رسالة فی جواب بعض الاخوان فی الرؤیا
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 878 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
اما بـعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد ارسل الي بعض الاخوان في الدين بعض المسائل طلب من محبه جوابها علي جهة الحقيقة و كان الخاطر ممتلئاً فكتبت مايحضرني اذ لا يسقط الميسور بالمعسور و للّه عاقبة الامور.
قال ان من العباد من كان مايراه في النوم ليلاً او نهاراً يكون رؤياً صادقة مطابقة سريعاً بدون تغيير او تكون كذلك بادني تعبير و من العباد من لايظهر صدق رؤياه و لو ظهر كان مخالفاً كثيرالتغيير.
اقول ان الرؤيا قد ورد فيها ان مايراه الشخص في السماء فهو حق و مايراه في الارض فهو اصغات احلام و ورد انها تكون في بعض الليالي صادقة و في بعضها كاذبة و ورد ان الرؤيا اول الليل كاذبة و آخر الليل صادقة و ربما فسّر الاول بان سماء الظاهرة محروسة بالشهب عن الشياطين قال تعالي الاّ من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين و هو يدلّ ان مايراه الناعم في ذلك السماء سماء هورقليا حق لان الشياطين لاتصل هناك فلاتتصور فيها بصور الباطل و انما تسكنها الملائكة فيتصور فيها بصور ماوكّلت به من الاشياء المنتشقة في الخيال فاذا رأي الشخص شيئاً فهو حق مطابق للواقع و ان كان مايراه في الارض فهو من تصور الشياطين و هي لاتتصور الاّ بما قيضت له من صور الباطل و ذلك لايطابق الواقع و فسّر الثاني بان احوال الليالي تختلف في الشهر و في الاسبوع و عند قرانات الكواكب و اختلاف الآفاق و اختلاف اعمال الرائي فتكون في الشهر الليلة الاولي من كل شهر متشابهة و كذلك كل ليلة و في كل الاسبوع مثلاً ليلة كل سبت من كل اسبوع متشابهة و كذلك كل ليلة يحصل فيها قران كواكب مخصوصة بها حكم خاص فاذا وجد ذلك القران بعينه (في الليلة الثانية خ ل) بغير زيادة من الكواكب
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 879 *»
السيارة او غيرها و لانقصان كذلك و لاتغيير و لاتبديل كذلك و كان ماكان من ذلك الشخص من الاعمال مثل ما كان في تلك الليلة الاولي يكون حكمها حكم الليلة الاولي و هكذا و كذلك اتفاق اوضاع الآفاق من الغيم و الصحو و الريح و المطر و كثرة الابخرة و قلتها و غير ذلك في ليلتين يوجب تساوي حكمهما و كذلك و كذلك اتفاق عمله في ليلتين و هذا كله حكم مقتضي تلك الاسباب اذا لم يعرض لها موانع تبطل ذلك المقتضي او بعضه او صفته او مدته او مكانه و كما تجري احكام تلك المقتضيات في الاجسام تجري في الخيال و النفس و ماينطبع فيهما علي نحو يطول شرحه و يأتي بعض الاشارة الي بعض ذلك.
و فسّر الثالث بان اول الليل كان البدن ممتلئاً بابخرة الطعام فاذا تصعدت الي الدماغ تلوي بها فتحدث فيه اشكال من الابخرة علي هيئة بعض الاعيان و الصفات فيراها الشخص في خياله فيتوهم انها صور انطبعت من المعاني الخارجة عنه فاذا استيقظ اخبر بها و ليست شيئاً لانها في خياله من الابخرة و انما تكون هذه الابخرة علي هيئة بعض الاعيان لان جميع ذرات الوجود من ذات او صفة و اثر يجري كل اسفل منه في كونه بمقتضي طبيعة من الوجود علي هيكل الاعلي لان كل اثر يشبه صفة مؤثرة كما قرّر في محله.
و اما آخر الليل فلان البدن خال قد خفت عنه الرطوبات من المطعم و المشرب و صفّي الدماغ فلاينطبع فيه الاّ ماكان متحققاً خارجاً عنه فاذا رأي الشخص شيئاً في السماء و لميحصل له مانع ممااشرنا من خصوص الاوقات و القرانات و الافعال و الابخرة او في الارض و حصل له مقتضٍ للحق من خصوص الاوقات و القرانات و الاعمال و الخفة من فضولات الطعام و الشراب او كانت رؤياه في الليالي المقتضية لظهور الآثار المسعودة من ذاتها لادوار اوضاع الافلاك او بالقرانات او الاعمال الصالحة مع عدم الموانع المشار اليها كان ذلك حقاً فان تمت الاسباب المقتضية بلا مانع فان كانت موجبات وقعت الرؤيا بعينها بلامهلة لان الرائي رآها خارجة بعينها من باب القضاء و ان تمت المقتضيات الغيبية كذلك خاصة بدون الشهادة خرج تأويلها بلا مهلة و ان كان في بعض تلك الاسباب ضعف و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 880 *»
نقص من جهة القابلية التي هي مرآة الشخص التي هي خياله و حصل لها تعبير وقعت لذلك لان التعبير يفتح علي مرآة خيال الرائي باب القدر التي تنزل منه تلك الاسباب فاذا عبر المعبر انطبع في خيال الرائي صورها هنالك علي هيئة التعبير فيكون الطيف المرئي في المنام متلبساً بهيئة التعبير فيقوي به ما كان ضعيفاً من تلك المقتضيات و لهذا تراه اذا عبر له المعبر التفت خياله الي ما رأي في المنام فتصور فيه صورة التعبير و انصرف ما في قلبه من معني رؤياه الي المعني الذي يظهر له من المعبر و ان كان كذباً فتتغير الرؤيا بهيئة اخري غير الاولي فيجري الحكم و المطابقة علي الثانية و ان رأي الشخص في منامه شيئاً و هو متلبس بخلاف ما اشرنا اليه من شرائط الصدق و مقتضياته كان ما رأه مخالفاً للواقع فيكون كذباً.
قال سلمه الله تعالي: و منها ان من الصالحين من كان بعض رؤياه صادقاً و منه كاذبا و من الطالحين ايضاً كذلك بعضه كان صادقاً و منه كان كاذباً ما العلة فيها و استدعائي ان يبين لنا الشيخ اصل الرؤيا و منشائه و حقيقته و من اي عالم ظهر.
اقول لما كان كل شخص له جهتان وجه من جهة وجوده و هو العقل و شأنه الصدق و الحق لان العقل لاينطق عن الهوي و ليس للشيطان فيه نصيب و وجه من جهة ماهيته و هي النفس الامارة بالسوء و شأنها الكذب و الباطل لانها لاتلتفت الاّ الي هوي الماهية و هي وقومها يسجدون للشمس من دون اللّه طلعها كانه رؤس الشياطين. كان الرجل الصالح اذا كان الوارد عليه في المنام من جهة العقل اي التفاته الي ذلك الشيء و ذكره كان رؤياه صادقة لان الشيطان لايتصور بصور الحق و النور و الاّ احترق و ان كان بعض رؤياه من جهة التفات العقل و بعضها من جهة التفات النفس كان ما كان من جهة العقل و التفاته صدقاً و ما كان من جهة النفس و التفاتها كذباً و هذا حكم يشمل الصالح و الطالح و لو كان رجلاً لا يكون له التفات من جهة النفس ابداً كانت رؤياه صادقة ابداً كما في المعصومين: و لو كان رجلاً لايكون له التفات من جهة العقل لم تصدق رؤياه ابداً و ابن هنا علي ما فصّلنا سابقاً (فراجع خ ل).
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 881 *»
و اما اصل الرؤيا فاعلم ان الروح المدبرة للبدن اذا لحقها ملال باستعمال آلاتها في تدبير الغذاء بتصفيته و دفع غرائبه و وزنه و تقديره اجتمعت في القلب فاستراحت فضعف الارتباط بها و رقّ حجابها فتتذكر عالمها الاعلي الاّ انها قد علّقت بها ثاء الثقيل و لحقها صفات من الاعمال الحميدة(الجيدة خ ل) و الذميمة فاذا التفت الي العالم الاعلي شاهدت ماهنالك مما تفور به فوارة القدر فتنتقش في مرآتها صور ما يظهر من هنالك و تكون صحة ذلك الانتقاش و بطلانه و كماله و نقصه علي حسب استقامة المرآة و عدمها في الكم و الكيف و الوضع و ذلك علي حسب ما اتّصف به من الصفات المستفادة من الاعمال فان كانت حميدة استقامت و كملت و صلح الانتقاش فكان ماتعاين هو الواقع و ان كانت ذميمة فعلي العكس و ان كانت ممزوجة كان مافيها ممزوجاً فافهم الاشارة فهذا اصل الرؤيا.
ثم اعلم ان لذلك واسطة فان كان هو الشيطان المقيض للرؤيا المسمي بالرها و كان ذلك باستقلاله كانت الرؤيا باطلة انما النجوي من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارهم شيئاً الاّ باذن اللّه و ان كان الواسطة الملك الموكل به باستقلاله كانت الرؤيا صحيحة و ان كانت من بينهما كانت ممزوجة ثم انا قلنا ان الخيال اذا قابل بمرآته التي هي ذاته باب القدر انتقش فيه صور مايفور من فوارة القدر فينتبه من نومه و يقع ما رأي صورته قبل الوقوع و ربما يكون بعد الاخبار به لان الاخبار ممايحقق الانتقاش المقتضي للوقوع و ربما يكون بمعونة التعبير فهذا منشؤها و لما جرت حكمة اللّه سبحانه بان المرايا تنتزع صور ماقابلها من ذات او صفة لون او مقدار او بعد او وقت او جهة او غير ذلك لامر حكيم من صنعه سبحانه وجب ان تنتقش في الخيال صورة كل ماقابلها فيري الشخص ما في خياله فيري صاحب الشبح لان ما في الخيال طريق المتخيل الي ذلك الشيء و صحته و فساده و كماله و نقصه من الاحوال المذكورة سابقاً فراجع فهذا حقيقة الرؤيا.
و اما عالمها عالم البرزخ و المثال الذي هو وراء الاجسام فان كانت صحيحة كان قد شاهد اشباح ماينزل من عالم الغيب الي الشهادة في عالم البرزخ من هورقليا و ان كانت باطلة كان قد شاهد
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 882 *»
اظلة مايعرض له في خياله من اوضاع الابخرة و اوهام النفس التي تتقدر باشباح الشياطين في ارض العادات و الطبع من جابلقا و جابرسا فهذا عالمها فافهم (راشداً خ ل).
قال سلمه الله تعالي: و منها انه قد يكون الرجل عبداً زاهداً صالحاً طالباً للعلوم حسن الحال فيسمع من العالم ان من الفريضة تعلم اصول الدين بالادلة اليقينية بحيث يتيقن في كل العقائد و لايشك فيتعلم هذا العبد ادلة العقائد لحصول اليقين فيها ابتغاء مرضات اللّه فيتسلط عليه الشيطان و النفس فيشككانه و يوسوسان في صدره فيكثر تشكيكه في الاعتقادات و في اول الحال لميكن له شك فزاد في هذه الحال تفكره في تحصيل الادلة اليقينية لحصول اليقين و كلما زاد تفكره زاد تشكيكه و يبتلي بالبلاء العظيم و مايعلم كيف مفرّه و مخلصه منه و هو يخاف ان يموت بلاايمان و يستدعي من الشيخ ان يبين طريق مخرجه و مخلصه من هذا البلاء العظيم.
اقول اليقين نور قائم يشرق علي قلب الشخص فتحصل به السكينة و الطمأنينة و الراحة و هو يحصل من مشاهدة الامور المطابقة للواقع مطابقة للواقع (مطابقة لنفس الامرخ ل) موافقة للاعتقاد و يقابله الشك و لما كانت الحكمة قد جرت بايجاد الاشياء علي ما هي عليه وكان ذلك الاّ اذا جري علي اختيارها فيتوافق قدر اللّه مع اختيارها و الاّ لكان الاشياء علي بعض ما هي عليه و بعض ما لي هي عليه و لا يكون الشيء لذاته علي غير ما هو عليه و الاّ لم يكن هو اياه و الاختيار يستلزم ان يؤخذ من الحق ضغث و من الباطل صغث فيمزجان ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و لو خلص الحق لم يخف علي ذي حجي و لكان في التكليف في كثير من المواضع الجاء و هو لايحسن في التكليف و في اغلب مراتب اليقين يقوم احتمال الشك لان النفس غير مستقرة النظر بل لايزال الريب و الاحتمال و التجويز و الفرض يجري عليها فاذا مال الشخص معه حصل الريب فاذا استقر عليه شك و اذا شك زال اليقين لان الشك اذا ورد علي نفس اليقين انقلب شكاً قال9 لاترتابوا فتشكوا و لا تشكوا فتكفروا.
فاذا نظرت في دليل مسئلة و ثبت لك به الحق فلاتمل مع احتمال المنافي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 883 *»
لانه من القاء الشيطان ليشكك المتيقن فان الالتفات الي خلاف الحق ان استوحش منه القلب فهو محض الايمان لان القلب لما آنس بالحق استوحش من الباطل و ان لم يستوحش منه القلب فهو الريب فاذا استقر الريب و التفت بعد استقرار الريب و حصل له ميل ماشك فاذا استقر الشك و التفت و حصل له ميل ماكفر فاذا ثبت لك حكم بالدليل فاثبت عليه و لاتلتفت الي خلافه قال اللّه تعالي فاسر باهلك بقطع من الليل و هو آخر الليل القريب من الصبح لان الاسراء يتعذّر عليك باهلك في النهار فلايمكنك ان تقف علي يقين لاثميل نفسك فيه الاّ في اليقين المقارب للضرورة ثم قال تعالي و اتبع ادبارهم اي كن سائقاً لهم تحثّهم علي السر و المعني في هذه الاشارة انك اذا ظهر لك معني فلايلتفت فيه الي الاحتمالات بل اشتغل بطلب معني آخر حتي لاتلتفت في الاول الي خلافه و لو بالفرض و التصور و الاحتمال و لا تفرض القول به من غيرك منك فينجر بك الامر الي الريب و هو قوله تعالي و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و ذلك في التأويل خطاب من اللّه سبحانه للعقل و اهله من العلم و العقل و الخيال و الفكر و الحيوة الاّ امرأتك انه مصيبها مااصابهم و هي النفس الامارة بالسوء فانها تلتفت الي قومها.
و انت اذا عرفت ان المراد منك ان تطلب المعرفة بشروطها و هي النظر و التفكر في خلق اللّه و ما اودع فيها من الاسرار و الحكم و في آثار القدرة و تتفكر في الموت و هجومه بغتة و انه يراد منك الاستعداد للرحيل و تجعل ذلك همّك ليكون مانعاً لك من ذلك الالتفات المنهي عنه و الطريق القريب المسافة الي اللّه هو هذا و اليه الاشارة بقوله تعالي او لم ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ماخلق اللّه من شيء و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم (فبأي حديث بعده يؤمنون خ ل) فبين بان النظر في الملكوت مع الاستعداد للموت قبل نزوله هو طريق الايمان النافع فاذا اشتغل الشخص بالعمل و النظر في عيوب نفسه و الاستعداد للموت حصل له اليقين بالمعارف بلا ميل و لا شك لان النفس بسبب الاستعداد لاتلتفت كما هو شأن كل من اهتمّ بامر فانه لايلتفت الي ماسواه فهذه النبذة اليسيرة فيها المخلص من ذلك البلاء العظيم.
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 884 *»
و اما من سرّح نظره في الفكر من دون الاشتغال بالعمل و اخلاص العبادة فان الشيطان يتوهّد به و يأتيه في فكره من عن يمينه ليشغله عن جميع الخيرات بمايلقي عليه من الشبهات و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه انه هو السميع العليم اللهم حل بيننا و بينه بحولك و قوتك فانه لاحول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
و فرغ منها مؤلفها عصر الاربعاء التاسع عشر من صفر سنة الرابعة و العشرين بعد المأة و الالف في يزد المحروسة من الاسواء و الحمد لله اولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً