شرح
حديث كميل
از مصنفات:
عالم ربانی و حکیم صمدانی
مرحوم آقای حاج محمد باقر شریف طباطبایی
اعلیالله مقامه
«* رسائل جلد 7 صفحه 329 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و آله الميامين و علي شيعتهم الهادين و لعنة اللّه علي اعدائهم المانعين الي يوم الدين.
و بعد يقول العبد الخاسر ابن محمد جعفر الباقر الشريف الطباطبائي القهي انّه قد امرني من بلوائه قراري و بولائه استقراري و بصالح دعائه افتقاري في داري هذه و دار قراري ان اشرح الحديث الشريف الذي صدر من مهبط الوحي و معدن الرحمة صلوات الله عليه و آله في جواب كميل و انا و ان لماكن اهلاً لذلك ولكني استمد من باطن الآمر سلّمه الله و ابقاه و من كل مكروه وقاه و ارجو من اللّه سبحانه ان لايخيّبني ببركته و اكتفي في ذلك بالاشارة لانّه سلّمه الله يستغني عن تكرير العبارة و الحمد للّه.
و ذلك الحديث هو الذي سأل كميل عن مولانا اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلّين حين اردفه علي ناقته فقال ما الحقيقة؟ قال7 مالك و الحقيقة؟ فقال اولست صاحب سرّك؟ قال بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي. فقال كميل اومثلك يخيب سائلاً؟ قال اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غيراشارة. فقال كميل زدني بياناً. قال7 محو الموهوم و صحو المعلوم. فقال كميل زدني بياناً. قال7 هتك الستر لغلبة السرّ. فقال زدني بياناً. قال7 جذب الاحديّة لصفة التوحيد فقال زدني بياناً. قال7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره. فقال زدني بياناً. قال7 اطفيء السراج فقد طلع الصبح انتهي.
و من المعلوم ان هذا المطلب العظيم من الاسرار المكتومة عن مثل كميل حيث قال7 مالك و الحقيقة. فلا يطّلع عليه الا من امتحن اللّه قلبه للايمان بالاسرار المعصومية.
فالاولي لامثالي ان يعرفوا قدرهم و لايتعدوا طورهم ولكن مشايخنا العظام و لضالضنا الفخام الكرام انار اللّه براهينهم الجميلة لما ظهروا لنا لكشف الاستار و شرح الاسرار و محو الموهوم و صحو المعلوم و بيّنوا المبهمات و اوضحوا المشكلات و رفعوا عن
«* رسائل جلد 7 صفحه 330 *»
المجملات نقابها و كشفوا عن المعضلات لثامها، قد سهل الخطب الجسيم بعد ذلك و امكن لكل من استمع منهم الامر العظيم ان يشير الي ماهنالك بقدر سعة صدره و تحمله لما يرشح مما يطفح منهم اعلي اللّه مقامهم.
فاقول و من اللّه بوساطتهم المأمول ان جوابه7 في اول الامر بقوله مالك و الحقيقة امّا ردعاً له لانّه لم يكن اهلاً له في تلك المسألة العويصة كما يدل عليه قوله7 بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي و امّا تعظيماً لامر الحقيقة و تحريصاً له ليتوجه اليه بكلّه لعله يدرك بعض ما اراده بقوله. فلمّا زعم كميل انّه صاحب سرّه، اراد7 ان لايحرمه بالكليّة لانّ اللّه عزّ و جلّ عند ظنّ عبده ان خيراً فخيراً و ان شرّاً فشرّاً. قال بلي ولكن لما لم يكن بصاحب اصل سرّه و كان صاحب سرّ هو فضل ما فَضُل من اصل سرّه اوقفه عليه لان يعرف قدره و لايتعد طوره لان امره هو السرّ و سرّ مستسر بالسرّ و سرّ مقنّع بالسرّ و لكل واحد من المراتب اهل لايتحمل الادني مايتحمله الاعلي البتة و كان كميل من متحملي اسراره الظاهرة في المرتبة الثالثة فقال بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي و يرشح فلان كيمنع اي يعرق و يطفح الاناء كيمنع اي يمتلي و اناء طفحان اي ملآن يفيض من جوانبه فقوله7 بلي ولكن يرشح عليك مايطفح منّي اي يظهر عليك و يصل اليك رشح ممايطفح و يفضل و يفيض من جوانبي و اطرافي و ظواهري. اي يصل اليك من اسراري سرّ هو ظاهر سرّ هو ظاهر سرّي .
فالسرّ الاول هو مايطفح منه7 و يفيض من اطرافه و هو فضله الظاهر في رتبة النقباء من شيعته و لايتحمل ذلك الفضل من سواهم ممن دونهم. فاذا تحمّلوا ذلك الفضل و صار حقيقتهم كما في الدعاء اللهمّ انّ شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا، صاروا بذلك كاملين في انفسهم مكمّلين لمن دونهم لانّ درجات الكمال لاتنتهي الي حدّ كما في دعاء سحر اللهمّ انّي اسألك من كمالك باكمله و كلّ كمالك كامل و اللهمّ انّي اسألك من نورك بانوره و كلّ نورك نيّر و هكذا جميع فقرات الدعاء يدلّ علي ذلك فاذا صاروا كذلك رشحوا اي نزلوا في مقام الرشح و الاعطاء كما يقول العرب «لم يرشح له بشيء»
«* رسائل جلد 7 صفحه 331 *»
اي لم يعطه. فمقام الاعطاء مقام النزول في عرض المعطيله و هو مقام النجابة. و العطاء هو الرشح و العرق الذي يعرق النجباء فكميل يمكنه الوصول الي العرق اي مايظهر من النجباء من السرّ الذي يفضل من وجودهم و هو علومهم التي يتحملها امثال كميل.
فلمّا عرف قدره من قوله7 بلي ولكن يرشح عليك مايطفح منّي و استكان و ندم بقلبه ممّا ادّعاه اوّل مرّة و صار الذل و الندم سبباً لرفعة مقامه تكلّم ثالثاً كما هو حري بحاله فسأله كالفقير المسكين عند سؤاله فقال اومثلك يخيب سائلاً؟ فكأنّه اراد من قوله انا و ان لماكن اهلاً للجواب في هذا الخطاب ولكنّك لم تخيب ابداً سائلاً و انا سائلك و لااظنّ ان تردّني لانّي لم ارك تخيب سائلاً قطّ و لمّا كان في تلك الحال في غاية الذلّ، استحيي منه ان يقول او تخيب سائلاً فقال اومثلك يخيب سائلاً لانّه اقرب الي الادب و اوفق بحالة الذّلّ و المسكنة و اولي بحال المسترحم و اجلب للرحم في قلب الراحم.
فلمّا رأي7 ذلّه و انكساره و وقوفه بباب السؤال، ترحمّ عليه فقال كشف سبحات الجلال من غير اشارة. و السبحات بضمتين هي الانوار و الجلال هو الحقيقة. يعني ان اردت الوصول الي الحقيقة لابدّ لك من كشف انوارها لانّها محجوبة من وراء انوارها فلايمكن الوصول اليها الا بكشف الانوار و لمّا كان المتبادر من الكشف رفع شيء عن وجه شيء لاجل النظر و الاشارة الي الشيء المكشوفعنه و ليس بين الحقيقة و انوارها اثنينيّة و ليس بينونتهما بينونة عزلة بل بينونتهما بينونة صفة، و الاشارة و النظر لايقعان الا بين شيئين متباينين، قيّد7 كلامه بقوله من غير اشارة اي من غير اشارة الي تلك الحقيقة لانّ الادوات تحدّ انفسها و الالات تشير الي نظائرها و الحقيقة عرصتها فوق عرصة المشاعر و الالات و الادوات فلايمكن الاشارة اليها و من اراد الاشارة اليها فالي غيرها اشار فلابدّ في ادراكها من مشعر من جنسها و ليس فيها تعدد و كثرة و مشعر سوي حقيقة واحدة. فالمدرك لها نفسها لا شيء اخر. علي حذو قول الشاعر:
اذا رام عاشقها نظرة | و لم يستطعها فمن لطفها | |
اعارته طرفاً رأها به | فكان البصير بها طرفها |
«* رسائل جلد 7 صفحه 332 *»
و كما في الدعاء يا من دلّ علي ذاته بذاته و كما في دعاء عرفة متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتّي تكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و كما روي اعرفوا اللّه باللّه و كما في دعاء اخر انت دللتني عليك و لولا انت لم ادر ما انت. فادراك الحقيقة لايمكن حقيقةً الا بنفسها لانّها اظهر من الظهور من نفس الظهور و ابين من النور من نفس النور و اولي باثارها من انفسها. ما من نجوي ثلثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا ادني من ذلك و لا اكثر الا هو معهم الا انّهم في مرية من لقاء ربّهم الا انّه بكلّ شيء محيط. فخفي لعظم نوره و استتر لشدّة ظهوره و ذلك لانّ الذات غيّبت الصفات، فاذا غابت الصفات فاين المشير و الاشارة و المشاراليه و
ما في الدّيار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
ففي الحقيقة من اراده فقد ميّزه و من ميّزه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه و من عدّه فقد جزّأه و من جزّأه فقد ثنّاه و من ثنّاه فقد الحد فيه و اراد غيره. فمن اراد الحقيقة لابدّ له من نسيان نفسه و ارادته و اشارته و اضمحلاله و انطوائه تحت سلطنتها و ظهورها، فاذاً ليس شيء الا الحقيقة وحدها.
فلمّا سمع كميل منه7 هذا المعمّي تحيّر في نفسه و استزاد منه البيان فقال زدني بياناً. فزاد7 في البيان و بين بيانه بالبرهان و اوضح البيان بطريق العيان درجةً فقال محو الموهوم و صحو المعلوم بعد قوله كشف سبحات الجلال من غير اشارة و اشار في المرتبة الثانية بانّ تلك السبحات ليست بشيء مستقل حتّي يحتاج الي كشفها و النظر من ورائها بل هي اشياء موهومة يحسبها المتوهم انّها شيء و ليست بشيء و انّما هي كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً حتّي اذا جاءه لميجده شيئاً و وجد اللّه عنده و انّما الشيء بحقيقة الشيئية هو الحقيقة و ماسواها تحسبها ايقاظاً و هم رقود و يقلّبهم الحقيقة ذات اليمين و ذات الشمال لايملكون لانفسهم نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً. فلايحتاج مريد الحقيقة الي كشف شيء اذ لا شيء سوي الحقيقة. و من توهّم شيئاً غيرها فهو
«* رسائل جلد 7 صفحه 333 *»
موهوم ليس له اصل. فلابدّ لطالب الحقيقة التي هي الشيء بحقيقة الشيئية ان يمحو الموهومات التي توهّم انّها شيء و ليست بشيء حتّي يصل الي المعلوم الذي هو اظهر من الظهور و ابين من النور و اوضح من الموهوم و اوجد في مكانه منه في حضرته و غيبته و ظاهره و باطنه.
فلمّا سمع كميل هذا السرّ المبهم و الرمز المنمنم تحيّر ايضاً و استزاد منه7 فقال زدني بياناً. فلما سأله بالزيادة اجابه7 بفضل جوده و احسانه فقال هتك الستر لغلبة السرّ بعد قوله محو الموهوم و صحو المعلوم فان محو الموهوم يوهم ان الموهوم شيء غير المعلوم و لابدّ من ازالته و صحو المعلوم ايضاً يوهم انّه يكون شيء موجود (شيئاً موجوداً خل) لابدّ من ذهابه. لانّ الصحو هو ذهاب الغيم عن وجه السماء و الغيم شيء مباين عن السماء ساتر لها لابدّ في رفعه من استحالته الي الهواء و فساد كونه و فناء عينه و ليس الامر كذلك في المعلوم الذي هو الحقيقة و الموهوم الذي هو غيم الانوار و الصفات بل في الحقيقة ليست شيئاً غيرها حتّي يحتاج الي افسادها و ابطال كينونتها بل هي علي ما هي عليه من حدودها و انّيتها ليست مضادة للحقيقة مباينة منها و هي مع كونها هي منطوية تحت الحقيقة و هي اولي منها من انفسها من غير احتياج الي ابطال حدودها و افساد اكوانها و اعيانها. فقال7 هتك الستر اي الانوار و الاثار و الصفات لغبلة السرّ الذي هو الحقيقة التي هي الشيء الحقيقي الذي غيّبت الصفات.
و اشار7 ايضاً ان من طلب الحقيقة لابدّ له من تغليب جهة الوحدة علي جهات الكثرة و لايمكن الوصول اليها من السلوك العرضي و المشي العرضي الذي هو الرجوع من الوصف الي الوصف و لابدّ له من النظر من الاعلي الي الاسفل و من المؤثّر الي الاثر و من الوحدة الي الكثرة لاالعكس. فالاوصاف و الانوار لايمكنها الوصول الي ذات الموصوف و المنير لانّ طريق الوصول التي يسلك فيها لا توصل الا الي امكنة الاوصاف. فلو سارت الاوصاف في مسيرها ابدالابد لا تصل الا الي اوصاف غيرها و لا تصل ابداً الي الموصوف لانّه خارج عن عرصاتها. فالطريق اليه من الطرق التي بينها مسدود و الطلب
«* رسائل جلد 7 صفحه 334 *»
مردود فلا تدركه الابصار ابداً و ان صعدت بالنظر اليه سرمداً ولكنه بالنظرة الواحدة يدركها جميعاً اذ هو اللطيف الخبير النافذ في ظواهرها و بواطنها و جواهرها و اعراضها. لايعزب عن علمه مثقال ذرّة في السموات و لا في الارض و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الا في كتاب وحدته المبين الظاهر في الكل بالكل الذي هو اظهر من الكل. فلايمكن لشيء من الانوار و الصفات الصعود الي الحقيقة ابداً ابداً الا بغلبة الحقيقة و هتكها الاستار و محوها الاغيار و قد فعلت ابداً و هتكت الاستار و محت الاغيار سرمداً. فليس شيء بحقيقة الشيئية الا هي وحدها وحدها.
فلمّا سمع كميل هذا الكلام و تبادر الي وهمه غير المرام تحيّر ايضاً و استزاد فقال زدني بياناً. فزاد7 اجابة لدعائه فقال جذب الاحدية لصفة التوحيد. و يضاف المصدر الي فاعله و المراد بالاحدية هي تلك الحقيقة. فلمّا كان بياناته فيما سبق بيانات تشبه النفي بل هي نفي معنوي لان الكشف و المحو و الهتك كلّها رفع و نفي لا اثبات و ذلك ديدن كل فصيح بليغ حكيم لانّه اذا اراد تفهيم مسألة بعيدة عن نيل مدارك المتعلّم ايّاها شرع اوّلاً في نفي ما هو خارج عن حقيقة المسألة لينصرف عنها فهم المتعلّم و يقرب بسبب الاعراض عمّا هو خارج عن المسألة الي المسألة. فاذا قرب اليها بسبب اعراضه عن ماسواها، يأخذ المعلّم في الاثبات و ان شرع اوّلاً في اثبات المسألة و المتعلّم بعيد عن فهمها ربما يتوهّم من اثباتها شيئاً اخر مما هو خارج عنها.
بالجملة فلمّا نفي7 بكلماته السابقة و استزاد كميل، اجابه بالجواب الاثباتي لزيادة الشرح و البيان. فقال جذب الاحدية لصفة التوحيد اي لايمكن لاحد من رفع حجاب انّيته و الوصول الي درجة خارجة عن كينونته لانّه مغمور في ذلك الحجاب و محال له ان يهتكه لانّه من ما هو به هو و هو لايقتضي غير مابه هو و لايدرك غير ذلك بل و لايطمع ادراك ذلك لانّ كلّ ماسواه محجوب عنه لامحالة. فان شاء العالي جذب الداني اليه يقدر لانّه محيط به من كل جانب بلانهاية. فاذا جذبه اليه يكون مذكوراً فيه علي ماينبغي ان يذكر فيه، و ماينبغي ان يذكر فيه عدم امتيازه عن غيره و عدم تعينه نفياً و
«* رسائل جلد 7 صفحه 335 *»
اثباتاً فاذاً ليس شيء الا العالي فقد البس العالي حينئذ الداني صفة التوحيد و خلع عنه صفة الكثرة و الاختلاف. فذلك معني قوله7 جذب الاحدية لصفة التوحيد اي جذب الاحدية ماسويها اليها لصفة التوحيد و هذا حال كل مجذوب الي الاعلي. اما تري ان الزمانيات اذا صعدت الي الدهر تصير دهرية و الدهريات اذا صعدت الي السرمد تصير سرمدية، فلا زمان حينئذ و لا دهر. فالسرمديات اذا صعدت الي عرصة الازل تصير ازلية و الحالة الازلية هي امتناع ماسويها فيها، فاذاً ليس شيء الا الازل.
فلا تزعم من هذا البيان انّه يمكن ان يصعد الداني الي عرصة العالي و استحالته اليه فيمكن ان يصير الحادث قديماً و العبد ربّاً نعوذ باللّه كما ذهب اليه الصوفية لعنهم الله بجميع لعائنه. بل لايمكن لشيء من المقيدات في عالم من العوالم ان يصير مطلقاً. انظر الي مقيد من المقيدات الجسمانية هل يمكن ان يصعد في سيره الي الجسم المطلق و يصير جسماً مطلقاً حاشا و ذلك لانّ الجسم المطلق لايكون في طرف و المقيد في طرف حتي يمكن للمقيد السير اليه و استحالته اليه بل المقيد ابداً ممتنع في المطلق و لايمكن السير في عرصة الامتناع. فكلّما سار المقيد وصل الي مقيد اخر لا الي المطلق. رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله. و الطريق الي المطلق مسدود و طلبه مردود. فاذا لم يمكن صعود المقيدات الجسمانية الي الجسم المطلق، فكيف يمكن صيرورة الجسم مثالاً و المثال دهراً و الدهر سرمداً والسرمد ازلاً؟ فلكلّ منّا مقام معلوم و انّا لنحن الصّافّون لا يتجاوز شيء من رتبته ابداً. فمعني صعود الداني الي العالي ذكره فيه بما يمكن ان يذكر فيه و يليق عرصة العالي.
فامثّل لك مثلاً يكشف عن حقيقة الحال. فانظر الي الالف المكتوبة تراها الفاً في رتبة الالفية ثابتة. فاذا قيل انّ الالف صعدت الي رتبة المداد الكلي لايقصد انّ الالف صارت مداداً كليّاً يصلح لان يكتب منه جميع الحروف. بل المراد من صعودها اليه ذكرها فيه بماينبغي ان تذكر فيه، و ماينبغي ان تذكر فيه هو الذكر العدمي النفيي. فهي مذكورة فيه بذكر النفي فليس حينئذ شيء سوي نفي الالف و نفي الالف هو المداد الكلي و ليس في
«* رسائل جلد 7 صفحه 336 *»
عرصته شيء سوي نفس المداد، فاذاً مداد لا الف. و كذا اذا قيل انّ الالف تصعد الي المداد المطلق، لايقصد ان تصير الالف مداداً مطلقاً بل المراد انّ الالف مذكور في المداد المطلق بمايليق ان تذكر فيه. و مايليق له ان تذكر فيه هو الذكر الامتناعي. فاذاً ليس شيء الا المداد المطلق لا ذكر للالف فيه اثباتاً و نفياً الا الذكر الامتناعي. فاذاً ليس شيء الا المداد المطلق و هو نافذ باحديته في اقطار المداد الكلي و الالف و ساير الحروف من جميع جهاتها بلانهاية فلا شيء الا هو وحده وحده. و لايتجاوز الالف الي رتبة المداد الكلي و المداد الكلي لايتجاوز عن عرصته الي المداد المطلق ابداً ابداً. و يكفي هذا القدر من البيان لمن كان له عينان و الاعمي لايري شيئاً و ان جئت بالف برهان.
بالجملة فاذا سمع كميل منه7 هذا البيان الجلي و السرّ الخفي الذي خفي لشدّة ظهوره و استتر لعظم نوره، تحيّر في نفسه واستزاد منه البيان فقال زدني بياناً. فشرع7 في الزيادة بمقتضي الاجابة فبيّن مبدء الحقيقة المسئول عنها و منتهاها باوضح بيان و ابين برهان. فقال نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره. فاظهر ان تلك الحقيقة المسئول عنها نور مبدؤه صبح و الصبح مبدؤه شمس لامحالة. لانّه نور الشمس المستورة بعينها وراء افق الصبح فالمراد من تلك الشمس هو الكينونة و الذات الظاهر المتجلّي بالمشيّة، و المراد بالصبح هو المشيّة التي هي اوّل مقام التعيّن، و المراد بالنور هو الفؤاد الكلي و الوجود المقيد، و المراد من اثاره اشراقه في العرصات الخلقية و المقيدات الجزئية بالنسبة، و المراد من الهياكل هو المراتب التنزّلية اذ الهيكل هو البناء المشرّف و الضخم من كل شيء. فتلك المراتب كل واحد منها بناء ضخم مشرّف علي مادونه من البسايط و المواليد.
فالهيكل الاوّل هو العقل الكلي، و الثاني هو الروح الكلي، و الثالث هو النفس الكليّة، و الرابع هو الطبع الكلي، و الخامس المادة الكلية الشهادية الثانية، و السادس هو المثال الكلي، و السابع هو الجسم الكلي. هذه الكليات هي هياكل التوحيد التي اشرق اثار تلك الحقيقة اي الوجود المقيّد فيها. تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في
«* رسائل جلد 7 صفحه 337 *»
هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله بدوران افلاك كل رتبة علي عناصرها و توليد المواليد منها. فلكل واحد من الهياكل قباب كما تري في الهيكل الاسفل الذي هو الجسم الكلي. فقبّة منه العرش، و قبّة منه الكرسي، و قبّة منه الشمس، و قبّة منه زحل، و قبّة منه المشتري، و قبّة منه المريخ، و قبّة منه الزهرة، و قبّة منه عطارد، و قبّة منه القمر، و قبّة منه النار، و قبّة منه الهواء، و قبّة منه الماء، و قبّة منه التراب. و في كل قبّة نور من انوار الحقيقة مستودع فيها. فيظهر تلك الانوار في كل عالم بالتدرجات اللايقة بذلك العالم، ففي الزمان يظهر بالتدرجات العرضية الزمانية، و في عالم المثال بالتدرجات العرضية البرزخية، و في عالم الملكوت بالتدرجات الجزئية المجرّدة الطولية، و في عالم الرقايق بالتدرجات الطولية البرزخية بين الجزئية و الكلية، و في العالم الكلي المعنوي بالتدرجات الطولية الكلية. و كل هذه المراتب محال ظهور انوار الوجود المقيد و هياكل اثاره.
فلمّا سمع هذا البيان التامّ و الكلام العامّ الحاوي للمبدء و المنتهي و اراد ان يعرفه باحدي مشاعره الجزئية و الحال انّها من اثار اثار اثار تلك الحقيقة بل من اثار اثارها الي الف مرّة، فلم يقدر علي ذلك لانّ المشاعر كائنة ماكانت معدومة في عرصة تلك الحقيقة بل ممتنعة صرفة، تحيّر و استزاد فقال زدني بياناً. فقال7 اطفيء السراج فقد طلع الصبح فاشار الي ان تلك الحقيقة ظاهرة في كل شيء ظهوراً لا غاية له و هي لاتحتجب عن شيء الا انّ الاشياء تحجبهم الامال دونها. فاراد7 انّك ان اردت ان تصل الي الحقيقة بالمشاعر و السرج لم تقدر ابداً فلابدّ لك من اطفاء السراج العقلاني و النفساني و الخيالي و الجسماني لانّ الادوات تحدّ انفسها و الالات تشير الي نظائرها و الحقيقة فوق جميع المشاعر و لابدّ في ادراكها من مشعر من جنسها و المشعر الذي هو من جنسها نفسها اذ لا تعدد فيها و لا كثرة. اعرفوا اللّه باللّه، يا من دلّ علي ذاته بذاته.
بالجملة جميع ما ذكر شرح احوال كون الاشياء و ليس فيه اختصاص نور الحقيقة بشيء من الاشياء و نسبتها اليها نسبة الاحد الي الاعداد ليس شيء اقرب اليه من شيء اخر.
و اما في دائرة الشرع يختص نورها باشخاص دون اشخاص. فالمراد بالحقيقة هو
«* رسائل جلد 7 صفحه 338 *»
الحقيقة المحمّدية فيلوح اثارها علي هياكل التوحيد فتظهر منها ظهور النار من الدخان و ظهور الحيوة من الجثمان و ظهور النفس و العقل في البدن و امثال ذلك. فارواح تلك الهياكل من روح الله و طبيعتها علي خلاف تلك الروح. يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي، و نفخت فيه من روحي و قال في عيسي7 و روح منه و هو روح الله كما في الزيارات.
بالجملة فاوّل هيكل اشتعل بتلك النار التي هي النور، هيكل محمّد صلوات الله عليه و آله في مقام العقل فصار في تلك العرصة اسم الله الظاهر و نوره الباهر و وجهه المضيء و سرّه الخفي الجلي و جنبه العلي و بابه الغني. بالجملة صار زيت قابليته مشتعلاً منها و ظهرت فيه بكلها كما ان النار ظهرت في الدخان بكلها فصارت خصالها كلها ظاهرة من جيبه فصار قادراً علي كل شيء بقدرة اللّه، قاهراً علي كل شيء بقهر اللّه، عالماً بكل شيء من علم الله و هكذا جميع اسماء الله كلها طلعت من جيبه.
و هنا دقيقة لا بأس بالتنبيه عليها و هي انّ الانوار المتعلّقة بالاسماء قبل ظهورها من ذلك الهيكل لا امتياز لها مطلقاً كما انّ نور الشمس وراء الزجاجات المتلوّنة نور واحد ليس فيه تعيّن صفرة و لا خضرة و لا حمرة و لا زرقة و انّما يشتق للنور تلك الاسماء المختلفة بعد نفوذه في المرايا فيكون اخضر في بطن المرآة الخضراء و اصفر في بطن الصفراء و ازرق في بطن الزرقاء و احمر في بطن الحمراء و لاجل ذلك قال الله سبحانه يكاد زيتها يضيء فنسب الاضاءة الي الزيت كما تري انّ النار قبل ظهورها في الزيت لم تكن مضيئة. فالاضاءة انصباغ يحصل من الزيت للنار و يشتق منه اسم المضيء للنار فكذلك نور تلك الحقيقة قبل ظهوره في الهيكل المحمدي صلوات الله و سلامه عليه و آله ليس فيه قدرة و قهر و علم و هكذا ساير الاسماء و انّما يصير في بطن الهيكل قادراً قاهراً عليماً كما انّ الروح البخاري قبل ظهوره في المشاعر الظاهرة ليس بسميع و لا بصير و لا شامّ و لا ذائق و لا لامس فصار سميعاً في الاذن، بصيراً في العين، شامّاً في الانف، ذائقاً في اللسان، لامساً في الاعضاء.
بالجملة فاذا استضاء زيت الهيكل المحمّدي9 بذلك الضياء
«* رسائل جلد 7 صفحه 339 *»
استضاء منه زيت الهيكل العلوي7 كما روي انا من محمّد كالضوء من الضوء و هكذا استضاء من كل سابق لاحقه من الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و ذلك النور في هذه العرصة نور واحد اي استضاء كل واحد من الائمة من نور واحد ذرّية بعضها من بعض.
فاذا استضاءت هياكلهم: من ذلك النور في عرصتهم استضاء منهم هياكل الانبياء: من فضل نورهم. فاذا استضاءوا من ذلك الفضل، اضاءوا علي الهياكل البشرية فاوّل ما استضاء منهم هياكل النقباء، ثمّ هياكل النجباء للّه الاسماء الحسني فادعوه بها، بمقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك ، رتقها و فتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك. و السلام علي من اتبع الهدي و اجتنب الردي.
و لمّا وصل الكلام الي هنا اخذني قشعريرة و حمّي و لماقدر علي بسط ازيد ممّا بان و لاسيّما جناب الآمر سلّمه اللّه تعالي كان مستغنياً بحمد اللّه بالاشارة عن تكرير العبارة و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطيبين و شيعتهم المكرّمين و لعنة الله علي اعدائهم ابدالابدين. و قد وقع الفراغ في عصر يوم الثلثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك من شهور سنة 1278 ثمانية و سبعين بعد المأتين و الالف حامداً مصلّياً مستغفراً.