رسالة فی جواب الشیخ محمد مهدی بن الملا شفیع الاسترابادی
عن عشر مسائل منها ماسأل عن طهارة طین الطریق
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 792 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد المسکين احمد بن زينالدين الاحسائي انه قد ارسل الي جناب الشيخ المهدي الشيخ محمدمهدي مسائل اراد کشف النقاب عن وجوهها و کنت في شغل عنها و عن غيرها لموانع من الاعراض و الامراض تصدني عن التوجه الي شيء ولکن لماالتزمت اجابته فيها الزمت علي نفسي ما يتسهل من الجواب اذ لايسقط الميسور بالمعسور و الي الله ترجع الامور.
قال سلمه الله: قد اشتهر بين اصحابنا الحکم بطهارة طين الطريق اذا غلب علي الظن نجاسته لان الاصل يقتضي الطهارة مع ان الظاهر يشهد بالنجاسة و ذهب العلامة في النهاية الي العمل بالظن الغالب عملاً بالظاهر و الحال انهم يحکمون في غسالة الحمام بالنجاسة عملاً بالظاهر ما وجه الفرق بين الصورتين.
اقول: اختلف الاصحاب رضوان الله عليهم في ثبوت النجاسة باي شيء يحصل بعد اصالةالطهارة فالمفهوم من المنقول عن ابن البراج من عدم اعتبار الظن مطلقاً في اثبات النجاسة هو اليقين و ظاهر کلام العلامة في المنتهي الاکتفاء بالظن المستند الي سبب شرعي فالعلم المذکور في خبر حماد عن الصادق عليه السلام في قوله الماء کله طاهر حتي تعلم انه قذر و في خبر عمار کل شيء نظيف حتي تعلم انه قذر هـ عنده اعم من اليقين و الظاهر من کلامه ان السبب المعتبر هنا شهادة العدلين لا العدل الواحد قال في المنتهي لو اخبر عدل بنجاسة الاناء لميجب القبول اما لو شهد عدلان فالاولي القبول و قوله في التذکرة ان استند الي سبب کقول العدل فهو کالمتيقن و الا فلا و الظاهر انه اراد به اذا کان مالکاً له کما قاله في المنتهي لو اخبر العدل بنجاسة انائه فالوجه القبول و استبعد البهائي ما فهمه العلامة من التعميم بناء علي ان العلم لايفهم منه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 793 *»
عرفاً الا اليقين و جزم المحقق بعدم القبول بالعدل الواحد و جعل القبول بالعدلين اظهر و قال بعضهم شرط قبول العدلين اخبارهما بذلک لاختلاف العلماء في المقتضي للتنجيس و قال بعضهم شرط قبول خبر العدل بنجاسة انائه ان يکون قبل الاستعمال اذ بعد الاستعمال لميکن مالکاً ح للماء لذهابه بالاستعمال يکون اخباراً بنجاسة مال الغير و اکتفي ابوالصلاح في الحکم بالنجاسة بمطلق الظن سواء استند الي سبب شرعي ام لا و الظاهر من هذه الاقوال هو ما ذهب اليه العلامة في المنتهي من قبول الظن المستند الي سبب شرعي و هو شهادة العدلين و اخبار المالک و اما غير ذلک فلاينقل الشيء عن حکم الاصل فانه قد ثبت بيقين و لاينقض الا بيقين مثله لکن هذا حکم اقتضائي من الشارع و اذا اطلقه في جميع افراد الصور و کان فيها بعض الافراد خارجاً عن حکم الاقتضاء بحکم وضعي بان يکون لها مانع و المانع غالباً اقوي من المقتضي استثناه منها کما استثني في حکم الاقتضاء الکلي من قوله لاتنقض اليقين بالشک ابداً ثلاثة اشياء غسالةالحمام و غيبة الحيوان و البلل المشتبه بالمني فان المانع للاقتضاء في الاول ما تجد من نفسک و من غيرک في الحمام من القاء النجاسات و عدم التحرز منها اعتماداً علي التطهير في الکثير فانه يحصل للمتنبه المتفقد القطع بالنجاسة لکنک مع عدم التفقد عن بصيرة و عن غفلة لايظهر لک الا ان الطهارة ثابتة بيقين الاصل و ان النجاسة مشکوک فيها و الشارع عليه السلام في التکليف بما يشتمل المکلفين يجري الاحکام عن الله تعالي علي ما تعرفه العامة فيکون ذلک عدلاً في العوام لعدم احتمالهم اکثر من هذا و رأفة بالخواص و توسعة لهم فضلاً منه عليهم و منه ليشکروا آلائه علي ارادته اليسر بهم دون العسر و المانع للاقتضاء في الثاني ارادة الوسع بهم و التخفيف عليهم و لميجعل عليهم في الدين من حرج لعلمه تعالي بايمانهم و اجابتهم له حين حملهم علي المشاق فلما قبلوا خفف عنهم و انزل لهم الآيات لايکلف نفساً الا وسعها الخ و المانع للاقتضاء في الثالث ان ما يشتبه به لايکاد يشتبه علي احد اذا تنبه لذلک ولکنه لما جوز المنافي حکم بالاشتباه و انما جوز المنافي لعدم الانتباه و التفقد او
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 794 *»
عدم البصيرة في معرفة الموضوع فلاجل ذلک جعل الشک يقيناً لان هذا الشک لميحصل عن تساوي الطرفين و تعادلهما و انما نشأ مما قلنا و من مثله و من هذا النوع السبب الشرعي فانه لولا قبول شهادة العدلين لامتنع الحکم بين اثنين لعدم الاطلاع من الحاکم علي الغيب و علي الامور الواقعية فتتعطل الاحکام و يختل النظام و هو اعظم مفسدة من نقل الحکم باخبار العدلين عن يقين الاصالة و قد اتفقت کلمتهم علي انه لو کان الماء مبيعاً لازماً و شهد العدلان بنجاسته جاز رده بشهادتهما و ان کان الحاصل منها هو الظن و مثله اخبار المالک حال کونه مالکاً فان ما اقامه الشارع الموصل للقاعدة مخرجاً من حکمها مخصصاً لو لميعتبر لا نه مفيد للظن لميعتبر المفيد لليقين لان الافادة منهما من حاکم واحد فيجب القبول منه و المحکم من القرآن ناطق بمثل ذلک فيما لو شهد ثلاثة بالزنا علي شخص فانهم کماقال تعالي فاذ لميأتوا بالشهداء فاولئک عند الله هم الکاذبون فانه يجوز انهم صادقون في نفس الامر و حکم عليهم انهم عنده کاذبون لانهم ليسوا باربعة. فاذا عرفت ما اشرنا به ظهر لک ضعف ما ذهب اليه القاضي و دل عليه کلام الخلاف و ظهر لک ان المراد بالعلم في الاخبار هنا ما هو اعم منه و من الظن الشرعي و اما اخبار العدل عن غير ملکه و ان افاد الظن کما ذهب اليه الحلبي فلاينقل عن الاصل المتيقن لان افادته الظن من قرائن لميرد عن الشارع عليه السلام اعتبارها و الا لجري في جميع الاحکام کالعدلين فان قلت انما لميجر في الجميع کالعدلين لعدم اطراد افادته فاذا حصلت اعتبر قلت انما منعنا منه لعدم الاطراد لو کان الاطراد معتبراً فاما اذا لمنعتبره و لميعتبره الشارع لعيه السلام فاي فائدة فيه لان الشارع نصب لليقين نظيراً يقوم مقامه و هو اخبار العدلين و ان لميفد ظناً فان اعتبر القائل بخبر الواحد الافادة قلنا هي لميعتبرها الشارع في العدلين و لميجعلها مناط القبول فکيف تکون مناطاً له من غير جعل الشارع عليه السلام و ان لميعتبرها في الواحد فالواحد لميعتبره الشارع عليه السلام فافهم.
فاذا فهمت هذا فطين المطر طاهر لان المطر مطهر فما اصابه المطر فقد طهر و في رواية الکاهلي عن ابيعبدالله عليه السلام في آخرها
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 795 *»
قال کل شيء يراه المطر فقد طهر و في الکافي و التهذيب و الفقيه عن ابيا لحسن عليه السلام في طين المطر انه لابأس به ان يصيب الثوب ثلاثة ايام الا ان يعلم انه قد نجسه شيء بعد المطر فان اصابه بعد ثلاثة ايام فاغسله و ان کان الطريق نظيفاً فلاتغسله هـ اقول هذه الرواية صحيحة المعني و بيان ذلک ان قوله عليه السلام الا ان تعلم انه قد نجسه شيء بعد المطر ان اراد به اليقين فظاهر لان الظن علي هذه الارادة حکمه ساقط فيکون الطين طاهراً و ان غلب علي الظن النجاسة کما اشتهر و لا عيب فيه و ان اريد به الاعم فقد بينا ان الظن المستند الي سبب شرعي کالعلم و الاصح ثبوت النجاسة به و هو شهادة العدلين و اخبار المالک حال التملک و ان اريد به مطلق الظن فقد بينا ان الشارع لميعتبره خصوصاً في مقام معارضة اليقين بل ينقلب شکاً حينئذ کما في صحيحة زرارة فلايکون مخرجاً و ناقلاً عن اصل يقين الطهارة و قوله فان اصابه بعد ثلاثة ايام فاغسله يحتمل ارادة الاستحباب و ارادة الوجوب و هذا الاحتمال يفهم من عبارة الحديث لا انه منصوص عليه بارادة احدهما ليجب المصير اليه فان احتملنا الوجوب لميکن احتمالنا الا من لفظ الامر مع قطع النظر عن کونه واقعاً بعد ما هو نص علي نفي الغسل و ان احتملنا الاستحباب اعتضد بکونه واقعاً بعد نفي الغسل و بفهم العقل اذ ليس يفهم ان الداعي الي الغسل الا کونه بعد ثلاثة ايام و لايفهم من ذلک الا انه مظنة لابوال الدواب و ارواثها و احتمال ملاقاة النجاسات و هي مؤيدات الاستحباب فاحتماله ارجح و لاسيما ما يفهم من قوله الا ان يعلم انه قد نجسه شيء بعد المطر لانه عليه السلام حصر الوجوب الغسل في العلم بالتنجيس بعد المطر خاصة و اما بعد الثلاثة الايام فليس داخلاً في التنجيس اذ هو طور آخر فيحمل علي الاستحباب لاحتمال النجاسة او الکراهة و الاحتمال و ان کان مساوياً او راجحاً هنا لايکون موجباً للنجاسة الا عن السبب الشرعي لاعتبار الشارع عليه السلام له فهو بحکم امره بذلک و کذلک قوله عليه السلام و ان کان الطريق نظيفاً فانه مرجح لکون الامر بالغسل للاستحباب لان النظافة يتبادر الي افهام اهل العرف منها النزاهة التي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 796 *»
يقصد منها الاستحباب و الکمال و هي مقابلة لخصوص ذلک الامر بالغسل و المعني ان لمتکن نظيفة فاغسله و ان کانت نظيفة فلاتغسله فافهم لان مرد ذلک کله الي ان طين المطر لاينجس الا بالعلم بالتنجيس بعد المطر و الا فهو طاهر مطلقاً و يکره بعد ثلاثة ايام للاحتمال المذکور و هذا هو الذي فهمه العلماء و يدل علي الطهارة مطلقاً الي ان تعلم النجاسة باليقين او الظن الشرعي ما رواه في الفقيه قال و سئل عليه السلام عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول و العذرة و الدم فقال طين المطر لا ينجس هـ و قوله سلمه الله مع ان الظاهر يشهد بالنجاسة، قد قلنا فيه ان الظاهر هو المعتضد بالقرائن التي اعتبرها الشارع عليه السلام خاصة و تثبت بها النجاسة و هي مختلفة بحسب مقامات الاصل فهنا شاهدا عدل او يقين مستند الي الحس او ما يقوم مقامه او بعد ثلاثه ايام في الکراهة حيث اعتبرها الشارع عليه السلام لانه حصر التنجيس هنا بعد الطهارة في العلم و اقل مراتبه الظن الشرعي لانه عليه السلام اقامه مقامه في مثل ما نحن فيه ففي الکافي و التهذيب عن الصادق عليه السلام في الجبن قال کل شيء لک حلال حتي يحکيک شاهدان يشهدان عندک ان فيه ميتة و فيهما عنه عليه السلام کل شيء لک حلال حتي تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسک و ذلک مثل الثوب يکون عليک قد اشتريته و هو سرقة الي ان قال عليه السلام و الاشياء کلها علي هذا حتي يستبين لک غير ذلک او تقوم به البينة هـ اقول و لاشک ان الحکم واحد في المسئلتين بل و في غيرهما لصريح قوله عليه السلام و الاشياء کلها علي هذا فافهم و اما الفرق بين هذه و بين غسالة الحمام فقد تقدمت الاشارة اليه لان الظاهر ان الظاهر لايعارض الاصل الا بمرجحات يحصل منها ظن متآخم للعلم و الظن الغالب الذي ذکره العلامه (ره) في النهاية يراد منه هذا المتآخم للعلم لاجل قوة القرينة کما اذا اتاک الفقير العريان و اتيته ثوباً عتيقاً فان الظاهر انه صدقة و تمليک لقوة القرينة من کونه فقيراً عرياناً و کون الثوب عتيقاً قليل القيمة و هذا الظاهر بهذه القرينة مرجح علي اصل ملکک للثوب بخلاف ما لو کان من اعطيته ليس محتاجاً و الثوب ذا قيمة عالية فان الظاهر هنا لايرجح علي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 797 *»
اصل الملک او يراد منه الظن الذي اعتبره الشارع عليه السلام من اخبار المالک و من شهادة العدلين و انما صرنا في توجيه کلامه علي هذا لما علم من مذهبه في کتبه کما سمعت سابقاً و ان فرضت انه اراد هنا من الظن ما هو اعم من الشرعي کما ذهب اليه ابوالصلاح قلنا قد مضي ما يدل علي نفيه و ان الحق ما اختاره في المنتهي.
هذا حکم الفتوي و ان اردت الاحتياط بغسله عند حصول هذا الظن و قصدت الاحتياط الاستحبابي فلابأس بل لاينبغي حينئذ ترکه لکثير من الناس و لهذا امر الشارع بالغسل علي جهة الاستحباب بعد ثلاثة ايام و السر فيه و الله سبحانه و رسوله و آله صلي الله عليه و اله اعلم ان الندب الي غسله بعد ثلاثة ايام لانه بعد الثلاثة ايام مظنة لحصول الابوال و الارواث و بعض النجاسات او کثرة حصولها فقد يحصل لبعض المکلفين هذا الظن فتضطرب نيته في العبادات و يحصل له التردد فيما يعتبر فيه الجزم حتي يغسل ما اصابه بل قد يحصل التردد لبعض من يعلم عدم وجوب الغسل هنا و الشارع عليه السلام مريد لاطمئنان نفوس المکلفين کما في نظائره من الاحکام کقوله عليه السلام في اثر الدم من الحيض بعد الغسل اصبغيه بمشق و اما قبل الثلاثة فحصول هذا الظن لبعض المکلفين قليل بالنسبة الي ما بعدها لقلة مظنة حصول الابوال و الارواث و النجاسات فالحمل عليه منه عليه السلام ربما يکون هادماً لما بني من طهارته بالمطر اذ ليس کل المکلفين يفهمون فيلزم من ذلک مع مخالفته لما في الواقع الوجودي او التشريعي الحرج المنفي في هذه الشريعة السمحة.
قال سلمه الله: قد فسر الاصوليون الحکم الشرعي بخطاب الله المتعلق بافعال المکلفين او ما يقوم مقامه کالسنة مع انهما دليل شرعي للاحکام فيکون الفقه علي هذا هو العلم بخطاب الله الحاصل عن خطابه المستفاد من تعريفه و هو العلم بالاحکام الشرعية عن ادلتها فيتحد الدليل و المدلول و هو فاسد.
اقول: الفقه هو العلم بالاحکام الشرعية و الاحکام اوامر الله و نواهيه و هي خطابات علي حدة تتعلق بافعال المکلفين من حيث اتصافها لذاتها بحسن او قبح و هذا العلم الذي هو العلم بها ليس ناشياً عنها انما هو ناش عن خطابات اخر
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 798 *»
ليست احکاماً و لمتتعلق بافعال المکلفين من تلک الحيثية و انما هي ادلة ترشد المستوضح المستنبط الي تلک الخطابات التي هي الاحکام و تبينها و هي غيرها فان هذه هي الادلة التي نشأ العلم بالاحکام عنها فان الامر للوجوب مثلاً کقوله فليحذر الذين يخالفون عن امره ليس هو قوله تعالي اقيموا الصلوة و لا قوله صلي الله عليه و آله صلوا کما رأيتموني اصلي فلميتحد الدليل و المدلول علي ما في السؤال و ليس الخطاب المستفاد من تعريفه هو الخطاب الذي هو الدليل بل هما متغايران فلايلزم الاتحاد ثم اذا عرفت هذا فنقول ليس کلما اتحد الدليل و المدلول کان فاسداً و انما يکون فاسداً اذا کانا في نفس الامر متغايرين و حکم بالاتحاد في المتغايرين او لزم من فرض الاتحاد توقف کل من المتغايرين علي الآخر لا مطلقاً و لذا قالوا ان الحد عين المحدود مفصلاً يعني ان الشيء من حيث الاجمال محدود و من حيث التفصيل حد لا انهما متغايران.
و قد قال الشيخ جواد في شرح الزبدة بعد ذکر ان الحد عين المحدود لايقال ان الحد ليس عين المحدود و انما هو مغاير له کيف و المحدود مجمل و الحد مفصل فاين تحصيل الحاصل لانا نقول المغايرة هنا انما هي في الملاحظة فقط و اما الملحوظ فهو شيء وا حد انتهي، و الحد دليل و المحدود مدلول هذا علي ما يظهر و الحاصل ان اتحاد الدليل و المدلول ليس فاسداً مطلقاً فافهم و هنا کلام دقيق ليس هذا محله و لايحسن ذکره.
قال سلمه الله: ما معني قول العلماء ان کلمة لا اله الا الله منطبقة علي جميع مراتب التوحيد و ما کيفية ترکيب کلمة الشهادة علي طريقة النحاه التي لايتجه عليها شيء من المفاسد اصلاً.
اقول: اعلم ان مراتب التوحيد اربعة توحيد الذات و توحيد الصفات و توحيد الافعال و توحيد العبادة فاذا قلت لا اله الا الله يعني ليس هو الهين کما قال الله تعالي و قال الله لاتتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد اي ليس له ضد و هذا توحيد الذات و يعني انه لايشابهه شيء في صفاته قال الله تعالي ليس کمثله شيء اي ليس له ند و هذا توحيد الصفات و يعني انه ليس له مثيل في افعاله و لا
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 799 *»
شرک لاحد في مخلوقاته قال تعالي اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرک في السموات و قال هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه اي ليس له مثل في افعاله و هذا توحيد الافعال و يعني انه ليس له شريک في عبادته قال تعالي و لايشرک بعبادة ربه احداً اي انه متفرد بالعبادة و ماسواه کلهم عباده فاشراک احد منهم في عبادته تعالي اتخاذ له انه اله و هذه الکلمة الشريفة نافية لکل اله الا الله لان اله نکرة في سياق النفي متضمنة لمن و الاصل لا من اله فکانت للعموم المؤکد لوقوعها بعد لاء التبرية و تضمنها لمن.
ففي الرکن الاول يعني توحيد الذات من جعل ان الازل شيء غير الله کمايتوهمه کثيرون انه فضاء قديم و الله تعالي فيه فليس بموحد للذات و کذلک من قال بسيط الحقيقة کل الاشياء و کذلک من قال بان معطي الشيء ليس فاقداً له في ذاته بخلاف ما لو قال ليس فاقداً في ملکه فانه حق و کذلک من قال ان الاشياء حاصلة له تعالي حاضرة لديه في الازل حصولاً جمعياً وحدانياً غير متکثر و لامتغير و کذلک من قال انه مبدء الفيض و هو ظاهر علي ذاته بذاته فله الکل من حيث لا کثرة فيه فهو من حيث هو ظاهر يقال الکل من ذا ته فعلمه بالکل بعد ذاته و علمه بذاته و يتحد الکل بالنسبة الي ذاته فهو الکل في وحدة کما نقلوه عن الفارابي و امثال هذه المقالات الفاسدة فکل من قال بشيء منها فليس بموحد للذات.
و في الرکن الثاني يعني توحيد الصفات من جعل ان الاشياء من ذاته تعالي کالشعاع من المنير فليس بموحد في الصفات و خالف قوله تعالي ليس کمثله شيء لانه جعل السراج مثلاً له، تعالي الله و کذلک کل من وصف علمه بوصف علمنا فقال ان علمه الذاتي مطابق لمعلوماته کعلمنا و مقترن بها کعلمنا لان علمنا مطابق للمعلوم و الا لميکن علماً به و مقترن به کذلک او وصف قدرته باوصاف قدرتنا کماقال الصادق عليه السلام في دعاء رکعتي الوتيرة بعد العشاء بدت قدرتک يا الهي و لمتبد هيئة يا سيدي فشبهوک و اتخذوا بعض اياتک ارباباً يا الهي فمن ثم لميعرفوک و کذلک حياته و سمعه و بصره و سائر الصفات الذاتية لانها عين ذاته فلاتوصف باوصاف خلقه تعالي فکل من
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 800 *»
وصف صفاته الذاتية بصفات خلقه فليس بموحد في الصفات.
و في الرکن الثالث يعني توحيد الافعال من زعم ان احداً من جميع خلقه يفعل شيئاً بالاستقلال بان يحدث مادة مصنوعه من غير ما خلق الله فهو مشرک يعني ليس بموحد في الافعال و ذلک لان جميع الفاعلين من خلقه انما يفعلون بما خلق فيما خلق کالنجار فانه يعمل بالحديد الذي خلقه الله في الخشب الذي خلقه الله بالقوي التي خلقها الله و التمييز الذي خلقه الله و لهذا قال تعالي هل من خالق غير الله.
و في الرکن الرابع يعني توحيد العبادة ان کل من عبد غير الله او مع الله او توکل عليه او اعتمد عليه او رجاه او خافه الا لله او انقاد له لا لله فليس بموحد في عبادة ربه تعالي و منه قوله تعالي افرأيت من اتخذ الهه هويه فسمي اتباع هويه الهاً فکل من فعل شيئاً مما ذکرنا في الارکان الاربعة فانه لميصدق عليه في الحقيقة انه قام بمعني لا اله الا الله و ان صدق ظاهراً الا انه في الحقيقة لميقلها مخلصاً و هو قوله تعالي و ما يؤمن اکثرهم بالله الا و هم مشرکون و الحاصل ان المراد بجميع مراتب التوحيد في قولهم هذه المراتب الاربع و الفروع المترتب عليها جميع العلوم و التکاليف و مثلت بشيء من ذلک للبيان.
و قوله سلمه الله و ما کيفية ترکيب کلمة الشهادة الخ؛ فالواجب اولاً بيان معني اللفظ فاعلم انه سبحانه لاشريک له لا في نفس الامر و لا في الامکان و الفرض ولکن لما احتال ابليس لعنه الله علي الجهال من بنيآدم عليه السلام و امرهم ان يصوروا صور الصالحين من آبائهم ليتبرکوا بصورهم فصوروهم و وضعوهم في بيوتهم فلما ماتوا و کانت اولادهم من بعدهم قال لهم ابليس ان هذه التي في بيوتکم هي آلهتکم و کانت آباؤکم يعبدونها فاعبدوها فانهم شرکاء لله و يشفعون لکم، عبدوها و سموها آلهة و هي ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر و اللات و العزي و امثال ذلک فقالوا مثلاً لهبل هذا اله و ود اله و سواع اله و هکذا و الله سبحانه اله فجعلوا الآلهة متعددة و لهذا انکروا علي محمد صلي الله عليه و آله لما نفاهم و دعاهم الي الله وحده فقالوا اجعل الآلهة الها واحداً ان هذا لشيء عجاب بل الله واحد من جملة الالهة فقال لا اله الا الله،
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 801 *»
فکان معناها لا اله من هذه الالهة التي سميتموها باسم الله سبحانه و جعلتموه واحداً منها في دعواکم الا الله فبهذا المعني سقط اعتراض من قال لايخلو ان يکون المستثني منه الذي هو المنفي الآلهة الحق او الآلهة الباطلة فان کان المنفي هو الآلهة الحق لزم تعدد الآلهة و لميجز نفي ما هو الحق و ان کان المنفي هو الآلهة الباطلة لميجز الاستثناء للحق تعالي منها و الجواب ما ذکرنا من انها آلهة باطلة ولکنهم اعتقدوا انها آلهة حق و ان الله سبحانه اله حق داخل في جملة ما ادعوا حقيتها فاتت کلمة الشهادة نافية لبعض ما ادعوا و مثبتة لبعض نافية لتلک الآلهة بمعني انکم کذبتم فيما ادعيتم فيها و صدقتم فيما قلتم في الله سبحانه فلذا اثبته بالا فالاستثناء من دعويهم التي هي عندهم حق و في نفس الامر فيها باطل و حق و النفي وارد بلا علي الباطل و الاثبات بالا للحق فاذا عرفت معناها في اللفظ فاعلم ان علماء النحو ذکروا في اعرابها وجوهاً اشهرها وجهان:
احدهما ان الاسم الکريم مرفوع علي البدلية.
و ثانيهما انه مرفوع علي الخبرية و الاول اشهر و اکثر جرياناً علي السنة المعربين مع اختلافهم في اسم لا فقال الاکثر انه مبني لتضمنه معني الحرف و هو من و التقدير لا من اله فان افادة النکرة للعموم من هذا التضمن فبنيت لمشابهتها لمن و ذلک لمن حصر علة البناء في مشابهة الحرف فهي بمعني کل اله.
و قيل بني الاسم معها علي الترکيب فهو کجزء کلمة اي کحرف من کلمة لمن لميحصر علة البناء في مشابهة الحرف الا انه في الحقيقة راجع الي مشابهة الحرف لان المراد من الحرف ما جاء لمعني او لا و هو الظاهر.
و ذهب الزجاج الي ان اسم لا معرب و الاول اقرب و فائدة ذکر الاختلاف يبني عليه بعض المقصود فمن قال بان الاسم الکريم مرفوع علي البدلية اختلفوا فمنهم من قال هو بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف المقدر بتستحق العبادة او بموجود او في الوجود و ما اشبه هذا و التقدير لا اله يستحق العبادة الا الله فالله بدل من ضمير يستحق لانه اقرب و الابدال من الاقرب اولي و لانه تابع في
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 802 *»
الاعراب للمبدل منه و تبعية اللفظ في الاعراب للفظ اولي من تبعيته لمحل اللفظ و هذا بناء علي ان لا اله مبني و هو و ان حل محل المبتدأ الا انه الآن في محل نصب بلا او منصوب بها علي قول الزجاج و خبرها المحذوف مرفوع بها لا بالمبتدأ فيکون محلها الاقرب هو النصب فلايکون الاسم الکريم المرفوع بدلاً من اسم بعيد محله النصب و محله في الرفع محل المحل فهو ابعد فالابدال من الضمير مع قربه و کونه بحکم اللفظ اولي.
فان قيل ان الضمير نفسه ليس مرفوعاً و انما محله الرفع فلابد لکم من الابدال من المحل قيل له ان المرفوع لايبدل من المنصوب و الضمير محله الرفع فالابدال منه مع قربه اولي من الابدال مما محله النصب و انما الرفع محل المحل مع بعده فلو ابدل من محل محله الذي هو المبتدأ المرفوع لزم بعدان بعد باعتبار اللفظ فان الخبر اقرب و بعد باعتبار المحل فان المحل اقرب من محل المحل و نظير الابدال من الضمير ماقام احد الا زيد و نظير الابدال من المحل لا احد فيها الا زيد و هذا مذهب الاکثر و ربما استشکل بعضهم في الاحتمالين في الابدال من الضمير و في الابدال من محل المبتدأ اما في الاول فلان البدل فيه بدل البعض و شرطه اشتماله علي ضمير المبدل منه و ليس في هذا ضمير المبدل منه و اما في الثاني فلانهما هنا متخالفان في النفي و الاثبات و الجواب عن الاول بان البدل من تمام المبدل منه فلايحتاج الي ضمير يربطه به لان فائدة ضمير الربط لئلايدل انه کلام جديد فلايفهم البدلية من اصلها بخلاف ما هنا و عن الثاني فلان البدلية فيهما من حيث الاشتراک في العامل فان قولک ماقام احد الا زيد قد اشترک فيه في قام احد و الا زيد لانهما معمولان لقام فلاضرر في البدلية و نظير الابدال من المحل لا احد فيها الا زيد و ربما استشکل بعضهم و قالوا ان شرط البدل ان يحل محل المبدل منه و هنا لايمکن فيه و الجواب اولاً انا لانسلم ان البدل شرط صحته ان يحل محل المبدل منه لفظاً و انما شرطه ان يحل محله في المعني الذي يدل عليه اللفظ و ان لميصح ان يحل لفظه محل لفظ البدل کما قرره الشيخ الرضي رحمه الله في انا ابن التارک البکري بشر و لان من يذهب الي البدلية
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 803 *»
فيما نحن فيه يجعل المبدل منه کأن لميکن فيکون البدل مکانه و قيل ان البدل ليس هو زيد وحده بل البدل الا زيد لانه بيان لاحد الذي عنيت بعد احد الذي نفيت لانک حين قلت ماقام احد نفيت القيام عن بعض ما يتناوله احد و بقي منه شخص لايعلمه المخاطب بعينه و لايعلم هل نفيت عن الکل او عن البعض و انت عند نفسک انما نفيت عماسوي زيد فبينت للمخاطب من لمتنف عنه الخطاب فقلت الا زيد.
و قيل ان هذا بدل علي حدة ليس من الابدال يعني انه بدل لغوي لا اصطلاحي و الظاهر انه اصطلاحي و لا منافاة کما ذکرنا.
و قيل ان الابدال فيه علي فرض ما فيها احد الا زيد لان المعني لايختلف و يصح ان يقع ح البدل موقع المبدل منه.
و من قال بان الاسم الشريف مرفوع علي الخبرية و هو سيبويه و اتباعه اراد بانه خبر عن المبتدأ لا انه خبر للا فلايرد عليه ان الاسم الکريم معرفة و لا لاتعمل الا في النکرات و ذلک لان محل اله الابتداء و المبتدأ قبل دخول لا مرفوع و الاسم الکريم خبره و التقدير الاله المعبود بالحق الله فلما سموا الهتهم بهذا الاسم الذي هو الاله و جعلوه سبحانه واحداً منها وجب نفي تلک الالهة عن المشارکة في هذا الاسم فأتوا بلا التبرية التي تنفي جنس ما دخلت عليه فقالوا لا اله فلما علم انهم ادخلوا الاله الحق في جملة هذا الجنس علي زعمهم و تناوله النفي بالنظر الي تسميتهم و جعلهم ذلک جنساً يشمله تعالي عن ذلک وجب استثناؤه فقالوا الا الله تعالي فانه اله ثابت بالحق لايجوز نفيه.
و قيل القول بالخبرية ارجح من القول بالبدلية لعدم الاحتياج الي تقدير ما الاصل عدمه و ما قيل ان فيه تکلفات بمعني ان المبتدأ انما يتمحض لکونه مبتدأ باعتبار المحل فلايلزم منه ترجيح الوجه الاول عليه اذ لا مناص عن هذا التأويل علي البدلية و الخبرية و ربما ضعف بعضهم القول بالخبرية بثلاثة امور:
الاول انه يلزم منه کون خبر لا، معرفةً و لا، لاتعمل الا في النکرات.
الثاني ان الاسم الکريم مستثني و المستثني لايصح ان يکون غير المستثني منه لانه لبيان ما قصد بالمستثني منه.
الثالث ان اسم لا عام و الاسم الکريم خاص و الخاص لايکون خبراً عن
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 804 *»
العام فلاتقول الحيوان انسان واجيب عنها اما عن الاول فبما تقدم من ان الاسم الکريم خبر للمبتدأ لا خبر للا و اذا کان خبراً للمبتدأ کان مرفوعاً به قبل دخول لا و قبل دخولها هو معرفة و انما نکر لاجل لا ليفيد العموم و ذلک کما قال سيبويه ان حال ترکيب الاسم مع لا، لا عمل لها في الخبر و انه حينئذ مرفوع بما کان مرفوعاً به قبل دخول لا و علل ذلک بان شبهها بان ضعف حين رکبت و صارت کجزء کلمة لا تعمل و مقتضي هذا ان يبطل عملها في الاسم ايضاً لکن ابقوا عملها في اقرب المعمولين و جعلت هي مع معمولها بمنزلة المبتدأ و الخبر بعدهما علي ما کان عليه من التجرد و اذا کان کذلک لميثبت عمل لا في المعرفة انتهي.
اقول و اغلب هذه اصول غير صحيحة و الاصح ان الترکيب لايمنع عملها کيف و هو يصحح عملها في الاسم و في الاسم و الخبر في قولک لا غلام سفر حاضر مع وجود الترکيب بل الاصح انها لماکانت لنفي الجنس وجب الا تدخل علي المعارف لان نفي المعرفة لايستلزم نفي الجنس الا ان ينکر و اذا اريد دخولها علي معرفة نکر و ادخل معه من جنسه ليحسن دخولها عليه لنفي الجنس هذا اذا کان اسماً لها فلو وقع بعده المعرفة انکفت عنه لمنافاة خصوصة بالتعريف لعمومها فيقع مرفوعاً باصل اسمها قبل دخولها و کان معرفة و انما نکر لاجل دخولها فقولک لا اله الا الله اصله الاله الله و لا احد فيها الا زيد اصله الاحد فيها زيد فلما سمي المشرکون الهتهم باسم الاله و جعلوا الله سبحانه واحداً من جملة من يشمله اسم الاله و کان الاله قبل تسميتهم مختصاً بالمعبود الحق متعيناً له فنکر ليشمل الحق و الباطل و ادخلت عليه لا النافية للجنس و المقصود منها نفي الباطل عمم النفي کل باطل و استثني من عموم النفي الحق لان النفي لايشمله ولکن استثني لئلايتوهم عموم النفي المستلزم للکفر و لهذا يقال اي کلمة اولها کفر و آخرها ايمان و هي لا اله الا الله و الاصل قبل ان يسموا الهتهم بذلک الاله الله و من ثم قال بعض العرفاء کالغزالي و غيره انما اتي بلا مع ان لا اله الا الله معناها الاله الله لانها مکنسة لغبار الاوهام و للتوصل لاثبات وجود الحق الفرد في الافهام فالاسم الکريم مرفوع علي الخبرية و العامل فيه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 805 *»
علي الاصح هو المبتدأ و هو الاله قبل ان ينکر لاجل دخول لا کما قلنا فافهم و الجواب عن الثاني قيل لانسلم ان اسم لا هو المستثني منه و ذلک ان الاسم المعظم اذا کان خبراً کان الاستثناء مفرغاً و المفرغ هو الذي لايکون المستثني منه فيه مذکوراً نعم الاستثناء فيه انما هو من شيء مقدر لصحة المعني و الاعتداد بذلک المقدر لفظاً و لا خلاف يعلم في نحو ما زيد الا قائم ان قائماً خبر عن زيد و لاشک ان زيداً فاعل في نحو ما قام الا زيد الخ اقول و هذا المفرغ لافرق فيه بين ما لميذکر المستثني منه او يذکر و لايعتد به فان المستثني منه في مازيد الا قائم هو احوال زيد و معاني افعاله من قيام و قعود و اکل و شرب و ما اشبه ذلک من صفاته الفعلية و التقدير ما حال زيد الا قائم فنفيت جميع احواله الا قائم فوقع قائم في ما زيد الا قائم خبراً عن زيد اذ لمتخبر عنه بغيره و ليس زيد مستثني منه و انما المستثني منه هو المقدر و هو حاله فالله في کلمة التوحيد ليس مغايراً في الاصل لاله و انما اتي بلا لنفي ما توهم دخوله فيه کماتقدم فراجع و عن الثالث بان اسم لا و ان کان في الصورة اللفظية عاماً لکنه لميکن و الحال هذه مبتدأ للاسم الکريم لانه انما کان عاماً لاجل تحقق فائدة دخول لا عليه و الا فهو خاص کماذکرنا قبل و الاسم الکريم ليس خبراً لاسم لا وحده حال الترکيب بل له مع لا لانهما حينئذ بمنزلة الاله الله و ذلک لانه لماجعلوه عاماً بزعمهم و هو خاص في الواقع اتي الشارع لاجل تخصيص هذا العموم المدعي بلا لنفي ما زعموه و يبقي الفرد الخاص الحقيقي سبحانه و اتي بالا لبيان بقاء الخاص و ارادة التخصيص کراهة توهم عموم النفي فوقع الاسم الکريم في الحقيقة خبراً عن الخاص لا عن العام فافهم و اعلم ان هذين الوجهين اصح ما قيل في ترکيب کلمة التوحيد بقي الترجيح بينهما.
و الذي انا عليه ضميري و ارادتي و ترجيحي هو انک ان اعربت الکلمة علي ما يطابق معتقد عامة الناس فالوجه الاول ارجح و اوفق و ان اعربتها علي ما يطابق توحيد الخواص و اهل المعرفة الذين قال صلي الله عليه و آله فيهم اعرفکم بنفسه اعرفکم بربه و قال اميرالمؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فالوجه الثاني ارجح و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 806 *»
اوفق و ان اردت الترجيح من جهة الاصول العربية التي بني النحويون عليها اصولهم فالثاني اولي ايضاً لقلة التقدير و خفة التغيير هذا عندي مجملاً و بيان هذه الترجيحات الثلاثة يحتاج الي تطويل طويل و اما قولکم علي طريقة النحاة التي لايتجه عليها شيء من المفاسد فهذا شيء ما يمکنني عليه لاني اذا قررت انما اقرر علي ما عندي و من لميوافقني يورد علي اعتراضات صحيحة کانت ام فاسدة هي عنده صحيحة و کذلک الآخر و المسألة فيها خمسة وجوه کل قوم يقررون مذهبهم علي ما يفهمون و يعترضون علي غيرهم و الله سبحانه يهدي الي الحق و الي طريق مستقيم.
قال سلمه الله: قال الله تعالي و الليل اذا يسر لم حذفت الياء بغير جازم؟
اقول: ان القرآن و علم العروض طريقة کتابتهما غير کتابة سائر الکتب و العلوم فان علماء العروض يکتبون مثلاً التنوين نوناً و الکلمة المتصلة يفصلونها علي حسب الوزن و اما القرآن فيکتب منه بعض الکلمات علي وجه يوافق القرائتين او علي احتمال ان يقرأ به کما کتبوا و کل انسان الزمناه طئره في عنقه مع انهم لايحذفون الف المد و لو کانت في الجمع کالضالين و لکن حذفوها هنا لاحتمال ان يقرأ الزمناه طيره علي الجنس و کذلک کتبوا و جائ يومئذ بجهنم و جائ بالنبيين خاصة في هذين الموضعين علي هذه الصورة کصورة جائي لاحتمال ان يقرأ و جاء علي المعلوم و يکتبون امرأت نوح و امرأت لوط و کل امرأة اضيفت الي زوجها في القرآن بصورة التاء الممدودة لا بصورة الهاء کما هو المعروف و اذا وقفوا عليها وقفوا بالتاء لا بالهاء فيجعلون اللفظ تابعاً للنقش کما جعلوا الخط في مواضع النقش تابعاً للفظ في مثل سندع الزبانية و قالوا تحذف الواو في الخط تبعاً لحذفها في اللفظ و قد تحذف اعتباطاً نحو يوم يأت لاتکلم نفس الا باذنه و قد تحذف لمراعاة سجع الآي مثل فکيف کان نکير و منه و الليل اذا يسر لکن هنا لطيفة دقيقة عجز عن حلها الاکثرون و هي ان رجلاً سأل الاخفش فقال لم حذفت الياء من و الليل اذا يسر بغير جازم فقال اخدمني سنة فخدمه سنة ثم قال لهه اعطني اجرتي بان يجيبني عن مسئلتي فقال الاخفش
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 807 *»
الليل يسري فيه لا انه يسري هذا جوابه لذلک السائل فتحير العلماء و اولوا الافهام الذکية في حل هذا الرمز و الذي يظهر لي ان السري يستعمل في السير في الليل و عن ابيزيد السري اول الليل و وسطه و آخره و هذا معروف في اللغة و کانت عادتهم يسرون الليل فاذا بقي من آخره قدر ربع الليل اناخوا و ترکوا السري فلما سأله لم حذفت الياء من و الليل اذا يسر بغير جازم قال له الليل يسري فيه و يحذفون آخره السري فيه فالذي يسري فيه يحذف آخره للاستراحة اشارة الي انهم حذفوا الياء التي هي آخر يسري لمراعاة سجع الآية و للاستراحة عند التلفظ بقطع النفس و الوقف علي الراء فافهم.
قال سلمه الله: قال الله تعالي و اذا الوحوش حشرت لاي شيء تحشر الوحوش مع انها ليست ذات شعور و لا مکلفة في الدنيا حتي جزاها الله بالثواب و العقاب في الآخرة و يوم القيمة يوم جزاء المکلفين بالطاعات و محاسبة العباد المطيعين و العصاة
اقول الذي دلت عليه الشريعة الغراء و نطق به القرآن و دل عليه العقل المصفي بملازمة آداب الکتاب و السنة ان جميع الحيوانات من الذرة فما دونها الي الحيتان فما فوقها و ما بينهما مکلفة بل جميع النباتات و الجمادات في کل شيء بحسبه و انها کلها محشورة و محاسبة و مثابة و معاقبة و ان کان في بعضها يکون ثوابه و عقابه في الدنيا کما روي ان زمزم افتخرت علي شط الفرات فاجري الله فيها عيناً من صبر و منها ما يکون في البرزخ و منها في الآخرة و مما يدل علي تکليف الحيوانات قوله تعالي و ما من دابة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالکم ما فرطنا في الکتاب من شيء ثم الي ربهم يحشرون، و من السنة ما اشتهر بروايته من الفريقين ان الله تعالي يقتص للجماء من القرناء حتي ان بعض العلماء قال ان کل نوع من الحيوانات ارسل الله اليهم نبياً من نوعهم و يخاطبهم بلغتهم عن الله تعالي و ذلک من قوله تعالي الا امم امثالکم قال فاذا کان کل نوع من الحيوانات امةً مثل بنيآدم بنص القرآن و قد قال تعالي و ان من امة الا خلا فيها نذير فقد دل ان کل امة خلا فيها نذير و قال تعالي و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 808 *»
ماارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فمثلاً النمل امة کبني آدم و قد خلا فيها نذير من نوعها ارسله اليها و ما روي في تکليف الجمادات مثل ما روي ان ارضاً کانت في بنياسرائيل مزبلة و فيها قذرات و جيف فشکت الي الله تعالي يا رب جعلت في البقاع مساجد و مواضع للذکر و انا جعلتني في هذه الحال فاوحي اليها و عزتي و جلالي لئن لمترضي بقضائي لاجعلنک مرقداً للعزاب و روي ان بعض التمر يوجد فيها مثل الرماد فسئل عليه السلام عن ذلک فقال انها ترکت الذکر ذ لک اليوم فارسل الله عليها ملکاً فضربها بمنقاره فکانت هکذا و ما روي عن الصادق عليه السلام انه قال ماذهب مال في بر او بحر الا و لله فيه حق و لا صيد صيد في بر او بحر الا بترک الذکر ذلک اليوم و مثل ما روي في علة الارض السبخة و الماء المالح و النبات المر کالبطيخ و غيره انها عرضت عليها ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام فلم تقبلها فکانت مرة او مالحة او حامضة او مدودة و امثال هذا مما لايکاد يحصي نقلت هذه الاخبار بالمعني مختصراً و في القرآن ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او کرهاً قالتا اتينا طائعين و فيه و ان من شيء الا يسبح بحمده ولکن لاتفقهون تسبيحهم و فيه اولم يروا الي ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين و الشمائل سجداً لله و هم داخرون.
و بالجملة القرآن و السنة مشحونان بان جميع الحيوانات و النباتات و الجمادات مکلفون و مخاطبون بخطاب العقلاء للاشعار بانهم يعقلون التکليف و ما کلفوا به مثل قالتا اتينا طائعين و علي قاعدة ظاهر العربية ان يقول طائعات و مثل سجداً لله و هم داخرون لا داخرات او داخرة و مثل و الشمس و القمر کل في فلک يسبحون و الحاصل لا مناص عن قبول هذه الادلة و لايمکن ان يردها من يؤمن بقدرة الله سبحانه و علمه و يصدق بکتابه و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و اما دعوي انا ما نفهم ذلک فلاترد النص فانه تعالي اخبر عنهم فقال ولکن لاتفقهون تسبيحهم و الذي ينبغي للمسلم و المؤمن ان يقبل هذا اما عن فهم و الا فعن تسليم اذ ليس کل شيء تفهمه الناس مع انه قال و ما اوتيتم من العلم الا قليلاً و ايضاً کيف من لميقرأ الا علم النحو
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 809 *»
يستنکف ان يقول ماافهم بل عليه ان يسلم و الا يدخل في قوله بل کذبوا بما لميحيطوا بعلمه و لمايأتهم تأويله و ما ورد في تفسير قوله تعالي و يقول الکافر يا ليتني کنت تراباً ما معناه ان الحيوانات تشکو الي الله تعالي ما فعل بها بنوآدم من الضرب و الذبح فيخلق الله في ارض المحشر رياضاً کاحسن ما وجد في الدنيا و کانت الحيوانات في غاية الشدة من الجوع فتقبل علي تلک الرياض فيأمر الله الملائکة ان تمنعها حتي تعفو عن بنيآدم فتعفو عن بنيآدم فيؤذن لها فترتع في تلک الرياض ما شاء الله ثم يقول الله لها و للرياض کوني تراباً فتکون تراباً فيقول الکافر حين يراها يا ليتني کنت تراباً و امثال هذا في الکتاب و السنة کثير.
و اما الدليل العقلي فاعلم ان الادلة ثلاثة دليل الحکمة و دليل الموعظة الحسنة و دليل المجادلة بالتي هي احسن فاما المجادلة بالتي هي احسن فهو المعروف المتداول علي الالسنة و هو المرکب من المقدمات القطعية او المسلمة او المشهورة او غيرها و هذا الدليل لايکشف عن حقيقة هذه المسألة و کذلک دليل الموعظة الحسنة و انما يکشف عن حقيقتها دليل الحکمة و هو لايعرفه کل احد و انما يتکلم به محمد و اهل بيته صلي الله عليه و آله فقد امره الله تعالي فقال ادع الي سبيل ربک بالحکمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن و المراد انه صلي الله عليه و آله يدعو الي سبيل الله بکل دليل لان دليل کل معني من نوعه فما ظهر ظهر برهانه و ما بطن خفي بيانه و عسر برهانه و اما دليل الحکمة فهو ليس بدليل عند الناس لانهم انما يعرفون دليل المجادلة بالتي هي احسن فلو اتيت به لکان مضحکة لمن جهله و انما هو من مکنون العلم و کلام الائمة عليهم السلام مشحون به و لولا ان يقال انها دعوي لا اصل لها لماذکرت من ذلک شيئاً ولکن لابد من ذکره علي جهة الاشارة و الاختصار لعلمي بعدم الانتفاع به الا اني اذکر حديثاً ذکر عليه السلام فيه هذا الدليل علي مطالب جليلة و ان کان يستلزم التطويل.
روي الشيخ عبدالله بن نور الله البحراني في کتابه العوالم محمد بن حرب الهلالي امير المدينة قال سألت جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت يا
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 810 *»
ابن رسول الله في نفسي مسألة اريد ان اسألک عنها فقال ان شئت اخبرتک بمسئلتک قبل ان تسألني و ان شئت فاسأل قال قلت له يا ابن رسول الله باي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي فقال بالتوسم و التفرس اما سمعت قول الله عزوجل ان في ذلک لآيات للمتوسمين و قول رسول الله صلي الله عليه و آله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله قال فقلت له يا ابن رسول الله فاخبرني بمسئلتي قال عليه السلام اردت ان تسئلني عن رسول الله صلي الله عليه و آله لم لميطق حمله علي عند حطه الاصنام عن سطح الکعبة مع قوته و شدته و ما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر و الرمي به الي ورائه اربعين ذراعاً و کان لايطيق حمله اربعون رجلاً و قد کان رسول الله صلي الله عليه و آله يرکب الناقة و الفرس و الحمار و رکب البراق ليلة المعراج و کل ذلک دون علي عليه السلام في القوة و الشدة قال فقلت عن هذا والله اردت ان اسألک يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله فاخبرني فقال عليه السلام ان علياً برسول الله صلي الله عليه و آله تشرف و به ارتفع و به وصل الي اطفاء نار الشرک و ابطل کل معبود من دون الله عزوجل و لو علاه النبي صلي الله عليه و آله لکان صلي الله عليه و آله بعلي مرتفعاً و واصلاً الي حط الاصنام و لو کان ذلک کذلک لکان افضل منه الا تري ان علياً عليه السلام قال لما علوت ظهر رسول الله صلي الله عليه و اله شرفت و ارتفعت حتي لو شئت ان انال السماء لنلتها اما علمت ان المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة و انبعاث فرعه من اصله و قد قال علي عليه السلام انا من احمد کالضوء من الضوء اما علمت ان محمداً و علياً صلوات الله عليهما کانا نوراً بين يدي الله عزوجل قبل خلق الخلق بالفي عام و ان الملائکة لما رأت ذلک النور رأت له اصلاً قد تشعب منه شعاع لامع فقالت الهنا و سيدنا ما هذا النور فاوحي الله تبارک و تعالي اليهم هذا نور من نوري اصله نبوة و فرعه امامة اما النبوة فلمحمد عبدي و رسولي و اما الامامة فلعلي حجتي و وليي و لولاهما ماخلقت خلقي اما علمت ان رسول الله صلي الله عليه و آله رفع يد علي عليه السلام بغدير خم حتي نظر الناس الي بياض ابطيهما فجعله مولي المسلمين و امامهم و قد احتمل الحسن و الحسين عليهما السلام
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 811 *»
يوم حظيرة بني النجار فلما قال له بعض اصحابه ناولني احدهما يا رسول الله قال نعم الراکبان و ابوهما خير منهما و انه صلي الله عليه و آله کان يصلي باصحابه فاطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له يا رسول الله لقد اطلت هذه السجدة فقال ابني ارتحلني فکرهت ان اعاجله حتي ينزل و انما اراد بذلک رفعهم و تشريفهم فالنبي صلي الله عليه و آله امام نبي و علي امام ليس بنبي و لا رسول فهو غير مطيق لحمل اثقال النبوة قال محمد بن حرب الهلالي فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال انک لاهل للزيادة ان رسول الله صلي الله عليه و آله حمل علياً علي ظهره يريد بذلک انه ابو ولده و امامة الائمة من صلبه کما حول رداءه في صلوة الاستسقاء و اراد ان يعلم اصحابه بذلک انه قد تحول الجدب خصباً قال قلت زدني يا ابن رسول الله فقال احتمل رسول الله صلي الله عليه و آله علياً يريد بذلک ان يعلم قومه انه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله صلي الله عليه و آله ما عليه من الدين و العدات و الاداء عنه من بعده قال فقلت يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله زدني فقال احتمله ليعلم بذلک انه احتمله و ماحمل الا لانه معصوم لايحمل وزراً فتکون افعاله عند الناس حکمة و صواباً و قد قال النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام يا علي ان الله تبارک و تعالي حمنلي ذنوب شيعتک ثم غفرها لي و ذلک قول الله عزوجل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و لما انزل الله عز و جل عليه عليکم انفسکم قال النبي صلي الله عليه و آله ايها الناس عليکم انفسکم لايضرکم من ضل اذا اهتديتم و علي نفسي و اخي اطيعوا علياً فانه مطهر معصوم لايضل و لايشقي ثم تلا هذه الآية اطيعوا الله و اطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل و عليکم ما حملتم و ان تطيعوه تهتدوا و ما علي الرسول الا البلاغ المبين قال محمد بن حرب الهلالي ثم قال جعفر بن محمد عليه السلام ايها الامير لو اخبرتک بما في حمل النبي صلي الله عليه و آله علياً عليه السلام عند حط الاصنام من سطح الکعبة من المعاني التي ارادها به لقلت ان جعفر بن محمد لمجنون فحسبک من ذلک ما سمعت فقمت و قبلت يديه و رأسه و قلت الله اعلم حيث يجعل رسالته هـ .
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 812 *»
اقول: اذا نظرت الي بيانه عليه السلام و استدلاله علي ما اراد من المعاني لمتجد فيها دليلاً صحيحاً علي طريق دليل المجادلة بالتي هي احسن و اکثر احاديثهم عليهم السلام و ما يستدلون به من هذا القبيل مثل قوله عليه السلام في الاستدلال علي ان رسول الله صلي الله عليه و آله اراد بحمل علي عليه السلام علي ظهره لتکسيره الاصنام الاشارة الي انه يراد منه هداية نفسه و هداية علي لانه هو الذي حمل به في قوله عليه ما حمل و عليکم ما حملتم فهذا النمط و مثله من الاستدلال هو دليل الحکمة الذي امره الله ان يدعو الي سبيله به فقال ادع الي سبيل ربک بالحکمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن.
فاذا عرفت هذا فانا اذکر لک دليلاً من هذا علي ان کل شيء مکلف و محاسب بنسبةحاله و هو بضرب المثل کما علم الله عباده في کتابه بقوله تعالي و تلک الامثال نضربها للناس لعلهم يتفکرون فنقول اولاً اعلم انه تعالي ابتدع نوراً لا من شيء فکونه و لميکن قبل تکوينه شيئاً و هذا هو وجود الاشياء کلها فخلق من صفوته الانبياء و الرسل و الائمة و الاوصياء عليهم السلام و خلق من فاضله يعني من شعاعه المؤمنين و الملائکة ثم خلق من فاضل الفضلة الحيوانات کما قال تعالي امم امثالکم و خلق من فاضل هذا الفاضل النباتات و اليه الاشارة بقوله صلي الله عليه و آله اکرموا عماتکم النخل و عن اميرالمؤمنين عليه السلام انما سميت النخلة نخلة لانها من نخالة طينة آدم هـ و لهذا قال صلي الله عليه و آله اکرموا عماتکم النخل و خلق من فاضل النباتات المعادن و الجمادات کذلک و کل هذه المذکورات خلقت من الوجود الذي خلقه الله لا من شيء و هذا الوجود شعور و تمييز و فهم و ذکاء و خير و عقل و فطنة فکل ما کان قريباً من المبدأ کان اصفي و الطف و انور کالانسان و کل ما بعد من المبدء کان اکثف و اغلظ و اشد ظلمة کالتراب و ما بينهما بالنسبة ففي کل شيء شعور و تمييز و فهم و ذکاء و خير و عقل و فطنة بنسبة رتبته من المبدأ و من الوجود فما کان قوياً قويت فيه هذه القوي و تکليفه شديد و ثوابه عظيم و عذابه اليم و ما کان ضعيفاً ضعفت فيه هذه القوي بنسبة وجوده و کان تکليفه ضعيفاً و ثوابه و عذابه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 813 *»
بنسبة تکليفه و تکليفه بنسبة ما اوتي و الله سبحانه احاط بکل شيء علماً و احصي کل شيء عدداً و لايغادر صغيرة و لا کبيرة الا احصيها.
و مثال الوجود المذکور کنور السراج هو نور واحد ولکن مراتبه متفاوتة کل ما قرب من السراج کان اشد نوراً و حرارة و يبوسة و کل ما بعد من السراج کان اضعف نوراً و حرارة و يبوسة بنسبة رتبته من السراج و مابين الطرفين بالنسبة فلايوجد جزؤ من النور و ان ضعف الا و فيه نور و حرارة و يبوسة بنسبة نوره فلاتوجد حرارة في جزء من ذلک النور بدون يبوسة و لا نور او يبوسة بدون حرارة و لا نور او نور بدون واحد منهما او بدونهما کذلک مراتب الوجود لايوجد شيء بدون هذه الامور التي هي القوي و ان کانت فيه ضعيفة بنسبة وجوده و نحن لضعف بصائرنا لاندرک شيئاً من ذلک و الله الذي خلقها يعلمها و هو الذي اخبر بذلک و اولياؤه الذين اطلعهم علي ذلک اخبروا به فان وجدت ما اشرنا اليه فذلک المطلوب و الا فعليک القبول من الذي خلق ذلک و اخبر به في کتابه الحق و علي السنة اوليائه الصادقين فافهم ما اشرنا و اشرب صافياً و لاترکن الي ما تتوهم في نفسک بان العلماء ما ذکروه فلو ذکروه اتقبل منهم و ان لمتفهم ذلک فالائمة عليهم السلام هم العلماء الراسخون المعصومون عن الغفلة و الخطأ و السهو و النسيان المؤيدون من الله سبحانه بالعلم و الفهم و التوفيق و التسديد فينبغي ان تقبل منهم فانهم اولي من غيرهم بالقبول منهم فان قلت ما صح لي النقل عنهم لاقبل قلت هذا المعني المشار اليه في اخبارهم المتواترة معني فکيف لايصح الا عند من سبقت له الشبهة ولکن اذا ما صح النقل في شيء من تلک الاخبار المتکثرة فالقرآن الشريف نطقت محکمات آياته بذلک فاين المناص عن الاقرار لمن لميسلک الانکار.
قال سلمه الله: قد ورد في الخبر بنا عرف الله و لولا الله ما عرفنا ما المراد من هذا الکلام؟
اقول هذا لماقف علي هذا الخبر و الذي وقفت عليه بنا عرف الله و لولانا ماعرف الله و ذلک في روايتين ولکن علي ما تروي لا منافاة فيه و نتکلم
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 814 *»
علي ما ترويه فقوله بنا عرف الله له معان:
احدها بما وصفنا الله تعالي بصفاته و ذکرنا مما يجوز عليه و يمتنع عليه و کل وصف وصف به من غيرنا فانه لايجوز عليه تعالي و لايجوز عليه الا ما وصفناه به لانا لانقول عليه الا ما وصف به نفسه.
و ثانيها انا شرط التوحيد فمن لميعرفنا لميعرف الله لان الله تعالي جعلنا ارکاناً لتوحيده و المراد بالشرط هنا الشرط الرکني و ذلک لانهم معانيه فهم عينه و لسانه و يده و امره و حکمه و حملة علمه و معني کونهم معانيه انهم معاني افعاله کالقيام و القعود و الحرکة و السکون فانها ارکان قائم و قاعد و متحرک و سا کن التي هي اسماء زيد و صفاته فقائم صفة زيد و به يعرف و رکن هذه الصفة القيام و هو مثل حقيقتهم فزيد بالقيام يعرف لانه رکن القائم الذي هو صفته و هذا علي اعتبار کونهم المعاني.
و ثالثها انا شرط التوحيد بمعني ان التوحيد لايتحقق الا بالاقرار بولايتهم الحق و فيه تعريض بغيرهم و المراد ان من عرف الهاً اتخذ لخلقه دعاة مهتدين هادين فقد عرف ربه بالغني المطلق الذي هو عبارة عن التوحيد الکامل بخلاف من عرف الهاً اتخذ لخلقه دعاة ضالين مضلين فانه ماعرف ربه لان الاله الذي اتخذ لخلقه دعاة ضالين مضلين انما دعاه الي ذلک الحاجة او عدم القدرةعلي تحصيل هادين مهتدين او عدم علمه بهم و المحتاج و فاقد القدرة و العلم ليس باله حق فبهم يعرف الله.
و رابعها انا آيات الله التي تدل عليه و المراد انهم هم الآيات التي قال الله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق يعني سنريهم آياتنا التي يعرفون الله بها و هو قول الصادق عليه السلام في حديث عبدالله بن بکر الارجاني من کامل الزيارة و هو طويل و فيه قال عليه السلام و الحجة من بعد النبي صلي الله عليه و آله يقوم مقام النبي صلي الله عليه و آله و هو الدليل علي ما تشاجرت فيه الامة و الآخذ بحقوق الناس و القائم بامر الله و المنصف لبعضهم من بعض فان لميکن معهم من ينفذ قوله و هو يقول سنريهم
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 815 *»
آياتنا في الآفاق و في انفسهم فاي آية في الآفاق غيرنا اراها الله اهل الآفاق و قال مانريهم من آية الا هي اکبر من اختها فاي آيةاکبر منا الحديث و الآية هي الدليل عليه و لهذا قالوا عليهم السلام نحن صفات الله العليا و لاشک ان الشيء انما يعرف بصفته و هي کماقال اميرالمؤمنين عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تکشف له.
و خامسها لما ظهرت عليهم آثار الربوبية حتي انهم يحيون الموتي و يبرئون الاکمه و الابرص و يفعلون کلما ارادوا باذن الله سبحانه لانه تعالي اخذ علي جميع ما خلق الطاعة لهم و مع هذا ظهروا بکمال العبودية بشدة العبادة و کمال الخوف من مقام الله تعالي فعرف الخلائق ربهم بذلک کما ورد في حق الملائکة انهم لما رأوا انوارهم عليهم السلام تحيروا فسبحوا عليهم السلام فسبحت الملائکة و هللوا فهللت الملائکة و کبروا فکبرت الملائکة و ذلک لان الملائکة لما رأوا نورهم صلوات الله عليهم ظنوا ان هذا نور معبودهم فلما سبحوا عرفت الملائکة ان هذا نور مخلوق فقالوا عليهم السلام بنا عرف الله و فيه ايضاً وجوه و هذه اظهرها و اما قولهم و لولا الله ما عرفنا بالمعلوم يعني نحن لانعرف الا ما عرفنا الله و هذا متحقق ظاهر و بالمجهول يعني لولا الله لميعرفهم شيءمن الخلق لانه تعالي هو الذي نوه باسمائهم و عرف جميع خلقه جلالة قدرهم و علو شأنهم و مکانهم کماقال الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة حتي لايبقي ملک مقرب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلک شهيد الا عرفهم جلالة امرکم و عظم خطرکم و کبر شأنکم و تمام نورکم و صدق مقاعدکم و ثبات مقامکم و شرف محلکم و منزلتکم عنده و کرامتکم عليه و خاصتکم لديه و قرب منزلتکم منه و لا اشکال في هنا اذ کل فضل منه و به قال تعالي و ما بکم من نعمة فمن الله.
قال سلمه الله: قد روي عن الصادق عليه السلام العبودية جوهرة کنهها الربوبية فما فقد من الربوبية وجد في العبودية و ما ليس في العبودية فهو في
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 816 *»
الربوبية ما سر هذا الکلام؟
اقول الرواية ليست کما ذکرتم و لو قيل انها منقولة بالمعني فليس هذا معناها و لفظها العبودية جوهرة کنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم يکف بربک انه علي کل شيء شهيد يعني موجود في غيبتک و في حضرتک هـ و هذا مذکور في مصباح الشريعة و راويه قيل مجهول و الذي ذکر السيد عبدالله بن السيد نور الدين الشوشتري في شرح النخبة انه لشقيق البلخي رواه عن الصادق عليه السلام و ظاهر شقيق انه من علماء العامة من الصوفية الا ان السيد المذکور ذکر انه قتل لشبهة الترفض و دفن بالطالقان و الله اعلم بحاله و ذکره صاحب البحار عنه و اعتمد عليه و نقل منه و اکثر الفقهاء لايعتمدون علي شيء من روايته و نحن نشير الي المراد من الکلام و معناه صحيح علي بواطن التفسير و المراد بالعبودية الاثر و بالربوبية المؤثر لذلک مثاله مثل صورتک في المرآة فانها هي العبودية و صورتک التي فيک هي الربوبية يعني ربوبية صورة المرآة و معني الکلام ان الاثر يشابه صفة المؤثر التي بها التأثير و ذلک لانک اذا رأيت اثراً في الارض فله مؤثر فان کان المؤثر قدم زيد عرفت انه اثر انسان لان العبودية جوهرة کنهها الربوبية فهيئة الاثر من هيئة المؤثر فتعرف ان هذا اثر قدم انسان لا اثر حيوان و ليس المراد بالربوبية الربوبية القديمة بل المراد ان هيئة الاثر من هيئة فعل المؤثر القريب مثل هيئة الکتابة من هيئة حرکة يد الکاتب و الکتابة تدل علي حرکة يد الکاتب فاذا رأينا الکتابة حسنة عرفنا ان حرکة يد الکاتب مستقيمة و بالعکس لان حرکة اليد هي ربوبية الکتابة يعني المؤثر القريب و لاتدل علي المؤثر البعيد کالکاتب الذي هذه الربوبية صفته فاذا رأينا الکتابة حسنة لمتدل علي ان الکاتب حسن او قبيح او ابيض او اسود و انما تدل علي حرکة يده التي حدثت عنها الکتابة لا حرکة الاکل و البطش و هذا مثال و آية يعرف الانبياء و المرسلون و الاولياء ما يراد منهم من المعارف فقال صلي الله عليه و آله اعرفکم
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 817 *»
بنفسه اعرفکم بربه و قال اميرالمؤمنين عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه و لهذا استدل الصادق عليه السلام في الحديث المذکور بقوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم الآية فقوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه دال علي ان معرفة النفس معرفة الله بمعني ان الله سبحانه جعل النفس آية تدل عليه و لذا قال تعالي سنريهم آياتنا و هذه الآية تدل عليه علي نحو ما قال اميرالمؤمنين عليه السلام صفة استدلال عليه لا صفة تکشف له هـ و ذلک لا نها اثر فعله و الاثر يدل علي المؤثر کماتدل الکتابة علي ان لها صانعاً و لاتدل علي کيفيته و هيئته نعم تدل بهيئتها علي صفة حرکة اليد کذلک النفس تدل علي صفة فعله تعالي کماتدل الکتابة علي صفة حرکة اليد و قوله فما فقد في العبودية وجد في الربوبية يراد منه ان صورتک في المرآة فقد منها الغني و الاستقلال بمعني انها لاتستغني عن صورتک التي هي فيک و لاتستقل بنفسها و صورتک التي هي فيک مستغنية مستقلة بنفسها لانها ذات و تلک صفة فما فقد من لاصفة من الاستقلال وجد في الموصوف و قوله و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية يراد منه ان ما خفي علي طالب المعرفة من الربوبية اصابه اي وجده في العبودية مثلاً لو طلبت معرفة صورتک التي فيک لمتقدر علي الاطلاع عليها فيخفي عليک فتجده في صورتک التي في المرآة التي هي العبودية و هنا ابحاث جليلة يظهر منها جميع معرفة الله تعالي و معرفة صفاته و اسمائه و معرفة اوامره ونواهيه و معرفة خلقه ولکن تستلزم تطويلاً طويلاً فلذا اعرضنا عنه.
قال سلمه الله: اذا حشر الانس و الجن يوم القيمة فبعد الحساب اين جنة الجن و جهنمهم هل هم مع الانس في الجنة او في النار ام لهم جنة و نار مخلوقتان عليحدة
اقول: قوله صلي الله عليه و آله ليس وراء دنياکم بمستعتب و لا دار الا جنة او نار هـ يدل مع امثاله و ظاهر الکتاب العزيز و اجماع المسلمين علي انه ليس يوم القيمة الا جنة او نار و هذا لاشک فيه و العلماء لماقف لهم علي کلام شاف في هذه المسئلة و المفسرون يظهر منهم الاختلاف لانهم قالوا في قوله
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 818 *»
تعالي لميطمثهن انس قبلهم و لا جان بقولين فقال بعضهم لميمس الحوريات قبل ازواجهن انس و لا جان بل هن ابکار کانهن بيض مکنون اي بيض نعام في احکامهن و قال بعض لميمس الانسيات انس قبلهم و لا الجنيات جان و هو يشعر بعيداً بعدم مناکحتهم للانس المتسلزم لعدم مجاورتهم في الجنة و اما انهم ذکروا ذلک صريحاً فلماقف عليه هذا ما اعرف من قولهم هذا و من اختلافهم في جواز المناکحة بينهم و اما ما فهمت من الاخبار و هو الذي عندي فهو ان الدور يوم القيمة تسعة و عشرون داراً ثمان جنان اعلاها جنة عدن و السبع مساکن المؤمنين علي حسب منازلهم في الايمان و الثامنة جنة عدن لمحمد و آله صلي الله عليه و اله و لمن لحق بهم بالمجاورة و سبع جنان حظائر و هي اظلة للجنان الاصلية السبع کل واحد من الحظائر من جنة من الاصلية علي الترتيب و الاصلية افضل من الحظيرة بسبعين ضعفاً و ان کان فيها کل ما في اصلها فهي فرع عنها فهذه خمس عشرة داراً للسعداء و سبع نيران اصلية و سبع نيران حظائر نسبتها من الاصلية کنسبة حظائر الجنة من الاصلية فهذه اربععشرة داراً فکانت الدور تسعاً و عشرين داراً و الذي فهمت من اخبارهم عليهم السلام ان من اتباع المؤمنين ثلاث طوائف لايدخلون جنان المؤمنين و هم اولاد الزنا المؤمنون و مؤمنوا الجن و المجانين الذين ماجري عليهم التکليف و هم عقلاء و لميکن لهم شفعاء من آبائهم و هؤلاء الثلاث الطوائف يسکنون جنان الحظائر السبع کل فيها علي حسب ايمانه اما مؤمنوا الجن فيسکنون في الحظائر علي حسب ايمانهم في مراتبها لانهم خلقوا منها و اليها يعودون و لانهم خلقوا من النار التي من الشجر الاخضر کماروي عن الصادق عليه السلام و الشجر من فاضل طينة الانسان فهم في الحقيقة کالصور بالنسبة الي الذوات فلذا کانت حقيقتهم من الحظائر التي هي من ظاهرجنة المؤمنين فافهم و اما المجانين المذکورون فليس لهم عمل يستحقون به الجنة الا باعمال الشرع الوجودي و هو ظاهر للوجود الشرعي و لهذا انما دخلوا الجنة بمحض التفضل الذي هو من مکملات الوجود الشرعي و هو من الظواهر فکانوا من اهل الحظائر و اما اولاد
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 819 *»
الزنا فورد انه لاينجب الا بعد سبعة ابطن فبعد السبعة الابطن يلحق بجنان المؤمنين و اما قبل ذلک فله سبع مراتب:
مرتبة العقل
و الثانية مرتبة النفس
و الثالثة مرتبة يکسي لحماً
و الرابعة مرتبة العظام
و الخامسة مرتبة المضغة
و السادسة مرتبة العلقة
و السابعة مرتبة النطفة و الحظائر للجنان سبع فولد الزنا اذا کان عاملاً بالاعمال الصالحات يکون في اسفل جنان الحظائر لعدم طهارته فکانت اعماله قاصرة ناقصة و ان قبلت لکنها في جميع مراتبها ليست زاکية و ابنه بالعقد الحلال يزکو عقله فيکون في الحظيرة الثانية التي هي فوق السفلي هذا مع فرض تساوي الاعمال و ابن الابن بالعقد تزکو عقله و نفسه فيکون في الحظيرة الثالثة و ابنه کک يزکو عقله و نفسه و لحمه فيکون في الحظيرة الرابعة و ابنه کذلک يزکو عقله و نفسه و لحمه و عظمه فيکون في الخامسة و ابنه کذلک يزکو عقله و نفسه و لحمه و عظمه و مضغته فيکون في السادسة و ابنه کذلک يزکو عقله و نفسه و لحمه و عظمه و مضغته و علقته فيکون في السابعة العليا و ابنه کذلک يزکو عقله و نفسه و لحمه و عظمه و مضغته و علقته و نطفته فينجب و يلحق بجنان المؤمنين و انما ينحط عن جنان المؤمنين قبل طهارة نطفته لان طهارتها هي مبدأ الوجود التشريعي و قبل ذلک ملحق بالظواهر مستوجب لسکني الحظائر هذا ما تشير اليه الاخبار في تلويحاتها في جنان الحظائر و ان سکانها هذه الطوائف الثلاث فالمؤمنون من الجان في جنان الحظائر و هذا يؤيد القول الثاني للمفسرين و جنان الحظائر سبع کماتقدم غير جنان المؤمنين لانها تحتها لکل جنة حظيرة کالظل منها فحظيرة الجنة الثانية فوق حظيرة الجنة الاولي کما ان الجنتين کذلک و حظيرة الجنة الثالثة فوق حظيرة الجنة الثانية و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 820 *»
حظيرة الجنة الرابعة فوق حظيرة الجنة الثالثة و هکذا وهي متفاوتة في الشرف کتفاوت الجنان الاصلية و السابعة من الحظائر هي اعلاها و هي تحت الجنة السفلي من جنان المؤمنين و اما حظائر النيران فهي ايضاً کما تقدم سبع مترتبة فاولها حظيرة الجحيم و هي اعلاها و اهونها عذاباً و اسفلها حظيرة جهنم و هي اشدها و حظيرة جهنم فوق الجحيم کما ان اعلا حظائر الجنان تحت اسفل الجنان الاصلية و هذه النيران السبع نيران الحظائر تعذب فيها عصاة الشيعة ممن لمتدرکه شفاعة و لمتمحص ذنوبه بالبلايا في الدنيا او عند الموت او في البرزخ او باهوال يوم القيمة لان المفهوم من اخبار الائمة الاطهار عليهم السلام ان محبيهم لايدخلون النيران و لو کان علي العاصي منهم ذنوب ليس لها مکفر الا النار وضع في حظائر النار حتي يطهر من نجاسة الذنوب ثم يدخل الجنة و لهذا يقولون اعداؤهم و هم في النار الاصلية کما حکي الله عنهم و قالوا ما لنا لانري رجالاً کنا نعدهم من الاشرار اتخذناهم سخرياً ام زاغت عنهم الابصار ثم قال تعالي ان ذلک لحق تخاصم اهل النار و في الکافي عن الصادق عليه السلام لقد ذکرکم الله اذ حکي عن عدوکم في النار بقوله و قالوا ما لنا لانري الآية قال والله ماعني الله و لااراد بهذا غيرکم صرتم عند اهل هذا العالم من اشرار الناس و انتم والله في الجنة تحبرون و في النار تطلبون و في رواية اما والله لايدخل النار منکم اثنان لا والله و لا واحد و الله انکم الذين قال الله تعالي و قالوا ما لنا لانري الآية ثم قال طلبوکم و الله في النار فماوجدوا منکم احداً و في رواية اخري اذا استقر اهل النار في النار يتفقدونکم فلايرون منکم احداً فيقول بعضهم لبعض ما لنا الآية قال و ذلک قول الله عزوجل ان ذلک لحق تخاصم اهل النار يتخاصمون فيکم کما کانوا يقولون في الدنيا هـ و انما لميروا احداً من عصاة الشيعة مع ان منهم من يدخل النار لانهم في نار الحظائر و هي غير نار الکفار و المنافقين فلايرون منهم احداً و هذا المعني موجود في ظاهر الاخبار اما ان نيران الحظائر هي نيران الجان فلماقف علي خبر في ظاهر لفظه ما يدل علي ذلک و لا علي کلام لاحد من العلماء في ذلک نعم الذي استفدت من
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 821 *»
بواطن الاحاديث لا من ظواهرها ان نيران الجان نيران الحظائر و الاشارة الي جهة مأخذ الدليل من دليل الحکمة و هو ان الانسان اشرف من الجان و اعلي فيجب ان يکون ثوابهم و جنانهم اشرف و اعلي و سمعت ما ذکرنا في جنان الجان انها جنان الحظائر کما صرحت به الرواية عنهم عليهم السلام و يجب ان يکون عقابهم و نيرانهم اشد من عقاب الجان و نيرانهم لان الجان انزل رتبة من الانس فيجب ان يکونوا اسهل منهم في النيران و في العقاب و هذا معقول لمن کان له قلب او القي السمع و هو شهيد فللجان اذ اطاعوا جنان اسفل من جنان المؤمنين و هي جنان الحظائر و لهم اذا عصوا نيران اسهل و اخف من نيران بني آدم اذا عصوا لان نسبة الصعود کنسبة النزول فافهم.
قال سلمه الله: قد بلغنا اخبار کثيرة تدل علي تغيير القرآن و تحريفه و تصحيفه مع ان الله تعالي قال انا نحن نزلنا الذکر و انا له لحافظون و تصديق هذه الاخبار يستلزم تکذيب هذه الآية و بالعکس و العياذ بالله کيف وجه الجمع بين الآية و الرواية.
اعلم ان هذه المسألة وقع فيها الاختلاف و الذي يظهر لي ان الاختلاف انما هو لعلة قوله عليه السلام انا الذي خالفت بينکم الا انه بما القيه في خيال بعض العلماء حفظاً لهذه الفرقة و الا فمن نظر الي ادلة القائلين بعدم التغيير رآها اوهن من بيت العنکبوت و ذلک لان الدليل اما ان يکون من الکتاب او السنة او من دليل العقل او الاجماع و الاربعة لميثبت منها شيء اما الکتاب فقد دل بصريحه المؤيد بالحديث المجمع علي معناه من المسلمين کافة علي انه مغير محذوف منه کثير بمعونة الاحاديث المجمع عليها من المسلمين و هي ما روي عن النبي صلي الله عليه و اله لترکبن سنن من کان قبلکم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي لو سلکوا جحر ضب لسلکتموه هـ و هذا لايختلف في معناه اثنان من الشيعة و من طرق العامة ما رووه عن ابيليث الواقدي قال کنت
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 822 *»
رديفاً للنبي صلي الله عليه و آله في غزوة اوطاس([1]) فمررنا بشجرة کان المشرکون ينوطون عليها اسلحتهم يقال لها ذات انواط فقلت يا رسول الله اجعل لنا ذات انواط کما لهم ذات انواط فقال صلي الله عليه و آله قلتم و الذي نفس محمد بيده ما قالت بنواسرائيل لنبيهم اجعل لنا الهاً کما لهم آلهة لترکبن سنن من قال قبلکم حذو النعل بالنعل الحديث او کما قال و هذا الحديث لايختلف في معناه اثنان منهم فقد حصل اجماع المسلمين علي المعني و في صريح القرآن و کتبنا له في الالواح من کل شيء موعظة و تفصيلاً لکل شيء و هذه التورية التي عند اليهود قد غيروا فيها صفة محمد صلي الله عليه و آله بالاجماع من المسلمين و قد اخبر القرآن عن کثير من ذلک منه قوله تعالي و قد کان فريق منهم يعني من اسلافهم اليهود يسمعون کلام الله في اصل جبل طور سيناء و اوامره و نواهيه ثم يحرفونه عما سمعوه اذا ادوه الي من ورائهم من بنياسرائيل من بعد ما عقلوه فهموه بعقولهم و هم يعلمون انهم في تقولهم کاذبون ثم قال تعالي فويل للذين يکتبون الکتاب بايديهم يحرفونه من احکام التورية ثم يقولون هذا من عند الله و ذلک انهم کتبوا صفة زعموا انها صفة النبي صلي الله عليه و آله و هو خلاف صفته و قالوا للمستضعفين هذه صفةالنبي المبعوث في آخر الزمان طويل عظيم البدن و البطن اشهب الشعر و هو صلي الله عليه و آله بخلافه و انه يجيء بعد هذا الزمان بخمس مائة سنة ليشتروا به ثمناً قليلاً لتبقي لهم علي ضعفائهم رياستهم و تدوم لهم منهم اصاباتهم و يکفوا انفسهم مؤنة خدمتهم لرسول الله صلي الله عليه و آله و قال تعالي ان الذين يکتمون ما انزل الله من الکتاب من صفة النبي صلي الله عليه و آله و حذفوها من التورية و يشترون به ثمناً قليلاً عرضاً من الدنيا يسيراً و ينالون به في الدنيا عند الجهال رياسة و قال تعالي يا اهل الکتاب قد جاءکم رسولنا يبين لکم کثيراً مما کنتم تخفون من الکتاب کنعت محمد صلي الله عليه و آله و آيةالرجم في التورية و بشارة عيسي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 823 *»
باحمد في الانجيل و يعفو عن کثير مما تخفونه لايخبر به و في مجمع البيان عن الباقر عليه السلام عند تفسير قوله تعالي يا ايها الرسول لايحزنک الذين يسارعون في الکفر من سورة المائدة ان امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من اشرافهم و هما محصنان فکرهوا رجمهما فارسلوا الي يهود المدينة و کتبوا اليهم ان يسألوا النبي صلي الله عليه و آله عن ذلک طمعاً في ان يأتي لهم برخصة فانطلق منهم کعب بن الاشرف و کعب بن اسيد و شعبة بن عمرو و مالک بن الضيف و کنانة بن ابيالحقيق و غيرهم فقالوا يا محمد اخبرنا عن الزاني و الزانية اذا احصنا ما حدهما فقال صلي الله عليه و اله و هل ترضون بقضائي في ذلک قالوا نعم فنزل جبريل عليه السلام بالرجم فاخبرهم بذلک فابوا ان يأخذوا به فقال له جبريل اجعل بينک و بينهم ابن صوريا و وصفه له فقال النبي صلي الله عليه و آله هل تعرفون شاباً امرد ابيض اعور يسکن فدک يقال له ابن صوريا قالوا نعم قال فاي رجل هو فيکم قالوا هو اعلم يهودي بقي علي وجه الارض بما انزل الله علي موسي عليه السلام قال فارسلوا اليه فبعثوا اليه فاتاهم عبدالله بن صوريا فقال له النبي صلي الله عليه و آله اني انشدک الله الذي لا اله الا هو الذي انزل التورية علي موسي و فلق البحر فانجيکم و اغرق آل فرعون و ظلل عليکم الغمام و انزل عليکم المن و السلوي هل تحلون في کتابکم الرجم علي من احصن قال ابن صوريا نعم و الذي ذکرتني به لولا خشيت ان يحرقني رب التورية ان کذبت او غيرت مااعترفت لک ولکن اخبرني کيف هو في کتابک يا محمد قال ان شهد اربعة رهط عدول انه قد ادخله فيها کمايدخل الميل في المکحلة وجب عليه الرجم فقال ابن صوريا هکذا انزل الله في التورية علي موسي فقال له النبي صلي الله عليه و آله فماذا کان اول ما ترخصتم به امر الله قال کنا اذا زني الشريف ترکناه و اذا زني الضعيف اقمنا عليه الحد فکثر الزنا في اشرافنا حتي زني ابن عم ملک لنا فلمنرجمه ثم زني رجل آخر فاراد الملک رجمه فقال له قومه لا حتي ترجم فلاناً يعنون ابن عمه فقلنا تعالوا نجتمع فلنصنع شيئاً دون الرجم يکون علي الشريف و الوضيع فوضعنا الجلد و التحميم و هو ان
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 824 *»
يجلد اربعين جلدة ثم يسود وجوههما ثم يحملان علي حمارين و تجعل وجوههما من قبل دبر الحمار و يطاف بهما فجعلوا هذا مکان الرجم فقالت اليهود لابن صوريا ما اسرع ما اخبرته به فامر بهما النبي صلي الله عليه و آله فرجما عند باب مسجده و قال انا اول من احيي امرک اذ اماتوه فانزل الله سبحانه فيه يا اهل الکتاب قد جاءکم رسولنا يبين لکم کثيراً مما کنتم تخفون من الکتاب و يعفو عن کثيرالحديث و في قوله سماعون لقوم آخرين عن ابن عباس و جابر بن سعيد المسيب ارسلوهم في قصة زان محصن فقالوا لهم ان افتيکم محمد بالدية فخذوه و ان افتيکم بالرجم فلاتقبلوا لانهم کانوا حرفوا حکم الرجم الذي في التورية هـ و منها ان حکم الآخرة من الجنة و النار حذفوه من التورية فليس فيها الآن شيء من ذلک و الله سبحانه يقول و کتبنا له في الالواح من کل شيء موعظة و تفصيلاً لکل شيء الي غير ذلک و کذلک في الانجيل مما حذفته النصاري من اسم محمد و صفته و القرآن مصرح بتغييرهم في التورية و الانجيل و الاحاديث المجمع عليها قد دلت بنصها علي ان کل ما کان في الامم الماضية يکون في هذه الامة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة فاذا ثبت بالدليل القطعي انهم غيروا التورية و الانجيل و حذفوا منها و ثبت بالدليل القطعي ان ما کان هناک يکون في هذه الامة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة ثبت ان القرآن غير و بدل لاينبغي للعارف بما قلنا ان يرتاب في ذلک و اما السنة فقد وردت الاحاديث المتکثرة بالتغيير و التبديل و التقديم و التأخير و الزيادة و النقيصة و غير ذلک حتي ان السيد نعمت الله الجزائري رحمه الله ذکر في رسالته الصلاتية ان الاخبار الدالة علي ذلک تزيد علي الفي حديث و لمنقف علي حديث واحد يشعر بخلاف ذلک و القرآن الموجود الآن ستة آلاف آية و ست مائة و ست و ستون آية تقريباً و المروي في صحيحة هشام بن سالم الجواليقي ان القرآن الذي نزل علي محمد صلي الله عليه و آله سبعة عشر الف آية و في رواية ثمانية عشر الف آية اما الزيادة فيه فوردت في روايتين او ثلاث کقوله عليه السلام لولا مازيد في القرآن و نقص لميخف حقنا علي ذي حجي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 825 *»
و اجمع المسلمون علي عدم الزيادة في هذا الموجود الآن و انما الخلاف في النقيصة و حملوا احاديث الزيادة علي زيادة بعض الحروف في بعض القراءة مثل ملک و مالک و مثل مسکنهم و مساکنهم و الذي افهم من الزيادة انها هي الحاصلة من التقديم و التأخير کما في قوله تعالي افمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه و من قبله کتاب موسي اماماً و رحمة فانها هکذا: و يتلوه شاهد منه اماماً و رحمة و من قبله کتاب موسي، فکان الکلام المؤخر زائداً في المکاني الثاني ناقصاً من الاول و الکلام المقدم زائداً في المکان الاول ناقصاً من المکان الثاني و اما النقيصة فالاحاديث متواترة معني في ذلک فورد عن اميرالمؤمنين عليه السلام انه حذف و اسقط مابين «فان خفتم الا تقسطوا في اليتامي» و بين «فانکحوا ما طاب لکم من النساء» الآية اکثر من ثلث القرآن و ورد ان سورة الاحزاب بقدر سورة البقرة و الحاصل هي کماقال السيد نعمت الله الجزائري انها تزيد علي الفين و من روايات العامة ما رواه الشيخ سعد بن ابراهيم الاردبيلي من علمائهم في کتاب الاربعين الحديث يرويه باسناده الي المقداد بن الاسود الکندي قال کنت مع رسول الله صلي الله عليه و آله و هو متعلق باستار الکعبة و يقول اللهم اعضدني و اشدد ازري و اشرح صدري و ارفع ذکري فنزل جبريل عليه السلام و قال له اقرأ المنشرح لک صدرک و وضعنا عنک وزرک الذي انقض ظهرک و رفعنا لک ذکرک بعلي صهرک فقرأ النبي صلي الله عليه و آله علي ابن مسعود فالحقها في تأليفه و اسقطها عثمن هـ .
و بالجملة اذا دلت علي مسألة اخبار قدر الفي حديث و لميوجد خبر مناف لذلک بل القرآن شاهد بتصديقها لايحسن اجتهاد في مقابلتها و اما الدليل العقلي فتمشيته علي التغيير و التبديل و الاسقاط اظهر من تمشيته علي عدم التغيير لان نافين التغيير قالوا لو صح التغيير لميبق لنا اعتماد علي شيء من القرآن اذ علي هذا يحتمل کل آية منه ان يکون محرفاً و مغيراً و يکون علي خلاف ما انزل الله فلميبق لنا في القرآن حجة اصلاً فتنتفي فائدته و فائدة الامر باتباعه و الوصية بالتمسک به و قالوا ان الله سبحانه يقول و انه لکتاب عزيز
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 826 *»
لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و يقول انا نحن نزلنا الذکر و انا له لحافظون فکيف يتطرق اليه التحريف و التغيير و ايضاً قد استفاض عن النبي و الائمة صلوات الله عليهم حديث عرض الخبر المروي علي کتاب الله ليعلم صحته بموافقته له و فساده بمخالفته له فاذا کان القرآن الذي بايدينا محرفاً فما فائدة العرض مع ان خبر التحريف مخالف لکتاب الله مکذب له فيجب رده و الحکم بفساده او تأويله و الجواب عن الاول انا لانقول ان التغيير في جميع کلامه او في کل کلمة او في کل آية او بما يختل به نظم القرآن لان التغيير باسقاط آيات و کلمات و ليس کلما سقط من شيء انتفت فائدة الباقي بل الباقي باق علي کماله و بلاغته مثلاً علي قولکم انه الآن کما انزل لميتغير لو ان شخصاً اسقط نصف البقرة و ثلث آل عمران و ربع النساء او بالعکس هل يکون في الباقي فائدة و حجة ينتفع به الناس ام لا فان قلتم ان اسقاط نصف السورةلايبطل حجية باقيها کما قلتم في الحديث ان اشتمال بعضه علي المنافي اذا کان صحيحاً لايخل بباقيه الموافق و لايبطل الاحتجاج به فالقرآن اولي بذلک لانه کلما کان اکمل کان بعضه اولي بالاستقلال من بعض غير الاکمل انظر لو قلنا بان آية الکرسي وجد منها الله لا اله الا هو الحي القيوم و اسقط باقيها ما بطلت بلاغة الموجود منها و الاحتجاج به بل هو باق علي ما هو عليه في جميع فوائده الا ما کان مرتبطاً بالمحذوف و ما کان مرتبطاً بالمحذوف فان علم حافظ الشريعة الذي استودعه رسول الله صلي الله عليه و اله شريعته ان الرعية تحتاج اليه ذکره لهم و لايخل به مثل استحقاق الزوجة مع عموم استحقاقها في القرآن من کل ما ترک زوجها و خصصوها عليهم السلام علي مقتضي ارادة الله تعالي لانهم يريدون هداية الخلق الي الحق فلو فقد شيء من القرآن مما تحتاج اليه رعيتهم وجب علي المستحفظ للشريعة ان يلقيه اليهم في احاديثه کما دلت عليه الاخبار مثل قوله عليه السلام ان الارض لاتخلو من حجة کيما ان زاد المؤمنون ردهم و ان نقصوا اتمه لهم فلايحصل نقص علي الرعية بما اسقط من القرآن و المسدد المکمل عليه السلام معهم بقوله و فعله و تسديده. و ان
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 827 *»
قلتم ان اسقاط البعض يسقط حجية الباقي لاحتمال التغيير في کل آية قلنا هذا انما يتم لو لميعلم مواضع الاسقاط و اما اذا علم مواضع التغيير و الاسقاط ببيان العالم عليه السلام فلايتم هذا لکم لانه عليه السلام قد بين مواضع التغيير مثل و اجعلنا للمتقين اماماً لما قرئت عند الصادق عليه السلام فقال قد سألوا الله عظيماً ان يجعلهم للمتقين ائمة فقيل له کيف هذا يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله قال انما انزل الله و اجعل لنا من المتقين اماماً و مثل يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليک من ربک فان لمتفعل فمابلغت رسالته اي من ربک في علي الآية فان قلتم هذه اخبار آحاد لايعول عليها قلنا ما الموجب لردها و جعلها اخبار آحاد و هي تزيد علي الالفين و القرآن کما سمعت يؤيدها فان کان لان العمل بها ينافي الاحتجاج به و التمسک به قلنا علي قولکم انه لميغير بحال يجوز التمسک بکل شيء منه او لايجوز لان فيه ما يحتاج الي صرفه عن ظاهره مثل يد الله فوق ايديهم و الي ربها ناظرة فان قلتم لايجوز لان فيه المتشابه و يحتج به الدهري و المرجئي و غيرهما و انما نحتج بمحکمه قلنا في المحکم عام فلايکون محکماً الا بعد التخصيص و فيه المنسوخ و غير ذلک و المقرر للمحکم منه هو الامام عليه السلام و هو المقرر للعمل به في بعض دون بعض و منها بيان مواضع التغيير لان القرآن فيه تفصيل کل شيء و اکثر الاحکام التي عندکم ليس فيها دليل من القرآن و انما ادلتها من السنة و في السنة ما من شيء الا و فيه کتاب او سنة و قد اخبروا في الاحاديث الصحيحة عنهم عليهم السلام ان جميع ما عندهم من القرآن فالذي يخبرونکم به و ليس مذکوراً في هذا القرآن و لاشک انه منه کما قالوا فاما ان يکون في التأويل او في لفظه و الاصل عدم التأويل لان من قال انه من القرآن و لميوجد في هذا القرآن الموجود عندنا لابد له ان يقول انه مذکور في القرآن في لفظه و احتمال التأويل مرجوح لمخالفته الاصل.
و کون اميرالمؤمنين عليه السلام جمع القرآن و عرضه علي القوم و لميقبلوه و رجع به مما يؤيد انه غير هذا و الا لماکان لرجوعه به و لا لعدم قبولهم له مزية اذا کان هو هذا الموجود و دعوي ان هذا لميثبت مباهتة لشهرته بين المسلمين من
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 828 *»
المؤالف و المخالف و دعوي ان ما اتي به عليه السلام انما هو من قبيل التفسير ينافيها قوله عليه السلام هذا کتاب الله کما انزل فان قبلتموه فاقبلوني معه لاحکم بما انزل الله فيه و مخاطبته عليه السلام لطلحة و محاجته و جوابه للزنديق مشهورة.
فان قيل کل هذه اخبار آحاد لايعول عليها قلنا فأتوا بخبر واحد يوافق قولکم مسند او غير مسند مع انا قلنا لکم ان احاديث لترکبن سنن من کان قبلکم الخ مما اتفق علي صحة معناها جميع المسلمين و اللازم من ذلک نص القرآن الموجود علي تغييره باسقاط و تبديل و تقديم وتأخير و تأويل علي غير مراد الله و غير ذلک خرج منه الزيادة فيه من غيره من الآيات و الکلمات باجماع المسلمين و ان الموجود قرآن لاشک فيه و بقي ماسوي هذين داخلاً فيما نص عليه هذا القرآن من وقوع ذلک في کتب الامم الذين قبلنا و راجع ما مضي.
و اما قولهم ان الله سبحانه يقول و انه لکتاب عزيز لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فليس فيه دلالة علي مدعاهم لان اسقاط بعضه لايلزم منه تطرق الباطل علي الباقي منه لانه حق و لو قيل يتطرق الباطل علي المجموع من حيث هو مجموع قلنا انما يتطرق علي المجموع لو قلنا بان ما اسقطوه ذهب و اما اذا کان محفوظاً عند اهله فلايلزم منه ذلک فانه مثل ما لو اتخذت من هذا الموجود انت وحدک بعض سورة و ترکت الباقي فانه لايضر الباقي و هو موجود عند غيرک علي ان المراد من معني هذه الآية ان القرآن لايکون فيما اخبر به عما مضي و عما يأتي شيء مخالف للحق ففي التفسير لايأتيه الباطل من قبل التورية و لا من قبل الانجيل و الزبور و لا من خلفه اي لايأتيه من بعده کتاب يبطله و في مجمع البيان عنهما عليهما السلام ليس في اخباره عما مضي باطل و لا في اخباره عما يکون في المستقبل باطل بل اخباره کلها موافقة لمخبراتها هـ و کذلک قوله تعالي انا نحن نزلنا الذکر و انا له لحافظون فان اسقاط بعضه عند اناس لاينافي کونه محفوظاً عند آخرين و ليس المراد انه لايجوز ان يقال بانه سقط منه شيء لانه يخالف الآية و يلزم منه تکذيبها کما في متن السؤال لانک يمکنک انت ان تسقط منه شيئاً و لايلزم منه ذلک لان المراد من الآية مثل المراد من الاولي و ان
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 829 *»
اريد تأويلها علي هذا المعني فهو الآن محفوظ عندهم عليهم السلام و لميذهب المحذوف منه من الوجود ليکون غير محفوظ.
و اما عرض الخبر المروي علي کتاب الله الخ فنقول ليس المراد به العرض علي جميع آياته بل علي ما يصلح عليه العرض و الذي امر بالعرض عليه هو الذي اخبر باسقاط بعضه فلم لاتقول لعلة انما امر بالعرض لعلمه بان ما حيتاج الي العرض علي الکتاب من الخبرين المختلفين يبينه الموجود من القرآن بالعرض عليه و ما لايبينه الموجود من القرآن امر بعرضه علي السنة او علي ما عليه العامة او لعل المعروض عليه من هذا القرآن الموجود لميکن مغيراً و مجرد الاسقاط لايوجب عدم جواز العرض لجواز ان يکون ما اسقط لايتعلق به عرض شيء عليه او ما يتعلق به من العرض تقوم السنة مقامه فيه او العرض علي ما عليه العامة بل ربما يکون هذا راجحاً من جهة ان القرآن فيه ماکان حديثاً يفتري ولکن تصديق الذي بين يديه و تفصيل کل شيء فلما اخبر سبحانه بان القرآن فيه تفصيل کل شيء و رأينا اکثر الروايات المختلفة لايمکن عرضها عليه و لايوجد فيه تفصيلها حصل لنا قطع بمعونة تلک الاخبار المتکثرة انه لو وجد کله لاغني في عرض جميع الاخبار المختلفة عليه عن السنة و عن العرض علي مذاهب العامة لانه تفصيل کل شيء و الا لماکان فيه تفصيل کل شيء لان ما لايغني عن غيره کان خاص النفع و ما کان خاصاً لايخبر عنه في القول الحق انه عام فاخبار التحريف موافقة للکتاب و مصدقة له عند اولي الالباب.
و اما الاجماع فهو دائر بين ان يکون منقولاً او محصلاً خاصاً لوجود المخالف في کل آن من زمن الائمة عليهم السلام الي هذا الآن و ان اختلفت الشهرة باختلاف الازمنة و المنقول يجوز ان يکون منقولاً عن اجماع محقق و هذا علي فرضه و وقو عه في الظاهر يکون حجة و مصادماً للمخالف و في الحقيقة قد يکون وجود المخالف بعده و کثرته و قوة دليله ناقضاً لذلک الاجماع لاحتمال ان يکون اصل منشأ القول المخالف من اتمام الامام عليه السلام لمانقص المؤمنون او ردهم عما زادوا بقرينة قوة الدليل و لماثبت عند المحققين من جواز تعاکس الاجماعين في بعض صور
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 830 *»
الاجماع المرکب و من جواز انقلاب الاجماع الظاهر و ان کان نادر الوقوع کما اشرنا الي ذلک في رسالتنا الموضوعة في الاجماع و قولي في الظاهر لاحتمال ان تکون قطعيته حصلت من التسامح (ظ) لا من قطعية الدليل بنفسه فانها اذا حصلت من قطعية الدليل بنفسه اضمحل الخلاف لان قطعية الدليل بنفسه لايجتمع مع ضده الا نادراً لتغير القطع بقوة الاحتمال المتجدد و لايکون الا في وقت متباعد عن وقت الاول او صقع ناء عن مکان الاول بحيث لايکلف المستنبط الاطلاع عليهما و يجوز ان يکون منقولاً عن اجماع محصل خاص و هذا مع ثقة الناقل و سلامته من الاحتمال الاول لايزيد علي خبر الثقة و ان کان لو انفرد الخبر الصحيح معه کان ارجح من الخبر کما هو الظاهر لکنه لايقاوم الفي حديث معتضدة بلزوم نص القرآن کما تقدم مع ان اکثرها صحيحة يشهد العقل السليم من الشبه لها و المراد بالشبه ما بينا کثيراًما في اجوبتنا و مباحثاتنا ان العلماء اذا کان المباحث لهم مخالفاً لهم علي اربعة اقسام قسم يسلک طريق المکابرة و العناد و مثل هذا لايوفق للصواب و السداد و قسم ليس کذلک ولکنه ربما اعتادت نفسه بشيء و انست به فاذا حصل له ما ينافيه مالت نفسه و ربما يکون من حيث لايشعر بالاعتياد الي صرف ما يخالف ما انس به و تأويله و هذا کذلک و ان کان اخف تقصيراً من الاول و قسم ليس کالاولين ولکنه مطمئن الي قواعد عنده يعتمد عليها فيقبل ما يوافقها و ينکر ما يخالفها و هذا ايضاً کثير الخطأ و لايکاد يهتدي الي سواء السبيل لانه ربما کان الغلط و الخطأ في قواعده الا اذا کانت قواعده واقعية اما من کتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و اله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول هـ يعني ان العقول متفقة علي قبوله کما رواه في الاختصاص عن محمد بن الزبرقان الدامغاني عن موسي بن جعفر عليهما السلام و لاشک في صوابه حينئذ و قسم ليس کالاولين بل هو بعد ما مارس العلوم و تأدب باداب الروحانيين حصل له عقل اکتسابي و فهم طبعاني فاذا القي اليه الکلام نظر فيه بفهمه و تدبر معني المراد منه غير ملتفت الي ما اعتادت به نفسه و لا الي قاعدة عنده بل ينظر نظر المتدبر و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 831 *»
يستمع استماع المتفهم المتعلم فهذا هو الذي يصدق عليه قوله تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان الله لمع المحسنين فالعقل السالم من الشبه الثلاث يشهد بما قلنا بل يجوز ان يکون منقولاً عن الاجماع السکوتي و ما اشبه ذلک و لاجل هذا اشترط بعضهم الاطلاع الابتدائي ليرتفع الاحتمال و يتبين الاجمال و المحصل الخاص لايرفع الاختلاف بل يجوز لمن لميحصله معارضته کمادل عليه خبر الاختصاص عن الکاظم عليه السلام حيث قال فيه فما ثبت لمنتحليه من کتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و اله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق علي من انتحل تلک ردها و وجب عليه قبولها و الديانة و الاقرار بها و ما لميثبت لمنتحليه من کتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشک فيه و الانکار له الحديث الا انه اذا حصل له دليل معارض له حيث تعتبر المعارضة نظر فيهما بعين الترجيح و قد شاع في کتب الاصحاب في مواضع کثيرة الحکم في مقابلة الاجماع المنقول لقوة الدليل المعارض له و ترجيحه بل ربما يکون بعضهم يحصل له ترجيح في مقابلة الاجماع المنقول باحتمال يجري علي خاطره يرجح به دليله عليه لا نه عندهم دليل مرجح للدليل او دليل يترجح بدليل لا انه دليل مستقل وحده بدون شيء يعضده غالباً لقيام الاحتمال کما مر و ان کان هو بحکم الخبر الواحد و اصرح من الخبر لعدم الاحتمالات المنافية لدلالته المتطرقة الي الخبر الا انه غالباً لايستعملونه دليلاً تاماً مستقلاً و الا لميکن خاصاً بل کان محققاً و لهذا لاتکاد تجد حکماً من احکامهم ليس له دليل الا خصوص الاجماع المنقول بل لابد معه من رواية او اعتبار شرعي و ليس لانه غير حجة بل لمايتطرق اليه من الاحتمالات في النقل بم يثبت به و ما المنقول هل هو المحقق ام المحصل الخاص ام عام ام غير ذلک حتي انه قد يکون اجماعان في زمن واحد متقابلان و لايکونان محققين قطعاً کمانقل عن الشيخ ظاهر الاجماع علي جواز الصلوة في فرو السنجاب و عن ابن زهرة في الغنية ظاهر الاجماع
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 832 *»
علي المنع من الصلوة فيه و هما متعاصران و بالجملة ليس حيث نقل الاجماع تعين به الحکم کما سمعت من مثل اجماعات ابن ادريس و السيد المرتضي حتي انه نقل عنه تسعة اجماعات في تسع مسائل لميعلم بها قائل بل مذهب الفرقة المحقة علي خلافها و الاصل انه اجماع حصله هو مستنبطاً لميجده غيره فاذا وقفت علي ما في الادلة الاربعة التي اشرنا اليها فيما نحن فيه تبين لک صحة ما قلنا و ما نصره الشيخ ابو علي الطبرسي رحمه الله من عدم التغيير منتقض بما ذکرناه و بما قرره هو في مجمع البيان في مواضع کثيرة من تغيير الکتب السابقة و حذف کثير منها کما في التورية و الانجيل المستلزم لصحة تغيير کتابنا بنص الاخبار المجمع علي العمل بها من جميع المسلمين فاذا تفهمت ما اشرنا اليه ظهر لک مطابقة الرواية للآية و عدم المنافاة بينهما و الله سبحانه يقول الحق و هو يهدي السبيل.
قال سلمه الله: قال الله کل شيء هالک الا وجهه و في الحديث القدسي يا بني آدم خلقتم للبقاء لا للفناء بم يجمع بين الکلامين المتنافيين.
اقول: اما الآية فللهالک ثلاثة معان و للوجه ثلاثة معان و للضمير في وجهه معودان: اما الهلاک فيطلق علي الموت الذي هو مفارقة الروح للجسد و المعني کل شيء ذي روح فهو ميت کما قال تعالي افان مت فهم الخالدون کل نفس ذائقة الموت.
و الثاني يطلق علي تفرق الاجزاء و بطلان الترکيب فتفرق الاجزاء کما في الاجساد فان اجزاءها تتفرق في التراب و تبقي في القبر محفوظة مستديرة کماتبقي سحالة الذهب في دکان الصائغ غير مشاهدة و لا محسوسة حتي يصفيها و تخرج تامة فهي باقية غير فانية و لاترجع الي العدم کما توهمه بعضهم بل تبقي في قبره مستديرة يعني مترتبة علي ترتيبه في حال الحيوة فاجزاء الرأس فوق اجزاء الرقبة و اجزاؤها فوق اجزاء الصدر و اجزاؤه فوق اجزاء البطن و هکذا و بطلان الترکيب يکون في الارواح فانها حين قبضها الملک من
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 833 *»
الجسد خرجت حية الي نفخة الصور الاولي نفخة الصعق و هي في الحقيقة مرکبة من ستة اشياء کما هي الآن فاذا نفخ اسرافيل في الصور انجذبت الي ثقبها الخاص بها و فيه ستة مخازن فاذا دخلت في ثقبها خلعت شبحها و مثالها الذي هو القالب في المخزن الاول و المادة في الثاني و الطبيعة في الثالث و النفس في الرابع و الروح في الخامس و العقل في السادس و بطل فعلها و حرکتها و ذلک بين النفختين و هي اربع مائة سنة فاذا نفخ اسرافيل عليه السلام نفخة البعث و الحيوة للحشر دفعت النفخة العقل فاتصل بالروح و هما بالنفس و هي بالطبيعة و هي بالمادة و الجميع بالقالب فحييت و نزلت الي جسدها و ولجته و خرج الشخص الي المحشر فهذا التفرق و البطلان هو الهلاک.
الثالث هلاک الدين و المعني کل شيء هالک و باطل الا وجهه اي کل دين باطل الا دينه او کل شيء هالک الا دينه و باطل او هالک في الدين و باطل فيه الا دين اوليائه و اتباعهم الذي هو دينه او الا اولياؤهم و اتباعهم فانهم ناجون في الدين و وجهه اولياؤه.
و اما الوجه فيطلق علي الذات المقدسة من باب تسمية الکل باسم الجزء و المعني کل شيء فان الا الله تعالي.
الثاني يراد بالوجه اولياؤه عليهم السلام اي کل شيء هالک الا اولياؤه عليهم السلام.
الثالث يراد بالوجه الاصل اي کل شيء هالک الا اصله الذي خلق منه ليخلق منه کما خلق اول مرة و اما الضمير فيعود الي الله او الي الشيء و بيان ما اجملنا و تفصيله علي الاول من الهلاک ان کل ذي روح تفارق روحه جسده الا ذاته سبحانه لانه احدي المعني ليس بمرکب فيتغير بل ذات بسيطة بحت لا کثرة فيها لا في الواقع و لا في الفرض و الاعتبار هذا علي ان الوجه هو الذات تعالي و علي ان الوجه هم اولياؤه عليهم السلام يکون المعني کل ذي روح تفارق روحه جسده مفارقة بطلان بحيث لايبقي لهم شعور في حال الا محمد و آله صلي الله عليه و آله فانهم اذا ماتوا لميموتوا بهذا المعني و اذا قتلوا لميقتلوا
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 834 *»
بهذا المعني بل اذا ماتوا او قتلوا فارقت ارواحهم اجسادهم مع الادراک و الشعور لهم و لهذا روي ان رأس الحسين عليه السلام و هو علي سنان سنان النخعي لعنه الله کان يقرأ القرآن و کذلک ارواحهم و کما هو معروف بين ارباب الحديث و العلماء ان علياً عليه السلام يحضر جميع الاموات عند الموت و عند الحساب في القبر و هو مقتول لعن الله عبدالرحمن بن ملجم و ذلک في حياتهم التي عند ربهم و انک الآن تزورهم فاذا سلمت عليهم صلي الله عليهم سمعوا کلامک و ردوا عليک سلامک و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان ميتنا اذا مات لميمت و ان مقتولنا اذا قتل لميقتل يعني به ان ميتنا و مقتولنا ليس کسائر الناس اذا مات احدهم او قتل کان کالحجرة لايشعر بشيء بل نحن اذا متنا او قتلنا ندرک في حال الموت ما ندرک في حال الحيوة الا اشياء لمصالح المکلفين و لذلک لمامات النبي صلي الله عليه و آله و اخذ علي عليه السلام في تغسيله کان صلي الله عليه و آله يقلب نفسه علي المغتسل لايحتاج الي من يقلبه و هذا معني ظاهر لايحتاج الي زيادة البيان.
و علي ان الوجه هو الاصل يکون المعني کل شيء ذي روح تفارق روحه جسده الا اصله الذي خلق منه اول مرة فانه باق من غير مفارقة و هو في اللوح المحفوظ حتي يخلق منه کما خلق اول مرة و اليه الاشارة بقوله تعالي کمابدءکم تعودون و قوله تعالي قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا کتاب حفيظ يعني ان علمنا بما تنقص الارض منهم في کتاب حفيظ مثل قوله قال علمها عند ربي في کتاب لايضل ربي و لاينسي و علي المعني الثاني من الهلاک ان کل شيء تتفرق اجزاؤه و يبطل ترکيبه الا ذاته سبحانه لعدم تجزئه و عدم ترکيبه بکل اعتبار.
و علي ان الوجه اولياؤه عليهم السلام ان کل شيء تتفرق اجزاؤه و يبطل ترکيبه الا محمد و آله صلي الله عليه و آله فانهم باقون بالله سبحانه فان اجسادهم لاتأکلها الارض لان الله تعالي حرم لحومهم علي الارض بل علي کمال ترکيبها باقية في قبورهم و انما لميرها البشر في الدنيا لانهم خلعوا البشرية الکثيفة التي رأوهم بها في الدنيا لان تلک البشرية تحدث من هذه العناصر من الطعام و الشراب فاذا خلعوها لمتدرکها ابصار اهل
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 835 *»
الدنيا و هو المعبر عنه في اخبارهم عليهم السلام برفعهم الي السماء الي ثلاثة ايام من دفنهم او اربعين يوماً علي اختلاف الروايات لا انهم يرفعون و تکون القبور خالية و کيف ذلک و هم انما يحشرون منها و ان نوحاً عليه السلام اخرج عظام آدم عليه السلام او جسده علي اختلاف الروايتين و کان بين اخراجه و بين موته علي ما نقله المسعودي في مروج الذهب الف سنة و خمس مائة سنة و اربع عشرة سنة و موسي عليه السلام نقل عظام يوسف عليه السلام و بينهما تقريباً نحو من اربع مائة سنة و کذلک ارواحهم عليهم السلام روي انها لاتبطل بين النفختين کماتبطل ارواحنا بل روي انهم عليهم السلام باقون علي حالهم الآن بعد موتهم الي يوم القيمة لايجري عليهم عليهم السلام من البطلان ما يجري علي الخلق.
و علي ان الوجه هو الاصل ان کل شيء يعني في عالم الخلق تتفرق اجزاؤه الا اصله الذي في اللوح المحفوظ فان ترکيبه باق الي ان يخلق منه و علي المعني الثالث من ان المراد بالهلاک هلاک الدين فعلي ان المراد بالوجه الذات المقدسة عزوجل يکون المعني کل دين او کل شيء في دينه هالک الا دين الله تعالي و دين اوليائه الذين قاموا بدينه و امتثلوا اوامره و اجتنبوا نواهيه و علي ان المراد بالوجه اولياؤه فالمعني قريب مما قبله لان دينهم دين الله و دين الله دينهم و علي ان المراد بالوجه وجه الشيء و اصله يکون المعني کل شيء هالک دينه الا اصله الثابت في اللوح المحفوظ و معلوم ان الاصل ان کان ثابت الدين في الاصل کان هو ثابتاً فيکون المعني کل شيء هالک في دينه الا الشيء الذي اصله ناج في دينه فانه ناج و بقي للهلاک معني و هو الفناء و التناهي و عليه يتعين ان يکون المراد بالوجه الذات المقدسة اذ کل شيء متناه غيره تعالي و اليه المنتهي فهو قبل کل شيء و بعد کل شيء ولکن لايلزم من تناهي الاشياء فناؤها ليقال تبطل الجنة و النار و اهلهما لان الامکان خلقه الله تعالي غير متناه في نفسه و ان کان عند الله متناهياً لان عدم تناهي الممکن لاينافي عدم تناهي الواجب فيقال انه مشارک له بل هو تعالي لايتناهي وراء ما لايتناهي بما لايتناهي فالاشياء باقية ببقائه سبحانه و لا نهاية لآخرها في الامکان لان الامکان غير متناه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 836 *»
في الحدوث و هو سبحانه غير متناه في الازل و محيط بالحوادث التي تتناهي فمعني فناء الاشياء تناهيها في حکم الازل و اما في انفسها فهي باقية في اماکنها فقوله و انما خلقتم للبقاء يراد منه انکم خلقتم للبقاء باسبابه و هو انکم لما کنتم في هذه الدنيا مخلوقين للتکليف لا للبقاء فيها لانها فانية خلق فيکم اسباب التغيير و الانتقال عنها الي دار البقاء و هي ممازجة العناصر المرکبة لاجسامکم لانها اسباب التلاشي و الفناء لتنتقلوا من دار الفناء الي دار البقاء ففناؤکم في هذه الدار کسرکم فيها لتتخلصوا من اسباب الفناء ليحصل لکم البقاء بالتصفية کماقال ارسطو للدهري الذي سأله فقال لم خلق ربکم هذا العالم فقال ارسطو لايسعه اللم و انما خلقه کرماً فقال اذا کان علة ايجاد هذا العالم کرمه اذا ابطله فقد ابطل کرمه فقال ارسطو انما کسره ليصوغه الصيغة التي لاتحتمل الفساد هـ و يريد ان هذا الترکيب الذي ظهر به ابن آدم في هذه الدار لايصلح للبقاء لممازجة العناصر و الاعراض له في ترکيبه المقتضية للتغيير و الامراض لان هذا الترکيب هو المناسب للتکليف في الدار الفانية فلما اراد ان ينقله الي دار البقاء المستمر و الثبات الدائم کسره بان اماته فاقبره في الارض حتي تأکل الارض جميع ما فيه من الاعراض و التراکيب الفاسدة و يتخلص من جميع اسباب الفناء کما ان الصائغ اذا کان عنده ذهب ممتزج بالنحاس وضعه في الکور او في المياه الحلالة حتي يتخلص من جميع الاجزاء النحاسية ثم يعمل به ما شاء من الحلي و ليس وضعه في الکور و کسره و اذابته افناء له بل تطهير له من اسباب الفناء ليصلح للبقاء فکذلک الانسان خلقه الله للبقاء الابدي و لکنه لايکون الا بالاعمال فانزله في دار التکليف و هي دار فانية متلاشية فلو ابقاه علي صفاء اصل خلقته لکان باقياً في دار لاتبقي فيختلف المقتضيان فجعل فيه ترکيب العناصر و الاعراض الفانية لتکون سبباً لانتقاله من دار الفناء الي دار البقاء و هو حينئذ لايحصل لدار البقاء الا بالتصفية من تلک التراکيب المقتضية للتغيير فهذا الفناء و الهلاک غير مناف لخلقهم للبقاء بل هو من اسباب البقاء لانه لتصيفته منها و لو اريد انهم خلقوا للفناء لکان يخلعون لباس الکون فيرجعون الي الامکان و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 837 *»
لماکان الفناء الطاري عليهم بحکم الله سبحانه انما هو نقض الترکيب و تفرق الاجزاء و هي محفوظة في الکتاب و کان المراد بالفناء انما هو التصفية من اسباب الفناء الموجبة لعدم البقاء کانت التصفية من مقدمات البقاء فلميکن بين الآية و الرواية منافاة و الله سبحانه ولي التوفيق و الحمدلله رب العالمين و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين و کتب العبد المسکين احمد بن زين الدين بن ابراهيم الاحسائي المطيرفي في غرة جميدي الاولي سنة الثلاثين بعد المائتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها و آله افضل الصلوة و السلام حامدا ًمصلياً مسلماً مستغفراً.
[1] اوطاس: حنين