رسالة في جواب سؤالات الميرزا محمدعلي المدرس
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 748 *»
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين .
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زينالدين الاحسائي انه قد كتب لي السيد السند الولي الوفي العلي الميرزا محمدعلي بن السّيد محمد احسن اللّه احواله و بلغه آماله في مبدئه و مأٰله بعض المساۤئل و كتبت جوابها ، و منها هذا الحديث فكتب هكذا في ثوابالاعمال : ابي (ره) قال حدثنا سعد بن عبداللّه عن احمد بن محمد بن عيسي عن ابراهيم بن هاشم و الحسن بن علي الكوفي عن الحسن بن يوسف عن ابي حازم المزني عن سهل بن سعد الانصاري قال سألتُ رسول اللّه صلي الله عليه و آله عن قول اللّه عز و جلّ و ماكنت بجانب الغربي اذ نادينا قال كتب اللّه عز و جل كتاباً قبل ان يخلق الخلق بالفي عام في ورق آسٍ انبته ثم وضعها علي العرش ثم نادي يا امّة محمّد صلي الله عليه و آله ان رحمتي سبقت غضبي اعطيتكم قبل ان تسألوني و غفرت لكم قبل ان تستغفروني فمن لقيني منكم يشهد الا اله الا انا و ان محمداً عبدي و رسولي ادخلته الجنّة برحمتي ه ، قال ايده اللّه بمدده ما المراد بكتابته تعالي و تقدمها علي الخلق بالفي عام و بالآسِ و بورقه و انباته و وضعها علي العرش و كيف نادَي من لميخلق بعد و كيف خصّ بهم الاعطاۤء قبل السؤال قولاً و قد عمّ به غيرهم فعلاً و لم فرَّع ادخال الجنّة علي الشهادتين معاً مع دلالة نوع من الاخبار بظاهرها علي كفاية الاولي فيه و دلالة نوع آخر علي عدم كفايتهما معاً .
اقول المراد بكتابة اللّه تعالي هي كتابة اجل الشخص و رزقه و كونه و ما يجري له و عليه و جميع الحدود التي يقال لها الهندسة الايجاديّة و جميع تلك الاسطر و الكلمات و الحروف و النقط و الحركات علي هيئة ورقة الآس مثال ذلك في الهامشة
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 749 *»
فانظر اليها لتعرف الهيئة و انما كانت بهذه الهيئة لان اصل ذلك كله يدور علي الروح الكليّة فلمّا جمعت الكتابة اقتضي المجموع الارتباط و التعلق بالجسم من اسفل تلك تلك الكلمات و الحروف و النقط و الحركات و وجوهها متعلقة بالروح و وجوهها باقية علي ما هي عليه قبل الاجتماع من البساطة الاضافية فدقّ رأس الورقة لتعلقها بالاعلي و اسفلها لمّا ارتبط بالجسم كثف و غلظ و اتسع فلميدق لغلظه فلما كانت بين رابطتين جاذبتين عليا لطيفة و سفلي كثيفة امتدّت من جهة الاعلي اكثر للطافتها و عرضت من جهة الاسفل لكثافتها فصارت بين اللطافة المقتضية للطول للانجذاب العلوي و بين الكثافة المقتضية للعرض للانجذاب السفلي كهيئة ورقة الآس كما صوّرنا لك في الهامشة و انما كانت خضراۤء كورقة الاۤس لان تلك المكتوبة كثرة و الكثرة سواد و هي متقوّمة بنور الرّوح الكلية و عليها تدور و هي النور الاصفر الذي اصفرّت منه الصّفرة فلمّا امتزج السواد بالصفرة كالنيل بالزعفران حَصَلت الخضرة و انما خصّ الآس لطول اغصانه و اعتداله لان تلك الورق انّما هي متعلقة بتلك الاغصان و تلك الاغصان هي اغصان شجرة الرقاۤئق و هي البرزخ الحاۤئل بين المعاني و الصور فكانت اغصان الرقاۤئق تحت اغصان المعاني في اللطافة و الاعتدال هذا باعتبار صدور تلك المكتوبة و فعلها و امّا باعتبار ذاتها و خلقها الثاني في صورة الدعوة و الاجابة فهي بصورته في دار الدنيا و هذا حالها في اللوح المحفوظ و امّا وجه تقدّمه بالفي عام فلانّ ذلك في عالم الذر و هو قبل
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 750 *»
الماۤدة و الطبيعة لانه في رتبة النفس و هما رتبتان يعبّر عن كلٍّ منهما بالف سنة كناية عن اطواره في الافراد و تكثرها في هاتين الرتبتين و السنة عبارة عن دور الثلثمائة و الستين الاسم ثلاث مائة و ستين دورة و ذلك تمام مظهرٍ من مظاهر الوجود و ذلك لان الوجود يدور علي الخلق و الرزق و الحيوة و الممات.
و لكل واحد من هذه الاربعة ثلاثة اركان ركن الجبروت و هو العقول و ركن الملكوت و هو النفوس و ركن الملك و هو الاجسام فلجبريل منها ثلاثة اركان موَكل بها و هي اركان الايجاد في العقول و في النفوس و في الاجسام و لميكاۤئيل منها ثلاثة اركان موكّل بها و هي اركان الرّزق في العقول و في النفوس و في الاجسام و لاسرافيل منها ثلاثة اركان موكل بها و هي اركان الحيوة في العقول و في النفوس و في الاجسام و لعزرائيل منها ثلاثة اركان موكل بها و هي اركان الموت في العقول و في النفوس و في الاجسام فلجبرئل الحمل و الاسد و القوس و لمكاۤئيل السرطان و العقرب و الحوت و لاسرافيل الجوزاۤء و الميزان و الدلو و لعزراۤئيل الثور و السنبلة و الجدي و يجري كل ملك في كل برج بثلاثين اسماً كل اسم فعلٌ للّه يظهر بواسطة جبرئل مثلاً في الملاۤئكة الخاۤصّة به و ذلك لان جبرئل تحته من الملاۤئكة جنود لايحصي عددهم الا اللّه و جبرئل صاحب الهيمنة عليهم فهم باسم اللّه الخاص بهم عن امر جبرئل (ع) يفعلون.
فلجبرئل تسعون اسماً يجري بثلاثين الجبروتية في الجبروت و تخدمه فيه الجنود الاعوان الجبروتية علي حسب التقدير الذي يصل اليه من الملك الاعظم الذي هو علي ملائكة الحجب الاحمر و الاخضر بنصف قوته و من الاصفر بنصف قوته و يجري بثلاثين الملكوتية في الملكوت و تخدمه فيه الجنود الاعوان الملكوتية علي حسب التقدير الواصل اليه من الملك المذكور و من الاخضر بنصف قوته و من الاصفر بنصف قوته و يجري بثلاثين الملكية في الملك و تخدمه الجنود الاعوان الملكية علي حسب التقدير الواصل اليه من الملك الاحمر و من الاخضر و الاصفر بنصف قوتهما و لكل اسم من هذه الثلاثين حكم خاص في عالمه يوم واحد و له اطوار كثيرة لاتحصي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 751 *»
قال تعالي و ان يوماً عند ربّك كالف سنة مما تعدون لان اليوم اثنتاعشرة ساعة كل ساعة ستون دقيقة كل دقيقة ستون ثانية كل ثانية ستون ثالثة كل ثالثة ستون رابعة و هكذا حتي تطلع الشمس و يذهب جميع سواد الليل.
و ميكائل له تسعون اسماً له في الجبروت ثلاثون و في الملكوت ثلاثون و في الملك ثلاثون و الجنود الاعوان له ثلاثة اقسام كل قسم منها موكّل بثلاثين يجري ميكائل الذي هو صاحب الهيمنة علي الجميع من الاعوان في كلّ عالم بما يخصه من الاسماۤء و اعوانه فيها علي حسب التقدير الواصل اليه من الملك الذي هو من امر اللّه و هو الابيض و يعينه الاخضر و الاصفر بنصف قوتهما في العوالم الثلاثة كما اشير اليه في مجري جبرئل.
و اسرافيل له تسعون اسماً له في الجبروت ثلاثون و في الملكوت ثلاثون و في الملك ثلاثون و اعوانه من الملاۤئكة ثلاثة اقسام كل قسمٍ لثلاثين و هو صاحب الهيمنة علي الجميع فيجري في كل عالم بالثلاثين الاسم المختصة به مع اعوانه فيها علي حسب التقدير الواصل اليه من الملك الذي هو من امر اللّه الاصفر و يعينه الاحمر و الابيض بنصف قوتهما.
و عزراۤئيل له تسعون اسماً له في الجبروت ثلاثون و في الملكوت ثلاثون و في الملك ثلاثون و اعوانه ثلاثة اقسام كل قسم لثلاثين و هو صاحب الهيمنة علي الجميع فيجري في كل عالم بالثلاثين الاسم المختصّة به مع اعوانه فيها علي حسب التقدير الواصل اليه من النور الاخضر و هو الملك الذي علي ملاۤئكة الحجب و يعينه الاحمر و الابيض بنصف قوتهما و حكم الايام و الدقاۤئق و الثواني و ما تحتها عند كل ملك حكم ما اشير اليه في جبرئل. فيكون لجبرئل علي هذا التقدير الحمل في الجبروت و يعينه الثور و الجوزاۤء بنصف قوتهما و في الملكوت الاسد و يعينه السنبلة و الميزان بنصف قوتهما و في الملك القوس و يعينه الجدي و الدلو بنصف قوتهما و لميكائيل السرطان في الجبروت و يعينه الثور و الجوزاۤء بنصف قوتهما و في الملكوت العقرب و يعينه السنبلة و الميزان بنصف قوتهما و في الملك الحوت و يعينه الجدي و الدلو بنصف قوتهما و لاسرافيل الجوزاۤء في الجبروت و يعينه الحمل و السَّرطان بنصف قوتهما و في الملكوت الميزان
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 752 *»
و يعينه الاسد و العقرب بنصف قوتهما و في الملك الدلو و يعينه القوس و الحوت بنصف قوتهما و لعزراۤئيل الثور في الجبروت و يعينه الحمل و السرطان بنصف قوتهما و في الملكوت السنبلة و يعينه الاسد و العقرب بنصف قوتهما و في الملك الجدي و يعينه القوس و الحوت بنصف قوتهما و ايضاً لجبرئل كرة النار في ذات الملك و في تعلّق الملكوت و في ظهور الجبروت و يعينه الهواۤء و التّراب بنصف قوتهما و لميكاۤئل الماۤء في ذات الملك و في تعلق الملكوت و في ظهور الجبروت و يعينه الهواۤء و التراب بنصف قوتهما و لاسرافيل الهواۤء في ذات الملك و في تعلق الملكوت و في ظهور الجبروت و يعينه النار و الماۤء بنصف قوتهما و لعزرائيل التراب في ذات الملك و في تعلّق الملكوت و في ظهور الجبروت و يعينه النار و الماۤء بنصف قوتهما و لجبرئل الدبور و يعينه الجنوب و الشمال و الصفراۤء و يعينه الكبد و الطحال و لميكائيل الصبا و يعينه الشمال و الجنوب و الرية و يعينه الطحال و الكبد و لاسرافيل الجنوب و يعينه الصبا و الدبور و الكبد و يعينه الرية و المرّة الصفراۤء و لعزراۤئيل الشمال و يعينه الدبور و الصبا و الطحال المرة الصفراۤء و الرية.
و بالجملة فما يجري لملكٍ من الاربعة يجرين بنسبةٍ واحدة فاذا دارت الاسماۤء الثلاث مائة و الستون ثلاثمائة و ستين دورة كل اسمٍ دورة بما ذكر من الجنود و الاعوان و الاِعَانات علي نحو ما اُشير اليه سَابِقاً تمّت السّنة و السنة هي العام و معني الف عام الف نوع من انواع الطبيعة و الف نوع من انواع الماۤدة و لكل نوع تطوّر مخصوصٌ و لاجل تكثر تلك الانواع و المراتب قال الباقر عليه السلام ان اللّه خلق الف الف عالم و الف الف آدم انتم في آخر العوالم و آخر الآدميين الحديث و معني انبات ورق الآس ان النور الاخضر هو نهايات الارض لقوله تعالي افلايرون انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قالَ عليه السلام بموت العلماۤء و الاشارة الي ان العلم هو نهايات الارض فالارض تتناهي في تلطّفِها الي الصور العلميّة و هي اللوح المحفوظ في العالم الصغير الخيال و تلك الصور المعبر عنها بورق الآس انبتها اللّه في تلك الارض قال اللّه تعالي و اللّه انبتكم من الارض نباتاً و ذلك باعتبار صدورها و فعلها و اما
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 753 *»
باعتبار خلقها الثاني فهي صور الانسان و عالم الذّر و معني وضعها علي العرش ان تلك الورق النابتة في تلك الارض و الصور الانسانية في اللوح المحفوظ انّما قامت و تقوّمت بالنور الاخضر فهي نابتة فيه و منقوشة عليه و هو الركن الأيسر الاعلي من العرش فهي حروف ذلك الكتاب فهي موضوعة فيه و هو ركن العرش فهذا معني وضعها علي العرش و معني انه ناداهم و لميخلقوا انه اخذهم من ظهور آباۤئهم قال اللّه تعالي و اذ اخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم و ذلك كأن تتصوّر ابْنَكَ و تتصوّر ابنه و تتصوّر ابن ابنه و هكذا حتّي يخرج من صلبك الف ولدٍ مثلاً فاللّه سبحانه اخرجهم هكذا و لكن انت اخرجتهم في الخيال و اللّه اخرجهم بحقاۤئقهم في عالم الذّرّ فنادَي موجودين و خاطبهم مشافهة و رأوا المخاطب عياناً و لهذا وَ لمّا قالوا بلي قال يا ملاۤئكتي اشهدوا علي اقرارهم قالت الملاۤئكة شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انا كنّا عن هذا غافلين و انّما خص الاعطاۤء بهم قبل السؤال قولاً لوجوه احدها انهم لمّا فاض الوجود ترتّب في نفسه فتقدّم بعض اجزاۤئه و ذلك لقوّة القابلية فكانوا اوّل فاۤئضٍ فلقرب اتّصالِهم بالمبدأ تأهَّلُوا للأِعطاۤءِ قبل السؤال قولاً لان ايجاد مَن بعدهم يتوقف مددُهُ علي توسّطِهم فيمرّ عليهم قبل من بعدهم و مثاله لو كانت لك ارضانِ احديهما متّصلة بمجري الماۤء و الاخري انما تشرب من تلك الارض فاذا حملتَ الماۤء علي الارض المتصلة و سقيتها لايلزم منه سقي الاخري و اذا اردتَ سقي الاخري لزم منه سقي المتّصلة و ان لمتطلب الماۤء فلما كانوا واسطة وجب ذلك لهم قبل السؤال و في الحقيقة لمّا احبّوا اللّه احبّهم و ذلك اعطاۤؤهم قبل السؤال لان محبته لهم قبل ايجادهم و قبل ان يكونوا ساۤئلين و كذا بعد ايجادهم لايسبقونه بالقول.
فان قلت لم خلقهم اللّه قبل غيرهم فان هذا تقديم منه لهم و تأخير لغيرهم فلايكون لهم فضل علي غيرهم لان اللّه هو الذي قدّمهم و اخّر غيرهم
قلتُ هذا حق اللّه سبحانه هو المقدّم و هو المؤخّر و لكنّه قدّم مَن تقدّم و اخّر مَن تأخّر و ذلك لانه اذا افاض الوجود لميمكن فيه ان تتساوي اجزاۤؤه في القرب من المبدأ بل يجب ان يتقدم بعضٌ علي بعضٍ و ذلك هو ما
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 754 *»
يمكن في ذواتهم لان البعض الذي تأخر انّما تأخر لانّ من تمام قابليته للايجاد وجود المتقدم فتلك الاجْزاۤء المتقدّمة هي مَن عنينا و اللّه قدّمهم و اخّر غيرهم و تقديمه لمن تقدّم نفس تقدّمه في الظهور بمعني تساوقهما و كذلك تأخير امر اللّهِ مساوق لتأخر من تأخّر في الظهور و امّا تقدم تقديم اللّه علي تقدم المتقدّم و تقدّم تأخيرِ اللّه علي تأخّر المُتأخّر بالذات و في العلة فهو ممّا ابَي اللّه ان يطلع عليه الاوصياۤء عليهم السلام الا انفسهم.
و امّا قوله ايده اللّه قولاً فاعلم ان الخطاب انّما يخص من حضر مجلس الخطاب و هم اهل المشافهة و هم المقرّبون و امّا غيرهم و ان كان مرضياً عنهم فانما يصل اليهم اثر ذلك القول و هو الفعل او قول الواسطة و هو فعل الفاعل عز و جل فافهم.
و اما تفريع دخول الجنّة علي الملاقات بالشهادتين ففيه نكتة و هي انّكم يا عبادي المطيعين لي ان لمتخافون (تخافوا ظ) نزعتُ عنكم ما اعطيتكم لأن ما اعطيتكم لايخرج عن قبضتي و هذه نعم شواردُ فقيدوها بالخوف منّي و الثبات علي اجابتي التي عاهدتموني بها حين قلت لكم ألست بربّكم و محمد نبيّكم و علي وليكم و امامكم و الائمة من ولده ائمتكم فقلتم بلي فان ثبتّم عليها حتي تلقوني علي ذلك ادخلتكم الجنّة برحمتي و للنكتةِ لازم و هو يا عبادي العاصين لي الذين حين دعوتهم لميجيبوني لاتقنطوا من رحمتي ما دام التكليف لكم باقياً فان اجبتموني في دار الدنيا اقلتكم و قبلتُ منكم و ادخلتكم جنّتي برحمتي.
و امّا الاكتفاۤء بالشهادة بالتوحيد وحدها و عدمه فاعلم ان الاخبار بحسب ظاهرها مختلفة جدّاً و لكنّها متفقة في القصد و المعني فما ورد من انّ من قال لا اله الا اللّه دخل الجنة اي بجميع شروطها و ما يراد منها و ورد ان من قال لا اله الا اللّه مخلصاً دخل الجنّة و معني مخلصاً ان يحجزه لا اله الا اللّه عما حرّم اللّه و هذا معني الحديث الاول و ورد من قال لا اله الا اللّه دخل الجنّة بشروطها و انا من شروطها قاله الرضا عليه السلام و ورد من قال لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه صلي الله عليه و آله دخل الجنّة و المعني واحد و ورد ان شروط لا اله الا اللّه منها شهادة ان محمداً رسول اللّه صلي الله عليه و آله و ان علياً ولي اللّه و ان الائمة الاثنيعشر حجج اللّه و ان محبهم محب اللّه و ان اعداۤءهم اعداۤء
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 755 *»
اللّه و ان محبهم اعداۤؤ اللّه و اقامة الصّلوة و ايتاۤء الزكوة و صيام شهر رمضان و حج البيت مع الاستطاعة و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر مع شروطهما و جميع ما امر اللّه واجب و ورد ذلك مع الايمان به .
قال سلمه اللّه تعالي : ما الفرق بين المبدء و المشتق في اصل الوضع .
اقول ان ما يعرف بمطلق توسط اللفظ اقسام : معني و مدلول و مصداق و منطوق و مفهوم و لازم و ملزوم فالمعني ما يقصد من اللفظ باصل الوضع و ما يصدق عليه اللفظ و ان لميكن من الافراد الشائعة التي تحضر عند الاطلاق بل و كانت غير معروف في العرف و انما هي مهجورة او كان من افراد العام التي كثيراً ما يخرجها العرف فهو مصداق و مايكون في محل النطق صريحاً كدلالة المطابقة او كالتضمّن علي الاصح او غير صريح و هو اللازم المقصود من اللفظ كدلالة الاقتضاۤء و دلالة التنبيه او لازماً غير مقصود كدلالة الاشارة فهو المنطوق و ما يكون خارج محل النّطق و هو المفهوم و هو قسمان مفهوم موافقة و مفهوم مخالفة فمفهوم الموافقة ما يكون الخارج اولي بالحكم مما في محل النطق كفحوي الخطاب اي معناه و لحن الخطاب اي مفهومه و مفهوم المخالفة هو المخالف لما يراد من ظاهر اللفظ كالمفاهيم العشرة و يسمّي دليل الخطاب و ما يدل عليه اسم اللازم و ما يدل عليه اسم الملزوم و امّا المدلول و هو ما يدل عليه اللفظ فان كان مقصوداً باصل الوضع فهو معني و ما يدل عليه بالصدق فمصداق و الحاصلُ يدخل في كل قسمٍ باعتباره و الكلام انما هو في المعني و هو الذي يقصد من اللفظ باصل الوضع لان غيره امّا مثله او دونه فيكون المعني اعلي ما يتناوله اللفظ فنقول المبدء هو المعني و الاسم في الاصل يوضع بازاۤئه و ليس المراد ان الاسم يوضع علي نفس الذات انّما يوضع علي جهة المدركيّة لان الواضع يتصور تلك الذات علي ما هي عليه في مبلغ علمه المحصل من الرؤية او الاخبار او اشراف النفس فتنتقش صورته في خياله فيؤلِّفُ حروفاً مخصوصَة بهيئة مخصوصة تناسب تلك الماۤدّة و تلك الصورة ماۤدّة تلك الصورة التي في خياله و هيئتها و هي نفس جهة مدركية المعني الخارجي فالوضع في
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 756 *»
الحقيقة للمعني الخارجي لان الاسم كالظاهر للذات و كالجسم للروح.
فاذا قلت زيد قاۤئم فقد اسندت لفظ قائم الي لفظ زيد كاسناد معني قائم الي معني زيد و معني قاۤئم ليس هو معني زيدٍ لان زيداً ذات بحتٌ و قاۤئم صفة لا ذات و لا مركبّة من ذاتٍ و صفةٍ كما قد يظنّه بعضهم و الصفة غير الموصوف و لمتتقوّم بذات الموصوف و انّما تقوّمَت بجهة فاعليّته اي ظهُوره بالفعل فانّ زيداً فاعل القيام و معني فاعل محدث و الاحداث ظهور الذات للفعل بنفسه و في الحقيقة الظهور هو نفس الفعل و هو جهة الفاعل فقاۤئم تقوَّمَ بالاحداث من زيد و هو جهته و بيانه يظهر لك في اعرابه و قد اختلفوا في الرافع للمبتدأ و الخبر و الحقّ انهما ترافعا لانّ كلّ واحدٍ عامل في الآخر من جهة المعني فكان كذلك من جهة اللفظ و معني ان كل واحدٍ عامل في الآخر ان العامل هو ما به يتقوم المعني المقتضي للاعراب فالقيام باسناده الي جهة زيد تقوّمَتْ بهِ فاعلية القيام و فاعلية القيام هو المقتضي لرفع زيد و استناد قائم الي جهة زيدٍ ايضاً تقوّمَ في نفسه فتلك الجهة هي التي تقوّم بها القيام باستناده اليها و ذلك الاستناد هو المقتضي لرفع قائم و المراد من جهة زيد جهة فاعليته و هو وجهه فاذا قلتَ جاء زيدٌ القاۤئمُ كان القاۤئم صفةً لزيدٍ لا بدلاً فلو كان القائم هو زيداً لكان بَدَلاً و لو كان هو زيداً و صفةً لوجب ان يكون رفعه بجاۤء علي الاصالة و لكان قولك جاۤء زيد القاۤئم هو معني جاۤء زيدٌ زيدٌ القائم لكنه ليس هو اياه و لايقصد منه ما يقصد من زيدٍ .
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان المبدأ بالتزييل الحقيقي هو جهة فاعليّة الفاعل و تلك الجهة هي مبدأ الاشتقاق و المشتق هو اسم للصفة فقولنا سابقاً ان اسناد لفظ قائم الي لفظ زيد كاسناد معني قاۤئم الي معني زيد ليس المعني ان لفظ قاۤئم اسند في الحقيقة الي لفظِ زيدٍ و انما اسند الي لفظ زيد من حيث اتصافه بفاعلية القيٰام اي من حيث نسبة فاعلية القيام اليه كذلك معني قاۤئم اسند الي فاعلية ذات زيدٍ و تلك الفاعلية هي جهته فهي في المثال كمثل الشعلة من السراج فانها في الظاهر هي النار و الاشعة التي هي بمنزلة قاۤئم مستندة الي الشعلة و الشعلة هي مبدأ الاشتقاق و المشتق هي الاشعة ففي الظّاهر هي مستندة الي النار التي هي العنصر
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 757 *»
المركب من الحرارة و اليبوسة كما تقول ظاهراً انّ قائماً مستند الي زيد و اما في الحقيقة فان الاشعّة مستندة الي الشعلة و الشعْلة ليست قائمة بالنار و انّما هي حَاۤلّة بالكثافة و هي الاجزاۤء الدهنيّة التي حرقتها النار و كلّستها حَتّي جَعلتها اَجْزاۤءً دُخَانيّةً انفعلتْ بالضَّوْءِ عن النّار فاذا طُفِيَت النّار انفصلت تلك الاجزاۤء دُخاناً فاذا عرفت المثل و الممثل به ظهر لك انّ مبدأ الاشتقاق ليس هو الذات البحتُ و انّما تقوم بها تقوّم تحقّق لا تقوّم عروضٍ و لا تقوّم الكل باجزاۤئه و الشبه العظيمة و الحيرات الفادحة انما هي لظنّهم ان مبدأ الاشتقاق هو الذات البحت و ان المشتق صادق عليها و حاۤلّ بها و يلزمهم فساد توحيدهم و بطلان دينهم و انّما اطلت الكلام و رَدَّدْتُ العبارات لصعوبة هذه المسالك و عدم الانس بها فاذا اردتَ ان تبني اعتقادك في امر الوجود فعليك بهذا الاصل فابنِ عليه ما عملت صواباً .
قال سلمه اللّه تعالي : ما الذي عني من قال بانّ الوجود هو الموجود بعينه مع ان المعهود بيننا مباينتهما .
اقول ان العقلاۤء قد اختلفوا في الموجود ما هو علي اقوال شتّي و لكن يرجع حاصل اختلافهم الي خمسة اقوال : الاول قول اهل الاشراق و هو ان الشيء هو الوجود و الماهية انما وجدت بتبعية الوجود فليست في نفسها موجودةً و ما شمَّتْ راۤئِحةَ الوجود اِن هي الا اسماۤء سمّيتموها انتم و آباۤؤكم ماانزل اللّه بها من سلطانٍ الثاني قول اهل التصوّف و هو ان الوجود هو الشيء و الماهية عرض حال بالوجود الثالث قول اهل الكلام و هو ان الشيء هو الماهية و الوجود عرض حال بالماهيّة و الرابع قول الاشاعرة ان الوجود نفس الماهية في المخلوق و الخامس هو المعروف من مذهب اهل العصمة عليهم السلام بما تشير اليه اخبارهم و هو ان الشيء هو الوجود و الماهية فالشيء مركّب منهما و هو الحق و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 758 *»
الاول قريب من هذا و فيه اقوال اخر .
و اما الماهيّة ففيها اقوال كثيرة وقفتُ علي خمسةعشر قولاً : الاول ان الماهيات مجعولة مطلقاً الثاني انها ليست مجعولة مطلقاً الثالث انها مجعولة في مرتبة العين دون مرتبتها في الاعيان الرابع ان الجعل متعلق بها اوّلاً و بالذات و بالوجود ثانياً و بالعرض فجعل الوجود تابعاً لجعل الماهيّة علي معني انه لايحتاج لجعل جديد الخامس بعكس الرابع السادس انها في مرتبة الاعيان فائضة من اللّه سبحانه دون العين السابع قال بعضهم الجعل متعلق بها و اطلق الثامن قال بعضهم انها فائضة منه سبحانه بتجلّياته الذاتية بصور شؤنه المستجنّة في غيب هويّة ذاته بلا تخلّل ارادة و اختيار بل بالايجاب المحض التاسع قال بعضهم انها ليست مجعولة بل هي صور علميّة للاسماۤء الالهيّة التي لا تأخر لها عن الحق الا بالذات لا بالزمان فهي ازليّة ابديّة غير متغيرة و لا متبدّلة العاشر قال بعضهم المراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا غير الحاديعشر قال بعضهم ان استعداداتها مجعولة ايضاً و اطلق الثانيعشر قال بعضهم انها فائضةٌ منه من غير طلبٍ منها اليه الثالثعشر قال بعضهم بطلبٍ منها بلسان حالها اليها الرابععشر قال بعضهم ليست بفاۤئضة منه الخامسعشر قال بعضهم انها من مقتضيات الذات و مقتضياتها لاتتخلّف عنها و فيها اقوال غير ذلك.
و الحق انها مجعولة بتبعيّة جعل الوجود جعلاً ثانياً و بالعرض لا جعلاً ابتدائيّاً بل هي موجودة بلزوم الوجود و الوجود فعل و الماهية انفعال كالكسر و الانكسار لانه لما اوجده موجده انوجد فالفعل من فعل اللّه سبحانه و الانفعال من نفس الفعل و الشيء مركب من الاثنين و لو كان الشيء
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 759 *»
هو الوجود خاصة لميكن له داعيان متضادّان و هو مخالف الوجدان لان الانسان يجد من نفسه انّ له ميلاً ذاتياً الي الطاعة و ميلاً ذاتِيّاً الي المعصية و لمّا كان مركباً من شيئين متضادين و كانا علي سبيل التمازج اي التداخل مع بقاۤء كل واحدٍ منهما علي انفراده في ذاته بمعني عدم انقلابه من جنس الآخر و عدم انقلابهما شيئاً واحداً بالاستحالة و عدم استهلاكه في الآخر و بقاۤءِ الآخر و في فعله بان يكون فعل كل واحدٍ مباۤئناً لفعل الآخر و اقتضاۤئه مخالف لاقتضاۤء الآخر و جهة ميله مخالفة لجهة ميل الآخر كان جامعاً مملّكا و ثبت له الاختيار و لولا امتزاجهما لتعدّدت مشاعر الانسان فكان لزيد قلبان و رأسان و عقلان و اربع اعين و اربع ايدٍ و اربع ارجلٍ و هكذا لانهما اثنان و يجب ان يكون لهما روحان و يجب ان يكون الوجود مجبولاً علي الطاعة فلاتقع منه معصية الا مجبوراً عليها و ان تكون الماهية مجبولةً علي المعصية فلاتقع منها الطاعة الا مجبورة عليها.
و لولا بقاۤء كل واحد منهما مع الامتزاج علي انفراده لكان المجموع شيئاً ثالثاً له طبيعة واحدة مغايرة للطبيعتين فامّا ان تبقي آثار الطبيعتين اوْ لاتبقي فان بقيت وجب الايفعل طاعة الا و يفعل ضدّها العام من المعصية و بالعكس لا غير ذلك فتستوي حسنات الخلق و سيّئاتهم ابداً و ان لمتبق وجب ان يصدر عنهما شيء واحد لا طاعة و لا معصية لعدم الترجيح و لان المقتضي ثالث مغاير للاولين فيجب ان يكون اثره مغايراً لاثرهما و لولا مباينة فعل كل واحد منهما لفعل الآخر لوجب ان يفعلا بمقتضاهما فعلاً واحداً غيرهما و غير احدهما او يتفقا علي فعل احدهما فلايكون ما بالاقتضاۤء بالاقتضاۤء و لما كانا شيئاً واحداً تحققت الوحدة لينسب كل فعلٍ من مقتضي جزء منهما الي الكل لاجل الشيوع و الامتزاج و بقي كل واحدٍ مع الامتزاج علي ما هو عليه في حد ذاته ليختص بما يقتضيه فيكونان جناحين للانسان و لايكون التعدد في الاجزاۤء و بقاۤؤها في حد ذاتها علي الانفراد مع بقاۤء الامتزاج الذي لايتحقق الوحدة في الذات الا بِه و لا اقتضاۤء كلّ جزءٍ غير ما يقتضيه الآخر مانعاً من نسبة آثارهما الي المجموع المركب منهما لان الموجود شيء واحد له اعتباران اعتبار من ربّه و هو الوجود
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 760 *»
لانه نور اللّه و هو صفة المشية و اثرها و اعتبار من نفسه و هو الماهيّة و هو وراۤء الوجود و خلفه و عكسه و هذان الاعتباران جهتان لشيء واحد اذ لا تذوُّتَ له الا بهما معاً متمازجين مع بقاۤئهما علي حكم الانفراد في حد ذاتهما كما مر مكرّراً و لاتستبعد هذا فان ذلك انّما يكون في الاجسام الماۤئعة الرطبة اما المائعة اليابسة كالهواۤء و الاضواۤء فانه يكون في اثنين و الأكثر ما ذكرنا اذ لا تزاحم بينهما كما لو اشعلتَ سراجاً في نور الشمس او القمر فانه يحصل بين النورين كمال التداخل حتي لايعقل جزء من الهواۤء الا و قد دخلاه معاً و دخل كلّ واحد منهما في الآخر مع بقاۤء كلّ منهما علي انفراده في حدّ ذاته و في خصوص فعله و اثره مع ان الشخص الكاۤئن فيهما انما هو مستنير بنور واحد مركب منهما علي سبيل التمازج و هذا المثال تقريبي و الا فالمثال المضروب لذلك هو شعاع السراج و بيانه انّ الاشعة من المنير الي ان تضمحل متفاوتة كلما قرب من السراج كان اضوء مما بعد عنه و العلّة انّ الشعاع البعيد مازجته ظلمة نفسه لضعف وجوده بالنسبة الي ما قبله لوساطته بينه و بين المنير و انما يصل النور الي البعيد بواسطة القريب و كلما ضعف الوجود قويت الماهيّة و كلما قوي الوجود ضعفت الماهية و كيفيّة هيئة انبعاثهما من المنير و صورته علي هيئة مخروطين احداهما نور منبعث من المنير قاعدته بالمنير و يستدقّ ذاهباً الي نقطة حتي يضمحل او قطب قاعدة هذا المخروط الشعاعي نقطة رأس مخروط الظلمة الذي هو الماهيّة و يمتدّ ذاهباً مساوقاً لمخروط لايخرج عن ظاهر حيّزه و جهته و كلما بعد قوي و اتّسع بعكس ضدّه حتي تنتهي قاعدته الي نقطة رأس المخروط النوري فتكون نقطة مخروط النور قطباً لقاعدة مخروط الظلمة فيكون اوّل جزء من النوري قاعدة واسعة اقوي ما في النور تدور علي المنير لايمازجها من الظلماني الا نقطة لاتكاد تقبل القسمة لصغرها بل تكاد تفني و اليه الاشارة بقول الصادق عليه السلام كما رواه في الكافي حديث المعراج قال فكان بينهما حجاب من نور يتلألأ بخفقٍ و لااعلمه الا و قد قال زبرجد الحديث ، و المخروطان باعتبار امتزاجهما مُتَساويان في الحجم التمثيلي فكلما قرب من السراج كان اكثر نوراً
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 761 *»
و اقل ظلمة و كلما بعد ضعف النور و قويت الظلمة و في وسط المخروطين يتساوي النور و الظلمة ثم بعده تزيد الظلمة حتي ينقطع النور علي اقوي مراتب الظلمة و لاتتوهم من مثالنا ان نقطة مخروط الظلمة في وسط قاعدة مخروط النور قطب لها و باقي القاعدة لا شيء فيه من الظلمة و كذلك نقطة النور في قطب قاعدة الظلمة فيكون باقي قاعدة الظلمة لا نور فيها اصلاً بل النقطة الظلمانية منبثّة في جميع اجزاۤء قاعدة النور و النقطة النورانية منبثة في جميع اجزاۤء قاعدة الظلمة بحيث لايخلص شيء من ضده الا ان القاعدة فيهما خلطها ضعيف جداً و كلّما بعد عن القاعدة قوي الضدّ فالمخروطان يجمعهما شكل واحد متوازي السطح الا انه كلما قرب من المنير كان اشد نوراً و كلّما بعد كان اشد ظلمة فافهم و العلّة في هذا التعاكس التدريجي ان النور كلما قرب من المنير ضعفت انّيّته لان قوة النور انما هي بفنائه في المنير وَ ذلك هو عدم الانّيّة التي هي الظلمة فاذا نظرت الي النور البعيد رأيت نوراً ضعيفاً بالنسبة الي ما قبله لا غير و لاتري نوراً و ظلمة و ذلك لقوة التمازج و مع هذا ففعل كلٍّ منهما وحده علي حسب اقتضاۤء ذاته فما تبصر به من النور لا من المجموع و ما لاتبصر به و يحجبك عن الابصار فمن الظلمة لا من المجموع فافهم .
و قولنا سابقاً كان جامعاً مملكاً و ثبت له الاختيار نشير به الي ان الانسان لمّا كان مركباً من شيئين متضاۤدين كل واحدٍ يكون منشأ لفعلٍ غير ما يقتضيه الآخر جاز منه ان يفعل الافعال المتضاۤدّةَ و لايعني بالجامع الا هذا لجمعه بين صفتي الملك و الشيطان و صح للجامع ان يكون مملّكاً و المملك يتصرّف في ملكه كيف شاۤء و ثبت له الاختيار لانه في شيء واحد ان شاۤء فعل بمقتضي احد جزءيه و ان شاۤء ترك بمقتضي الجزء الآخر اذ كلّ منهما عكس الآخر و هُمَا له بل عبارة عنه فكان للانسان ميل ذاتي الي جهة اليمين من الوجود و الي جهة الشمال من الماهية لان كل جزء يطلب حاجته فيميل الي ما من جنسه و ذلك لانهما مخلوقتان و المخلوق لايستغني في بقاۤئه عن المدد و مدد كل شيء من جنسه ثم ان اللّه و له الحمد علي صراط مستقيم جعل للانسان مرآتين مرآة عن
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 762 *»
يمينه تنطبع فيها صورة وجه رأسه الخاۤصّ به من العقل الكلّي بواسطة وجوده و هو العقل و هو وزير الوجود و لايميل الا اِلَي الطاعة و مرآة عن يساره تنطبع فيها صورة وجه رأسه الخاص به من جهل الكل بواسطة الماهية و هي النفس الامارة بالسوء و لايميل الا الي المعصية و جعل بلطفه علي مرآة العقل ملكاً يسدّده و يعينه و تحت حيطة ذلك الملك ملاۤئكة اعوان للملك علي جنود الشيطان و جعل علي مرآة النفس الامارة شيطاناً مُقَيَّضاً يعينها علي المعاصي و قيّضت له جنود من الشياطين بعدد جنود ملك العقل و جعل الآلة التي ركّبها في الانسان صالحة لخدمة العقل و لخدمة النفس و جعل ما علي الارض و كلّما يرتبط بالانسان في الدنيا صالحاً لمقتضي العقل تامّاً في جميع مطالبه بحيث لايميل العقل الي شيء ما لايجده الا من جهة النفس و جعل كلّما يصلح لمقتضي العقل يصلح لمقتضي النفس تاماً في جميع مطالبها بحيث لايميل الي شيء ما لاتجده الا من جهة العقل بل كل ذلك صالح لكل منهما.
و الانسان له شهوة مركّبة لانه مركّب من الجزئين اي فعلين الايمن او الايسر حصّله كفاه في حاجته للمجموع لامتزاجه و اتحاده و صلوح المطلوب لكل من الجزئين و لاتحاده لايمكنه ان يميل الي فعل بالشهوتين معاً لانه واحد بالحقيقة و لو فرض انه يميل بكل منهما دفعةً لا علي التعاقب تحلّل تركيبه و اضمحل فلايكون شيئاً و لكن اذا عرض له الفعل تحركت الشهوة المركبة فاعان اليمني الملك و جنوده و اعان اليسري الشيطان و جنوده فان مال الانسان الجامع لهما الي اليمين اعانه اللّه بمدده من الالطاف و قويت الملاۤئكة علي الشياطين فقتلوا الشيطان المرابط علي ثغر ذلك الفعل الخاص و هكذا و كلما مال الي اليمين قتل الشيطان الخاص بذلك الفعل حتي تقتل تلك الشياطين و تذل النفس الامارة فتكون لوامة اذا قتل اكثر شياطينها و اذا قتل الجميع كانت مطمئنة فهي حينئذ اخت العقل تحب الطاعة كالعقل و تبغض المعصية و تأمر بالخير و تكره الشر و هو تأويل قوله تعالي فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة فاخوانكم في الدين الآية ، و ان مال الانسان الجامع لهما الي اليسار خلاه اللّه تعالي و تركه و هو مدد النفس
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 763 *»
الامارة بالخذلان و قويت الشياطين علي الملاۤئكة و طردوا الملك المرابط علي ثغر ذلك الفعل الخاص و لحق بمركزه يعبد اللّه و هكذا كلما مال الي الشمال طرد الملك الخاص بذلك الفعل من جنود الملك المسدّد فيلحق بمركزه حتي تطرد تلك الملاۤئكة و يطبع علي القلب و تغطيه المعاصي فيدخل في قوله تعالي كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون فهذا جواب ما سألتَ عنه من ان الموجود ما هو بانه هو المركب من الوجود و الماهية و ما لمتسأل عنه من جهة تركيبه و مايترتب علي ذلك من بيان المنزلة بين المنزلتين في القدر بحيث لايكون علي من عرفه غطاۤء و لا كدر و الحمد للّه رب العالمين .
قال ايده اللّه : ثم ما الحق في كيفية اشتراك الوجود حيث انهم اختلفوا فيه فهم بين قائل باشتراكه معني بين جميع الاشياۤء حتي الواجب و قائل به بين الممكنات فقط و نافٍ للشركة المعنوية رأساً بادّعاۤء ان المعني في قولنا زيد موجود مثلاً غيره في قولنا عمرو موجود .
اقول ان اللفظ قد بيّنّا في كثير من رسائِلنا انه يدل علي المعني بمادّته و هيئته و ان الدلالة اللفظيّة الوضعية هي تلك و هذه المناسبة انما تكون بعد تصوّر المعني و حصول هيئته في الذهن فاذا حصلت الّف الواضع حروفاً من مادة مخصوصة توافق صفات تلك الحروف من الهمس والجهر و الشدة و الرخاوة و القلقلة و الاطباق و الاستعلاۤء و غير ذلك صفات المعني الذاتية و يؤلفها علي هيئة مخصوصة توافق هيئة المعني العرضيّة فيضعه علي معني ثم يتصور المعني و يري اللفظ الاول صالحاً له بذلك النحو او يطلب حروفاً مناسبة فتوافق حروف الاسم الاول و يؤلفها علي طبق هيئة المعني الثاني فتوافق هيئة الاول و هكذا فان كانت بين المعنيين صفة جامعة ذاتية كالعين الجارية و العين الباصرة او صفة عرضيّة كالقرء للحيض و الطهر كان الاشتراك معنوياً و ان لميكن بينهما صفة جامعة بها المناسبة لا ذاتية و لا عرضية و انما اشتركا في الهَسْت خاصة و الهَستية لاتتخصص بالكون في الاعيان فان تخصّصت و وضع اللفظ بازاۤئها كان معنويّاً و لاتخصّص بالعلّية او المعلولية و ما اشبه ذلك و كان الوضع بازاۤء ذلك التخصيص
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 764 *»
فكذلك كان معنويّاً و ان اشتركا في الهست المطلق لا لجهة جامعة كان لفظيّاً اذا كانت الهَستيّة متساوية في المشتركات و الا فلايطلق علي المختلفين في الهستية الاشتراك اللفظي فان كان ذلك المعني لايحتاج الي معرفته لذاته كذات الواجب لان الاحتياج جهة الامكان من جهة المحتاج و المحتاج اليه لاستلزام الربط و الاقتران فاذا انتفت الحاجة هجرت جهة تسميته و ان كان يحتاج الي معرفته بصفات افعاله اطلق الوجود علي جهة المعرفة و هي نوع من الاشتراك اللفظي لان المفهوم و المقصود من اطلاق الوجود عليه ما تصدق به الهَستية المشاركة لغيره فيكون المقصود من التسمية و اطلاق الوجود جهة معرفته و هي مشاركة لغيرها في الهَست و هذا المعني غير ما اصطلح عليه الاكثر من كون المعنوي اطلاق لفظٍ علي كثيرين بوضعٍ و اللفظي علي كثيرين كل واحدٍ بوضع جديد .
فاذا عرفت هذا فاعلم ان ما يصدق عليه التقسيم اللفظي للوجود ثلاثة : الاول الوجود الحق سبحانه و هو الذي لايحتاج الخلق الي معرفة ذاته لان جهة الحاجة فقر الي ما تحتاج اليه و هو اضافة و ربط بين المحتاج و المحتاج اليه و ليس بين ذات الواجب من حيث هي و بين ذات المخلوق ربط او اضافة بحال ما و انما الربط بين الخلق و بين فعله و ابداعه فكما لاتسع الحاجة ذاته لغناۤئه عما سواه كذلك لاتسع الحاجة الخلق الي معرفة ذاته بالكنه لاستلزامها الحاجة بالادراك و الاضافة و الاقتران و الربط و الشبه و غير ذلك فهذه الجهة يجب ان تهجر تسميتها ، الثاني الوجود المطلق و هو فعل اللّه و مشيته و هذا الذي يحتاج اليه الخلق فيحتاجون الي تسميته و هذا هو الذي تطلق عليه تسمية الوجود اللفظي و هو جهة معرفة اللّه سبحانه فيكون جانبه الايسر مشاركاً لغيره في مطلق الهَستيّة فتعرف جهة الوجوب التي هي جانبه الايمن بمعرفته اي بجانبه الايسر ، الثالث الوجود المقيد و افراده مختلفة اي تنزلاته و افراد مظاهره و للعارف ان يطلق علي جميعها الوجود بالاشتراك المعنوي بطريق خاص و اما
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 765 *»
باعتبارها في انفسها من اختلافها و تباينها في الحقاۤئق فلايطلق عليها الا الاشتراك اللفظي اما قولك زيد موجود و عمرو موجود و ما اشبه ذلك مما هو في كون واحد لاشتراكهما في العلية و المعلولية المتساويين في القرب و البعد فان اعتبرت الوجود لهما من حيث هو قبل اعتبار المشخّصات فهو وجود واحد فاذا نسبته اليهما كان باعتبار ظاهرهما كلا و هما جزءاهُ و باعتبار الباطن هو كلي هما جزئياه باعتبار او مظهراه باعتبارٍ و ان اعتبرته مع مشخصاتهما فيطلق الوجود عليهما بالاشتراك المعنوي لان الوجود فيهما واحد و المشخصات هي موجودة بتبعية الوجود فهي داخلة فيه من حيث التبع فيطلق عليهما المعنوي و ان قلنا ان المشخصات ما شمت راۤئحة الوجود و انما الموجود هو المشخَّص بفتح الخاۤء فاظهر و ان قلنا ان المشخصات موجودة بالذّات كما زعمه بعضهم فلا محذور من اطلاق الاشتراك المعنوي اذ يكفي فيه اَدْني مشاركة و هنا المشاركة في الاغلب حاصلة فمن نفي الاشتراك هنا فقد اخطأ الصواب .