهم لما همّوا بذلك سعوا في تضعيف جانب النباتية و الحيوانية بتقليل امدادهما بمشاكلهما فضعفتا حتي عجزتا عن صرف النفس عن مقتضاها فاستقلت النفس في شأنها و نظرت في ملكوتها و استذلت الحيوانية و استولت علي النباتية و وطأت الجمادية فاطاعتها الكل فنجت عن التخصص و التقيد و الكدورات المعمية لها عن مشاهدة ملكوتها و محض نجاتها عن هذه الكدورات لايفيدها شيئاً من الحق و الباطل و هي علي ما هي عليه فان كانت متوجهة الي سجين و الشياطين تتمحض في توجهها كما كانت و ان كانت متوجهة الي عليين و الملئكة تتمحض في توجهها كما كانت كما ان النفس تنقلع عن الجسد عند النوم و تتوجه الي عالمها سواء كانت شقية ام سعيدة اللّه يتوفي الانفس حين موتها و التي لم‌تمت في منامها فالنوم و الوفاة متساويان و الوفاة سواء كانت اختيارية او اضطرارية سبب تجرد النفس عن هذه الاعراض فكما ان النوم لايسعد الشقي و الوفاة لاتسعد الشقي كذلك الرياضة و الاعراض عن الخصال الجمادية و النباتية و الحيوانية لايوجبان السعادة للنفس و ليس جميع اسباب شقاوة النفس من الانصباغ العرضي في هذه الاصباغ بل قد يكون من الحاد و شقاوة نفسانية اذ قد تنصبغ من الاسفل و لكن تصير بحيث لاتزول عنه الصفة و لو زال السبب ألاتري انه قد ينقلب الانسان بمعاشرة رجل انقلاباً يكون علي صفته بالتبع مادام هو معه و هو لها كاره فاذا فارقه عاد الي طباعه و فارق صفة خليله و قد ينقلب انقلاباً يبقي فيه الصفة و لو فارق خليله و كذلك حال النفس فحينئذ يكون شقاؤها من نفسها في الميثاق في عالم الذر فان اللّه جل و عز خلقها قبل البدن باربعة‌آلاف عام كما عرفت و اخذ عليها الميثاق و هو قوله عز و جل (و ماكانوا ليؤمنوا بما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 259 *»

كذّبوا به من قبل) اي في عالم الذر و ذلك ان الدهر مقدم علي الزمان باربع مراتب برزخية و يعبر عن كل مرتبة بالف عام فمثل هذه النفس شقي في عالمه و لو زالت الاعراض.

فان عرفت ما شرحنا و بيّنا عرفت ان المكاشفات لايجب ان توافق الحق و لايجوز الاتكال عليها و الاعتناء بها و لاترجح علي الادلة القطعية الحقة و انما يعتبر مكاشفة نفس وافقت الحق و كانت علي الحق و علي صراط مستقيم و من عليين و متوجهة الي لوح الابرار و كتابهم في عليين و مع ذلك ان وافقت اقوال من مكاشفاتهم قطعية فهي حق و الا فهي باطل و لايكتفي بمحض كون الانسان مسلماً او شيعياً فان المأمون من اصباغ النفس كملاً هو المعصوم الحق و اما غيره فقد يكون فيه بعض الاصباغ فيحتاج الي ميزان يعرض عليه و نحن اذا لم‌نعتبر المكاشفات فما ظنك بالادلة العقلية ما لم‌تكن مما تعرف العقول عدله و كانت من الخلافيات او وافقت الكتاب و السنة و آيات الآفاق و الانفس و لاجل ما ذكرنا ينكشف لجميع اصناف المرتاضين علي طريقتهم التي يأتلفونها حتي ان السني ينكشف له حسن حال ابي‌بكر و عمر و الصوفي ينكشف له حسن حال مرشده و اليهودي و النصراني و المجوسي و اهل كل مذهب ينكشف له حسن مذهبه و يري اموراً معجبة في طريقته فاي عبرة بالكشف حينئذ ما لم‌يوافق الموازين الحقة و كل مرآة من حمراء و بيضاء و مستقيمة و عوجاء ينكشف فيها الشاخص علي حسبها بالبداهة هذا قليل من كثير في معني الكشف و لايناسب الكتاب ازيد مما ذكرنا و انت اذا قعدت في زاوية كما ذكرنا و تفكرت في امرك فارغ البال من كل ما يشغلك و انت علي طريقة الهادين ارجو ان ينكشف لك امور توافق الحق و لو تعودت ذلك تكثر عليك هذه الحال حتي جاءتك في اغلب الاحوال بعون اللّه المتعال.

فصل: و من التفكر التفكر في آيات النفس التي هي اقرب اليك من غيرها و تري جميع ما فيها و ظواهرها و خوافيها و تشاهد فيها ما كان عليك ان تجده بالاستدلال في غيرها و هو ما قال اللّه سبحانه (سنريهم آياتنا في الآفاق و في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 260 *»

انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق) و قال (و في الارض آيات للموقنين و في انفسكم أفلاتبصرون) وقال (و من آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون.  و من آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. و من آياته خلق السموات و الارض و اختلاف السنتكم و الوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين. و من آياته منامكم بالليل و النهار و ابتغاؤكم من فضله ان في ذلك لآيات لقوم يسمعون) الي غير ذلك من الآيات الباهرات الدالة علي كون آيات اللّه في خلق الانسان و الآمرة بالنظر و التفكر فيها و الاعتبار منها و ان كان هذه العبادات متروكة منسية في زماننا هذا كأن لم‌تكن من الشرايع بالجملة حق و باطل و لكل اهل فلنشرح الآن شيئاً من امر التفكر في الانفس.

اعلم ان اللّه جل و عز خلق الانسان انموذج العالم الاكبر فخلقه حفنة من وقر و سنبلة من بيدر يعني خلقه من قبضات من كليات هذا العالم فخلق له من قبضة من العرش قلباً و من قبضة من الكرسي صدراً و من قبضة من فلك زحل تعقلاً و من قبضة من فلك المشتري عالمة و من قبضة من فلك المريخ وهماً و من قبضة من فلك الشمس مادة ثانية و من قبضة من فلك الزهرة خيالاً و من قبضة من فلك عطارد فكراً و من قبضة من فلك القمر حيوة و من قبضة من كرة النار صفراء و من قبضة من الهواء دماً و من قبضة من الماء بلغماً و من قبضة من التراب سوداء و كذلك خلق له اعضاء فخلق من العرش قلبه الصنوبري و من الكرسي دماغه و من زحل طِحاله و من المشتري كبده و من المريخ مرارته و كليتيه و من الشمس فمه و من الزهرة اعضاء تناسله و من عطارد اللسان و من القمر ريته و صدره و كذلك خلق منها له حواسه الظاهرة فمن زحل سمعه و من المشتري لمسه و من المريخ بصره و من الشمس حسه و من الزهرة شمه و من عطارد ذوقه و من القمر حيوته

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 261 *»

بالجملة خلقه عالماً صغيراً كما ينسب الي اميرالمؤمنين7 هذه الاشعار:

دواؤك فيك و ماتبصر
  و داؤك منك و ماتشعر
و انت الكتاب المبين الذي
  باحرفه يظهر المضمر
أتزعم انك جرم صغير
  و فيك انطوي العالم الاكبر

و العالم الاكبر و ان كان مشروحاً مفصلاً الا انه مشروح الظاهر خفي الباطن و الانسان و ان كان مجملاً بالنسبة اليه الا انه واضح الباطن فكلما خفي في العالم يصاب في الانسان و كلما يشتبه في الانسان يستوضح في العالم فهما مقرونان كما قرنهما اللّه سبحانه و قال (سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحـق) فللتفكر في النفس وجوه منها ان تتفكر في كمها و كيفـها و صفـة بـدؤها  و

عودها و شـــݘـونها و اطوارها و ظواهرها و خوافيها و اتقان الصنع فيها و كون كل جزء

منها علي نهج الحكمة و الصواب بحيث يتحير العقل فيها و يظهر لكل وضع منه حكم بعد سنين و دهور بحيث قد عجز الحكماء عن درك حقيقة الصنع فيها و قدخلقها اللّه سبحانه في ظلمات ثلث من غير آلة و معاناة و علاج نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم لحماً فاتم بدنها ثم انشأ في ذلك البدن خلقاً  آخر و نفخ فيه من الروح و رباه حالاً بعد حال الي ان اخرجه فجعله وليداً ثم رضيعاً ثم فطيماً ثم يافعاً ثم ناشئاً ثم مترعرعاً ثم حَزْوَراً ثم مراهقاً ثم محتلماً ثم بالغاً ثم امرد ثم طارّاً ثم باقلاً ثم مسبطراً ثم مطرخماً ثم مختطاً ثم صملاً ثم ملتحياً ثم مستوياً ثم مصعداً ثم مجتمعاً ثم شاباً ثم ملهوزاً ثم كهلاً ثم اشمط ثم شيخاً ثم اشيب ثم حوقلاً ثم صفتاتاً ثم هماً ثم هرماً ثم ميتاً ثم مقبوراً ثم بالياً ثم رميماً ثم يعود تراباً كما كان اول مرة و يعود نسياً منسياً و معدوماً في الدنيا كما كان من اول الدنيا الي يوم تولده فتتعجب من هذه الحالات و من غفلاته في هذه الايام القلائل و كبره و فخره و ادعائه الاستقلال و امره و نهيه و تدبيره و طول امله و امانيه و شهواته و معاداته و موالاته و حبه المال و الاولاد و الاهل و الدنيا و الرياسة و امثال ذلك فمن تفكر في هذه الامور و غاص في بحرها دهش عقله و تحير لبه ثم يتفكر في نفسه من انت و من اين انت و الي اين و لم و ما ذا و كيف و علي‌م و فيم و هكذا مما لاتسعه الدفاتر و قد ذكر بعض

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 262 *»

ذلك الامام الناطق جعفر بن محمد الصادق7 في حديث مفضل فراجعه فانه من اسباب التفكر في الآفاق و الانفس و يفتح لك ابوابه و يعلّمك طريقه كما ان حديث الاهليلجة معين له جداً.

و اعلم و تيقن ان الانبياء اعلم العلماء و احكم الحكماء و قد جاءوا من عند العليم الحكيم الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فقد دعوا اولئك العلماء الحكماء الخلق الي اللّه سبحانه بهذه الطريقة و من هذا الباب و لم‌ينطق احد منهم بالتدقيقات الحكمية و التحقيقات الفلسفية فلو كانت هي اقرب الطرق الي اللّه و اقوم السبل و آمن المناهج لسلكوها و دعوا العباد اليها و دلوهم عليها و قد امروا بتسيير العباد و ايصالهم الي الرشاد و هم معصومون غير مقصرين فاذا تبين ان هذا الطريق اقرب و آمن و اسهل فما بالك تتيه في مهامه تحقيقات الحكماء و تغوص في لجج تدقيقات المتكلمين و ان هي واللّه الا طرق ضلالة كما قال اللّه سبحانه (فما ذا بعد الحق الا الضلال)(فاني تؤفكون) و (اني تصرفون) و لما ذا عن الحق تعدلون فعليكم يااخواني بسلوك هذه الطرق أماتعتبرون من الحكماء من انفسهم في اختلاف مذاهبهم و لم‌يمنعهم حكمتهم عن عبادة الاوثان و شد الزنانير و شرب الخمور و التار و الطنبور و موالاة اهل الفجور و ارتكاب الزنا و اللواط و قول الزور و اتخاذ الارباب و الآلهة او انكار الرب و الانبياء و الحجج و هم مع ذلك يدعون انهم يشقون الشعر و الحكمة هي العلم بحقايق الاشياء علي ما هي عليه في نفس الامر فلو كان طريقتهم طريقة تكميل النفس و تعديلها و استخراج كوامن ما اخفاه اللّه فيها و العقل لكان اللازم ان يهتدوا الي الحق و الي طريق مستقيم و من العجب ان مشاعرهم صاحية في جميع الامور فاذا ذكر الدين تغيمت و هم اذكياء في ساير الاشياء فاذا ذكر المذهب تبلدوا و عزب عنهم افهامهم فقالوا باشياء مستهجنة يتعجب اللبيب من صدورها منهم و ظهورها عنهم و خفاء الحق فيها عليهم بالجملة هذا وجه من وجوه التفكر في النفس لتحصيل العلم و اقول كما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 263 *»

كان يقول الصادق7:

علم المحجة واضح لمريده
  و اري القلوب عن المحجة في عمي
و لقد عجبت لهالك و نجاته
  موجودة و لقد عجبت لمن نجي

فصل: اعلم ان القوة المفكرة بمنزلة المرآة كلما واجهت بها شيئاً ادركته و تفكرت فيه فهي تختلف بحسب الصفا و الكدورة فكلما كانت اصفي كانت احكي و كلما تكدرت لم‌تحك و خفي عنها دقايق الامر حتي اذا غلب عليها الكدورة خفي عنها الفكر و لم‌تحضرها النسب الفكرية كما ان الحيوانات لكدورة قوتها المفكرة ليس لها فكر فانت لو مشيت كما يمشي الحيوان تكدر مفكرتك و لم‌تفهم النسب بين الاشياء كالحيوان و كلما صفت و لطفت و اشتد صقالتها كانت حكايتها اصح و ادق فانت اذا قعدت للتفكر و قابلت بمرآة فكرك الاشياء و رأيت انه لاينطبع فيه شي‌ء فاعلم انه كدر فاسع في صقالته بالرياضات الملطفة المرققة للدم حتي يقلّ رطوباتك و يلطف دمك فيلطف بخاره و يقل الابخرة المتصاعدة الي دماغك فيصحو فضاء دماغك من تلك الابخرة فيظهر فيه الافكار علي ما في الواقع و لذلك قلنا انه ينبغي ان لاتكون حال الفكر شبعان و لا نعسان و لا مريضاً و لا في وقت حارّ و اذا رأيت انه قد غلب عليك الوسوسة و الشياطين فاترك التفكر و اشتغل بالذكر و ذكر الموت حتي يزول عنك الوسوسة فتعود الي فكرك و هكذا تدبر امرك و تعالج نفسك و تعدلها.

و اعلم ان كثرة الفكر في اول الامر تحرق الاخلاط و تزيد في السوداء و يـــݘـول امرك الي فساد الدماغ فان الفكر مسخن للدماغ لتوجه الروح الي الدماغ فيجفف الدماغ و يغلب عليه الحرارة فلايجوز الاكثار و انما يكفيك في اول الامر كل يوم ساعة حتي تتعود ذلك و يتعود دماغك و كلما احسست بتعب الدماغ و عيّه و كسالته فاترك فاذا استرحت و نشطت فعد و هكذا حتي يعود امرك في آخر الامر انك في اغلب الاوقات متفكراً و يرد عليك ما لم‌يخطر علي قلب بشر و يأنس بك الملئكة الثلثة الموكلون بالافكار و هم شمعون و سيمون و زيتون و اعوانهم فيأتونك بالافكار الحقة الصحيحة الموزونة بالكتاب و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 264 *»

السنة فاذا اعتدل خيالك و فكرك و انست بعالمهما كثر رؤياك و ثبتت و صرحت و وضحت و اعتبرت فتلهم في المنام بامور معتبرة كثيرة.

بالجملة التفكر عبادة عظيمة قد غفل عنه الناس و قد قال اميرالمؤمنين7 الفكر يهدي و الصدق ينجي و قال الفكر عبادة العفاف زهادة و قال التدبير بالرأي الرأي بالفكر و قال الفكر يهدي الي الرشاد و في آخر الي الرشد و قال الفكر يفيد الحكمة و الاعتبار يثمر العصمة و قال الفكر جلاء العقول و قال الفكر في غير الحكمة هوس الصمت بغير تفكر خرس و قال التفكر في ملكوت السموات و الارض عبادة المخلصين و قال الفكر في الامر قبل ملابسته يؤمن الزلل و قال المؤمن دائم الذكر كثير الفكر علي النعماء شاكر و في البلاء صابر و قال المؤمن اذا نظر اعتبر و اذا تكلم ذكر و اذا سكت تفكر و اذا  اعطي شكر و اذا  ابتلي صبر  الي غير ذلك من  الاخبار و ينبغي للسالك  الطالب للعلم ان يداوم عليه كما ذكرنا و لايزعمن  انه يشتغل به عن العبادة فانه افضل العبادة و روي لا خير في عبادة لا تفكر فيها.

فصل: و اما التفكر العملي فعلي اقسام عديدة: فمنها ان تتفكر في قرب الاجل و فناء الدنيا فتقعد في زاوية و تحضر في خيالك اباك و امك و اخوانك و اعمامك و اخوالك و اقاربك و اصحابك و معاريفك و تتفكر في ايام حيوتهم و في تنافسهم و تعاديهم و تباغضهم و حسدهم و حرصهم و حبهم للدنيا و جمع المال و حبهم للاهل و الولد و العزة و الاعتبار و ولعهم في جميع ذلك و طول آمالهم و عداتهم و ما فعلوا و ما بنوا و ما جمعوا ثم تتفكر في بغتة الاجل اياهم و حلوله عليهم في مأمنهم ثم تتفكر فيهم محتضرين ملقين علي المغسل مسجين في مكفنهم مكفنين محمولين علي النعوش و الاكتاف مقبورين مستورين بالتراب في ذلك البيت المظلم قد اكلهم الديدان و لذعهم الحيات و العقارب ثم تتفكر في تقطع اوصالهم و ترمم عظامهم و صيرورتهم تراباً فلعل قبورهم حرثت و زرعت قد

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 265 *»

عمل في عيونهم و افواههم و بطونهم المساحي و المعاول و لعلهم صنعوا كيزاناً و طبخوا في اتون الفواخير ثم تتفكر انك مثلهم و يعود عما قريب حالك مثل حالهم فتتصور نفسك مريضاً ثم محتضراً ثم محمولاً الي المغسل ثم مغسولاً ثم محمولاً ثم مقبوراً ثم مأكولاً ثم رميماً و تجزم بذلك حتي ييأس روحك عن جسدك و لايهتم به فاذا صنعت ذلك حتي جزم به روحك و عقلك جزماً مقروناً بالعمل هان عليك الدنيا و ما فيها و ملك قيصر و كسري و صدقت (انما الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء) فنبت به نبات ثم يبس و هشم تذروه الرياح فلاتعتني بشي‌ء من الدنيا و ما فيها و لاتبال بعريك و جوعك و عزتك و ذلتك و يصغر عندك المصائب فعن الصادق7 ان صاحب الدين فكر فعلته السكينة و استكان فتواضع و قنع فاستغني و رضي بما اعطي و انفرد فكفي الاحزان و رفض الشهوات فصار حراً و خلع الدنيا فتحامي الشرور و طرح الحسد فظهرت المحبة و لم‌يخف الناس فلم‌يخفهم و لم‌يذنب اليهم فسلم منهم و سخط نفسه عن كل شي‌ء ففاز و استكمل الفضل و ابصر العاقبة فامن الندامة انتهي و جميع هذه النعم يحصل له من التفكر لاغير فقد روي عن الصادق7 ذكر الموت يميت الشهوات في النفس و يقلع منابت الغفلة و يقوي القلب بمواعد اللّه تعالي و يرق الطبع و يكسر اعلام الهوي و يطفي نار الحرص و يحقر الدنيا و هو معني ما قال النبي9 فكر ساعة خير من عبادة سنة و ذلك عند ما تحل اطناب خيام الدنيا و تشدها في الآخرة و لاتشكن نزول الرحمة علي ذكر الموت بهذه الصفة و من لايعتبر بالموت و قلة حيلته و كثرة عجزه و طول مقامه في القبر و تحيره في القيمة فلا خير فيه قال النبي9 اذكروا هادم اللذات قيل و ما هو يا رسول اللّه قال الموت فماذكر عبد علي الحقيقة في سعة الا ضاقت عليه الدنيا و لا في شدة الا اتسعت عليه و الموت اول منزل من منازل الآخرة و آخر منزل من منازل الدنيا فطوبي لمن اكرم عند النزول باولها و طوبي لمن احسن مشايعته في آخرها و الموت اقرب الاشياء من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 266 *»

بني‌آدم و ما بعده ابعد فمااجرئ الانسان علي نفسه و ما اضعفه من خلق و في الموت نجاة المخلصين و هلاك المجرمين لذلك اشتاق من اشتاق الي الموت و كره من كره قال النبي9 من احب لقاء اللّه احب اللّه لقاءه و من كره لقاء اللّه كره لقاءه و عن النبي9 افضل الزهد في الدنيا ذكر الموت و افضل العبادة ذكر الموت و افضل التفكر ذكر الموت فمن اشغله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة و عن النبي9 اكثروا من ذكر هادم اللذات فانكم ان كنتم في ضيق وسّعه عليكم فرضيتم به فاثبتم و ان كنتم في غني بغّضه اليكم فجدتم به فاجرتم و قيل لابي‌جعفر7 حدثني ما انتفع به فقال اكثر ذكر الموت فانه لم‌يكثر ذكره انسان الا زهد في الدنيا و شكي رجل الي الصادق7 الوسواس فقال اذكر تقطع اوصالك في قبرك و رجوع احبابك عنك اذا دفنوك في حفرتك و خروج بنات الماء من منخريك و اكل الدود لحمك فان ذلك يسلي عنك و عن اميرالمؤمنين7 من علم ان الموت مصدره و القبر مورده و بين يدي اللّه تعالي موقفه و جوارحه شاهدة عليه طالت حسرته و كثرت عبرته و دامت فكرته و عنه7 من علم انه يفارق الاحباب و يسكن التراب و يواجه بالحساب كان حرياً بقطع الامل و حسن العمل و عن النبي9 أتدرون من اكيسكم قالوا لا يا رسول اللّه قال اكثركم ذكراً للموت و احسنكم استعداداً له قالوا و ما علامة ذلك يا رسول اللّه قال التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و التزود لسكني القبور و التأهب ليوم النشور و عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 الموت الموت الا و لابد من الموت جاء الموت بما فيه جاء بالروح و الراحة و الكرة المباركة الي جنة عالية لاهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم و فيها رغبتهم و جاء الموت بما فيه بالشقوة و الندامة و بالكرة الخاسرة الي نار حامية لاهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم و فيها رغبتهم ثم قال و قـال اذا استحقت ولاية اللّه و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 267 *»

السعادة جاء الاجل بين العينين و ذهب الامل وراء الظهر قال و سئل رسول اللّه9 اي المؤمنين اكيس فقال اكثرهم ذكراً للموت و اشدهم له استعداداً و عن عجلان بن ابي‌صالح قال قـال لي ابوعبداللّه7 يا باصالح اذا انت حملت جنازة فكن كأنك انت المحمول و كأنك سألت ربك الرجوع الي الدنيا ففعل فانظر ماذا تستأنف قال ثم قال عجبت لقوم حبس اولهم عن آخرهم ثم نودي فيهم الرحيل و هم يلعبون و سمع علي بن الحسين8 يقول عجب كل العجب لمن انكر الموت و هو يري من يموت كل يوم و ليلة و العجب كل العجب لمن انكر النشأة الاخري و هو يري النشأة الاولي و من عهد لاميرالمؤمنين7 الي محمد بن ابي‌بكر فاحذروا عباد اللّه الموت و قربه و اعدّوا له عُدّته فانه يأتي بامر عظيم و خطب جليل بخير لايكون معه شر ابداً او شر لايكون معه خير ابداً فمن اقرب الي الجنة من عاملها و من اقرب الي النار من عاملها و انكم طرداء الموت ان اقمتم له اخذكم و ان فررتم منه ادرككم و هو الزم لكم من ظلكم الموت معقود بنواصيكم و الدنيا تطوي من خلفكم و احذروا ناراً قعرها بعيد و حرها شديد و عذابها جديد دار ليس فيها رحمة و لاتسمع فيها دعوة و لاتفرج فيها كربة و قال7 في وصيته للحسن7 يا بني اكثر ذكر الموت و ذكر ما تهجم عليه و تفضي بعد الموت اليه حتي يأتيك و قد اخذت منه حذرك و شددت له ازرك و لايأتيك بغتة فيبهرك الي غير ذلك مما لا نهاية له و لم‌يقصر فيه حجج اللّه سلام اللّه عليهم فانت لو داومت علي ذكر الموت صلح لك امر الدنيا و الآخرة و عولج كثير من امراضك و مقتّ الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة و يئس منك الشيطان اذا انقطع عنك مواد اغوائه و محال تعلقه فهذا وجه من وجوه الفكر و اعظم الخطب فيه ربنا عز و جل حيث قال (أولم‌ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون).

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 268 *»

فصل: و منها ان تتفكر في الاحوال بعد الموت و اهوال البرزخ و القيمة فتتصور تلك الاحوال و الاهوال و ما اخبرت من احوال بعد الموت و معاينة الآخرة و هول المطلع و جنة البرزخ و ناره و النشر و الحشر و الحساب و الميزان و تطاير الكتب و الجثي تحت منبر الوسيلة و الصراط و دقته و ميدانه علي النار و عقباته نستعين اللّه علي جميعها فتمثل كل ذلك و تستحضر تلك الاهوال و انه قد ذهب بك الملئكة في موقف الحساب و اوقفوك عند رسول اللّه9 و الشهود صفوف و الملئكة حضور و الانبياء وقوف و ساير الخلق علي قدر درجاتهم بين قريب و بعيد ينظرون اليك و قد قدمت للحساب فاخرجوا كتب اعمالك فيخرجون كتب طاعتك فاذا فيها قد عمّر فلان ستين او سبعين سنة و ماعبد ربه كما امره طرفة عين و مااخلص للّه ابداً بل صلي صلوة مستهزء بربه و صام صيام الكلب عن الطعام و الشراب و افسده بانواع المعاصي بالجملة تتصفحها فلاتجد فيها عملاً واحداً خالصاً بريئاً من العيوب يكون علي حسب محبة اللّه عز و جل ثم يستخرج كتب سيئاتك فيستخرج مرة فرد غيبتك للمسلمين مجموعة علي الف كرور و فرد تهمتك مجموعة علي الف كرور و فرد اذيك للمؤمنين مجموعاً علي الف‌الف كرور و هكذا لكل نوع معصية يخرج فرد و قد جمع فيه اعداد افراد ذلك النوع و قد بذلت فيها النفس و المال و الاهل و الولد و اخلصت فيها و اهتممت بها نعوذ باللّه و حاسب نفسك علي النقير و القطمير محاسبة الشريك السيئ الحساب.

و اعلم ان هذه المحاسبة خير عمل للعبد كما روي عن ابي‌الحسن الماضي7 ليس منا من لم‌يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسناً استزاد اللّه و ان عمل سيئاً استغفر اللّه منه و تاب و عن النبي9 حكاية من صحف ابرهيم علي العاقل ما لم‌يكن مغلوباً ان تكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يتفكر فيها صنع اللّه اليه و ساعة يخلو بها بحظ نفسه من الحلال فان هذه الساعة عون لتلك الساعات و استجمام للقلوب و تفريغ لها و عنه9 يا اباذر حاسب نفسك قبل ان تحاسب فانه اهون

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 269 *»

لحسابك و زن نفسك قبل ان توزن و تجهز للعرض الاكبر يوم تعرض لاتخفي علي اللّه خافية   الي ان قال يا اباذر لايكون الرجل من المتقين حتي يحاسب نفسه اشدّ من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من اين مطعمه و من اين مشربه و من اين ملبسه أمن حلال او من حرام الخبر و عن علي7 عن النبي9 قال اكيس الكيسين من حاسب نفسه و عمل لما بعد الموت فقال رجل يااميرالمؤمنين كيف يحاسب نفسه قال اذا اصبح ثم امسي رجع الي نفسه و قال يا نفسي ان هذا يوم مضي عليك لايعود اليك ابداً و اللّه يسألك عنه بما  افنيته فما  الذي عملت فيه أذكرت اللّه ام حمدته ام قضيت حوائج مؤمن فيه أنفّست كربته أحفظته بظهر الغيب في اهله و ولده أحفظته بعد الموت في مخلفيه أكففت عن غيبة اخ مؤمن أاعنت مسلماً ما  الذي صنعت فيه فيذكر ما كان منه فان ذكر انه جري منه خير حمد اللّه و كبره علي توفيقه و ان ذكر معصية او تقصيراً  استغفر اللّه و عزم علي ترك معاودته انتهي.

بالجملة هكذا استحضر افراد اعمالك و انظر فيها فرداً فرداً و استحضر كثرة ذنوبك و قلة حسناتك بل عدمها عند الدقة في الحساب و استحضر ان رسول اللّه9 قد لامك عليها فقال يا فلان ما هذا الصنيع و هل قصرت في شي‌ء من حقوقك ففعلت كذلك او فرطت في تكريمك و هدايتك و هكذا تتفكر في امثال ذلك فيستولي عليك الحياء و الندامة و الحسرة علي ما فرطت و يغلب عليك البكاء الصادق الناشئ عن حرقة ثم تتفكر انك كلما تستغفر ذلك اليوم يقولون لك قد مضي زمان الاستغفار و كلما تتوب يقولون لك قد انقضي اوانه و كلما تتضرع و تبكي يقال لك قد تقضي وقته و كلما تلتجي باحد من الشفعاء يقول كان ينفعك لو التجأت بنا في الدنيا و اما هنا مع تباينك عنا في الدنيا فلاينفعك و اذا قلت ارجعوني اعمل صالحاً فيما تركت يقال لك كلا انها كلمة انت قائلها هيهات هيهات اني لك الرجوع و قد استوفيت عمرك و رزقك أولم‌نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير.

ثم بعد ذلك تفكر في انه استجيب لك اتفاقاً و ردوك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 270 *»

الي الدنيا فاستأنف العمل ان كنت صادقاً و اغتنم فرصة اعطيتها فاشتغل بالاستغفار الصادق و التوبة و التضرع و الالتجاء و التوسل و قدم امام قلبك ذنباً ذنباً او نوعاً نوعاً و استغفر اللّه لكل واحد واحد و تب اليه منه و اعزم علي ان لاتفعله و لو استمر تفكرك قوي عزمك و تقدر علي الترك ان شاء اللّه و اعلم ان مثل هذا الاستغفار و التوبة هو المكفر للذنوب البتة و ان اللّه يغفرها لك لقوله (و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً ثم اهتدي) وتدخل في قول رسول اللّه9 طوبي لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيمة تحت كل ذنب استغفر اللّه انتهي  فعليك بتكرار هذا الفكر فانه مقدم علي كل فكر فان قصر بك النفس عنه ففكر في حلول الموت و سرعة بغتة الاجل حتي تنشط لهذا الفكر.

و قد خطر ببالي هنا مسئلة احببت ان اذكرها هنا و هي ان الانسان سبب بعده عن المبدء الذنوب و علي حسب الادلة كثير من الاعمال يكون من موجبات المغفرة فمابالنا بعد غفران الذنوب لانصير من المقربين و لاينكشف لنا ما ينكشف لهم اقـول اعلم ان للمؤمنين درجات عند اللّه سبحانه و اهل كل درجة مكلفون علي حسب مقامهم لا علي حسب مقام الاعلين فمنهم ضعيف الايمان و منهم قوي الايمان علي حسب ما تري من اختلاف الابدان في الاعتدال و الانحراف و الذنوب هي امراض النفوس و موجبات المغفرة ادويتهم كما قال النبي9 لكل داء دواء و دواء الذنوب الاستغفار فاذا استغفرت تعود النفوس الي صحتها اللايقة بحالها لا الي صحة من هو اقوي منها كما ان الطفل اذا مرض و عولج عاد طفلاً صحيحاً و الشاب اذا مرض و عولج عاد شاباً صحيحاً و ضعيف المزاج اذا مرض و عولج عاد ضعيفاً صحيحاً و القوي بحسبه فمن ذلك يغفر له ذنوبه و ليس يتجاوز مقامه و ما قصر به عن حد الاعلين فانما هو مرض ذاتي له لايزول الا في مدة مديدة فانما هو كجعل المحروري الصحيح مبرودياً و المبرودي محرورياً.

و امثل لك مثلاً  آخر تفهم منه لِمَ يعود الانسان بعد الاستغفار او البكاء علي الائمة: علي ما كان و هو ان قطعة لحم علقتها يجتمع عليها الزنابير فتقوم فتشردها و تنحيها عنها فتبعد و تذهب عنها لكن اذا جلست عادت لانها لحم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 271 *»

و هي محل اجتماع الزنابير و مطمعها فكلما قمت و طردت الزنابير ذهبت و لكن عادت و كذلك المؤمن الضعيف يغفر له ذنوبه بموجبات المغفرة و لكن كلما امسك عادت الشياطين اليه كما كان و يجب عليه المداومة و تقوية البنية حتي لايطمع فيها الشياطين و الا فمادام الضعف باقياً يكون هذا حاله و ذلك الضعف من الذنوب الذاتية و يحتاج الي عمل كثير و جد طويل و شيخ و دليل حتي يحملك علي سواء السبيل بالجملة هذا قسم آخر من التفكر و هكذا و لو اردنا ان نذكر جميع جهات انواع التفكر يطول بنا الكلام و لايكفيه العمر و هذا الكتاب و لكن نعطيك نوع العمل و عليك بتفصيله.

فصل: و منها ان تتفكر في جلائل نعم اللّه سبحانه و عطاياه و مراقبته و تربيته و بوادئ احسانه من غير استحقاق منك فانشأ خلقك و لم‌تك شيئاً مذكوراً فخلقك نطفةً وجعلك في قرار مكين ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم لحماً ثم انشأك خلقاً  آخر و نفخ فيك الروح و صورك و سويك في تلك الظلمات الثلث من لحم و جلد و دم ثم غذّاك في ذلك المحل الذي لم‌تصله الايدي و في ذلك الوقت الذي لم‌تقدر علي معالجة و تدبير و كسب ثم اخرجك الي الدنيا تام الاعضاء سوياً و قد هيأ لك جميع ما ينبغي لك و تحتاج اليه و علّق لك مزادتان من لبن مري‌ء و عطف عليك قلوب الحواضن و كفلك الامهات الرحائم و كلأك من طوارق الجان و سلّمك من الزيادة و النقصان و عالج امراضك و لم‌تقدر علي الشكوي عنها و لا الافصاح بها حتي علّمك النطق و اتمّ عليك النعمة و ربّاك في غاية الشفقة و الرحمة حتي اذا بلغت و تكمل فطرتك و اعتدل سريرتك الهمك معرفته و فهّمك ما جاءت به رسله و عرّفك الصلاح و الفساد و الخير و الشر و ما ينتظم عليه امرك و ما يصلح به امر دنياك و آخرتك ثم رزقك من انواع المعاش و صنوف الرياش و حفظك في آناء الليل و النهار من شر السامّة و الهامّة و اللامّة و العامة و الخاصة و اعزك علي حسب رتبتك كلما افقرت جبر كسرك و كلما ركبك الدين ادي دينك و كلما مرضت عالج مرضك و كلما صرعت نعش صرعتك و كلما ضاق بك فسح

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 272 *»

عليك و هكذا لم‌تخل في آن من الآنات من نعمه و احسانه بل لو تفكرت رأيت في سوابغ نعمه عليك بالسماوات و الارضين و الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و الجبال و البحار و الوهاد و التلال و جميع صنوف النبات و الحيوان و جميع افراد الانسان رأيت كلها نعمة عليك و شرطاً في حيوتك و تري نفسك منغمسة في بحر نعمائه و آلائه كيف لا و وجودك من جوده و تري انه لو قطع نظره عنك طرفة عين لعدمت و كيف وكّل بك اسباب السماوات و الارض و الملئكة و ساير الخلق حتي تعيش كل ذلك رحمة منه و جوداً و لايأتي يوم جديد الا و يأتي منه نعمة جديدة سابغة هنيئة و ما من ليل الا و يصعد منك اليه كفران نعمة و معصية و اعراض فيعفو عن جميع ذلك و لايخليك من نظر عنايته و لو عاملت امك مثل ما عاملته لمقتتك و تركتك و خذلتك و تبرأت منك و هو جل و عز لاطفك و ستر عليك و سامحك و انعم عليك كأنك لم‌تعصه و لم‌تخالفه طرفة عين فما اعظم نعمه عندك و ما اكثر حقه عليك فتتفكر في هذه و امثالها فيغلب عليك الخضوع و الحيا و تتفطن ان جميع ما لك و بك و منك و اليك و فيك و جميع ما انت له و به و منه و اليه و فيه منه جل و عز و له و هو اولي به و تري انه يجب عليك شكره و صرفه في سبيله جل و عز و في رضاه و في طاعته فتحمد اللّه سبحانه عليه و تثني عليه و يعظم عندك مننه و آلاؤه.

فاذا اتيت انت بهذين الفكرين فقد حزت خير الدنيا و الآخرة و اتيت بما عليك و بما فيه رضاه سبحانه لما روي عن ابي‌جعفر7 قال لا واللّه مااراد اللّه من الناس الا خصلتين ان يقرّوا له بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم و قال7 واللّه ماينجو من الذنب الا من اقرّ به و قال7 كفي بالندم توبة و عن ابي‌عبداللّه7 ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله اللّه به الجنة قيل يدخله اللّه بالذنب الجنة قال نعم انه يذنب الذنب فلايزال منه خائفاً ماقتاً لنفسه فيرحمه اللّه فيدخله الجنة و قال7 واللّه ماخرج عبد من ذنب باصرار و ماخرج عبد من ذنب الا باقرار و قال7 من اذنب ذنباً فعلم ان اللّه مطلع عليه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له غفر له و ان لم‌

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 273 *»

يستغفر وعنه7 قال قـال اميرالمؤمنين7 ان الندم علي الشر يدعو الي تركه و عنه7 مامن عبد اذنب ذنباً فندم عليه الا غفر اللّه له قبل ان يستغفر و ما من عبد انعم اللّه عليه نعمة فعرف انها من عند اللّه الا غفر اللّه له قبل ان يحمده و عنه7 ان العبد اذا اذنب ذنباً اجّل من غدوة الي الليل فان استغفر اللّه لم‌يكتب عليه و عنه7 من عمل سيئة اجّل فيها سبع ساعات من النهار فان قال استغفر اللّه الذي لا اله الّا هو الحي القيوم ثلث مرات لم‌تكتب عليه  الي غير ذلك من الاخبار و قد مر في الذكر اللساني ما فيه كفاية و بلاغ.

فصل: و منها ان تقعد في زاوية و تتفكر انك الي متي و حتي متي مستسلم للنقصان و تسفّل المقام و لاتترقي الي الدرجات العلي و لاتستبق الاقران في خدمة المولي و ان الاجل ياتي بغتة و العمر قصير و الطريق طويل و الزاد قليل و لابد من السعي في الترقي و التقدم الي اللّه جل و عز فتتفكر في معوقاتك عن التقدم و السير الي اللّه سبحانه فتجهد في تبعيدها عن نفسك فان وجدتها كثرة الاكل فقلل او كثرة الشرب فقصر او كثرة النوم فاتركها او بعض الاشغال التي لا طائل تحتها فاتركها او بعض العلايق التي هي غير لازمة فتنحّ عنها و هكذا و لكن قد يأتي الشيطان و يقول ان زوجتك معوقة لك فذرها كالمعلقة و عيالك مانع عن السلوك فضيعه و هكذا و يريد ان يوقعك في معاص اخر و اعلم ان الشيطان علي كل مرصد فاياك و اياه واعلم ان الميزان لك ما سنه اللّه و رسوله فما سنه رسول اللّه هو بنفسه عبادة يجب عليك الاخلاص فيه و التقرب الي اللّه به و انك لم‌تؤت من حيث السنة و انما اوتيت من حيث ما غيرتها عن حدودها فالضيافة مثلاً عبادة و سنة و لاتمنعك عن طاعة اللّه و انما يعوقك حب تعدد الالوان و الاَواني فلاتترك الضيافة و اترك الالوان و الاواني و علي هذه فقس ما سواها فانت تتفكر في جميع امورك و توازنها بالسنة فما وافقها فخذه و ما خالفها فاترك و لاتوازن باللّه شيئاً فلا واللّه لايعادله ملك الدنيا و الآخرة ولابد للانسان من هذا الفكر فان احداً من اهل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 274 *»

الصنايع و الحرف ما لم‌يتفكر في امره و ما يحسنه و يفسده لايحسنه البتة حتي ان البناء اذا امسي تفكر في ما يبنيه غداً و كيف ينبغي و ما يسهله و ما يعسره و ما يؤيده و ما يقويه و ما يهينه فبذلك يكون غداً استاذاً يعلم ماذا يصنع و اجراؤه النائمون بالليل في غفلة جهلة لايدرون ما يصنعون فانت يا هذا امامك طريق وعر و فيه قطاع الطريق و لصوص كثيرة و مخاوف و ظلمات و رعد و برق اذا اخرجت يدك لم‌تكد تراها فتفكر في مشيك و راحلتك و بدرقتك و زادك و طريقك و مقصدك و رفقتك و اختر من جميع ذلك ما يسهل عليك الطريق و يؤمنك من المخاوف و يونسك في الطريق و ما يكون بلغتك و هذا ايضاً مهم مهم و بالتوجه اليه حري حري.

فصل: و منها ان تتفكر في الدنيا و فنائها و بلوائها و ضرائها و بأسائها و شحنها بالآلام و الاسقام و الآفات و العاهات و بشوب سرورها بالغموم و اختلاط راحتها بالتعب و امتزاج صحتها بالمرض و اقتران اتصالها بالفراق و الانفصال ثم في تعادي اهلها و تجبرها و تكبرها و تفاخرها و تكالبها و تنافسها عليها و غفلاتهم و انهم كسباع مسرحة بين اغنام و بهائم يفترسونها و يتعاوون بعضهم علي بعض و جميع ملاذّهم في طبخ العذرة و ادخال مبال في مبال و انهم عما قليل يفنون بحيث لايبقي لهم اسم و لا رسم اين الجبابرة اين الاكاسرة اين الملوك و ابناؤ الملوك فقد فنوا عن آخرهم و عدموا و ضلوا في الارض فلا عين و لا اثر فتتفكر في مقابح الدنيا و تمثل معايبها حتي تشنأها واقعاً حقاً فتقتدي بساداتك و اما من يحب الدنيا فان لم‌يكن به الا تعظيمه ما صغر اللّه و حبه ما ابغض اللّه لكفي به شقاقاً للّه و محادة لرسول اللّه 9 نعوذ باللّه فان تحقق في نفسك بغض الدنيا امنت من كثير من المعاصي فان حب الدنيا رأس كل خطيئة و احب ان اذكر هنا ندبة لمولانا زين‌العابدين7 بطولها فان فيها عبرة لمن اعتبر و تذكرة لمن تذكر و تفكر لمن نظر.

قال7 علي ما رواه الزهري علي ما في بلدالامين يا نفس حتامَ الي الحيوة سكونك و الي الدنيا و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 275 *»

عمارتها ركونك أمااعتبرت بمن مضي من اسلافك و من وارته الارض من الّافك و من فجعت به من اخوانك و نقلت الي دار البلا من اقرانك

فهم في بطون الارض بعد ظهورها
  محاسنهم فيها بوال دواثر
خلتْ دورهم عنهم و اقوتْ عراصهم
  و ساقتْهم نحو المنايا المقادر
و خلّوا عن الدنيا و ما جمعوا لها
  و ضمّتهم تحتَ التراب الحفائر

كم اخترمت ايدي المنون من قرون بعد قرون و كم غيرت الارض ببلاها و غيبت في ثراها ممن عاشرت من صنوف الناس و شيعتهم الي الارماس

و انت علي الدنيا مكبٌّ منافس
  لخُطّابها فيها حريصٌ مكاثر
علي خطر تمسي و تصبح لاهياً
  أتدري بماذا لو عقلتَ تخاطر
و ان امرأݩݩً يسعي لدنياه جاهداً
  و يذهل عن اُخراه لا شكّ خاسر

فحتام علي الدنيا اقبالك و بشهوتها اشتغالك و قد وخطك القتير و وافاك النذير وانت عما يراد بك ساه و بلذة يومك لاه

و في ذكر هول الموت و القبر و البلي
  عن اللهو و اللذات للمرء زاجر
أَبعدَ اقترابِ الاربعين تربّص
  و شيب القذال منذ ذلك ذاعر
كأَنّك معنيّ بما هو ضائر
  لنفسك عمداً او عن الرشد جاير

انظر الي الامم الماضية و القرون الفانية و الملوك العاتية كيف انتسفتهم الايام فافناهم الحمام فامتحت من الدنيا آثارهم و بقيت فيها اخبارهم

و اضحوا رميماً في التراب و اقفرت
  مجالس منهم عطّلت و مقاصر
و حلّوا بدارٍ لاتزاور بينهم
  و اَنّیٰ لسُكّان القبور التزاور
فما ان تري الّا جثيّ قد ثووا بها
  مسنمة تسفي عليها الاعاصر

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 276 *»

كم عاينت من ذي عز و سلطان و جنود و اعوان تمكن من دنياه و نال منها مناه فبني الحصون و الدساكر و جمع الاعلاق و الذخاير

فماصرفت كفَّ المنية اذ اتت
  مبادرة تهوي اليه الذخاير
و لادفعت عنه الحصون التي بني
  و جفّ بها انهارها و الدساكر
و لاقارعتْ عنه المنيّة خيله
  و لاطمعت في الذب عنه العساكر

اتاه من امر اللّه ما لايرد و نزل به من قضائه ما لايصد فتعالي الملك الجبار المتكبر القهار قاصم الجبارين و مبير المتكبرين

مليك عزيز مايردّ قضاؤه
  عليم حكيم نافذ الامر قاهر
عنا كلّ ذي عزّ لعزة وجهه
  فكلّ عزيزٍ للمهيمن صاغر
لقد خشعتْ و استسلمتْ و تضاءلتْ
  لعزّة ذي العرش الملوك الجبابر

فالبدار البدار و الحذار الحذار من الدنيا و مكائدها و ما نصبت لك من مصائدها و تجلي لك من زينتها و استشرف لك من فتنتها

و في دون ما عاينت في فجعاتها
  الي رفضها داعٍ و بالزهد آمر
فجدّ و لاتغفل فعيشك زايل
  و انت الي دار المنيّة صاير
و لاتطلب الدنيا فانّ طلابها
  و انْ نلت منها غبّه لك ضاير

فهل يحرص عليها لبيب او يسرّ بلذتها اريب و هو علي ثقة من فنائها و غيرطامع في بقائها ام كيف تنام عين من يخشي البيات او تسكن نفس من يتوقع الممات

اَلا لا و لكنا تغرّ نفوسنا
  و تشغلنا اللذات عما نحاذر
و كيف يلذّ العيش من هو موقن
  بموقف عدلٍ حين تبلي السرائر
كأَنّا نري ان لا نشور و اننا
  سديً ما لنا بعد الفناء مصاير

و ما عسي ان ينال طالب الدنيا من لذتها و يتمتع به من بهجتها مع فنون مصائبها و اصناف عجايبها و كثرة تعبه في طلابها و تكادحه في اكتسابها و ما يكابد من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 277 *»

اسقامها و اوصابها

و ما ان بني في كلّ يومٍ و ليلة
  يروح علينا صرفها و يباكر
تعاوره آفاتها و همومها
  و كم ما عسي يبقي لها المتعاور
فلا هو مغبوط بدنياه آمن
  و لا هو عن تطلابها النفس قاصر

كم غرّت من مخلد اليها و صرعت من مكبّ عليها فلم‌تنعشه من صرعته و لم‌تقله من عثرته و لم‌تداوه من سقمه و لم‌تشفه من المه

بلي اوردتْه بعد عزٍّ و منعة
  موارد سوء ما لهن مصادر
فلمّا رأي ان لا نجاة و انه
  هو الموت لاينجيه منه الموازر
تندّم لو يغنيه طول ندامة
  عليه و ابكتْه الذنوب الكباير

بكي علي ما اسلف من خطاياه و تحسر ما خلف من دنياه حيث لاينفعه الاستعبار و لاينجيه الاعتذار من هول المنية و نزول البلية

احاطتْ به آفاته و همومه
  و ابلس لما اعجزتْه المعاذر
فليس له من كربة الموت فارح
  و ليس له ممّا يحاذر ناصر
و قد جشأَتْ خوف المنيّة نفسه
  تردّدها دون اللهات الحناجر

هنالك خف عنه عوّاده و اسلمه اهله و اولاده و ارتفعت الرنّة و العويل و يئسوا من برء العليل غضوا بايديهم عينيه و مدوا عند خروج نفسه رجليه

فكم موجعٍ يبكي عليه تفجُّعاً
  و مستنجدٍ صبراً و ما هو صابر
و مسترجعٍ داعٍ له اللّه مخلصٍ
  يعدّد منه خير ما هو ذاكر
و كم شامتٍ مستبشرٍ بوفاته
  و عمّا قليلٍ كالذي صار صاير

شق جيوبها نساؤه و لطم خدودها اماؤه و اعول لفقده جيرانه و توجع لرزئه اخوانه ثم اقبلوا علي جهازه و تشمّروا لابرازه

فظلّ احبّ القوم كان لقربه
  يحثّ علي تجهيزه و يبادر
و شمّر من قد احضروه لغسله
  و وُجّه لما فاظ للقبر حافر
و كُفّن في ثوبَيْن فاجتمعتْ له
  مشيعة اخوانه و العشاير

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 278 *»

فلو رأيت الاصغر من اولاده و قد غلب الحزن علي فؤاده فغشي من الجزع عليه و قد خضب الدموع خديه ثم افاق و هو يندب اباه و يقول بشجو واويلاه

لابصرتُ من قبح المنيّة منظراً
  يهال لمرآه و يرتاع ناظر
اكابر اولادٍ يهيج اكتيابهم
  اذا ما تناساه البنون الاصاغر
و رنّة نسوان عليه جوازع
  مدامعها فوق الخدودِ غزاير

ثم اخرج من سعة قصره الي ضيق قبره فحثوا بايديهم التراب و اكثروا التلدد([1]) و الانتحاب و وقفوا ساعة عليه و قد يئسوا من النظر اليه

فولّوا عليه معولين و كلّهم
  لمثل الذي لاقٰي اخوه محاذر
كشاءٍ رتاعٍ آمناتٍ بدا لها
  بمذئبة بادي الذراعين حاسر
فريعتْ و لم‌ترتعْ قليلاً و اجفلتْ
  فلمّا انتجي منها الذي هو حاذر

عادت الي مرعاها و نسيت ما في اختها دهاها أفبافعال البهائم اقتدينا و علي عاداتها جرينا عد الي ذكر المنقول الي الثري و المدفوع الي هول ما تري

هوي مصرعاً في لَحْده و توزّعت
  مواريثه ارحامه و الاواصر
و انحوا علي امواله يخضمونها
  فما حامدٌ منهم عليها و شاكر
فيا عامرَ الدنيا و يا ساعياً لها
  و يا آمناً مِن انْ تدورَ الدوائر

كيف امنت هذه الحالة و انت صاير اليها لا محالة ام كيف تتهنأ بحيوتك و هي مطيتك الي مماتك ام كيف تسيغ طعامك و انت تنتظر حمامك

و لم‌تتزوّد للرحيل و قد دنا
  و انت علي حالٍ وشيكاً مسافر
فيا ويح نفسي كم اسوّف توبتي
  و عمري فانٍ و الردٰي لي ناظر
و كلّ الذي اسلفت في الصحف مثبت
  يجازي عليه عادل الحكم قاهر

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 279 *»

فكم ترقع بدينك دنياك و تركب في ذلك هواك اني لاراك ضعيف اليقين يا راقع الدنيا بالدين أبهذا امرك الرحمن ام علي هذا دلك القرآن؟

تخرّب ما يبقي و تعمر فانياً
  فلا ذاك موفورٌ و لا ذاك عامر
و هل لك ان وافاك حتْفُك بغتةً
  و لم‌تكتسب خيراً لدي اللّه عاذر
أترضي بان تفني الحيوة و تنقضي
  و دينك منقوصٌ و مالك وافر

فبك الٰهنا نستجير يا عليم يا خبير من نؤمّل لفكاك رقابنا غيرك و من نرجو لغفران ذنوبنا سواك و انت المتفضل المنان القائم الديّان العايد علينا بالاحسان بعد الاساءة منا و العصيان يا ذا العزة و السلطان و القوة و البرهان اجرنا من عذابك الاليم و اجعلنا من سكان دار النعيم يا ارحم الراحمين انتهي.

و كفا بهذه الندبة الشريفة لنا زاجراً و الي الاعراض عن الدنيا الفانية آمراً وفّقنا اللّه و اياكم لمراضيه بجاه محمد و آله و مواليه صلوات اللّه عليهم اجمعين.

فصل: و منها ان تتفكر في محمد و آل‌محمد: و في مكارمهم و فضائلهم و ما خصهم اللّه به و ابانهم عن ساير خلقه و محاسنهم و جلالهم و جمالهم و عظمتهم و احاطتهم و كونهم صاحبي كل مرأي و ملازمي كل مسمع و حضور كل ملأ و جليسي كل منفرد و المطلعين علي السراير و الضماير و في سيرهم و آدابهم و مجالسهم و خلواتهم و تضرعهم و بكائهم و دعائهم و عبادتهم و خوفهم و تقريبهم انفسهم في سبيل اللّه قرباناً و ساير كلماتهم و علومهم و اخلاقهم و صفاتهم و من نظر في ساير الفرق و الملل في العالم علم انهم بهائم جهال و ليس الانسانية الا في الاسلام و التشيع و ليس فيهما شي‌ء الا منهم و اليهم يعود بالبداهة فالانسانية في الدنيا منهم و العلوم النافعة كلها منهم صدر و اليهم يعود و اما علوم ساير الملل فعلوم ناقصة او ما لا طائل تحته و صنايع ظاهرة ملهية عن اللّه و عن الدار الآخرة بل واللّه لو تفكرنا رأينا ان هذه الصنايع التي تداولت و تسهلت الآن فيها فساد الملك و خراب العباد اما ديناً او دنياً و هم لايشعرون و ان الحجج قد اظهروا ما فيه صلاح الخلق و اخفوا ما فيه فسادهم.

و امثل لك مثالاً اذ ربما تصور الجهال ان مثل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 280 *»

منجنق الحياكة التي اخترعها الافرنج بحيث يلقون من جانب القطن و يخرجون من جانب آخر خاماً محوكاً و يصرفون كل يوم فيها مأتي من قطناً لم‌يأت بمثله الانبياء و الحجج: و لعل هذا عندهم من كمال الدنيا و ترقي الافهام و ان الحجج ماكانوا يعرفون امثال ذلك و ان ذلك تعمير الدنيا و واللّه ان في ذلك فساد الدنيا و لذلك لم‌يأت به الحجج: فان مثل ذلك منفعة رجل واحد و خراب الف‌الف امرأة و رجل فان اللّه سبحانه ابتلي العباد بالكسب حذراً عن الفراغ المفسد للدنيا و الدين الموقع في كل معصية و ان هؤلاء دبروا تدبيراً علي خلاف تدبير اللّه و استأثر رجل المنفعة لنفسه و طغي لحصول الغني له و هلك بالطغيان و الغني و اهلك الف‌الف نفس بالفقر و الفراغ و الوقوع في المعاصي و الحرام و النبي ابو الامة و عامر الدنيا و لايريد هلاك اولاده و لايستأثر الدنيا لنفسه و لايريدها لغيره و لايوقع امته في الهلاك و المعصية و علي هذه فقس ما سواها و كذا من صنايعهم صنايع ملهية معجبة جاذبة للنفوس الي الغفلة و الاشتغال بالدنيا المانعة للترقيات فاي فائدة كانت في تلك الصنايع الباطلة بل اصل وجودها و اختراعها يدل علي عدم حكمة مخترعها و علي غفلته عن اللّه و اصلها و النبي هو الذي كان علي باب بيته ستر فيه بعض التصاوير فقال لبعض نسائه غيبيه عني فاني كلما رأيتها ذكرت الدنيا و زخارفها بل لو اتي بها اي بتلك الصنايع رجل و ادعي النبوة فهو كاذب فانه بدع من الرسل و لو ادعي الامامة فهو كاذب مفتر فانه داع الي الدنيا و زخارفها لا الي باريها و انما الحجة من يدعو الي الزهد في الدنيا و الاعراض عنها و عن زخارفها فعلم ان هذه العلوم التي تداولت فانما هي علوم ملهية مفسدة و هي احاديث لهو تترك القلب قاسياً و لاجل ذلك لم‌يأت بها الحجج و انما اتوا سلام اللّه عليهم بعلم التوحيد و صفات اللّه و اسمائه و عدله و علم المعاد و علم الشرايع و الاحكام و علم المبدء و المعاد و ذلك هو ما يصلح العباد و يعمر البلاد فتبين ان الحق لهم و منهم و بهم و اليهم و هم اهله و معدنه.

بالجملة اذا تفكرت فيما ذكرنا من جمالهم و جلالهم و محاسنهم تزداد لهم شوقاً و لهم حباً و ولاية و يعظم امرهم في نفسك و تعرف جلالتهم و عظمتهم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 281 *»

و ان لازمت التفكر في كونهم صاحبي المرأي و المسمع حتي رأيت الآثار و العلامات و الامارات و تيقنت به ناجيتهم حيث انت و التجأت اليهم و عرضت حاجاتك عليهم و اجابوك فيما رأوا فيه صلاحك و اما ما لم‌يروا فيه المصلحة فيبقي لك لذة المناجاة والتقرب اليهم و حلاوة مكالمتهم و الانس بهم والرجوع اليهم ففي‌كشف‌‌المحجة لابن‌طاوس عن محمد بن يعقوب من كتابه كتاب‌الرسائل عمن سماه قال كتبت الي ابي‌الحسن7 ان الرجل يحب ان يفضي بامامه ما يحب ان يفضي به الي ربه قال فكتب اذا كانت لك حاجة فحرك شفتيك فان الجواب يأتيك و من ذلك ما رواه من هبة‌اللّه بن سعيد الراوندي في كتاب الخرايج عن محمد بن الفرج قال قـال لي علي بن محمد8 اذا اردت ان تسأل مسألة فاكتبها و ضع الكتاب تحت مصلاك و دعه ساعة ثم اخرجه فانظر فيه قال ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقّعاً فيه انتهي فالطريق الي امامك مفتوح الا ان يحجبك ضعف اليقين كما في الدعاء انك لاتحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الآمال دونك و في زيارة آل يس الكبيرة الخارجة الي ابي‌جعفر محمد بن عبداللّه الحميري السلام عليك يا صاحب المرأي و المسمع الذي بعين اللّه مواثيقه و بيد اللّه عهوده و بقدرة اللّه سلطانه الزيارة  و عن ابي‌عبداللّه7 ان اللّه احكم و اكرم و اجل و اعلم من ان يكون احتج علي عباده بحجة ثم يغيّب عنه شيئاً من امورهم و عنه7 مايحدث قبلكم حدث الا علمنا به قيل و كيف ذلك قال يأتينا به راكب يضرب و قال7 في حديث يا بابكر مايخفي عليّ شي‌ء من بلادكم و عن رميلة قال وعكت وعكاً شديداً في زمان اميرالمؤمنين7 فوجدت من نفسي خفة في يوم الجمعة و قلت لااعرف شيئاً افضل من ان افيض علي نفسي الماء و اصلي خلف اميرالمؤمنين ففعلت ثم جئت الي المسجد فلما صعد اميرالمؤمنين7 المنبر عاد عليّ ذلك الوعك فلما انصرف اميرالمؤمنين7 دخل القصر و دخلت معه فقال يا رميلة رأيتك و انت تشبك بعضك في بعض فقلت نعم و قصصت عليه القصة التي كنت فيها و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 282 *»

الذي حملني علي الرغبة في الصلوة خلفه فقال يا رميلة ليس من مؤمن يمرض الا مرضنا بمرضه و لايحزن الا حزنّا بحزنه و لايدعو الا امّنّا لدعائه و لايسكت الا دعونا له فقلت له يا اميرالمؤمنين جعلني اللّه فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في اطراف الارض قال يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الارض و لا في غربها وعن ابي‌الربيع الشامي قال قلت لابي‌عبداللّه7 بلغني عن عمرو بن الحمق حديث فقال اعرضه قال دخل علي اميرالمؤمنين فرأي صفرة في وجهه الي ان قال فقال له علي7 انا لنفرح لفرحكم و نحزن لحزنكم و نمرض لمرضكم و ندعو لكم و تدعون فنؤمّن قال عمرو قد عرفت ما قلت و لكن كيف ندعو و تؤمّن فقال انا سواء علينا البادي و الحاضر فقال ابوعبداللّه7 صدق عمرو انتهي  و الاحاديث في انهم يعلمون الغيب و يشاهدونه و يعلمون الضماير و يرون اعمال الخلايق تزيد علي حد التواتر ماتركناها الا خوف الاطالة.

فانت اذا داومت في هذا التفكر و سجلت علي نفسك انهم يرونك ترعوي عن القول الباطل و العمل الطالح و الحركات القبيحة و تصير مراعياً للادب في الخلاء و الملأ خائفاً منهم وجلاً و تعلم انك لست بمهمل بلا راع و ان اليوم لايتفاوت مع زمان حضورهم و اصل وقوع مثلهم في قلبك يسخن قلبك و يجمه و يذهب باعراضك المعوقة و يُعِدّ نفسك للترقيات و نزول الامداد و كل مكمل يكمل متكمله الي نحو مثله فبخ بخ لو تكملت بكمالهم و تخلقت باخلاقهم و اتصفت بصفاتهم ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه، ان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة ، من تبعني فانه مني فطوبي لك و طوبي و اعلم ان الذهن مرآة صافية ليس فيها عكس شي‌ء و انما ينطبع فيها كل ما قابلتها به و ان آل‌محمد: عند اللّه في عليين و ما لم‌تتوجه الي ما عند اللّه و الي عليين لم‌ينطبع مثالهم فيك و في ذهنك و ان مثالهم و نورهم ليس باقل اثراً من الشمس المسخّنة للارض المربية لها المرقية اياها الي الذهب و الفضة و الياقوت و الماس و انواع النبات و الحيوان و قلبك ايضاً ليس باقسي من الارض فلو

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 283 *»

داومت التوجه لاستكمل استعدادك و ذهب اعراضك و تكمل قابليتك و تصلح للاستفاضة منهم و لذلك جاءوا و تحملوا ما تحملوا و ليس في امثال الحكمة مناقشة انك لتديم الفكر في رجل مبغوض لك يهيج فيك الغضب و يثور دمك و يرتعش اعضاؤك و يحمرّ وجهك و ليس في الخارج شي‌ء و تتصور حسناء و تتفكر فيها يتحرك شهوتك و يحصل لك ما يحصل و لربما امرء ينزل له فاذا كان التفكر في امرءة يفعل ببدنك في دقايق هذا العمل فكيف اذا كان ما تتفكر فيه بنفسه مكملاً قوياً و هادياً معلماً صاحب نفس مؤثرة قوية و انت تديم التفكر فيه و في صفاته بل واللّه هذا اسرع شي‌ء في ترقي المؤمن بحيث لايوازيه عمل ستين سنة و هذا هو التفكر الذي ساعته تساوي ستين سنة بل ذلك محض تكثير و الا فان كان عملك في ستين سنة بلا تفكر فقد روي عن اميرالمؤمنين7 لا خير في عبادة لا تفكر فيها و ان كان مع التفكر فكيف يوازي تفكر ساعة ستين سنة. بالجملة هذا التفكر انجح من عمل عمر الدنيا و الي هذا اشار اميرالمؤمنين يا كميل مات خزان الاموال و هم احياء و العلماء باقون ما بقي الدهر اعيانهم مفقودة و امثالهم في القلوب موجودة انتهي.

و اعلم ان هذا التفكر حيوة لموات القلوب و علم لجهلها و نور لظلمتها و هداية لضالّها و بصيرة لعميانها و انتعاش لصرعتها و قوة لضعفها و كمال لنقصانها و طريق لسالكها فمن سلكه هدي و من لم‌يسلكه ضل و هوي و انت لو كنت بحضرتهم لكان حضورك محضرهم و قصر نظرك اليهم و الي صفاتهم اكمل الا انك اذا حرمت من ذاك وفقت لذلك فلاتتركه قال اميرالمؤمنين7 التفكر حيوة قلب البصير كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلص و قلة التربص انتهي و كذلك ينتفع بالتفكر في امر اوليائهم و اخلاقهم و احوالهم و صفاتهم و آدابهم و تضرعهم و عباداتهم و خوفهم من اللّه و حبهم للّه و ايثارهم اللّه و بذل نفوسهم في اللّه و في عظمتهم و جلالهم و جمالهم التي جعلها اللّه لهم و في معاشراتهم و آدابهم و وقارهم و جودهم و سيرتهم فمن ادام التفكر في ذلك ان لم‌

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 284 *»

يمكنه حضورهم تكمل و تقوي و لاسيما اذا كان المتفكر فيه حياً مأموراً باصلاح العباد و تعمير البلاد و اما اذا امكنك الحضور فذلك احلي و اشهي.

و الي ذلك اشار الشيخ الاوحد­ في توبليته حيث قال: «ان الانسان لما كان منذ استحق الانسانية انما هو يتخلص من المركبات الارضية و المعدنية و النباتية و الحيوانية مترقياً شيئاً فشيئاً فكان السابق عليه في الوجود الزماني دواعي الجهل و الكثرة و الانية لانه اذ ذاك في اسفل انعطاف قوس الادبار فيكون تحصيل مقدمات العلم اللدني الذي نحن بصدده متعذراً او متعسراً فاذا تعلم عند من تهيأ باستعداده من التعلم و المجاهدة حتي شاهد اليقين اشرق من نوره عليه فاخذه بيده و قوي فكره بخطابه و استنار عقله ببيانه و ثبت قلبه بهداه و عمله بالاقتداء به فينفتح له ما انفتح لشيخه و هذا احد طرق المجاهدة لانها تدعو الي المشاهدة نعم لو ان شخصاً اعتدل مزاجه في اصل خلقته و وافق التوفيق استغني عن التعلم كما في الانبياء و الاوصياء بل قد يوجد في بعض افراد الناس من لايحتاج الي التعلم الا الي التنبيه و الاشارة و ليس في كل ما علم بل في بعض و هذا غير خفي و لما كان الغالب علي الخلق عدم اعتدال المزاج من النطف الي الاجنة الي الدنيا و كذلك في الدنيا في المآكل و المشارب و استعمال العادات و ركوب الشهوات و تقليد الآباء و اتباع الاهواء حتي غلب عليهم طبايع المركبات الخبيثات دلّهم  الشارع7 علي التعلم من العلماء ليكونوا معينين لهم و ليشغلوا حواسهم الباطنة من دواعي الجهل و المعاصي باشتغالهم حواسهم الظاهرة معهم بنظائرها في النوع المغايرة لها بالمجاهدة و المشاهدة حتي تضعف تعلقات نفوسهم بتلك العادات و تتخلص من اشراك تلك المركبات شيئاً فشيئاً و تأنس بظواهر الاخلاق الالهية حتي اذا انصبغوا بذلك انفتح الباب و سمعوا الخطاب و هذا ايضاً من المجاهدة كما قلنا» الي آخر كلامه­.

و لقد اوضح عن ذلك السيد الجليل اشاد اللّه برهانه في شرح‌القصيدة حيث قال بعد بيانه ان الافلاك برازخ معدّة بين الارض و الكرسي تُعدّ قوابل الارضيات للاستفاضة من الكرسي و العرش قال: «فاذا عرفت هذه المقدمة النافعة تبين لك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 285 *»

ان هؤلاء العارفين الكاملين ستر و حجاب لكنهم يربون قوابل الاستعدادات و ينضجون غرايز طبايع الماهيات و يأهّلونهم لاستشراق نور الولي و يتحملون لذلك الاشراق و لايحترقون لما فيهم من الاكدار و لايضطربون لمزج الاغيار و يصلحون قوابل نفوسهم و عقولهم و يخرجون تلك الغرايب عنهم ليتأهّلوا و يستحقوا للاستفاضة من الاسم الاعظم و النور الاقوم فلولا الشيخ الواصل و المرشد الكامل الموصوف بما ذكرناه لم‌يحصل للقلوب الضعيفة و الانفس النحيفة و الارواح الخسيسة ان تترقي الي عالم الانوار و تستحق لتحمل الاسرار و هؤلاء الانجاب الاطياب المرشدون الي الحق و الصواب منهم ظاهر مشهور مبتلياً بالاذيات و غرضاً لسهام البليات و موضعاً لمطاعن اهل القساوات و موصلاً  للطالبين المنصفين الي اشرف السعادات و مبيناً لهم طريق الرشاد و الهدايات و منقذاً منهم و لو قليلاً و لو واحداً من الهلكات و بذلك امرهم رب الارضين و السماوات و خالق الموجودات و مدبر الكاينات» الي آخر كلامه و هو طويل الذيل و لقد سمعت منه اجل اللّه شأنه شفاهاً انه قال: «لم‌يجر عادة اللّه ان يتكمل احد من الناقصين الا بشيخ و رفيق» انتهي.

و انما ذكرت ما ذكرت خلافاً لعادتي في كتبي حيث لااستشهد ابداً بقول احد سوي آل‌محمد: فان كثيراً من تلامذتهما ينكرون عليّ هذه الاقوال و يزعموني مبدعاً فيها و ليس ذلك من طريقتهما فلاجل ذلك ذكرت ليتنبهوا و يرعووا عن ظنهم بي ذلك و اني ارجو اللّه ان ارد حيث وردا و اصدر من حيث صدرا و لا قوة الا باللّه و الواجب علي المؤمن ان يعرف الرجال بالمقال لا العكس و لا شك انهم اتبعوا المشايخ لمساعدة البرهان اقوالهم فاذا ساعد البرهان قول غيرهم فعليهم ان يتبعوه فان البرهان سلطان من اللّه مطاع من رد عليه فقد رد علي اللّه و من قبله فقد قبل اللّه و من اطاعه فقد اطاع اللّه و من عصاه فقد عصي اللّه فقد قال اللّه عزوجل(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) و قال( قد جاءكم برهان من ربكم).

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 286 *»

فصل: بقي هنا قسم آخر من التفكر هو احسن و اشهي من جميع اقسام التفكر و هو ان تقعد في مكان مناسب كما ذكرنا ثم تستحضر انك جالس امام ربك اذ هو جليس من لا جليس له و تستحضر انه يريك و يسمعك و هو ابرّ بك من ابيك و امك و معلمك و استادك و تستحضر فقرك اليه و فاقتك لديه ثم تسأل بلسان سرّك و تقول سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم ثم تستحضر آل‌محمد: و هو من تمام الاستحضار الاول و اركانه و تستحضر ان الحق معهم و منهم و اليهم و بهم و انهم هم العلماء و شيعتهم المتعلمون و تستحضر جودهم و كرمهم و هدايتهم و قدرتهم و اطلاعهم و انهم صاحبوا المرأي و المسمع فتفوّض الامر اليهم و تتّكل عليهم عالماً بانهم الناطقون من كل لسان و في كل جنان و من كل سرّ و انّ لهم مع كل ولي اذناً سامعة و عيناً ناظرة و لساناً ناطقاً و تقعد بين يديهم قعود التلميذ بين يدي استاده قاصراً نظرك اليهم لاتلتفت بقلبك الي شي‌ء غيرهم منتظراً صدور نطق منهم بسرّك صامتاً بقلبك و جوارحك فتنظر ما يقع في قلبك و اياك ان تمنع من خاطرك خطور حق يرد عليك فانه درسهم لك و تعليمهم اياك و ان قصرت النظر اليهم فلايجيئك الشيطان ابداً و لكن ان التفتّ و جاءك الشيطان و وسوس في قلبك ما لاتحب فاذكر قوله تعالي (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) فاذكر اللّه عز و جل كما مر يخنس عنك الخناس و توجه الي ربك و التجئ اليه و عُذْ به و لُذْ به و احتجب بعصمته ثم اقصر النظر ثانياً اليه و رُحْ حيث يسوقك و اقتد له و لاتصرف فكرك عما يلقي فيه فانه رد علي الملقي و امتناع من الانقياد له و اعلم ان الخاطر الحق هو نطقهم بالحق و هو منهم و اليهم و ان جلست مدة فلم‌يحدث في قلبك حادث فقم و لاتتكلف و كم كان يذهب الذاهب في ايام ظهورهم الي حضرتهم فلايكلمونه و يرجع فعُدْ الي حالك في وقت آخر و ان لم‌يكلموك الا كلمة واحدة فحسبك فانها نصيبك و حظك و ان زادوك فمن فضلهم و انك لو داومت علي ذلك سهل عليك و كثر لك التلقي و الاستمداد و الاستفاضة و اعلم انهم ناطقون بكل حق و بكل علم خير دائماً بصوت عال جلي مستمر و انما العلة في الآذان فمنهم من يسمع و منهم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 287 *»

من لايسمع في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و اعلم انك حين التوجه الي اللّه و اليهم متوجه الي عليين كتاب الابرار و كلما ينزل الي خاطرك فهو من صور عليين الحقة فهو حق و اذا نظرت الي غيرهم من حيث نفسه فقد توجهت الي سجين و كلما يقع في نفسك فانما هو وحي شيطان و القاؤه و هو باطل البتة و ان كان في صورة الحق الا انه من ذلك الحيث باطل.

بالجملة في هذا القسم من التفكر يقع الشي‌ء في قلبك انه كذا و كذا و كذا لانه بيان الاستاد و في ساير الاقسام فانت سائل كيف هذا و كيف هذا و كيف هذا و ربما تكون مع جهلك مبيناً كاشفاً لما لاتعلم متكلفاً فلاتأتي بالحق و اللّه لايحب المتكلفين لان التكلف خلاف صفة الحبيب الذي قال (و ما انا من المتكلفين) وهو9 كان اذا سئل ما ليس عنده لايجيب و ينتظر الوحي و الوحي هو من هذا الباب و هو التحديث المذكور في الاخبار و النكت في القلب و الرجم و الالهام فعن الكشي عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه7 قال كان واللّه عليٌّ محدَّثاً و كان سلمان محدَّثاً قلت اشرح لي قال يبعث اللّه اليه ملكاً ينقر في اذنيه كيت و كيت انتهي  اقول ان ابابصير ماكان يتحمل السر كغيره من اهل السر و لاجل ذلك قال له كذلك و اما ابطن من ذلك فما رواه عن احمد بن حماد المروزي عن الصادق7 انه قال في الخبر الذي روي فيه ان سلمان كان محدَّثاً قال انه كان محدَّثاً عن امامه لا عن ربه لانه لايحدّث عن اللّه عزوجل الا الحجة و في رواية  قيل من كان يحدّثه فقال رسول اللّه9 و اميرالمؤمنين 7 و انما صار محدَّثاً دون غيره ممن كانا يحدثانه لانهما كانا يحدثانه بما لايحتمله غيره من مخزون علم اللّه و مكنونه انتهي و هذا الخبر ظاهره ارفق من الاول و باطنه اصعب فان اهل الظاهر يحملونه ان علياً7 كان يحدِّثه في الظاهر و لذا سمي محدّثاً و لكنه في الباطن ما نحن بصدده فان امامه يحدثه فيه منه به اين ‌ما كان و يقول له كيت و كيت اذ هو لسان اللّه و ان شئت ان تقول في الحديث الاول ان ذلك الملك من العالين فيوافق الحديث الثاني.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 288 *»

و اعلم ان هذا الحديث و امثاله تؤذن بان سلمان من جنس الانبياء و في عرصة المؤثر للاناسي او هو من البرازخ لانه روي في شأنه عن علي7 ادرك العلم الاول و الآخر و هو بحر لاينزح و هو منا اهل البيت و عنه7 بخ بخ سلمان منا اهل البيت و من لكم بمثل لقمان الحكيم علم علم الاول و علم الآخر و في رواية عن ابي‌عبداللّه7 سلمان خير من لقمان و عن ابي‌عبداللّه7 الايمان عشر درجات المقداد في الثامنة و ابوذر في التاسعة و سلمان في العاشرة و ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين8 فقال واللّه لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله و لقد آخا رسول اللّه9 بينهما فما ظنكم بساير الخلق ان علم العلماء صعب مستصعب لايحتمله الا نبي مرسل او ملك مقرب او عبد امتحن اللّه قلبه للايمان فقال و انما صار سلمان من العلماء لانه امرء منا اهل البيت فلذلك نسبته الي العلماء و هذا الحديث مما يفهم منه ان رتبته فوق رتبة الرعية و انه من الراعين حيث جعله من العلماء و قال ان اباذر لو علم ما في قلبه لقتله فانهما ان كانا في عرض واحد لماكان ابوذر بقتله اياه مثاباً مصيباً فانهما ان كانا في عرض واحد لكان ما عند سلمان مما يمكن نيله لابي‌ذر و يمكن سلمان اقامة البرهان عليه فظهر انه لم‌يكن لابي‌ذر نيل درجته كما اخبر ان سلمان في العاشرة و ابي‌ذر في التاسعة و كذا كون سلمان خيراً من لقمان مع كون لقمان من البرازخ الذين عرض عليهم النبوة فلم‌يقبل و يحتمل ان يقال لقتله اي لقتل العلم اباذر لعدم تحمله و مأموريته بالكتمان و يؤيده ما روي عن ابي‌عبداللّه7 علم سلمان علماً لو علمه ابوذر كفر و سئل اميرالمؤمنين7 عن سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه ما تقول فيه فقال ما اقول في رجل خلق من طينتنا و روحه مقرونة بروحنا خصه اللّه تبارك و تعالي من العلوم باولها و آخرها و ظاهرها و باطنها و سرها و علانيتها و لقد حضرت رسول اللّه9 و سلمان بين يديه فدخل اعرابي فنحّاه عن مكانه و جلس فيه فغضب رسول اللّه9

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 289 *»

حتي درّ العرق بين عينيه و احمرّتا ثم قال يا اعرابي أتنحّي رجلاً يحبه اللّه تبارك و تعالي في السماء و يحبه رسول اللّه في الارض يا اعرابي أتنحّي رجلاً ماحضرني جبرئيل الا امرني عن ربي عز و جل ان اقرئه السلام يا اعرابي ان سلمان مني من جفاه فقد جفاني و من آذاه فقد آذاني و من باعده فقد باعدني و من قربه فقد قربني يا اعرابي لاتغلطن في سلمان فان اللّه تبارك و تعالي قد امرني ان اطلعه علي علم المنايا و البلايا و الانساب و فصل الخطاب قال فقال الاعرابي ماظننت ان يبلغ من فعل سلمان ما ذكرت أليس كان مجوسياً ثم اسلم فقال النبي9 يا اعرابي اخاطبك عن ربي و تقاولني ان سلمان ماكان مجوسياً و لكن كان مظهراً  للشرك مبطناً  للايمان  الخبر، وعن ابي‌جعفر7 انه قال لفضيل بن يسار تروي ما يروي الناس ان علياً قال في سلمان ادرك علم الاول و علم الآخر قال نعم قال فهل تدري ما عني قال يعني علم بني‌اسرائيل و علم النبي قال ليس هكذا و لكن علم النبي و علم علي و امر النبي و امر علي صلوات اللّه عليهما و روي انه قال الحسن بن منصور للصادق7 أكان سلمان محدَّثاً قال نعم قال من كان يحدثه قال ملك كريم قال فاذا كان سلمان كذا فصاحبه اي شي‌ء هو قال اقبل علي شأنك انتهي.

بالجملة ان هذه الاخبار تفيد ان له صلي اللّه عليه شأناً عظيماً و انه من جملة طينة الانبياء اي هو من اوصيائهم فان الاوصياء من طينة الانبياء او هو من البرازخ و الاول عندي اقرب لحديث انه خير من لقمان و انه من العلماء لا المتعلمين و اللّه اعلم بحاله و انما ذكرت ما ذكرت مع خروجنا به عما كنا بصدده حباً لسلمان صلي اللّه عليه و اظهاراً لشأنه حيث جري ذكره و الناس في زماننا هذا عنه غافلون حتي جعلوا اسمه الشريف اسم عبيدهم يسمونهم به دون الاحرار نعوذ باللّه من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين.

بالجملة اذا داومت علي هذا القسم من التفكر و كنت من اهله يرجي لك ان تحدث من امامك فان هذا باب التحديث وفقنا اللّه و اياكم لما يحب و يرضي.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 290 *»

الباب الثالث

من ابواب الكتاب فى العلم و ما يتعلق به و يرتبط من البيان و ما يتفرع عليه

و هو ايضاً كساير الابواب يقتضى رسم مقدمة و فصول

المقدمـــة

فى بيان حقيقة العلم و مقامه و منشأه و فيه مطالب

الاول: اعلم ان العلم كما فسره مشايخنا رضوان اللّه عليهم هو حضور المعلوم عند العالم و انكشافه له و لا شك انهم مصيبون الحق و صادقون و لكن كلامهم غامض و لابد من شرحه و وجه الاشكال الظاهر ان حضور المعلوم هو صفة المعلوم و العلم صفة العالم فكيف ينطبق ذلك حتي يصدق المقال.

اعلم انه اذا حضر شي‌ء في محضرك و وقف علي باب مدرك من مداركك هو بمعزل عنك و انت بمعزل منه ليس شي‌ء منك فيه و لا شي‌ء منه فيك و لكن لذلك الشي‌ء شبح و مثال متصل بمادته به يمتاز عن غيره و هو اي ذلك المثال فعليته اذ به هو هو و المادة قوته صالحة لذلك المثال و لغيره كالحصة من المداد صالحة للالف و الباء و الجيم و غيرها و اما صورة الالف ففعلية لاتصلح لغيرها و هي وجود الالف و تمثلها و به الالف الف لا بالمادة و ان كانت الصورة قائمة بالمادة قيام تحقق و المادة قائمة بالصورة قيام ظهور و الالف قائمة بهما قيام ركن و الشي‌ء شي‌ء بهما لولا احديهما لم‌يكن و لكن الاسم تابع للصورة و وجود الالف في الخارج بها فان ذهبت ذهب الالف و ان كان المادة باقية و اما اذا كانت الصورة و بدلت الحصة من المداد بحصة من الخشب لكان الالف الفاً من الخشب بالجملة للشي‌ء شبح متصل بمادته هو فعليته و لكل فعلية مثال لكماله و شبح منفصل و ذلك ان الفعلية كمال الاحد الذي لا نهاية له فلابد و ان يكون لها كمال و لكمالها كمال و لكمال كمالها كمال فان جمال الجميل جميل و له جمال و جمال جماله ايضاً جميل و له جمال و هكذا و السر ما ذكرنا من ان الفعلية كمال الاحد بالفعل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 291 *»

فلا نهاية لها و لا غاية.

فللشبح المتصل شبح منفصل قائم بذلك المتصل صدوراً فانه ليس الا ظهوره و هو من عالم المثال لطيف غائب عن درك المدارك الا ان يتعلق بمادة جسمانية زمانية فيتكثف فيها و عالم المثال برزخي اسفله مرتبط بالزمانيات قائم بها و لولاها لم‌يكن له استقرار فيتعلق بالجسم المتصل بالشي‌ء اول مرة فان كان ذلك الجسم لطيفاً نفذ فيه الي ان يصل الي حاجب فيقف عنده و ليس المراد بالنفوذ قطعه المسافة بل ينطبع في اول جزء من الجسم المتصل و ينطبع في الجزء الثاني مثال ما انطبع في الجزء الاول و هكذا و شاهد ذلك انه لو كان بلورة بكبر بيت و في وسطه ثقبة بقدر شعلة و كان فيها شعلة استنارت البلورة بكلها علي صفة الشعلة اما اذا كان قطعة من اوساط البلورة حمراء ياقوتية كان النور الذي ورائها احمر و في ساير الجهات علي صفرته فتبين ان ما وراء القطعة الحمراء شبح القطعة و هكذا اذا كانت قطعة صفراء ثم بفصلٍ قطعة زرقاء ثم بفصلٍ قطعة حمراء فتري النور امام الصفراء علي لون السراج و في الفصل بعدها اصفر و في الفصل بعد الزرقاء اخضر و بعد الحمراء بنفسجياً فعلم من ذلك ان مثال السراج الاول لاينفذ بنفسه الي غاية البعد و انما ينفذ ظهوره و ظهور ظهوره و هكذا الي ان يأتي الكثيف فيرجع مثال النور حينئذ امام الكثيف.

بالجملة مثال كل واحد من هذه المراتب من عالم المثال و لا ظهور له بغير كثيف و لذلك لاتري الامثلة في الهواء اللطيف فعلي اي حال يأتي مثال الشي‌ء الي العين فينطبع فيها كما في المرآة ثم ينطبع من العين و آلة الابصار الي الروح البخاري فينصبغ الروح البخاري بصبغ ذلك المثال فيسري منه كما مر في الحس المشترك فينصبغ بصبغه و يتشكل بشكله فيسري منه الي الخيال فينصبغ بصبغه و يتشكل بشكله فيصعد المثال من البرزخ الي الملكوت فان الخيال من عرصة الملكوت و الحس من عرصة البرزخ فلما وصل الي الخيال انقطع عن المواد الزمانية و لايحتاج اليها في قيامه بل يدركه الخيال من غير مادة و علي غير مادة و هو مقام صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد فهو فعلية محضة دهرية و الذي في الخيال الطف من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 292 *»

الذي في الحس فان الحس لايقدر علي ضبطه لولا ضبط المادة له و اما الخيال فهو يحفظ الصورة من غير مادة و هي لطيفة غنية عن المواد الزمانية و ليس بها مددها و الخيال هو فعل النفس تدرك الصور و عينها و مشعرها بها تنظر الي الصور الملكوتية كما ان الروح الحيوانية بالعين تنظر الي الصور الزمانية و الفعل صادر عن النفس من حيث صدوره كلي و لكنه يتعين في المشاعر كما ان درك الحيوان كلي و انما يتعين في المدارك و مشاعرها افلاك النفس و مقام النفس الجزئية مقام فلك المشتري كما ان مقام النفس الكلية الكرسي و مقام العقل الجزئي فلك زحل و مقام العقل الكلي مقام العرش و لذلك يكون سدرة المنتهي في الكرسي و لم‌يطأه قبل نبينا9 احد و فيه جنة عدن التي هي مخصوصة بمحمد و آله: و هو ذهب في معراجه الي العرش و توضأ من بحر صاد.

فالرعية لايتجاوزون فلك زحل و نفس الرعية العالمة و فيها الصور المجردة عن المواد و المدد الزمانية و عينها الخيال تنظر بها الي الصور التي آتاها الحس المشترك و يؤدي الخيال بعد ما انصبغت بصبغه و تشكلت بشكله و لكن في غاية اللطافة الملكوتية و في غاية التجرد الي العالمة فانطبع في العالمة صورته و هناك مجمع الصور ففي ذات النفس تجتمع الصور و تحصل لها صورة جامعة بها تتعين و بها تتصور و بها تمتاز عن نفس غيره و هي شخصيتها و لولاها لكانت نوعية غيرمخصصة بزيد او عمرو او بكر فنفس زيد هي تلك الصورة الجامعة و هي تحصل من الادني و لذلك تتغير باعمالها و علومها فتكتب مرة في ديوان الاشقياء و مرة في ديوان السعداء و عالماً و جاهلاً و مؤمناً و فاسقاً و الدنيا مزرعة الآخرة و قيمة كل امرء ما يحسنه كما ان العقل الخاص بزيد هو المعني الكلي الحاصل لزيد به يمتاز عن عمرو و لولا ذلك المعني لم‌يكن لزيد عقل و لكان النوع علي حاله و لا شخص فاذا حصل المعني المستنبط من الصورة النفسية تعين فيه النوع و ظهر في مرآته فتجلي له فاشرق و طالعه فتلألأ فالقي في هويته مثاله فاظهر عنه افعاله.

بالجملة الصورة الكلية الحاصلة في النفس هي نفس الشخص الخاصة به و ليس فيها من حيث ذاتها كثرات و انما تتكثر علومها في الخيال كما ان الروح

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 293 *»

الحيوانية في ذاتها مجمع الصور علي نحو الاتحاد و تكثر علومها و تمتاز افرادها عند المدارك الظاهرة فالنفس بخيالها تدرك الصور المثالية المثبتة في لوح الحس المشترك و ينصبغ الخيال بصبغ ذلك المثال و يعرض ما عنده علي النفس فيحصل فيها ملكوتيته و يكون ما حصل عندها صورتها و صفتها و صبغها كما يصبغ المثال المرآة فتتصف به و الذي تدركه النفس بذاتها هو ما عندها من الصورة الملكوتية و هي منطبقة علي ما في الخيال و الذي تدركه بخيالها هو مثال مجرد عن المادة و المدة الزمانية و هو صبغ خيالها و تعينها و صفتها كما عرفت و الذي تدركه بحسها المشترك هو صبغه و صفته الحاصلة له و الذي تدركه بالعين هو ما انصبغ به العصبة الرائية الجوفاء التي تحت بيضة العين و كما ينطبع مثال المرئي في ما ذكرنا ينطبع ايضاً اسباب بُعده فلاجل ذلك تحسب ما تري في الخارج كما ينطبع في المرآة اسباب القرب و البعد فتري فيها القريب قريباً و البعيد بعيداً مع انهما في سطح واحد فالمعلوم الحاضر في نفسك نفس تلك الصورة التي فيها و المعلوم الحاضر في خيالك نفس تلك الصورة فيه و المعلوم لحسك نفس تلك الصورة فيه و المرئي المعلوم لعينك نفس تلك الصورة التي في العصبة الجوفاء و هكذا دأب كل مدرك في تأديته الي النفس.

فصح قول المشايخ ان العلم هو حضور المعلوم عند العالم و تبين ان المعلوم هو تلك الصورة التي عندك و لذا اذا ذهب زيد و تغير صورةً  انت عالم بما عندك من تلك الصورة التي انتزعتها و هي علمك و هي معلومك تعلمه به فافهم و ليس هذا الكتاب مقام ازيد من ذلك و ان كنا اتينا بما فيه الكفاية و البلاغ.

الثانى: و من المطالب المشكلة معرفة ما ينطبع في الخيال و تتخيله و لا ذو مثال في الخارج بالفعل سواء رأيت ذا المثال قبل او لم‌تره و تتصور في خيالك ما لم‌يكن و ليس في الخارج و احب ان اشير الي ذلك هنا فان المكتوب في ساير كتبنا ظواهره و اسأل اللّه العليم الحكيم ان يلهمني كنه هذا المطلب علي ما احب انه قريب مجيب.

اعلم ان الزمان هو هذا الامتداد المعروف الذي لايجتمع جزءان منه في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 294 *»

الوجود الخارجي و انما الموجود منه هو الآن و ما مضي معدوم و ما سيأتي معدوم اي في قوة المادة الزمانية بالنسبة الي الحال و ذلك الآن ايضاً غير قارّ و لا ماكث في عرصة الوجود الخارجي و ذلك الامتداد هو نسبة الصور الزمانية الحاصلة من امتناع اجتماع صورتين منها علي المادة فلايتمثل المادة ابداً بفعليتين في فعلية واحدة و لابد لها من خلع فعلية و لبس اخري و هكذا فنسبة هذا الخلع و اللبس هي الزمان فنسبة المخلوعات الي الملبوس ماض و الملبوس حال و نسبة ما يلبس الي الملبوس استقبال.

و ان قلت ما الفرق بين الماضي و المستقبل و هما في القوة و لا تمايز بينها قلت ان الماضي قد لبس اذ لبس و المستقبل لم‌يلبس فالزمان بقول مطلق نسبة فعلية الي اخري و نسبة صفة الي صفة و اما الدهر فهو نسبة الصفة الي الذات و الصورة الي المادة فانت اذا نظرت بعين المادة تري كل فعلية في محلها فان الامتداد لم‌يمرّ علي المادة و انما مر علي الصورة فهذه الصورة ليست عند تلك الصورة و لكن المادة عند كل صورة و المراد بهذه المادة هي المادة الدهرية لا ‌الزمانية و الفرق بينهما كالفرق بين الاهبية و الطبيعة فالاهبية ليست عند اقترانها بصورة مقرونة باخري و اما الطبع فليس كذلك و مثلهما ايضاً الخشب و قطع السرير فهي ليست في غير السرير و اما الخشب فهو في جميع ما يصنع منه و ما صنع قبل و ما يصنع بعد أليس كل موجود من لدن آدم الي يوم القيمة كلها جسماً و هو في كلها بخلاف الاهبية الزمانية فلعلها لم‌تكن موجودة ابداً و اما الجسم فقد كان و يكون بلا نهاية فان نظرت بعين الجسم الذي تصور بجميع الصور منذ آدم الي يوم القيمة رأيت جميع الفعليات في امكنتها و اوقاتها ليس صورة اقرب اليه من صورة اخري و لا اولي به من اخري و لا تخصص له بشي‌ء دون الآخر و لايمتنع من حيث هو هو عن شي‌ء من تلك الصور في حالها التي هي فيها و في انها المناسبة له و تلك الصور لم‌تمح من حيث رسمت لانها فعليات و الفعلية بعد ما رسمت محال ان لاتكون رسمت و محال ان تمحي لانه لايمر عليها آنان تثبت في واحد و تمحي في آخر و انما استمرارها اثباتها آن اول و اثباتها آن اول خلقها اذ خلقت و محال ان لاتكون خلقت اذ هي خلقت فانت اذا صنعت السرير و امضيت

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 295 *»

صنعه محال ان لاتكون صنعته و ان شئت كسرته في الآن الثاني لان السرير موجود زماني يمضي عليه الآنات و اما ما لم‌يمض عليه الآنات و انما هو في ذلك الآن الاول ابداً فان امضي فمحال ان لايكون امضي و لذا ليس فيه بداء و محو ابداً فالصور التي خرجت الي الوجود هي موجودة حيث هي موجودة ابداً لاتمحي لايضل ربي و لاينسي و هي صفحة ام الكتاب التي عنده جل علاه و ذلك الكتاب دون عرصة المادة اذ هي المداد الجاري في تلك الصور المكتوب به ذلك الكتاب فانت ما دمت في عرصة الالف وجدتها غير باء و لم‌تر البواقي مما كتب و محي و ما لم‌يكتب و اما اذا صعدت الي المداد الدهري لا الزماني و نظرت بعينه وجدت الكتاب تحته منشوراً تقرأه متي ما شئت كل حرف في محله و حده فهذه المثل مرسومة في عرصة اللوح الدهري و هو كتاب ابرار و في عليين و اِمّا كتاب فجار و في سجين و هذا في الصور الماضية التي خرجت الي عرصة الفعلية و امضيت ظاهر فانه امضي و كتب في اللوح و اما ما لم‌يأت بعد الي عرصة الفعلية و هو بعد في قوة المادة فهو غير مثبت في هذا اللوح و انما هو مثبت في العلم الامكاني و العلم الازلي اللذين منهما البداء كما روي عن ابي‌عبداللّه7 ان للّه تعالي علمين علم مكنون مخزون لايعلمه الا هو من ذلك يكون البداء و علم علمه ملئكته و رسله و انبياءه فنحن نعلمه انتهي فما علمه الملئكة و رسمه في الواح انفسهم قسمان قسم ماض و قسم اخبرهم انه لايبدو له فيه و يدل علي ذلك ايضاً ما روي عن ابي‌جعفر7 العلم علمان فعلم عند اللّه مخزون لم‌يطلع عليه احداً من خلقه و علم علمه ملئكته و رسله فما علمه ملائكته و رسله فانه سيكون لايكذب نفسه و لا ‌ملئكته و لا رسله و علم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء و يؤخر منه ما يشاء و يثبت ما يشاء انتهي فلو كان جميع ما مضي و ما سيأتي في هذا اللوح مثبتاً لم‌يكن يجري فيه بداء و لعلمه ملئكته و انسد باب البداء و الدعاء و دعوة الانبياء و المحو و الاثبات بالجملة ما لايكون و لم‌يكن هو في حيز القوة و ليس له في لوح من الالواح ذكر عيني اللّهم الا بالامكان و الازلية و اما الذكر الكوني العيني فليس

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 296 *»

له في لوح الي ان يخلق.

فاذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان النفس هي في عالم الدهر و خيالها فعلها و هو ايضاً دهري لانه من فلك زهرة عالم النفوس و هي توجه خيالها الي ذلك اللوح فكل كلمة علمت موضعها و حصل لنفسها كمال العلم بها و حفظتها اي صارت لها ملكة ثابتة انطبع في خيالها مثالها كما ينطبع مثال الشاخص في المرآة و كل كلمة لم‌تحفظها و لم‌يصر العلم بها ملكة لها لم‌تعرف موضعها من اللوح فليس ينطبع في خيالها شي‌ء و قد نسيته و ليست الحافظة في الدماغ كما زعمه اقوام و ليس في الدماغ انبار يجتمع فيها الصور و تنبر البتة و لا معني لهذا القول بوجه و انما قالوه من غير تعقل معناه بالجملة الحافظة هي في النفس تحصل من رسوخ الصور فيها و ملكتها فاذا شاءت احضار صورة وجهت خيالها الي موضع الصورة من اللوح لانها مهيمنة علي اللوح و لاجل ذلك يمكن لكل نفس ان توجه خيالها الي ما رأته في الخارج و ما لم‌تره لم‌تقدر علي احضار صورته و اما الشخص الكلي فهو مشاهد بكليته جميع ما مضي و حاصل له جميع تلك الصور و صارت له ملكة فيوجه خياله الي اي شي‌ء كان و يخبر بكل ذرة ذرة و يري ما في الضمير و يسمع جميع الاصوات و يطلع علي جميع الحاجات و اما علم الكلي بما يكون فليس علم وجود يري الشي‌ء في محله و حده و انما هو علم سيوجد لان الكلي علة و جميع ما سيكون في محله موجود في نفسه بوجهه كما انك موجود في نفسك ما تريد ان تكتبه و لماتكتب فان علمك هذا علم سيوجد لا علم وجود بخلاف علمك بما قد كتبت فانه علم وجود و الذي في نفسه ايضاً يحتمل فيه البداء للّه سبحانه فانه اذا شاء تغيير شي‌ء غيّر ما في نفسه قبل ان يوجد الشي‌ء به فيقال بدا له و هو البداء للّه سبحانه حقيقة فان ما يضاف اليه هو مضاف الي اللّه سبحانه في الدعاء جعلت قلوب اوليائك مسكناً لمشيتك و ممكناً لارادتك و جعلت عقولهم مناصب اوامرك و نواهيك فانت اذا شئت ما تشاء حركت من اسرارهم كوامن ما ابطنت فيهم و ابدأت من ارادتك علي السنتهم ما افهمتهم به عنك في عقودهم بعقول تدعوك و تدعو اليك بحقايق ما منحتهم الدعاء و في زيارة آل يس الكبيرة القضاء المثبت ما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 297 *»

استأثرت به مشيتكم و الممحو ما لااستأثرت به سنتكم و فيها و من تقديره منايح العطاء بكم انفاذه محتوماً مقروناً فما شي‌ء منا الا و انتم له السبب و اليه السبيل الزيارة  و في زيارة الحسين7 ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم و تصدر من بيوتكم و الصادر عما فصل من احكام العباد و فيها بكم يمحو اللّه ما يشاء و بكم يثبت فالكلي وجوه الاشياء عنده في نفسه يعني هي كماله و جماله يتجلي بها متي شاء في امكنة حدودها و محال وجودها و يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء كما عرفت و اما الجزئي فبقدر كماله الحاصل له يعلم من علم اللوح و يمكن له توجيه خياله اليه لا غير و لاجل ذلك نفس زيد دهرية و لاتعلم ما كان ابداً فافهم فاذا ارادت نفس زيد ان تستحضر صورة وجهت عينها و هي الخيال الي لوح الارتسام و محله اسفل الدهر و وجهته الي ذلك الموضع الذي تعرفه و حصلت لها ملكة به فينطبع فيه مثال ذلك المثال المحفوظ في حده و مقامه فينصبغ به ثم يعرضه ثانياً علي النفس فتستكمل الملكة به.

بقي شي‌ء و هو انه قد يكون الخيال مصبوغاً بعلة عادية او طبيعية او شهوانية او غضبانية او غيرها فاذا توجه الي لوح الارتسام وقع فيه الشبح علي صبغه اي صبغ الخيال و علي شكله كما اذا كان المرآة حمراء او خضراء او عوجاء غير شبحك فيظهر علي خلاف ما انت عليه فكذلك الخيال فلعله توجه الي المثال و وقع فيه شبحه منصبغاً فيعرضه علي النفس فتجده علي ما في الخيال و لعلها جاهلة او غافلة من صبغ الخيال فتحكم علي الخارج كما تجده و هو قد خانها و كذبها و نعوذ باللّه ان كانت النفس بنفسها مصبوغة معوجة ذات الحاد او شقاوة فيتغير الاشباح فيها و تعوج و اعلم انه قد ينعكس الامر و يقع من نفس العلة في نفس المعلول شي‌ء مما سيأتي ثم يقع منها في الخيال و منه في الحس فيعلم الجزئي شيئاً من العلوم الآتية و يخبر عما يكون او يقع من النفس الجزئية شي‌ء مما صار فيها ملكة و حصل لها قدرة علي ابرازه في الخيال مما كان او لم‌يكن فتحدث فيه صوراً و لعلها لم‌تأت في الخارج و لاتكون ابداً فتصور خيالها علي تلك الهيئة ثم ينطبع في الحس فيشعر به الانسان في يقظته او منامه و لربما تُوجِّه النفس خيالها الي لوح التقدير و ما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 298 *»

يتحدث به الملئكة المقدرات او تنزل به الملئكة الرابطة فيقع فيه اشباح ثم تنطبع منه في الحس فيراها في المنام و لماتكن في الخارج و لعلها تقع بتغيير فان لوح القضاء قد يخالف لوح التقدير لجواز البداء و قد تُوجّهه الي لوح القضاء الواقع فيري الشي‌ء الواقع قبل ان يطلع به ظاهراً بالجملة ذلك بعض ما يلزم ذكره هنا من وجوه حصول الصورة و كيف‌كان العلم هو حضور المعلوم عند العالم و العلم هو صفة العالم فالعلم من مقولة الانفعال كما عرفت و اما علم اللّه سبحانه بالنسبة اليه فعلي لا انفعالي و لا اكتسابي و ان كان علم الاولياء في وجهٍ علمه جل جلاله و قد كتبنا لك هيهنا كل شي‌ء تريد من مسئلة العلم فتدبر.

الثالث: اعلم ان العلم من الفضايل الجليلة و قد خص اللّه به الانسان دون ساير خلقه من الحيوانات و ابانه به عنها و هو علي نوعين نوع يمتاز به الانسان الظاهري عن الحيوانات و نوع يمتاز به الانسان الشرعي عن الانعام الشرعية.

اما الاول فهو هذه العلوم المتعارفة و قد عدها الحكماء من كمالات النفس و زعموا انها مما يرقّيهم الي الدرجات العالية و زعموها من فضائل النفس و لذا فسروا الحكمة بانها العلم بحقايق الاشياء علي ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية سواء طابق الشرع ام لم‌يطابق فعلي زعمهم اذا علم الانسان كيفية تكون السحب و الشهب و حالة القمر و ذوات الاذناب او الهيئة و الهندسة و الحساب و الطب و النجوم و امثالها يحصل للنفس فضيلة تتنعم بها اذا فارقت البدن و تتكمل حتي يحصل لها ربوبية و هيمنة و ترقيات في درجات الجنات و تقرب من خالق البريات الذي هو مبدء المبادي و علة العلل و اصل كل كمال و ذلك خيال منهم فاسد و مذهب كاسد فان هذه العلوم يشترك فيها كل كافر و جاحد و مشرك و مارد و من البين انهم ناكسوا رءوسهم عند ربهم مخلدون في نار جهنم و قد بين اللّه حالهم انهم (لهم قلوب لايفقهون بها و لهم آذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون) و اي فضيلة للذي يقرن مع الشيطان و كلاب النار علي صفة السباع و البهايم و الانعام و كيف يتقرب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 299 *»

الي اللّه تعالي من لعنه اللّه و غضب عليه و جعل منهم القردة و الخنازير و هذا منتهي حكمتهم و مبلغهم من العلم فمثل ذلك جهل و حمق نعم يبينهم عن ساير البهائم و يجعلهم اضل و يخرجهم عن الاستضعاف و يحكم غضب اللّه عليهم فهذا القسم من العلم يحصل للذي يكون جسمه علي هيئة الانسان و يسمي بالانسان ظاهراً و ذلك ان روحهم البخاري اذا صعد الي ادمغتهم و تلطف حتي صار دخاناً بلطافة الافلاك تعلق به ارواحها ففي مقدم دماغهم يتعلق به الحس المشترك و يليه ما يتعلق به روح فلك الزهرة ثم يتعلق به روح فلك عطارد ثم روح فلك المريخ ثم روح فلك المشتري ثم روح فلك زحل كالمدارك الظاهرة العين و الاذن و الشم و الذوق و اللمس فانها مدارك كونية لاتوجب للمرء سعادة و قرباً الي اللّه سبحانه و اي سعادة للعين اذا رأت و للاذن اذا سمعت و للانف اذا شم و لللسان اذا ذاق و للجلد اذا لمس و كذلك لا سعادة للروح اذا تخيل و تفكر و توهم و علم و عقل من حيث انفسها و انما السعادة لها من حيث المُدرَك فاذا نظر العين الي القرآن و الحديث فلها سعادة و اذا نظر الي غير محرم فلها شقاوة و كذلك العالمة اذا علمت ربها و صفاته و اسمائه و علمت نبيها و سنته سعدت و اذا علمت ما كرهه اللّه و اشغلها عن اللّه شقيت فالمشاعر الباطنة امكان للسعادة و الشقاوة كما ان المدارك الظاهرة امكان للطاعة و المعصية فقبضات الافلاك التي في الانسان اما ابواب جهنم لها سبعة ابواب لكل باب جزء مقسوم و اما ابواب الجنان يقال لهم اذا دخلوها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فتبين و ظهر ان القوم في ضلال مبين و لايحصل لهم بهذه العلوم ما لم‌تكن للّه و في اللّه و في سبيل اللّه تقرب الي اللّه سبحانه و لا استكمال نفس نعم بهذه العلوم يمتاز الانسان الكوني عن ساير البهايم.

و اما النوع الثاني من العلم فهو الذي يمتاز به الانسان عن الانعام الشرعية و الحيوانات الناطقة التي تمشي علي رجلين و هو المعارف الربانية و الحقايق اللاهوتية و الامثلة الملقاة في هويات الاشياء علي ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية علي النهج المقرر من مبادينا و اوائل جواهر عللنا و هو علم يورث

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 300 *»

الخشية من اللّه و الهرب مما يبعد عن اللّه و العمل بما يحب اللّه و يرضاه و هو علم يستقيم به الانسان علي بساط الانس باللّه و الوحشة مما سواه و هو علم يعرف الانسان به ربه و نبيه و حجته و ما يصلحه و ما يفسده و ما يسلك به مرضات اللّه جل و عز و يستخرج به الغاية المقصودة من الايجاد و يزكو به اعماله و اخلاقه فيترقي به الي الدرجات العالية و اليه اشار اميرالمؤمنين7 خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكّاها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها و الي صنوفه اشار الصادق7 نجوي العارفين تدور علي ثلثة الخوف و الرجاء و الحب فالخوف فرع العلم و الرجاء فرع اليقين و الحب فرع المعرفة فدليل الخوف الهرب و دليل الرجاء الطلب و دليل الحب ايثار المحبوب علي ما سواه فاذا تحقق العلم في الصدر خاف و اذا صح الخوف هرب و اذا هرب نجا و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكن من رؤية الفضل رجا و اذا وجد حلاوة الرجاء طلب و اذا وفق للطلب وجد و اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و اذا هاج ريح المحبة استأنس في ظلال المحبوب و آثر المحبوب علي ما سواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و اختارهما علي كل شي‌ء و اذا استقام علي بساط الانس بالمحبوب مع اداء اوامره و اجتناب نواهيه وصل الي روح المناجاة و القرب و مثال هذه الاصول الثلثة كالحرم و المسجد و الكعبة فمن دخل الحرم امن من الخلق و من دخل المسجد امنت جوارحه ان يستعملها في المعصية و من دخل الكعبة امن قلبه ان يشغل بغير ذكر اللّه عز و جل الخبر.

الرابع: اعلم ان للخلق مراتب ثلث صورة و معني و حقيقة و الناس افترقوا في هذه المراتب فمن الناس من يكون من اهل الصورة و الجسمانية بمراتبها من النفس بنت العقل الي منتهي الاجساد و هي عشرون مرتبة علي حسب اختلاف مراتبهم فهؤلاء لهم مشاعر صورية جسمانية يدركون بها مقادير الاشياء الهندسية و ظواهرها و منهم من يكون من اهل المعني اي الجبروتي العقلي لا الذي في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 301 *»

النفوس و المشاعر الباطنة و هو امر كلي معنوي معري عن الصور المقرونة بالمواد و المجردة عن الاستعداد و مثله النوع في افراده و الجنس في انواعه و الجسم الكلي في هذه الاجسام الجزئية فالمعني الجبروتي هو المعني الكلي الساري في جميع الملكوت و الملك في كل بحسبه و هو جنس الاجناس و حقيقة الحقايق و كلي الكليات فمن كان من هذا المقام له مشعر يري امراً كلياً في جميع الاشياء و يشاهد الجميع بعين واحدة و معني واحد فهو مقام الواحدية و مشاهدة الامر الواحدة و منهم من يكون من اهل الحقيقة اللاهوتية و نور اللّه و مثال اللّه الملقي في هويات الاشياء و النفس التي من عرفها عرف ربه و ذلك مقام معري عن الصورة و المعني و الكلية و الجزئية و الخلق و الامر و هو النور الذي اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره و هذا المقام ليس من الخلق و لا الي الخلق و انما هو ما عرف اللّه نفسه به و ما وصف له نفسه به فهو وصف اللّه بدؤه من اللّه و اليه يعود فمن كان من اهل هذا المقام يري اللّه وحده كما في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و قد قال علي7 مارأيت شيئاً  الا و رأيت اللّه قبله او معه او بعده و في الدعاء أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك الدعاء فهذه العين اذا نظرت الي الاعلي لاتري الا اللّه وحده وحده وحده و اذا نظرت الي الاسفل لاتري الا انوار اللّه و كمالات اللّه و صفات اللّه و اسماء اللّه و لاتري الا الحقايق اللاهوتية و الامثلة الملقاة في هويات الاشياء و ظهورات اللّه و ذلك ان الادوات تحد انفسها و الآلات تشير الي نظائرها فلما كان الناس مرتبين في هذه المراتب امر اللّه جل و عز نبيه البعيث الي الكل ان يدعو الي سبيل ربه كلاً بما يناسبه و ينتفع به و يهتدي و يقنع فقال (ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن) فخص اولي الافئدة بالحكمة و اولي الالباب بالموعظة الحسنة و اصحاب الصدور و النفوس بالمجادلة بالتي هي احسن و ذم الذين يخرجون عن رسم هؤلاء فقال (و من الناس من يجادل في اللّه بغير علم و لاهدي و لا كتاب منير) فالعلم هو ما يحصل لارباب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 302 *»

الصدور و الهدي ما يحصل لارباب الالباب و الكتاب المنير هو ما يحصل لاولي الافئدة و هذا باعتبار و باعتبار ينعكس الاخيران و لكل من هذه المراتب اقتضاء و هو ما اشار اليه الصادق7 في الحديث السابق فاذا حصل العلم في الصدر خاف و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكن من رؤية الفضل رجا و اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فلاجل ذلك صار مدار العارفين علي ثلثة يعني من كان من اهل العلم منهم هو صاحب خوف و خشية و من كان صاحب يقين فهو صاحب رجاء و من كان من اهل المعرفة فهو صاحب محبة بالجملة لكل من اهل هذه المراتب علم بالمعني الاعم و لعلمه آثار و كل علم منها يقتضي عملاً خاصاً به مناسباً له فاصحاب المجادلة طريقتهم الاستدلال و الالزام فاينما اوقفهم الدليل وقفوا عرفوا ام لم‌يعرفوا تيقنوا ام لم‌يتيقنوا و اصحاب الموعظة طريقتهم تحصيل اليقين و الاخذ بما هو يقين عرفوا حقيقته ام لم‌يعرفوا و اصحاب الحكمة طريقتهم المعرفة و درك حقيقة الشي‌ء من مبدئه الي منتهاه فلاجل ذلك صار ضد العلم الذي هو الصورة الحاصلة عدم الصورة و هو الجهل و ضد اليقين الذي هو الثبات الشك الذي هو التردد و الاضطراب و ضد المعرفة التي هي الوصول الي حقيقة الامر الانكار و في الحقيقة لا ضد لها و انما ذكرنا ضدها استطراداً  اللّهم الا ان نفس المعرفة بالايمان و التصديق و ليس بذلك البعيد اذ ليس هناك موضع غير الايمان و التصديق فمن وصل الي هناك وصل الي مقام الاتحاد بالحق فلا مجال لغيره هناك الا ان ينكر بعد الايمان قال اللّه سبحانه (هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون) و قال (ان نظن الا ظناً و ما نحن بمستيقنين) و قال (يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها) والعلم له اطلاقان فمرة يطلق العلم علي الثلثة و جميعها علم بالمعني الاعم و مرة يطلق علي ما يقابل الجهل و المقصود في هذا الباب العلم المطلق فان جميعها من علامات الانسانية و من خصال الناطقة القدسية التي هي حقيقة الانسان فتنبه.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 303 *»

الخامس: احب ان اشرف كتابي هذا بذكر بعض ما ورد من الاخبار في فضل العلم و فرضه و الحث عليه فعن اميرالمؤمنين7 لا كنز انفع من العلم و عنه7 لاشرف كالعلم و عنه7 تعلموا العلم فان تعلمه حسنة و مدارسته تسبيح و البحث عنه جهاد و تعليمه لمن لايعلمه صدقة و بذله لاهله قربة لانه معالم الحلال و الحرام و سالك بصاحبه الي الجنة و هو انيس في الوحشة و صاحب في الوحدة و دليل علي السراء و الضراء و سلاح علي الاعداء و زين الاخلاء يرفع اللّه به اقواماً يجعلهم في الخير يقتدي بهم ترمق اعمالهم و تقتبس آثارهم و ترغب الملائكة في خلتهم يمسحونهم باجنحتهم و يستغفر لهم كل شي‌ء حتي حيتان البحور و هوامها و سباع البر و انعامها لان العلم حيوة القلوب و نور الابصار من العمي و قوة الابدان من الضعف و ينزل اللّه حامله منازل الاخيار و يمنحه مجالسة الابرار في الدنيا و الآخرة بالعلم يطاع اللّه و يعبد و بالعلم يعرف اللّه و يوحد و بالعلم توصل الارحام و به يعرف الحلال و الحرام و العلم امام العقل و العقل تابعه يلهمه اللّه السعداء و يحرمه اللّه الاشقياء و عنه7 العلم وراثة كريمة و الادب حلل حسان و الفكرة مرآة صافية و الاعتذار منذر ناصح و كفي بك ادباً لنفسك تركك ما كرهته لغيرك و عن النبي9 فضل العلم احب الي اللّه من فضل العبادة و افضل دينكم الورع و عنه9 خلتان لاتجتمعان في منافق فقه في الاسلام و حسن سمت في الوجه و عن النبي9 اعلم الناس من جمع علم الناس الي علمه و اكثر الناس قيمةً اكثرهم علماً و اقل الناس قيمة اقلهم علماً و عنه9 من سلك طريقاً يطلب به علماً سلك اللّه به طريقاً الي الجنة و ان الملئكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضي به و انه ليستغفر لطالب العلم من في السموات و من في الارض حتي الحوت في البحر و فضل العالم علي العابد كفضل القمر علي ساير النجوم ليلة البدر و ان العلماء ورثة الانبياء ان الانبياء لم‌يورثوا ديناراً و لا درهماً و لكن ورثوا العلم فمن

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 304 *»

اخذ منه اخذ بحظ وافر و عنه9 لا خير في العيش الا لرجلين عالم مطاع او مستمع واع وعنه9 من خرج من بيته يطلب علماً شيعه سبعون‌الف ملك يستغفرون له وعنه9 العالم بين الجهال كالحي بين الاموات و ان طالب العلم ليستغفر له كل شي‌ء حتي حيتان البحر و هوامه و سباع البر و انعامه فاطلبوا العلم فانه السبب بينكم و بين اللّه عز و جل و ان طلب العلم فريضة علي كل مسلم و عنه9 طلب العلم فريضة علي كل مسلم الا و ان اللّه يحب بغاة العلم و عنه9 من خرج من بيته ليلتمس باباً من العلم لينتفع به و يعلمه غيره كتب اللّه له بكل خطوة عبادة الف سنة صيامها و قيامها و حفّته الملئكة باجنحتها و صلي عليه طيور السماء و حيتان البحر و دواب البر و انزله اللّه منزلة سبعين صديقاً و كان خيراً له من ان كانت الدنيا كلها له فجعلها في الآخرة و عنه9 اف لكل مسلم لايجعل في كل جمعة يوماً يتفقه فيه في امر دينه و يسأل عن دينه و عنه9 مخاطباً لابي‌ذر يا اباذر من خرج من بيته يلتمس باباً من العلم كتب اللّه عز و جل له بكل قدم ثواب نبي من الانبياء و اعطاه اللّه بكل حرف يسمع او يكتب مدينة في الجنة و طالب العلم احبه اللّه و احبه النبيون و لايحب العلم الا السعيد فطوبي لطالب العلم يوم القيمة و من خرج من بيته يلتمس باباً من العلم كتب اللّه له بكل قدم ثواب شهيد من شهداء بدر و طالب العلم حبيب اللّه و من احب العلم وجبت له الجنة و يصبح و يمسي في رضاء اللّه و لايخرج من الدنيا حتي يشرب من الكوثر و يأكل من ثمرة الجنة و يكون في الجنة رفيق خضر7 و هذا كله تحت هذه الآية (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات) و عنه9 اطلبوا العلم و لو بالصين فان طلب العلم فريضة علي كل مسلم و عنه9 من تعلم مسئلة واحدة قلده اللّه يوم القيمة الف قلائد من النور و غفر له الف ذنب و هيئ له مدينة من ذهب و كتب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 305 *»

له بكل شعرة علي جسده حجة و عنه9 من تعلم باباً من العلم عمل به او لم‌يعمل كان افضل من ان يصلي الف ركعة تطوعاً و عن اميرالمؤمنين7 اعلموا ان كمال الدين طلب العلم و العمل به و ان طلب العلم اوجب عليكم من طلب المال ان المال مقسوم بينكم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه و سيفي لكم و العلم مخزون عليكم عند اهله قد امرتم بطلبه منهم فاطلبوه و اعلموا ان كثرة المال مفسدة للدنيا مقساة للقلوب و ان كثرة العلم و العمل به مصلحة للدين سبب الي الجنة و النفقات تنقص المال و العلم يزكو علي الانفاق و انفاقه بثه الي حفظته و رواته و اعلموا ان صحبة العالم و اتباعه دين يدان اللّه به و طاعة مكسبة للحسنات ممحاة للسيئات و ذخيرة للمؤمنين و رفعة في حيوتهم و جميل الاحدوثة عنهم بعد موتهم ان العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع و عينه البراءة من الحسد و اذنه الفهم و لسانه الصدق و حفظه الفحص و قلبه حسن النية و عقله معرفة الاشياء و الامور و يده الرحمة و همته السلامة و رجله زيارة العلماء و حكمته الورع و مستقره النجاة و قائده العافية و مركبه الوفاء و سلاحه لين الكلام و سيفه الرضا و قوسه المداراة و جيشه مجاورة العلماء و ماله الادب و ذخيرته اجتناب الذنوب و زاده المعروف و مأواه الموادعة و دليله الهدي و رفيقه صحبة الاخيار و عن ابي‌عبداللّه7 لست احب ان اري الشاب الا غادياً في حالين اما عالماً او متعلماً فان لم‌يفعل فرط فان فرط ضيع فان ضيع اثم و ان اثم سكن النار و الذي بعث محمداً بالحق و قيل له7 جعلت فداك رجل عرف هذا الامر لزم بيته و لم‌يتعرف الي احد من اخوانه فقال كيف يتفقه هذا في دينه و عنه7 اذا اراد اللّه بعبد خيراً فقّهه في الدين و عنه7 لا خير فيمن لايتفقه من اصحابنا يا بشير ان الرجل منهم اذا لم‌يستغن بفقهه احتاج اليهم فاذا احتاج اليهم ادخلوه في باب ضلالتهم و هو لايعلم.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 306 *»

السادس: احب ان اذكر شطراً من الاخبار في فضل العلماء الاخيار و علامتهم قال اللّه تعالي (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات) و قال( انما يخشي اللّه من عباده العلماء) و عن الصادق7 الناس ثلثة عالم و متعلم و ساير الناس همج و الهمج في النار و روي انه اخذ علي7 بيد كميل و اخرجه الي الجَبّان و جلسا ثم رفع رأسه اليه فقال يا كميل احفظ عني ما اقول لك الناس ثلثة عالم رباني و متعلم علي سبيل نجاة و همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم‌يستضيـــݘـوا بنور العلم فيهتدوا و لم‌يلجــــݘـوا  الي ركن وثيق فينجوا يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك و انت تحرس المال و المال تنقصه النفقة و العلم يزكو علي الانفاق يا كميل محبة العالم دين يدان اللّه به تكسبه الطاعة في حيوته و جميل الاحدوثة بعد وفاته فمنفعة المال تزول بزواله يا كميل مات خزان الاموال و هم احياء و العلماء باقون ما بقي الدهر اعيانهم مفقودة و امثالهم في القلوب موجودة آه آه ان هيهنا و اشار بيده الي صدره لعلماً لو اصبت له حملة بلي اصيب له لَقِناً غيرمأمون يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا و يستظهر بحجج اللّه علي خلقه و بنعمه علي عباده ليتخذه الضعفاء وليجة من دون ولي الحق او منقاداً لحملة العلم لابصيرة له في احنائه يقدح الشك في قلبه باول عارض من شبهة  الا  لا ذا و لا ذاك او منهوماً باللذات سلس القياد للشهوات او مغر([2]) بالجمع و الادخار ليسا من دعاة الدين في شي‌ء اقرب شبهاً بهم الانعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه اللّهم بلي لاتخلو الارض من قائم للّه بحجة ظاهر او خاف مغمور لئلاتبطل حجج اللّه و بيناته و كم و اين  اولئك الاقلون عدداً الاعظمون خطراً بهم يحفظ اللّه حججه حتي يودعوها نظراءهم و يزرعوها في قلوب اشباههم هجم بهم العلم علي حقايق الامور فباشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و انسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان ارواحهم معلقة بالمحل الاعلي يا كميل اولئك خلفاؤ اللّه و الدعاة الي دينه هاي هاي شوقاً الي رؤيتهم و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 307 *»

استغفر اللّه لي و لكم وعن النبي9 اغد عالماً او متعلماً او مستمعاً او محباً لهم و لاتكن الخامس فتهلك وعنه9 النظر في وجه العالم عبادة و عنه9 ان الناس اربعة رجل يعلم و يعلم انه يعلم فذاك مرشد عالم فاتبعوه و رجل يعلم و لايعلم انه يعلم و ذاك غافل فايقظوه و رجل لايعلم و يعلم انه لايعلم فذاك جاهل فعلّموه و رجل لايعلم و يعلم انه يعلم فذاك ضال فارشدوه و عن الصادق7 العلماء ورثة الانبياء و ذلك ان الانبياء لم‌يورثوا درهماً و لا ديناراً و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشي‌ء منها فقد اخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و عنه7 العلماء امناء و الاتقياء حصون و الاوصياء سادة و عنه7 عالم ينتفع بعلمه افضل من سبعين عابداً و قيل له7 رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس و يشدده في قلوبهم و قلوب شيعتكم و لعل عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية ايهما افضل قال الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا افضل من الف عابد و عن علي7 طلبة العلم ثلثة اصناف فاعرفوهم بصفاتهم و اعيانهم صنف منهم يتعلمون للمراء و الجدل و صنف منهم يتعلمون للاستطالة و الختل و صنف منهم يتعلمون للفقه و العمل فاما صاحب المراء و الجدل تراه موذياً ممارياً للرجال في اندية المقال قد تسربل بالتخشع و تخلي من الورع فدق اللّه من هذا حيزومه و قطع منه خيشومه و اما صاحب الاستطالة و الختل فانه يستطيل علي اشباهه من اشكاله و يتواضع للاغنياء من دونهم فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم فاعمي اللّه من هذا بصره و قطع من آثار العلماء اثره و اما صاحب الفقه و العمل تراه ذا كآبة و حزن قد قام الليل في حندسه و قد انحني في برنسه يعمل و يخشي خائفاً وجلاً من كل احد الا من كل ثقة من اخوانه فشد اللّه من هذا  اركانه و اعطاه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 308 *»

يوم القيمة امانه و عنه7 من علامات الفقه الحلم و العلم و الصمت و عنه7 لايكون الرجل فقيهاً حتي لايبالي اي ثوبيه ابتذل و بما سد فورة الجوع و عن ابي‌جعفر7 في حديث الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة المتمسك بسنة النبي9 و عنه7 من حرم الخشية لايكون عالماً و ان شق الشعر في متشابهات قال اللّه عز و جل (انما يخشي اللّه من عباده العلماء) و عن النبي9 علماء هذه الامة رجلان رجل اتاه اللّه علماً فطلب به وجه اللّه و الدار الآخرة و بذله للناس و لم‌يأخذ عليه طمعاً و لم‌يشتر به ثمناً قليلاً فذلك يستغفر له من في البحور و دواب البحر و البر و الطير في جو السماء و يقدم علي اللّه سيداً شريفاً و رجل اتاه اللّه علماً فبخل به علي عباد اللّه و اخذ عليه طمعاً و اشتري به ثمناً قليلاً  فذلك يلجم يوم القيمة بلجام من النار و ينادي ملك من الملئكة علي رءوس الاشهاد هذا فلان بن فلان اتاه اللّه علماً في دار الدنيا فبخل به علي عباده حتي يفرغ من الحساب و عنه7 اطلبوا العلم و تزينوا معه بالحلم و الوقار و تواضعوا لمن تعلمونه العلم و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم و لاتكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم و قال في قوله تعالي (انما يخشي اللّه) الآية يعني بالعلماء من صدق فعله قوله و من لم‌يصدق فعله قوله فليس بعالم وقال لايكون السفه و الغرة في قلب العالم و عن علي7 نعم وزير الايمان العلم و نعم وزير العلم الحلم و نعم وزير الحلم الرفق و نعم وزير الرفق الصبر.

السابع: كما ذكرنا شيئاً في شأن العلماء الاخيار ناسب ان نذكر شيئاً في شأن بعض المنتحلين الاشرار الذين لبسوا لباس الضأن علي قلب الذئاب نعوذ باللّه فعن اميرالمؤمنين7 العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج و عالم تارك لعلمه فهذا هالك و ان اهل النار ليتأذون بريح العالم التارك لعلمه و ان اشد اهل النار ندامة و حسرة رجل دعا عبداً الي اللّه عزوجل فاستجاب له و قبل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 309 *»

منه و اطاع اللّه عزوجل فادخله اللّه الجنة و ادخل الداعي النار بتركه عمله و اتباعه الهوي و عنه7 قطع ظهري رجلان من الدنيا رجل عليم اللسان فاسق و رجل جاهل القلب ناسك هذا يصدّ بلسانه عن فسقه و هذا بنسكه عن جهله فاتقوا الفاسق من العلماء و الجاهل من المتعبدين اولئك فتنة كل مفتون فاني سمعت رسول اللّه9 هلاك امتي علي يدي كل منافق عليم اللسان و عنه7 ان في جهنم رحي تطحن أفلاتسألوني ما طحنها فقيل له ما طحنها يا اميرالمؤمنين قال العلماء الفجرة و القراء الفسقة و الجبابرة الظلمة و الوزراء الخونة و العرفاء الكذبة و عنه7 اذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه علي دينكم فان كل محب يحوط ما احب و عنه7 اوحي اللّه عزوجل الي داود7 لاتجعل بيني و بينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيفسدك عن طريق محبتي فان اولئك قطاع طريق عبادي المريدين ان ادني ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم و عنه7 في قول اللّه عزوجل (و الشعراء يتبعهم الغاوون) قال هل رأيت شاعراً يتبعه احد انما هم قوم تفقهوا لغير دين اللّه فضلوا و اضلوا وعنه7 ان من العلماء يحب ان يخزن علمه و لايؤخذ عنه فذاك في الدرك الاول من النار و من العلماء من اذا وعظ انف و اذا وعظ عنف فذاك في الدرك الثاني من النار و من العلماء من يري ان يضع العلم عند ذي الثروة و الشرف و لايري له في المساكين وضعاً فذاك في الدرك الثالث من النار و من العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة و السلاطين فان رد عليه شي‌ء من قوله او قصر في شي‌ء من امره غضب فذاك في الدرك الرابع من النار و من العلماء من يطلب احاديث اليهود و النصاري ليغزر علمه و يكثر به حديثه فذاك في الدرك الخامس من النار و من العلماء من يضع نفسه للفتياء و يقول سلوني و لعله لايصيب حرفاً واحداً و اللّه لايحب المتكلفين فذاك في الدرك السادس من النار و من العلماء من يتخذ علمه مروة و عقلاً فذاك في الدرك السابع من النار و عنه7 اذا ظهر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 310 *»

 العلم و احترز العمل و ائتلفت الالسن و اختلفت القلوب و تقاطعت الارحام هنالك لعنهم اللّه فاصمهم و اعمي ابصارهم و عن النبي9 سيأتي علي امتي زمان لايبقي من القرآن الا رسمه و لا من الاسلام الا اسمه يسمون به و هم ابعد الناس منه مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدي فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة و اليهم تعود و عنه9 الفقهاء امناء الرسل ما لم‌يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي دينكم و قال من تعلم علماً ليماري به السفهاء او ليباهي به العلماء او يصرف به الناس الي نفسه يقول انا رئيسكم فليتبوء مقعده من النار ان الرياسة لاتصلح الا لاهلها فمن دعا الناس الي نفسه و فيهم من هو اعلم منه لم‌ينظر اللّه اليه يوم القيمة وعن علي7 ان ابغض الخلايق الي اللّه رجلان رجل وكله اللّه الي نفسه فهو جاير عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة و دعاء ضلالة فهو فتنة لمن افتتن به ضال عن هدي من كان قبله مضل لمن اقتدي به في حيوته و بعد وفاته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته و رجل قمش جهلاً موضع في جهال الامة غاد في اغباش الفتنة عم بما في عقد الهدنة قد سماه اشباه الناس عالماً و ليس به بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر حتي اذا ارتوي من آجن و اكثر من غير طائل جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس علي غيره فان نزل به احدي المبهمات هيأ لها حشواً رثاً من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لايدري اصاب ام اخطأ فان اصاب خاف ان يكون قد اخطأ و ان اخطأ رجا ان يكون قد اصاب جاهل خباط جهالات عاش ركاب عشوات لم‌يعض علي العلم بضرس قاطع يذري الروايات اذراء الريح الهشيم لا ملي واللّه باصدار ما  ورد عليه لايحسب العلم في شي‌ء مما انكره و لايري ان من وراء ما بلغ منه مذهباً  لغيره و ان اظلم عليه امر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه تصرخ من جور

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 311 *»

قضائه الدماء و تعج منه المواريث الي اللّه اشكو من معشر يعيشون جهالاً و يموتون ضلالاً  ليست فيهم سلعة ابور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته و لا سلعة انفق بيعاً و لا اغلي ثمناً من الكتاب اذا حرف عن مواضعه و لا عندهم انكر من المعروف و لا اعرف من المنكر و قال7 ترد علي احدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره فيحكم بخلاف قوله ثم تجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً و الههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد أَ فامرهم سبحانه بالاختلاف فاطاعوه ام نهاهم عنه فعصوه ام انزل اللّه ديناً ناقصاً فاستعان بهم علي اتمامه ام كانوا شركاء للّه فلهم ان يقولوا و عليه ان يرضي ام انزل اللّه سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول عن تبليغه و ادائه و اللّه سبحانه يقول (مافرطنا في الكتاب من شي‌ء) و (فيه تبيان كل شي‌ء) و ذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضاً و انه لا اختلاف فيه فقال سبحانه (و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).

الثامن: و لما عرفت العلماء الاخيار و صفاتهم و الاشرار و علاماتهم يناسب ان نذكر ما ورد في سؤال العالم و تذاكره و مجالسته و الحضور في مجلسه و ما في ذم مخالطة العلماء السوء فعن ابي‌جعفر7 العلم خزائن و المفاتيح السؤال فاسألوا يرحمكم اللّه فانه يوجر في العلم اربعة السائل و المتكلم و المستمع و المحب لهم و عن النبي9 المؤمن اذا مات و ترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيمة ستراً فيما بينه و بين النار و اعطاه اللّه تبارك و تعالي بكل حرف مكتوب عليها مدينة اوسع من الدنيا سبع مرات و ما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم الا ناداه ربه عزوجل جلست الي حبيبي و عزتي و جلالي لاسكنتك الجنة و لاابالي وعنه9 مجالسة اهل الدين شرف الدنيا و الآخرة و عن الرضا7 من جلس مجلساً يحيي فيه امرنا لم‌يمت قلبه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 312 *»

يوم يموت القلوب و عن ابي‌عبداللّه7 يا داود ابلغ موالي عني السلام و اني اقول رحم اللّه عبداً اجتمع مع آخر فتذاكر امرنا فان ثالثهما ملك يستغفر لهما و مااجتمع اثنان علي ذكرنا الا باهي اللّه تعالي بهما الملئكة فاذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فان في اجتماعكم و مذاكرتكم احياؤنا و خير الناس من بعدنا من ذاكر بامرنا و دعا الي ذكرنا و عن النبي9 المتقون سادة و الفقهاء قادة و الجلوس اليهم عبادة و عنه9 بادروا الي رياض الجنة فقالوا و ما رياض الجنة قال حَلَق الذكر و عن ابي‌عبداللّه7 تلاقوا و تحادثوا العلم فان بالحديث تجلي القلوب الراينة و بالحديث احياؤ امرنا فرحم اللّه من احيي امرنا وعنه7 ان اللّه عزوجل يقول لملئكته عند انصراف اهل مجالس الذكر و العلم الي منازلهم اكتبوا ثواب ما شاهدتموه من اعمالهم فيكتبون لكل واحد ثواب عمله و يتركون بعض من حضر معهم فلايكتبونه فيقول اللّه عز و جل ما لكم  لم‌تكتبوا فلاناً أليس كان معهم و قد شهدهم فيقولون يا رب انه لم‌يشرك معهم بحرف و لاتكلم معهم بكلمة فيقول الجليل جل جلاله أليس كان جليسهم فيقولون بلي يا رب فيقول اكتبوه معهم انهم قوم لايشقي بهم جليس فيكتبونه معهم فيقول تعالي اكتبوا ثواباً مثل ثواب احدهم و عنه7 قال الحواريون يا روح‌اللّه من نجالس قال من يذكركم اللّه رؤيته و يزيد في علمكم منطقه و يرغبكم في الآخرة عمله و عن النبي9 يا اباذر الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم احب الي اللّه من قيام الف ليلة يصلي في كل ليلة الف ركعة و الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم احب الي اللّه من الف غزوة و قراءة القرآن كله قال يا رسول اللّه مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كله فقال رسول اللّه9 يا اباذر الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم احب الي اللّه من قراءة القرآن كله اثني‌عشرالف مرة عليكم بمذاكرة العلم فان بالعلم تعرفون الحلال و الحرام يا اباذر الجلوس

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 313 *»

ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها و قيام ليلها و النظر الي وجه العالم خير لك من عتق الف رقبة و قيل له9 اذا حضرت جنازة و مجلس علم ايهما احب اليك ان اشهد فقال رسول اللّه9 ان كان من يتبعها و يدفنها فان حضور مجلس عالم افضل من حضور الف جنازة و من عيادة الف مريض و من قيام الف ليلة و من صيام الف يوم و من الف درهم يتصدق بها علي المساكين و من الف حجة سوي الفريضة و من الف غزوة سوي الواجب تغزوها في سبيل اللّه بمالك و نفسك و اين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم أماعلمت ان اللّه يطاع بالعلم و يعبد بالعلم و خير الدنيا و الآخرة مع العلم و شر الدنيا و الآخرة مع الجهل و عنه9 اعلموا ايها الناس انه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه و لابحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه الناس ابناء ما يحسنون و قدر كل امرء ما يحسن فتكلموا بالعلم تبين اقداركم و عنه9 لاتجلسوا الي كل عالم الا كل عالم يدعوكم من الخمس الي الخمس من الشك الي اليقين و من الكبر الي التواضع و من الرياء الي الاخلاص و من العداوة الي النصيحة و من الرغبة الي الزهد.

التاسع: و اذ قد عرفت فضل طلب العلم حان ان تعرف من يجوز اخذ العلم عنه و من لايجوز فعن الصادق7 اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا فانا لانعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتي يكون محدَّثاً فقيل أَويكون المؤمن محدَّثاً قال مفهّماً و المفهّم محدّث و عن علي بن سويد قال كتب الي ابوالحسن الاول7 و هو في السجن و اما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك لاتأخذن معالم دينك عن الخائنين الذين خانوا اللّه و رسوله و خانوا اماناتهم انهم اوتمنوا علي كتاب اللّه جل و علا فحرفوه و بدلوه فعليهم لعنة اللّه و لعنة رسوله و لعنة ملئكته و لعنة آبائي الكرام البررة و لعنتي و لعنة شيعتي الي يوم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 314 *»

القيمة و عن ابي‌عبداللّه7 اياك ان تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال و عنه7 كذب من زعم انه يعرفنا و هو متمسك بعروة غيرنا و عن النبي9 ان اللّه لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس و لكن يقبضه بقبض العلماء فاذا لم‌ينزل عالم الي عالم يصرف عنه طلاب حطام الدنيا و حرامها و يمنعون الحق اهله و يجعلونه لغير اهله و اتخذ الناس رؤساء جهالاً فافتوا بغير علم فضلّوا و اضلّوا و عن اميرالمؤمنين7 يا معشر شيعتنا المنتحلين مودتنا اياكم و اصحاب الرأي فانهم اعداؤ السنن تفلتت منهم الاحاديث ان يحفظوها و اعيتهم السنة ان يعوها فاتخذوا عباد اللّه خولاً و ماله دولاً  فذلت لهم الرقاب و اطاعهم الخلق اشباه الكلاب و نازعوا الحق اهله و تمثلوا بالائمة الصادقين: و هم من الكفار الملاعين فسئلوا عما لايعلمون فانفوا ان يعترفوا بانهم لايعلمون فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا و اضلوا و عن علي بن الحسين8 اذا رأيتم الرجل قد حسن سمته و هدؤه و تماوت في منطقه و تخاضع في حركاته فرويداً لايغرنكم فما اكثر من يعجزه تناول الدنيا و ركوب الحرام منها لضعف نيته و مهانته و جبن قلبه فنصب الدين فخّاً  لها فهو لايزال يختل الناس بظاهره فان تمكن من حرام اقتحمه و اذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً  لايغرنكم فان شهوات الخلق مختلفة فما اكثر من ينبو عن المال الحرام و ان كثر و يحمل نفسه علي شوهاء قبيحة فيأتي منها محرماً فاذا وجدتموه يعفّ عن ذلك فرويداً لايغرنكم حتي تنظروا ما عقدة عقله فما اكثر من ترك ذلك اجمع ثم لايرجع الي عقل متين فيكون ما يفسده بجهله اكثر مما يصلحه بعقله فاذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لايغرنكم‌ حتي تنظروا أمع هواه يكون علي عقله او يكون مع عقله علي هواه و كيف محبته للرياسة الباطلة و زهده فيها فان في الناس من خسر الدنيا و الآخرة يترك الدنيا للدنيا و يري ان لذة الرياسة الباطلة افضل من لذة الاموال و النعم المباحة فيترك ذلك اجمع طلباً للرياسة حتي اذا قيل له اتق اللّه اخذته العزة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 315 *»

بالاثم فحسبه جهنم و لبئس المهاد فهو يخبط خبط عشواء يقوده اول باطل الي ابعد غايات الخسارة و يمده ربه بعد طلبه لما لايقدر عليه في طغيانه فهو يحل ما حرم اللّه و يحرم ما احل اللّه لايبالي بما فات من دينه اذا سلمت له رياسته التي قد يتقي من اجلها فاولئك الذين غضب اللّه عليهم و لعنهم و اعدّ لهم عذاباً مهيناً و لكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً  لامر اللّه و قواه مبذولة في رضا اللّه يري الذل مع الحق اقرب الي عز الابد من العز في الباطل و يعلم ان قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه الي دوام النعيم في دار لاتبيد و لاتنفد و ان كثير ما يلحقه من سرائها ان اتبع هواه يؤديه الي عذاب لا انقطاع له و لايزول فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا و بسنته فاقتدوا و الي ربكم به فتوسلوا فانه لاترد له دعوة و لاتخيب له طلبة و عن ابي‌محمد العسكري7 في قوله تعالي (و منهم اميون لايعلمون الكتاب الا اماني) الآية، في حديث طويل الي ان قال7 قال رجل للصادق7 فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود لايعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم الي غيره فكيف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم و هل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون علمائهم فان لم‌يجز لاولئك القبول من علمائهم لم‌يجز لهؤلاء القبول من علمائهم فقال7 بين عوامنا و علمائنا و بين عوام اليهود و علمائهم فرق من جهة و تسوية من جهة اما من حيث استووا فان اللّه قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم و اما من حيث افترقوا  فلا  قال بين لي يا ابن رسول اللّه قال7 ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصريح و باكل الحرام و الرشا و بتغيير الاحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به اديانهم و انهم اذا تعصبوا ازالوا حقوق من تعصبوا عليه و اعطوا ما لايستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم و ظلموهم من اجلهم و عرفوهم يقارفون

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 316 *»

المحرمات و اضطروا بمعارف قلوبهم الي ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق و لايجوز ان يصدق علي اللّه و لا علي الوسائط بين الخلق و بين اللّه فلذلك ذمهم لما قلدوا من عرفوا و من قد علموا انه لايجوز قبول خبره و لا تصديقه في حكاية و لا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم‌يشاهدوه و وجب عليهم النظر بانفسهم في امر رسول اللّه9 اذا كانت دلائله اوضح من ان تخفي و اشهر من ان لاتظهر لهم وكذلك عوام امتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التكالب علي حطام الدنيا و حرامها و اهلاك من يتعصبون عليه و ان كان لاصلاح امره مستحقاً و بالترفرف بالبر و الاحسان علي من تعصبوا له و ان كان للاذلال و الاهانة مستحقاً فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم اللّه بالتقليد لفسقة فقهائهم فاما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً علي هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه و ذلك لايكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فاما من ركب من القبايح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلاتقبلوا منهم عنا شيئاً و لاكرامة و انما كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت لذلك لان الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه باسره لجهلهم و يضعون الاشياء علي غير وجوهها لقلة معرفتهم و آخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الي نار جهنم و منهم قوم نصاب لايقدرون علي القدح فينا فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا و ينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون اليه اضعافه و اضعاف اضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن برآء منها فيقبله المستسلمون من شيعتنا علي انه من علومنا فضلوا و اضلوا و هم اضر علي ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد علي الحسين بن علي8 و اصحابه فانهم يسلبونهم الارواح و الاموال و هؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بانهم لنا موالون و لاعدائنا معادون يدخلون الشك و الشبهة علي ضعفاء شيعتنا فيضلونهم و يمنعونهم من قصد الحق المصيب لا جرم ان من علم اللّه من قلبه من هؤلاء العوام

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 317 *»

 انه لايريد الا صيانة دينه و تعظيم وليه لم‌يتركه في يد هذا الملبس الكافر و لكنه يقيض له مؤمناً يقف به علي الصواب ثم يوفقه اللّه للقبول منه فيجمع اللّه له بذلك خير الدنيا و الآخرة و يجعل علي من اضله لعن الدنيا و عذاب الآخرة وقيل لعلي7 من خير خلق اللّه بعد  ائمة الهدي و مصابيح الدجي قال العلماء اذا صلحوا قيل فمن شر خلق اللّه بعد ابليس و فرعون و نمرود و بعد المتسمين باسمائكم و بعد المتلقبين بالقابكم و الآخذين لامكنتكم و المتأمرين في ممالككم قال العلماء اذا فسدوا هم المظهرون للاباطيل الكاتمون للحقايق و فيهم قال اللّه عزوجل (اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون الا الذين تابوا) و عن الحجة7 و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه وعن النبي9 يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد و عن ابي‌جعفر7 من اطاع رجلاً في معصية فقد عبده و عن ابي‌عبداللّه7 فدع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين اللّه ليس له برهان و عنه7 في حديث ينظران من كان منكم قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا فلم‌يقبل منه فانما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ و الرادّ علينا الرادّ علي اللّه و هو علي حد الشرك باللّه و عن ابي‌جعفر7 في قوله تعالي (فلينظر الانسان الي طعامه) قال الي العلم الذي يأخذه عمن يأخذه.

فصل: اعلم ان العالم صفة من صفات اللّه جلّ و عز و معناه ان امره و خلقه جار جريان المعلوم و لاندرك منه جل و علا شيئاً و هذا هو حقيقة معاني جميع اسمائه و صفاته فالحكيم معناه ان امره و خلقه جار علي نهج الحكمة و الصواب و خلق الحكمة و الحكماء و اما كيف هو في ذاته فلسنا ندركه بوجه و هكذا هو بصير معناه ان جميع ما سواه جار جريان المبصر و المرئي و غير المبصر و المرئي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 318 *»

لايكون كذلك و قد خلق البصر و البصير و اما كيف هو في ذاته فلسنا نعرفه و هكذا و لو سلكت هذا المسلك نجوت حيث وقعت علي الواقع و اخرجته عن الحدين حد التعطيل و حد التشبيه و جميع ما سوي ذلك نفخ في غير ضرام و لا طائل تحت الكلام في مجهول الكنه.

بالجملة العالم الاول المطلق هو اللّه الحق جل و علا ثم اورث علمه الانبياء و الاوصياء: يعني ان جعلهم مهيمنين علي ساير الخلق و علل ساير الكاينات و سببها بان جعل نفوسهم علي كمال مستجمع و جمال جامع جميع ما سواهم ظهورات ذلك الكمال و مُثُل ذلك الجمال فهم يعلمون جميع ما سواهم بعلمهم بانفسهم علماً اجمالياً وحدانياً و في خيالهم علماً تفصيلياً وجهياً يعني ان ما في خيالهم من الصور مبادي الكائنات و وجوه الموجودات التي بها يذكرون عند العلة و هي حيث كونهم معلومين قبل ان يكونوا كائنين و اما في رتبة اكوانهم و اعيانهم فبانطوائهم تحت احدية العلة هم حضور عنده غير غيّب بوجه من الوجوه فهم يعلمونهم في امكنتهم و حدودهم بهم و علي هذا الوجه يعلم كل علة معلوله و كل عال ما هو ادني منه و اما ما لم‌يكن علة لما دونه فهو يعلم ما في عرضه بالانطباع و ما دونه من المراتب التنزلية بالاكتساب و لسنا الآن بصدد شرح هذه الامور و ليس هذا الكتاب محله.

بالجملة العلم علي اي حال هو حضور الشي‌ء عند العالم فاما ان يكون النفس متوجهة الي عليين يعني موضع كتاب الابرار يعني لوح ارتسام الصور الجارية علي وفق محبة اللّه التشريعية يعني الصور المطابقة لصفة المبدء التشريعي الحاكية له الكائنة شــــݘـون ظهوراته و جهات تجلياته ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه و هي الصور المطابقة للوحدة و الارتباط و الانتظام و ظهور الغاية الايجادية التي هي التوحد و التفرد للّه الواحد القهّار فان كانت متوجهة الي عليين انطبع فيها مُثُل ما فيه فهذه الصور هي المعلومة الحاضرة عندها و هي نور قذفه اللّه في قلبها و قد احبها بتوجهها الي الوجه الذي يتوجه اليه الاولياء و بتصورها بصورة الحبيب فتنشرح فتشاهد الغيب و تنفسح فتحتمل البلاء و تورث لها التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل حلوله فلايحصل هذا النور في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 319 *»

قلب امرء الا بالتوجه الي مبدء الخير و النور و الكمال و الي عليين.

و اما ان تكون النفس متوجهة الي سجين يعني موضع كتاب الفجار يعني لوح ارتسام الصور الجارية علي خلاف محبة اللّه التشريعية اي علي خلاف صفة المبدء التشريعي فمن شرب منه فليس مني و هي صفات المنتهي المضاد للمبدء المنافي للوحدة و الارتباط و الانتظام و ظهور الغاية الايجادية و الوحدة الوصفية للّه تعالي فاذا كانت النفس متوجهة الي هذا اللوح انطبع فيها صوره و مُثُل ما فيه و هي ظلمة غاسقة لاتسكن الا في تلك النفوس المعرضة عن اللّه المعادية لاولياء اللّه الموالية لاعداء اللّه و هي توجب تثقلها و تسفلها و تنزلها و تكثرها و تقطعها و صاحبها من الذين قال اللّه فيهم (و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) و اما المتوجهون الي عليين فقد قال فيهم (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات)  فمن عرف هذه الدقايق لاينظر الي ما قال و انما ينظر الي من قال فان الكلمة الطيبة كشجرة طيبة و الكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة و كلتاهما شجر و كلتاهما كلمة فنحن ننظر الي من صدر عنه فان كان ناطقاً عن التوجه الي عليين فمدلوله حق و اتباعه خير و ان كان ناطقاً عن التوجه الي سجين فمدلوله باطل و اتباعه شر فقد روي عن ابي‌جعفر7 من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقد عبد ابليس و روي ان ابليس قال لنبي من الانبياء و اظنه عيسي قل لا اله الا اللّه قال كلمة حق لااقولها بقولك فلابد ان تنظر الي من قال فان كان من اهل الحق و عليين فقوله حق و ان كان من اهل الباطل و سجين فقوله باطل و ان كان علي صورة الحق نعم قد يأخذ اهل الباطل كلام اهل الحق و ينسبه الي نفسه او الي باطل غيره فانت اذا اخذت قوله و صفيته عن اكدار النسبة اليه جاز لك الاخذ به اذا اخذت به من حيث انه من عليين و اهله و كان عند غيره كلؤلؤة في عنق خنزير و من هذه الجهة قيل انظر الي ما قال و لاتنظر الي من قال و في هذا المقام روي ما معناه ان لنا اوعية من العلم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 320 *»

نملاؤها علماً  لتحمله اليكم فخذوه و صفّوه و اياكم و الاوعية فتنكّبوها و روي ما معناه الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذها و لا اختلاف بين ما قلنا من قولنا انظر الي من قال و لاتنظر الي ما قال و بين ما كان يقال انظر الي ما قال و لاتنظر الي من قال فان مورد ما قلت كالامام7 فاذا عرفته بالامامة فسلّم لكل ما يقول و لاتنظر الي ما يقول فتقول هذا ينقاد و هذا لاينقاد فتقبل مسئلة و ترد مسئلة و مورد ما كان يقال ان تسمع قولاً و لاتعرف قائله فتنظر الي اصل القول و تعرضه علي كلام من تعرفه بالحق فان وافقه تقبل القول و الا فترده فهيهنا يعرف الرجال بالمقال لا المقال بالرجال و علي اي حال العلم الحق نور يقذفه اللّه في قلب من يحب اي في قلب من توجه الي الحبيب و اتبعه في صفاته فانه من يحبه اللّه لا غير و لعلك عرفت من ذلك ان من اخذ علمه عن آل‌محمد: فهو المتعلم من العالم اذ قالوا نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون فهو المستنير من النور لان كلامهم نور و امرهم رشد و من اخذ علمه عن اعدائهم فهو المظطلم من الظلمة و المتجهل من الجاهل لان اللّه خلق الجهل في مقابلة العقل و کما

ان كل حق يــــݘـول الي العقل كذلك كل باطل يــــݘـول الي الجهل فاهل الباطل هم اهل الجهل و ان شقّوا الشعر و سفهاء و ان عرفوا علي زعمهم حقايق الاشياء و كل ما يقولون خبط عشواء؛

فدع عنك قول الشافعي و مالك و احمد و المروي عن كعب‌الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم روي جدنا عن جبرئيل عن الباري

فصل: اعلم ان اللّه جل و عز خلق السموات و الارض بالحق و ماخلقهما باطلاً قال تعالي (ماخلقنا السموات و الارض و ما بينهما الا بالحق) و قال (ربنا ماخلقت هذا باطلاً) فبناء العالم علي الحق و جميع ما فيه من حيث صنعه جل و عز حق و هو الواقع الخارج.

و كذلك خلق الانسان انموذج هذا العالم و هو المختصر من المطول كما روي عن اميرالمؤمنين7 ما معناه الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 321 *»

علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الجسر الممدود بين الجنة و النار و هي مجموع صور العالمين الخبر، و في الاشعار المنسوبة اليه7:

دواؤك فيك و ماتبصر
  و داؤك منك و ماتشعر
و انت الكتاب المبين الذي
  باحرفه يظهر المضمر
أتزعم انك جرم صغير
  و فيك انطوي العالم الاكبر

فالانسان هو العالم الصغير و هو ايضاً هو الحق الواقع بلا نكير و مطابق للعالم الكبير كما مر و لذا قال (سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق).

و كذلك خلق الانسان الوسيط و العالم الوسيط بالحق و هو مطابق للعالمين مشروح العلل مبين الاسباب واضح المبدء لايح المنتهي مفصل الاجزاء مشهود الاحناء يظهر فيه جميع ما خفي في العالمين السابقين و ينشرح فيه الكيف و الكم و اللم بما لا مزيد عليه و لذا سمي بمرآة الحكماء اذ كانوا يستكشفون به المستورات و يستوضحون به المبهمات و يستظهرون به الخفيات و يستسهلون به المعضلات و استجمع جميع ما في العالمين من باب *كل شي‌ء فيه معني كل شي‌ء* و هو اخت النبوة و عصمة المروة و دليل علي كل غايب و حجة علي كل جاحد و عين لاهل الرين.

و كذلك ان القرآن هو الكتاب التدويني الموافق لكتاب اللّه التكويني لقوله سبحانه (مافرطنا في الكتاب من شي‌ء) و (تبياناً  لكل شي‌ء) و (لارطب و لايابس الّا في كتاب مبين) و دل الاخبار علي ان فيه تبيان كل شي‌ء يختلف فيه اثنان حتي انه قال سبحانه (و كل شي‌ء احصيناه في امام مبين) فاذا هو علي طبق العوالم الثلثة الواقعية الخارجية لا تفاوت بينها و لا اختلاف فان اصاب امرء الحق من واحد منها لابد و ان يشهد له البواقي و ما لم‌يشهد له واحد منها هو من المتشابهات لا المحكمات و ينبغي رده الي المحكمات.

و كذلك ان السنة و احاديث آل‌محمد: هي الحق الواقع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 322 *»

المطابق للواقع و العوالم الاربعة المذكورة و هي شرح معضلات تلك العوالم و مبهمات تلك الامور المذكورة و قد اعطوا كليات و اصولاً للحق يعرف بها و ذلك ايضاً واضح بين لاسترة عليه ثم بعد ذلك ان اللّه سبحانه اعطي العبد عقلاً دراكاً محيطاً يدرك الشي‌ء قبل كونه و حين كونه و بعد كونه يدرك علله و اسبابه و مبدأه و منتهاه و ما يتوقف به و ما يتوقف عليه و ما يرتبط به و ما يرتبط هو به و هو النبي الباطن ذو السنة المحكمة و حقيقة الكتاب الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و مبدؤ العوالم الذي خلقه اللّه ثم قال له ادبر فادبر فظهرت العوالم بادباره و ظهوراته و انواره فهو الشاهد علي الكل و الكل مشهود له و له في الادراكات ثلثة مقامات درك الصور و درك المعاني و درك الحقايق و كما مر يسمي ادلته في المقامات بالمجادلة و الموعظة و الحكمة و لكل شي‌ء هذه المقامات الثلثة فالعالم الكامل من يستخرج مطلبه من جميع هذه الوجوه فيستدل علي مطلبه من الآفاق و الانفس و الفلسفة و الكتاب و السنة و دليل العقل المجادلي و الموعظي و الحكمي فذلك ثمانية وجوه لازمة للذي يدعي العلم فان وجد في شي‌ء من هذه الوجوه ما لايوافق او يخالف وجب عليه شرحه بحيث يطابق الكل و يوافق بعضه بعضاً اذ الكل من عند اللّه و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و هذه الثمانية هي اصول الاستدلالات ثم ان استكثرته بضرب او تفصيل فلك و تمام عري الحق التي جعلها مستمسك عباده و اسباب هدايته هي ما ذكرنا.

و هنا ختام يختتم به المطلب و هو ان هذه الكتب الثمانية يطابق بعضها بعضاً فكما ان في الكتاب التدويني محكماً و متشابهاً و نصاً و ظاهراً و مأولاً و عاماً و خاصاً و مجملاً و مبيناً و مطلقاً و مقيداً و منطوقاً صريحاً بالمطابقة و غيرصريح بالتضمن و الالتزام باقسامه من دلالة التنبيه و الاقتضاء و الاشارة و مفهوماً باقسامه من لحن الخطاب و دليل الخطاب و غيرها فكذلك في ساير الوجوه جميع ذلك و ينبغي للعالم ان يتبع ما دلالته قطعية ناصة علي المراد بعد الاجتهاد و لايتبع الظنون و المتشابهات و ما لايشهد بعضها لبعض و يخالف بعضها بعضاً و هذا النحو من العلم ليس بالتعلم و انما هو نور موهوبي من اللّه عزوجل يقذفه في قلب من يحب و ذلك انه اذا فتح

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 323 *»

اللّه عين قلب المرء و صارت رائية مبصرة دراكة تدرك جميع ما تواجهه لاسيما اذاكان المرء ساكن القلب مطمئن‌النفس عميق‌النظر دائم الفكر غيرمعرض عن آيات اللّه مراقباً لما يريه اللّه فان ساعده التقدير عرف بفضل القدير ما اشرنا اليه و صار عليماً خبيراً  و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم و ذلك لايمكن عادة الا بامور ثلثة.

الاول الاجتماع بمرشد هاد و استاد سناد واصل قوي النفس فانه الكامل المكمل مستخرج الكمال المستجن في كينونة الناقصين كما عرفت و العادم لايقدر علي الايجاد من نفسه لنفسه شيئاً البتة.

الثاني رفيق موافق يسالكه و يحفظ له ما يشرق عليهما الاستاد و ينعشه دائماً و لابد و ان يكون اكمل منه او مساويه ان اضطر.

الثالث  العمل و الاخلاص و رياضة النفس و ترقيق القابلية و تعديلها و تصفيتها و الاتيان بما يأمره الاستاد من اخلص للّه اربعين صباحاً جري من قلبه علي لسانه ينابيع الحكمة فمن وفقه اللّه جل و عز لهذه الثلثة و كان ممن سبق له من اللّه الحسني ينفتح عين بصيرته و قلبه و يمكنه مشاهدة تلك الوجوه الثمانية و الا فهو علي خلاف العادة و لايقع الا في نبي او وصي نبي و من طلب ذلك المقام من غير الباب الذي فتحه اللّه فقد تمني النبوة و الولاية و الاعجاز و ليس بامانيكم و لا اماني اهل الكتاب من يعمل سوء يجز به فكما انه لم‌يجر العادة باستكمال شي‌ء من الارضيات الا باشراق السموات و تكميلها و تمكينها و ان اللّه اذا اراد احداث شي‌ء اوحاه الي روح‌القدس فالقاه في النجوم فجرت به و حدث في الارض ما اراد اللّه لم‌يجر عادة اللّه باستخراج كمال من ارض قوابل الناقصين الا بواسطة سماوات الكاملين الوسايط بين الارض و كرسي الولاية و عرش النبوة و هي القري الظاهرة المجعولة بينهم و بين القري المباركات المقدر فيها السير ليالي و اياماً  آمنين فبدون هذه السموات لايستكمل ناقص ابداً اللهم الا ان يكون نبياً او

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 324 *»

وصي نبي و ذلك وجود خارج عن عادة الدنيا البتة و اري الناس يومنا هذا اعرضوا عن السموات و نكسوا رءوسهم الي المنتهيات أفمن يمشي مكبّاً علي وجهه اهدي ام من يمشي سوياً علي صراط مستقيم فحرموا من فيوض خالق البريات حتي صاروا اصلاً فاضلاً و دليلاً كاملاً علي ان من اجتمعوا عليه ليس من الوسايط بين الخلق و القري المباركات بل هو من الصادين عن طريق خالق البريات و القاطعين لطرق الهدايات و المنافقين الملبسين علي عباد اللّه المحكمات بالمتشابهات فان الجنس الي الجنيس مايل و كل مع الفه مماثل فنحن نعرف المتبوعين باجتماع الهمج عليهـم

اذ لايــــݘـولون الي خير ابداً  ان هم الا كالانعـام بل هم اضـل اولئك هم الغافلون فالشـاة

تميل الي قطيعها و الجمل الي صرمته و الفرس الي رعيله و السبع الي عرجلته و الظبي الي سربه البتة فان لم‌تعرف الجماعة فانظر الي من يلحقها و يحنّ اليها فكل الي كل مضاف و منسوب فعن اميرالمؤمنين7 ما معناه لايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله فان الناس اجتمعوا علي مائدة شبعها قليل و جوعها طويل قال اللّه تعالي (و ما اكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين) و في الخبر الناس كلهم بهائم الا المؤمن المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر فالمؤمنون يستدلون علي بينونتهم مع البهائم و انسانيتهم باعراض الناس عنهم و يفرحون باستيحاشهم من الناس و استيحاش الناس منهم و يحزنون اذا اجتمعوا عليهم و يستوحشون من انثيالهم عليهم و يرون ان ذلك من عصيان صدر عنهم قرّبهم من البهائم و شبّههم بها حيث مالت اليهم نعوذ باللّه قال اللّه سبحانه (اكثرهم لايعقلون) و (اكثرهم لايعلمون) و (قليل من عبادي الشكور) و (قليل ما هم) فاذا اقول اسبر نفسك كلما وجدتها تفرح باجتماع الناس و تستوحش من تفرقهم و من الوحدة فاعلم يقيناً انه قد صدر منك ما قد شوّه خلقك و قرّبك من صفات البهائم فاستغفر اللّه فقد روي ان الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل و من البين ان العقل لايضعف الا بالذنب و المؤمن متنفر عن الخلق تنفر الانسان من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 325 *»

الحشرات و الموذيات السامة و الهامة و من السباع الضارية و البهائم و الرواتع البتة و لايهنأ له عيش معهم و انما راحته في الخلوة فعن علي بن الحسين7 الناس في زماننا هذا علي ست طبقات اسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير و شاة فاما الاسد فملوك الدنيا يحب كل واحد ان يغلب و لايُغلب و اما الذئب فتجاركم يذمون اذا اشتروا و يمدحون اذا باعوا و اما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون باديانهم و لايكون في قلوبهم ما يصفون بالسنتهم و اما الخنزير فهؤلاء المخنثون و اشباههم لايدعون الي فاحشة الا اجابوا و اما الكلب يهرّ علي الناس بلسانه و يكرمه الناس من شر لسانه و اما الشاة فالمؤمن تجز شعورهم و تؤكل لحومهم و يكسر عظمهم فكيف يصنع الشاة بين اسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير و انما مثل للمؤمن بالشاة من جهة مقهوريته في ايدي اولئك او من جهة كونه من رعايا راعيه ذلولاً منقاداً له لا انه ايضاً حيوان و في العوالم بسنده عن ابي‌بصير قال قلت لابي‌جعفر7 انا مولاك و من شيعتك ضعيف ضرير اضمن لي الجنة قال اولااعطيك علامة الائمة قلت و ما عليك ان تجمعها لي قال وتحب ذلك قلت كيف لااحب فمازاد ان مسح علي بصري فابصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالساً قال يا بامحمد هذا بصرك فانظر ما ذا تري بعينك قال فواللّه ماابصرت الا كلباً او خنزيراً او قرداً قلت ما هذا الخلق الممسوخ قال هذا الذي تري هذا السواد الاعظم و لو كشف الغطاء للناس مانظر الشيعة الي من خالفهم الا في هذه الصورة ثم قال يا بامحمد ان احببت تركتك علي حالك هكذا و حسابك علي اللّه و ان احببت ضمنت لك علي اللّه الجنة و رددتك علي حالك الاول قلت لا حاجة لي الي النظر الي هذا الخلق المنكوس ردني فما للجنة عوض فمسح يده علي عيني فرجعت كما كنت و عن ابي‌بصير ايضاً عن الصادق7 قال قلت له ما فضلنا علي ما خالفنا فواللّه اني لاري الرجل منهم ارخي بالاً و انعم عيشاً و احسن حالاً و اطمع في الجنة قال فسكت عني حتي كنا بالابطح من مكة و رأينا الناس يضجّون الي اللّه قال ما اكثر الضجيج و العجيج و اقل الحجيج و الذي بعث بالنبوة محمداً9

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 326 *»

و عجل بروحه الي الجنة مايتقبل اللّه الا منك و من اصحابك خاصة ثم مسح يده علي وجهي فنظرت فاذاً اكثر الناس خنازير و حمير و قردة الا رجل بعد رجل و في الكافي عن كامل التمار قال سمعت اباجعفر7 يقول الناس كلهم بهائم ثلثاً الا قليل من المؤمنين و المؤمن غريب ثلث مرات و في نسخة بدل غريب، عزيز و عن النبي9 لايفقه الرجل كل الفقه حتي يري الناس في جنب اللّه تعالي امثال الاباعر ثم يرجع الي نفسه فيكون هو احقر حاقر اليها يا باذر لاتصيب حقيقة الايمان حتي تري الناس كلهم حمقي في دينهم عقلاء في دنياهم فاذا كان هذا حال الناس فمن مال اليهم فهو منهم قال اللّه عز و جل (و من يتولهم منكم فانه منهم) و من استوحش منهم و استوحشوا منه دل علي ان الرجل هو انسان لان الناس بهائم قطعاً و البهيمة تنفر عن الانسان و الانسان ينفر من البهيمة لعدم المجانسة.

فصل: اعلم ان الازل جل جلاله هو الاحد اي الفعلية المحضة بلا نهاية فهو وجود صرف و لاجل ذلك وجب وجوده و امتنع عدمه فلو لم‌يمتنع عدمه امكن و اذا امكن عدمه امكن وجوده فاذا امكنا امكن تعقل وجوده و عدمه و العقل لايتعقل ما ليس بموجود و لو امكاناً فامكان عدمه موجود في الخارج و امكان العدم هو امكان الوجود فاذا كان ممكناً مسبوقاً بالامكان فكان مركباً من فعلية و قوة لا فعلية محضة و كان كساير الخلق فما سواه ممكن مسبوق بامكانه و امكانه صلوح وجوده و قوة وجوده و هو في الامكان معدوم عدم الكوز في الطين و الحروف في المداد و ليس فيه تميز بين زيد و عمرو و نبي و شيطان و انسان و حيوان و نبات و جماد ابداً فهو اي الامكان امر وحداني متشاكل الاجزاء و هو صلوح ما برز منه فاذا ما فيه لايخرج بنفسه الي عرصة الفعلية و ليس شي‌ء من قواه اولي بالخروج من شي‌ء آخر و نسبة الكل الي الفعلية علي حد سواء فلولا مرجح خارجي فِعليٌّ لم‌يخرج شي‌ء منه الي عرصة الفعلية ابداً ابداً و لابد و ان يكون المرجح الخارجي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 327 *»

موجوداً بالفعل فلو كان هو ايضاً بالقوة لكان عدماً و المعدوم غير المميز لايوجد ما سواه من المعدومات و هذا هو شرح ما روي في الاستدلال علي الصانع انك ماكوّنت نفسك و لاكوّنك مَن هو مثلك اي انك حين لم‌تكن ماكوّنت نفسك و لم‌تخرج نفسك من عرصة القوة الي الفعلية و لاكوّنك مَن كان معدوماً و بالقوة مثلك فلابد في اخراجك من القوة من موجود بالفعل و هذا اوضح الادلة علي اثبات الصانع الموجود قبل وجود مصنوعه و ابينها لايقدر احد علي جحوده فهذا شأن كل معدوم.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الموجد المخرج للشي‌ء من العدم الي الوجود يجب ان يكون فاضلاً في جهة ما يريد ان يوجده فلو كان ناقصاً في تلك الجهة او تاماً غير كامل فاضل لم‌يقدر علي ايجاد المعدوم و ذلك ان الموجودات علي ثلثة اقسام: قسم منها موجود في ساير الجهات غير ان الجهة المقصودة بعد في قوته لم‌تخرج الي عرصة الفعلية كالخشب الموجود و النار فيه بالقوة يمكن ان تخرج الي عرصة الفعلية فهذا الخشب لايمكنه الاضاءة و الانارة و لايقدر علي اخراج منير من العدم الي الوجود بالبداهة فلايصلح للصناعة و قسم منها موجود و فيه الجهة المقصودة بالفعل و لكنها ضعيفة و ليس له فضل و كمال و نشر في غير حدها لضعف سر الاحدية فيه في تلك الجهة كالجمرة فذلك ايضاً عاجز عن التصرف في الغير و تكميل الغير البتة و قسم منها لطيفته اي سر الاحدية فيه فاضلة في تلك الجهة فتكون موجودة في ذاتها و لها احدية تظهر بها في غير حدها الذاتي ايضاً و هو حد الكمال الثاني و الوجود الثاني و تمثل العالي و توصيفه نفسه لغيره كالشعلة و ذلك ان الاحد هو ما لايقف علي حد فان كان حقيقياً فلايقف فيما لايتناهي بما لايتناهي و ان كان اضافياً فعلي حسبه فالماء لايقف في امواجه و المداد في حروفه و هكذا بالجملة الجهة الفاضلة هي ما فيه سر الاحدية الصانعية بالفعل و الجهة التامة هي ما فيه سر الصنع بالفعل و الجهة الناقصة ما فيه سر المصنوع بالفعل فالموجود بالفعل الصانع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 328 *»

للشي‌ء المخرج له من العدم الي الوجود يجب ان يكون في تلك الجهة المقصودة موجوداً فاضلاً احدياً ذا صنعٍ و فعل و تأثير و مثال ينتشر و ينبسط علي القوابل و يقع علي امكانها و يغوص في اعماقها حتي يصل الي اجزائه المستعدة فيقوي ما فيها من جنسه ضعيفا و يضعّف ما فيها من ضده شيئاً بعد شي‌ء و ذلك ان هذا الامكان ليس بامر احدي بسيط و انما هو مركب من الطبايع العامة الشايعة بحسب مقامه و لابد فيه من اختلاف الاجزاء اللهم الا الامكان الاول الراجح فليس فيه اختلاف اجزاء الا انه بكله كان صالحاً لقبول الوجود الراجح فصار كما هو و اما ساير الامكانات فهي علي حسب اختلافها مختلفة الاجزاء متفاوتة القابلية لزيادة الكثرة فيها حتي ان منها التراب المشهود في اختلاف اجزائه بالجملة لما وقع مثال الفاضل الكامل علي ارض قابلية الامكان تربي و تكمل اشد اجزائها استعداداً و غلب عليه شكل ذلك المثال و طبعه و صفته و صبغه فخرج الي عرصة الفعلية شي‌ء كذلك الموجود الصانع بزيادة ما حمله من اصباغ تلك الارض و شكلها ان كانت و ان كانت بيضاء نقية فيخرج كذلك الموجود الصانع كما اذا اخذت مرآة صافية بقرب الشعلة.

بقي شي‌ء و هو انه لابد و ان يكون فضل الصانع من عرصة الامكان و مصاقعه حتي يمكن للامكان الانفعال منه و يمكن له الفعل فيه بلا واسطة و الا  لم‌يقع التكميل و التكمل البتة و لم‌يوجد بفضل الصانع الاول شي‌ء و بقي ايضاً شي‌ء آخر و هو انه ان كان الامكان بعيد الاستعداد و القبول يحتاج اولاً الي التمكين و التقريب ليستعد نحو القبول من فضل الفاضل و ذلك ممكن باجزاء منفعلة و وجودات مستخرجة متكملة فهي انسب الاشياء بها و اصواتها اجهر بالنسبة الي آذان تلك الاجزاء و انوارها اظهر بالنسبة الي اعينها فيجب اولاً اقترانها بها لتقريب البعيد و تليين الشديد و تخفيف الثقيل و التهبئة و الترقيق و الحل و التصفية حتي يقبل الاثر من الفاضل كما ينبغي الاتري انك لو مكنت النحاس و اعددته بتليين صلابته و ازالة اوساخه و ظله و تبييضه و ازالة رايحته و نتانته ثم القيت عليه اكسير البياض انفعل و قبل اكثر و احسن حتي ان النحاس غير المنقّٰي لايكاد يقبل و ان

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 329 *»

قبل لايكاد ان يكون فضة تامة و ان كان قبل عشر منه من الواحد مثلاً و اما المنقي فلعله يقبل المائة منه من الواحد لاستعداده و قربه من المؤثر فتلك التنقية ليست بالاكسير و انما هي بمُعِدّات خارجية و املاح و صوابين غاسلة داخلة خارجة و دخولها بتشاكلها و تجانسها البتة و خروجها ببينونتها البتة و انما الصانع الكامل لايكوِّن قبل ان يمكّن لان الامكان لايكوَّن بالفتح قبل ان يمكّن لبعد المناسبة.

و لو عرفت هذه الكلمات العجيبة الغريبة عرفت ان الوجودات و الفعليات الشرعية و الاخلاق الزكية و الصور المستقيمة الحسنة الكامنة في وجود الاناسي الكونية الذين هم امكان الصور الشرعية لاتخرج الي عرصة الفعلية من غير مؤثر خارجي و ذات اولئك الاناسي هي بنفسها الامكان المتساوي فلاتقدر ان تخرج من انفسها شيئاً من تلك الوجودات المتساوية و لابد لها من كامل فاضل في تلك الجهات خارجي و هو وجود النبي و الحجة المعصوم من عند اللّه جل جلاله و لابد بينهم و بين شيعتهم الضعفاء من ممكِّنين مُعِدّين مقرِّبين من التأثر و هم الكمّل من شيعتهم فهم القري الظاهرة الواقعة المجعولة بينهم و بين القري التي بارك اللّه فيها و صارت قري لانها بصفاء قابليتها صارت قري كما ان المباركات قري ثم قدّر اللّه فيها السير للتمكّن و الاستعداد و التقرب فلابد و ان يسيروا فيها ليالي و اياماً  آمنين و سيرهم هذا هو رياضتهم و عبادتهم و اشد اعمالهم و اكملها كيف لا و قد عرفت في ما سبق ان من خرج من بيته ليلتمس باباً من العلم لينتفع به و يعلّمه غيره كتب اللّه له بكل خطوة عبادة الف سنة صيامها و قيامها و انزله اللّه منزلة سبعين صدّيقاً و كان خيراً له من ان يكون له الدنيا كلها فجعلها في الآخرة و اعطاه اللّه بكل حرف مدينة في الجنة و له بكل قدم ثواب شهيد من شهداء بدر و كتب له بكل شعرة علي جسده حجة و ذلك في مسئلة واحدة و ان تعلّم باباً من العلم كان افضل من ان يصلي الف ركعة تطوعاً فبالبداهة السير في القري الظاهرة افضل العبادات و اعظم المجاهدات فان ذلك تكمّل بكامل و ساير الحركات حركة الناقص في نقصانه و هي لاتنفع الا بعلم ففي الحقيقة جميع تلك المثوبات تمثيل و لا نسبة بين طلب العلم و العبادة ابداً

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 330 *»

فطلب العلم ساعة واحدة بل خطوة واحدة في طلب العلم افضل من ان تعمر عمر الدنيا و تصلي ليله و تصوم نهاره و لاتنطق الا بقراءة القرآن فاَنّٰي و انّٰي و ذلك انه لم‌يجر عادة اللّه في تكمل ناقص من ذات نفسه و حدوث اثر من غير مؤثر و المؤثر هو صاحب الشرع و الامر و الحكم و لابد من تمكين القوابل بكُمّلي شيعتهم و بالغي مواليهم المتبعين و بغير التمكين لايتعلق بهم التأثير البتة الاتدري ان كل فاعل يجري فعله علي شكله و مثله فالنار تسخّن و الثلج يبرّد و هكذا فالناقص حال نقصانه افعاله ناقصة لانها اشباحه بل هي اضعف منه بسبعين مرة فكيف تصير هذه الافعال سبب ترقي الناقص و كيف تستخرج صورة الكمال بهذه الاسباب الناقصة من القوة الي الفعلية قل كل يعمل علي شاكلته هذا و افعال العباد كلها انفعاليات و الانفعالات الناقصة اما من قصور القابل او قصور الفاعل فان كان الفاعل قاصراً كيف يستخرج من امكان العبد صورة كمال بفاعل قاصر و ان كان القابل قاصراً فكيف يكمل من ذات نفسه ما لم‌يكمله غيره فثبت احتياجه بفاعل مكمّل خارجي و هو المطلوب هذا و ذلك من المجربات المشهودة لكل احد ان المجانس يتكمل بالمجانس الكامل و يتقوي مكنون قواه به حتي ان الشاة تطفر من النهر اذا رأت شاة اخري تطفر و تميل اين‌ما تميل مجانستها البتة و الانسان يكتسب الجود من معاشرة الجواد و البخل من معاشرة البخيل و اللؤم من معاشرة اللئيم و الشجاعة من معاشرة الشجاع و الجبن من معاشرة الجبان و ذلك بيّن ظاهر فكذلك الانسان يتكمّل بمعاشرة الكامل و يكتسب الاخلاق الزكية بمعاشرة ذي الاخلاق الزكية و يكتسب العلم بمعاشرة العالم و الزهد بمعاشرة الزاهد و هكذا و هذا الاكتساب اعظم مما يستفيده الرجل من الامر و النهي الاتري وعظ غير المتعظ ليس له موقع في قلوب الناس و اما وجود المتشرع و مداومته علي التشرع و رؤية الناس له تميلهم الي التشرع اعظم و اعظم و هذا معني قول الصادق7 كونوا دعاة الي انفسكم بغير السنتكم و قوله كونوا دعاة للناس بغير السنتكم ليروا منكم الورع و الاجتهاد و الصلوة و الخير فان ذلك داعية بالجملة المرء علي دين خليله و مكتسب من جليسه و عن اميرالمؤمنين

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 331 *»

7 لاينبغي للمرء المسلم ان يؤاخي الفاجر فانه يزيّن له فعله و يحب ان يكون مثله و عن ابي‌الحسن7 قال قال عيسي بن مريم7 ان صاحب الشر يعدي و قرين السوء يردي فانظر من تقارن و عن النبي9 ثلثة مجالستهم تميت القلب الجلوس مع الانذال و الحديث مع النساء و الجلوس مع الاغنياء و عن النبي9 المرء علي دين خليله و قرينه و روي انه قال لقمن لابنه يا بنيّ لاتقرب فيكون ابعد لك و لاتبعد فتهان كل دابة تحب مثلها و ان ابن آدم يحب مثله و لاتنشر بزّك الا عند باغيه كما  ليس بين الذئب و الكبش خلّة كذلك ليس بين البارّ و الفاجر خلّة من يقترب من الزفت يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه من يحب المراء يشتم و من يدخل مداخل السوء يتهم و من يقارن قرين السوء لايسلم و من لايملك لسانه يندم و عن ابي‌جعفر7 يا صالح اتبع من يبكيك و هو لك ناصح و لاتتبع من يضحكك و هو لك غاشّ و ستردون الي اللّه جميعاً فتعلمون و عن علي7 قال رسول اللّه9 انظروا من تحادثون فانه ليس من احد ينزل به الموت الا مثّل له اصحابه الي اللّه ان كانوا خياراً فخيار و ان كانوا شراراً فشرار و ليس احد يموت الا تمثلتُ له عند موته و روي انه قالت الحواريون لعيسي بن مريم8 يا روح‌اللّه من نجالس قال جالسوا من يذكركم اللّه رؤيته و يزيد في علمكم منطقه و يرغبكم في الآخرة عمله و روي انه سئل رسول اللّه9 اي الجلساء خير قال من يذكركم اللّه رؤيته الخبر كما مر و عن الرضا7 من استفاد اخاً في اللّه استفاد بيتاً في الجنة و عن ابي‌عبداللّه7 قال النبي9 مااستفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الاسلام مثل اخ يستفيده في اللّه ثم قال ابوعبداللّه7 لاتزهدوا في فقراء شيعتنا فان الفقير ليشفع يوم القيمة في مثل ربيعة و مضر ثم قال يا فضل انما سمي المؤمن مؤمناً لانه يؤمن علي اللّه فيجيز امانه ثم قال اماسمعت اللّه يقول في اعدائكم اذا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 332 *»

رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيمة (فما لنا من شافعين و لا صديق حميم).

بالجملة المعاشرة مكسبة شديدة و مؤثرة عظيمة فهي مكمّلة للمرء و ممكّنة لقابليته و بدونها لايكاد يتمكن قابليته للتأثر من العالي ابداً  الاتري ان اللّه سبحانه كيف اجري حكمته و خلق بين العرش و الكرسي الفاعلين و الارض المفعولة ممكّنات و هي السموات المخلوقة من اشعة الكرسي فهي تُعِدّ الارض و تصلحها لان يتعلق نفس الكرسي و تصير انساناً و لولا تمكين السموات للارض لماناسبت اشعة الكرسي و انواره حتي تنفعل منها فهي اي السموات بمنزلة القري الظاهرة بين القري المباركة التي هي العرش و الكرسي و بين الارض التي هي مقام الضعفاء و كذلك جعل اللّه تعالي بين آل‌محمد: الذين هم من اعالي الوجود و بين الشيعة الضعفاء علماء هم خزنة علومهم و مستودع اسرارهم و عرفاء بمراداتهم كما قال ابوجعفر7 نحن خزان اللّه في الدنيا و الآخرة و شيعتنا خزاننا انتهي فاولئك العلماء هم المجانسون مع الرعية الضعفاء الممكّنون قابليتهم للاستفادة من آل‌محمد: في زمان ظهورهم و غيابهم و لولا اولئك لم‌ينتفع احد من آل‌محمد: لبعد المشاكلة و المناسبة الاتري ان صبياً اذا رأي كبيراً يصنع صنعة لايميل الي تلك الصنعة و لايحتمل في نفسه انه يقدر علي ذلك و لعله يري تلك من خواص الكبار اما اذا رأي صغيراً مثله يعمل عملاً يميل اليه و يظن انه ايضاً يقدر عليه و يكتسب منه فهكذا اذا رأت الضعفاء بعض الشيعة الذين هم في عرضهم علي صفة يظنون انهم قادرون عليها فيميلون الي العمل بها فاذا داوموا صاروا مثلهم و قاموا مقامهم و استعدوا لما يستعدون له و يتعلق بهم ما كان يتعلق بهم من الحجة فيودع فيهم ما كان يودع فيهم و انما مثل هؤلاء الضعفاء عند الاقوياء مثل الضوء من الضوء الاتري ان الدهن مايع مركب من العناصر و النار فيه بالقوة اذ ليس فيه نار بينة فاذا قربته من جمرة او سراج طرح حرارته التي هي مثاله عليه اي علي الدهن فغاصت في اعماقه فلما كانت الحرارة مائلة الي الانبساط و الانتشار بطباعها و تعلقت بالدهن اذا غلبت مالت الي الانبساط ففرّقت اجزاء الدهن و رققته و هبأته و جعلته قريباً من جسم النار في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 333 *»

اللطافة فاستعد لما يستعد له جسم النار و قوّت الحرارة ما فيه من الاجزاء النارية و احالت اجزاءه الي النار و جففت رطوباته المطفية للنار و سخّنته بطرد البرودات حتي ظهر عليه النار و اشتعل و صار مثل السراج الاول و صار عرش استواء النار الغيبية كالسراج الاول و لولا مماسة هذه النار الظاهرة التي هي السراج الاول الذي هو القرية الظاهرة بين الادهان و بين القرية المباركة التي هي النار الغيبية لماناسب الدهن المرطوبي السيال المايع البارد النار الغيبية و لاحكاها و لا دل عليها فالسراج الاول يمكّن قابلية الدهن حتي يصير قابلاً فيشتعل النار الغيبية فيه فكُمّلوا الشيعة كثر اللّه امثالهم هم السرج الموقدة المشتعلة و جعلهم اللّه ممكّنة قوابل الضعفاء حتي يطردوا عنهم الاعراض و يزيلوا عنهم الامراض و يصفوا قوابلهم عن الكدورات حتي يبلغوهم مبالغ انفسهم و يسووهم في الاستعداد بانفسهم فاذا صاروا مثلهم صاروا قابلين لما كان الكُمّلون قابلين له فحكوا انوار الحجج و اشتعلوا باسمائهم و صفاتهم و انوارهم و قاموا مقامهم في الاداء لا فرق بينهم و بينهم الا انهم عبيدهم فهم سلام اللّه عليهم اذا تكلموا تكلموا عن انفسهم و هؤلاء اذا تكلموا رووا عن امامهم و حكوا عنه قال7 اعرفوا منازل شيعتنا بقدر روايتهم عنا فهم اي الشيعة علي درجات و مراتب علي حسب الرواية و الحكاية الناشئة من صفاء قوابلهم و كدورتها فافهم.

فصل: هنا شبهة عظيمة تعرض لمنتحلي الحكمة و العرفان غير المستكملين و هي ان الحجج: قد نزلوا الي مقام البشرية و الجسمانية فرآهم الناس كما يري بعضهم بعضاً و عاشروهم كمعاشرة بعضهم بعضاً فهم قد جانسوا ساير الرعية في البشرية و هم كاملون مكمّلون من كل جهة فمع وجودهم اي حاجة الي كامل من الشيعة و يمكن الاكتفاء بهم كما كان الناس يأخذون عن النبي و الائمة: في زمنهم من غير حاجة الي غيرهم و هذه شبهة عظيمة عرضت لهم لاجل عدم اخذ المسئلة عن اهلها.

فاقول و لا قوة الا باللّه لا شك انهم سلام اللّه عليهم قد ماثلوا الرعية لقوله

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 334 *»

تعالي (انا بشر مثلكم) و المماثلة تتحقق في النوع و ليس المراد انا بشر مثل اشخاصكم لاستلزامه التضادّ فان من الاشخاص ابيض و احمر و منهم صحيح و مريض و منهم سفيه و حليم و منهم عالم و جاهل و منهم ناقص و كامل و منهم عادل و فاجر فليس المراد المشابهة في الشخص و انما المراد المماثلة في نوع الانسان و المماثلة في النوع ليست توجب المشاكلة و التقارب في الشكل فهم لكونهم اول ما خلق اللّه و اشرف ما برأ اللّه في جميع العوالم اشرف من اهل ذلك العالم و الطف و اصفي و اكمل و اكبر و اجل و اقوي و انبل من جميع افراد البشر بحيث لايفوقهم فائق و لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق و لايطمع في ادراكهم طامع ففي حديث طارق بن شهاب عن اميرالمؤمنين7 الامام المطهّر من الذنوب المطّلع علي الغيوب الامام هو الشمس الطالعة علي العباد بالانوار فلاتناله الايدي و الابصار  الي ان قال فهم رأس دايرة الايمان و قطب الوجود و سماء الجود و شرف الموجود  الي ان قال مطهر من الذنوب مبرؤ من العيوب مطلع علي الغيوب ظاهره امر لايملك و باطنه غيب لايدرك واحد دهره و خليفة  اللّه في نهيه و امره لايوجد له مثيل و لايقوم له بديل فمن ذا ينال معرفتنا او يعرف درجتنا او يشهد كرامتنا او يدرك منزلتنا حارت الالباب و العقول و تاهت الافهام فيما  اقول تصاغرت العظماء و تقاصرت العلماء و كلّت الشعراء و خرست البلغاء و لكنت الخطباء و عجزت الفصحاء و تواضعت الارض و السماء عن وصف شأن الاولياء و هل يُعرف او يوصف او يعلم او يفهم او يدرك او يملك من هو شعاع جلال الكبرياء و شرف الارض و السماء جل مقام آل‌محمد عن وصف الواصفين و نعت الناعتين و ان يقاس بهم احد من العالمين  الي ان قال و الامام يا طارق بشر ملكي و جسد سماوي و امر الهي و روح قدسي و مقام علي و نور جلي و سر خفي فهو ملكي الذات الهي الصفات زايد الحسنات عالم بالمغيّبات  الي ان قال فهم سر اللّه المخزون و اولياؤه المقربون و امره بين الكاف و النون  الي ان قال فهم الكواكب العلوية و الانوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية في سماء

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 335 *»

العظمة المحمدية و الاغصان النبوية النابتة في الدوحة الاحمدية و الاسرار الالهية المودعة في الهياكل البشرية و في حديث عبدالعزيز عن الرضا7 الامام كالشمس الطالعة للعالم و هي في الافق بحيث لاتناله الايدي و الابصار  الي ان قال الامام واحد دهره لايدانيه احد و لايعادله عالم و لايوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير الي ان قال فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام و يمكنه اختياره هيهات هيهات ضلت العقول و تاهت الحلوم و حارت الالباب و حسرت العيون و تصاغرت العظماء و تحيرت الحكماء و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت الالبّاء و كلّت الشعراء و عجزت الادباء و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه او فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز و التقصير و كيف يوصف او ينعت بكنهه او يفهم شي‌ء من امره او يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه لا كيف و انّٰي و هو بحيث النجم من ايدي المتناولين و وصف الواصفين  الي غير ذلك من الاخبار المتواترة الدالة علي ارتفاع مقامهم عن وصف الواصفين و نعت الناعتين و ادراك المدركين فهم و ان كانوا في الهياكل البشرية الا انهم اسرار ربانية و مثلهم في البشرية العرش في الجسمانية فما يغني كون العرش جسماً المخلوقين من التراب و اين التراب و رب الارباب و انّٰي يناله ايديهم او يدركه اعينهم او يمكنهم الانتفاع منه فالامام و ان كان بشراً الا انه في اعلي درجات البشرية و ارفع مقامات الانسانية و لا مناسبة بينه و بين ساير الرعية ممن لايليهم في المقام و اي عجب في ما قلنا و من البين ان رجلاً من السوقة لايناسب العالم النحرير الفاضل و الولي الزاهد الكامل و لايستأنس به و لاينتفع من صحبته و لايقدر علي الصبر معه و المماشاة معه يوماً واحداً فكيف يناسب ساير الناس الامام الذي هو في اعلي مقامات الكمال و هو اول ما خلق اللّه في كل رتبة و اوضح من ذلك ان الصبي يستأنس بالصبي و لايكاد يقدر ان يجالس والديه فضلاً عن غيرهما و لو حبساه معهما لخمل و صار مكروباً مغموماً حزيناً حصيراً و يمنع نماه و نضارته البتة كل ذلك انه لايطيق حرارة تأديب الوالدين و ادبهما و لا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 336 *»

بد له من ان يلاعب اقرانه حتي يعيش فرحاً ناضراً و كذلك الرجل الداني لايقدر ان يماشي الكامل فانه يحترق من نار ادبه و زهده و يفسد و يستولي عليه الجنون و المِرّة و لابد له من ان يجالس اقرانه و يحاكي امثاله حتي ينمو و يعيش و اصل سر ذلك ان البني مركبة في هذا العالم من اصول و فضول و لابد في بقائها من الامداد لكل منهما فلو مشي الانسان بالكلية بمقتضي الفضول فسد مزاجه و بنيته و بطل اصوله بالكلية و هو خلاف الحكمة و لو مشي بمقتضي الاصول بالكلية و فيه الفضول لاضمحل و تلاشي و فسد و لابد من الامداد لكل من الاصول و الفضول اولاً حتي انه لو كان فضوله اكثر من اصوله لابد من تكثير امداد الفضول و تقليل امداد الاصول اولاً ثم التدرج في تقليل الفضول و تكثير الاصول شيئاً بعد شي‌ء حتي لايحسّ بنيته بذلك و يتعوّد لترك الفضول و الاخذ بالاصول و لاجل ذلك يترك الطفل الذي فضوله اكثر من اصوله حتي يلعب بمقتضي فضوله سبع سنين ثم يؤخذ بالتاديب قليلاً قليلاً حتي يقلّ فضوله و يكثر اصوله الاتري ان الزجاجة الساخنة اذا القيت في الماء البارد انكسرت و اما اذا بردتها شيئاً بعد شي‌ء تعودت ثم اذا القيتها في الثلج ماانكسرت البتة و الطالع من الحمام الحار اذا اصاب بدنه ريح بارد استحصف بدنه و اما اذا تعود شيئاً بعد شي‌ء و لاقي البرد بالتدريج ماتضرر و مشي في الثلج و كذلك لايمكن دفع الفضول من البني مرة واحدة و اما اذا كان بالتدريج يمكن دفعها بحيث يعيش سالماً و كذلك بني هذا الناس فيها فضول كثيرة فلو عاشرت الكامل الذي لايمد الا الاصول لهلك في اسرع وقت و لو امدّ الكامل الفضول لكان نقصاً فيه و ذلك كأب ركض مع الطفل و لعب بالتراب و الدوارات و اللُعب فذلك نقص في الانسان العاقل و يعدّ من المجانين فلو بني الكامل علي ان يمدّ فضول الناس لزمه مداهنات و ارتكابات للمكروهات و المعاصي و رخص منكرة و ذلك نقص في حقه و ان اخذ الناقص علي مر الحق لم‌يطق و فسد مزاجه و تلاشي بنيته فلاجل ذلك لايسع الناقص ان يماشي و يسالك الكامل ابداً فلابد و ان يكون بين الخصيصين و العوام وسائط يتدرجون في السلوك معهم حتي يترقوا شيئاً بعد شي‌ء

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 337 *»

و انت لو ادركت ما ذكرت من مُرّ الحكمة لعرفت سر سكوت الاوصياء سلام اللّه عليهم و غلبة دولة الباطل فان بنية العالم لاتطيق حكمهم و شمس تأديبهم و لابد من عروض هذا الغيم المتراكم و حيلولته بينهم و بينها حتي يشرق نورها عليهم من وراء حجاب شيئاً بعد شي‌ء و ترقق الحجاب و تكشط النقاب حتي تطيقوا رؤية شمس وجودهم سلام اللّه عليهم حتي انه لو لم‌يغصب خلافتهم و لم‌يغلب دولة الباطل لدل علي بطلان الحكمة و بطلان امر الاوصياء نعوذ باللّه و هذا الغصب و غلبة الباطل هو الدليل علي اشتداد نور هدايتهم و علو مقام آل‌محمد: و كمال حقيتهم و غاية حكمتهم سلام اللّه عليهم فاذاً لابد و ان يكون بين الناقصين و بينهم وسائط عديدة و ذلك ما ابانه اللّه عزوجل في كتابه و قال (و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً  آمنين) و قد علمت ما روي في تفسيرها ان القري المباركة هم سلام اللّه عليهم و القري الظاهرة حملة علومهم و يقول الجبار جل جلاله (و قدرنا فيها السير) فذلك هو مقتضي التقدير علي نهج الحكمة و الصواب و تقديم الجارّ يفيد الحصر يعني لايمكن السير في القري المباركة و انما المقدّر السير فيها خاصة ثم امر علي مقتضي الحكمة و التقدير (سيروا فيها) و حكم فلايجوز التخلف عنه بل اقول ان القري الظاهرة متعددة و هي ست قري قرية النجباء الجزئيين و النقباء الجزئيين و النجباء الكليين و النقباء الكليين و قرية الاركان و دون اولئك جميعاً العلماء الظاهريون ثم الاخوان من ساير المؤمنين و لايقدر الناقص في اول سيره علي السير في القرية العلياء ما لم‌يقطع الدنيا و لم‌يدخل فيها و لم‌يصر من اهلها و من البين ان فضول كل قرية دنيا و اعراضها اكثر من العلياء و امداده للفضول و الاعراض اكثر فالناقص ذو الفضول يمكنه اول مرة ان يسير في الدنيا حتي يقل فضوله و يساويها في الدرجة فاذا ساواها اطاق السير في سابقها فيسير حتي يقل فضوله و يغلب اصوله حتي يساويها و غاية قوة كل قرية ان يكمّل الناقص حتي يجعله مثله لا ازيد فلو سايره الناقص صار مثله و بلغ مقامه ثم يسايران معاً في القرية العلياء و هكذا و ذلك تقدير العزيز الحكيم في كل شي‌ء فكيف يقدر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 338 *»

الامة الناقصة ان تنتفع من النبي الكامل اول وهلة نعم يمكنها المجالسة الظاهرة و المكالمة الظاهرة و من الذي بلغ الكمال منهم الا الاقلين و قد جالسهم و كالمهم و حدّثهم و علّمهم ثلثاً و عشرين سنة فبمحض ان غمض عينه ارتدوا علي اعقابهم الا اربعة منهم او ثلثة و قد كان امر ادناهم بالسير في اعلاهم و كذلك ترقّیٰ من ترقّیٰ و ليس الامر بمحض الرؤية العرضية و استماع كلام النبي و الجلوس معه و انما الامر بالتقارب الباطني فلرب مجوسي كان يجلس مع النبي و سلمان في ابعد مكان منه فما ظنك باقربهم منه هل هو المجوسي او سلمان و كذلك يسمع ذلك المجوسي حديثه و يحمله الي سلمان فايهما كان افقه بمعني كلامه و عناية النبي بايهما اشد و تربيته لايهما اقوي و لذلك قال رب حامل فقه و ليس بفقيه و رب حامل فقه الي من هو افقه منه أليس اذا وضعت آجرة بقرب السراج و مرآة بالبعد منه كانت المرآة اقرب منها فلا عبرة بهذه العشرة الظاهرية و ليس المراد بالترقي و التكمل الاسلام الظاهري و اخذ الحديث و من الذي تكمل في عصرهم الا من اتي البيوت من ابوابها و سار بمقتضي التقدير الحكمي الالهي أليس قد روي في الكافي ليس كل من يقول بولايتنا مؤمناً و انما جعلوا انساً للمؤمنين و لو كان الترقي بذلك لماكان المؤمن اقل من الكبريت الاحمر فالمؤمن في كل عصر عزيز واحد بعد واحد و هو الذي ترقّٰي في درجات الكمال علي حسب تقدير العزيز الحكيم و سار في القري المقدّر السير فيها و اتي البيوت من ابوابها.

و ان قلت فلم لم‌يفسد بني معاشري آل‌محمد: من قوة حرارتهم قلت من سار فيهم و من عاشرهم و انما كانوا يعاشرون ظاهراً و بالعرض و اذا خرجوا من عنده ذهبوا الي قرنائهم و امثالهم و سايروهم و سكنوا اليهم و متي عزم عامة الناس علي الترقي و السير و انما اسلم الناس بلسانهم ثم ذهبوا الي مكاسبهم و يعملون بعض الاعمال الشرعية بابدانهم و قلوبهم هواء نعم هذا القسم من المعاشرة لايضر اذا عاشر الانسان و لكن كذلك لاينفع كل النفع الا ان يأتي بالشروط ففي الكافي عن سلام بن المستنير قال كنت عند ابي‌جعفر7 فدخل عليه حمران بن اعين و سأله عن اشياء فلما همّ حمران بالقيام قال لابي‌جعفر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 339 *»

7 اخبرك اطال اللّه بقاك لنا و امتعنا بك انا نأتيك فمانخرج من عندك حتي ترقّ قلوبنا و تسلو انفسنا عن الدنيا و يهون علينا ما في ايدي الناس من هذه الاموال ثم نخرج من عندك فاذا صرنا مع الناس و التجار احببنا الدنيا قال فقال ابوجعفر7 انما هي القلوب مرة تصعب و مرة تسهل ثم قال ابوجعفر7 اما ان اصحاب محمد9 قالوا يا رسول اللّه نخاف علينا النفاق قال فقال لهم و لم تخافون ذلك قالوا اذا كنا عندك فذكّرتنا و رغّبتنا وجلنا و نسينا الدنيا و زهدنا حتي كأَنّا نعاين الآخرة و الجنة و النار و نحن عندك فاذا خرجنا من عندك و دخلنا هذه البيوت و شممنا الاولاد و رأينا العيال و الاهل يكاد ان‌نحول عن الحالة التي كنا عليها عندك و حتي كأنا لم‌نكن علي شي‌ء افتخاف علينا ان يكون ذلك نفاقاً فقال لهم رسول اللّه9 كلا ان هذه خطوات الشيطان فيرغّبكم في الدنيا واللّه لو تدومون علي الحال التي وصفتم انفسكم بها لصافحتكم الملئكة و مشيتم علي الماء و لولا انكم تذنبون فتستغفرون اللّه لخلق اللّه خلقاً حتي يذنبوا ثم يستغفروا اللّه فيغفر اللّه لهم ان المؤمن مفتن توّاب اماسمعت قول اللّه عزوجل( ان اللّه يحب التوابين و يحب المتطهرين) و قال (استغفروا ربكم ثم توبوا اليه) انتهي فكذلك كانوا يعاشرون الحجج ثم اذا رجعوا الي اشكالهم يعودون الي ما كانوا اليه و يستمدون لفضولهم و اما الذين كانوا يدخلون البيوت من ابوابها و يسيرون في السبيل اي القري الوسائط علي نظم التقدير فلم‌يك يتفاوت لهم القرب الظاهري و البعد الظاهري و اينما كانوا هم الاقربون فعن مهزم الاسدي قال قـال ابوعبداللّه7 يا مهزم شيعتنا من لايعدو صوته سمعه و لا شحناه يديه و لايمتدح بنا معلناً و لايجالس لنا عائباً و لايخاصم لنا قالياً  ان لقي مؤمناً اكرمه و ان لقي جاهلاً هجره قلت جعلت فداك فكيف اصنع بهؤلاء المتشيعة فقال فيهم التمييز و فيهم التبديل و فيهم التمحيص تأتي عليهم سنون تفنيهم و طاعون يقتلهم و اختلاف يبددهم شيعتنا من لايهرّ هرير الكلب و لايطمع طمع الغراب و لايسأل عدونا و ان مات

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 340 *»

جوعاً قلت جعلت فداك فاين اطلب هؤلاء قال في اطراف الارض اولئك الخفيض عيشهم المنتقلة ديارهم ان شهدوا لم‌يعرفوا و ان غابوا لم‌يفقدوا و من الموت لايجزعون و في القبور يتزاورون و ان لجأ اليهم ذو حاجة منهم رحموه لن‌يختلف قلوبهم و ان اختلف بهم الدار ثم قال قـال رسول اللّه9 أنا مدينة العلم و علي الباب و كذب من زعم انه يدخل المدينة لا من قبل الباب و كذب من زعم انه يحبني و يبغض علياً و عن ابي‌عبداللّه7 المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر فمن رأي منكم الكبريت الاحمر و عن ابي‌جعفر7 الناس كلهم بهائم ثلثاً الا قليل من المؤمنين و المؤمن غريب ثلث مرات و قال ابوعبداللّه7 لابي‌بصير اما واللّه لو أني اجد منكم ثلثة مؤمنين يكتمون حديثي مااستحللت ان اكتمهم حديثاً و عن سدير الصيرفي قال دخلت علي ابي‌عبداللّه7 فقلت له واللّه مايسعك القعود فقال و لم يا سدير قلت لكثرة مواليك و شيعتك و انصارك واللّه لو كان لأميرالمؤمنين ما لك من الشيعة و الانصار و الموالي ماطمع فيه تيم و لا عدي فقال يا سدير و كم عسي ان يكونوا قلت مائة‌الف قال مائة‌الف قلت نعم و مائتي‌الف فقال و مائتي‌الف قلت نعم و نصف الدنيا قال فسكت عني ثم قال يخفّ عليك ان تبلغ معنا الي ينبع قلت نعم فامر بحمار و بغل ان يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال يا سدير تري ان تؤثرني بالحمار قلت البغل ازين و انبل قال الحمار ارفق بي فنزلت فركب الحمار و ركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة فقال يا سدير انزل بنا نصلي ثم قال هذه ارض سبخة لايجوز الصلوة فيها فسرنا حتي صرنا الي ارض حمراء و نظر الي غلام يرعي جداء فقال7 واللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذا الجداء ماوسعني القعود و نزلنا و صلينا فلما فرغنا من الصلوة عطفت الي الجداء فعددتها فاذا هي سبعة‌عشر و عن سماعة بن مهران قال لي عبدصالح ياسماعة أمنوا علي فرشهم و اخافوني اما واللّه لقد كانت الدنيا و ما فيها الا واحد يعبد اللّه و لو كان

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 341 *»

معه غيره لاضافه اللّه عزوجل اليه حيث يقول( ان ابرهيم كان امة قانتاً للّه حنيفاً و لم‌يك من المشركين) فغبر بذلك ما شاء اللّه ثم ان اللّه آنسه باسمعيل و اسحق فصاروا ثلثة اما واللّه ان المؤمن لقليل و ان اهل الكفر لكثير أتدري لم ذاك فقلت لاادري جعلت فداك فقال صيّروا انساً للمؤمنين يبثون اليهم ما  في صدورهم فيستريحون الي ذلك و يسكنون اليه و عن حمران بن اعين قال قلت لابي‌جعفر7 جعلت فداك ما اقلنا لو اجتمعنا علي شاة ماافنيناها فقال ألااحدثك باعجب من ذلك المهاجرون و الانصار ذهبوا الا و اشار بيده ثلثة قال حمران فقلت جعلت فداك ما حال عمار قال رحم اللّه عمار ابااليقظان بايع و قتل شهيداً فقلت في نفسي ما شي‌ء افضل من الشهادة فنظر اليّ فقال لعلك تري انه مثل الثلثة ايهات ايهات و عن علي بن جعفر قال سمعت اباالحسن 7 يقول ليس كل من يقول بولايتنا مؤمناً و لكن جعلوا انساً للمؤمنين الي غير ذلك من الاخبار.

فتبين ان المؤمنين السايرين في سبيل اللّه علي منهاج آل‌محمد: في كل عصر قليلون و ان اغلب الناس عن الصراط لناكبون قال اللّه تعالي (و ما اكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين) و قال (و مايؤمن اكثرهم باللّه الا و هم مشركون) و قال (اكثرهم لايعقلون)(اكثرهم لايعلمون)(و قليل من عبادي الشكور)(و قليل ما هم) الي غير ذلك من الآيات الساطعة المنار فتبين ان رؤية المعصوم ماتغني عنهم ما لم‌يسلكوا علي منهاج المعصوم و هم قد جعلوا لبيوت علومهم ابواباً فمن اراد البيوت فليأتها من ابوابها و هم الذين قدّر اللّه السير فيهم و اوجب الاخذ عنهم و قد عرفت ان لهم ايضاً درجات و ليس للناقصين مناسبة لاعاليهم حتي يسيروا في الادنين قرية بعد قرية فلابد للسالك من الابتداء بقرية تليه فيسير فيها باخذ العلم و العمل و التكمل بالمعاشرة معها و الملازمة لخدمتها حتي يساويها ثم يسيران معاً او يسير وحده في التي تليه و هكذا علي الترتيب الطبيعي و ذلك امر محتوم و حكم معلوم فمن تخلف عنه لم‌يجر عادة اللّه بكماله فهو خارق للعادة و ليس بامانيكم و لا اماني اهل الكتاب من يعمل سوء يجز به و لاجل ذلك قلنا انه يحتاج مع وجود

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 342 *»

شيخ هاد الي رفيق في عرضه حتي يسايره و لايحترق بحرارة الاستاد و ان كان مقارنا فان الاستاد كامل تلك الرتبة و هو ناقصها فلايطيقه كما ينبغي نعم يساير رفيقه في آناء الليل و النهار و يردون الي الاستاد كلما اشكل عليهم و يستهدونه اذا ضلوا و يسألونه اذا جهلوا و لكن السير معه فلا فانهما لايطيقانه و يفسد بنيتاهما و هذا ما اردنا الاشارة اليه هنا.

فصل: اعلم ان لتحصيل العلم طرقاً عديدة نذكر هنا ما يتيسر؛

منهـــا ما هو الطريق المعروف الشايع بين الناس و هو ان يبتدي بتعلم الحروف ثم القراءة ثم علم الالفاظ ثم علم البيان و المعاني و البديع ثم علم المنطق ثم علم الحديث و التفسير و علم الاصول و الفقه و علم الرجال و الكلام و الحكمة و امثال ذلك مما هو المتعارف بين اهل الزمان فاذا علموا ذلك يسمّون بالعلماء سواء كان لهم التقوي و الزهد و الورع ام لم‌يكن و لما كان قبل ازماننا الدولة لاهل الباطل و كان الشايع في البلاد التسنن و العلماء من اهله و كان كتب العلم من تصانيفهم و اكتفي الشيعة بها زعماً منهم ان العلوم اللفظية لا دخل لها بالمذهب و انما هي رواية سنن العرب في تكلمهم و العلوم العقلية ايضاً ليست بنقلية تقليدية تحتاج الي كتاب و سنة و انما يجب ان نتدبر فيها بعقولنا كما اخذوا في تعريف الحكمة سواء طابق الشرع ام لم‌يطابق و اما الكلام و ان اخذوا فيه ذلك و لكنهم لم‌يفوا به ابداً فلا ضير اذا كان الكتب من تصانيف الخارج عن المذهب و اما علم المنطق فلا دخل له بالمذهب و يجوز ان يكون للنصاري ايضاً و كذلك ساير العلوم الغريبة ان احتيج اليها نعم ان القرآن و الحديث من اللّه و رسوله و هما من المذهب و اما الرجال فسواء كان من السنية ام الزيدية ام الفطحية او غيرهم لايتفاوت فانها قرائن ظنية اجتهادية فلاجل ذلك خاضوا في كتب العامة و اكتفوا بها و من البين ان الانسان في اول دخوله في علم يكتفي بسطوح ذلك العلم و متونه و لايسعه الاستدلال الا ان يصير ماهراً في ذلك العلم و واظب عليه و المقرر في اعصارنا انهم لايحصلون مهارة الا في الاصول و الفقه و قد يتكلمون في الكلام بكلمات

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 343 *»

و منهم من له مهارة فيه و اما ساير العلوم فيأخذون عن تقليد محض و يفحصون فحصاً عن بعض المسائل الخلافية بزعمهم فبذلك يصير مبني علومهم علي تقليد العامة.

و ان قيل ان ساير العلوم نقلية و لايضر التقليد فيها مع وثاقة النقلة فانها مأخوذة عن العرب تقليداً  قلت ليس الامر بكله كذلك بل ثلث كل علم من علوم الالفاظ نقلية و رواية تقريباً و البواقي اجتهادية و دراية منهم كما هو ظاهر لمن نظر و تدبر و القوم و ان بلغوا مبلغ الاجتهاد يقلدون علماء الالفاظ في دراياتهم من غير روية فاذاً اساس علومهم علي التقليد ثم يبنون عليه البواقي و لاسيما اذا قرأوا في الكتب الكلامية منهم سطحاً و لم‌يكملوه حتي يستدلوا فينتقش في اذهانهم و سجية الناس اذا قرأوا في كتاب تبجيل صاحبه و تعظيمه و حسن الظن به كائناً من كان و لاسيما اذا كان ميتاً و لاسيما اذا كان من المتقدمين فيشتد حسن الظن به و التعظيم له فبذلك فسد كثير من امر العلوم من حيث لايشعرون حتي انه لو نطق امرء في غير ذلك رجموه بانه قادح في العلماء و متكلم علي خلاف الاجماع و يستدلون علي بطلان قوله بكتب اللفظيين مع انهم من العامة و يستوجبون علماً و عملاً  اتباع دراياتهم الا قليل من العلماء الكاملين فلا لامر اللّه يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فماتغن النذر عن قوم لايؤمنون و هذه المخالفة اعظم ذنوبنا في آخر الزمان و يرموننا بانكم قدحتم العلماء و خرجتم عن الاجماع بل لو ازري امرء اليوم بعلم المنطق مثلاً رموه بالخروج عن الاجماع كما رموني به و ازروا عليّ و هذا سبيل اكثر طلبة العلوم في زماننا هذا فانظر لنفسك و اللّه الموفق للصواب.

و منهــا طريقة المتقين و ارباب اليقين و اصحاب القلوب و ذوي العلم و العمل و هم لما سمعوا قول اللّه سبحانه (ان تتقوا اللّه يجعل لكم فرقاناً) و قوله عزوجل (فاتقوا اللّه و يعلمكم اللّه) و قول ابي‌عبداللّه7 العلم مقرون الي العمل فمن علم عمل و من عمل علم و العلم يهتف بالعمل فان اجابه استقر و الا ارتحل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 344 *»

عنه و ما  روي عن علي بن الحسين8 مكتوب في الانجيل لاتطلبوا علم ما لاتعلمون و لمّاتعملوا بما علمتم فان العلم اذا لم‌يعمل به لم‌يزدد صاحبه الا كفراً و لم‌يزدد من اللّه الا بعداً  وعن ابي‌عبداللّه7 قيل له بم يعرف الناجي قال من كان فعله لقوله موافقاً فانما ثبت له الشهادة و من لم‌يكن فعله لقوله موافقاً فانما ذلك مستودع و عن اميرالمؤمنين7 الدنيا كلها جهل الا مواضع العلم و العلم كله حجة الا ما عمل به و العمل كله رياء الا ما كان مخلصاً و الاخلاص علي خطر حتي ينظر العبد بما يختم له و عن اميرالمؤمنين7 من خطبة له ايها الناس اذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون ان العالم العامل بغيره كالجاهل الحاير الذي لايستفيق عن جهله بل قد رأيت ان الحجة عليه اعظم و الحيرة ادوم علي هذا العالم المنسلخ من علمه منها علي هذا الجاهل المتحير في جهله و كلاهما حاير باير لاترتابوا فتشكوا و لاتشكوا فتكفروا و لاترخّصوا لانفسكم فتدهنوا و لاتدهنوا في الحق فتخسروا و ان من الحق ان تفقهوا و من الفقه ان لاتغتروا و ان انصحكم لنفسه اطوعكم لربه و اغشّكم لنفسه اعصاكم لربه و من يطع اللّه يأمن و يستبشر و من يعص اللّه يخب و يندم و عن ابي‌عبداللّه7 لايقبل اللّه عملاً الا بمعرفة و لا معرفة الا بعمل فمن عرف دلته المعرفة علي العمل و من لم‌يعمل فلا معرفة له الا ان الايمان بعضه من بعض و عن ابي‌جعفر7 اذا سمعتم العلم فاستعملوه ولتتسع قلوبكم فان العلم اذا كثر في قلب رجل لايحتمله قدر الشيطان عليه فاذا خاصمكم الشيطان فاقبلوا عليه بما تعرفون فان كيد الشيطان كان ضعيفاً فقيل و ما الذي نعرفه قال خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه عزوجل و عن الصادق7 لا قول الا بعمل و لا قول و عمل الا بالنية و لاقول و عمل و نية الا باصابة السنة و عنه7  العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج و عالم تارك لعلمه فهذا هالك و ان اهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه و ان اشد اهل النار ندامة و حسرة رجل دعا عبداً  الي اللّه فاستجاب له و قبل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 345 *»

منه فاطاع اللّه فادخله الجنة و ادخل الداعي النار بترك عمله و اتباعه الهوي و طول الامل اما اتباع الهوي فيصدّ عن الحق فطول الامل ينسي الآخرة و قال الصادق7 العلم اصل كل حال سنيّ و منتهي كل منزلة رفيعة لذلك قال النبي9 العلم فريضة علي كل مسلم و مسلمة اي علم التقوي و اليقين و قال علي7 اطلبوا العلم و لو بالصين و هو علم معرفة النفس و فيه معرفة الرب جل و عز قال علي7 من عرف نفسه فقد عرف ربه ثم عليك من العلم بما لايصح العمل الا به و هو الاخلاص قال النبي9 نعوذ باللّه مِن علمٍ لاينفع و هو العلم الذي يضادّ العمل بالاخلاص و اعلم ان قليل العلم يحتاج الي كثير العمل لان علم ساعة يلزم صاحبه استعماله طول دهره قال عيسي بن مريم7 رأيت حجراً عليه مكتوب اقلبني فقلبته فاذا علي باطنه من لايعمل بما علم شوم عليه طلب ما لايعلم و مردود عليه ما علم اوحي اللّه تعالي الي داود7 ان اهون ما انا صانع بعالم غير عامل بعلمه اشد من سبعين عقوبة باطنية ان اخرج من قلبه حلاوة ذكري و ليس الي اللّه عزوجل طريق يسلك الا بعلم و العلم زين المرء في الدنيا و سائقه الي الجنة و به يصل الي رضوان اللّه تعالي و العالم حقاً هو الذي ينطق فيه اعماله الصالحة و اوراده الزاكية و صدقه و تقواه لاـ‌لسانه و تصاوله و دعواه و لقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان فيه عقل و نسك و حكمة و حياء و خشية و انا نري طالبه اليوم من ليس فيه من ذلك شيئاً و المعلم يحتاج الي عقل و رفق و شفقة و نصح و حلم و صبر و قناعة و بذل و المتعلم يحتاج الي رغبة و ارادة و فراغ و نسك و خشية و حفظ و حزم  الي غير ذلك من الاخبار.

فهؤلاء لما سمعوا هذه الآيات و الاخبار و لاسيما ما  روي ليس العلم في السماء فينزل اليكم و لا في الارض فيصعد اليكم بل مكنون فيكم مخزون عندكم تخلّقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم و ما  روي انه ليس العلم بالتعلم و انما هو نور يقذفه اللّه في قلب من يحب فينشرح فيشاهد الغيب و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 346 *»

ينفسح فيحتمل البلاء قيل فهل لذلك من علامة يا رسول اللّه قال9 التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل حلوله لعلي نقلتهما بالمعني فبادروا الي تزكية النفس و تصفية القلب و تنقية الصدر و قابلوا بها الاشياء فانطبع فيها الاشياء كما هي و عرفوا اللم و الكيف و الموصول و المفصول و كلما غمّ عليهم شي‌ء من حقايق الاشياء علموا ان ذلك من كدورة في قلوبهم فبادروا الي ازالتها حتي ينطبع فيها كما هو و ذلك ديدنهم في تحصيل العلوم فجعل اللّه بتقويهم لهم فرقاناً فرّقوا بين كل حق و باطل و خير و شر و فازوا باليقين و صاروا من اصحاب الكشف و المشاهدة و هؤلاء هم اولوا الالباب و اهل الموعظة الحسنة كما روي عن النبي9 العقل نور في القلب يفرّق به بين الحق و الباطل و لم‌ينالوا هذا المقام الا علي جناح الموعظة الحسنة و بسوقه و قوده و دلالته و ارشاده و امثال هؤلاء اقل قليل في عصرنا و نواحينا و معاريفنا و من اطلعنا عليه هيهات هيهات اين هم و كم هم اولئك الاقلون عدداً الاعظمون خطراً  اولئك هم صفوة البرايا و عماد الرعايا بهم يدفع اللّه عن البلاد و يرزق العباد رزقنا اللّه مجاورتهم و شرّفنا بمعاشرتهم و جعلنا في زمرتهم و حشرنا معهم بجاه محمد و آل‌محمد: فمثل الاولين كاعمي يسأل بصيراً عن لون كل فرد فرد من الاشياء و عن شكله و صفته و الواجب عليه تعلم الجزئيات طول الدهر و كلما تغير شي‌ء عما كان عليه جهله بعد و تعلم مثل هذا الرجل لاينتهي و لو تعلم عمر الدنيا و مثل الآخرين كمن سعي في تقوية بصره و تجلية عينه حتي شاهد الاشياء دفعة واحدة و صار بصيراً و ان دقّ عليه شي‌ء و لم‌يميزه ببصره سعي في تقوية بصره حتي يدرك الدقايق ايضاً و مثل هذا لايحتاج الي تعلم نعم كان محتاجاً الي تعلم مداواة العين و تجلية البصر عن طبيب مداو و ليس بمحتاج الي مخبر عن شي‌ء فشي‌ء و الي قائد يقوده و شتان بينهما و لاجل ذلك جاء الانبياء بطب النفوس و اصلاح البصاير و لم‌يقعدوا كالمعلمين في مدارس يعلّمون الناس جزئيات الاشياء و تفاصيلها و ما حثّوا بالتعلم فهو علي معنيين احدهما تعلم مداواة ادواء النفوس و ثانيهما تعلم العميانين جزئيات الاشياء اذ لكل مقام اهل و الاعمي العالم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 347 *»

خير من الاعمي الجاهل و اعطوا هؤلاء عصي المجادلة بالتي احسن فهم يمشون بها و يستدلون علي الاشياء التي لايرونها و لايعرفون حقايقها و المصيب من هؤلاء قليل قليل و طريقهم كثير الاشواك و الاخطار و القطّاع و التشعب و قلّ من يهتدي منهم الي المقصود اعاذنا اللّه من شر هذا الطريق و شر ضلاله و مضلّيه و قطّاعه.

و منهــا طريقة المحبين و ارباب المعرفة و اصحاب الافئدة فهؤلاء قصروا النظر الي وجه المحبوب و استأنسوا في ظلاله و آثروه علي ما سواه حتي علي انفسهم ففدوا لمحبوبهم و للتمكن من النظر اليه جميع ما سواه و اهوائهم و مراداتهم و لذّاتهم و علمهم و عملهم فلم‌يحبوا شيئاً سواه و لم‌يطلبوا عداه و لنعم ما قال الشاعر:

كانت لنفسي اهواء مشتتة فاستجمعت اذ رأتك النفس اهوائي
 تركت للناس دنياهم و دينهم شغلاً بذكرك يا ديني و دنيائي
فصار يحسدني من كنت احسده و صرت مولي الوري اذ صرت مولائي

و ما اجل موقع الحديث الذي روي عن يونس بن ظبيان عن الصادق7 في حديث ان اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة حتي ورثوا منه حب اللّه فان حب اللّه اذا ورثه القلب استضاء به و اسرع اليه اللطف فاذا نزل منزلة اللطف صار من اهل الفوايد فاذا صار من اهل الفوايد تكلم بالحكمة فصار صاحب فطنة فاذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة فاذا عمل بها في القدرة عمل بها في الاطباق السبعة فاذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلب في لطف و حكمة و بيان فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته و محبته في خالقه فاذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبري فعاين ربه في قلبه و ورث الحكمة بغير ما ورثته الحكماء و ورث العلم بغير ما ورثته العلماء و ورث الصدق بغير ما ورثه الصديقون ان الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت و ان العلماء ورثوا العلم بالطلب و ان الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع و طول العبادة فمن اخذه بهذه السيرة اما ان يسفل و اما ان يرفع و اكثرهم الذي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 348 *»

يسفل و لايرفع اذا لم‌يرع حق اللّه و لم‌يعمل بما امره به فهذه صفة من لم‌يعرف اللّه حق معرفته و لم‌يحبه حق محبته فلاتغرنك صلوتهم و صيامهم و رواياتهم و علومهم فانهم حمر مستنفرة ثم قال يا يونس اذا اردت العلم الصحيح فعندنا اهل البيت فانا ورثناه و اوتينا شرح الحكمة و فصل الخطاب الخبر و قد قال الصادق7 في هؤلاء اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و اذا هاج ريح المحبة استأنس في ظلال المحبوب و آثر المحبوب علي ما سواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و اختارهما علي كل شي‌ء غيرهما و اذا استقام علي بساط الانس بالمحبوب مع اداء اوامره و اجتناب نواهيه وصل الي روح المناجاة و القرب الخبر.

فاذا وصل الانسان الي قرب المحبوب و قصر نظره في مشاهدة جماله لم‌ير ابداً غير جماله و نوره و بهائه و كماله الذي قد احاط بكل شي‌ء ففاز بنقطة العلم التي كثّرها الجهال و نظر بعينها في كل شي‌ء فلم‌ير سواها شيئاً فبذلك اطلع علي الامثلة الملقاة في هويات الاشياء التي هي حقايقها من حيث ربها ففاز بالحقايق و اطلع علي الدقايق بقدر الطاقة البشرية فلم‌ير نوراً الا نوره و لم‌يدرك ظهوراً الا ظهوره و لم‌يسمع صوتاً الا صوته و وقف موقف مارأيت شيئاً الا و رأيت اللّه قبله و قرأ كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي يكون الآثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم‌تجعل له من حبك نصيباً الهي امرت بالرجوع الي الآثار فارجعني اليك بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك كما دخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها  انك علي كل شي‌ء قدير.

بالجملة هذا مقام المقربين و اصحاب مشاهدة المؤثر في الآثار و المنير في الانوار و ارباب الوصول الي دار القرار و مركز الاستقرار فلايخرجون منه الي غيره و هم المرادون بالقدسي يا احمد ان في الجنة قصراً من لؤلؤة فوق لؤلؤة و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 349 *»

درّة فوق درّة ليس فيها فصم و لا وصل فيها الخواص انظر اليهم كل يوم سبعين مرة فاكلّمهم كلّما نظرت اليهم و ازيد في ملكهم سبعين ضعفاً و اذا تلذذ اهل الجنة بالطعام و الشراب تلذذ اولئك بذكري و كلامي و حديثي الخبر  بالجملة هؤلاء الاقلون عدداً الاعظمون خطراً و اكثر اهل عصرنا بل اغلب الاعصار يطلبون العلم علي النهج الاول و طريق المجادلة.

و اعلم ان هذه القلوب مدارس فمن طلب العلم لغير اللّه فالساكن في قلبه شيطان و يتعلم الشيطان و يقرأ علي استاده الشيطان فيزداد كل يوم تجبراً و كبراً و نخوة و مماراة و فخراً و حباً  للمغالبة و الجدال كالجمل المستفحل و ان كان يتعلم للّه عزوجل فالساكن في قلبه الملك و يتعلم الملك و يقرأ علي استاده الملك فيزداد خوفاً من اللّه و رجاء اليه و حباً له و خضوعاً و خشوعاً و رفقاً و حلماً و صمتاً و فكرة و انّٰي و انّٰي قال علي7 طلبة العلم ثلثة اصناف الا فاعرفوهم بصفاتهم و اعيانهم صنف منهم يتعلمون العلم للمراء و الجدل و صنف منهم يتعلمون للاستطالة و الختل و صنف منهم يتعلمون للفقه و العقل فاما صاحب المراء و الجدل تراه موذياً ممارياً للرجال في اندية المقال قد تسربل بالتخشع و تخلي من الورع فدقّ اللّه من هذا حيزومه و قطع منه خيشومه و اما صاحب الاستطالة و الختل فانه يستطيل علي اشباهه من اشكاله و يتواضع للاغنياء من دونهم فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم فأعمي اللّه من هذا بصره و قطع من آثار العلماء اثره و اما صاحب الفقه و العقل تراه ذا كآبة و حزن قد قام الليل في حندسه و قد انحني في برنسه يعمل و يخشي خائفاً وجلاً من كل احد الا من كل ثقة من اخوانه فشدّ اللّه من هذا اركانه و اعطاه يوم القيمة امانه و عن ابي‌عبداللّه7 الناس علي اربعة اصناف جاهل متردي معانق لهواه و عابد متقوي كلما ازداد عبادة ازداد كبراً و عالم يريد ان يوطأ عقباه و يحب محمدة الناس و عارف علي طريق الحق يحب القيام به فهو عاجز او مغلوب فهذا امثل اهل زمانه و ارجحهم عقلاً  و عن النبي9 من طلب العلم لم‌يصب منه  «باباً ظ» الا ازداد في نفسه ذلاً و

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 350 *»

في الناس تواضعاً و للّه خوفاً و في الدين اجتهاداً و ذلك الذي ينتفع بالعلم فليتعلمه و من طلب العلم للدنيا و المنزلة عند الناس و الحظوة عند السلطان لم‌يصب منه باباً الا ازداد في نفسه عظمة و علي الناس استطالة و باللّه اغتراراً و من الدين جفاء فذلك الذي لاينتفع بالعلم فليكفّ و ليمسك عن الحجة علي نفسه و الندامة و الخزي يوم القيمة.

تفصيل فيه تحصيل

و اذ قد بلغ الكلام الي هنا ناسب ان نذكر آداب التعلم و طلب العلم فانها مما قد انطمس اليوم آثارها و اندرس اعلامها و ضلوا الطريق و لايعرفون سبيل التعلم علي التحقيق و اري اليوم طلبة العلم شرار خلق اللّه قد جعلوا المدارس دكاكين و طلب العلم صناعة و العمائم و الاردية شبكات لصيد الضعفاء و ارادوا الفقه لفهم الحيل علي ابطال حقوق الناس و تحليل ما حرم اللّه و تحريم ما احل اللّه و يريدون الاجتهاد للرياسة و الحكم في الدماء و الاموال كيفما يشاءون و الاستعلاء علي الخلق و التقرب الي السلاطين و اخذ القطايع و المراسم فبذلك اشتد بينهم التكالب و التحاسد و التباغي يكفر بعضهم بعضاً و يلعن بعضهم بعضاً و يتبرأ بعضهم من بعض و لاحول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و من البين ان بفساد العالِم يفسد العالَم و جميع ما في الدنيا من الفساد فانما هو بفساد هؤلاء و قد بلغ امرهم في زماننا و نواحينا انهم صاروا بذلك اذلّ من اليهود و النصاري و المجوس و لاهل الذمة حرمة عند الاكابر و لم‌يبق لهم حرمة لما دفع اللّه بعضهم ببعض نقمة عليهم و كان اللّه بعباده خبيراً بصيراً ففي هذا التفصيل مقدمة و ثمانية مطالب:

المقدمــة

اعلم ان العلم كما عرفت اعظم فرايض اللّه و اسناها اذ به يعرف اللّه و يعرف رسوله و حججه: و به يعبد اللّه و به يعمر الدنيا و الآخرة و به تساس المدن و تعمر المنازل فلا فريضة اعظم منه و لا شك انه لولا العلم لكان كل الدنيا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 351 *»

جهلاً و بالجهل يفسد العالم و يذهب الحق و يخسف اذاً الارض و تهال السموات فان اللّه ماخلقهما الا بالحق و لابد للعلم من متحمل فلو لم‌يخلق اللّه نفوساً متحملة مستعدة للعلم لكان كل الخلق عبثاً لغواً فانه لولا تلك النفوس لم‌يكن للعلم محل و لم‌يظهر اذاً في الدنيا فكان الدنيا كلها جهلاً و كان الخلق عبثاً و لغواً فلابد في الحكمة و ان يكون اللّه قد خلق نفوساً مستعدة للعلم فيهم يسكن العلم و اليه يسكنون و كما ان الاسد الذي خلق للتفرّس يكون التفرّس ميسوره يأتي منه من غير تكلف و الفرس الذي خلق للعَدْو يكون العَدْو ميسوره و يأتي منه من غير كلفة كذلك الذي خلق للعلم من يوم اول يكون العلم ميسوره يقدر علي طلبه و حفظه بلا تكلف و يري من نفسه انه يفهمه من غير تعب و لايملّ منه و لايسأم كما لايملّ الاسد من تفرّسه لانه مقتضي طباعه و اما من لم‌يخلق لاجل ذلك فلايتيسر له و يتعب و يكسل و يمل و ينضجر و لايترقي و تراه ربما يقرأ ستين سنة و لم‌يتجاوز علم النحو و لم‌يقدر علي ترجمة آية او رواية و تراه معوجّ الذهن يفسر الآية بتفاسير لاتناسب ابداً و يفسر الخبر بمعان ركيكة و هكذا فانه لم‌يخلق لذلك فلو طلبت العَدْو من الجمل البختي لرأيت كلفة عجيبة مضحكة فان العدو ميسور الفرس و البختي ميسوره الحمل الثقيل و هذا هو حديث النبي9 كلٌ ميسّرٌ لما خلق له فامتحن نفسك فان كنت خلقت للعلم فاسع في طلبه و الا فلاتتكلف فان اللّه سبحانه يقول (و ما انا من المتكلفين) و ان اردت ان تمتحن نفسك فاعتبر من شبل الاسد فانه من يوم يولد يصدر عنه الافعال الاسدية و ولد السنور فانه من يوم يولد يصدر عنه الافعال السنورية و كذلك من خلق للبناء فانه من ايام صباه يسعي في اللعب بالطين و بناء البيوت الصغيرة و الذي خلق للحياكة فانه من ايام طفوليته يسعي في اللعب بالخيوط و النسج و عمل الصفايف بحسب وسعه كذلك من خلق لاجل العلم يكون لعبه من يوم اول بالقراطيس و المحابر و صنعة الكتب الصغار و يكون غاية شوقه في امثال ذلك و من تدبر في احوال نفسه يجد جميع احواله التي في كبره قد كان في صغره الا انه كان في الصغر هزلاً و في الكبر جداً و ذلك مجرب في كل احد فمن رام ان يعرف هل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 352 *»

خلق لاجل العلم ام لا فليمتحن نفسه و يعتبر من حال صغره فان كان لعبه بالعلم و ما يتعلق به و يشتاقه و يرتجيه و كلما يسمع شيئاً يعقله و يضبطه فليعلم انه خلق للعلم فليسع فيه و ان كان لايجد من نفسه ذلك و لم‌يكن في صغره مائلاً الي العلم و لم‌يكن لعبه و لهوه في العلم فليس من اهله و لم‌يخلق له فلايتعب نفسه و لا ساير الناس و ان تكلف و طلب لايكاد يبلغ مبلغاً يعتني به بل الذي لم‌يخلق للعلم لايكاد يميل اليه الا لاجل حطام الدنيا او خوف من الناس و بالعرض و لايحتاج من خلق للعلم الي تحريص و ترغيب شديد و لكن الدنيا دار اعراض و امراض و دار لطخ و خلط و دار حق و باطل فلرُبّ مستعدّ للعلم منكوس القلب قد خلق لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالآخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون و لان يدعو الي الباطل و يفتتن به الناس و لرُبّ مستعدّ للعلم منصوب القلب قد خلق للهداية و الدعوة الي الحق و الي صراط مستقيم و لربما يكون في اصل الخلق مستعداً للعلم و لكن قد عرضه عوائق الدهر و لربما لايكون مستعداً و هيأ له اسباب العلم و لرب مستعد لعلم الحق قد التطخ به بعض اعراض المستعدين للعلم الباطل و لربما كان الامر بالعكس فلاجل ذلك احتجنا الي رسم فصل في آداب المتعلمين و بيان اسباب التمكين و ما يتم به قابلية المبتدئين للاستفاضة من رب العالمين فلاجل ذلك احتجنا الي رسم ثمانية مطالب.

المطلب الاول

فيما يرجع الى نية الطالب و ما يجب عليه من الاخلاص للّه عزوجل

اعلم ان من البين ان اللّه سبحانه مبدأ كل خير و اصل كل كمال و مرجع كل حق و مصدر كل صدق فمن توجه اليه بالاخلاص له و الاعراض عما سواه و سار باقدام الطاعات و الامتثالات اليه سبحانه و حصل له التمكن بمجاورة المقربين تقرب يوماً فيوماً اليه سبحانه ثم هو و بطؤ سيره و سرعة مشيه كل علي حسبه و كلما يتقرب العبد الي اللّه سبحانه يشتد فيه صفات الالوهية و اخلاق الربوبية من الخير و الكمال و النور و العلم و القدرة و الاحاطة و امثال ذلك و ذلك ان الماشي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 353 *»

الي المنير يشتد استنارته كلما يقرب الي المنير و كلما يبعد يقلّ استنارته و ذلك مشهود و لاشك ان اللّه سبحانه علم لا جهل فيه و قد وصف نفسه بالعلم بمشيته و امره فمن يروم العلم الحق فليسر اليه باقدام الامتثال و يتوجه اليه بالاخلاص حتي يكون علي صراط مستقيم و يحصل له العلم و ذلك ان العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يحب كما روي و لايحب الا من كان متصفاً بصفة حبيبه كما قال (ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه) فمن تأسي بالحبيب9 بالطاعة و الاخلاص احبه اللّه و من احبه اللّه قذف في قلبه نور العلم فصار بصيراً ذا عين كلما نظر الي شي‌ء علمه و عرفه و قد مر ما روي ان من اخلص للّه اربعين صباحاً جري من قلبه علي لسانه ينابيع الحكمة فان اردت العلم الحق الصحيح فتوجه الي اللّه سبحانه بالاخلاص لاتشرك به شيئاً و امش اليه باقدام الطاعة و الامتثال حتي تتقرب اليه و هو العلم الذي لا جهل فيه و كلما تقربت شبراً ازددت علماً حقاً و هذا هو طريق التكسب و انما الاستاد ممكّن قابليتك و ليس بموجد العلم فيك قال اللّه تعالي (و ذكّر فان الذكري تنفع المؤمنين) فالاستاد مذكّر و مُعِدّ لقابليتك و ممكّن لها حتي يسهل لك الاستفاضة و تستعد لافاضة اللّه سبحانه عليك و للاستاد دخل عظيم عظيم و معاشرته اقرب الطاعات و اعظم العبادات لك كيف و جلوس ساعة لك عنده يوازي قراءة القرآن اثني‌عشرالف مرة و هو يزيد في اخلاصك و اقبالك كما يأتي و مر فاول ما ينبغي لطالب العلم الاخلاص قال رسول اللّه9 لا قول الا بعمل و لاقول و لا عمل الا بنية و لا قول و لاعمل و لا نية الا باصابة السنة و عن ابي‌عبداللّه7 قال ان اللّه عزوجل يقول اني لست كل كلام الحكمة اتقبل انما اتقبل هواه و همّه فان كان هواه و همّه في رضاي جعلت همه تقديساً و تسبيحاً و عن حفص عن ابي‌عبداللّه7 يا حفص ماانزلت الدنيا من نفسي الا بمنزلة الميتة اذا اضطررت اليها اكلت منها يا حفص ان اللّه تبارك و تعالي(ظ) علم ما العباد عاملون(ظ)  و الي ما هم صايرون فحلم عنهم عند اعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم فلايغرنك حسن الطلب ممن لايخاف الفوت ثم تلا قوله

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 354 *»

(تلك الدار الآخرة) الآية و جعل يبكي و يقول ذهبت واللّه الاماني عند هذه الآية ثم قال فاز واللّه الابرار أتدري من هم هم الذين لايؤذون الذرّ كفي بخشية اللّه علماً و كفي بالاغترار باللّه جهلاً  يا حفص انه يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل ان يغفر للعالم ذنب واحد و من تعلم و عمل و علم للّه دعي في ملكوت السموات عظيماً فقيل تعلم للّه و عمل للّه و علم للّه قلت جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا فقال فقد حد اللّه في كتابه فقال عز و جل (لكيلاتأسوا علي ما فاتكم و لاتفرحوا بما  اتيكم) ان اعلم الناس باللّه اخوفهم للّه و اخوفهم له اعملهم به و اعملهم به ازهدهم فيها فقال له رجل يا بن رسول اللّه اوصني فقال اتق اللّه حيث كنت فانك لاتستوحش و قد مر حديث الرضا عن ابيه عن آبائه عن اميرالمؤمنين7 انه قال الدنيا كلها جهل الا مواضع العلم و العلم كله حجة الا ما عمل به و العمل كله رياء الا ما كان مخلصاً و الاخلاص علي خطر حتي ينظر العبد بما يختم له و عن الرضا7 اروي من تعلم العلم ليماري به السفهاء او يباهي به العلماء او يصرف وجوه الناس اليه ليرأّسوه و يعظموه فليتبوأ مقعده من النار و في خطبة لعلي7 ايها الناس اني ابن عم نبيكم و اولاكم باللّه و رسوله فاسألوني ثم اسألوني و كأنكم بالعلم قد نفد و انه لايهلك عالم الا يهلك بعض علمه و انما العلماء في الناس كالبدر في السماء يضي‌ء نوره علي ساير الكواكب خذوا من العلم ما بدا لكم و اياكم ان تطلبوه لخصال اربع لتباهوا به العلماء او تماروا به السفهاء او تراءوا به في المجالس او تصرفوا وجوه الناس اليكم للترأّس لايستوي عند اللّه في العقوبة الذين يعلمون و الذين لايعلمون نفعنا اللّه و اياكم بما علمنا و جعله لوجهه خالصاً انه سميع مجيب  و قد مر تقسيمه صلوات اللّه عليه طلبة العلم الي ثلثة فراجع الي غير ذلك من الاخبار و قد مر ايضاً ما يدل عليه.

فمن اخلص طلب العلم للّه و عمل بما علم تقرب الي اللّه جل شأنه يوماً فيوماً و يزداد علمه حيناً بعد حين و اما من كان منكوس القلب متوجهاً الي ابليس و جنوده طالباً للعلم للدنيا فذلك مفتون

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 355 *»

يلقي حجته و يكون علمه حجة عليه و هو فتنة لمن افتتن مضل لمن اقتدي به مهلك من استمع اليه عابد للشيطان من اصغي اليه نعوذ باللّه و اغلب اهل زماننا اليوم من هذا القبيل قال اميرالمؤمنين7 اياكم و الجهال من المتعبدين و الفجار من العلماء فانهم فتنة كل مفتون و قال7 قطع ظهري رجلان من الدنيا رجل عليم اللسان فاسق و رجل جاهل القلب ناسك هذا يصدّ بلسانه عن فسقه و هذا بنسكه عن جهله فاتقوا الفاسق من العلماء و الجاهل من المتعبدين اولئك فتنة كل مفتون فاني سمعت رسول اللّه9 يقول هلاك امتي علي يدي كل منافق عليم اللسان و قد مر ما يدل علي ذلك.

المطلب الثانى

فيمـا يرجـع الـى اخلاقـــــه

اعلم انه كما عرفت ان العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يحب و لايحب اللّه الا من زكت اخلاقه و حسنت صفاته فلابد لطالب العلم جميع المكارم و الاخلاق عموماً و بعض الاخلاق خصوصاً و لسنا هنا الا بصدد الاخلاق الخاصة التي لها تعلق خاص بالعلم و بطالبه؛

فمنهــا انه يجب علي طالب العلم الزهد في الدنيا و الاعراض عنها بالكلية فان اللّه سبحانه لم‌يجعل لرجل من قلبين في جوفه و ان القلب اذا كان متوجهاً الي الدنيا الدنية لايقدر علي التخلص للعلم فقد قيل ما لم‌تعط كلك العلم لم‌يعطك بعضه و كذلك هو فرأس جميع الاخلاق اللازمة في طلب العلم الاعراض عما سواه و التوجه اليه بكلك فحينئذ يمكنك فهمه و تحصيله و قد مثّل السيد الاستاد­ في هذا المقام بماء خزانة فانه حين اضطرابه و تموجه و تلاطمه لايكاد يتبين فيه الزجاجات المنصوبة علي سقفها و اما اذا كان ساكناً تتبين فيه كما هي كل زجاجة علي شكلها و في موضعها حرفاً بحرف و كذلك قلب طالب العلم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 356 *»

اذا كان مضطرباً متوجهاً الي كل جهة لايكاد ينطبع فيه نقش العلم ابداً و يشوش عليه و يلتبس عليه و يورث له شكوكاً و شبهات لانه لايتحققه كما هو و اما اذا كان القلب ساكناً مطمئناً معرضاً عما سوي العلم متوجهاً بكله اليه يتحققه كما هو و يضع كل شي‌ء منه موضعه البتة و يفوز باليقين و الاطمينان فتبين ان رأس جميع اخلاقه اللازمة في طلب العلم بعد اخلاص النية الزهد في الدنيا و الاعراض عنها بالكلية فقد قال ابوعبداللّه7 من زهد في الدنيا اثبت اللّه الحكمة في قلبه و انطق بها لسانه و بصّره عيوب الدنيا داءها و دوائها و اخرجه اللّه سالماً الي دار السلام انتهي  و انما امر اللّه الناس بالزهد في الدنيا ليتمكنوا من المعرفة به و العمل له و عن ابي‌عبداللّه7 اذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه علي دينكم فان كل محب يحوط ما احب و قال اوحي اللّه الي داود7 لاتجعل بيني و بينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي فان اولئك قطاع طريق عبادي المريدين ان ادني ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم نعوذ باللّه و عن النبي9 تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم فانه من كانت الدنيا همته قسي قلبه و كان فقره بين عينيه و لم‌يعط من الدنيا غير نصيبه المكتوب له و من كانت الآخرة همته جمع اللّه له امره و جعل غناه في قلبه و اتته الدنيا راغمة و عنه9 الزاهد في الدنيا يريح  قلبه و بدنه و الراغب فيها يتعب قلبه و بدنه و عن ابي‌عبداللّه7 حرام علي قلوبكم ان تعرف حلاوة الايمان حتي تزهد في الدنيا و عن اميرالمؤمنين7 ان من اعون الاخلاق علي الدين الزهد في الدنيا و عن ابي‌عبداللّه7 كل قلب فيه شك او شرك فهو ساقط و انما ارادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة و عنه7 اذا اراد اللّه بعبد خيراً زهّده في الدنيا و فقّهه في الدين و بصّره عيوبها و من اوتيهن فقد اوتي خير الدنيا و الآخرة و قال لم‌يطلب احد الحق بباب افضل من الزهد في الدنيا و هو ضد لما طلب اعداء

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 357 *»

الحق قيل جعلت فداك مما ذا قال من الرغبة فيها و قال الا من صبار كريم فانما هي ايام قلائل الا انه حرام عليكم ان تجدوا طعم الايمان حتي تزهدوا في الدنيا وقال اذا تخلي المؤمن من الدنيا سما و وجد حلاوة حب اللّه و كان عند اهل الدنيا كأنه قد خولط و انما خالط القوم حلاوة حب اللّه فلم‌يشتغلوا بغيره و قال ان القلب اذا صفا ضاقت به الارض حتي يسمو و عن ابي‌عبداللّه7 قال كان ابوذر يقول يامبتغي العلم كان شيئاً من الدنيا لم‌يكن شيئاً الّا ما ينفع خيره و يضر شره الّا من رحم اللّه يا مبتغي العلم لايشغلك اهل و لا مال عن نفسك انت يوم تفارقهم كضيف بِتّ فيهم ثم غدوت عنهم الي غيرهم  الي غير ذلك من الاخبار و سيأتي في محله مفصلاً  ان شاء اللّه.

بالجملة ما لم‌يفرغ القلب بالكلية عن الدنيا لايقدر علي التفرغ للعلم و ان لم‌يطاوع قلبك للتفرغ فأدم عليه ذكر هادم اللذات حتي يذل قال ابوعبداللّه7 اكثر ذكر الموت فانه لم‌يكثر انسان ذكر الموت الا زهد في الدنيا انتهي و الزاهد في ساير الموارد من لاييأس علي ما فاته و لايفرح بما اتاه و ذلك لاينافي ان يكون له اموال كثيرة و اهلون و بنون و هو غير متعلق القلب بها و اما طالب العلم ينافي طلبه ان يكون له متعلقات كثيرة و ان لم‌يتعلق قلبه بها فان الاهل و المال و الولد تحتاج الي تربية و توجه و مهنة و خدمة و ان لم‌يتعلق قلبك بها و تربيتها و خدمتها تنافي طلب العلم لاسيما في زمان الغيبة و لامثالنا فانه قد صعب الامر علينا في هذه الطخية العمياء و لابد لنا من صرف جميع العمر في طلب العلم حتي ان طالب العلم في ايام الغيبة محروم عن كثير من العبادات و الاوراد و الزيارات و الدعوات و الصلوات اذ العمر قليل و الطريق صعب و الدنيا مظلمة و الشكوك و الشبهات غالبة فمن رام العلم كما ينبغي لايسع وقته لساير العبادات و لاتحسبن طلبه هذا غير عبادة بل هو اعظم العبادات و الا لم‌يكن فضله علي العابد كفضل رسول اللّه9 علي ادني الخلق فاذا كان طالب العلم لايقدر علي اتيان ساير العبادات فما ظنك بخدمة المال و مرمة المعاش و التوجه الي الضياع و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 358 *»

العقار و الاهل و الخدم و الحشم و البنين و ما يعتريهم الي ان يستقلوا و ان الائمة الذين كانوا يشتغلون بالناس و سياسة المدن كانت علومهم لدنية لا كسبية و ان الصحابة كان علومهم اخباراً يسمعونها و كلما اشكل عليهم يسألون شفاهاً و يسمعون صراحاً ثم يذهبون الي مكاسبهم و سوقهم و اما نحن اليوم فمبتلون محرومون عن جميع ما سوي العلم و مع ذلك يضيق وقتنا عنه فكيف نقدر علي الكسب او مرمة المعاش او اصلاح اثاث البيت و غير ذلك فانت يا اخي ان اردت العلم فلابد لك من الزهد عن الدنيا بالمعني الثاني و ان كانت مقبلة اليك فاتركها و هاجر لما روي في القدسي اني وضعت العلم في الجوع و الغربة و الناس يطلبونه في الشبع و الوطن فلن‌يجدوه ابداً   فان رفعك اثاث البيت و وضعك اياه موضعه و تنضيده مانع عن طلبك العلم و لو كان لك دنانير موجودة فعدّها و ضبطها مانع لك عن علمك فان كنت خلقت للعلم فولّ عن الدنيا و ما يتعلق بها بالكلية و اعط العلم كلك حتي يعطيك بعضه فانك لاتحيط بجميعه ابداً و الاسلم ان يخلقنا اللّه فقيراً حتي نتوجه الي العلم قهراً و الا فنفوسنا ليست بالتي تترك الدنيا عن عمد لاجل العلم للّه و في اللّه و اما الشايع في زماننا ان طلب العلم اسباب معيشة و اكل اموال اليتامي و الايامي و المساكين و الركوب علي اعناق الناس فلا جرم ابتلوا بما اوعدوا  في الخبر المأثور عن النبي9 من لم‌يتورع في ايام تعلمه ابتلاه اللّه باحد ثلثة اما يميته في شبابه او يوقعه في الرساتيق او يبتليه بخدمة السلطان انتهي و ذلك انه ان كان قانعاً بقليل الدنيا يبلغه امله و يوقعه في الرساتيق و يتكفل شرعياتهم حقاً او باطلاً و ان كانت همته عالية لايقنع بالعيش النكد يبلغه امله و يبتليه بخدمة السلطان و ان كانت همته لاتقف علي الدنيا و يريد التصرف في الدين يميته اللّه في شبابه بالجملة طلاب العلم كثير و رعاته قليل قليل و هذا احد شروط تحصيل العلم.

و منهــا ان يكون قانعاً بما يسد جوعته و يستر عريته و يظل رأسه و في الحقيقة من اوتي ذلك فلا حاجة له الي سلطان الزمان فمن دونه و القناعة لازمة للزهد كما مر و القانع اغني من السلطان الذي ملك الرقاب و خضع له اهل الدنيا  الاتري ان

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 359 *»

الذي ليس له عطش و هو في قفر من الارض اروي من العطشان الذي عنده البحار و كلما يشرب يزداد عطشه فان اردت الدنيا لحيوتك فاقنع و استرح و ان اردت حيوتك للدنيا تخدمها فاتعب نفسك حتي تهلك ثم يقوم مقامك آخر مثلك بالجملة القناعة راحة لمن يطلب الراحة و الناس عجيب امرهم فانهم يتعبون طول عمرهم لطلب الراحة و يفتقرون لطلب الغني و يذلون لطلب العز و يحزنون لطلب الفرح و هكذا فعن ابي‌عبداللّه7 قال كان اميرالمؤمنين7 يقول ابن آدم ان كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فان ايسر ما فيها يكفيك و ان كنت انما تريد ما لايكفيك فان كل ما فيها لايكفيك و عنه7 من قنع بما رزقه اللّه فهو من اغني الناس انتهي و من البين بعد ما بينا في الزهد انه ما لم‌يكن طالب العلم قانعاً لم‌يقدر علي طلب العلم و ان لم‌يكن قانعاً كان راغباً حريصاً و عمر الدنيا لم‌يكف طالبيه و لم‌يبلغوا منها مناهم فكيف يكفي طالب العلم و الدنيا معاً و ذلك واضح ان شاء اللّه.

و منهــا ينبغي ان يكون طالب العلم متوكلاً علي اللّه سبحانه لايهتم بشي‌ء و يكل الامر الي مدبره فان الذي خلقه للعلم و امره به و علم ان طلب العلم لايجامع طلب الدنيا هو يكفيك بنفسه و لايخذلك و اي مولي يبعث عبده الي خدمة ثم لايرزقه ما يعيش به و يبقي حياً في ايام الخدمة فتوكل علي اللّه انه بعباده خبير بصير عليم قدير رءوف رحيم قال اللّه تعالي (و من يتوكل علي اللّه فهو حسبه) فعن ابي‌جعفر7 قال ان اللّه عزوجل يقول و عزتي و جلالي و عظمتي و علوّي و ارتفاع مكاني لايؤثر عبد مؤمن هواي علي هوي نفسه الا كففت عليه ضيعته و ضمنت السموات و الارض رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر و عن النبي9 لو ان العبد يتوكل علي اللّه حق توكله لجعله كالطير تغدو خماصاً و تروح

بطاناً و قال من انقطع الي اللّه تعالي كفاه اللّه تعالي كل مــــݘـونة و من انقطع الي الدنيـا

وكله اللّه اليها و من اراد ان يرزقه اللّه من حيث لايحتسب فليتوكل علي اللّه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 360 *»

و عن علي7 ايها الناس لايشغلنكم المضمون من الرزق عن المفروض عليكم و عن ابي‌الحسن الاول7 قال سألته عن قول اللّه عزوجل (و من يتوكل علي اللّه فهو حسبه) فقال التوكل علي اللّه درجات منها ان تتوكل علي اللّه في امورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضياً تعلم انه لايألوك خيراً و فضلاً و تعلم ان الحكم في ذلك له فتوكل علي اللّه بتفويض ذلك اليه و ثِقْ به فيها و في غيرها انتهي و ليس التوكل ان تقعد في كسر و تغلق عليك الباب و لكن التوكل ان لاتدبر لنفسك تدبيراً برأيك و تطيع في جميع امورك وكيلك فان قال لك قل فقل او اسكت فاسكت او اذهب فاذهب او ارجع فارجع فهذا هو التوكل ثم كلما يأتيه من اللّه ليكن به راضياً و يعلم انه خيره فيه و لو قرض بالمقاريض فليس التوكل ترك الحركة او ترك الكسب و امثال ذلك بل هو رد الامور الي اللّه و امتثال امره فطالب العلم توكله امتثاله لامر اللّه و قد امره بطلب العلم و لايقدر معه ان يشتغل بالمكاسب و التجارات و الزراعات و علي اللّه رزقه يؤتيه اللّه من حيث يشاء و في الارشاد روي ان اللّه تعالي يقول من اعتصم بي دون خلقي ضمنت السموات و الارض رزقه فان دعاني اجبته و ان استعطاني اعطيته و ان استكفاني كفيته و من اعتصم بمخلوق دوني قطعت اسباب السموات و الارض دونه و ان دعاني لم‌اجبه و ان سألني لم‌اعطه و ان استكفاني لم‌اكفه و عن محمد بن عجلان نزلت بي فاقة عظيمة و لزمني دين لغريم ملحّ و ليس للمضيق صديق فتوجهت فيه الي الحسن بن زيد و كان امير المدينة لمعرفة كانت بيني و بينه فلقيني في طريقي محمد بن عبداللّه بن الباقر7 فقال قد بلغني ما انت فيه من الضيق فمن امّلت لمضيقك قلت الحسن بن زيد فقال اذا لاتقضي حاجتك فعليك بمن هو اقدر الاقدرين و اكرم الاكرمين فاني سمعت عمي جعفر بن محمد8 يقول اوحي اللّه تعالي الي بعض انبيائه في بعض وحيه و عزتي و جلالي و عظمتي و ارتفاعي لاقطعنّ امل كل مؤمل غيري باليأس و لاكسونّه ثوب المذلة في الناس و لابعدنّه من فرجي و فضلي يؤمل عبدي في الشدايد غيري و الشدايد بيدي و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 361 *»

يرجو سواي و انا الغني الجواد ابواب الحوائج عندي و بيدي مفاتيحها و هي مغلقة فما لي اري عبدي معرضاً عني و قد اعطيته بجودي و كرمي ما لم‌يسألني فاعرض عني و سأل في حوايجه غيري و انا اللّه لا اله الا انا ابتدي بالعطية من غير مسألة افأسال فلااجود كلّا اليس الجود و الكرم لي اليس الدنيا و الآخرة بيدي فلو ان كل واحد من اهل السموات و الارض سألني مثل ملك السموات و الارض و اعطيته مانقص ذلك من ملكي مثل جناح بعوضة فيا بؤساً لمن اعرض عني و سأل في حوايجه و شدايده غيري قال فقلت له اعد علي هذا الكلام فاعاده ثلث مرات فحفظته و قلت في نفسي لا واللّه لااسأل احداً حاجة ثم لزمت بيتي فمالبثت اياماً الا و اتاني اللّه برزق فقضيت مني ديني و اصلحت به امر عيالي و الحمد للّه رب العالمين و في حديث عنوان البصري بعد ما انصرف عن مالك بن انس و رجع الي ابي‌عبداللّه7 قال7 يا اباعبداللّه ما حاجتك قال قلت سألت اللّه تعالي اجابتي في الشريف ما سألته فقال يا اباعبداللّه ليس العلم بالتعلم انما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه تبارك و تعالي ان يهديه فان اردت العلم فاطلب اولاً من نفسك حقيقة العبودية و اطلب العلم باستعماله و استفهم اللّه بفهمك قلت يا شريف فقال قل يااباعبداللّه قلت يا اباعبداللّه ما حقيقة العبودية قال7 ثلاثة اشياء ان لايري العبد لنفسه فيما خوّله اللّه ملكاً لان العبيد يرون المال مال اللّه يضعونه حيث امرهم اللّه و لايدبر العبد لنفسه تدبيراً و جملة اشغاله فيما امره اللّه تعالي و نهاه عنه فاذا لم‌ير العبد لنفسه فيما خوّله اللّه ملكاً هان عليه الانفاق فيما امر اللّه تعالي ان ينفق فيه و اذا فوض العبد تدبير نفسه الي مدبره هان عليه مصائب الدنيا و اذا اشتغل العبد بما امر اللّه تعالي و نهاه لايتفرغ منها الي المراء و المباهات مع الناس فاذا اكرم اللّه تعالي العبد بهذه الثلثة هان عليه الدنيا و النفس و الخلق و لايطلب الدنيا تكاثراً و تفاخراً و لايطلب ما عند اللّه عزاً و علواً و لايدع ايامه باطلاً فهذا اول درجة المتقين قال اللّه تعالي (تلك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 362 *»

الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً  في الارض و لا فساداً و العاقبة للمتقين) قلت يا اباعبداللّه اوصني فقال اوصيك بتسعة اشياء فانها وصيتي لمريد الطريق الي اللّه عزوجل و اللّه اسأل ان يوفقك لاستعمالها ثلثة منها في رياضة النفس و ثلثة منها في الحلم و ثلثة منها في العلم فاحفظها و اياك و التهاون بها قال فرغت قلبي له فقال اما اللواتي في الرياضة فاياك ان تأكل ما لاتشتهيه فانه يورث الحماقة و البله و لاتأكل الا عند الجوع و اذا اكلت فكل حلالاً و سمّ اللّه و اذكر حديث الرسول9 ماملأ   آدمي وعاء  اشر من بطنه فان كان و لابد فثلث لطعامك و ثلث لشرابك و ثلث لنفسك و اما  اللواتي في الحلم من قال لك ان قلت واحدة سمعت عشراً فقل ان قلت عشراً لم‌تسمع واحدة و من شتمك فقل ان كنت صادقاً فيما تقول فاللّه اسأل ان يغفرها لي و ان كنت كاذباً فاسأل اللّه ان يغفرها لك و من اوعدك الجفاء فعده بالنصيحة و الدعاء و اما  اللواتي في العلم فاسأل العلماء ما جهلت و اياك ان تسألهم تعنّتاً و تجربةً و اياك ان تعتمد برأيك شيئاً و خُذْ بالاحتياط في جميع ما تجد اليه سبيلاً و اهرب عن الفتيا هربك من الاسد و لاتجعل رقبتك جسراً للناس فافهم عني يا اباعبداللّه فقد نصحت لك و لاتفسد عليّ وردي فاني امرؤ ضنين بنفسي انتهي و لعل فيه بعض الكلمات نقل بالمعني لان النسخة كان فيه بعض الغلط.

بالجملة اللازم لطالب العلم ان يعرض عما سوي العلم و يتوكل علي اللّه و يمتثل اوامره و يجتنب نواهيه حتي يتقرب الي اللّه و يرزقه اللّه خلافته لان العلم خلافة اللّه العليم الحكيم في الارض فعن النبي9 اللهم ارحم خلفائي قيل يا رسول اللّه و من خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي يروون حديثي و سنتي ثم يعلّمونها انتهي.

تنبيـه: لعلك زعمت مما قدمنا في الزهد و ما قدمنا في التوكل انه لاينبغي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 363 *»

لطالب العلم طلب رزق مطلقاً و ليس الامر كذلك بل المراد انك لو قنعت بما يقوم ظهرك و يقيك من الحر و البرد شغلاً بالعلم لاتحتاج الي زيادة طلب بل هذا المقدار يحصل للانسان بادني طلب و باقل حيلة في رزقه و لايحتاج الي صرف العمر و جميع تعبنا في الدنيا و عطبنا من الفضول و لو اقتصرنا علي الواجب لماتعبنا ابداً قال اللّه سبحانه (و من يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه) و قال (ان اللّه لايظلم الناس شيئاً و لكن الناس انفسهم يظلمون) و لما لم‌نقنع بالواجب و اشتهينا فضول المعاش و الملاذّ احتجنا الي كل هذه المهن و المصائب و الكسب المجدّ و الذل المهين و تملق ارباب الدنيا الدنية و التذلل عند اللئام و محنة الاسفار في البر و البحر والعجب من الانسان انه يطلب الراحة بالتعب و الغني بالفقر و العز بالذل و السرور بالحزن و هكذا فلا جرم لايجدها ابداً و كان غرضي مما تقدم ان اللازم علي طالب العلم الاقتصار علي الواجب و قدر الواجب اقل قليل فانك يكفيك خمسون مناً حنطة او شعيراً في كل سنة و يزيد عليك في حد الاعتدال و يمكنك الصدقة منه بل و الضيافة احياناً و اربعة اطواب خاماً و ذلك بقيمة بلادنا العادلة يحصل بتومانين و افرض لساير الحوائج ايضاً تومانين فذلك اربعة توامين و هذا المقدار يسهل تحصيله بادني حيلة هذا و قد تكفّل اللّه رزق طالب العلم لانه مأمور مشغول بخدمته لايقدر علي قلة المبالاة به فعلي اللّه رزقه فان اتاه مجاناً فله الحمد و الا فيحتاج الي ادني تدبير فالاحب ان يكون لطالب العلم قليل تجارة او صناعة او كتابة يقدر علي استخراج حد الواجب منه فان حصل في وقت فليترك الكسب وليشتغل بطلب العلم و الا فيصرف بعض اوقاته في ذاك و بعضاً في ذاك و ليس هذا القدر من الطلب مضرّاً بحاله في عرض السنة بل هو تفرج عن كسالة طلب العلم.

و ان قلت ان هذا المقدار يكفي الانسان لنفسه و اما العيال فذلك الداء العضال و ام الاشكال قلت ان فساد امورنا من يوم اول و في جميع جهات امورنا و ليس اصل اساس بنائنا علي الاعتدال و لذلك وقعنا في الاشكال و الذي خلق للعلم لايرفع لقمة لايسيغها و لايحمل حملاً لايطيقه و يجتنب عن كل ما يعوق و لي كلام آخر و هو ان اللّه خلقنا للعبادة بنص الكتاب و انا نري هذا النسج الذي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 364 *»

نسجناه علي انفسنا و هذه المصيبة التي اقمناها لايكفي لحمل اعبائها عشرة اعمار فضلاً عن عمر واحد و ان هذا العمر القليل لايكفي لاصلاح كل هذا العيال و هذا الوبال و هذا الداء العضال الذي جمعناه و هذه الشهوات و الملاذّ التي طلبناها ابداً فمتي نعبد اللّه و متي نفرغ للتوجه اليه الذي هو غاية خلقتنا فتبين ان هذه الاوضاع و الاشغال و الاحمال و الاثقال علي خلاف غرض اللّه و تنافي مشية اللّه و محبته آه آه،

ظفر الطالبون و اتصل الوصل و فاز الاحباب بالاحباب
و بقينا مذبذبين حياري بين حد الوصال و الاجتناب
فاسقنا منك شربة تذهب الغم و تهدي الي طريق الصواب

فلااقول لك افعل كذا و افعل كذا لاني مبتل مثلك و لكني اقول لم‌نخلق لهذا و لم‌نخلق للدنيا و انما خلقت الدنيا لنا و لم‌نخلق لحسّ الحمار و انما خلق الحمار لنا و الواجب للعاقل ان يتخلي عن كل ما يعوقه عن خدمته التي امر بها و عن الامر الذي خلق لاجله فالعمر قليل و الطالب حثيث و السايق مجدّ و القايد ساحب و الموت امامنا و الدنيا تطوي من ورائنا و عما قريب نرد الحسرة الابدية و الندامة الابدية نعوذ باللّه اللهم عونك عونك اللهم نصرك نصرك بالجملة من يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه و الا فاللّه لم‌يظلم احداً ابداً و اللازم علي طالب العلم اقلاً الاعراض عن الفضول و الاقتصار بالاصول و الغالب انه يأتيه الاصول من غير كدّ وعن ابي‌ابرهيم7 قال قال ابوذر; جزي اللّه الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير اتغدي باحدهما و اتعشي بالآخر و بعد شملتي الصوف اتزر باحدهما و ارتدي بالآخر و عن ابي‌عبداللّه7 من رضي من اللّه بالقليل من الرزق قبل اللّه منـه

اليسيـر مـن العمل و من رضي باليسيـر من الحلال خفّت مـــݘـونته و زكت مكسبتـه و

خرج من حد الفجور و قال رجل لابي‌عبداللّه7 علِّمني شيئاً انتفع به فقال7 ان كان ما يكفيك يغنيك فادني ما فيها يغنيك و ان كان ما يكفيك لايغنيك فكل ما فيها لايغنيك و في القدسي و عزتي و جلالي و كبريائي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 365 *»

و نوري و علوّي و ارتفاع مكاني لايؤثر عبد هواه علي هواي الا شتّتّ عليه امره و لبست عليه دنياه و شغلت قلبه بها و لم‌اوته منها الا ما قدّرت له و عزتي و جلالي و عظمتي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني لايؤثر عبد هواي علي هواه الا استحفظته ملائكتي و كفلت السموات و الارضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر و اتته الدنيا و هي راغمة.

و منهـا التقوي و الورع فان المعاصي تكدّر القلب و تصير سبب الختم علي القلب و الطبع عليه و الرين و يعوّج ادراكه فيري الحق باطلاً و الصحيح سقيماً و القريب بعيداً و ذلك ان قلب العاصي منكوس متوجه الي سجين و الصور الحقة في عليين و الباطلة في سجين فكلما ينطبع في ادراكه صور باطلة من سجين فلايفوز بالعلم الحق اليس ان الحق مع آل‌محمد و فيهم و بهم و منهم: و كلما في ايدي الناس من حق فهو من عندهم: و هم سلام اللّه عليهم اصل عليين فمن كان متوجهاً اليهم مقبلاً  اليهم انطبع في قلبه انوار العلوم الحقة و كذلك اعداؤهم اصل كل باطل و فرية و هم اصل سجين فمن توجه اليهم انطبع في قلبه ظلمات الجهل و الباطل و المطيع متوجه الي المطاع الامين في عليين و هو اصل كل حق و خير فيستنير قلبه بنور الحكمة و العلم و العاصي متوجه الي المطاع الخائن في سجين فيظطلم قلبه بظلمة الجهل فلاجل ذلك قال اللّه عزوجل (ان تتقوا اللّه يجعل لكم فرقاناً) اي نوراً تفرقون به بين الحق و الباطل و عن علي بن ابرهيم اي العلم تفرّقون به بين الحق و الباطل و قال (فاتقوا اللّه و يعلمكم اللّه) و قد مر في ذلك كلام طويل قبل هذا الفصل و قد مر ايضاً حديث الرسول9 من لم‌يتورع في ايام تعلمه ابتلاه اللّه باحد ثلثة اما يميته في شبابه او يوقعه في الرساتيق او يبتليه بخدمة السلطان فلابد لطالب العلم من التقوي و الورع و طهارة القلب و عن ابي‌عبداللّه7 قال لعيسي بن عبداللّه يا عيسي بن عبداللّه ليس منا و لا كرامة من كان في مصر فيه مائة‌الف او يزيدون و كان في ذلك المصر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 366 *»

اورع منه و عن ابي‌الحسن الاول7 قال كثيراً ما كنت اسمع ابي يقول ليس من شيعتنا من لاتتحدث المخدرات بورعه في خدورهن و ليس من اوليائنا من هو في قرية فيها عشرة‌ آلاف رجل فيهم خلق للّه اورع منه و عن ابي‌جعفر7 ما من عبادة  افضل عند اللّه من عفة بطن و فرج  انتهي  و لما  ان مر شطر من هذا الباب سابقاً لايحتاج الي تفصيل.

و منهـا المواظبة و الحرص علي طلب العلم و ذلك ان العلم و ان كان مكنوناً مخزوناً في الصدور الا انه لايخرج الي عرصة الظهور الا بالتعلم و المواظبة و التوجه الي العلم و المعلم و ذلك ان العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يحب و النور لابد له من منير فمادام الانسان متوجهاً الي المنير يستنير و اذا اعرض عنه اظطلم اللهم الا ان يتكمل و يبلغ مرتبة الكمال و يصير كسراج اشتعل من سراج فان باعد السراج الاول يبقي ضوؤه و نوره لانه يستمد مما استمد منه السراج الاول فلابد لطالب العلم ما لم‌يستكمل كل الكمال ان يكون دائماً التوجه الي العلم و الي المعلم حريصاً علي ضبط ما يسمعه و لذلك روي عن ابي‌عبداللّه7 طلب العلم فريضة في كل حال و قيل اطلب العلم من المهد الي اللحد و عن ابي‌عبداللّه7 لست احب ان اري الشابّ الا غادياً في حالين اما عالماً او متعلماً فان لم‌يفعل فرّط فان فرّط ضيّع فان ضيّع اثم و ان اثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق و قال7 منهومان لايشبعان منهوم علم و منهوم مال و الاخبار في ان طلب العلم فريضة علي كل مسلم غيرمقيدة بقيد و وقت و حال فتفيد الاطلاق فيجب عليه طلب العلم ابداً وعن النبي9 العلم مخزون عند اهله و قد امرتم بطلبه منهم و عنه9 طلب العلم فريضة علي كل مسلم فاطلبوا العلم من مظانّه و اقتبسوه من اهله الخبر  فيجب علي طالب العلم ان يكون جميع اوقاته مصروفاً للعلم او للتقوّي علي العلم فلاينام و لايأكل و لايشرب و لايتمدد الا للتقوّي علي العلم و من باب المقدمة حتي يصدق عليه انه طلب العلم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 367 *»

في كل حال حتي انه لو ملّ عن علم فعليه بتفرج القلب بالرجوع الي فن آخر و علم آخر كما قال اميرالمؤمنين7 ان القلوب تملّ كما تملّ الابدان فابتغوا لها طرائف الحكمة و نهوا: عن السهر في جميع المواضع الا في ثلث مواضع منها طلب العلم فعن النبي9 لا سهر الا في ثلث متهجد بالقرآن و في طلب العلم او عروس تهدي الي زوجها انتهي بل ينبغي لطالب العلم ان لايسافر الا بكتبه بقدر الضرورة و لايذهب الي موضع يطول لبثه فيه الا بكتاب و لايذهب حيث يذهب الا بمحبرة و بياض ليكتب ما يسمعه مما يستحسنه فان الناس يصغون الي احسن ما يذكره الذاكرون و يكتبون احسن ما سمعوا ثم يروون في المجالس احسن ما كتبوا فروايات الناس نقاوة جميع ما عندهم و لذا روي عن النبي9 خذوا العلم من افواه الرجال و اما ما روي عن اميرالمؤمنين7 من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال الخبر فهو ان يكون الرجل امّعة لا درية له فيتبع كل ناعق و يميل مع كل ريح و اما الحديث الاول فهو ان يكون الرجل ذا درية و بصيرة و ينظر الي ما يرويه الرجال و ينقده و يأخذه الم‌تسمع آخر الخبر من اخذ دينه عن الكتاب و السنة زالت الجبال و لم‌يزل و هل يعرف السنة الا بالاخذ من افواه الرجال او المراد ان ما في صدور الرجال لم‌يلعب به ايدي المحرفين و اما الكتب فقد لعبوا بها فلاجل ذلك قال خذوا العلم من افواه الرجال فافهم.

بالجملة فليكن دائماً عند طالب العلم بياض و محبرة يقيد جميع ما سمعه فان العلم طائر فاذا قيد ثبت و لذا روي عن ابي‌عبداللّه7 اكتبوا فانكم لاتحفظون حتي تكتبوا و قال7 القلب يتّكل علي الكتابة و قال7 احتفظوا بكتبكم فانكم سوف تحتاجون اليها و قال7 اكتب و بُثّ علمك في اخوانك فان متّ فاورث كتبك بنيك فانه يأتي علي الناس زمان حرج لايأنسون فيه الا بكتبهم و عن عبداللّه بن عمر قلت يا رسول اللّه اقيّد العلم قال نعم قيل و ما تقييده قال كتابته و قيل له9 اكتب كلما اسمع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 368 *»

منك قال نعم قيل في الرضا و الغضب قال نعم فاني لااقول في ذلك كله الا الحق و لابد لطالب العلم ان يكون كثير التفكر في امره عن ظهر القلب و ان طالع الكتاب فليطلب ذلك المطلب و مقارناته و مقدماته في كتب عديدة ليجد مطلبه بعبارات مختلفة و ادلة متفاوتة ليسهل عليه فهمه و ينبغي الاجتناب للمبتدي عن فحص الاقوال في المسئلة و المذاهب و الآراء المتشتتة فان ذلك يشوّش قلبه و يزيل ثباته و يزيد في حيرته و يذهب بوثوقه بالعلم و الدين فيقتصر علي ما يراه الاستاد صلاحاً له فلاجل ذلك الاقتصار علي المتون له احسن و الاكتفاء بالمختصرات اولي و يبتدي بسطح الكتب من غير استدلال فاذا قوي يطلب الدليل علي تلك السطوح و لاجل ذلك لايجوز ان يقرأ في كتب المخالفين المتعلقة بالمذهب فانه يرسخ في قلبه ثم يشكل ازالته عنه و الواجب الاقتصار بعلوم آل‌محمد: و شيعتهم الآخذين عنهم و لذا روي عن ابي‌عبداللّه 7 انا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم قال لاتأتهم و لاتسمع منهم لعنهم اللّه و لعن مللهم المشركة و عنه7 بادروا احداثكم بالحديث قبل ان يسبقكم اليهم المرجئة و قال7 لبشير الدهّان لا خير فيمن لايتفقه من اصحابنا يابشير ان الرجل منهم اذا لم‌يستغن بفقهه احتاج اليهم فاذا احتاج اليهم ادخلوه في باب ضلالتهم و هو لايعلم و يأتي ما يدل علي ذلك في اصناف العلوم فلاجل ذلك لايجوز ان يبتدي المبتدي بكتب الضلال ـ لاسيما و ترتيب الحكمة ان يقرأ اولاً سطح المتون ثم يثنّي بالأخذ في الاستدلال عليه ثم يثلّث في طلب الاقوال ــ فيرسخ في قلبه الضلالة حال خلوه و يقسو و لايكاد يذل للحق بعد ذلك كما هو مشاهد من كثير من الطلبة و الداء العضال ان العامة كانت قبل ذلك غالبة علي بلاد الشيعة و كانت المدارس و القضاء بيدهم و الشيعة خاملون و السلطان مع العامة و العزة و الغلبة لهم فكتبوا كتباً  في اصناف العلوم و عظّموا فيها مشايخهم و ائمتهـم و کل

مسئلة يـــــݘـول الي المذهب في الآخر كتبوه هنا علي ما يوافق و ينتج تلك النتيجـة و الناس

عنه غافلون و اكتفي الشيعة بها و قرأوا عليها و شاعت تلك الكتب و بقيت الي الآن و لذلك لاتجد كتاباً في مقدمات العلوم للشيعة الا نادراً في بعض

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 369 *»

البلاد و الشيعة الي الآن يقرأون تلك الكتب و لايدرون ما فيها من الضرر العظيم و ماذا يتفرع عليها و يأتي ذلك مفصلاً ان شاء اللّه و الغرض هنا مواظبة طالب العلم و حرصه علي ما يسمع و احسن وقت للمطالعة و المراجعة لمن يريد الحفظ ساعة قبل المنام بالليل الي ان يغلب عليه النوم فان من كرر شيئاً في ذلك الوقت ينتقش في خاطره و قلبه و يذكره اذا قام من نومه ان شاء اللّه و يأتي ما يدل علي ما يزيد في الحفظ ان شاء اللّه و ليجعل وقت تدرسه و مطالعته في اوقات اجتماع قلبه و عدم كسالته بشبع او ريّ او نوم و ليتوجه الي العلم حين اخذه اياه بكله حتي ينتقش في قلبه كما هو و اذا سمع فلايتّكلن علي فهمه اياه بل ليكرر النظر فيه و الفكر في اطرافه و ان كان له من يباحث معه فليباحث بشروط تأتي في المجادلة بالتي هي احسن و ان كان الدرس استدلالياً فلابد و ان يكتب رءوس مطالب يقولها الاستاد ثم يستمع الي آخر المطلب ليفهم ما يقول و اذا اتفق في اثناء المطلب امر اعجبه او بيان غريب او شاهد لايدريه فليقيده سريعاً بالاجمال ثم ليستمع الي ان يشرع في مطلب آخر فليكتب رأس المطلب ثم ليعد في الاستماع و هكذا الي ان يتم الدرس فاذا تم فليقم و ليرجع الي منزله ثم ليأخذ كرّاساً و ليفصل تلك المجملات علي ما سمع ما لم‌ينسه فيحصل له درس مضبوط مقيد له و لاخوانه الي ما شاء اللّه من المدي فاذا واظب علي ذلك يحصل له في كل يوم فائدة منقحة و في الاسبوع خمس او ست فوائد و في الشهر عشرون فائدة او اربع و عشرون و هو كتاب مستقل كامل و يحصل له في السنة اثناعشر كتاباً كلما يراجعها كأنه في مجلس استاده و ان نسي شيئاً او تعايا فليسأل استاده ثانياً حتي يستحكمه فمن قرأ هكذا علي استاد لايمضي كثير زمان الا و هو عالم لاسيما اذا كان مخلوقاً للعلم و يكون العلم ميسوره.

و منهــا ملازمة الخلوة و اجتناب مجالس البطّالين و اللاغين فان ذلك هو العمدة و من علم ان العمر قليل و ربه لبالمرصاد و طلب العلم فريضة بل هو اعظم الفرايض و ان معاشرة البطّالين مميتة للقلب مشوشة للذهن مانعة عن التوجه الي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 370 *»

العلم كما ينبغي فليختر لنفسه كسراً و ليسدّ عليه باب حجرته و لينكر معاريفه و لاجل صعوبة ذلك صارت الغربة اولي به فانه لا معاريف له هناك و ان لم‌يعاشر من اول وهلة يقلّ معاريفه البتة و يسهل عليه انكار من عرف ايضاً و اعظم اسباب  موت

القلب  معاشرة النساء فان احاديثهن لاتسمن و لاتغني من جوع  لايـــــݘـول الي دنيـا و لا آخرة

فلاجل ذلك روي عن النبي9 انه قال اربع يمتن القلب الذنب علي الذنب و كثرة منافسة النساء و مماراة الاحمق يقول و يقول و لايرجع الي خير ابداً و مجالسة الموتي فقيل له يا رسول اللّه و ما الموتي قال كل غني مترف و عن اميرالمؤمنين7 تبذّل لاتشتهر و وارِ شخصك لاتذكر و تعلّم و اكتم و اصمت تسلم و اومي بيده الي صدره فقال يسر الابرار و يغيظ الفجّار و قد مر في المجلد الاول ما يكفي في امر الخلوة و لو لم‌يكن فيها الا حفظ ثلث دينك كفي بها فضلاً فان دينك اثلاث ثلث بينك و بين مباديك و ثلث بينك و بين نفسك و ثلث بينك و بين الخلق فاذا تخلّيت عنهم و جعلت نفسك في عرض الموتي سقط عنك ثلث دينك دفعة و هو غنيمة لايستقصي فضلها و لايقدر قدرها و من استوعب ثلث دينه قدر علي ثلث آخر ثم ثلث آخر ان شاء اللّه بالجملة لابد لطالب العلم خاصة العزلة عن جميع الناس و ترك الذهاب الي المجالس و زيارات اخوان المكاشرة و الذهاب الي مجالس الضيافة و متفرّج طالب العلم مجلس استاده و معاشروه العلماء الماضون فان راجع كتبهم فهو كأنه مجالسهم و محادثهم و هم يذكّرونه و يعلمونه و يصدقونه و يؤيدونه و يقوونه فلايشقي بهم جليس و اما ساير المجالس فلا طائل فيها اللهم الا رفيق مصادق معين لدينك و علمك فذلك مستثني كما مر و يأتي و علامته ان لاتحتاج الي كلفة في عشرته و لايصرفك عن شغلك و شأنك بل هو ايضاً متوجه حيث تتوجه و ليس هيهنا موضع بسط هذه المسئلة و من كان ذا حس ذكيّ يعرف مرارة الم المعاشرات و غيره لاينتفع بالعبارات.

و منهــا التواضع و الخضوع و ترك الكبر فان حب العلم ينبت في ارض سهلة لينة مثارة و لاينبت علي الصفا البتة و القلب القاسي المتكبر ينبو عنه الحب و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 371 *»

لايستقر عليه ابداً و لذلك قال بلوهر ليوذاسف علي نبينا و آله و عليهما السلام في بعض امثاله ان الزارع خرج ببذره الطيب ليبذره فلما ملأ كفه من البذر و بذره وقع بعضه علي حافة الطريق فلم‌يلبث ان التقطه الطير و وقع بعضه علي صفاة قد اصابها ندي و طين فمكث حتي اهتز فلما صارت عروقه الي يبس الصفا مات و يبس و وقع بعضه بارض ذات شوك فنبت حتي سنبل و كاد يثمر عنّه الشوك فابطله و اما ما كان منه وقع في الارض الطيبة و ان كان قليلاً فانه سلم و طاب و زكي فالزارع حامل الحكمة و اما البذر فصور الكلام و اما ما وقع علي حافّة الطريق فالتقطه الطير فما لايجاوز السمع منه حتي يمر صفحاً و اما ما وقع علي الصخرة فيبس حين بلغت عروقه اليها فما استخلاه صاحبه ساعة يسمعه بفراغ قلبه و عرفه بفهمه فلم‌يضبطه و لم‌يملكه و اما ما نبت منه فكاد يثمر فعنّه الشوك فاهلكه فما وعاه صاحبه حتي اذا كان عند العمل به حفّته الشهوات فاهلكته و اما ما زكي و طاب و سلم منه و انتفع به فما رآه البصر و وعاه الحفظ و انفذه العزم بقمع الشهوات و تطهير القلوب من دنسها الخبر و في الكافي عن محمد بن سنان رفعه قال قـال عيسي بن مريم يا معشر الحواريين لي اليكم حاجة اقضوها لي قالوا قضيت حاجتك يا روح‌اللّه فقام فقبّل اقدامهم و في نسخة غسل فقالوا كنا نحن احق بهذا يا روح‌اللّه فقال ان احق الناس بالخدمة العالم انما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ثم قال عيسي7 بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل و عن ابي‌عبداللّه7 اطلبوا العلم و تزيّنوا معه بالحلم و الوقار و تواضعوا لمن تعلّمونه العلم و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم و لاتكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم و عنه7 من التواضع ان ترضي بالمجلس دون المجلس و ان تسلّم علي من تلقي و ان تترك المراء و ان كنت محقاً و لاتحب ان تحمد علي التقوي و عن ابي‌الحسن7 التواضع ان تعطي الناس ما تحب ان تعطاه و في حديث آخر قيل ما حد التواضع الذي اذا فعله العبد كان متواضعاً فقال التواضع درجات منها ان يعرف المرء قدر نفسه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 372 *»

فينزلها منزلتها بقلب سليم لايحب ان يأتي الي احد الا مثل ما يؤتي اليه ان رأي سيئة درأها بالحسنة كاظم الغيظ عاف عن الناس و اللّه يحب المحسنين.

و منهـا ترك التزوج ما استطاع ان منعه عن تحصيل العلم الواجب بل المستحب فان اكثر محنة الدنيا و تعبها و ذلتها و علايقها و اشغالها يأتي من قبل التزوج و الا فلو كنت وحدك تنام في كسر كل مسجد او زاوية كل مدرسة لاتبالي اين امسيت و اين اصبحت و اي شي‌ء اكلت و اي شي‌ء لبست و الانسان لو لم‌يكن طالب علم و صرف جميع عمره في الكدّ علي العيال مااشبعهن و ماكساهن الا ان يعينه علي ذلك اعوان لاسيما نساء آخر الزمان و التعدي و الاسراف الذي شاع بين عامة الخلق فمحال ان يقنعوا بالكفاف ابداً فاذا كان الانسان الفارغ لايكفي كدّه شبع العيال و كسوتهم فما ظنك بطالب العلم الذي لولا اجتماع حواسه ماامكنه تحصيل العلم بوجه من الوجوه فاللازم لطالب العلم ان لايحوم حول هذا الحمي و ان هاج به الشهوة و منعه عن الاقبال فليخمدها بالصوم فانه وجأه فعن عثمن بن مظعون قال قلت لرسول اللّه9 اردت يا رسول ان اختصي قال لاتفعل يا عثمن فان اختصاء امتي الصيام و عن احدهما8 يا معشر الشباب عليكم بالباه فان لم‌تستطيعوه فعليكم بالصيام فانه وجاه انتهي.

و ان قلت ان هذا القول ينافي ما روي من شدة استحباب التزوج و كراهة تركه قلت نعم ما روي حق و لكن ارأيت ان عرضك امران شرعيان احدهما فرض عليك و الآخر مستحب ايهما اقدم فلا شك ان تقديم الفرض محل اجماع و اتفاق فان كان تزوج الطالب مما يمنعه عن تحصيل العلم الواجب فلا شك في وجوب ترك التزوج عليه و اما ساير العلوم المستحبة فلا شك في رجحان طلب العلم فانه خلافة اللّه و رسوله و لايوازي هذا المقام شي‌ء فترك الاولي مذموم عند جميع العقلاء اللهم  الا ان يكون تركه النكاح مما يشوّش ذهنه فحينئذ يجب و لكن ليقتصر

علي قدر الواجب فلايتزوجن بحسناء و لا ولود و لا من لها مــــݘـونة زائدة و لا من يفتتن بها فان طلب العلم فرض و ما روي في اختيار صفات النساء فعلي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 373 *»

الاستحباب و لايعارض الواجب فلو وجأ نفسه بالصيام فاحسن و احسن فانه يصفي فكره و ينير قلبه فضلاً عن وجأه و ان تزوجت حين احتياجك فاياك و اياك ان تتزوج بمرأتين فانهما تمنعانك عن خير الدنيا و الآخرة و تخسر نفسك فضلاً عما يـــــݘـول اليها.

و اعلم ان ما ورد من المدح له في الاخبار حق و لكن لكل اهل الاتري ان ما ورد من المدح في الرمان مثلاً حق و لكن لا كل احد يقدر علي اكله فالمريض ممنوع عنه محروم من هذا الثواب فكذلك للنكاح اهل من الشُبّان البطّالين الشبقين و المترفين و الفارغين عن التحصيل و ارباب الوسعة الذين لايحتاجون الي كدّ و اما طالب العلم المسكين المعرض عن الدنيا و ما فيها المقبل الي طلب العلم فليس له القدوم علي مثل هذه المصيبة العظمي و المحنة الكبري و اني اسأل اللّه الاعانة علي ما دهاني فاني مأخوذ بالعلم و كتب اجوبة المسائل و الدرس العام و الخاص و قد التمّ علي قريب ثلثين نفساً من العيال في دار واحدة و يطلبون مني ارغد عيش و اهنأ مأكل و اهيأ ملبس و انا الضعيف في جسمي الجاهل بطلب الدنيا الأبي عن التذلل عند ابناء الزمان و لولا رحمة ربي لكنت من الهالكين فيا ابناء العلم اني اب شفيق مجرب لاتحوموا حول التزوج فتحرموا خير الدنيا و خير الآخرة و راحتهما واعلموا ان من ازواجكم و اولادكم عدواً لكم فاحذروهم و ان ابتلي الطالب بمرأة سوء و اغلبهن سوأي فنعوذ باللّه فلايمكنه تحصيل العلم ابداً و قد قال ابوعبداللّه7 اغلب الاعداء للمؤمن زوجة السوء و ان كانت حسنة فهي العائقة الصارفة عن الخيرات فعن اميرالمؤمنين7 حب النساء سيف الشيطان و عن ابي‌عبداللّه7 اول ما عصي اللّه بست خصال منها حب النساء بالجملة احذروا من خيارهن و شرارهن و انما رضي الشارع بهذه المحنة العظيمة لامته لبقاء النسل و المنع عن الوقوع في الزنا و اما منعنا عن التزوج فليس مطلقا و انما ذلك عند معارضة الواجب و ان كان مع ذلك حال طلب الواجب بحيث لايمنعه عن طلب العلم لاجل المكنة و الدار و السعة و من يتكفل امرها فليفعل فانه سنة رسول اللّه9 و لا شك في ذلك و اما ذلك من الافراد النادرة الوقوع و كفي في فضلهن ما روي عن النبي9 اعصوهن

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 374 *»

في المعروف قبل ان يأمرنكم بالمنكر و تعوذوا باللّه من شرارهن و كونوا من خيارهن علي حذر و عن اميرالمؤمنين7 اتقوا شرار النساء و كونوا من خيارهن علي حذر و ان امرنكم بالمعروف فخالفوهن كيلايطمعن منكم المنكر و عن ابي‌عبداللّه7 تعوذوا باللّه من طالحات نسائكم و كونوا من خيارهن علي حذر و لاتطيعوهن في المعروف فيأمرنكم بالمنكر و عن اميرالمؤمنين7 معاشر الناس لاتطيعوا النساء علي حال و لاتأمنوهن علي مال و لاتذروهن يدبرن امر العيال فانهن ان تركن و ما اردن اوردن المهالك و عدون امر المالك فانا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن و لا صبر لهن عند شهوتهن التبرج لهن لازم و ان كبرن و العجب لهن لاحق و ان عجزن لايشكرن الكثير اذا منعن القليل ينسين الخير و يحفظن الشر يتهافتن بالبهتان و يتمادين في الطغيان و يتصدين الشيطان فداروهن علي كل حال و احسنوا لهن المقال لعلهن يحسنّ الفعال و قال7 في خلاف النساء البركة وقال7 كل امرء تدبره امرأته فهو ملعون و عن ابي‌جعفر7 لاتشاوروهن في النجوي و لاتطيعوهن في ذي قرابة و عنه7 اكثرهن من اهل النار و عن اميرالمؤمنين7 غيرة المرأة كفر و غيرة الرجل ايمان و ذكرنا هذه الاخبار ليقلّ ميل طلبة العلوم اليهن و يعلموا ما فيهن من التعويق عليهم فيقل رغبتهم اليهن.

المطلب الثالث

فيمــــا يرجــع الـى اعمالـه

اعلم انه لابد لطالب العلم ان يستعمل جميع ما يتعلم و ذلك ان العلم من صفات النفس و هي لاتستقر في غير بدن و لاتظهر الا ببدن فما لم‌ينزل العلم الي البدن و الي اعضائك و جوارحك و تجري بمقتضاه كما نزلت النفس الي البدن و ظهرت به فثبتت و استقرت لايثبت العلم و لايستقر و لذا روي العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل فكل مسئلة من المسائل يتعلمه و يتقنه ينبغي ان يكون همته في العمل به بجوارحه حتي يكون كامل الباطن و الظاهر و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 375 *»

العمل هو العلم المجسّد كما ان العلم هو العمل المروّح و العلم بزر العمل يغرس في ارض صدر الانسان فان نبت و سنبل سنبلة العمل و ربي و راع فهو و الا فيتفسخ ذلك البذر و يتعفن و يصير مأوي الشياطين و يبطل صورته الحقة و يعوجّ و يصير سبب شكوك و شبهات في الدين و يقويها الشياطين و يستعينون بذلك العلم علي الباطل و يتمسكون بمتشابهاته و يفسدون عليه يقينه و اما اذا غرس العلم في الصدر و نبت و سنبل في جميع اعضائه و جوارحه فذلك الذي يتعلق به الملئكة و يصير علمه الغيبي شهادياً و يستنير ظاهره و باطنه به و اري اليوم اغلب طلاب العلم لايريدون به عملاً و انما غرضهم محض تحصيل العلم للتقرب الي السلاطين و لبس الشبهات علي ما يريدون و تحصيل الدنيا الدنية و لذلك صاروا يغار بعضهم علي بعض كغيرة النساء فكأنهم نساء و الدنيا زوجهم يغارون عليها حتي يكفّر بعضهم بعضاً ليسقطه عن اعين الناس و يخلص توجه الناس اليه وحده نعوذ باللّه.

بالجملة و مما طال مشايخنا رضوان اللّه عليهم يقولون ان السلوك العملي روح السلوك العلمي و ربما يمثلون بان المُدلج اذا كان بيده شمعة ينتشر نورها الي مسافة محدودة فيري ما وقع عليه النور و لايري ما وراء النور فكلما يضع خطوة امامه يمشي النور خطوة امامه فيري ما في عرض تلك الخطوة لما وقع النور عليه و هكذا كلما يمشي يمشي النور امامه و يزداد علمه بما يقع عليه النور و اذا وقف لايزداد علماً بما وراء النور و ان رجع رجع النور معه و يخفي عنه ما كان يراه و هكذا الانسان اذا عمل بما علم ازداد علماً بما لم‌يك يعلم فاعلم ان سر ذلك ان العلم هو حضور المعلوم عند العالم و للنفس علمان علم بالمعلوم عند المعلوم فذلك عين حضوره لها اذا كانت مؤثرة لمعلومها علة له و علم به في نفسها فهو علم احدي بالنسبة و هو كمال حاصل لها فان كانت علة لمعلوماتها فذلك الكمال مبدؤ وجود المعلومات كما ان هيئة السراج علة هيئة الاشباح و الا فذلك الكمال هو اكتساب حاصل لها من انطباع صور المعلومات في مشاعرها و ادائها اليها صورتها الملكوتية فهي مميزة مشخصة عن غيرها بصورتها اي علمها النفساني فالانسان اذا عمل للّه سبحانه تقدم اليه و تقرب باقدام اعماله و امتثالاته رتبة بعد رتبة و يتلطف

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 376 *»

كلما يتقرب و يتوسع و يستنير و يتوحد بلا شك و انا لما وجدنا العمل تأخر عن العلم ظهوراً علمنا انه مقدم عليه وجوداً فالمقدم علي العلم النفساني هو العقل الجبروتي الذي يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان ففي الحقيقة يكون العقل كبذر زرع في ارض النفس فاثمر علماً فتلبس بصورة العلم و غرس في ارض الجسد فاثمر عملاً و حبة هذا العمل هو العقل المقدم وجوداً اذ هو حقيقة العبد القائم بوظيفة العبودية و انما يعرف عقل الرجل من قيامه بطاعة مولاه كما روي يقين المؤمن يري في عمله فكمال العمل دليل كمال العقل و نقصانه دليل نقصانه فكلما يعمل الانسان عملاً يتقرب به الي مبدئه و يقرّبه الي مبدئه يزيد عقله و يلطف و يصفو و هو روح العلم فاذا صفا العقل و زكا ازداد العلم و كلما ازداد العلم و ازداد العمل صفا العقل و زكا و هكذا كما روي عن اميرالمؤمنين7 بالحكمة استخرج غور العقل و بالعقل استخرج غور الحكمة و بحسن السياسة يكون الادب الصالح و كان يقول التفكر حيوة قلب البصير كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلص و قلة التربص بالجملة بالعمل الظاهري يكمل العقل الذي هو اصل العمل و وجوده المقدم و هو روح العلم فافهم و لاجل ذلك ان الاعمال الشرعية هي ظهور العقل و المتشرع هو العاقل و لذلك صارت الخيرات جنود العقل و الشرور جنود الجهل و روي اكمل الناس عقلاً احسنهم خلقاً و عن اميرالمؤمنين7 ماعبد اللّه بشي‌ء افضل من العقل و روي في خطاب اللّه العقل اياك آمر و اياك انهي و اياك اثيب و اياك اعاقب و عن موسي بن جعفر7 لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقل و لا علم الا من عالم رباني و معرفة العلم بالعقل وقال7 كفي بك جهلاً ان تركب ما نهيت عنه بالجملة الشرع هو صورة العقل و المتشرع متصور بصورة العقل و حقيقة هذه الصورة هي العقل و العقل روح العلم به يحيي و لولا العقل لكان العلم صورة بلا معني فهذا مراد مشايخنا من ان السلوك العملي روح السلوك العلمي.

و اني

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 377 *»

ساضرب لك مثلاً في العمل بالعلم فمثل العلم هو الغذاء الذي يغتذيه الانسان و مثل العمل هو عمل الطبع فيه و حله و جعله جزءاً للبدن فالانسان اذا اكل غذاء بعد غذاء و لمايصر الغذاء الاول جزء بدنه يفسد الاغذية في بدنه و تصير منشأ امراض و اما اذا صار الاول جزء للبدن و خلا المعدة احتاجت الي غذاء آخر فاذا ورد عليها غذاء آخر لم‌يضره ان شاء اللّه و كذلك اذا اوردت علي صدرك علماً بعد علم و لمّاتعمل بالاول فسد العلم و صار محل تشبث الشياطين و اورثت امراضاً و شكوكاً و شبهات في صدرك و قلبك و اهلكك فان التخمة رأس كل داء و الحمية رأس كل دواء و الظاهر عنوان الباطن بل اني قلبتهما ظهراً  لبطن فوجدت العلم كالسم القتال و وجدت العمل كالدرياق المخلّص فمن اخذ العلم و لم‌يعمل به قتله و بذلك هلك جميع الحكماء و المتكلمين و الفقهاء و العلماء الا كل عامل تقيّ فاياك و اياك بعد ما رأيت الوفاً هلكوا بهذا السم النقيع ان تدنوه الا بدرياق مخلّص و ان استعملته بدرياقه اورث فيك النور حتي ادخلك في عرصة السرور و جعلك كالانبياء و الاوصياء كما يأتي فقد روي انه جاء رجل الي علي بن الحسين7 فسأله عن مسائل ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال علي بن الحسين8 مكتوب في الانجيل لاتطلبوا علم ما لاتعلمون و لمّاعملتم بما علمتم فان العالم اذا لم‌يعمل به لم‌يزدد من اللّه الا بعداً و جاء رجل الي النبي9 فقال يا رسول اللّه ما العلم قال الانصات له قال ثم مه قال الاستماع له قال ثم مه قال ثم الحفظ له قال ثم مه قال ثم العمل به قال ثم مه قال ثم نشره و عن ابي‌جعفر7  اشد الناس حسرة يوم القيمة الذين وصفوا العدل ثم خالفوه و هو قول اللّه عزوجل ان تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب اللّه و عن النبي9 العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل و عن النبي9 العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهو ناج و رجل تارك لعلمه فهذا هالك و ان اهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه و ان اشد اهل النار ندامة و حسرة رجل دعا عبداً الي اللّه سبحانه فاستجاب له و قبل منه فاطاع اللّه فادخله اللّه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 378 *»

 الجنة و ادخل الداعي النار بتركه علمه و عن ابي‌جعفر7 اذا سمعتم العلم فاستعملوه و لتتسع قلوبكم فان العلم اذا كثر في قلب رجل لايحتمله قدر الشيطان عليه فاذا خاصمكم الشيطان فاقبلوا عليه بما تعرفون فان كيد الشيطان كان ضعيفاً فقيل و ما الذي نعرفه قال خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه عزوجل انتهي.

و اعلم ان من اقسام الاحتمال العمل به فمن لم‌يعمل بما علم لم‌يحتمله حق احتماله و لم‌يصبر علي ثقل العمل به فهذا احد معاني لايحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن ممتحن فان العمل باسرارهم صعب مستصعب و لذلك لما قلت للسيد الاستاد اجل اللّه شأنه و انار برهانه ان تلك الكلمة التي يقولها الحجة7 فيجفلون عنه اجفال الغنم ما سبب اجفالهم عنها مع قوة ايمانهم و انا بهذا الضعف آمنت بها و اقررت قال انهم لايطيقون العمل بها و الا فالعلم بها ليس بصعب.

بالجملة الذي يلزم طالب العلم ان يكون حريصاً علي تقييد ما يقتنصه و تثبيت ما يتعلمه بالعمل و الا فمثله كمثل من يجمع القمح في انبار مفأر و لمّايدفع عنه الفار فيذهب كلما يأتي به ضياعاً الم‌تسمع قوله تعالي (و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون  ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا و انفسهم كانوا يظلمون) فهذه الآية في بلعم باعورا و نقل انه كان في مجلس درسه اثنتاعشرة ‌الف محبرة يكتبون علمه و عمله فلما لم‌يعمل بما علمه اللّه نسبه اللّه الي الغواية و مثل له بالكلب و نسبه الي تكذيب الآيات و دخل حماره الجنة و هو الي النار.

و اعلم ان العمل بالعلم علي ثلثة اقسام معاملتك مع ربك في عباداته و طاعاته و معاملتك مع نفسك في تربيتها و رياضتها و معاملتك مع الخلق.

اما المعاملة مع الرب فكأنك اذا عرفت انه الاحد الذي لا شريك له ان لاتشرك به شيئاً و اذا عرفت انه معطي كل نعمة ان لاترجو معه سواه و اذا عرفت

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 379 *»

انه محرك كل متحرك ان لاتخاف احداً دونه و اذا عرفت انه الشاهد المطلع ان تستحيي منه في العلانية و السر و اذا عرفت كبريائه و عظمته و جلاله ان تتذلل عنده و تتخضع لديه دائماً و ان عرفته بالهيمنة علي الكل تعبده و تطيعه دائماً و ان عرفت انه الظاهر في كل شي‌ء لاتغفل عنه ابداً و هكذا امثال ذلك فكل مسئلة حققتها اذا عملت بها و واظبت ثبتت عندك و ان تركت العمل بها ذهبت و تحتاج ان تحصّلها مرةً اخري و يزداد شبهاتك فيها.

و اما المعاملة مع النفس فاذا عرفت داءها و دواءها ان تجتنب ما يمرضها و تعالجها بدوائها فان عرفت ان الكبر داءها تجتنبه و ان عرفت ان الهوي يعميها تجتنبه و ان عرفت ان الطمع يذلها تتركه و ان عرفت ان الغفلة تقسي القلب تعرض عنها و ان عرفت ان الشبع يضرها تجوع و ان عرفت ان النوم يغفلها تسهر و هكذا فمن اعتني بعلمه هذا و عمل به ثبت له و انتفع به و الا اهلكه اخلاقه الردية بعد ما علم انها مضرة و تم الحجة عليه و نسي وجوه تلك الحكم و اختبط في الجهالات و اعمته الشبهات و تردي في الهلكات.

و اما المعاملة مع الخلق فلما علم ان اللّه خلق الخلق لحكمة و انهم مظاهر اسماء اللّه و صفاته و ان المؤمنين هم اولاد محمد و علي صلوات اللّه عليهما و آلهما و قد خلقوا من طينة آل‌محمد: و من شعاعهم ان يحبهم و يحسن اليهم و لايكذبهم و لايخونهم و لايظلمهم و لايغصبهم و لايتهمهم و لايؤذيهم و ان يبرّ اليهم ببرّ والديهم و ان يداري الاعداء في دار الهدنة حفظاً علي المؤمنين و صوناً لعرضهم بالجملة الكتاب و السنة مشحونان بهذه المعاملات علي اكمل وجه فمن عمل بهما فقد قيد ما اقتنص من العلم و ثبت له و انتفع به و الا كان حجة عليه و اهلكه كالسم النقيع و فيما ذكرنا علي وجه الاختصار كفاية و بلاغ.

المطلب الرابع

فيمــــا يرجــع الـى بدنـه

اعلم ان اللّه سبحانه من بديع فطرته خلق الانسان من سلالة من الماء المهين الذي قد تركب من الماء و الطين و رباه حالاً بعد حال الي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 380 *»

ان اخرجه من بطن امه بقدرته و جعله محتاجاً فقيراً الي اكل و شرب و احتباس و استفراغ و نوم و يقظة و حركة و سكون و التنفس في الهواء و لايخلو من اعراض نفسانية تصله في هذه الدار المشحونة بالهموم و الغموم و الآفات و المصيبات و البلايا و النكبات فلابد له من مزاولة هذه الامور طول عمره فاذا وردت هذه الامور علي نهج الاعتدال المناسب لمزاجه صح مزاجه و اعتدل مشاعره و حصل من كل عضو و مشعر منه ما خلق لاجله علي حسب ما جعل له فاذا ورد شي‌ء منها علي خلاف الاعتدال انحرف المزاج عن طريق الاعتدال و لم‌يتأت من كل عضو وصل الاختلال اليه ما خلق لاجله و جري علي خلاف الواقع المطلوب منه ذلك و ذلك حتم و مجرب لا شك فيه و لا ريب يعتريه و لما كان طالب العلم طالباً لوصول الواقع الحق دائماً في كل شي‌ء و ذلك لايمكن له الا ان يكون مشاعره معتدلة صافية خالية عن كل صبغ و اعوجاج و مرض يجب عليه مراعاة حفظ الصحة و ملازمة الاعتدال دائماً ليفوز بذلك بخير الدنيا و الآخرة ففي هذا المطلب مقاصد.

الاول: في تدبير الاكل و الشرب علي نهج الاجمال اعلم ان للاكل و الشرب اثراً عظيماً في المشاعر فان الغذاء اذا ورد البدن و صار كيموساً و كيلوساً حصل منه الدم في الكبد و جري الي القلب فبخر و صار محل الروح الحيوانية ثم صعد الي الدماغ و جري في تجاويفه و صار في كل مقام محل قوة من قوي الروح النفسانية فالروح و القوي كلها ينصبغ بحسب صبغ ذلك البخار و يتهيأ بحسب هيئته فان كان البخار معتدلاً صافياً رقيقاً شافاً ظهر آثار الروح و القوي علي مقتضاها ذكية حادة خالصة نافذة دراكة و ان كان منحرفاً كدراً غليظاً حاجباً لم‌تظهر آثارها علي ما هي عليه و لم‌تنفذ في الاشياء و لم‌تميزها علي ما هي عليه و عميت عن الواقع بل ربما ادركت خلاف الواقع فمن رام من الطلاب درك حقايق الاشياء و سرعة الانتقال و ضبط العلوم فليراقب مأكله و مشربه كماً و كيفاً و ليراع اعتدال مزاجه دائماً و ميزان الكم ان ينسي بطنه فلايكون ممتلياً بحيث يثقل عليه فيتوجه اليه لثقله و لايكون خاوياً فيتوجه اليه لمضض الجوع و ان يقدّر تقديراً يجوع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 381 *»

جوعاً صادقاً قبل موعد الغذاء بساعتين لينقي الجوع معدته في هاتين الساعتين عن الرطوبات و اللزوجات و تحرص علي الطعام فاذا اكل فليأكل ما اعتاد بدنه به و جرب انه امرأ  في بدنه و اهنأ له و ليرفع يده قبل ان يشبع شبعاً بيناً و ليطل الاكل و ليجوّد المضغ حين يأكل و يجتنب الحرام و ليذكر اللّه كثيراً و ليحمده و ليقلل شرب الماء ما استطاع و من اكل الثمار و ليراع الآداب المروية في الاخبار و قد اشبعنا البحث عن الاكل و الشرب في المجلد الاول فراجع و كذلك كتبنا في «حقايق‌الطب» و «دقايق‌العلاج»  ما فيه كفاية و بلاغ فمن شاء فعليه بهما فانهما كافيان في ذلك الفن و لا قوة الا باللّه.

الثانى: و مما يلزم عليه مراعاته امر الاحتباس و الاستفراغ فمن انواعه الفصد و الحجامة و ارسال العلق و شرب المسهل و الحقنة و القي‌ء فاياك ثم اياك ان تعوّد بدنك شرب الدواء لما روي النهي الشديد عن ذلك فعن ابي‌عبداللّه7 اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء و قال ابوالحسن موسي7 ادفعوا معالجة الاطباء ما اندفع الداء منكم فانه بمنزلة البناء قليله يجر الي كثيره و عن اميرالمؤمنين7 امش بدائك ما مشي بك انتهي و كذلك لاتخرج الدم عبثاً فانه مركب روحك و عمود بدنك فلاتلعب به و منها الجماع فلاتقربه ما لم‌يحملك نفسك عليه و اهمّك و اشغلك و لاتشوّق نفسك اليه بالفكر فيه و النظر و الملاعبة فانه يضعفك و اعلم خير الدواء الحمية فانها رأس كل دواء و ان اردت العلاج فعالج بتغيير الغذاء ما استطعت و ان اضطررت فلا بأس باستعمال الدواء.

و اعلم ان البدن صنع صانع حكيم لايشارك في علمه و لايعلم احد كنه صلاحه و فساده الا اللّه و ليس لك بدنان يخلف احدهما الآخر فلاتلعب ببدنك و لاتبذل به لكل من يريد تصرفاً فيه و كِل تدبيره الي صانعه و لو ان ساعة فسدت لايقدر علي اصلاحها غير صانعها و كل من يتصرف فيها يفسد منها اكثر مما يصلح فما ظنك ببدنك الذي لم‌يعرف جميع اسراره احد من الاولين و الآخرين فلاتلعب به و اعرف قدره و كِله الي صانعه يدبره و يعالجه و لما لم‌يكن هذا الكتاب موضع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 382 *»

استقصاء هذه المباحث نكتفي بالاشارة و التفصيل محول علي كتب الطب لاسيما الحقايق و الدقايق فان فيهما كفاية و بلاغ.

الثالث: في امر النوم و اليقظة و اعلم انه لابد لهذا البدن من نوم و يقظة و من رام اعتدال بدنه لابد له من استعمال هذين علي نهج الاعتدال و ايهما غلب فسد البدن و اذا فسد البدن فسد القوي و اذا فسد القوي لم‌تصب حقايق العلم فراع فيهما الاعتدال و قد اشبعنا القول في امر النوم و اليقظة في الجلد الاول فراجع و ان نمت فنم علي وضوء و ان استيقظت فتوضأ سريعاً و خير اوقات النوم بعد العشاء و قبل الظهر و ساير الاوقات مذموم و كذلك فصلنا ذلك في الحقايق تفصيلاً فمن شاء فليراجع فلانطيل الكلام هنا.

الرابع: في الحركة و السكون و مما يصير سبب انحراف البدن عن قصد الاعتدال افراط الحركة و السكون و خروجهما عن المعتاد فان الحركة العنيفة تحدث في البدن حرارة مفرطة و تجفف الرطوبات و تحدث العيّ و الكسالة و اعراض الروح عن الظاهر و كلال الحواس و السكون المفرط يحدث في البدن رطوبات كثيرة و اخلاط فجّة و بلادة و كسالة و كل ذلك ينافي طلب العلم فلابد له من استعمال رياضة معتدلة اي نحو كان و الانسب باهل التقوي و طلاب العلم ان يجعلوا حركتهم في المشي الي مواضع العلم و الي المسجد و الي زيارة اهل العلم و الصلوة و امثال ذلك و سكونهم في الجلوس للفكر و مطالعة كتب آل‌محمد: و كتب الشيعة و لما كنا قد كتبنا الامر في هذه في الحقايق مفصلاً  اكتفينا بهذا  القدر هنا.

الخامس: في الهواء و قد اشبعنا في ذلك القول في كتاب «حقايق‌الطب» و الاشارة الي القدر اللايق هنا ان للهواء تصرفاً عظيماً في البدن فان الهواء الحارّ المفرط يحلل رطوبات البدن و يبخرها و يصعدها الي الدماغ و يصير اولاً سبباً

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 383 *»

لغروب الفهم و كدورة الحواس و اخيراً سبب جفاف الدماغ و البدن و فساد القلب و الفكر و البارد المفرط يجمد الدم و الاخلاط و يغلظ الروح و يكدر الفهم و الهواء المتعفن يصير سبب تعفن الاخلاط و فساد الروح و فساد الفكر و تعلق الشياطين و اعراض الروح عن الظاهر و جميع ذلك مناف لطلب العلم و كذلك الرياح الكثيرة تضعف البدن و تفرّق الروح و تجفف البدن و الدماغ و تشوّش الذهن و طالب العلم يحتاج الي تدبير المنزل بحيث يكون معتدلاً في فصول السنة و لو بالعلاج قليل الرياح حتي يكون معتدل المزاج صافي الفكر مجتمع القلب حتي يوافق افكاره الواقع و كل ذلك مجرب بديهي و الاحسن له المسكن في البيوت القليلة الضوء الصغيرة لان الحواس فيها اجمع و ان لايكون مسكنه مزخرفاً مزوّقاً مبيّضاً بالجص و امثاله و الاحسن ان يكون مطيّناً بالطين غير حار كثيراً و لابارد كثيراً و لا مجاور للمستراح و لا قريب مجامع الناس بحيث يسمع دائماً لغطهم و جلبهم و ضوضاءهم فيتفرق حواسه و يمنع عن نفسه كلما يفرق حواسه و يقسّم قلبه فان كل ذلك مناف لما يطلبه البتة و في ذلك هنا كفاية.

السادس: الاعراض الواصلة و تلك اعظم امر يجب مراعاته لطالب العلم فان ما سبق من الامور الخمسة امور بدنية تـــــݘـول الي روحه في العاقـبة و الاعراض تصل الي

الروح و تتعلق به اول وهلة و تتشبث به و تغيره و تخرجه عن الاعتدال في طرفة عين و هي مثل الغمّ علي ما فات و الهمّ علي ما هو آت و الغضب المفرط و السرور المفرط و امثال ذلك فانها هي كالسم النقيع لطالب العلم تبطل اجتماع قلبه في لمحة و يبقي اثرها اياماً فاللازم اولاً الملاحظة في اسبابها الخارجة فيسعي في رفعها ان امكنه حتي يفرغ لمطلبه و ان لم‌يمكن رفع ما في الخارج فليتفكر و ليسع في اصلاح نفسه و علاجها دوام ذكر الموت و فناء الدنيا و تقوية جانب الزهد فان اغلب تلك الاعراض من حب الدنيا و متاعها و اهلها فيغتمّ لما فاته منها و يهتمّ لتحصيل ما يأمل منها و يغضب علي من يريد سلبها عنه فاذا زهد في الدنيا و حسب نفسه في عرض الموتي لايبالي ما فات منها و لايسترّ بما هو آت و يجمع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 384 *»

ذلك كله قوله تعالي (لكيلاتأسوا علي ما فاتكم و لاتفرحوا بما اتيكم) و ملاك ذلك كله جعل الموت نصب العين و حسبان النفس في عرض الموتي فاذا صرت في عرض الموتي فكل من مات فليمت و كلما فات فليفت و اينما خرب فليخرب و كل من قال ما قال فليقل و كلما لم‌يصل فلن‌يصل و كيفما صار الدنيا و اهله فليصر و قد مر في باب الفكر شطر طويل في هذا الباب فراجعه و ادم التفكر في الموت فانه شفاء من كل داء و امان من كل خوف و حفظ من كل سوء و لايصلح هذه النفس الجموح و لايؤدبها و لايعكمها الا ذلك فواظب عليه و استمع مني فلاينبئك مثل خبير و لما كان قد مر القول فيه بليغاً فلنكتف هنا بما ذكرنا.

السابع: اذا عرض لطالب العلم مرض مفسد للمزاج مولم شاغل له و لم‌يقدر علي علاجه بالتدابير في الستة المذكورة فليراجع الطبيب الحاذق و ليعالج نفسه حتي يرجع الي الاعتدال و اعظم الامراض له ما يفسد اخلاطه و يصعد منها ابخرة ردية الي دماغه و يفسد فكره فذلك اولي بالمبادرة الي العلاج فانه يضاد مطلبه و اعظم من جميع الامراض له الماليخوليا فانه اعدي عدوّه و اضرّ شي‌ء بحاله و هذا المبحث لحري ببسط القول فيه في الجملة و ان كنا بسطنا القول فيه في «دقايق‌العلاج» و لكن لما كان هذا المرض موجوداً في اكثر طلاب العلم و لكن لايشعرون وجب علينا بسطه في الجملة.

اعلم انه ربما يستولي علي البدن حرارة غريبة بسبب الاعراض الواصلة او بسبب فكر زايد او رياضة شاقة او استعمال اغذية حارة او ادوية حارة حادة فيحترق بسبب ذلك اخلاط البدن و يحدث منها سوداء غير طبيعية و يبخر في البدن فان كانت من السوداء المحترقة كان بخارها اسود و ان كانت من البلغم المحترق كان اكمد و من الدم فرفيري و من الصفراء اخضر فيصعد الي الدماغ و يدور في تجاويفه و يتهيأ بهيآت علي حسب طبايعها و يصبغ الروح و يشكله علي حسب طبايعه فيسري الصبغ و الشكل الي الحس المشترك و يسريان منه الي الخيال فيتجسم له هيآت و صور عجيبة و ربما تشكل ذلك البخار بتبعية الخيال

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 385 *»

فحينئذ يتشكل علي هيآت كان الخيال معتاداً بها فيتجسم له فيتولد له من بين طباع ذلك البخار و تشكيل الخيال له امور عجيبة و لاجل ذلك يخص فساد كل قوم بما كان في خيالهم قبل المرض و يتأكد و يتجسم لهم ذلك المعتاد حتي اني رأيت واحداً من المتفقهة بعد ما ابتلي بهذا المرض كان يقعد في السوق علي بعض الحوانيت او في المسجد فيصيح باعلي صوته كهيئة الغضبان متغير الاحوال و يبين المسائل الفقهية و يحمي عن علم الاصول و يدعو الي الاصوليين و لربما كان يصيح مترسلاً من الصبح الي الزوال من غير فترة و رأيت واحداً  آخر كان همّه المعارف فابتلي بهذا المرض ادعي النبوة و كان يدعي انه مهدي الزمان و اراد الخروج فجاء يشاورني في الخروج و استنصرني علي دعوته فزبرته ثم عالجته فافاق في الجملة و عندي ان هذا المدعي الذي خرج في زماننا و ادعي البابية ثم المهدية ثم النبوة ثم الالوهية و اتي بقرآن انه ايضاً كان مجنوناً مبتلي بهذا المرض و لبّاه الناس من حيث لايشعرون و اخبرني ثقة عالم فقيه انه ابتلي رجل بهذا المرض فكان يري في كل شي‌ء ابرة و لذا كان يمتنع عن الاكل حتي ضعف و كان يتهم الناس انكم تريدون قتلي فتجعلون في طعامي ابرة فقالوا له يوماً فلان اي رجل فأطري عليه فقالوا هل يقدم علي قتل امرء مسلم فتحشّي فقالوا ان اتاك بطعام اتتهمه قال لا فجاءوا به فاتاه بطعام فاقبل اليه فقال و مثلك ايضاً يريد قتلي و بلغني ان آخر ابتلي بهذا المرض فبلغ امره انه كان يغمس يده في الماء فلايستيقن دخول يده في الماء فيلتمس من يقف عليه ان يخبره بانغماس يده في الماء و من هذا الباب هؤلاء المبتلون بالوسواس حتي انه بلغني ان الرجل الفقيه ارتمس في خزانة الحمام قريباً من مائة و عشرين مرة فلم‌يستيقن انه ارتمس و واحد آخر كان يدخل الخزانة الحارة قبل الفجر فيرتمس مترسلاً حتي يطلع الشمس فلربما يسودّ بدنه من شدة الحر و يغشي عليه و يطفو علي الماء كالميت فيخرجونه و يرشّون عليه الماء البارد حتي يفيق فيسأل هل اغتسلت ام لا وهكذا كل واحد منهم يتصور له ما اعتاده حتي ان الفاخور يزعم انه صار خزفاً فيتوقي الجدران لكي لاينكسر و صاحب الدواجن يزعم انه صار شاة و صاحب الكلب انه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 386 *»

صار كلباً فينبح و البلوي ان هذا المرض في اول الامر ضعيف لايخرج بصاحبه عن الاعتدال كثيراً فلايمكن ان يقال له ابتليت و هو بنفسه لايعلم فيمشي علي وجهه فيزداد يوماً فيوماً فيزخرف خياله الفاسد بساير خيالاته الفاسدة و يموّه علي الناس و لربما ازداد تلك الخيالات الفاسدة غلظة و تجسماً حتي ادعي الكشف و المعاينة كما هو المعروف من ابن‌العربي و اضرابه من مزخرفات الكشف من اني رأيت منازل القمر ابكاراً فصعدت اليها و افتضضتها ففي الاول يدعي الكشف و يأول تلك الخرافات هو و اصحابه و لربما يتاكد بذلك عقايده الفاسدة فانه ربما يري في كشفه او في منامه المؤمن الممتحن علي صورة القردة و الخنازير لسوء ظنه بهم و الكافر الزنديق علي صورة الانسان لحسن ظنه بهم فلربما ينكشف له ائمة الحق علي اقبح صورة و ائمة الجور علي احسن هيئة كل ذلك لسبق ظنه و انصباغ خياله فيتاكد بذلك اعتقاده و هو لايعلم انه من مرضه و عند من يعرف الامزجة اغلب السالكين من المتصوفة و المرتاضين بغير هاد و المتزهدين المقدسين بغيرعلم و الطلاب المتعمقين في العلوم الدقيقة بغير ورع و لا هاد مرشد مبتلون بهذا المرض و لكن لايشعرون و ما لم‌يشتدّ مرضهم لايعرف فساد فكرهم و لايظن بهم الظانّ فيزعمون انهم سالمون و اللّه يعلم انهم لمبتلون فالواجب لمداولي العلوم و مستعملي الرياضات و المتزهدين ان يراعوا ابداً اعتدال المزاج و التدرج في عملهم و رياضتهم و تزهدهم و لايشتغلوا برياضة الا بعد الظفر باستاد ماهر يربيهم و يحملهم علي الرياضة شيئاً بعد شي‌ء فان الامر لو كان بالتدريج لايفسد المزاج و ان المباغتة و التشديد فانه مفسد للمزاج بلا شك هذا و انت تري الناس لايقدرون علي طبخ منٍّ من اللحم علي نهج الاعتدال من غير استاد فكيف يقدرون علي نضج موادهم و تصفية مزاجهم و تعديله الذي هو اعظم من تحصيل الاكسير الف مرة بغير استاد فلاتلعب بروحك و بدنك فانه ليس لك روح و لا بدن ازيد من واحد تفسد واحداً و تجرب لآخر و رأيت مرفوعاً الي النبي9 من تزهد بغيرعلم جُنّ في آخر عمره او مات كافراً  و لا شك في ذلك فالحذر الحذر من الاشتغال بالرياضات من غير استاد ماهر فان الجنون من ورائك بلا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 387 *»

شك فاذا هاج في بدنه السوداء التي هي الارض غلب علي بدنه سكنة الارض من الشياطين و برية سجين فيموّهون له خيالات و عقايد فاسدة و لربما يصدق بعض خيالاته و كشفه الظاهر فيري ان احداً جاء فجاء او ذهب فذهب فيغترّ بامثال ذلك و هو لايعلم ان امثال هذه الاشياء كثيرة في السجين و اهله و ليست بشي‌ء فما لم‌تفز باستاد دليل و هاد فلاتخالف روية المؤمنين الظاهريين و لازم الشرع الظاهر و استعمل السنن و الآداب حتي يقدّر اللّه لك استاداً و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم فالذي لايقدر ان يمشي مرحلتين من الارض المحسوسة بغير دليل علي غير سبيل فكيف يقدر علي سلوك طريق الباطن من غير هاد و لا دليل يدله الي سواء السبيل بالجملة اللازم علي طالب العلم مراعات اصلاح المزاج اذا فسد و حفظ الاعتدال و الصحة دائماً و اعلم ان هذا المرض يحصل من غلبة الحرارة و هي تحصل بطول الفكر و الرياضة الشاقة و استعمال الادوية الحارة و تقليل شرب الماء جداً و الجوع الطويل و السهر المفرط و اني قد كتبت في «حقايق‌الطب» ما يكتفي به المكتفي و اني اوصيك في حفظ الاعتدال بكلمة واحدة و هي ان لاتكثر من شي‌ء ابداً و قد قال خير القائلين عليه و آله صلوات المصلين خير الامور اوسطها و مدح اللّه قوماً و منّ عليهم بقوله (و كذلك جعلناكم امةً وسطاً) و روي نحن النمرقة الوسطي و في ما ذكرت كفاية و بلاغ.

الثامن: ان من اعظم ما يحتاج اليه طالب العلم الحفظ و هو عندي نصف العلم و هو الرواية و النصف الآخر الدراية فلو حفظ الانسان جميع الذي يسمع لصار بحراً لايساحل و ان لم‌يدر ما يروي و رب حامل فقه و ليس بفقيه و رب حامل فقه الي من هو افقه منه و الحافظ كتاب مدون و الداري عالم حكيم فاذا كان صدر الانسان كتاباً حاضراً و نفسه عالمة تم عليه النعمة و العالم بلا كتاب كالسميع بلاصوت و الكتاب بلا عالم كالصوت بلا سامع و لا خير كاملاً في واحد

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 388 *»

منهما و ان كان و لابد من تفرد احدهما فالدراية فان حديثاً واحداً تدريه خير من الف ترويه فالداري لايمرّ بشي‌ء الا و يدريه و اما الراوي فلا و لكن ينتفع به اهل الدراية اذا جالسوه و الرواية فضل ظاهر عند العوام و الدراية فضل باطن عند الاعلام بالجملة نعمت النعمة الحفظ و لابد من الاهتمام لطالب العلم و اعلم ان الدراية من الحرارة و اليبوسة و سرعة الانتقال من الحرارة و الرطوبة و الحفظ من البرودة و اليبوسة و لذلك قلما يجتمع الحفظ مع سرعة الانتقال فان الذهن ما لم‌يكن متحجراً لم‌يبق عليه النقش زماناً و الحجر بطيئ الانتقاش بطيئ الانمحاء و الهواء سريع الانتقاش سريع الانمحاء و كذا النار و الماء فلذلك قلما يوجد حافظ سريع الانتقال غزير الفهم و قلما يوجد سريع الانتقال الفهيم حافظاً ضابطاً و لكن يجمع بينهما المعتدل فيستعمل اي خلط يشاء و لما كان الحفظ من المِرّة السوداء و منها العصمة عن الخطاء و السهو و النسيان و ترك ما امر به وصف اللّه نبيه بالمِرّة فقال (ذو مرّة فاستوي) اي لم‌يكن منحرفاً فاسداً فيكون صاحب ماليخوليا و لذا روي مابعث اللّه نبياً الا و هو ذو مِرّة سوداء صافية هـ  و انما ذلك لحفظ الوحي علي ما نزل و ايصاله الي الناس من غير سهو و لا نسيان فاذا كان المزاج حافظاً يحفظ علمه و عمله و ان لم‌يكن حافظاً ينسي في علمه و عمله و ان كان الحفظ في مرتبة العصمة عن النسيان كان في العلم و العمل فتفريق الصدوق بين تجويز السهو في ما يشترك النبي9 مع الرعية و عدم تجويزه فيما يخصه خطاء و سهو منه فان الطبع المجبول علي الحفظ حفيظ لعلمه و عمله معاً و النسيي ينسي فيهما معاً و الطبع لايقبل التقسم بالجملة يكون الحفظ من المرة السوداء و سرعة الانتقال من الدم و التعمق و النفوذ من الصفراء و ما زعم بعضهم ان السوداوي متعمق دقيق اشتباه بل السوداوي بليد جماد كالحجر اذا وقع علي شي‌ء لايكاد يزول منه و لايحول ابداً و كذا يكون البلغمي مسلوب خير الطرفين فانه يكون نسيّاً لاجل الرطوبة و بليداً لاجل جمود البلغم ان لم‌يكن حرارة و يكون عديم التعمق و النفوذ مبهوتاً.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان من كان حافظاً و صار نسيّاً بسبب عروض عارض

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 389 *»

يمكن معالجته و ينتفع بالحفظ و من لم‌يكن حافظاً قبل يعسر جداً تحصيل الحفظ له و ان حصل له شي‌ء يتضرر و يكثر همه و غمه بحيث يرضي بقلة حفظه اذا زالت عنه الهموم فمن لم‌يكن حافظاً فلايسعينّ في تحصيله و كفاه السعي في ان لايصير نسيّاً اكثر مما كان و اسباب زيادة الحفظ كثيرة احسنه الدعوات الواردة فمنها ما رواه الشيخ الاوحد­ عن النبي9 يقرؤه كل يوم يا عزيز يا جبار يا متكبر يا قهار اجعل نفسي طيبة طايعة حافظة حاذقة مؤمنة مطمئنة ذات انباط في الحفظ و الخير تؤمن بلقائك و تقنع بعطائك و ترضي بقضائك و تصبر علي قسمتك يا كريم بحق محمد و آله الطاهرين و فــي بلدالامين عن النبي9 باسناد صحيح انه من اراد حفظ القرآن و العلم فليكتب هذا الدعاء في اناء نظيف بزعفران و عسل ماذي ثم يغسله بماء المطر يؤخذ قبل ان ينزل الي الارض ثم يشربه علي الريق يفعل ذلك ثلثة ايام يحفظ ما يريد حفظه ان شاء اللّه و هو اللهم اني اسألك فانت مســـݘـول و لم‌يسأل مثلك اسألك بحق محمد نبيك و رسولك و ابرهيم خليلك و صفيك و موسي كليمك و نجيك و عيسي كلمتك و روحك و اسألك بصحف ابرهيم و تورية موسي و انجيل عيسي و زبور داود و قرآن محمد صلي الله عليه و اله و عليهم اجمعين و اسألك بكل وحي اوحيته و بكل حرف انزلته و بكل قضاء قضيته و بكل سائل اعطيته و اسألك باسمك الذي اذا دعاك به انبياؤك و اصفياؤك و احباؤك استجبت لهم و اسألك بكل اسم انزلته في كتاب من كتبك و اسألك بالاسم الذي اثبتّ به ارزاق العباد و اسألك بالاسم الذي استقل به عرشك و اسألك بالاسم الذي وضعته علي الارضين فاستقرت و اسألك بالاسم الذي دعوت به السماوات فاستقلت و اسألك بالاسم الذي وضعته علي النهار فاستنار و اسألك بالاسم الذي وضعته علي الليل فاظلم و اسألك بالاسم الذي وضعته علي الجبال فرست و اسألك باسمك الواحد الاحد الفرد الصمد

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 390 *»

 الوتر العزيز الذي ملأ الاركان كلها الطهر الطاهر المطهر يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مهيمن يا قدوس يا حي يا قيوم يا ذا الجلال و الاكرام ان تصلي علي محمد و آل‌محمد و ان ترزقني حفظ القرآن العزيز و العلم و الحكمة برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم ارحمني و اكفني يا كافي كل شي‌ء بقدرتك علي كل شي‌ء اكفني كل شي‌ء و اصرف عني شر كل ذي شر برحمتك يا ارحم الراحمين و عـن النبي9 اهدي الي جبرئيل7 هدية و قال اكتب علي الطست بالزعفران الحمد و المعوذتين و التوحيد و القارعة و تبارك و الحشر و يس ثم اكتب لا اله الا اللّه المعبود في رءوس الجبال لا اله الا اللّه المعبود في الارضين القفار لا اله الا اللّه المعبود في لجج البحار لا اله الا اللّه المعبود في الاودية و الآكام لا اله الا اللّه المعبود في كل اوان لا اله الا اللّه المذكور في كل لسان لا اله الا اللّه المســـݘـول مع كل شدة و رخاء لا اله الا اللّه المعروف بالاحسان لا اله الا اللّه الفعال لما يريد لا اله الا اللّه الحي الدائم الذي لايزول سبحان ذي الملك و الملكوت سبحان ذي العزة و الجبروت سبحان الحي الذي لايموت سبحان الحي الدائم الذي لايزول ثم اغسل المكتوب بماء زمزم او بماء المطر من الطست و اشربه وقت السحور ليلة الاثنين او ليلة الخميس او ليلة الجمعة مع ثلث اواق كندر و ثلث مثاقيل سكر طبرزد و عشرة مثاقيل عسل ثم صل ركعتين تقرأ في كل ركعة بالحمد مرة و الاخلاص خمسين مرة ثم تصبح صائماً و لايمضي عليك اربعون يوماً  الا و تصير حافظاً  قال علي7 و ابن‌عباس و جماعة من الصحابة فعملنا ذلك فمافرحنـا

في الاسلام كفرحنا به و هو ينفع لمن دون الستين عمره فاذا بلغ الستين قل نفعه قال الزهري كتبته و انا ابن ستين سنة فلم‌يأت علي شهران الا و وجدت في نفسي من الزيادة ما لااقدر عليه و كان يكتبه و يسقيه لولده انتهي. الاواقي جمع اوقية قال في المصباح المنير هي عند العرب اربعون درهماً قال و قال الازهري قال الليث الوقية سبعة مثاقيل و قال في الصحاح و الاوقية في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 391 *»

الحديث اربعون درهماً و كذلك كان فيما مضي فاما اليوم فيما يتعارفها الناس و يقدر عليه الاطباء فالاوقية عندهم وزن عشرة دراهم و خمسة اسباع درهم و هو استار و ثلثا استار و الجمع الاواقي و قال في النهاية الاوقية اسم لاربعون درهماً و قال في القاموس و الاوقية بالضم سبعة مثاقيل كالوقية و اربعون درهماً جمع اواقي و اواق اقول فعلي معني اربعين درهماً يكون الوزن ثلثاً و ستين مثقالاً و ابداً لايجسر علي ذلك فان شربته عند الاطباء نصف درهم الي درهم و بينهما بون بعيد و علي معني سبعة مثاقيل احداً و عشرين مثقالاً و هو ايضاً بعيد لان بين قدر شربته و بين هذا مسافة و ذكر الاطباء ان اكثاره محرق للدم مورث للجنون و الجذام و البهق الاسود و امراض اخر فلااظن امكان استعمال ذلك الا لمثل رجل كان في زماننا يسمي بالشيخ جعفر و كان معتاداً باكل الكندر و القرنفل معاً يدقهما معاً و يأكل كل يوم و قد بلغ به العادة انه كان يأكل في سنة وزنة كندر بالوزن العطاري ببغداد و هي اثناعشر مناً تبريزياً تخميناً مع ما كان يلحق به من قرنفل و كان جسده يستشم منه رايحة الكندر نعم مثل هذا الرجل يقدر علي هذا الدواء و انا جسرت علي ذلك علي ان راوي كل علم من الامام ينبغي ان يكون من اهل ذلك العلم و الا يخبط خبطاً بيناً كما هو مشاهد من جميع الناس و اني احتمل ان كان قول النبي9 ثلثة دراهم و سهي الراوي او ثلثة مثاقيل كالسكر او ثلث اواق في مدة اربعين يوماً فكل يوم ثلثة دراهم و يؤيد ذلك الاحتمال ساير الاخبار الدوائية و يحتمل ان كان للاوقية معني آخر قد هجر و اللّه اعلم بالجملة لا اعتماد علي رواية غير اهل الفن او هو من باب المعجز و ذلك امر فوق الطبايع و عـن ابن‌فهد ان النبي9 قال يا علي اذا اردت ان تحفظ كل ما تسمع فقل في دبر كل صلوة سبحان من لايعتدي علي اهل مملكته سبحان من لايأخذ اهل الارض بالوان العذاب سبحان الرءوف الرحيم اللهم اجعل لي في قلبي نوراً و بصراً و فهماً و علماً انك علي كل شي‌ء قدير و مـن كتاب جمع‌الشتات عن الصادق7 اذا اردت ان تحدث عنا بحديث فانساكه الشيطان فضع يدك علي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 392 *»

جبهتك و قل صلي اللّه علي محمد و آله اللهم اني اسألك يا مذكر الخير و الآمر به ذكرني ما انسانيه الشيطان فانه يذكره ان شاء اللّه تعالي و مـن كتاب من‌لايحضره الفقيه من كثر عليه السهو في الصلوة فليقل اذا دخل الخلاء بسم اللّه و باللّه اعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم و فـي جنة‌الامان نقلاً عن الطوسي في متهجده انه من اراد حفظ القرآن فليصل ليلة الجمعة اربع ركعات الاولي بالحمد و يس و الثانية بالحمد و الدخان و الثالثة بالحمد و سجدة و لقمن و الرابعة بالحمد و الملك فاذا سلم حمد اللّه و اثني عليه و صلي علي النبي9 و استغفر للمؤمنين و قال اللهم ارحمني بترك المعاصي ابداً ما  ابقيتني و ارحمني من ان اتكلف ما لايعنيني و ارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السموات و الارض ذا الجلال و الاكرام و العزة التي لاترام اسألك يا اللّه يا رحمن بجلالك و بنور وجهك ان تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني و ارزقني ان اتلوه علي النحو الذي يرضيك عني و اسألك ان تنور بكتابك بصري و تطلق به لساني و تفرح به قلبي و تشرح به صدري و تستعمل به بدني و تقويني علي ذلك و تعينني عليه فانه لايعين علي الخير غيرك و لايوفق له الا انت و زاد في رواية لا اله الا انت و فـي عدة‌الداعي عن اميرالمؤمنين7 قال قـال رسول اللّه9 اعلمك دعاء لاتنسي القرآن قل اللهم ارحمني بترك معاصيك ابداً ما ابقيتني و ارحمني من تكلف ما لايعنيني و ارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني و الزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني و ارزقني ان اتلوه علي النحو الذي يرضيك عني اللهم نوّر بكتابك بصري و اشرح به صدري و اطلق به لساني و استعمل به بدني و قوّني علي ذلك و اعنّي عليه انه لايعين عليه الا انت يا لا اله الا انت انتهي و ليس فيه ذكر صلوة و فـي الوسائل عن ابي‌جعفر7 في حديث ان الحسن7 اجاب السائل الذي سأله عن الذكر و النسيان فقال ان قلب الرجل في حق و علي الحق طبق فان صلي الرجل عند ذلك علي محمد و آل‌محمد صلوة تامة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 393 *»

انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فاضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسي و ان هو لم‌يصل علي محمد و آل‌محمد او نقص من الصلوة عليهم انطبق ذلك الطبق علي ذلك الحق فاظلم القلب و نسي الرجل ما كان ذكره انتهي.

و اما ما يورث الحفظ من العقاقير فمنها ما رواه في بلدالامين عن ابن‌مسعود عن النبي9 لحفظ القرآن و الحديث و يقطع البول و البلغم و يقوي الظهر تؤخذ عشرة دراهم قرنفل و كذلك من الحرمل و من الكندر الابيض و من السكر الابيض يسحق الجميع و يخلط الا الحرمل فانه يفرك و يأكل منه غدوة وزن درهم و كذا عند النوم و عـن ابي‌بصير عن الصادق7 قال قلت للصادق7 كيف يقدر علي هذا العلم الذي فرغتموه الينا فقال خذ وزن عشرة دراهم قرنفل و مثلها كندر ذكر و دقهما ناعماً ثم استف علي الريق كل يوم قليلاً  و عـن علي7 من اخذ من الزعفران الخالص جزءاً و من السعد جزءاً و يضيف اليهما عسلاً و يشرب منه مثقالين في كل يوم فانه يتخوف منه من شدة الحفظ ان يكون ساحراً
و منها ما ذكره لمن يكون بعيد الذهن قليل الحفظ يؤخذ سنا مكي و سعد هندي و فلفل ابيض و كندر ذكر و زعفران خالص اجزاء سواء يدق و يخلط بعسل و يشرب منه وزن مثقال كل يوم سبعة ايام متوالية فان فعل ذلك اربعة‌عشر يوماً خيف من شدة الحفظ ان يكون ساحراً و عـن ابن‌فهد دواء للحفظ شهدت التجربة بصحته و هو كندر و سعد و سكر طبرزد اجزاء متساوية يسحق ناعماً و يستفّ منه علي الريق كل يوم خمسة دراهم تستعمل ثلثة ايام و تقطع خمسة ثم تستعمل كذلك ثلثة ايام و تقطع خمسة و هكذا و مـن كتاب لقط الفوايد من اراد ان يكثر حفظه و يذهب نسيانه فليأكل كل يوم مثقالاً من زنجبيل مربّا قال و مما جرب للحفظ ان تأخذ زبيباً احمر منزوع العجم عشرين درهماً و من السعد الكوفي مثقالاً و من اللبان الذكر درهمين و من الزعفران نصف درهم تدق الجميع و يعجن بماء

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 394 *»

الرازيانج حتي يبقي في قوام المعجون و يستعمل علي الريق كل يوم وزن درهم قال و من اخذ الفستق المقشر و الزبيب الاسود و السعد و الكندر الذكر من كل واحد جزءاً و تناول من ذلك بعد السحق و المزج كل يوم مثقالاً بعد لزوم الرياضة و اصلاح الغذاء فانه مهما سمعه حفظه قال و من ادمن من اكل الزبيب علي الريق رزق الفهم و الحفظ و الذهن و نقص من البلغم و مـن كتاب طريق‌النجاة ثلثة تذهب البلغم و تزيد الحفظ الصوم و السواك و قراءة القرآن و مـن بعض الاخبار يورث الحفظ اكل اللحم مما يلي العنق و اكل الحلواء و العدس و الخبز البارد و قراءة آية الكرسي و فـي الفصول‌المهمة عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي9 يا علي تسعة اشياء تورث النسيان اكل التفاح الحامض و اكل الكزبرة و الجبن و سؤر الفأرة و قراءة كتابة القبور و المشي بين امرأتين و طرح القملة و الحجامة في النقرة و البول في الماء الراكد انتهي و لنعم ما نظمه السخاوي:

توق خصالاً خوف نسيان ما مضي قراءة الواح القبور قديمها
و اكلك للتفاح مادام حامضاً و كزبرة خضراء فيها سمومها
كذا المشي ما بين القطار و حجمة قفاه و منه الهمّ و هو عظيمها
و من ذاك بول المرء في الماء راكداً و اكلك سؤر الفأر و هو تميمها

و اعلم انه ينفع من النسيان وج مربي و دارفلفل مربي و كذا كندر سعد فلفل ابيض زعفران مر مكي اجزاء سواء يعجن بعسل ثم يتناول كل يوم وزن درهم و ايضاً فلفل كمون من كل جزء سكر طبرزد ثلثة ايضاً كندر ثلثة ارباع درهم فلفل ربع درهم و هو شربة واحدة يسقي كل يوم علي الريق.

و ما اعجب ما نقل عن ابن‌سينا انه قال من شرب هذا المعجون اسبوعاً حفظ ما يسمعه و لو شربه اسبوعين تذكر ما نسيه و لو شربه ثلثة اسابيع صدق حدسه في غالب الاوقات صفته فلفل ابيض وج مر صاف كندر سعد كوفي زعفران بالسوية يعجن بعسل ثلثة اوزانه و يتناول كل يوم درهمين و يجتنب اللبنيات و الدرهمان في غير المرطوبين زايد لاسيما في مثل بلادنا و زماننا و القياس يقتضي دانقين الي ثلثة و اما المرطوبون في البلاد الرطبة فلا بأس و بالتدريج يمكن الزيادة و اعظم اسباب النسيان عدم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 395 *»

اتحاد الهم و ترك التوجه التام الي العلم و تقسم القلب ففي هذه الحال لايمكن الحفظ و اما اذا كان هم الانسان واحداً معرضاً عما سوي العلم قائلاً:

تركت للناس دنياهم و دينهم شغلاً بذكرك يا ديني و دنيائي

و كان عاشق العلم فيزداد حفظه يوماً فيوماً و التكرار ايضاً مما يؤكد الحفظ و مما جرب ان ما كرر قبيل النوم مرات يبقي في الذهن و من اسباب الحفظ ان يكون طالب العلم في كل وقت مشتغلاً بعلم واحد معطياً كله له فاذا فرغ منه و كمله اشتغل بعلم آخر و لايترك العلم بالكلية و يراجعه احياناً فانه يبقي في الذهن ان‌شاء‌اللّه و المشتغل بعلوم كثيرة لايكاد يكمل علماً و لايكاد يتوجه بكله الي علم و قلبه احري بالتقسم و ذهنه اولي بالتموج فلاينطبع فيه علم علي ما ينبغي فاللازم الاشتغال بعلم واحد و المشتغل بعلم واحد ليلاً و نهاراً ينهيه اسرع و يكمله في اقل وقت ثم بعده يشتغل بما يشاء و كل ذي فن في فنه يغلب ذا الفنون البتة و لا بأس في اثناء تحصيله علماً ان يراجع طريفاً لترويح النفس فقد قال علي7 ان القلوب تمل كما تمل الابدان فابتغوا لها طرائف الحكمة انتهي و عندي اذا كان ذو الفنون جامعاً لكليات كل فن كان احسن و افضل من ان يكون منهمكاً في علم واحد غائصاً في جزئياته فان ذا الفنون علي ما وصفت له نحو احاطة باوضاع العالم و نحو انبساط في آيات اللّه و ذا الفن غافل عن جميع الدنيا بل يفقد بذلك معرفة كثير من مسائل فنه فان العلوم في الحقيقة من عند الواحد و مرتبط بعضه ببعض لاسيما الفقه فانه مرتبط باغلب العلوم و يخبط الانسان اذا لم‌يعلم شيئاً من العلوم و الاولي ان يكون في فن ماهراً و عنده من ساير الفنون كليات كافية و ان لم‌يكن متبحراً فيها بالجملة كان غرضنا ذكر الحافظة التي هي خزانة طالب العلم و قد اتينا عليه والحمد للّه و لكن لايستعملن احد من الطلاب من هذه الادوية الا بعد عرض نفسه علي طبيب فان جوز له واحداً من هذه العقاقير فليستعمله علي وزن يأذن له فيه و اما من غير مشاورة طبيب فاني اخاف عليه غلبة الحرارة و الماليخوليا فان

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 396 *»

العلم و الفكر بانفسهما مسخنان للمزاج فاذا استعمل هذه الادوية ايضاً اخشي عليه احتراق اخلاطه و الماليخوليا فليحتط طالب العلم و ليراع اعتدال المزاج البتة.

التاسع: و من الامور اللازمة مراعات السنن الواردة في تنظيف اللباس و تسريح اللحية و المسواك و الكحل و الاستحمام و غسل الجمعة و التطيب و التزيين بقدر ما يستطيع و لايكون كبعض الطلاب قاذوراً قملاً متعفناً شعثاً محلول العقد منحل العمامة ساقط الرداء منخرق الثياب كأنه صاحب مصيبة لايرغب احد في مداناته لصنان ابطيه و لا في مكالمته لنكهة فمه و لا في النظر اليه لقذارته و رمص عينه و قذارة خيشومه و كما لايجوز ان يتخذ اللّه نبياً قاذورة كذلك لايجوز ان يتخذ اللّه مستودع علمه قاذورة فانه خليفة رسول اللّه9 فقد قال رسول اللّه9 بئس العبد القاذورة و عن ابي‌عبداللّه7 اياك ان تزين الا في احسن زي قومك انتهي هذا ويخصنا حديث آخر قاله ابوالحسن7 انكم قوم اعداؤكم كثيرة عاداكم الخلق يامعشر الشيعة قد عاداكم الخلق فتزينوا لهم بما قدرتم عليه انتهي و العبد القاذورة مأوي الشياطين و بغيض اللّه و العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يحب لا قلب من يبغض و لااقول ان طالب العلم يتكسب و يحصل البسة ناعمة عالية و لكني اقول ان يكون نظيفاً و ان كان خلق الثياب و يكون علي هيئة الانسان لا المختبطين المجانين و علي هيئة الاحياء لا الاموات و لايكون ادني من هرّ فانه اذا اصبح بلّ يديه و مسح وجنتيه و لحس شعره و نفض جلده و استنجي و نظف بدنه ثم مشي و اري كثيراً يخرجون من منازلهم و العمامة منحلة و الازرار محلولة و العين رمصاء و اللحية غير مسرحة و الخيشوم غير منظف و الاسنان قلحة و الفم ذو نكهة و الحزام قلق و الثياب دكناء غبراء ذات فتوق و خرق كأنما اصابته مصيبة او خرج من قبر او تخبطه الشيطان من المس.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 397 *»

المطلب الخامس

فيما يرجع الى شيخه و فى هذا المطلب ايضاً مقاصد

الاول: اعلم ان اللّه عزوجل خلق الانسان خلقة ادرج فيها جميع ما في العالم كما روي عن اميرالمؤمنين7:

دواؤك فيك و ماتبصر
  و داؤك منك و ماتشعر
و انت الكتاب المبين الذي
  باحرفه يظهر المضمر
أتزعم انك جرم صغير
  و فيك انطوي العالم الاكبر

و كذلك روي عنه7 الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غايب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الصراط المستقيم و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار انتهي فجعله مظهر جميع اسمائه و صفاته و انواره و كمالاته بل جعله آية تعريفه و تعرّفه مما في عليين و لكن جعل جميع ذلك في الانسان حين خلقه في هذه الدنيا دار الادبار و الاختبار بالقوة و جعله صالحاً لظهور جميع ذلك منه و كذلك جعله قوة اضداد تلك الانوار و خلاف تلك الاسرار مما في سجين و لما كان خلق الامكان لاجل الكون و هو العلة الغائية في خلقه جعل لاخراج تلك القوي من كمونه اسباباً و امتحنه بالطاعة فان اطاع اسباب عليين اخرج من كمونه تلك الانوار و الاسرار و جعله مظهر انواره و اسمائه و صفاته بالفعل و جعله آية تعريفه و تعرّفه و خليفته في بلاده و المؤدي عنه في عباده كما قال اميرالمؤمنين7 خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكّاها بالعلم و العمل فقد شابه اوائل جواهر عللها و اذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد انتهي و هو قوله تعالي (و نفس و ما سويها فالهمها فجورها و تقويها قد افلح من زكيها و قد خاب من دسيها) اي من زكيها اللّه و من دسيها اللّه و ان اطاع اسباب سجين

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 398 *»

خرج من قوته الي الفعلية ظلمات سجين و صفاته و خصاله نعوذ باللّه فلولا تلك الاسباب لم‌يخرج شي‌ء منها الي عرصة الفعلية و كان خلقه عبثاً و الحكيم لايفعل العبث فجعل من اسباب عليين نفساً كان فيها كمالات عليين بالفعل اذ لو لم‌تكن فيها بالفعل لكانت عادمة لها مثل ساير الخلق و احتاجت الي شخص آخر يكون فيه تلك الصفات بالفعل فننقل الكلام الي ذلك الشخص فكان الامر يتسلسل فلابد و ان يكون في الخلق نفس يكون فيها جميع تلك الكمالات بالفعل و تكون هي المبدء و تكون هي المشية التشريعية و كما ان اللّه خلق المشية اولاً بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و لم‌يكن كامل سابقاً علي المشية توجد به كذلك لابد و ان يخلق في عرصة الاناسي الذين هم امكان الكمال و النقص و النور و الظلمة و السعادة و الشقاوة و العلم و الجهل و هكذا شخصاً يكون كاملاً بنفسه و بالفعل بنفسه غير مستفيد من غيره يكون هو المبدأ و مكمل الكل و كذلك في طرف المقابل يكون شخص كامل في الشقاء بالفعل غير ضال بغيره بل بنفسه فيكونان هذان في الخلق مشيتين محبوبة و مبغوضة للّه سبحانه و توفيقية و خذلانية فيهدي بالمحبوبة التوفيقية من يشاء و يضل بالمبغوضة الخذلانية من يشاء و لايهدي الا من آمن كما قال (يهديهم ربهم بايمانهم) و لايضل الا من كفر كما قال (بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية)(افرأيت من اتخذ الهه هواه و اضله اللّه علي علم و ختم علي قلبه و سمعه و جعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد اللّه افلاتذكرون) و ذلك المبدأ هو المهتدي بنفسه الهادي لغيره و هو الذي يجب طاعته علي ما سواه من اهل الامكان كما قال سبحانه (افمن يهدي الي الحق احق ان يتبع ام من لايهدي الا ان يهدي).

بالجملة فهنالك جعل الخلق علي صنفين مطاع و مطيع و نبي و امة و امام و مأموم و عالم و متعلم و كبير و صغير و هكذا فكل بالفعل يد اللّه في اصلاح الغير و وجه اللّه لمن هو بالقوة يجب عليه اتباعه و الاهتداء به و التوجه اليه كائناً ما كان بالغاً ما بلغ فاذا اقترن بالكامل احد من اهل الامكان الناقصين اشرق من نور نار فعلية الكامل شعاع و وقع علي زيت قابلية ذلك الناقص الامكاني و خالطه و نفذ

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 399 *»

في اِقعار روحه لما يري منه و يدرك فيقع شبحه علي مشاعره الظاهرة ثم يقع في حسه ثم في خياله ثم في نفسه فاذا ادام التوجه اليه و المعاشرة معه و المحبة له و السعي في امتثال اوامره التي هي صفاته و تهيأ بتلك الهيآت حتي صارت ملكة له يشتعل زيت قابليته بتلك النار فيتنبه راقده و يحيي ميته و يتقوي ضعيفه و يستكمل ناقصه و يخرج الي الفعلية ما كان فيه بالقوة من جنس تلك المدركات و الصفات فيشتعل حتي يصير سراجاً وهاجاً مثله او ادون منه ان كان زيته اكثف من زيت قابلية ذلك الكامل و هذا صفة الاهتداء بالكامل في الهداية و كذا صفة الضلال بواسطة عشرة الضال بنفسه فالمرء مع من احب و المرء علي دين خليله فلينظر الانسان من يعاشره فان الطبع مكتسب من الطبع اكتساب الدهن من السراج قطعاً و ذلك مجرب مشهود و لذلك ورد الامر بمعاشرة اقوام و النهي عن معاشرة اقوام و هذه العشرة هي اصل الدين و اساسه و سنخه و الباقي اقوال من تعاشر و افعاله و لا طريق الي التكمل الا هذه فمن اتقن ذلك فقد اتقن اساس التدين و حقيقته و سره و اصله ففي مجالس‌الصدوق بسنده عن المفضل بن عمر قال قـال الصادق جعفر بن محمد8 من لم‌يكن له واعظ من قلبه و زاجر من نفسه و لم‌يكن له قرين مرشد استمكن عدوه من عنقه انتهي.

بالجملة ذلك الواحد الذي اشرنا اليه في ملك اللّه عزوجل هو محمد9 به يتكمل كل من يتكمل و في كل عصر حجة ذلك العصر من نبي او وصي و في نوع الانسان الظاهري كان هو آدم علي نبينا و آله و عليه السلام حيث يقول اللّه سبحانه (و علم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم علي الملئكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين) فتكمل به ولده و باوصيائه الي ان جاء نوح7 فتكملوا به و باوصيائه الي ان جاء ابرهيم7 و هكذا الي ان جاء محمد9 فتكملوا به ثم باوصيائه المعصومين: فكان محمد9 اصل شجرة المشية الشرعية و الائمة: اغصانها كما روي في احاديث مستفيضة في الشجرة الطيبة ان رسول اللّه9

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 400 *»

جذرها و علي فرعها و الائمة اغصانها و علمنا ثمرها و شيعتنا ورقها و قد تعلق كل واحد بعصر يليه و اشرق منه و نزل ماء نور كماله فكل من اتبعه و توجه اليه خالط ارض امكانه ذلك النور و الماء فاثارها و احياها حتي اخرج من كمونها نبات المؤمنين كما قال سبحانه (اللّه انبتكم من الارض نباتاً) و لا طريق الي الاستكمال غير هذا الطريق ابداً و ليس صرف الاعمال يكمل الناقصين ما لم‌يكن الانسان عارفاً بالكامل متوجهاً اليه ابداً ابداً و لذلك روي في اخبار مستفيضة ان الاعمال لاتقبل الا بولاية آل‌محمد: و دلالتهم اليها فمنها ما روي عن ميسر عن ابي‌عبداللّه7  في حديث قال اي البقاع اعظم حرمة قال اللّه و رسوله و ابن رسوله اعلم فقال يا ميسر بين الركن و المقام روضة من رياض الجنة و ما بين القبر و المنبر روضة من رياض الجنة واللّه لو ان عبداً عمره اللّه ما بين الركن و المقام و ما بين القبر و المنبر يعبده الف عام ثم ذبح علي فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش الاملح ثم لقي اللّه بغير ولايتنا لكان حقاً علي اللّه عزوجل ان يكبه علي منخريه في نار جهنم وعن زرارة عن ابي‌جعفر7 في حديث لو ان رجلاً قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لم‌يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه و يكون جميع اعماله بدلالته اليه ماكان له علي اللّه حق في ثوابه و لاكان من اهل الايمان و عن عبدالحميد بن ابي‌العلاء عن ابي‌عبداللّه7 في حديث قال واللّه لو ان ابليس سجد للّه بعد المعصية و التكبر عمر الدنيا مانفعه ذلك و لاقبله اللّه ما لم‌يسجد لآدم كما امره اللّه عزوجل ان‌يسجد و كذلك هذه الامة العاصية المفتونة بعد نبيها9 بعد تركهم الامام الذي نصبه نبيهم9 لهم فلن‌يقبل اللّه لهم عملاً و لن‌يرفع لهم حسنة حتي يأتوا اللّه من حيث امرهم و يتولوا الامام الذي امرهم اللّه بولايته و يدخلوا من الباب الذي فتحه اللّه و رسوله لهم الحديث الي غير ذلك من الاخبار المتكثرة.

و الغرض ان محض الاعمال لاتضر و لاتنفع ما لم‌تؤخذ من الباب الذي فتحه اللّه علي عباده و اراد الدخول اليه منه الم‌تسمع في دعاء الاعتقاد في صفة اميرالمؤمنين7

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 401 *»

لااثق بالاعمال و ان زكت و لااريها منجية لي و ان صلحت الا بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها  الدعاء فتبين ان الاعمال بانفسها غيرمنجحة ما لم‌تؤخذ من الباب الذي فتحه اللّه علي العباد هذا و غاية الايجاد طاعة الاداني للاعالي فان اللّه سبحانه لايطاع الا في طاعة الاعالي قال اللّه عزوجل(من يطع الرسول فقد اطاع اللّه) و روي عنهم: بعبادتنا عبد اللّه و لولانا ماعبد اللّه انتهي  و ان اللّه سبحانه لايدرك من حيث ذاته و لاينفعه شي‌ء و لايضره شي‌ء و ليس كمثله شي‌ء و لايناسبه شي‌ء و لايخالفه شي‌ء و انما يطاع في طاعة اوليائه فمن اطاع اولياءه فقد اطاعه و من عصي اولياءه فقد عصي اللّه و بالعكس و قال اللّه عزوجل(ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون) فاذا كان الامر كذلك وجب طاعة الكاملين الذين هم باب التكميل المفتوح من عند اللّه و هم في هذه الامة آل‌محمد: كما هو واضح في هذا المذهب ثم لهم: ابواب فتحوها علي شيعتهم و امروا بالدخول عليهم منها كما قال اللّه سبحانه (وأتوا البيوت من ابوابها) و تلك الابواب هي المشار اليها في الكتاب (و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً آمنين) و قد روي في تفسير القري الظاهرة انهم هم الرسل و النقلة عنا الي شيعتنا و فقهاء شيعتنا و كتب الحجة7 في التوقيع الرفيع و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه و روي عن ابي‌الحسن الاول7 لاتأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا اللّه و رسوله و خانوا اماناتهم انهم اؤتمنوا علي كتاب اللّه جل و علا فحرّفوه و بدّلوه فعليهم لعنة اللّه و لعنة رسوله و لعنة ملئكته و لعنة آبائي الكرام البررة و لعنتي و لعنة شيعتي الي يوم القيمة و كتب ابوالحسن الثالث7 الي رجلين من شيعته فهمت ما ذكرتما فاعمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في امرنا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 402 *»

 فانهم كافوكما و عن الصادق7 ان العلماء ورثة الانبياء و ذلك ان الانبياء لم‌يورثوا درهماً و لا ديناراً و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ شيئاً منها فقد اخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و عن ابي‌جعفر الثاني7 من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقد عبد ابليس و قال ابوعبداللّه7 من دان اللّه بغير سماع من صادق الزمه اللّه التيه الي الفناء و من ادعي سماعاً من غير الباب الذي فتحه اللّه فهو مشرك و ذلك الباب هو الامين المأمون علي سر اللّه المكنون و عن ابي‌جعفر7 نحن خزان اللّه في الدنيا و الآخرة و شيعتنا خزاننا و عن علي بن الحسين8 اذا رأيتم الرجل قد حسن سمته و هدؤه و تماوت في منطقه و تخاضع في حركاته فرويداً لايغرّنكم فما اكثر من يعجزه تناول الدنيا و ركوب الحرام منها لضعف بنيته و مهانته و جبن قلبه فنصب الدين فخّاً  لها فهو لايزال يختل الناس بظاهره فان تمكن من حرام اقتحمه و اذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويداً لا يغرّنكم فان شهوات الخلق مختلفة فما اكثر من ينبو عن المال الحرام و ان كثر و يحمل نفسه علي شوهاء قبيحة فيأتي منها محرماً فاذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويداً لايغرّنكم حتي تنظروا ما عقدة عقله فما اكثر من ترك ذلك اجمع ثم لايرجع الي عقل متين فيكون ما يفسده بجهله اكثر مما يصلحه بعقله فاذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لايغرنكم حتي تنظروا  أمع هواه يكون علي عقله او يكون مع عقله علي هواه و كيف محبته للرياسة الباطلة و زهده فيها فان في الناس من خسر الدنيا و الآخرة يترك الدنيا للدنيا و يري ان لذة الرياسة الباطلة افضل من لذة الاموال و النعم المباحة فيترك ذلك اجمع طلباً للرياسة حتي اذا قيل له اتق اللّه اخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم و لبئس المهاد فهو يخبط خبط عشواء و يقوده اول باطل الي ابعد غايات الخسارة و يمده ربه بعد طلبه لما لايقدر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 403 *»

عليه في طغيانه فهو يحل ما حرم اللّه و يحرم ما احل اللّه لايبالي بما فات من دينه اذا سلمت له رياسته التي قد يتقي من اجلها فاولئك الذين غضب اللّه عليهم و لعنهم و اعد لهم عذاباً مهيناً و لكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لامر اللّه و قواه مبذولة في رضي اللّه يري الذل مع الحق اقرب الي عز الابد من العز في الباطل و يعلم ان قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه الي دوام النعيم في دار لاتبيد و لاتنفد و ان كثير ما يلحقه من سرائها ان اتبع هواه يؤديه الي عذاب لا انقطاع له و لايزول فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا و بسنته فاقتدوا و الي ربكم به فتوسلوا فانه لاترد له دعوة و لاتخيب له طلبة و عن الصادق7 في حديث التقليد فاما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً علي هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام ان‌يقلدوه و ذلك لايكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فاما من ركب من القبايح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلاتقبلوا منهم عنا شيئاً و لا كرامة وقال7 قبل هذه الفقرات و اضطروا بمعارف قلوبهم الي ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق و لايجوز ان يصدق علي اللّه و لا علي الوسائط بين الخلق و بين اللّه فلذلك ذمهم لما قلدوا من عرفوا و من قد علموا انه لايجوز قبول خبره و لاتصديقه في حكاية و لا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم‌يشاهدوه و وجب عليهم النظر بانفسهم الخبر و عن النبي9 يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد و عن ابي‌جعفر7 من دان اللّه بغير سماع من صادق الزمه اللّه التيه الي يوم القيمة و في الحنظلية المعروفة ينظران من كان منكم قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا فلم‌يقبل منه فانما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا الراد علي اللّه و هو علي حد الشرك باللّه و عن ابي‌جعفر7 في قوله تعالي (فلينظر الانسان الي طعامه) 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 404 *»

قال الي العلم الذي يأخذه عمن يأخذه  الي غير ذلك من الاخبار و هؤلاء هم الشيعة الاخيار الذين جعلهم اللّه ظواهر الائمة الابرار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار كما هم ظواهر اللّه القهار و ذلك ان شيعتهم منهم كما هم من اللّه كما روي شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس و روي يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس فكما هم ظواهر اللّه عزوجل و مشياته في تكميل نواقص الامكان كذلك شيعتهم الكملون ظواهرهم و مشياتهم في تكميل من يليهم من الناقصين و الطفرة باطلة لاجل عدم استعداد الابعد للتلقي من المبدء بغير وساطة الاوسط كما ان نور السراج لايصل الي الابعد ما لم‌يتجاوز الاوسط.

فاذا اردت التكمل فاطلب لنفسك باب اللّه في تكميل العباد و استخراج ما فيهم من قوي عليين حتي تتكمل و تخرج ما فيك من قوي عليين و لايجوز خلو العالم عن امثال اولئك فان بخلوه عنهم لاتخرج تلك القوي الي الفعلية و يصير الخلق عبثاً و لايعبد اللّه في ارضه و لذا رويت روايات متضافرة ان الارض لاتخلو من عالم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امور دينهم و لم‌يعرف الحق من الباطل و من طلب شيئاً و جدّ وجد فاطلب العلم و لو بالصين فافهم ان كنت تفهم.

الثانى: اعلم ان افراد الاناسي كما تعدد صورهم تعدد نفوسهم و كما ان كل هيئة في فرد بالفعل و في غيره بالقوة كذلك كل صفة نفسانية في فرد بالفعل و في غيره بالقوة و بذلك امتازت الافراد بعضها من بعض و ان اشترك فردان في نوع صفة امتازا في خصوصياتها و بذلك تعددا و الفعلية كمال و القوة نقص و الموصوف بالفعلية فيها كامل و الموصوف بالقوة فيها ناقص و الكامل له فضل و ظل كائناً ما كان بالغاً ما بلغ و هو منشأ اثر و تأثير لا محالة فاي ناقص قارن كاملاً في اي صفة كانت يؤثر ذلك الكامل في ذلك الناقص و يقوّي ما فيه من جنسه و يخرجه من القوة الي الفعلية اللهم الا ان يكون في الناقص ضد تلك الصفة اقوي فيمنعه عن التأثر و ذلك كأَن يكون جسمان احدهما فيه الحرارة بالفعل و الآخر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 405 *»

هي فيه بالقوة فاذا قارنا وقع ظل الحار علي ذلك الآخر و اخرج ما فيه من قوة الحرارة الي الفعلية بقدر كماله لامحالة اللهم الا ان يكون الآخر بارداً ببرد اقوي من حرارة الآخر فحينئذ يمتنع عن التسخن بل يبرد الآخر و يخرج بكمال برده ما في الآخر من قوة البرد و ذلك تقدير العزيز الحكيم و جرت حكمته علي ذلك فانظر يا طالب الكمال فيما تطلب و اطلبه ممن هو فيه بالفعل و احذر من الذين ضد ما تريد فيهم بالفعل حذارك من الاسد الضاري فان قرين السوء يردي و الخلق السيئ يعدي و المرء علي دين خليله فاياك ثم اياك ان تطلب لنفسك استاداً كاملاً في خلاف اخلاق الانبياء و الاولياء و الاتقياء و الصلحاء فانه يكملك علي نحو كماله لا محالة و لذلك حذّر آل‌محمد: الهداة الي الحق و الي طريق مستقيم شيعتهم عن معاشرة العلماء السوء و ساير الكاملين في الشر و مجالستهم و مساورتهم و مقارنتهم فمن ذلك ما قال علي7 اياكم و الجهال من المتعبدين و الفجار من العلماء فانهم فتنة كل مفتون و قال قطع ظهري رجلان من الدنيا رجل عليم اللسان فاسق و رجل جاهل القلب ناسك هذا يصد بلسانه عن فسقه و هذا بنسكه عن جهله فاتقوا الفاسق من العلماء و الجاهل من المتعبدين اولئك فتنة كل مفتون فاني سمعت رسول اللّه9 هلاك امتي علي يدي كل منافق عليم اللسان و قال7 اذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه علي دينكم فان كل محب يحوط ما احب و قال7 اوحي اللّه عزوجل الي داود7 لاتجعل بيني و بينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدّك عن طريق محبتي فان اولئك قُطّاع طريق عبادي المريدين ان ادني ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم و قال7 في قوله تعالي (و الشعراء يتبعهم الغاوون) هل رأيت شاعراً يتبعه احد انما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلّوا و اضلّوا و عن النبي9 سيأتي علي الناس زمان لايبقي من القرآن الا رسمه و لا من الاسلام الا اسمه يسمون به و هم ابعد الناس منه مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدي فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 406 *»

الفتنة و اليهم تعود و قال9 الفقهاء امناء الرسل ما لم‌يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي دينكم الي غير ذلك من الاخبار فلينظر الانسان الي طعامه اي الي علمه عمن يأخذه فان في كل عصر دعاة هداية لتكميل المستهدين و دعاة ضلالة لتكميل الغاوين و كل الي كل مضاف و منسوب و هما بابان فتحهما اللّه علي وجه خلقه ليهلك من هلك عن بينة و يتهيأ اسبابه و يحيي من حي عن بينة و يتهيأ اسبابه و لولا ذلك لم‌يستخرج مستجنّات الصدور و لماخرجت البواطن الي عرصة الظهور كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً.

الثالث: اعلم ان الكامل من كان فيه الصفة بالفعل و كل ما بالفعل له شعاع و نور لانه في تلك الجهة رأس من رءوس المشية التي هي فعلية جميع كمالات اللّه عزوجل و ذلك الشعاع و النور يقع علي زيت قابلية الناقص و يلطّفه و يرقّقه حتي يخرج من كمونه الي ظاهره ما يشاكله فذلك الكامل بمنزلة الاب و ذلك الشعاع بمنزلة النطفة و القابلية بمنزلة الام و لطايفها المنفعلة بمنزلة نطفة الام فنطفة الاب العاقدة لنطفة الام تعقدها و تصورها علي حسبها و علي حسب القابلية فيحصل من بينهما ولد له مادة من قبل الاب و صورة من قبل الام و قد يغلب عليه جهة الاب فيشبه الاب و قد يغلب جهة الام فيشبه الام فلاجل ذلك كل كامل اب للمتكمل و لذلك روي انا و علي ابوا هذه الامة و يكون للاستاد منزلة الابوة فالولد اي الكمال المستخرج ولد حقيقي للكامل و ان لم‌يكن اباً جسمانياً و هو اولي بالمتكمل من الاب الجسماني فالحجة هو الاب الحقيقي الاولي بكل مؤمن من نفسه قال اللّه تعالي (النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم) و ذلك ان مادة المؤمن من نوره قال الصادق7 ان اللّه خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة انتهي  فجميع المتكملين من كاملٍ ولده و هم اخوة من اب واحد و ام واحدة و هي نوع القابلية التي هي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 407 *»

رحمة اللّه لانها مقام الامكان لذلك الولد و الامكان مقام الرحمة و اما وجه كون علي7 امّاً فلاجل ان القابلية و الامكان من ظله و نوره حيث‌ما كان كما ان المقبول حيث‌ما كان من نور محمد9 و ظله و لهما سلام اللّه عليهما ابوتان و امومتان الاولي الابوّة المنيرية و امومتها و هي اعظم الابوّات و الامومات اذ محمد9 من حيث المنيرية قد ظهر بالابوّة القطبية و هي اولي بها منها و اوجد في مكانها منها و علي7 من حيث المنيرية قد ظهر بالامومة القطبية و هو اولي بها منها و اوجد في مكانها منها فابوّة المنير و امومته اعظم الابوّات و الامومات و الصقهما و اقربهما و الثانية الابوّة القطبية النبوية و البشرية حيث قام بين ظهراني العباد للتكميل فكمّل مادة المؤمنين و الامومة الولويّة حيث انه واقف في عرض الرعية و كان اقبل قابل و صفوة جميع القوابل و الطفها و اولها و اصلها و مكنهم من قبول تكميل النبوة و علّمها صفة القبول و ربّاها و تعلمت منه و اهتدت به انما انت منذر و لكل قوم هاد  فهو7 بهذا اللحاظ ام عطوف رءوف ام تربية لا ام والدة و اما الام الوالدة فهي قوابلهم التي هي ظهوره7 و هو اولي بها منها فافهم و لاجل ذلك لك ان تقول ان علياً7 بعد النبي اب للرعية فانه المكمل بعده و الممكّن عند ذلك اكابر الشيعة فتدبر وكذلك اكابر الشيعة اي النقباء بعدهم و في غيبتهم آباء للرعية فانهم المكملون و النجباء امهاتهم و كذلك النجباء حال غيبة النقباء آباء و ساير العلماء امهات و بلحاظ آخر آباء للمتعلمين المهتدين منهم فان بنور علمهم يتعلمون و يهتدون و لهم حق الابوة و في جميع هذه المراتب يجري بالوجه الاكمل ما نزل في الكتاب من برّ الوالدين و ما ورد في الروايات و لاجل ذلك قرن اللّه الوالدين بنفسه حيث قال (و قضي ربك ان لاتعبدوا الا اياه و بالوالدين احساناً) و قال (ان اشكر لي و لوالديك اليّ المصير) و قال (و وصينا الانسان بوالديه احساناً) فاعظم الوالدين اللذين يجب حقهما و شكرهما محمد و آل‌محمد: ثم بعدهما النقباء و النجباء ثم بعدهما العلماء المعلمون للرعية الهادون اياهم و يحرم عقوقهم اعظم من عقوق الوالدين

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 408 *»

الجسمانيين بقدر اعظمية الروح من الجسم الظاهر و اعظمية الايمان من الابدان و لما عرفت ان المكمل هو الاب فاذا كان المكمل مكمل الشقاوة و الكفر كان هو الاب الروحاني لروح الكفر و هو المشار اليه بقوله تعالي (و ان جاهداك علي ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلاتطعهما) و هما المكملان لروح النفاق و الكفر و الشرك و ابوة مكمل الكفر ايضاً اعظم من ابوة مكمل الجسد بقدر اعظمية الكفر علي الجسد و اما قوله تعالي (و صاحبهما في الدنيا معروفاً) فهو في الابوة الجسمانية الدنياوية و امومتها و هما ينقطعان في الآخرة فالرجل في الآخرة ابن من كمّله للايمان او الكفر فيومئذ لا انساب بينهم اي الانساب الدنياوية فكل سبب و نسب ينقطع يوم القيمة الا سبب النبي9 و نسبه و كذا سبب رأس الضلالة و نسبه من باب المقابلة يوم يفر المرء من ابيه و امه و بنيه فيرجع كل شي‌ء الي اصله و يلحق كل احد الي مبدئه كما عرفت ظاهراً مشروحاً ان شاء اللّه فلنزين كتابنا ببعض الاخبار في شأن العلماء الاخيار و جلالة قدرهم حتي تعرف قليلاً من كثير عظمتهم لعلك تؤدي اليهم حقوقهم التي فرضها اللّه عليك و حاشا ان يقدر احد علي ذلك الا ان‌يعامله اللّه بعفوه فقد روي عن رسول اللّه9 انه قال اشد من يتم اليتيم الذي انقطع عن ابيه يتم يتيم انقطع عن امامه و لايقدر علي الوصول اليه و لايدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرايع دينه الا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا و هذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره الا فمن هداه و ارشده و علمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الاعلي و عن علي7 من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا فاخرج ضعفاء شيعتنا من ظلم جهل الي نور العلم الذي حبونا به جاء يوم القيمة و علي رأسه تاج من نور يضي‌ء لاهل جميع العرصات و عليه حلة لايقوم لاقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ثم ينادي مناد يا عباد اللّه هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل‌محمد الا فمن اخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات الي نزه الجنان فيخرج كل من علمه في الدنيا خيراً او فتح عن قلبه من الجهل قفلاً

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 409 *»

 او اوضح له عن شبهة و حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء3 فقالت ان لي والدة ضعيفة و قد لبس عليها في امر صلوتها شي‌ء و قد بعثتني اليك اسألك فاجابتها فاطمة3 عن ذلك فثنّت فاجابت ثم ثلّثت الي ان عشّرت فاجابت ثم خجلت من الكثرة فقالت لااشق عليك يا ابنة رسول اللّه9 قالت فاطمة هاتي و سلي عما بدا لك أرأيت من اكتري يوماً يصعد الي سطح بحمل ثقيل و كراه مائة‌الف دينار يثقل عليه قالت لا فقالت اكتريت انا لكل مسئلة باكثر من ملئ الثري الي العرش لؤلؤاً فاحري ان لايثقل عليّ سمعت ابي9 يقول ان علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات علي قدر كثرة علومهم و جدهم في ارشاد عباد اللّه حتي يخلع علي الواحد منهم الف‌الف حلة من نور ثم ينادي منادي ربنا عزوجل ايها الكافلون لأيتام آل‌محمد صلوات اللّه عليه و آله الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم ائمتهم هؤلاء تلامذتكم و الايتام الذين كفلتموهم و نعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون علي كل واحد من اولئك الايتام علي قدر ما اخذوا من العلوم حتي ان فيهم يعني في الايتام لمن يخلع عليهم مائة‌الف خلعة و كذلك يخلع هؤلاء الايتام علي من تعلم منهم ثم ان اللّه تعالي يقول اعيدوا علي هؤلاء العلماء الكافلين للايتام حتي تتموا لهم خلعهم و تضعفوها لهم و كذلك من يليهم ممن خلع علي من يليهم و قالت فاطمة يا امة اللّه ان سلكة من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس الف‌الف مرة و ما فضل فانه مشوب بالتنغيص و الكدر و عن الحسن بن علي7 فضل كافل يتيم آل‌محمد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل يخرجه من جهله و يوضح له ما اشتبه عليه علي فضل كافل يتيم يطعمه و يسقيه كفضل الشمس علي السها وعن الحسين7 من كفل لنا يتيماً قطعته عنا محنتنا باستتارنا  فواساه من علومنا التي سقطت اليه حتي ارشده و هداه قال اللّه عزوجل يا ايها العبد الكريم المواسي انا اولي بالكرم منك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 410 *»

 اجعلوا له يا ملئكتي في الجنان بعدد كل حرف علّمه الف‌الف قصر و ضموا اليها ما يليق بها من ساير النعم و عن علي بن الحسين7 اوحي اللّه تعالي الي موسي حبّبني الي خلقي و حبّب خلقي اليّ قال يا رب كيف افعل قال ذكّرهم آلائي و نعمائي ليحبوني فلئن ترد  آبقاً عن بابي او ضالاً عن فنائي افضل لك من عبادة مائة سنة بصيام نهارها و قيام ليلها قال موسي و من هذا العبد الآبق منك قال العاصي المتمرد قال فمن الضال عن فنائك قال الجاهل بامام زمانه تعرفه و الغائب عنه بعد ما عرفه الجاهل بشريعة دينه تعرفه شريعته و ما يعبد به ربه و يتوصل به الي مرضاته قال علي بن الحسين7 فابشروا علماء شيعتنا بالثواب الاعظم و الجزاء الاوفر و عن الباقر7 العالم كمن معه شمعة تضي‌ء للناس فكل من ابصر شمعته دعا له بخير كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل و الحيرة فكل من اضاءت له دعا له فخرج بها من حيرة او نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار و اللّه يعوضه من ذلك بكل شعرة لمن اعتقه ما هو افضل له من الصدقة بالف قنطار علي غير الوجه الذي امر اللّه عزوجل بل تلك الصدقة وبال علي صاحبها لكن يعطيه اللّه ما هو افضل من مائة‌الف ركعة بين يدي الكعبة  و عن الصادق7 علماء شيعتنا مرابطون علي الثغر الذي يلي ابليس و عفاريته يمنعونهم عن الخروج علي ضعفاء شيعتنا و عن ان يتسلط عليهم ابليس و شيعته النواصب الا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممن جاهد الروم و الترك و الخزر الف‌الف مرة لانه يدفع عن اديان محبينا و ذلك يدفع عن ابدانهم و عن موسي بن جعفر7 فقيه واحد ينقذ يتيماً من ايتامنا المنقطعين عنا و عن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج اليه اشد علي ابليس من الف عابد لان العابد همه ذات نفسه فقط و هذا همه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه و امائه لينقذهم من ابليس و مردته فذلك هو افضل عند اللّه من الف‌الف عابد و الف‌الف عابـدة و عن الرضا7 يقال للعـابد نعــم الرجل كنت همـك ذات

نفسـك و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 411 *»

كفيت الناس مـــݘـونتك فادخل الجنة علي  ان الفقيــه من افاض علـي الناس

خيره و انقذهم من اعدائهم و وفّر عليهم نعم جنان اللّه و حصّل لهم رضوان اللّه تعالي و يقال للفقيه يا ايها الكافل لايتام آل‌محمد: الهادي لضعفاء محبيهم و مواليهم قف حتي تشفع لكل من اخذ عنك او تعلّم منك فيقف فيدخل الجنة معه فئاماً و فئاماً حتي قال عشراً و هم الذين اخذوا عنه علومه و اخذوا عمن اخذ عنه الي يوم القيمة فانظروا كم بين المنزلتين و عن الجواد7 من تكفل بايتام آل‌محمد المنقطعين عن امامهم المتحيرين في جهلهم الاسراء في ايدي شياطينهم و في ايدي النواصب من اعدائنا فاستنقذهم منهم و اخرجهم من حيرتهم و قهر الشياطين برد  وساوسهم و قهر الناصبين بحجج ربهم و دليل ائمتهم ليفضلون عند اللّه تعالي علي العباد بافضل المواقع باكثر من فضل السماء علي الارض و العرش و الكرسي و الحجب و فضلهم علي العابد كفضل القمر ليلة البدر علي اخفي كوكب في السماء و عن الهادي7 لولا من يبقي بعد غيبة قائمنا7 من العلماء الداعين اليه و الدالين عليه و الذابين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك ابليس و مردته و من فخاخ النواصب لمابقي احد  الا  ارتد عن دين اللّه و لكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها اولئك هم الافضلون عند اللّه و عن العسكري7 عن ابيه7 قال تأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا و اهل ولايتنا يوم القيمة و الانوار تسطع من تيجانهم علي رأس كل واحد منهم تاج و بهاء قد انبث تلك الانوار في عرصات القيمة و دورها مسيرة ثلثمائة‌ الف سنة فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها فلايبقي هناك يتيم قد كفلوه و من ظلمة الجهل انقذوه و من حيرة التيه اخرجوه الا تعلق بشعبة من انوارهم فرفعتهم الي العلو حتي يحاذي بهم فوق الجنان ثم ينزلهم علي منازلهم المعدة في جوار استاديهم و معلميهم و بحضرة ائمتهم الذين كانوا يدعون اليهم و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 412 *»

لايبقي ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان الا عميت عينه و صمّت اذنه و اخرس لسانه و تحول عليه اشد من لهب النيران فيحتملهم حتي يدفعهم الي الزبانية فيدعوهم الي سواء الجحيم و عن ابي‌محمد العسكري7 قال قالت فاطمة3 و قد اختصم اليها امرأتان فتنازعتا في شي‌ء من امر الدين احديهما معاندة و الاخري مؤمنة ففتحت علي المؤمنة حجتها فاستظهرت علي المعاندة ففرحت فرحاً شديداً فقالت فاطمة3 ان فرح الملئكة باستظهارك عليها اشد من فرحك و ان حزن الشيطان و مردته بحزنها اشد من حزنها و ان اللّه تعالي قال لملئكته اوجبوا لفاطمة بما فتحت علي هذه المسكينة الاسيرة من الجنان الف‌الف ضعف مما كنت اعددت لها و اجعلوا هذه سنة في كل من يفتح علي اسير مسكين فيغلب معانداً مثل الف‌الف ما كان معداً له من الجنان و عن ابي‌محمد7 قال قـال الحسن بن علي بن ابيطالب8 و قد حمل اليه رجل هدية فقال له ايما احب اليك ان ارد عليك بدلها عشرين ضعفاً عشرين‌الف درهم او افتح لك باباً من العلم تقهر فلاناً الناصبي في قريتك تنقذ به ضعفاء اهل قريتك ان احسنت الاختيار جمعت الامرين و ان اسئت الاختيار خيرتك لتأخذ ايهما شئت فقال يا ابن رسول اللّه فثوابي في قهري ذلك الناصب و استنقاذي لاولئك الضعفاء من يده قدره عشرين‌الف درهم قال بل اكثر من الدنيا عشرين‌الف‌الف مرة فقال يا ابن رسول اللّه فكيف اختار الادون بل اختار الافضل الكلمة التي اقهر بها عدو اللّه و اذوده عن اولياء اللّه فقال الحسن بن علي8 قد احسنت الاختيار و علّمه الكلمة و اعطاه عشرين‌الف درهم فذهب فافحم الرجل فاتصل خبره به فقال له اذ حضره يا عبد اللّه ماربح احد مثل ربحك و لااكتسب احد من الاوداء ما اكتسبت اكتسبت مودة اللّه اولاً و مودة محمد9 و علي ثانياً و مودة الطيبين من آلهما ثالثاً و مودة ملئكة اللّه رابعاً و مودة اخوانك المؤمنين خامساً فاكتسبت بعدد كل مؤمن و كافر ما هو افضل من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 413 *»

الدنيا الف مرة فهنيئاً لك هنيئاً و من الامالي بسنده عن ابي‌عبداللّه الصادق جعفر بن محمد8 قال اذا كان يوم القيمة جمع اللّه عزوجل الناس في صعيد واحد و وضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء علي دماء الشهداء و عن عبدالعظيم الحسني عن علي بن محمد الهادي عن آبائه عن علي: قال لما كلم اللّه موسي بن عمران7 قال موسي الهي ما جزاء من دعا نفساً كافرة الي الاسلام قال يا موسي آذن له في الشفاعة يوم القيمة لمن يريد وروي في البحار عن عبدالعظيم الحسني ايضاً عن عمر بن رشيد عن داود بن كثير عن ابي‌عبداللّه7 في قول اللّه عزوجل (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون ايام اللّه) قال قل للذين مننا عليهم بمعرفتنا ان يعرفوا الذين لايعلمون فاذا عرفوهم فقد غفروا لهم و عن النبي9 قال ثلثة يشفعون يوم القيمة فيشفعهم الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء و قيل لابي‌عبداللّه7 انزل اللّه عزوجل (من قتل نفساً فكانما قتل الناس جميعاً و من احياها فكانما احيا الناس جميعاً)  قال من اخرجها من ضلال الي هدي فقد احياها و من اخرجها من هدي الي ضلال فقد واللّه اماتها و عن اميرالمؤمنين7 قال فقيه واحد اشد علي ابليس من الف عابد و عن ابي‌عبداللّه7 قال اذا كان يوم القيمة بعث اللّه عزوجل العالم و العابد فاذا وقفا بين يدي اللّه عزوجل قيل للعابد انطلق الي الجنة و قيل للعالم قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم و عن النبي9 ان اللّه عزوجل يجمع العلماء يوم القيمة و يقول لهم لم‌‌اضع نوري و حكمتي في صدوركم الا و انا اريد بكم خير الدنيا و الآخرة اذهبوا فقد غفرت لكم علي ما كان منكم و عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال اميرالمؤمنين7 المؤمن العالم اعظم اجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه و اذا مات ثلم في الاسلام ثلمة لايسدها شي‌ء الي يوم القيمة و عن ابي‌جعفر7 قال عالم ينتفع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 414 *»

بعلمه افضل من عبادة سبعين‌الف عابد و عن ابي‌عبداللّه7 ركعة يصليها الفقيه افضل من سبعين‌الف ركعة يصليها العابد و عن النبي9 نوم العالم افضل من الف ركعة يصليها العابد و عنه9 علماء امتي كانبياء بني‌اسرائيل وعنه9 ساعة من عالم يتكي علي فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاماً  الي غير ذلك من الاخبار المنوهة بفضل العلماء الاخيار الصادرة عن ساداتهم الائمة الاطهار عليهم صلوات اللّه ما اختلف الليل و النهار فاذ قد انتهي بنا التحرير الي ذكر فضائلهم ناسب ان نذكر كيفية السلوك معهم و التأدب لهم.

الرابع: في ذكر حق العالم علي المتعلم و ما يجب من اكرامه و التأدب معه اعلم ان العلماء اذا كانوا علي ما وصفنا و قدمنا  هم ورثة الانبياء و خلفاء رسل اللّه و حجج آل‌اللّه: و ابواب اللّه في الارض و القري الظاهرة للسير الي القري الباطنة المباركة و حكام اللّه في ارضه و الوسائط بين الحجج: و بين ضعفاء الشيعة الذين ينزل اليهم كل فيض نزل من اللّه الي الحجج: اول ثم منهم ينزل الي ساير الضعفاء فبهم يرزق اللّه العباد و بهم يدفع عن البلاد و بهم ينزل القطر من السماء و بهم يحفظ اللّه العبيد و الاماء و لولاهم لماقامت الارض و السماء و ذلك ان اللّه خلق السموات و الارض بالحق و لايعرف الحق الا بالعلم و الدنيا كلها جهل لايقوم به حق الا مواضع العلم و هو مخزون عند العلماء فهم الذين بهم يسكن الارض و يدور السماء و لولا عمل الخلق بالحق لساخت بهم الارض و لايعملون بالحق الا بالعلم و لايعلمون العلم الا بالتعلم من العالم بالحق فببركاتهم يعيش اهل الحق و ببركاتهم يعيش اهل الباطل.

فاذا وجدت عالماً ربانياً عالماً بعلوم آل‌محمد: فاعلم انك حي ببركاته و ترزق ببركاته و تحفظ عن العاهات و الآفات ببركاته و تدخل الجنة ببركاته و يكفر عنك السيئات ببركاته و تفوز بسعادة الابد ببركاته و تحوز خير الدنيا و الآخرة ببركاته و ذلك ان اللّه جل و عز يقول (هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولوا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 415 *»

الالباب) و نفي الاستواء بينهما و ليسا بمساويين البتة فاما ان يكون غير العالم اعلي و العالم ادني او بالعكس فوجدنا اللّه جل و عز يقول (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات) فالعالم رفيع الدرجات و هو اقرب الي اللّه سبحانه منك لرفعته التي هي من التقرب الي اللّه و يقول اللّه سبحانه (ألكم الذكر و له الانثي تلك اذاً قسمة ضيزي) فلايمكن ان يصل كمال الي الابعد و لمّايصل الي الاقرب فجميع الكمالات و الفيوض و الامداد يصل اليهم اول ثم منهم يصل الي الضعفاء و هو تأويل قوله تعالي (و فاكهة و اباً) (متاعاً لكم و لانعامكم) فجميع ما بك من نعمة كائنة ما كانت فانما هو ببركاته و توسطه و هو باب المنعم و سبيل النعمة و طريقها فان شكرته لزادك اللّه و ان كفرته لسلبك اللّه فمن لم‌يشكر المنعم من المخلوقين لم‌يشكر رب العالمين البتة و قد مضي في باب الشكر ذلك مستوفي فراجع فيجب شكر هذا المنعم الذي اجري اللّه جميع ما بك به و بوساطته و شكره اتباع مراضيه و اجتناب مساخطه و استعمال ما بك من نعمة في سبيل رضاه و تنشر فضله و تستر جهله و توقّره و تبجّله و تكرّمه و تجلّه و ان لم‌يكن علّمك شيئاً سابقاً فانه اسبق منك الي الايمان و اقرب الي الرحمن كائناً ما كان و ينبغي ان تعلم ان حقه اعظم عليك من ابيك و امك سبعين‌الف مرة فانهما والدا بدنك و اسباب حصول جسدك و هو والد روحك و سبب حصول عقلك و ايمانك به تعبد الرحمن و تكتسب الجنان و ببدنك تبقي سنين معدودة ثم تموت و يتفرق بدنك و ينقطع نسبك و اما نسبه باق و الذي حصل منك بسببه باق بقاء الابد و والدك رقيبك يحفظ بدنك عن الحر و البرد و العالم شفيعك يقيك عن نار جهنم فاذا كان مخالفتك لابيك عقوقاً و ادني العقوق ان تقول له اف فما ظنك بأب عقلك و ايمانك فعقوق الاستاد اعظم من عقوق الوالدين سبعين‌الف مرة و هو من اعظم الكباير بعد الشرك و هو التأويل الاعظم لآيات احكام الوالدين و قد قرنه اللّه بتوحيده و قال (و قضي ربك ان لاتعبدوا الا اياه و بالوالدين احساناً) و قرن شكره بشكره و قال (ان اشكر لي و لوالديك الي المصير) 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 416 *»

فلاجل ذلك ورد اخبار في السلوك مع العالم اسردها لك هنا لتكون علي بصيرة و لولا ان الحق لابد و ان يظهر لماذكرت شيئاً من ذلك هنا مخافة ان يظن الظانون ظن السوء اني اريد ان ادعو الناس الي اكرامي و لكن الحق لابد و ان يذكر و وضع الكتاب علي بيان تزكية الاخلاق و قد ذكر ساير العلماء في كتبهم ما يكتفي به اهل الظاهر و غرضي سر حقايق تلك الامور فلاجل ذلك ذكرت قليلاً من كثير و ما في الصدور اعظم مما في السطور و لا قوة الا باللّه.

ففي مجالس الصدوق في حديث الحقوق عن علي بن الحسين8 و حق سايسك بالعلم التعظيم له و التوقير لمجلسه و حسن الاستماع اليه و الاقبال عليه و ان لاترفع عليه صوتك و لاتجيب احداً يسأله عن شي‌ء حتي يكون هو الذي يجيب و لاتحدث في مجلسه احداً و لاتغتاب عنده احداً و ان تدفع عنه اذا ذكر عندك بسوء و ان تستر عيوبه و تظهر مناقبه و لاتجالس له عدواً و لاتعادي له ولياً فاذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة اللّه بانك قصدته و تعلمت علمه للّه جل اسمه و عن ابي‌عبداللّه7 قال كان علي7 يقول ان من حق العالم ان لاتكثر عليه السؤال و لاتجرّ بثوبه و اذا دخلت عليه و عنده قوم فسلّم عليهم جميعاً و خصه بالتحية دونهم و اجلس بين يديه و لاتجلس خلفه و لاتغمز بعينك و لاتشر بيدك و لاتكثر من قول قال فلان و قال فلان خلافاً لقوله و لاتضجر بطول صحبته فانما مثل العالم مثل النخلة تنتظر بها متي يسقط عليك منها شي‌ء و العالم اعظم اجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه و اذا مات العالم ثلم في الاسلام ثلمة لايسدها شي‌ء الي يوم القيمة و قيل لابي‌عبداللّه7 من قام من مجلسه تعظيماً لرجل قال مكروه الا لرجل في الدين وعن اميرالمؤمنين7 اذا جلست الي عالم فكن علي ان تسمع احرص منك علي ان تقول تعلم حسن الاستماع كما تعلم حسن القول و لاتقطع علي حديثه و عن اميرالمؤمنين7 من حق العالم ان لايكثر عليه السؤال و لايعنت في الجواب و لايلح عليه اذا كسل و لايؤخذ بثوبه اذا نهض و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 417 *»

لايشار اليه بيد في حاجة و لايفشي له سر و لايغتاب عنده احد و يعظم كما حفظ امر اللّه و يجلس المتعلم امامه و لايعرض من طول صحبته و اذا جاء طالب علم و غيره فوجده في جماعة عمهم بالسلام و خصه بالتحية و ليحفظ شاهداً و غائباً و ليعرف له حقه فان العالم اعظم اجراً من الصائم القائم المجاهد في سبيل اللّه فاذا مات العالم ثلم في الاسلام ثلمة لايسدها الا خلف منه و طالب العلم يستغفر له كل الملئكة و يدعو له من في السماء و الارض و من كتاب غوالي‌اللئالي قال الصادق7 من اكرم فقيهاً مسلماً لقي اللّه يوم القيمة و هو عنه راض و من اهان فقيهاً مسلماً لقي اللّه يوم القيمة و هو عليه غضبان و روي عن النبي9 انه قال من علّم شخصاً مسئلة فقد ملك رقبته فقيل يا رسول اللّه ايبيعه فقال لا و لكن يأمره و ينهاه انتهي.

و انت تعلم ان العالم اياً كان ليس بمعصوم و ليس بعالم بما كان و ما يكون فله مجهولات و فلتات لسان و خطايا و زلّات و من الواجب ان لايعنت و لايحصي عليه زلاته و يغفر خطاياه و ليس من الانصاف طلبه بالعصمة و اسقاطه عن محله اذا رأي منه ما ينافي العصمة البتة فانه ليس بمدع لذلك و المعصوم من عصمه اللّه و الخطاء مقسوم بين الناس و اذا كان الزلّات تصدر عنه و هو مقدم عليك فانت اولي بها فلاتعب عليه بما انت مغمور فيه فعن النبي9 غريبتان كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها و كلمة سفه من حكيم فاغفروها فانه لا حكيم الا ذو عثرة و لا سفيه الا ذو تجربة و عنه9 انما الخوف علي امتي من بعدي ثلث خلال ان يتأول القرآن علي غير تأويله او يتبعوا زلة العالم او يظهر فيهم المال حتي يطغوا و يبطروا  الخبر.

بالجملة و انت تعلم ان النبي9 قال انا و علي ابوا هذه الامة و هو حديث موافق للكتاب حيث يقول اللّه جل و عز (النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم) و في قراءة اهل البيت: زادوا و هو اب لهم و ازواجه امهاتهم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 418 *»

فعلي ذلك قال اللّه تعالي (انما المؤمنون اخوة)  فجميع المؤمنين اخوة و معلوم عندك ان الاخ علي ثلثة اقسام اخ اكبر منك و اخ ترب لك و اخ اصغر منك فالاخ الاكبر لك بمنزلة ابيك و الترب هو اخوك و قرينك و الاصغر بمنزلة ابنك و لما كانت الاخوة ايمانية فالاكبر من هو اعظم منك ايماناً و علماً و عملاً و الترب مساويك في الايمان و العلم و العمل و الاصغر من هو اضعف منك ايماناً و علماً و عملاً و للاخوان حقوق علي حسب درجات ايمانهم فالاكبر هو اولي بك في جميع ما لك و بك و منك و اليك لقوة ايمانه و هو محل الايثار كما قال تعالي (و يؤثرون علي انفسهم و لو كان بهم خصاصة) فان نبيك اولي بك منك و من كان هو اولي به من نفسه فعلي7 و الائمة اولي به من نفسه و اخوك الاكبر قائم مقامهم و خليفتهم و حجتهم عليك و وصيهم و كافل يتاماهم كما عرفت في الاخبار و اما اترابك فهم اهل المواساة في جميع ما ذكرنا فتواسيهم في جميع ذلك لانهم قرناؤك و امثالك و لست بشي‌ء اولي منهم به و ليسوا بشي‌ء اولي منك به فواسهم بجميع ما تقدر عليه و اما الاصغرون

فتنفق عليهم بفضل مالك و قوتك و جميع ما يــــݘـول اليك امره علي حسب ايمانـه فان

الكل من الولي و يقسم علي مظاهره علي حسب قوة الظهور و ضعفه و بذلك يشهد حديث الطبيب اليوناني الذي اسلم علي يد علي7 فالقي اليه شروط الاسلام قال7 و آمرك ان تواسي اخوانك المطابقين لك علي تصديق محمد و تصديقي و الانقياد له و لي مما رزقك اللّه و فضّلك علي من فضّلك به منهم بسد فاقتهم و بجبر كسرهم و خلّتهم و من كان منهم في درجتك في الايمان ساويته فيما لك بنفسك و من كان منهم فاضلاً عليك في دينك آثرته بمالك علي نفسك حتي يعلم اللّه منك ان دينه آثر عندك من مالك و ان اولياءه اكرم عليك من اهلك و عيالك الخبر و نحن نذكر ما وقع الينا من الاخبار من حقوق الاخوان علي نحو الاقتصار علي صرف الحق اختصاراً فانظر ما ذا تري و لااستقصي في هذا الكتاب لاني كتبت رسالة منفردة في حقوق الاخوان سميته «ابواب‌الجنان» و هو كتاب لم‌اسبق

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 419 *»

بمثله فمن رام تلك الحقوق و اطاق اداءها فليراجع ذلك الكتاب فمختصر حقوق الاخوان التي تستنبط من الاحاديث مائة و خمسون خصلة و هي المواسات معه في المال و ان تكون عينه و مرآته و دليله و خادمه و ان تشبع جوعته و ان تروي ظمأته و تواري عورته و تفرّج كربته و تقضي دينه و تخلفه بعد موته في اهله و ولده و تحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك و تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع امره و تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك و ان تبعث خادمك ان لم‌يكن له خادم ان يخدمه و تبرّ قسمه و تجيب دعوته و تعود مرضته و تشهد جنازته و تبادر بحاجته قبل سؤاله و تنفذ اموره كلها فتحصلها و ان ترضي له بما ترضي لنفسك منه و ان تعطيه اذا سألك و تسأله اذا احتجت و ان لاتملّه و ان تكون له ظهراً و تحفظه في غيبته و تزور شهادته و لاتفارقه اذا عتب عليك حتي تستعفيه و ان‌تحمد اللّه ان اصابه خير و تعضده اذا ابتلي و تعينه ان تمحل له امره و تسلم عليه اذا لقيته و ان تسمّته اذا عطس و تودّه في صدرك و تنصره ظالماً و مظلوماً و نصرتك له ظالماً منعك اياه عن ظلمه و ان تاخذ حصته من الانفال ان كان غائباً و تزور قبره اذا مات و ان تناصحه الولاية و تجاوز عن اساءته و تواصله و تعاقده علي التعاطف و ان تغتم لما لم‌تشهد من امره و تعلمه اذا سافرت و تأتيه ان رجع من سفره و تظهر حسنه و تجلّه في عينك و تحرم غيبته و لاتقول فيه بعد موته الا خيراً و تغفر زلّته و ترحم عبرته و تقيل عثرته و تقبل معذرته و ترد غيبته و تديم نصيحته و تحفظ خلّته و ترعي ذمته و تقبل هديته و تكافي صلته و تشكر نعمته و تحسن نصرته و تحفظ حليلته و تقضي حاجته و ان تشفع مسألته و ترشد ضالته و ترد سلامه و تطيب كلامه و تبر انعامه و تصدق اقسامه و توالي وليه و ان تحسن جواره و عشرته و تغضّ عنه و لاتطلبه بالانصاف و تصافي من صافاه و تعادي من عاداه و تكتم سره و تكنيه في حضرته و لاتسميه الا في غيبته و لاتنقبض منه و لاتخونه و لاتخدعه و لاتظلمه و لاتكذبه و لاتتهمه و لاتغشه و لاتخذله و لاتعاديه و لاتسلمه و لاتقول له اف و ان لاتقول له انت عدوي و تقبل عتابه و تتقي فراسته و توقره و تكرمه و تمشي معه اذا دخل بيتك و اذا خرج و تأتمر امره اذا دخلت

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 420 *»

بيته و ان تجلس في بيته حيثما يأمرك و تتبسم في وجهه و ترفق به في السفر و الحضر و تشيعه اذا فارقك هنيئة و تكاتبه في السفر و تبدأ باسمه في الكتاب و تسابقه في صلته و لاتمد الرجل بين اخوانك و ان تخالق اخيك و تؤالفه و تلقاه بالبشر و طلاقة الوجه و تعفو عنه و ان ظلمك و ان تصله و ان قطعك و تحسن اليه و ان اساء اليك و تعطيه و ان منعك و تراحمه و تلاطفه و تزاوره و تصافحه اذا لقيته في الحضر و ان قرب عهد اللقاء و لو فارقته بقدر دور نخلة و تعانقه اذا سافر عند المفارقة و تستقبله اذا قدم و تشيعه اذا سافر و لاتترك السلام عليه و لو في التقية و ان لاتناجي بحضرته غيره اذا كنتم ثلثة و لاتعترضه في حديثه و لاتذهب الحشمة بينكما بالكلية و لاتماريه و لاتخاصمه و لاتهجره فوق الثلث و لاتسلم عليه ان كان فقيراً بخلاف الغني و لاتحدثه بما ائتمنك و ان لاتحجبه و لاتمكر به و لاتحسده و لاتقول له زعمت و لاتكون له ذا وجهين و لسانين و لاتؤذيه و لاتهينه و لاتذلّه و لاتحتقره و لاتحصي عثراته و عوراته لتعيره بها يوماً ما و لاتستخفّ به و لاتعيّره و لاتؤنّبه و لاتبهته و لاتذيع سرّه و لاتروي عليه ما يعيبه و لاتصدق ما يروي عليه و لاتسبّه و لاتعرض عرضه و ماله و دمه و لاتطعن عليه و لاترد عليه قوله و لاتضمر السوء له و لاتلعنه و تحزن لحزنه و تفرح لفرحه و لاتسي‌ء الظن به و لاتخيفه و لو بالنظر و لاتعين علي اذاه و لو بشطر كلمة و لاتحاكيه و لاتنقل حديثه بغير اذنه فهذا فذلكة ما وجدناه في الاخبار من حقوق الاخوان و من العجايب ان اللّه جل‌ و عز جعل نفس الانسان ميزاناً لجميع ذلك ففذلكة ذلك كله ان تحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك.

بالجملة اذا كان هذا حقوق اخوانك الاتراب فما ظنك بالكبراء الاطياب الذين تقدموا عليك في كل باب و هم اقرب منك الي آل‌محمد: و كل فيض و مدد ينزل منهم اليك فهم اعظم حقاً و اعظم و اعظم فانهم اولي بك و بجميع ما لك و بك و منك و اليك فانهم اوصياء اوليائك و خلفاؤهم و آياتهم و ظواهرهم قد ملّكوهم رقبتك كما عرفت و لكن يصعب عليّ جداً ان ابالغ في هذا الباب فاقتصر علي ما ذكرت خوفاً من التهمة.

و اعلم مجملاً  ان استادك الحق اقرب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 421 *»

منك الي امامك و باب فيضه عليك و طريق امداده اياك و جميع ما بك من نعمة من اللّه فبوساطته و هو اولي بها فان شكرته فقد شكرت ربك و ان كفرته فقد كفرت ربك و جميع معاملاتك معه معاملاتك مع اللّه فانظر كيف تحب ان تعامل ربك فعامله علي حسبه و لكن الناس كما حادوا عن ربهم فقد حادوا عن نبيهم و كما حادوا عن نبيهم حادوا عن امامهم و كما حادوا عن امامهم حادوا عن العلماء فلم‌يبق لهم مقدار عند الناس بل يومنا هذا في بلادنا يرجح المجوسي علي العالم الرباني بمرّات و يهان ذلك العالم لاكرام المجوسي فعن ابي‌عبداللّه7 قال اني لأرحم ثلثة و حق لهم ان يرحموا عزيز اصابته مذلة بعد العز و غني اصابته حاجة بعد الغني و عالم يستخفّ به اهله و الجهلة و عن النبي9 ارحموا عزيزاً ذل و غنياً افتقر و عالماً ضاع في زمان جهال و عن ابي‌عبداللّه7 قال ثلثة يشكون الي اللّه عزوجل مسجد خراب لايصلي فيه اهله و عالم بين جهال و مصحف معلق قد وقع عليه غبار لايقرؤ و عن الرضا7 ثلثة موكل بها ثلثة تحامل الايام([3])علي ذوي الادوات الكاملة و استيلاء الحرمان علي المتقدم في صنعة و معاداة العوام علي اهل المعرفة.

بالجملة لم‌يبق في هذا الزمان العضوض حرمة للعلماء و عزة للحكماء و العمدة في ذلك دخول بعض الفسقة الفجرة من طلاب حطام الدنيا في زيّ العلماء و تسميتهم انفسهم بالعالم ثم ظهر منهم بواطنهم علي ان،

ثوب الرياء يشفّ عما تحته فاذا التحفت به فانك عاري

فاتخذوا مال اللّه دولاً و عباده خولاً و تقربوا الي السلاطين بمتابعة اهوائهم و تحببوا الي الجبارين بتزيين ظلمهم و تصديق حسن تعدياتهم علي الانام و دلالتهم علي وجوه تحصيل الحرام و بحسب اهوائهم و ميولهم اجروا الاحكام حتي انهم كانهم من عمالهم الطغام و سلكوا مع ضعفة الانام بالتخويف و الترهيب كالجبابرة اللئام و سموا الرشا بالاجرة و الهدايا و اجروا بما لم‌ينزل اللّه القضايا و تحاببوا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 422 *»

علي العطايا و تعاونوا علي تحصيل الجبايا و تذللوا للجبارين و تفرعنوا للمساكين و شبهوا الآيات و الاخبار علي الغافلين و اوّلوها علي غير الحق للجاهلين حتي وجدهم الناس افسق الفاسقين و قل حياؤهم شيئاً فشيئاً بين العالمين حتي اظهروا بواطنهم ساكني القلوب مطمئني الخواطر فقاس الناس العلماء الاخيار و الحكماء الابرار و حملة الاسرار بهم و اجروا الجميع مجريً واحداً و لما رأوا الحكام و السلاطين من اولئك الفاسقين ذلك التذلل لهم و لم‌يروا من هؤلاء الاعلام مثله عادوهم و عدّوهم متكبرين و معاندين لهم و ظنوهم مخرّبين لدولتهم فسعوا في تحقيرهم و عمدوا علي تذليلهم حتي بلغ الامر الي ان قصدوا دمائهم و نفيهم عن بلادهم و صدّقهم اولئك اشباه العلماء حسداً و بغياً و زعماً منهم ان بوجود اولئك يفتضحون فلا لامر اللّه يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فماتغن النذر و الآيات عن قوم لايؤمنون فالي اللّه المشتكي و منه المستعان و لاحول و لا قوة الا باللّه رضينا بقضاء اللّه و اسلمنا لامر اللّه و توكلنا علي اللّه.

الخامس: اعلم يا طالب العلم ان لطلب العلم من الاستاد بعد ذلك حتي تنتفع به و يحمل علي البذل آداب ان روعيت اقبل نفس الاستاد علي بذل العلم و الا اعرضت فلم‌يمكنها بذله و تعليمه للمتعلم فبذلك يحرم اكثر المتعلمين عما خزن اللّه في صدر الاستادين لان الاستادين لايرونهم قابلين لتوديع العلم في صدورهم و قد نبه اللّه جل جلاله علي ذلك في كتابه في آي فقال (و اذ قال موسي لفتاه لاابرح حتي ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا) الي ان قال (ذلك ماكنا نبغ فارتدا علي آثارهما قصصاً) (فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا و علمناه من لدنا علماً)(قال له موسي هل اتبعك علي ان تعلمن مما علمت رشداً) (قال انك لن‌تستطيع معي صبراً) (و كيف تصبر علي ما لم‌تحط به خبراً) (قال ستجدني ان شاء اللّه صابراً و لااعصي لك امراً)(قال فان اتبعتني فلاتسألني عن شي‌ء حتي احدث لك منه ذكراً ) (فانطلقا حتي اذا ركبا في السفينة خرقها قال اخرقتها لتغرق اهلها لقد جئت شيئاً  امراً) 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 423 *»

(قال الم‌اقل انك لن‌تستطيع معي صبراً) (قال لاتؤاخذني بما نسيت و لاترهقني من امري عسراً ) (فانطلقا حتي اذا لقيا غلاماً فقتله قال اقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً) (قال الم‌اقل لك انك لن‌تستطيع معي صبراً) (قال ان سألتك عن شي‌ء بعدها فلاتصاحبني قد بلغت من لدني عذراً)(فانطلقا حتي اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها فابوا ان يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد ان ينقض فاقامه قال لو شئت لاتخذت عليه اجراً) (قال هذا فراق بيني و بينك سانبئك بتأويل ما لم‌تستطع عليه صبراً)  ثم اخذ في تأويل ما صنع الي آخر الآيات فيستنبط من هذه الآيات الشريفة احكام منيفة نذكرها علي نهج الاختصار.

الاول: قوله تعالي (اذ قال موسي لفتاه) يستنبط منه ان طالب العلم لابد له من رفيق موافق و معين مناسب له فان الواحد هيّن العزيمة قليل الجد في الامور و يد اللّه علي الجماعة و سيأتي ان شاء اللّه في ذلك مزيد تحقيق.

الثانى: قوله تعالي (لاابرح حتي ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا) يستنبط منه انه ينبغي ان يطلب العلم و لو بان يسافر من بلد الي بلد و لو كان بعيداً.

الثالث: يستنبط منه العزم الجازم و الجهد في الطلب و لو طال الطلب حقبا و روي ان الحقب سنة و روي انه ثمانون سنة فلاينبغي ان يبرح عن الطلب و لو لم‌يبلغ اليه ثمانين سنة.

الرابع: قوله (فوجدا عبداً من عبادنا) يستنبط منه انه ينبغي ان يكون الاستاد عابداً منقاداً للّه و لايكون من مظاهر الشيطان و هياكله لقوله تعالي (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) فوجب ان يكون الاستاد عبداً للّه هيكلاً  للتوحيد لا للشيطان المريد و قد روي من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان انتهي فعبدٌ عبدَ اللّه عبدُاللّه و عبدٌ عبدَ الشيطان عبدُالشيطان فالاستاد يجب ان يكون داعياً الي اللّه جل و عز لايقدر علي شي‌ء الا باللّه ضرب اللّه مثلاً عبداً مملوكاً لايقدر علي شي‌ء فافهم.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 424 *»

الخامس: قوله (آتيناه رحمة من عندنا) يستنبط منه انه ينبغي ان يكون رحيماً علي تلميذه ولياً لرحمة اللّه علي الابرار شيعياً و رحماً لابويه محمد و علي8 و هما علي اولادهما ذوا  رحمة متصلاً بهما و ممن يجب وصله و صلته.

السادس: قوله (و علمناه من لدنا علماً) يستنبط منه انه يجب ان يكون عالماً بعلوم آل‌محمد: الذين هم لدن اللّه و عنده  و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون و يكون علمه مستنداً الي الوحي و هو كتاب اللّه و سنة نبيه لا الي العامة العمياء و اليونانيين و اليهود و النصاري و امثالهم و قد روي علموا صبيانكم احاديثنا قبل ان يسبق اليهم المرجئة و روي لاتأخذ الا عنا تكن منا.

السابع: قوله (هل اتبعك علي ان تعلمن) يستنبط منه انه ينبغي المشاورة مع الاستاد و الاستيذان منه في اخذ العلم عنه فانه اذا اذن له يتحقق له العناية به و يتوجه اليه نفس الاستاد و يجري منها الفيوض و الامداد عليه بخلاف من اخذ منه بغير رضاه و مشورته و صلاحه فانه كالسارق و لربما يكون نفس الاستاد معرضة عنه فلايجري اليه فيض علومه و لربما لايرضي بحضوره مجلسه و يكون كالغاصب فلاينتفع بعلمه و هو له كاره و في الاستيذان ادب لايخفي و تكريم له ظاهر و استمالة لقلب الاستاد و اذا اذن له يلزمه الاعتناء به و ذكر ما فيه صلاحه و تعليمه ما هو خير له بخلاف من يدخل عليه بغير اذنه بل علي كراهته فلايبالي الاستاد به سمع ما يضره او ينفعه.

الثامن: و يستنبط منه انه ينبغي متابعة الاستاد و السلوك و السير معه و الاقتداء به علي الاطلاق و التأسي به حتي يصير عالماً نحو عالميته فانه بسلوكه مسلكه صار عالماً علي ما هو عليه فمن شاء نحو علمه فينبغي ان يتأسي به في جميع احواله الصالحة حتي يحصل له ما حصل له قال اللّه عز و جل (من تبعني فانه مني) و قال (ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه).

التاسع: قوله (مما علمت) يستنبط منه ان من الادب ان لايطلب جميع علم المعلم بل يطلب البعض و يكل ذلك ايضاً اليه و لايعيّن عليه شيئاً معيّناً بخصوصه.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 425 *»

العاشر: قوله عزوجل (رشداً) يستنبط منه انه ينبغي ان يطلب العلم لاجل الاهتداء الي الحق و طلب الصواب و بصارة الحق و الصلاح لا لاجل الغي و الضلالة و الباطل فيكون طلبه للّه و في اللّه و الاسترشاد الي طريق الحق.

الحادى‌عشر: قوله عز من قائل (انك لن‌تستطيع معي صبراً) يستنبط منه مع ما قد بان بعد انه يجب تصديق الاستاد المرشد الهادي اذا قال ليس صلاحك في هذا العلم او في هذه المسئلة فلايلحّ عليه بعد كما نهي اللّه عنه في آية اخري (لاتسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم) لاسيما اذا قال الاستاد لن‌تستطيع علي تأبيد النفي.

الثانى‌عشر: (و كيف تصبر علي ما لم‌تحط به خبراً) يستنبط منه انه لايجوز السؤال عن علم ليس في حده و لم‌يبلغ هو درجته و ليس كل من تعلم السؤال و سأل يقدر علي فهم الجواب مادام هو في تلك الرتبة و اري اغلب الناس تعلموا السؤال عن الاشكال لحضورهم مجالس العلماء و طرقه آذانهم فيسألون و لمّايحصلوا مباديه و مقدماته فلايجيبهم المســــݘـول فيحملون ذلك علي عجزه او بخله و لعل السائل ليس له باهل او يجيبه علي حسب درجته فيحدث له الشبهات و الشكوك و لايقدر علي التفصّي عنها و ذلك من اعظم حيل الشيطان حيث يسلس للناس حتي يصغوا الي الشبهات ثم يشنق عن طلب الجواب و الدخول من بابه فيرسخ الشبهة في قلوبهم و يبقون ابداً في غيّهم و بذلك اضل كثيراً من ارباب الفهم و ردهم عن دينهم قهقري نعوذ باللّه.

الثالث‌عشر: و يستفاد ايضاً من قوله (هل اتبعك) انه لايجوز للجاهل بالشي‌ء ان يستنكف عن الطلب و عن متابعة من يعلم ما يجهله هو فان ذُلّ الجهل الابدي اكثر من ذُلّ الطلب ساعة البتة و بذل الجهل يقصي العبد عن حظيرة القدس و بالتواضع بذل الطلب و قرع باب اللّه يقرب الي اللّه سبحانه و بينهما بون بعيد و طالب العلم ينبغي ان يطلب العلم اينما وجده و لو كان عند احقر الخلق بل و لو كان عند طفل فان العالم من حيث العلم مرفوع و الجاهل عن حرم القرب ممنوع و موسي علي نبينا و آله و عليه السلام كان اعلم من خضر7 لانه كان من اولي العزم و مع ذلك تواضع لتعلم ما لم‌يعلم و اظهر جهله و استرشد الخضر8 و قال

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 426 *»

(هل اتبعك علي ان تعلمن مما علمت رشداً).

الرابع‌عشر: قوله (ستجدني ان شاء اللّه صابراً) يستنبط منه ان الاستثناء لاينفع اذا اخبر الاستاد الكامل بانك لاتتحمل هذا العلم و لاينبغي تكذيب الاستاد و ظن عدم وقوع ما يقول و لو معلقاً علي الاستثناء فانه اعلم بمشية اللّه و بانها تجري في الاشياء علي حسب القوابل و الاسباب فاذا لم‌ير القابلية علم انها لاتتعلق فينبغي تصديقه و لايجوز الرد عليه و لو تعليقاً علي المشية و لعل هذا القول كان من موسي7 ترك الاولي و لذلك لم‌ينفعه هذا الاستثناء.

الخامس‌عشر: قوله (و لااعصي لك امراً) يستنبط منه انه ينبغي ان لايعصي المتعلم امراً من اوامر الاستاد و يتبعه في كل ما امر به و يمتثل اوامره و يجتنب نواهيه و ينبغي ان يوطّن المتعلم نفسه علي الاتباع و عدم عصيان امر الاستاد و ذلك مما يميل قلب الاستاد الي التلميذ و يجعله براً رءوفاً به و يجعله متوجهاً اليه معتنياً به فيجري الامداد و الفيوض منه عليه هذا و الاستاد اب روحاني ايماني و لنعم ما قال الشاعر:

من علّم العلم كان خير اب ذاك اب الروح لا اب النطف

و قد قال اللّه سبحانه في الوالدين (لاتقل لهما اف و لاتنهرهما و قل لهما قولاً كريماً و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) و قال (بالوالدين احساناً) و قال (و صاحبهما في الدنيا معروفا) و عقوق الوالدين من الكباير فالاستاد اولي بجميع ذلك سبعين مرة.

السادس‌عشر: (فان اتبعتني فلاتسألني عن شي‌ء حتي احدث لك منه ذكراً) يستنبط منه انه ينبغي صبر التلميذ اذا رأي من استاده ما ينكر و يستوحش ما يجد له محملاً و يحتمل ان له عليه وجه صحة و لايسارع الي الانكار بمحض ما رأي منه شيئاً يخالف ما عنده او سمع منه ما يخالف قواعده و يصبر حتي يري متي يشرح له و لكن هذا في استاد علِم قبل التعلم منه انه علي الحق فاذا رأي منه شيئاً يخالف قواعده لايجوز الانكار عليه و يجب الصبر حتي يشرح له ما شرح له و اما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 427 *»

اذا لم‌يعرفه علي الحق فلاينبغي الركون اليه و الاعتماد عليه و التعلم منه الا من باب اخذ الدرّ من قلادة الخنزير و من باب خذوها و صفّوها و اياكم و الاوعية فتنكّبوها فانها اوعية سوء.

السابع‌عشر: يستنبط منه ايضاً كراهة كثرة السؤال و حسن تخلية الاستاد و طبعه حتي يقول كل مسئلة في وقت يري الصلاح في الشرح و البيان فان السائل الجاهل ربما يسأل ما لم‌يأت اوان شرحه له او في غير المحل و لا كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله فالاحسن ان يترك الاستاد و طبعه حتي يقول في كل وقت ما يري الصلاح في اظهاره و لنعم ما قال الشاعر:

اعدم وجودك لاتشهد له اثراً و دعه يهدمه طوراً و يبنيه

و سؤال الجاهل كاقتراح المريض علي الطبيب فلربما يطلب منه شيئاً يضره بل يقتله فان سقاه اياه مات و ان لم‌يسقه يسوؤه و ينكر عليه فالاولي القاء نفسه بين يديه و التفويض اليه فكل ما سقاه يشرب و كل ما زواه لايطلب.

الثامن‌عشر: قوله (اخرقتها لتغرق اهلها) فيستنبط منه كراهة المبادرة الي الرد و كراهة الاستنتاج و الاستلزام علي حسب ما عنده فلرب نتيجة يظن الظان انها تتولد من شي‌ء و لاتتولد منه و لو علم انها لاتتولد منه استقر و لكن يستنتج علي حسب ظنه فيستوحش و ينكر فلايجوز اذا سمع من الاستاد كلاماً ان ينكره لما يظن انه يلزمه كذا و يتفرع عليه كذا فلعل الاستاد سد طريق الملازمة و بيّن بعد بحيث لم‌ينتج ما يظن انه نتيجته كما ظن موسي7 ان نتيجة الخرق الغرق و لم‌يغرقوا بل نتج بالعكس.

التاسع‌عشر: قوله (لقد جئت شيئاً امراً) يستنبط منه كراهة ان يقول للاستاد قولاً غيركريم و قال اللّه سبحانه (و قل لهما قولاً كريماً) و لعل جميع ذلك من موسي7 خلاف الاولي او له تأويل آخر كأنه لعله اراد علي حسب ظاهر شرعي و علي حسب ديني او غير ذلك.

العشرون: قوله عزوجل (الم‌اقل انك لن‌تستطيع معي صبراً) يستنبط منه انه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 428 *»

اذا اخطأ التلميذ ينبغي توقيفه علي خطائه و نهيه عنه علي نحو المداراة حتي يترك ذلك و يتحفظ بعد عن مثل ذلك الخطاء.

الحادى‌والعشرون: قوله عز من قائل (قال لاتؤاخذني بما نسيت و لاترهقني من امري عسراً) يستنبط منه انه ينبغي اعتذار التلميذ اذا صدر منه خلاف ما عاهد الاستاد عليه من اتباع امره و الاعتراف بالتقصير و الظاهر ان نسيت بمعني تركت اي بما تركت الاولي و رددت عليك علي حسب ما عندي من القواعد مع علمي بان عندك علم ليس عندي و انك مأمور بخلاف ما امرت به و لعل تعجيل موسي بالرد من شدة تشرعه بشرعه و وجوب انكار المنكر الظاهري في دينه فلم‌يطق رؤية ما خالف شرعه الذي امر به مع ان الاولي له الصبر لعلمه بان علمه علم لدنيّ و اوتي من عند اللّه رحمة و انه عبد مطيع للّه و لعله يشير الي عدم طاقته رؤية ما يخالف شرعه قوله (و لاترهقني من امري عسراً) فكان الصبر عسيراً عليه و كذلك ما يستنبط من الفقرة الثانية.

الثانى‌والعشرون: قوله تعالي (فانطلقا حتي اذا لقيا غلاماً) الفقرة، يستنبط منه انه ينبغي عفو العالم عن زلة المتعلم و الاغماض عن خطائه و عدم منعه العلم ما يعتذر و يقر بالخطاء و ترك حمله علي العسر.

الثالث‌والعشرون: قوله عز و جل (ان سألتك عن شي‌ء بعدها فلاتصاحبني) يستنبط منه انه خجل موسي7 حتي رضي بترك صحبته و حيي من عدم تحمله لعلمه و لعله لو لم‌يسأله ترك الصحبة لم‌يترك صحبته فصار الحياء هنا مانعاً لرزق العلم فتفويض الامر الي المعلم في كل امر اولي.

الرابع‌والعشرون: يستنبط من مجموع ذلك ان فوق كل ذي علم عليم و لا كل احد يتحمل كل علم فاذا كان موسي مع انه من اولي العزم لم‌يتحمل علم الخضر و لم‌يك من اولي العزم فلعل عند عالم يكون ما ليس عند عالم آخر فلاينبغي علي العلماء الظاهريين ان ينكروا علي اهل الباطن و اصحاب الاسرار و الحكماء الربانيين الاخيار ما لايتحملون من علومهم فلعل عندهم علوماً لايطيقونه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 429 *»

و لنعم ما قال الشاعر:

قد ينكر الفم طعم الماء من مرض و ينكر العين ضوء الشمس من رمد

فلعل الظاهريين من شدة انهماكهم في العلوم الظاهرة لايدركون الحقايق الباطنة و لايتحملونها و اللازم عليهم عدم التعرض لما لم‌يحيطوا بعلمه و لمّايأتهم تأويله كما قال (و كيف تصبر علي ما لم‌تحط به خبراً) فتدبر.

الخامس‌والعشرون: قوله تعالي (هذا فراق بيني و بينك) يستنبط منه ان التلميذ اذا لم‌يتحمل علم الاستاد و طلب المفارقة ينبغي مفارقته و عدم سلوكه معه فان معه يؤذي الاستاد و لاينتفع بعلمه و لربما يفسد عليه امر دينه فينبغي مفارقته.

السادس‌والعشرون: قوله عز و جل (سانبئك بتأويل ما لم‌تستطع عليه صبراً) يستنبط منه انه اذا وقع الشبهة في قلب طالب العلم ينبغي للاستاد ان يزيل عن ذهنه الشبهة ببيان كاف شاف واف حتي لاتبقي في الذهن فيأوي اليه الشيطان و يعشش فيها ثم يزيّنها و يقوّيها و يعسر ازالتها فينبغي ان يسعي الاستاد في ازالة شبهات التلميذ.

السابع‌والعشرون: يظهر من مشاورة موسي7 و اعتذاره بعد انه ينبغي للتلميذ  ان‌يراعي ادب الاستاد في كل حال و تعظيمه و توقيره و ان صدر منه ما يخالف الادب يبادر الي جبر كسره و الاعتذار من الاستاد سريعاً و استعطافه فان في اقبال الاستاد و محبته اثراً عظيماً في ترقي المتعلم و في اعراضه اثراً عظيماً في سقوطه عن درجة اصحاب الفهم و الكمال حتي ان كراهة الاستاد ربما تخترم العمر و تميت المتعلم في شبابه و ان لم‌يمت يسلب عنه ما تعلم من استاده فينبغي مراعاة ادب الاستاد و استرضائه في كل حال و الاعتذار اليه من فلتات المقال هذا و من المجرب ان من لم‌يراع حرمة شي‌ء يسلبه اللّه عنه و يزوي عنه تلك النعمة لكفرانه حقها فمن لم‌يراع ادب الاستاد لابد و ان يفارقه ذلك الاستاد و ينضجر عنه و يسلبه اللّه نعمة ملاقاته.

الثامن‌والعشرون: يظهر من تكرار قوله (فانطلقا) و من قوله عز و جل (هل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 430 *»

 اتبعك) انه لازمه حضراً و سفراً و براً و بحراً و كذلك ينبغي ان يلازم التلميذ استاده سفراً و حضراً و يلاحظ حركاته و سكناته و معاشراته و يكتسب منه علم السلوك مع الخلق و الرياسة بين الناس الضعفاء و ذلك لايمكن الا بمعاشرة تامة و ملازمة دائمة و توجه تام اليه فان بذلك يشتد المواخاة و المحبة بينهما و يكون الاستاد في اغلب الاوقات في خاطر المتعلم و المتعلم في اكثر الاحوال في خاطر المعلم و في كل ذلك استمداد و امداد لايخفي و اما من تخلف عنه في سفر او غاب عنه في حضر فان ادام علي ذلك يمحي عن خاطر كل واحد منهما ذكر الآخر في اغلب الاحوال فلايتحقق الامداد و الاستمداد كما ينبغي و لذلك قل من يترقي من غير الملازمين و اشتهر من بين المسلمين الاصحاب و شرفوا لاجل المصاحبة و الملازمة.

التاسع‌والعشرون: يظهر من طلب موسي الخضر و هو نبي من اولي العزم لتحصيل المسايل الباطنية و سفره لاجل ذلك ان العالم و ان بلغ المنتهي بزعمه في علمه لاينبغي ان يكف عن طلب العلم و لايقتنع بما عنده فان طلب العلم فريضة علي كل حال و الاحلام تترقي و الافهام تتزايد و العقول تنبسط فلاتكتفي بما كنت تعلمه حتي تستزيد العلم و ما ذكره بعض اهل العلم من ان ادني المعرفة و هو ظواهر اقوال المسلمين يكفي للمسلم و هو الواجب و ما وراء ذلك فضل فانما ذلك وهم منهم فان من لم‌يعمل بما علم يكفيه ما علم و اما من عمل بما علم و ترقي لايكفيه ما علم و لايقنع بما كان يعلمه فانه بعمله ترقي و بترقيه تلطف و بتلطفه ازداد بصارة و بازدياده البصارة رأي ما علمه اول مرة كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‌يجده شيئاً و لو شئت الاعتبار فانظر فيما يقتنع به الجبلي او القروي من الادلة علي دينه و ما تستدل له و ما يلتذّ به و ما يحصل له الاطمينان به من ما تعطيه من جراب النورة و لو كان فهمه ازيد لماقنع بما آتيته و لو ذهب و صار فهمه ازيد كلما تفكر فيما استدللت له لرآه اوهن من بيوت العنكبوت فيطلب دليلاً  اقوي البتة ففي كل وقت ادني درجة الوجوب شي‌ء و لاجل ذلك صار طلب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 431 *»

العلم فريضة علي كل حال و كذلك يجد العالم من نفسه ان ما اطمئن به عام اول لايطمئن به العام و يطلب دليلاً اعلي و ادق و هكذا تدلج بين يدي المدلج من خلقك بالجملة لاجل ذلك طلب موسي7 مع انه نبي و من اولي العزم ما لم‌يكن عنده و لم‌يستنكف و لم‌يستكبر علي ادني منه في الرتبة و طلب منه ما ليس عنده بادب و تذلل و اعتذار فذلك فيه اسوة لمن تأسي به7.

الثلثون: قد ظهر من مصاحبته لفتاه مع انه كان ادني منه رتبة انه ينبغي لطالب العلم اذ لم‌يجد من في عرضه او اعلي منه قليلاً ان يكتفي بمن هو ادني منه فان الاكمل الاولي ان يكون الرفيق اسبق منك قدماً في العلم و الايمان قليلاً لتتقوي به و يكون خليفة للشيخ عند غياب الشيخ و تستكمل به في الجملة فان عزّ ذلك فالمساوي الذي تستفيد منه و يستفيد منك و اما ان عزّ ذلك ايضاً فلا اقل من ان يكون ادني منك و تمِدّه حتي يفاض عليك بانفاقك عليه و يأتيك الخلف من عند اللّه بسبب الانفاق و يظهر منه ايضاً انه لايتكمل متكمل الا بشيخ و رفيق و ذلك سنة اللّه التي قد خلت من قبل و لن‌تجد لسنة اللّه تبديلاً و لن‌تجد لسنة اللّه تحويلاً و هذا هو طريق الاهتداء و سبيل التعلم فمن سلك غير هذا المسلك فلايكاد يصل الي ما يكتفي به المتدين فطالب العلم و ان كان نبياً من اولي العزم يحتاج الي رفيق فصاحبه و شيخ فطلبه حتي وجده و الغني و الوحدة كمالان من كمالات اللّه لاينازعه في كمالاته احد الا ذل فاطلب لنفسك يا طالب العلم رفيقاً موافقاً و استاداً مطاعاً حتي يحصل لك الترقي فذلك ثلثون وجهاً استخرجت من هذه الآيات و لعل غيري تدبر فيها و عرف ازيد من ذلك و مااردنا الا النصح و تلك بضاعتنا و الحمد للّه اولاً و آخراً و اولئك الذين هدي اللّه فبهداهم اقتده.

السادس: اعلم ان هنا  آداباً اخر تستنبط من المطلقات و العمومات نذكرها هنا لكي تكون علي بصيرة و تنتفع بها ان شاء اللّه و الاصل في ذلك ما كررنا عليك ان للمؤمنين درجات و لكل درجات مما عملوا و ذلك ان اللّه غني عن طاعة خلقه و آمن بمعصيتهم لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه فامر بما امر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 432 *»

ليتقرب عباده اليه و هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار الدائم القائم و نهي عما نهي لئلايقعوا في مهاوي البعد و الهلاك فمن امتثل ما امر به تقرب اليه و نال منه انواره و فيوضه و امداده علي قدر امتثاله فالكاملون منهم هم اقرب الي اللّه جل جلاله من الناقصين البتة و جميع الامداد النازلة كائنة ما كانت انما تصل الي الاقربين قبل الابعدين و تبقي عند الاقربين و لهم صوافيها و لطائفها و ينزل عنهم الي الابعدين قشورها و كثائفها و كذلك يكون درجاتهم في الجنان و هو تأويل قوله تعالي (و ما منا الا له مقام معلوم)(و لكل درجات مما عملوا) فالكاملون هم منازل الامداد و مهابط الفيوض و الصفوة و اهل الصفوة و منهم تنزل الي الناقصين فمن توجه اليهم و ادام التوجه استنار بتلك الانوار النازلة علي حسب باطن الباب و علي طبق محبة اللّه و من اعرض عنهم نزلت اليهم الامداد علي حسب ظاهر الباب و من قبله و كل يمَدّ بما يمَدّ لكن هكذا فيكون المدد

كقطر الماء في الاصداف در و في فمّ الافاعي صار سما

و ان قلت هل يعلم الوسائط بما ينزل من المدد بسببهم و بمن يتوجه اليهم قلت ان كانت الوسائط من الكليين لابد و ان يعلموا كمحمد و آل‌محمد: فانهم يعلمون بالامداد و المستمدين كما يظهر من الاخبار بلا غبار و اما ان كانوا جزئيين فلايجب فانهم ليسوا بمؤثرين لمن دونهم الاتري ان القلب هو اول من يحيي من بدنك و منه ينتشر الحيوة الي جميع بدنك و اي عضو كان بينه و بين القلب حاجز مات و مات ما يليه و مع ذلك لايعلم القلب عدد عروق بدنه و ما يعرض احشاءه بل لايعلم جميع ظاهر بدنه و ذلك ان القلب ليس بمؤثر لساير الاعضاء و كذلك كُمّلوا المؤمنين و ان كان الفيض ينزل اليهم اولاً ثم منهم ينزل الي ساير الناس و من انقطع عنهم مات بموت نزع الايمان و لكنه لايجب ان يعلموا بمن يستفيض منهم و بالامداد النازلة منهم فتدبر و لنعد الي ما كنا فيه و ذكرنا ذلك استطراداً.

فاذا كان الكامل واسطة ما يصل اليك من الفيض و هو المنعم عليك فشكره لازم عليك و ان لم‌تشكره لم‌تشكر ربك و استحققت بالكفران العذاب الشديد كما قال اللّه جل و علا (لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 433 *»

عذابي لشديد) فشكر الاستاد من اعظم اسباب الترقي و كذا ميل الاستاد و محبته للمتعلم فان بميله و توجهه الي المتعلم يسهل وصول الامداد اليه و بميل المتعلم و توجهه الي المعلم يسهل الاستمداد فالواجب محبة المتعلم للمعلم و خلوصه في المحبة و عدم كونها لحطام الدنيا و جلب المنافع الدنيوية و كلما يشتد محبتهما يشتد انتفاع المتعلم و لان المحبة لاتقع الا بالمناسبة و كلما اشتد مناسبة المتعلم للمعلم تقارب اليه و لحق شيئاً بعد شي‌ء به و من البيّن ان العضو كلما كان اشد شبهاً بالقلب كان اشد حيوةً و اشد استمداداً منه فاذا وجب المحبة بينهما وجب العمل بمقتضاها و من مقتضياتها ما مر و المقصود في هذا الفصل ذكر بعض اخر و هو امور.

الاول: لما كان المعلم من الرعية و غير المعصومين الكليين المحيطين بجميع ما كان و ما يكون فلابد و ان يجهل اموراً و لايحيط بكل شي‌ء علماً فلايكلفه المتعلم شططاً و لايتوقع منه العلم بجميع الاشياء حتي اذا ظهر منه جهل بشي‌ء يسقطه عن قلبه و عينه فان الذي يسقط بالجهل بشي‌ء هو الذي يدعي العصمة الكبري و الكلية و الا فالانبياء السلف كانوا يجهلون اشياء ها ان موسي جهل ما عند الخضر و هما جهلا ما عند الصياد و سليمن جهل ما عند الهدهد و جهل ما علمه النملة و هكذا فاذا كان الانبياء حتي اولي العزم يجهلون اموراً فما ظنك بالرعية فاذا جهل استادك شيئاً لاتستحقره و كفاه فضلاً و انصافاً ان‌يعترف بجهله و اري بعض الناس في هذا الزمان يطلبون من المشايخ ما ليس عندهم فان اقرّوا بالجهل فمنهم من يسقطه من عينه و يستحقره و منهم من يأوّل قوله و يحمله علي بعض المحامل ظناً منه انه لايجهل شيئاً و كلاهما جايران عن قصد السبيل و الصواب ان الرعية لاتحيط بجميع العلوم بل ربما يفوتها بعض البديهيات و يغفل و يخطي و ينسي و يسهو.

الثانى: انه اذا ظهر من الاستاد خطاء او نسيان او سهو او غفلة او جهل فلايؤنّبه المتعلم و لايجهر بتخطيته و اظهار خطائه او جهله علي رءوس الاشهاد فان جميع ذلك نقص و يكون سبب تأذيه اذ عدم حب ظهور النقص سجية ابن آدم و يذلّ

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 434 *»

المعلم بذلك و لا احد يحب ذلته و احتقاره و للّه العزة و لرسوله و للمؤمنين فاذا صدر منه هفوة يطلعه المتعلم عليها خفاء و ان احتاج الي تدارك بين الناس فليتدارك المعلم بنفسه لا ان يجهر باظهار نقصه المتعلم و يذلّه و يخجله.

الثالث: و لما كان المعلم غيرمعصوم فلايخلو من خلق سيّئ او فعل قبيح فلعله يظهر منه احياناً زعّارة في خلق او شح او لؤم او جفاء او هجران او تقصير في اداء الحقوق و المعصوم من عصمه اللّه فمن حق المعلم ان يعفو المتعلم عنه و يقابل اساءته اليه باحسانه و يعفو عن شره لكرامة خيره و يغمض عن تقصيره لمكان ساير مكارمه و لايسقطه بذلك عن عينه فانه ليس بمدع للعصمة و لاينافي صدور بعض تلك الصفات مقامه و من الذي لايصدر منه شي‌ء من ذلك هذا و الكامل يتدارك هفواته و تقصيراته بالاستغفار و التضرع و الاعتذار بالجملة يجب علي المتعلم ان لايأخذ الاستاد بالعصمة و يصبر عليه و يعفو عنه كما يصبر الاستاد علي اكثر من ذلك من هفوات التلميذ و زلاته.

الرابع: اذا سأل الاستاد عن مسألة فاخبره بها فلايقولن بعد ذلك انا كنت اعلم ذلك و انا كنت فهمت ذلك قبل هذا فيضيع سعيه و ان كان واقعاً علمها فان ذلك سوء ادب و معناه انه وقع كلامك عبثاً و سعيك ضايعاً و كذا ان شرع بذكر حديث فلايقولن انا سمعنا ذلك قبل بل يسكت حتي ياتي علي كلامه فان كان يعلمه واقعاً فقول المعلم تأكيد و تذكرة له و الا فتعليم.

الخامس: ان لايذكر عنده عيب ساير التلاميذ فان في ذلك صرف قلبه عن اولئك و ذلّ له حقيقة فان التلاميذ ابناؤه حقيقة و عيب الابن عيب للاب حقيقة فلايحزنه بذكر عيوب ساير التلاميذ مع ما فيه من غيبة المؤمنين و بعصيانك لديه ينصرف قلبه عنك ايضاً و هو ضار بحالك.

السادس: ان لاتخاصمه عن الخائنين و المخالفين و المنافقين و المشركين و الكافرين بان تجادل عن لسانهم و تنزل نفسك عنده بمنزلتهم و قد قال اللّه جل‌وعز (و لاتكن للخائنين خصيماً) فان ذلك نقص بحالك و اذية له بل ان جهلت شيئاً بنفسك فاسأله و اذا اجابك بما يلزمك في مذهبك الاقرار به فسلم و لاتنكر بما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 435 *»

علمته في مذهبك لما يجهله او ينكره مخالف لك في مذهبك.

السابع: و لاتكثر في حضوره ان فلاناً يكفّرك او يعاديك او يقول فيك كذا و كذا او يشتمك فان في ذلك سوء ادب و فيه حزنه بما لايجب و ملالته تكدر قلبه و يقل اقباله الي بثّ العلم لك و كذا ان فلاناً يقول بخلاف قولك و فلاناً يرد عليك.

الثامن: ان لاتجادله ابداً و لاتسأله تعنتاً و تجربة فان جهلت شيئاً فاسأله فان اجابك بما قنعت و الا فقل اعد عليّ او مافهمت فزدني بياناً فان اتي بما اكتفيت فهو و ان تعايا و عجز فاتركه و لاتسأله عن شي‌ء تعلمه ابداً.

التاسع: ان سألته عن شي‌ء في وقت او مكان ثم سمعت انه يسأله آخر عن ذلك الشي‌ء بعينه و رأيته اجاب بجواب غير ما اجابك او اجابه بجواب قشري ظاهري فاياك ان تقول قد اجبتني كذا و كذا او تسارع فتجيب السائل بما اجابك اظهاراً للفضل فانه اعلم بامزجة الناس و مقدار تحملهم فيجيب كلاً علي حسب فهمه و الذي قال لك هو علي حسب فهمك فلاتتعرض عليه و اتركه و ما يقول بل تعلم الجواب الثاني ايضاً فعسي ان سألك واحد يناسبه هذا الجواب.

العاشر: اذا رأيت الاستاد قد كسل و ملّ عن الجواب فلاتلحّ عليه فانه انسان يأخذه الكسالة و الملالة فاذا كسل و ملّ انصرف قلبه و لايقدر علي اعطاء الجواب حقه فاتركه و شأنه حتي ينشط.

الحادى‌عشر: ان لاتسأله حين هو في مسئلة عن مسئلة مباينة لها بالكلية فتصرفه عن وجهه بالكلية كما اذا كان في بيان مسألة فقهية تسأله في اثناء البيان عن مسئلة نجومية.

الثانى‌عشر: ان اغلب المعلمين يحتاجون الي مطالعة الدرس و تنقيحه بالليل ثم بيان ذلك بالنهار و من لايحتاج الي ذلك اوحدي الزمان فالذي لم‌يطالعوه ليس بحاضر لديهم منقحاً مشروح العلل مبين الاسباب فالاحسن في امثال اولئك ان يتركوا حتي يدرسوا ما نقحوه و لايسألوا عما ليسوا بصدده فانهم يعجزون عن بيانه و لعلهم يخبطون فيه و كذلك الفقه لجل العلماء فانه علم سماعي لا عقلي فلابد فيه من المطالعة فلاتطالب الاستاد فيه ببيان ما لم‌يطالعه و كفاه فضلاً  ان يطالع و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 436 *»

ينقح و يقول و طلب ما لم‌يطالع ينافي الانصاف فانه ليس بامام معصوم محيط.

الثالث‌عشر: اذ رأي الاستاد صلاحك في علم فلاتكلفه غير ذلك العلم فانك كالمريض و هو كالطبيب و هو اعلم بصلاحك فما عالجك به فلاتتجاوزه و اصبر علي ما رأي صلاحك فيه و انت لاجل مرضك ربما تشتهي علماً لاتنتفع به و هو اذا جرب فهمك و سليقتك يعلم ما يتيسر لك فاتبعه فيما اشار اليك البتة.

الرابع‌عشر: اعلم اني مانلت ما نلت من استادي السيد السند اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه الا بجعلي عنده كالخادم اخدمه كبعض خدمه و كنت اخلص له المحبة و لم‌يكن غرضي من خدمته حطام الدنيا و لا الرياسة العلمية و لا الدنياوية و ماكنت اريد ان اصير قاضياً و لا مجتهداً و لا رئيساً بل خدمتي له عن صرف المحبة و الاخلاص في ولائه و قد قلت فيما قلت في محبته:

اخلصت حبي في ولا كاظم و ان لحاني فيه من فيه
احبه حباً علي رغم من قد بدت البغضاء من فيه

و اني ماقرأت عليه ازيد من سنتين و نصف تقريباً و لاقرأت ايام قراءتي كساير الطلاب فلاطالعت و لاتفكرت فيما يقول و لاباحثت كثيراً و كان حظي حضور مجلسه فقط بل لم‌اصغ كما ينبغي فلم‌انل منه بشدة التحصيل و انما نلت ما نلت لمحض الخدمة و صرافة المحبة و الحمد للّه و لاانزلت نفسي منزلة جلسائه بل منزلة الواقفين علي ارجلهم من الطوافين عليه و الخدام و كان ساير التلاميذ جلوساً و انا اخدمهم بحضرته و اني كنت قبل وصولي الي خدمته قرأت قليلاً في الصرف و قليلاً في النحو و قليلاً في المنطق و لما وصلت الي خدمته نسيت ما كنت اعلمه ايضاً علي حذو ما قال الشاعر:

كانت لنفسي اهواء مشتتة فاستجمعت اذ رأتك النفس اهوائي
 تركت للناس دنياهم و دينهم شغلاً بذكرك يا ديني و دنيائي
فصار يحسدني من كنت احسده و صرت مولي الوري اذ صرت مولائي

بالجملة نسيت ما كنت قرأت و كان درسه­ في الحكمة و كان في بعض الاوقات يقول في شرح‌اللمعة و انا قليل التوجه الي الفقه غيرضابط له و مع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 437 *»

ذلك حصل لي من بركاته في تلك الايام القلائل قوة ماراجعت شيئاً و ارجع خائباً الا قليلاً و حصل لي نفاذ في اكثر العلوم حتي انه­ قد شهد لي ان فلاناً اطلع علي نقطة العلم والغرض من ذكر ذلك ان محبة الاستاد و خدمته هما المرقيتان بالبرهان و العيان.

الخامس‌عشر: ينبغي للمتعلم ان يكون معه اذا حضر مجلس المعلم سواء كان في الدرس ام غيره محبرة و بياض ليقيد ما يعجبه من كلام المعلم مما لايعلمه و بذلك امرونا: و قد مر ما يدل عليه ثم اذا خلا بنفسه يفصل ذلك الاجمال مبرهناً مشروحاً و اذا كان في اثناء الدرس يقيد رءوس المطالب ثم يصغي الي مقاله تفهماً و كلما مر مطلب لايعلمه او يخاف ان ينساه يقيد رأسه علي نحو الاشارة ثم اذا تم الدرس و ذهب الي خلوته يفصل ذلك الاجمال علي نحو التفصيل و الاستدلال فلو واظب علي ذلك يحصل له في كل اسبوع خمس او ست فوايد و في شهر عشرون او اربع و عشرون فائدة و هو كتاب واف شاف و في السنة يصنف من غرر العلم اثني‌عشر كتاباً ان لم‌يعق عائق ان شاء اللّه فاذا واظب علي ذلك يحصل له الترقي الكامل في ايام قلائل و ليكن همه دائماً في التفصيل و اني اري ان فوارة الامداد تفور في اثناء التصنيف ما لاتفور في غيره اللهم الا عند الدرس و البيان فان ابواب الفيض تنفتح علي المعلم و المتعلم فيلهم المعلم و المتعلم ما لايعلمانه و ما ذلك الا لنزول الرحمة و الملائكة و نزول الخلف علي المنفق و الفيض علي المنفق‌عليه و لاجل ذلك يزول عن التلميذ في مجلس الدرس اكثر وساوسه و شبهاته و لايرد في قلبه اعتراض علي ما يقوله الاستاد غالباً اذا كان من اهل المحبة و التسليم و اما غيرهم فليسوا كذلك و لايصغون الي ما يقوله الاستاد بل هم متوجهون الي قلوبهم المنكوسة و يرون ما ينطبع فيها من سجين من الشبهات و الشكوك. بالجملة الآداب كثيرة و تفاصيلها علي النفس عسيرة فالاكتفاء بما ذكرنا احري و من خلقه اللّه لاجلها يهديه سبيلها و من خلقه لا لاجلها يضله عن دليلها و لاقوة الا باللّه العلي العظيم بقي شي‌ء اختم به هذا المطلب.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 438 *»

السابع: اعلم ان اللّه سبحانه لما خلق الخلق خلقهم علي ما هم عليه فمنهم من كان من اهل عليين و منهم من كان من اهل سجين فجعل اهل عليين اهل النور و الخير و الحق و العلم و اهل سجين اهل الظلمة و الشر و الباطل و الجهل و كانوا في العالم الاول يعرف كل منهم بسيماهم كما قال اللّه عزوجل (و لو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم) و قال (سيماهم في وجوههم من اثر السجود) و لما انزلهم الي دار البلاء و الاختبار اختلط كل طائفة منهما بطينة ضده فصار في هؤلاء مسحة من هؤلاء و في هؤلاء مسحة من هؤلاء فما كان في اهل عليين جهل او خطاء او سهو او نسيان فمن مسحة اولئك فلاجل ذلك تعرض عنها و لاتأخذ بها و لاتعتمد عليها لانها من سجين و الي سجين فكذلك بحكم المقابلة ما كان في اهل سجين من وثاقة او صدق او علم او خير او كمال او ضبط او حفظ فمن مسحة اولئك فينبغي ان‌تأخذ بها لانها منك و لك و عند اهل سجين عارية و انت طالب للحق و الصواب لانه من مولاك و الي مولاك فاينما تجده تأخذ به فبمقتضي هذه القاعدة السديدة اذا وجدت علماً حقاً عند غير متصف بصفة الشيخوخة كما ذكرنا تأخذه و تصفيه عن كدوراته فاذا جاء عندك طهر و نظف و صار خيراً و انما مثل ذلك كمصحف وجدته علي يد يهودي فمايمنعك يهوديته ان تأخذ المصحف و تنظفه و تحفظه او كدرّة في فم خنزير و انما تأخذها و تطهرها و تحفظها فلاتبال من جمع الحق اينما وجدته غاية الامر انك تزن ما تسمع من غير اصحابك بميزان الحق فان وافقه تأخذ به و الا تتركه له و لكن ذلك رخصة لمن يقدر علي التوزين و النقد و اما الذي لايميز الغث من السمين فانما يجتنبهم لان الاجتناب عن الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة اما ما يدل علي الرخصة ففي البحار عن ابي‌مسعود الميسري رفعه قال قـال المسيح7 خذوا الحق من اهل الباطل و لاتأخذوا الباطل من اهل الحق كونوا نقّاد الكلام فكم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب اللّه كما زخرف الدرهم من نحاس الفضة المموهة النظر الي ذلك سواء و البصراء به خبراء و عن

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 439 *»

ابي‌عبداللّه7 عن رسول اللّه9 قال غريبتان كلمة حكم من سفيه فاقبلوها و كلمة سفه من حكيم فاغفروها و عن علي بن سيف قال قـال اميرالمؤمنين7 خذوا الحكمة و لو من المشركين و عن ابي‌جعفر7 قال قال المسيح معشر الحواريين لم‌يضركم نتن القطران اذا اصابكم سراجه خذوا العلم ممن عنده و لاتنظروا الي عمله و عن علي بن سيف رفعه قال سئل اميرالمؤمنين7 من اعلم الناس قال من جمع علم الناس الي علمه و عن ابي‌عبداللّه7 ان كلمة الحكمة لتكون في قلب المنافق فتجلجل حتي يخرجها و عن الرضا7 عن آبائه: الهيبة خيبة و الفرصة خلسة و الحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها و لو عند المشرك تكونوا احق بها و اهلها و عن علي بن الحسين8 لاتحقر اللؤلؤة النفيسة ان تجتنبها([4]) من الكبا الخسيسة فان ابي حدثني قال سمعت اميرالمؤمنين7 يقول ان الكلمة من الحكمة ليتلجلج في صدر المنافق نزاعاً  الي مظانها حتي يلفظ بها فيسمعها المؤمن فيكون احق بها و اهلها فيلقفها و اما ما يدل علي ان من كان يخاف عليه لايجوز له الرجوع الي غير الشيعة ففي البحار عن هرون بن خارجة قال قلت لابي‌عبداللّه7 انا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم قال لاتأتهم و لاتسمع منهم لعنهم اللّه و لعن مللهم المشركة انتهي بالجملة انت تطلب الحق الذي من مولاك اينما وجدته اخذته ثم انت احق به و اهله وعن ابي‌جعفر7 ليس عند احد من الناس حق و لا صواب الا شي‌ء اخذوه منا اهل البيت و لا احد من الناس يقضي بحق و عدل و صواب الا مفتاح ذلك القضاء و بابه و اوله و سببه علي بن ابيطالب7 فاذا  اشتبهت عليهم الامور كان الخطاء من قبلهم اذا اخطأوا و الصواب من قبل علي بن ابي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 440 *»

طالب  الي غير ذلك من الاخبار و قد روي ما معناه ان لنا اوعية من العلم نملأها علماً لتحمله اليكم فخذوه فصفّوه و اياكم و الاوعية فتنكبوها فانها اوعية سوء فافهم و تدبر فيما مر.

المطلب السادس

فيما يرجع الى رفيقه و فى هذا المطلب ايضاً مقاصد

الاول: اعلم انه قد جرت عادة اللّه بان يجري الاشياء باسبابها كما روي ابي اللّه ان يجري الاشياء الا باسبابها و سر ذلك انه لما اقتضت العدل و الحكمة ان يخلق اللّه كل شي‌ء هو هو و كثرة الاشياء و تدرجها و ترتبها و تركيبها و تكثرها امتنعت عن قبول الوجود الا بعد حصول اسباب هي بها هي خلق اللّه لكل شي‌ء اسباباً و اجري كل شي‌ء باسبابه و ذلك من نقص المسبَّبات بالفتح لا من نقص المسبِّب بالكسر و عجزه و مثال ذلك اذا كان بدن الانسان بدناً جسمانياً هكذا اذا كان مركباً من عناصر و مربي بدوران افلاك و تربية نجوم و حاصلاً من نطفة ذكر و انثي و مغذي بدم و لبن و ساير الاغذية الي غير ذلك مما به هو هو بحيث لو تخلف واحد من تلك الاسباب لم‌يكن البدن هو هو فلابد و ان يخلق العادل الحكيم اسبابه اولاً اذا اراد ان يخلقه هو هو فلو لم‌يخلق سبباً من تلك الاسباب لماصار هو هو البتة فبذلك ابي ان يجري الاشياء الا باسبابها و لما كان الناقص اي الكامن في القوة لايخرج الي الفعلية و لايكمل الا بذي فعلية كامل يستخرج تلك القوة بفضل كماله من الامكان الي الكون لزم في الحكمة ان يهيئ اللّه لاستخراج القوي الشرعية من امكان الاشخاص الكائنة اسباباً كاملة اي اشخاصاً كاملين في الصفات الشرعية و تلك الاسباب كما بينا هم الانبياء و الرسل و الاوصياء و الحكماء و العلماء و ان كان بعضهم تكمل ببعض و خرج من القوة الي الفعلية ببعض آخر و ينتهي الامر الي امر واحدة شرعي و ما امرنا الا واحدة و هو محمد9 و آله الاطهار الذين هم من نوره و طينته و هم الذين كملوا بانفسهم ثم بهم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 441 *»

تكمل ما سواهم من الانبياء و الاوصياء و الحكماء و العلماء و غيرهم.

بالجملة الحكماء و العلماء بعد ما تكملوا هم من اسباب التكميل فلابد للناقصين ان يتصلوا و يقترنوا بشيخ كامل حتي يشرق علي زيت قوابلهم نار كماله فيتكلس و يشتعل بفضل حرارته و كماله و هدايته و قد جرت العادة بان لايكمل احد بغير هذا الوجه و في الحقيقة طلب الكمال من غير هذا الوجه طلب خرق العادة و هو لايحصل الا للامر الاول الكامل بالنفس و قد قال اللّه عز و جل (ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقي و أتوا البيوت من ابوابها) اي من وجوهها التي جعلها اللّه لها و من رام دخول البيوت من الظهور فهو سارق و بيوت اللّه حصينة منيعة لايمكن السرق منها فبذلك قلنا بوجوب اتصال المرء المستكمل بشيخ كامل و استاد عالم عامل و مرشد فاضل باذل و الا فهو محروم من الكمال مطرود من فيض قرب ذي الجلال البتة.

و من تلك الاسباب اللازمة وجود رفيق يستعين به الانسان اذ الواحد شيطان و قد قيل الرفيق ثم الطريق و سل عن الرفيق قبل الطريق و الوحدة الحق من صفات اللّه جل جلاله و الوحدة الباطل من دعاوي ابليس اللعين في السجين ثم قال اللّه سبحانه (و من كل شي‌ء خلقنا زوجين) و قال الحكماء «كل ممكن زوج تركيبي» و قال الرضا7 ان اللّه لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره و قد آخي رسول اللّه9 بين اصحابه و آخي بينه و بين علي7 و ندب الي المؤاخاة و قال اللّه سبحانه (انما المؤمنون اخوة) و هذا السر جار في كل مفعول و ناقص و دان في التشريع و الاكوان من الدرة الي الذرة فلابد للناقص ان يكون مثني او مثلثاً او مربعاً حتي يقوم و يتكمل بل لابد و ان يكون مثلثاً او مربعاً و غاية الكثرة سبعة و مايزيد سَفْر علي السبعة الا و زاد لغطهم و كثر الاختلاف فيهم و لاينبغي فقد روي عن النبي9 الرفيق ثم السفر و قال7 الرفيق ثم الطريق و قال7 احب الصحابة الي اللّه اربعة و مازاد قوم علي سبعة الا زاد لغطهم و قال7 الاانبئكم بشرّ الناس قيل بلي قال من سافر وحده و منع رفده و ضرب عبده

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 442 *»

و قال7 يا علي لاتخرج في سفر وحدك فان الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين ابعد يا علي ان الرجل اذا سافر وحده فهو غاوٍ و الاثنان غاويان و الثلثة نفر و روي سَفْر و قال7 لعن اللّه ثلثة الآكل زاده وحده و النائم في بيت وحده و راكب الفلاة وحده و عن الصادق7 واحد شيطان و اثنان شيطانان و ثلثة صحب و اربعة رفقاء و روي البائت في بيت وحده و الساير وحده شيطانان و الاثنان لمة و الثلثة انس و عنه7 من صحب اخاه المؤمن في طريق فتقدمه بقدر ما يغيب عنه بصره فقد اشاط بدمه و اعان عليه الي غير ذلك من الاخبار و هي بعضها عامة و بعضها و ان كان مخصوصاً بالسفر الا ان السفر مطلق و السفر الي اللّه و السلوك اليه اعظم الاسفار و اطولها و و اهولها و ذلك ان اللّه سبحانه خلق الانسان مدنياً بالطبع و سُمّي الانس انساً لانس بعضهم ببعض و لزوم استيناس بعضهم ببعض فاينما تفرد الانسان و توحد اغتنم عدوه الفرصة و تعلق به و آذاه بما يقدر عليه و قد جعل اللّه الاستيحاش من الوحدة طبيعي الانسان لان الاستيناس و التمدن من ضروريات وجوده كما جعل الجوع في طباعه لان الاكل من ضرورياته حتي ان استصحاب حيوان احسن للانسان من توحده و استصحاب عصا احسن من توحده و يستأنس بعصاه بالطبع حتي ان الشارع آنس الميت بالجرايد لئلايكون وحده فيستوحش و ذلك شي‌ء مجرب حتي ان الحيوان يستأنس بالحيوان و يستوحش من فقده البتة و لولا انه يلزم في وجوده الاستيناس و الانس لماجعل في طباعه بهذه الشدة و كل هذا و لما اعتني الشارع به كل هذا الاعتناء و سر ذلك و حقيقته ان الشي‌ء يتقوي بمثله و يضعف بضده حتي انه خرج من الامكان الي الكون بمشاكل قوي و لايعود الي العدم الا بمنافر قوي الاتري ان الحرارة تخرج من كمون الحديدة بحارّ قوي كالنار فانها تكمل ما فيها من الحرارة الكامنة الضعيفة و اذا استولي عليها البرد يطفي حرارتها و يبطلها و يفنيها فالشي‌ء الموجود بصفة يتقوي بمشاكله و يضعف بضده فهو يحب مشاكله لان به قوة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 443 *»

وجوده و دوامه و يبغض منافره لان به ضعف وجوده و قصر دوامه و سرعة فنائه فاذاً كلما يشتد المشاكلة يشتد التقوي و يشتد الميل و المحبة و الانس و كلما تقلّ تقلّ حتي انه اذا كان المشاكل مشاكلاً من جميع الجهات بحيث لايكون فيه جهة منافرة يبلغ الميل و المحبة و الانس اقصي الغاية و تبلغ رتبة العشق و كلما جاءت منافرة من جهة قلّت المحبة الي ان يبلغ المنافرة في جميع الجهات فيشتد البغض و الوحشة الي اقصي الغاية و من ذلك علم ان المحبة التامة في المشاكلة في الذات و الصفات جميعاً و البغض التام في المنافرة الذاتية و هي التناقض في الوجود و العدم فابغض الاشياء للشي‌ء الموجود العدم و الفناء و المنافرة في الصفات اهون من المنافرة في الذات و في بعض الصفات اهون من كل الصفات فالاستيناس التام للمؤمن العادل العالم بالمؤمن العادل العالم و بالجاهل اقل و بالفاسق اقل و بالكافر اقل لانه في صورة الانسان اقلاً و ان لم‌يكن انسان فحيوان اقلاً للمشاكلة في الحيوانية و ان لم‌يكن حيوان فنبات اقلاً حتي ان الانسان في سفره يستأنس بالاشجار اذا وصل اليها و ان لم‌يكن نبات فجماد اقلاً حتي ان الانسان اذا وصل الي ماء في طريقه يستأنس به لانه مادة الحيوة و لذلك يستأنس الميت بصب الماء علي قبره و بقدر منافرة هذه الاشياء يحصل الاستيحاش فاذا عرفت السرّ و الحقيقة علمت حد الرفيق و من الذي ينبغي ان تصحبه و من الذي يدوم الخلة بينكما و من لايدوم و لنعم ما قال العباس بن الاحنف:

و قائل كيف تهاجرتما فقلت قولاً فيه انصاف
لم‌يك من شكلي فهاجرته و الناس اشكال و الاف

و لو عرفت هذا السر لزال عجبك من ان الناس كيف عدلوا عن الولي الحق الي اولئك الحمير و الثيران فانهم واللّه لم‌يكونوا من جنسه فعدلوا عنه الي جنيسهم و قد قلت سابقاً في اشعار:

لا غرو اذا تخلفوا عنك الجنس الي الجنيس مايل

الثانى: اذا عرفت هذا السرّ فاعلم انك عرفت بعقد عزيمة ايمانك ان

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 444 *»

فيك بعض اعراض مكروهة و شهدت علي نفسك بالانحراف عن نهج الاعتدال فلاينفعك ان تأخذ رفيقاً لك موافقاً لك في جميع الصفات فانه يعين انحرافاتك و ذلك خلاف حكم ايمانك عليك و انما يحكم الايمان ان ترافق من يوافق اهل الحق و حجج اللّه علي الخلق و تصبر علي كراهة الامّارة اياه بقوة ايمانك و تسعي في تغيير اخلاقك بمجاورته حتي تعتدل و توافق الحق في جميع صفاتك و كذلك رفيقك يعتدل بصفاتك المعتدلة فتراعيان في ذلك الحق و تزنان بالقسطاس المستقيم فلاتطلب من يوافقك في كل باب و يزيّن لك ما انت عليه بل اطلب من يزين لك الشرع و يدعوك الي سنة محمد و آل‌محمد: و من تفرد عن مثل هذا الرفيق اي الرفيق الايماني و لم‌يكن له رفيق ايماني يحشر مع اهل ضد الايمان لامحالة و هم الشياطين الذين استولوا عليه و يضلونه و يحرفونه عن الحق و يضعف روح ايمانه بمجاورتهم و مساورتهم و معاشرتهم لا محالة لمكان المضادة و في ضعف الايمان غلبة الشيطان و في نقصان النور غلبة الظلمة لا محالة فقد روي في المجالس عن المفضل بن عمر; قال قـال الصادق جعفر بن محمد8 من لم‌يكن له واعظ من قلبه و زاجر من نفسه و لم‌يكن له قرين مرشد استمكن عدوه من عنقه انتهي، وذلك العدو هو كل من هو خلاف القرين المرشد و غيره فانه غير مناسب للايمان فيكون عديل الشيطان و هذا في الباطن ظاهر و اما في الظاهر فقد قلنا ان الشي‌ء يتقوي بجنسه و يضعف بضده فاذا كان الانسان في سفر و لا انسان معه او في بيت وحده فانه يكون معه من ليس بانسان لا محالة فيضعف انسانيته و يستوحش و يقل نورانيته فيستولي عليه الشيطان الساكن في غير الانسان من ذلك البيت و الجدران و الارض و الفضاء و هكذا الشياطين الذين هم في الفيافي و الحشايش و ان كان البعض اهون من بعض كما ذكرنا بالجملة الشيطان يقرب من الانسان حال كونه وحده و يجتري عليه و اصل وحشة الانسان في الوحدة و خوفه علي نفسه الحاصل من غير المجانس يضعّف بنيته و يشجّع الشيطان عليه و يقوّيه و يجريه و ذلك من المجربات و من لايخاف

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 445 *»

هو آمن من الذي يخاف البتة فينبغي كثرة الذكر في تلك الحال و التوجه الي اللّه و الالتجاء اليه و استشعار انك حاضر بحضرة اللّه و محضر اوليائه و ملئكته و انهم معك حتي تستأنس بهم و يتقوي انسانيتك و نورانيتك و لايستولي عليك الشيطان فقد روي من خرج في سفر وحده فليقل اللهم آنس وحشتي و اعنّي علي وحدتي و ادّ غيبتي و من بات في بيت وحده او في دار او في قرية وحده فليقل اللهم آنس وحشتي و اعني علي وحدتي هـ‍  و انما ذلك لتقوّي جهة انسانيته حتي ينهزم عنها الشيطان و اعلم ان كل احد اذا فقد المجانس المقوّي لصفة يضعف منه تلك الصفة حتي ان الحارث اذا فقد الرفيق يهن عزمه عن الحرث و يتكاهل و يتكاسل عن حرثه و ينسي كثيراً من قوانينه و الصائغ اذا لم‌يجد من يعاضده يكسل عن الصياغة بل ينسي كثيراً منها و هكذا لان تلك الصفة لاتستمد الا من المجانس و ليست تضعف الا من الضد و هو كثير فلابد و ان يضعف فاذاً لابد لطالب العلم ان يكون له رفيق طالب علم حتي يزيد شوقه شيئاً فشيئاً و لو رافق جندياً وهن عزمه عن طلب العلم في ايام قلائل بلا شك و تقوي جنديته لا محالة و كذلك ينبغي ان يكون رفيقه مؤمناً متقياً خالصاً ذا اخلاق زكية و خصال حسنة و نية خالصة حتي يتقوّي في جميع تلك الجهات و لذا قيل ان المرء علي دين خليله فانظر من ترافق و نحن قد كتبنا في ذلك كتاباً منفرداً سميناه بـ«ابواب‌الجنان» و لايقبل نفسي الي التكرير لاسيما و اري الدواعي الي طلب هذه الامور في نفوس الناس قليلة حتي ان الذي انا كاتب الآن لااظن ان يمر عليه احد الا قليلاً من المؤمنين فلذلك لا اقبال لي الي التفصيل الا اني اذكر علي نحو الاختصار فذلكة ما في الاخبار.

فالصفات التي ينبغي ان يكون منزهاً عنها هي اربعون ان لايصف اللّه بما لايليق و ان لايكون جاحداً للحق و منكراً لفضائل آل‌محمد: و الهداة و ان لايكون مفتياً بغير ما انزل اللّه او راغباً عن ذكر آل‌محمد: الي ذكر اعدائهم او صادّاً عن آل‌محمد: بباطله او ناصباً لمواليهم و ان لايكون من اهل البدع او الريب و ان لايكون من اهل التهمة و الريبة و ان لايكون تاركاً للجماعة و اتيان المساجد من غير عذر و غير حافظ لمواقيت الصلوات و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 446 *»

تاركاً للبر بالاخوان و ان لايكون من لاتنتفع بدينه و لا دنياه و ان لايكون فاجراً و لا احمق و كذاباً و ماجناً و ان لايكون بخيلاً و لا قاطع الرحم و ان لايكون عبداً و لا من السفلة و ان لايكون جباناً و لا من الانذال و لا من الاغنياء و لامن النساء و ان لايكون مجذوماً و لا ابرص و لا مجنوناً و لا ولد الزنا و لا الاعرابي و ان لايكون غاشّاً و ان لايكون من الاشرار و ان لايكون محدثاً لا عهد له و لا امان و لا ذمة و لا ميثاق و ان لايكون شارب الخمر و لا صاحب شطرنج و نرد و بربط و طنبور و لا مخنثاً و لا شاعراً يقذف المحصنات و لا عاملاً للتماثيل اجمل لك القول بما اجمله العزيز الجبار (ان اللّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون) وقال (حبّب اليكم الايمان و زيّنه في قلوبكم و كرّه اليكم الكفر و الفسوق و العصيان اولئك هم الراشدون) فمن عرفته كاملاً في صفة مكروهة قوياً فيها فاهرب منها هربك من الاسد و من رأيته قوياً في صفة خير صاحبه فانك تستكمل به و تهتدي بهداه و تنتفع بلقياه هذا هو الميزان القويم المعادل بالميزان المستقيم فطالب العلم لابد له من رفيق متق عادل ذكور فكور مقبل علي شأنه معرض عن اهل زمانه طالب للعلم مشتاق اليه فان كان اسبق منه قدماً فاحسن و احسن و الا فكفاه التسوية و ان عازه ذلك فليكن دوينه و لاتكونن متوحداً فتهلك و تهلك نعوذ باللّه.

الثالث: اذا رأيت رفيقاً صالحاً و استفدت اخاً علي ما وصفنا فاجعله منك بمنزلة نفسك و سمعك و بصرك و يدك فاحفظه و ادّ اليه حقوقه علي ما وصفنا في المطلب السابق آنفاً و اجعله ردأك و عونك علي تحصيل العلم و اعلم انه اعظم حقوقه عليك ان لاتزوي عنه علماً ينتفع به في دينه و دنياه و تواسيه بعلمك فتلقي اليه في غاية الرفق ما حزته من معلمكما و يلقي اليك ما حاز و توقفه علي خطائه و يوقفك علي خطائك فيقبل منك و تقبل منه و اذا اشكل عليكما امر تردانه الي الاستاد ليفتح عليكما و احذر ان تخاصمه في مسألة او تجادله لما يأتي ان شاء اللّه و ان سفه عليك يوماً ما فتحمل منه و اصرفه برفق و لين و لاتنضجر عن صحبته بذلك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 447 *»

فان المعصوم من عصمه اللّه و ليس من الانصاف مطالبة الاخ بالانصاف و هذا القدر ايضاً كاف في امر الرفيق هيهنا اذ قد كتبنا نحن كتاباً مستقلاً في امر الاخوان و سميناه بـ«ابواب‌الجنان» و اللّه المستعان.

المطلب السابع

فيما يرجع الى علمه و فى هذا المطلب ايضاً مقاصد

الاول: اعلم ان حقيقة العلم كمال حاصل للعالم من حضور المعلوم لديه او احضاره كما في رواية هشام بن الحكم عن ابي‌عبداللّه7 قال العلم هو من كماله انتهي و اما قولنا انه حاصل للعالم من حضور المعلوم لديه فلانه مطابق للمعلوم و اما ان كان من احضاره فهو واقع عليه و ليس هيهنا مقام تحقيق هذه المسئلة الا انه لابد من مجمل القول فيها حتي يوضع كل شي‌ء منها في محله.

اعلم ان اللّه سبحانه ذات احدية يمتنع معها ما سواها فلايعقل ان تكون علماً بشي‌ء بل لايعقل ان تكون علماً بنفسها فضلاً عن غيرها اذ هي ذات احدية قدوسة عن الحيوث فان شئت فسمّها علماً و ان شئت فسمها معلومة و لما كان جميع مخلوقاته بامره و مشيته و مشيته بعلمه فعلمه بخلقه كمال له به احضر المعلومات لديه فلم‌يستفد العلم من معلوماته تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيراً فليس علمه تابعاً لمعلومه بل معلومه تابع لعلمه و كذلك حال علم كل علة بمعلوله فعن الكاظم7 بعلمه كانت المشية و عن الصادق7 خلق اللّه المشية بنفسها و خلق الاشياء بالمشية و قال7 فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم الخبر هذا حال علم العالي بالداني و اما حال علم المصاقع بالمصاقع فهو كمال مستفاد من حضور المعلوم يعني لمّا حضر المعلوم لديه و انطبع في مشاعره شبحه صعد الي النفس جوهرية ذلك الشبح فكانت كمالاً  لها مستفاداً و هو صفة حاصلة للنفس مكتسبة من شبح المعلوم و ذلك واضح ان شاء اللّه و جميع ما في ملك اللّه سبحانه علوم له قد كتبها في اللوح و معلوم له (قال

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 448 *»

فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربي في كتاب) و قال (كل شي‌ء احصيناه في امام مبين) و جميع هذه العلوم منطوية تحت ذلك العلم السابق الذي اشرنا اليه علي حذو قول الشاعر:

كثرة لاتتناهي عدداً قد طوتها وحدة الواحد طي

و ذلك العلم السابق اي الكمال الاعظم الاعظم الاعظم هو نقطة العلم التي كثّرها جهّال القوابل و ظهرت في كل قابلية علي حسبها و هي النقطة تحت الباء التي فيها جميع علم الكتاب المشار اليها بالنبوية ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و لايصل الي تلك النقطة وصولاً احد من الخلق لان الخلق كلهم بالمشية و المشية بها فكيف يصل اليها احد فهي العلم الذي لايحيطون بشي‌ء منه الا بما شاء نعم يمكن الوصول الي آيتها التي في حد المخلوقات و معرفة وجهها فالنقطة التي يطلع عليها الخلق انما هي وجه تلك النقطة و آيتها و ظهورها لا غير فلهذه النقطة ملاحظات فمرة ينظر اليها من حيث ذاتها و مرة ينظر اليها من حيث ظهورها و مرة ينظر اليها من حيث مظهرها.

فمن النظر الي ذاتها يحصل للعالم علم البيان و علم الكان و علم الاحدية و علم الظاهر و علم الغيب الاول و علم العماء المطلق و علم الحق و علم الازل و علم الوجوب و علم الغناء و علم الوصال و علم الطي و النفوذ و علم التحير و علم لايتناهي و علم اللاتعين و علم الوجود البحت و امثال ذلك.

و من النظر الي ظهوره يحصل له علم المعاني و السر الامكاني و الامر الاعياني و علم الاطلاق و سر التلاق و علم القوي و علم الاتحاد و علم القبض و البسط و علم الخزائن التي لاتنفد و علم القدرة و الهيمنة و علم الولاية و السلطنة و علم الاختراع و علم الابتداع و علم الالف و علم الواحدية و المعية و علم الرحمانية و علم الازل الثاني و الغيب الثاني و علم التعين الاول و علم اللاهوت و علم الماهوت و علم السرمد و العلم الالهي الخاص و علم اللاكيف و علم الجمع و علم النفي و العدم و علم الموجود و المفقود و امثال ذلك مما لايخفي علي اهله.

و من النظر الي المظاهر تكثر لهم

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 449 *»

العلوم و هنا انشعبت لهم العلوم:

فمن نظرهم الي ذوات الدهريات و حقايقها حصل لهم العلم الالهي بالمعني الاعم و علم الاطوار و الادوار و الاكوار و علم الانوار و الآثار و علم العنوان و علم الاسرار و الاعلان و علم المحبة و الولاية و علم الاسماء و الصفات و علم الحقايق و الهويات و علم الجبروت و الملكوت و الناسوت و علم الكلية و الجزئية و علم الجوهرية و العرضية و علم الثبات و الدوام و علم الحقائق و علم الصور و الرقايق و علم الحل و العقد و امثال ذلك و مـن حيث نظرهم الي صفاتها و حالاتها يحصل لهم علم النشر و الحشر و علم الموت و القبر و علم الصراط و الميزان و علم الجنة و النيران و علم العدل و المجازات و علم عود الكائنات و علم الحساب و الكتاب و الشهود و الغياب و السؤال و الخطاب و علم القصاص و علم الابتلاء و الخلاص الي غير ذلك من العلوم و مـن حيث نظرهم الي طريق اهتداء الفؤاد و استنباطه يحصل لهم علم الحكمة بالمعني الاخص و علم المحبة و علم حق اليقين و علم معرفة اللّه عزوجل و اسمائه و صفاته و انواره و افعاله و علم الحقيقة و علم حقايق الاشياء من حيث الامثلة الملقاة في هوياتها و امثال ذلك و مـن حيث نظرهم الي طريق اهتداء العقل و استنباطه يحصل لهم علم الموعظة الحسنة و علم الرجاء و مشاهدة الفضل و علم الكليات و علم اليقين و علم الطريقة و تزكية الاخلاق و امثال ذلك و مـن حيث نظرهم الي طرق اهتداء النفس و استنباطها يحصل لهم علم المجادلة بالتي هي احسن و علم الجزئيات و علم الخوف و علم التخلية عن الرذائل و العلوم التخيلية و علم المثل و الاشباح و علم المحو و الارتسام و علم مبادي الانطباعات و علم مبادي العلوم اللفظية و علم الحقيقة و الطريقة و الشريعة الرسمية و علم الكلام المعروف و علم الحكمة المعروفة و علم مبادي الاجسام و اوائل الارتسام و علم الجواهر و امثال ذلك.

و من نظرهم الي الاجسام ينشعب لهم علوم لاتحصي كثرة:

فـان نظروا الي طرق وصولهم اليها حصل لهم علم الميزان و علم البرهان و علم المحاورات و المخاطبات و علم المباحث و المناظرات و ان نظروا الي الذوات الشهودية حصل لهم علم المواد و علم القوة و الاستعداد و علم الطبيعيات و الصناعيات و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 450 *»

علم الطبايع و الامزجة و علم القرانات و علم الضم و الاستنتاج و علم التركيب و التوليد و علم الاتصال و الافتراق و المباعدة و التلاق و علم الصعود و النزول و علم الخروج و الحلول و علم الجواهر و الاعراض و علم الموت و الحيوة و علم مبادي الحركات و السكنات و امثال ذلك و ان نظروا الي المقادير حصل لهم علم الرياضي بفروعه من علم المقادير المتصلة و المنفصلة و علم الجسم التعليمي و علم المساحات و علم التأليفات و الايقاعات و علم الحساب و علم استخراج المجهولات و علم الحركات و السكنات و علم الارثماطيقي و علم الهيئة و علم جغرافيا و امثال ذلك و ان نظروا الي الكيفيات حصل لهم علم الفعل و الانفعال و علم الامزجة و علم الانوار و الظلمات و علم الاصباغ و علم الحل و العقد و علم الحر و البرد و التلطيف و التكثيف و الرطوبات و اليبوسات و علم الجذب و الدفع و ما يتعلق بذلك و العلوم الحاصلة من هذا النظر لاتحصي كثرة  و ان نظروا الي الوقت حصل لهم علم الزمان و علوم تحديداته الصناعية و المقادير و علم امتداد ما بين الكون و الفساد و علم الآجال و امثال ذلك و ان نظروا الي المكان حصل لهم علم الاحياز و علم الاوضاع و علم اللبث و الانتقال و علم القرب و البعد و ما يتعلق بآلاته الصناعية و علم الرفع و الخفض و علم العلو و الدنو و امثال ذلك و ان نظروا الي الجهة حصل لهم علم المبدء و المنتهي و علم الحجب و الحكاية و علم العلة و المعلول و السبب و المسبب و علم الفاعل و المنفعل اي الذكر و الانثي و علم القابل و المقبول و امثال ذلك و ان نظروا  الي الرتبة حصل لهم علم تعدد الكرات و علم نضد الموجودات و علم ترتب الكائنات و علم الترقيات و التنزلات و علم الادبار و الاقبال و علم الطفرة و الاتصال و امثال ذلك و ان نظروا الي نسبة الذوات الكاملة الي الناقصة حصل لهم علم الكيمياء و علم التركيبات و علم الترقيات و علم التكميل و الاستكمال و علم ما يحصل من الاقترانات و علم القوي و الفعليات و علم الاسباب و المسببات و علم التمكين و امثال ذلك و ان نظروا الي الانطباعات حصل لهم علوم لاتحصي من علم الاحكام و علم الرمل و علم الحصيات و علم الخيوط و علم الحبّات و علم استنباط الاحكام من المجالس و التكلمات و الاوضاع

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 451 *»

و الاراضي و الجبال و الاودية و الاكتاف و علم النفَس بفتح الفاء و علم الالواح و القيافة و علم الطلسمات و امثال ذلك و مـن نظرهم الي نسب الاوضاع الفلكية و مقتضياتها حصل لهم علم النجوم و علم التقدير و علم الاحكام و علم استنباط الخبايا و الضماير و الدفاين و علم الملاحم و الوقايع و علم المنايا و البلايا و امثال ذلك.

ثم ان نظروا الي الصفات المنفصلة يحصل لهم علوم كثيرة:

فمن نظرهم الي دلالتها يحصل لهم علم اللغة و مـن نظرهم الي هيئاتها و صفة ادائها يحصل لهم علم القراءة و التجويد و مـن نظرهم الي طبايعها و قواها يحصل لهم علم الجفر و علم الاوفاق و علم السؤال و الجواب و علم التصريفات و علم الهيميا و امثال ذلك و مـن نظرهم الي مواد الكلمات و اشتقاقاتها يحصل لهم علم التصريف ومـن نظرهم الي احوال حركاتها و سكناتها و اقتراناتها يحصل لهم علم النحو و مـن نظرهم الي حسن السبك و التأدية و التعبير يحصل لهم علم البيان و المعاني و مـن نظرهم الي تأليف الكلمات و تناسبها و موافقتها للموازين يحصل لهم علم العروض ومـن نظرهم الي كيفية استنباط المعاني منها يحصل لهم علم الاصول اي اصول الفقه وعلم اللحن و المعاريض.

ثم ان نظروا الي اسباب التصفية و الترقي حصل لهم علوم شتي:

فمن نظرهم الي التكاليف السرية يحصل لهم علم الحقيقة و علم المحبة بمقتضي ظاهر هذا العالم و مـن نظرهم الي التكاليف القلبية يحصل لهم علم الطريقة و مـن نظرهم الي تكاليف الاجسام يحصل لهم علم الشريعة و يمكن ان يلحق بهذا النظر و يتفرع عليه علم الكيميا و ساير الصنايع كأخذ الجواهر و تنقية المعادن و النباتات و ساير الجمادات و امثال ذلك.

ثم ان نظروا الي تدابير المقترنات و المؤتلفات الدنياوية حصل لهم علوم كثيرة: فمن نظرهم الي مصالح الاهل و الاولاد و العبيد و تدبير معاشهم يحصل لهم علم تدبير المنزل و مـن حيث نظرهم الي تدبير المدينة و اسباب الايتلافات بين اهلها حصل لهم علم سياسة المدن و مـن حيث نظرهم الي امالة القلوب و تنفيرها بالسلوك حصل لهم علم عظيم و هو علم المعاشرة و مـن حيث نظرهم الي استمالة القلوب بالكلام حصل لهم علم المحاورات و هو ايضاً علم عظيم شريف لايعلمه الا الاقلون و مـن حيث نظرهم الي طريق التفهيم و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 452 *»

تمكين القوابل و الترقية و التعليم حصل لهم علم البيان و التقرير و هو علم عجيب لايعرفه الا الحكيم الماهر.

ثم ان نظروا الي صلاح الابدان و فسادها و ما يتعلق بها حصل لهم علوم كثيرة:

فان نظروا الي معرفة العقاقير و الادوية حصل لهم علم الصيدلة و ان نظروا الي معرفة طبايعها حصل لهم علم المفردات و ان نظروا الي تراكيبها و موازينها حصل لهم علم القرابادين و المعاجين و الشربات و الحبوب و امثال ذلك و ان نظروا الي تركيبها بحيث تجذب من الافلاك ارواحاً رافعة او خافضة او دافعة او جاذبة او مفرقة او موصلة و امثالها من اشباه المعجزات حصل لهم علم الليميا و ان نظروا الي حفظ الصحة و دفع المرض حصل لهم علم الطب فان تعلق بالجروح حصل لهم علم الجراحة او بالعين حصل لهم علم الكحالة او بتفرق الاعضاء حصل لهم علم الخلع و الكسر الي غير ذلك من فنون الطب.

و ان نظروا الي اسباب استيلاء النفس علي غيرها يحصل لهم علوم كثيرة:

فمن نظرهم الي تسخير ملائكة فلك عطارد و حملته حصل لهم علم السيميا و من نظرهم الي تسخير الارواح السفلية حصل لهم علم العزايم و الاقسام و من نظرهم الي تسخير ذوات الحمة و السموم من الحيوانية و النباتية حصل لهم علم الرقي و المناطر و ان نظروا الي سرعة الحركات و الحيل في اظهار اشباه المعجزات حصل لهم علم الريميا و علم الحُقق و ان نظروا الي ما اودع في النباتات و كيفية تنميتها و ريعها و تغييرها و سرعة انباتها حصل لهم علم الفلاحة و ان نظروا الي كيفية نزول الاشياء في خزائنها و تصورها في كل خزانة علي حسبها حصل لهم علم الرؤيا و التعبير و هكذا يحصل لهم من كل نظر في الجهات الخلقية علوم لاتحصي قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و الانسان اذا وجد فيه الانسانية اي النفس القدسية يلزمها القوة العالمة و هي مشعر كالباصرة التي اذا وجدت يري الانسان بها كل ذي لون و شكل و لايحتاج الي ان يسأل غيره في لون كل شي‌ء و شكله و يعرف جميعها من غير مسألة كذلك اذا حصل في الانسان العالمة فانها قوة دراكة يدرك بها الانسان كلما واجهها و قابلها فالي اي جهة توجه الانسان يعرفها علي ما ينبغي و لايحتاج الي تعلم و لذا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 453 *»

روي ليس العلم بالتعلم و انما هو نور يقذفه اللّه في قلب من يحب كما ان الباصرة نور غير مكتسب فاذا حصل ذلك النور في قلب الانسان يعرف كل شي‌ء توجه اليه.

و احبّ ان اذكر هنا حديثاً رواه البهائي; في كشكوله و الظاهر انه نقله من مشكوة‌الانوار عن عنوان البصري و كان شيخاً كبيراً اتي عليه اربع و سبعون سنة قال كنت اختلف الي مالك بن انس في طلب العلم فلما قدم جعفر بن محمد7 المدينة اتيت اليه فاحببت ان آخذ عنه كما اخذت عن مالك فقال لي يوماً  اني رجل مطلوب و مع ذلك لي اوراد في كل ساعة من ساعات الليل و النهار قم عني لاتشغلني عن وردي و رُح الي مالك و اختلف اليه كما كنت تختلف فاغتممت من ذلك و خرجت من عنده و قلت في نفسي لو تفرس في خيراً لما زجرني عن الاختلاف اليه و الاخذ عنه فدخلت مسجد النبي9 و سلمت عليه ثم رجعت من الغد الي الروضة و صليت فيها ركعتين و قلت اسألك يا اللّه ان تعطف عليّ قلب جعفر بن محمد و ترزقني من علمه ما اهتدي به الي الصراط المستقيم و رجعت الي داري مغتماً و لم‌اختلف الي مالك بن انس لما شرب قلبي من حب جعفر7 فماخرجت من داري الا للصلوة المكتوبة حتي عيل صبري فلما ضاق صدري تنعّلت و تردّيت و قصدت جعفراً7 فلما حضرت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال ما حاجتك فقلت السلام علي الشريف فقال هو قائم في الصلوة فجلست بحذاء بابه فمالبثت الا يسيراً اذ خرج خادم آخر فقال ادخل علي بركة اللّه فدخلت و سلمت عليه فردّ عليّ السلام و قال اجلس غفر اللّه لك فاطرق ملياً ثم رفع رأسه و قال ابو من قلت ابوعبداللّه قال ثبت اللّه كنيتك و وفقك لكل خير فقلت في نفسي لو لم‌يكن من زيارته و التسليم عليه الا هذا الدعاء لكان كثيراً ثم رفع رأسه فقال ما مسألتك قلت سألت اللّه ان يعطف عليّ قلبك و يرزقني من علمك و ارجو ان اللّه تعالي اجابني في الشريف ما سألته فقال يا اباعبداللّه ليس العلم بكثرة التعلم انما هو نور يضعه اللّه في قلب من يريد ان يهديه فان اردت العلم فاطلب في نفسك اولاً حقيقة العبودية و اطلب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 454 *»

العلم باستعماله و استفهم اللّه بفهمك قلت يا شريف فقال قل يا اباعبداللّه قلت يا اباعبداللّه ما حقيقة العبودية فقال ثلثة اشياء ان لايري العبد في نفسه فيما خوّله اللّه ملكاً لان العبد لايكون له ملك يري المال مال اللّه يضعه حيث امره اللّه و لايدبر العبد لنفسه تدبيراً و جملة اشغاله فيما  امره اللّه تعالي و نهاه عنه فاذا لم‌ير العبد فيما خوّله اللّه ملكاً هان عليه الانفاق فيما امره اللّه تعالي ان ينفق فيه و اذا فوّض العبد تدبير نفسه الي مدبّره هانت عليه المصايب و اذا اشتغل العبد بما امره اللّه تعالي و نهاه عنه لايتفرغ منها الي المراء و المباهاة مع الناس و اذا اكرم اللّه تعالي العبد بهذه الثلثة هانت عليه الدنيا و المسيس بالخلق فلايطلب الدنيا تكاثراً و تفاخراً و لايطلب عند الناس عزاً و علواً و لايدع ايامه باطلاً فهذا اول درجة المتقين قال اللّه تعالي (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الارض و لافساداً و العاقبة للمتقين) قلت يا اباعبداللّه اوصني قال اوصيك بتسعة اشياء فانها وصيتي لمريد الطريق الي اللّه تعالي و اللّه اسأل ان يوفقك لاستعمالها ثلثة منها في رياضة النفس و ثلثة منها في الحلم و ثلثة منها في العلم فاحفظها و اياك و التهاون بها قال عنوان  ففرغت قلبي فقال اما اللواتي في الرياضة فاياك ان تأكل ما تشتهيه([5]) فانه يورث الحمق و البله و لاتأكل الا عند الجوع فاذا اكلت فكل حلالاً و سم اللّه تعالي و اذكر حديث النبي9 ماملأ  الآدمي وعاء اشد شراً من بطنه فان كان و لابد فثلث لطعامه و ثلث لشرابه و ثلث لنفسه و اما اللواتي في الحلم فمن قال لك ان قلت واحدة سمعت عشراً فقل ان قلت عشراً لم‌تسمع واحدة و من شتمك فقل ان كنت صادقاً فيما تقول فاسأل اللّه ان يغفر لي و ان كنت كاذباً فاسأل اللّه ان يغفر لك و من وعدك بالخيانة فعده بالنصيحة و الدعاء و اما اللواتي في العلم فاسأل العلماء ما جهلت و اياك و ان تسألهم تعنتاً و تجربة و اياك ان تعمل برأيك شيئاً و خذ بالاحتياط في جميع امورك ما تجد اليه سبيلاً و اهرب من الفتيا فرارك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 455 *»

من الاسد و الذئب و لاتجعل رقبتك جسراً  للناس قم عني يا اباعبداللّه فقد نصحت لك و لاتفسد عليّ وردي فاني رجل ضنين بنفسي و الحمد للّه رب العالمين ذكرته بطوله لكثرة محصوله و ان كان من طرق العامة و احاديث الحكمة مؤيدة بالادلة العقلية و المراد من قوله7 و اسأل العلماء اي الائمة و لاتتجاوز نصوصهم الي الترائي و التظني و اعتبارات عقلك كما هو دأب كثير من منتحلي العلم.

الثـانى: اعلم ان العلم علي ما عرفت له اقسام كثيرة و تحصيله للمكلفين علي اقسام فمنها ما هو واجب و منها ما هو مستحب و منها ما هو حرام و منها ما هو مكروه و منها ما هو مباح و لابد و ان نشير الي اقسامه علي نهج الاختصار و علي ما ينبغي ان‌نذكره في هذا الكتاب فلنعنون لها انواعاً.

النوع الاول: هو الواجب و من البين ان العلم الواجب هو الذي لايعذر احد في تركه و بني عليه الاسلام فهو كعلم معرفة اللّه عزوجل بقدر ان يحصل له اليقين بان لجميع العالم صانعاً قديماً احدياً في ذاته كما قال اللّه جل جلاله في كتابه (قل هو اللّه احد) و واحداً في صفاته كما قال (ليس كمثله شي‌ء) و واحداً في افعاله كما قال (هذا خلق اللّه فاروني ماذا خلق الذين من دونه) و قال (اللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‌ء سبحانه و تعالي عما يشركون) و واحداً في عبادته كما قال (من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً) لا شريك له في شي‌ء من ذلك و يعترف بجميع صفاته التي وصف نفسه بها في كتابه و علي السنة رسله صلوات اللّه عليهم اجمعين و ان لم‌يفهم كنهها و ما يبحث الحكماء فيها و اختلفوا فيها فان رسول اللّه9 و الائمة: كانوا يكتفون بها عن من كان يدخل في الاسلام نعم لما كان جميع ما اختلف الحكماء فيها من معارف اللّه سبحانه باطل اقوالهم ينافي الالوهية و الاحدية و القدم و حقها من لوازمها فاذا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 456 *»

عرف منافاة قول للاحدية او القدم يجب عليه الاعراض عنه و القول بما يوافق و لاينافي البتة و لما كان حد الواجب من ذلك حصول اليقين يختلف مراتب مقدار الواجب من تحصيل العلم فانه ربما يحصل اليقين لرجل بشي‌ء لايحصل لغيره به فاذا كان الحد حصول اليقين يجب علي كل مكلف ان يحصل العلم حتي يحصل له اليقين و اذا حصل له اليقين يوماً بدليل ثم دق فهمه و لطف بحيث لم‌يره دليلاً و ارتاب وجب عليه تحصيل دليل آخر و هكذا يجب عليه دائماً تحصيل اسباب اليقين و من اسباب اثبات اليقين العمل بما علم فان العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل و هل يحصل اليقين بغير برهان كما زعم بعضهم ام لا فالظاهر انه لايحصل و الذي يشاهد من سكون بعض القلوب فانما هو من جهة قلة الاعتناء بالدين و عدم الالتفات اليه و الا جبلت القلوب علي عدم السكون علي غير البديهيات و ماخفي عليهم الا بدليل نعم يختلف القلوب في القناعة بالادلة فان غير الملتفت الي الشبهات و الشكوك يقنع ببعض الظواهر و الملتفت اليها لايسكن قلبه اليه ابداً حتي يرفع عن طريقه جميع شوك الشبهات و لذلك قال اللّه سبحانه (ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن) و وبّخ قوماً و قال (و من الناس من يجادل في اللّه بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير) و طلب البرهان من قوم و قال( قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فجعل آية الصدق البرهان و لذلك روي في الكافي بسنده عن ابي‌الحسن موسي7 قال يقال للمؤمن في قبره من ربك قال فيقول اللّه فيقال له ما دينك فيقول الاسلام فيقال من نبيك فيقول محمد فيقال له من امامك فيقول فلان فيقال له كيف علمت بذلك فيقول امر هداني اللّه له و ثبتني عليه فيقال نم نومة لا حلم فيها نومة العروس الي ان قال و يقال للكافر من ربك فيقول اللّه ربي فيقال من نبيك فيقول محمد فيقال ما دينك فيقول الاسلام فيقال من اين علمت ذلك فيقول سمعت الناس يقولون فقلته فيضربانه بمرزبة الخبر و قال الصادق7 دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين اللّه ليس له برهان و لعلي نقلته بالمعني فعلم من ذلك انه لاينفع ان يكون

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 457 *»

الانسان امّعة و يجب ان يكون علي بصيرة و هداية و هو الذي له علي عقد دينه برهان يسكن قلبه و يثبت عليه و محض ان الناس كانوا يقولون بذلك فقلت به لاينفع و لايكون ايماناً بل سماه كافراً مع شهادته بالحق.

و كذلك يجب معرفة النبي9 و معرفة كونه واسطة بين اللّه و بين خلقه و انه معصوم مطهر من كل ذنب صادق مصدق علي اللّه سبحانه في جميع ما جاء به و ان له جميع الفضائل التي اعترف بها الشيعة او دل عليه الكتاب و السنة الجامعة او دل عليه الدليل القاطع و انه معصوم من الخطاء و السهو و النسيان و الصفات الرذيلة و ما اجمعت الشيعة علي تنزهه عنه او دل عليه الدليل القاطع.

و كذلك يجب معرفة الائمة: علي حذو معرفة النبي9 فانهم مثله الا في النبوة.

و كذلك يجب الاعتراف بالمعاد و لو بمحض تقليد الحجج: و يجب الاعتراف بجميع ما نطق به الكتاب و السنة من امر المعاد و ما يتعلق به من الصراط و الميزان و الحساب و الكتاب و غير ذلك و ان لم‌يعرف عللها و حقايقها.

و كذلك يجب الاقرار بظهور القائم عجل اللّه فرجه و رجعة آل‌محمد: و لو تقليداً للحجج: و يجب الاعتراف بجميع ما نطقوا به من امرهما و لو اجمالاً و يجب معرفة فقه الشرايع و السنن الواجبة الواردة عن الشرع و معرفة المحرمات الواردة بل بعض المستحبات و المكروهات فانه لايجوز ترك جميع المستحبات و فعل جميع المكروهات فانه مؤدّ الي الاستخفاف و عدم الاعتناء بالشرع و ان لم‌يمكن معرفة الواجبات و المحرمات الا بالفحص في ساير المستحبات و المكروهات لاجل التمييز بينها وجب الكل من باب المقدمة.

و كذا يجب معرفة ما يتوقف عليه العلم بهذه الامور من باب المقدمة و لايجب علي المكلف عيناً علم غير ذلك و بذلك كان يكتفي رسول اللّه و الائمة: من الامة و يجرون علي العالم بها احكام الاسلام و الايمان.

و يجب كفايةً تحمل علم جميع اصول الدين و فروعها لحفظ ثغر الدين عن الشياطين و دفع شبهات المشبهين و تاويل الجاهلين و انتحال المبطلين و اضلال المضلين و حفظ قلوب المستضعفين و لولا هؤلاء لمابقي احد الا ارتد عن

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 458 *»

الدين كما مر في الخبر و يجب تصدي قوم بذلك حتي يبلغ من كتب له هذا المقام اذ لولا تصديهم لمايعرف اول مرة من هو القابل لهذا المقام و كذلك يجب كفاية علم الفقه و الاحكام الشرعية للقضاء و الفتياء بين الناس و اجراء الاحكام في زمان الغيبة اذ في زمان الظهور يكون الامام هو المرجع و يمكن القول بالوجوب الكفائي لاهل البلاد البعيدة اذ لولا هؤلاء لم‌يقم للمسلمين سوق و لم‌يخضرّ للاسلام عود و لما استقر مدينة الاسلام و كذلك يجب تصدي الكل بذلك ان لم‌يكن واصل بالغ حتي ينال من كتب له درجته اذ لايعرف من هو اهل تلك الدرجة و يدل علي ذلك قوله تعالي (فلولانفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) و الآيات الدالة علي تصدي من يستجمع الشرايط للامر بالمعروف و النهي عن المنكر كقوله تعالي (ولتكن منكم امة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر اولئك هم المفلحون) و في الوسائل بسنده عنهما8 ويل لقوم لايدينون اللّه بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و عن ابي‌الحسن الرضا7 لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر او ليستعلن عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلايستجاب لهم و عن ابي‌جعفر7 في حديث ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرايض الخبر و سئل ابوعبداللّه7 عن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أواجب هو علي الامة جميعاً فقال لا فقيل له و لم قال انما هو علي القوي المطاع العالم بالمعروف عن المنكر لا علي الضعيف الذي لايهتدي سبيلاً الي ايّ من ايّ يقول من الحق الي الباطل و الدليل علي ذلك كتاب اللّه عزوجل قوله (و لتكن منكم امة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر) فهذا خاص غير عام كما قال اللّه عزو جل (و من قوم موسي امة يهدون بالحق و به يعدلون) و لم‌يقل علي امة موسي و لا علي كل قومه و هم يومئذٍ امم مختلفة و الامة واحد فصاعدا كما قال اللّه عز و جل (ان ابرهيم كان امة قانتا للّه) يقول مطيعا للّه عز و جل و ليس علي من يعلم ذلك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 459 *»

في هذه الهدنة من حرج اذا كان لا قوة له و لا عدد و لا طاعة و سئل ابوعبداللّه7 عن الحديث الذي جاء عن النبي9 ان افضل الجهاد كلمة عدل عند امام جاير ما معناه قال هذا علي ان يامره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه و الا فلا  الي غير ذلك من الاخبار الجارية في هذا المضمار و عن ابي‌الحسن موسي بن جعفر8 في حديث طويل لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقد و لا علم الا من عالم رباني و كذلك يدل علي ذلك مطلقات تدل علي فرض العلم كما قال7 طلب العلم فريضة علي كل مسلم الا و ان اللّه يحب بغاة العلم و قال7 اطلبوا العلم و لو بالصين فان طلب العلم فريضة علي كل مسلم و قال علي7 ان طلب العلم اوجب عليكم من طلب المال ان المال مقسوم بينكم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه و سيَفي لكم و العلم مخزون عليكم عند اهله و قد امرتم بطلبه منهم فاطلبوه و عنه7 سمعت رسول اللّه9 يقول طلب العلم فريضة علي كل مسلم فاطلبوا العلم من مظانه و اقتبسوه من اهله الخبر و كان حديث طلب العلم فريضة علي كل مسلم كالمتواترات المعنوية و قال ابوعبداللّه7 طلب العلم فريضة وقال7 طلب العلم فريضة في كل حال و قال7 تفقهوا في الدين فان من لم‌يتفقه منكم في الدين فهو اعرابي ان اللّه يقول في كتابه (ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) و قال عليكم بالتفقه في الدين و لاتكونوا اعراباً فانه من لم‌يتفقه في دين اللّه لم‌ينظر اللّه اليه يوم القيمة و لم‌يزك له عملاً و قال7 لوددت ان اصحابي ضربت رءوسهم بالسياط حتي يتفقهوا وقال7 لا خير فيمن لايتفقه من اصحابنا يا بشير ان الرجل منهم اذا لم‌يستغن بفقهه احتاج اليهم فاذا احتاج اليهم ادخلوه في باب ضلالتهم و هو لايعلم  الي غير ذلك من الاخبار و هي آمرة لعامة الخلق بطلب العلم مطلقاً و دائماً

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 460 *»

و علي كل حال و لو ابقينا الاخبار و الآيات علي اطلاقها و علي حقيقتها لاتصح الا علي معني الكفاية و يجب ابقاؤها ما كان له مخرج فذلك في المسائل العلمية كلها من باب الكفاية و خاطبوا الكل بذلك لانه يجب علي الكل المبادرة الي طلب العلم ما لم‌يقم احد باعبائه و اذا قام قوم به او طائفة سقط عن الباقي للاجماع علي عدم وجوبه علي الكل عيناً و يختص كل نفس بعد بما يجب عليه في نفسه بالجملة ما ذكرناه هو الواجب من العلم.

النوع الثانى: العلم المستحب فهو ساير علوم آل‌محمد: اذا قام بها احد بين الامة و كان لها حامل فان في العلم فضلاً لايضاهي حتي انه قال اللّه تعالي (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات) و عن النبي9 فضل العالم علي العابد كفضلي علي ادناكم انتهي و كفاك بذلك فخراً و هو علي اقسام كما ورد عنهم في تفسير القرآن باقسامه و ما ورد عنهم في العلم الالهي و في معرفة مقاماتهم و فضائلهم و في معرفة الاحكام الشرعية و ما ورد عنهم في علم الحقيقة و في علم الطريقة و علم حقائق الاشياء بالجملة هذه العلوم كلها مستحبة و ما وجد من علم حق مؤيد بكتاب او سنة او اجماع العقلاء فذلك ايضاً اخذه من المستحبات لما روي عن علي7 العلم ضالّة المؤمن و قد مر ما يدل عليه فاينما يجده يأخذه لانه احق به و اهله و هو له و منه و اليه و كلما كان في ايدي الناس من حق فهو من آل‌محمد: و اليهم فيستحب اخذ ذلك ايضاً و عن اميرالمؤمنين7 علّموا صبيانكم ما ينفعهم اللّه به لايغلب عليهم المرجئة برأيها و عن ابي‌عبداللّه7 قال تعلموا العربية فانها كلام اللّه الذي كلّم به خلقه و نطق به للماضين و روي تعلموا العربية فانها كلام اللّه الذي يكلم به خلقه.

النوع الثالث: العلم المحرم فهو كل علم لم‌يخرج من بيت آل‌محمد:

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 461 *»

ظاهراً او لم‌يوافق ما خرج عنهم فانهم: اصل كل خير و من فروعهم كل برّ و اعداؤهم اصل كل شرّ و من فروعهم كل فاحشة فعن هرون بن خارجة قال قلت لابي‌عبداللّه7 انا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم قال لاتأتهم و لاتسمع منهم لعنهم اللّه و لعن مللهم المشركة انتهي  فاذا كان هذا حكم سماع الحديث منهم فما ظنك بساير كتبهم و ساير بدعهم التي اهلكوا بسببها الاسلام و خربوا بناء الايمان و عن ابي‌عبداللّه7 انه قيل له اني سمعتك تنهي عن الكلام و تقول ويل لاصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد و هذا لاينقاد و هذا ينساق و هذا لاينساق و هذا نعقله و هذا لانعقله فقال ابوعبداللّه7 انما قلت ويل لهم ان تركوا ما اقول و ذهبوا الي ما يريدون و ذكر مؤمن‌الطاق عنده7 فقال بلغني انه جدل قيل اجل قال اما لو شاء طفل من مخاصميه ان يخصمه فعل قيل كيف قال يقول اخبرني عن كلامك هذا من كلام امامك فان قال نعم كذب علينا و ان قال لا قال له كيف تتكلم بكلام لايتكلم به امامك و قال ابوعبداللّه يهلك اصحاب الكلام و ينجو المسلمون ان المسلمين هم النجباء و كتب الي ابي‌الحسن7 انه روي عن آبائك: انهم نهوا عن الكلام في الدين فتأول موالوك المتكلمون بانه انما نهي من لايحسن ان يتكلم و من يحسن ان يتكلم فلم‌ينهه فهل ذلك كما تأوّلوا ام لا فكتب7 المحسن و غير المحسن لايتكلم فيه فان اثمه اكبر من نفعه و عن ابي‌عبداللّه7 متكلموا هذه العصابة من شرار من هم منهم و عن ابي‌جعفر7 اياك و اصحاب الكلام و الخصومات مجالستهم فانهم تركوا ما امروا بعلمه و تكلفوا ما لم‌يؤمروا بعلمه حتي تكلفوا علم السماء و عنه7 تكلموا في خلق اللّه و لاتتكلموا في اللّه فان الكلام في اللّه لايزداد صاحبه الا تحيراً و قال ابوعبداللّه7 ان اللّه يقول (و ان الي ربك المنتهي) فاذا انتهي الكلام الي اللّه تعالي فأمسكوا و قال لرجل ان الناس لايزال بهم المنطق حتي يتكلموا في اللّه فاذا سمعتم ذلك فقولوا لا اله الا اللّه الواحد الذي ليس كمثله

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 462 *»

شي‌ء و قال7 من نظر في اللّه كيف هو هلك و قال7 المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار و عن علي7 من تعلم شيئاً من السحر قليلاً  او كثيراً فقد كفر و كان آخر عهده بربه و حده ان يقتل الا ان يتوب انتهي.

و كذلك علم الغنا فانه محرم لايجوز تحصيله و تعليمه كما رواه في الوسائل انه حمل ثمن مغنيات الي ابي‌الحسن7 فقال لا حاجة فيه ان هذا سحت و تعليمهن كفر و الاستماع منهن نفاق و ثمنهن سحت و عن ابي‌عبداللّه7 انه سئل عن بيع الجواري المغنيات فقال شراؤهن و بيعهن حرام و تعليمهن كفر و استماعهن نفاق انتهي و كذلك علم النجوم مؤمناً باستقلالها فقد روي عن ابي‌عبداللّه7 المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون و المغنية ملعونة و من آواها ملعون وآكل كسبها ملعون و في حديث ان رسول اللّه9 نهي عن اتيان العرّاف و قال من اتاه و صدّقه فقد برئ مما انزل اللّه عزوجل علي محمد انتهي فعن بعضهم انه المنجم و عن بعضهم انه الكاهن و قيل انه الذي يخبر عن الماضي و الكاهن يخبر عن الماضي و المستقبل.

و كذلك علم القمار للكتاب و السنة و كذلك تعليم اشعار و عبارات فيها هجاء المؤمنين و تزيين الفحشاء و المنكر و تحثيث عليهما و ترغيب فيهما و كذلك تعلم احاديث اليهود و النصاري لتغزير العلم و تكثير الحديث لانه روي انه في الدرك الخامس من النار و يعلم من ذلك ان علوم الفلاسفة و اليونانيين و ساير النصاري او المجوس او الهنود او الصوفية او العامة و النواصب لاجل تغزير العلم و تكثير الحديث و اظهار الفضل حرام محرم و هو الشايع في زماننا هذا نعوذ باللّه و كذلك علوم العامة التي وضعوها مأخذاً لاستنباط الاحكام اذ اعرضوا عن آل‌محمد: و احتاجوا الي المأخذ فوضعوها كالقواعد الاصولية غير المنصوصة و القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و الآراء المردية و ساير المآخذ المبدعة فذلك كلها حرام محرم تعليمه و تعلمه.

و ان قيل ربما يتعلم ذلك لاجل الرد عليهم فذلك تخصيص للنصوص بالعقل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 463 *»

فانه اذا ظهر بطلان اصل ملة لايحتاج الي رد فروعها و بهذا التخصيص تعلم بعضاً و حصل الشبهة في ذهنه فاجريها في مذهب الحق فكل ما ليس عن آل‌محمد هو باطل لايجوز ان يحوم حوله و عمود ذلك كله ان كل علم فيه صرف عن الحق او حمل علي باطل و هو فاسد و باطل فهو حرام محرم تعليمه و تعلمه و يدل علي ذلك قول الصادق7 في حديث انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي‌ء منها الفساد محضاً نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهو به و الصلبان و ما اشبه ذلك من صناعات الاشربة الحرام و ما يكون منه و فيه الفساد محضاً و لايكون منه و لا فيه شي‌ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجر عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها الا ان تكون صناعة قد تنصرف الي جهات المنافع و ان كان قد يتصرف بها و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به و يحرم علي من صرفه الي غير وجه الحق و الصلاح الخبر.

و من ذلك يعلم ان كثيراً من العلوم المحللة اذا قصد بتعلمها الرياسات الباطلة او المجادلات المحرمة و المراء و الخصومات او الرياء و السمعة كلها حرام محرم من تلك الحيثية و ما قيل من ان تعلم السحر و الكهانة و بعض العلوم الغريبة واجب كفائي لدفع من يتنبي او يدعي امامة فهو كلام باطل و عن حلية الاعتبار عاطل لان من آمن بان محمداً خاتم الانبياء يعلم انه لايأتي بعده نبي و مدعي النبوة كافر مكذب لمحمد9 فلايحتاج الي رده بسحر مثل سحره و كذلك ائمتنا محصورة لايزيد علي عددهم و القائم عجل اللّه فرجه له علامات لاتخفي و اما مدعي الارشاد و الشيخوخة فميزان حقيته الشريعة المقدسة و الاسلام و الايمان و العدالة و التقوي و الزهد و اقتفاء الكتاب و السنة فمن ظهر منه ذلك يجب موالاته و التأسي به و لايحتاج الي تعلم سحر و كهانة و نجوم حتي يعرف صدقه و كذبه و لايفلح الساحر حيث أَتي و ان اللّه لايصلح عمل المفسدين.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 464 *»

النوع الرابع: العلوم المكروهة فقد روي عن ابي‌الحسن موسي بن جعفر8 عن آبائه: قال دخل رسول اللّه9 المسجد فاذا جماعة قد اطافوا برجل فقال ما هذا قالوا علّامة قال و ما العلّامة قالوا اعلم الناس بانساب العرب و وقايعها و ايام الجاهلية و بالاشعار و العربية فقال النبي9 ذاك علم لايضر من جهله و لاينفع من علمه انما العلم ثلثة آية محكمة او فريضة عادلة او سنة قائمة و ماخلاهن فهو فضل وعنه عن آبائه: قال قـال رسول اللّه9 من انهمك في طلب النحو سلب منه الخشوع و قيل لابي‌عبداللّه7 ان الناس يقولون ان النجوم لايحل النظر فيها و هي تعجبني فان كانت تضرّ بديني فلا حاجة لي في شي‌ء منه يضر بديني و ان كانت لاتضر بديني فواللّه اني لاشتهيها و أشتهي النظر فيها فقال ليس كما يقولون لاتضر بدينك ثم قال انكم تنظرون في شي‌ء منها كثيره لايدرك و قليله لاينتفع به   انتهي، وهذا الخبر يدل بدلالة التنبيه علي ان كل علم لايدرك كثيره و لاينفع قليله مكروه ما لم‌يكن منهياً عنه نهي حرام كعلم الرمل و الجفر و الزجر و التفألات و القيافة و الحصيات و علم اوضاع الجبال و التلال و الخيوط و الحبات و الكتف و النفس و امثال ذلك كلها مكروه مرغوب‌عنه لان كثيره لايدرك فضلاً عن كله و قليله لايعتمد عليه و لايحصل اليقين منه و الاستدلال علي الواقع فلا فائدة فيه لأغلب الناس الا صرف العمر و الاشتغال به عن الطاعات و العبادات و الذكر و كلها احاديث لهو يترك القلب قاسياً اللهم الا لحكيم يستدل بالقليل منه علي ساير المطالب و يحصل منه العلم بارتباط بعض العالم ببعض و ينظر فيها من حيث انها آيات الآفاق و ينظر فيها من حيث الامثلة الملقاة في هوياتها فذلك ينتفع بقليله لحصول المقصود له من قليله و عدم التهائه عن ذكر اللّه فمن ذلك النظر تدخل هذه العلوم و امثالها في باب العلم المستحب لقوله تعالي (قل انظروا ما ذا في السموات و الارض) و امثالها من الآيات و الاخبار الدالة علي الفكر و النظر و الاعتبار.

و اما النجوم فقد قلنا بكراهته اذ لم‌يكن عن ايمان بالنجوم و الا فيحرم فهو

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 465 *»

ايضاً مكروه للمنجمين و اما للحكيم المعتبر فهو مستحب كساير الآيات و كذلك يكره علم الصناعات الملهية عن اللّه المغفلة عنه و علم الاشعار و دواوين الشعراء و كتب اهل الادب و امثالها و اساطيرهم لقول علي7 كلما الهي عن ذكر اللّه فهو ميسر و لما مر و لما روي عن النبي9 لان يمتلي جوف الرجل قيحاً خير له من ان يمتلي شعراً انتهي اللهم الا ان يتعلمه لكسب الحلال و لايكون مما نهي عنه كعمل التصاوير و امثالها.

النوع الخامس: العلوم المباحة فكل علم يكتسبه الانسان مما ينتفع به في معاشه و يقوم به امر المدينة كالحساب و الكتاب و امثالها لقول الصادق7 كلما يتعلم العباد او يعلمونه غيرهم من اصناف الصناعات مثل الكتابة و الحساب و التجارة و الصياغة و السراجة و البناء و الحياكة و القصارة و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير ما لم‌يكن مثل الروحاني و انواع صنوف الآلات التي يحتاج اليها العباد منها منافعهم و فيها بلغة حوائجهم فحلال فعله و تعليمه و العمل به و فيه لنفسه او لغيره  الخبر، ومن هذا الباب علم الصيدلة و الطب و الكحالة و الجراحة و علم اتخاذ جواهر العقاقير و الادوية و علم الكيميا و امثال ذلك فكلها مباحة و لربما يدخل في المستحب اذا كان الغرض الاعتبار و النظر في آيات اللّه و مشاهدة الآثار و امثال ذلك و نحن و ان لم‌نستوف هنا ذكر اصناف العلوم لكن ذكرنا دستوراً علي نحو التمثيل يعرف به ساير العلوم و فيه الكفاية ان شاء اللّه.

الثـالث: اعلم انه ربما يعرض في بعض القلوب من وسوسة ابليس ان النبي9 و الائمة: لم لم‌يأتوا بهذه التسهيلات التي ظهرت في آخر الزمان في المكاسب من الفلكات و المنجنقات التي يعملها الافرنج لتسهيل انواع المكاسب من الحياكة و الخياطة و الصياغة و غيرها من الصنايع العجيبة و الآلات الغريبة التي ظهرت في آخر الزمان من طول الافكار و التجارب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 466 *»

و كذا التسهيلات العلمية في الرياضيات و الطبيعيات و استخراج هذه الغرائب منها و لم لم‌يعلّموا رعيتهم ذلك و كيف ظهر هذه البدايع من الافرنج و ساير الكفار ما اعجب اصحاب الانظار حتي انه ربما يوسوس انهم لعلهم ربما ماكانوا يعلمونه نعوذ باللّه و  القوم غافلون انهم سلام اللّه عليهم همتهم صرف القلوب الي اللّه سبحانه و الي الزهد في الدنيا الدنية و التوجه الي الآخرة و ازواء الامور الرائقة المعجبة عن الامة لئلايلتهوا بها عن اللّه و عن ذكره كما التهي به هؤلاء و انهم سلام اللّه عليهم الفقر خير عندهم من الغني للناس و المرض خير عندهم لهم من الصحة و البلاء عندهم خير لهم من العافية و العجز خير عندهم من القدرة و التعسير خير عندهم من التيسير و لذلك قال رسول اللّه9 خير الامور خيرها عاقبة و ما قل و كفي خير مما كثر و الهي و قال اللّه تعالي (ان الانسان ليطغي ان رآه استغني) و لذلك تري شدة رياضتهم في المأكل و الملبس و كثرة صيامهم و قيامهم و امرهم بذلك و انهم لم‌يأتوا ليشغلوا الخلق بالدنيا بل ليصرفوهم و ان الدنيا بجميع اقاليمها لايسوي عندهم جناح بعوضة فكيف كان يجوز ان يعلّموا الناس مايلهيهم عن ذكر اللّه و عن الصلوة بل مرادهم ان يكتفي الناس بالبلغة من جميع امور الدنيا و من تدبر في سيرتهم يعرف انهم كانوا يشنأون هذه الامور و يشنأون من يلتهي بها و يقلونه و احب الناس لديهم من يكتفي بالقوت من المأكل و الساتر من الملبس و الظل من المسكن ألم‌تسمع ان النبي9 كان علي باب بيته ستر فيه بعض التصاوير فقال لبعض نسائه غيّبيه عني فاني كلما رأيتها ذكرت الدنيا و زخارفها و ذكرنا في المجلد الاول من زهدهم و رياضتهم ما يتعجب منه المتعجب و ان الناس لما افكوا عن سيرة الانبياء و الاولياء اشتغلوا بهذه الملاعب و هذه الزخارف و خير الكسب ما يقوتك و خير العلم ما يرغّبك في الآخرة و ما سواهما كله من وساوس الشيطان و اغوائه و الهائه فاياك ان ترخص لنفسك في هذه الوساوس.

و لربما يوسوس الشيطان ايضاً لطلاب العلم المتحيرين في كثرة اختلاف الحكماء في اصول العقايد و اختلاف العلماء في اصول الفقه و في المسائل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 467 *»

الفقهية و كثرة التنازع بين العلماء حتي انهم جعلوا امرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون ان النبي9 او الائمة: لم لم‌يصنفوا كتاباً في السنة كما انزل اللّه كتاباً و لو انهم صنفوا كتاباً مستقلاً في العقايد و الفقه و كان بين الامة متواتراً كالقرآن مقبولاً عند الكل كان يجتمع عليه جميع الامة و لم‌يقع بعد اختلاف بينهم بل اكتفي النبي9 بذكر حديث بعد حديث في مجالس شتّي لرجل بعد رجل لحافظ و ناسٍ و ساه و بذلك قد كثر عليه الكذابة و لو انه صنف كتاباً و اشاعه في عصره لتواتر حتي انه لم‌يجمع القرآن في عصره و كان عند كل احد سورة او آية و كذلك الائمة مع رؤيتهم الاختلاف و كثرة الكذابين و دس الداسين و تحريف المحرفين و كذب الكاذبين فلم‌يقدموا علي تصنيف كتاب ليتواتر و يزول هذه البلية العامة و يرتفع هذه الجهالة بل ان القائم عجل اللّه فرجه لم‌يلق الي شيعته كتاباً بعد ان عزم علي الغيبة مع علمه بانها تطول و يقع الناس بعده في هذه الطخية العمياء بل لم‌يجعلوا بينهم قواعد متواترة و اصولاً واضحة لا في العقايد و لا في علم اصول الفقه و لا في الفقه و انهم غافلون عن انه لايصلح الناس الا ذلك و لاينبغي الا كذلك.

اما سر عدم وضع النبي9 كتاباً متواتراً بين الامة فانه لو وضع كتاباً لالتجأ الناس الي الاجتماع عليه و لم‌يبق لمنافق مفرّ اذا اراد الاعراض عن الحق الا بالكفر البيّن و هو9 غرضه امور:

احدها وجود المسلك لمن اراد ان يسلك الي الباطل ليهلك من اراد ان يهلك و له مستمسك من ظاهر الاسلام فيذهب حيث يريد و لاينهتك حجاب الاسلام مع ذلك و لايمحو صورة الاسلام عن الامة و ان التدبير الذي ظننتم تدبير الحكيم الفقير لا تدبير الحكيم الغني الذي يريد استنطاق صوامت القوابل و اظهار كوامن القلوب مع عدم هتك الحجاب ففرق الشرع في ايدي الحافظين و الناسين و الساهين و المأولين و المحرفين مع كثرة الكذابين ليكون لكل احد بينة و حجة علي مراده و يهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و بهذا التدبير تفرقوا ثلثاً و سبعين فرقة و الا لاجتمع الكل التجاءً و قهراً و هو غير مقصود الاتري انه حين قال آتوني

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 468 *»

بدواة و قرطاس اكتب لكم كتاباً لن‌تضلوا بعدي و قال ذلك الرجل كلمة الكفر فاعرض عنهم و لم‌يكتب و لو كان غرضه عدم ابقائهم علي الاختيار لماترك جميع الامة بقول كافر كلمة الكفر حتي يضلوا الي ظهور القائم فتبين انه عن عمد و ذلك تدبير الغني الحكيم و كذلك آل‌محمد: لم‌يكتبوا كتاباً لاستخراج الضماير و استنطاق القلوب مع عدم هتك الحجاب.

و الآخر ان لايقع الحق في ايدي الذين يريدون سرعة بوارهم لاجل عملهم و بقائهم علي الباطل و لئلايعرف الشيعة بطريقة مخصوصة فيؤخذ برقابهم و لذلك استفاض عنهم سلام اللّه عليهم ان الاختلاف من قبلهم و ذلك ابقي لهم و انهم تعمدوا ذلك فلو خلّفوا كتاباً بينهم لتواتر و لم‌يحصل هذه الفوائد العظيمة و ذلك ايضاً تقدير الغني الحكيم و الرءوف الرحيم و العزيز العليم و هكذا ينبغي و لاينبغي غيره و هم معصومون مطهرون لايتركون الاولي ابداً و الا كان عندهم كتب موجودة من املاء رسول اللّه9 و خط علي7 فيها جميع ما يحتاجون اليه الي يوم القيمة و قد يرونها بعض الشيعة و مع ذلك لم‌يلقوها اليهم لينتسخوا عليها و يرتفع بها الخلاف من بينهم و فرقوا الدين في ايدي الراوين من الشيعة و الزيدية و الفطحية و الواقفية و السني و غيرهم حفظاً لهم و ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة.

و سر آخر ان النبي او الامام8 لو القيا الي الشيعة كتاباً ناقصاً لكان الامر كما هو اليوم و لو القيا كتاباً جامعاً كاملاً لاستغنت الشيعة عن الاختلاف الي ابوابهم و الرجوع اليهم و في ذلك بوارهم و ان الخير لهم في دينهم و دنياهم ان يروا انفسهم جاهلين محتاجين اليهم دائماً و يرد اليهم ما يجهلونه كما لم‌يغن اللّه خلقه و لم‌يعطهم جميع ما يحتاجون اليه و قال (ان الانسان ليطغي ان رآه استغني) و انزل الكتاب معمي و كان يقدر ان ينزل كتاباً واضحاً جامعاً لجميع ما يحتاجون اليه علي الوضوح فاراد بتعميته ان يروا انفسهم ابداً محتاجة في فهمه الي خلفائه و حملته فلاجل ذلك لم‌يكتبوا هم ايضاً كتاباً جامعاً يستغنون به عن الاختلاف الي ابوابهم فيطغوا و يهلكوا و ذلك لاجل ان الامام يكمل الرعية لا الكتاب و كتاب الطب لايعالج المرضي بل يعالجهم الطبيب المداوي و يجب الرجوع اليه.

و سر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 469 *»

آخر ان الاحكام لاتتناهي و لايمكن احتواء كتاب علي جزئياتها و لو كان كتاب محتوٍ علي الكليات لماقدرت الرعية الناقصون علي استخراج جميع الفروع منها و وقع الاختلاف في الاستخراج كما هو الآن في استخراجهم الفروع من الاصول فلم‌ينفع من هذه الحيثية و كان ساير المضارّ فيه موجوداً.

و سر آخر انه لو كان كتاب واضح مشتمل علي جميع ما يحتاج اليه علي التفصيل لاستوي فيه جميع الرعية و لم‌يبق فيهم تفاوت بين العالم و الجاهل و لم‌يبق فضل لاحد علي الآخر و صلاح الرعية في ان يكون فيهم عالم و جاهل و تابع و متبوع و كبير و صغير فلاجل ذلك جعلوا الاحكام في اخبارهم بحيث يفهمها العلماء العارفون باللحن و المحدَّثون بالفتح دون غيرهم فيضطر غيرهم بالرجوع الي علماء الشيعة و طاعتهم و متابعتهم حتي ينتظم مدينتهم  الي غير ذلك من الاسرار و لو عملت الشيعة اليوم بالاخبار و لم‌تعمل بالآراء الكاسدة و الاهواء المردية لكانت معذورة في الاختلاف فانه شي‌ء القوه بينهم عن عمد كما كانوا في عصرهم يأخذون عنهم و يخرجون من عندهم مختلفين و في ذلك صلاحهم فلايضطربنّ طالب علم من اختلاف الشيعة اليوم و لايزعمنّ انه من نقصان تدبير في السياسة من السايس نعوذ باللّه او ذلك كله من دسّ الداسّين و تحريف المحرّفين حاشا و كلا نعم ليسع في ان يدخل في الاخبار كما امروا و يستخرج منها الاحكام كما قرروا و لايقول في شي‌ء جزئي او كلي من عنده شيئاً و لاحول و لاقوة الا باللّه العلي العظيم و ان اكتفي الشيعي بالاخبار و ترك من عنده النظر و الاعتبار و استند في كل امر الي اثر من الآثار لماوقع الاختلاف الا قليلاً و جل اختلاف فقهائنا من اختلاف انظارهم رضي اللّه عنهم لا من الآثار المروية هذا و قد روي انهم خالفوا بين الشيعة فيما يسعهم الاختلاف كالاخذ بالتقية و بمقتضي الامر و النهي و الاخذ بالرخصة فيهما فانه لا اختلاف حقيقة بينهما اذا كان الامر امر فضل و النهي نهي اعافة غاية الامر انهم اخبروا واحداً بالامر او النهي من غير رخصة و اخبروا واحداً بالرخصة و اجتمعا عندنا فيحسبهما المطلع عليهما انهما مختلفان حاشا و يدل علي ذلك حديث الرضا7.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 470 *»

بالجملة عدم تصنيفهم كتاباً لحكم عديدة منها ما ذكرنا و لاجل ذلك تأمّلنا نحن في كتاب فقه‌الرضا و كتاب بحرالعلوم المنسوب الي الصادق7 و كتاب مصباح‌الشريعة فلو كانت هذه الكتب من تصانيفهم لشاع الامر و ذاع حتي طرق الاسماع و ملأ الاصقاع و لكانت اصح الآثار و ارجح الاخبار بين الشيعة الاخيار و لم‌يختلف فيها علماؤنا الابرار مع ما فيها الآن من طور غير طور الائمة: في ساير كلماتهم بالجملة فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.

الرابـع: اعلم ان الطلاب لايعلمون رسم التعليم و لا رسم التعلم علي ما نشاهد في بلادنا فبعد ما علموا الصبيان الحروف و الاباجاد و علم القراءة يامرونهم في العجم بقراءة كتاب جلستان مثلاً و هو من السنية ثم يأمرونهم بالنصاب و هو من السنية ثم بصرف المير السيد شريف السني ثم بكتاب الزنجاني او التفتازاني و امثالهما ثم بالفية ابن‌مالك و السيوطي و شرح‌الجامي و امثالها و كلها من السنية ثم بالمختصر او المطول و امثالهما في المعاني و البيان ثم بالكبري و امثالها في المنطق و هذه الكتب و امثالها من السنّيّة و كثير منها علي مذهب البصريين اتباع الناقة اعداء اميرالمؤمنين7 و لما كان علي7 بالكوفة و كان اصل علم العربية و قد اخذ عنه اهل الكوفة و مشوا علي منهاجه في الغالب عكس اهل البصرة حنقاً و غيظاً علي علي7 و علي اهل الكوفة و سعوا في ان يقولوا بخلاف ما يقولون و تمسكوا بكل شبهة و خرجوا من كل مخرج و لما كان ميل السلاطين و الحكام الي البصريين اكثر عداوة لامير المؤمنين7 و حنقاً له اشاعوا  آرائهم في اللغة و الصرف و النحو و المعاني و البيان و القراءة و الاصول و غيرها و مال الناس الي آرائهم و انتشر كتبهم و آراؤهم حتي ملأ الاصقاع و طرق الاسماع و هذه هي الكتب التي انتشرت في هذه البلاد التي تلي العراق فلاتخلو هذه الكتب من مخالفة لاميرالمؤمنين7 هذا و الكلام اثر النفس و حيوته ظل النفس و المؤثر منه هو النفس و لاجل ذلك تأثير كل كلام بحسب نفس المتكلم فمن عمل بالكلام اتباعاً لصاحب الكلام فقد عبد صاحب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 471 *»

الكلام كائناً ما كان بالغاً ما بلغ فلو قال الشيطان لك قل لا اله الا اللّه و قلته فقد عبدت الشيطان و ان قال لك الرحمن قل لا اله الا اللّه و قلته فقد عبدت الرحمن و لذا يروي ان الشيطان قال لنبي من الانبياء قل لا اله الا اللّه فقال له كلمة حق لااقولها بقولك فالمعتبر في كل عمل نية الوجه الاتري ان صورة صلوة المرائي مع صلوة المخلص واحدة و صلوة المرائي عبادة شيطان و صلوة المخلص عبادة رحمن و كذلك قول لا اله الا اللّه بطاعة الشيطان كفر و بطاعة الرحمن ايمان و لذا روي من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فمن اخذ بهذه الكتب اتباعاً لمصنفيها فقد عبد الشيطان حقاً كانت او باطلاً و اغلب الناس حتي من بلغ مبلغ الطلاب الكبار يأخذون بهذه الكتب اتباعاً لهم علي انهم هم علماء الفن و هم متبعون مصدقون و هم غافلون عما يلزمهم من ذلك ثم اذا بنوا عليها و هي مشحونة بمخالفات لاميرالمؤمنين يتأكد عبادة الشيطان هذا و للكلام آثار لانطباع مُثُل النفس فيه و لكلام السني اثر لامحالة و يورث قساوة القلب و ضعف الولاية لامحالة و هذا مجرب لاينكر و اثر كل كلام مشاهد محسوس فكما ان مجالسة العامة و حضور مدارسهم يفسد القلب و يورث الشبهات و يضعف الايمان و لذلك نهوا عنها صلوات اللّه عليهم كذلك مطالعة كتبهم و الرجوع اليها و لربما بعض الاستادين و الطلبة يعظمون اصحاب الكتب في مقام الدرس و يكرمونهم و يلقبونهم بالقاب حسنة علي ان العالم ينبغي ان يكرم نعوذ باللّه و يقعون في محذور تكريم من اهانه اللّه و تعظيم من حقره اللّه و كفي به مضادّة للّه و محادّة لرسول اللّه9 و نهانا الامام7 عن مجالسهم و اخذ الحديث عنهم كما سمعت عن هرون بن خارجة قال قلت لابي‌عبداللّه7 انا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم قال لاتأتهم و لاتسمع منهم لعنهم اللّه و لعن مللهم المشركة و سمعت انه قال7 علموا صبيانكم ما ينفعهم اللّه به قبل ان يغلبهم المرجئة بآرائها و روي واللّه لم‌يبق في ايديهم الا استقبال القبلة و روي ما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 472 *»

انتم واللّه علي شي‌ء مما هم فيه و لا هم علي شي‌ء مما انتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنيفية علي شي‌ء.

بالجملة فمن راجع كتبهم من غير نية الاتباع لها فلها اثر صدورها عن تلك النفوس الشقية فان الاثر تابع لصفة المؤثر و ان اخذ بها بنية الاتباع فهو علي ما سمعت من الاخبار عبادة شيطان نعوذ باللّه و لكن من راجعها من غير نية الاتباع بل بنية الاطلاع علي الاقوال و النقد و اخذ الجيد و ترك الردي فلا بأس به للقوي و اما الضعيف فلا و ابيك فالاحسن مراجعة كتب الشيعة المستبصرين مهما امكن للمبتدئين و ان كان القوم يستوحشون من مقالي و لعل منهم من يحسبه كلام سفاهة او خرق اجماع و لكني اعلم من اللّه ما لايعلمون ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‌ء مما تجرمون هذا و هذا هين و سهل و الداء العضال و غاية الاشكال في ساير العلوم العامية التي تعلمها الشيعة و كتبوها في كتبهم اغتراراً باقوالهم فيحسب الناظر انها اقوال الشيعة و علي وفق مذهب الشيعة فياخذ بها اتباعاً لهم و لها تاثيراتها العامية البتة كما جربنا و شاهدنا و نشاهد دائماً ان المراجعين لاخبار آل‌محمد: ارقّ قلوباً و ادوم ذكراً و اكثر زهداً و الين جانباً و ان الذين يراجعون تلك الكتب اخشن جانباً و قولاً و اقل عملاً بالمندوبات و اكثر حرصاً في الدنيا و اجرأ علي انكار الفضائل و اشد تجبراً و هكذا.

بالجملة اذا فرغ المبتدي من المقدمات يشرع في التفسير و لعله يقرأ الكشاف او البيضاوي او ساير التفاسير التي تحكي عن مفسري العامة غالباً ثم يقرأ شرح‌العضدي و امثاله في الاصول او يقرأ في الكلام شرح‌التجريد للقوشجي مثلاً و امثالها و هكذا افتح عينك و انظر ما ذا تري فاذا جمع كثيراً من ذلك يسمي نفسه عالماً ثم يبني علي هذه الاصول الفروع و يحمل اتباعه عليه و الامر للّه العزيز الحكيم بالجملة لولا خوفي من تشنيع المشنّعين لاذنت لجواد اليراعة بجولانين او ثلثة و لكن الكتمان اوسع لي و اسلم و لقد قال اللّه سبحانه في كتابه (و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لايوقنون) وكفاك انه ذهب من ذهب الي آل‌محمد: الي عيون صافية تجري بامر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 473 *»

اللّه لانفاد لها و ذهب من ذهب الي غيرهم الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و تنصبّ الي قعر الجحيم و لعمري يكون عاراً علي آل‌محمد: معادن الحكم و مخازن العلم ان يذهب وليهم او مولاهم و يتكفف علي نواصبهم ليهتدي بهديهم و انهم اجل من ان يحوجوا شيعتهم الي اعدائهم مع نهيهم عن مجالستهم و محادثتهم و مصاحبتهم و الاخذ عنهم و الرد اليهم.

و ان قلت فما طريق التعلم  قلت اما العربية فهي لسان يحصل بالمعاشرة معاشرة العرب في المساجد و الاسواق و المجالس و لست تتبع في تعلم اللسان سنياً و لا شيعياً و ان لم‌يمكن لك المعاشرة فتراجع الكتب بقصد ان تتعلم ما يروونه من العرب لا ما يرونه كما روي في كتب ابن ابي‌عذافر و كتب بني‌فضال خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا و مع ذلك ان كانت الكتب من الشيعة كانت احسن و اولي فما نقلوه عن العرب رواية لا بأس به و لست باخذ الرواية متبعاً لهم و اما دراياتهم فلاينبغي ان تأخذها فانك تتبعهم حينئذ لامحالة فخذ بروايات اهل اللغة و اهل الصرف و النحو و اكتف منها بقدر تعلم الالفاظ و طرق استعمالاتها و اياك و الانهماك فيها و الغوص فيها فتصرف عمرك في اساطير اهل الادب و خزعبلاتهم فكلها احاديث لهو تترك القلب قاسياً فاذا صرت بهذه المنزلة تصير كاحد العرب فيجب عليك حينئذ ان تراجع اخبار آل‌محمد: و تلازم آثارهم في جميع ما يرد عليك و تحتاج اليه في كل حال و تجتنب غيرهم و يدل علي ذلك اخبار كثيرة فعن الحجة7 اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه و عن الصادق7 ان العلماء ورثة الانبياء و ذلك ان الانبياء لم‌يورثوا درهماً و لا ديناراً و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ شيئاً منها فقد اخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و عن ابي‌جعفر الثاني7 من اصغي الي ناطق فقد عبده

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 474 *»

فان كان الناطق من اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقد عبد ابليس و قال ابوعبداللّه7 واللّه لنحبكم ان تقولوا اذا قلنا و تصمتوا اذا صمتنا و نحن فيما بينكم و بين اللّه ماجعل اللّه لاحد خيراً في خلاف امرنا و قال7 حسبكم ان تقولوا ما نقول و تصمتوا عما نصمت انكم قد رأيتم ان اللّه عزوجل لم‌يجعل لاحد خيراً في خلافنا و قال الرضا7 في حديث يا ابن‌محمود اذا اخذ الناس يميناً و شمالاً فالزم طريقتنا فان من لزمنا لزمناه و من فارقنا فارقناه فان ادني ما يخرج به الرجل عن الايمان ان يقول للحصاة هذه نواة ثم يدين بذلك و يبرأ ممن خالفه و قال ابوعبداللّه7 يا معشر الاحداث اتقوا اللّه و لاتأتوا الرؤساء دعوهم حتي يصيروا اذناباً لاتتخذوا الرجال ولايج من دون اللّه انا واللّه خير لكم منهم و ضرب بيده علي صدره و قال7 اياكم و الولايج فان كل وليجة دوننا فهي طاغوت او قال ند و عن ابي‌جعفر7 قال ياجابر انا لوكنا نحدّثكم برأينا و هوانا لكنا من الهالكين و لكنا نحدثكم باحاديث نكنزها عن رسول اللّه9 كما يكنزون هؤلاء ذهبهم و فضتهم و عنه7 لو انا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا و لكن حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينه لنا و قال7 في قوله تعالي (يحل لهم الطيباتاخذ العلم من اهله (و يحرم عليهم الخبائث) و الخبائث قول من خالف و قال ابوعبداللّه7 يغدوا الناس علي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء و قال7 في حديث ان اردت العلم الصحيح فعندنا اهل البيت فانما ورثناه و اوتينا شرع الحكمة و فصل الخطاب و قال ابوجعفر7 كل ما لم‌يخرج من هذا البيت فهو باطل و عن ابي‌عبداللّه7 في الرسالة المعروفة المشهورة اتبعوا آثار رسول اللّه و سنته فخذوا بها و لاتتبعوا اهوائكم و آراءكم فتضلوا فان اضل الناس عند اللّه من اتبع هواه و رأيه بغير هديً من اللّه و قال ايتها العصابة عليكم بآثار رسول اللّه9

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 475 *»

و سنته و آثار الائمة الهداة من اهل بيت رسول اللّه9 من بعده و سنتهم فانه من اخذ بذلك فقد اهتدي و من ترك ذلك و رغب عنه ضل لانهم الذين امر اللّه بطاعتهم و ولايتهم و قال ابوعبداللّه7 دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين اللّه ليس له برهان الي غير ذلك من الاخبار الحاثّة علي الرجوع الي آثار الائمة الهداة سلام اللّه عليهم اجمعين فاذا حصّلت العربية صرت كبعض العرب الذين كانوا في عصرهم و كان الواجب عليهم الرجوع الي آل‌محمد: في كل علم و كل ما يحتاجون اليه و كان يجب عليهم اجتناب اليهود و النصاري و المجوس و المذاهب الباطلة الحادثة في الاسلام و اجتناب الآراء و الاهواء و المقائيس و المصالح فارجع الي آثار ائمتك التي هي خليفتهم بعدهم و خلّفوها بين الرعية و لم‌يتركوها سديً مهملين فغاية ما يراد منك ان تسعي في تصحيح نسبة الاخبار اليهم حتي يحصل في يدك اخبار صحيحة النسبة ثم تسعي في تصحيح معناها و لحديث واحد تاخذه عن صادق خير لك من الدنيا و ما فيها و نحن قد كتبنا طريق تصحيح الخبر في كتبنا «القواعد» و «السوانح» و «علم‌اليقين» و غيرها بما لا مزيد عليه فان شئت فراجعها تجدها وافية كافية ان شاء اللّه.

و اما ساير العلوم المباحة كالحساب و الهندسة و غيرها مما دلائلها محسوسة و ليس ينافي الكتاب و السنة فلا بأس بها اذا حصّلت منها بقدر الضرورة و لم‌تنهمك فيها بحيث تنصرف عما به اصلاح معادك بأن يصير همّك همّاً واحداً فيها و تعرض عن اخبار آل‌محمد: و اما ما كان دلائلها معقولة فاياك و اياها ان تستبد فيها برأي غير المعصوم و تعمل فيها بمؤدي نظرك او نظر غيرك سواء كان علم كلام او حكمة او اصول فقه او فقه او شي‌ء مما وقع فيه الاختلاف فان اللّه يقول (ان تنازعتم في شي‌ء فردوه الي اللّه و الرسول) و قال (و لو ردوه الي اللّه و الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) و قال (فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 476 *»

و يسلموا تسليماً) و اني ماوجدت قوماً هلكوا و ضلوا الا باستبدادهم بعقولهم و تكلانهم علي ادلتهم العقلية و لو انهم رجعوا الي من جعله اللّه عَلَماً بين الخلق و ميزاناً و حَكَماً لآلوا الي الحق و اهتدوا اليه و علة وضع الحكام الحجج رفع النزاع عن مدينة بني آدم و الحكم فيما اختلفوا فيه و لو رضي اللّه عن الخلق بالاختلاف و استبداد كل احد برأيه لمابعث الرسل و لماانزل اليهم الكتب فاي دليل اوضح من بعث الرسل و ارسال الكتب دال علي عدم رضي اللّه سبحانه باستبداد كل احد فاياك ان تعتمد علي رأيك في امر غير محسوس الدليل كائناً ما كان بالغاً ما بلغ و اما محسوس الدليل فلايكاد يقع فيه التنازع وعليه اجماع العقلاء و هو احد ادلة اللّه و حججه بين خلقه و يجوز الاعتماد عليه و فيما ذكرنا من امر العلم و ما يحصله و ما يجتنبه كفاية و بلاغ.

المطلب الثامن

فيما يرجع الى مجادلته و مباحثته و تكلمه فى العلم و فيه مسائل

الاولى: اعلم ان طالب العلم لايخلو اما ان يعلم الحق و هو واصل اليه او يجهله و هو طالب فان كان عالماً بالحق واصلاً اليه فلايحتاج الي الفحص و البحث عن تلك المسئلة لنفسه و اللازم عليه الاعراض عن الفحص ثانياً و صرف العمر فيما لايفيده شيئاً و الاشتغال بالعمل بمقتضاه او طلب ما يجهله اللهم الا ان يطلب منه طالب علم صادق في الطلب فيهديه و يرشده علي حسب ما علم من غير مجادلة و مباحثة او يري احداً مقيماً علي بدعة في تلك المسئلة و هو يحتمل عنده ان يقدر علي ردعه فيأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر بشروطهما و الا فلا امر و لا نهي و ان كان جاهلاً بالحق طالباً له فعليه ان يطلبه ممن يري انه عالم بتلك المسئلة فان اتاه بحق قبل منه و ان اتاه بباطل فلايقبل منه و ان اتاه بشبهة توقف حتي يقوم عليه برهان قيم قال ابوعبداللّه7 امر بين رشده فيتبع و امر بين غيه فيجتنب و امر مشكل يرد حكمه الي اللّه.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 477 *»

و اعلم ان البرهان الذي تلقيه الي خصمك و يجب عليه القبول او يلقيه اليك و يجب عليك القبول هو الآية المحكمة او السنة القائمة او دليل عقل عليه يجمع العقلاء بلا اختلاف او ينتهي الي شي‌ء من ذلك بالبينات فان اتيت بذلك له او اتي بذلك لك وجب القبول بالسمع و الطاعة و لا نزاع بعد في مثل هذا البرهان و ان لم‌تأت به او لم‌يأت فلا سلطان لاحدكما علي صاحبه و لا حجة و اياكما من قول هذا ينقاد و هذا لاينقاد و هذا ينساق و هذا لاينساق و هذا نعقله و هذا لانعقله و هذا مسلم و هذا غير مسلم فان عقولكم ليست بحجة عليكم ما لم‌تكن موزونة بالموازين الالهية و ان اللّه لم‌يبعث الي اهل مدينة حججاً يخالف بعضهم بعضاً و يكفر بعضهم بعضاً و يلعن بعضهم بعضاً و يخطئ بعضهم بعضاً و عقول الرعية هكذا فلاتكون حججاً علي عباد اللّه و لايرفع بها النزاع عن اهل المدينة و لايقوم لهم به سوق ابداً فاياكم ان تشاجروا و تنازعوا و بينكم حكم و انتم قادرون ان تدلوا بنزاعكم اليه و هو ما ذكرت لكم من الكتاب و السنة و ضرورة العقلاء فارجعوا اليها و خذوا بما وافقها و اتركوا ما خالفها و توقفوا عند الشبهات فان اللّه جل جلاله لم‌يحتم في قضائه ان يطلعكم علي كل معلوم فلايبقي لكم مجهول بل مجهولكم اكثر من معلومكم و لو ان الناس علموا ان البرهان هو الكتاب المحكم و السنة القائمة و العقل المجمع‌عليه لماتنازعوا الا في فهم البرهان و هو اقل قليل او ينتهي الي البيّن عن قريب و علي فرض ان لاينتهي فهو من الشبهات و يجب عنده الوقوف حتي ياتينا البيان و لكن بناء العلم في هذا الزمان علي الاخذ فيه بالمتشابهات و الانقياد لكل خيال و الركون الي ما انقطع الخيال لديه و اخذه معتقداً و قد قلّ اهل التسليم للّه و لرسوله و للحجج سلام اللّه عليهم و المسلّمون هم النجباء و اعلم انه لا تكليف الا بالبيان و لا بيان الا بالبرهان و لا برهان الا في القرآن او اخبار حجج اللّه المنّان او اجماع جميع افراد الانسان او ضروري اهل الاسلام و الايمان و ما سوي ذلك شبهات لاينبغي الركون اليها حتي يأتينا البيان من عند الملك المنان و اما ساير المجادلات بالبراهين العقليات فعندي لاتصدر الا عن

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 478 *»

مضطرب في اعتقاده شاكّ في مذهبه فيتحاول تحاول الغريق ليتشبث بكل حشيش دون حبل وثيق او موذ مراء يريد التدليس علي عوام الخلق في انادي الرجال حتي يرتفع ذكره بحل المشكلات و ايضاح المعضلات نعوذ باللّه من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين.

الثانية: اعلم ان مماراة الرجال و مخاصمتهم و مباحثتهم عندي من اعظم الفسوق و هي حرام علي المؤمنين كشرب الخمر و اكل لحم الخنزير و الميتة و قد شاع و ذاع هذا المحرم في كل مسجد و حرم حتي ظنوه عبادة و طلب علم و سموا انفسهم طلاب علم و هم طلاب حطام الدنيا و قد ورد النهي الشديد عن سادة العبيد في ذلك فمنها ما روي عن النبي9 اورع الناس من ترك المراء و ان كان محقاً وعنه9 لعن اللّه المجادلين في دين اللّه علي لسان سبعين نبياً و من جادل في آيات اللّه كفر قال اللّه (مايجادل في آيات اللّه الا الذين كفروا) و عن الرضا7  المراء في كتاب اللّه كفر و عن ابي‌جعفر7 اياك و الخصومات فانها تورث الشك و تحبط العمل و تردي صاحبها و عسي ان يتكلم الرجل بالشي‌ء فلايغفر له و عن الصادق7 اياكم و الخصومة في الدين فانها تشغل القلب عن ذكر اللّه و تورث النفاق و تكسب الضغائن و تستجيز الكذب و عن علي7 لعن اللّه الذين يجادلون في دينه اولئك ملعونون علي لسان نبيه و عن الصادق7 انه قال لاصحابه اسمعوا مني كلاماً هو خير لكم من الدُهم الموقفة لايتكلم احدكم بما لايعنيه و ليدع كثيراً من الكلام فيما يعنيه حتي يجد له موضعاً فرب متكلم في غير موضعه جني علي نفسه بكلامه و لاتمارين احدكم سفيهاً و لا حليماً فان من ماري حليماً  اقصاه و من ماري سفيهاً ارداه و اذكروا اخاكم اذا غاب عنكم باحسن ما تحبون ان تذكروا به اذا غبتم عنه و اعملوا عمل من يعلم انه مجازي بالاحسان مأخوذ بالاجرام و عن رسول اللّه 9 اياكم و الجدال كل مفتون ملقن حجته الي انقضاء

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 479 *»

مدته فاذا انقضت مدته احرقته فتنته بالنار و عن ابي‌عبداللّه7 يهلك اصحاب الكلام و ينجو المسلّمون ان المسلّمين هم النجباء يقولون هذا ينقاد و هذا لاينقاد اما واللّه لو علموا اصل الخلق مااختلف اثنان و عن ابي‌عبداللّه7 اجعلوا امركم للّه و لاتجعلوه للناس فان ما كان للّه فهو للّه و ما كان للناس فلايصعد الي اللّه فلاتخاصموا الناس لدينكم فان المخاصمة ممرضة للقلب ان اللّه قال لنبيه9 (انك لاتهدي من احببت و لكن اللّه يهدي من يشاء) و قال (أفانت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين) و ذروا الناس فان الناس اخذوا عن الناس و انكم اخذتم عن رسول اللّه9 و علي و لاسواء و عنه7 لاتخاصموا الناس فان الناس لو استطاعوا ان يحبونا لأحبونا و عن ابي‌جعفر7 ان شيعتنا الخرس و روي ان رجلاً قال للحسين7 اجلس حتي نتناظر في الدين فقال يا هذا انا بصير بديني مكشوف علي هداي فان كنت جاهلاً بدينك فاذهب و اطلبه ما لي و للمماراة و ان الشيطان ليوسوس الرجل و يناجيه و يقول تناظر الناس في الدين كيلايظنوا بك العجز و الجهل و عن ابي‌جعفر7 اياك و اصحاب الكلام و الخصومات مجالستهم فانهم تركوا ما امروا بعلمه و تكلفوا ما لم‌يؤمروا بعلمه حتي تكلفوا علم السماء الخبر و عن ابي‌عبداللّه7 قيل له اني سمعتك تنهي عن الكلام و تقول ويل لاصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد و هذا لاينقاد و هذا ينساق و هذا لاينساق و هذا نعقله و هذا لانعقله فقال ابوعبداللّه7 انما قلت ويل لهم ان تركوا ما اقول و ذهبوا الي ما يريدون و ذكر مؤمن‌الطاق عنده7 فقال بلغني انه جدل قيل اجل قال اما لو شاء طفل من مخاصميه ان يخصمه فعل قيل كيف قال يقول اخبرني عن كلامك هذا من كلام امامك فان قال نعم كذب علينا و ان قال لا قال له كيف تتكلم بكلام لايتكلم به امامك و قال ابوجعفر7 الخصومة تمحو الدين و تحبط العمل و تورث

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 480 *»

الشك و قال لايخاصم الا رجل ليس له ورع او رجل شاك و قال ابوجعفر يا باعبيدة اياك و اصحاب الخصومات و الكذابين فانهم تركوا ما امروا بعلمه و تكلفوا علم السماء و كتب الي ابي‌الحسن انه روي عن آبائك: انهم نهوا عن الكلام في الدين فتأول موالوك المتكلمون بانه انما نهي من لايحسن ان يتكلم و من يحسن ان يتكلم فلم‌ينهه فهل ذلك كما تأولوا ام لا فكتب7 المحسن و غير المحسن لايتكلم فيه فان اثمه اكبر من نفعه و قال7 لعلي بن يقطين مر اصحابك ان يكفّوا السنتهم و يدعوا الخصومة في الدين و يجتهدوا في عبادة اللّه عزوجل و قال ابوعبداللّه7 لايخاصم الا شاك او من لا ورع له و عن عبداللّه بن سنان قال اردت الدخول علي ابي‌عبداللّه فقال لي مؤمن‌الطاق استأذن لي علي ابي‌عبداللّه7 فدخلت عليه فاعلمته مكانه فقال لاتأذن له عليّ فقلت جعلت فداك انقطاعه اليكم و ولاؤه لكم و جداله فيكم و لايقدر احد من خلق اللّه ان يخصمه فقال بلي يخصمه صبي من صبيان الكتاب فقلت جعلت فداك هو اجدل من ذلك و قد خاصم جميع اهل الاديان فخصمهم فكيف يخصمه غلام من الغلمان و صبي من الصبيان فقال يقول له الصبي اخبرني عن امامك امرك ان‌تخاصم الناس فلايقدر ان يكذب عليّ فيقول لا فيقول له فانت تخاصم الناس من غير ان يأمرك امامك فانت عاص له فيخصمه يا ابن‌سنان لاتأذن له عليّ فان الكلام و الخصومات تفسد النية و تمحق الدين و في البحار سئل الصادق7 عن الخمر فقال قـال رسول اللّه9 ان اول ما نهاني عنه ربي عز و جل عن عبادة الاوثان و شرب الخمر و ملاحاة الرجال و عنه7 من لاحي الرجال ذهبت مروته و عن النبي9 انا زعيم ببيت في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في اعلي الجنة لمن ترك المراء و ان كان محقاً و لمن ترك الكذب و ان كان هازلاً و لمن حسن خلقه و عن ابي‌عبداللّه7 قال من يضمن لي اربعة باربعة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 481 *»

ابيات في الجنة من انفق و لم‌يخف فقراً و انصف الناس من نفسه و افشي السلام في العالم و ترك المراء و ان كان محقاً و عنه7 قال قـال رسول اللّه9 اربع يمتن القلب الذنب علي الذنب و كثرة مناقشة النساء يعني محادثتهن و مماراة الاحمق تقول و يقول و لايرجع الي خير و مجالسة الموتي فقيل له يا رسول اللّه و ما الموتي قال كل غني مترف و عنه7 قال كان علي بن الحسين7 يقول ان المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام في ما لايعنيه و قلة المراء و حلمه و صبره و حسن خلقه و عنه7 اتري هذا الخلق كله من الناس فقال الق منهم التارك للسواك و المتربع في موضع الضيق و الداخل فيما لايعنيه و المماري فيما لا علم له به و المتمرض من (غيرظ) علة و المتشعث من غير مصيبة و المخالف علي اصحابه في الحق و قد اتفقوا عليه و المفتخر يفتخر بآبائه و هو خلو من صالح اعمالهم فهو بمنزلة الخلنج يقشر لحا عن لحا حتي يوصل الي جوهريته و هو كما قال اللّه عزوجل (ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلاً) و من وصية اميرالمؤمنين7 عند وفاته دع المماراة و مجاراة من لا عقل له و لا علم و عن النبي9 اياكم و مشارة الناس فانها تظهر العرّة و تدفن الغرّة و عن ابي‌عبداللّه7 عن آبائه: قال ان من التواضع ان يرضي الرجل بالمجلس دون المجلس و ان يسلم علي من يلقي و ان يترك المراء و ان كان محقاً و لايحب ان يحمد علي التقوي و عن الصادق 7 المراء داء ردي و ليس للانسان خصلة شر منه و هو خلق ابليس و نسبته فلايماري في اي حال كان من كان جاهلاً بنفسه و بغيره محروماً عن حقايق الدين و عن الحسين7 المراء لايخلو من اربعة اوجه اما ان تتماري انت و صاحبك فيما تعلمان فقد تركتما بذلك النصيحة و طلبتما الفضيحة و اضعتما ذلك العلم او تجهلانه فاظهرتما جهلاً و خاصمتما جهلاً  او تعلمه انت فظلمت صاحبك بطلبك عثرته او يعلمه صاحبك فتركت حرمته و لم‌تنزله منزلته و هذا كله محال

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 482 *»

فمن انصف و قبل الحق و ترك المماراة فقد اوثق ايمانه و احسن صحبة دينه و صان عقله و عن الرضا7 لاتمارينّ العلماء فيرفضوك و لاتمارينّ السفهاء فيجهلوا عليك و عن النبي9 اول ما نهاني عنه ربي جل جلاله عن عبادة الاوثان و شرب الخمر و ملاحاة الرجال.

فمن راجع هذه الاخبار و جاس خلال الديار عرف بلا غبار ان المراء و الجدال و الخصومة و الملاحاة محرمة علي المؤمن كشرب الخمر و لحم الميتة و الخنزير فلايجوز للمؤمن ان يحوم حول هذه المعصية العظيمة و فيها اذي المؤمن و حدوث الضغاين و الرياء و السمعة و حدوث الشك و الشبهة في قلبه و قلب من يجاريه و قلب من يستمع اليهما و سوء الخلق و عداوة المؤمنين و انكار الحق و الكبر عن قبوله و الرد علي اللّه و علي رسوله و السعي في اخماد نور الحق و اقامة الحجج الباطلة علي ابطال الحق و القول بالباطل و ايذاء اللّه و ايذاء رسوله و افساد النفس و اللجاج و اخماد نور العقل و الحكم بغير ما انزل اللّه و مخالفة الكتاب و السنة و ارتكاب المنهي فكفي به اثماً و فسقاً ظاهراً و لاينبغي للمؤمن ان يحوم حول مثل هذه المعصية و الذي علي طالب العلم ان كان جاهلاً الطلب عن العالم طلب المسكين قوته عن الواجد و هل رأيت مسكيناً فقيراً يلاحي الغني في سؤاله اياه قوته و ان كان عالماً بالمسئلة فعليه السكوت و العمل بما علم و الاشتغال به و ما عليه من اظهار الفضل و طلب الشهرة بين الخلق فان كان جاهلاً و طلب العلم من عالمه فعلي العالم اقامة البرهان علي ما يقول و البرهان كتاب مستجمع علي تأويله او سنة جامعة غيرمتفرقة او دليل عقل تعرف العقول عدله فمن جاء بذلك فلا مجال للانكار و الرد عليه رد علي اللّه و علي رسوله و هو علي حد الشرك باللّه و ان لم‌يأت بها فلا برهان له به و لايقبل منه و لايحتاج ايضاً الي جدال و نزاع فان كان لك شي‌ء من ذلك علي خلافه يجب عليه القبول منك من غير نزاع و جدال بالجملة هذا حال المؤمن الطالب للدين قربةً الي اللّه و طلباً لمرضاته المعرض عن هواه و المقبل الي مولاه و المريد للحق الخاضع له فعن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 لن‌يدخل الجنة عبد في قلبه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 483 *»

مثقال حبة من خردل من كبر و لايدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان قيل جعلت فداك ان الرجل ليلبس الثوب او يركب الدابة فيكاد يعرف منه الكبر قال ليس بذلك انما الكبر انكار الحق و الايمان الاقرار بالحق و عنه7 لايدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر و لايدخل النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان  فاسترجع الراوي فقال7 ليس حيث تذهب انما اعني الجحود انما هو الجحود و عنه7 الكبر ان يغمص الناس و يسفه الحق و عنه عن آبائه: قال قـال رسول اللّه9 ان اعظم الكبر غمص الخلق و سفه الحق قال و ما غمص الخلق و سفه الحق قال يجهل الحق و يطعن علي اهله و من فعل ذلك فقد نازع اللّه عزوجل في ردائه انتهي فالجدال و الخصومة يؤدي الي الكبر و غمص اهل الحق و سفه الحق و لايليق شي‌ء من ذلك بالمؤمن و اريد ان اعنون عنواناً  آخر في معني المجادلة المرضية و غيرالمرضية لتكون علي بصيرة.

فالثالثة: في تعريف المجادلة الجايزة و غير الجايزة اعلم ان الذي يظهر من الكتاب و السنة ان المجادلة علي قسمين مجادلة بالتي هي احسن و مجادلة بالتي هي اسوء و كذا اما تصدر عن العالم المؤمن القوي او عن الجاهل الضعيف فان كانت بالتي هي احسن و عن عالم هي من العبادات الجليلة و هي من خصال الانبياء و الاولياء: و سننهم و هي عبادة عظيمة و مقام عظيم و مكان علِيّ و ان كانت بالتي هي اسوء فهي معصية كبيرة و ذنب عظيم و لما كان مرجع كثير من شروطها الي النية و القلب فلربما يشتبه الامر علي الانسان و ان كان علي نفسه بصيراً و يزعم نفسه طالبة للدين فاحصة عن حقيقة الحق فيه و ليست منه في شي‌ء و هي تريد بذلك الاستعلاء و الشهرة و لتعرف بالفضل عند السلاطين و الحكام و الاشراف ليعظموه و يوقروه و لعلها تجادل حسداً علي خصمها فيما آتاه اللّه من قبول العامة فتريد بذلك اسقاطه عن اعين الناس و اظهار جهله و تضييعه او

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 484 *»

يحملها علي ذلك الكبر و الاستكبار و الانفة عن قبول الحق بالجملة كثيراً ما يلتبس الامر علي الانسان فلربما يحسب نفسه آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر معينةً للحق ناصرة للدين و ليست بها ابداً و ان في صدرها الا الكبر و مايحملها علي ذلك الا الحسد او حب الشهرة و الفخر او غير ذلك نعوذ باللّه فيجب تدقيق النظر في النفس و اغراضها و حيل الشيطان لئلايقع في المعصية الكبيرة و هو يحسب انه يحسن صنعاً فلاجل ذلك نهي اللّه جل جلاله عن المجادلة اولاً ثم رخص لمن يجادل بالتي هي احسن فقال (لاتجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن) و امر في آية اخري بالتي هي احسن و قال (و جادلهم بالتي هي احسن) و ذم قوماً يجادلون في الحق و بالباطل و في آيات اللّه و قال (يجادلونك في الحق بعد ما تبين) و قال (و يجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) و قال (مايجادل في آيات اللّه الا الذين كفروا) و قال (الذين يحاجون في اللّه من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم و عليهم غضب و لهم عذاب شديد) و ذم قوماً يجادلون بغير برهان فقال (و من الناس من يجادل في اللّه بغير علمٍ و لا هديً و لا كتاب منير) و قال (و من الناس من يجادل في اللّه بغير علم و يتبع كل شيطان مريد) و قال (الذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان اتيٰهم كبر مقتاً عند اللّه و عند الذين آمنوا) و في اخري بعد سلطان (ان في صدورهم الا كبر).

فتبين من هذه الآيات ان المجادلة منهي عنها كلها الا بالتي هي احسن و كذا لايجوز المجادلة في الحق بعد الوضوح و لايجوز المجادلة بالباطل و لايجوز المجادلة في آيات اللّه المستجمع علي تأويلها و لايجوز المجادلة من بعد ما اقام الحجة و استجيب له و لايجوز المجادلة بغير علم مستفاد من اللّه و رسوله و لا هدي و لا كتاب منير فانك ان تجاوزت المستفاد من اللّه و رسوله فالبقية ظن لايغني من الحق شيئاً و لا برهان و لا سلطان الا ما جاء من عند اللّه و عند رسوله يقيناً فلا مجادلة بالادلة العقلية التي تختلف العقول فيها و قول هذا ينقاد و هذا لاينقاد و هذا نعقله و هذا لانعقله و اما من احتج بالكتاب المستجمع علي تأويله و السنة الجامعة ففيهما الحجة سواء

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 485 *»

عقلتها او لم‌تعقلها و هي تنقاد كائنة ما كانت و لا سلطان الا ما كان هكذا و قد كشف امامك الصادق7 عن حقيقة المجادلة كما روي عن ابي‌محمد العسكري7 قال ذكر عند الصادق7 الجدال في الدين و ان رسول اللّه9 و الائمة المعصومين: قد نهوا عنه فقال الصادق7 لم‌ينه عنه مطلقاً لكنه نهي عن الجدال بغيرالتي هي احسن  اماتسمعون اللّه يقول (و لاتجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن) و قوله تعالي (ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن) قد قرنه العلماء بالدين و الجدال بغير التي هي احسن محرم و حرمه اللّه تعالي علي شيعتنا و كيف يحرم اللّه الجدال جملة و هو يقول (و قالوا لن‌يدخل الجنة الا من كان هوداً او نصاري) قال اللّه تعالي (تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فجعل علم الصدق و الايمان بالبرهان و هل يؤتي بالبرهان الا في الجدال بالتي هي احسن قيل يا ابن رسول اللّه فما الجدال بالتي هي احسن و التي ليست باحسن قال اما الجدال بغير التي هي احسن ان تجادل مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلاترده بحجة قد نصبها اللّه تعالي و لكن تجحد قوله او تجحد حقاً يريد ذلك المبطل ان يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة ان يكون له عليك فيه حجة لانك لاتدري كيف المخلص منه فذلك حرام علي شيعتنا ان يصيروا فتنة علي ضعفاء اخوانهم و علي المبطلين اما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم اذا تعاطي مجادلته و ضعف في يده حجة له علي باطله و اما الضعفاء منكم فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل و اما الجدال بالتي هي احسن فهو ما امر اللّه تعالي به نبيه ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت و احياءه له فقال اللّه حاكياً عنه (و ضرب لنا مثلاً و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم) فقال اللّه في الرد عليه (قل) يا محمد (يحييها الذي انشأها اول مرة و هو بكل خلق عليم  الذي جعل لكم من الشجر الاخضر ناراً فاذا انتم منه توقدون) فاراد اللّه من نبيه ان يجادل المبطل الذي قال

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 486 *»

كيف يجوز ان يبعث هذه العظام و هي رميم فقال اللّه تعالي (قل يحييها الذي انشأها اول مرة) افيعجز من ابتدأ به لا من شي‌ء ان يعيده بعد ان يبلي بل ابتداؤه اصعب عندكم من اعادته ثم قال (الذي جعل لكم من الشجر الاخضر ناراً) اي اذا كمن النار الحارّة في الشجر الاخضر الرطب يستخرجها فعرفكم انه علي اعادة ما بلي اقدر ثم قال (اوليس الذي خلق السموات و الارض بقادر علي ان يخلق مثلهم بلي و هو الخلاق العليم) اي اذا كان خلق السموات و الارض اعظم و ابعد في اوهامكم و قدركم ان تقدروا عليه من اعادة البالي قال الصادق7 فهذا الجدال بالتي هي احسن لان فيه قطع عذر الكافرين و ازالة شبههم و اما الجدال بغير التي هي احسن بان تجحد حقاً لايمكنك ان تفرق بينه و بين باطل من تجادله و انما تدفعه عن باطله بان تجحد الحق فهذا هو المحرم لانك مثله جحد هو حقاً و جحدت انت حقاً   آخر فقام اليه رجل فقال يا ابن رسول اللّه افجادل رسول اللّه9 فقال الصادق7 مهما ظننت برسول اللّه9 من شي‌ء فلاتظن به مخالفة اللّه اوليس اللّه تعالي قال (و جادلهم بالتي هي احسن) و قال ( قل يحييها الذي انشأها اول مرة) لمن ضرب للّه مثلاً  افتظن ان رسول اللّه9 خالف ما امره اللّه به فلم‌يجادل بما امره اللّه به و لم‌يخبر عن اللّه بما امره ان يخبر به الخبر فتبين ان المجادلة بالتي هي احسن اقامة الحجة بما قد نصبه اللّه في الكتاب او السنة او محكمات آيات الآفاق و الانفس او ما يعرف العقول عدله و عدم جحود الحق و اما المجادلة بالتي هي اسوء فهي ان تنكر حقاً يقوله الخصم نعوذ باللّه مخافة العجز عن رد باطله.

و قد قال الشيخ الاستاد الاوحد الشيخ احمد الاحسائي اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه في الادلة كلاماً جامعاً احب نقله لانه المبتكر بشرحه و تفصيله و منه بدئ فاليه يعود قال: «اعلم ان الادلة ثلثة كما قال سبحانه لنبيه (ادع الي سبيل ربك بالحكمة

 

«* مكارم الابرار جلد 11 صفحه 487 *»

و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن) و الاول دليل الحكمة و هو آلة للمعارف الحقية و به يعرف اللّه و يعرف ما سواه و مستنده الفؤاد و النقل اما النقل فهو الكتاب و السنة و اما الفؤاد فهو اعلي مشاعر الانسان و هو نور اللّه الذي ذكره في قوله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و هو الوجود لان الوجود هو الجهة العلياء من الانسان يعني وجهه من ربه لان الوجود لاينظر الي نفسه ابداً بل الي ربه كما ان الماهية لاتنظر الي ربها ابداً بل الي نفسها و اما شرطه فهو ان تنصف ربك لانك حين تنظر بدليل الحكمة انت تحاكم ربك فهو يحاكمك الي فؤادك كما قال سيد الوصيين لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فربك يخاصمك عندك فزن بالقسطاس المستقيم ذلك خير و احسن تأويلاً و تقف عند بيانك و تبينك و تبيينك علي قوله تعالي (و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مســـݘــولاً) و تنظر في تلك الاحوال كلها بعينه تعالي لا بعينك لقوله تعالي (و لاتمش في الارض مرحاً انك لن‌تخرق الارض و لن‌تبلغ الجبال طولاً) فهذا نمط دليل الحكمة.

و اما دليل الموعظة الحسنة فهو آلة لعلم الطريقة و تهذيب الاخلاق و علم اليقين و التقوي و ان كانت هذه العلوم تستفاد من غيره و لكن بدون ملاحظة هذا الدليل لاتقف علي اليقين لانه اقل ما قسم اللّه بين العباد و مستنده القلب و النقل و شرطه انصاف عقلك بمعني ان لاتظلمه ما يستحقه و ما يريد منك من الحق و مثاله قوله تعالي (قل ارأيتم ان كان من عند اللّه ثم كفرتم به من اضل ممن هو في شقاق بعيد) و قوله تعالي (قل ارأيتم ان كان من عند اللّه ثم كفرتم به و شهد شاهد من بني‌اسرائيل علي مثله فآمن و استكبرتم ان اللّه لايهدي القوم الظالمين) و كقول الصادق7 لعبدالكريم بن ابي‌العوجاء حين انكر علي الطائفين بالبيت الحرام قال ما معناه ان كان الامر كما تقولون و ليس كما تقولون فانتم و هم سواء و ان كان الامر كما يقولون و هو كما يقولون فقد نجوا و هلكتم فهذا نمط دليل الموعظة الحسنة.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 488 *»

و اما دليل المجادلة بالتي هي احسن فهو آلة لعلم الشريعة و مستنده العلم و النقل و شرطه انصاف الخصم و الا لم‌تكن المجادلة بالتي هي احسن و هو مثل ما قرره اهل المنطق من المقدمات و كيفية الدليل و ما ذكره اهل الاصول و غيرهم من الادلة و كيفية الاستدلال علي نحو لايكون فيه انكار حق و ان كان من خصمك المبطل في مطلبه و لا استدلال بباطل علي حق و لا علي ابطال باطل و لايحتاج هذا الي تمثيل لان الكتب مشحونة به بل لاتكاد تجد غيره الا نادراً و ذلك لضعف المستدلين و المستدل لهم و عليهم و لكن لاتغفل عن اخذ حظ من دليل الموعظة الحسنة فانه بشرطه طريق السلامة و الراحة في الدنيا و النجاة في الآخرة و هذا اذا لم‌تنل دليل الحكمة و الا فخذه و كن من الشاكرين فليس وراء عبادان قرية و اللّه سبحانه يحفظ لك و عليك» انتهي كلامه­.

فانت لو حفظت حدود هذا الكلام و عرفت آلة استنباط كل مرام و احطت خبراً بشروط كل مقام لنجوت عن المجادلة بالتي هي اسوء ان شاء اللّه فان من اسباب المجادلة بالتي هي اسوء ان تنظر في كل مطلب بغير مشعره و تستدل عليه بغير دليله او ترد علي المستدل بدليله بغير دليله او بنحو دليله لكن لا علي النحو المقرر في ذلك المقام ففي جميع هذه الاحوال تكون مجادلاً بالتي هي اسوء غير عارف بالمراد و لا مهتد الي سبيل الرشاد و علي اللّه الاعتماد.

و اعلم فذلكة ان الانسان اذا حكي فعليه الصحة و ان ادعي فعليه الحجة الواضحة فمعها لايجوز الجدال و بغيرها لاينبغي المقال و شرح ذلك ان المراد بالصحة الصحة في النقل بان يكون صادقاً في روايته ثم ما كان من عيب في المطلب فعلي المحكي‌عنه لا عليه و ان كان لاينبغي للانسان ان يروي كلما سمع فلا كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله فلابد من ملاحظة حال المستمعين فان كان يجوز عندهم تلك الرواية فليرو و الا فان كان فيها ضرر علي نفسه او علي المروي عنه او علي ساير اخوانه فلايروين بالجملة ان الذي عليك اذا حكيت الصحة و اذا ادّعيت فعليك الحجة الواضحة و لا حجة في الدنيا الا في قول اللّه الحق و يكشف عنه ضرورة العقلاء او ضرورة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 489 *»

المليين او ضرورة الاسلام او ضرورة المذهب فهذه الضرورات الاربع هي حجة اللّه في عصرنا علي متعلقاتها و علي لوازم تلك المتعلقات او ما يتفرع عليها او ما يرجع اليها اذا كانت لازمة او متفرعة او راجعة اليها بالضرورة و اما الكتاب فهو حجة اذا كان معناه ضرورياً و كذا السنة فانك ان تعديت الضروري جاء الاختلاف و ذهب الحجية اللهم الا ان يقام علي شي‌ء منها حجة ضرورية فيؤخذ بها و ان لم‌تكن بنفسها ضرورية و ان حجة اللّه هي الحجة الواضحة و للّه الحجة البالغة فليس لاحد من القائلين بطرف من طرفي الاختلاف حجة علي الآخر الا بالضروري قال اللّه تعالي (و ان تنازعتم في شي‌ء فردوه الي اللّه و الرسول) فالرد الي اللّه الرد الي كتابه المستجمع علي تأويله و الرد الي السنة السنة الجامعة غير المختلف فيها لا غير نعم اذا قامت الحجة الضرورية علي جواز الاخذ بشي‌ء يجب الاخذ به و ان لم‌يكن ذلك الشي‌ء ضرورياً ففيه الحجة فان ادعيت مسئلة و اقمت عليه الحجة من احد الضروريات الاربعة وجب علي خصمك التسليم كائنة ما كانت و ان لم‌تقم فلا حجة لك عليه و يجوز له مخالفتك اذ لا حجة لك عليه و لاتحتاج الي جدال و خصومة و ان لم‌يكن لك برهان علي مدعاك بخصوصه و لك برهان علي طاعة رجل او موافقة امر ينظر ثانياً في صحة الرواية عن ذلك الرجل او في الموافقة فان صحت وجب القبول بلا منازعة و الا فلا حجة لك و لااجوّز لك المخاصمة من غير برهان فان اللّه قد ذم قوماً يجادلون من غير علم و لا هدي و لا كتاب منير فاياك و اياها و علي ما ذكرنا بطل التنازع و جاء الاتفاق و التوافق و ان اللّه عزوجل وضع الحكم لرفع التنازع و قال (وضع الميزان ان لاتطغوا في الميزان) و قال (اطيعوا اللّه و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم) و قال (و لو ردوه الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فمع الحاكم بالحق لايجوز الجدال و انما القول قول من يوافقه الحاكم و الحاكم اليوم هو الضرورات الاربع و ان غركما الشيطان و تنازعتما في كون ما يدعي من الضروريات فذلك من تغريره و نزغه فلاتطيعاهما فان الامور الضرورية بديهية و لاتحتاج الي نزاع فما يمكن ان يشتبه الامر فيه فليس

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 11 صفحه 490 *»

بضروري و ما ليس بضروري فليس بحجة عامة و لست بنبي مطاع يجب ان تطاع في كل ما تقول فلاتتوقع ان تطاع بلا حجة و لا حجة الا ما كان من اللّه علي يقين عام و تبين من ذلك انه لا حاجة الي الجدال في كل حال فمع الحجة المسلّمة فلا جدال و بلا حجة فلا مقال و لاحول و لا قوة الا باللّه المتعال و فيما ذكرنا كفاية حذراً عن الكلال و لما وصل الكلام الي هنا رأيت ان اقطع التحرير لهذا المجلد لما طال بي المقال مع كثرة الاشغال و حدوث عزم علي سفــر

فقد ختم علي هذا المقام مصنفه و كاتبه كريم بن ابرهيم

لخمس بقين من الجمادي الاولي من شهور سنة

ستّ و سبعين من المائة الثالثة‌عشرة

حامداً مصلياً مستغفراً

تمّـــت

([1]) تلدد: تلفت يميناً و شمالاً و تحير. ق

([2]) في نسخ الحديث: مغرماً ـ مغريً

([3]) تحامل الايام اي تكليف اهل الدنيا بما لايطاق و ذوي الادوات الكاملة اي ذوي العقول و الاحلام. منه­

([4]) في نسخ الحديث: تجتلبها.

([5]) ما تشتهيه اي مادمت تشتهي الأکل اي لاتشبع كل الشبع و لاتأكل حتي ينقطع الشهوة بل امسك و انت تشتهيه. منه­