09-34 جوامع الکلم المجلد التاسع ـ وسائل الهمم العليا ـ مقابله

رسالة وسائل الهمم العلیا فی جواب مسائل الرؤیا

 

من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم

الشيخ احمد بن زين‌الدين الاحسائي اعلي الله مقامه

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 842 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمدللّه الذي نور قلوب عباده المؤمنين و فتح عبون بصائرهم لمشاهدة الحق المبين و صرف ارواحهم عن شواغل هذه الدار فباشروا رواح اليقين فاستوي لذلك نومهم و يقظتهم في المعاينة و التعيين و حفظ اللّه عدده في ذلك عن نقائص التخمين و كانوا بذلك منار السائرين و قدوة المقتدين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و سادة العباد في الدنيا و الدين.

اما بـعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان شيخنا حاوي الفخر و الدين و مشنف الاذن و العين و نادرة الان و الاين و اغلوظة الكون في ذين و جالي العمي و الغين و مروج المذهب بلامين و مجدد دائرة علي الالف و ماتين و مزيل (الزلل خ ل) الميل و مقيم الاود (من البين خ ل) عن العين شيخنا في علوم الدارين و المعلم في السياستين شيخنا الشيخ حسين ابن المرحوم المقدس الشيخ محمد بن المبرور الاسعد الشيخ احمد بن عصفور البحراني الدرازي اصلح اللّه تعالي احواله و بلغه احسن آماله في مبدئه و مآله بمحمد و آله رأي كان والده المذكور ناول اخاه الشيخ الارشد الشيخ احمد اطال الله بقاءهما اربع مسائل ليوصلها اليه فلما وصلت اليه قرأها (فرآها خ ل) فحفظ منها اثنتين فسألته ان يملأها علي لاكتب عليهما ما تيسر علي حسب المقتضي فكتب هذه العجالة تبركاً (علي حسب مايسهل تبركاً خ ل) و تعرضاً لمودتهم فان وافقت القبول فمن اقبالهم و الاّ فالقاصر شأني و القصور مكاني و لعمري لقد كانتا مسئلتين عظيمتين قد اشتملت علي مباحث دقيقة و مسائل رشيقة تنبيئ عن علو المبدء و سمو المنتهي و وثاقة الواسطة و انما حضر عليهما ما سنح ( فكتبت عليها ما سنح خ ل) به الوارد من شوارد الفوائد و سميت هذه العجالة وسائل الهمم العليا في جواب مسائل الرؤيا متوكلاً علي اللّه و لا

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 843 *»

حول و لا قوة الا بالله.

اقول قبل الشروع في الكلام المقصود لابأس بذكر بعض الكلمات (مما خ ل) تناسب المقام في تصحيح كثير من الرؤيا و هو ان الرؤيا منها الصادقة(صادقة خ ل) و قد دلّت الاخبار علي ذلك فجعل بعض العلماء لها خيالات فاسدة و اختلافهم في ذلك مما لا معني له بعد ورود الاخبار بذلك و ان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة و ان الرؤيا الصادقة يراها المؤمن لنفسه او يراها له اخوه المؤمن هي التي ما قال اللّه تعالي لهم البشري في الحيوة الدنيا و في الآخرة و ان (لان خ ل)الشيطان لايتمثل في صورهم و لا في صور احد من شيعتهم فان رسول اللّه9 قال من رآني في منامه فقد رآني لان الشيطان لايتمثل في صورتي و لا في صورة احد من اوصيائي و لا في صورة احد من شيعتهم و ان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة هـ . و تأويل بعض العلماء لمعني الرؤية انها في اليقظة و ان الصورة هي ما يروون من صورته و صفته في كتبهم و غير ذلك من التأويلات و الاختلافات خيالات و اوهام لادليل عليها بل هي تخمينات في مقابلة النص كيف لا و الاخبار تدلّ علي خلاف التأويل باليقظة و لاينافي ذلك اختلاف صورته (صورة خ ل) عند رائيين لقول علي7 انا نتقلب في الصور كيف ماشاء اللّه من رآهم فقد رآني الحديث بل الحق ما دل عليه ظاهر النص و لا حاجة في التطويل الاّ ان هنا تنبيهاً واحداً يزيل تلك الاوهام عند ذوي الافهام الذين يطلبون الحق للملك العلام لا بكثرة الجدال و الخصام و الذين ينظرون الي المقال لا الي الرجال و هو ان ذكر النبي9و اوصيائه و شيعتهم اذا جري علي خيال المرء في نوم او يقظة هل للشيطان في ذلك(فيه خ ل) نصيب بحيث يتصور فيها او يشارك تلك الصور بحال اليس ذكرهم هو ذكر اللّه اليس هو التوكل  علي اللّه انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون فكيف يجترئ الشيطان علي التمثل لهم(بهم خ ل): و بشيعتهم (و شيعتهم خ ل) فبين لنا يا ذاالفصاحة و العقل و تلك هي مادة الرؤيا بل هي الرؤيا و كذلك في اليقظة

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 844 *»

نعم اذا ولج في النفس غير ذكرهم ممايتعلق باحوال النفس و الدنيا و غير ذلك مما ليس للّه تعالي شاركهم الشيطان فيه انما سلطانه علي الذين يتولونه و الذين هم به مشركون و في هذا كفاية لاولي الالباب و طالبي الصواب و لاينتفع الف جواب لاولي الحجاب و لا تصغ الي من بضاعته قال فلان و قال فلان فان ذلك كما قال7 عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و  من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور فصرّح بماقلنا ان هذه الرؤيا التي نحن بصددها حق و انها جزء من سبعين جزء من النبوة فاذا تمهّد ذلك فنقول.

قال رحمه الله مسئلة كيف القرعة تجعل الاعلي اسفل و الاسفل اعلي و كيف الذاتي يتحول عن ذاتية و بتحوله يخرج عن كونه ذاتياً ام لا.

اقول هذه المسئلة الاولي من المسئلتين و هي تشتمل علي ثلث مسائل الثانية فرع الاولي و الثالثة فرع الثانية اما الاولي و هي قوله ره كيف القرعة تجعل الاعلي اسفل و الاسفل اعلي، فتوجيه السؤال فيها ان القرعة حيث شرعت لكل امر مشكل كان مقتضاها الحكم علي الشي‏ء من بين امثاله المتساوية النسب الي ذلك الحكم لولا القرعة خصصت بذلك في الظاهر و لم‏يكن متعيناً له بل قد يكون هو المحكوم عليه و قد يكون غيره في نفس الامر فبكونه ذالحكم  بحكمها و ليس كذلك في الواقع او هو كذلك في الواقع مع تجويزه لغيره ظاهراً لعدم التعيين الواقعي في الظاهر قال ره كيف تجعل الاعلي اسفل و الاسفل اعلي في الحالين و الجواب يحتاج الي تقديم كلمات في تحقيق الحكم علي سبيل الاختصار و الاقتصار و هو ان حكم اللّه في كل واقعة واحد لااختلاف فيه و لا رفع و لا وضع و لايعثر عليه في كل واقعة الاّ من اشهده اللّه خلق الاشياء و اجري عليها بواسطته (بواسطة خ ل)احكامها و هو الحجة7 و قد اعلمه اعواضها و ابدالها في مواضعها فبهداية اللّه له يحكم بما اراه اللّه و هو الحكم الواقعي او بدله او

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 845 *»

عوضه في مواضعهما و اليه الاشارة(و ذلك خ ل) بقوله تعالي فاسلكي سبل ربك ذللاً، هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و هو (وهذا خ ل)معني التفويض الوارد عنهم: في الاخبار لا تفويض القدرية اما غير الحجة7 من الحكام الذين يقتبسون من تلك الانوار و يقتفون تلك الآثار فحيث كانوا مختلفي الآراء لاختلاف الطبائع و لمخالفته7 بينهم باختلاف الاخبار ابقاء منه (عليهم السلام خ ل) عليهم و علي رعيتهم في دولة الفجار اختلفت احكامهم فمن بذل جهده في طلب الحق من الكتاب و السنة بجودة فهمه و عقله المستخرج غوره بالحكمة كما قال الصادق7 و هو العلم و العمل و صفاه من شوب العادات و التعصبات و الاجراء علي قواعد علم لم‏ينصب لها الشارع المنار بخصوص او عموم تصريحاً او اشارة و ينكبّ التسرج(التبرع خ ل) في الاعتبار و ازال عن عين بصيرته الغبار و اصلح عمود معياره عن الانكسار و نظر بمحض فهمه المستنير لا بقواعد علمه بمعني انه لايصرف مفهومه و معقوله اعتماداً علي قواعد علم تخالف ذلك فهو يحاكم ربه الذي يعلم قلبه و يتفهم قبل ذلك قول علي7 و اليها حاكمها كما رواه في النهج فمن كان كذلك اصاب البتة حكم اللّه الواقعي البدلي المتقلب في المنصفين من طالبي الدين و اليه الاشارة بقوله تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين و الاحسان ما وصفت لك فافهم و هذا الحكم الواقعي غير الحكم الواقعي الذي ذكرناه سابقاً فان ذلك لايخرج عن اهله و لاتكثر فيه و لاتبدل و هذا يتكثر و يتبدل و يختلف باختلاف قابلياته فافهم و ليس هذا قولاً بالتصويب فان اولئك يزعمون ان حكم اللّه الواقعي يتكثر و يختلف و كذبوا بل انما يختلف صوره و اشعته الواقعة في قلوب العلماء من قلب حجة اللّه بسبب اختلاف تلك القلوب لاختلاف الطبائع و لاختلاف ذلك الاشراق دفاعاً عن الفرقة المحقة فافهم و انما قلنا ان ذلك المختلف واقعي لترتب الاحكام و ثمراتها عليه واقعاً كالثواب و العقاب و الطاعة و المعصية في الدنيا و الآخرة و لو لم يكن واقعياً

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 846 *»

لما ترتب عليه شيء في الواقع لا في الدنيا و لا في الآخرة و هو قوله تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين،  ما علي المحسنين من سبيل فان المخطي لايكون محسناً و لايكون اللّه معه و من ذلك القرعة فيما شرعت فيه مثلاً كاستخراج الشاة الموطوئة للانسان من قطيع اذا لم تعلم بعينها فقد تستخرج القرعة شاة لم تكن موطوءة في نفس الامر فاذا حكم عليها حكم عليها ح بالذبح و الحرق و الموطوءة يحكم عليها بالحل مع استمرار عدم العلم فقد جعلت القرعة الاعلي اسفل و الاسفل اعلي و الاصل في ذلك حكم الواقعي البدلي الجاري علي لسان الحاكم فان جعل الاعلي اسفل و الاسفل اعلي لايختص بالقرعة بل ذلك جار للحاكم الشرعي في كثير من الاحكام كايقاع الوكيل وكالته بعد عزله و لم‏يبلغه في كثير من الاحكام كايقاع الوكيل وكالته بعد عزله و لم‏يبلغه في كثير من الاحكام و كامره بتزويج امرءة المفقود زوجه بعد تلك الحدود ثم اتي بعد التزويج و غير ذلك و كل ذلك احكام في الواقعي البدلي كما اذا خرجت هذه من العدة و لم تتزوج مثلاً فان المشهور ان لا سبيل له عليها و قال الشيخ له السبيل عليها و قال العلامة ان خرجت بطلاق الولي فلا سبيل له عليها و هو اولي بها ان كان ذلك بامر الحاكم من غير طلاق فاذا عمل بكل قول حاكم اليه الحكم و حصل من الكل التناسل كان كل منها حكم اللّه الواقعي البدلي و لو لم‏تكن احكاماً في الواقع لما ظهر ذلك النسل المتولد من هذا التزويج و لم‏يكن مثل الاول في (من خ ل) احكام الآخرة كما مر و لو كان حكم اللّه الواقعي الذي لا يختلف لما اختلف و لا تكثر و لا تصغ الي مقال من لم‏يعرف الحال و اسمع قول علي اميرالمؤمنين المفضال عليه صلوات اللّه الملك المتعال ان العلم نقطة كثرها الجهال.

الثانية من الاولي قوله تغمده الله برحمته و اسكنه بحبوحة جنته: كيف يتحول الذاتي عن ذاتيته، اقول و تقرير السؤال اذا حكمت القرعة

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 847 *»

مثلاً علي حرام في الواقع بالحل و بالعكس تحول الذاتي عن ذاتيته و ذلك غير جائز و الجواب ان الاشياء في اصل خلقتها علي الاهمال و الاباحة حق يرد عليها الامر و النهي ورود الامر و النهي عليها في مقامين المقام الاول يلحق وجودها فان خطاب اللّه اذا ورد علي فعل المكلف كان علي حسب مايقتضيه وصفه كما اشار الي ظاهره البهائي في زبدته تغمده اللّه برحمته و ذلك علي مثال ماقال الشاعر:

اري الاحسان عند الحر دنياً   و عند الرق منقصة و ذماً
كقطر الماء في الاصداف در   و في بطن الافاعي صار سماً

و قال تعالي و ليزيدن كثيراً منهم ما انزل اليك من ربك طغياناً و كفراً فضل به كثير و اهتدي به كثير فكان بامره الحلال و بنهيه الحرام و قد حققنا ذلك في شرحنا علي تبصرة العلامة زاد اللّه اكرامه و اعلي مقامه بما لامزيد عليه في التحقيق و انما اشرنا هنا بهذه الاشارة تحقيقاً للتقسيم.

المقام الثاني ان الاشياء في عالم الكون في الاعيان و الاجسام ظهرت علي الاباحة بنص القرآن و الاخبار و بقراح الاعتبار فاذا ورد الامر علي شي‏ء وجب و اذا ورد النهي علي شي‏ء حرم فكان الوجوب و الحرمة صفة للشي‏ء لا ذاتياً له بل باعتبار وصفه به و لزومه لذاته و لكن بهذا الاعتبار اعني لزومه للذات يكون ذاتياً له و كذلك في المقام الاول و قد اشرنا علي ما ذكرنا براهين في كثير من مباحثاتنا و في اجوبة بعض المسائل فاذا تقرر ذلك فاعلم ان الحكم بالذاتي الاولي الذي لايتبدل و لايتغير و لايختلف لحجة اللّه7 و لا يعلم من الخلق سواه لانه في لوح القدر و القضاء المحفوظ كما اشار اليه في موثقة ابي‏مريم عن ابي‏جعفر7 قال قال علي7 لو قضيت بين اثنين بقضية ثم عادا الي من قابل لم اردهما الاّ علي القول الاول لان الحق لايتغير و اما الحكم الثاني الذي هو في لوح المحو و الاثبات فهو الي العلماء يرد حكمه و هو يتكثر و يختلف بتكثرهم (بكثرتهم خ ل) و اختلافهم فبذلك يكون الذاتي يتحول عن ذاتيته الثانية المختلفة لا الاولي كما اشار اليه ره في امر حكم القرعة و (هذا خ ل) لهذا

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 848 *»

لو عثر آخر عن علم علي ذلك الذي حكم الحاكم بغيره لزمه حكمه و لو تغير كل ذاتياته بحكم الحاكم لما وجب الصوم علي من رأي هلال شهر رمضان وحده و الناس مفطرون بامر الحاكم اذا لم‏يثبت عنده و غير ذلك من الاحكام فالذاتي المتحول عن ذاتيته هي الذاتية الثانية المتبدلة المتغيرة التي لا ثبات لها الاّ بحكم الحاكم المختلف نعم هو ذاتي واقعي كما قلنا انه حكم اللّه الواقعي بمعني ترتب احكام الدنيا و الآخرة عليه و اما تحوله بالمعني الاول و هو الحكم اللاحق الوجود كما مر فهو انقلاب حقيقة الي حقيقة اخري و ليس الثانية من الاولي في شي‏ء و لا عينها بل يكون بينهما تمام التباين فان العذرة اذا استحالت تراباً ليس ذلك عذرة بحال و انما كان اصل الاشياء مادة واحدة مجردة لاتدخل في هذه الاكوان الاّ بالصور فتجنس (فتجنست خ ل) الاجناس بالصور الجنسية و تتنوع الانواع بالصور النوعية و تتشخص الاشخاص بالصور الشخصية و الاحكام منوطة بالاسماء و الاسماء بالصور ثم لما كان مراده تغمده الله برحمته الذاتي الثاني لانه هو الذي يناسب جعل الاعلي اسفل و الاسفل اعلي علي حكم القرعة نبه في السؤال عليه و لما شارك الاولي في التسمية و الاقتضاء الامكاني الخاص ناسب المعارضة بحكم الاول الممتنع لعدم وقوعه في الاحكام المتبدلة.

الثالثة قوله اعلي الله رتبته و عطر تربته: و بتحوله يخرج عن كونه ذاتياً ام لا.

اقول ان جواب هذه المسألة يعلم مما سبق و هو انه يخرج عن الذاتية المتحول عنها لا غيرها كما مر فلاحظ فان من عرف ماقلنا عرف حقيقة الجواب و عثر علي محض الصواب الاّ ان في ذلك مباحث براهينها ليس هذا محلها و العارف لايحتاج اليها فان لكل حق حقيقة و علي كل صواب نوراً و صلي اللّه عليه محمد و آله.

المسئلة الثانية قال طهر اللّه رمسه و قدّس نفسه مسألة و هل الظنون تدفع بالظنون و هل تتولد الظنون من الظنون و اذا تولدت عنها فهل تبقي ظنوناً او تنقلب شكوكاً.

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 849 *»

اقول هذه المسألة ايضاً تشتمل علي ثلث مسائل كالاولي.

الاولي و هل الظنون تدفع بالظنون، اعلم ان المراد من الظن هو الراجح الغير المانع من النقيض و لو بتجويز من جري علي خياله و له مراتب بحسب مقاماته اعلاها الظن المتآخم بالعلم و ادناها ما وسم بمسمي الرجحان بل قد يسمي الاعتقاد المانع من النقيض عند المعتقد ظناً قال تعالي الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم و انهم اليه راجعون فاذا تعارضا الظنان عند صحيح النظر (الظن خ ل) و هو المجتهد في آنين لعدم امكانهما من واحد في آن واحد و لعدم صحة فرض المسألة المفروضة من ظانين لعلو مرتبة السائل عن فرضهما من اثنين عند احدهما لان ذلك لايكون الاّ عن جهل بالمسئلة فاذا صدر الظنان في آنين من ظان واحد و اجتمعا في الخيال انقلب احدهما و هما مرجوحاً او شكاً لعدم امكان راجحية شيء و راجحية نقيضه في آن واحد من حيثية واحدة حتي ان اباجعفر7 سمي الظن بالنسبة الي ما هو اعلي منه شكاً كما في صحيحة زرارة عنه7 حين قال له فان ظننت انه قد اصابه و لم اتيقن ذلك فنظرت فلم ار شيئاً ثم صليت فرأيته فيه قال تغسله و لاتعيد الصلوة قلت لم قال لانك كنت علي يقين من طهارتك ثم شككت و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابداً فسمي الظن شكاً فان قيل انما اراد زرارة الشك و عبر منه بالظن و هو كثير في كلامهم قلنا استعماله في ذلك موجود و لكنه خلاف الاصل و الاصل في الاستعمال الحقيقة و لا سيما من مثل زرارة فانه انما يجري غالباً علي العرف لا علي اللغة و عرف المتشرعة ان الظن قسيم الشك علي انه ذكر في هذه (المسألة خ ل) الصحيحة الشقوق الثلثة ذكر العلم اولاً فاجابه بالغسل و الاعادة و ذكر الظن هذا فاجابه بما سمعت ثم ذكر الشك في آخرها فقال ان شككت في انه اصابه الخ مع ان في صحيحة زرارة الاخري عنه لاتنقض اليقين ابداً بالشك و لكن تنقضه بيقين آخر فحصر نقض اليقين فيما هو بمثله(مثله خ ل) و مادون اليقين شك و كثرة التعارض بينهما لايخفي و نفيه عند اليقين ظاهر فاذا تعارض الظنان دفع الاقوي الاضعف

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 850 *»

لتعين الاقوي عند العمل اذا انسد باب اليقين و امكان النقيض لايبطله لان الظاهر حجة ما لم‏يكن مساوياً فاذا ساواه كان شكاً ان كانا من واحد و بطل استدلال الآخر بمعارضته بمثله ان كانا من اثنين فقد ظهر بما صدر ان الظنون تدفع بالظنون كما قلنا و الاقوي يدفع الاضعف و المتساويان من واحد ينقلبان شكاً و يثمران تردداً و توقفاً و من اثنين يدفع ظن كل واحد ظن الآخر لانه عند الآخر وهم و بالعكس و الاّ لزم الحكم الاول في الواحد فيلزم كل منهما حكمه ان كانا كك الاّ انها لاتكاد تتحق منهما عند احدهما لانه اذا عارضه بظنه كان الآخر وهماً و الاّ لم‏يكن ظناً بل هو شك فلذلك قلنا سابقاً ان مقامه زاد الله اكرامه أعلي من ان يسأل قرة عينه عن مثل ذلك.

الثانية قوله رفع الله درجته و اسكنه جنته: و هل يتولد الظنون من الظنون، اشار بذلك الي ما ذكره بعض العلماء و اورده علي المجتهدين الذين يقولون ان الاجتهاد استفراغ الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي من الاجتهاد اذا كان تحصيل الظن بالحكم من الادلة الاربعة الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل و كلها انما تفيد الظن اما الكتاب فهو و ان كان قطعي المتن فهو ظني الدلالة لكثرة المتشابه فيه و التقديم و التأخير و الحذف علي تقدير(حمل خ ل) اجراء ما ورد في ذلك من النصوص المتضافرة علي ظاهرها كما هو الظاهر حتي انه ورد في صحيحة هشام بن سالم انه سبعة عشر الف آية و في رواية اخري ثمانية عشر الف آية مع انه قال اشتهر الآن انه ستة آلاف و ستمائة و ست و ستون آية و في تفسير العياشي عن ميسر عن ابي‏جعفر7 قال لولا انه زيد في كتاب اللّه و نقص ما خفي حقنا علي ذي حجي و لو (قد خ ل) قام قائمنا فنطق فصدقه القرآن و اخبار(كاخبار خ ل) علي7 انه ما من شي‏ء ابعد من العقول من تفسير القرآن و غير ذلك مما لايكاد احد يدعي قطعية دلالته عن ثبت الاّ بما لا اجتهاد فيها قطعي دلالته عن ثبت الاّ بما لا اجتهاد فيها و اما السنة فهي ظنية المتن و الدلالة اما المتن فلايثبت القطع به الاّ بالتواتر و لم يرد فيها حديث متفق علي تواتر لفظه نعم قيل في قوله9 من كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار انه من المتواتر و للبحث فيه مجال و اما الدلالة فقد تحصل

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 851 *»

من متواتر المعني و هو كثير في اخبارنا ممايحصل الاتفاق علي معناه الاّ ان دلالته علي ذلك المعني الذي انعقد عليه الاجماع انما تحققت كذلك بالاجماع و الاّ فقد وردت الروايات عن سادات البريات: في مواضع بما ينافي حصول اليقين منها مثل ما رواه في معاني الاخبار عن داود بن فرقد قال سمعت اباعبد اللّه7 يقول انكم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتصرف علي وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف يشاء و لايكذب و روي المفيد في كتاب الاختصاص و الصفار في بصائر الدرجات باسنادهما عن عبد الغفار الجازي عن ابي‏عبد اللّه7 يقول اني لاتكلم علي سبعين وجهاً في كلها (منها خ ل) المخرج هـ .و باسنادهما عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه السلام قال انا لنتكلم بالكلمة لها سبعون وجهاً لنا من كلها المخرج و في البصائر عن ابي‏بصير قال سمعت اباعبد اللّه7يقول اني لاتكلم بالكلمة الواحدة لها سبعون وجهاً ان شئت اخذت كذا و ان شئت اخذت كذا . و غير ذلك مما يفيد هذا المعني و قال الرضا7 ان في اخبارنا محكماً كمحكم القرآن و متشابهاً  كمتشابه القرآن فردوا متشابهها الي محكمها و لا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا هـ . فاذا كان الحال كذلك تعذر حصول اليقين منها فليس الاّ الظن علي ما يظهر من اختلاف الانظار و تباين الاعتبار فقد يكون المحكم عند آخر متشابهاً و لولا ان كل ناظر اليه النظر متعبد بظنه كما قال9 لما كاد يثبت (الظن خ ل)الاجتهاد لاحد الاّ لقليل و لارتفع التكليف و اما الاجماع فلايثبت عندكم الاّ اذا كشف عن دخول قول المعصوم عليه السلام في اقوال المجمعين و لايعلم ذلك حتي يشافه جميع اهل العلم الذين في الدنيا في مشهد واحد في آن واحد و يخبر كل واحد منهم بقوله فيتفقون علي قول واحد بلاخلاف بل ذكر في الذكري انه لو جاز في مجهول مظهر لمذهب اهل الخلاف ان يكون هو الامام7 و ان اظهار ذلك المذهب علي سبيل التقية

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 852 *»

اعتبر قوله في تحقق الاجماع و لايخفي ان في مثل ذلك متعذر فلم‏يبق الاّ الاجماع المنقول و هو عند المحققين بحكم خبر الواحد و اذا قلنا بجواز العمل بخبر الواحد لم يفد الاّ الظن و اما دليل العقل فان العقل لايصح استقلاله في تأسيس الاحكام اتفاقاً و اما في ترجيحها فلابد له من مستند و ليس الاّ الكتاب و السنة و الاجماع و قد عرفت الكلام فيها فدليله باعتبار استناده الي احدها فلايكون عنه الاّ الظن فاذا كان الاجتهاد انما يحصل الظن عن هذه الظنون و كانت المقدمات ظنية كانت النتيجة دائرة بين الظن لانها متولدة من الظن و بين الشك لان راجحية النتيجة فرع راجحية المقدمتين و الفرع لايساوي الاصل في التحقق لابتنائه علي اصالته و عليته فيتطرق عليه ما لايتطرق علي الاصل اذ وصمة الفرع لاتدخل علي الاصل و وصمة الاصل وصمة في الفرع فاذا اعتبر اخسّ المقدمتين لتيقنها و للشك فيما زاد عليها كانت ح شكاً و قد اشار في آخر كلامه الي ذلك ترويجاً (ترويحا خ ل)للحال و امتحاناً في السؤال فقال هل تبقي ظنوناً او تنقلب شكوكاً فهل يتولد الاجتهاد عن هذه الظنون اذا تولدت عنها فهل تبقي ظنوناً لانها من الظنون او تنقلب شكاً لمايتطرق علي الفرع كما مر و الجواب بعد قطع النظر عما ذكره العلماء في هذا المقام من النقض و الابرام اذ المقام يقتضي عدم الفائدة في ذكره و هو كما ذكره الاكثر ان المجتهد اذا استفاد من تلك الادلة الظنية ظناً بالحكم بعد امتحان بصيرته في تلك و هو ممن يعتبر ظنهم فيركب له من اول الشكل الاول قياساً و هو هذا ما ادي اليه اجتهادي و كلما كان كذلك فهو حكم اللّه في حقي فالصغري وجدانية و الكبري اجماعية من الاكثر فاذا سلمت المقدمتان كانت النتيجة قطعية و الاّ لزم تكليف مالايطاق علي انه قد تحقق في اصول الدين و نطق به الكتاب المبين انه سبحانه  لا يكلف نفساً الا وسعها و الوسع دون الطاقة و الاجتهاد استفراغ الوسع و بذل الجهد الذي هو غاية الطاقة فاذا بذل غاية جهده في طلب رشده كما امره اللّه و لم يتيقن الاصابة لما يراد منه علي اي تقدير اريد منه القطعي او الظني الذي لم‏يكلف بغيره كان تكليفاً بما لايطاق بل

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 853 *»

يهدي سبل اللّه كما وعده(الله خ ل) عز و جل قال تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين و اذا بذل جهده احسن و كان اللّه معه فالمراد بالعلم في حدودهم هنالك في علم الاصول علي الاصح القطع بتعين العمل بها لا الظن و لا الظاهر فافهم و اما تصحيح مقدمة الصغري(الكبري خ ل) فلا كلام فيه و انما الكلام في الكبري و من تتبع الاخبار و جاس خلال تلك الديار و نظر بصحيح الاعتبار سلم الكبري بلا انكار و رأي انه صحو بلا غبار لا من جهة الاجماع لكثرة المناقشة فيه و ان كان اثباته سهلاً بمعني كشفه عن دخول قول  المعصوم7 و معلومية مذهبه كما يظهر من آثارهم الاّ ان المتولد من الظنون قد تحفه القرائن و تتراكم عليه الامارات و الشهرة و غير ذلك حتي تخرجه عن الظن و يحصل بذلك علم عادي و لاسيما المجتهد الذي هو شديد الاعتناء بتحصيل المرجحات من مظانها و لذلك استفرغ وسعه بل قد جري نظير ذلك في عادة المتقدمين من القطع بالخبر المحفوف بالقرائن حتي يخرج بتلك عن الآحاد و يلحق بالتواتر و تلك القرائن و ان لم تحصل لنا لبعدنا عنها فقد يحصل لنا ما يكفينا و ذلك من تمام حجة اللّه علي عباده مادام التكليف علي عباده مادام التكليف و هذا التسديد من الامام7لشيعته و هو معني قوله7 انهم ينتفعون بغيبته كما ينتفع الناس بالشمس اذا غيبها السحاب حتي ان اباعبد اللّه7 قال ان الارض لاتخلوا الاّ و فيها امام كيما ان زاد المؤمنون ردهم و ان نقصوا شيئاً اتمه لهم كما رواه الديلمي في اعلام الدين و لقد روي عنهم عليهم السلام كما رواه اسحاق بن عمار عن الصادق7 في باب ان الارض لاتخلو عن حجة من كتاب الحجة من الكافي و لقد روي عنهم ما معناه ان ذلك الانتفاع انما هو التسديد للاصابة و اولي بذلك من جعلوه حاكماً و حافظاً للمذهب و امروا شيعتهم بالاخذ عنه حتي تزول دولتهم و يظهر مستورهم اللهم عجل فرجه و سهل مخرجه و لعله تغمده اللّه برحمته اعرض عن ذكر القطع و تغافل عنه فقلب الامر ظهراً لبطن تصعيباً للسؤال حين اقتضاه الحال او انه يري الظن كما هو رأي البهائي

 

«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 854 *»

في زبدته و علي هذا فلايقال انا لم نجب السؤال بما يطابقه لان من قال ان القطع يتولد من الظن يقول ان الظن يتولد من الظن بالطريق الاولي علي انا نقول ان تلك الادلة ليست كلها ظنوناً و لولا خوف الاطالة لشرعت الحال في كلها شرحاً يغني من كان له قلب او القي السمع و هو شهيد ثم علي مايظهر من السؤال (لا نقول خ ل) نقول نعم ان الظنون تتولد من الظنون اذا كانت الامهات معتبرة لاعتبار ظن المولد الحكيم و براهين جميع ما ذكرنا و اجوبة ما عسي ان يرد عليها مما يطول به الكلام فاعرضنا عنه لذلك و لان العاقل تكفيه الاشارة فان لكل حق حقيقة و علي كل صواب نوراً و الجاهل لاينتفع بالف عبارة بطوناً و ظهوراً.

الثالثة من الثانية.

قال; سقي ثراه بمزن رضاه: و اذا تولدت عنها فهل تبقي ظنوناً او تنقلب شكوكاً.

اقول انما قال و اذا تولدت اشعاراً بتحقق التولد لاتيانه باذا دون ان كما هو ظاهر و اعلم انها تبقي ما لم يحصل معارض لامهاتها و اصولها اما بمساو فيقع التردد و الفرض الاحتياط كما امر في النصوص بذلك ان امكن لعدم المانع من العمل به او لوجوده او الاخذ بايهما شاء من باب التسليم اذا اضطر الي ذلك و الاّ فالاولي ان يذره في سنبله الاّ قليلاً مما يأكل و اما براجح فيتعين العمل بالاخير فينقلب الاول شكاً كما تقدم و كما اشار اليه; جري ذلك علي توزع بال و دوام ملال و اشتغال في قيل و قال و في حال و فرغ ليلة الاثنين التاسعة و العشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1211 الحادية عشرة بعد المأتين و الالف و الحمد لله رب العالمين حامداً مصلياً مسلماً و مستغفراً.