رسالة فی جواب السید حسین بن السید عبد القاهر
عن تسع مسائل
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 888 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الهجري الاحسائي انه قد القي الي السيد السند و المولي المعتمد سيدنا السيد حسين بن السيد الفاخر السيد عبد القاهر ايده الله تعالي بعض المسائل طلب من داعيه جوابها و انا في حال ربما تعذر او تعسر فيه الجواب من انصراف البال و شدة الاشتغال بكثرة الامراض و اختلاف الاحوال الا ان مثله لايمكن من مثلي عدم اجابته فكتبت ما حضر في خاطري من المقدور اذ لايسقط الميسور بالمعسور و الي الله ترجع الامور فجعلت كلمات سؤاله كالمتن و جوابي كالشرح.
قال سلمه الله: متي يجب احترام التربة الحسينية و قد ذكر الشهيد في شرح اللمعة بانها بوضعها علي الضريح يثبت لها الاحترام ما الدليل لهذا القول من كلامهم عليهم السلام و التربة يؤتي بها لنا من العجم مع المسابيح و نقل لنا انهم قد يستعملون من تربة غير الحسين عليهالسلام سبحاً و سجدات و قد يضيفون لها شيئاً من تربة الحسين عليهالسلام فاذا اعطانا المعطي تربة من خراسان فمتي يتحقق انها تربة الحسين عليهالسلام و كيف نعرف ان هذه تربة الحسين عليهالسلام.
اقول: اما الاحترام المعروف بين الشيعة فانه يثبت بالقصد الي انها تربة الحسين عليهالسلام عند الاخذ لها من اي موضع كان من المحدود بفرسخين او اربعة او خمسة فان الآخذ اذا اخذ تربة من هذا المحدود بقصد انه تربة الحسين عليهالسلام ثبت لها الاحترام حتي ان من نجسها بقصد الاحتقار و عدم المبالاة بها و بحرمة مشرفها عليه و علي آبائه و ابنائه الطاهرين السلم كافر اجماعاً و اما توقف الاحترام علي الضريح فلااعلم دليله و انكان يزيد شرفها بالوضع و اما السبح التي يؤتي بها من العجم كالسبح الرضوية و غيرها فلااعلم ان لها احتراماً
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 889 *»
ينسب الي الحسين عليهالسلام و ما قيل من انهم ربما يضيفون لها شيئاً من تربة الحسين عليهالسلام فلميثبت بل سمعنا من كثير ممن يعمل تلك السبح بانه لايجيزون ذلك و يمتنعون من وضع تربة الحسين عليهالسلام في النار حتي اني اردت ان اعمل سبحة من تربة الحسين عليهالسلام الخاصة و قلت لم كان يعمل ذلك ممن يعتقد ان قولي حجة يدين الله بها اريد ان تعمل من هذه التربة الخاصة سبحة لي فقال لاافعل ذلك فقلت له لم فقال كيف يجوز ان اضع تربة الحسين عليهالسلام في النار و بالغت في الكلام فامتنع و الحاصل الظاهر ان قولهم انا نمزجها بتربة الحسين عليهالسلام ترغيب لمن يشتري منهم تلك السبح نعم يمكن انتحترم تلك السبح الرضوية لكونها من تربة علي بن موسي عليهما السلام لانها انما تعرف بذلك.
قال سلمه الله تعالي: ما معني ماورد ان المؤمن افضل من الملائكة او ما ورد ان سلمن افضل من جبرئيل عليهالسلام كيف يكون افضل و الملك معصوم فالعصمة افضل من عدمها فما معني الافضلية فان قلنا ان نور الملك منبجس من نور المؤمن فكيف المنبجس افضل من المنبجس منه.
اقول قد ورد ان الملك ناقص لايحتمل الكمال و الانسان متردد بين الكمال و النقصان اي يحتمل الكمال و الملك لايحتمل الكمال لان الملك صورة عالية عن المواد عارية عن القوة و الاستعداد كما روي عن اميرالمؤمنين عليهالسلام بمعني ان الملائكة ذوات لاتقبل النمو فلاتقبل الاستعداد الاتري ان جبرئيل عليهالسلام الآن لايكون افضل منه يوم خلقه الله لانه لايزيد و لايترقي و انما هو كالسراج تشعله من اول الليل الي آخره لايكون في آخر الليل انور منه في اول الليل كذلك جبرئيل عليهالسلام منذ خلقه الله الي آخر الدهر دائماً في طاعة الله لايغفل عن خدمة الله طرفة عين و مع هذا لميكن الآن افضل منه في اول ما خلقه الله و ذلك لكون ذاته عالية عن المواد عارية عن القوة و الاستعداد بخلاف الانسان فانه كل حين في زيادة و نمو اذا لميكن في نقصان كسلمان عليهالسلام و ايضاً الملك جزئي في رتبته و ان كان ذا احاطة عامة كجبرئيل عليهالسلام
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 890 *»
فانه و انتناول جميع مراتب الخلق الا انه لايتناول غيرها بخلاف الانسان كسلمان صلوات الله عليه فانه كل يوم يترقي من (عن خل) مقامه باعماله و ايضاً انما تكون العصمة افضل من غيرها اذا كان معها مناقض لها قوي مقهور بها كما في الانبياء عليهمالسلام فانها تكون في النبي صلي الله عليه و آله مع وجود مناقض لها قوي مقهور بها فان ذلك المناقض مغلوب بها بخلاف ما في الملك عن (من خل) العصمة فانها تكون فيه بدون مناقض لها قوي مقهور بها لان ما في الملك (في الارض خل) شيء جزئي اتي به لحفظ بنية الملك لانه ظلمة ضعيفة ليس له اقتضاء و انما هو لحفظ التركيب خاصة و لهذا لايصدرعنه اثر اصلاً و اما في النبي صلي الله عليه و آله فانه لولا غلبة العصمة عليه لوقع منه الكبائر فعلي هذا يحتاج في العصمة الي ركن قوي منها لقوة المناقض بخلاف الملك فانه لايحتاج في عصمته الي ركن قوي منها لضعف المناقض الذي فيه لان المناقض الذي في الملك كامكان الصعود في الحجر لايحتاج في مقابلته الي ضد قوي و لقد قال رسول الله صلي الله عليه و آله في هذا المقام في تفضيل بني آدم علي الملائكة لما سأله علي عليهالسلام عن ذلك و ان من الملائكة لمن باقة بقل خير منه، و ليس ذلك الا لضعف جانب عصمته و مع هذا انما منعت ذلك الملك عن المعصية مع ضعفها لضعف المقتضي للمعصية الاتري انه مع كونه معصوماً باقة بقل خير منه.
و علي كل تقدير ورد انه قد اختلف جبرئيل عليهالسلام مع ميكائيل عليهالسلام فيما معنا ان قال جبرئيل عليهالسلام من اذنب و تاب افضل ممن لايذنب و قال ميكائيل عليهالسلام من لميذنب افضل ممن اذنب و تاب فقالا لانبرح حتي ينزل علينا الوحي فاتي الوحي من الله سبحانه من اذنب و تاب افضل ممن لميذنب لانه اذا اذنب و تاب كان كمن لميذنب و بقي عليه انكسار المعصية فهو افضل، فعلي هذا ربما يكون غير المعصوم بخوفه من الذنوب او وقوعها ينال رتبة اعظم ممن تكون ادني رتبة من مراتب العصمة مانعة له من الذنوب لضعف انيته كما في الملائكة و هذا انما يتحقق في ضعيف الآنية، و قوله سلمه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 891 *»
الله «فان قلنا ان نور الملك منبجس من نور المؤمن فكيف يكون المنبجس افضل من المنبجس منه» مناقض لمراده لانا نقول اذا كان نور الملك منبجساً من نور المؤمن كان نور المؤمن افضل من نور الملك و هذا دليلنا.
قال سلمه الله: و ما معني ما ورد عنهم عليهمالسلام في ان صفات الواجب تعالي اذا قلنا عالم اي لا جهل فيه حي اي لا موت فيه و هكذا تنفي عنه تعالي صفة النقص و ورد كمال توحيده نفي الصفات عنه بالنسبة للذات لا في العلم فقولنا عالم اي لا جهل فيه و ان كان نفي نقض عنه الا انه مستلزم لثبوت الصفة و هو عالم فنفي الجهل يستلزم وصفه بالعلم.
اقول اعلم ان الناس اختلفوا في وصف الله بالعلم اذا قلنا عالم ما المراد به فقيل معناه ان هناك وصف وجودي مفهومه مخالف لمفهوم الذات الا ان الذات و العلم متحدان في الوجود و هذا معني باطل لانه اذا كان هذا الوصف مخالفاً لمفهوم الذات دل علي تمييز الذات و العلم في الفهم و الادراك و المتميز المدرك لغيره حادث و لايجوز انيوصف سبحانه بحادث.
و قيل انه عين الذات و غير الذات و هذا ايضاً باطل لاشتماله علي التناقض فان ما هو عين الذات لايكون غير الذات و مايكون غير الذات لايكون عين الذات.
و قال المتكلمون من الامامية ان وصفه سبحانه بهذه الصفات لابد انيرجع معانيها الي السلوب فمعني انه عالم و العلم عين ذاته انه ليس بجاهل و معني انه قادر انه ليس بعاجز و معني انه سميع انه ليس بأصم و معني انه بصير انه ليس باعمي و هكذا باقي الصفات و هذا ايضاً باطل لانه اذا فرضت ان علمه عين ذاته كيف يجوز انيكون معني ذلك ان ذاته هي معني السلب اي ذاته عدم الجهل هي عدم العجز هي عدم الموت هي عدم الصمم هي عدم العمي لان صفاته اي هي (صفاته هي خل) ذاته فاذا كانت معني صفاته عدم اضدادها كانت عدما لرجوعها الي الاعدام و انما معني كون صفاته عين ذاته و معني توحيدها نفي الصفات عنها انه لميكن هناك كثرة و ان معني العلم هو الله و معني القدرة هو الله و هكذا و انتكثر هذه الاسماء من باب الترادف و ليس المراد اَلّا صفة له
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 892 *»
بل المراد ان معني علمه هو الله و معني قدرته هو الله و ان الصفة هو الموصوف لان ذاته كاملة لمتفقد صفة كمال و ليس في ذاته شيء غيره و لميكن فيه كثرة لا في الوجود و لا في الذهن و لا في نفس الامر.
قال سلمه الله: و هل الجن مكلفون بتكاليف الانسان من صلاتنا هذه و صومنا و زكاتنا و حجنا و جريان مناكحتنا من المحرمات المذكورة في الكتاب العزيز و توارثنا و ما الدليل علي ذلك من السنة المطهرة او لهم تكليف مغائر لتكليفنا و هل ورد في السنة انهم يموتون موتاً ام قتلاً فقد سمعت انهم لايموتون الا بالقتل.
اقول المروي عن النبي صلي الله عليه و آله ان الجن علي خمسة اصناف صنف حيات و صنف عقارب و صنف حشرات (في خل) الارض و صنف كالريح في الهواء و صنف كبني آدم عليهم الحساب و العقاب و هؤلاء هم الذين يجري عليهم التكليف و اما الاقسام الاربعة الاول فحكم تكليفهم حكم تكليف نظائرهم ممن ينسب الي بني آدم لان كل ماسوي الله مكلفون و ان من شيء الا يسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم و الذين كبني آدم يشاركون بني آدم في كيفية التكليف و كل نوع من الجن امم امثالنا و ارسل اليهم رسل من نوعهم قال الله تعالي يا معشر الجن و الانس الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آياتنا و قال تعالي و ان من امة الا خلا فيها نذير و قال تعالي و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم و هذا ظاهر.
و اختلف العلماء و المفسرون في جواز مناكحة بنيآدم لهم و استدل المجوزون باصل الايجاد في بني آدم و ان الله انزل يوم الخميس بعد العصر علي شيث عليهالسلام حورية من الجنة و امر آدم انيزوج شيث عليهالسلام بها و اسمها منزلة و انزل يوم الجمعة بعد العصر جنية من الجنة و اسمها نزلة او بالعكس و امر آدم ان يزوج ابنه يافث بها فاتت الحورية لشيث عليهالسلام بولد و اتت الجنية ليافث بن آدم ببنت و لما بلغا امره فزوج ابن شيث عليه السلام ببنت يافث فكان التناسل منهما فما كان في اولادهما من حسن الخلق و الخلق فمن الحورية و ما كان في اولادهما من سوء
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 893 *»
الخلق و الخلق فمن الجنية و ام بلقيس جنية اخذها الهدهاد ابو بلقيس فولدت له بلقيس و قال تعالي لميطمثهن انس قبلهم و لا جان و هو بظاهره يدل علي ان اهل الجنة الجن و الانس يتزاوجون و استدل المانعون بان السنة دلت علي ان التناكح لايكون بين نوعين و الا لجاز نكاح الحيوانات و الجن نوع غير نوع الانس و اما آية لميطمثهن انس قبلهم و لا جان فالمعني فيها لميطمث الانسيات قبلهم انس و لميطمث الجنيات قبلهم جان و اذا قام الاحتمال المساوي بطل الاستدلال و الذي يظهر لي من ملاحظة الادلة الجواز علي كراهة و اما حكم الجن في الموت فانهم مثل بنيآدم منهم من يموت و منهم منيقتل و اما الذين سمعت بانهم لايموتون موتاً و انما يقتلون قتلاً فهم الشياطين فانهم لايموتون و انما يقتلون قتلاً لانهم مجردون عن المواد العنصرية.
قال سلمه الله: و قد ورد في تفسير العياشي عن الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالي الم تر الي الذين قيل لهم كفوا ايديكم قال الحسن فلما كتب عليهم القتال مع الحسين عليهما السلام قالوا ربنا لولا اخرتنا الي اجل قريب الي خروج القائم عليهالسلام من القائل هذا لولا اخرتنا الخ.
اقول: كان اناس من الشيعة مع الحسن بن علي عليهما السلام فلما صالح معوية اعترضوا عليه و طلبوا القتال حتي قال بعضهم للحسن عليهالسلام يا مذل المؤمنين فقال عليهالسلام لهم يا سبحان الله اذا علمتم اني امام مفترض الطاعة فلم تعترضون علي فلما خرج الحسين عليهالسلام كتب الله عليه و علي اهل الارض انيقاتلوا معه فلما كتب عليهم القتال مع الحسين عليهالسلام قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الي اجل قريب الي خروج القائم عليهالسلام فان معه النصر و الظفر و كان من جملة من قال ذلك رجل الآن مايحضرني اسمه كان مع الحسين عليهالسلام حين خروجه من المدينة الي العراق قال للحسين عليهالسلام اني خرجت بمال كثير و اخشي انيضيع و خرجت و لماوص الي اهلي فأذن لي في الرجوع قال عليهالسلام قد اذنت لك فنزل تأويل الآية فيه.
قال سلمه الله: و ما الدليل العقلي يدل علي ان نبينا صلي الله عليه و آله
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 894 *»
خاتم النبيين و لا نبي بعده.
اقول: اغلب الادلة العقلية تكون مستنبطة من النقل فان العلامة (ره) صنف كتاب الالفين و اغلب ادلته العقلية تستنبط من النقل و لايقال ان هذه ليست بادلة عقلية لكونها من النقل مثل ما قال (ره) في استدلاله بقوله افمن يهدي الي الحق احق انيتبع الي آخر الآية و ذلك لان الدليل العقلي لا ربط بالنقل يكون في الاغلب بعيد الادراك لكونه مؤلفاً من الفطرة قبل اكتسابها لشيء فلايدركه الا العقل الطبيعي اذا كان قوياً و انا اورد لك دليلاً من هذا النحو فاعلم ان الدليل العقلي الذي انه صلي الله عليه و آله افضل خلق الله من النبيين و المرسلين و الملائكة المقربين فانه اذا ثبت انه صلي الله عليه و آله افضل وجب انيكون اخيراً لان ماكان اعلي في الوجود وجب انيكون اخيراً في الظهور الاتري العقل لما كان اعلي ما في الانسان وجب انيكون آخر مايظهر في الانسان و اكمل مراتبه آخر مرتبة منه و هذا كالثمرة فانها غاية الشجرة و هي آخر مايظهر و الورق يخرج اولاً لأنه انزل مراتب ظهورات الشجر و ذلك لان الاشياء كلها نازلة من الخزائن الالهية قال تعالي و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فالانسان اول مايظهر منه النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم يكسي لحماً ثم ينشئ خلقاً آخر فتظهر فيه النفس الحيوانية الفلكية الحسية عند تمام الاربعة الاشهر بالولادة الجسمانية ثم تظهر فيه النفس الناطقة القدسية اذا تم له تسعة اشهر عند الولادة الدنياوية فتقوي شيئاً فشيئاً و ذلك ان الرأس المختص به من الملك المسمي بالعقل عليه غشاوة تكشف تلك الغشاوة عن وجه ذلك الرأس المختص بذلك الانسان شيئاً فشيئاً و كل ماكشف جزء من ذلك الغطاء عن ذلك الوجه اشرق نور ما انكشف منه علي قلب ذلك الصبي حتي ينكشف ذلك الغطاء كله فيقع نور ذلك الرأس من ذلك العقل علي قلب ذلك الصبي فيعرف الخير و الشر و الجيد و الردي فيكلف و هذا النور المشرق علي قلب ذلك الصبي هو عقله ينكشف كله عند بلوغ ذلك الغلام و هو آخر مايظهر عليه و ينزل اليه من عالم الغيب و آخر ماينزل هو اعلي ما نزل و هذا ظاهر.
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 895 *»
فاذا عرفت ما اشرنا اليه ظهر لك انه صلي الله عليه و آله يجب انيكون خاتم النبيين صلي الله عليهم اجمعين لانه غايتهم و الغاية يجب انتكون آخراً و مما يشير اليه دعاء ليلة المبعث السابعة و العشرين من شهر رجب في قوله عليهالسلام اللهم اني اسألك بالتجلي الاعظم في الليلة من الشهر المكرم فاشار عليهالسلام الي ان اعظم تجليات الحق عزوجل لجميع خلقه ماتجلي به ببعث محمد صلي الله عليه و آله فيجب انيكون خاتم النبيين صلي الله عليه و عليهم اجمعين فافهم.
قال سلمه الله: و قد ورد عن الكاظم عليهالسلام كما في المناقب ان دواب الارض كلها كالخنفساء و الفار و غيرهما تتولد من الارض و لاترضع ولدها و انما تتعيش بالتراب و كيف تتوالد بسفاد ام لا فان كان بغير سفاد فما العلة في كونهما زوجين ذكراً او انثي.
اقول: اعلم ان كل ما خلق الله في الارض فهو من الآدميين الالف الالف آدم كما في رواية جابر بن يزيد عن الباقر عليهالسلام في قوله تعالي بل هم في لبس من خلق جديد ما معناه اتري ان الله تعالي لميخلق غيركم بلي و الله لقد خلق الله الف الف عالم و الف الف آدم انتم في آخر العوالم و آخر الآدميين و كل عالم اوله آدم و هو مخلوق لا من اب و ام ظاهرين بل من اب و ام باطنين و هما المادة و الصورة الاب المادة و الام الصورة كما هو فحوي رواية سليمان بن خالد عن الصادق عليهالسلام و باقي ذلك العالم اغلبه بالتناكح و قد يكون بغير اب و ام ظاهرين بالتناكح بل بالكون بالتعفين اي الاب و الام الباطنين المادة و الصورة الا ان الغالب في كل عالم بعد آدمه و حوائه الكون بالتناكح ثم علي فرض التكون بغير التناكح قد يكون في الكائن انيكون فيه الزوجان اما لجواز الكون بالتناكح او لمقتضي التكوين فان مايكون قد تكون مادته تقتضي الذكورية او تقتضي الانوثية و قد يقتضي ذلك التكوين كما اذا كان التأليف في الجانب الايسر من المكون جزءين من النفس و في الجانب الايمن منه جزءاً واحداً من العقل فيخرج المكون انثي او بالعكس فيخرج المكون ذكراً يهب
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 896 *»
لمنيشاء اناثاً و يهب لمن يشاء الذكور او يزوجهم ذكراناً و اناثاً، فعال لمايريد سبحانه و تعالي.
قال سلمه الله: و ما معني ماورد عن الجواد عليهالسلام لما سئل ايما افضل زيارة جدك الحسين عليهالسلام او ابيك قال عليهالسلام زيارة ابي افضل لان الحسين عليهالسلام يزوره كل احد و ابي لايزوره الا الخواص من الشيعة مع ما ورد من افضلية زيارة الحسين عليهالسلام.
اقول: وجه زيارة الحسين عليهالسلام من كل احد ان امامة الحسين عليهالسلام يقول بها الامامية و الناووسية و الكيسانية و الزيدية و الاسماعيلية و الواقفية و لايقول بامامة الرضا عليهالسلام الا الامامية و اذا قلت زوار الامام عليهالسلام اقتضت الحكمة انيزيد فضل زيارته لان قلة زيارته ليست بتقصيره فاذا زاد فضل زيارته رغب الناس فيها و اما اليوم فالحسين عليهالسلام لقربه من رسول الله صلي الله عليه و آله كان زواره اكثر من جهة العامة بخلاف الرضا عليهالسلام و ايضا لبعد عن قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و لبعده عن بلد ولادته و مسقط راسه و مأوي نفسه فهو عليهالسلام غريب الدار بعيد المدي و كل ذلك موجب لان تعطف الرحمة عليه و علي زواره و ذلك و امثاله مقتضي لزيادة فضل زواره.
قال سلمه الله: و ما معني ماورد في تفسير الامام عن الرضا عليهالسلام في سنقرئك فلاتنسي الا ماشاء الله ان ينسيك فيرفعه عن قلبك كما في آية ننسها برفع رسمها و قد تلي و عن القلوب حفظها و عن قلبك يا محمد ما معني رفعه عن قلبه صلي الله عليه و آله و ما معني الحديث من حيث هو كله، الي آخر كلامه ادام الله اكرامه.
اقول: معني رفعه القرآن عن قلبه مختلف باختلاف المرفوع فان كان من منسوخ التلاوة و الحكم فرفعه عن قلبه اعلامه بانه مما لاتجوز قراءته و ان وقت حكمه انقضي فان كان كل شيء مؤجل مثل اجل زيد فكما ان زيداً اقتضت مصلحة الايجاد ايجاده عشر سنين فاذا انقضي وقت مصلحة الايجاد مات و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 897 *»
الحكم يرتفع و هو المعبر عنه بالنسخ فانساء الحكم رفعه و انزال ما تقتضيه المصلحة و يثبت في قلبه صلي الله عليه و آله هذا كما حصل له صلي الله عليه و آله حين نسخ حكم الصلوة الي بيت المقدس واثبت في قلبه حكم الصلوة الي الكعبة و ان (و اذا خل) كان منسوخ الحكم ثابت التلاوة اثبت الله في قلبه (صلي الله عليه و آله خل) الحكم الثابت و نسخ الحكم الاول و ان كان منسوخ التلاوة ثابت الحكم اثبت في قلبه (صلي الله عليه و آله خل) ارتفاع وجود تلاوته و بقي حكمه في سنخ الحديث القدسي و ان كان ثابت التلاوة و الحكم استمر وجود الجهتين فيما امر بتبليغه.
و هنا معني آخر للانساء و النسخ و هو الامر بالاعراض عنه في الوقت (في المدة خل) الفلاني و الاقبال عليه في الوقت الآخر مثاله في حقك انك تعرف اعراب زيد قائم من علم النحو فاذا سئلت عن اعرابه قلت زيد مبتدا و قائم خبره و اذا لمتكن بصدده بل تتكلم في احكام الوضوء من علم الفقه التفت قلبك و خيالك الي علم الفقه و اعرضت عن علم النحو و نسيت اعراب زيد قائم و معني قولنا انك نسيته نريد به انك لست بصدد و انما خيالك متوجه الي احكام الوضوء من الفقه و لست ناسياً لمسألة اعراب زيد قائم الا انك لست بصدده فاعراضك عن هذا ليس عن نسيان له و لا لسهو فالانساء هنا هو التأخير فان كان المؤخر انتهت مدة وجوده محي من محل ظهوره و استعماله فيعدم من محله بنفي معيناته فيلحق باصل مبدئه و قد يلحق بامكانه الا ان هذا نادر الوقوع و ان كان انتهت مدة استعماله لحق بمبدئه يسبح الله فيه و يقدسه و اما قوله سنقرئك فلاتنسي فلا هنا نافية للنسيان بمعانيه الثلاثة الترك و التأخير و محو الصورة و استثني من ذلك ما تأتي به مشية الله من اثبات النسيان في الثلاثة المعاني او بعضها برفعه من القلوب بمحو الصورة او تأخير القراءة الي وقت الحاجة و الاشتغال بغيرها بانيكون بصدد شيء آخر و منه ما روي في اكل الكاظم صلوات الله عليه العنب و الرمان المسمومين معللاً بانه غاب عنه الملك المحدث بمعني ان عقله توجه الي الحضرة الالهية امتثالاً لامره حتي غفل عما سوي الله الذي من جملته اكل العنب و الرمان المسمومين فعبر
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 898 *»
عن توجهه الي الله و اعراضه عن الدنيا و ما فيها بغيبوبة الملك المحدث فافهم و تأمل في ما ذكرته لك يظهر لك كل ما تحتاج اليه من معاني هذا الحديث و امثاله و الحمدلله رب العالمين.
و فرغ من تسويدها العبد المسكين احمد بن زين الدين الهجري الاحسائي في اليوم التاسععشر من شهر شوال سنة اربعين و مائتين و الف من الهجرة النبوية علي مهاجرها و آله افضل الصلوة و ازكي السلام حامداً مصلياً مستغفراً.