شرح القصیدة البائیة من کتاب شذور الذهب
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 219 *»
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين
الحمدلله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض من تجب علي رعايته و الزمت علي نفسي طاعته قد ارسل الي ابياتا لعلي بن موسي الاندلسي التي قالها في ديوانه المشهور بشذور الذهب في علم الصناعة الفلسفية و اراد من الفقير شرحها و بيان رموزها و حل مغلقها و اتتني تلك الابيات و انا مشغول البال بمعاناة الحل و الارتحال مع انه سلمه الله يريد الجواب بالاستعجال فاجبت مسؤوله مع اني لست من اهل هذه الصناعة و ما بي من قلة البضاعة و كثرة الاضاعة و كتبت له بعض ما يحضرني في اثناء السفر لان ذلك هو الميسور و لايسقط بالمعسور.
قال اطال الله بقاه و سلك به مسلك رضاه بالنبي و آله9: و بعد يا مولانا عبدكم يرجو من فضلكم و جزيل احسانكم انتمنوا عليه ببيان هذه الابيات بالطريق الذي يفهمه اهل العقول الفضل لكم كما قيل:
منوا و حنوا و ارحموا و تعطفوا
عودوا و جودوا و اجبروا و تصدقوا
اقول هذه الابيات و مضامينها مما تخالف الحكماء و العلماء علي كتمانها و صونها و ابوا انيتكلموا فيها الا بالرموز و الاشارات البعيدة حتي قال صاحب كتاب جوهر الجواهر ان اقرب الرموز اننشير الي البعيد بالقريب و بالعكس و قد سئل مولانا اميرالمؤمنين7 عن ذلك فاجابهم بالرمز و الاشارة فقالوا زدنا يا اميرالمؤمنين قال7 لا زيادة علي هذا فان الحكماء ما زادوا عليه و لولا ان النفس لأمارة بالسوء لبينتها حتي تعلمت الصبيان في المكاتيب هـ ، فاذا كان كذلك فلايجوز مخالفة الاكابر و لايحسن فضح السر الا
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 220 *»
ان السائل لما كان من اهل الاجابة اجري الكلام علي اقرب الطرق الي التصريح و ربما اصرح في اثناء التلويح تفهمه اهل العقول السليمة اذا كانت مرتفعة و لمتكن منخفضة لان في هذا العلم سر التوحيد و حقيقة التنزيه و التفريد و بيان سر الخليقة و لب الحقيقة فانه عالم كعالم الانسان و جامع لما حواه الامكان و الاكوان و هو الاسم الاعظم و النور الاقدم و المولود المكرم شقيق النبوة و معدن الولاية و الفتوة حفظه الله عن اعين الظالمين.
قال سلمه الله تعالي نقلا عن الشذوري:
خذ البيضة الشقراء و انزع قشورها
فان لها تحت القشور لبابا
اقول ان القوم لهم في تعيين مادة الحجر اقوال شتي و ذلك علي حسب ما وجدوا من التاثير حسب التدبير و الذي وقفت عليه من اقوالهم مما ذكروا من الامور التي تصلح لانتكون حجرا و مادة لهذا المولود العزيز و قرة عين اهل التميز عشرة اشياء تجمعها قول شاعرهم:
فعدة الاحجار منها عشرة
كاملة معلومة منحصرة
القرن و الظلف مع الاشعار
و القحف و الدم مع المرار
و البيض و البول و ثم العذرة
و ثم بالمني تتم العشرة
ثم انهم ردوا اغلبها و ذكروا انها ماتصلح لانتكون حجرا اما الدم و المخ فشرطهما انتكونها من البقرة الصفراء اذا قطرا و يتخذون المعظم القحف مكان الجسد المكلس و ردوه بوجهين احدهما ان هذا الحجر فيه اصباغ و ادهان و اكلاس و ليس يتم به عمل تام و ثانيهما انه نجس و لايجوز للمسلم انيباشره لادائها الي نجاسات لايمكن التحرز منها عادة و اما عذرة الانسان و فيها ادهان و نشادر و اصباغ و ليس لها جسد و لا كلس و لايتم به المقصود مع ما فيها من مباشرة النجاسات و اما البيض من الحيوان فاحسنه بيض الدجاج و احسن اعماله في فصل الربيع و الخريف قالوا و يتم به المقصود لكن فيه عسر تكليس الجسد و عسر تبييض الدهنة قال شاعرهم:
و البيض ان عاينته برفق
و حسن تدبير له و سحق
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 221 *»
اراك من الوانه غرائبا
بدايعا طرائفا عجائبا
لكنني لست له بصاحب
لانه غير سبيل الطالب
قد ذمه من قبلي الحكيم
لانه بطبعه عليم
و قال صاحب هذه الابيات التي نحن بصدد شرحها يمتحن الاجساد بالحل و النفض مبتلي الارواح بالروح و الخفض دع البيض ليس الصبغ في بيض طائر و لا حجر فض و لا شجر غض و اما الشعر فقالوا ياخذون شعر الانسان البالغ اربع عشرة سنة الي اربعين سنة و يغسلون بالطين و الاشنان و يضعونه في القرع بعد تقطيره و تقريضه و تقطير مائه و دهنه و يخرجون الماء من الدهن و ردوا هذا القول بوجوه عشرة: الاول ان حجرهم هذا ليس يتم به الفعل و الانفعال لان من علامات حجر القوم انيخلط ماؤه دهنه الثاني ان حجر القوم فيه رزانة و الشعر خفيف يعلو دهنه علي مائه الثالث ان كلسه قليل و ليس فيه رزانة الرابع ان حجر القوم فيه الطبايع الاربع المنفردة قبل التفصيل الخامس ان حجرهم فيه ماءان و الشعر فيه ماء واحد السادس ان حجر القوم فيه غرائب ثلاثة زائدة علي الشعر و ان الشعر فيه غريب واحد السابع ان حجر القوم فيه عدة اجزاء منها الماء الابيض و الدهنية و الصبغ و ارض البياض و ارض الذهب الثامن ان حجر القوم اذا دخل الانسان حصل منه قوة و الشعر يضر الانسان التاسع ان حجر القوم عينه واحدة في حال عبيطة و اجزاؤه اربعة و ليس كذلك الشعر العاشر ان حجر القوم مختلف الالوان حال عبيطه ايضا و ذكروا في باقي الاحجار وجوها لانطول الكلام بذكرها هذا ماتلونا عليك من اقوالهم.
و اما الذي عندنا فاستمع لما يتلي ان هو الا وحي يوحي و اعلم ان الله سبحانه و تعالي لميزل واحدا متوحدا كاملا غاية الكمال لايشغله شان عن شان ثم خلق فعله سبحانه من كينونة اعتدالية قد غلب عليه سر الوحدانية يحكي جلاله و جماله في مبدئه و مآله ثم خلق اثر فعله من فاضل تلك الكينونة الاعتدالية و علي مثال تلك الهيئة الالهية اتقانا لصنعه و احكاما لامره ذلك تقدير العزيز العليم ثم لما ثبت ان الحادث لابد له من تحصله من امتزاج الطبايع الاربع
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 222 *»
الفه سبحانه بكمال قدرته و لطيف حكمته من تلك الطبايع المتضادة مبقيا كل واحدة منها بصرافة تاثيرها و لطافة تدبيرها في حال اجتماعها و ايتلافها المتحصل منها الوحدة البسيطة المستدعية للطبيعة الخامسة المعبر عنها بالكينونة الاعتدالية فلاتزاحم ح بين النار و الماء و لا بين التراب و الهواء في اظهار تاثير كل منهما بصرافة وحدتها لحيلولة قدرة الله بينهما و منعها اياها عن تعدي كل ضد الي الآخر لكسر سورته و لا لميل مناسب الي الآخر لزيادة شوكته و لايمنع اجتماعها من تاثيرها الكيفية الاعتدالية لاعانة كل واحدة منها الاخري بنصف قوتها حيث امره الله سبحانه لكونها مطيعة له و منقادة لامره و نهيه فاتقن سبحانه و تعالي تدبيره بان جعل في كل شئ تاثيرا اعتداليا و تاثيرات متضادة و تاثيرات بحسب القرانات و الاوضاع فتغلب طبيعة مع بقاء نوع الاخري و كذلك الطبيعتان و كذا الثلاثة و كذا باقي الاوضاع فيحصل منها تاثيرات عجيبة غريبة مختلفة و لما كان كل الموجودات علي اختلافاتها انما حصل من قرانات هذه الكيفيات كان كل شيء يؤثر في كل شيء لتركب كل شيء منها و شواهد ما ذكرنا من الآيات و الروايات و مقتضي العقل كثيرة و لبيانها مقام آخر انظر الي الجنة و النار و احوالها فان كل شجرة منها تثمر كل ثمرة مختلفة الالوان و الطبايع و كل طير تفرد بكل الالحان و كل طعام يظهر منه طعم جميع الاطعمة و كذلك غيرها من الاحوال فظهر لك مما بينها ان الله سبحانه و تعالي خلق الاشياء كلها من المجردات و الماديات و العقول و الارواح و الاجسام و الاجساد بحسب الفطرة الاصلية صافية طاهرة مظهر لها الهيمنة و الربوبية علي ماسواها من آثارها و تاثيراتها فاذا كل شيء اكسير من الروحانيات و الجسمانيات و تجعل ماسواها مثلها او اكل ماينبغي من نوعه و لكن لما امرهم بالنزول و الادبار و كلفها بالتكاليف من الاوامر و النواهي فاختلف الاشياء بعد التكليف و عمل به قوي و استنار و ازداد تأثيرا و نورا و من تكاسل عن قبول التكليف ضعف و غلبت عليه الرطوبات الغريبة و كذلك الحرارة الغريبية فتولدت فيه الامراض المزمنة و خرجت الطبايع عن الفطرة الاصلية و لايصل
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 223 *»
اليها الا بالتصفية فصاحب الاكسير هو الذي يصفيها و يزيل اوساخها بحلها و عقدها و هي بين قريب الي الفطرة الاصلية غاية القرب و بين بعيد منها غاية البعد و بين متوسط بينهما و الحكيم الذي يصفي تلك الارواح و الاجساد ففي القريب يحتاج الي معالجة جزئية و في البعيد الي معالجات قوية شديدة و في المتوسط متوسط بينهما فظهر لك ان سر الاكسير يوجد في كل شريف و حقير و هو قول اميرالمؤمنين7 و ان من شيء الا و فيه منه اصل و فرع فظهر لك ان حصرهم في الاحجار العشرة غلط و ردها بما ذكروا غلط آخر اذ كل شئ له تدبير لمعالجة امراضه غير ما للآخر منه و لايلزم انيطلع كل احد علي ما اطلع عليه الآخر من كيفية المعالجات و انحاء التدبير الا اذا احاط بالكل و ح لايرد الكل و قد قال الشاعر:
لو كنت تعلم كل ما علم الوري
طرا لكنت صديق كل العالم
لكن جهلت فصرت تحسب كل من
يهوي بغير هواك غير العالم
و بالجملة فلمعالجة هذه الامراض و ازالة الاوساخ الكامنة في تلك الاخبار طرق شتي قد خفي اكثرها علي الخلق نعم للكل طريق واحد و لو مشوا في التدبير و المعالجة علي ما دبر الله سبحانه الانسان من كونه نطفة و علقة الي انجعله بشرا سويا و كاملا اديبا الا ان تربية الاغذية و اخراجها من ثفل الكيموس و الكيلوس و جعلها صالحة للنطفة مختلف بحسبها من لطافتها اذ منها ما هو لطيف كثير الغذاء حسن الكيموس كمح البيض و منها ما هو بخلاف ذلك كالباذنجان و لاشك ان القسم الاول اقرب الي استحالته بالنطفة بخلاف القسم الثاني و كذلك مولود الفلاسفة كل شئ يصلح لانيكون مادة لتحقق نطفته الا ان الاشياء تختلف بحسب قوتها و قربها الي الاستحالة بالنطفة و ضعفها و بعدها عنها كما ان اصل الانسان النطفة و لايقال ان اصلها مثلا اللبن او اللحم او السفرجل او التفاحة او غيرها مما يستحيل الي النطفة فكذلك لايقال ان اصل
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 224 *»
هذا الولد القرن او الظلف او الكبريت او الملح او غير ذلك و انما اصله و مادته الحجر الكريم و هو النطفة الحاصلة المتحققة في العلم العمل المكتوم و تتم النطفة بعد اتمام ربع العمل و مرادهم بالحجر هو النطفة المنعقدة من ماء الرجل و الانثي الا ان كمال الحكيم انيدبر هذه الاشياء مفردة او مركبة حتي يخرجها عن ثفل الكيلوس و الكيموس بتكرار الحل و العقد و التعفين و التقطير حتي يوصلها الي مقام النطفة فتختلف الاعمال الي هذا المقام و بعد ذلك فيتحد العمل و لما ان الناظرين في هذا الفن لا احاطة لهم بشئ حتي ينظروا الي معني كل شئ في كل شئ و قصروا نظرهم الي شئ مخصوص حصره بذلك الشئ فقال بعضهم من البول و الآخر من العذرة و هكذا و لما ان الآخر ماتمكن من العلاج التام كما تمكن غيره و انما تمكن من بعضه حكم بفساد هذا القول و قال في البعض ان له صبغ لكن لايتم و في بعض لا كلس له و في بعض لا جسد له و هكذا من امثاله مما سمعت سابقا من نقل اقوالهم كل ذلك لجهلهم بموقع العلم و حقيقة السر و مثالهم مثال العميان و الفيل.
فاذا فهمت ماذكرنا لك فاعلم ان اقرب مايصلح لانيكون حجرا و اسهل تناولا اليه هو الشجرة الطورية كما ذكره الله عزوجل في عدة مواضع من القرآن كقوله تعالي و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن و صبغ للآكلين و قال ايضا سبحانه و تعالي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضئ و لو لمتمسسه نار اشارة الي كمال صفائها و قابليتها لانيكون نطفة لهذا الولد المكرم و قالوا: انها علي سواء الجبل و ليس موقعها الا في اشرف المخلوقات و هو الانسان و الجبل هو رأسه و هو الطور فقوله خذ البيضة الشقراء يريد به هذه الشجرة و الوجوه العشرة التي ذكروا في قدحها كما ذكرنا سابقا كلها باطلة مزخرفة بما ذكرنا من جهلهم بالتدبير و الا فكل صفات الحجر فيها موجودة اذ صارت حجرا و النار و سيتضح لك انشاء الله و لايمنعها ضعفها و خفتها فان النار هي الام التي تربيها و تحضنها حتي تجعلها كاملة رزينة انظر الي حالة الرجل اذا كانت نفسها (نفسه ظ) الامارة بالسوء من ضعفه و خفته
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 225 *»
و قلة مبالاته مع حالته اذا كانت النفس مطمئنة من كمال رزانته و تمكينه و وقاره و قد ذكرنا ان السر في الكل واحد و كونها خفيفة احسن و اسرع و اقرب الي المقصود من الثقيل بالعوارض و الغرائب فافهم و الشذوري صرح بما ذكرنا في قصيدته الخائية:
لنا شجر في طور سيناء راسخُ
و فوق ذرات الشم منها شمارخُ
يضئ من الواد المقدس نارها
و من دونها للمستضئ فراسخُ
الابيات، و قد اوردنا مقالته سابقا من افكاره لبيض الطائر و قال ايضا:
دعوني من صبغ النحاس بزرنيخِ
و من عقد محلول الرصاص بمريخِ
الي انقال:
و من ذوب فولاد علي النار صابر
بدهن محاح البيض و الدم ملطوخِ
و توصيف البيضة بالشقراء قرينة واضحة لما ذكرنا من ان مراده الشجرة الطورية و انما عبر عنها بالبيضة لان البيضة مشتملة علي قشر غليظ و قشر رقيق و نطفة المرأة و هي البياض الرقيق و نطفة الرجل و هي الصفرة الغليظة و ان البيضة اقرب الاشياء الي جوهر البدن و الحرارة الغريزية فكذلك هذه الشجرة اولها قشر غليظ كثيف ثم يستخرج منها نطفة الرجل (المرأة ظ) الماء الابيض الرقيق ثم نطفة الرجل الماء الغليظ و هو العسل و الشحم و الحبرة و انما وصفها بالشقراء و هي السوداء المائلة الي الحمرة لاختيار ذلك من جهة كثرة الرطوبة و قوة الحرارة و العامل في اول الامر يحتاج الي ماء كثير ذخيرة له خوفا من العطش و هذه طريقة جيدة و منهم من قال الاسود احسن من الاشقر لقوة الحرارة المطلوبة في هذا المقام و يحتمل انيكون الشقراء من جهة الاضافة الي صاحبها فان صاحب الشجرة لابد انيكون سنه من خمس عشر (عشرة ظ) الي ثلاثين و هو فصل الربيع و برج الحمل و الاسود احسن من الابيض لقوة الحرارة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 226 *»
في الاسود دون الابيض و اذا كان اشقر فتكون فيه رطوبة معتدلة و حرارة قوية فيكون اسرع لاستخراج الماء و يحتمل انيريد بها الاسود في المقامين لان الاشقر فالغالب عليه السواد و الامر في ذلك بين لان في الاشقر رطوبة زائدة لكنها بطيئة في السير و الاسود بالعكس و الحكيم اذا كان ماهرا لايضره ايا منهما اتفق قوله و انزع قشورها نزع القشور اشارة الي قشور ظاهرية و باطنية.
اما الظاهرية فالمراد غسلها عن الاوساخ و تنظيفها عن الكثافات التي هي قشور عرضية لتكون صالحة و مهيئة لازالة القشور الباطنة و كيفية هذا الغسل هي انتغسلها اولا بالصابون و زاد بعضهم الاشنان و ثانيا بالطين و ثالثا بالبيض و رابعا بالخل و خامسا بالعسل و سادسا بالماء الصافي قالوا ان الماء البارد احسن و افضل من الحار اذ يكره غسل الاموات بالماء الحار و سابعا بالطين ايضا الي انتنظف كمال النظافة و تكون براقا شفافا ثم تقرض ناعما باصغر مايقدر.
و اما الباطنية فالمراد حلها و استخراج المياه منها و كيفيته انيوضع في اثال الي نصفه او ثلثه و يوضع عليه راس الفيل و يشد الوصل بينهما و بين القابلة فيجعل علي المستوقد حتي يقطر منه ماء كثيرا فيفصل الي قسمين ثفل و ماء و الثفل له لون كالوان الطواويس و الماء ان رايته ليس في كمال البياض فقطره مرة اخري حتي يبيض و قوله فان لها تحت القشور لبابا اشارة الي ما ذكرنا فان الماء هو اللب الذي تحت تلك الكثافة و هو ظهور الماء الذي به حيوة كل شئ و بذلك الماء حيوة هذا الولد الكريم فافهم.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
فخذ ماءها فاخلطه في المح كي تري
حمامته فيها تصير غرابا
اقول اخذ (خذ ظ) الماء و اخلطه في المح في الموضعين بينهما مراتب كثيرة بل بينهما ربع العمل اقتصر بهذه الكلمة الواحدة و اني اشير الي تلك المراتب و اعلم انك اذا فصلت الشجرة و اخذت ماءها و ميزته عن ثفلها و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 227 *»
بيضت الماء ان احتجت اليه ثم بعد ذلك خذ قدر ما تريد من الثفل و هو الماء في اصطلاح اهل هذا الفن لغلبة البرودة و الرطوبة عليه لا من جهة السيلان اذ ليس فيه سيلان و اخلطه باربعة امثاله من الماء المقطر المفصل الممتاز و هو في عرفهم النار لغلبة الحرارة عليه و هو النار السائلة في كلام اميرالمؤمنين7 علي بعض الوجوه و شبه هذا الماء بالمح بالحرارة خاصة و يحتمل انيكون المراد بالعكس للمناسبة الصورية لا الطبيعية فيكون المراد بالمح هو الثفل لكثافته و انجماده و انعقاده و الماء هو الماء لسيلانه الا ان ذلك بعيد عن اصطلاحهم ثم يجعل هذا المخلوط في الآلة العمياء و يطين راسها بطين الحكمة و يجعلها في حمام مارية بطن الفرس و يطبخه بنار الزبيل سبعة ايام ثم يخرجه يوم السابع و لايفتحه حتي يبرد لئلا تطير الارواح لشدة المناسبة ثم يفتحه و يشد عليه راس الفيل و يطين بطين الحكمة بعد وضع القابلة و شدها شدا وثيقا ثم يقطر و يعزل الماء ثم يجعل علي الثفل الباقي اربعة امثاله و يجعل في حمام مارية علي قياس ما تقدم و لايزال يفعل كذلك الي انينحل نصف اليبوسة ثم يجعل عليه مثله من الماء و يفعل كما تقدم و لايزال يكرر العمل الي انينحل نصف اليبوسة فارم ما عندك من الرماد فانه لاينفع اذ ليس فيه حيوة و لايصلح لها ايضا فبقي عندك ح ماءان ماء رقيق و هو الحاصل من جعل اربعة امثال الثفل عليه و ماء غليظ و هو الحاصل من جعل مثله عليه و الاول نطفة المرأة و الثاني نطفة الرجل فانقلب الامر فصار النار ماء و الماء نارا و ح يكون الماء هو الماء الرقيق و المح هو الماء الغليظ و يجب انيجعل هذا الغليظ علي النار المناسبة له حتي ينعقد و يكون في قوام المعسل و هو المسمي عندهم بالعسل و الحبرة و الشحمة فينظر ح فان كان ابيض في كمال البياض فهو و الا يبيض بارسال الماء الرقيق اليه و غسله بتكرر التقطير الي انيبيض و هذه التصفية و التبييض لجلاء المعمول من الذهب او الفضة و الا فلايفسد العمل بعدمها و هذا هو الحمامة البيضاء التي تغرد علي غصن سدرة المنتهي ثم اخلط الماء بالمح بانتاخذ من الماء اربعة امثال المح علي الوزن التحقيقي لا التقديري بخلاف المقادير
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 228 *»
المتقدمة اذ يكفي فيها التقدير فاخلطه بالمح اولا بمثله و هنا اول التزويج و هو معني مايقولون فزوجه اولا بابنته و هو كفوه فاذا جعل مثله معه فيوضع في بطن الفرس و حمام مارية مقدار اربعين يوما ثم يخرج فلايفتح حتي يبرد فاذا قطر يخرج ماء اسود كالقار في كمال السواد و هذا علامة لصحة العمل فان خرج ابيض دل علي فساده و عدم تاثير الحرارة و نفوذها في كل ذراته و ذلك دليل عدم النضج و هو دليل الفساد و هذا هو المراد من قوله حمامته فيها تصير غرابا و لهذا مقام آخر اي صيرورة الحمامة غرابا لكنه في آخر العمل كما ياتي الاشارة اليه انش و لذا يقولون ازل ريش الغراب ليكون عقابا.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
و قص جناحيه برفق فانه
اذا قص منه الريش صار عقابا
اقول و جناح الغراب هو الكثافات و السواد و كيفية ذلك انتقسم ما عندك من الماء علي قسمين لان الباقي ثلاثة امثال الثفل فتقسم قسمين و تجعل القسم الاول ثلاثة اقسام به و تخلطه به ثلاثة (ثلاث ظ) مرات و كل مرة تجعله في نار الزبل عشرين يوما ثم تخرجه و تقطره ففي المرة الاولي يميل لونه الي البياض و في المرة الثانية يكون زبرجديا و في المرة الثالثة يكون ازرقا (ازرق ظ) الغالب عليه البياض كلون السماء او يكون ابيضا (ابيض ظ) و المعني في كلتا الحالتين سواء لايختلف و هذا البياض الثاني بعد السواد علامة النقاء الكامل و التصفية البالغة فبازالة السواد يزيل ريش الغراب فح يكون عقابا بالغا كمال الرشد و العلو و السير في الفضاء الوسيع لنيل منتهي المرام و قوله برفق هو الذي اشرت اليك من القاء الماء عليه ثلاث مرات و اجعله في كل مرة في نار الزبل مقدار عشرين يوما فلو انك زيدت الحرارة في اول الامر احترق او نقصتها لمتؤثر و انما جعل مدة البقاء عشرين يوما لان ذلك مدة انتقال النطفة من صرافتها الي العلقة و ان كانت تتم بصرافة العلقة بعد اربعين يوما و هذا هو الجمع بين الاخبار الواردة في هذا الباب و ذكر ما يقتضي الكلام في هذا المقام مما يطول و لسنا بصدده.
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 229 *»
قال سلمه الله تعالي نقلا:
و طيره بعد القص و انصب لصيده
شراكا تسمي في الرموز قبابا
ثم تجعل ما بقي عندك من الماء ستة اقسام و اسق المركب اولا بالقسم الاول و اجعله في حمام مارية ثم اخرجه بعد سبعة ايام و قطره ثم اسقه بالقسم الثاني و اجعله في نار الزبل سبعة ايام ثم اخرجه و قطره بعد انيبرد كما ذكرنا و هكذا تفعل حتي تسقيه اربع مرات و في هذا المقام يظهر النوشادر في قعر الانبيق فيستخرج و يعزل في مكان و يربط راسه ربطا وثيقا و هذا هو الانفحة و هو القاضي لكن له طبخ ياتي بيانه انشاء الله و هذا النوشادر محل ظهوره موضعان اما هذا الموضع كما ذكرنا و اما في الاول عند استخراج المياه الاول في الماء الرقيق فان لميظهر هناك يظهر هنا لامحالة ثم يطبخ و طريق طبخه انتضعه و تخلطه مع الثقل و تجعله اولا علي النار اللينة حرارتها حرارة جناح الطير تمام اليوم بليلة و اليوم الثاني تجعل الحرارة ضعف اليوم الاول فلاتزال تضعف كل يوم اياها بمقدار الي سبعة ايام و في اليوم السابع تشدد النار كنار السبك لحصول القوة البالغة للنضج البالغ ثم اخرجه فانه الخميرة و هي التربة التي يموثها الملك بين نطفة الرجل و المرأة لاجل الانعقاد فلولاها لمينعقد لان نطفة الرجل حارة يابسة و نطفة المرأة باردة يابسة و مع كمال تضادهما ليست بينهما جهة يبوسة ليكون بها الانعقاد فالتراب هو العاقد و هو القاضي و هذه الانفحة هي منزلته في الانسان الصغير منزلة الذر المبثوث في الانسان الكبير فافهم فاذا طبخت النوشادر و حصلت الانفحة فاعمد الي السقي فاسق المركب كل مرة بسدس ما عندك من الماء الرقيق الي انيخلص الماء بعد ست سقيات مع كل سقية تعفين و تقطير ثم عفن و قطر سابعا من غير سقي لاكمال النضج و هذا معني قولهم فاخدمه بست جواري و طف به بيت الحرام اسبوعا و في هذا المقام تم نصف العمل و هذا هو مراده من هذا البيت فان قوله طيره بعد القص فالمراد به التصعيد و التقطير فانه يصعد من تحت القرع الي اعلي الانبيق و هذا هو المراد من الطيران و الشراك المنصوب للصيد هو الانبيق لان الماء يصطاد اصله من
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 230 *»
هناك و هو القبة و لذا قال تسمي في الرموز قبابا و انما قال شراكا للارتباط الحاصل بين اعلي الانبيق و اسفل القرع و صعود تلك الاجزاء اللطيفة و الابخرة الصافية علي صفة الجبال و انما قال قبابا لكون الانبيق قبة علي القرع او لكون تلك الابخرة في السماء و هي قبة علي الارض و انما جمع القبة لكون ظهورها سبع مرات كما فصلنا لك من غير رمز و لا اشارة.
قال سلمه الله تعالي نقلا عنه:
تصد منه طفلا كامل العقل سيدا
و لكنه ان ضيم لايتصابي
اقول هذا الكلام يحتمل وجهين:
احدهما انيكون اشارة الي آخر العمل كما هو عادتهم في التقديم و التاخير مبالغة في المقيمة و الرمز و المعني علي هذا الوجه انه يحصل من تكرر التعفين و التقطير و التكليس الاكسير المطلوب و هو في هذا المقام الاكسير الاحمر سماه طفلا اشارة الي ما قيل في مدح النبي9:
يا صغير السن يا رطب البدن
يا قريب العهد من شرب اللبن
و المراد به نضارته و جدته و طراوته لقربه من الحرارة الغريزية و بعده عن تمكن الاعراض و الغرائب الخارجة له عن ذلك البهاء و النجدة و النضارة و الطراوة فيه و انه قريب العهد من شرب اللبن و هو الفيض الاولي الابتداعي الذي ينزل اليه انا فانا مع عدم تكثره بغرائب التنزل لانه ترقي و صعد الي الرتبة القصوي و لحق آخره باوله و اوله بآخره فلميحل بينه و بين صرافة المدد الاعراض و الغراب اللازمة لمقامات التنزل و كذلك هذا المولود العزيز فانه قد صفي عن الاعراض و الغرائب فالحق بمركزه كما قال اميرالمؤمنين7 فاذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد فهو اقرب الي شرب اللبن و هو الفيض من بحر الصاد و اول المداد من غير فبقي علي نضارته و جدته و طراوته كما يؤول الانسان اليه في الجثة و لما سماه طفلا و المتبادر منه عند العامة التعبير عن الجهل و عدم النضج و الكمال و الاعتدال رفع هذه الواهمة و ابان عن خلاف هذه الارادة بقوله كامل العقل لانه ح ناظر الي اسم الله البديع الذي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 231 *»
يربي العقل فالقاصر نظره الي المبدأ اكمل نورا و اشد بهاء ممن نظر الي غيره ايضا احيانا لانه بلغ اشده و بلغ اربعين سنة مع انه طفل فيكون قد بلغ في العقل اعلي مقاماته و اقصي درجاته ثم وصفه بالسيادة لما قال اميرالمؤمنين7 من انه اخت النبوة هـ ، لان لها الولاية الظاهرة او الباطنة و هي اخت النبوة الحقيقية و ان كانت اي الولاية الباطنة ابا للنبوة الظاهرة و هي اب للولاية الظاهرة او انها اخوه الاكبر و هي الاخت و هما ولدان للسيد الاكبر9 قبل طوافه حول الجلالين او عند طوافه حول جلال القدرة في الوجه الاعلي منه فافهم و لما كان هذا الولد قد تولد من ذلك السيد الاعظم ظاهرا و باطنا و صورة و معني و خلقا و خلقا فكان سيدا جليلا ادعوهم لابائهم او ان الاكسير له ولاية مقيدة في عالم الجماد و هو الاسم الاعظم في هذا العالم و الولاية المقيدة فرع و ولد للولاية المطلقة فكان سيدا لانه تولد من اميرالمؤمنين7 و هو اول هاشمي قد ولده هاشم مرتين.
قوله و لكنه انضيم لايتصابا اشارة الي كيفية القاء الاكسير حتي يظهر آثاره و بهاء ذاته يعني اذا كانت حرارة الذوبان عظيمة كالنحاس الذائب الذي يغلي في الذوبان فلو القي عليه الاكسير لاخترق (لاحترق ظ) و فني لشدة الحرارة التي ترجع الاشياء الي مباديها العالية فابقاؤه علي مثل هذه الحرارة القوية النحاسية هو الضيم و الظلم فاذا ضيم لا يتصابا اي لايصير هذا الطفل صبيا لميبلغ مقام اظهار الآثار و الشؤونات فاذا وجب القاء الاكسير علي مثل تلك الحرارة فلابد انيجعل له وقاية من خلطه بالذهب او الفضة ثم الالقاء علي ما هو المعروف عندهم.
و ثانيهما انيكون المراد بيان العمل علي الترتيب فيكون المراد من الطفل هو المادة اي الماء المتحصل من التقطيرات السبعة و هو المتخلص عن الكدورات و الغرائب سماه طفلا لانه اول مقام التخليص و الدخول في صقع الاكسير فينمو و يكبر شيئا فشيئا الي انيبلغ اشده و يبلغ اربعين سنة و يدعو بالدعاء كما حكي الله سبحانه عنه في سورة الاحقاف و وصفه بكمال العقل الي
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 232 *»
مقاماته المتقدمة او ان هذا الطفل هو الذي عجن عقله بنطفته فكمل عند ولادته لا الذي ياتيه عقله عند ولاته حتي يكمل و يستوفي بعد بلوغه كما ورد عنهم: و وصفه بالسيادة لانه ابن موسي بن عمران7 لكن اباه يتولد منه فيما بعد كما ياتي انشاء الله و الي هذه الدقيقة اشيرت في القران في قوله تعالي و وصينا الانسان بوالديه احسانا و قد روي عن الصادق7 ان الانسان هو رسول الله9 و والداه الحسن و الحسين فهذا الطفل اشارة الي الحسين7 و لذا قال النبي9 حسين مني و انا من حسين فافهم.
و قوله و لكنه انضيم لايتصابا اشارة الي تدبيره برفق فانك اذا كثرت الحرارة يحترق فيموت و ان قللتها لاينمو و علي الحالين لايتصابا او ان هذا الطفل اشارة الي كل واحد من المياه الخمسة التي يستخرج من هذا الماء الطائف بالبيت الحرام اسبوعا و ضيم هو القاؤها علي الثفل المنتن الكثيف الباقي بعد استخراج المياه و هو الارض المقدسة التي فيها قوم جبارين قبل تطهير ذلك الثفل و تلك الارض عن الكثافات و القوم الجبارين و هو معني قولهم ان العرب لاتحمل الصخور و مرادهم بالعرب هذه المياه و الصخور تلك الكثافات او ان هذا الطفل اشارة الي الصبغ الاحمر و هو الماء الاحمر المستخرج بعد المياه كلها و هو موسي بن عمران في مصرهم بعد نجاته من فرعون انه كان عاليا من المسرفين و قبل دخوله الارض المقدسة و تعمير بيت المقدس و للكل وجوه و مناسبات لايسعني الآن بيانها لتشتت الطلب في السفر او ان هذا الطفل اشارة الي الارض المقدسة و كل هذه المعاني تصح علي الحقيقة و بيان وجه صحة الجميع يحتاج الي بسط في المقال و ليس لي الآن هذا الاقبال.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
ثلاث و سبع حمله و فصاله
و ان زدته حولين زاد شبابا
اقول علي المعني الاول للبيت المتقدم فالمراد به التساقي و هو مدة الحمل و المسقي (السقي ظ) و به الفصال و المجموع عشرة فيكون مدة الحمل
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 233 *»
ح تسعة اشهر و الفصال في شهر واحد لان الكامل القوي البنية الناضج الطبيعة لايحتاج الي الرضاعة كثيرا فيستقل بالعمل و الفعل و اظهار الآثار الا ان فعله ح ضعيف لان الواحد يطرح علي العشرة و ان زدته حولين اي مرتين يتكرر السقي زاد شبابا لانه ح يطرح علي المئة و كذا اذا كررت السقي ثالثا يكون الواحد علي الالف و رابعا علي العشرة الآلاف و هكذا و علي المعني الثاني يكون المراد من الثلاثة هي السقيات الثلاثة بمثله اولا كما مر و السبعة و هي طواف الاسبوع و المجموع عشرة و الماء المذكور هو المتحصل من تلك السقيات فيكون مدة الحمل ح تسعة اشهر و الفصال في شهر واحد و المراد من الشهر و السنة في امثال هذه المقامات هو الرتبة فالمرة و قد ذكرنا الوجه في ذلك في سائر مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
فرضعه حتي لايريد لنفسه
سوي لبن العذراء منك شرابا
اقول و هذا البيت مرتبة بحسب المضمون في العمل مؤخر عن البيت الآتي لكنه قدمه حرصا للتعمية و الالغاز كما هو دأبهم و ديدنهم الا انيجعل المراد من الطفل هو الارض المقدسة فح يكون في مقامه فالمراد بلبن العذراء ح هي الفتاة الغربية كما نشرح لك انشاء الله.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
و صيره شيخا في الفطام فانه
اذا شب عن سن الرضاعة شابا
اقول مراده من هذا البيت تفصيل ذلك الماء الكامل و تحليل اجزائه و اهدام بنيته و اظهار برودته و رطوبته كما هو مقتضي سن الشيخوخة و برودته و يبوسته كما هو سن الموت علي الخلاف و ما ذكرنا هو الوجه الجامع فافهم و كيفية هذا التفصيل هو انك بعد ما حصلت الماء المتخلص عن الغرائب و الكدورات بالتساقي الثلاث و التقطيرات السبعة او بالتساقي التسع و التقطيرات العشرة كما ذكرنا فاجعله علي نار لينة جدا حرارتها كحرارة جناح الطير و شد عليه راس الفيل فيقطر ماء ابيض رقيق و هو ماء ذو الوجهين ظاهره فضة و باطنه
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 234 *»
ذهب ثم تضعف الحرارة فيقطر ماء ابيض غليظ و هذا هو زيبقهم و هو هرمس الحكيم و الفتاة الغربية و الماء و القمر و دهن المشتري و مصر و البحر و الفرار و الطيار و لعاب القمر و الشمعة البيضاء و يوشع بن نون و الحمامة و اسم الله الباعث و الباء و طير ميكائيل و اسماؤه كثيرة هذه منها ثم تزيد في الحرارة فيقطر ماء اصفر براق و هو البراق و ارض الزعفران و وادي الذهب و مركب العرب و البقرة الصفراء و الروح و الديك و اسم الله الحي و الهواء و طير اسرافيل و ريح الجنوب و الجيم او الباء و ماء الزهرة ثم تزيد في الحرارة فيقطر ماء احمر قاني و هو لعاب المريخ و الكثيب الاحمر ثم تخلط بين الماءين الاصفر و الاحمر و هو شئ يشبه البرقا و الزرنيخ و الطين و طور سينين و عصا و شجرة الذهب و الطيب و الذهب و النحاس و الحديد و الزنجار و المرقشيشا و ما اشبه ذلك من الاسماء ثم اعزل هذه المياه و اعمد الي الماء الاول الرقيق و ضع شيئا منه علي الثفل الباقي و ضعه علي النار و لو كان مكشوف الراس فيظهر علي وجه الماء الصبغ الاحمر فيعزل و هو مادة الاكسير الاحمر و هو موسي و ابراهيم في اصطلاحهم فاذا اخذت هذه الارواح و النيران و الحراراة الغريزية من ذلك الطفل الكامل العقل يبقي شئ منهدم البنية ضعيف الطبيعة الغالب عليه البرودة مع الرطوبة في مقام و اليبوسة في مقام آخر ثم امتزجت البرودة و اليبوسة فصارت منشأ الكثافات و الفضلات و لذا يبقي الثفل بعد اخذ تلك المياه منه منتنا اسود كثيفا خبيث الرائحة و يعبر عن تلك الكثافات و الفضلات مرة بريش الغراب و مرة بالقوم الجبارين و مرة بالصخور و امثالها من العبارات ثم اعمد لتطهير هذه الارض بارسال الابيض الغربي اليه و تقطيره حتي تكون عنه تلك الاوساخ و الاعراض و الغرائب و يطهر ذلك الثفل و يكون في الصفاء كسحالة الذهب و الفضة و هو قوله في البيت المتقدم:
فرضعه حتي لايريد لنفسه
سوي لبن العذراء منك شرابا
فافهم فيبقي عندك ح سبعة اشياء الاول الماء ذو الوجهين الثاني الماء الابيض الغربي الثالث و الرابع الماء الاصفر و الاحمر المختلط و هو الاحمر الشرقي و
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 235 *»
الخامس الصبغ الاحمر مادة الشمس و السادس الارض المقدسة المطهر عن القوم الجبارين السابع الانفخة و القاضي و النوشادر فالطيار هو الابيض الغربي و الطلق هو الارض المقدسة و الشئ الذي يشبه البرق هو مزج الاحمر و الاصفر و هو قول اميرالمؤمنين7 في الشعر المنسوب اليه:
خذ الطيار و الطلقا
و شئ[1] يشبه البرقا
اذا مزجته سحقا
ملكت الغرب و الشرقا
الي هنا يتم الرابع من النصف الآخر من العمل و الذي ذكرنا من التحليل و التفصيل و التمييز لهذا الماء الواحد الي هذه المياه و الامور الستة هو مراده بقوله اذا شب عن سن الرضاعة شابا و ذلك واضح ظاهر انشاء الله.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
فاذبح اباه و اتخذ دمه له
اذا ابيض منه الاسودان خضابا
اقول هذا الاب هو الطفل الذي مر ذكره و ذبحه هو تقطيره و تفكيك اجزائه و استخراج باطنه و دمه هو المياه المذكورة و الضمير المجرور في اباه يرجع الي الطفل بالمعني الاول اي الاكسير التام البالغ كما ذكرنا و السوادان:
احدهما عند التزويج الاول و تبييضه الي تمام الزوجات.
و ثانيهما في الارض المقدسة اي الثفل المستخرج منه المياه فيبقي اسود منتنا كما ذكرنا و تبييضه بالابيض الغربي و الخضاب اشارة الي الصبغ الابيض و الاحمر و هذا البيت اشارة الي الربع الآخر من النصف الآخر و به تمام العمل و ظهور القمر في فلك الجوزهر و الشمس في شرفها وتد السماء حين كان الطبايع السرطان بامر مستقر و بيان هذا السر المكتوم و الرمز المختوم هو انك اذا اردت الصبغ الابيض اي اكسير الفضة بعد ان ذهبت جميع الاعراض و الغرائب و السوادين و سائر الموانع فخذ جزءا من الخميرة و هو القاضي و جزءا من الشرقي و جزءين من الغربي و هو الماء الابيض الغليظ و حل الجميع و اعقده
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 236 *»
فالحل بالتعفين و العقد باشتداد النار حتي يجف ثم خذ الماءين الابيض الغربي و الماء الشرقي علي الوصف المذكور و جزءا من الانفخة و ضعه علي الارض و حل الجميع و اعقده علي الرسم ثم خذ مرة ثالثة كالاول و حل الجميع و اعقده فقد تم الاكسير الابيض فيفعل في الرصاصين و النحاسين واحدة علي الف فيجعلها فضة خالصة علي الروباص و يفعل في الزيبق فيجعله مثله اكسيرا تاما يفعل في غير الذهب من سائر الفلزات و يفعل في الفضة اذا القيته عليها و يجعلها مثله بل اشد تاصلا و هذه الستة هي التي يفعل بها بلا واسطة و يفعل في الاحجار فيؤثر في كل حجر ابيض كاللؤلؤ و الالماس و اذا اردت تركيب الاحمر فخذ اكسير البياض جزءا و من الماء الاول الذي باطنه احمر و ظاهره ابيض جزءا و من الصبغ الاحمر جزءين بعكس ما قلنا في البياض و من الماء الشرقي جزءا و حل الجميع و اعقده كما مر و افعل ذلك ست مرات كما فعلت في الاول ثلاث مرات و اليه اشار الشذوري في القافية و ذلك معني قولهم ان واحدا سيغلب تسعا من بنات البطارق فاذا تمت السقيات طلعت الشمس من مغربها و يتم اكسير الحمرة واحدة علي الف من القمر و يكون ذهبا خالصا علي الروباص و ان القيته علي الزيبق كان اكسيرا و كذلك ان القيته علي الذهب و لايوثر بلاواسطة الا في الزيبق و الفضة و سائر الفلزات المنطرقة كالنحاسين و الرصاصين يوثر فيهما بواسطة اكسير البياض فيجعلها ذهبا و لو اردنا بيان الوجه في ذلك لطال بنا الكلام و لست بصدده.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
و لا باس ان حانت هناك وفاته
فان له بعد الممات ايابا
اقول هذا البيت معناه مقدم آخره لما ذكرنا مرارا و المراد بعد ان صير شيخا و جذبت منه الارواح التي هي المياه مات و موته ظهور ذلك الثفل المنتن الكثيف الخبيث و الذي هو بمنزلة الكثافة البشرية في الجسد الاول و الموت عبارة عن تفكيك الاجزاء كما في الانسان الكبير و الصغير و الوسيط علي طبقهما فافهم، قوله فان له بعد الممات ايابا اشارة الي تطهيره و ازالة اوساخة
«* جواهر الحكم جلد 2 صفحه 237 *»
بالماء الابيض الغربي ثم تعلق تلك المياه الستة التي هي بازاء المراتب الستة الايام خلق فيها السموات و الارض بتلك الارض و هي الجسد الجديد فيعود بعد الموت تاما كاملا فلايطرأ عليه الموت ابدا و كيفية اذهاب الاوساخ و العوارض و تعلق تلك المياه قد مرت آنفا فراجع تفهم.
قال سلمه الله تعالي نقلا:
ستفتح فيه الروح من بعد موته
و يبعث حيا حين صار ترابا
و نفخ الروح هو ما ذكرنا من تعلق المياه بذلك الثفل و تركيبه معه و ظهور الاكسير الاحمر بعد ما كان ترابا غاسقا مظلما منتنا سبحان من يحيي العظام و هي رميم و الي احياء هذه الاموات اشار ابراهيم7 حين سأل ربه رب ارني كيف تحيي الموتي قال اولم تؤمن قال بلي و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير الآية، و الطيور هي الحمامة و هي الابيض الغربي و الديك و هو الاصفر الشرقي و الطاووس و هو الاحمر الشرقي و الغراب و هو الارض المقدسة قوله تعالي فصرهن اليك اي اخلطهن و امزجهن كما ذكرنا من كيفية الخلط و المزج قوله تعالي ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءا و الجبال عشرة و كل جبل اشارة الي تساقي من التساقي التسع و المسقي ثم ادعهن ياتينك سعيا و هو تمام الاكسير و ظهور تلك الطبايع بآثارها و اعمالها و شؤونات اطوارها و اعلم اني شرحت لك كيفية العمل و لماكتم و لماترك الا مايحتاج الي المشافهة و التوفيق و العمل و النية و للتردد مدخل و الله الموفق للصواب و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و الحمد لله رب العالمين قد فرغ من تسويدها منشؤها بعد الزوال يوم الاحد الرابع و العشرين من شهر شوال المكرم في قرية ماران من قري همدان في سنة 1239 حامدا مصليا مسلما مستغفرا.