02-03مکارم الابرار المجلد الثانی ـ رسالة السلسلة الطولية ـ مقابله

رسالة السلسلة الطولية

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم حاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله‌مقامه

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 227 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

رساله‌ي سلسله‌ي طوليه از عالم رباني و حكيم صمداني مولاي كرماني

الحمد لله الاحد الصمد الذي لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يكن له كفوا احد الذي لا من شئ كان و لا من شئ كون ما قد كان فلا كيف لفعله كما لا كيف له و لايسأل عما يفعل و هم يسألون و الصلوة علي بديع فطرته و اول خليقته الكائن بكينونته و الناشئ علي صفته الذي لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و علي آله الذين فطرهم الله من نوره و ذرأهم علي ارادته فهم ذرية بعضها من بعض و علي رهطه الذين كونهم من ظله و صورهم علي هيئته و صفته و لعنة الله علي اعدائهم الذين خلقهم من الظلمة و صبغهم في النقمة ابد الآبدين و دهر الداهرين.

اما بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد وصل الي كتاب من صاحب الفطرة السليمة و السليقة المستقيمة العليم الفهيم المهتدي الملا مهدي بن الملا علي‌اصغر سلمه الله و ابقاه و من كل مكروه وقاه في السؤال عن مسألة عويصة لم‌يسطر رسمها في كتاب و لم‌يجر ذكرها في خطاب و ليس له فيها علي وجه الارض الظاهر جواب و لو ضرب آباط الابل دهرا و سار في طلبه عمرا و قد ورد علي و انا مشغول في تصنيف اجوبة المسائل الواردة فسوفت في جوابه مدة لعلي اجيبه بفراغة البال علي ما هو في الخيال فرأيت ان الفراغ من المسائل الواردة غير ميسور لانها تردني تتري و اداء حق الكل لازم بقدر الميسور فعزمت علي جوابه في عرض اشتغالي بساير الاجوبة ايضا و لكني اعتذر اليه من بسط المقال علي ما في البال و اقتصر فيه بالاجمال و لعله اوفي لايضاح الحال لان بالاجمال يمكن ذكر كثير من المقدمات و المبادي و بالتفصيل يفوت الوقت قبل ان تتم مقدمة واحدة و اذكر اولا صورة كتابه فقرة فقرة لاعلق عليها جوابها و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 228 *»

قال سلمه الله: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين اما بعد جعلت فداك و رزقني لقاك فاني كنت في اول امري و ريعان عمري تلمذت في خدمة العلماء الشيخية عن مطالبهم العلية شكر الله مساعيهم الجميلة حتي قرأت اكثر كتبهم و رسائلهم و تأملت في احتجاجاتهم و دلائلهم.

اقول يا اخي وفقك الله لمرضاته ان علوم الشيخ الاوحد اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه ليست في كتبه و ليست كتبه مشحونة باصطلاحاته الا رمزا و انما هو و اصحابه المقتدون اثره العالمون برطنه كتبوا كتبهم لتفهيم الناس الجهلة و ردع اصحاب الخناس الضالة عن الطريق فتكلموا بلغة القوم حقا كانت او باطلة مرضية كانت او مسخوطة فزعم المنقطعون اليهم المعرضون عن غيرهم ان هذه لغتهم و علمهم و اصطلاحهم و حاشاهم عن ذلك حاشاهم فمن اصطلاحات كتبهم اصطلاح الحكماء و اصطلاح الفلاسفة و اصطلاح الصوفية و اصطلاح الاصولية و اصطلاح اهل الحروف و الجفر و الرمل و غير ذلك و انهم لما ارادوا اظهار الحق لهم و تطبيق كل العالم علي مرادهم لفقوا هذه الاصطلاحات من العلوم ليعرفوا الناس مطابقة ما في ايديهم بجميع ما في العالم و ليس ذلك باصطلاح لهم يخصهم و ان زعم الغافلون عن ساير العلوم ان هذه اصطلاحات علم الشيخ و لغته و سبكه في علمه و حاشاه ان يصطلح في نفسه و عند من يعرف رطنه غير ما جري به الكتاب و السنة و كذلك قد رسم في كتبه من قشور علمه و ظواهره ما يمكنهم الاصغاء علي حذو قول الشاعر:

فعبرت عن قصدي بليلي و تارة بهند فما ليلي عنيت و لا هندا

و هو اعلي الله مقامه و السيد الاستاد اجل الله شأنه من بعده يناديان علي انفسهم بهذا الشعر في اكثر كتبهم و لقد سمعت من الاستاد اجل الله شأنه مرة انه قال اني مااتكلم بدليل الحكمة ابدا و انما اتكلم بالمجادلة و قليل من الموعظة فسألته عن دليل الحكمة فاخبرني بطريقه و قال مرة اخري ان هذا الذي تسمعون مني ليس باصطلاحي فسألته عن اصطلاحه في علومه قال انت تعلم و ماكنت اعلم ذلك

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 229 *»

اليوم و علمت بعده ببركات وجوده من غير مخاطبة و الحمد لله بالجملة اني اخبرك اتماما للحجة و ايضاحا للمحجة ان هذه الكتب جارية بقشور علومهم و بغير اصطلاحاتهم و من لم‌يتصب مع الصبيان فليس بحكيم و هم اتوا بعلم جديد لقوم جهال غافلين و اضطروا الي ان يداروهم و يخبروهم بقشوره و ظواهره ثم يكشفوا لهم شيئا بعد شئ و يبرزوا لهم بواطنه امرا بعد امر علي نظم الحكمة الاعتدالية التدبيرية و هذا هو طريق كل نبي و وصي و حكيم جاء قبلهم فاذا ابرزوا شيئا من الخوافي لهم تأويل في ما ابرزوه اول لاينافي ذلك الخافي بوجه كما روي في اخبار عديدة انا نتكلم بالكلمة و نريد منها سبعين وجها لنا من كلها المخرج و كما قال الصادق عليه السلام في رسالته الي زرارة لايضيقن صدرك من الذي امرك ابي عليه السلام و امرتك به و اتاك ابوبصير بخلاف الذي امرناك به فلا والله ماامرناك و لاامرناه الا بامر وسعنا و وسعكم الاخذ به و لكل ذلك عندنا تصاريف و معان توافق الحق و لو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم فردوا الينا الامر و سلموا لنا و اصبروا لاحكامنا و ارضوا بها و الذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه و هو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها ليأمن فسادها و خوف عدوها في آثار ما يأذن الله و يأتيها بالامن من مأمنه و الفرج من عنده عليكم بالتسليم و الرد الينا و انتظار امرنا و امركم و فرجنا و فرجكم فلو قد قام قائمنا و تكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن و شرايع الدين و الاحكام و الفرايض كما انزله الله علي محمد صلي الله عليه و آله لانكر اهل البصاير منكم ذلك اليوم انكارا شديدا الخبر ، و هو شريف طويل تدبر فيه و اعلم ان الانبياء و الاوصياء و الحكماء يجيبون السائلين علي لغاتهم و علي حسب افهامهم فلما وقع في يد من هو اعلي من السائل الاول جمد عليه و زعمه غاية الحق في المسألة فاذا اجابه عالم بخلاف ذلك ظاهرا و اوله الي كلامه سخطه ذلك السامع و زعمه قد خالف الطريقة و خاب عن نيل الحقيقة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 230 *»

الم‌تسمع المشايخ يذكرون كثيرا هذه الابيات: ٭اني لاكتم من علمي جواهره٭ الابيات، ألم‌تسمعهم كثيرا يروون حديث اميرالمؤمنين عليه السلام ليس كل ما يعلم يقدر العالم ان يفسره لان من العلم ما يحتمل و منه ما لايحتمل و من الناس من يحتمل و من الناس من لايحتمل و حديث الصادق عليه السلام ما كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله انتهي ، و لعمري ان المشايخ قد نادوا علي انفسهم ان ما نقول قشور العلم و ان له تحت القشور لبابا و لكن الغافلين اعينهم منه في عمي و آذانهم منه في صمم و قد اقتدوا بسيدهم الصادق عليه السلام حيث سئل عن اختلاف اقواله فقال انا نجيب بالزيادة و النقصان ، فهم ايضا يجيبون بالزيادة و النقصان و لكل ذلك تصاريف و معان توافق الحق عند اهله و قد قال ابوالحسن عليه السلام اختلاف اصحابي لكم رحمة و قال اذا كان ذلك جمعتكم علي امر واحد و قال الصادق عليه السلام انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتنصرف علي وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء و لايكذب ، ذكرت ما ذكرت لك لتعلم ان لباب علم الشيخ ليست في ظواهر كتبه و ليس كتبه علي اصطلاحه و قد روي انا معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم ، و هم قد تصبوا مع الصبيان فلو كبروا لخاطبوهم بغير هذا الخطاب و القوا اليهم بعد القشور لباب الصواب و عرفوهم عدم مخالفة القشور مع اللباب و لكنه لايوقف عليه الا بتنبيه منبه من اولي الالباب و ذكرت ما ذكرت لتعلم ان الجامدين علي القشور المقتصرين علي ظواهر كلامهم ليسوا عن مر الحق بمراح و لا مغدي و لذلك لايريهم البصير يقدرون علي اتمام كلمة واحدة من العلم و لايقدرون علي جمع كلامين مختلفين من كلامهم كل ذلك لاجل انهم لا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون سنة الله التي قد خلت من قبل و لن‌تجد لسنة الله تبديلا و كأني بناظر في كلامي هذا يظن ان فلانا فتح هذا الباب ليقول ما

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 231 *»

يشاء و يصرف كلام المشايخ اليه و يخالفهم فيما يريد.

فهب اني اقول الصبح ليل أ يعمي الناظرون عن الضياء

و كيف يحتمل ذلك و ما نوه باسمهم غيري و لا نشر حقهم سواي و لا عرفهم الناس دوني و لا حفظ ذكرهم عداي و مااحيي امرهم خلاي ان افتريته فعلي اجرامي و انا برئ مما تجرمون و علي ما يظنون انقطع الدنيا و انتهي الصعود و لا علم بعد الذي في ايديهم و لا حكمة الا ما يعرفون و لايعرفون والله كلمة واحدة بحقيقتها نعم تعلموا بعض الكلمات الناقصة الميتة التي لا ارواح لها فاذا سألتهم عن مسألة يسردون سردا كلمات علمية لا معاني لها ابدا و لايعرفون ما يقولون و لايعرف من قيل له هكذا ابدا جهالا و ارجو الله سبحانه ان يثبتهم بالقول الثابت و يجمع كلمتهم علي امر واحد حفظا لاسم المشايخ و رسمهم انه قريب مجيب و ما علينا الا الشفقة و النصح لاخواننا فمن اهتدي فلنفسه و من عمي فعليها و السلام.

قال سلمه الله فرأيت ان تحقق اكثر مطالب الجناب الشيخ اعلي الله درجته و رزقنا شفاعته موقوف باثبات السلسلة الطولية بالادلة العقلية و النقلية فاردت فهم هذه المسألة بالبراهين كما قرره الشارع المبين في تحصيل دقايق علوم الدين فسألت عن كل من ادعي فهم هذه المطالب فرأيت ان اكثرهم عنها بجانب فبقيت حيرانا في فكرتي و مأيوسا عن ارتفاع شبهتي بعد اللتيا و اللتي.

اقول نعم ان هذه المسألة من امهات مسائلنا و يتفرع عليه في الدين مسائل كثيرة بل هي باب يفتح منه الف باب و اني ايضا في ايام تلمذي علي جناب الاستاد اجل الله شأنه و انار برهانه تنبهت بهذا المقام و رأيت ان الفرق الكلي بيننا و بين غيرنا في التدين بهذه المسألة و ان من سبقنا من العلماء كأنه لم‌يشذ عنهم شاذ قد ذهب الي ان ما سوي الله سبحانه من حقيقة واحدة و انما الاختلاف بين افراده في الصورة حتي ان الشيخ اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه بنفسه قال في الفائدة الرابعة‌عشر من ملحقات فوائده المشهورة ما هذا لفظه :

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 232 *»

اعلم ان وجود الممكن ذهب فيه اكثر الحكماء و العلماء من اهل الملل و اهل النحل الي ان هذه الموجودات المتكثرة المتعددة المختلفة كلها من طينة واحدة و انما اختلف باختلاف معيناته و تغايرها و تكثر بتكثر مراتبه من جهة القرب الي المبدأ و البعد عنه كما تكثرت مراتب نور السراج الواحد من جهة قربه من السراج و بعده فاقربها نورا و حرارة ما كان اقرب الي السراج و اضعفها نورا و حرارة ما كان ابعد منه و ما بينهما بالنسبة فانه تعالي خلق الوجود لا غير و هو اول ما خلق الله عزوجل و هو الماء المذكور في القرآن و الاحاديث فخلق من صفوته نور محمد صلي الله عليه و آله و اهل بيته عليهم السلام ثم خلق من صفوة الباقي انوار المؤمنين من الانس ثم المؤمنين من الجن ثم الملائكة ثم الحيوانات ثم النباتات ثم المعادن ثم الجمادات و اما الكفار و الجن الكفار و الشياطين و المسوخ و النبات المر و الارض السبخة فمن عكوسات اولئك الانوار و اظلتهم و لهم علي وحدة طينة هؤلاء المتكثرين ظواهر الاخبار الي ان قال حتي انه لايكاد يوجد قائل بخلاف هذا الي ان قال و هذا غلط باطل و زبد مجتث زايل الي آخر كلامه اعلي الله مقامه، فرأيت ان هذه المسألة من المهمات التي لايجوز التغافل عنها هذا و يترتب عليها كثير من المسائل في الفضائل و المعارف و السلوك و العمل و غيرها فاهتممت بتحقيق هذه المسألة فسألته اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه ان يكتب في تحقيق هذه المسألة العظيمة رسالة مشحونة بذكر الادلة من الكتاب و السنة و الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة و الامثال و الححت عليه في السؤال فلم‌يكتب لي و وعدني انه سوف يكتب فراجعته في ذلك مرة بعد اخري و كرة بعد اولي ما دمت في العراق ثم بعد ما رددت الي العجم كنت اراسله الكتب و استنجزه الجواب و كان يعدني بانجاز عدتي و اسعاف طلبتي و كأنه لم‌ير لي و لاهل الزمان استعدادا في فهم هذا المطلب او كان غرضه التعليم الباطني دون الظاهري خوفا من غير المستحقين بالجملة لم‌يجبني في هذه المسألة الي ان قدم علي ربه زيد في اكرامه و كنت كثير التفكر في هذه المسألة حتي فتح الله لي فيها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 233 *»

ابوابا يفتح منها ابواب فانت مع طلبك العلم عن غير اهله لحري بان لاتنال الجواب و لاتفوز بالصواب و ان جميع اخواننا عن فهم هذه المسألة كما قلت بجانب و عن فهمها لخائب لايعرفون منه قليلا و لا كثيرا الا سرد اسماء الرتب واحدة بعد واحدة فاني كان يمكن لك الفوز بالجواب و لم‌تطرق الباب و دونها الف حجاب و انت تعلم ان هذه المسألة ايضا ليست بمذكورة في كتب الشيخ و لا في كتب السيد اعلي الله مقامهما مبرهنة مفصلة و كأنه لم‌يوفق احد بسؤالهما عنها او سألوا و لم‌يجابوا كما مااجابني السيد الاستاد اعلي الله مقامه و انما المذكور في كتبهما محض ادعاء ان ترتب هؤلاء بالطول و هناك سلسلة عرضية اخري و تشاهد ايضا في بعضها اختلافا في الظاهر بل اختلافا بين الاستادين اعلي الله مقامهما في الظاهر ايضا كما ستطلع عليه ان شاء الله و لايقدر علي رفع الخلاف من بينهما الا من شاء الله فترقب.

قال سلمه الله الي ان وصل الي عن جنابكم الشريف بعض الرسائل في اجوبة المسائل فطالعتها بنظر الاعتبار و تأملت في معانيها عن طريق الاستبصار فرأيت مطالبها صفوة بلا غبار و مبينا من دون استتار فظننت بل علمت بحول الله و قوته ان يكون عندكم دواء علتي و بيان لرفع شبهتي و ارجو من الله سبحانه ان اكون لتحصيل مسائل الدين طالبا و ان لااكون في هذا السؤال خائبا.

اقول يا اخي انا و ان لم‌اكن قابلا لما ظننت و لكن الله عند ظن عبده ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا احسن الظن و لو بحجر يجعل الله مطلوبك فيه فارجو من الله سبحانه ان يلقي في روعي جواب مسألتك لما روي انه ما من عبد احبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل عن مسألة الا و نفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة ، و ارجو ان اكون من محبي محبيهم و موالي مواليهم و يشرق علي روعي ظل ما يشرق في روع اوليائهم و ان ربي قريب مجيب فلعله ببركات حسن ظنك يجعل الله مطلوبك في قلبي و يجريه علي قلمي و افوز انا ايضا مع الفائزين و الا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 234 *»

فانا بنفسي محروم عن كل خير اسير في ايدي الشهوات مبتل بالعادات محروم عن نيل ما في ملكوت الارضين و السماوات: فلا كل من حاز الجمال بيوسف ، و لا كل من ادعي العلم بعالم نعم عندنا حفنة من وقر و باقة من بيدر و فوق كل ذي علم عليم فروي من لم‌يكن في كلامه لاادري فهو مجنون.

قال ادام الله توفيقه فاقول و بالله المستعان يا مولاي المأمول من جنابكم ان تبينوا لنا اولا بان هذه المسألة العويصة هل هي من مسائل اصول الدين ام لا.

اقول لا شك و لا ريب ان في الدين اصولا و فروعا و هو مما اجمع العلماء من الملل و المذاهب عليه و اهل كل ملة قالوا في دينهم باصول و فروع فاصول كل مذهب ما به يمتاز عن غيره في عقايد اهله و لها كليات و جزئيات فلدين الاسلام اصلان كليان اولهما الاقرار بالله سبحانه و به يمتاز المسلمون عن الدهرية و المعطلة و منه التوحيد الذي به يمتازون عن المشركين بالله سبحانه و ثانيهما الاعتراف بمحمد صلي الله عليه و آله و به يمتازون عن اهل ساير الملل و اما المعاد الذي به يمتازون عن منكريه فهو من فروع النبوة فان من صدق النبي صلي الله عليه و آله يصدقه في كل ما يقول و منه المعاد فاهل الاسلام قاطبة مشتركون في هاتين الكليتين و يخص الشيعة بالاقرار بالامام المنصوص عليه و يخص الاثناعشرية زيادة علي ما سبق بالاقرار بالائمة الطاهرين الاثني‌عشر صلوات الله عليهم اجمعين و اما العدل فجميع عدلية الاسلام مشتركون في الاقرار به و يمتازون به عن الذين يقولون بالجبر فليس من خواص الشيعة الاثني‌عشرية و يشاركهم المعتزلة في ذلك و هو في الحقيقة من جزئيات الاقرار بالله سبحانه كالتوحيد فانه ايضا من جزئيات الاقرار بالله سبحانه فانهما صفتان من الصفات و هذه كليات الامر حتي انها شاعت و ذاعت بين كل من دخل المذهب عن بصيرة و لهذه الكليات جزئيات في الحقيقة كلها من الاصول و بها يمتاز كل قوم عن غيره و في ذلك تفرق فرق الاسلام الي ثلث و سبعين فرقة و تلك الجزئيات من اصول تلك المذاهب الا انها ليست من الكليات و الحق مع واحدة من تلك الفرق فان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 235 *»

اثنتين و سبعين فرقة منها في النار و واحدة في الجنة و لو لم‌يكن لتلك الجزئيات مدخلية في النجاة لكان ساير الفرق ايضا في الجنة علي حسب اعتقاد المسلمين و من البين عدم اعتراف كل فرقة بنجاة غيرهم فكون الجزئيات ايضا من اسباب النجاة مجملا فمما اجمع المسلمون عليه فاذا هي ايضا من الاصول الا انها ليست من الكليات و ذلك غير ضاير في كونها من الاصول بقي هنا شئ و هو ان الجزئيات علي قسمين ضرورية و نظرية فما كان منها ضرورية يجب علي من انتحل تلك الكليات الاقرار و الديانة بها و يحرم عليه التخلف عنها فان من اعترف بها ناج باعتقادهم و من جحدها هالك فانه يؤدي الي انكار الكليات و ما كان منها نظرية فان استبد به برأيه و هواه فان اصاب لم‌يوجر و ان اخطأ هلك لما روي عن النبي صلي الله عليه و آله ستفترق امتي علي ثلث و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و الباقون هالكون و الناجون الذين يتمسكون بولايتكم و يقتبسون من علمكم و لايعملون برأيهم فاولئك ما عليهم من سبيل و عن الصادق عليه السلام القضاة اربعة ثلثة في النار و واحد في الجنة رجل قضي بجور و هو يعلم فهو في النار و رجل قضي بالجور و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بالحق و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بالحق و هو يعلم فهو في الجنة انتهي ، و سئل عن قول الله عزوجل و من اضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله قال يعني من اتخذ رأيه دينا و روي ادني الشرك ان يبتدع الرجل رأيا فيحب عليه و يبغض و روي ادني الشرك ان تقول للنواة حصاة و تدين الله به ، الي غير ذلك من الاخبار المتواترة التي رويناها في فصل‌الخطاب و ان لم‌يستبد فيها برأيه و نظره و راجع الكتاب و السنة و اخطأ الحق فان ذلك لايكفره كما روي فانه اراد تصديق الكليات الا انه لم‌يظفر بالحق لقصر نظره فلاجل ذلك لم‌يكفر علماؤنا المحققون الصالحون غيرهم ممن اخطأ في جزئيات الاصول النظرية و هم راجعون الي الاخبار مستنبطون منها.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 236 *»

بالجملة جزئيات الاصول الكلية من الاصول و ليست من الفروع المعروفة و هذه المسألة المسئول عنها من اصول المذهب بل الدين باعتبار بلا شك الا انها من الجزئيات النظرية و لابد فيها من النظر لانها من جزئيات معرفة الله سبحانه في افعاله و صنعه و من جزئيات معرفة النبي صلي الله عليه و آله و رتبته في الخلق و فضيلته و انواره و صفة تجلياته و من جزئيات معرفة الائمة عليهم السلام و الانبياء سلام الله عليهم و كيفية ظهوراتهم و تجلياتهم و انوارهم و ليست هذه المسألة بنفسها من ضروريات الدين و ان كانت تنتهي عند العارف الي الضروريات فان شأن كل دليل ان ينتهي الي الضروريات اذ ليس ترتيب المقدمات الضروريات بحيث تنتج مسألة من الضروريات فافهم .

قال سلمه الله و علي الاول هل تثبت بدليل العقل خاصة ام تحتاج بدليل النقل ايضا .

اقول ليس من شروط اصول الدين و المذهب ان تثبت جميعها بدليل العقل و ليس من شروط النجاة اثبات كلها بدليل العقل المحض بل اللازم اثبات محض وجود صانع بدليل العقل المحض الخالي عن النقل اولا ثم اثبات لزوم وجود نبي حاكم علي الخلق مبعوث من لدن الصانع مصدق من الله سبحانه فاذا اثبت هذين الاصلين بدليل العقل المحض يعرف الشخص الخاص بتصديق الله سبحانه اياه و تقريره له بعدم اظهار امر منه يخالف النبوة و هذا اعظم ادلة اثبات كل حق كما حققناه في ساير كتبنا و رسائلنا و مباحثاتنا و يشهد بذلك استدلال كل نبي به علي حقيته و القرآن مشحون بهذا الاستدلال لكل نبي و يعرف تصديق الله سبحانه للشخص الخاص بالمشاهدة و بالاخبار المتواترة الموجبة للقطع بتصديق الله سبحانه اياها ايضا فاذا عرف الشخص الخاص يصدقه في كل ما قال في حق الله سبحانه و صفاته و اسمائه و افعاله و في مراضيه و مساخطه من الاحكام و الحلال و الحرام و في اخباره عما سيأتي من احوال الرجعة و يوم القيام و في تعيينه بعده الامام ثم يصدق الامام في كل ما اخبر به مما ذكر سواء اخبر به النبي السابق او

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 237 *»

لم‌يخبر و سواء وافق النبي السابق في اخباره ظاهرا ام خالف فانه بنفسه مصدق عن السابق و يعرف اخبارهما علي اليقين بالسماع و بالاخبار المتواترة المورثة للقطع و بالاخبار المحفوفة بالقراين القطعية و باخبار الثقات المأمور بالاخذ بها فان اخبار الثقات يوجب القطع العادي و الا فليسوا بثقات اذ لاتثق باخبارهم النفس و كل هذه الانواع مصدق من الله سبحانه و يحصل العلم بها بتصديق الله سبحانه اذ لايغري بالباطل و قد امر بالاخذ بها فلو علم بطلانها لاظهر امرا يوجب العدول عنها فافهم و ما سوي ذلك لايصح صدوره عنهم و لايجوز التمسك به شرعا كما شرحناه في ساير كتبنا و مباحثاتنا سواء حصل بها الظن ام لم‌يحصل فاذا حصل العلم العادي باخبارهما وجب الاخذ بها و بضميمة تصديق الله سبحانه يصير العلم عقليا قطعيا فيصير دليلا عقليا و ان كان مأخوذا من النقل فان الدليل العقلي اما يؤلف مقدماته من الآيات الآفاقية و الانفسية او مما يستنبط منها و اما تؤلف من الآيات التدوينية و لا فرق بينهما و لايقدر عقل علي تأليف دليل ما لم‌يحصل مقدماته من محسوساته و لا فرق بين المحسوس بالعين و المحسوس بالاذن و العقل عقلان عقل مطبوع و عقل مسموع و لاينفع مطبوع اذا لم‌يك مسموع، بالحكمة يستخرج غور العقل و بالعقل يستخرج غور الحكمة فالحواس تدرك بالعقل لان امدادها منه و العقل يستكمل بالحواس لان احساسه المحسوسات بالحواس قال الله سبحانه سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال اولم‌ينظروا في ملكوت السماوات و الارض و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده يؤمنون و قال افرأيتم النشأة الاولي فلولاتذكرون و قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية الخبر ، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان العقل لايقدر علي الاستدلال علي الغيب الا بمايدركه في الشهادة و المدركات الشهادية مرئي و مسموع و مذوق و مشموم و ملموس فالاخبار الصحيحة الصدور عن اناس هم قطعيوا الحقية و قطعيوا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 238 *»

الصدق احدي الآيات التي يستدل بها العقل علي عالم الغيب كالآيات الآفاقية و الانفسية و لما كان الآيات الآفاقية و الانفسية محكمة ظاهرة الدلالة علي الغيوب الكلية يمكن التمسك بها فيها و اما الجزئيات فيشتبه دلالتها عليها و ليس شأن كل عقل الاستنباط منها البتة فيستعان في الاستدلال بها بالآيات التدوينية السمعية فانها اصرح دلالة فاذا احس العقل هذه الآيات التكوينية و التدوينية تيقن بالامر فلا دليل الا الدليل العقلي و الشرع عقل منطوق كما ان العالم عقل مشهود فنحن لانعرف فرقا بين الدليل العقلي و النقلي ابدا اللهم الا ان يقول قائل ان النقلي ظني و نحن لانقول به و لانعرف حجة في الظنيات في جميع امور الديانات سواء كانت اصولية او فروعية نعم فيهما فرق اصطلاحي لبعض طبقات الناس حيث لايعرفون حقيقة مسموع و سره و يصدقون به من محض جهة السماع عن الصادق و ربما يعرفون حقيقة بعض الاشياء من جهة الآيات التكوينية و الاستدلال بها فيسمون الاول عقليا و الثاني نقليا و هو محض اصطلاح فان الانسان اذا انحط عن درجة الكشف و الرؤية يكون مداره بالاستدلال و للاستدلال اسباب منها الآيات التكوينية و منها الآيات التدوينية و كلتاهما تحتاجان الي نظر العقل و لايحصل اليقين بمسموع الا بالعقل كما لايحصل اليقين بمشهود الا من جهة العقل فلابد من العقل في كل من المسموع و المشهود و كلا السببين غير العقل بلاتفاوت و كلا السببين ظهور العقل بلاتفاوت فلافرق حقيقة بين الدليل العقلي و الدليل النقلي الا بحسب الاصطلاح فهذه المسألة و جميع المسائل تحتاج الي العقل و استدلاله و كل مسألة لها مستنبط في الآفاق و الانفس و الكتاب و السنة و الحكيم يستنبط كل مسألة منها جميعا و لايحصل اليقين الخالص الكامل الا بها جميعا و الجاهل الذي لم‌يقرأ حروف الكتاب التكويني لايقدر علي الاستدلال بها علي الاشياء الجزئية و يحتاج الي التنبيه بالقول و السمع فهذه المسألة تثبت بدليل الآفاق و الانفس و بدليل الكتاب و السنة معا و ان من شئ الا و فيه كتاب او سنة و قال سبحانه و لقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل و قال تبيانا لكل شئ الا ان من المسائل يوجد في

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 239 *»

ظاهره و منها يوجد في تأويله و منها في باطنه و هكذا ظاهر ظاهره و باطن تأويله و تأويل باطنه و باطن باطنه و لو كان كل مسألة في ظاهر القرآن لعرف جميع العلم كل من عرف العربية الظاهرة و فهم الفاظ القرآن و لما لم‌يعرف الناس معني كون كل شئ في القرآن شكوا في ذلك او نسبوا من لم‌يستدل بالظاهر الي عدم الاطلاع علي علم الكتاب و متي خلج في قلبك شئ تفكر في معني كل شئ في باء بسم الله حتي تطمئن .

قال وفقه الله و علي الثاني هل يكتفي في ثبوتها بالآحاد كالفروع بناء علي حجيتها فيها ام لا بد لها من التواتر و اليقينيات لان اصول الدين لا بد فيها من الاطمينان و اليقين و لايجوز امثال هذه الاصول بالاستحسان و التخمين.

اقول اعلم انا قد اسلفنا هنا مجملا و في ساير كتبنا و مباحثاتنا مفصلا انه لا فرق في الحجية و افادة العلم بين اخبار الآحاد و المتواتر الا في تأكد العلم و اليقين فان لليقين درجات و اما محض حصول العلم فيكون باخبار الآحاد كما يكون بالمتواترات و ذلك انا لانعمل بالآحاد الا اذا كانت محفوفة بالقرائن القطعية او مأخوذة عن ثقة تثق النفس باخباره و هما مصدقتان بتصديق الله سبحانه مقررتان بتقريره فاذا كانتا كذلك فهما ايضا كالمتواتر في افادة العلم العادي و حصول اليقين العقلي بالنتيجة فيجوز الاستدلال بهما ايضا في العقايد و الاصول و ليس كلما ليس بمتواتر استحسانا نعوذ بالله و تخمينا بل يكون ما اخذ من اخبار آل‌محمد الصحيحة عليهم السلام علما قطعيا اذا ضم اليها دليل التقرير الذي هو بصر كل ضرير و لاينبؤك مثل خبير و نحن قد كتبنا في هذا الدليل رسالة منفردة و شرحناه في ساير كتبنا و مباحثاتنا مفصلا و لا اقبال لي الآن ان ابسط القول فيه هذا و لم‌يقع السؤال عنه و لو زدتم في السؤال حرفا واحدا فيه لزدنا في الجواب فتمسك بالآثار المعصومية المقررة في جميع امور عقايدك و افعالك مطمئن القلب ثلج الفؤاد .

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 240 *»

قال ايده الله ثم انا اذا لاحظنا الاخبار و الآيات نجد فيها نصوصا و اشارات بعلية الحقيقة المحمدية صلوات الله عليها لساير المخلوقات و ان كانت في الظاهر معارضة لظواهر بعض الآيات كالآية المباركة الشريفة قل انما انا بشر مثلكم و وجه التعارض هو ان التماثل الاتحاد في النوع كما قال سيدنا العلامة اعلي الله مقامه و هو مناف للعلية و المعلولية و لكن لايكاد يوجد لنا دليل في آية و لا في خبر بعلية حقايق الانبياء عليهم السلام للانسان و علية الانسان للجن و علية الجن للملك و هكذا الي آخر سلسلة الطول و اذ لم‌نثبت هذا الاصل بالادلة المقررة في الشرع كيف يجوز ابتناء القواعد عليها و ان كنا ان شاء الله معتقدين بحقية هذه المسألة اقتضاء للفطرة و اقتداء لما قاله الجناب الشيخ و الجناب السيد رضوان الله عليهما و لكن في مقام الفهم و الاطمينان لا بد للانسان من الدليل و البرهان فالالتماس من جنابكم ان تبينوا لنا في هذه المسألة بيانا وافيا و توضيحا كافيا شافيا فنرجو ان شاء الله ان لاتردوني خائبا من بابكم و ان لاتجبهوني ممنوعا عن جنابكم ادام الله ايام افاضتكم و اوصلني بحضرة خدمتكم.

اقول هذه آخر كتابه الي و هذه المسألة من عمدة المسائل و معظمها و لم‌يكشف الي الآن لثامها و لم‌يفض حتي الحين ختامها و لم‌يسألني عنها الي الآن احد فحري ان ابسط القول فيه عسي ان ينفعني الله سبحانه و ساير اخواننا المؤمنين بها فاعزم و لا قوة الا بالله علي بسط القول فيه بقدر الميسور و علي الله التكلان في الامور فيحتاج القول فيه الي رسم ابواب :

الباب الاول في تحقيق معني التأثير و الفرق بينه و بين التكميل و قد خفي ذلك علي جل من منتحلي الحكمة و ما لم‌يحقق ذلك لايمكن الخوض في هذه المسألة و ما يشاركها في طريق الاثبات ففي هذا الباب فصول :

فصل في معني التأثير و هو معني خفي علي الكثيرين و قد اتفق لي في ايام

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 241 *»

تحصيلي العلم في الحضرة الحسينية علي مشرفها السلام ان قد اجتمعت ليلا مع احد من ابناء العلم الذي كان يدعي يدا طويلة في الحكمة علي طريقة الاشراقيين و كان رئيسا في ذلك الفن فسألته عن هذه المسألة و اوردت السؤال في طلب كيفية صدور نور السراج عن السراج فقال هو شعاعه قلت مقصودي فهم معني الشعاع و كيفية صدوره عنه قال هو ظله قلت هذا لفظ آخر مجهول و منه مسألتي قال هو فيضه فقلت له ما قلت اول قال هو ظهوره فقلت له ما قلت اول فكرر علي امثال هذه الالفاظ التي معناها واحد و لم‌يقدر الي آخر مكالمتنا علي اتيان معني لبيان الكيفية و لازال يكرر علي امثال هذه الالفاظ و لااذكر الآن ترتيب الفاظه المكررة الا اني اذكر انه كرر علي امثال هذه الالفاظ و لم‌يكن جناب السيد الاستاد انار الله برهانه تلك الليلة حاضرا فحضر اجل الله شأنه في ليلة اخري فقصصت عليه القصة ثم سألته عنه فقال بلا كيف فقلت له انتم علمتمونا التوحيد و لا كيف له فعلمونا هذه المسألة ايضا ببسط و بيان حتي نقف عليها فلم‌يزدني علي ذلك لحكمة رآها فلابد لنا الآن ان نذكر في هذه المسألة ما رزقنا الله منها فاقول ان الاثر في اللغة بقية الشئ و اثر فيه تأثيرا اي ترك فيه اثرا و الآثار الاعلام فبهذا المعني يقال لكل بقية عن شئ يدل عليه الاثر و من هذا الباب يكون ما يبقي في التراب من هيئة القدم اثرها و الكتابة اثر الكاتب و البناء اثر البناء و الحرقة اثر النار و هكذا و لايفرقون في اللغة بين التأثير و التكميل و اما في الحكمة فلابد من الفرق بين اقسامه فاصطلحنا علي بعضها التأثير و علي بعضها التكميل فنقول الشيئان اما ان يشتركا في نوع المادة و يختلفا في الشخصية و اما ان يختلفا في نوع المادة ايضا فلم‌يخلق احدهما من نوع مادة الآخر فما يحدث ما خلق من مادة عليا في ما خلق من مادة سفلي هو التأثير و هذا الاثر له مادة و صورة من غير نوع المادة العليا التي هي مادة المؤثر و من غير نوع صورتها و اذا كانا من نوع مادة واحدة فما يتركه احدهما في الآخر هو التكميل و سيأتي ان شاء الله شرحه فتبين ان بين القسمين فرقا عظيما ليسا من نوع واحد و الكلام في هذا الفصل علي معني التأثير و لاتكاد تعرف ذلك الا ببيان معني المطلق و الكلي و معني الجنس

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 242 *»

و النوع و الشخص و المادة و الصورة فنبسط هذه المعاني هيهنا في الجملة فان التفصيل التام فيها يحتاج الي رسالة مستقلة و قد بسطنا القول فيها في مباحثاتنا و حفظه المستحفظون منا فاقول المطلق و نريد به هنا المجرد عن القيود حتي الاطلاق لا المقيد به هو الذي لم‌يخصص و لم‌يقيد في كينونته بقيد من القيود و حد من الحدود نفيا و اثباتا فليس بمقيد بمكان جزئي و لا زمان و لا كم و لا كيف و لا جهة و لا رتبة و لا وضع و لا اجل و لا كتاب من الحدود الجزئية و الكلية و لا بنفيهما فلاجل عدم تقيده بتلك القيود الجزئية و الكلية يكون مستعليا عليها فهو في كل مكان و كل زمان و كل كم و كل كيف و كل جهة و رتبة و وضع و اجل و كتاب و كل مكان وجودي من الجزئيات و الكليات كما تري من حال الجسم المطلق و الاجسام المشهودة فهو حين كونه في الارض يكون في السماء و حين كونه محدودا بحد يكون محدودا بخلافه و لايمنعه كونه في حد عن كونه في حد آخر و ليس كونه فيها بالتناوب بل بالجمع و الافراد فهو فيها كالاحد في الاعداد يصدق علي كلها الاحد بالجمع و الافراد فلاجل ذلك تقول العرش جسم و الكرسي جسم و الافلاك جسم و العناصر جسم و المواليد جسم و كانت قبل ذلك باعوام جسم و الآن جسم و في ما سيأتي جسم و هي جسم سواء كانت متحركة او ساكنة و في اي كم كانت و في اي كيف كانت و في اي وضع كانت و هكذا هي جسم علي كل حال و مع ذلك الجسم غير العرش فلو كان عين العرش بجزئيته لم‌يك ليصدق علي الكرسي كما لايصدق عليه العرش و كذا هو غير الكرسي و غير الافلاك و العناصر و المواليد و الا لم‌يك ليصدق علي كل جزئي جزئي كما لايصدق جزئي علي جزئي فهذا هو المطلق في اصطلاحنا علي طريق الاجمال و هو غير الكلي عندنا ألاتري انه لايصدق علي العرش انه جسم كلي و يصدق عليه انه جسم بقول مطلق و ان قلت كما لايصدق عليه انه جسم كلي كذلك لايصدق عليه انه جسم مطلق قلت مرادي بالمطلق اظهار عدم قيد لا كونه قيدا و ذلك ان المعري عن النفي و الاثبات لاينافي النفي و الاثبات و لكن النفي ينافي الاثبات و الاثبات

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 243 *»

ينافي النفي و الجسم بقول مطلق لاينافي الاطلاق الذي هو النفي و التقييد الذي هو الاثبات و اما الاطلاق فينافي التقييد و الكل نفي الجزء مطلق عن قيده و هما معا ظهوران للمعري عنها الذي نعبر عنه في التشريع بالحق فالعرش جسم بقول مطلق و ليس بجسم كلي و لا مطلق فالكلي غير المطلق بداهة و الكلي هو جسم مقيد بالكلية و الكل مجموع الافراد فالجسم المقيد بالمجموعية هو الجسم الكلي و قول المنطقيين مختلط في ذلك فانهم يعرفون الكلي بعدم امتناع فرض صدقه علي كثيرين و هو يقع علي المطلق الذي هو كما عرفت غير الكلي ثم يعدون من اقسامه الجنس و النوع و يقولون ان النوع حصة من الجنس مع صورة فصلية و الشخص حصة من النوع مع صورة شخصية و التي تتحصص ليست باحدية و لاينبغي ان تصدق علي كل فرد بكلها كما ان الموج حصة من البحر مع صورة خاصة و لايصدق عليه البحر لان البحر تجزي و جزء منه في الموج الخاص نعم يصدق عليه انه جزء من البحر و كذا يصدق علي البحر انه مجمع الامواج فالبحر المتحصص هو الكلي و هو مجمع الافراد و هو غير الماء و هو ظهور من ظهورات الماء كما ان الموج ظهور منها و لذا يصدق علي البحر انه ماء و علي الموج انه ماء ففرق ثبتك الله بينهما و الماء هو المطلق المعري عن قيد الكلية و الجزئية و النفي و الاثبات و الكلية قيد كما ان الجزئية قيد و الكلي ظهور من المطلق كما ان الجزئي ظهور منه و الجزئي ليس بحصة من المطلق و الا لماصدق عليه تمامه فالانسان الصادق علي كل شخص هو المطلق لا الكلي و من شاء ان يسمي مراتب المطلقات بالجنس و النوع سماها لكن لايقولن ان الداني حصة من العالي مع قيد نعم زيد حصة من مجموع الاناسي و مجموع الافراد و هو واحد من الالف‌الف و ليس كل الاعداد عين الاحد الاتري ان الاثنين احد و ليس الاثنان بكل الاعداد و لكنه بعض من الاعداد و مادته حصة من المادة الكلية المتحصصة في الاعداد و في ما ذكرنا كفاية و بلاغ و عبرة لمن يعتبر و اما المادة و الصورة فهما متضايفتان كالزوج و الزوجة و الاب و الابن فكما ان الاب ليس باب ما لم‌يكن له ابن و الزوجة ليست بزوجة ما لم‌يكن لها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 244 *»

زوج كذلك المادة ليست بمادة ما لم‌يكن لها صورة و الصورة ليست بصورة ما لم‌يكن لها مادة فتلك المادة قبل التلبس بالصورة طبيعة صالحة لان تلبس صورة زيد و تصير مادة زيد و لان تلبس صورة عمرو و تصير مادة عمرو و قبل التلبس ليست بمادة لاحد و عند التلبس تصير مادة فمادة الموج الشخصية مادة له في صورته و قبل التلبس ليست حصة معينة و ليست بمادة و انما هي حصة من البحر بتحصص ابهامي و انما تتحصص بالتحصص التعيني في صورة الموج فتكون مادة ذلك الموج فلايشترك موج و موج في المادة الشخصية ابدا و انما يشتركان في صدق الحقيقة الاطلاقية التي فوقهما و هو الماء اي كلاهما ظهوران من الماء و لايشتركان في المادة و لا في الحصة الابهامية من البحر فان الحصة التي تلبست بصورة موج معين غير الحصة التي تلبست بصورة اخري و لو قبل التلبس فكل شيئين كانا ظهورين لمطلق لايمكن ان يكون احدهما موجد الآخر بمادته و صورته فان مادة الآخر ليست بظهور له و انما هي ظهور المطلق المهيمن كما ان ذلك الآخر ظهوره فليس العرش بموجد للكرسي بمادته و صورته فان الكرسي ظهور الجسم كما ان العرش ظهوره و الاثر لابد و ان يكون ظهور المؤثر بمادته و صورته فافهم ما اذكره لك و اتقنه حتي لاتتيه فيما بعد و اما اذا كان شيئان احدهما ظهور الآخر بمادته و صورته يعني ان مادة الآخر باحداث الآخر و ايجاده فهو اثره و حينئذ لايشتركان في اطلاق ملاصق قريب ظاهر فيهما باول ظهور فكل مقيد اثر المطلق بفعله و ظهوره و لايجوز ان يكون ظهور مقيد في صقعه.

فصل اعلم ان كل اثر قائم بمؤثره مستغن بمؤثره عن غيره لانه اوجده بمادته و صورته لا من شئ و جعله هو اياه تاما فيما به هو هو مستمسك بمؤثره فليس لغيره ان يفنيه او يغيره عما هو عليه ما لم‌يشأ مؤثره افناءه و تغييره كما ان نور السراج قائم بالسراج فلايقدر غير ذلك السراج ان يحركه و لا ان يفنيه و لا ان يجعله اضعف و لا اقوي فان النور قائم بالمنير مستمسك به باق بابقائه و مؤثره ماسك اياه بظله الذي افاضه و هو دائم الافاضة له نعم للمؤثر ان يفني اثره و ان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 245 *»

يغيره كيف شاء و ما تري من ان شيئا يغير شيئا و يبطله و هو في عرضه كما تري ان النار مثلا تجفف الماء و تبخره و الماء يطفي النار و يبطلها و غير ذلك من التغييرات الحادثة في العالم فاعلم ان المؤثر العالي عليهما هو المغير الا انه يغير ظهورا بظهور فيغلب احدهما و يجعل الآخر مغلوبا به و يحرك احدهما و يسكن الآخر و هما يدان له يجعل احديهما فاعلا و الاخري منفعلا كما انك تجر احدي يديك بالاخري فان لم‌تفعل احدي اليدين جارة و الاخري مجرورة و تغلب احديهما علي الاخري لم‌تقدر يد علي جر يد فانهما عضوان قائمان بك و بك يفعل الفاعل و ينفعل المنفعل و يجر الجار و ينجر المنجر فقد حكم المؤثر في آثاره ان لايجري فعل احدها في الآخر الا بقبوله و باذنه الفعل من الفاعل و القبول من القابل فهو الفاعل باحدي يديه و القابل باخري و هنا مقام هذه الكلمة لا ما ذكره فيه القاشاني قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا و الله خلقكم و ما تعملون و الانفعال عمل و ما من شئ في الارض و لا في السماء الا بسبعة الخبر، و ما في الارض انفعالات و ما في السماء افعال ما قطعتم من لينة او تركتموها قائمة علي اصولها فباذن الله فليس شئ من الآثار مؤثرا في صاحبه و الكل اثر للمؤثر العالي الا ان بعض الآثار آلة له في اجراء فعله في بعض اخر و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع الآية ، و ابي الله ان يجري الاشياء الا باسبابها فافهم و تدبر فيما اذكره جدا جدا .

فصل كل شيئين يدركان بمشعر واحد بكيفية واحدة فلايعقل ان يكون احدهما مؤثرا و الآخر اثرا فانه ما لم‌يكن المشعر مصاقعا لما يدركه لايدركه كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها ، فان كان المشعر من جنس الاثر و من صقعه فلايشعر بالمؤثر ابدا فان شيئا لايتجاوز ما وراء مبدئه اذ ليس له ذكر فوق مبدئه فاذ لا ذكر له فوق مبدئه لايقدر ان يشعر ما ليس له ذكر مصاقع معه و ان كان المشعر من جنس المؤثر و لا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 246 *»

تعدد هناك و المؤثر احدي فهو هو فلايعقل ان يشعر الاثر بنحو ما يشعر به المؤثر نعم يدركه بالاحاطة و الاحداث و شعوره للمؤثر بالاتحاد لعدم التعدد في المؤثر و لايعقل توارد مؤثرين ممتازين علي اثر واحد مشاكل لصفة مؤثره فكل شيئين ادركا بمشعر واحد بكيفية واحدة لايمكن ان يكون احدهما مؤثرا و الآخر اثرا و كذلك كل شيئين تصاقعا في صقع واحد و حواهما مكان واحد نوعي و زمان واحد و كم واحد و كيف واحد و جهة واحدة و رتبة واحدة نوعية فانهما حينئذ ظهوران لمؤثر واحد و شأنان من شئون فعل مؤثر واحد و ان كان احدهما الطف و اقوي و الآخر اكثف و اضعف و ان جري باحدهما في الآخر تصريفات و تغييرات .
فصل كل شئ يبقي بعد فناء شئ ليس باثره فان الاثر قائم بمؤثره باق بابقائه و الابقاء فعل الموجود الثابت فما بقي بعد فناء الآخر فليس باثره كصعود الحجر بعد موت الرامي و بقاء الاثر في التراب بعد موت الماشي و بقاء الخط بعد موت الكاتب و بقاء الصداء بعد موت المتكلم و بقاء الحرارة في البيت بعد انطفاء النار و امثال ذلك فهذه و اشباهها مما يمثل به الحكماء للاثر و المؤثر احيانا فلتفهيم المبتدي و يحسبها الجاهل مطابقة من كل جهة فيبقي في ذهنه انها آثار حقيقة ثم يفرع عليها فروعا و يخطي و انما اراد بذلك الحكماء محض المشابهة لهيئة فعل الفاعل فان الكتابة علي هيئة حركة اليد مثلا و يمثلون بذلك لمشابهة هيئة الاثر لهيئة فعل المؤثر حسب و لايريدون غير ذلك كيف و يد الكاتب جسم كما ان الكتابة جسم و هما مصاقعان مدركان بمشعر واحد بالانطباع علي نهج واحد و لم‌يوجد اليد المداد الذي هو مادة الالف و لا صورتها فان الكاتب يموت و اليد تسكن و تتحرك بحركات اخر و الالف باقية علي ما كتبت لاتزول فاذا سمعت هذه الامثال فاعلم انها امثال لجهة خاصة يريدون بها محض تقريب الاذهان و انما ذلك كله من باب التكميل كما يأتي ان شاء الله و اثر زيد نفس حركته الباقية ببقائه الفانية بفنائه او سكونه و الكتابة الظاهرة دليل علي حركة اليد و مثال لها كما يأتيك ان شاء الله.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 247 *»

فصل اعلم ان للمؤثر في آثاره فعلين فعل تكوين و فعل تصريف و تغيير و نسمي الثاني بالتشريع يعني ان المؤثر يوجد الآثار اكوانها اول بتجليه و ظهوره كما يأتي بلا سبب و لا علة فان السبب و العلة من آثاره ثم بعد تكوينها يتصرف في بعض ببعض فيحرك شيئا بشئ و يسكن شيئا بشئ و يغير شيئا بشئ و يصعد شيئا بشئ و ينزل شيئا بشئ و هكذا فما جري من افعاله في آثاره بآثاره هي التشريعية و ما جري من افعاله في آثاره بغير آلة هي التكوينية مثلا ان الله سبحانه عمر العالم بسماواته و ارضه ثم ادار السماوات و القي شعلات نجومها علي الارض فقلب بها العناصر و حرك و سكن و قلب و حل و عقد و مزج و ركب و اولد ما شاء كيف شاء فتعمير العالم بتكوينه بلا آلة و ساير افعاله الجارية في البعض بالبعض باسباب كما تشاهد فتكوينه للاشياء تأثير و احداث لا من شئ و لا بشئ و لا لشئ و لا علي شئ و تصريفاته و تغييراته للاكوان كلها بشئ و لشئ و من شئ و علي شئ ألاتسمع ان الله سبحانه يقول الله خلق كل دابة من ماء و يقول خلق الانسان من عجل اي من طين و خلق من الماء بشرا و من الماء كل شئ حي و قال مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون مع انك تقرأ انه سبحانه لا من شئ كان و لا من شئ كون ما كان فتبين ان لله سبحانه خلقين خلقا لا من شئ و هو التكوين و خلقا من شئ و هو التشريع و هذا هو الذي يقول فيه كل يوم هو في شأن فروي فيها في احداث بديع لم‌يكن و روي ان يغفر ذنبا و يفرج كربا و يرفع قوما و يضع آخرين و الا فانت تعلم انه جف القلم بما هو كائن و انما هو في التكوين و اما في التشريع فكل يوم هو في شأن يغير و يبدل و يمحو و يثبت كيف يشاء بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و مرادنا بالتكوين نسبة الاثر الي المؤثر فقد كون الكل و لا تغير بالنسبة اليه و مرادنا بالتشريع نسبة البعض الي البعض فهو الذي يتجدد فيه امور في كل يوم و يظهر له سبحانه فيه شأن بعد شأن فافهم فانه دقيق دقيق فكل فعل في التشريع بعال مستقر في دان ثابت فهو بالفعل و الانفعال من المنفعل الذي كان قبل الفعل مع الفاعل و كل فعل في التكوين بنفس

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 248 *»

المكون بالفتح و بفعل و انفعال من منفعل لم‌يكن قبل الفعل و بينهما فرق واضح جلي فالافعال التكوينية تأثير و احداث لا من شئ و الافعال التشريعية تكميل و احداث من شئ فتدبر في اشارات ما ذكرناه تغتنم ان شاء الله فانك لاتجد هذه التحقيقات في كتاب و لاتسمعها من خطاب.

فصل و اذ قد تبين لك مقام التأثير فاعلم ان الفعل عن الذات ليس بحركة منها بعد سكون و لا بنطق بعد سكوت و لا بعلة سابقة و لا لغاية لاحقة و لا من مادة متقدمة و لا علي صورة مستقرة و لا باجالة ضمير و لا بفكر و تدبير ليس بينهما فصل بمكان ممهد و لا بوقت ممتد و لم‌يكن منه بفعل سابق و لا بانفعال لاحق اذ جميع ذلك غير الذات البحت البات و كلما هو غير الذات اثرها فجميع ذلك اثرها و النظر في جملة الاثر بالنسبة الي المؤثر فلا كيف له كما لا كيف له لايسأل عما يفعل و هم يسألون فاحدثه بنفسه و امسكه بظله به اخترعه لا من شئ و به ابتدعه لا علي احتذاء شئ لم‌يترقب لاحداثه وقتا و لم‌يرتد لايجاده مكانا فاذا هو ازلي ابدي في حده و مقامه و لا حد و لا مقام و ليس بينه و بين ذات المؤثر نسبة و لا ارتباط و لا علاقة و لا اوساط بل هو ظل مستقر و نور مستطير من مليك مقتدر و هو كمال قديم ازلي و ظل قويم ابدي و وصف دائم و نور قائم لم‌ينته الي مؤثره و لم‌ينته مؤثره اليه اذ المؤثر احد و الاثر هو وصف الاحدية و لم‌يكن المؤثر منتهيا اليه بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث فهو اذ ذاك مؤثر احدي لا ذكر لغيره معه فلا غير ابدا و الاثر اذ ذاك اثر و ليس بمؤثر ابدا فان رأيت الذات فلا شئ الا الذات البحت البات و ان رأيت الصفات فلا شئ فيها الا الصفات و ليس فوق هذا البيان الا الكشف و التصريح و قد منعنا عن التوضيح الا بالتلويح فليس فوق هذا البيان الا العيان ،

فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا و ان لم‌يكن فهم فيأخذه عنا

و قد بسطنا القول في ذلك في الجملة في بعض كتبنا كالفوايد و الفطرة السليمة و غيرهما و ان شئت ازيد من ذلك فاطلبها و هذا المختصر لايسع اكثر من ذلك

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 249 *»

لاسيما و فرعون علا في الارض و جعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم و ان وفق الله لللقاء عساك ان تسمع منا شفاها ما تصل به الي مرادك ان شاء الله فالاثر هو كمال الكامل و لم‌يكن المؤثر الا و هو كامل لانه احد غير محدود فلاينتهي الي كينونته و لا امكان الاثر و لا الي كونه و لا الي عينه و لا الي ذاته و لا الي صفته و لا الي عكوساته و اشباحه نافذ باحديته في جميع امكنة وجودية اثره طاو بوحدانيته لجميع كينونته و حالاته نفوذا و طيا لا نهاية لهما و لا غاية علي معني امتناع الاثر معه و امتناعه مع الاثر و هو معه اينما كان معية لا نهاية لها و هي ذلك الطي المشار اليه فليس بكل خلقه و لا كل خلقه اياه لامتناع احدهما في الآخر و ليس بحال في اثره و لا اثره حالا فيه و ليس بمتحد مع اثره و لا اثره متحدا معه اذ جميع ذلك يقتضي ذكر احدهما في الآخر و ماعرف الاحد من ذكر معه حدا نعوذ بالله فماعرف الله من قرنه و لا حقيقته اصاب من ذكر معه غيره لا بمعني انه يكون معه غيره و لاينبغي النظر اليه نعوذ بالله بل بمعني امتناع الغير معه ذهنا و خارجا فلنقبض العنان فللحيطان آذان و هذا هو معني الاثر و صفة التأثير ففي الحقيقة بالنسبة الي الذات لا اثر و لا تأثير و انما هو محض تعبير و الاسم صفة و الصفة رسم و حد و ليس لصفته حد محدود و لا نعت موجود و لا اجل ممدود اسماؤه تعبير و صفاته تفهيم و لا بيان عما لا كيف له الا بالتنزيه و انما الاثر حقيقة يقع علي ما يحدثه الذات بفعلها بالنسبة الي فعلها فهي مؤثرة بفعلها و ينتهي الاثر الي فعلها و يشابه هيئته كما يأتي فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم و من تجاوز ما قلناه ثلم في توحيده ثلمة لايسدها شئ و وقع في التشبيه و حرم التنزيه و كمال توحيده نفي الصفات عنه .

فصل و اما التكميل فهو يكون بين شيئين ثابتين كونا مشتركين في مطلق ظاهر بهما و هما يدا ذلك المطلق يحرك احديهما و يسكن الاخري يجعل احديهما فاعلة و الاخري منفعلة و الصفة الحادثة من امكانات المنفعلة كانت فيها بالقوة و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 250 *»

هي في الفاعلة بالفعل فاذا اقترنتا تقوي المنفعلة و خرجت ما في قوتها الي الفعلية فالتأثير كما بينا ايجاد ما لم‌يكن و التكميل هو ابراز ما قد كمن و قد بسطنا القول في ذلك في كتابنا مرآت‌الحكمة في الفلسفة و هو كتاب لم‌اسبق بمثله فالمكمل هو الذي يكون الكمال المطلوب فيه بالفعل خارجا عن القوة الي الفعلية و المتكمل هو الذي يكون الكمال المطلوب فيه بالامكان و الصلوح و بالقوة فالمكمل يطرح نور كماله عليه و يقوي ضعف تلك القوة بالمشاكلة حتي تخرج الي الفعلية فاذا خرجت الي الفعلية علي نهج الكمال استقلت و تبقي مستقلة بنفسها سواء دام المكمل ام فني كالنار التي هي كاملة في الحرارة و اليبوسة و هما فيها بالفعل كاملتان و الحديد مركب من النار و اخواتها الا ان الحرارة و اليبوسة فيه ضعيفتان خفيتان صالحتان للظهور الي الفعلية فاذا قارنته النار قوتهما و اخرجتهما الي الفعلية فلما خرجتا كاملتين استقل بهما فبقي محميا [1]احمر سواء دامت النار او انطفت كالسراج المشتعل المضيئ بعد السراج المشتعل به لما قد تكمل بفضل ضياء السراج الاول و منه الخط المكتوب بالنسبة الي الكاتب فان المداد كان صالحا للتطور باطوار الحروف و كانت فيه بالقوة و لما صار ذلك الطور في اليد بالفعل قوت ما في المداد من الصلوح و اخرجته الي الوضوح و منه اثر الاقدام في التراب و البناء في الطين و امثال ذلك من تكميلات العلويات للسفليات و احداث المتولدات فلولا كمال الفاعل لم‌يفعل و لولا صلوح المنفعل لم‌ينفعل فكان الاثر الحادث بفاعل و قابل و ذلك سر الاختيار الربوبي في آثاره لتنذر من كان حيا انما انت منذر من يخشيها فافهم فهذا هو نحو التكميل علي نهج الاقتصار و و الاختصار .

فصل ان للتكميل مرتبتين بل ثلثا فان المكمل اما ان يبلغ تكميله في المتكمل الي ان يقوي نفس باعث الكمال الذي في المتكمل فيخرجه من القوة الي الفعلية كاملا بالذات او لايبلغ ذلك فيشفيه علي الخروج و يجعله بحيث يقاوم

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 251 *»

المانع في الجملة او لايشفيه علي الخروج و انما يقع ظل الكامل علي المتكمل فيظهر عليه كماله بالعرض فالاول مثل تكميل السراج دهنا آخر حتي يخرج ما فيه من النارية بالقوة الي الفعلية الكاملة فيجعله سراجا منيرا كاملا فهذا القسم تبقي الصفة فيه و لو فني المكمل فان باعث النور هو النار و قد خرجت الي الفعلية و الثاني مثل الجسم المتسخن بالنار فان النار التي كانت فيه قد اشفت علي الخروج و لماتخرج فيبقي الجسم بعد فناء النار زمانا ساخنا ثم يبرد و الثالث تحريك اليد للمفتاح فان الحركة من النار و النار كامنة في المفتاح و لماتشف علي الخروج و انما تحرك بفضل حركة اليد فلاتبقي حركة فيه بعد رفع اليد عنه و حركته ليست من مقتضي ذاته و غلبة حرارته و ان كان فيه صلوحها بل هي فيه بالعرض كتثقب الماء بالاصبع ما دام الاصبع فيه فاذا رفع الواضع يده التئم و هذا القسم اشبه شئ بالتأثير و اولي شئ بالتمثيل له فان الاثر لا بقاء له بعد فناء المؤثر او رفع يده عنه و مع ذلك هو من اقسام التكميل لان المفتاح ليس من خلقة اليد و قد كان معها مخلوقا من جنس مادتها و قد كان صالحا للحركة و لاجل ذلك الصلوح قبل الحركة و ليس تحركه اثر اليد[2] الاتري ان اليد تسكن و المفتاح المرمي يتحرك غاية الامر ان مبدأ حركته و منتهاها في نوع السابق متساوقان .

فصل غاية الاشكال في معرفة السراج و نوره المستطير المنبث في الفضا فقد اشكلت علي كثير من الحكماء و المحصلين و نحن نشرحه هيهنا و لا قوة الا بالله فان هنا موضع شرحه فاعلم ان الدهن مولود من المواليد من العناصر السفلية فيه اجزاء ستة فكأنه مركب من جزئين من الحرارة النارية و جزئين من الرطوبة و جزء من اليبوسة و جزء من البرودة و قلنا كأنه لاختلاف حالات الادهان في الغلظة و الرقة و الحرارة و البرودة فلما كان فيه الرطوبة غالبة سال و لما كان فيه الحرارة غالبة تعلق به النار للمجانسة فلو قلت حرارته لماتعلق به النار كما يشاهد في سيالات لاتحترق فعملت حرارته في رطوبته و يبوسته فحلت اليبوسة في

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 252 *»

الرطوبة و عقدت الرطوبة في اليبوسة حتي صارت لزجة فصار دهنا فلما قرب منه النار الخارجية بواسطة الحجب الموضوعة لها من فحم او غيره و كانت كاملة في الحرارة انتشرت عنها الحرارة اليابسة و داخلت حرارتها الدهن و قوت بالمجانسة الحرارة الكامنة في الدهن المستورة بحجب البرودة و اليبوسة المستورة تحت حجاب الرطوبة بالمشاكلة كيفا فتقوتا حتي خرجتا من القوة الي الفعلية و ضعفت البرودة و الرطوبة اللتين فيه بالمضادة فادخلتهما من الفعلية الي القوة فاظهرت عليه الحرارة و اليبوسة و اخفت فيه البرودة و الرطوبة فلا جرم تفرق اجزاؤه و اسود لغلبة اليبس فصار دخانا مكلسا و ادامت النار الخارجية التقوية للحرارة و اليبوسة و التضعيف للبرودة و الرطوبة حتي اظهرت النارية الكامنة فيه و لما كانت ناريته من جنس ارضيته في الجسمانية تفاعلتا فعملت الارضية في النارية فغلظتها و كثفتها حتي جعلتها نارا حائلة و عملت النارية في الارضية حتي جعلتها ارضا سائلة صاعدة لطيفة فحدثت بين ذلك نار غليظة مرئية لها مادة من النارية و صورة من الارضية فظهرت علي هيئة تلك الارضية من الصفاء و الكدورة و اللون فلاجل ذلك تكون الشعلات علي حسب اختلاف الادهان فبعضها اشد صفاء لصفاء دهنه و بعضها اكدر لكدورة دهنه و بعضها اشد بياضا و بعضها اقل و بعضها اصفر و بعضها احمر و بعضها اخضر و هكذا علي حسب اختلاف الوان الادهان و كلما كان الدهن اشد صفاء يكون النار المرئية اي الشعلة اشد بريقا و كلما كان اكثر كدورة تكون اشد كدورة و من ذلك عدم شدة بريق الحديدة المحماة و الجمرة فان الحديدة و الفحم فيهما بمنزلة الدهن في الشعلة و انما الفرق في الصفاء و الكدورة و لما كان ذلك الدخان المكلس في بدء التكليس باقية الرطوبة تكون الشعلة متصلة الاجزاء الاتري انك اذا ادخلت شيئا في الشعلة تدهن و في منتهي التكليس في عرض الشعلة تفني الدهانة و الرطوبة فتتفرق اجزاء الدهن عند غاية رأس الشعلة فتفني الشعلة و يصعد الدخان المكلس المتفرق الاجزاء توتجا و لذلك اذا احميت التوتج صارت كالفحمة المحمية و ليس فيها بريق و اتصال اجزاء

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 253 *»

فتبين ان للدخان الصاعد عن الدهن بعد رطوبة رابطة بين الاجزاء الجاعلة اياها كالمرآة و لما كان تلك الرطوبة في مبدء تكون الدخان و هي فويق الدهن كثيرة لاتكون الشعلة كثيرة الضوء و تميل الي الخضرة لسواد الدخان و الصفرة الحاصلة من حمرة النار و بياض الرطوبة فيظهر عليها لون اخضر فاذا صعد شويئا قلت الرطوبة قليلا (ايضاً (غلط‌نامه مجموعه21)) و ظهر لون البياض لوجود الرطوبة و ضوء النار فاذا صعد شويئا قلت الرطوبة ايضا و مازجتها حمرة النار فظهرت صفراء فاذا صعد شويئا قلت الرطوبة اكثر و غلب حمرة النار عليها فظهرت حمراء و هو سبب حمرة الجمرة و الحديدة المحماة فاذا صعد عن ذلك المقام فنيت الرطوبة فتفرقت الاجزاء و ضربها برد الهواء فانطفئت النار و ظهرت الارضية سوداء فحصلت التوتج و تميز هذه الالوان يقل في الادهان اللطيفة التي ادخنتها لطيفة و يكثر في الادهان التي هي كثيفة و ادخنتها كثيفة و تكون الشعلة علي هيئة المخروط لكثرة الدخان عند اول التكون و كثافته و قلته كلما يصعد و لطافته و صارت تصعد لوجود النار الصاعدة الغالبة و يكون عمود المخروط اغلظ و ابين و احجب لما وراءه لغلبة الدخان هناك و يكون اطرافه ارق و اقل حجبا لما وراءه لممازجة الدخان مع الهواء و رقته في اطراف الشعلة و تكون في الليل اشد ظهورا و حجبا لما وراءها لظهورها بسبب الضوء و خفاء ورائها بسبب الظلمة و تكون في النهار اقل ظهورا و حجبا لما وراءها لوجود نور الشمس الغالب في الفضاء فكذلك تتكون الشعلة و تظهر و ضوؤها و بيانها هو لون الدخان المتبرق بصفاء النار فهو حقيقة الضوء في كل ضيئ و لما كان ذلك الدخان المحمي المشتعل من جنس الهواء لانه جسم كالدخان و هو ممازج للدخان صار يعمل فيه كما يعمل في الدهن الذي يليه فيسخن الهواء المجاور له المتصل بالمخالط له كما كان يسخن الدهن و كذلك يسخن ذلك الهواء الهواء المجاور له و هكذا فلو كان بدل الهواء دخان مشاكل لاشتعل حتي يصير هواء البيت شعلة واحدة فلما كان الهواء غير ماسك لحرارته و لطيفا صار يسخن بالتكميل و كلما كان اقرب من السراج يكون اشد سخونة و كلما يبعد يكون اقل سخونة فسخونة الهواء تكميلية ألاتري انك اذا اذهبت الشعلة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 254 *»

بقيت السخونة في الهواء زمانا و لاتذهب مع الشعلة و لكن لاتبلغ سخونة الهواء حد التكميل الكامل باخراج ناريته الكامنة الي الفعلية بالكلية و لكنه ناقص من القسم الثاني و لذا تبقي بعد الشعلة زمانا معتدا به البتة و اما الضوء الذي في الهواء فليس هو من غلبة سخونة الهواء و الجدران فانها لو احميت هذا المبلغ لاحرقت ما يجاورها و لكنه لون براق محض قد حدث في الهواء و الجدران بتكمل الوانها في الجملة تكملا ناقصا كتحريك اليد المفتاح عند فتح القفل فانه يتحرك ما دام يتحرك يدك و يسكن اذا سكنت و لو شددت التكميل يتحرك ايضا بعد رفع يدك كما تدير الاطفال الدوامة مثلا فالنور المنبث لون براق قد حدث في الهواء بتكميل لون الشعلة لون الهواء تكميلا ناقصا فاذا رفعت السراج فني ذلك اللون الحادث و ليس انه يذهب مع السراج بل يفني عن الهواء و الذي يذهب مع السراج هو مثاله و فعله و اثره الذي هو تكميله القائم علي المتكملات و هو من عالم المثال الاتري انك اذا حجبت بين السراج و الجدار اظطلم الجدار و فني نوره و لو كمل تكميلا كاملا لبقي الضوء بعد رفع السراج كالسراج المشتعل من سراج آخر و الذي يشهد بان النور المنبث ليس باثر السراج انك تدركه بعين تدرك بها الشعلة بلا تفاوت و لو اردت مشاهدة ذلك فانصب سراجا بين مرآتين فيحدث في كل مرآت سرج لا نهاية لها و ذلك من تعاكس الانوار فيهما فتري تلك السرج في المرآتين بعين واحدة ينطبع كل شعلة فيهما في عينك كما ينطبع سابقه بلا تفاوت و بلا وساطة سابقها و منشأها كما تري حركة المفتاح بعين تري بها حركة اليد ثم اعظم شاهد علي ذلك وجود جميع تلك الشعلات في مرآة واحدة و لو كانت هي علي التأثر لماكان محل الاثر صالحا لمكانية اثر الاثر و هكذا الي الف‌الف مرتبة و في دون ما ذكرنا كفاية و بلاغ ثم هذا النور المنبث كل ما كان اقرب من السراج يكون اقوي لانه في بدو الانتشار و لم‌يخالطه ظلمة تراكم الاهوية التي لا بريق لها و كلما بعد صار اضعف لمخالطته مع ظلمة الاهوية المتراكمة و الاهبية المنبثة الكثيفة غير المشفة و انفعال النور عن هذه الظلمات دليل آخر علي انه ليس باثر للسراج صادر منه فان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 255 *»

اثر شئ لايتأثر عن غير مؤثره البتة و كذلك حره المنبث ينكسر سورته بممازجة برد الهواء فليست الحرارة ايضا اثر الشعلة كالنور و ليس شئ الا انفعال الاجسام الكثيفة و تكملها من مثال الشعلة و صفة روحانية الشعلة المنبثة فيري ضوؤها الحاصل لها من امثال الشعلة بالعين و حرارتها النارية باللمس فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف فاعتبر ان السراج اي الشعلة المرئية بنفسه مركب من مادة و صورة مادته استضاءته الحاصلة له من مثال النار الغيبية التي هي ركن وجودها و ليس فيها لون و لا بريق و لا هيئة فتعلقت بالدخان المكلس فتهيئت بهيأته من المخروطية و انصبغت بصبغه من الصفرة و الحمرة و غيرهما و التمعت بسبب صفائه و ارتباط اجزائه فصارت شعلة فاذا ظهرت بهذه الهيئة و اتصلت بالجسم الذي يليها انتشرت النار فيه فسخنته فان شأن النار مفارقة الكثائف و العروج الي كرتها ما لم‌تكن حائلة فتنتشر في الهواء او غيره مايلة الي مركزها كما تفارق نفس الشعلة ان لم‌يصلها مدد و لو ادامت علي الجسم الذي يليها لاحمته كنفسها بلا تفاوت و لما كان مثال الشعلة علي حسبها مصبوغا و قد انتشر بالتكميل في اجزاء الهواء المقارنة ثم تكميلها لما يليها و هكذا انتشر منصبغا بصبغ ذلك الدخان و تكمل لون ما قابله به و لما كان الهواء كريا متوجها الي الشعلة من كل جهة استنار كله بها و قد شاب ذلك النور بظلمته فبدا ضعيفا و اذا قابلت مرآة بها و سطحها مستو ظهرت فيها الشعلة و اطرافها بقدر سطح المرآة علي تفصيل ليس هيهنا محل بيانه بالجملة ليس النور المنبث اي استنارة الكثائف الا من جنس النور الذي في الشعلة و ليس بفعل منها و احداث منها لا من شئ و لذلك تري المستنير بظل كل منير علي صفته في الحرارة و البرودة و الصبغ و الكمية و تريهما بعين واحدة و تدركهما بمدرك واحد فما ذكره مشايخنا من ذلك و مثلوا به للاثر و المؤثر محض تمثيل اذا اريد بالاثر الصادر لا من شئ و ان اريد به الاثر اللغوي فالنور المنبث اثر المنير و الحرارة المنبثة اثر الشعلة و لا شك في ذلك و بقي شئ و هو ان هذا النور المنبث و الحرارة المنبثة تابعان للشعلة لا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 256 *»

للنار المكلسة اياها المكملة لها فان النار الغيبية ليس فيها صبغ و لا لها هيئة و ليست حرارتها بهذه الكيفية و انما هذه الخصال من الشعلة بدأت و اليها تعود و ليست تعود الي النار الغيبية و لاتدل عليها و ليس بينها و بينها ارتباط و ليست تعود الي فعلها الذي هو الاحراق و التكليس فان فعلها ايضا من حيث هو ليس فيه صبغ و لا هيئة و انما هما من الشعلة كما ان الخلق لم‌يبدأ من الذات الغيبية و لايعود اليها و لم‌يبدأ من فعلها و لايعود اليه و انما يعود الي صفة فعلها و الي مبدء الخلق الذي هو النفس كما روي ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و ما يري من مطابقة هيئة الكتابة لحركة اليد فلاينافي ذلك لان اليد في مقام الشعلة و تحركها اشتعالها و هيئة الكتابة كالنور المنبث و المداد كالهواء و تحرك اليد بفعل النفس البسيط الذي لايماثله شئ و هو كمثال النار القائم علي الشعلة و لذلك نقول ان ضرب في اعلي مقامات الضرب و الفعل المطلق البسيط الذي هو ظهور النفس الكلي لو كان ضرب لم‌تقدر علي النصر ابدا فضرب ضرب في بطن الضرب و لذا يقع تأكيدا عنه و تري حروف اصولها مطابقة فليس الضرب اثر ضرب و انما هو تنزله و اثر زيد احدثه بفعله المطلق و ان شئت قلت اثر فعله فانه ليس من مادة الفعل و لا من صورته و انما هو من مادة محدثة لم‌تكن قبل ذلك كما ان النور محدث لم‌يكن في ذات النار و لا في فعلها و انما هو من الشعلة و الي الشعلة و لكن هنا ليست الشعلة اثر فعل النار لان النار لم‌تخلق الدهن و انما الدهن جسم كالنار غاية الامر انها كملته حتي كلسته دخانا بفعلها و مسها و ابرزت النار الكامنة فيه حتي اشتعلت بالدخان كما تري فهي مثال في عرصتنا ضربه الله لصفة احداثه و لصفة ذاته و لصفة فعله لا لعين ذاته و لعين فعله فان المثل ما لم‌يطابق لايكون مثلا و مطابقة عين الذات ممتنعة و مطابقة عين الفعل محالة فالامثلة مطابقة لصفاتهما و هي صفاتهما في رتبتها فالنار الغيبية هنا مثل ذات زيد مثلا و الاحراق مثل فعله المطلق و ضوء الشعلة مثل ضرب و المثال الواقع منه علي الجدران مثل ضربا المشتق منه المطابق له في الحروف الاصلية و لم‌يحدث ضربا من شئ فانه مشتق من ضرب

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 257 *»

و حروف اصوله من عكس حروف اصوله و الجدران مثل المفعول به فافهم و اذا عرفت السراج بكله فاعلم ان للسراج امثلة يتركها في امكنة وجودها و اوقات شهودها و حدود ظهورها كما يكون لساير الموجودات و هي ما كتب منه في اللوح المحفوظ لايحول و لايزول و هي صورة علمه سبحانه المتعلق به و هي فعليات السراج الدهري الخارجة من قوته الي الفعلية و تلك الامثلة موجودة في الحال عندك و في الازمنة السابقة و تلك الامثلة دهرية مكتوبة في لوح الدهر بعد ما اثبتت في كل وقت في الزمان و هي مفعوله المطلق فالسراج الدهري يترك ما تراه منه (منه من خ‌ل) ظهوره في لوح هذا المكان و هذا الزمان و يتجاوز عنهما الي مكان جديد و زمان جديد و ذلك المثال باق ابدا دهريا في ذلك المكان و الزمان ثم تدركه بمشاعرك البرزخية مهما التفتت اليه و هي اثر السراج حقيقة و فعله الذي به كمل ساير الاجسام فذلك الاثر احداثه ليس من مادته و لا من صورته بل احدثها بها و اما الاجسام المتكملة فهي من عرصة السراج مصاقعة له كما علمت و لا بد و ان نعنون لهذا الاصل ايضا فصلا حتي يتبين فتدبر فيه .

فصل اعلم ان الله سبحانه ذات احدية كاملة لايترقب لذاته حدوث كمال لم‌يكن له فلايمكن ان يحدث له كمال لم‌يكن له فجميع كمالاته اللانهاية حاصل له بالفعل ازلا ابدا و هي كينونته الازلية الاحدية و هي من حيث حضورها لديه علمه الذي هو منه كماله كما روي و كيدك منك ثم خلق المشية بنفسها و هي لا بدء لها و لا غاية و تلك الكمالات الفعلية من ورائها فاظهر فيها بها منها ما شاء كما شاء و لا نهاية لما شاء فان ما لم‌يشأ منها وجوده في الاكوان فقد شاء وجوده في الامكان و لا غاية لذلك و لا نهاية و هو قوله القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله، فظهرت تلك الكمالات اللانهاية بها في عرصات الامكان و الاكوان علي حسب ما يقتضيه كماله و قد تعين ظهور تلك الكمالات الكينونية الازلية الاحدية في هوية المشية المطلقة و انصبغت بصبغها فظهرت سرمدية بعد ان كانت ازلية قبل الظهور فيها ثم وقع ظهور تلك الكمالات علي القوابل الامكانية بعد ان سألته

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 258 *»

جل شأنه ان يسألها فسألها بها بقوله الست بربكم فاجاب ما في الاكوان بالسنة كونية و ما في الامكان بالسنة امكانية و تلك القوابل لم‌تكن قبل ذلك السؤال و انما كانا مساوقين بل كانت القوابل من نفس ذلك السؤال فانه لذلك السؤال كان جهتان ناشئتان من جهتي تلك المشية جهة ذلك المثال الملقي في هويتها و هو نفسها التي خلقت بها و جهة هويتها و ان كانتا علي ابسط ما يمكن في الامكان و تلك الاسولة الصادرة من مشيته سبحانه لما كانت صفة ذلك المثال غير المتناهي كانت لاتتناهي و كانت كاملة بالفعل و استجنت في تلك القوابل و الهويات فظهرت من ورائها علي حسبها و تعين بتعيناتها و انصبغت باصباغها و تكثرت في الجملة بتكثراتها فحدث من تدرجها اللازم لتكثرها الامتداد الدهري فصارت تلك الكمالات الظاهرة عنها دهرية و بالفعل بعد ما صارت فيها بالقوة و صارت اسولة دهرية عن القوابل الدهرية التي هي من انفس تلك الاسولة علي حسب ما عرفت ان عرفت فاجابت فحدثت الوجودات الكونية الدهرية الفعلية فاستجنت تلك الاسولة ثانية في تلك القوابل و صارت امثلة ملقاة في هويتها ثم ظهرت عنها علي حسبها منصبغة باصباغها متكثرة بتكثراتها متدرجة علي مقتضي تكثراتها فحدثت عنها الوجودات الفعلية الزمانية فبذلك عمرت الديار و ظهر الجبار لا اله الا هو الملك القهار لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و لا شئ فيها الا كماله و ظهوره و قد بسطنا القول في هذا السر المبهم في كتابنا المبسوط الفطرة السليمة و الغرض هنا ان كمال الازل اللايتناهي اقتضي ان يكون لكل ظهور من ظهوراته مثال و نور هو فعلية ذلك الظهور و كماله و لا غاية لتلك الامثلة و لا نهاية فان من شئ الا و له مثال حتي ان للمثال مثالا و لمثال المثال مثالا الي ما لا نهاية له لان تلك الامثلة كماله سبحانه في درجات الامكان و لا غاية له و لا نهاية و المثال فعلية ذي المثال و صفته و نوره و كماله و اثره له مادة من ظل ذي المثال و عكسه و شبحه صادر منه قائم به قيام صدور و ليست مادته من مادة ذي المثال و لا صورته من صورته و لايصاقعان ابدا ابدا فان ذا المثال نافذ في جميع اقطار المثال الوجودية باحديته النسبية فاذا هو ذو المثال و لا مثال ان رأيت ذا المثال

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 259 *»

و هو المثال و لا ذو المثال ان رأيت المثال و انما هو وجود ذي المثال و كينونته الظاهرة ان قطعت النظر عن المثالية فهو هو اثباتا و وجودا و عيانا و ليس هو هو كلا و لا جمعا و لا احاطة و لا نفوذا فهو في ذي المثال ممتنع لاحديته الطاوية و ذو المثال فيه ممتنع لتكثره و تركبه اللازمة و هذا المثال لكل شئ هو اثره و ظهوره و نوره الذي لايشاركه في مادته و لا صورته و انما يوجد به لا من شئ مطابقا للشبح المتصل بذي المثال في غير الذات القديمة جل شأنها فانها لا شبح لها و لا نسبة بينها و بين شئ فالسراج المذكور في الفصل السابق بنوره و حرارته له مثال ملقي في قابلية الامكنة و الاوقات و هو اثره لا النور المنبث و الحرارة المنبثة و انما يمثل بهما لذلك المثال و الجاهل يشتبه عليه الحال فلاتكونن من الجاهلين و كذلك للنار مثال و هو الحرارة و اليبوسة القرضيتان و هما مثالان للحرارة و اليبوسة الجوهريتين و هما اثرهما لا الشعلة و هي تتكمل بفعل النار و مثالها فافهم .
الباب الثاني في مجمل من بيان تكون المواليد في هذا العالم علي نهج الاختصار و قد تكفل بتفصيل ذلك ساير كتبنا كمرآة‌الحكمة في الفلسفة و حقايق‌الطب و غيرهما و نكتفي هنا بقدر الحاجة و فيه فصول :
فصل اعلم ان الله سبحانه لما عمر العالم و خلق بسايطه من السماوات و الجواهر الاربعة اتخذ السماوات للطافتها و عدم حجبها لما ورائها يدا له في اجراء ما اراد من افعاله في الارضين و المنتهيات الحاجبة لما ورائها لكثافتها فغلب علي السماوات القوة الفعالة و علي الارضين القوة المنفعلة لكون الكمالات في السماوات بالفعل و غلبة لطايفها علي انياتها و كونها في الارضين بالقوة و غلبة انياتها علي لطايفها فادار الله سبحانه السماوات علي الارضين و وقع انوارها و اشباحها علي الارضين فخالطها فقوت ما فيها من اللطايف و ضعفت ما فيها من غلائظ الانيات فحركت العناصر بعضها الي بعض فتداخلت فعمل ثانيا كل واحد

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 260 *»

منها في صاحبه فغلظ الكثيف اللطيف و رقق اللطيف الكثيف و سخن الحار البارد و برد البارد الحار و رطب الرطب اليابس و يبس اليابس الرطب فصار كل منها يدا ثانية سفلية لله سبحانه في تغيير صاحبه فغير كل واحد كل واحد بتقوية آثار السماوات اياها في الفعل حتي تشاكلت فتداخلت فتمازجت فتركبت فتوحدت فصار مولودا من المواليد فاذا كان التأثير ضعيفا و المتأثر كثيفا قليل المطاوعة لتأثير المؤثر يحدث بينهما الجمادات فاذا كان المؤثر اقوي و المتأثر اطوع يحدث بينهما المعادن و السبب في اختلاف احوال المؤثر هنا اختلاف اوضاع الكواكب و قراناتها التي هي المؤثرة في السفليات تأثيرا وصفيا تكميليا و اختلاف قوي الكواكب فاذا كان المؤثر اقوي و المتأثر اطوع و انعم و اعدل يحدث بينهما النبات و اذا كان المؤثر اقوي و المتأثر اطوع و انعم و الطف يحدث بينهما الحيوان و يشتد فيه المشاكلة لظاهر المؤثر كالولد الذكر الذي يشتد فيه مشابهة الاب فالجماد انثي و النبات خنثي انثي و الحيوان خنثي ذكر فاذا كان المؤثر اقوي و اشد و اجمع و المتأثر اطوع و انعم و الطف و اعدل و احكي لظاهر المبدأ حدث من بينهما الانسان و هو الولد الذكر فاذا كان المؤثر اقوي و اشد و اجمع من ذلك و اعلي و المتأثر اطوع و انعم و الطف و اعدل و احكي للمبدأ و باطنه حدث من بينهما انسان نبي او رسول فاذا كان المؤثر في غاية الكمال و الجامعية و المتأثر في غاية الاعتدال و الحكاية لباطن باطن المبدأ حدث من بينهما بدن النبي و ابدان اوصيائه: علي اختلاف مراتبهم و جميع هذه المواليد الدنياوية الظاهرية (الظاهرة خ‌ل) يوجدون بين هذه السماوات الفعالة و هذه الارضين المنفعلة و كلهم يخلقون من هذه الجواهر الاربعة بتصريف السماوات العالية و الفرق بينهم في فعلية الصفاء و الكدورة و في كل مولود قوة الصفاء و الكدورة حتي يترقي الي اعلي منه و ينزل الي اسفل منه الاتري ان النبي صلي الله عليه و آله يأكل من جماد هذا العالم و نباته و حيوانه و يصير غذاء له و جزءا لبدنه و يعتدل و ينطق بالحكمة و يصير قابلا للوحي و النبوة و يشرب دم النبي9 ابوطيبة الحجام و بوله ام‌سلمة و لعاب فيه العجوز فيصير ذلك الدم او البول او اللعاب جزء بدن

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 261 *»

غير النبي و يستحيل الي الانسانية فينقلب غير قابل للوحي و النبوة و الحكمة و يأكل انسان من الجماد و النبات و الحيوان فيستحيل ذلك فيه انسانا ناطقا و هكذا يأكل حيوان الانسان و من النبات و الجماد فتستحيل فيه حيوانا غير ناطق و يظهر منه آثار الحيوانية و هكذا يمص النبات الجماد فيستحيل فيه نباتا و يظهر منه آثار النباتية و يموت النبات و الحيوان و الانسان و النبي فتنقلب جمادا و الي العناصر ثم يكون منها غيرها فمن نظر في هذه الامور بعين الاعتبار عرف بلا غبار ان جميع هذه المواليد الظاهرة الدنياوية من جنس واحد و سنخ واحد يستحيل بعضها الي بعض البتة و ليس بين هذه المواليد المرئية و الاجسام المشهودة ترتب الا علي نهج مراتب التشكيك و كل واحد هو هو بالفعل و في قوته الانقلاب الي الغير بلا شك و لا ريب فكيف يمكن ان يكون مشايخنا الذين شقوا الشعر في الحكمة خفي عليهم ذلك او يكون مرادهم من السلسلة الطولية ترتب هذه الابدان و الاجسام حاشاهم ان‌يخفي عليهم هذا الامر الواضح الجلي غير الخفي علي من له ادني مسكة فافحص عن مرادهم تنل ما قدر لك من فهمه فهذا المقام هو المقام الذي قال النبي9 امتثالا لامر ربه انا بشر مثلكم و قال سبحانه لقد جاءكم رسول من انفسكم و ما وصل اليك من امثال ذلك من الاخبار في ان شيعتهم من طينتهم و من جنسهم و امثال ذلك.

فصل ان الاجسام قوالب للارواح و قوابل لها و السنة داعية من ربها ارواحها فكل جسد يشاكل روحه فانه لم‌يسأل الا بحسب قابليته و لم‌يعط الا علي حسب دعائه فكما ان هذه الاجسام من سنخ واحد و من جواهر واحدة تكون ارواحها التي في رتبة واحدة ايضا من سنخ واحد و جواهر روحانية واحدة البتة و كما ان كل جسم هو هو بالفعل و يكون انقلابه الي غيره بالقوة و يمكن انقلابه الي غيره كما شاهدت لا بد و ان يكون ارواحها ايضا كذلك فكل روح هو هو بالفعل و يمكن انقلابه الي درجة اعلي بتصعيده و تلطيفه و طرح قشوره و استخلاص الجوهر الصافي الذي فيه بالقوة و ان لم‌يقع كما كان يمكن تصعيد الجسم الادني

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 262 *»

و ترقيته الي جسم اعلي كما ذكرنا و ان لم‌يقع فكما ان الاجسام في هذا العالم من امكان واحد كذلك ارواحها من امكان واحد و ليس تفاوتها الا في اللطافة و الكثافة و وجود الاعراض و عدمها فليس بين ارواحها ترتب البتة و من الشاهد علي ذلك ما تري من البرازخ بين الاجسام كالاملاح البرزخية بين الجمادات و المعادن و كالمرجان البرزخ بين المعادن و النبات و البورايخ البرزخ بين النبات و الحيوان فانه نبات ينبت من الارض و ثمره كالغزال و هو متصل باصله في الارض من سرته و تطول تلك السرة و يكبر ذلك الغزال و يرعي اطرافه و له جلد و شعر يصنع منه القلانس و يذبح و له لحم و دم ابيض و النساء النابتات من اشجار جزيرة الواقواق و امثال ذلك و كالصدف الذي انه حيوان في الاول ثم يغوص في البحر و يتوحل في الطين و يصير نباتا له اصل ثم يصير جمادا و كالنخل البرزخ بين النبات و الحيوان و كالقرد و الدب و النسناس البرزخ بين الحيوان و الانسان و كالنقباء البرزخ بين الانسان و الانبياء و اولي العزم البرزخ بين الانبياء و المعصومين: و محمد9 البرزخ بين المعصومين و امر الله سبحانه فحقيقته قد تحسب من عالم الامر و قد تحسب من عالم الوجود المقيد فانا اذا شاهدنا وجود هذه البرازخ و عرفنا ان لها ارواحا مقارنة فارواحها ايضا برزخ بين الداني و العالي البتة و يصدق ذلك من لايستبد بفهمه كلام المشايخ اعلي الله مقامهم و حاشاهم ان‌يقولوا غير ذلك فكما ان اجسام هذه الدنيا برمتها من هذه البسايط و يمكن استحالة بعضها الي بعض و كل شئ منها هو هو بالفعل و يمكن انقلابه الي غيره و بينها برازخ كذلك ارواح هذه الاجسام ايضا من ارواح هذه البسايط و يمكن استحالة بعضها الي بعض و كل واحد منها هو هو بالفعل و في قوته الانقلاب الي غيره قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و العبودية جوهرة كنهها الربوبية الخبر، فلا ترتب بين هذه المواليد و ارواحها المتعلقة بها الا ترتب التشكيك و الذي قاله المشايخ من ترتب الاثرية و المؤثرية بينها هو علي غير هذه المعاني و سيجيئك شرح اقوالهم ان شاء الله.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 263 *»

فصل ان لنا كليات حكمة استفدناها من المشاهدة و العيان و من كتاب الله جل شأنه و من سنة النبي و الائمة سلام الله عليهم فما لم‌يطابق من المسائل الجزئية تلك الكليات هي باطلة و الادلة الكلية العقلية لاتقبل التخصيص و النسخ فمنها ان لنا حواس ظاهرة ندرك بها صور هذا العالم الجسماني المشهود و هي كلها من سنخ واحد و الا لما ادركته حواسنا الظاهرة بكيفية واحدة و هي الانطباع و انما تشير الآلات الي نظائرها و انت تدرك بها ظواهر جميع اصناف الخلق الظاهر و لنا حواس باطنة ندرك بها الصور المثالية الملكوتية فكل ما ادركنا بها من امثلة هذه المخلوقات كلها من سنخ واحد و عرض واحد و الا لما ادركناها بمشاعرنا الباطنة بكيفية واحدة و هي الانطباع و لنا نفس ملكوتية مدركة لصور (للصور خ‌ل) مجردة عن المواد العنصرية الجسمانية و المدد الزمانية فكلما ادركنا بها من الصور العلمية كلها من سنخ واحد و الا لما ادركناها بنفس واحدة و لنا عقل جبروتي ندرك به المعاني الكلية فكلما ادركنا به من المعاني كلها من سنخ واحد و عرض واحد و الا لما ادركناه بعقل واحد بل العقل لايدرك الا معني واحدا كليا و المعاني المتعددة التي لها كلية اضافية تدرك بالعاقلة و هي صورية لا معنوية و بالصورة تتعدد الاشياء و لنا فؤاد لاهوتي ندرك به حقيقة احدية مجردة عن الكلية و الجزئية و المعنوية و الصورية و هو حقيقة واحدة احدية و ليس لنا مدرك فوق ذلك اذ نحن معدومون وراءه و لا ذكر لنا فوقه بل لاندرك له وراءا و فوقا ابدا ابدا و لو علي نحو الاحتمال و الاشارة و الفرض و خائنة الادراك فباي مشعر يمكن ان يثبت الانسان فوق فؤاده مؤثرا له مباينا معه و هذا كلام الشيخ الاجل الاوحد اعلي الله مقامه كل شئ لايتجاوز ما وراء مبدئه و هذا كلام امامه الامير7 كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فلايمكن لنا ان‌ندرك فوق فؤادنا البتة و ان قلت فباي مدرك ندرك ان لنا ربا و له مشية و قد خلقنا بها قلت هذا ايضا موضع الاشكال و لابد و ان‌نشرح لك في ذلك شرحا تعرف به الحق و الصواب و قد كثر

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 264 *»

بذلك السؤال مني و لم‌اجبهم عن ذلك الا من جراب النورة فاذكر الجواب الشافي الكافي هنا لعل اهل الجواب منهم يظفرون به فلنعنون لذلك فصلا خاصا به ليمتاز عن غيره.

فصل اعلم ان الله سبحانه احد ليس ينتهي الي غيره فيحد فيثني فلاينتهي الي امكانات الاشياء فان المنتهي الي الامكان هو مادة الامكان المنتهية الي مسمي الامكان و هو الصلوح و به سميت بالامكان و لاينتهي الي الاكوان فان المنتهي الي الاكوان هو حصة من الامكان قد انتهت الي الحدود الكونية و بها سميت كونا و لاينتهي الي الاعيان فان المنتهي الي الاعيان هو الاكوان فانها انتهت الي الاعيان و بها تشخصت و تعينت و لاينتهي الي افعالها فان المنتهي الي الافعال موادها و لاينتهي الي الاشباح و اشباح الاشباح و هكذا فان المنتهي اليها موادها بالجملة كل ما انتهي الي شئ فقد تحدد به و المتحدد بشئ مادته حتي ان المنتهي الي المادة هو حصة من ظهور النوع و المنتهي الي النوع هو حصة من ظهور الجنس و هكذا الي ما لا نهاية له فان الله سبحانه فوق ما لايتناهي بما لايتناهي فكذلك هو سبحانه احد لايثني فلاينتهي الي شئ من خلقه و لو كان هو سبحانه فوق السرمد حسب لكان عالم الخلق خلوا منه و لو كان هو فوق عالم الجبروت لكان سرمديا و عالم الجبروت خلوا منه و لو كان هو فوق الملكوت لكان جبروتيا و الملكوت خلوا منه و لو كان هو فوق الملك لكان ملكوتيا و الملك خلوا منه تعالي الجبار ان يكون خلوا من ملكه او ملكه خلوا منه كما روي في الخطبة ماكان خلوا من الملك قبل انشائه و لايكون خلوا منه بعد فنائه و ما روي ان الله خلو من ملكه و ملكه خلو منه، هو معني امتناع الازل في الحدث و الحدث في الازل فهو سبحانه داخل في الاشياء لا كدخول شئ في شئ فان كل داخل في شئ غيره محدود به مثني و خارج عن الاشياء لا كخروج شئ عن شئ فان كل خارج عن شئ غيره يخلو منه ذلك الشئ و يكون الخارج محدودا مثني و الله سبحانه لايخلو منه مكان و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 265 *»

لايحويه مكان فهو طاو لكل خلقه طي الامتناع حيث هو اذ هو احد و ليس بكل خلقه فان الموصوف بالكل هو مادة الكل قد تعينت بصورة الكلية و ليس بحال في خلقه فان الحال محدود بالمحل و ذات المحل تخلو من الحال و ليس بمتحد مع خلقه فان المتحد بالخلق موصوف بالخلقية بل هو حيث هو يمتنع غيره امتناعا لا وجود له و لا عنوان و الخلق حيث الخلق يمتنع معه الحق فمن عرف هذا السر المبهم و الرمز المنمنم عرف انه سبحانه احد و لايعرفه حق معرفته الا هو فمعرفة الحق بالحق حق فهو هو لايحتاج الي معرفة نفسه اذ هو احد اعرفوا الله بالله و اما معرفة الخلق بالحق خلق دليله آياته و وجوده اثباته فمن عرف نفسه عرف ربه و ذلك انه سبحانه جعل نفس الانسان آيته و عنوانه و وصفه الفهواني فمن وصل الي معرفة النفس التي هي صفته مع قطع النظر عن انها نفسه و حقيقته و فؤاده فقد بلغ قرار المعرفة و ليس للمخلوق معرفة ازيد من معرفة الوصف[3] فنحن هكذا نعرف ربنا جل شأنه و له الحمد و له المن بما خصنا به من هذه المعرفة التامة الكاملة التي عجز عنها افهام الحكماء و اوهام العلماء فمن انحط عن هذه الدرجة فسبيله الاستدلال و ليس من اهل هذا المقال و لايمكنني ازيد من ذلك في هذه الحال خوفا من اهل البغي و الجهال فلو جاء وقته و نحن احياء لرأيت من تفصيل ذلك ما يحيي به كل بال و ان فات بنا المقدور قبل ذلك فلكل نبأ مستقر فسوف تعلمون و ان اردت شطرا من هذا البيان فعليك بكتابنا الفوايد في فائدة البيان فلنرجع الي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 266 *»

ما كنا فيه من التفريع علي تلك الكلية السابقة و لنعد فصلا.

فصل فاذا عرفت ان فؤادنا آية الاحد جل شأنه[4] بحيث من عرفه فقد عرف ربه و ليس لنا فوق ذلك ذكر و دونه مرتبة العقل فباي مدرك تثبت مؤثرات عديدة فوقك و اين آية المؤثرات العديدة في فؤادك الاحدي الذي هو آية الاحد و من اين لك اثبات الكثرات فوقك و لاتجد في فؤادك الاحدي الذي تعرف به ربك الاحد لها آيات و علي فرض ان يكون فيك آيات لها هل تلك الآيات فيك علي الاثرية و المؤثرية فانت مركب من مؤثرات و آثار او هي فيك من عرض واحد فتخالف الآيات ما تعرفه بها و ان قلت فعلي ذلك نرد القول عليك في آية الحق هل هي حق فانت قديم او خلق فيخالف ذا الآية قلت ان آية الحق آية الحق و ليست بحق قديم و انما هي صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه و اما معرفة الحق فهي خاصة بالحق لايعرف الحق بالحق الا الحق و اما معرفتنا بمشيته سبحانه فغاية معرفتنا معرفة رأسها الخاص المتعلق بنا من حيث التعلق فان الاثر يشابه صفة المؤثر القريب و هو صفة المؤثر القريب بل هو منه مخلوق بنفسه فيعرفها به و يعرف ربه اذا كشف جميع السبحات و هتك جميع الاستار حتي يصل الي آية الجبار و اما اليه سبحانه فلا و ابيك فان الشئ لايتجاوز ما وراء مبدئه و لايدركه فيا اخي صحح اعتقادك بما اقول و لاتستوحش منه ان سمعت ما لم‌تسمعه فان اسرار الله سبحانه كثيرة و تبدو شيئا بعد شئ و ليست المطالب منحصرة بما القي الي اصحابك و عرفوه و كم من سر لله سبحانه و لمايظهر فاذا جائهم تأويله جحدوه و قالوا ماسمعنا بهذا في المسألة الآخرة ان هذا الا اختلاق ءانزل عليه الذكر

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 267 *»

من بيننا بل هو رجل كذاب و لو ان الناس اذا جهلوا وقفوا و لم‌يجحدوا لم‌يكفروا فاعرف الله بالله و المشية بالمشية كما تعرف الحمرة بالحمرة و الصفرة بالصفرة و لله المثل الاعلي فمن رام معرفة الحمرة بالصفرة و الصفرة بالحمرة لايكاد يصل اليها ابدا و كذلك اعرف الرسول بالرسالة و الانبياء بالنبوة و اولي الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و هي صفاتهم الشرعية التي تجلوا بها لمن دونهم و اقاموا بها الحجج علي ما سواهم الاتسمعه قال و الرسول بالرسالة.

الباب الثالث في بيان مراتب الخلق و الاشارة الي كيفية تحقق هذه المراتب المتكثرة و العوالم العديدة علي سبيل الاختصار تكلانا علي بصيرة اولي الابصار و فيه فصول:

فصل اعلم ان الله سبحانه كان اذ لا كان فاول ما تجلي به و لا تجلي و لا فعل و لا حركة و لا نطق كينونته الازلية الاحدية الحقة المبراة عن الكثرات المعراة عن الاختلافات المنزهة عن النسب و الاشارات ثم تجلت كينونته جل شأنه بصفتها للقوابل الاطلاقية الصلوحية الامكانية التي لم‌تكن قبل ذلك التجلي و انما كانت بنفس ذلك التجلي بلا كيف و لا اشارة و لم‌يكن ذلك التجلي بعد مدد ممددة و لا امكنة ممهدة بل كان ذلك التجلي في مقامه الذي لا غاية له و لا نهاية ابدا فان قسته بها فهو ازلي و ان قسته به و نسبته به فهو سرمدي افهم ما اقول لك فان الكلام دقيق دقيق و بالتدبر فيه عن تؤدة حقيق حقيق فكان هذا التجلي غير محدود بها و لم‌تكن تلك الكينونة محدودة به بل كانت نافذة في مكانه الوجودي الوحداني الاطلاقي بلا كيف طاوية له يعني لا شئ الا تلك الكينونة اذ هي و لا شئ الا ذلك التجلي اذ هو ثم هذا التجلي لغاية قربه منها و وحدانيته و انبساطه الوجودي قد تجلي في جميع مرايا القوابل الكونية التقييدية التي لم‌تكن قبل ظهوره بل هي بظهوره و هذا التجلي ايضا في مقامه و حده ابدي ان قسته بها فهو

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 268 *»

ازلي او بالاطلاق فهو سرمدي او بنفسه فهو مقيد خلقي فهذا التجلي هو حقيقة عالم الخلق و ظله و فؤاده و نفسه التي بها وصف الله نفسه بها و هي الكلية الالهية التي من عرفها لم‌يشق و من جهلها ضل و غوي و هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي اللوح المحفوظ و هي مجموع صور العالمين و هي حبل الله المتين و كتابه المبين و صراطه الممدود و وصفه المشهود و شجرة طوبي و سدرة المنتهي الي غير ذلك من الاسماء و هي صفة التجلي الاعظم و ظهوره بحيث اذ هو ليس الا هو و اذ هي ليس الا هي و لما كان الظهور تمام البطون و الفعل تمام القوة و ما لم‌يكن كليات الحكمة تامة في ظهورها تامة في بطونها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم و لابد للشئ الكامل ان‌يكون ظاهرا في جميع عرصات الغيوب و الشهود مالئا لجميع اقطار الوجود و يكون جميع قواته بالفعل ظهرت في عالم الشهود ايضا كما كانت في الغيوب و لما كانت الشهادة علي طبق الغيوب و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية صار نظم عالم الشهادة ايضا علي طبق عالم الغيب بلا تفاوت الا في الغياب و الشهود و اللطافة و الكثافة فبدت في عالم الشهادة ايضا اولا كينونة شهادية حقيقية ثم ظهر منها تجل شهادي كلي معنوي ثم تفصل ذلك الكلي بنفس كلية شهادية فعمرت الديار و تجلي الجبار و تبصر الابرار فتم الظهور و كمل النور و قامت الحجة علي الابرار و الفجار و كمل توصيف الواحد القهار و هذه المراتب هي العلامات و المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه و بينها الا انها عباده و خلقه فتقها و رتقها بيده بدؤها منه و عودها اليه فلم‌يبق لاحد حجة و لا لخلق كلام ان‌يقولوا انا كنا عن هذا غافلين او يقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم ضعفاء افتهلكنا بما فعل المبطلون فعمر بذلك جميع العوالم

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 269 *»

الكلية و كل مرتبة منها اذ قستها بما دونها فهي حق ما دونها مرة و اطلاقه اخري و نفسه تارة لان الانظار تختلف علي حسب اختلاف الواقع فان نظرت الي احديته بالنسبة الي ما دونه مع قطع النظر عن جميع ما دونه اي ما سواه بالكلية علي معني الامتناع الحقيقي في النظر فهو حقه النافذ الطاوي ليس الا هو حيث هو هو،

فما في الديار سواه لابس مغفر       ** * **      و هو الحمي و الحي و الفلوات

و ان نظرت اليه من حيث انه موجود كاين فهو الكينونة الازلية الرتبية في الواقع و يقل نفوذه و ان كان ليس الا هي حيث هي و ان نظرت اليه من حيث الاطلاق و عدم اشتراط كونه بشئ دونه و صلوح تجليه بجميع ما دونه فهو الاطلاق الرتبي في تلك الرتبة و ان نظرت اليه من حيث انه حقيقة تلك منها بدأت الاشياء و اليها تعود فهو النفس الكلية الالهية الرتبية التي من عرفها لم‌يشق و من جهلها ضل و غوي و كل هذه الحيوث حيوث واقعية خارجية الا انها نسبية و ترق النسبة كلما تصعد صاعدة الي ان تصل الي الحقيقية و تغلظ النسبة كلما تنزل نازلة فهذه تمام كليات العوالم و هذا العالم اي عالم الجسم اي حقيقة الجسم منتهاها و غايتها و هو كما تري فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير.

فصل هذه المراتب ليست بالاثرية و المؤثرية بل هي كلها مراتب التجلي الواحد و الظهور الواحد لانها من تمام الاثر الواحد و كونه اثرا تاما فان اثر الاحد المستقل لايكون الا تاما مستقلا و لايكون الشئ تاما الا بمقبول و قابل و هما في الشئ كالمثلثين المتداخلين رأس كل واحد علي قاعدة الآخر و وتراها منطبقان اي احدهما منطبق علي الآخر و يحدث من تداخل القابل و المقبول غيب و هو من قاعدة المقبول الي الوسط لانه بغلبة المقبول يكون اغيب مما يليه و هو من الوسط الي قاعدة القابل و هو لغلبة القابل عليه يكون اظهر مما فوقه لغلبة الكثافة اللازمة للبرد اللازم للانية المخالفة لكينونة الفاعل و غلبة اللطافة اللازمة للحرارة اللازمة لجهة الفاعل فالاعلي غيب بالنسبة الي الادني و الادني شهادة بالنسبة الي الاعلي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 270 *»

و لكل من الغيب و الشهادة اعلي و هو غاية اجماله و وحدانيته و منتهي و هو غاية تفصيله و تكثره و مقام بينهما برزخي مرتبط من حيث الاعلي بالاعلي و شبيه به و من حيث الاسفل بالاسفل و شبيه به فيمثل لها بهذه الهيئات الثلث (شكل نسخه درج شود) فيحدث للاثر من مبدئه الي منتهاه ست مراتب و هي الست المذكورة آنفا و هي من تمام كون الاثر اثرا و هو الصادر الاول عن الازل جل شأنه و هو في غاية البساطة الامكانية كل مرتبة منه ابسط ما يمكن في تلك المرتبة منزهة عن كثراتها مبراة عن اختلافاتها لانها آية الحق جل شأنه في تلك الرتبة فقد عمر جميع مراتب الامكان بذلك الصادر بحيث،

ما في الديار سواه لابس مغفر       ** * **      و هو الحمي و الحي و الفلوات

انظر في النشأة الاولي و تذكر النشأة الاخري هل تجد فيها شيئا غير الجسم فكما ان هنا ليس شئ الا الجسم كذلك في عالم المواد ليس شئ الا المادة الكلية و لا في عالم الطبايع غير الطبيعة الكلية و لا في عالم النفوس الا النفس المطلقة و لا في عالم العقل غير العقل المطلق و لا في عالم الفؤاد الا الفؤاد المطلق فلا شئ في جميع اصقاع الامكان الا المطلق و هو اول صادر عن الحق جل شأنه و هذه مراتبه التي بها يكون اثرا تاما و هذا معني الصادر الاول لا ما كان يفهمه الجهال من كلمات المشايخ و كل مرتبة من هذه المراتب شرط وجود المرتبة الاخري في الخارج و ليس الامر في هذا المقام ايضا كما فهمه الجهال ان القابل شرط ظهور المقبول لا شرط وجوده فان وجوده صادر عن الفاعل و انما ظهوره موقوف بالقابل فان هذا القول يتمشي في المقبول و القابل المتباينين كنور الشمس و المرآة و اما اذا كان القابل هو انفعال نفس المقبول فلايكون المقبول موجودا ما لم‌يكن القابل لان الكسر لايوجد الا بالانكسار و ليس لولا الانكسار كان الكسر موجودا و لم‌يكن ظاهرا الم‌تسمع امامك يقول ان الله سبحانه لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته و الم‌تسمع ربك يقول قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعائكم فكل مرتبة من هذه المراتب شرط وجود الشئ في الخارج فالصادر الاول لايصدر الا تام المراتب كامل المقامات و هكذا صفة تمامها فلا فؤاد الا و العقل معه و هو شرط

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 271 *»

وجوده في الخارج و لايكونان الا بنفس و هي شرط وجودهما و لاتكون الا بطبع و لاتكون الا بمادة و لاتكون الا بجسم فالمطلق الذي هو التجلي الاعظم و الظهور الاكرم له هذه المراتب و بها عمر تمام العالم و لايكون الآن و لاكان شئ غيره حين اذ هو هكذا ينبغي ان‌يعرف كلمات المشايخ العظام اجل الله شأنهم و انار برهانهم فافهم ان‌كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

فصل فاذا عمرت الديار بظهور الجبار كان كل مرتبة منها في حدها مخلوقة لله سبحانه بنفسها لان الكل مخلوق بنفسه فالمخلوقية بالنفس فيها تظهر في فعلياتها و آثارها علي حسبها من الرقة و الغلظة و الكثافة و اللطافة علي حسب تلك المراتب فكل ما يقرب منها الي المبدأ يكون اوحد و ابسط و كل ما يبعد يكون اشد تكثرا و تركيبا الا انها في كل مرتبة مخلوقة بنفسها فكل ما يبعد عن المبدأ يشتد تمايز فعلياتها و كلما يقرب يضعف لشدة البساطة و التشاكل فبدا في عالم الجسم الذي هو ابعد مراتبه اولا حيثان متمايزان جسمانيان حيث فعلية و بدا فيه الحركة و غلب فيه الاستدارة و البساطة و التشاكل فكان منه السماوات و حيث مفعولية و بدا فيه السكون و غلب عليه ساير الهيئات و الكثرة و التخالف بين الاجزاء فكان منه الارض و مرادنا بالارض الجواهر الاربعة كملا اي النار و الهواء و الماء و التراب ثم تفصل حيث الفعل الذي هو حيث غيبه النسبي الي ثلث مراتب اجمال و تفصيل و بين بين و هي العرش و الافلاك و الكرسي و حدث لارضه ايضا ثلث مراتب نار و تراب و برزخ بينهما رابط اعلاه يشاكل النار في الحرارة و اسفله يشاكل التراب في البرودة و هو جسم رطب رابط بين العالي اليابس المستقر في ظل مبدئه و الداني اليابس في انيته و نفسانيته و هذه المراتب آثار الجسم المطلق و فعلياته و بهذه المراتب صار عالم الجسم جسما و لولا احدي هذه المراتب لم‌يكن الجسم جسما مخلوقا بنفسه و ليس ان الجسم المطلق كان و لا سماء و لا ارض بل كان اذ كان و هكذا كان و هي من تمام كون الجسم جسما مخلوقا بنفسه و هذا معني قولنا ان المطلق موجود بالفعل بنفس وجود المقيدات لا من حيث انها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 272 *»

مقيدات و كذلك الامر في كل رتبة من المراتب ففيها سماوات و ارضون الا انها اقل تمايزا و اشد تشاكلا حتي انها في رتبة الفؤاد التي هي اعلي المراتب الخلقية احدية نسبية سماؤها عين ارضها و ارضها عين سمائها و قلنا ذلك فيها لان ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية فكذلك وجد المطلق في كل مرتبة قبل جميع المذروءات و المبروءات بالف‌الف دهر و هذه القبلية قبلية رتبية لا وقتية فافهم هذه التحقيقات الانيقات التي لاتسمعها الا مني و لا قوة الا بالله العلي العظيم و هذا مراد المشايخ رضوان الله عليهم الا انه خفي علي اكثر المتخذين عنهم بزعمهم.

فصل ثم لما كانت السماوات هي ظهور حيث فعلية الجسم و الارض ظهور حيث مفعوليته دارت تلك السماوات علي حسب قوة فعليتها و عملت في الارض لانها هي حيث المفعولية فطرحت شعلاتها و انوارها علي الارضين للتكميل لاخراج ما في كيانها الي العيان و لما كانت الارض مختلفة الاجزاء علي حسب تكثرها اللازم لجهة الانية و البرودة اختلفت اجابات الاجزاء و انفعالاتها لتكميل الفاعل فمنها ما اجابت درجة فحدث منها المركبات غير التامة لعدم لطافة اجزائها المانع عن الانحلال التام الذي هو سبب التمازج و التركب التام و منها ما اجابت درجتين لقوة لطافتها في الجملة فانحلت فتمازجت فتركبت اشد فحدث منها المعادن علي اختلاف مراتبها حاجبة و مشفة منسحقة و منطرقة و منها ما اجابت ثلث درجات لان لطافتها اكثر فاشتد انحلالها و تمازجها و تركبها و كانت اعدل فحدث عنها النبات و منها ما اجابت اربع درجات لقوة ما ذكر فيها فحدث منها الحيوان و منها ما اجابت خمس درجات فحدث منها الانسان و منها ما اجابت ست درجات فحدث منها الانبياء علي اختلاف مراتبهم و منها ما اجابت سبع درجات فحدث منها الانسان الكامل الجامع لانه لم‌يترك نوعا من انواع الاجابة الا و قد اجاب به و لم‌يعقه عائق عن مراد الفاعل في فعله و عن غايته و ما بين هذه المراتب مراتب و برازخ لاتحصي و هذه المواليد كلها من هذه الارض و الفرق بينها باللطافة و الكثافة و المطاوعة لفعل الفاعل و عدمها او قلتها

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 273 *»

و كثرتها علي حسب ما تري و كذلك حدث موادها بدوران افلاك عالم المادة و طبايعها بدوران افلاك عالم الطبيعة و نفوسها بدوران افلاك عالم النفوس و عقولها بدوران افلاك عالم العقول و افئدتها بدوران افلاك عالم الفؤاد علي حسب ما شرحنا و بينا و اوضحنا و كما ان البسايط في هذا العالم اي الافلاك و العناصر من تمام كون الجسم جسما كذلك هذه المواليد التي خلقت منها هي من تمام كون الجسم جسما و هي قواتها الخارجة الي الفعلية و هي من تمام كونه مخلوقا بنفسه فهكذا يكون الجسم مخلوقا بنفسه و كذلك الامر في كل رتبة لكن بحسبها ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و المواليد في هذا اللحاظ كلها موجودة في امكنة وجودها و اوقات شهودها اذ هي من تمام كون ذلك الاثر الاعظم اثرا و من تمام ذلك التجلي فهي بذلك اللحاظ سرمدية و انما الدهر هو نسبة الاسفل الي الاعلي و الزمان نسبة جزء من الاسفل بالنسبة الي جزء منه و اما السرمد فهو صفة الذات من حيث الذات فلاتدرج فيه فافهم ان كنت تفهم راشدا موفقا و لما كانت المواليد في كل رتبة من بسايط تلك الرتبة و تلك البسائط آثار مطلقها القائم عليها و الرتب كلها من مادة واحدة سارية و انما ترتبت للاجمال و التفصيل و اللطافة و الكثافة كمراتب نور السراج فلا اثرية و مؤثرية في شئ من هذه المولدات بحسب الكون علي معني الاحداث لا من شئ و ان كان بينها اثرية و مؤثرية علي معني التكميل فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الموجودات كلا من حيث الامكان من سنخ واحد و نوع واحد و هو الامكان المطلق و كل حصة من المطلق صالحة لان تتصور بكل صورة الا ان كل حصة منها تصورت بصورة و تلك الصورة عليها بالفعل و باقي الصور فيها بالقوة[5] فكل حصة منها صارت كاملة في تلك الفعلية مكملة لحصة اخري تلك الصورة فيها بالقوة فذلك

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 274 *»

المكمل يد الله سبحانه في ابراز ما في كيان حصة اخري من نوع ذلك المكمل الي العيان و سبب من الله المسبب الذي ابي ان‌يجري الاشياء الا باسبابها فلم‌يخلق احد شيئا لا من شئ الا الله سبحانه و كل صانع شئ فمن شئ صنع فالله سبحانه خلق الامكان المطلق لا من شئ و كل صانع فيخرج ما في كيان ذلك الامكان الي العيان بالتكميل فهو صانع من شئ و هو الامكان فان اردت الشاهد علي ذلك فهذا كلام اميرالمؤمنين7 في خطبة له كل صانع شئ فمن شئ صنع و الله لا من شئ صنع ما خلق و ما رواه في البحار عن ابي‌عبدالله قال في الربوبية العظمي و الالهية الكبري لايكون الشئ لا من شئ الا الله و لاينقل الشئ من جوهريته الي جوهر آخر الا الله و لاينقل الشئ من الوجود الي العدم الا الله و الدليل علي ان كل حصة من الامكان المطلق صالحة لكل شئ و الكل منه من قول الشيخ الاجل اعلي الله مقامه ما ذكره في الفائدة الخامسة‌عشرة بعد ان ذكر ان المشية مخلوقة بنفسها قال كل ما يميز و يدرك مما سويها فبها كان و عنها صدر و لا اول لها في الامكان غيرها و مكانها الامكانات التي بها صدرت و وقتها السرمد و احدث سبحانه بها امكانات الاشياء علي وجه كلي لايتناهي في الامكان بمعني ان امكان زيد يمكن ان‌يكون عمرا و ان‌يكون منه عمرو و ان‌يكون نبيا او شيطانا و ان‌يكون منه نبي او شيطان و ان‌يكون سماء او ارضا او بحرا او جبلا او حيوانا و ان‌يكون منه سماء او ارض او بحر او جبل او حيوان و هكذا الي غير النهاية الي آخر كلامه اعلي الله مقامه و رفع في الفردوس اعلامه فتبين ان حصة الامكان صالحة لان تكون نبيا و انسانا و حيوانا و نباتا و جمادا و آيته ما تشاهد من ان الجسم المطلق صالح لكل هذه و قد صنع منه كل هذه فكذلك ساير مراتبه الغيبية لغيوب هذه المواليد و لقد علمتم النشأة الاولي فلولاتذكرون و الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا بالجملة عدم الاثرية و المؤثرية بمعني الايجاد لا من شئ في مواليد كل مرتبة من مراتب الخلق من الامور البديهية المكشوفة لاصحاب البصيرة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 275 *»

و ان جاوزت الاحداث لا من شئ فجاء الاحداث من شئ و ليس بين النفي و الاثبات منزلة و اذا جاء الاحداث من شئ كما قال سبحانه من الماء كل شئ حي و كما قال ابوجعفر7 في اول ما خلق الله لكنه كان اذ لا شئ غيره و خلق الشئ الذي جميع الاشياء منه و هو الماء الذي خلق الاشياء منه فجعل نسب كل شئ الي الماء و لم‌يجعل للماء نسبا يضاف اليه الخبر، و لفظة من في الخبر لبيان المادة كما هو معلوم فاذا جاء الاحداث بعد خلق الاطلاق الذي هو لا من شئ من شئ جاء التكميل فجميع الخلق بعده بالتكميل و اذا جاء التكميل ذهب التأثير بمعني الاحداث لا من شئ نعم في الخلق مؤثرات وصفية و آثار بمعني المكملات و المتكملات قال الله سبحانه و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتفهم عني راشدا موفقا و سيأتيك ان شاء الله ما يكشف الغطاء عن بصرك.

فصل اعلم انه بعد ما عمر الديار بظهور الجبار علي ما وصفنا و وجد التجلي الاول الاطلاقي في جميع مراتبه الست و ظهر كل واحدة من تلك المراتب بفعلياتها و تجلياتها الكلية التي هي سماواتها و اراضيها و دارت افلاكها علي اراضيها و حصل من بينهما المتولدات و حصل افئدة مولدة بين سماوات الفؤاد و اراضيه و عقول جزئية بين سماوات العقول و اراضيها و نفوس جزئية بين سماوات النفوس و اراضيها و هكذا في كل رتبة اختلف انواع الخلق بحسب اختلاف تلك المولدات و صار كل نوع اعلي من النوع الذي يليه و كان كل نوع من آثار تلك الحقيقة الكلية الاطلاقية الوحدانية المهيمنة عليها يعني ان الافئدة الجزئية آثار الفؤاد الكلي و فعلياته و العقول الجزئية آثار العقل الكلي و فعلياته و هكذا في جميع المراتب كما بينا و شرحنا في ساير كتبنا و ان قلنا ان العقول الجزئية آثار الفؤاد الكلي فنريد به انها آثار تنزله لا آثار نفسه في المقام الاعلي و كذلك ساير المراتب كلها آثارها بعد تنزلها في المراتب التنزلية كما ان الرؤية فعل الروح بعد تنزله في العين و السمع فعله بعد تنزله في الاذن و الفعل الذي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 276 *»

يصدر منه بصرافته لايختص بسمع و بصر و لايتعين بهما فاثر الروح قبل تنزله اثر اطلاقي و الآثار المعينة بعد تعينه في المعينات و كذلك اذا قلنا ان النفوس الجزئية آثار العقل فهو بعد تنزله و تلبسه بلباس النفس الكلية فان النفوس الجزئية متعينة بالنفسانية و العقل الكلي معنوي كلي و لا بد و ان يطابق الاثر صفة مؤثره فلايعقل صدورها من العقل الكلي المعنوي افهم ما اقول لك بل اقول ان الافراد الجزئية لايكاد يعقل صدورها من النفس الكلية فانها كلية و الكلي اثره كلي كما بينا في الروح قبل تنزله في السمع و البصر بل النفوس الجزئية مثلا لا بد و ان يكون لها مبادي جزئية تطابقها و تلك المبادي هي انفسها من حيث الفعلية للنفس الكلية فهي عندها مخلوقة بانفسها و لا مبدأ اوفق بالشئ من نفس الشئ من حيث الفعلية و الاضمحلال عند العالي فهي آثار انفسها من حيث الفعلية بل اقول لايعقل ان يصدر الجزئيات و لو علي ما قلنا من الكلي اول مرة و لا بد فيها من التدرج الحكمي فالصادر عن الكلي اولا امور كلية هي البسايط التي هي اول فعليات الكلي العالي و هي السماوات التي هي تجلي الكلي من حيث الفعلية و الارض التي هي تجلي الكلي من حيث المفعولية فاذا ظهرت السماوات و الارض تدور السماوات علي الارض علي ما بينا و شرحنا و يحدث من بينهما الجزئيات التكملية فخصوصية جزئيتها اي كينونتها الوصفية الجزئية آثار السماوات الا انك قطعت النظر عن الكينونة الوصفية و لاحظت ذاتيتها قلت انها آثار النفس الكلية مثلا فذوات الجزئيات آثار النفس الكلية و صفاتها آثار السماوات افهم ما اقول لك و علي اي حال جزئيات كل رتبة ليست من آثار نفس اطلاق الرتبة العليا بل آثار تنزلها باطلاق الرتبة الدنيا و ليس من آثار نفس اطلاق الرتبة الدنيا ايضا بل من آثار آثارها و فعلياتها الا ان الوسائط دائما مستهلكة عند العالي فتنسب الآثار الي العالي و ان كانت مطابقة مع السبب المقارن لا العالي و لذلك قال علي7 القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله، فنسب الافعال الظاهرة اليه لا اليها قل الله خالق كل شئ فاذا تبين و ظهر كيفية صدور افراد الرتبة الدنيا عن الرتبة العلياء اقول ان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 277 *»

افراد كل رتبة جميع مالها من المراتب كلها من عرض واحد ليس بينها اثرية و مؤثرية كما مر و يأتي فالنفوس الجزئية سواء كانت نفس محمد و آل‌محمد: او نفوس الانبياء او الاوصياء او الاناسي ليس بينها اثرية و مؤثرية ذاتية اذ كلها آثار وصفية لسماواتها و ذاتية للنفس الكلية و كلها في عرض واحد و كذلك مالها من فؤاد هو اول اذكارها او عقل او روح ملكوتية لان جميع ما اوتيت منها يكون علي حسب استعدادها فكما انه لا ترتب بين نفوسها لا ترتب بين افئدتها و عقولها و ارواحها بوجه من الوجوه كما مر و يأتي و ليس لها من افراد الفؤاد الكلي حصة و لا من افراد العقل الكلي و لا من افراد الروح الكلية بل الفؤاد الذي لها ظل ظل ظل الفؤاد الكلي و العقل الذي لها ظل ظل العقل الكلي و الروح الذي لها ظل الروح الكلية و كلها مشترك في هذه الظلال ليس بينها ترتب و امثل لك من عالم الاجسام مثالا هو اقرب اليك،

اعلم ان عالم الاجسام هو ما تري من عرش و كرسي و افلاك و عناصر و تولد فيه المواليد الجسمانية و هي اجسام الجماد و النبات و الحيوان و الانسان و الانبياء و الحجج: و كل هذه الاجسام من عرض واحد ليس بينها ترتب اثرية و مؤثرية و يمكن استحالة بعضها الي بعض كما بينا و شرحنا و يأتيك و لهذه الاجسام حصص من الافلاك و العناصر ففؤادها حيث كونها جسما مكشوف السبحات منفي الصفات و عقلها مالها من العرش و نفسها مالها من الكرسي و طبعها مالها من الشمس و مثالها مالها من الافلاك و جسمها مالها من العناصر فجميع تلك الافراد مشتركة في هذه الحصص اذا صار فيها بالفعل و يمكن بينها البرازخ و الاستحالة و الانقلاب و الترقي و التنزل ليس في شئ منها اثرية و لا مؤثرية لانها في عرض واحد ففؤاد النبي البشري و فؤاد الرعية و عقلهما و نفسهما و ساير مراتبهما كلها في عرض واحد و انما الذي بينه و بين الاجسام اثرية و مؤثرية المثال الكلي المتنزل الي الجسم الكلي و ذلك المثال ليس من مقتضي هذه الاجسام المقارن لها و كذا المادة الكلية و الطبع الكلي و هكذا النفس و الروح و العقل و الفؤاد الكلية اذ ليس شئ منها من مقتضيات هذه الاجسام المقارنة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 278 *»

فافهم ذلك من كلام الشيخ الاستاد اعلي الله مقامه حيث يقول في الفوائد و شرحه في الفائدة الخامسة و نحن نذكر المتن فراجعه و راجع شرحه لتعرف المراد قال اعلي الله مقامه و الحق في المسألة ان ما كان من شئ واحد منها كالحصص المتخذة من الذات الواحدة الي ان قال و ما كان من شيئين مع ما كان من شئ واحد اجتمعا في الرتبة الجامعة كالانسان و الفرس يجتمعان في الحصة الحيوانية الفلكية الحساسية و يتفارقان فيما فوقها فالانسان فيه من الحيوانية حصتان ذاتية و عرضية و في الفرس حصة واحدة ذاتية لها هي عرضية للانسان و الحصة الذاتية للانسان هي حصة من الناطقة القدسية الي ان قال و المعصوم فيه ثلث حصص عرضيتان و هما ما في الانسان و لكنهما فيه قرتا و اطمأنتا فلايخرجان عن حكم الثالثة الي ان قال فالحصة الحيوانية الفلكية مركب للناطقة القدسية و اثر لها خلقت من فاضلها و الناطقة القدسية اثر للملكوتية خلقت من فاضلها فلاتجمع هذه الثلث حقيقة واحدة الي آخر كلامه اعلي الله في جنان الخلد اعلامه و قال في شرح‌العرشية في شرح قول المصنف قاعدة في ان باطن هذا الانسان المخلوق من العناصر و الاركان انسانا نفسانيا الخ، قال اعلي الله مقامه بل الوصف الحق الحقيق بالتحقيق ما امليه عليك مما يتلي علي بهم: هو ان هذا الانسان الحسي البشري هذا هو الانسان النباتي النامي و في جوفه الانسان الحيواني الحسي الفلكي اهبطه الله علي الانسان النباتي من الافلاك من نفوسها و ابن آدم يشارك في هاتين النفسين النباتية و الحيوانية الحسية جميع الحيوانات و في هذين الانسانين النباتي و الحسي الفلكي انسان برزخي صوري مثالي الي آخر كلامه زيد في اكرامه فراجعه تجده مفصلا ، فتبين و ظهر ان الانسان الجسماني و الحيوان الجسماني و النبات و الجماد ليس بينها اثرية و مؤثرية و كذلك ليس بين مراتبها الي افئدتها اثرية و مؤثرية اذ هذه المراتب كلها جسمانية و كلها في عرض واحد و اثر الجسم الكلي اي المطلق نعم جميع الاجسام اثر المثال الكلي المتنزل و جميع الامثلة و الاجسام آثار المادة الكلية المتنزلة برتبة و رتبتين و جميع المواد و الامثلة و الاجسام آثار للطبع الكلي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 279 *»

المتنزل بثلث رتب و رتبتين و رتبة و هكذا الي ان جميع الافراد العقلية فما دونها آثار الفؤاد الكلي المتنزلة برتبة و اما الافئدة فهي آثار الفؤاد الكلي قبل التنزل الي العقل فافهم ما كررته لك لتفوز مع الفائزين فهذه السلسلة هي السلسلة الطولية الكونية التي لم‌يفصلها المشايخ مفصلا مبرهنا و انما هي في اشارات كلماتهم و الذي صرحوا و اكثروا فيه القول هي السلسلة الطولية الشرعية النورية و الظلمانية كما يأتي ان شاء الله و لما لم‌يكن هذه السلسلة الكونية موضع السؤال لم‌نفصله هنا كل التفصيل.

فصل اعلم ان الافئدة الجزئية لشدة بساطتها لم‌تتعدد كل التعدد بل هي متحدة مع بسايطها و بسايطها متحدة مع الفؤاد الكلي اذ هو ابسط ما يمكن في الامكان فان هو الا فؤاد واحد كلي اطلاقي فهو الحقيقة المحمدية الاطلاقية الوحدانية بلحاظ و عالم الامر بلحاظ و الوجود الحق بلحاظ و هو ذاتي تلك الحقيقة و حقيقتها و عينها اي هي هو و هو هي و ساير المراتب لها بالعرض يشاركون من دونهم فيها بلا ترتب و اما العقول الجزئية فهي ذاتية المسمين بالانبياء و حقايقهم و هي الكروبيون و الخلق الاول القائمون خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم فهي هم و هم هي و ساير المراتب لهم بالعرض يشاركون من دونهم فيها بلا ترتب،

و اما النفوس الجزئية فهي ذاتية الاناسي و حقايقهم و هم هي و هي هم و ساير المراتب لهم بالعرض يشاركون من دونهم فيها بلا ترتب،

و اما الطبايع الجزئية فهي ذاتية الجن و حقايقهم و هم هي و هي هم و ساير المراتب لهم بالعرض يشاركون من دونهم فيها بلا ترتب،

و اما المواد الجزئية فهي حقايق صنف من الملائكة،

و اما الامثلة الجزئية فهي حقايق الحيوانات،

و اما الاجسام الفلكية فهي حقايق النباتات و الاجسام العنصرية هي حقايق الجمادات علي تفصيل ذكرنا و هذه المراتب هي الافراد المميزة الكونية و ليس فيها سعادة و لا شقاوة و لا كفر و لا ايمان و لا نور و لا ظلمة و لا حسن و لا قبح و جميع ذلك في التشريع ففي هذه السلسلة لايقال ان الافراد الدانية آثار

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 280 *»

الافراد العالية بل الافراد الدانية آثار حقيقة الافراد العالية فافراد المسمين بالانبياء آثار الحقيقة المحمدية و افراد الاناسي آثار حقيقة المسمين بالانبياء و افراد الجن آثار حقيقة الاناسي و هكذا و ليس كل فرد من الداني اثر فرد من العالي او افراد من الادني (الاداني خ‌ل) اثر فرد من العالي و المؤثر في كل رتبة حقيقة تلك الرتبة اذا تنزلت الي حقيقة الرتبة الدانية فتدبر في مطاوي هذه الكلمات حتي تجد حقيقة الحق و اعلم ان كل نوع من هذه المواليد الكونية في مقامه و حده الذاتي مستجمع لجميع المراتب الثمانية المعروفة العرضية علي حسب رتبته فله فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم علي ما يناسب رتبته ليس يشاركه فيها من دونه بمادة و لا صورة و ليس لمن دونه فيها نصيب و لما تنزل الي المرتبة الدانية تلبس بلباس من جنس الداني و ذلك اللباس هو مقام قطبيته للرتبة الدانية و هو بشر مثلهم و ذلك اللباس له عرضي و ذاتيه ما يخصه في رتبته و نسبة افراد الرتبة العالية الي افراد الرتبة الثانية نسبة علمك الذي هو فعل نفسك و اثرها الي قيامك الذي هو فعل جسدك و اثره نعم قيامك اثر نفسك بعد ما تنزل الي الجسد و كلاهما فعل نفسك الا ان العلم فعل نفسك بصرافتها و القيام فعل نفسك بعد تنزلها و الجسد حقيقة هو نفس ظاهرة كما ان النفس هي جسد باطن فهو هو النفس و الفعل فعلها فليس قيامك و علمك في عرض واحد لان مادة العلم الطف من مادة القيام و صورته الطف من صورته نعم فعل النفس غيب فعل الجسد غياب الزبد في اللبن كما ان النفس في غيب الجسد غياب الزبد في اللبن و لذلك يستخرج من الالبسة القطبية تلك الحقايق العلية و يستخرج من البدن الحيواني البدن الانساني و من البدن الانسان البدن النبوي و من البدن النبوي البدن الخاتمي الجامعي بتربية الله سبحانه و بذلك يتعلق بالابدان العرضية النفوس العالية و ان ما ذكرناه هنا مشكل جدا و لما كان هذه المسألة غير موضع السؤال لم‌نفصله كل التفصيل و ذكرنا منها بقدر ما عسي ان‌نحتاج اليه فيما سيأتي من موضع السؤال.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 281 *»

الباب الرابع في بيان مراتب السلسلة الطولية المسؤل عنها و بيان مقامها فاعرني لبك و سمعك و بصرك حتي اسمعك تغريد الورقاء علي الافنان بفنون الالحان بحول الله و قوته اذ لا حول و لا قوة الا به و تفصيل ذلك يقتضي رسم فصول:

فصل اعلم ان لكل مكون وجودين وجودا كونيا و وجودا شرعيا اما الوجود الكوني فهو الشئ بمادته التي بها يشارك ما في عرضه من شئ آخر و صورته التي بها يمتاز عن غيره فالاشياء في هذا الوجود دانوا لله سبحانه بالعبودية و اقروا له بالوحدانية و شهدوا له بالربوبية و ان من شئ الا يسبح بحمده كل قد علم صلوته و تسبيحه و له من في السماوات و الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون و هي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة كلهم آئلون الي حكمه راجعون الي امره عاملون برضاه فاعلون لمحبته لايوجد في جميع عرصات ملكه ذرة تخالف حكمه و امره و رضاه فكلهم معصومون مطهرون بعصمة ملكية لايوجد فيهم كافر علي معني امتناع وجوده فانه خلق ما خلق كيف ما شاء و احب و لايعقل ان‌يكون قد امر شيئا بقوله كن و لم‌يأتمر و لم‌يكن و لم‌يعقل ان‌يسبقه سابق فيكون من غير امره ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان‌يسبقونا ساء ما يحكمون فلم‌يكن في جميع عرصات ملكه عاص و لا مخالف و لا كافر فان شئت قلت كلهم مطيعون مؤمنون مسلمون معصومون علي معني الانقياد للامر الكوني و ان شئت قلت هناك لا ايمان و لا كفر و لا طاعة و لا عصيان و لا عليون و لا سجين و لا جنة و لا نار و لا نعيم و لا عذاب علي معني الانقياد للاوامر الشرعية فان الشارع و الشرع و المتشرع كلها من المكونات فهناك لا سعادة و لا شقاوة و لا مؤمن و لا كافر بل كلهم يعبدونه عبادة لايستحسرون عنها و لايفترون طرفة عين و الا لفنوا و عدموا فهناك سجد له سواد الليل و ضياء النهار و يعبده الكافر الشرعي بكفره كما يعبده

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 282 *»

المؤمن الشرعي بايمانه فكل شئ من ذات او صفة او جوهر او عرض او خير او شر او نور او ظلمة او حسنة او سيئة او كفر او ايمان عباد له داخرون ساجدون منقادون لامره و حكمه و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره موادهم تابعة لمادة مشيته و صورهم لصورة مشيته فبذلك كانوا كما احب و شاء و كيف لا و قد خلقهم بهم و صورهم علي حسب ما هم عليه فكان كل شئ هو هو كما شاء ان يكون هو فهذا الوجود هو نسبة الاشياء الي خالقهم فلم‌يعص الخالق شئ ابدا ابدا و لايعصيه شئ ابدا ابدا في رتبة من المراتب و حيث من الحيوث و اعتبار من الاعتبارات و لحاظ من اللحاظات من بدأ الايجاد الي ختمه في جميع العرصات،

و اما الوجود الشرعي فهو نسبة بعض الخلق الي بعض و نسبة الداني الي العالي و المنتهيات الي المبدأ ففي هذه النسبة اختلفت الكاينات فمنهم مقبل الي المبدأ و منهم مدبر عنه و منهم مطيع له و منهم عاص و منهم مؤمن به و منهم كافر و منهم سعيد بطاعته و منهم شقي و منهم من يستحق اكرامه و نعيمه بطاعته له و اقباله اليه و منهم من يستحق اذلاله و عذابه بعصيانه له و ادباره عنه و لما كان ذلك المبدأ في التشريع القائم مقام الله في الاداء في ساير العوالم صار طاعته طاعة الله و معصيته معصية الله و الايمان به الايمان بالله و الكفر به الكفر بالله و صار منعه منع الله و عطاؤه عطاء الله و انعامه انعام الله و عذابه عذاب الله و هكذا و الا فلايعقل بالنسبة الي نفس الله سبحانه شئ من ذلك اذ لم‌يقع بالنسبة اليه شئ من ذلك و لايستحقون منه شيئا من ذلك افهم ما اقول لك فان فيه اسرارا جمة و كم من خبايا في زوايا كلامي اذا عرفته و لما كان الوجود التشريعي هو نسبة بعض الخلق الي بعض فمن اقبل الي المبدأ بصفاء سريرته و اعتدال سجيته تجلي المبدأ له فاشرق و طالعه فتلألأ فالقي في هويته مثاله فاظهر عنه افعاله يا ابن آدم انا رب اقول للشئ كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشئ كن فيكون فاذا توجه الي ذلك المبدأ فظهر عليه ظله و نوره حصل له مادة تشريعية و هي ذلك المثال و صورة تشريعية و هي صفة اقباله و كيفيته فذلك المثال هو حينئذ جهته الي ربه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 283 *»

و ذلك الاقبال و هويته جهته الي نفسه و هنا مقام هاتين الجهتين الجاريتن@الجاريتين ظ@ علي السنة اصحابنا يلوكونها بين لهواتهم و لايشعرونها و اما في الكون فكما ان المادة جهة الرب الصورة ايضا جهته بلا تفاوت ابدا ابدا و كما ان المادة صفة تعريفه و تعرفه الصورة ايضا صفة تعريفه و تعرفه و ليست المادة باطوع له و اعبد من الصورة و ليست الصورة بابعد عنه من المادة و كلتاهما تدلان عليه علي نهج واحد و كيفية واحدة و كلتاهما اسمه و صفته بلا تفاوت و ليست المادة هناك جهة الخير و النور و الصورة جهة الشر و الظلمة بل كلتاهما نوران لله سبحانه قد تجلي الله سبحانه بهما عبدان داخران لله قريبتان منه بقرب واحد بعيدتان عنه ببعد واحد و لايحدث للشئ جهتان الا بالنسبة الي شئ واقف محدود في جهة الاتري ان السماء ليست باقرب الي الجسم المطلق من الارض ابدا و قربهما منه و بعدهما عنه علي نهج واحد و الم‌تتفكر ان القرب و البعد في المسافة و هما معقولان بين شيئين متصاقعين و لايتوجه شئ الي شئ الا بعد ان يكون ذلك الجأه امامه دون وراءه فان كان شئ امامك كما يكون وراءك و وراءك كما يكون امامك لايصدق عليك انك اقبلت اليه الا و يصدق انك ادبرت عنه و لايصدق ادبرت الا و يصدق اقبلت فكم اصرح بهذا و اشباهه و الناس عنه لاهون و غافلون بالجملة، علي نحت القوافي من مواقعها ، فليس للاكوان جهتان بل هي جهة واحدة و لا جهة و انما يحدث لها جهتان بالنسبة الي شئ واقع في صقعهم فهناك يكون لهم جهتان جهة الي ذلك الشئ و جهة الي انفسهم فافهم ما اقول لك و هذان المقامان هما اللذان اشار اليهما الشيخ الرباني بالوجود و الماهية بالمعني الاول و بالمعني الثاني في شرح‌العرشية و المشاعر و غيرهما من كتبه فاذا لم‌يعرف السامعون كلامه فما ذنبي فاتقن معاني ما ذكرته في هذا الفصل حتي تفوز مع الفايزين.

فصل فلما عرفت معني هذين الوجودين فاعلم ان للاكوان المخلوقة في رتبة واحدة مراتب عديدة و ان كانت كلها مصاقعة امكانا و في عرض واحد و لا تفاوت هناك بين النبي و الشيطان و الكافر و المؤمن و الانسان و الحيوان و النبات

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 284 *»

و الجماد اذ كلها من الماء الذي خلق اول مرة و خلقت الاشياء كلها منه و الله خلق كل دابة من ماء فمع ذلك لها مراتب اذا قست بعضها الي بعض فمنها لطيف و منها كثيف و منها عال و منها دان و منها حار و منها بارد و منها رطب و منها يابس و هكذا لها صفات عديدة بها امتازت في تكثرها و لولا تلك الاختلافات لما تمايزت و ان كان جميع ذلك من كمالات الكامل و فعلياته اذا قستها بالنسبة اليه و لكن اذا قست بعضها بالنسبة الي بعض تجد فيها هذه الاختلافات فمنها عالم و منها جاهل و منها حكيم و منها سفيه و منها قوي و منها ضعيف و منها قادر و منها عاجز و هكذا ساير الصفات و لا بد في هذه المتعددات من واحد يكون هو اعدل من الكل و اقوي و اقهر و اعلم و احكم و افضل و هكذا فذلك الواحد من وضع الحكمة في الكل اذ الكل علي نهج الحكمة و الصواب و قد فصلنا ذلك في ساير كتبنا فلا بد في هذه الكثرات من قطب وحداني يكون اكمل من الكل في جميع الخصال و اقدر و هو في هذه الرتبة القادر القاهر المقتدر الرؤف الرحيم العليم الكريم و هكذا و لولا خوفي من فرعون و ملائه لذكرت له ما تقشعر منه جلود و تشمئز منه قلوب و لكن اين و كيف فالاصوب ان احبس لساني و اطلق لسانهم و اتكلم بما لايستوحش منه اكثرهم فاقول لما كان هذه الموجودات المتصاقعة في رتبة واحدة ظهور الواحد الحق وجب في الحكمة ان يكون علي نهج الارتباط و الائتلاف و حكمة الارتباط تقتضي ان‌يكون فيها دليل و مدلول عليه و علة و معلول و سبب و مسبب و قوي و ضعيف و عال و دان و يكون مرجع الكل الي واحد و يكون الخلق علي الترتب في القوة و الضعف و الصفاء و الكدورة و التوحد و التكثر فلاجل ذلك و اشباهه وجب ان‌يكون فيها واحد الطف و اصفي و انور و اقوي و ازهر و ابهي من الكل فيكون هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شئ عليم و علي كل شئ قدير يقدر علي تقليب ما يشاء كيف يشاء و علي تصريف ما يريد كيف يريد بالجملة كلما سمعت من الكمال او تسمع او لم‌تسمع او لن‌تسمع لايتجاوز هذا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 285 *»

الواحد و هذا هو المبدأ فيقاس الباقي اليه فكل من هو اشبه به اقرب اليه و كل من هو اقل شبها به ابعد عنه و كل من لايشبهه فهو في غاية البعد عنه فلما كان ذلك الواحد هو هكذا اتخذه الله عينه و يده و لسانه و جنبه و القائم مقامه و جعل امره امره و نهيه نهيه و طاعته طاعته و عصيانه عصيانه و هكذا جعل جميع ما يضاف اليه ما يضاف اليه و جميع ما يضاف اليه ما يضاف اليه و لا تنافي بين ان نفينا التأثير عن غير الله سبحانه و بين ان قلنا ان هذا المبدأ قادر علي تقليب ما يشاء و تصريفه فان تقليبه تقليب تكميل كاحراق النار للخشب مثلا و قد عرفت انه بالتكميل فالمبدأ الواحد جل شأنه يقدر ان يجعل السماء ارضا و الارض سماء و الدنيا آخرة و الآخرة دنيا و الغيب شهادة و الشهادة غيبا و كل شئ كل شئ بما جعل فيه من القدرة و القوة و الهيمنة و الكمال لانه اعظم اسماء الله المتعال و هو قدرة ذي الجلال فذلك المبدأ هو اول ما خلق الله سبحانه في تلك الرتبة و انورها و اشرفها اتخذه الله ضياءه المشرق و نوره المتألق فاشرق نوره في جميع اصقاع الاكوان كما ان الشمس جسم كساير الاجسام الا انها ضيئة يشرق نورها في جميع الآفاق فكل موجود في العالم كان اصفي قابلية و الطف و اعدل استشرق بنوره اكثر من غيره كما ان نور السراج مشرق في جميع البيت و هو جسم كساير الحيطان و الاواني و البسط و غيرها فاذا كان في البيت بلورة تستشرق من نور السراج اكثر من غيرها فاذا استشرقت تلك القابلية سطع منها نور و استشرق بذلك النور قابلية كانت دونها في الصفاء و اللطافة و الاعتدال و القابلية الثانية ليست من خلق الاولي كونا و لكنها مستشرقة بها كبلورة وضعتها علي السراج فاستشرقت به ثم وضعت علي تلك البلورة بلورة اخري و ليست الثانية من خلق الاولي و لكنها مستشرقة بالاولي و هكذا كلما وضعت بلورة تستشرق اللاحقة بالسابقة و ليست من خلقها البتة و جميع البلورات كونا من نوع مادة واحدة و ان تفاوتت في الكبر و الصغر و الصفاء و الكدورة و البعد و القرب فيحدث في كل بلورة مثال نور من السابق و يظهر علي حسب صبغها و عدمه و اعتدال هيئتها و اعوجاجها فهذا الوجود المركب من هذا المثال و هذه القابلية هو الوجود الشرعي و السلسلة الطولية في هذا المقام

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 286 *»

و في هذا الوجود لا نفس البلورات الم‌تسمع المشايخ اعلي الله مقامهم يقولون ان الانبياء خلقوا من شعاع نبينا9 و لم‌يقولوا ان موسي و عيسي خلقوا من شعاع محمد9 و كذا يقولون ان مؤمني الانس خلقوا من شعاع الانبياء و لم‌يقولوا ان الانس خلقوا من شعاع الانبياء ثم قالوا ان مؤمني الجن خلقوا من شعاع مؤمني الانس و لم‌يقولوا ان الجن خلقوا من شعاع الانس و هكذا قالوا الحيوانات المحللة الطاهرة من شعاع مؤمني الجن و النباتات النافعة الطيبة من شعاع الحيوانات الطاهرة و الجمادات الطيبة من شعاع النباتات الطيبة و لم‌يقولوا ان الجماد من شعاع النبات و النبات من شعاع الحيوان و الحيوان من شعاع الجن علي التعبير الكوني و انما ذكروا وصفهم الشرعي الايمان و مفهوم الوصف هنا حجة كقوله سبحانه لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة و لم‌يقل عن الذين بايعوك تحت الشجرة و كذلك قالوا في سلسلة الظلمة فقيدوا في كل رتبة الكفار و الاخابيث و لم‌يطلقوا فتبين ان مرادهم ذلك الوجود الشرعي فسحرة آل فرعون حين اصبحوا كافرين كانوا من حيث كفرهم من شعاع فرعون و شيعته فاذا امسوا مؤمنين صاروا من حيث ايمانهم من شعاع موسي علي نبينا و آله و عليه السلام و لو ارتدوا غدا لعادوا الي كونهم من شعاع فرعون و ذلك ان وجودهم الكوني ليس من شعاع فرعون و لا من شعاع موسي و الكل من نوع واحد كوني فلما آمنوا وقع علي مرآة قابليتهم شعاع موسي فاستشرقوا به علي حسب قابليتهم فصار ذلك الوجود الشرعي الذي هو ذلك المثال في تلك الهيئة شعاع موسي و هم اتصفوا به و هو روحهم الايماني الذي ايدوا به و ايمانهم الذي كتب في قلوبهم فالمؤمنون اي تلك الامثلة الواقعة في قلوبهم علي حسبها من شعاع موسي و اذا كفروا وقع في مرآة قلوبهم المنكوسة ظل فرعون علي حسبها فصار الكافرون اي تلك الاظلال الواقعة في قلوبهم علي حسبها من ظل فرعون افهم ما اقول لك فانه دقيق و ان اردت الشاهد علي ذلك من كلام الشيخ اعلي الله مقامه فهو قوله في شرح‌المشاعر حيث يقول خلق الله المؤمنين من نوره و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 287 *»

صبغهم في رحمته كما قال جعفر بن محمد8و لم‌يخلق المنافق من نوره نعم خلقه من شئ من الظلمة شبيه بالنور و لو فرض ان المنافق آمن خلق من النور حين آمن و هذا الذي اشير اليه خفي جدا قد انحطت عن نيله افهام العلماء و الحكماء و لايعرفه الا ائمة الهدي: و انما اوقفوني عليه و ان كتب لك اوقفوك عليه الي ان قال اعلي الله مقامه و الاشارة الي ذلك الامر الخفي الذي هو من سر القدر ان افراد نوع كل رتبة تؤخذ لهم مادة معراة عن حكمي السعادة و الشقاوة و تكون حصصا كل حصة قابلة للسعادة و الشقاوة و اذا دعاهم خلقوا من طينة اجابتهم او انكارهم و هذا الخلق الثاني فيه يخلق الله المؤمن المجيب من نوره و المنافق المنكر من الظلمة و هو الخلق الصوري الذي تنقلب فيه الحقايق الصورية الي آخر كلماته و تفهم ان الله سبحانه خلق الاناسي مميزين كقوم في بلدة او قرية معروفين مميزين عاقلين مختارين في مكاسبهم و اعمالهم مشغولين و ليسوا بمؤمنين و لا كافرين و ليسوا من شعاع مبادي الحق و لا من ظل مبادي الشر كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين الآية، فاذا بعث اليهم الرسول و اشرق نوره و ظهر امره فمن لبي دعوته استشرق قلبه بمثاله و هو روحه الايماني اوحينا اليك روحا من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و هو كان موجودا فاذا آمنوا صاروا مؤمنين و المؤمنون من شعاع الرسول و اذا كفروا صاروا كافرين و صاروا من ظل الجهل و الشقي الاول و هذا هو سر القدر و لو كان الاكوان بعضها ظل بعض كونا و عينا لاستحال تخلفها عما كونت عليه و لكانت الدعوة و ارسال الرسل و التحذير و الترغيب لغوا محضا اذا كان المؤمنون كينونتهم من النور و الكافرون كينونتهم من الظلمة و لاستحال ان يؤمن هؤلاء و يكفر هؤلاء نعوذ بالله من هذا القول بل الله سبحانه خلقهم مختارين فكانوا مخلوقين مميزين زيدا و عمرا و بكرا ثم ارسل اليهم الرسل فمنهم من آمن و منهم من كفر يعني منهم من استشرق بنور الايمان و منهم من استظلم بظلمة الكفر فصار المؤمن و هو وصف زيد و وجوده

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 288 *»

الشرعي من شعاع الرسل و صار الكافر و هو وصف عمرو و وجوده الشرعي من ظل المنافقين افهم ما ذكرت لك و اتقنه فانك لاتسمع ذلك اليوم من غيري و لا قوة الا بالله و لم‌يعرف مطالب المشايخ الا القليل و الحمد لله علي ما من به علينا من معرفة الحقايق و الاطلاع علي الدقايق.

فصل و اذ قد عرفت ان مراد المشايخ من السلسلة الطولية النورانية و الظلمانية ترتب مراتب الوجود في الوجود الشرعي دون الكوني و ان الاكوان المتصاقعة كلها من امكان رتبتها و من الماء الاول الذي منه كل شئ حي في تلك الرتبة و انما السلسلة الطولية التي ذكروها في الاوصاف الشرعية و الوجودات الثانية فاعلم ان انوار الاشياء علي حسب صفاء قابليتها و كدورتها ظهورا و خفاء و ان للادراك حدا معينا فاذا كانت القابلية الطف من قابلية الادراك يزداد النور خفاء عن هذا الادراك من جهة الاستعلاء و اللطافة فلايدركه هذا الادراك لانحطاطه عن درجته كما انك لاتدرك النار لصفاء قابليتها و هي اشد ضوء من الجمرة بسبعين درجة و لكن لطافتها اخفتها عن عينك و اذا كانت القابلية مساوية للادراك او مقاربة ادركها كما انك تدرك السراج و الجمرة و اذا ازدادت كثافة القابلية بحيث بلغت حد تغطية النور خفي النور ايضا عن الادراك لاستتاره بحجب غليظة حاجبة اياه عنه فافراد كل رتبة و ان كانت من ماء واحد نوعي او جنسي الا ان لها درجات و مراتب كما ان هذا العالم كلها من جنس الجسم الا انه منها عرش و منها كرسي و منها افلاك و منها عناصر و يختلف مادة الكرسي مع مادة العرش في اللطافة و الكثافة البتة فمادة الكرسي اكثف و لذا البست صورة اكثف و ما لم‌تتناسب المادة و الصورة لم‌يمكن اقترانهما كما ثبت في الفلسفة و كذلك مواد الافلاك اكثف من مادة الكرسي و لذا البست صورة اكثف و كذلك مواد العناصر و كذلك مراتب الخلق في رتبة واحدة فمنهم الخلق الاول اي محمد و آل‌محمد: فهم الطف و اشرف من كل الخلق ثم بعدهم نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و من في درجتهم سلام الله علي نبينا و آله و عليهم ثم بعدهم الاناسي ثم بعدهم الحيوانات

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 289 *»

ثم بعدهم النباتات ثم بعدهم المعادن ثم بعدهم الجمادات و اهل كل مرتبة في صفاء المدارك و المشاعر و كدورتها و قوتها و ضعفها علي حسب رتبتهم لامحة (لامحالة خ‌ل) و كذلك نور اهل كل رتبة علي حسب لطافة قابليتهم و كثافتها فنور محمد و آل‌محمد: لشدة صفاء قابليتهم المقاربة للغيب لطيف في غاية اللطافة الامكانية فلايدركه كل ادراك لضعف مداركهم و صفاء ذلك النور فلايدركه الا الانبياء فان مشاعرهم الطف جميع من دونهم و تناسب انوار آل‌محمد: و اشعتهم فهم يستنيرون بنورهم دون العالمين فاذا وصل المثال اليهم و غلظ في قابليتهم و اشرق لم‌يدركه الا اعين المؤمنين لانه يناسبهم و اعين من سويهم مرمودة عن درك هذا الشعاع فاذا وقع ذلك الشعاع في مرايا قوابلهم و اشرق مغلظا بغلظتها ادركه اعين الحيوانات الطيبة لانه يناسبهم و الخلق بالتدرج و اعين من دونهم منحطة عن درك هذا الشعاع فاذا اشرق في قلوبهم و ظهر عنهم ادركته اعين النباتات فاذا اشرق في قلوبهم و ظهر عنهم ادركته اعين المعادن و الجمادات كل ذلك لما عرفت ان النور يختلف بحسب القوابل و ان المدارك لاتدرك الا ما يشاكلها فلاجل ذلك لم‌يكن شعاع الحقيقة المحمدية الا وجودا شرعيا للانبياء لم‌يشاركهم فيه احد و لم‌يكن شعاع الانبياء الا المؤمنون و لم‌يكن لاحد في مثل الذي خلق وجودهم الشرعي الوصفي منه نصيب و لم‌يكن شعاع المؤمنين الا الحيوانات الطيبة و لم‌يجعل الله في ما وصل اليهم من ذلك الشعاع نصيبا لاحد و لم‌يكن شعاع الحيوانات الطيبة الا النباتات الطيبة و لم‌يشاركها فيه شئ و لم‌يكن شعاع النباتات الطيبة الا الجمادات الطيبة انظر في الكلام الحق كيف ينسبك من اوله الي آخره بلا اختلاف و كيف يصدق بعضه بعضا و يوافق بعضه بعضا و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

فصل انظر الي الشمس فانها جسم له طول و عرض و عمق و كم و كيف و جهة و رتبة و وقت و مكان كساير الاجسام السفلية فانها ايضا جسم مثلها الا ان الشمس لصفاء هويتها و غلبة روحانيتها مشرقة لامعة و الاجسام السفلية لكدورة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 290 *»

هويتها و انيتها و ضعف روحانيتها كثيفة مظلمة فاذا اشرقت الشمس عليها اضائتها و حصل لها صفة اخري فصارت نيرة بفضل نور الشمس المنيرة و هذه الاستنارة لها وجود ثان وصفي توصف بها و تسمي مستنيرة و ما ليس منها مقابلة للشمس ليست تسمي مستنيرة بل مظلمة و هما جسمان بحسب الكينونة و جسمهما صالح للاستنارة و الاظطلام و انما يستنير مستنيرهما بفضل نور الشمس و يظطلم مظطلمهما بالاحتجاب عن الشمس و يوصف كل واحد منهما بصفته التي حدثت لهما ثانيا فالجسم للشمس و لهما وجود كوني تشترك فيه و تفترق بالوجود الشرعي الذي هو الاستنارة و الاظطلام فالوجود الشرعي للمستنير ايضا له مادة و صورة مادته من مثال الشمس الملقي في هويته و صورته من قابلية المستنير التي هي مادته الكونية و صورته و المستنير صفة شرعية و شخص شرعي و اسم شرعي و هو من شعاع الشمس و نورها و اثرها من حيث المادة لا من حيث القبول و الصورة لان مثال الشمس المطروح علي القوابل صفة الشمس و هي غير ذاتها و هي منها كقيامك منك و كلامك و قعودك و ساير اعمالك لاتستغني هذه الصفات عنك و هي امثلتك المطروحة في غيب الامكنة و الاوقات و هي فعلك كما ان المشية فعل الله سبحانه و هي منك كيدك منك و قد مر ما يفيدك صفتها ان تفطنت و هذا النور المنبث من الشمس مثال يضرب لذلك للتفهيم فصفة المستنير اثر الشمس لا كون المستنير الذي هو الجسم المشارك فيه مع الشمس الم‌تسمع المشايخ اعلي الله مقامهم يقولون ان المؤمن اثر الانبياء و الكافر ظل رؤساء الضلالة و لم‌يقولوا ان الاناسي ظل الانبياء و لو كان بعض الاناسي بكينونتهم من نور الانبياء و بعضهم بكينونتهم من ظل الضلال لكانت الدعوة و الوعد و الوعيد لغوا و الحال ان الله سبحانه ابتلي خلقه بالدعوات الشرعية و الامر و النهي و الوعد و الوعيد و جعل لكل عمل جزاء خاصا فالاناسي من حيث الكينونة صالحون للايمان و الكفر و يمكن لكل واحد ان يكون مؤمنا و ان يكون كافرا قال سبحانه انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا و قال يهديهم ربهم بايمانهم و قال لعنهم

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 291 *»

الله بكفرهم و استتاب الكافرين و المنافقين فاذا آمن انسان صار بعد ايمانه بايمانه من شعاع الانبياء فوصف المؤمن الحادث له من شعاع الانبياء و اذا كفر انسان صار بعد كفره بكفره من شعاع رؤساء الضلالة فوصف الكافر الحادث له من شعاع رؤساء الضلالة نعم اذا آمن انسان انقلب مادته الكونية في بطن وصف المؤمن الي الطهارة و الطيب فصار طاهرا طيبا لطيفا و لذلك يجوز ان يدخل الجنة و يترقي في درجاتها ككلب وقع في المملحة فصار ملحا طاهرا بمادته و صورته فيأكله الانبياء و المؤمنون و يصير جزء بدنهم و يصير مهبط الانوار و ينطق بالحكمة و اذا كفر انسان انقلب مادته الكونية في بطن وصف الكافر الي الخبث و الكثافة و لذا يجوز ان يدخل النار و يتنزل في دركاتها كلحم طيب اكله الكلب فصار نجسا رجسا يتنزه من مسه الانبياء و المؤمنون فالانسان من حيث هو انسان ليس بشعاع الانبياء و لا بشعاع رؤساء الضلالة و انما المؤمن من شعاع الانبياء و الكافر من شعاع رؤساء الضلالة و كذلك الحيوانات و النباتات و الجمادات علي هذا النسق حرفا بحرف و كذلك النبي فان وصف النبوة ايضا وجود شرعي يجوز ان يسلخ عن شخصه فلايكون نبيا و لو شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك و ليس بمحض تخويف و غير ممكن فالانبياء من شعاع خاتم الانبياء و خاتم الانبياء ايضا وصف فافهم و تبصر فقد والله القيت اليك مر الحق ان عرفته.

فصل اذا عرفت ان الوجودات الشرعية بعضها نور بعض علي حسب ما ذكرنا آنفا فلنذكر الآن ان وجود الداني الشرعي له مادة و صورة كما كان لوجوده الكوني مادة و صورة فمادة وجوده الشرعي نور فضل من لطيفة العالي و مثال منه القي في هوية الداني بعد ان تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت و ذلك المثال بالنسبة الي العالي كنور الشمس و شبحها في المرآة و لكن هنا مطلب دقيق بالتحقيق حقيق و هو ان الله سبحانه بعد ان خلق الماء الاول لا من شئ بلا سبب خلق كل شئ من ذلك الماء بسبب و حكم في هذه العرصة بحكم عدله الربوبي ان لايجري فعل من سبب علي مسبب الا بقبول ذلك المسبب و علي حسب قبوله

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 292 *»

فالسبب و ان كان كاملا قويا لايظهر اثره الا اذا قبل القابل و كيفما قبل و ذلك حكم العدل الساري من الدرة الي الذرة انظر الي الشمس في قوة انارتها ليس يظهر لها نور ما لم‌يكن كثيف و ليس يظهر نورها علي الجدار مثل ما يظهر علي الماء و ذلك ان الفاعل و القابل يدان للرب لا فضل لاحدهما علي الآخر بالنسبة الي الرب و ان كان بينهما فضل بالنسبة التي بينهما افهم ما اقول فالفاعل يحدث منه الاثر صدورا علي حسب صفة الفاعل و لكن يظهر ظهورا علي حسب قبول القابل فان قبل ظهر و الا لم‌يظهر و ان كمل قبوله كمل ظهوره و ان نقص نقص و ان طابق القابلية صفة الفاعل وافق الظهور الصدور و ان خالفت خالف و ان اسرعت الاجابة قارن الظهور الصدور و ان ابطأ تراخي عنه بالجملة لايوجد في عرصة التشريع موجود الا بفاعل و قابل كما عرفت فاذا عرفت هذه المقدمة السديدة نقول انا قد بينا سابقا ان درجات الاكوان متفاوتة و ان كان كلها من ماء واحد و ذلك لاجل انها فعليات صلوحات ذلك الماء و لابد و ان يظهر فان تمام البطون الظهور و الحكمة تقتضي ظهور ما في الامكان في الاكوان و كون ما في الاكوان في الامكان و تلك الدرجات منها متقاربة متشاكلة و منها متباعدة متباينة و منها سريع المطاوعة و منها بطئ المطاوعة و من البين ان كل شئ الي الانقلاب الي مقاربه اقرب من الانقلاب الي مباعده و الرقيق اللطيف اسرع مطاوعة من الغليظ الكثيف و الشئ اطوع لما يشاكله و اعصي لما يخالفه فاذا كان الامر كذلك اختلف ظهور آثار الاسباب في المسببات علي حسب ما ذكرنا فلا كل متكمل يتكمل بفعل مكمل حتي يصير مثله مستقلا بعده و لا كل قابلية يطاوع فعل كل فاعل و انما الاشياء مايلة الي اشكالها نافرة عن اضدادها و لا كل مطاوع يطاوع كمال المطاوعة فبقدر تنافر القابل للفاعل يختلف المطاوعة اللهم الا ان يكون القابل موافقا للفاعل من كل جهة فحينئذ يطاوعه حتي يصير مثله يعمل مثل عمله و لو فهمت ما اقول لصار عجبك بهذه المطالب اعظم من عجبك بفهمك و قل:

قد يطرب القمري اسماعنا       ** * **      و نحن لانعرف الحانه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 293 *»

 

بالجملة اذا صدر النور عن العالي الكامل و انبث في عرصات القوابل فمنها ما لم‌يدرك ذلك النور للطافته و كثافة مشعره حتي يطاوع ام لا و منها ما ادرك و لم‌يطاوع لمنافرته للفاعل و ادباره عنه و منها ما ادرك و طاوع و منعه كثافة انيته في الجملة و منافرته في الجملة ان يطاوعه حق المطاوعة كما شاء و اراد و هم في ذلك متدرجون و منها ما ادرك و طاوع حق المطاوعة حتي تكمل و صار مثله قائما مقامه و ذلك مثل نور الصادر الاول حيث اشرق علي القوابل فلم‌يدرك نوره احد غير الانبياء لعلوه عن مشاعرهم و اما الانبياء فقد ادركوا و طاوعوا علي حسب تفاوت مراتبهم و لم‌يدعهم غلظة الانية ان يطاوعوا حق المطاوعة حتي يصيروا مثله و اما اخوانه و الذين هم منه فقد طاوعوا حتي صاروا مثله و لذا قال اميرالمؤمنين7 انا من محمد كالضوء من الضوء، و اما رؤساء الضلالة فقد ادركوا و ادبروا فلم‌يطاوعوا و كذلك نور الخلق الثاني بعد ما اشرق فلم‌يدركه اعين ما سوي الانسان لارتفاعه عن مداركهم و اما الانسان فقد ادرك لصفاء ادراكه و رقته و لكن منهم من لم‌يطاوع كاتباع المنافقين و منهم من طاوع كالمؤمنين علي اختلاف درجاتهم و لما كانت قابلياتهم غليظة بالنسبة كثيفة لم‌يطاوعوا حق المطاوعة فلم‌يصيروا (در غلطنامه مجموعه21: «فلم‌يصير» غلط و «فلم‌يصر» درست آمده@) مثلهم و اما اوصياؤهم فقد طاوعوا حق المطاوعة حتي صاروا منهم كالضوء من الضوء و قاموا مقامهم و هكذا كل مرتبة بعد مرتبة و مثال ذلك السراج المشرق علي دهن آخر و المرآة و الجدار فان الدهن يتكمل منه شيئا فشيئا بالمشاكلة و الصلوح حتي يشتعل فيصير سراجا كالسراج الاول و يقوم مقامه و اما المرآة فتدرك السراج و تستنير به و لاتشتعل فاذا غاب السراج ذهب نورها بالكلية فانها لبعد قابليتها عن السراج لم‌تخرج ناريتها الكامنة من القوة الي الفعلية و اما الحائط فليس يحكي نور السراج كما ينبغي و ان كان محجوبا عن السراج يكون مظطلما هذا و الفاعل في الكل هو السراج و ليس الاختلاف في اشراقه و انما الاختلاف في قبول القوابل افهم ما اذكره لك و لو شاء الله ان يقلب القوابل كلها و يجعلها صالحة للانفعال كالدهن لفعل لان فيها الصلوح و كلها من العناصر و لكن جري تقديره علي نهج التدبير انظر الي ما ذكره القمي في تفسير قوله

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 294 *»

تعالي و لو شاء الله مااشركوا قال و لو شاء الله ان يجعلهم كلهم مؤمنين معصومين حتي كان لايعصيه احد لفعل و لكن امرهم و نهيهم و امتحنهم و اعطيهم ما له عليهم به الحجة من الآلة و الاستطاعة ليستحقوا الثواب و العقاب و ليصدق ما قال الله من التفضيل و المغفرة و الرحمة و العفو و الصفح انتهي، و انما ذلك لان الفاعل و القابل يدان منه يقلبهما كيف يشاء و لكن اقتضي الحكمة ظهور جميع فعليات المطلق و جميع انواع الخلق و اصنافه من الفعليات و لا بد و ان‌تظهر فلما كان التدبير كذلك و اشرق المشرق قبل كل قابلية علي حسبه و لم‌يقبل المدبر المعرض فلاجل ذلك اختلف مراتب الخلق في الاستنارة من المنير و عدمها و ترتبت علي نحو الطول و العرض فكل خلق دان لم‌يطاوع العالي كل المطاوعة لكدورة قابليته صار استنارته كاستنارة الجدار من السراج فما دام السراج مشرقا عليه يكون مستنيرا فاذا رفع اشراقه فنيت استنارته و لم‌يكن له من نفسه نور فهذا الداني بالنسبة الي العالي عليه طولي شرعي و هو اثره من حيث الاستنارة التي هي الوجود الشرعي و له مادة هي مثال العالي الصادر منه و صورة من نفس قابليته فافهم و تبصر.

فصل اعلم ان القابلية في الكون من نفس المادة بل هي نفسها من حيث هي فاذا اوجدها الفاعل تنوجد اي تصير هي هي علي ما جعلها و اما في الشرع فليست الماهية من نفس الوجود بل جميع الوجود الكوني و الماهية الكونية معا و هما قائمان بالموجد الكوني دون الموجد الشرعي كالموجد الشرعي ماهية و وجودها مثال الموجد الشرعي و شبحه الملقي علي ذلك الموجود الكوني و صورته من هيئة ذلك الموجود الكوني فلما وقع المثال علي ذلك القابل حدث بينهما حالتان اخريان فانهما لما اقترنا عمل المثال في الموجود القابل و احاله عما كان عليه من الكدورة و الكثافة الي شكله فحدث له حالة ثانية و عمل القابل في المثال الفاعل و صبغه بصبغه و احاله الي طبعه فحدث له حالة ثانية له

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 295 *»

فالمثال المستحيل هو الوجود الشرعي و القابل المستحيل هو الصورة الشرعية و اختص ذلك المثال المستحيل بتلك الصورة و اختصت تلك الصورة بذلك المثال و اما المثال قبل الاستحالة فلا اختصاص له بذلك الشخص و ليس بمادة لوجوده الشرعي و كذلك القابل قبل الاستحالة هو وجود كوني صالح للايمان و الكفر و ليس بصورة مؤمن و لا كافر فالوجود الشرعي يتولد من بين المثال و الكون و هذا الوجود هو اثر العالي و شعاعه و نوره نسبته اليه نسبة الواحد الي السبعين و هذا الوجود الشرعي ليس مادته من نوع مادة المؤثر و لا صورته من نوع صورته فانا قد بينا سابقا ان اثر الشئ غير نفسه و هو ظهوره بفعلية من فعلياته التي كانت كامنة فيه بالقوة و هو قوله7 القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله، فالمثال هو آية الاحد التي قد كمنت فيك فظهر افعاله عنك بعد ما انصبغ فيك بصبغك و تلك الافعال كمالات ذلك المثال لا فرق بينها و بينه ظهورا و وجودا و انما الفرق في الجمعية و الكلية لا بمعني ان المثال كلها او جميعها نعوذ بالله بل بمعني عدم الاثر بمادته و صورته بل بذكره في ذات ذي المثال فاذا لا شئ الا هو و كون الاثر في رتبته له مادة محدودة بحدودها مصورة بصورها لازمتان مقرهما و صقعهما لاتتجاوزان حدهما فلايكون الاثر عين المؤثر فان الاثر مركب من اجزائه و المؤثر مبرؤ عن كثراته و لايكون الاثر كما يزعمون درجة من درجات وجود المؤثر و منزلة من منازله بان يكون اعلي تلك الدرجات درجة المؤثر بنفسه و اسفلها درجة الاثر نعوذ بالله فان ذلك تجزية له و تحديد له بنحو حدود الاثر و قد اخلي منه مكان و اشغل به مكان او جزي و حصص و ليس المؤثر صرفا و الاثر شوبه بشئ آخر عدمي كما يزعمه قوم فان ذلك يقتضي تغيره و اقترانه ان سامحناهم و الا فالشوب بالاعدام مما لا معني له و كذا لايعقل شوبه بشئ وجودي فان ذلك تغيير و ليس الاثر و المؤثر فردين من صنف او نوع او جنسين فيكون ذلك الكلي مقسما و يكون كل واحد منهما قسما منه مع مميز خاص فان القسمين من مقسم واحد مبهم لايعقل ان يكون احدهما موجدا للآخر و يكون احدهما فرعا تابعا لوجود الآخر و كذلك ليس النسبة بين الاثر و المؤثر التشكيك

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 296 *»

بان يكونا من مقسم واحد الا ان احدهما اشد لعين ما مر و لايعقل ان يكون المؤثر كمال الاثر و حقيقته و تأصله فان جميع ما يضاف الي الاثر محدود بالاضافة و ما لايضاف فليس منه و المؤثر ايضا احدي لايعقل فيه كونه كمال شئ فان ذلك تركيب و تكثر بالجملة الاثر معدوم في رتبة ذات المؤثر بالكلية و ذات المؤثر ممتنعة في رتبة الاثر بالكلية نعم الاثر مذكور في رأس من رؤس الفعل الخاص من المؤثر المتعلق بذلك الاثر فانه علي هيئته و هيئته مذكورة فيه كذكر الالف في حركة يد الكاتب و لكن الشأن في معرفة هذا القول المجمل و الاشارة اليه ان كل اثر عند مؤثره القريب مخلوق بنفسه و هو من حيث التعيين رأس من رؤس مشية العالي التي هي هو من حيث الابهام الصالح لكل تعين فالاثر من حيث التعيين مذكور في حده و مقامه من حيث انه رأس من رؤس المشية الكلية له فلايشابه الا نفسه و لايذكر الا في حده و ذات المؤثر و ظهورها الابهامي الكلي بريئان عن المشابهة به بالجملة مادة الاثر مخترعة في مقامه ليست من مادة المؤثر و صورته مبتدعة ليست من صورة المؤثر يعني من ذاته لا من وصفه المؤثر فانه في رتبة الاثر لاتحاد حروف اصولهما كما بيناه في علم الاشتقاق فمثال الشمس الذي هو الممثل به في هذا المقام هو اثر ذات الشمس و فعل من افعالها و كمال من كمالاتها اخترعه الله سبحانه بها لا من شئ و ابتدعه لا علي احتذاء شئ و هو قائم بها قيام صدور من امرها لازم لرتبته و هو امرها الذي اوجدته بنفسه ليس بينه و بينها ارتباط و لا نسبة و هذا الذي تري عليها احد مثلها المقارن لوقتك تراه بما يقارنه من مثال عينك فاذا القته و اثبتته في عرصة الدهر و جاوزت انت ايضا الموضع المقارن له و طرحت ما كان يقارنه من مثالك لاتراه الآن بعينك التي لاتقارنه و انما تدركه بمشاعرك المثالية البرزخية و الفرض ان ما سمعت مشايخنا يقولون ان نور الشمس اثر الشمس فمرادهم من النور ذلك المثال و هو نور الشمس و ظهوره و الشمس بذلك المثال شمس مستنيرة منيرة اذ لولا صورة زيد الخاصة لم‌يكن زيد

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 297 *»

زيدا و اما هذا النور المستطير في الجو بالنسبة الي القرص فليست النسبة بينهما اثرية و مؤثرية و انما هي علي نحو التكميل كما مر آنفا نعم نسبة هذا النور الي القرص اشبه شئ بالمعني المقصود للتمثيل فالذي يري في المرآة شيئان تأثير و تكميل بالجملة غرضنا في هذا الفصل ان الاثر و المؤثر لايشتركان في الرتبة و في المادة و الصورة و ليس الاثر مذكورا في رتبة ذات المؤثر و ان قلت انك قلت سابقا ان الذي خلق لا من شئ هو الماء الاول ثم كل شئ منه و هنا تقول ان الاثر من المؤثر لا من شئ فكيف الجمع بين هذين المتناقضين قلت ان الله سبحانه خلق الامكان بنفسه و من نفسه و علي هيئة نفسه و لااعني نفس الذات بل نفس الامكان ثم خلق من هذا الامكان كل كاين و ليس معني ذلك تحصيص (تخصيص خ‌ل) الامكان فان الامكان لايقارنه شئ غيره يقطعه بل كل شئ منه و اليه و فيه بل المراد ان جميع الاكوان بمادتها و صورتها قائمة بالغير فاذا نظرت اليها بالنظر الابهامي الجمعي تري كلها علي معني واحد فكل كون في هذا اللحاظ ينعدم كونه و يصلح ان يكون غيره هذا معني ان الله سبحانه خلق الامكان ثم خلق منه الاكوان و لكن مطالب الحكمة دقيقة و لايمكن شرح كلها في مكان واحد فاذا سمع الجاهل شيئا منها توهم ما يخالف الواقع فيفرع عليه حتي انه لو سمعنا نقول ان الله خلق بحر الامكان اول ثم خلق منه الاكوان يتوهم بحرا اول ثم يزعم انه اغترف منه غرفة لكل موجود و البست صورة خاصة و لعل شطر منها بقي علي بحريته لم‌يغترف الي الآن و سيغترف و نحن لانعني به ذلك بل لم‌يكن امكان بلا كون و لا كون بلا امكان و لا امكان الا في الكون و لا كون الا في الامكان و مثلهما كمثقال مداد كتبته كتابا فلا مداد لك الا في ضمن الحروف و لا حروف الا من ذلك المداد و ذلك المداد الذي ليس شئ غيره اذا نظرت اليه بنظر المداد لاتري غيره و هو صالح لهذا الكتاب و لغيره و ان نظرت اليه بنظر الكتاب فهو كون خاص و بامكانه صالح لان يمحي و يجمع مداده و يكتب به غيره افهم ما اقوله لك فان شئت قلت ما سوي الله اكوان و ان شئت قلت امكان و لكن الاكوان صالحة لان تمحي و تكتب بامكانها غيرها بالجملة ان الله سبحانه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 298 *»

خلق الشمس و خلق بالشمس نورها و بنورها نور نورها و جميع ذلك اذا نظرت اليها بنظر الامكان امكان لا تمايز بينها فيه و كل ذرة منه صالحة لان يكون اثرا و مؤثرا فخلق الشمس نورها لا من شئ يعني به لا من كون و مادة مكونة و لايعني به انه غير ممكن و الامكان لايكون مادة لشئ و ليست المادة بحصة من الامكان ضم بها غيرها فليس الامكان مادة لشئ ابدا فان المادة ما يضم بها صورة و هي غيرها و لا شئ غير الامكان فالامكان مادة الكل و صورة الكل و الكل و لا شئ غيره ففي اللحاظ الامكاني لا اثر و لا مؤثر و في اللحاظ الكوني خلق المؤثر اثره لا من شئ و ان قلت كيف يعقل ان يخلق بعض الامكان بعضا و هو في صقعه قلت ان الامكان امكانان امكان مطلق و ليس فيه بعض و بعض و انما هو احدي بالنسبة الي ساير الامكانات و امكان مقيد و هو نفس الاكوان كما عرفت فكما انه خلق كون بكون خلق امكان بامكان و لا ضير و لايجتمعان الا في صحة اطلاق المطلق و هو يعم الكل و هناك لا اثر و لا مؤثر و قربه الي الاثر كقربه من المؤثر فافهم و لو اردنا ان نشرح جميع مقامات الاشكال لفني العمر قبل ان يفني المقال.

فصل اغلب ما ذكرنا في هذا الباب كان في شرح معني الطول الشرعي و كيفية صدور الاثر من المؤثر و في دون ما ذكرت كانت كفاية و بلاغ الا اني بسطت القول لخفاء هذه المسائل و بعد الاذهان عنها و لانه لم‌يسألني احد قبل السائل ايده الله و لم‌تكن في كتب المشايخ مبسوطة فدعاني جميع ذلك الي بسط القول و قد وفيت به و الحمد لله فلنشرح (فلنشر (غلط‌نامه رسائل21)) الآن علي نحو الاجمال المحض الي السلسلة العرضية لانه غير محل السؤال و لكن به تمام المقصود فان الاشياء تعرف باضدادها اعلم ان الاثر اذا صدر من المؤثر صدر و هو كامل فيما هو به هو غير فاقد لشئ مما يجب في كونه هو فان المؤثر اوجده لا من شئ و هو قائم بمؤثره مستغن به عن غيره فهو كامل فيما هو به هو و له في كونه اثرا مبدأ و منتهي فانه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 299 *»

محدود عند مؤثره و له من مبدئه الي منتهاه مراتب مختلفة في الرقة و الغلظة و القوة و الضعف و ساير الاضداد فهذه المراتب الذاتية المختلفة للشئ هي السلسلة العرضية عندنا و قد شرحنا قبل ذلك في هذا الكتاب شطرا مما ينبغي الرجوع اليه فهذه المراتب كلها من مادة واحدة نوعا الا ان لها مراتب عديدة في اللطافة و الكثافة فليس مادة العقل و مادة النفس سواء في اللطافة و الكثافة بل مادة العقل لطيفة بحيث انها تصور بالمعنوية و الكلية و مادة النفس كثيفة بحيث انها تصور بالصورية و الجزئية و الصور علي حسب المواد فلا كل صورة تلبس علي كل مادة و تدرج هذه المراتب كتدرج نور السراج فالحصة البعيدة منه اكثف و ابرد و اظلم من الحصة القريبة فلو اخذ حصة من القريب لاتلبس ما ينبغي ان يلبس علي البعيد و لو اخذ حصة من البعيد لاتلبس ما ينبغي ان يلبس علي القريب بل يلبس كل منها ما يناسبه و هذه الكثرات في الاثر لانها امكاناته الذاتية و يقتضي الحكمة اظهار جميع ما في الكيان الي العيان الا ما يقتضي عدم خروجه ابدا لان به اختلال النظام و فساد التدبير فهذه الكثرات في امكان الاثر تكون بالقوة و لا بد و ان تظهر و ظهرت و الفرق بينها و بين آثارها هو الفرق بين الاحد و الواحد و الجوهر و العرض و يمثل له بصورة وجهك المتصلة به و اشباحها في المرايا و لكن هذا المثال فيه خفاء كما مر و ينبغي لك التدبر فيه فالشخص في آثاره كالاحد في الاعداد فنسبة العدد الي الاحد طولية و نسبة الاحد في نفسه عرضية فالاحد ما لم‌يتم لم‌يظهر بالاعداد و ان كان و لم‌يكن ابدا بلا اعداد و لم‌يكن ابدا اعداد بلا احد و ان كان هذه الاعداد هي وجود الاحد الظهوري الا ان حقيقة الاحد فوق هذه الاعداد رتبة و كذلك ما لم‌يتم خلقة الشئ في نفسه لم‌يحدث منه الآثار و تمامه في نفسه بالسلسلة العرضية و مراتبها من تمام ما به الشئ شئ و لولا رتبة من رتبها لم‌يكن باقي الرتب موجودا ابدا آه آه لايمكن للعالم شرح جميع ما يعلمه فان من العلم ما يحتمل و من العلم ما لايحتمل و ما يمكن ان يقال لايمكن شرح جميعه في كتاب واحد او يوم واحد في مجلس واحد فالمستعان بالله و لا قوة الا بالله.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 300 *»

الباب الخامس في نتيجة الابواب السابقة و تسمية كل مرتبة من مراتب السلسلة الطولية و شرحها و اقامة البرهان عليها مما يلهمنا الله سبحانه اياه و يعرفنا و لا قوة الا بالله و في هذا الباب فصول:

فصل اعلم ان من تدبر فيما ذكرنا من الابواب و الفصول و فتح الله عين بصيرته عرف بلا غبار ان المواليد التي في ملك الله سبحانه في رتبة واحدة كونا ليس بينها اثرية و مؤثرية لانها كلها من مادة واحدة و هي جوهر هذا العالم و ارواحها ايضا من مادة واحدة و هي جوهر غيب هذا العالم و غيب جوهر هذا العالم و انه لكل دان منها ان يلحق بالعالي و كلها من ظهورات مشية الله سبحانه الظاهرة بمطلق تلك الرتبة و فعلياتها كما مر و ليس بينها بالنسبة اليها ترتب و نسبة المشية الي ادني الخلق كنسبتها الي اعلي الخلق بلا تفاوت و كلها مخلوقة بنفسها لديها و قد مر قليل في ذلك و بسطنا القول فيه في الفطرة السليمة و اما الترتب فهو عند ملاحظة بعضها الي بعض و هذه هي التشريع في اصطلاحنا فلا ترتب في افراد الرتبة الواحدة الا في الوجودات الشرعية ففي التشريع للافراد مبدأ و منتهي و اوساط و بعضها اقرب الي المبدأ و بعضها ابعد و ليس الله سبحانه بمبدأ للخلق و ليس بينه و بين خلقه نسبة حتي يكون بعضها اقرب اليه من بعض و بعضها اشبه به من بعض نعوذ بالله و كذلك مشيته اذ خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية هذا اذا اخذ المشية الظهور الاعظم الاطلاقي في كل رتبة و ان اخذ المشية مبدأ الافراد فهي المشية التشريعية و هي اول الافراد و بينها و بين ساير الافراد ترتب فالمشية مشيتان كونية و شرعية فلاتغفل فبالمشية الشرعية يخلق الوجودات الشرعية و بالمشية الكونية يخلق الوجودات الكونية علي نسبة واحدة فالاكوان ظهور المشية الكونية ظهرت لها بها و الوجودات الشرعية ظهور المشية الشرعية ظهرت لها بها و السلسلة الطولية الشرعية هيهنا لا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 301 *»

في الاكوان فتدبر و انصف و اترك الاستيناس بما سمعت ممن لايعرف ما يقول.

فصل قد اجمع المسلمون علي ان محمد بن عبدالله9 اشرف الكاينات و اكمل الموجودات كونا و شرعا و نطق بذلك الكتاب حيث يقول امرت ان اكون اول المسلمين و انا اول العابدين و تواتر بذلك الاخبار انه لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و لااظن لذلك منكرا ينكره فهو اول الخلق و مبدؤه كونا و شرعا فهو المشية الكونية كونا و الشرعية شرعا و جميع الخلق بعده يقاس به فمنهم قريب منه و منهم بعيد عنه و لذلك روي في حديث طارق بن شهاب الامام قدرة الرب و مشيته و في حديث علي بن الحسين7 و اما المعاني فنحن معانيه و جنبه الي ان قال و امره و حكمه اذا شئنا شاء الله و يريد الله ما نريده و في قنوت الحسين7 جعلت قلوب اوليائك مسكنا لمشيتك و ممكنا لارادتك و جعلت عقولهم مناصب اوامرك و نواهيك فانت اذا شئت ما تشاء حركت من اسرارهم كوامن ما ابطنت فيهم و ابدأت من ارادتك علي السنتهم ما افهمتهم به عنك في عقودهم الدعاء، فاذا كان محمد9 اول الخلق بالكتاب و السنة و الاجماع كونا و شرعا فهو المبدء الذي يقاس به الكل و قد عرفت انه لايضر بالمقام كونه ظاهرا بشرا و لما كان اشرف الخلق و اول الخلق لا بد و ان يكون الطف الخلق كينونة و اشرفهم سجية و اعدلهم طبيعة و اشدهم روحانية لانه بها صعد الي مدارج الكون حتي صار اوله فاذا كان كذلك كان اعظم الخلق نورا و اقويهم بهاء و ظهورا و لو شئت ان ابين لك مقدار شرافته و لطافته و روحانيته و اعتداله و اعطيت بقدر جميع الخلق لسانا و عمرت عمر الدهر ماقدرت علي عشر من معشاره فانه فوق مداركنا و مشاعرنا في الصفاء و البهاء و الضياء و الاعتدال و هو بشر في مقام القطبية مثلنا الاتري ان الهواء جسم مثل التراب و انت لاتدركه بعينك بل البلورة حجر كساير الاحجار و انت لاتريها و الافلاك جسم كساير الاجسام و انت لاتحسها فكون

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 302 *»

شئ مثل شئ في النوع و الجنس في الوجود العرضي لايوجب ان يكون مثله في الذاتية و لا في الشخصية ثم من المخاطب بكم و لا شك انك تقول كل الامة او البشر فان عممت المثلية فقل نعوذ بالله انه مثلهم في الجهل و الاعمال القبيحة و ان قلت لا في الاخلاق بل في الوجود الجسماني اقول اذا عممت المثلية فقل انه كان مبتلي بجميع الامراض الجسمية و ان قلت لا في الاعراض و الامراض بل في نفس الجسم اقول فقل كان اسود كالزنج مثلا و قبيح المنظر نعوذ بالله و ان قلت لا بل في نفس كونه انسانا بشريا يصدق عليه انه بشر اقول فلذلك درجات و مراتب و اعلاه ما ذكرنا كما ان للجسم درجات و مراتب و اعلاه جسم العرش فالعرش يقول للعناصر انا بشر مثلكم الا انه يوحي الي كذا و كذا من الامر و النهي بالجملة هو الطف من كل الخلق في كينونته الاصلية و ان لبس لباس الاعراض التي يخلعها عن وشيك و قد خلع فلما كان كذلك كان اشد نورا و قوة و قدرة و علما و احاطة من كل الخلق حتي انه لايحجب انيته و هويته ما وراءها من كمالات الله سبحانه و قدرته و مشيته و ارادته مقدار ذرة فقد افني نفسه بالكلية و اظهر ربه بالكلية و لو كانت لهذه الافواه الفاغرة اوكية او كانت لهذه الصدور سعة لكنت ارخي عنان القلم شيئا ليستريح بالجولان في اكناف هذا الميدان و لكن هم التحمل اهون عندي من هم الحملات فلنقبض العنان و نتكلم بظاهر البيان فهذا الوجود الشريف لاجل ذلك صار عند مشية الله سبحانه في مقام القطبية كالحديدة المحماة فاشرق في عرصات الاكوان و القوابل كاشراق الشمس في الدنيا و لذلك سماه الله سبحانه السراج المنير و الشمس و ذلك ايضا قد تواتر به الاخبار ان الله سبحانه خلقهم اول ثم خلق من نورهم ما سويهم من الطيبات بحيث لايحتاج الي بيان لانها قد ملأت الاصقاع و طرقت الاسماع و المراد من خلق ما سواهم من الطيبين بهم خلقهم التشريعي و هو خلقهم الثاني في الرفرف الاخضر تحت ورقة الآس حين قال لهم بذلك النور المستطير الست بربكم فمن قال بلي خلق خلقا ثانيا فاذا لهذا الخلق ماء من ذلك السؤال و هو الماء العذب و طين من الاجابة فخلقهم خلقا شرعيا

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 303 *»

بعد ان كانوا ذرا يدبون مكونين مميزين فهذا الوجود الشريف في مقام القطبية هو اول خلق و اول رتبة من السلسلة الطولية النورية فاحفظه و كن من الشاكرين و اما خلفاؤه و آله المعصومون صلوات الله عليهم اجمعين فقد قام الاجماع من الاثني‌عشرية انهم من طينته و نوره و روحه و نفسه و تواترت بذلك اخبارهم و نطق بذلك الكتاب في آية المباهلة و غيرها فلما كانوا منه و هو منهم كانوا في رتبته و درجته و كانوا جميعا مبادي للخلق يجتمعون في الحقيقة و يتفرقون في الظهور و يجري علي آخرهم ما يجري علي اولهم و لذلك كان لاحقهم خليفة سابقهم و لايحتاج الاثناعشري في ذلك الي دليل ازيد من ذلك فهم في اللطافة و الحكاية سواء و جميعهم في رتبة واحدة من السلسلة الطولية و هي الاولي فتدبر.

فصل ثم لا شك و لا ريب ان الانبياء سلام الله عليهم حجج الله علي خلقه و خلفاؤه في عباده و القائمون مقام الله في اداء اوامره و نواهيه في بلاده و مهابط وحي الله سبحانه و مختلف ملائكته و جميع ذلك من الضروريات و نطق به الكتاب و السنة و قام عليه الاجماع و لا شك انهم كانوا حجج الله علي ساير العباد و العباد محجوجون بهم يجب عليهم متابعتهم و قد اعطوا من القوة و القدرة ما يقيمون به الحجة عليهم بالمعجزات الباهرات و الآيات البينات التي هي من آثار مشية الله سبحانه فقد جعلوا اوكار مشية الله في اظهار خوارق العادات و مخازن علم الله لابلاغ اوامر الله سبحانه و نواهيه و تعليم مصالح الخلق و هم ادلاء عليه سبحانه اما رسلهم فلا شك في كونهم علي الصفات المذكورة و اما ساير الانبياء فان لم‌يكونوا رسل الله في ايصال امر او نهي و لكن كانوا حملة المعارف للتعليم و حملة الامر و النهي لانفسهم و هذا ايضا مما لا شك فيه فحقايقهم و كينوناتهم علي خلاف حقايق الرعية و كينوناتهم لان الرعية لاينزل عليهم الوحي بتة لا تأسيسا و لا تأكيدا و غاية علومهم الرواية عن الحجة و ان ترقوا بالمجاهدات ينكشف لهم الحقايق فيعرفونها معاينة و يثبتون عليها بالموازنة بالكتاب و السنة و الاجماع فاصل نوع الانبياء تشريعا و تكوينا غير نوع الرعية و ان كانوا في مقام القطبية

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 304 *»

بشرا كساير الرعية كما عرفت الاتري انه قد قام الاجماع من الاثني‌عشرية علي كونهم معصومين و لم‌يقل قائل بعصمة غيرهم من الرعية ابدا فنوع المعصوم غير نوع غير المعصوم بتة و الدليل علي عصمتهم من الكتاب قوله سبحانه اولئك الذين هدي الله فبهديهم اقتده و لايعقل ان يأمر الله سبحانه نبيه المعصوم بالاقتداء بغير المعصومين و يقول الله سبحانه ان الله لايهدي القوم الظالمين فثبتت الهداية للعادلين فالانبياء عادلون و قال لاينال عهدي الظالمين فلما ثبت انهم عادلون فقد نالهم عهد الامامة و هم ائمة الخلق الذين امروا بالاقتداء بهم و الدليل علي انهم من نوع واحد قوله سبحانه ما اوتي النبيون من ربهم لانفرق بين احد منهم و قوله سبحانه قل آمنا بالله و ما انزل علينا و ما انزل علي ابرهيم الي قوله و ما اوتي موسي و عيسي و النبيون من ربهم لانفرق بين احد منهم فهم سلام الله عليهم من نوع واحد لايجوز لاحد التفريق بينهم سلام الله عليهم و لا التفريق بينهم و بين ربهم كما قال ان الذين يكفرون بالله و رسله و يريدون ان يفرقوا بين الله و رسله الآية، فهم علي ما ذكرنا اشرف الخلق بعد محمد و آل‌محمد: معصومون مطهرون مهديون يجب الايمان بهم بجميعهم فاذا صاروا كذلك فهم في الدرجة الثانية من السلسلة الطولية و ليس لاحد في نوعهم نصيب و الا كان نبيا فكل من ليس بنبي لايشارك النبي في نوعه بداهة و لايأتي بعد خاتم النبيين صلوات الله و سلامه عليه و عليهم احد يكون نبيا لايقا للعصمة و المعجزة و الوحي فمن تدبر فيما ذكرنا عرف انهم اقرب الخلق الي المبدأ و لذلك سماهم الخلق الاول في خبر الكروبيين انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش فلما كانوا كذلك استناروا بنور المبدأ قبل جميع الخلق و لم‌يشاركهم في نوع تلك الاستنارة غيرهم فحكوا باعتدال طبايعهم و صفاء سجيتهم انوار المبدأ و انتشر منهم في عرصات الامكان نورهم فمنهم من استنار بنورهم و منهم من لم‌يستنر فمن استنار بنورهم و آمن بهم خلق له وجود ثانوي مركب من مادة هي

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 305 *»

مثالهم الملقي في هوياتهم و صورة هي امتثالهم و اجابتهم و ان شئت تفصيل هذين الخلقين فراجع الفوايد و شرحه و شرح‌المشاعر فان فيها كفاية و بلاغ فالذي منهم من شعاع محمد و آل‌محمد: في مقام القطبية وجودهم الشرعي و هو النبوة لا اكوانهم البشرية التي يشاركون فيها معهم في القطبية نعم اكوانهم شعاع الحقيقة المحمدية كما مر فتدبر.

فصل ثم لا شك و لا ريب ان بعد النبيين سلام الله عليهم اشرف الخلق هو الانسان و قد قام بذلك اجماع العقلاء فضلا عن المسلمين و الشيعة و لم‌يشك حكيم في ان نوع الانسان غير نوع الحيوان و النبات و الجماد و هم اشرف المواليد و خواصهم من العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة و النطق لاتخفي علي عاقل و ليست تلك الخصال في غيرهم و كذا كون خلقة ساير المواليد لمنافع الانسان مسخرة لهم فقال الم‌تروا ان الله سخر لكم ما في السموات و ما في الارض و اسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة الآية، و قال خلق لكم ما في الارض جميعا فالانسان نوع خاص اشرف من ساير الانواع حتي الملائكة و اما المؤمنون منهم فقد روي ان الملئكة لخدامنا و خدام محبينا فاذا كانوا اشرف الانواع بالكتاب و السنة و اجماع العقلاء لايشاركهم في نوعهم و فصلهم مولود غيرهم و قد قال الله و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا و الكثير الذي فضلوا عليه الملئكة و الجن و الحيوان و النبات و الجماد بالبداهة و قال خلقنا الانسان في احسن تقويم و قال علي7 الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه الخبر ، فاذا كانوا كذا كانوا في الرتبة الثالثة من الوجود و السلسلة الطولية فاستناروا بنور الانبياء قبل جميع المواليد ليس لاحد في مثل استنارتهم نصيب الاتري ان الجن لايدخلون جنان الاناسي و انما يدخلون الحظاير التي هي ظل جنان الاناسي و الحيوانات لايصلون الي درجتهم في المحشر و لايبقون بقائهم فهذه و امثالها ادلة

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 306 *»

علي انه لايشاركهم في رتبتهم غيرهم فلما انتشر نور الانبياء في القوابل الامكانية استنار منه المؤمنون المجيبون و حصل لهم وجود ثانوي شرعي لهم مادة من شعاع الانبياء و ظلهم و صورة من اجابتهم فهم في خلقهم الثانوي شعاع الانبياء و في خلقهم الاولي الكوني شعاع حقيقتهم فتدبر.

فصل ثم لا شك و لا ريب ان بعد الانسان اشرف المواليد الحيوان و سيأتيك القول في الجن و الملئكة بعد فراغنا عن امر المواليد الظاهرة فترقب فقد اتفق العقلاء علي ان الحيوان اشرف من النبات و الجماد و فيهم روح شاعر لهم بصر و سمع و شم و ذوق و لمس و رضاء و غضب و حركات ارادية انتقالية و روح اصلها الافلاك و خلق لمنافعهم النبات و الجماد و سخر لهم لايشك في ذلك عاقل فضلا عن متدين و قد قال الله سبحانه و الارض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها و مرعيها و الجبال ارسيها متاعا لكم و لانعامكم و حديث كميل و الاعرابي يكشفان عن ان للحيوان درجة ليس للنبات لان النفس النباتية من الطبايع و نفس الحيوان من الافلاك فنوعها غير نوع النبات و اشرف و اعلي لايشاركها فيه غيرها من النبات و الجماد و يقول الله سبحانه و لايستوي الاحياء و لا الاموات و النبات ميت عن الحيوة الحيوانية بداهة فلايستويان في الاستنارة فاذا كانت كذلك كانت في الدرجة الرابعة من الوجود و الرتبة الرابعة من السلسلة الطولية و لانعني بالطولية الا ان يكون الداني غير مشارك مع العالي في النوع فاذا لم‌يكن روح الحيوان في النبات لايشاركه النبات في روحه فليس له مادة روحه و لا صورته و نعني بروح الحيوان وجوده الشرعي فالحيوان الطيب من شعاع المؤمنين بعد ما اشرق نورهم في عرصات القوابل و لم‌يستنر نبات و لا جماد مثل استنارته و لو استنار شئ كذلك لكان حيوانا طيبا و له مادة من فضل نور المؤمنين و صورة من اجابته و هما خلقه الثاني الوجودي الشرعي و ان كان في الوجود الكوني يشاركهم في العرضية و اما اكوان الحيوانات فهي من شعاع حقيقة الانسان كما مر فتدبر فيما

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 307 *»

ذكرت سابقا و لاحقا حتي تصل الي كنه ما اقول لك ان شاء الله.

فصل ثم لا شك ان بعد الحيوان النبات اشرف و فيه من النفس النباتية ما ليس في الجماد بداهة و له قوي و خواص من الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة و المربية و الزيادة و النقصان ما ليس فيما دونه و من البين ان نوعه غير نوع الجماد و عليه اجماع العقلاء و هو الطف و اشرف و اعدل و احكي لما ورائه بداهة و يستنير من العالي عليه ما لايستنير الجماد فهو في الدرجة الخامسة من درجات الوجود و الرتبة الخامسة من مراتب السلسلة الطولية و اشرفية النبات علي الجماد مما لاتخفي علي ذي مسكة و حديث الكميل و الاعرابي عن علي7 شاهدان علي ان له نفسا و هي النفس الاولي و ليس للجماد نفس و لو كان له نفس لعده اول قبل النبات و قوله سبحانه انظر الي آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها و امثالها من الآيات كاشفة عن ان النبات حي بحيوة طبيعية و الجماد ميت و يقول الله سبحانه و مايستوي الاحياء و لا الاموات فاذ لم‌يستويا يكون الاحياء اعلي من الاموات و لايستويان في الاستناره فالنباتات الطيبة شعاع الحيوانات الطيبة شرعا في الخلق الثانوي و خلقها الكوني من شعاع حقيقة الحيوانات كما مر فتدبر.

فصل ثم بعد ذلك كله الجماد و تسفله عن السوابق بديهي فهو في الدرجة السافلة من الدرجات و الرتبة الاخيرة من مراتب السلسلة الطولية فهو آخر المراتب فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف فاعتبر ان كل مرتبة من هذه المراتب لها نوعية و روحانية ليس (ليست خ‌ل) لما دونها و ان كانت في ما دونها بالقوة و بها يمكن في القدرة ان يبلغ الله الداني الي درجة العالي و قد يرقي صاحب المعجز الداني الي العالي فينطق الجماد و النبات و الحيوان و انما ذلك لما في قوة الداني من الوصول

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 308 *»

الي رتبة العالي كما بينا سابقا و لكن كون شئ في شئ بالقوة لايصير سبب لحوقه بمن فيه ذلك الشئ بالفعل و اختلاف الدرجات في الاشياء بسبب الفعلية و القوة فروح العصمة الكامل الكلي الالهي الذي هو روح القدس في محمد و آله: بالفعل و في غيره بالقوة و هو حقيقتهم منه بدأوا و اليه يعودون و ما دون ذلك لهم عرضي و روح النبوة و العصمة الجزئية في الانبياء بالفعل و في غيرهم بالقوة فهم واجدون ما لايجده غيرهم منه بدأوا و اليه يعودون و هو حقيقتهم و ما دونها لهم بالعرض و النفس الناطقة القدسية في الانسان بالفعل و هي حقيقتهم و ما دونها فيهم بالعرض منها بدأوا و اليها يعودون و انما هي في غيرهم بالقوة و لاتكون القوة منشأ اثر و فعل و النفس الحيوانية الفلكية في الحيوان بالفعل منها بدأ و اليها يعود و ما دونها له بالعرض و هي في غيره بالقوة و لايترتب عليها اثر و لا فعل و النفس النباتية الطبيعية في النبات بالفعل و في دونه بالقوة و لاتكون منشأ اثر و منها بدأ النبات و اليها يعود و هي حقيقته و ما دونها له بالعرض و الجماد ليس لها نفس و جميع النفوس فيه بالقوة و لاتكون منشأ اثر فبذلك اختلفت درجات الخلق و هذه الدرجات درجات شرعية نسبية اذا لوحظ فيها النور و الظلمة و اذا لوحظ اكوانها فهي كونية كما بينا و شرحنا و اوضحنا لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

فصل ان كل طبقة من هذه الطبقات ذاتيتها ما اشرنا اليه آنفا و لها عرضية من الطبقات الدانية و تفصيل ذلك ان كل عال له وجود وحداني بالنسبة الي الداني و الوجودات الدانية هي شؤنات ظهوره و كل موجود منها حاك لشأن من شؤن ظهوره و جهة من جهات نوره و لما كانت متكثرة كانت اكثرها منحرفة عن الاعتدال التام في تلك الرتبة و الانحراف حجاب بين الداني و العالي يمنعه عن حكاية نوره فيحتاج كل متكثر الي قطب معتدل غير محجوب عن العالي فيكون محل نظر العالي يأخذ عنه بلغته و يترجم للمنحرفين بلغاتهم المختلفة و ذلك سر سار في كل رتبة و آية ذلك بدنك حيث ان الروح الغيبي بالنسبة الي اجزاء البدن

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 309 *»

وحداني مستعل عليها غايب عن حواسها لاتتمكن اجزاء البدن لانحرافها علي التلقي عن الروح اوامره و نواهيه و احتاجت الي قطب يكون اعدلها و اوحدها و اشبهها بالروح حتي يأخذ عن الروح الوحداني الغيبي بلغة الغيب و يترجم لكل عضو بلغته و هو الروح البخاري الذي هو الطف اجزاء البدن و اعدلها و اصفاها فهو محل عناية الروح الغيبي و عرش استوائه تجلي له فاشرق و طالعه فتلألأ فالقي في هويته مثاله فاظهر عنه افعاله و احكامه و اوامره و نواهيه و اقامه مقامه في ساير عوالم البدن في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لانحرافها عن صفته و ذلك سر سار في جميع المراتب و ذلك القطب هو بدن عرضي للعالي في رتبة الداني يلبسه للاداء و ذاتيته هي ما له في رتبته التي لايشاركه فيها احد من الاداني فالحقيقة المحمدية هي ما يخص محمدا9 و آله: في البحبوحة العليا لايشاركهم فيها احد و لهم سلام الله عليهم ابدان في رتبة الانبياء هي اعدل من حقايق جميع الانبياء و نقطة قطب تلك الابدان هي بدن محمد9 و لهم و للانبياء: ابدان في رتبة الاناسي هي اعدلهم و اعدل تلك الابدان بدن محمد9 ثم ابدان آله ثم ابدان اولي العزم ثم المرسلين ثم الانبياء ثم حقايق النقباء ثم النجباء ثم العلماء ثم الصالحين ثم ساير الاناسي علي اختلاف حالاتهم و للجميع ابدان في رتبة الحيوان و اعدلها بدن محمد9 ثم ابدان آله: ثم ابدان الانبياء ثم ابدان الاناسي علي الترتيب المذكور ثم حقايق الحيوانات علي اختلاف حالاتها و للجميع ابدان في رتبة النبات اعدلها بدن محمد9 ثم ابدان المذكورين علي الترتيب المذكور ثم حقايق النباتات علي اختلاف حالاتها و للجميع ابدان في عالم الجمادات اعدلها بدن محمد9 ثم للباقي علي الترتيب المذكور و في كل رتبة محل عناية العالي ذلك الاعدل الاكمل و هو المعبر عن العالي المترجم للبواقي بلغاتهم و هو المستعمل لغير المعتدلين في طاعة العالي و هو الفاعل الحق في كل رتبة و ساير الاعضاء خوادم

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 310 *»

متحركة بامره متصرفة فيما يريد و ذلك القطب هو المؤثر في الدرجة الثانية لا الاعضاء فليس معني قولنا ان مؤمني الاناسي آثار الانبياء ان كل طائفة من الانسان اثر نبي او الحيوان اثر الانسان ان كل طائفة من الحيوان اثر انسان معين و هكذا او جميع الانبياء مشتركون في الكل فعلي كل معلول علل عديدة و هكذا في البواقي بل المؤثر في كل مرتبة هو ذلك القطب و الباقي آلاته و ادواته و متممات وجوده كما ان الشخص في الحقيقة هو القلب و جميع الاعضاء مسخرة له متممة لوجوده فمنها حفظته و حرسته و منها وزيره و منها جيشه و منها خادمه و منها دابته و منها آلات صنايعه و منها عيونه و جواسيسه و الكل ليقوم القلب سالما حيا الي اجل مكتوب و لا قوام له بدون ذلك و هو الناظر من عينه السامع من اذنه الذايق بفمه الشام بانفه اللامس باعضائه الفاعل بيده الماشي برجله و هكذا فالفاعل هو و الاعضاء متحركة بتحريكه و ان كان المحرك الحق هو الروح البخاري و لكنه المتحرك بالروح الغيبي المحرك لما دونه فافهم و لو شاء انسان ان يكتب جميع اطراف المسألة الواحدة لادي ذلك الي حل جميع العلم و المسائل و لفني العمر قبل حل الكل فلنكتف بما يسد حاجتك في المسألة ان شاء الله.

فصل و اما الجن و الملائكة اللتان قد اسقطناهما عند التعداد فاعلم ان لي قولا في هذا المقام و هو ان الوجودات منها تامة و منها ناقصة اعني بها ان بعضها كلمة تامة يمكن فيه بالقوة جميع ما في عرصته بحيث يمكن ان يربي و يكمل و يلطف و يرقق و يدبر حتي يخرج تلك القوة من قوته الي الفعلية محفوظة المادة كما ان الكلب اذا وقع في المملحة يصير ملحا و تلك الحصة هي هي الا انها دبرت حتي استحالت فالكلمة التامة هي ما كان هكذا سواء كانت كلمة عليا او دنيا ففي تلك الكلمة قبضات عشرة تسعة من افلاكها و واحدة من ارضها و ان كان بعضها بالقوة او علي حسبها بالفعل و لا مانع و بعضها ناقص ليس يصلح لان يصير غيره محفوظ الحصة كاليمين مثلا فانه شئ موجود الا انه ناقص لايصلح لان يكون يسارا محفوظ الحصة و اللون لايصلح ان يكون كما محفوظ الحصة اللهم الا ان

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 311 *»

يرجع الي الامكان ثم يصاغ خلق جديد فليس حينئذ بمستحيل تلك الحصة و ذلك ان اليمين عرض لا جوهر و الاستحالات تقع علي الجواهر بان يخلع منها صورة و يلبس عليها صورة اخري و حصة الجوهر محفوظة بحالها و اما نفس الصورة فلايعقل استحالتها الي غيرها فان اليمين اذا صار يسارا ليس بيمين صاير يسارا و انما هو يسار خلق ابتداء من الامكان و لو كان المخلوق من الامكان استحالة غيره لكان كل شئ استحالة كل شئ و لايقول به احد عاقل فاليمين و الشمال و جميع الحدود و الصور اعراض لاتقبل الاستحالة و ليس في قوتها الوجودية غيرها حتي يستحيل اليها فامثال هذه الجهات وجودات ناقصة لايستكملون مدي الملك فاليمين يمين في اول الخلق و الآن و في الآخر ابدا لايتغير و لايتحول و لايستكمل فلو جزيت الوجود لرأيت ان جميع ذراته في حده و مكانه و تعينه هو هو لايستكمل و لايتغير و الذي يتغير هو الجوهر و تغيره قبوله صورة غير صورته الاولي فبلحاظ جميع ما يدرك و يميز و لو بادق المشاعر كلها هكذا وجودات ناقصة و حدود خاصة غير منتقلة فهذا القسم من الوجود وجود و لكن ناقص و يختلف هذا القسم في مراتبه فانك لو نسبت شيئا الي شئ لوجدته ناقصا لايستكمل حتي يصير مثله و لو قسته الي ادني منه فلعله له مادة تتغير و تتبدل كالحركة مثلا بالنسبة الي ذات زيد ناقصة و بالنسبة الي ما في عرضها تامة فالحركة لاتصير ذات زيد و لاتصير سكونا و لكن بالنسبة الي السرعة و البطؤ لها جوهرية قد تكون بطيئة و قد تكون سريعة و تنتقل (تتنقل (غلط‌نامه مجموعه21)) فيهما و في الاستقامة و الاعوجاج و الاستدارة و غيرها فاذا تبينت ذلك عرفت ان الموجودات علي قسمين قسم منها كلمات تامة جامعة و قسم منها حروف و حدود و اطراف اما الكلمات التامات فتنزل الي جميع المراتب كلمة تامة قابلة للاستكمالات و اما الحروف و الاطراف فهي لازمة لمراتبها و امثل لك مثالا ان فؤاد زيد كلمة تامة جامعة ينزل الي عقل زيد و ينزل عقله الي روحه و هو كلمة تامة و هو الي نفسه و هي كلمة تامة و هكذا الي ان ينزل مثاله الي جسمه و هو كلمة تامة قد القي فيه مثال تلك الكلمات التامات و اما معنوية العقل فلاتنزل الي عالم الاجسام و كذا روحانية الروح و تجرد النفس و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 312 *»

نفسانيتها و هكذا مميزات كل رتبة من تلك المراتب و انما النازل الظاهر في هذا العالم هو اصل الحقيقة التي تتقلب في الصور بظهوراتها في كل رتبة فالذي نزل الي العقل و الي الروح و الي النفس و الي الجسم هو الحقيقة و نزولها ظهورها بها فيها و مميزات هذه المراتب لاتنزل بل هي لازمة مقامها و لذلك نقول ان العقل اذا نزل الي النفس مثلا لم‌يخل مكانه بل هو في مكانه و انما نزل بظهوره و كذلك كل عال ليس يخلي مكانه و كذلك انت لو نزلت من سطح الدار الي صحنها لم‌ينزل ظهورك علي السطح و هو لازم مكانه متي توجهت اليه تجده هناك و انما ينزل حقيقتك بظهور آخر في اسفل الدار و لذلك اذا توجهت الي جميع حالاتك من اول عمرك الي حينك تجد كل حالة منك ثابتا في مكانه لايزول و لايحول فالمتقلب المتغير المتحول هو الحقيقة التي هي الكلمة الواحدة التامة الكاملة و اما اطراف ظهوراته فكلها لازمة مكانها فلاجل ذلك انحصر المواليد التي تكون في الملك تامة باتفاق الحكماء بالحيوان و النبات و الجماد زعما منهم ان الانسان من جنس الحيوان و قد صرح مشايخنا في غير مقام ان المواليد اربعة الانسان و الحيوان و النبات و الجماد و عدوا الثلثة الاخيرة من حدود القوابل و الانسان المقبول و قد صرحوا في غير كتاب ان كل شئ لا بد و ان يدور ثلث دورات لاستكمال قابليته و دورة لاستكمال مقبوله و الدورات الثلث دورة للجمادية و دورة للنباتية و دورة للحيوانية و الدورة الواحدة دورة الانسان و وجهه ايضا ظاهر فان اثر المؤثر ان لم‌يؤثر الا في ظاهر الشئ يحدث منه التركيب الجمادي و ان اثر في طبيعيته حسب يحدث منه النبات و ان اثر في فلكيته ايضا يحدث منه الحيوان فان تمت المراتب و اعتدلت ظهر عليها الانسان و هو المقبول و لو كان الجن و الملائكة من هذه الكلمات التامات لماانحصر المواليد و القوابل و المقبول فيها و لكان لهم وجود خارجي جسماني في عالم الاجسام و لكن الامر ليس كذلك و الوجودات التامة ما عددناه عليك و الذي اعرف من لحن الاخبار و صحيح الاعتبار ما اذكره لك في فصلين مستقلين.

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 313 *»

فصل اما الملئكة فلها اطلاقات فمرة تطلق و يراد منها الوجودات المستقلة التامة كالملئكة العالين فانهم الاربعة‌عشر سلام الله عليهم و الكروبين فانهم الانبياء سلام الله عليهم و قد يطلق علي المؤمنين العلماء كقوله تعالي و ماجعلنا اصحاب النار الا ملئكة فقد روي ان النار القائم و الملئكة هم الذين يملكون علم آل‌محمد: و كذا روي في قوله تعالي تنزل الملئكة و الروح ان الروح فاطمة3 و الملئكة المؤمنون الذين يملكون علم آل‌محمد: و قد يطلق الملئكة و يراد بها ذرات الوجود و الحدود و هم الذين في هذا اللحاظ لهم شأن واحد فمنهم ركوع لايسجدون و منهم سجود لايركعون و منهم قعود لاينتصبون و لكل واحد منهم شأن خاص لايقدر علي التحول عنه فهم بهذا اللحاظ ناقصون لايستكملون كما روي فهم من اول الخلق الي آخره علي حال واحدة يعبد الله كل واحد منهم بما جعل عليه فهذين الاطلاقين لايعقل جعلهم درجة واحدة خاصة من السلسلة الطولية و كذا قد يطلق الملك و يراد به الرابطة بين الفعل و المفعول الآخذ عن الفعل المؤدي الي المفعول و ليست تلك الرابطة الا محل المشية و هو الحقيقة من حيث الاعلي فبهذا الاطلاق ايضا يعم المراتب و لايخص بمرتبة خاصة و لاينافي ذلك كون الملك شخصا حيا له اجنحة يطير بها و يمتثل امر ربه فان جميع ما ذكرنا احياء و لهم اجنحة بعدد شؤنهم و علي حسب كبرهم و صغرهم يطيرون بها الي جهة خدمتهم يمتثلون امر ربهم و ذلك مما لا شك فيه و لاينافي ذلك ظهور جبرئيل بصورة دحية او الاعرابي فان ذلك بمعجزة صاحب المعجز يتخذ له مرآة من الاجزاء العنصرية علي اي هيئة يريد و يظهر فيه ذلك الملك الذي يريد و يستنطقه و لايمكنني الآن اكثر من هذا البيان خوفا من اهل الطغيان بالجملة الملئكة موجودون في جميع مراتب السلسلة الطولية الم‌تسمع ما روي ان من الملئكة لمن باقة بقل خير منه لكنهم في المقام الاول و الثاني و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 314 *»

الثالث مضمحلون متلاشون لغلبة المالكية و حيث الرب و الفعل فيهم و في مقام المواد الدهرية التي هي جهة الرب الشهودي متعينون متميزون متشخصون يظهر آثارهم و اعمالهم الم‌تسمع ما روي ان الملئكة لايدركون ما في نفس المؤمن من الذكر و ان المؤمنين اذا اجتمعوا و تذاكروا سرا من فضائل آل‌محمد: يتفرق الملائكة عنهم لعدم قابليتهم لاستماع سرهم بالجملة مقام تبينهم المادة و لذلك عدوا بعد الجن الذي رتبتهم الطبايع فافهم ان كنت تفهم فليس لهم خصوصية في السلسلة الطولية و عد المشايخ الملئكة فيها لاظهار هذا السر بالسر ثم لما حصحص الحق و اسفر عن محياه اظهر السيد الاستاذ اجل الله شأنه علي ما بلغني ان الملئكة لا خصوصية لهم في السلسلة الطولية و انما هو لذكر درجة اختيارهم و هو ما ذكرناه فتدبر و انصف.

فصل و اما الجن فعلي ما يظهر لي انهم ايضا من الوجودات الناقصة الا انهم اتم و اكمل من الملائكة و فيهم صلوح الترقي و التنزل و لذلك كلفوا و ارسل اليهم الرسل الا انهم ليسوا بصلوح المواليد المذكورة و انما هم حقايقهم من جهات الطبيعة المتحصصة في المواد المتميزة بالامثلة فهم ارواح برزخية مثالية و هم برازخ بين الانسان و الحيوان و لاجل ذلك صورهم مشوهة بين الانسان و الحيوان فهم لاجل نقصانهم بقوا في عالم الارواح كالحدود الروحانية علي ما شرحنا آنفا و ليس لهم وجود تام كالانسان حتي ينزلوا الي اقصي مراتب القابلية و الماهية و انما هم حدود الاوساط فبقوا في عالم المثال و لايرون بالعين الجسماني الا بالحس المشترك و الخيال فمنهم سكان مثال الارض و منهم يطيرون مع الملئكة الي مثل السماوات و ذلك مؤمنوهم و اما كفارهم فليس لهم تلك القوة و منهم متوسطون يسكنون في مثال الهواء بالجملة هم ارواح غيبية ناقصة ليس لها التنزل الي اقصي الماهية فلاجل ذلك ليس لهم ابدان و ما روي ان الاكراد قوم من الجن تجسموا معناه ان ارواحهم لضعفها و نقصانها النسبي و صفاتها علي طبع الجن و

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 315 *»

كذلك الكلب البهيم من الجن بهذا المعني و الا فهم ارواح لايتجسمون الا بمعجز ذي معجز يتخذ لهم ابدانا و يظهرهم فيها كسليمان علي نبينا و آله و عليهم السلام و الذين يرونهم من المصروعين و المبتلين بشرهم فانما يرونهم بحسهم المشترك الاتري ان غيرهم لايرونهم بالجملة هم ارواح ناقصة بالنسبة الي الانسان و اجمع من الملئكة خلقوا من نار الطبيعة التي هي من شجرة النفس النابتة من ارض الدهر العليا التي خلق من ترابها الانسان فهم اظلال شؤن الانسان نعم رتبتهم فوق الملئكة و الحيوان فان لاحظنا نقصان حقايقهم و عدم تمامية كلمتهم لم‌نعدهم من السلسلة الطولية فانهم ليسوا بكلمة و ان لاحظنا انهم اجمع من الملئكة و فيهم قوة الترقي في الجملة عددناهم فيها و كونهم ادني من الانسان بديهي لانهم خلقوا من نار ناشئة من الشجرة و الشجرة من التراب و الانسان خلق من ذلك التراب و لذلك يسكنون الحظاير و لايدخلون الجنان الاصل و انما يساكنهم المجانون لنقصان ارواحهم عن الاستنارة كالانسان من الانبياء فيبقون في عالم المثال مع الجن و المثال ظل النفس و كذا ولد الزنا لخبث طينه المانع عن الاستنارة كالطيبين و كذا الطفل الذي ليس له شافع فان هؤلاء الثلث لم‌يحدث فيهم النفس الناطقة القدسية و ليس لهم الوجود الشرعي الانساني و انما هم انسان كوني و الوجود الانساني الجسماني لايصعد عن الطبايع و اما السلسلة الظلمانية فهي بعكس ما ذكرنا في السلسلة النورانية و ترتبها ايضا في الوجودات الشرعية علي حسب ما ذكرنا حرفا بحرف فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم و اذ قد اتينا علي بعض ما اردنا و ضاق الوقت لاشراف الحامل للكتاب علي السفر و لم‌يبق وقت يمكن لي ان افصل ازيد من ذلك فلنختم الكتاب هنا و ان شئت اكثر من ذلك فراجع ساير كتبنا فان فيها متفرقا ما يكتفي به المكتفي و قد وقع الفراغ من هذه الرسالة البديعة في قرية لنجر بعد الظهر من يوم

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 2 صفحه 316 *»

الاثنين لاثني‌عشر خلت من شهر الله الاصب رجب المرجب من شهور سنة ثمان و ستين بعد المأتين و الالف الهجرية حامدا مصليا مستغفرا، تمت.

[1] فاحتماء الحديد بالتكميل و لكن نفس التكميل و التقوية و التسخين و امثال ذلك افعال النار و آثارها و هي منها بالتأثير لا بالتكميل كما يأتي ، منه .

[2] و اثر اليد هو تحريكها الفعلي و هو مثال قائم علي تحرك المفتاح باق ببقاء اليد معدوم بعدمها و المفتاح مرآة ظهوره و مفعول به لا المطلق ، منه .

[3] – اعلم ان الانسان له اعلي مقام و هو النفس الناطقة القدسية و لايتجاوزه هو من حيث انه انسان و لكن فيه مثال من الانبياء و هو مثال الارواح الملكوتية و هو العين التي فيه من الانبياء فهي عين النبوة بها يعرف الانبياء و هي العارفة بالانبياء فلاتعرف الانبياء الا بالنبوة و فيه مثال من العقل و هو عين الرسالة و الولاية فيه و لايعرف الرسول و الولي الا بها فالرسول لايعرف الا بالرسالة و الولي الا بالولاية و فيه مثال من الفؤاد و هو عين المشية فلاتعرف المشية الا بها و فيه مثال من كينونة الله جل شأنه و هو عين الكينونة فلاتعرف الا بها فالانسان لايعرف الا نفسه و هي النفس الناطقة و لايمكنه معرفة المقامات العالية الا باعينها المسمات باسمها علي حذو قول الشاعر :

اعارته طرفا رآها به       ** * **      فكان البصير بها طرفها

و علي حذو قول الشاعر:

منتهي الحظ ما تزود منه اللـ      ** * **      ـحظ و المدركون ذاك قليل

و اما ذات الازل فليس لها آية و انما العارف بالحق هو الحق جل شأنه لا غير و تلك المثل لاتسمي الا باسم العالي ذي المثال و لايصل اليها هوية الانسان و انما الواصل الي تلك المثل نفس تلك المثل و هي الوجودات الشرعية للانسان و كونيته هي نفسه الناطقة فتدبر فيما ذكرت لك، منه.

[4] – اعلم ان الفؤاد الذي هو آية الحق ليس بالفؤاد الذي هو حقيقة النفس الناطقة من حيث هي هي بل الفؤاد الذي هو الآية مثال الفؤاد الكلي الذي في الانسان و لايتجاوزه احد و لايدرك به ما وراءه و كذلك دونه العقل اي مثال العقل الكلي و دونه الروح و هو مثال الروح الكلي فيه و لايتجاوز شئ من ذلك درجته و رتبته و لايدرك ما وراءه فكل درجة غاية ما يمكنها نفسها و تلك المثل ليست بالاثرية و المؤثرية في الانسان فبهذه المثل لاتدرك الاثرية و المؤثرية بالكشف و العيان و لكن بالايمان و الاذعان و معرفة الاثرية و المؤثرية للمشية و الرسول و الانبياء و الانسان فذلك بنحو آخر هو سر لاينبغي كشفه و قد كتمناها في هذا الكتاب لعدم تحمل الناس فالبحث الذي اوردناه في المتن بحث يرجا منه تمكين القوابل و نضجها لعلها تتفكر و تشتاق و تسعي فافهم، منه.

[5] – اعلم ان المراد من هذه الكلمات انك اذا نظرت الي الموجودات من حيث الامكان مع قطع النظر عن قيودها بموادها و صورها لم‌تر الا امكانا مطلقا عن القيود و هو سنخ الكل و اصل الكل و هو كل حصة منه صالحة لان تظهر بكل صورة و المراد بالصور الصور المتممة التي هي اثر الشئ لا الصورة المقومة فان مقومة المطلق هي الاطلاق و الامكان و المطلق بنفسه لايتحصص نعم يطلق التحصص بمعني الظهور في قوابل المقيدات فلايشتبهن الامر عليك و كل فعلية اثر ما بالقوة في كل مقام، منه.