00-01-02 شرح الزیارة الجامعة الکبیرة – المجلد الاول – مقابله – الجزء الثانی

شرح الزیارة  الجامعة الکبیرة

 

من مصنفات

الشیخ الاجل الاوحد الشیخ

احمد بن زین الدین الاحسائی

 

 

المجلد الاول – الجزء الثانی

قال عليه السّلام : و ورثة الانبياۤء .
قال محمدتقي المجلسي في الشرح فانهم ورثوا كلّ علمٍ و كتابٍ و فضيلةٍ و كمالٍ كان لهم حتّي عصي ( عصاء خ‌ل ) موسي و عمامة هرون و التابوت و السكينة و خاتم سليمن كما روي في الأخبار المتواترة بل روي انهم آتيهم اللّه ما لم‌يؤت احداً من العالمين ه‍ ، اقول يراد من كونهم ورثوا الأنبياۤء احد معنيين احدهما انّ جميع خواصّ الأنبياۤء و آثارهم و متروكاتهم المختصّة بهم للٰاخرة او للابلاغ و التعريف و اقامة الدّين و غيرها ممّا اعدّوه لطاعة اللّه تعالي ورثوه كما اشار الي بعضه محمدتقي (ره‌) و ثانيهما انّ الانبياۤء لم‌يورّثوا درهماً و لا ديناراً بمعني انّ كلّ ما تركوا من حطام الدنيا لم‌يعدّوا شيئاً من ذلك ميراثاً و انما ورّثوا العلم فمعني كونهم ورثة الأنبياۤء انهم ورثوا جميع ما عندهم من العلوم ممّا ادركوه من الوحي بواسطة الملك او الالهام او الفهم و ما تخاطبه به الحيوانات و الجمادات و النباتات و هفيف الرياح و جريان المياه و لمعان البروق و اصوات الرعود و تَغَطْمُطُ البحار و زهر الاشجار و قد جمع اللّه لهم ما فرّقه في ساۤئر خلقه مع ما لم‌يقسمه بين احد من خلقه سواهم و فيه معانٍ اُخَر منها انّ ما ثبت للأنبياۤء (ع‌) من وجوب الطاعة و العصمة و الأعمال و غير ذلك فانهم قَدْ وَرِثوه كما قال (ص‌) علماۤء امتّي كانبياۤءِ بني‌اسراۤئيل فكانوا وارثين للأنبياۤء في وجوب الطاعة و الأعذار و الأنذار و منها انّ ما ثبت للأنبياۤء (ع‌) من تلك الصفات الحميدة التي بها بُعِثوا و لأجلها اُرسِلوا هي من آل‌محمد صلي اللّه عليه و عليهم و عنهم صدرت و بنورهم وُجِدت و لِسُلطانِهم قدِّرتْ و للثناۤء عليهم نُشِرتْ فهي صفات انوارهم و مظاهر آثارِهم فهي لهم و هم الوارثون و هو قوله تعالي و نحنُ الوارثون و معني هذه الٰاية قوله تعالي و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين ، و منها انّ الأنبياۤء من رَشحِ عرق نورهم يعني انّ ارواحهم خلقتْ من رَشْحِ انوارِ محمدٍ و اۤله (ص‌) و ذلك بعدَ خَلْقِ انوارِهم بِالْفِ دهرٍ و ما كان اوّلاً يكون آخراً فاليهم ترجع الأنبياۤء الي ان يفنوا فيهم فهم الوارثون للأنبياۤء و لهم اعمالهم فهم يرثون اعمالهم كما تقدّم فاذا قلتَ ورثة الأنبياۤء فالمراد بهذه الوراثة كلّ معني ممّا اشرنا اليه و مما لم‌نشر اليه و ممّا يدلّ علي الوراثة الظاهرة ما رواه في الكافي بسنده عن سعيد السمّان قال كنت عند ابي‌عبداللّه (ع‌) اذ دخل عليه رجلان من الزيديّة فقالا له افيكم امام مفترض الطاعة قال فقال لا قال فقالا له اخبرنا عنك الثقات انك تفتي و تقرُّ و تقول به و نسمّيهم لك فلان و فلان و هم اهل ورع و تشمير و هم ممن لايكذب فغضب ابوعبداللّه (ع‌) و قال ماامرتهم بهذا فلما رَأيا الغضب في وجهه خرجا فقال لي اتعرف هذين قلت نعم هما من اهل سوقنا و هما من الزيديّة و هما يزعمان ان سيف رسول اللّه (ص‌) عند عبداللّه بن الحسن فقال كذبا لعنهما اللّه واللّهِ مارٰاه عبداللّه بن الحسن بعينيه و لا بواحدة من عينيه و لارٰاه ابوه اللّهم الّا ان رأٰه عند علي بن الحسين (ع‌) فان كانا صادقَين فما علامة في مقبضه و ما اثر في موضع مضربه و انّ عندي لسيف رسول اللّه (ص‌) و انّ عندي لراية رسول اللّه (ص‌) و درعه و لاۤمّته و مغفره فان كانا صادقَين فما علامةُ في درع رسول اللّه (ص‌) و انّ عندي لراية رسول اللّه (ص‌) المغلّبة و انّ عندي الواح موسي و عصاه و ان عندي خاتم سليمن ابن داود (ع‌) و انّ عندي الطست الذي كان موسي (ع‌) يقرّب بها القربان و ان عندي الاسم الاعظم الذي كان رسول اللّه (ص‌) اذا وضعه بين المسلمين و المشركين لم‌تصل من المشركين الي المسلمين نشّابة و ان عندي لمثل الذي جاۤءتْ به الملاۤئكة و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني‌اسراۤئيل كانت بنوااسراۤئيل في ايّ اهل بيت وجد التابوت علي ابوابهم اُوتُوا النبوة و من صار اليه السلاح منّا اوتي الأمامة و لقد لبس ابي درع رسول اللّه (ص‌) فخطّت علي الارض خطيطاً و لبستُها انا فكانت ( و كانت خ ) و قاۤئمنا من اذا لبسها ملأها ان شاۤء اللّه تعالي ه‍ ، و في الكافي بسنده عن ابان عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال لمّا حضرت رسول اللّه (ص‌) الوفاة دعا العبّاس بن عبدالمطلب و اميرالمؤمنين (ع‌) فقال للعبّاس يا عمّ محمّد تأخذ تُراثَ محمد و تقضي دينه و تنجز عداته فردّ عليه فقال يا رسول اللّه (ص‌) عمّك شيخ كثير العيال قليل المال مَن يطيقُك و انت تباري الريح قال فاطرق رسول اللّه (ص‌) هُنَيئةً ثم قال يا عبّاس اتأخذ تُراث محمّد و تنجز عداته و تقضي دينه فقال بابي انت و امّي شيخ كثير العيال قليل المال و انت تباري الريح قال امّا اني ساعطيها مَن يأخذها ثم قال يا عليُّ يا اخا محمّد اتنجز عدات محمّد و تقضي دينه و تقبض تُراثه فقال نعم بابي انت و امّي ذاك عَلَيَّ وَ لي قال فنظرتُ اليه حتي نزع خاتمه من اصبعه فقال تختم بهذا في حياتي قال فنظرتُ الي الخاتم حين وضعتُه في اصبعي فتمنّيتُ من جميع ما ترك الخاتم ثم صاح يا بلالْ عليّ بالمغفر و الدرع و الراية و القميص و ذي‌الفَقَار و السحاب و البرد و الأبرقة و القضيب قال واللّهِ مارأيتها قبل ساعتي تلك يعني الأبرقة فجيئ بشقّة كادتْ تخطف الأبصار فاذا هي من ابرق الجنّة فقال يا عليّ انّ جبرَئل اتاني بها و قال يا محمد اجعلها في حلقة الدرع و استذفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجَي نعالٍ عَربيَّينْ جميعاً احدهما مخصوف و الأخر غير مخصوف و القميصَين القميص الذي اُسريَ به فيه و القميص الذي خرج فيه يوم احدٍ و القلانس الثلاث قلنسوة سفر و قلنسوة العيدَين و الجُمَع و قلنسوة كان يلبَسُهٰا و يقعد مع اصحابه ثم قال يا بلال عليّ بالبغلتين الشهباۤء و الدلدل و الناقتَين العضباء ( الغضباۤء خ‌ل ) و القصوي و الفرسَين الجناح كانت تُوقف بباب المسجد لحواۤئج رسول اللّه (ص‌) يَبعثُ الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول اللّه (ص‌) و حَيْزُوم و هو الذي يقول اقدم يا حيزوم و الحمار عُفَيْر ( عفيره خ‌ل ) فقال اقبضها في حياتي فذكر اميرالمؤمنين (ع‌) انّ اوّل شي‌ء من الدّواب تُوفّي عُفَيْر ( عفيرة خ‌ل ) ساعة قبض رسول اللّه (ص‌) فقطع خطامه الخطام بالكسر زمام البعير .
ثم مرّ يركض حتي اتي بئر بني حطمة بِقبا فرمي بنفسه فيها فكانت قبره و روي انّ اميرالمؤمنين (ع‌) قال انّ ذلك الحمار كلّم رسول اللّه (ص‌) فقال بابي انت و امي حدثني ابي عن جدّه عن ابيه انّه كان مع نوح في السفينة فقام اليه نوح فمسح علي كفلِه ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيّد النبيين و خاتمهم فالحمد للّه الذي جعلني ذلك الحمار ه‍ ، قوله فتمنيتُ من جميع ما ترك يعني انّ عليّاً (ع‌) كان في نفسه لو لم‌ادرك من متروكات رسول اللّه (ص‌) الّا هذا الخاتم لكفاني شرفاً و فخراً لأنّه (ص‌) قال له تختم بهذا في حياتي فزيّنه بزينتِه۪ في حياته اشعاراً بانه حلّاه بكلّ حلية و رقّاه الي كلّ مقامٍ ظاهراً كالخاتم و باطناً بان كان خاتم الوصيين و زينتهم كما كان هو (ص‌) كذلك و السحاب اسم عمامةٍ له (ص‌) و قوله صلي اللّه عليه و آله اقدم يا حيزوم يريد انّه يخاطبه بالأقدام فيجيبه سمّاه باسم فرس جبرئل (ع‌) فرس الحيوة لأنّ هذه فرس حيوة الأسلام فخاطبه بما خاطب جبرئل (ع‌) فرسَه بذلك يوم بدرٍ و عُفَيْرٍ كَزُبَيْرٍ اسم الحمار الذي يسمّي باليعفور كذا قيل و قيل انّ عُفَيراً حمار للنبيّ (ص‌) غير يعفور فله حمارَان و في ق و بلا لامٍ حمار للنبيّ (ص‌) او هو عُفَير كَزُبَيْر ه‍ ، فتَدبّر فيما ذكرنا لك من معني كونهم ورثة الأنبياۤء عليهم السلام .
قال عليه السّلام : و المثل الأعلي
قال محمّدتقي ( المجلسي خ‌ل ) في الشرح المثل محرّكة الحجّة و الحديث و الصفة و الجمع المُثُل بضمتين و يمكن قراۤءَتُه بهما فانّهم حجج اللّه تعالي ( اللّه سبحانه خ ) اعلاهم و المتّصفون بصفات اللّه تعالي فهم صفته و صفاته علي المبالغة او مثّل اللّه تعالي بهم في قوله اللّه نور السموات و الأرض مثل نوره كمشكوة كما روي في الأخبار الكثيرة بل ادّعي بعض اصحابنا الأجماع ايضاً انّها نزلت فيهم ه‍ ، اقول قد يفرق بين المَثَل “٢” محرّكة و بين المِثْل بكسر الميم و سكون الثاۤء فالأوّل “٢” كما ذُكِرَ الحجّة و هو الدّليل و هو مذكور في مواضع كثيرة من القرءان و لهذا قال تعالي و تلك الأمثال نضربها للناس جمع مَثَلٍ محرّكة بمعني ( يعني خ‌ل ) الٰايات الدّالّة علي التوحيد كما قال تعالي سنريهم آياتنا في الأٰفاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق قال تعالي و مايعقلها الّا العالمون يعني مايعقل الأستدلال بها اي بهذه الأمثال التي هي الأيات و الأدِلّة الّا العالمون بها و بكيفية الأستدلال بها و امّا المثل محرّكة بمعني الحديث فمذكور في مواضع منها في وجه من قوله تعالي ان هو الّا عبد انعمنا عليه و جعلناه مَثَلاً لبني‌اسراۤئيل اي شرّفناه بالنبوّة و صيّرناه عبرةً عجيبةً كالمثل الساۤئر لبني‌اسرائيل و كذا في قوله تعالي يا ايّها الناس ضرب مثل فاستمعوا له انّ الذين تدعون من دون اللّه لن‌يخلقوا ذباباً و لو اجتمعوا له اي ضربتُ لكم قصة عجيبة و ذلك لأنّ العرب قد تسمّي الصفة و القصّة الرائقَة لاستحسانها او لاستغرابها مثلاً نَعَمْ انما يستعمل المثل بمعني الحديث و القصّة اذا ارادوا ان يقصّوا شيئاً بالتشبيه و التمثيل و يكون بمعني الصفة كقوله تعالي مثل الجنة التي وعد المتّقون اي صفتها و بمعني الصورة كما في حديث الميّت مُثِّل له ماله و ولده و عمله الحديث ، اي صوِّر له و الثاني و هو المِثل بكسر الميم بمعني الشبه و النظير ففي حديث كميل عن اميرالمؤمنين (ع‌) يا كميل مات خزّان الأموال و العلماۤء باقون ما بقي الدهر اعيانهم مفقودة و امثالهم في القلوب موجودة ، قال بعض شرّاح هذا الحديث الأمثال جمع مَثَل بالتحريك و هو في الأصل بمعني النظير ثم يستعمل بالقول ( في القول خ‌ل ) الساۤئر الممثل الذي مضربه بمورده ثم في الكلام الذي له شأن و غرابة و هذا هو المراد بقوله (ع‌) و امثالهم في القلوب موجودة اي ان حكمهم و مواعظهم محفوظة عند اهلها يعملون بها و يهتدون بمنارها ه‍ ، اقول هذا الكلام لا بأس به علي الظاهر الّا انّ ظاهره انه لايجوز غير هذا المعني و هذا ليس بشي‌ءٍ لانّ المراد انّ العلماۤء مذكورون بصورهم و امثالهم في قلوب من نظر في علومهم و قرأ كتبهم و تلك الصور الخياليّة هي امثال العلماۤء لانّ زيداً الظاهر اذا ظهر في الصور الخياليّة يكون بدلاً من زيد في الظهور بتلك الصّفة المذكور بها و مثالاً له فانّ قائما بدل من زيد في ظهوره بالقيام و مثاله و صورةٌ لفاعليّتِه۪ للقيام و يكون المعني انّ ذكرهم بصورهم بسبب اقوالهم و اختياراتهم و ايراداتِهم للمساۤئل موجودٌ او انّ ما يرجّحه العالم صورته في الباطن صورة العالم لِاَنّه صِفَتُه و الوصف صورة الموصوف قال تعالي سيجزيهم وصفهم انّه حكيم عليم فذلك الحكم الذي في قلوبهم من ذلك العالم الميّت مثاله و صورته او سبب ذكره بصورته او كناية عمّا يُذكر به من الثواب عند اللّه بسبب ما خَلَّفَ من العُلوم النافعة و علي كلّ تقدير ففي الظاهر المَثَل محرّكاً غير المِثل بكسر الميم لانّ المِثل بكسر الميم هو الشبه و النظير و لا معني لكونهم مثلاً و نظيراً لانّ المعلوم انّهم خير خلق اللّه فلايكونون نظيراً و لا مثلاً لاحدٍ من الخلق و الّا لكان خيراً منهم و لا للمعبود بالحق جلّ و علا لانّه لا شبه له و لا نظير فلايصح ( فلايصلح خ‌ل ) المِثل بكسر الميم و امّا بالتحريك فيحسن لانّهم آية اللّه و حجج اللّه و الأمثال التي ضربها اللّه لخلقه و قصّة الحق و صفته بمعني اذا اردتَ ان تعرف انباۤء الأولين و احوال الانبياۤء مع اممهم فانظر فيهم فتجد احوالهم و صفاتهم تقصّ عليك ما كان في سنّة الاوّلين فتجد حجةً معصوماً مفترض الطاعة عالماً بكلّ ما يحتاج اليه الرعيّة محفوظاً عن الخطاء و الغفلة و الزّلل و السهو و الذنب صغيره و كبيره مستجاب الدعوة مظهراً للمعجزات من اتّبعه و آمن به نجا و من تخلّف عنه هلك فاذا نظرت بعين البصيرة علمت انّهم (ع‌) قصص اللّه الحق لما مضي و اخبار اللّه الصدق عمّا يأتي و هديهم وَ سُنَنُهم سنن اللّه و هديه ( و هداه خ‌ل ) و طريق الحق و سبيله و قد اشار (ع‌) الي مثل هذا المعني بقوله اعرفوا اللّهَ باللّهِ و الرسول بالرسالة و اولي الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر ، يعني ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر صفة اولي الأمر فاذا لم‌يجده لم‌يكونوا اولي الامر لانّ الشي‌ء الذي يُنسب الي صفةٍ انما يعرف بتلك الصفة لا بدونها و امّا كونهم المثل الأعلي فلانّ الامثال كثيرة غيرهم فانّه قد يكون هذا الوصف جارياً في غيرهم بان يكون مثلاً من امثال الحق علي نحو ما اشرنا اليه كما قال تعالي في حق عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام و لمّا ضرب ابن مريم مَثَلاً اذا قومُك منه يَصِدّون و قالوا ءالهتُنا خير ام هو ماضربوه لك الّا جدَلاً بل هم قوم خصمون انْ هو الّا عبد انعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبني‌اسراۤئيل يعني حين ضربنا لهم المثل الحق بانْ جعلنا لهم عيسي فيهم مثلاً لولّينا في ساۤئر خلقِنا ضربوا في معارضتك يا محمد المثل الباطل جَدَلاً منهم ليدحضوا به الحقّ فقالوا ءالهتنا خير ام هو اي ما يريد محمد بقوله (ص‌) في الكافي عن ابي‌بصير قال بينا رسول اللّه (ص‌) ذات يوم جالس اذ اقبل اميرالمؤمنين (ع‌) فقال له رسول اللّه (ص‌) انّ فيك شَبَهاً من عيسي بن مريم لولا ان تقول فيك طواۤئف من امّتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم لقلتُ فيك قولاً لاتمرّ بملأٍ من الناس الا اخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال فغضب الأعرابيّان و المغيرة بن شعبة و عدة من قريش معهم فقالوا مارضي ان يضرب لابن عمه مثلاً الا عيسي بن مريم فانزل علي نبيّه (ص‌) و لمّا ضرب ابن مريم مثلاً الي قوله لجعلنا منكم يعني من بني‌هاشم ملاۤئكة في الارض يخلفون الحديث ، و في المجمع يا عليّ انّما مثلك في هذه الامّة كمثل عيسي بن مريم الحديث فلمّا سمعوا ذلك قال المنافقون انما ذكر ذلك و شبهه بعيسي بن مريم لانّه يريد ان نعبده كما عبد النصاري عيسي و بهذا المعني قال ائمةُ المنافقين انما نصّ عليه ليتولّي علينا فنحن اولي منه فقوله تعالي حكاية عنهم ءَآلهتُنا خير ام هو اراد سبحانه ( به خ ) الحكاية عن ائمّة المنافقين ( انهم خ‌ل ) يقولون ءالهتنا اولي بالأتباع و العبادة خير ام ولاية عليٍّ و طاعته قال اللّه تعالي لنبيّه (ص‌) ماضربوه اي هذا المثل الّا جدَلاً فقوله تعالي جدلاً كما ذكره بعضهم حيث قال دليل الحق المَثَل و دليل الباطل الجدل بل قد يكون المثل الحق جارياً علي شي‌ءٍ لانّ اللّه سبحانه ماخلق شيئاً الّا و هو مَثَلٌ لشي‌ءٍ و له مثل حتي انّ الدّنيا الدنيّة ضرب اللّه سبحانه لها مثلاً حقّاً فقال انما مثل الحيوة الدنيا كماۤء انزلناه من السماۤء فاختلط به نباتُ الأرض الٰاية الّا انّ الأمثال تتفاوت في الدّرجات صاعدة حتي تنتهي الي آل‌محمد صلي اللّه عليه و عليهم فكل شي‌ء مثلهم و مثل لهم و ليس فوقهم مثل فهم الامثال العليا ثم انّه قد ثبت انهم الأمثال العُليا بالنصّ و الاجماع فما المراد بكونهم اَمْثَالاً مع انّ المَثَل محرّكاً لايكون الّا بياناً و صفةً و البيان و الصفة لا شك في كونهما اَنْزَل رتبةً من المبيّن و الموصوف فاذا لم‌يكن شي‌ء اعلا رتبة منهم فكيف يكونون امثالاً فالجواب من وجوهٍ :
الاوّل انّ المراد من قوله تعالي و له المثل الأعلي في السموات و الأرض هو معني التَنْزِيه اي كلّما ذُكِرَ وصفٌ شريف او وضيع او ضُرِبَ مَثَلٌ دنيّ او رفيع وجب ان يقال اللّه تعالي اكبر من ان يوصف و اجلّ من ان يكيّف و اعلي من ان يمثّل او يشبّه و اعظم من ان يقاس و ارفع من ان يعرف كيف هو في سرٍّ و علانية الّا بما دلّ علي نفسه لانّ التمثيل تحديد و توصيف و تكييف و اعلي منه و من كلّ تمثيل و تكييف ان يقال هو اكبر من ان يُمثّل او يُكيّف و اعظم من ان يوصف فهذا المثل الأعلي اذا كان ذلك فيهم (ع‌) .
و الثاني انّ اعلي الأمثال و هو المثل الدّال علي التنزيه و نفي التشبيه و نفي المعلوميّة و الأحاطة بوجهٍ ما هو له سبحانه يعني يملكه و هو خلقه مثل ما قيل في قول علي بن الحسين (ع‌) لك يا الهي وحدانيّة العدد ، اي هي لك و ملكك و خَلْقُك فلاتجري عليك و يكون المعني انّ التعريف الذي به يعرف اللّه من انّه ليس كمثله شي‌ء و لا ضِدّ له و لا نِد له و لا شريك و امثال هذا من الامور الدّالّة علي التوحيد الخالص بحسب الأمكان مثل معرفة النفس علي ما اشرنا اليه في شرح حديث كميل في قوله (ع‌) كشف سبحات الجلال من غير اشارة هُوَ آيةٌ ضربَها اللّه يُعْرَفُ بها كما قال تعالي سنريهم آياتِنا في الٰافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحقّ فذلك مَثَلٌ اعلي لمعرفتِه۪ التي هي ظهوره لخلقه بهم و هذا في كلّ شخصٍ و اعلي هذه الأمثال مُحَمَّدٌ و اۤلهُ (ص‌) فهم المثل الأعلي يعني هياكل التوحيد العليا و هي اوّل هيكل خلقه و هي اربعة‌عشر هَيْكلاً .
و الثالث انّه سبحانه خلق الخلق علي غير مثالٍ سبقَ بل خلق كلّ شي‌ء علي ما هو عليه و هو المراد من الحديث علي احد وجوهِه۪ قوله (ص‌) انّ الله خلق آدم علي صورته اي علي ما هو عليه باعتبار قابِليّته للهيئات و التخطيط و الكينونات فمعني انّهم المثل الأعلي انّ الله جلّ و علا خلقهم علي احسن صورة يقتضيها الأمكان و هي ما هم عليه من الهيئة و الكينونة كما اشار اليه سبحانه بقوله تعالي لقد خلقنا الأنسان في احسن تقويم و هو الأنسان الكامل و هو محمّد و آله الأثناعشر و فاطمة (ص‌) ثم رددناه اسفل سافلين يعني اقبح صورة يحتملها الأنسان و هو الأنسان الناقص و هو اعدي اعداِۤئهمْ لعنهم اللّه فالصور اعلاها احسَنُها و هو صور محمد و آله صلي اللّه عليه و عليهم و اقبحها صور ائمة المنافقين و ما بينهما بالنسبة كلّ ما قرب من الأحسن احسن و كلّ ما قرب من الأقبح اقبح فهم (ع‌) امثالهم و هم الأمثال العليا .
و الرابع انّه سبحانه لما خلقَ الخلق علي ما هم عليه اقتضتْ قابليّاتُها علي حسب حدودها صوراً ظاهرةً و باطنةً فكان فيهم مَن صورته حسنة ظاهراً و باطناً و فيهم مَن صُورَتُه قبيحة ظاهراً و باطناً و فيهم من صورته قبيحة ظاهراً حسنة باطناً و فيهم من صورته حسنة ظاهراً قبيحة باطناً و هذه الأجناس الأربعة كلّ واحدٍ منها اختلفت افرادُهُ علي جهة التشكيك لاختلاف المشخصات من مكمّلات القابِليَّاتِ فمن كانت صورهم حسنةً ظاهراً و باطنا اعلاها صور محمد و آله (ص‌) و تلك الصور انما كانت في غاية الحسن و الكمال ظاهراً و باطناً لأنّ مادّتها و مشخّصاتِها و قوابلها و مكمّلاتِها كلّها انوار لا ظلمة فيها اصلاً الّا ما تتحقّق به ظهوراً فكانت طِبْقَ فعلِ اللّه لذاته فهم محاۤلّ مشيّته فلمّا كانتْ تلك الصور و الهيئات و الكينونات كادَتْ اَنْ تكون مطلقة بحيث لاتتوقّف علي شرط كما اشار سبحانه اليها في كتابه يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تمسَسْهُ نار و ذلك لتخلّصِها من الأكوان التركيبيّة اصطفاها و ارتضاها و اختصّها و نسبَها الي نفسه فجعلَها امثاله كما اختصّ الكعبةَ و نسبها الي نفسه فقال بيتي فهم امثاله العليا .
و الخامس لمّا كانت معاني زيد كقيامه و قعوده و قدرته و علمِه۪ و حركته و سكونه و نفسه و روحه و عقله و وجوده و ماهيّته و ذاته و صفاته و افعاله و اقواله و اعماله و جميع احواله اَمْثٰالاً لَهُ و اَبْدَالاً ( لَهُ خ ) منه في جهة ما اتّصَفَ به اَو ( ما خ ) لَهُ و قد قالوا انّهم معانيه كما في رواية جابرٍ عن ابي‌جعفرٍ (ع‌) انّه قال يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال فقلتُ و ما البيان و المعاني قال فقال علي (ع‌) امّا البيان فهو ان تعرف اللّه سبحانه ليس كمثله شي‌ء فتعبده و لاتشرك به شيئا و امّا المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقّه اذا شئنا شاۤء اللّه و يريد ما نريده الحديث ، فانظر كيف فسَّرَها بالمعاني و هي جنبه و يده الخ و هي امثاله و ابداله فسمّاها معانيه و معاني الشي‌ء امثاله لأنّها صفة كينونته و هذا المعني يجري في جميع الخلاۤئق و الي هذا اشار عليّ (ع‌) و قد سُئِل عن العالم العلويّ فقال صور عارية عن المواۤدّ عالية عن القوّة و الأستعداد تجلّي لها فاشرقتْ و طالعها فتلألأت و القي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله و خلق الأنسان ذا نفسٍ ناطقةٍ ان زكّها بالعلم و العمل فقد شابهت اواۤئل جواهر عللها فاذا اعتدل مزاجها و فارقتِ الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد ه‍ ، فقوله (ع‌) و القي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله يريد بالمثال الذي القاه في هويّتها هو ما تعرّف لها من وصف معرفته الذي هو ذاتُها اذ ليس لها هويّة غير ذلك الوصف الملقي و يجري ايضاً في كلّ جهة و ذرّة من ذرّات الوجود الّا انّه لايمكن ايجادُ اَعْلَي منهم صلي اللّه عليهم فهم المثل الأعلي .
و انْ قلنا ان الامثال جمع مِثل بكسر الميم كاحمال جمع حمل استلزم ثبوت النظير و الشبيه و هو في الباطن و باطن الباطن يصحّ في وجهين : احدهما انّ المراد بالمِثل هو النفس اذا كشف عنها سُبُحات الجلال يعني سُبُحاتها من غير اشارة لانّ الاشارة من سُبُحاتِها فاذا ازلتَ السُبُحات و جرّدتَها عن جميع الأعتبارات ظهر لك انّها آيةُ اللّهِ و دليله و صفة معرفته و مِثْل صفة فعله و المعني انّه سبحانه اذا تعرّف لشي‌ءٍ فانما ذلك ليعرفَهُ و لايعرفه بصفة غيره و انما يعرفه بصفتِه۪ و تلك الصفة هي ذاتُ العبدِ و تلك الصفة التي هي ذات العبد لها شؤن و صفات و هي سُبُحاتها فبالسُبُحات تعرفُ ( في ثلثة مواضع خ‌ل ) الذات لانّها صفتها و بالذات يُعرَف محدثها لأنّها صفته و لايجوز ان يكون ما تعرّف به لك غير ذاتِك لأنّه لو كان ذلك كذلك لكان يجوز ان تكون ذاتك موجودة و انت لاتعرفه اذا لم‌يتعرّف لك بشي‌ءٍ و يلزم من ذلك استغناۤؤك عن مدده وَ اَلّاتكون موجوداً به لأنّ كونك موجوداً به يلزم منه ان تكون اثر فعله فتدلّ عليه باصل ايجادك لأنّ الموجود اثر الايجاد و الأيجاد اثر الموجِد فيدلّ و لايعني بالتعرّف لك الّا هذا و هو قوله تعالي فطرةَ اللّه التي فطر الناسَ عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ، فاذا ظهر لك وجود المِثل بكسر الميم في ذوات الموجودات عند تجريدها عن الفرقاتِ اي مثل صفته التي تعرّف بها لك و هي صفة خلقٍ لاتشبه شيئاً من الخلق عرفتَ انّ تلك الأمثال تختلف اختلافاً كثيراً متفاوتاً تفاوتاً كثيراً و اعلي تلك الأمثال محمّد و اۤله صلي اللّه عليهم اجمعين فهم المثل الاعلي بكسر الميم و علي ما جوّزه الشارح محمّدتقي المجلسي (ره‌) من جواز القراءة بضمتين يصحّ هذا المعني . و ثانيهما ما قيل انّ جميع العالم اسم اللّه تعالي و ربّما استدلّ علي هذا بما في الكافي من حديث الأسماۤء ان اللّه خلق اسماً بالحروف غير متصوّت و باللفظ غير منطق الي ان قال فجعله كلمة تامّةً علي اربعة اجزاۤء معاً ليس واحد منها قبل الٰاخر فاظهر منها ثلاثة اسماۤء لفاقة الخلق اليها و حجب واحداً منها الحديث ، و قد ذكرتُ لشرحِه۪ رسالة من اراد الوقوف علي ذلك طلبها و فيها انّ المراد بهذا الأسم هو جميع ما سوي اللّه و الأسماۤء الثلاثة التي ظهرت عالم الجبروت اي العقول و عالم الملكوت اي النفوس و عالم الملك اي الأجسام و الجزء المحجوب هو فعل اللّه المسمّي بالمشيّة و الأرادة و الأبداع و معلوم انّ الاسم علامة المسمي و معلوم انّ العلامة لاتفارق المعلّم بل السِّمَة هي صفة الموسوم و لايُراد بالمِثل بكسر الميم الّا هذا اي مثل جهة السِّمة و العلامة فاذا قلنا هم مثله لانُريد به مثل الذات لأنّ ذلك كفر و زندقة و انما نريد انّهم خَلَقَهم آياتٍ يستدلّ بهم عليه كما يدلّ الأثر علي صفة المؤثر من تلك الجهة فهم مثله اي مِثل صفةٍ تدلّ عليه كما قال عليّ (ع‌) صفةُ استدلالٍ عليه لا صِفةٌ تكشف له و قد كَرّرنا هذا المعني في رساۤئِلنا فايّاك اَنْ تتوهّم اذا اطلق المَثَلُ بالتحريك او بكسر الميم اَنْ يُرَاد بالمماثلة بينه و بين الذات الواجب تعالي ذاته عن المثل و عن ضربِ المثل له انما ذلك بين الشي‌ء الذي هو الأثر و بين الفعل الذي به التّأثير فالمماثلة له و جميع ما يرد من الخلق من اضافةٍ و بيانٍ و انتهاۤءٍ و توصيفٍ و تعريفٍ كذلك و الي هذا المعني اشار عليّ (ع‌) في مقام تنزيه الذات قال (ع‌) انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله ، فافهم فهم المَثَل الأَعْلي بكلّ معني ممّا اشرنا اليه تلويحاً و تَصْريحاً .
قال عليه السلام : و الدّعْوة الحسني
قال الشارح محمدتقي (ره‌) فانهم احسن الدعاة الي اللّه او دعوة اللّهِ الخلقَ الي متابعتهم افضل الدعوات ه‍ ، يُراد بالدعوة الحسني وجوه :
الأوّل انّ المراد بالدعوة الحسني دعوة ابراهيم (ع‌) مثل قوله و اجعل لي لسان صدقٍ في الٰاخرين و اللّسان الصدق هم الأئمة عليهم السلام و قوله و جعلها يعني ابراهيم في دعوته كلمةً باقيةً في عقبه لعلّهم يرجعون و الكلمة الباقية في عقبه الأئمة (ع‌) و قوله و اجعلنا مسلمين لك و من ذريّتنا امّةً مسلمةً لك و الأمة المسلمة للّه الأئمة (ع‌) و يُحتمل اَنْ يراد من هذا قوله و اجنبني و بَنِيّ ان نعبد الأصنام اذا اريد التجنّب التّامّ الحقيقي فانّ من عصي اللّه لم‌يتجنّب كل معبودٍ سواه لأنّ مَن اتّبع شهوة نفسه فقد عبدَها قال اللّه تعالي ارأيتَ من اتّخذَ الٰهَهُ هواه فانّ مَن اتخذ الهه هواه فقد عبد صنماً و في العيّاشي عن ابي‌عمرو اليزيدي عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال قلتُ اخبرني عن امّة محمّد (ص‌) مَن هم قال امّة محمّد بنوهاشم خاۤصّة قلتُ فما الحجّة في امّة محمد (ص‌) انّهم اهل بيته الذين ذكرت دونَ غيرهم قال قول اللّه و اذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسمعيل ربّنا تقبّل منّا انك انت السميع العليم ربّنا و اجعلنا مسلمين لك و من ذرّيّتنا امّةً مسلمةً لك و ارنا مناسكنا و تب علينا انّك انت التوّاب الرحيم فلمّا اجاب اللّه ابراهيم و اسمعيل و جعل من ذريتهما امّةً مسلمةً و بعث فيها رسولاً منها يعني من تلك الامّة يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة ردَف ابراهيم (ع‌) دعوته الأولي بدعوته الأخري فسئل لهم تطهيرهم من الشرك و من عبادة الاصنام ليصحّ امره فيهم و لايتبعوا غيرهم فقال و اجنبني و بنيّ ان نعبد الأصنام ربّ انّهن اضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فانّه مني و من عصاني فانك غفور رحيم فهذه دالة ( دلالة خ‌ل ) انّه لاتكون الائمة و الامّة المسلمة التي بُعِثَ فيها محمّد (ص‌) الّا من ذرّية ابراهيم لقوله و اجنبني وَ بَنِيَّ ان نعبد الاصنام ه‍ ، فهذا من معني الدعوة الحسني اي دعوة ابراهيم (ع‌) .
الثاني انّهم اهل الدعوة الحسني علي حذف مضاف و الدعوة الحسني انهم يدعون الي الأيمان و الي الجنّة التي هي الحسني كما في قوله تعالي للذين احسنوا الحسنَي و زيادة و ذلك انّهم دعوا الخلق عن بَعْثِ رسول اللّه (ص‌) في اصل الأيجاد فعمل الخلاۤئق في قبولهم الايجاد بحكمتهم (ع‌) فحسنت صورة من احسن عملاً و قبحت صورة مَن عمل سوءاً ثم دَعوهُم في الذّر الأوّل فاجاب مَن احسن عملاً لأنّ طينته طابَتْ بالأجابة الأولي و انكر من اساۤء ( اجابته خ‌ل ) اجابةً لامتناعه عن الأجابة اوّل مرّة ثم ظهروا لهم في الذّر الثاني و دعوهم الي توحيد اللّه و نبوّة محمّد (ص‌) و الولاية لعليّ و اهل بيته (ع‌) فمنهم مَن آمن و منهم من كفر ثم انهم كانوا اهل تلك الدعوة الأُولي في هذه الدنيا فمن آمن بما آمن ( به خ‌ل ) سابقا فقد فاز و من انكر بذلك حقت عليه الكلمة و هو قوله تعالي و ماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل و ذلك التكذيب صدر منهم من بعد ما تبيّن لهم الهدي فاستحبوا العمي علي الهُدي فاخبر اللّه سبحانه عمّا هم عليه بقوله تعالي و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً و علوّاً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فلمّا كانوا هم الدعاة الي اللّه من اصل الوجود الي هذه الدنيا بالعلم و الهدي و الكتاب المنير عذراً او نذراً بالحجج القاطعة و الأدلّة اللّامعة الي ان ردّد عليهم محمّد بن عبداللّه (ص‌) في هذه الدنيا الحجة و حملهم علي المحجّة فاخبرهم اللّه في كتابه المجيد عن ذلك التأسيس و هذا التشييد فقال هذا نذير من النذر الأولي فبلغت حجة اللّه و تمّت كلمته و ما ربّك بظلّامٍ للعبيد .
الثالث انّهم دعوةُ اللّهِ التي دعا بها عبادَهُ الي طاعته و محبّته و رضاه امّا علي معني ان اللّه سبحانه دعاهم الي سبيله يعني الطريق الموصل الي رضاه و محبّته و هم ذلك السبيل و اليه الأشارة بقوله تعالي و يوم نحشرهم و ما يعبدون من دون اللّه فيقول ءانتم اضللتم عبادي هؤلاۤء ام هم ضلّوا السبيل قالوا سبحانك ماكان ينبغي لنا ان نتّخذ من دونك من اولياۤء و قوله تعالي و قالوا ربّنا انا اطعنا سادتنا و كبراۤءَنا فاضلّونا السبيلا ، او علي معني انّهم كلماته التّامات فالدعوة بهم او انهم اسماۤؤه الحسني فدعاهم باسماۤئه او ( و خ‌ل ) امر العباد ان يدعوه بها فالدعوة بهم عنده هي الدعوة الحسني او علي معني انّه دعاهم بِسَبيله يعني انّه تعالي دعاهم الي طاعته و رضاه بِسَبيله و هم سبيله اي دعا عباده بهم (ع‌) الي ما فيه نجاتهم السرمديّة و سعادتهم الأبديّة فبهم و بتوسّطهم تمت الدعوة و ائتلفتِ الفرقة باَنْ دعا اللّه عباده علي السنتهم او بانوارهم ابصر العباد الطريق الي اللّه اَو قَووا علي الأجابة و الأبصار لأنّ قوة العباد علي الطاعات و قوة عقولهم و مشاعرهم انّما هي من فاضل نورهم فبفاضل قوتهم قَووا و بنور هدايتهم اهتدوا اَوْ بتَحَمُّلِهِم عن محبّيهم عواۤئق الموبقات وَصَلُوا اعْلَي الدَّرَجَات و امثال ذلك فهم الدعوة الحسني .
الرابع انّ اللّه سبحانه دعا بعض خلقه الي الحقّ بقبوله الحقّ منه بمعني جعلهم اهل الحق بقبولهم عنه و هي الدّعوة الحسني و دعا بعض خلقه الي خلاف ذلك بتركهم الحق وَ مَنْعِهِم اِطاقَةَ القبول منه فجعلهم اهل الباطل بتركهم الحقّ و اخذِهم الباطلَ و بعدم القبول منه و هي الدعوة السُّوأيۤ فسبق للمؤمنين خير ما سبق في الكتاب بالمعرفة و القبول و سبق للمنافقين شرّ ما سبق في الكتاب بجحودهِمْ و عدم القبول منه و هم عليهم السلام حملة الجعل بالقبول و الأيمان بل هم الجعل الحقّ الذي هو الدعوة الحسني و اعداۤؤهم جُعِلَتْ بهم الدعوة السُّوأيۤ و اليه الأشارة بقوله تعالي في اهل الدعوة السُّوأيۤ و جعل كلمة الذين كفروا السفلي فهي سفلي بجعله لهم بكفرهم كما قال تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم و قال في اهل الدّعوة الحسني و كلمة اللّه هي العُلْيا بذاتها لا بجعلٍ غيرِ كونِها علي ما هي عليه من الخير .
الخامس انه سبحانه دعا عباده الي طاعته و هي علي انحاۤءٍ شتّي اعلاها ما دعا اليه من حبّهم و ولايتهم و التسليم لهم و الردّ اليهم و التوكّل علي اللّه و علي ولايتهم لانّ ذلك يحطّ الذنوب و في ما نقله ابن‌طاووس تغمّده اللّه برحمته عن الحجّة (ع‌) في الدعاۤء للشّيعة حيث قال (ع‌) اللّهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتّكالاً علي حُبِّنَا الدعاۤء ، و في الحديث القدسي ما معناه اقسم بعزّتي و جلالي اني ادخل الجنّة مَن احبّ عليّاً و اِنْ عصاني وَ انّي اُدخِلُ النارَ من ابغض عليّاً و اِنْ اطاعني فكان ما دعا اليه من حبّهم افضل العبادات و هي احسن ما دعا اليه عنده .
السادس انه دعا عباده الي طاعتهم (ع‌) و لمّا كانت احوالهم مستهلكة في خدمته فليس لهم التفات الي شي‌ء سواه كانت طاعتهم مستلزمةً لجميع انواع الطاعات من التوحيد فما دونه الي ارش الخدش فما فوقه و لم‌تكن طاعة في الحقيقة تخرج عن طاعتهم لأنّهم باب الوجود و سرّ المعبود فكانت دعوته الي طاعتهم افضل فتكون هي الدعوة الحسني .
قال عليه السلام : و حُجَج اللّهِ علي اهل الدنيا و الٰاخرة و الأوْلي
قال الشارح ( المجلسي خ‌ل ) محمّدتقي (ره‌) احتج اللّه و اَتمّ حجّته بهم علي اهل الدنيا بان جعل لهم المعجزاتِ الباهرة و العلوم اللّدُنيّة و الأخلاق الألٰهيّة و العقول الربّانيّة فهداهم بهم اليه و يحتجّ بهم في الٰاخرة بعد الموت او في القيٰمة و الأولي كرّر للتأكيد او السجع او هي صفة الحجج فانهم اُولَي حجج اللّه كما تقدّم او يقرأ بافضل ( بافعل خ‌ل ) التفضيل فانّهم اكمل حجج اللّه ه‍ ، اقول الحجج جمع حجّة بالضم و هي البرهان و البرهان قد يكون بالقول و قد يكون باحداث مثل المستدلّ عليه في الجهة المدّعي ثبوتُها او مثاله و هذا ابلغ في اثبات الدعوي لأنّه لايحتمل الخطأ لأنّه ايجاد صفة الدّعوي و لاتوجد الصفة الّا بعد ثبوت الموصوف و امّا البرهان القولي فانّه لفظ يدّعي دلالته علي المدعي و الدلالة اللّفظيّة قد تشتبه بسبب اختلاف الأذواق و عدم فهم بعضها اذا انفرد عن الحسّ و لسعة فضاۤء الخيال و كثرة الأشكال فيه و سرعة حدوثها و قد تسمع اللفظ فيحدث لها مقتضي جهة المرجوحيّة و امثال هذا من مرجّحات البرهان المثلي و المثالي و لمّا كان هذا المعني غير معهودٍ عند الناس بعد ادراكه عليهم الّا ببيان المشافهة و امّا بالكتابة فيحتاج الي بسطٍ طويل و لأجل هذا تركنا ذكره ثم انّهم (ع‌) اعظم حجج اللّه علي خلقه لأنّه سبحانه خلقهم و اودع في حقاۤئقهم كلّ كمالٍ ممكنٍ من علمٍ و كرمٍ و حكمٍ و حلمٍ و جزمٍ و حزمٍ و فهمٍ و عقل و عزمٍ و فضلٍ و فصلٍ و ذكرٍ و فكرٍ و بصرٍ و صبرٍ و زهدٍ و ورعٍ و تقوي و يقينٍ و تسليمٍ و رضا و شجاعةٍ و سماحةٍ و نباهةٍ و نجابةٍ و استقامةٍ و اقتصادٍ و ما اشبه ذلك من صفاتِ كمالاتِ الدّين وَ الدّنيا و خَلَقَ ما سواهم و امرهم بطاعتهم و جعلهم الوسيلة اليه في كلّ امرٍ مطلوبٍ و خيرٍ مرغوبٍ و لايمكن لاَحَدٍ من الخلق رَدّ وَسَاطَتِهم اذا رجع الي عقله و فهمه و الي ما تعرفه العاۤمّة و الخاۤصّة و لا بميزانِ شريعةٍ من الشراۤئع و لا بمقتضي طبيعةٍ من الطباۤئع بل مَن قَبِلَ منهم علم انّهم اهل ذلك و كلّ مَن لم‌يقبل منهم يعلم انّه في ذلك مقصّر تارِكُ الأستقامة و متجنّبٌ للحق لأنّ اللّه سبحانه عرّف كلّ شي‌ء من خلقه من بني آدم و من الجاۤنّ و الشياطين و الملاۤئكة و ساۤئر الحيوانات و النباتات و الجمادات و الجواهر و الأعراض و الذوات و الصفات ( و خ ) الأعيان و المعاني و كلّ شي‌ء ظهر من ( عن خ‌ل ) مشيّة اللّه سبحانه مقام آل‌محمد (ص‌) و شرفهم و عظم شأنهم و قُرْبَ منزلتهم عنده و انّه ليس له باب غيرهم و لا سبيل اليه الّا منهم و في مختصر بصاۤئر سعد بن عبداللّه الأشعري للحسن بن سليمن الحلّي ما رواه من كتاب منهج التحقيق باسناده الي جابر عن ابي‌جعفر (ع‌) قال قال انّ اللّه تعالي خَلَقَ اربعةَ‌عَشَرَ نوراً من نور عظمته قبل خلق آدم باربعة‌عشرالف عام فهي ارواحنا فقيل له يا ابن رسول اللّه (ص‌) عُدّهم باسمائهم ممن ( من خ‌ل ) هؤلاۤء الأربعة‌عشر نوراً فقال محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و تسعة من ذريّة الحسين و تاسعهم قاۤئمهم ثم عدهم باسماۤئهم ثم قال نحن واللّهِ الأوصياۤء الخلفاۤء من بعد رسول اللّه و نحن المثاني التي اعطاها الله نبيّنا و نحن شجرة النبوّة و منبت الرحمة و معدن الحكمة و مصابيح العلم و موضع الرسالة و مختلف الملاۤئكة و موضع سرّ الله و وديعة اللّه جلّ اسمه في عباده و حرم اللّه الأكبر و عهده المسئول عنه فمن وفي بعهدنا فقد وفي بعهد الله و من خَفَره فقد خَفَر ذِمَّة اللّهِ و عهدَهُ عَرَفَنَا مَن عَرَفَنا و جَهِلَنا مَن جهلنا نحن الأسماۤء الحسني التي لايقبل اللّه من العباد عملاً الّا بمعرفتنا و نحن واللّهِ الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ان اللّه تعالي خَلقنا فاحسن خلقنا و صوّرنا فاحسن صورنا و جعلنا عينه علي عباده و لسانه الناطق في خلقه و يده المبسوطة عليهم بالرأفة و الرحمة و وجهه الذي يؤتي منه و بابه الذي يدلّ عليه و خزّان علمه و تراجمة وحيه و اعلام دينه و العروة الوثقي و الدليل الواضح لمن اهتدي و بنا اثمرتِ الأشجار و اينعت الثمار و جرتِ الأنهار و نزل الغيث من السماۤء و نبت عشب الأرض و بعبادتنا عبدَ اللّهُ و لولانا ماعرف اللّه و ايْمُ اللّه لولا وصيّة سبقتْ و عهد اُخِذَ علينا لقلتُ قولاً يعجب منه او يذهل منه الأوَّلُونَ و الٰاخِرُونَ ه‍ ، و من طرقهم ما هو اعظم ممّا سمعتَ و اكبر ممّا اطّلعتَ عليه و عَلِمْتَ فهم حجج اللّه البالغة كما قال تعالي قل فللّه الحجة البالغة فلو شاۤء لهديٰكم اجمعين لانهم محاۤلّ مشيّته و هم الكلمة التاۤمّة كما قال تعالي و تمّت كلمة ربّك صدقاً و عدلاً لا مبدّل لكلماته و هو السميع العليم و هو قوله تعالي حكاية عن نبيّه (ص‌) قل مايكون لي ان ابدّله من تلقاۤء نفسي ، و امّا اهل الدنيا فقيل يحتمل ان يراد بأهل الدنيا الموجودون فيها و ما بعده تفسير و تفصيل له فيُراد باهل الٰاخرة العاملون لها بالعبادات و بأهل الدنيا المباشرون لها بالمعاملات و لا شكّ انهم (ع‌) الحجج علي الفريقين باظهار الكرامات و الأخلاق الربانيّة و بالهداية و تعليم الأداب ، امّا جعل الأولي للتأكيد هنا او صفة او افعل التفضيل فلايخلو شي‌ء منها عن تكلّف بشهادة الذوق و امّا السجع فيحصل بترك الدنيا ه‍ ، و قوله ( و قولي ظ ) اما جعل الأولي الخ ، اعتراض علي ما ذكره الشارح محمّدتقي (ره‌) كما ذكرنا عنه اوّلاً و هذا اعتراض في محلّه و هو ايضاً في قوله الحجج علي الفريقين باظهار الكرامات الخ ، لأنّ قوله باظهار الكرامات يعني المعجزات متوجّه يعني انّ ظهور المعجزات علي ايديهم مصدِّق لما يدّعونه من انهم حجج اللّه علي عباده مفترضوا الطاعة لأنّه تعالي لايصدّق بالمعجزات الكاذب امّا قوله بالهداية و تعليم الأداب فلا معني لجعله دليل الحجيّة لأنّه اعمّ من المدّعي و ما اشرنا اليه هو دليل الحجيّة لمن يَفْهم و المراد باهل الدنيا كلّ مَن وجد فيها مَنْ مضي و مَن بقي من لدن هبوط آدم الي قيام قاۤئم آل‌محمّد (ص‌) اللّهم عجل فرجه و سهّل مخرجه و هي مأخوذة من الدّناۤءة لِخِسَّتها كما اشار سبحانه الي ذلك في قوله تعالي و لولا ان يكون الناس امّة واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة و معارج عليها يَظهَرُونَ الي ان قال و ان كلّ ذلك لمّا متاع الحيوة الدنيا و الٰاخرة عند ربك للمتّقين او من الدنوّ لأنّها قبل الٰاخرة فلِتقدّمها علي الٰاخرة سمّيت بذلك كما انّ الٰاخرة سمّيتْ بذلك لتأخُّرِها و المراد بالٰاخرة هنا ما بعد الموت لانّ القبر اوّل منزل من منازل الٰاخرة فيكون المعني انّهم حجج اللّه علي اهل البرزخ و اهل الٰاخرة في الحشر و النشر و عند الصراط و في المواقف الخمسين التي كلّ موقفٍ منها كالف سنةٍ مما تعدّون و في الجنة و النار و ليس هذا الذكر للدّنيا و الأخرة و الأولي حَصْراً لحجّيتِهِمْ بل هم حجج علي كلّ من دخل في الوجود ممّا دون العرش الأعلي فهم حجج ( الله خ ) علي من سيكون بعد دخول اهل الجنة الجنّة و اهل النارِ النارَ كما رواه في الخصال عن جابر بن يزيد قال سألتُ اباجعفر (ع‌) عن قول اللّه عزّ و جل افعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد فقال يا جابر تأويل ذلك انّ اللّه عزّ و جل اذا افني هذا الخلق و هذا العالم و اسكن اهل الجنّة الجنّة و اهل النار النار جدّد اللّه عزّ و جلّ عالماً من غير فحولة و لا اناثٍ يعبدونه و يوحّدونه و خلق لهم ارضاً غير هذه الأرض تحملهم و سماۤء غير هذه السماۤء تظلّهم لعلّك تري انّ اللّه عزّ و جلّ انما خلق هذا العالم الواحد و تري انّ اللّه عزّ و جلّ لم‌يخلق بشراً غيركم بلي واللّهِ لقد خلق اللّه تبارك و تعالي الف‌الفِ عالم و الف‌الفِ آدم ( و خ ) انت في آخر تلك العوالم و اولۤئك الٰادميين ه‍ ، و لا شك انهم (ع‌) حجج اللّه علي هؤلاۤء لأنّ اَخبارهم كلّها ناطقة بانهم حجج اللّه علي جميع خلقه و انّ اللّه لم‌يخلق خلقاً قبلهم و لا معهم و انهم بقوا اشباحاً نورانيّة يسبّحون اللّه عزّ و جلّ الف دهرٍ قبل الخلق ثم خلق الخلق و اشهدهم خلقهم و اجري عليهم طاعتهم و جعل فيهم ما شاۤء و فوّض امر الأشياۤء اليهم في الحكم و التّصرف و الأرشاد و الأمر و النهي كما في الروايات عنهم و المراد بالأولي رجعة آل‌محمّد (ص‌) او قيام قاۤئمهم (ع‌) او الأعم منهما و انما سمّيت اولي بالنسبة الي الٰاخرة فيقال لهذه الأيّام الثلاثة الدنيا و الأولي و الأخري فان اريد بالأولي الرجعة فهي التي تظهر فيها الجنّتان المدهاۤمّتان و ما وجّهه به الشارح من التكرير خلاف الأصل و ما احتَمَل فيها من فتح الألف لأنّه افعل التفضيل خلاف الظاهر و جعلها صفة الحجج خلاف الأصل و الظاهر معاً لأنّ هذه الأوقات الثلاثة متغايرة كما ورد في تأويل قوله تعالي و ذكّرهم بايام اللّهِ ففي الخصال عن مثني الحنّاط قال سمعتُ اباجعفر (ع‌) يقول ايّام اللّه يوم يقوم القاۤئم و يوم الكرّة و يوم القيٰمة و في تفسير علي بن ابراهيم ايّام اللّه ثلاثة يوم القاۤئم و يوم الموت و يوم القيمة ، اقول وجه الأستدلال بهاتين الروايتين انه جعل قيام القاۤئم عليه السلام او الرجعة يوماً غير يوم القيمة المعبر به عن الٰاخرة و غير الدنيا فهذا اليوم لايصلح ان يطلق عليه الدنيا لان بنيتها للتفضيل فهي ادني من الكرّة و من قيام القاۤئم عليه السلام و لا الٰاخرة لأنّ القيمة بعده و هي الٰاخرة فهو غير الٰاخرة و غير الدنيا و ليس هنا الّا الدنيا او الرجعة و قيام القاۤئم عليه السلام او الٰاخرة و يصلح ان يكون الأولي بالنسبة الي الأخري و انما ذكر في تأويل الأيّام الثلاثة قيام القائم (ع‌) و الرجعة و الٰاخرة و لم‌يذكر الدنيا لأنّه في مقام التهديد و التخويف و الوعيد بما سيقع عليهم من العذاب و لايكون ذلك الّا في هذه الأيّام المذكورة في الروايتين لأنّ الدنيا محلّ التذكير و انّما قلنا نحن انّ الأيّام ثلاثة الدنيا و قيام القائم (ع‌) او الرجعة او الأعم منهما و الٰاخرة لأنّ قيام القاۤئم و الرجعة في الجنس واحد من جهة العدل و اقامة الحق و رفع الظلم و دكِّ سدّ التقية و ان اختلفا في عدم رجوع امام الزمان (ع‌) لأنّ الرجوع قد يراد منها الحيوة بعد الموت و القاۤئم (ع‌) حيّ موجود و اذا فرقنا بينهما قلنا قيام القاۤئم (ع‌) اوّلا و هو يحكم سبعين سنة في مدة سبع سنين علي اكثر الروايات لأنّ السنة في زمانه بعشر سنين فاذا مضي من ملكه تسع و خمسون سنة خرج الحسين (ع‌) و هو اوّل الرجعة فكان اليومان متداخلَين متشابهَين متوافقَين هو مدة ملك ال‌محمد صلّي اللّه عليه و عليهم اوّله قيام القاۤئم (ع‌) و هذا الذي يترجّح في خاطري من المراد بالأولي و لو اردنا بالأولي الدنيا كما ذكره الأكثر فالفائدة في الذكر مرّتين احد وجهين الأوّل انّ الدنْيٰا دنياوَانِ دنيا ملعونة و دنيا بلاغ فالدنيا الملعونة ما سُلِكَ فيها بخلاف مراد اللّه و الدنيا البلاغ ما سلك فيها علي حسب مراد اللّه بانْ يتّخذها منزل سفرٍ ليأخذ منها متاعه الي الأخرة فالدنيا لفظها ناطق بالخسّة و الاولي لفظها ليس فيه ذلك فيراد بالدنيا الدنيا الملعونة و يراد بالأولي الدنيا البلاغ لأنّ لفظ الاولي حصل منه الغرض و هو تقدمها علي الٰاخرة و حصول الدُّنُوّ و الثاني انّ المراد بالدنيا ولاية الأوّل و الثاني كما روي عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالي بل تؤثرون الحيوة الدنيا ما معناه انها ولاية الأوّل و الأخرة خير و ابقي هي ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام و يكون المعني انّهم (ع‌) حجج اللّه علي اعداۤئهم و مواليهم و قوله و الأولي يراد بها الدنيا المعروفة بالمعني الأعم من الدنيا الملعونة و الدنيا البلاغ و ذكرها من باب ايهام التناسب كما في قوله تعالي و النجم و الشجر يسجدان فانه مراد بالنجم النَبْت المعروف و يوهم ان يكون المراد منه الكوكب لمناسبته لما قبله في قوله الشمس و القمر بحسبان و انما اُتي للدنيا اليوم قوله و انما اتي للدنيا اليوم يعني ان الهادي عليه السلام انما قال للدنيا التي هي الوقت لا التي هي ولاية الباطل بالاولي فقال و حجج الله علي اهل الدنيا و الٰاخرة و الاولي ليشمل قوله و الاولي الدنيا البلاغ لانهم عليهم السلام حجج اللّه علي اهل الدنيا الملعونة و اهل الدنيا البلاغ و لو اتي بلفظ الدنيا فقال و حجج اللّه علي اهل الدنيا و الٰاخرة و الدنيا لكان لفظ الدنيا يشمل الدنيا الملعونة و الولاية الباطلة و لم‌يشمل الدنيا البلاغ لتبادر لفظ الدنيا الي ما هو مذموم ، منه ( اعلي الله مقامه ) .
قوله للدنيا اليوم يعني الدنيا التي هو الوقت المعين المعروف لا الدنيا التي هي الولاية الباطلة و كذا يراد من الٰاخرة اليوم اي الاخرة التي هي الوقت المعروف لا الٰاخرة التي هي ولاية ( الولاية خ‌ل ) الحق ، منه ( اعلي الله مقامه ) .
بالأولي ليدلّ علي اليوم و لم‌يُؤت للٰاخرة اليوم كما اُتي للدنيا اليوم بالأولي لأنّ الدنيا اذا استعملت في الولاية الباطلة قد لايفهم منها الّا الدنيا الملعونة فتبقي الدنيا البلاغ لا دليل علي كونهم حججاً فيها فاُتِي بما يدلّ عليها اي البلاغ و هو الأولي بخلاف الٰاخرة فانها اذا استعملت في الولاية الحق دلّت علي الٰاخرة اليوم لمطابقتها لها فلايحتاج الي ذكر شي‌ء آخر كما احتيج هناك و يحتمل ان يكون المراد انّه في ذكر كونهم حججاً يريد به علي اهل الدنيا من انها محل انكار اهلها لهم و عدم قبول اكثرهم امامتهم و عدم معرفتهم بهم و عدم اقتداۤئهم بهم بل يقتدون باعداۤئهم فبين انّهم كانوا حججاً عليهم علي جهة الخصوص في هذه الدنيا التي ماعرفوا حقوقهم فيها ثم انّه التفتَ الي حكم العموم فانّهم حجج في الدنيا و الٰاخرة علي جهة العموم علي الطاۤئع و العاصي و المكلّف و غيره من الخلقِ الصامت و الناطق فقال و الأخرة و الأولي و انما اخّر الأولي مراعاةً للسجع و كراهة اجتماع المترادفَين بلا فاصلةٍ و انما اَتي بالأولي و لم‌يأتِ بالدنيا لانّه ذكر هذا اللفظ اوّلا فاتي بمرادفه دَفعاً للتكرير اللفظي .
قال عليه السلام : و رحمة اللّه و بركاته
قال الشارح عطف علي السلام و يمكن جعل كل واحدٍ من السّلام و الرحمة و البركات في كلّ واحدٍ من الجمل لمعني غير السّابق ه‍ ، و قيل و يحتمل النصب بالعطف علي سابقه ترجيحاً لقرب المعطوف عليه و كونهم رحمة اللّه و بركاته ظاهر ه‍ ، فعلي العطف السلام عليكم اي حافظ عليكم او علي احد المعاني المتقدمة و رحمة اللّه منبسطة عليكم محيطة بكم شاملة لكم حتي تكونوا بفاضلها شافعين لشيعتكم و محبيكم و لهذا قال اعداۤؤهم فما لنا من شافعين و لا صديق حميم فلو انّ لنا كرّة فنكون من المؤمنين الذين يعمهم رحمة اللّه كما قال تعالي و كان بالمؤمنين رحيماً و قال تعالي فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكوة و الذين هم بأياتنا يؤمنون يعني انّ الرحمة كتبت للمؤمنين فكون رحمة اللّه علي الائمة يكون علي معني ما تقدم من السلام اي عليكم يعني تلزمكم الرحمة للمؤمنين بكم و المحبّين لكم و بركاته عليكم اي انّه بارك في حسناتِ محبّيكم حتي تكون حسنة احدهم بسبعمائة لأجل محبّته قال تعالي كمثل حبّةٍ انبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة و اللّه يضاعف لمن يشاۤء و هذا مثل لشيعتهم و محبّيهم في اعمالهم و اليه الاشارة بقوله تعالي و لو انّ اهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماۤء و الارض ، فعلي العطف يكون و بركاته عليكم فيكون حاصل المعني انّ اللّه ينزل عليهم بركات من السماۤء و الارض لأنّهم عليهم السلام اهل الأيمان و التقوي ففتح عليهم البركات من محمّدٍ و عليٍ عليهما السلام فالبركات فيهم انّه يكون من صلب كلّ واحد منهم مائة ولد في كرّتهم و في تفسير العياشي عن الفضل بن محمد الجعفي قال سألت اباعبداللّه (ع‌) عن قول اللّه تعالي حبة انبتت سبع سنابل قال الحبّة فاطمة و السبع السنابل سبعة من ولدها سابعهم قاۤئمهم قلتُ الحسن قال (ع‌) انّ الحسن امام من اللّه مفترض الطاعة و لكن ليس من السنابل السبعة اولهم الحسين و آخرهم القاۤئم فقلتُ قوله في كل سنبلة مائة حبّة قال يولد للرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه و ليس ذاك الّا هؤلاۤء السبعة ه‍ ، و علي الوجه الٰاخر كما مرّ من نزول البركات في حسنات محبّيهم في كتاب ثواب الاعمال عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال اذا احسن العبد المؤمن ضاعف اللّه له عمله بكلّ حسنة سبعمائة ضعف و ذلك قول اللّه تعالي و اللّه يضاعف لمن يشاۤء و في ما مرّ من رواية داود بن كثير الرقّي الي ان قال و خلق شيعتهم اخذ عليهم الميثاق و ان يصبروا و يصابروا و ان يتقوا اللّه و وعدهم ان يسلّم لهم الارض المباركة و الحرم الاۤمن الحديث ، فاللّه بهم يفتح البركات من السماۤء و الأرض و هم (ع‌) يسلّمونها الي شيعتهم و محبّيهم في انفسهم و ذرّيّاتهم و اعمالهم و هو قوله و رحمة اللّه و بركاته اي و بركاته عليكم ان تسلّموا فاضلها الي شيعتكم و علي شيعتكم ان يسلّموا فاضل ذلك الي محبّيكم و هذا اقتباس من قوله تعالي رحمة اللّه و بركاته عليكم اهل البيت انّه حميد مجيد ، في كتاب معاني الاخبار انّ الصادق (ع‌) سلّم علي رجلٍ فقال الرجل و عليكم السلام و رحمة اللّه و بركاته و رضوانه فقال لاتتجاوزوا بنا قول الملائكة لأبينا ابراهيم (ع‌) رحمة الله و بركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد و في اصول الكافي بسنده الي ابي‌عبيدة الحذّاء عن ابي‌جعفر (ع‌) قال مرّ اميرالمؤمنين (ع‌) بقوم فسلّم عليهم فقالوا عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته و مغفرته و رضوانه فقال لهم اميرالمؤمنين (ع‌) لاتجاوزوا ( لاتتجاوزوا خ‌ل ) بنا مثل ما قالتِ الملاۤئكة لأبينا ابراهيم (ع‌) انما قالوا رحمة اللّه و بركاته عليكم اهل البيت ، و يجوز ان يكون المراد برحمة اللّه صَلوته او صِلته او وَصْله يعني هو الذي يصلّي عليكم و ملاۤئكتُهُ اي يمدّهم بمدد الهدي و الصِّلة العطيّة اي يؤتيهم من كل ما سألوه و الوَصْل وصل الولاية بالنّبوّة او وصل الشعاع بالمنير و التابع بالمتبوع و في تفسير الأمام (ع‌) و شرح الأيات الباهرة قال و تفسير قوله عزّ و جلّ الرحمن انّ الرحمن مشتق من الرحمة و قال قال اميرالمؤمنين (ع‌) سمعتُ رسول اللّه (ص‌) يقول قال اللّه تعالي انا الرحمن و هي الرحم شققت لها اسماً من اسمي مَن وصلَها وصلته و من قطعها قطعته ثم قال اميرالمؤمنين (ع‌) ان الرحم التي اشتقّها الله تعالي من اسمه بقوله انا الرحمن رحم محمّد (ص‌) ه‍ ، فالرحمة بمعني الصّلة و لهذا كانت الرحم مشتقّة من الرحمن مَن وصلَها بمعني انه لم‌يبدّل ما يراد لها وصله اللّه تعالي لأنّ ذلك هو معني الرحم و مَن قطعها اي لم‌يجعل معاملته معها بما يوافق معناها بالوصل قطعه اللّه قال اللّه تعالي و الذين يصلون ما امر اللّه به ان يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب و الذين صبروا ابتغاۤء وجه ربهم الي قوله سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار و من قطعها انزل اللّه في حقه قرءاناً قال تعالي و الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه في عالم الذّر بانّهم يصلون الرحم حين اخذ عليهم العهد و الميثاق بذلك و عاهدوه علي ذلك و يقطعون ما امر اللّه به ان يوصل و يفسدون في الارض بقطعهم الرحم التي امر اللّه بوصلها اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار ، و اما البركات ففي الآية المقدمة و لو ان اهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماۤء و الأرض ، فالبركات التي من السماۤء مطر من الرحمة يحيي به الأرض قال تعالي فانظر الي آثار رحمة اللّه كيف يحيي الأرض بعد موتها و البركات التي من الأرض ثمرات ذلك المطر فالمطر العلم و هو من السماۤء و الثمرات التي من الأرض ثمرات العلوم و في بصائرالدرجات باسناده الي نصر بن قابوس قال سألت اباعبداللّه (ع‌) عن قول اللّه عز و جل و ظل ممدود و ماۤءٍ مسكوب و فاكهة كثيرة لا مقطوعة و لا ممنوعة قال يا نصر انه ليس حيث تذهب الناس انما هو العالم و ما يخرج منه ه‍ ، اي ما يخرج من العالم من ثمار العلم النابت من تلك الأشجار في بيوت الجبال و الشجر و مما يعرشون فيفيض اللّه البركات علي الناس و علي انعامهم و هو تأويل قوله تعالي فلينظر الانسان الي طعامه انّا صببنا الماۤء صبّاً ثم شققنا الأرض شقاً فانبتنا فيها حبّاً و عنباً و قضباً و زيتوناً و نخلاً و حداۤئق غلباً و فاكهة و ابّاً متاعاً لكم و لأنعامكم فانزل اللّه سبحانه في تلك الحداۤئق حداۤئق الحكمة حبّاً و هي علوم المعارف الألٰهية عن الفؤاد المورثة للمحبة و عنباً و هي العلوم الموجبة للشكر الألٰهي و هو الغيبة عن الخلق و قضباً لأنعامكم و هو العلوم المشتملة علي حفظ المقاصدِ الخمس او بعضها من الحافظة للدماۤء و الحافظة للأبدان كالأمر بالأقتصاد في الأكل و الشرب و النهي عن الأسراف فيهما و تحريم الميتة و الطين و الدّم المسفوح و ما يضرّ بالبدن و من تحريم الخمر و المفسدة للعقل او المضعفة له و زيتوناً من العلوم التي تؤدي الي حسن الخلق و التأديبات الألهيّة و حسن الديانة و الكرم و الشجاعة و التقوي و الزهد في الدنيا و ما اشبه ذلك و نخلاً و هي العلوم المؤدية الي تناول الاحوال الانسانية الناطقيّة و ما اشبه ذلك و حداۤئق غلباً من العلوم الجامعة لحفظ المقاصد الخمس ظاهراً و باطناً و فاكهة من العلوم التي هي الأحكام الشرعيّة الوجوديّة و ابّاً و هي العلوم التي تجري علي تكاليف العوام و عاۤمّة الناس و هم الانعام كما قال الباقر (ع‌) الناس كلهم بهائم الا قليل من المؤمنين و المؤمن قليل و المؤمن قليل ه‍ ، و هذا تأويل قوله تعالي متاعاً لكم و لانعامكم ، فعلي هذا يكون المعني من تقدير و بركاته عليكم امّا ما يَنزل عليهم من نحوِ ما ذُكر و امثاله ممّا لهم و امّا ما ينزل عليهم ممّا عليهم ايصاله الي المستحقين .
قال عليه السلام : السّلامُ علي محالِّ معرفةِ اللّهِ
و في بعض النسخ علي محلّ معرفة اللّه بالأفراد قال الشارح محمدتقي (ره‌) اي لم‌يَعْرِف اللّه حق معرفته الّا هم و ما عُرِف اللّه الّا منهم و من تعريفهم فانهم اكمل مظاهر اسماۤئه تعالي و صفاته الحسني و القراۤءة بالمفرد للدلالة علي انّهم (ع‌) كنفسٍ واحدة في المعرفة فانّها لاتختلف باختلاف باقي الصفات ه‍ ، اعلم انّه لمّا كان الوجود مع كثرة تنزّلاته و اجزاۤئه و جزئيّاته و صفاته و افعاله و متعلقات افعاله اوجده اللّه علي هيئة شخصٍ واحدٍ وجب ان يكون جميع مراتبه و تنزّلاته و اجزاۤئه و جزئيّاته و صفاته و افعاله و متعلقاتِ افعاله جارية في ايجادها و انوجادها كل فرد منها علي ما جري عليه الوجود كنفسٍ واحدةٍ فاذا نظرنا الي الشي‌ء الواحد وجدنا اعلاهُ ذاته المجرّدة عن النسب و السبحات و من دونها مُيولاته و اراداته و هي افعاله الذاتيّة و من دون ذلك ما يبدو له من الفعل و هو الفعل الظاهر و هذه الأفعال الظاهرية آلات الأفعال الذاتية و لمّا كانت جميع ما اشير اليه من الوجود من كلٍّ او جزءٍ او كلّي او جزئيّ ذات او صفةٍ علّة او معلول كل ذلك احدثها فعل اللّه سبحانه لا من شي‌ءٍ وجب ان يكون اوّل ما يوجد عن الفعل لا من شي‌ء و لا لشي‌ء هو ذات الشي‌ء المجرّدة عن جميع السبحات ثم احدث بها لها مُيولاتها و اراداتها التي هي الأفعال الذاتيّة ثم احدث عنها الأفعال الظاهرة و قد ذكرنا في مواضع متعددة هنا و في غير هذا الشرح من رساۤئلنا انّ معرفة اللّه لايمكن حصولها الا بتعرّفه و تعريفه لمن يريد ان يعرّفه نفسه و تعرّفه و تعريفه هو وصفه لعبده و الشي‌ء انما يعرف بوصفه و ذلك الوصف الذي يعرف به هو حقيقة ذات العبد و ليس له حقيقة غيرها و هذا التعرّف و التعريف الذي هو ذات العبد احدثه اللّه بفعله يعني انه صفة الفعل الخاص به من الفعل المطلق و هيئته كما انّ الكتابة هيئتها هيئة حركة يد الكاتب فهيئة الكتابة تدلّ علي هيئة حركة اليد من الكاتب فكانت هيئة ذات العبد التي هي تعريف اللّه هيئة مشية اللّه الخاصة به فالأثر يدلّ علي المؤثر الذي هو الفعل و الفعل يدلّ علي الفاعل لأنّ الفعل هو ظهور الفاعل به فالذات التي هي اعلي المراتب بحقيقتها معرفة اللّه لأنها صفته و لهذا قال صلي اللّه عليه و آله مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه ، جعل معرفة النفس عين معرفة الله لأنها الصفة فهي المِثل بكسر الميم الذي لايشبهه شي‌ء و لو كان يشبهه شي‌ء و الحال ان من عرفه عرف ربّه لزم ان يكون اللّه يعرف بغير صفته و ان يكون لصفته شبيه تعالي الله عن ذلك علوّاً كبيراً و اللّه سبحانه لايعرف بغيره و الّا لكان الغير مشابهاً له و لايجوز كما مر ان يكون تلك الذات غير صفته و الّا لكانت موجودة قبل صفته لتقع صفته عليها و هذا باطل لأنّ تلك الذات انّما حدثت بالفعل فيجب ان تشابه صفته لأنّها اثره فتكون هي الصفة و لو لم‌تشابه صفة الفعل لم‌تكن محدثة عنه فتكون مشابهة لما احدثت به او انها ليست محدثة فمعني كون تلك الذات محلّ معرفة اللّه انّها هي معرفة اللّه و انما قيل هي محل المعرفة بناۤء علي سرّ اللّغة من انّ الشي‌ء محلّ نفسه لا محلّ لغيره ( غيره خ‌ل ) و اذا رأيت انّ شيئاً محلٌّ لغيره فهو في الحقيقة محلّ نفسه و الا لم‌يتحقق ظهوره و كونه محلاً لغيره جهة خارجة عن كونه محلّاً لنفسه فافهم فكونهم (ع‌) محاۤلّ معرفة اللّه يُراد منه انّهم معرفة اللّه و لاتعجب من هذا المعني فأنّه اذا فهمته رأيته من الأمور البديهيّة و كيف تكون انت معرفة اللّه حيث قال (ص‌) من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، و لايكونون معرفة اللّه و قد قال اميرالمؤمنين (ع‌) نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الا بسبيل معرفتنا ، و قد ذكرنا ثلاثة وجوهٍ في معني هذا الحديث احدها هذا المعني و قد تقدم فاذا عرفتَ فاعلم انّ كونهم محاۤلّ معرفة اللّه اذا تنزّلتَ عن هذا المعني الذي اشرنا اليه له معانٍ اُخر : احدها انّ اللّه سبحانه جعلهم خزاۤئن معرفة الخلق سواهم بمعني انّ كلّ من عرف ربّه فانما نزلت عليه المعرفة منهم كما قال تعالي و ان من شي‌ء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الا بقدرٍ معلوم ، و ثانيها انّ كلّ معرفة عند احد من الخلق انما كانت صحيحةً لأنّها اُخِذَتْ عنهم فهم محاۤلّ معرفة غيرهم و ثالثها انّ كلّ معرفة اذا لم‌تَرِدْ عليهم لم‌تتجاوز الي اللّه لأنّهم هم ابواب اللّه لا غير بمعني انّها غير مطابقة للمعروف اذ المعرفة صفة و اذا لم‌تكن الصفة مقترنة بجهة الموصوف كانت لنفسها او لغيره و لا جهة للّه في الأمكان غيرهم و رابعها انّ كل معرفة اذا لم‌تضف اليهم و تنسب كانت عدماً اذ لا وجود لشي‌ء بدون فاضل وجودهم لأنّهم علّة الأيجاد يعني العلّة المادّيّة و خامسها كما انّ كلّ ماۤدّة فمن فاضل وجودهم كذلك جميع صور الحق فمن هيئات الرحمة و هي هم لأنّهم علّة الأنوجاد يعني العلّة الصوريّة و سادسها انهم (ع‌) اذا وردت عليهم معرفة عبدٍ فان سقوها من حوضهم استقامت معرفته و حييت و الّا ماتت و تفرّقت و لم‌تكن شيئاً كما قال تعالي و قدمنا الي ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباۤءً منثوراً ، و سابعها انّهم (ع‌) هم المقدِّرُون لمعارف الخلاۤئق و المقَسِّمون لها بأمر الخالق لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون فهذه الوجوه و غيرها في كلّها هم (ع‌) محاۤلّ معرفة اللّه لأنّ معرفة اللّه حينئذٍ عندهم و معهم و فيهم و بهم و اليهم و لهم .
قال عليه السلام : و مساكن بركة اللّه
المساكن جمع مسكن و هو محلّ الأستقرار و السكون و المراد منها عدم الأنتقال و التحوّل و المراد من معني المساكن و المعادن و المحاۤلّ واحد فيما ذكرنا من التفسير لأنّ هذه المساكن هي بركة اللّه لا انّ البركة مغاۤيِرة للمساكن فيما لها امّا فيما لساۤئِر الخلق فيما دونهم فانها مغاۤئِرة لهذه المساكن و تفصيلها لسَاۤئر الخلق غيرهم بالنسبة الي المساكن ما تقدّم في محاۤلّ معرفة اللّه فقد اشرنا هناك الي اتّحاد المحاۤلّ و المعرفة فيما لهم ( فيما له لهم خ‌ل ) و تعدّد انواع المعرفة فيما لساۤئر الخلق بالنسبة الي ذواتهم (ع‌) علي سبعة وُجُوهٍ ففصّل بركة اللّهِ علي ساۤئر الخلق بالنسبة الي تلك المساكن كما تقدم سالكاً سبل ربك ذُلُلاً فافهم و قال الشارح محمدتقي (ره‌) اي بهم يبارك اللّه علي الخلاۤئق بالأرزاق الصوريّة و المعنويّة كما تدلّ عليه الأخبار المتواترة و نبّه عليه المحقّق الدّوَّاني في شرح الهياكل ه‍ ، اقول يريد بالأرزاق الصوريّة ارزاق الطعام و الشراب و اللباس و المال بانواعه و ما خلق لكم في الأرض مختلفاً الوانه من كل شي‌ءٍ محسوس تتوقف عليه المعيشة و امر النظام من حيوان و نبات و معدن و بالأرزاق المعنويّة العلوم و العقول و الأفهام و الألهامات و الأدراكات بجميع انواعها و الهدايات و التوفيقات و الأعمال الصالحة و عقول الصناۤئع و المصانعات في الأحوال و الأقوال و الأمدادات في الأعمار و تأخير الأجٰال و تدبير النفوس و المنازل و البُلدان بل التعقّلات و التخيّلات و التوهّمات و التصوّرات و الحركات و السكنات و اللحظات و الانفاس و الخطرات و البدوات و كل شي‌ءٍ عنه و به مما ينتفع به فانه رزق ينزل اليه بقدرٍ من سماۤء الخزاۤئن و ذلك قوله تعالي و في السماۤء رزقكم و ما توعدون مع قوله تعالي و ان من شي‌ء الّا عندنا خزاۤئنه و ما ننزّله الا بقدرٍ معلوم و الأحاديث عنهم (ع‌) تشير الي ذلك كلّه .
قال عليه السلام : و معادن حكمة اللّه
قال الشارح (ره‌) كما ورد متواتراً عن النبي (ص‌) و الأئمة صلوات الله عليهم انه قال رسول اللّه (ص‌) انا مدينة الحكمة و علي بابها ، و علومهم علومه صلوات اللّه عليهم و الحكمة هي العلوم الحقيقيّة الألهيّة و لا ريب انّ علومهم من اللّه تعالي بل عين علم اللّه تعالي ه‍ .
اقول المعدِن بكسر الدال هو الأصل او محل الأقامة للشي‌ء او منبت اصله و قد تقدم ذكره و الحكمة هي العلم كما ذكر الشارح (ره‌) من حديث انا مدينة الحكمة و عليّ بابها و الحديث الٰاخر انا مدينة العلم و عليّ بابها و المراد واحد فهل المراد من هذا العلم الأعم او العلم العملي او اللّدنّي او الذوقي او انّ العلم الذي هو الحكمة افضل العلوم بافضل المعلومات و في مجمع البحرين لفخرالدين بن طريح و الحكمة العملية ما لها تعلّق بالعمل كالطبّ و الحكمة العِلْميّة ما لها تعلق بالعلم كالعلم باحوال اصول الموجودات الثمانية الواجب و العقل و النفس و الهيولي و الصورة و الجسم و العرض و الماۤدّة ه‍ ، اقول هذه التي سمعت عنه و عن غيره اكثرها ممزوجة لغويّة مع اصطلاحيّة امّا اللّغة فمنها كلام اهل اللّغة الظاهرة و منها كلام اهل اللغة الحقيقيّة التي نزل القرءان عليها ظاهره علي ظاهرها و باطنه علي باطنها و اهل العصمة (ع‌) نطقوا في احاديثهم بالصّورتين و اما اهل الأصطلاح فعلي حسب افهامهم و مذاقاتهم و اصولهم وضعوا اصطلاحهم كما ذَكَرَ في مجمع البحرين مما سمعتَ ممّا يلزم عليه من الأختلاط و الأختلاف في المعتقدات و في معرفة احوال الموجودات لو اريد بالحكمة ما ذكره و في القاموس و الحكمة بالكسرِ العدل و العلم و الحلم و النبوّة و القرءان و الأنجيل ه‍ ، اقول و صاحب القاموس لم‌يكن من اهل الولاية و لو كان من اهل الولاية لذكرها في معاني الحكمة لأنّ استعمال الحكمة فيها اولي من غيرها ممّا ذكر و اكثر استِعمالاً بل كلّ موضع من القرءان ذكر فيه الحكمة او الحكم فانّما يراد به الولاية او ما يَسْتَلزمها هذا يشار اليه من جهة اللّفظ في الجملة لأنّ البحث فيه ايْضاً من جهة اللّفظ يطول و لا فائدَة فيه كثيرة و امّا من جهة المعني المراد فانّه (ع‌) ذكر انّهم صلوات اللّه عليهم معادِن حكمة اللّه و المراد بحكمة اللّه الحادثة المرتبطة بالحوادث لأنّ الحكمة الذاتيّة الازليّة هي ذاته تعالي و اوّل ما صدر عن فعله تعالي الحكمة الحقيقية و هي آية الحكمة الحقيّة و هي ذاتهم القدسيّة فذاتهم حكمة اللّه و ولايته علي جميع خلقه حتي انّه سبحانه لتلك الحكمة اعطي كلّ شي‌ء ما لَهُ فيما هو عليه لذاته و هذا النظم الطبيعي الذي ليس شي‌ء اكمل منه لأنّه صفة الكامل و اثره و آيته الدالّة علي كمال ذاته هو الحكمة التي هي ما الكون عليه و هي من الحكمة التي هي ذاتهم (ع‌) كالشعاع من المنير و ذاتهم آية اللّه العليا لحكمته التي هي ذاته تعالي فذكرنا لما يجري عليه لفظ الحكمة في العبارة للبيان و التعريف مع ملاحظة سبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين ثلاث مراتب المرتبة الأولي للذكر الحكمة الحقيّة و هي ( عبارة خ‌ل ) العبارة عن عنوان الحق اي للحق سبحانه و المرتبة الثانية للذكر الحكمة الحقيقيّة و هي ذواتهم القدسيّة و هي آية حكمة اللّه التي هي ذاته و مجلاها و المرتبة الثالثة ولايتهم باللّه علي ساۤئر خلقه فبها صدرت اكوانهم عن الأختراع و اعيانهم عن الأبداع و هياكلهم عن القدر و تمّموا عن القضاۤء فحكمة اللّه في المرتبة الثالثة هم معادِنُها و مصادِرُها و مواردُها و هم معها اينما كانت و في المرتبة الثانية هم حكمة اللّه و هم معادنُها و ما في الثالثة من الثانية كما تقدم في محاۤلّ معرفة اللّه من الوجوه السبعة و المراد من الحكمة العلم الأحاطيّ الذّوقي مقروناً بما يرتبط به من العمل و هذا في كلّ شي‌ءٍ بحسبه بعد ما تعرف انّ العلم عين المعلوم و انّ الذي هو صورة المعلوم يراد به نفس العلم بالصورة فعلمك بزيدٍ هو صورته في خيالك يعني انّ الصورة التي في خيالك هي علمك بها و زيد عين علمك به نفسه لا صورته ففي كلّ رتبة من الأدراك العلم نفس المعلوم فاعمالك نفس علمك بها و انفاسُكَ عين علمِك بها و حركتُك عينُ علمك بها و سكونك عين علمك به فالعلم عمل و العمل علم و بعد ان تعرف انّ العلم منكَ كيدِك منكَ فكونهم معادِنَ حكمة اللّه معني ذلك انهم معني الأوّل و عين الثاني و قوام الثالث و في الكافي قال اميرالمؤمنين (ع‌) انّا اهل البيت شجرة النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملاۤئكة و بيت الرحمة و معدِن العلم و فيه عن خيثمة قال قال لي ابوعبداللّه (ع‌) يا خيثمة نحن شجرة النبوة و بيت الرحمة و مفاتيح الحكمة و معدن العلم و موضع الرسالة و مختلف الملاۤئكة و موضع سرّ اللّه و نحن وديعة اللّه في عباده و نحن حرم اللّه الأكبر و نحن ذمة اللّه و نحن عهد اللّهِ فمن وفي بعهدنا فقد وفي بعهد اللّه و من خفرها فقد خفر ذمّة اللّه و عهده ه‍ ، فذكر في الحديث الاوّل انهم معدن العلم و هو الحكمة فيصح في المراتب الثلاث و في الحديث الثاني انهم مفاتيح الحكمة و يصحّ في الثالثة صريحاً و قد يستعمل في الثانية و اما اذا استعمل في الأولي فعلي تأويلٍ ( الثالثة خ‌ل ) للثالثةِ و من الأولي و يمكن التأويل في الثانية و يكون التّغاير بالأعتبار و قول الشارح محمدتقي (ره‌) و لا ريبَ انّ علومهم من اللّه تعالي فيراد منه انّ علومهم اللّهُ سبحانه احدثها فيهم و جعلهم اوعيةً للعلم و خزاۤئن للحكمة لا انّ المراد انّها انفصلَت من القديم فأنّ ذلك كفر و قوله (ره‌) بل عين علم اللّه يراد منه انّ علومهم جعلها علمه بهم و بمَن دونَهم و ان كان له علم بمن دونهم غير هذا العلم و هو عين من هو دونهم و ان كنّا لنا ان نؤل علومهم علي معني يشمل كلّ من سواهم لأنّا اردنا انّ العلم عين المعلوم و انّ ذلك الغير ماۤدّته من شعاعهم و ذلك الشعاع هو علمٌ و صورته من شعاع رحمتهم في المؤمنين و هو ايضاً علمٌ و من عكس شعاع رحمتهم و هو شعاع غضبهم في الأعداۤء و هو ايضاً علم فعلي هذا المعني ليس للّه علم مخلوق بمن هو دونهم الّا علومهم او عن علومهم و علي الأوّل له علم مخلوق بمن هو دونهم غير علومهم او عن علومهم و كلّ هذا مبنيّ علي العَيْنيّة كما هو الحق في المسئلة و انما قلنا انّه علي ذلك المعني ليس للّه علم مخلوق بمن هو دونهم غير علومهم او ما هو عن علومهم لأنّهم باب اللّه الي خلقه و باب خلقه اليه و لم‌يجعل بفضله علي محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و علي خلقه له باباً لأفاضته و علمه و خلقه و رزقه و اِحياۤئه و اماتتِه۪ غير محمد و آله (ص‌) .
قال عليه السلام : و حفظة سرّ اللّه
قال الشارح محمدتقي (ره‌) اسرار اللّه هي علوم لايجوز اظهارها الّا للكُمَّلِ مثل سلْمان و كميل كما سئَل اميرالمؤمنين (ع‌) عن الحقيقة فقال مالكَ و الحقيقة فقال اولستُ صاحب سرّك الخ ، و قال الصادق (ع‌) لو علم ابوذرّ ما في قلب سلمان لقال رحم اللّه قاتل سلمان و قالوا صلوات اللّه عليهم انّ حديثنا صَعب مستصعب لايحتمله الّا ملك مقرّب او نبيّ مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان و في خبر آخر بدون لفظ الأستثناۤء و يظهر من خبر موسي و الخضر عليهما السلام انّ كلّ احدٍ ليس له قابليّة فهم جميع العلوم ه‍ .
اقول المراد من كونهم (ع‌) حفظة سرّ اللّه انهم لايظهرونه او لايظهرون منه الّا ما يُحتَمَل علي مَن يَحتمِل كما دلّ عليه كثير من احاديثهم كما روي عن عليّ (ع‌) و قد سئِل عن مسئلتين فاجابَ فيهما و سئل ثالثة فقال ما معناه ليس كلّ العلم يقدر العالم ان يفسرّه لأنّ من العلم ما يحتمل و منه ما لايحتمل و من الناس من يحتمل و منهم مَن لايَحتمِل او انّهم لايظهرون منه شيئاً الّا لبعضهم او لبعض خواۤصّهم بخصوصه لنصّ تقدّم اليهم من اللّه سبحانه كما رواه في بصاۤئرالدرجات عن الصادق (ع‌) انّ حديثنا صعب مستصعب شريف كريم ذكوان ذكيّ وَعِرٌ لايحتمله ملك مقرّب و لا نبّي مرسل و لا مؤمن ممتحن قيل فمن يحتمله قال مَن شئنا و في روايةٍ نحن نحتمله ه‍ ، فظاهره انّ من احاديثهم ما لايحتمله غيرهم و من احاديثهم ما لايحتمله احد من غيرهم الّا بخصوص مشيّتهم عن امرٍ من اللّه خاۤصّ و لا شك في هذين عندي و في كتاب معاني الأخبار عن ابي‌الحسن (ع‌) في تفسيره انّما معناه انّ الملك لايحتمله في جوفه حتي يخرجه الي ملكٍ مثله و لايحتمله نبيّ حتي يخرجه الي نبيّ مثله و لايحتمله مؤمن حتي يخرجه الي مؤمن مثله انّما معناه اَلّايحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتي يخرجه الي غيره ه‍ ، اقول و هذا ايضاً قسم من احاديثهم و لم‌يكن عدم الأحتمال محصورا فيه و انّما ذكره (ع‌) بصورة الحصر لأنّه عني هذا القسم الخاۤصّ و الّا فكون بعض احاديثهم مما لايحتمله غيرهم مما لا شكّ فيه و قد ذكر محمد بن الحسن الصّفّار انّه وجد في بعض الكتب و لم‌يروه بخط آدم بن علي بن آدم قال عمير الكوفي معني حديثنا صعب مستصعب لايحتمله ملك مقرب و لا نبيّ مرسل فهو ما رويتم انّ الله تبارك و تعالي لايوصف و رسوله لايوصف و المؤمن لايوصف فمن احتمل حديثهم فقد حدّهم و مَن حدّهم فقد وصفهم و مَن وصفهم بكمالهم فقد احاط بهم و هو اعلم منهم ، و اما انّ في احاديثهم ما لايحتمل الّا بخصوص تعليم فظاهر و منه معرفة المنزلة بين المنزلتين في القدر في افعال العباد الاختياريّة و في الكافي عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال سئِل عن الجبر و القدر فقال لا جبر و لا قدر و لكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لايعلمها الّا العالم او مَن علّمها ايّاه العالم ه‍ ، فاخبر (ع‌) انّ معرفة المنزلة بين المنزلتين لاتنال الّا بتعليم العالم فلايعرفها نبيّ مرسل و لا ملك مقرّب و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للأيمان الّا بتعليم الأمام (ع‌) ، فان قلت اي فرق بينها و بين غيرها فانّ كلّ مسئلة لاتُعْلم الّا بتعليم الأمام (ع‌) و لاسيما علي ما عندكم قلتُ هذا حق و لكنّ الكلام مبنيّ علي المتعارف و لو سلّمنا قلنا المراد بالتعليم الخاص لا الألهام و الأمداد بالفهم و التوفيقات فانّها يحصل لها لا بالتعليم ( لايحصل لها الا بالتعليم خ‌ل ) لكن هو اعم بل اكثرها بالتعليم العام كما هو الظاهر و اذا لاحظنا الأمر الواقعي الحقيقي قلنا لا فرق بينها و بين غيرها بل كلّ شي‌ء بتعليم خاۤصّ الّا اَنّا نقول هنالك ايضاً لايحتمله ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن الّا بالتعليم الخاۤصّ او يكون معني حفظة سرّ اللّه انّهم لايغيّرون فيه و لايبدلونه فما كان ذاتاً لهم فانّهم يحفظونه عن التغيير بدوام التعهّد و حفظ ما لهم و ما لغيرهم بالعلم و العمل كما يراد منهم لأنّ ما لهم هي الصفات الافعاليّة فتجري عنهم كما شاۤء اللّه لانّهم محاۤلّ مشيته و هم ايضاً حفظة سر اللّه اي يحفظون ما للّه منهم له كما امر و اذا ( كما امروا اذا خ‌ل ) اريد بسر اللّه امرهم و ولايتهم كما في بصاۤئرالدرجات عن الصادق (ع‌) انّ امرنا سرّ مستسرّ و سر لايفيده الّا سرّ و سرّ علي سرٍّ و سرّ مقنّع بسرّ و عنه (ع‌) انّ امرنا هذا مستور مقنّع بالميثاق من هتكه اذلّه اللّه و عنه (ع‌) انّ امرنا هو الحق و حق الحقّ و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السرّ و سرّ السرّ و سرّ المستسرّ و سرّ مقنع بالسرّ ، فكونهم حفظة له اي قاۤئمون بمقتضاه او بتبليغ دواعيه او مؤسّسون لأساس بنيانه به او لأساس بنيان متعلّقاته او تعلّقاته او راعون له حافظون له عن مغالطة المشبّهين و المحرّفين و الملبّسين للدّين و عن دعوي القاۤئلين اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و عن انتحال المبطلين الذين يلحدون في اسماۤئه او انّ العبارة عنه في احاديثهم لا بد و ان تكون بالأشارة و السرّ ، و في البصاۤئر عن ابي‌جعفر (ع‌) قال انّ حديثنا هذا تشمئِزّ منه قلوب الرجال فمن اقرّ به فزيدوه و من انكره فذروه انه لا بدّ من ان تكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة و وليجة حتي يسقط فيها من كان يشقّ الشعر بشعرتين حتي لايبقي الّا نحن و شيعتنا ه‍ ، و عنه (ع‌) انّ حديث آل‌محمّد صعب مستصعب ثقيل مقنّع اجرد ذكوان لايحتمله الّا ملك مقرّب او نبيّ مرسل او عبد امتحن اللّه قلبه للأيمان او مدينة حصينة فاذا قام قاۤئمنا نطق و صدّقه القرءان ه‍ ، اقول و هو قوله تعالي هو خير ثواباً و خير عقباً ، و عن الصادق (ع‌) في تفسير ذكوان ذكيٌ ابداً و اجرد طريّ ابداً و مقنّع مستور و عن الصفار امّا الصعب فهو الذي لم‌يركب بعد و امّا المستصعب فهو الذي يُهرب منه اذا رُأِي و امّا الذكوان فهو ذكاۤء المؤمنين و امّا الأجرد فهو الذي لايتعلق به شي‌ء من بين يديه و لا من خلفه و هو قول اللّه تعالي اللّه نزل احسن الحديث فاحسنُ الحديث حديثنا لايحتمل احد من الخلائق امره بكماله حتي يحدّه لان من حدّ شيئاً فهو اكبر منه ه‍ ، رواه المفضّل عن ابي‌جعفرٍ (ع‌) فالولاية سرّ اللّه و هي ذاتهم و صفاتهم و افعالهم و امرهم و نهيهم و احاديثهم تجري بنسبة ما تدلّ عليه فان كانت لذكر الاوّل كانت لايحتملها ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للأيمان و ان كانت لذكر الثاني كانت لايحتملها الّا ملك مقرّب او نبيّ مرسل او مؤمن امتحن اللّه قلبه للأيمان و ان كانت لذكر الثالث احتملها العلماۤء و ان كانت لذكر الرابع كانت يحتملها عاۤمّة المكلّفين كما قالوا عليهم السلام انا لانخاطب الناس الّا بما يعرفون فكان من سرّ اللّه الذي لايحتمله الّا ملك مقرّب او نبيّ مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للأيمان انّ احاديثهم (ع‌) يظهرونها علي الأنحاۤءِ الأربعة و هذا من كونهم حفظة لسرّ اللّه و من ذلك السّرّ ايضاً انّهم (ع‌) يعلمون كلّ شي‌ء و لايعلمون الغيب و لايجوز نسبة علم الغيب الي احدٍ منهم و هم يعلمون كلّ ما في الغيب و الشهادة كما يأتي في فقرات الزيارة اصطفاكم لعلمه و ارتضاكم لغيبه و اختاركم لسرّه ، فمن نظر اليهم بالعقل المنحطّ وجدهم يعلمون الغيب و مَن نظر اليهم بالعقل المستوي وجدَهم هم الغيب و هم خزاۤئن الغيب و هم ( مفاتح خ‌ل ) مفاتيح الغيب لايعلمها الّا هو يعني الّا اللّه و من نظر اليهم بالعقل المرتفع وجدهم لايعلمون الغيب قل لايعلم مَن في السموات و الأرض الغيب الا اللّه ، فالمؤمن الممتحن من له هذه العقول الثلاثة و هذه المرتبة من سرّ اللّه و هم لها حافظون و مِن حِفظهم لها انّ ما علموه و اخبروا به ممّا كان و ممّا يكون و ممّا يحدث في الوقت بعد الوقت انّه وراثة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و تفهيم في كتاب اللّهِ لأنّ هذا من مكنون العلم الذي لايعلمه الا الثلاثة الاصناف و هو سرّ اللّه فهم يحفظون سرّ اللّه فلايذيعونه الي احدٍ غيرهم فاذا اعلموا به الأصناف الثلاثة لم‌يكونوا بذلك مذيعين لانّ الثلاثة الأصناف ليسوا من الأغيار و هذا مراد الشارح (ره‌) بقوله لايجوز اظهاره الّا للكمّل و هو حسنٌ و قوله مثل سلمان و كميل فنقول فيه امّا سلمان فهو كما قال و فوق ما يقول و امّا كميل فهو ممّن له معرفة و اطلاعه علي الأسرار انّما هو بالنسبة الي غيره من ساۤئر الناس و عليّ (ع‌) لم‌يقرّه علي عموم ما ادّعاه بقوله بلي لانّه (ع‌) استدرك الجواب عمّا يتوهم التقرير علي مدّعاه بقوله و لكن يرشح عليك ما يطفح منّي و الرشح عرق الطافح و شعاعه يعني انّ الذي القي اليك انّما هو رشح من ظاهر ما اظهره امّا بمعني انك لاتدرك من كلامي الذي اظهره الّا رشح النداوة من الزّق المملوء ماۤءً او بمعني اني لااظهر لك الّا رشحاً و قشراً مما هو ظاهر ما اريده لا باطنه و في كلّها لم‌يكن مقرّاً له علي ادّعاۤئه لايقال انّ هذا من الأسرار و ان كان عند عليّ (ع‌) من رشح ظاهره لأنّ جميع الخلاۤئق بالنسبة الي الأمام (ع‌) هكذا لانّا نقول هذا الكلام و ان كان حقاً بحسب اطلاقه لكنّه عليه السلام لايعرض بما يختصّون به ليكون هذا من اعلي الدرجات لكميل و انما يعرض بما يخاطب به خواصّه و اصحاب سرّه كسلمان فكان مقام كميل ما يرشح كالنداوة و العرق ممّا يطفح عن مقام سلمان و قوله زدني بياناً لايدلّ علي انه عرف مراد الأمام (ع‌) و انّما يَدُلّ علي انه عرف شيئاً و طلب زيادة البيان لما عرف و لعلّ عليّاً (ع‌) انّما اجابه لينقله الي اهله و لو كان هو من اهله لماقال له ابتداۤءً ما لك و الحقيقة ، و الحاصل انّ كميلاً ليس من اهل تلك الأسرار المشار اليها و ان كان له حظ في بعض ما يستر عن ساۤئر الناس و ليس كسلمان فانّ اباذرٍّ افضل من كميل و هو لايحتمل ما في قلب سلمان و قول الشارح (ره‌) و في خبر آخر بدون لفظ الاستثناء يريد به ما ذكرناه اوّلاً و ذكرنا وجه الجمع و قوله و يظهر من خبر موسي (ع‌) و الخضر الخ ، فيه انّه يوهم حصر الدليل علي هذا المعني فيه و المعروف من القرءان و السنّة و ادلّة العقل ان هذا من الأمور القطعيّة .
قال عليه السلام : و حملة كتاب اللّه
قال الشارح (ره‌) فانّ القرءان كما انزل و علومه كما هي عندهم و فيه علوم الأوّلين و الأخرين كما ورد في المتواتر من الأخبار ه‍ ، اقول الحملة جمع حامل و المراد بحمل القرءان حفظ لفظه علي جميع مايحتمل فيه من وجوبٍ و راجح و حرامٍ و مرجوح و جاۤئز و حفظ معناه بجميع ما يحتمل من ظاهرٍ و ظاهرِ ظاهرٍ و ظاهرِ ظاهرِ ظاهرٍ و هكذا و باطنٍ و باطنِ باطنٍ و باطنِ باطنِ باطنٍ و هكذا و تأويلٍ و تأويلِ تأويلٍ و تأويلِ تأويلِ تأويلٍ بما يرجع الي الكلّ و الي السورة و الي الٰاية و الي الكلمة و الي الحرف و الذي يرجع الي الحرف يرجع الي الفكري و العددي و اللّفظي و الرقمي و الي الأحوال و الأوضاع و الأطوال ( و الأطوار خ‌ل ) و الوصل و الفصل و الأدغام و الأظهار و الأخفاء و حرف مكان حرف و كلمة من حروفِ كلمتين كمثل حَصَبُ جهنّم فان حصب من كلمتين فالحاۤء من الحطب و الحصي و الحجارة و الصاد من الحصي و الباۤء من الحطب و امثال ذلك مما انطوي علي اسرار الوجودات و في التوحيد عن الباقر (ع‌) انّ وفداً قدم من فِلَسْط۪ين عليه (ع‌) فسألوه عن مساۤئل فاجابهم ثم سألوه عن الصمد فقال ( في تفسيره خ‌ل ) تفسيره فيه الصمد خمسة احرف فالألف دليل علي انّيته و هو قوله تعالي شهد اللّه انه لا اله الّا هو و ذلك تنبيه و اشارة الي الغاۤئب عن درك الحواۤسّ و اللّام دليل علي الٰهيّته بأنّه هو اللّه و الألف و اللّام مدغمان لايظهرانِ علي اللّسان و لايقعان في السمع و يظهران في الكتابة دليلان علي ان الهيّته ( الالهية خ‌ل ) بلطفه خافية لاتدرك بالحواۤسّ و لاتقع في لسانِ واصفٍ و لا اذن سامع لأنّ تفسير الألٰه هو الذي اَلِهَ الخلقُ عن درك ماۤئيته و كيفيته بحسٍّ او بوهمٍ لا بل هو مُبْدِعُ الأوهام و خالق الحواۤسّ و انّ ما يظهر لك عند الكتابة دليل علي انّ اللّه سبحانه اظهر ربوبيته في ابداع الخلق و تركيب ارواحهم اللّطيفة في اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الي نفسه لم‌ير روحه كما انّ لام الصمد لاتتبيّن و لا تدخل في حاۤسّة من الحواۤسّ الخمس فاذا نظر الي الكتابة ظهر له ما خَفي و لطف فمتي تفكّر العبدُ في ماۤئيّة الباري و كيفيته اَلِهَ منه و تحيّر و لم‌تحط فكرته بشي‌ءٍ يتصور له لأنّه عزّ و جل خالق الصور فاذا نظر الي خلقه ثبت له انّه عزّ و جلّ خالقهم و مركّب ارواحهم في اجسادهم و امّا الصاد فدليل علي انه عزّ و جلّ صادق و قوله صِدْق و كلامه صِدق وَ دَعٰا عباده الي اتباع الصدق بالصدق و وعد بالصدق دار الصدق و امّا الميم فدليل علي ملكه و انه الملك الحق لم‌يزل و لايزال و لايزول ملكه و امّا الدال فدليل علي دوام ملكه و انّه عزّ و جل داۤئم تعالي عن الكون و الزوال بل هو عزّ و جل يكوّن الكاۤئنات الذي كان بتكوينه كلّ كاۤئن ثم قال (ع‌) لو وجدتُ لعلمي الذي آتاني اللّه عزّ و جلّ حملةً لنشرتُ التوحيد و الأسلام و الأيمان و الدين و الشراۤئع من الصمد الحديث ، و هذا الذي سمعتَ عنه من العلوم التي اشٰار اليها بنوع من احوال الحروف و هو الأدغام و احواله و ما يراد منه و الحروف انفسها و من ذلك احوال النزول و احوال التأويل و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و الظاهر و المجمل و المبيّن و العام و الخاۤص و المطلق و المقيّد و الامر و النهي و غير ذلك ممّا يجري منها في اوطار الأكوان و اطوار الأعيان من الدهر و الزمان ممّا هو مصدرُ كلّ موجود و المراد بالكتاب الذي هم حملته هو الكتاب التدويني الذي هو طبق الكتاب التكويني و هو يجتمع مع العقل الأول المسمّي بروح القدس و روح من امر اللّه و قد اشار اللّه سبحانه الي هذا في كتابه و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنتَ تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاۤء من عبادنا الٰاية ، و تقدم في الحديث انّ هذه الروح لم‌تكن مع احد ممّن مضي الّا مع محمّد (ص‌) و الائمّة (ع‌) و بيّنا انها وجدت مع كلّ نبيّ و ولي و وصيّ بوجهٍ من وجوهها و لم‌يجمعها كلها الّا محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و هو القرءان لأنّه بعد تلك المرتبة الجامعة افترقا فكان جهة منه ملكاً و جهة قرءاناً و كل منهما مبني علي صاحبه و في الكافي باسناده عن ابي‌جعفر (ع‌) قال ما ادّعي احد من الناس انه جمع القرءان كلّه كما انزل الّا كذاب و ما جمعه و حفظه كما انزل اللّه ( انزله اللّه خ‌ل ) الّا عليّ بن ابي‌طالب و الأئمة من بعده و باسناده عن ابي‌جعفر (ع‌) قال مايستطيع احد ان يدعي انّ عنده جميع القرءان كلّه ظاهره و باطنه غير الاوصياء (ع‌) و باسناده عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال قد ولدني رسول اللّه (ص‌) و انا اعلم كتاب اللّه و فيه بدؤ الخلق و ما هو كاۤئن الي يوم القيمة و فيه خبر السماء و خبر الأرض و خبر ما كان و خبر ما هو كاۤئن اعلم ذلك كما انظر الي كفّي ان اللّه يقول فيه تبيان كل شي‌ء ، و باسناده عنه (ع‌) قال نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويلَهُ و في تفسير العيّاشي عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال انّا اهل بيتٍ لم‌يزل اللّه يبعث فينا من يعلم كتابه من اوّله الي آخره و ان عندنا من حلال الله و حرامه ما يسعنا كتمانه مانستطيع ان نحدّث به احداً و في رواية اخري انّ من عِلْم مٰا اوتينا تفسير القرءان و احكامه لو وجدنا اوعيةً او مستراحاً لقلنا و اللّه المستعان و في تفسير العيّاشي ايضاً عنه (ع‌) انّ اللّه جعل ولايتنا اهل البيت قُطبَ القرءان و قطبَ جميع الكتب عليها يستدير محكم القرءان و بها نوّهت الكتب و يستبين الأيمان و قد امر رسول اللّه (ص‌) ان يقتدي بالقرءان و آل‌محمد و ذلك حيثُ قال في آخِر خطبةٍ خطبها اني تارك فيكم الثقلين الثقل الأكبر و الثقل الأصغر فأمّا الأكبر فكتاب ربّي و امّا الاصغر فعترتي اهل بيتي فاحفظوني فيهما فلن‌تضلّوا ما تمسّكتم بهما ه‍ ، اقول ما اورد علي هذا الحديث الأخير من اشكال كونهم الثقل الاصغر قد اجبنا عنه في اجوبتنا لمساۤئل الملّا كاظم السمناني فمن اراده طلبه من هناك و بالجملة هم حملة كتاب اللّه كلّه بل بكلّ معني في كلّ عالمٍ لكلّ غاية و من جملة كونهم حملةً للكتاب كونه ( كونهم خ‌ل ) مهيمناً علي جميع الكتب و لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ايضاً من ذلك و هنا احتمالات ترجع الي التأويل : منها انّ كلّ شي‌ء من العالم علم بنفسه كما تقدمت الأشارة اليه و العالم هو كتاب اللّه و هم (ع‌) حملة هذا الكتاب بالعلم و الأبلاغ و التبليغ و القبض و البسط في كلّ الشرعيات الوجوديّة و الوجودات الشرعيّة و منها انهم حملتُهُ بالعليّة الماديّة و الصوريّة و الفاعليّة و الغائيّة و منها انّ القرءان هو العرش التدويني و هم (ع‌) الماۤء الذي به كلّ شي‌ء حي و كان عرشه علي الماۤء و منها انّ القرءان هو الدّين عند اللّه و عند اولياۤئه امّا لأنه دين براسه او لأنّه علّة كلّ دين للّه و تفصيلُه و منشأوه و هم حملة ذلك و منها انّه الفعل الثاني و هم صلي اللّه عليهم محاۤلّ الفعل الاوّل و الفعل الثاني فهم حملته و منها كما تقدمت الأشارة اليه انه روح من امر اللّه و هم حملته و منها انّه اللوح المحفوظ في الاكوان و في الألفاظ و هو يرجع الي الأول و هم حملته و كان محفوظا بحملهم ايّاه و اللّه من وراۤئهم محيط بل هو قرءان مجيد في لوح محفوظ .
قال عليه السلام : و اوصياء نبيّ اللّه
قال الشارح (ره‌) فانه ورد متواتراً من طرقِ العاۤمّة و الخاۤصّة انهم خلفاۤء رسول اللّه (ص‌) و اوصياۤؤه و انّه (ص‌) اوصي الي اميرالمؤمنين عليه السلام الي المهدي (ع‌) و اوصي كلّ منهم الي الأمام الذي بعده الي المهدي صلوات اللّه عليهم امور الأمّةِ و كانت الوصاية كناية عن التخليف كما تقدم انتهي .
اقول ان ثبوت النص من النبيّ (ص‌) علي الأستخلاف قد ورد من طرق المنكرين لذلك متواتراً من طرقٍ متعددةٍ ذكرنا كثيراً منها في اجوبة المساۤئل التوبليّة و من طرقِ الشيعة كذلك حتي بلغ الضرورة بحيث لايكاد احد يسئل عن ذلك و هذا ظاهر لا اشكال فيه لكن ما المراد من هذه الوصاية هل هي نيابة وكالةٍ ام نيابة بدَلٍ ام نيابة مثل و القاۤئلون انهم اوصياۤء رسول اللّه (ص‌) متّفقون علي انّهم قاۤئمون مقامه و لايتكلمون بشي‌ء من هذه الاحتمالات الثلاث الّا انّ من عرف مقاصدهم في معتقداتهم يجد منها هذه الاحتمالات الثلاث منهم طائفة يعتقدون انّهم (ع‌) ليس بين محمد (ص‌) و بينهم مناسبة ذاتيّة تقتضي ( يقتضي خ‌ل ) التبليغ لا ابتداء و لا بالانضمام و انما بينهما كما بين الوكيل و الموكّل لانه صلي اللّه عليه و آله لما حضرته الوفاة اوصي الي عليّ (ع‌) و لو اوصي الي غيره لجاز ذلك و لهذا اوّل ما عرض الوصية علي عمّه العبّاس و لو قَبِل كان صالحاً و هم و ان كانوا لايقولون بهذا الكلام لفظاً لكن لسان حالهم ينطق عن اعتقادهم بمعني هذا لأنّ اعتقادهم انّه (ص‌) صاحب الرياسة و النبوة و الولاية له و هم علماۤء حكماۤء اتقياۤء اقوياۤء في طاعة اللّه و في تحمل الأثقال الألهيّة لايدانيهم سواهم في هذه الصفات و الحكيم تقتضي حكمته اَلّايستنيب في امره الّا من يَقوم به و هم صالحون لهذا الأمر فاقامهم مقامه كما يقيم المالك الأجنبيَّ وكيلاً علي عملٍ في ماله من بيعٍ و شراءٍ و لم‌يكن ذلك منه لمقتضٍ ذاتي و منهم طائفة لسان حالهم يقول انّهم صالحون لهذا المنصب ابتداۤء لأنّهم هم و محمد (ص‌) في مقامٍ سواۤءٍ الّا انّه لما كان محمد صاحب الأبتداۤء و هو مساوٍ لهم وجب نقل الأمر لاقتضاءٍ مستقلّ غير مأخوذ فيه ابتداۤئية محمد (ص‌) و لهذا لم‌يكن له اختيار و ربّما استدلّ لهم بما في تفسير العيّاشي عن جابر الجعفي قال قرأت عند ابي‌جعفر (ع‌) قول اللّه عز و جل ليس لك من الامر شي‌ء قال بلي واللّهِ انّ له من الأمر شيئاً و شيئاً و شيئاً و ليس حيث ذهبتَ و لكني اخبرك انّ اللّه تبارك و تعالي لمّا امر نبيّه (ص‌) ان يظهر ولاية عليّ (ع‌) فكّر في عداوة قومه له و معرفته بهم و ذلك للذي فضّله اللّه عليهم في جميع خصاله كان اوّل من آمن برسول اللّه (ص‌) و بمن اُرسِلَ و كان انصر الناس للّه و رسوله و اقتلهم لعدوّهما و اشدّهم بغضاً لمن خالفهما و فَضْل عِلمه الذي لم‌يساوه ( لم‌يساويه خ‌ل ) احد و مناقبه التي لاتحصي شرفاً فلمّا فكّر النبي (ص‌) في عداوة قومه له في هذه الخصال و حَسَدهم له عليها ضاق عن ذلك فاخبر اللّه تعالي انه ليس له من هذا الأمر شي‌ء انما الأمر فيه الي اللّه ان يصيّر عليّاً وصيّه و وليّ الأمر بعده فهذا عني اللّه و كيف لايكون له من الأمر شي‌ء و قد فوض اللّه اليه ان جعل ما احلّ فهو حلال و ما حرّم فهو حرام قوله ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا ه‍ ، وجه الاستدلال انّه حين الوصية لمّا فكّر قال له ليس لك من الأمر شي‌ء و اصرح من هذا ما في التفسير المذكور عن جابر قال قلت لأبي‌جعفرٍ (ع‌) قوله لنبيه (ص‌) ليس لك من الأمر شي‌ء فسّره لي قال فقال ابوجعفر (ع‌) لشي‌ء قاله اللّه و لشي‌ء اراده اللّه تعالي يا جابر انّ رسول اللّه (ص‌) كان حريصاً علي ان يكون علي (ع‌) من بعده علي ( الناس حجة خ‌ل ) الناسِ و كان عند اللّه خلاف ما اراد رسول اللّه (ص‌) قال قلتُ فما معني ذلك قال نعم عَني بذلك قول اللّه لرسوله ليس لك من الأمر شي‌ء يا محمد في عليّ الأمر في عليٍّ و في غيره الم‌اتل عليك يا محمد فيما انزلتُ من كتابي اليك الۤم اَحَسِبَ الناسُ ان يُتركُوا ان يقولوا آمَّنَا و هم لايُفْتَنُون الي قوله و لَيَعْلَمنَّ قال ففوض رسول اللّه (ص‌) الأمر اليه ه‍ ، اي اراد ان يكون في عليّ (ع‌) خاۤصّة فابي اللّه الّا ان يكون فيه و في اعداۤئه و لولا ملاحظة عدم الأستناد و الأنضمام لما كان الأمر فيه و في عدوّه و في هذا الأخير دلالة علي الأوّل في الجملة و الّا لما كان في العدو فالوصيّ بدَلٌ مستقل و ليس كالأحتمال الأوّل لأنّ الاوّل انّ الوصي كالوكيل يعمل في مال الغير كما اُمِرَ و هذا الثاني الوصي مالك يعمل في ملكه فهو كالبدل فاستنابة الأوّل استنابة وكالةٍ و استنابة الثاني استنابة بدلٍ و منهم طائفة لسان حالهم يقول و انا منهم بلسان حالي و مقالي انّ استنابتهم و وصايتهم استنابة مِثل بكسر الميم و معني ذلك انّهم صالحون لهذا المنصب بمقتضي ذواتهم صلوح مماثلة يعني مراعيً فيهم تبعيّة محمد (ص‌) و انّهم في المقام الثاني فهم مِثل بكسر الميم و المثل ملحوظ فيه المشابهة و التبعيّة و ان كانوا من طينةٍ واحدةٍ لكن لايجوز حين كان محمد و علي صلي اللّه عليهما و آلهما نوراً واحداً قسم نصفين ان يقال فقال لنصفٍ كن علياً و قال للنصف الٰاخر كن محمداً بل يجب ان يقال فقال للنصف ( لنصف خ‌ل ) كن محمداً و قال للنصف الٰاخر كن عليّا و هو قول علي (ع‌) انا من محمّد كالضوء من الضوء فالضوء الثاني مِثل للأوّل لا مستقل و لا اجنبيّ و لا ابتداۤئي بل هو كالمالك المتصرف في الملك بتمليكِ المالكِ الأوّل فوصايتهم نيابة مِثل بكسر الميم و هو المساوي التّابع و هذه الأحتمالات الثلاثة حصلت متفرقة في المؤمنين علي حسب معتقداتهم يعرفها من عرف في لحن اقوالهم و ان كانوا هم لايشعرون بتفصيلها و انا القيتُ لك البذر في ارض صالحة منقّاة و غطّيته عن الطير و سقيته لك بماۤء الكوثر فلاتغفل عن سقيه و اصلاحه لتأكل من ثمره حبّاً و عنباً و زيتوناً و نخلاً ،
ثم اعلم انّ اللّه سبحانه خلقهم لنفسه و خلق الخلق لهم كما قال علي (ع‌) نحن صناۤئِع ربّنا و الخلقُ بعدُ صناۤئعُ لنا يعني خلقوا لنا فاوّل ما خلق محمدٌ ثم عليٌّ ثم الحسن ثم الحسين ثم القاۤئم (ع‌) ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة علي محمد و آله الطيبين افضل الصلوة و ازكي السّلام فكان محمد (ص‌) نبيّاً علي اهل بيته فبقوا يعبدون اللّه سبحانه الف دهرٍ قبل الخلق فلمّا خلق النبيين بعث محمداً صلي اللّه عليه و آله و عليهم اليهم بشيراً و نذيراً ثم خلق ساۤئر الخلق فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين فلما خرجوا الي الدنيا و هذه الدنيا اول الرجوع الي اللّه كان الانبياء المتأخرون في البدء متقدمين في العود فظهروا بالنبوة و اشادوا الدين و حفظوه بالأيصاء الي الاوصياء المنتجبين حتي انتهي الحال الي محمد (ص‌) فانتهت الوَصايا اليه و الي اهل بيته (ص‌) روي الحسن بن محبوب عن مقاتل بن سليمان عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انا سيد النبيّين و وصيّي سيّد الوصيين و اوصياۤؤه سادة الأوصياۤء انّ آدم سأل اللّه عزّ و جل ان يجعل له وصياً صالحاً فاوحي اللّه تعالي ذكره اليه اني اكرمت الأنبياء بالنبوة ثم اخترتُ خلقاً و جعلت خيارهم الأوصياۤء فاوحي اللّه تعالي ذكره اليه يا آدم اوص الي شيث فاوصي آدم الي شيث و هو هبة اللّه بن آدم و اوصي شيث الي ابنِه۪ شَبّان و هو ابن بركة ( نزلة خ‌ل ) الحوراۤء التي انزلها اللّه عز و جل علي آدم من الجنة فزوّجها ابنه شيثاً و اوصي شَبّان الي مَجْلَث و اوصي مَجْلَث الي مَحُوقَ و اوصي مَحُوقُ الي عَثْم۪يشا ( غتم۪يشا خ‌ل ) و اوصي عَثْم۪يشا الي اُخنُوخ و هو ادريس النبي و اوصي ادريسُ الي ناخُور و دفعها ناخُورُ الي نوحٍ و اوصي نوح الي سام و اوصي سام الي عَثامِر و اوصي عَثامرُ الي بَرْغ۪يثاشا و اوصي بَرغ۪يثاشا الي يافثَ و اوصي يافِثُ الي بَرّةَ و اوصي بَرّةُ الي حَفَسْيَةَ و اوصي حَفَسْيَةُ الي عمرانَ و دفعها عمرانُ الي ابراهيم الخليل و اوصي ابراهيم الي ابنه اسمعيلَ و اوصي اسمعيلُ الي اسحقَ و اوصي اسحقُ الي يعقوبَ و اوصي يعقوبُ الي يوسفَ و اوصي يوسفُ الي بَرْثَيا و اوصي بَرْثَيا الي شعيبٍ و اوصي شعيبٌ الي موسي بن عمران و اوصي موسي بن عمران الي يوشع بن نون و اوصي يوشعُ بن نون الي داود و اوصي داودُ الي سليمانَ و اوصي سليمان الي آصَف بنِ بَرْخ۪يٰا و اوصي آصَفُ بن بَرخ۪يٰا الي زكريّا و دفعها زكريّا الي عيسي بن مريم و اوصي عيسي الي شَمْعُون بن حمون الصَّفا و اوصي شمعون الي يحيي بن زكريّا و اوصي يحيي بن زكريّا الي منذرٍ وّ اوصي منذرٌ الي سُلَيْمَةَ و اوصي سُلَيمة الي بُرْدَةَ ثم قال رسول اللّه (ص‌) و دفعها اليّ بُردَةُ و انا ادفعها اليك يا عليّ و انت تدفَعُها الي وصيِّك و يدفعها وصيُّك الي اوصياۤئِك من وُلدِك واحداً بعدَ واحدٍ حتي تدفعها الي خير اهل الأرض بعدك و لتكْفرنّ بك الأمّة و ليختلفُنَّ عليك اختلافاً شديداً الثابتُ عليك كالمقيم معي و الشاۤذّ عنك في النار و النار مثوي الظالمين ه‍ ، فدل هذا الحديث علي ثبوت الوصاية و انّ الوصاية منذ كان آدم الي ان وصلت الي بردة و دفعها بردة الي النبيّ (ص‌) و النبيّ (ص‌) دفعها الي اوصياۤئه الاثني‌عشر واحداً بعد واحدٍ الي الحجة (ع‌) فهم اوصياۤء رسول اللّه (ص‌) و في الحقيقة و الأمر الواقعي جاءت وصايتهم من اللّه سبحانه كما في حديث اللوح و غيره الّا اني احبّ ان اورده تبركاً و ان كان الأمر ظاهراً لما فيه من الفواۤئد و الأسرار و لما في ذكره و كتابته و قراۤءته من الثواب العظيم الذي تعجز الخلاۤئق عن احصائه و هو ما رواه في الكافي بسنده عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال قال ابي لجابر بن عبداللّه الأنصاري انّ لي اليك حاجةً فمتي يخفّ عليك ان اخلو بك فاسألك عنها فقال له جابر ايّ الأوقات احببتَه فخلا به في بعض الأيام فقال له يا جابر اخبرني عن اللّوح الذي رأيته في يد امّي فاطمة بنت رسول اللّه (ص‌) و ما اخبرَتْكَ به امّي انه في ذلك اللوح مكتوب فقال جابر اشهدُ باللّهِ اني دخلت علي امِّكَ فاطمة (ع‌) في حيوة رسول اللّه (ص‌) فهنيّتها بولادة الحسين (ع‌) فرأيتُ في يدها لوحاً اخضر ظننتُ انه من زُمُرّد و رأيت فيه كتاباً ابيض شبه لون الشمس فقلت لها بابي و امي انتِ يا بنتَ رسول اللّه (ص‌) ما هذا اللوح فقالت هذا لوح اهداه اللّه تعالي الي رسوله (ص‌) فيه اسم ابي و اسم بعلي و اسم ابنَيّ و اسم الأوصياۤء من وُلدي و اعطانيه ابي ليبشرني بذلك قال جابر فسألتُهٰا ان تدفعه اليّ لانظر ما فيه فدفعَتْه اليّ فسررتُ به سروراً عظيماً فقلت لها يا ستّ ( يا سيدة خ‌ل ) النساء هل تأذنين لي ان اكتب نسختَه فقالت افعل فاخذته و نسخته عندي فقال ابي فهل لك يا جابر ان تعرضه عليّ فقال نعم فمشي معه ابي الي منزل جابر فاخرج صحيفةً من رقٍّ فقال يا جابر انظر في كتابك لاقرأ عليك فنظر جابر في نسخته فقرأ ابي فماخالف حرفٌ حرفاً فقال جابر فاشهد باللّهِ اني هكذا رأيته في اللّوح مكتوباً : بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه و نوره و سفيره و حجابه و دليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين يا محمد عظّم اسماۤئي و اشكر نعماۤئي و لاتجحد الٰاۤئي اني انا اللّه لا اله الّا انا قاصم الجبارين و مديل المظلومين و ديّان الدين اني انا اللّه لا اله الا انا فمن رجا غيرَ فضلي او خاف غير عدلي عذبته عذاباً لااعذبه احداً من العالمين فأيّاي فاعبد و عَلَيَّ فتوكّل اني لم‌ابعث نبياً فاكملت ايامه و انقضَتْ مدّته الّا جعلتُ له وصيّاً و اني فضّلتُك علي الانبياۤء و فضّلت وصيَّك عليّاً علي الأوصياۤء و اكرمتُك بشبْلَيْك و سبطَيْك حسنٍ و حسينٍ فجعلت حسناً معدِن علمي بعد انقضاۤءِ مدّة ابيه و جعلت حسيناً خازن وحيي و اكرمته بالشهادة و ختمتُ له بالسعادة فهو افضل من استشهِد و ارفع الشهداۤء درجةً جعلت كلمتي التاۤمّةَ معه و حجّتي البالغة اليك عنده بعترته اُثيب و اعاقب اوّلهم علي سيّد العابدين و زين اولياۤئي الماضين و ابنه شبه جده المحمود محمّد الباقر لعلمي و المعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر الراۤدّ عليه كالراۤدّ عليّ حقّ القول مني لأكرمن مثوي جعفر و لأُسرّنّه في اشياعه و انصاره انتجبُ نسخة : انتجبتُ بعده موسي ، في ربيع الشيعة ،
و انبَجَستْ بعده فِتنةٌ و اتيحَتْ خ .
بعده موسي فتنة عمياۤء حِنْدِس لأنّ خيط فرضي لاينقطع و حجّتي لاتخفي و انّ اولياۤئي يسقون بالكأس الأوفي من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي و من غيّر آية من كتابي فقد افتري علَيَّ ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاۤء موسي عبدي و حبيبي و خيرتي عليّ وليّي و ناصري و من اضع عليه اعباۤء النبوة و اَمتحِنُه بالأضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة المدينة طوس و العبد الصالح الأسكندر ، منه ( اعلي الله مقامه ) .
التي بناها العبد الصالح الي جنب شر خلقي و شر خلقه هرون الرشيد ، منه ( اعلي الله مقامه ) .
حقّ القول منّي لأسرّنّه بمحمدٍ ابنه و خليفته من بعده و وارث علمه فهو معدِنُ علمي و موضع سرّي و حجتي علي خلقي لايؤمن عبدٌ به الا جعلت الجنّة مثواه و شفّعته في سبعين من اهل بيته كلهم قد استوجبوا النار و اختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي و ناصري و الشاهد في خلقي و اميني علي وحيي اخرج منه الداعي الي سبيلي و الخازن لعلمي الحسن و اكمل ذلك بابنه م‌ح‌م‌د رحمة للعَالمين عليه كمال موسي و بهاۤء عيسي و صبر ايّوب فتذلّ اولياۤئي في زمانه و تُتَهَادٰي رؤسهم كما تُتَهٰادي رؤس الترك و الديلم فَيُقْتَلون و يحرقون و يكونون خاۤئفين مرعوبين وجلين تُصبغ الارض من دماۤئهم و يفشوا الويل و الرّنةُ في نساۤئهم اولٰۤئك اولياۤئي حقاً بهم ادفع كلَّ فتنةٍ عمياۤءَ حِنْدسٍ و بهم اكشف الزلازل و ادفع الٰاصار و الأغلال اولۤئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولۤئك هم المهتدون قال عبدالرحمن بن سالم قال ابوبصير لو لم‌تسمع في دهرك الّا هذا الحديث لكفاك فصنه الّا عن اهله ه‍ ، و النصوص في انهم اوصياۤء رسول اللّه (ص‌) اكثر من ان تحصي .
قال عليه السلام : و ذريّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و رحمة اللّه و بركاته
قال الشارح (ره‌) فانّ اولاد البنت ايضاً من الذريّة كما قال تعالي في عيسي بن مريم انّه من ذريّة نوح (ع‌) مع انّه ابن البنت ه‍ ، اقول انّهم (ع‌) ذريّة رسول اللّه (ص‌) فانّه (ص‌) قال في حق الحسن و الحسين (ع‌) انّهما ابناي و الأصل في الأستعمال الحقيقة و دعوي المجاز غير مسموعة لأنّ الحقيقة امّا باستعمال اللّغة او الشّرع و اذا تدبَّرت اللّغة و الشرع و نظرتَ في اسرارهما رأيتَ انّ اختصاص اصالة الولد بأبن الأبن دون ابن البنت شي‌ء عادي منشأه استقباحُ انتساب البنتِ حتي يأنفوا عن ذكر البنت و انتسابها و امّا في اصل اللّغة فلا و لاسيّما اذا قلنا انّ واضع اللغة كما هو الحقّ هو اللّه سبحانه و قد اشار الي هذا المدّعي في كتابه كما يأتي ذكره و امّا الاستناد في تلك الدعوي الي قول الشاعر :
بنونا بنو ابنائنا و بناتُنا       ** * **      بنوهنّ ابناۤء الرجال الأباعدِ
فمما ذكرتُ لك من الأنفة و الأِحَنِ الجاهليّة اَلاَتَراهم لايحبّون البنات اصلاً بل كان كثير منهم يقتلون البنات و قد حكي اللّه سبحانه عنهم و ذكر قصّتهم قال تعالي و اذا بشر احدهم بالأنثي ظلّ وجهه مسوداً و هو كظيم يتواري من القوم مِن سوۤء ما بشر به ايمسكه علي هون ام يدسّه في التراب اَلٰا سَاۤء ما يحكمون و انت اذا نظرت اصل خلقة الولد و البنت وجدتهما متساويين كل منهما من نطفةٍ امشاجٍ و امشاج مفرد لا جمع و مَشَجَهُ مزجه و المعني انّ الولدَ ذَكراً كان ام انثي يتكوّن من النطفتين معاً نطفة الأب و نطفة الأمّ يمتزجان جزء من الأب و جزءان من الأم و كذلك قوله تعالي خُلِقَ من مٰاۤءٍ دافق يخرج من بين الصّلب و التراۤئب اي من صلب الرجل و تراۤئب المرأة يعني صدرها لأنّ منيّها يخرج منه و قد دلّ النص عن الحسن بن علي عليهما السلام ما معناه انّ الانسان يتكوّن من اربعة‌عشر شيئاً اربعة من ابيه و هي العظم و المخ و العصب و العروق و اربعة من امّه و هي الجلد و اللحم و الدّم و الشعر و ستّة من اللّه الحواس الخمس و الحيوة و ذلك في الذكر و الأنثي فاذا كان تولّده من الأب و الأم علي حدٍّ سواۤء كانا في النسبة الي الأبوين سواۤء و ان قيل انّ جانب الأب في الولد اقوي الا انّه منهما قطعاً و لهذا يشتركان في الميراث منه و في وجوب الطاعة و في كثير من الأحكام و ايضاً الذريّة و العترة سواۤء و قد سمّي النابت من الشجرة بعد قطعها عِتْرة و هو من اصلها و هو ( و هي خ‌ل ) الذريّة و انما سمّيت بذلك لأنّها تنبت من الأصل و الولد و البنت سواۤء فيه و لا اختصاص للولد بشي‌ء غير البنت و الأخبار الٰاتية صريحَة في المدّعي و اَنَّي يُعْدَلُ بهم عن جدهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و علي ما استدل به الخصم بان بني بناتنا ابناۤء الرجال الأباعد فان الحسن و الحسين (ع‌) ابناۤء ( ابنا خ‌ل ) عليّ الأقرب الذي هو نفس محمد بنص القرءان و نصّ النبيّ (ص‌) حيث قال انت نفسي التي بين جنبيّ و روحه حيث قال انت منّي بمنزلة الروح من الجسد و رأسه حيث قال علي ما رواه الخصم انت مني بمنزلة الرّأس من الجسد و شِقّه في الأصل خلقهما اللّه نوراً واحداً لم‌ينقسما الّا في عبداللّه و ابي‌طالب و قد قال (ص‌) ذريّة كل نبيّ من صلبه و ذريّتي من صلب عليّ (ع‌) و ليس قوله (ص‌) هذا دليلاً للخصم و لا بياناً للمغايرة و الّا لما قال و ذريتي و انما هو لبيان اتّحادهما لانّه نفسه فلا فارق الّا النبوة و لهذا قال عليّ (ع‌) في خطبته ثم انّ اللّه خصّصكم بالأسلام و استخلصكم له لأنّه اسم سلامة و جماع كرامة اصطفاه اللّه فنهجه ( فبهجه خ‌ل ) و بيّن حُجَجه ازف ازفه و حدّه و وصفه و جعله رضي كما وصفه و وصف اخلاقَهُ و بَيَّن اطباقَه و اكّد ميثاقه من ظهر و بطن ذي حلاوة و امن فمن ظفر بظاهره رأي عجاۤئب مناظره في موارده و مصادره و من فَطن لما بَطَن رأي مكنون الفِطَنِ و عجاۤئب الأمثال و السنن فظاهره انيق و باطنه عميق لاتنقضي عجاۤئبه و لاتفني غراۤئبه فيه مطابيع النعم و مصابيح الظلم لاتُفْتَح الخيرات الّا بمفاتيحه و لاتنكشف الظلم الّا بمصابيحه فيه تفصيلٌ و توصيل و بيانُ الاسمَين الاعلَين اللّذَيْن جُمِعَا فاجتمعا لايصلحان الّا معاً يُسَمَّيان فيُعرفان و يوصفان فيجتمعان قيامهما في تمامِ احدهما في منازلهما لهما جري ( منازلهما جري خ‌ل ) بهما و لهما نجُومٌ و علي نجومهما نجوم ه‍ ، فذكر الأسمين الأعلَين الذين ( اللّذين ظ ) جمعا في نور واحدٍ فاجتمعا في صلبٍ واحدٍ و بطن واحد الي ان قُسِما في عبداللّه و ابي‌طالب لايصلحانِ اي النبوة و الولاية او النبيّ و الولي الّا معاً لأنّ كلّ واحد تمامه بصاحبه يسميّان فيعرفان محمّد و عليّ اي فيعرفان بتعدّد اسمَيْهما انّهما اثنان و يوصفان فيجتمعان نبيّ وليّ ( و ولي خ‌ل ) فاذا عرفت ما اشرنا اليه عرفت انّ ابني عليّ الحسن و الحسين ابنا رسول اللّه (ص‌) حقيقة هذا كلّه راجع الي الأعتبار لمن كان له اعتبار و امّا الأخبار ففي تفسير العيّاشي عن بشير الدّهّان عن ابي‌عبداللّه (ع‌) واللّهِ لقد نسب اللّه عيسي بن مريم في القرءان الي ابراهيم من قبل النساۤء ثم تلا هذه الٰاية و من ذرّيته داود و سليمان الي قوله و زكريا و يحيي و عيسي و في عيون الأخبار في باب جمل من اخبار موسي بن جعفر (ع‌) مع هرون الرشيد و مع موسي بن المهدي حديث طويل بينه و بين هرون و فيه ثم قال كيف قلتم انّا ذرّيّة النبيّ (ص‌) و النبيّ لم‌يعقب و انما العقب للذكر لا للأنثي و انتم وُلدٌ لأبنته و لايكون لها عقبٌ فقلتُ اسألك بحق القرابة و القبر و بما فيه الّا ما اعفَيتَني عن هذه المسئلة فقال لا او تخبرني بحجّتِكم يا وُلدَ عليّ و انت يا موسي يعسوبهم و امام زمانِهم كذا انهي اليّ و لستُ اعفيك في كلّ ما اسألك عنه حتي تأتيني فيه بحجةٍ من كتابِ اللّه و انتم تدعون معشر ولد عليّ انّه لايسقط عنكم منه شي‌ء لا الفٌ و لا واوٌ الّا و تأويله عندكم و احتججتم بقوله عزّ و جل مافرّطنا في الكتاب و استغنيتم عن رأي العلماۤء و قياسِهم فقلتُ تأذن في الجواب فقال هاتِ و قُلتُ اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم و من ذرّيّته داود و سليمان و ايّوب و يوسف و موسي و هرون و كذلك نجزي المحسنين و زكريا و يحيي و عيسي و الياس من ابو عيسي النبي (ع‌) يا اميرالمؤمنين قال ليس لعيسي اب فقلتُ انما الحقناه بذراري الأنبياۤء من طريق مريم (ع‌) و كذلك الحقنا بذراري النبيّ (ص‌) من قِبَل امّنا فاطمة (ع‌) و في تفسير علي بن ابراهيم قال و كان بين موسي و بين داود (ع‌) خمسمائة سنة و بين داود و عيسي الف سنة و عن ابي‌الجارود عن ابي‌جعفر عليه السلام قال قال لي ابوجعفر عليه السلام يا اباالجارود ما يقولون في الحسن و الحسين قلت ينكرون علينا انهما ابنا رسول اللّه (ص‌) قال فبأي شي‌ء احتججتم عليهم قال قلت احتججنا عليهم بقول اللّه عزّ و جلّ في عيسي بن مريم و من ذرّيّته داود و سليمان الي قوله و كذلك نجزي المحسنين فجعل عيسي من ذرّيّة ابراهيم قال فأيّ شي‌ء قالوا قال قلت قالوا قد يكون ولد الابنةِ من الولدِ و لايكون من الصلب قال فبأي ( فأي خ‌ل ) شي‌ء احتججتم عليهم قال قلت احتججنا عليهم بقول اللّه تعالي قل تعالَوا ندعُ ابناۤءَنا و ابناۤءَكم الٰاية قال فأيّ شي‌ء قالوا لكم قلت قالوا قد يكون في كلام العرب ابن رجل واحدٍ فيقول ابناۤؤنا و انما هو ابنُ واحدٍ قال فقال ابوجعفر (ع‌) واللّه يا اباالجارود و ان اعطيتم من كتاب اللّه مسمّي لصلب رسول اللّه (ص‌) لايردّها الّا كافر قال قلت جعلتُ فداءك و اين قال حيثُ قال اللّه حرّمت عليكم امّهاتكم الي قوله و حلاۤئل ابناۤئكم الذين من اصلابكم فسئلهم ( فاسئلهم ظ ) يا اباالجارود هل يحلّ لرسول اللّه (ص‌) شي‌ء من حليلتيهما فان قالوا نعم فقد كذبوا واللّه و فجروا و ان قالوا لا فهما واللّهِ ابناه لصلبه و ماحرّمت عليه الّا الصّلب ه‍ ، فانظر الي صراحة هذه الأحاديث و لاسيّما الأخير حيث قال فهما واللّهِ ابناه لصلبه و ماحرّمت عليه الّا الصلب اي ماحرّمت عليه الحليلة الّا الصلب لأنّ حليلة الأبن الذي ليس من الصلب لم‌تحرم عليه لأنّه ليس ابناً كأبن الزوجة فانه يسمّي ابناً كما في قوله تعالي و اذ قال ابراهيم لأبيه آزر فانه ليس اباً لأبراهيم في الحقيقة و انما هو زوج امّه و انما ابوه الحقيقي تَارَحُ ( تارخ خ‌ل ) فاذا ثبت بالنصوص من القرءان و الأخبار و بالمحكم من الأعتبار بانّ الحسن و الحسين ابنا رسول اللّه (ص‌) لصلبه ثبت انهم ذرّيّة رسول اللّه صلي اللّه عليهم ( عليه و عليهم خ‌ل ) اجمعين و الحمد للّه رب العالمين .
قال عليه السلام : السّلام علي الدّعاة الي اللّه
قال الشارح (ره‌) الدُّعاة جمع الداعي الي معرفته و عبادته و التخلّق بأخلاقه تعالي كما قال قل هذه سبيلي ادعوا الي اللّه علي بصيرة انا و من اتبعَني ه‍ .
اقول كونهم الدعاة الي اللّه لا شكّ فيه انما الأشكال و الصعوبة في معرفة ذلك و معرفة المدعو اليه و معرفة المدعوّ به و معرفة المدعوّ فيه فهذه اربع جهاتٍ في المراد بكونهم الدعاة الي اللّه تعالي :
الأوّل معرفة كونهم الدعاة الي اللّه تعالي قد اشرنا مرارا انهم باب اللّه الي خلقه و انهم اعضادٌ للخلق قد اتخذهم خالقهم بعد ان خلقهم وحدهم ليس معهم خلق يعبدون اللّه و يسبّحونه و يحمدونه و يهلّلونه و يكبّرونه و يعظّمون جلاله و عظمته الف دهرٍ ثم خلق لهم الخلق من اشعّة انوارهم فحيث كانوا هم العلّة الفاعليّة لانهم في ذلك محاۤلّ مشيّة اللّه و هم العلّة الماۤدّية لأن جميع الخلق خلقوا من شعاع انوارهم و ذلك الشعاع قاۤئم بانوارهم قيام صدور و هم العلّة الصوريّة لأنّ كلّ فرد من جميع الخلاۤئق من الغيب و الشهادة الجواهر و الأعراض فصورته ان كان طيّباً من انوار هياكلهم او من انوار هياكل هياكلهم و هكذا لانهم رحمة اللّه و مظاهر رحمة اللّه و مظهروا رحمة اللّه و الأشباح تلوح علي اشباحهم و اشباح اشباحهم و اشباح اشباح اشباحهم و هكذا و هم العلّة الغاۤئية لأنّ اللّه سبحانه انما خلق الخلق لهم و ايابهم اليهم و حسابهم عليهم و ان كان خبيثاً فصورته من عكس انوار هياكلهم كما قال تعالي فضُرِب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فالسور سور المدينة مدينة العلم رسول اللّه (ص‌) و الباب باب مدينة العلم عليّ (ع‌) باطنه الرحمة و هي ولايته و ظاهره اي خلفه و خلافه من قبله اي قبل ( قبله خ‌ل ) خلافه و عداوته العذاب فحيث كانوا كما ذكرنا وجب ان يشهدهم اللّه خلق خلقه و ان ينهي اليهم علمهم و ان يكونوا اولياۤء وجوداتهم و شرع وجوداتهم و تكليفاتهم و وجودات تكليفاتهم هذا مقتضي الحكمة الألٰهية و هو انه سبحانه انما يخلق الأشياۤء علي ما هي عليه بحسب مقتضياتهم و ليس في الحكمة الالهية و لا منها انّ ذلك يجري في شي‌ءٍ دون شي‌ء بل في كلّ شي‌ء بكلّ شي‌ء في كلّ شي‌ء بحسبه و ذلك هو مقتضي قابليات الخلاۤئق فلايصح ان يسبّح اللّه شي‌ء بدون داعٍ من اللّه سبحانه يدعوه الي ذلك و يعلّمُه كيف يسبّح و يهديه الي ما يراد منه و هذا علي سبيل الأجمال ظاهر لايُرتاب فيه و اذا بيّنا كيفيّة ذلك ارتاب فيه الجاهلون و لكنا نشير الي ذلك فنقول قد قلنا انّه لايجوز ان يكون شي‌ء من خلق اللّه يسبّح اللّه تعالي قبل ان يأتيه داع من اللّه سبحانه يدعوه الي اللّه و يعلّمه مراد اللّه منه و كيفية تسبيحه لأنّ عبادته توقيفيّة في حقّ جميع عباده لأنّهم لايعرفونه بالكنه و لايعرفه احد الا بما تعرّف له به فلو سبّحه مَن لايعرفه قبل ان يعرّفه ما يريد منه لجاز ان يذكره بما لايليق بجلاله فوجب في الحكمة و اللطف بالعباد ان يعلّمهم قبل ان يطلب منهم و في الحديث ليس علي العباد ان يعلموا حتي يعلّمهم اللّه فلما ثبت بنص القرءان و نصّ السّنة و الأِجماع انّ كلّ شي‌ء يسبّح اللّه تعالي قال اللّه و ان من شي‌ء الّا يسبّح بحمده و كل شي‌ء يسبّح بحمده فانما سبّح بعد تعليم اللّه له ما يريد منه و انما ذلك بالوسائط و العلل كما كان وجوده فظهر بما لوَّحْنا لك انّهم دُعاة جميع الخلق الي اللّه سبحانه .
الثاني معرفة المدعوّ اليه و هو اللّه سبحانه و هذا اوّل ما يراد من المدعو لأنّ هذه المعرفة يتوقّف كلّ شي‌ء عليها ثم لمّا كانوا في المقام الذي وضعهم اللّه سبحانه فيه انّهم العلّة الفاعليّة و الماۤدّيّة و الصوريّة و الغاۤئيّة لجميع الخلاۤئق كما اشرنا اليه كانوا لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون فعلّموا جميع رعيّتهم معرفةَ ربّهم كلّ فردٍ بقدرِه۪ كما قال اللّه تعالي انزل من السماۤء ماۤء فسالت اوْدية بقدرها اي انزل من سماۤءِ الخزانة و هو قوله و في السماۤء رزقكم و ما توعدون ماۤء و هو هنا معرفة اللّه فسالت اودية بقدرها اي فكلّ شي‌ء من خلق اللّه من عين او معنيً غيبٍ او شهادةٍ ذاتٍ او صفةٍ عرف اللّه بنسبةِ قابليّتِه۪ لذلك الماۤء النازل من الخزاۤئن بمفاتح ( بمفاتيح خ‌ل ) الغيب فقوله سبحانه و ان من شي‌ء الّا يسبّح بحمده يعني من عينٍ او معنيً غيبٍ او شهادةٍ ذاتٍ او صفةٍ و انما يسبح بحمد اللّه بعد ان عرفه و لم‌يعرفه الّا بتعريف فكل شي‌ء يعرف اللّه سبحانه علي قدره و انّ الذّرّة لتزعم انّ للّه زبانين و قد تقدم في الحديث انّه ماخلق اللّه شيئاً من خلقه الّا و اوجب طاعتنا عليه كما في قول الحسين (ع‌) لعبداللّه بن شدّاد فهذا تصريح في تلويح .
الثالث معرفة المدعو به قد اشرنا سابقاً و صرحنا في كثير من رساۤئلنا و مباحثاتنا انّ كلّ شي‌ء امم امثالكم و ان من امّةٍ الّا خلا فيها نذير ، و ماارسلنا من رسولٍ الا بلسان قومه ليبيّن لهم فكلّ شي‌ء من الخلق رعيّة و غنم للعِلل الكاملة و الأمثال العليا فالمبلّغ عن اللّه منهم مع علوّ شأنهم و ارتفاع مكانهم له حالتان : الأولي ان ينزل المقام الذي فيه المدعو فيدعوه بلسانه و يبيّن له بلغته سواۤء كان جماداً او نباتاً او حيواناً ذاتاً او صفةً عيناً او معنيً ، الثانية ان يرفع مقام المدعو حتي يخاطبه في مقام الأنسانيّة و ان كان من كلّ صنفٍ من الخلائق كما تقدم في كلام الحسين (ع‌) حين قال للحمّي التي اصابت عبداللّه ابن شدّاد و قد تقدم قال لها يا كبّاسة فسمعنا الصوت و لانري الشخص يقول لبّيكَ فقال (ع‌) الم‌يأمركِ اميرالمؤمنين (ع‌) اَلّاتقربي اِلّا عدوّاً او مذنباً لتكوني كفارة له ( لكي تكون كفارة لذنوبه خ‌ل ) فما بال هذا و اعلم انّ هذه المطالب لايجوز فيها التصريح الّا بالأشارة مع اني ماكتمتُ و لارَمَزتُ و ان كنتُ اجملتُ فافهم ،
الرابع معرفة المدعوّ فيه قد ذكرنا مراراً انّ مدار الدعوة علي امرين الأوّل بالشرع الوجودي و هو جهتان الأولي دعوة الأيجاد حين سئل الفقراۤء حوائجهم من ربّهم واقفين ببابه الكريم فدعوهم الي اللّه تعالي حين اوجدهم و اغناهم الثانية دعوة شرع الأيجاد فاعطاهم في ايجادهم ما سئلوه فدعوهم في الاولي بقوابلهم و في الثانية بمقبولاتهم و الثاني بالوجود الشرعي و هو جهتان الاولي دعوة التكليف في الذّرّ الأول حتي صلحوا و في الذر الثاني حتي قبلوا و انكروا و الثانية دعوة ايجاد ذلك الشرع بقوابل اعمالهم من مددِ امره و نهيه و لكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا ، ففي الجهة الأولي اتاهم الداعي بما ذكرهم به ربّهم كما قال تعالي بل اتيناهم بذكرهم ، و في الجهة الثانية اتاهم الداعي بما ذكروا به ربّهم سيجزيهم وصفهم انّه حكيم عليم فالتكليف كما ذكرهم و الجزاۤء كما ذكروه فبنسبة الوجود و الشرع في الأول و بنسبة الشرع و الوجود في الثاني دعوا كلّ شي‌ء الي نسبتَيْهِ في دعوتَيْهِم فهم الدعاة الي اللّه سبحانه كما سمعتَ و ذلك لأنّ اللّه سبحانه جعلهم خُزّان علمِه۪ و وُلاة امرِه فهم الدّاعون بامرِه و العامِلون بعلمهِ و في الكافي عن عليّ عن عمّه قال سمعتُ اباعبداللّه (ع‌) يقول نحنُ وُلاة امرِ الله و خزنةُ علم اللّه و عيبة وحي اللّه و فيه عن سورة بن كليب قال قال لي ابوجعفر (ع‌) واللّهِ انّا لخُزّانُ اللّهِ في سماۤئه و ارضِه۪ لٰا عَلَي ذهبٍ و لا فضّةٍ الّا عَلَي علمه و فيه عن سدير عن ابي‌جعفر (ع‌) قال قلتُ له جعلت فداۤءَك ما انتم قال نحن خُزّان علم اللّه و نحن تراجمة وحي اللّه نحن الحجّة البالغة علي مَن دون السماۤء و فوق الأرض و فيه عن علي بن جعفر عن ابي‌الحسن موسي (ع‌) قال قال ابوعبداللّه (ع‌) قال انّ اللّه خلقَنا فاحسن خلقَنا و صوَّرَنا فاحسن صورنا ( صورتنا خ‌ل ) و جعلنا خُزّانه في سماۤئه و ارضه و لنا نطقت الشجر ( الشجرة خ‌ل ) و بعبادتنا عُبِد اللّه و لولانا ماعُبِدَ اللّه و قول الشارح (ره‌) الي معرفتِه۪ و عبادتِه۪ و التخلّق بأخلاقه تعالي يشير به الي العلوم النافعة التي اشار صلّي اللّه عليه و آله اليها في قوله انّما العلم ثلاثة آية محكمة و فريضة عادلة و سنّة قائمة فالٰاية المحكمة هي معرفة اللّه و الفريضة العادلة علم اليقين و التقوي و هو علم الأخلاق و السنة القائمة هي العلوم الشرعيّة الفرعيّة المعروف بعلم الفقه عرفاً و هذا بعض ما يدعون اليه لأنّ كلّ حقّ انّما هو منهم و عنهم و هم الدعاة اليه من كلّ علمٍ و عملٍ و اعتقادٍ و غير ذلك .
قال عليه السلام : و الأدِلّاۤء علي مرضاتِ اللّه
قال الشارح (ره‌) فانّهم يدلّون الخلاۤئق بالشريعة الحقّة الي ما يوجب رضاه من مراتب القرب للّهِ و الي اللّه و في اللّه و مع اللّه .
اقول الأدلّاۤء جمع الدليل كالأعزّاۤء جمع العزيز و الأخلّاۤء جمع الخليل و الدليل المرشد و الدّال و ما يستدلّ به و كونهم بالمعني الأول هو بمعني الفقرة الأولي اي الدعاة او اخصّ منه لأنّ الدليل يدعو بحجّةٍ و الداعي قد يخلو من الحجة و لاينافي هذا استعمال الداعي فيمن لايدعو الّا بحجّة و ربّما استدلّ علي الفرق باستعماله عليه السلام بالدعاة الي اللّه علي انّه اعمّ و بالأدلّاۤء علي مرضات اللّه لأنّ اللّه لايشتبه بغيره ليتوقف الدعوة اليه علي الدليل بخلاف مرضاته فأنّ الأفعال التي ترضيه تشتبه بالأفعال التي تسخطه لايفرق بينهما بالنسبة الي النفس او الفاعل الّا بالدليل و التعيين و رُبّما استدلّ علي هذا بكون معرفة اللّه عقلية و لايجوز التقليد فيها لأمكان ادراك المكلّفين للحقّ فيها بخلاف الأعمال فانها لايمكن للعقول مجردّة عن الاستناد الي النص معرفة ما يرضي اللّه منها غالباً الّا بخصوص التعيين و النص و لهذا جاز فيه الأخذ بظاهر الدليل و جاز التقليد هذا و لانريد بأنّ الداعي قد يدعو بغير الدليل الّا بملاحظة المعني اللغوي فلا فرق فيما نحن فيه بين اللّفظين الّا في الوجه الثاني من الدليل فانّه يستعمل بمعني ما يستدلّ به بخلاف الداعي فانّه لايستعمل بمعني ما يُدْعَي به الّا علي تأويلٍ بعيدٍ عن الأوهام و ان كان صحيحاً علي معني انّ كون النبي (ص‌) داعياً الي اللّه تعالي انّ اللّه سبحانه دعا عباده اليه بنبيّه (ص‌) فيكون الداعي بمعني ما يُدْعَي به و هذا معني صحيح حقيقي الّا انّ المعني فيه مخالف لما تعرفه الناس و لهذا لم‌نذكره سابقاً فالدّليل الدّاۤلّ المرشد بالحجّة و البرهان القاطع فالمدلول عليه ما للّه فيه رضيً و هو معرفته بسبيل معرفتهم بانّهم معانيه و انّهم ابوابه و انهم حجّته علي عباده و امناۤؤه في بلاده و بمحبيهم و شيعتهم يعني انّ العاقل العارف بما نقول اذا رأي المؤمن من شيعتهم و استبطن احواله في اعتقاده و في اعماله و اقواله و احواله عرف الّا اله اِلّا اللّه وحده لا شريك له و انّ محمداً صلي اللّه عليه و آله عبده و رسوله و انّهم حجج اللّه علي خلقه و امناۤؤه علي سرّه لأنّهم اي الشيعة هم الحرف الرابع من الأسم الأعظم و لاتحصل المعرفة التاۤمّة الّا بالأسم التٰامّ و امّا مطلق الأسم و مطلق الصفة فقد تحصل به مطلق المعرفة و معرفتهم (ع‌) في مراتبهم الثلاث مرتبة المعاني و مرتبة الأبواب و مرتبة الأمام (ع‌) و قد تقدم بعض الاشارة الي بيان المراتب الثلاث و من الأشارة الي ذلك انّهم في الأولي معاني جميع الصفات التي هي المنتهي في التعلّقات و هي فوق الولاية التي هي الثانية و هو قول عليّ (ع‌) ظاهري امامة و باطني غيب لايدرك فالامامة هي الولاية الثالثة و الولاية الثانية مرتبة الأبواب و الغيب الذي لايدرك هو ذاتُ الذّوات و قول عليّ (ع‌) انا ذاتُ الذّوات و الذات في الذّوات للذّات فذات الذوات به تذّوتت الذّوات و اليه ينتهي جميع تعلّقات الذوات فهذه غاية المرتبة الأولي و ليس وراۤء هذه مرتبة في الأمكان و امّا قوله و الذّات في الذّوات للذّات فغير ما نحن بصدده و الطريق مسدود و الطلب مردود و هذا ما يناسب الأشارة الي المرتبة الاولي من معرفتهم التي فيها رضي الله ممّا دلّوا عليه مضافاً الي ما تقدم و بيان ما ذكرنا لايجوز ازيد من هذا و انّهم (ع‌) في المرتبة الثانية ابواب جميع الٰاثار و الصّفات اي انّ الصّفات القدسيّة الذاتيّة ليس لها باب في تجليّاتِ اسماۤئِها و مظاهر آثارِها الّا هم (ع‌) و ليس لتلك الٰاثار و المظاهر باب لمقبولاتِها و تَلَقّيها تلك الفُيُوضات و تقوّمها تقوّم صدورٍ او تحققٍ غيرهم و هذا في كلّ شي‌ءٍ في المواۤدِّ و الصُّوَرِ و الأعمال و الأقوال و الأحوال في الجبروت و الملكوت و الملك و الفرق بين هذا و الأولي انهم في هذه ابواب و في تلك مدينة و انّهم (ع‌) في المرتبة الثالثة ظاهر الأوّلتين و جامع المعني و العين فهذه الثالثة حالة من الأولي و صورة من الثانية يظهرون بابدانٍ نورانيّةٍ يَطَؤُنَ علي اَعْلَي الفلكِ الاعْلي بظاهرِ سعيهم و نهر الزمانِ تحتَ اقدامِهِم يجري لاتَبْتَلُّ منه اقدامُهُم يمشون علي الأرضِ هَوْناً و عن محمد بن النعمان عن سلام قال سألتُ اباجعفر (ع‌) عن قول اللّه عزّ و جلّ و عبادُ الرحمن الذين يمشون علي الأرض هوناً قال هم الأوصياۤء من مخافة عدوّهم و معني قوله عباد الرحمن هذه ( هذا خ‌ل ) تخصيص و تشريف و المراد افاضل عباده الذين يمشون علي الارض هوناً اي بالسكينة و الوقار و الطاعة غير اَشِرِينَ و لا مَرح۪ين و لا متكبّرين و لا مفسدين و قال ابوعبداللّه (ع‌) الرجل يمشي بِسَجِيَّتِهِ التّي جُبِلَ عليها لايتكلّف و لايتجبّر و هذه الصّفات و ما بعدها من الصّفات في هذه الٰايات لاتوجد الّا في الائمة الهداة عليهم السّلام من تفسير محمد بن العبّاس بن الماهِيٰار فهم في الثالثة ايضاً عين اللّه الناظرة و رحمته الواسعة و اذنه الواعية و معرفة شيعتهم و محبّيهم بأنّهم اهل الأيمان لم‌يَتَيَقّن غيرهم و اهل الأسلام ليس علي ملّة الأسلام غيرهم و لم‌يَسْلَم رسول اللّه من اذي احدٍ من الخلق الّا منهم و امّا ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين وَ اَنّهم من ائمّتهم (ع‌) بل هم معهم من شجرة واحدة كما في رواية الثمالي اَنّه سئل الباقر (ع‌) عن قوله تعالي كشجرة طيّبةٍ اصلها ثابت و فرعها في السماۤء فقال (ع‌) قال رسول اللّه (ص‌) انا اصلها و عليّ فرعها و الائمّة اغصانها و علمنا ثمرها و شيعتنا ورقها يا اباحمزة انّ الولد ليولد من شيعتِنا فتورق منها ورقة فيها و يموت فتسقط منها ورقة الحديث ، و عن ابي‌الحسن (ع‌) في حديث طويل قال و انّ شيعتنا لمكتوبون معروفون باسماۤئِهم و اسماۤءِ آباۤئِهم اخذ اللّه الميثاق علينا و عليهم يردون مواردنا و يدخلون مداخلنا ليس علي ملّة ابراهيم خليل الرحمن غيرنا و غيرهم انّا يوم القيمة آخذون بحجزة نبيّنا (ص‌) و نبيّنا آخذ بحجزة ربه و انّ الحجزة النور و شيعتنا آخذون بحجزتنا من فارقنا هلك و من تبعنا نجي و المتّبع لولايتِنا لاحق و الجاحد لولايتنا كافر و متّبعنا و متّبع اولياۤئِنا مؤمن لايتبعنا كافر و لايبغضنا مؤمن مَن ماتَ و هو محبّنا كان حقاً علي اللّهِ ان يبعثه معنا نحن نور لمن تبعنا و هديً لمن اقتدي بنا الحديث و هو طويل اخذنا منه شيئاً ممّا يدلّ علي علوّ رتبة شيعتهم و محبّيهم و هم فيما يعاملهم اللّه علي اعمالهم لكرامتهم علي اللّهِ سبحانه مثل ما قال الصادق (ع‌) لمن قرأ عنده فيومئذ لايسئل عن ذنبه انس و لا جاۤنّ فلمن يُسئل اذا لم‌يُسئَل عن ذنبه انس و لا جاۤنّ قال قلتُ لا ادري قال (ع‌) انما انزل اللّه فيكم و ذا واللّهِ المؤمن من شيعتنا لايسئل منكم الأنس و الجن و انّ اللّهَ تعالي يولّينا ( ليولينا خ‌ل ) حسابه و يأمرنا ما كان من حسنةٍ نظهرها و ما كان من سيّئةٍ نسترها و انّ اللّه تعالي لايطلع علي ذنبِ مؤمن احداً من خلقه اجلالاً لعبده المؤمن ه‍ ، و انه سبحانه لم‌يجعل لموت عبده المؤمن اجلاً حتي يهمَّ بموبقةٍ فاذا همَّ بموبقةٍ قبضه اللّه اليه قبل ان يهمَّ رأفةً به و انما يقبض روحه باختياره فاذا علم منه كراهة الموت تردّد في قبض روحه حتي يحبّ لقاۤء اللّه لأنّ من قبضت روحه قبل ان يحبّ لقاۤء اللّه ختم له بالسوء و كذا معرفة حقوق الأخوان و صلة الأرحام و معرفة العدل في الأحوال و هو التوسط بين طرفَي التفريط و الأفراط كالشَجاعة بين الجبن و التَهَوُّر و كالعقل بين البلادة و الجَرْبَزَةِ و كالكرم و الجود و السَماحة و السخا بين البخل و اللّوم و الخسّة و الدّناۤءة و الاسراف و التبذير و العبث و السفَه و امثال ذلك و كذا معرفة الزهد و الورع و التقوي و التجافي عن دار الغرور و الخمول و امثال ذلك و كذا الصدق في كلّ المواطن مع اللّه و التيقّظ و ذكر اللّه علي كلِّ حال بالقول و العمل و عدم الغفلة و كذا الاعمال البدنيّة المذكورة في كتب الشريعة و الأدعية و غير ذلك من كلّ حركةٍ و سكون و نوم و يقظة و انتباهٍ و غفلة ظاهرة و باطنة مما للّه فيه رضي ففي كلّ ذلك دقيقه و جليله كليّه و جزئيّه هم الأدلّاۤء عليه بل كلما لم‌يدلّوا عليه لم‌يكن للّه فيه رضي لأنّ رضي اللّه سبحانه في الحقّ و ترتيب الاشياۤء و جريانها علي اسبابها و مقاديرها و مقتضياتها و لايكون شي‌ء من ذلك الّا بهم لما قلنا انّهم العلّة الفاعليّة لأنّهم محاۤلّ المشيّة و العلّة الماۤدّيّة لأنّ جميع الأشياۤء مواۤدّها في كلّ كونٍ من اشعّة انوارهم و العلّة الصّوريّة لأنّ صور جميع الأشياۤء في كلّ عينٍ من اشعّةِ اشباحهم المعبّر عنها بنور الرحمة و هيكل التوحيد و من عكس ذلك للأعداۤء المعبّر عنها بهياكل الغضب و السّخط و العلّة الغاۤئيّة لانّهم هم للّه سبحانه و خلق كلّ ما سواهم لهم كما ذكرنا سابقاً مكرّراً كما قال الشاعر :
اَعِدْ ذكرَ نُعْمٰانٍ لنا اِنَّ ذِكْرَهُ       ** * **      هو المسكُ ما كَرّرتَهُ يتضوّعُ
فان جرت الأشياۤء علي مقتضي الأسباب و الترتيب الطبيعي و النظم الذاتي كما ينبغي كان ذلك حقاً و اللّه سبحانه يقول الحقّ و يهدي الي الحق و يحبّ الحقّ و يرضاه و الّا فان استنكفتِ الأشياۤء عن مقتضي اسبابها و سلكتْ غير ترتيبها الطبيعي كفرتْ بنعمة ربّها و لايرضي لعبادِه الكفر هذا اذا فسّرنا الدليل بالدّاۤلّ و المرشد و اذا فَسّرنا بالمستدلّ به فهم الحجّة التّي تستدلّ بها العقول علي كلّ حقٍّ فيستدَلّ بهم علي اللّهِ و عليهم و علي محبّيهم و علي فروعهم من جميع الأعتقادات ( الاعتقاد خ‌ل ) و الأحوال و الأعمال و الأقوال من كلّ ما يحبّه اللّه و يهواه و يرضاه فأولوا الألباب يستدلون بهم عنهم علي كلّ خير مرغوبٍ و شرٍّ مرهوبٍ و في كامل الزيارة للشيخ الثقة جعفر بن محمد بن جعفر بن قولوَيْه عن عبداللّه بن حماد البصري عن ابي‌عبداللّه (ع‌) في حديث طويل في ذكر وصف الامام (ع‌) قال و هو الدليل علي ما تشاجرتْ فيه الأمّة و الأخذ بحقوق الناس و القيام بأمر اللّه و المنصِف لبعضهم من بعض فاذا لم‌يكن معهم من ينفذ قوله و هو يقول سنريهم آياتنا في الاۤفاق و في انفسِهم فايّ آيةٍ في الٰافاق غيرنا اراها اللّه اهل الٰافاق و قال و مانريهم من آيةٍ الّا هي اكبر من اختها فايّ آيةٍ اكبر منّا الحديث ، فقول اللّه تعالي سنريهم آياتِنا في الٰافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحق يدلّ بباطنه كما في هذا الحديث الشريف انّهم الٰايات الكبري كما قال عليّ (ع‌) ليس للّه آية اكبر مني و لا نبأ اعظم مني ، فهم الٰايات حيثُ وقعت في القرءان اي آيات اللّه الدّاۤلّة بالدلالة القطعيّة عليه سبحانه و علي انفسهم و علي شيعتِهم و علي كلّ شي‌ءٍ من الحقّ مثلاً هل تجد احتمالاً فيما امَرُوك به انّه ليس للّه فيه رضي بوجهٍ مّا كما يجوز الأحتمال فيما صدر عن غيرهم الّا ما قطع انّه عنهم كاخبار ساۤئر المعصومين بل لايجد العاقل العارف شيئاً يصدر في الحقيقة عنهم و انما يراه يصدر عن اللّه كما يجد انّ حركة الرجل العاقل لاتصدر عن مقتضي جارحته و انما تصدر عن عقلِه۪ و ان كانت تصدر عن اليد فانّ المحرّك لها هو العقل بواسطةِ الألٰات فافهم الاشارة من قول اللّه تعالي و مارميتَ اذ رميتَ و لكنّ اللّه رَمي ، بل من نظر اليهم (ع‌) بعين البصيرة عرف اَلّاَ اله الّا اللّه و انّ محمّداً رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و انهم حجج اللّه و خزّانه علي سرِّه و حكمته و اولياۤؤه علي امره و نهيه و علي جميع خليقته و عرف انّ الدّين عند اللّهِ الأسلام و الحاصل كلّما سمعتَ من امور الأعتقادات الحقّة و الأحكام الشرعيّة و الٰاداب الألٰهيّة التي وردتْ بها هذه الملّة الحنيفيّة و جميع ما اتي به محمد بن عبداللّه (ص‌) من احوال النشأتين و كلّ ما دعا ( دعي خ‌ل ) اليه من كلّ ما به صلاح الدارَين اذا نظرتَ و عرفتهم كما عرّفوك تشهد بحقيّة ذلك كلّه و انّه تدبير حكيم عليم خبير بصير لطيف عطوف رحيم بعبادِهِ قد احسن اليهم بجوامع مصالحِهِم فان لم‌تر ما وصفتُ لك و نبّهتُك عليه من الأسرار فاسئل اللّه سبحانه ان يصلح وجدانك و يعرّفك الحقّ كما هو حقّ فاذا عرفتَ هذا عرفتَ انّه لم‌يَخْلُق شيئاً جعله دليلاً اوضح من ائمّتك عليهم السلام دليلاً و بياناً و سبيلاً و برهاناً و لا اصرح من دلالتهم و لا اصح من مقالتِهِم و لا اصدق من حالتهِم فهم الٰايات الّتي يستدلّ بها علي كلّ مطلوب قال اللّه سبحانه و هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر و البحر ، و علاماتٍ و بالنجم هم يهتدون و قال تعالي و كأين من آية في السموات و الأرض يمرّون عليها و هم عنها معرضون فهم الدليل و عليهم الدليل و منهم الدليل و بهم الدليل و لهم الدليل و عنهم الدليل و لايَحْتَمل المقام اكثر من هذا الكلام و السّلام علي اُولي الأفهام .
قال عليه السلام : و المستقرين في امرِ اللّهِ
قال الشارح بعد ان اثبت نسخة المستوفزين في الأصل قال اي المسارعين في الأئتمار باوامره الواجبة و المندوبة مطلقاً او في امر الأمامة و في بعض النسخ المستقرّين و هو اظهر ه‍ ، اقول المستوفزين بالفاء بعدها زاي بمعني المستعجل و المعني انهم المسارعون الي القيام بأوامر اللّه من الواجباتِ و المندوباتِ و علي نسخة الأصل المشهورة المستقرين بمعني الثابتين في امر اللّه اي الثابتين في خدمة القيام بامره و عبوديّته بحيث لم‌يفقدهم حيث يأمر و يندب و لايراهم حيث ينهي فهم القاۤئمون بحقيقة العبوديّة فيما امروا به من العمل او فيما يريد منهم ان يعملوه من تدبير الصنع و ايصال الأفاضات الي مستحقيها من خلقٍ و رزقٍ و حيوةٍ و مماةٍ مما دار عليه قوام النظام كما اشار اليه سبحانه و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لايشفعون الّا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظالمين اي بأمره فيما يخصّهم من التكليف و بأمره الذي هو ظهوره لما سواه بهم فيما يخصّهم من التعريف يعملون كما امرهم و فيما سواهم من رعاياهم من دعاۤئهم الي اللّه و الي ما امر به من طاعته و نهيهم عن معاصي اللّه كما حدّدَ لهم من معاصيه و ابان لهم من مناهيه يعلم ما بين ايديهم منهم حين قال اقبل فاقبل اليه من التخليصات و الخلوصات و ما خلفهم منهم حين قال ادبر فادبر اليهم من التنزّلات و التذلّلاَت حتي اوصل بهم الي كل ذي حقٍّ حقّه من الأمدادات و التخصيصات و التعيينات الّتي هي مقتضي ذواتهم و لايشفعون الّا لمن ارتضي دينه يعني لمن اذن له كما قال و لاتنفع الشفاعة عنده الّا لمن اذن له ان يشفع و هم قد اذن لهم ان يشفعوا لمن شاۤؤا و هو من ارتضي الله سبحانه دينه بأن يكون مؤمناً بهم و بولايتهم اي لايصلون الّا من كان متّصلاً بذاته بهم اي من فاضل نورهم خلقه اللّه من امره الوجودي و من امره القولي و هم من خشيته مشفقون لأنّهم لا قوام لهم الّا بامره الوجودي كما قال تعالي و من آياته ان تقوم السماۤء و الأرض بأمره و لا قوام لسلطانهم الّا بامره القولي مشفوعاً بالوجودي و كلّ ذلك في قبضته لم‌يخرج عن يده شي‌ء فهم ابداً منه مشفقون خاۤئفون و مَن يقل منهم اني الٰهٌ من دونه انا انا من دونه اي اني يمكن لذاتي ان تتقوّم من دون امره الوجودي اَوْ اَنّ سلطاني من دون امره القولي فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و لمّا كانَ فعله جارياً في الاشياء علي ما هي عليه و كان ما هم عليه انّهم للّهِ وحده و استعمالهم لغيره علي خلاف ما هم عليه و هو خلاف الحكمة فخلقهم له و اصطنعهم لنفسه و حصرهم في امره و هو قوله تعالي و هم بأمره يعملون اي لايعملون الّا بأمره فأفاد سبحانه بتقديم امره علي يعملون فوائد الأولي حصر عملهم في امره الثانية انّ الباء للسببيّة الثالثة التقديم لمراعاة النظم فانّ كونهم عاملين مترتّب علي امره لأنّ الأمر علّة العمل الرابعة انّ الأمر ماۤدّة الوجودي التشريعي النوعيّة و العمل صورته الشخصيّة و الماۤدّة النوعيّة مقدّمة علي الصورة الشخصيّة و امّا انّ الماۤدّة متقوّمة بالصورة فالمراد بها الماۤدّة الشخصيّة لا الماۤدّة النوعيّة فانّها سابقة علي الصورة الشخصيّة و انّما قلنا انّ الأمر ماۤدّة نوعيّة لأنّه لايتحقق انّه ماۤدّة طاعة او معصية الّا بالعمل فالعمل هو المشخّص له ثم اعلم انّ قوله المستقرين في امر اللّه يجوز فيه ان يكون المعني في استقرارهم في الأمر عدم انتقالهم عنه الي امرٍ غيره و عدم انفكاكهم عن العمل به كما في قوله يسبّحون الليل و النهار لايفترون و انّ اللّه سبحانه ذرأهم في امر اللّه كما قال جعل لكم من انفسكم اَزْوَاجاً ، و من الأنعام ازواجاً يذرأوكم فيه و هذه المعاني قد ذكرناها و انما اعدتُها بطور آخر للبيان .
قال عليه السلام : و التاۤمّين في محبّةِ اللّه
قال الشارح (ره‌) في مراتبها الثلاث من محبّة الذّات لذاته و لصِفاته الحسني و لأفعاله الكاملة و من ذاق حلاوة المحبّة يستنشق من جميع رواياتهم سيّما الأخبار الواردة فيها و في اسبابها من الرضي ( الرضا خ‌ل ) و الزهد و التسليم و غيرها في جميع مراتبها و انّهم كاملون و المراد من المحبّة العشق و انكار العشق بالنسبة الي الله تعالي لعدم فهم معناه و عدم القابليّة ه‍ .
اقول التاۤمّين جمع تاۤمٍّ و هو بمعني الكامل لغة و التاۤمّ الذي ليس بزايدٍ و لا ناقصٍ و الكامل الذي ليس بناقصٍ و قد يستعمل التاۤمّ فيما ليس بناقصٍ و الكامل في الزاۤئد علي التمام و التاۤمّ في العدد هو ما ساوَي كُسُوره كالستّة و الكامل هو ما اشتمل علي اوّل فردٍ و هو الثلاثة و اوّل زوج و هو الأربعة بناءً علي انّ الأثنين يسمي مفرداً لا زوجاً لأنّه اوّل الأعداد و لايكون اوّل الأعداد زوجاً اَوْ انّه يسمّي كامِلاً باعتبار انّ الشي‌ء لايكمل الّا باربع طباۤئع و ثلاث كيانٍ يعني حرارة و رطوبة و برودة و يبوسة و نفس و روح و جسد و التاۤمّ في الحروف ما سَاوَي بيّناتُهُ زُبُرَه و ذلك حرف واحد لا غير و هو السين و لهذا كانَ اسماً لمحمدٍ صلي اللّه عليه و آله ياسين و في الحروف الأبجديّة في الخامس‌عشر و الذي يخطر ببالي انّ التمام بمقام الأمام (ع‌) اكمل كما انّ الكمال بمقام النبي (ص‌) اتمّ الّا انّ الصّفات منهم (ع‌) تكاد تتحِدُ لاتّحاد الأصل لأنّ نورهم واحد لأنّ اوّلهم محمّد و اوسطهم محمّد و آخرهم محمّد و كلّهم محمّد فقوله عليه السلام و التاۤمّين في محبّةِ اللّهِ ان فسّر التاۤمّ بما ليس بزايدٍ و لا ناقصٍ جاز تخصيص المحبّة بالحقيقة المحمديّة و ان فسر بالمعني المراد من الكامل و هو الزاۤئد علي التمام جاز تخصيص المحبة بفلك الولاية و علي التفسيرين يجوز التخصيص كما يجوز التعميم فهم تاۤمُّون في ذواتهم و في صفاتِهم و في افعالهم و في آثار افعالهم اي هم كما ينبغي فيما ينبغي اي هم التاۤمّون في علّة الأيجاد و هو عالم المحبّة و التعيّن الأوّل في قوله تعالي كنت كنزاً مخفيّاً فاحببتُ ان اعرَف فخلقتُ الخلق لأعرف ، فالمحبّة علّة الخلق و هم محاۤلّ تلك العلّة الّتي هي المحبّة و هم تاۤمّون فيها اي لايكون منهم ما ليس في المحبّة و لا من المحبّة ما ليس فيهم بل هم المحبّة و لهذا ورد في قوله تعالي كمثل حبّة انبتتْ سبعَ سنابل في كل سنبلةٍ مائة حبّة ان الحبّة فاطمة (ع‌) و السنابل منها سبع سنابل الحسين و التسعة من ذرّيّة الحسين (ع‌) و المائة حبّة ما يكون من صلبِ كلّ واحدٍ منهم في الرّجعة من الذرّيّة الخاۤصّة و في قوله تعالي انّ اللّه فالق الحبّ و النوي الحبّ المحبّ لهم و خصوصاً لفاطمة عليها السلام و لقد وردتِ الروايات المتكثرة من الفريقين بمعني انّما سمّيتْ فاطمة فاطمة لأنّ اللّه سبحانه فطم محبّها و محبّ محبّها و محبّ محبّ محبّها من النار و مما ذكر بعضهم بناءً علي كمال سيّدة النساۤء عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها افضل الصلوة و ازكي السّلام في بيان الكمال الشعوري و الكمال الظهوري ان الكمال الظهوري للتّسعة الّتي هي الطاۤء خمسة و اربعون و هو مجموع الأعداد من الواحد الي التسعة و قاعدة استخراجه ان تجمع الأوّل و هو الواحد الي التسعة تكون عشرة فتضربها في نصف التسعة اربعة و نصف يكون الحاصل خمسة و اربعين و هو الكمال الظهوري للطاۤء و الكمال الشعوري مجموع كمالها الظهوري و كمال ما تحت الطاۤء الظهوري و هو الثمانية و هو ستة و ثلاثون و ذلك بأنْ تضمّ الواحد الي الثمانية فتضرب التسعة في نصف الثمانية و هو اربعة يكون الحاصل ستة و ثلاثين و مجموع الكمالين كمال شعوري للطاۤء و هو احد و ثمانون قال و قد اجتمع الكمالان في اسم فاطمة (ع‌) و هو من خواصّ هذا الاسم الشريف و بيانه انّ الطاۤء هي وسط اسم فاطمة و قبله فا و هي كمال شعوري احد و ثمانون و بعده مه و هي كمال ظهوري خمسة و اربعون و انما خصّت الطاۤء هُنا لأنّها عدد مربّع عدد العوالم الثلاثة الجبروت و الملكوت و الملك و مربّع الثلاثة تسعة و ينطق بالطاۤء فجَمَعَ اسمها الكمالين لأنها حبيبة حبيب ربّ العالمين فلذا فسّر الصادق عليه السلام الحبّة في الٰاية بفاطمة (ع‌) و هم منها و هي منهم فهم التاۤمّون في المحبّة فهم المحبّون في اللّه و للّه و هم المحبوبون في اللّه و للّه و حقيقة هذا الحبّ لايكون لعلّةٍ غير نفسه لأنّه لايكون الّا بنور اللّه الذي هو الفؤاد و حين يوجَد مخلصاً لايوجَد غيره لأنّ غيره حجاب عنه فلايكون الحبّ خالصاً و امّا الحبّ الذي يكون بغير نور اللّه فلا بدّ ان يكون لعلةٍ غيره و ذلك لأنّ الحبّ لغير اللّه يهوي بالفؤاد الي غير المبدء و هو غير الذات فيجب التعدّد من الذات الذي هو المبدء و من ذلك الغير و معني آخر لكونهم تاۤمّين في محبّة اللّه انهم جُبلوا علي حبّ اللّه و جُبل الخلق علي حبّهم فلايكون احد من الخلق الا و هو يحبّهم من محبّيهم و مبغضيهم لوجهين :
الأوّل انهم علّة الأيجاد كما تقدم فهم العلّة الفاعليّة لأنّهم محلّ المشيّة و العلّة الماۤدّيّة و الصّوريّة و الغاۤئيّة فمن لم‌يحبّهم لم‌يوجَد اذ الوجود حبّهم قد خلق اللّه سبحانه الخلق من حبّهم لأنّهم هم المحبّة الّتي هي العلّة في الأيجاد و المعرفة كذلك و قد ورد في الدعاۤء لايخالف شي‌ء منها مَحَبَّتَك ، فشرط ايجادها ان تجري في جميع وجوداتِها علي محبّةِ اللّهِ و هو تأويل قوله تعالي و ان من شي‌ءٍ الّا يُسَبِّحُ بحمدِه۪ فيجري الطيب في طيبه و الخبيث في خبثه كما جري القدر به عليهما ممّا قَبِلاهُ و المؤمنُ في ايمانِه۪ و الكافِر في كفرِه۪ كما جري به القَدَر لأنّ القدَرَ كما اشرنا مراراً يجري علي ما يقتضيه العمل من العبد و هو سبحانه لايحبّ في تقديره ان يجري قدره علي غير مقتضي العمل و العملُ يُحبُّ اَلّٰايجري الّا بما جري له القدر و احبّ له من انّه كما هو و هو ما يحبّ اللّه منهما و لهما فهو سبحانه و ان كانَ لايُحبّ الكفر “٢” لنفسه “٢-” و لايحبّه “٢-” لعبده و لايحبّ ان يكون الكفر و الكافر الّا كما يقدّر فيما يقتضيانه لذواتهما لأنّه لايحبّ ان تكون الّا علي ما هي عليه من خيرِها و شرِّها كما كرّرنا مراراً للتفهيم فلاينفكّ شي‌ء عن محبّة اللّه و الّا لم‌يوجَد و علي هذا جري الصنع و ذلك محبّة اللّه الّتي لايخالفها شي‌ء و هي ولايتهم (ع‌) الّتي تمّوا و كملوا بها و بها كمل من سواهم و هو قوله تعالي اليَوم اَكْملت لَكُم دِينكم و اتممتُ عليكم نعمتي وَ رَضِيتُ لَكُم الأسْلامَ ديناً فهذا التمام للنّعمة و الكمال للدّين فرعُ تماميّتهم في المحبّة الّتي هي اعظم النعم و فرع كماليّتهم في الدّين الّتي هي اجل الفضل و الأمام (ع‌) قد بيّن قوله تعالي و ان من شي‌ءٍ الّا يسبّح بحمدِه۪ بقوله لايخالف شي‌ء منها محبّتك و ملازمة الأشياۤء لمحبّة اللّه فرع بل اتيناهم بذكرهم لأنّهم كلّ حال طلبوه اتاهم به كما هم فلايخالفونه و ذلك اصل محبّته سبحانه و لو انّه سبحانه حين نهاهم عن الكفر “٢” و لم‌يحبّه “٢-” و لم‌يرضه لهم لم‌يرض لهم ان يجروا علي اختيارهم لَاَجْبرهم علي طاعته فكانوا بطاعته مسيئيۤن و لو انّه حين رضي لهم ان يجروا علي اختيارهم رضي منهم الكفر لكانوا بكفرهم مؤمنين و بأساۤءتهم محسنين و لو انه سبحانه حين رضي لهم ان يجروا علي اختيارهم و ان يجريَ لهم القدر علي حكم اعمالهم المقدّرة بقدرِه۪ جلّ وَ عَلا و جَعَلهم بكفرهم كافرين و تمنّوا ببعدهم ان يكونوا مقرّبين جعلهم ببعدهم مقرّبين و بكفرهم مؤمنين لفسدتِ السموات و الأرض و مَن فيهنَّ اي لفسدتِ المقبولات حيث لم‌تُقْبَل كما تُقْبَل و انما قُبِلَتْ كما لم‌تُقْبَل و بَطَلَتِ القابلات حيثُ لم‌تَقْبَل ما قَبِلَتْ حين قَبِلَتْ و قَبِلَتْ ما لم‌تَقْبَل حين لم‌تَقْبَل بجهةٍ واحدة و هلك مَن فيهنّ من ذواتهم و اكوانهم علي ما هم عليه بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون اي يحبّون ان يتّبع الحقّ اهواۤءهم من حيث هي خلاف الحق و الحق لايكون من حيث هو حق باطلاً ابداً و لايكون الّا حقاً و الّا لم‌يكن شيئاً و بطلَ النظام سبحان اللّه عما يصفون يعني انزّهه و اقدّسه عن وصفهم بأنْ يكون الحقّ من حيث هو حقّ باطِلاً و الباطل من حيث هو باطِل حقّاً و قالوا هذه صفة ربّنا و وصف نفسه لنا بذلك و اللّه سبحانه ماوصف نفسه بذلك و انّما هذا وصفهم فهم يصفون اللّه بوصفهم اي بما يفترون علي اللّهِ من الكذب و يخلقون من الأفكِ و لايخرج آل‌محمّد صلّي اللّه عليه و آله من شي‌ءٍ من الحقّ الذي هو محبّة اللّه الي شي‌ءٍ من الباطل الذي لايحبّه ابداً و لايصفون اللّه الّا بما وصف به نفسه من الحقّ لكمال تماميّتهم في محبّة اللّه و امّا اعداۤؤهم فلمّا كانوا في الجملة علي الضّد منهم (ع‌) كانوا يفترون علي اللّه الكذب و كفي به اثماً مُبيْناً و يصفون اللّه به لأنّهم يقولون هذا من عند اللّه فانزل اللّه سبحان اللّه عمّا يصفون الّا عباد اللّهِ المخلَصين المخلِصين التّاۤمّين ( اي التامين خ‌ل ) في محبّة اللّه .
و الثاني انّ التّامّين في محبّةِ اللّهِ كما جبِلوا علي حبِّ اللّهِ جُبِلَ الخلقُ علي حُبِّهم فلايكون احد من الخلق الّا و هو يحبّهم من محبّيهم و مبغضيهم اَمّا المحبّون فظاهر و اَمّا المبغضون لهم فانّهم لايجدون فيهم صفةً يكرهونها و لا عيباً تنفر منه طباۤئعهم و لا ذنباً ينكِرونه و لايرون شيئاً منهم و لا حالاً الّا و قلوبهم تميل اليه انما هم و صفاتهم و احوالهم علماۤء حكماۤء فقهاۤء اتقياۤء كُرَماۤء ابرار مقرّبون زهّاد عبّاد شجعان رُحَماۤء اعزّاۤء للّه علي الكافرين اذلّة علي المؤمنين و الحاصل كلّ صفة جميلة تحبّها النفوس او العقول فهي فيهم بجميع مراتبها تاۤمّة كاملة لاتوجد في غيرهم فلاينظر احد من الخلق الي حالٍ من احوالهم او عملٍ من اعمالهم او قولٍ من اقوالهم او صفة من صفاتهم الّا و يري محبوباً يقتضي ان يحسده عليه المنافسون ( المتنافسون خ‌ل ) فيتكلّف اعداۤؤهم عداوتهم علي كلّ محبوبٍ و مرغوبٍ و مطلوبٍ بلا موجبٍ الّا الحسد علي الفضاۤئل و المعالي حيث لاينالوا شيئاً منها فحسدوهم و بغضوهم بما يحبّون منهم لأنهم لايقدرون علي حبّهم مع ما يرون فيهم ممّا يحبّون و لهذا قال الصادق (ع‌) ما معناه واللّهِ انّهم لايقدرون علي ان يحبّونا و لو قدروا لأحبّونا و لكنّهم لايقدرون ، و ايضاً هم تاۤمّون في محبّة اللّهِ اي لايعملون الّا بمحبّةِ اللّهِ و في محبّةِ اللّهِ فهم يتقلّبون في ذواتهم و اكوانهم و اعمالهم و اقوالهم و احوالهم و ما اضمروا و اظهروا و في اوامرهم و نواهيهم و دعاۤئهم في محبّةِ اللّهِ لايخرجون عنها ابداً و هو كمال الأخلاص في العبوديّة و العبادة و ذلك قوله تعالي و ماامروا الّا ليعبدوا اللّه مُخْلِص۪ينَ لَهُ الدّيْنَ حُنَفاۤء وَ يُقِيْمُوا الصَّلَوةَ وَ يُؤتُوا الزَّكوةَ و ذَلِكَ دِيْنُ القَيِّمَةِ و هو دينهم و هو ولايتهم و هو محبّتهم و هو الأيمان و هو الأسلام عند اللّه و هو ما ذكرنا من التمام و الكمال في محبّةِ اللّهِ تعالي و قول الشارح (ره‌) في مراتبها الثلاث يراد به انّ محبّة الذات ليستْ راجعة الي الذات البحت لان الذات البحت لايمكن الوصول اليها بجهة من الجهات الا من نحو ما وصف به نفسه و امر به من تكليفه ففي الحقيقة محبة الذات راجعة الي الصفات و لاينافي هذا انّه انّما قيل انّ كلّ محبة انّما ترجع الي النفس و اما محبة اللّه فاختلف فيها العلماۤء فمن قال انها تكون محضةً للّهِ و لاترجع الي النفس لأنّ النفس بل جميع الصفات لاتُلحَظ في هذه المحبّة و انما تلحظ الذات البحت لأنّ المحبّ الذي هو الحقيقة المجردة عن جميع السُّبُحات حتي عن التجريد لم‌تجد ( لم‌يجد خ‌ل ) ح نفسه لترجع المحبّة اليها و لاتدرك الذّات لترجع المحبّة اليها و انما المشار اليه هو ظهوره تعالي و تكون المحبّة للصّفةِ لأنّ هذه الصفة لاتظهر مع وجود شي‌ء و اِنْ كانَتْ اِذَا توجّه الدّاعي و العارف الي الذّات تَغيبُ عن وجدانِه۪ و تفني في الذّات كما انّا نحكم بخلوص المحبّة للصّفات و الأفعال فلاترجع الي النفس لعدم وجودها في النظر ح و ذلك لأنّ هذه المحبّة اذا نشأتْ عن مشاهدة هذه الصّفات و الأفعال لاتكون لملاحظةِ النفس لترجع المحبّة اليها لأنها مع الملاحظة لايظهر جمال تلك الصفات و الأفعال لذاتها و انما يظهر للتعلّق بالملاحِظ بكسر الحاء فافهم .
و قول الشارح (ره‌) و المراد من المحبّة العشق و انكار العشق بالنسبة الي اللّهِ تعالي لعدم فهم معناه و عدم القابليّة فيه شي‌ء صوفيّ و الكلام فيه هو انّ الحبّ ميل النفس الي المحبوب فأِنْ اَفْرطَ سمّي عشقاً قال جالينوس العشق من فعل النفس و هي كامنة في الدّماغ و القلب و الكبد و في الدّماغ ثلاث مساكن التخيل ( التخييل خ‌ل ) في مقدّمِهِ و الفكرُ في وسطِه۪ و الذِّكرُ في اۤخره فلايكون احدٌ عاشقاً حتّي اذا فارق معشوقه لم‌يخلُ من تخيّلِه۪ و فكرِه۪ و ذكرِه۪ فَيَمْتَنِعُ من الطعام و الشراب باشتغال قلبه و كبده و من النّوم باشتغال الدّماغ بالتخيّل و الذّكر و الفكر للمعشوق فتكون جميع مساكن النفس قد اشتغلَتْ به و متي لم‌يكن كذلك لم‌يكن عاشقاً فان اُلْهِيَ العاشق خَلَتْ هذه المساكن و رجع الأعتدال ه‍ .
اقول اذا عرفت معني العشق و معني الحبّ فعلي ما ذكره الغزالي و هو انّ الحبّ ميل النفس و انّ العشق هو الأفراط في الميل يمكن توجيه كلام الشارح فانّه بعد مَحْو الميل و الأفراط و يحصل فناۤء المائِل في ذاته في المحبوب مع محوِ المحبّة فانّها حجاب كما قال جعفر بن محمّد (ع‌) المحبّة حجاب بين المحبّ و المحبوب قد يُقَال له عشق كما يقال له حبّ و لكن فيه شيئان :
الأوّل انه لم‌يرد من طُرقنا استعمال العشق في جانب الحقّ تعالي و انما ورد من طرقِ اهل التصوّف و هو عندنا باطل لاتجوز نسبته الي اللّهِ تعالي و ما وُجِدَ في كتب بعض الشيعة من ذلك فانّه من طرق اهل الخلاف يرويه مِنّا مَن له ميل اليهم ليضلّ عن سبيل اللّهِ و اللّه سبحانه يقول فذرهم و ما يفترون ،
الثاني انّ كلّ معني له معني آخر يصلح استعماله للقديم اذا ورد به النصّ جاز اطلاقه علي اللّهِ لأنّه في العقل يجوز اطلاقه عليه فاذا ورد به السمع قبله العقل بلا تكلّفٍ كاليد فانّ لها معني يصلح اطلاقه علي اللّهِ و هو القوّة و القدرة فاذا ورد قَبِله العقل بلا تأويلٍ و لا تكلّف لانّه يجوّزه و ما لا معني له صالح للأطلاق علي اللّه كالرِّجْل فان معناها آلة السعي او لحمل صاحبها و لايجوز شي‌ء منهما علي اللّهِ فلهذا لم‌يرد من طرقنا وصفه تعالي بذلك و لمّا وردَ من طرقِ المخالفين لم‌نقبله لأنّه لايجوز الّا بالتّأويل كما فسّر ذلك بعضهم حيث قال المراد بالقدَم قدم يليق بالقديم و قال اهل التصوّف هو ظهوره تعالي في عالم الأجسام و كلّ هذا باطل و كما فسّر الغزالي العشق بما يناسب الحبّ و انه اقوي و لا عيب في كون الحبّ قويّاً و هذا طريقتهم في تشييد طريقتهم و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالٰاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون ، و بيان هذا انّ العشق انّما يتحقق كما ذكره جالينوس انّه من فعل النفس و الفعل من السُّبُحات التي اُمرنا بكشفها و انّه لايتحقق الّا بدوام ذكر المعشوق و الفكر في ترتيب جهات التعلّق و كيفيّات الأتصال بعد التخيّل لصورته فبدون التخيّل لايتذكّر و لايفكّر ( و لايتفكر خ‌ل ) في جهاتِ التعلّق و كيفيات الاتصال و لا بدّ من تعدّدِ الدَّواعي و اختلاف الجهات و لايجوز شي‌ء من ذلك بالنّسبةِ اِلَيْهِ تعالي و لقد ردّ عليهم الزّمخشريّ بما هو حقّ في حقّهم بانّهم يتصوّرون صورة معشوقة بلحاظ النّكاح حتي انّ احدهم ليُمْن۪ي هذا معني كلامِه۪ و مأخذه واضح لأنّهم يتخيلون صورة مستحسنة و وقوع المني من بعضِهم لاينكر و ليس ذلك الّا لِما قال الزمخشري لأنّ الشّخص لو يتصوّر شيئاً حسناً ليس بلحاظ النكاح و لو كان اجمل ما في الأمكان لم‌يحصل منه منيّ و لا مذي كما لو تصوّر جوهرة لايكون لها اخت او كوكباً انور من الشمس الف‌الف مرّةٍ لايحصل له تلك الحالة و ليس ذلك الّا لأنه تعشّق نفساني حيواني منشاؤه الشهوة الحيوانية فقول الشارح انّ انكاره لعدم فهم معناه الخ ناشٍ من عدم فهم معني العشق و انما ذلك الذي يشير اليه علي تقدير صحة مرادهم هو الحبّ لا العشق لأن العشق ليس موضوعاً لغير الأحوال النفسانيّة الحيوانيّة فافهم .
قال عليه السلام : و المخلصين في توحيدِ اللّهِ
قال الشارح (ره‌) فانّ اقصي مراتب المحبّة ينجرّ الي اَلّايرَي العارف الّا اللّه فانّه لايرَي شيئاً الّا و يري اللّه بعده في الابتداء ثم معه ثم قبله ثم لايري الّا اللّه و يري صفاته عين ذاته بل يري جميع الذّوات و الصّفات و الأفعال متلاشيةً و فانيةً في ذاته و صفاته و افعاله بل لايري فناۤءَه ايضاً كما قال :
ماوحّدَ الواحِدَ من واحِد       ** * **      بل كلّ مَن وحّدَه جاحِد
و كُتبُ العارفين مشحونة من بيان هذه المراتب و الحقّ انّه لايمكن بيانُه و مَن لم‌يَذُق لم‌يَدْرِ ه‍ .
اقول المخلصين بكسر اللام و فتحها للمعلوم و المجهول و المخلِص للمعلوم الذي لم‌يشرك في توحيدِ اللّهِ اي لم‌ير الّا واحداً و للمجهول انّ اللّه سبحانه اختصّه لذلك و جعله محلّاً لتوحيده اي يعرف بسبيله التوحيد و قوله اِلّا و يري اللّه بعده في الأبتداۤء الخ ، ان اراد به في ابتداۤءِ السلوك كانَ حسناً و ان اراد به في كلّ احوال توجّه العارف فليس بشي‌ءٍ لأنّ العارف لاينظر الي الٰاثار ليترقّي منها الي المؤثّرات و انما ينظر الي المؤثرات في الٰاثار كما قال سيّد الوصيين (ع‌) مارأيتُ شيئاً الا و رأيتُ اللّه قبله او معه علي احد النّقلَين و ليس المعني انّه يري اللّهَ اوّلاً و يري الشي‌ء بعده او معه لأنّه لو كانَ كذلك لزم حصول الغفلة بعد كلّ ذكرٍ و يقظةٍ و انما المعني ما ذكرنا من انّه يري الظاهر بالاشياۤء لها فهو قبلها و هو معها و لاينافي هذا ما في الدّعاۤء يا من هو قبل كلّ شي‌ءٍ يا مَن هو بعد كلّ شي‌ءٍ ، لأنّ الأولي من مراتب المعرفة و الثانية من مراتب المجهوليّة قوله و يري صفاته عين ذاته ان اريد به ما في الحديث و كمال توحيده نفي الصّفات عنه يعني كمال توحيده ان يعرف ذاتاً بسيطة لا كثرة فيها لا في الأعتبار و لا في الأمكان و الفرض لأنّه هو و ليس له علم و لا قدرة و لا سمع و لا بصر و لا حيوة غير ذاته بدون مغايرة حتي في الفرض لأنّه لايصحّ الّا في ممكن فليس الّا ذات بسيط ( بسيطة خ‌ل ) بحت بكل اعتبارٍ و فرضٍ و امّا اعتبار الصّفات فانّه في الأمكان كما اذا اتاك رجل فانه انسان حقيقة فلمّا كتب علمنا بما احدث انّه كاتب فوصفناه بكاتب و لمّا خاط قباۤءً علمنا بما صنع انّه خيّاط فوصفناه بخيّاط و هكذا و ليس ما وصفناه به جزءاً من ذاته بل اذا تحقَّقْتَ ذاته وجدتها بسيطة و لكنّك تعلم انّ هذه التأثيرات لو كانت ذاته ناقصة لما صدرتْ عنها بهذه الأفعال آثار كمالاتٍ فصدور هذه الٰاثار المتعدّدة المتغائرة يدلّ علي انّ ذاته ليست بناقصةٍ لا انّ ذاته متكثّرة اَلَاتري انّك تقول هو الكاتب هو الخيّاط هو النّجار فهو تعني به ذاتاً بسيطةً و تلك بعينها هي التي حدثتْ عنها الكتابة و هي بعينها هي التي حدثت عنها الخياطة فتعدّد الصّفات انّما هو في الامكان فهذا بعينه هو ما نعنيه من نفي الصّفات انه لا تعدّد فيه فَنَصِفُهُ بالعلم باعتبار احاطته بالمعلوم ( بالعلوم خ‌ل ) و عطاۤئه العلم و نَصِفُهُ بالقدرةِ لصنعة كلّ ما يريد بلا تفريق بين المصنوعات ،
و ان اريد به ما يعنونه اهلُ التّصوف من انّ صفات الذّات و صفات الأفعال و الأفعال و المفعولات و صفاتها كلّها عين ذاته اذ ليس غيره فالمخلوقات بأسرها اذا ازلتَ عنها الحدود و المشخّصات هي عين ذاته تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيراً و امثالهم و عباراتهم و اشعارهم مشحونة بذلك قول شاعرهم :
انا ذلك القدّوس في       ** * **      قدس العماۤء محجّب
انا قُطب داۤئرة الرحا       ** * **      و انا العُلي المستوعبُ
انا ذلك الفرد الذي       ** * **      فيه الكمال الأعجبُ
الي ان قال :
اللّه ربّي خالقٌ       ** * **      و بَر۪يق خلقي خُلّبُ
الي ان قال :
انا غافرٌ و المذنبُ
و قال آخر :
و ما الناس في التمثال الّا كثلجةٍ       ** * **      و انت لها الماۤء الذي هو نابِع
و لكن بذَوبِ الثلج يُرفع حكمه       ** * **      و يوضع حكم الماۤء و الأمر واقِع
و مثله ما ذكره ابن‌الأعرابيّ في فصوصه قال :
فلولاه و لولانا       ** * **      لماكان الذي كانا
فاِنّا اعبُدٌ حقاً       ** * **      و اِنّا اللّهُ مولانا
و اِنّا عينُه فاعلم       ** * **      اذا ما قيل انسانا
فلاتُحجَبْ بانسانٍ       ** * **      فقد اعطاك برهانا
فكن حقّاً و كن خلقاً       ** * **      تكن باللّهِ رحمانا
و غذِّ خلقه منه       ** * **      تكن روحاً و ريحانا
فاعطيناه ما يبدو       ** * **      به فينا و اعطانا
فصار الأمر مقسوماً       ** * **      بايّاه و ايّانا
الي آخره ممّا يذهبون اليه من وحدةِ الوجود فهو باطِلٌ بل هو كفرٌ باللّهِ ، و امّا كلام الشارح فهو محتمل و ان كان قوله و كتب العارفين مشحونة من بيان هذه المراتب يشعر بالأحتمال الثاني لأنّه عفي اللّه عنه له ميل الي القوم كما هو شأن العلماۤء الذين اغتروا بغرور اهل الألحاد و استشهاده بقول الشاعر : ما وحّد الواحد الخ ، يشير به الي اَنّ مَن وحّد اللّه في حالٍ يجد فيها نفسه او توحيده فانّ تلك كثرة و اثبات ذلك في الوحدة و جعله وحدة جحود للوحدة لأنّك لو اثبتَّ وحدة اثنين من حيث التعدّد بزعمك انّهما من هذه الحيثية وحدةٌ لكنتَ جاحداً للوحدةِ الحقيقيّةِ لأنّها بهذا الأعتبار و من هذه الحيثيّة كثرة بخلاف الوحدة لا باعتبارٍ و لا حيث و كيف و لِم فاذا عرفتَ الوحدة بالكثرة جحدتَ الوحدة و قال (ره‌) و الحقّ انّه لايمكن بيانه و مَن لم‌يذق لم‌يدرِ اقول الحقّ انّه يمكن بيانه و مَن لم‌يذق لم‌يدر كيف لا و قد بيّنه عليّ (ع‌) لكميل ستّ مرّاتٍ و قد كشفتُ ذلك في شرح هذا الحديث الشريف و قد نصّ علي البيان في قوله (ع‌) مَن عرفَ نفسه فقد عرف ربّه و هو ان تجرّدها في الملاحظة و الوجدان عن جميع سبحاتها و نسبها و عن كلّ شي‌ء حتي عن التجريد فانك ح تعرف المراد و يتبيّن لك ذلك بنورِ اللّهِ الذي هو الفؤاد بعد التجريد و محو كلّ موهوم من اشارة و تقييد و هو سرّ السين في قوله تعالي سنريهم آياتنا في الأفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انّه الحق فقد وعد اللّه سبحانه عباده العارفين انه سيريهم ( سنريهم خ‌ل ) الٰاية و هو النقش الفهواني التعريفي الذي هو الوصف و التعريف و التعرّف من اللّه سبحانه لعبده و هو حقيقته من ربّه و هو نور اللّه الذي يري به المتوّسم المتفرّس و هو الفؤاد و هو الصحو و هو الأحديّة و هو المعلوم و هو الجلال و هو اوّل فاۤئض عن المشيّة ممّا يختصّ به و هو الوجود الراجح فيما لك من الوجود الراجح المطلق و ما اشبه ذلك فكلّ عبارة من هذه تدلّك علي مطلوبك لأنّها كلّها بمعني واحد فكيف لايمكن بيانه و اللّه سبحانه يقول سنريهم آياتنا في الأفاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحقّ فانت تفهّم قوله تعالي حتي يتبيّن لهم انّه الحقّ و بيانه علي سبيل الأختصار و الأشارة انك تمحو في وجدانك عن حقيقتك التي هي ذاتك و نفسك الحيث و الكيف و اللِّم و المتي و الأين و في و مِن و علي و مع و لو و ما اشبه ذلك فانها خارجة عن ذلك مثلاً كونك في شي‌ء ليس هو ذاتك و لا جزءاً منها و كونك علي شي‌ءٍ وَ داخلاً في شي‌ءٍ او خارجاً من شي‌ءٍ او مع شي‌ءٍ او مشابهاً لشي‌ءٍ او يشابهك شي‌ء او باۤئناً عن شي‌ءٍ او ملاصقاً لشي‌ءٍ او كونك محدوداً او محصوراً او موضوعاً علي شي‌ءٍ او خارجاً من شي‌ء او خارجاً منك شي‌ء او قريباً او بعيداً او ظاهراً او باطناً او معلوماً او مجهولاً او متحركاً او ساكناً او ناطقاً او صامتاً او لابثاً او منتقلاً او متغيراً او متبدلاً و ما اشبه ذلك من صفات الخلق فكلّ هذه و ما اشبهها اذا نظرتها وجدتها غيرك حتي خطابك و غيبتك و تكلّمك فاذا انت شي‌ء بسيط مغاۤئر لكلّ ما سواك فليس كمثلك شي‌ءٌ بعد محو هذه السبحات و ما اشبهها فاذا عرفت نفسك هكذا بقي عندك ظهور اللّه لك بك فاذا نظرتَ ظهور اللّه بدون لك و بك عرفتَ صفة اللّه و اذا ( فاذا خ‌ل ) عرفت صفة اللّه عرفتَ اللّه لأنّ الشي‌ء لايعرف بذاته و انما يعرف بصفته فبهذه الجملة يظهر لك بيانه ،
فقوله (ع‌) و المخلصين في توحيد اللّهِ يحتمل وجوهاً :
الأوّل انهم (ع‌) مخلصون في توحيد اللّه في وجدانهم و معرفتهم فانهم لايجدون الّا اللّه سبحانه فانّ الذات اذا ظهرتْ غيبت الصّفات و الٰاثار بظهورها لأنّ الصّفات و الٰاثار سبحات ظهورها و ذلك الظهور هو الماحي لحجب الظهور فلو وجدت السبحات لم‌تظهر الذات لأنّها انما تظهر بمحو الحجب التي هي السبحات و له تأويل قوله تعالي فلمّا تجلي ربّه للجبل جعله دكّاً لانّ ظهور النور محو الظلمات و قد اشار اميرالمؤمنين (ع‌) الي ذلك لكميل حيث قال جذبُ الأحديّة لصفة التوحيد و ذلك لأنّ السبحات وجودها بصدورها فاذا جُذِبَتْ انقطع الصدور فانمحت فأن قرأتَ المخلَصين بفتح اللّام كان المعني انه جلّ و علا لذلك خلقهم فهم الماحون و هم بامره يعملون و بكسر اللام يكون المعني انّ غاية التجريد و التفريد الذي ليس وراءها ( ورائه خ‌ل ) مقام في الامكان هو ما جرّدوا و افردوا و الأخلاص هو هذا كما قال علي بن موسي الرضا (ع‌) في خطبته بمحضر المأمون و لا معرفة الّا بالأخلاص و لا اخلاص مع التشبيه .
الثاني انهم (ع‌) وصفوا اللّه بما يليق بعزّ جلاله و كلّ وصفٍ لم‌يكن بما وصفوا فهو باطل لايليق بجلال اللّه و قُدْسِه۪ كما قال تعالي سبحان اللّه عمّا يصفون الّا عباد اللّه المخلَصين فانّ وصفهم يليق بقدسِه۪ و قال اميرالمؤمنين (ع‌) نحن الأعراف الذين لايعرف اللّه الّا بسبيل معرفتنا اي بما وصفنا من التعريف فدلّ الكتاب و السّنّة انّ معرفة اللّه لاتحصل ( لايحصل خ‌ل ) لأحدٍ الّا بدلالة اهل الحق عليه و ماجعل جلّ و علا له باباً من المضلّين كما قال و ماكنت متخِذ المضلّين عَضُداً هذا و قد جعل الهادين (ع‌) اركاناً لتوحيده و العلّة في ذلك انّ اللّه خلق الخلق كما هم اثر فعله فحقاۤئقهم صفات افعاله و آثاره و الأثر يشابه صفة مؤثره التي عنها صدر وجوده و لم‌يكن احد من الخلق اعدل مزاجاً منهم فلايحكي احد الصفة كما هي الّا هم لاعتدال قابليّتهم بخلاف من سواهم فانهم لايخلون من الأعوجاج الكلّيّ او الجزئي فهم المخلصون في توحيد اللّه .
الثالث انّ مراتب التوحيد اربعةٌ توحيد الذات و توحيد الصفات و توحيد الافعال و توحيد العبادة فتوحيد الذّات ما امر اللّه تعالي و قال اللّه لاتتّخذوا الٰهَين اثنين انما هو الٰه واحد فتوحيدهم لذلك نهاية التجريد و التفريد كما تقدم بنفي جميع الصّفات و الأفعال و الٰاثار و توحيد الصّفات ما قال اللّه تعالي ليس كمثله شي‌ء فيه معنيان : احدهما انّ صفاته ظهرتْ حتي غيّبَتْ جميع الخلق و صفاتهم و احوالهم بل ليس فيما دون عزّ جلاله الّا صفته و في المصباح للشيخ في دعاۤء ليلة الخميس انت الذي بكلمتك خلقتَ جميع خلقك فكلّ مشيّتك اَتتْك بلا لغوبٍ اثْبَتَّ مشيّتك و لم‌تأنّ فيها لمؤنةٍ و لم‌تَنْصَب فيها لمشقّةٍ و كانَ عرشك علي الماۤء و الظلمة علي الهواۤء و الملائكة يحملون عرشك عرش النّور و الكرامةِ و يسبّحون بحمدك و الخلق مطيع لك خاشع من خوفك لايُري فيه نور الّا نورك و لايُسْمَعُ فيه صوت الّا صوتك حقيق بما لايحقّ الّا لك فقوله لايُري فيه نور الا نورك توحيدُ الصفات و ثانيهما انّ كلّ ما في الكون صفاته من الذّوات و الصّفات الجواهر و الأعراض لأنها آثارُه و الٰاثار صفات فمعني توحيد الصفات انه ليس الا صفاته و آثاره و الٰاثار صفاته كما قال (ع‌) لايُري فيه نور الّا نورك لأنّ الأشياۤء آثاره و صفاتُ افعاله و افعاله صفاته و صفات الصّفات صفات فكما انك اذا نظرتَ الي الشمس لاتجد الّا الشمس و اشعّتها و هي آثارُها و صفاتها فكذلك في التمثيل آثار اللّه و توحيد الافعال كقوله تعالي اروني ماذا خلقوا من الأرض ام لهم شرك في السموات فليس له شريك في فعله و كلّ ما تري من افعال خلقه فهي افعاله بهم كما قال علي (ع‌) و القي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله و قال تعالي و مارميتَ اذ رميت و لكن اللّهَ رمي و قال تعالي و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال ، و قوله (ع‌) في الدعاۤء المتقدّم لايسمع فيه صوت الّا صوتك و توحيد العبادة قال تعالي فمن كان يرجو لقاۤء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربّه احدا ، و العبادة فعل ما يرضي و الشرك في العبادة ان يريد فيها مع اللّه تعالي غيره و له دبيب في هذه الأمّة اخفي من دبيب النملة في اللّيلة الظلماۤء قال تعالي و مايؤمن اكثرهم باللّه الا و هم مشركون و العبادة خاصّةٌ و عامّةٌ امّا العبادة الخاۤصّة الّتي وظّفها الشارع (ع‌) و حدّدها و ضبط حدودها كالصلوة و ساۤئر العبادات الشرعيّة فالشرك فيها علي اقسام شركٌ في الباعث علي ايقاعها كالرياۤء و له رتبتان شرك و كفر فالشرك بان تصلي للّه و يشرك في ذلك الباعث عليها مُراءاة زيدٍ و الكفر بان يكون الباعث عليها مُراءاة زيدٍ و لولا ذلك لم‌يصلّ فان كان يعتقد عدم تحريم هاتين الحالتين كَفَرَ و استُحِلّ دمه اذا علم ذلك منه باخباره مختاراً عالماً بقوله بحيث لايحتمل غير ذلك و ان لم‌يعتقد ذلك فالشرك الذي يلزم منه الكفر يعيد صلوته و يُستَتَاب و يعزّر ثلاثاً و يقتل في الرابعة احتياطاً و الشرك الممتزج فان كان في اصل النيّة لكلّ الفعل فكذلك و الّا فان كان في واجبٍ سواۤء ركناً او فعلاً او غيرهما من الواجبات من المتفق عليها بين المسلمين فكذلك و الّا ففي الواجب تبطل و في المندوب خلاف و الأصح البطلان و امّا العاۤمّة فما يقع في الأعمال و الأحوال و الأقوال منها فشرك خفي و في الحديث قال (ص‌) الشرك اخفي في امّتي من دبيب النمل و في الحديث مَن حلف بغير اللّه فقد اشرك قيل يعني كفر حيث جعل ما لايحلف به محلوفاً به كاسم اللّه تعالي ه‍ ، و في تفسير قوله تعالي و مايؤمن اكثرهم باللّه الّا و هم مشركون في الكافي و القمي عن الباقر و الصادق عليهما السلام شرك طاعةٍ و ليس شرك عبادة و زاد القمي و المعاصي الّتي يرتكبون فهي شرك طاعةٍ اطاعوا فيها الشيطان فاشركوا باللّهِ في الطاعة لغيره و ليس باشراك عبادة ان يعبدوا غير اللّه و في الكافي عن الصادق (ع‌) في هذه الٰاية يطيع الشيطان من حيث لايعلم فيشرك و عن الباقر (ع‌) من ذلك قول الرجل لا و حيوتك و عن الرضا (ع‌) شرك لايبلغ به الكفر و عنهما عليهما السلام شرك النعم و في تفسير العيّاشي عنه (ع‌) هو الرجل يقول لولا فلان لهلكتُ و لولا فلان لأصبتُ كذا و كذا و لولا فلان لضاع عيالي الا انه قد جعل للّه شريكاً في ملكه يرزقه و يدفع عنه قيل فيقول لولا انّ اللّه منّ عليّ بفلانٍ لهلكتُ قال نعم لا بأس بهذا و في التوحيد عنه (ع‌) هم الذين يلحدون في اسماۤئه بغير علم فيضعونها في غير مواضعها ، فشرك الطاعة لم‌يكفر فاعله لزعمه انه لاينافي التوحيد و هو كذلك في الظاهر و قول الرجل لا و حيوتك شرك لزعمِه انّ له حيوةً غير مفتقرةٍ يستند اليها في الوجود للقسم و الشرك الذي لايبلغ بصاحبه الكفر لأنّه لاينافي ظاهر التوحيد لانّه شرك طاعة كما مر لأنّه قد يعمل بمقتضي شهوة نفسه و ميلها الي اغراضها فيفعل خلاف ما يريد اللّه و هو لايعلم اي لايلتفت الي مراد اللّه لغلبة هواه فيشرك كما قال الصادق (ع‌) يطيع الشيطان من حيث لايعلم فيشرك و قول الرجل لولا فلان لهلكتُ اذا نسب الدفع و النفع مع عدم التفاتِه۪ الي انه من الاسباب الّتي يسبّبها اللّه فقد اشرك بخلاف ما لو قال لولا انّ اللّه منَّ عليّ به فانّه ح لاحظ الي انّ اللّه تعالي ولي النفع و الدفع و امّا ذِكْره فلاناً فلانّه لاحظ الي ان اللّه جعله سبباً لذلك و لا بأس به و امّا تفسير الشرك في الٰاية بالالحاد في اسماۤئه فهو تفسير بالباطن و شرح بيانه كما ينبغي مايحتمله الوقت و لا بأس بالتنبيه عليه يريد عليه السلام بالذين لايؤمن اكثرهم باللّهِ الّا و هم مشركون غير شيعتهم فانّ اكثرهم و هم الذين شاۤقوا الرسول من بعد ما تبيّن لهم الهدي مشركون بالشرك الذي لايغفره اللّه و معني الحادهم انّهم جعلوا ائمّتهم اولي بالأمر من ائمة الهدي الذين هم اسماۤء اللّه كما قال الصادق (ع‌) في قوله تعالي و للّه الأسماۤء الحسني فادعوه بها قال نحن الأسماۤء الحسني الحديث ، فأولۤئك يجعلون ائمّتهم اولي من ائمّة الهُدي و يسمّونهم باسماۤئهم و يلقّبونهم باَلْقابِهم و امّا مَن لم‌يتبيّن له الهدي منهم فليس بمشركٍ بل هو مسلم ضاۤلّ و حسابه علي اللّه و المراد بتبيّن الهدي معرفة الحقّ عن الدّليل بذوقِه۪ فهذه المراتب الأربع هي مراتب التوحيد و الاتّصاف بها دفعةً هو الأحديّة و احدُها واحديّة و الاحدية لا اعتبار للكثرة فيها اصلاً و الواحديّة فيها الكثرة الأعتبارية فهي منشأ الأسماۤء و الصفات ثم اعلم انّ لهذه المقامات مراتب لاتتناهي و اعلاها في التجريد و التفريد عن كلّ ما سوي الحقّ بحيث لايبلغها جميعُ الخلق توحيد اللّه ( توحيدهم خ‌ل ) في هذه المراتب الأربع فهم المخلصون في توحيدِ اللّهِ .
الرابع انّ كلّ شي‌ء اذا نسبَ توجّهه الي شي‌ءٍ و انصرافه اليه و حصره فيه و احاطته به و ميله اليه لايساوي توجهه الي نفسه و انصرافه اليها و حصره فيها و احاطته بها و ميله اليها فبهذا المعني و ما اشبهه يصدّقه اخلاصه في نفسِه۪ بمعني اتحاده بذاته لعدم المغاۤئرة الّا باللّفظ او الأعتبار فهم توحيد اللّه و اهل توحيد اللّه فقولك اهل تعني به المخلصين في الفقرة الشريفة و هذا هو المراد باعلي الوجوه من قول عليّ (ع‌) نحن الأعراف الذين لايُعْرف اللّه الا بسبيل معرفتنا يعني لايعرف اللّه الّا بنا يعني نحن معرفة اللّه و توحيده في كلّ ما يعتبر ( يعتبره خ‌ل ) معتبِر و يجرِّده مجرد لايظهر له الّا آية اللّه و هم (ع‌) ليس للّه آية اكبر منهم و لا ادلّ عليه منهم و الشي‌ء انما يعرف بٰاياتِه۪ و صفاته و قد قال علي (ع‌) انا الذي لايقع عليه اسم و لا صفة و هذا كمال التجريد و التفريد و به يعرف اللّه اي بهذا المثل الاعلي و الٰاية الكبري و المثل الذي ليس كمثله ( كمثل خ‌ل ) شي‌ء يعرف اللّه تعالي فهم توحيد اللّه في المقامات الّتي لا تعطيل لها في كلّ مكان و هم في الأبواب المخلصون في توحيدِ اللّهِ و هم في الخلق الدّاۤلّون علي اللّه و الدّعاة اليه فافهم راشداً .
قال عليه السلام : و المظهرِيْن لأمْرِ اللّهِ و نهْيه و عبادِه المكرمين
قال الشارح (ره‌) مشدّداً و مخفّفاً كما قال تعالي و لقد كرمنا بني آدم اي هذا النوع بوجود الأنبياۤء و الأوصياۤء . اقول من المراد بقوله المظهرين انهم تراجمة وحي اللّه و الهاماتِه۪ لمراداته فانّ الأمر و النهي من اللّه قد يردان من بعض اَلْسِنة الأقلام يسمعونه كصوتِ وقع السلسلة في الطست بل يردان في الخطابات الألهيّة بكلّ صوتٍ من اصواتِ الجمادات و النباتات و الحيوانات و كهفيف الرياح و اَزِيْزِ المياه و الامواج و بالجملة اَنّ اوامرَ اللّهِ و نواهيه يحدثها في جميع الألواح من الكلّيات و الجزئيّات بل كلّ ما يصدق عليه اسم الشي‌ء كتب عليه مَلئُوه من الأوامر و النواهي و كلّ هذه تخبرهم ( يخبرهم خ‌ل ) (ع‌) بما حُمِّلَت اليهم و لايكتمون اللّه حديثاً و الملاۤئكة من سائر الألواح فتأتيهم و تخبرهم بجميع ما اُمِرتْ به و بلغت من الأمور المدبّرة كما قال تعالي فالمدبّرات امراً فتوحي اليهم بالطنين في آذانهم و بالوقع في قلوبهم بل بجميع لغاتهم و هفيف اجنحتهم و في بصائرالدرجات باسناده عن ابي‌حمزة الثمالي قال كنتُ انا و المغيرة بن سعيد جالسَيْن في المسجد فاتانا الحكم بن عتيبة فقال لقد سمعت من ابي‌جعفر (ع‌) حديثاً ماسمعه احد قط فسئلناه فأبي ان يخبرنا به فدَخَلْنا عليه (ع‌) فقلنا اِنّ الحكمَ بنَ عتيبة اخبرنا انه سمع منك ما لم‌يسمعه منك احد قط فابي ان يخبرنا به فقال نعم وجدنا علم عليّ (ع‌) في آية من كتاب اللّه و ماارسلنا من قبلك من رسولٍ و لا نبيٍّ و لا محَدَّثٍ الّا اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فقلتُ و اي شي‌ءٍ المحدّث فقال يُنْكَتُ في اُذُنِه۪ فيسمع طنيناً كطنين الطست او يقرع علي قلبه فيسمع وقعاً كوقع السلسلة علي الطست فقلتُ انه نبيّ ثم قال لا مِثل الخِضر و مثل ذي‌القرنين قوله (ع‌) ينكت في اذنه يراد منه انّ الروح يحرّك ورقة الأمام (ع‌) بما يراد به من الوحي فيسمعه طنيناً كرِنّة الطست و هذا غالباً يكون من تحديث ملكٍ واحدٍ بلسانٍ واحدٍ و قوله او يقرع علي قلبه فيسمع وقعاً كوقع السلسلة علي الطست يراد منه ما كان من تحديث ملاۤئكةٍ متعدّدةٍ او من ملكٍ له السُن كثيرة يحدِّث الأمام (ع‌) بكلِّها و ذلك لأنّ وجوه جميع الأشياء يطوفون حول العرش فيزدحمون فيمس الملك جزءاً ( جزء خ‌ل ) من العرش عند الأستلام فتحصل هذه الأصوات عندهم (ع‌) بما انطقها اللّه سبحانه من وحيه اليهم سلام اللّه عليهم فيسمعون وقعه في قلوبهم كوقع السلسلة في الطست و تطوف تلك الملاۤئكة علي تلك الوجوه و تلك الوجوه علي سدرة المنتهي حيث اللّه سبحانه يقول اذ يغشي السدرة ما يغشي فاذا حرّكت منهم ورقةٌ او غصنٌ ورقةً من اوراقهم (ع‌) سمعوا طنيناً في آذانهم كصوت الطست اذا ضرب و ذلك الصوت هو ما انطقها اللّه عز و جل الذي انطق كلّ شي‌ء بما خلق فيها من وحيه اليهم (ع‌) من اوامره و نواهيه و يعلم ما في البرّ و البحر و ماتسقط من ورقة الّا يعلمها و لا حبّة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس الّا في كتابٍ مبين و في كتاب مختصربصاۤئر سعد الأشعري للحسن بن سليمان الحلي باسناده عن الرضا (ع‌) عن آبائه (ع‌) في حديث طويل قال قال اميرالمؤمنين (ع‌) في كلام له و ان شئتم اخبرتكم بما هو اعظم من ذلك قالوا فافعل قال كنتُ ذاتَ ليلةٍ تحت سقيفة مع رسول اللّه (ص‌) و اني لاحصي ستّاً و ستّين وطئَةً من الملاۤئكة كلّ وطئةٍ من الملاۤئكة اعرفهم بلغاتهم و صفاتهم و اسماۤئهم و وطئهم ، اقول اصحاب هذه الوطئة من الملاۤئكة يبلّغون رسول اللّه (ص‌) اوامر اللّه سبحانه و نواهيه مشافهة بالقول و العيان و هم ايضاً يبلّغون النبي (ص‌) ذلك في خياله و حسّه و ذلك كله في الحالين وحي اللّه سبحانه اليه علي اختلاف مراتب النبيّ (ص‌) و مراتب الوحي و يبلّغون عليّاً عليه السلام جميع ذلك بالنبيّ (ص‌) فيقع هذا الوحي عليه كما ذكرنا قبل هذا في مشاعرِه۪ طنيناً في اُذُنِه۪ و وقعاً في قلبه كما سمعتَ من معرفته بلغاتهم و صفاتهم و اسماۤئهم و وطئهم و هذا معني قولنا انها كلّها كتُبٌ مُلِئَت علماً للائمة (ع‌) يقرؤنها و يعملون بما فيها مما كتب اللّه من اوامره و نواهيه و هو تأويل قوله تعالي و اوحي ربك الي النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و مما يعرشون ثم كلي من كلّ الثمرات فاسلكي سُبُلَ ربك ذُللاً يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاۤء للناس فالنحل الأئمة عليهم السلام و امير النحل عليّ (ع‌) و الاتخاذ هو النظر لاستنباط الحكم و الجبال جمع جبل علي ظاهر التأويل و هي الاجسام و الاجساد او جمع جبلّة و هي الطبيعة علي ظاهر الظاهر من التأويل و هي الأشباح بيوتاً و هي افراد الموضوعات من جميع ذرّات الوجود و الشجر النفوس في تطوّراتها و مقارناتها في تعلّقاتها و ارتباطاتها و انظارها و ممّا يعرشون من اشباحها الظاهرة في الجبال و الباطنة في مقدّم الخيال و اكل الثمرات استخراج احكام تلك الموضوعات و سلوك السبل هدايته سبحانه لهم و تعليمهم ما لم‌يكونوا يعلمون بفضله عليهم صلي اللّه عليهم و تذلّلهم صدق عبوديّتهم في علمهم باللّه و بونهم ممّا سواه و دنوّهم منه بلا اشارةٍ و لا كيف و خروج الشراب من بطونها نطْقهم عمّا في قلوبهم من العلوم و كون تلك العلوم مختلفةً صفاتها انها يجمعها اسم العلم و لهذا افرد الشراب و لكن صفاته باعتبار مقامات التعلّقات من الموضوعات و من الأوقات و الأشخاص و جهات المصالح و احوال التكاليف مختلف الوانه اي صفاته فمنه اسرار مكتومة و انوار مخزونة و امور مجملة و مفصّلة و باطنة و ظاهرة وَ مُداراة و تقيّة و بنسبة حال المكلف و بنسبة حال بعض المكلّفين لكلّ المكلّفين و حكم علي النظاۤئر و علي المتعارف و علي جهة الأغلبيّة و علي انّ العلل اسباب في حالٍ و معرّفات في حال و علي حكم قواعد كليّة لغويّة و علي استثناۤء البعض و علي حكم قواعدَ كليّة عرفيّة و علي حكم قواعد كليّة شرعيّة و علي مقتضي الأسباب و الموانع و المقتضيات و علي حكم التذكر في التذكر و النسيان او في التذكر دون النسيان و علي معذوريّة المكلّف الجاهل و علي عدم معذوريّته و علي حكم الأستمرار او في الوقت او في العمر و امثال ذلك ممّا يطول ذكره من اختلاف الوان العلوم و كلّه في الحقيقة راجع الي اختلاف الموضوع لذاته اوْ من حيث اختلاف قيوده الّتي بني الحكم علي جهتها و امثال ذلك و منَ المراد بالمظهرين لامر اللّه و نهيه انّهم يبلّغون المكلفين اوامر اللّه و نواهيه لانهم قد اظهروا من كتم فعله سبحانه الي الخلاۤئق علي نحو ما ذكرنا قبل هذا في بيانِ يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه ، و منه ايضاً انهم المظهرون لأمر اللّه و نهيه انّهم يحكمون بحكم اللّه و يفعلون ما امرهم اللّه و لايخشون احداً الّا اللّه . فان قلتَ انهم كثيراً ما يتقون و يأمرون شيعتهم بذلك و قد قالوا (ع‌) مَن لا تقيَّة له لا ايمانَ له قلتُ انهم (ع‌) انما يتقون في المواضع التي اُمِروا فيها بالتقيّة فهم في تلك الحال يعملون بامره تعالي لا لأجل الأتقاۤء و انما امرهم اللّه بذلك ليحفظ بذلك انفسهم و لتتعلّم شيعتهم من فعلهم و لانّ حكم التقيّة احد احكامِ اللّه في المسئلة و انما يخالف حكم حال عدمها كما يخالف حال المريض المكلّف بالصلوة جالساً و كلاهما حكم اللّه اختلف ظهوره و تغائره ( و تغائر خ‌ل ) باختلاف الموضوع فكذلك حكم التقيّة و حكم عدمها و انّما هو حكم اللّه تعالي و هو نور واحد يتلوّن علي حسب قوابله و للّه في ذلك الأختلاف و ان كان باختلاف احوال المكلّفين حكمة بالغة يَخْتَبِر بها العباد ليميز المطيع لامره و المخالف لما اراد و عنده جلّ و علا مقامات و منازل من الثواب لاتنال الّا بذلك و مع ذلك فلاينافي كونهم المظهرين لامر اللّه لأنّ حكم التقيّة من امر اللّه الذي يجب عليهم اظهاره و بيانه و منه ايضاً انّهم هم الذين اظهروا الأيمان و الأسلام اللّذَين هما دارانِ ( دايران خ‌ل ) لأمرِ اللّه و نهيه و لولاهم لم‌يبق لهما اسم و لا رسم فانّ الأسلام منخفضٌ و هم رفعوا اعلامه و الايمان مضمحل و هم اسّسوا احكامه و اَمْرُ اللّهِ طلبه الفعل لذاته من المكلّف بمعني انّ جميع افراد ذلك المأمور به كلّ فرد منها توجد فيه العلة الغاۤئية التي لاجلها كُلّفَ المكلَّف بها و لايدخل فيه المندوب لانّه طلب اللّه فعلاً من المكلّف قد توجد فيه العلّة و قد لاتوجد فالفعل يطلب لغيره بمعني انّه لاتوجد العلة التي لاجلها طلب الفعل في كلّ فرد بل قد توجد و قد لاتوجد فكان الطلب لغيره و هو طلب بالعرض فالأمر هو الطلب المعروف المقتضي للوجوب و المندوب طلب غير الامر المعروف و صورة اللفظ فيهما واحدة فاذا وردتِ الصورة المعلومة عارية عن جميع القراۤئن حُمِلَت علي الوجوب للأصل و الٰامر بها عليه البيان و التعريف و التعليم فقد جعل امره واجباً و اذا لم‌يردِ الوجوب نَصب له قرينة من قولٍ او تقريرٍ او عملٍ او اجماعٍ كما لو امر بتركه امراً لايدلّ علي النَسْخ و انقضاۤء مدّته او تركه المكلَّف بمشهدٍ منه و قرّره عليه او انّه عليه السلام لم‌يفعل في وقتٍ مّا او ينصّ علي ندبيّته او تحقق اجماع علي عدمِ وجوبه من جماعةٍ الأمام (ع‌) فيهم بذلك القول و ليس من هذا ابتداۤءً ما ثبت وجوبه و نسخ الوجوب خاۤصّة لا رفع الحكم بكلّيّته لأنّ ذلك الوجوب كما قالوا طلب الفعل و المنع من الترك و نسخ الوجوب خاۤصّة عبارة عن رفع المنع من الترك فيبقي مطلق الطلب وحده و هو معني الندب فانّه طلب فعلٍ لايمنع من تركه و هذا و ان كان بعد تفكيكه يكون من الندب لكن ليس ابتداۤءً و الكلام في الطلب الأبتداۤئي هل هو اثنان ام واحد فعلي القول بانّه واحد فالفارق بين الوجوب و الندب القيد فالطلب مع استحقاق المدح واجب و مع عدمه ندب و يلزم من هذا القول انّ الماۤدّة واحدة و التعدّد انّما هو بالصّورة و هو القيد و فيه لزوم الأتحاد و كون التعريف لهما رسميّاً و هما ممنوعان امّا منع الأتحاد فواقع و قد حقّقناه في محلّه و امّا منع التعريف فعند من يدّعي فيه الحقيقي و المنع راجع الي دعواه لأنّه ادّعي الحقيقي في حدٍّ رسميّ و الّا فلا منع في دعوي الرسمي و ان امكن الحقيقي بعبارةٍ اخري كما ذكرناه في شرح تبصرة العلّامة رحمه اللّه و علي القول بانّه اثنان فكلّ ماۤدّة لها صورة خاۤصة بها و في قول اهل الأصول هنا تناقض و تهافت كثير و لسنا بصدد ذلك لطول الكلام في بيان ذلك و تصحيحه و الأشارة الي بعض ذلك هو انّ مَن قال بالتعدّد منهم بني دعواه علي انّ الأمر للوجوب و لايكون المندوب مأموراً به لا انّه عنده ليس بمطلوب و وجه التهافت انّه جعل حقيقة الطلب الواجب غير صالح للمندوب لا لملاحظة قيده الذي تقوّم به و هو المنع من التّرك ليتميّز عن طلب المندوب بقيده و الا لزم ان يكون معني قولهم انّ المندوب غير واجب و ليس كذلك بل يريدون انّه لم‌يؤسّس بالأمر و لا امر عندهم الّا الطلب المقترن بالمنع من تركه او يلزمهم انّ المندوب غير مطلوب او تحقق الامر بلا منع من الترك و يلزمهم انّ المندوب مأمور به و لا فاۤئدة في التطويل و البيان هنا و الحقّ ان طلب الواجب طلب ذاتيّ صورته النوعيّة المنع من الترك و الشخصيّة استحقاق المدح بفعله و الذم بتركه و ان كان يمتزج بالرسم فان الظاهر رسم الباطن و ان طلب الندب طلب عرضي صورته النوعية جواز الترك و الشخصية عدم استحقاق المدح علي الفعل و الذم علي الترك و الحرام و المكروه علي نحوِ ما سمعتَ و المباح هل هو ما لم‌يتعلّق به طلب او ما تعلّق به طلب تسوية بين الفعل و الترك هو حكم ام هو ارشاد و بيان ام هو للتوسعة علي المكلّفين او لتمييز ( لتميز خ‌ل ) ما يتعلّق به احد الأربعة الواجب و الحرام و الندب و الكراهة ام تعلّق به في نفسه انه احد الاربعة قبل الخطاب به يعني انّ المباح قبل الخطاب به في نفسِه۪ منه واجب و منه مندوب و منه حرام و منه مكروه و بالنسبة الي المكلّفين مباح حتي يرد التكليف به و علي الثاني هل التعلّق به في ذاته ام بالمكلّفين بالنسبة اليه احتمالات و الذي عندي انّ كلّ شي‌ء تعلّق به طلب و اَنّ الطلب المتعلّق به في نفسه قبل التكليف به علي مقتضي احد الأربعة و اَنّ اباحته مطلقاً علي المكلّفين قبل توجّه الخطاب اليهم به من باب التوسعة عليهم حتي يرد الخطاب قال (ص‌) الناس في سعةٍ ما لم‌يعلموا و قال (ص‌) ليس علي العباد ان يعلموا حتي يعلّمهم اللّه و قال تعالي و ماكان اللّه ليضلّ قوماً بعد اذ هديهم حتي يبيّن لهم ما يتّقون ، و الأمر و النهي يستعملان كناية عن آثار السلطنة و الولاية و الربوبيّة يقال فلان ولي الامر و النهي يعني انه المتصرف المتسلط ( و المتسلط خ‌ل ) و له الحكم و بهذا المعني اَمْرُ اللّهِ و نهيه كناية عن حكمه و تسلّطه و اخذه بنواصي خلقه و كون الأئمة (ع‌) المظهرين لأمر اللّه و نهيه انّ عظمة اللّه و تسلّطه علي خلقه و اخذه بنواصيهم لايعرف احد من الخلق شيئاً من ذلك الّا بتعليمهم و تبيانهم و ارشادهم فهم المظهرون لتلك الربوبيّة في كلّ مرتبةٍ من مراتب الوجود اعلاها انّهم هم تلك الربوبيّة و العظمة ثم هم حملة تلك الربوبيّة و العظمة ثم هم مفاتيح تلك الربوبيّة و العظمة ثم هم المنفِقون من تلك الخزاۤئن بأمرِ اللّه ثم هم المعينون للساۤئلين علي قبول تلك العطايا و الخيرات في الأحكام الوجوديّة ثم هم المعلّمون لحقاۤئق تلك الأحكام الوجوديّة ثم هم العاملون لتلك الوجودات الأحكاميّة و كلّ بامر اللّه ليجزي اللّه كلّ نفس ما كسبت و ايضاً كونهم المظهرين لأمر اللّهِ و نهيه انّهم هم العظمة الظاهرة بامر اللّه سبحانه يعني اظهرهم اللّه لخلقه ليستدلّوا بهم عليه من تأويل قوله تعالي سنريهم آياتِنا في الٰافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحق فقوله ( و قوله خ‌ل ) آياتنا هم (ع‌) و قوله و في انفسهم ما ظهر للخلق في ذواتهم من عظمته الذي هو نورهم (ع‌) او آياتِ عظمتِنا في انفسِهم و هم اي الأنفس الائمّة (ع‌) فظهروا لِذلك باظهارِ اللّهِ عظمةً لاتتناهي في الأمكان فباللّهِ هم المظهرون لعظمة اللّه التي هي امر اللّه و نهيه او فباللّهِ هم المظهرون لأمر اللّه و نهيه اللّذَانِ ( اللّذَيْن ظ ) هما عظمته و آثار تسلّطِه۪ و منه ايضاً انهم المظهرون لأمرِ اللّه و نهيه اَنّ امر اللّه و نهيه في العلم و الحكم و التبليغ و الانذار و الاعذار و في العمل لايَظْهَران الّا منهم و عنهم و فيهم و بهم و لهم امّا انّهما منهم فلأنّهم سرّ الأمر و النهي بمعني انّهم محاۤلّهما و خزاۤئنهما و مفاتحهما و مظهروهما و امّا انهما عنهم فلانّهما صدرا عنهم و عن جدّهم صلّي اللّه عليه و آله لقوله تعالي حكاية عن نبيّه (ص‌) و اُنْزِلَ اليّ هذا القرءان لِأُنْذِركم به و مَن بلَغ اي و من بلغ منهم ان يكون اماماً يُنذرهم به و امّا انّهما فيهم فلأنّهم خزاۤئنهما في الصُّدُورِ و في التقوّم و في التعلّق و امّا انّهما بهم فلأنّ اعمال العاملين من جميع الخلاۤئق انّما هي بوجودهم و بامرهم و تعليمهم و هدايتهم و امّا انّهما لهم فلأنّ جميع الاعمال الصّادرة من الخلاۤئق عن الأوٰامر و النّواهي موافقةً و مخالفةً آثارُ سلطانهم اثباتاً و نفياً و السنةُ ممادِحهم و الثناۤءُ عليهم بكلِّ لسانٍ طاۤئع و عاصٍ فكلّ طاۤئعٍ يصلي عليهم و يتبرّءُ مِن اعداۤئهم و كلّ عاصٍ يقرّ بفضلهم و يلعنُ اعداۤءَهم و هم لايشعرون و هو تأويل قوله تعالي و ان من شي‌ء الّا يسبّح بحمده ، و في الزّيارة الجامعة الصغيرة مُقرّ برجعتكم لاانكر للّه قدرة و لاازعم الّا ما شاۤء اللّه سبحان اللّه ذي الملك و الملكوت يسبّح اللّه باسماۤئه جميع خلقه و السلام علي ارواحكم و اجسادكم و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته ، و في الكافي بسنده عن الدّهقان قال دخلتُ علي ابي‌الحسن الرضا (ع‌) فقال لي ما معنا قوله تعالي و ذكر اسم ربّه فصلّي قلتُ كلّما ذكر اسم ربّه قام فصلّي فقال لي لقد كلّفَ اللّه تعالي هذا شطَطاً فقلتُ جعلتُ فداۤءَك فكيف هو فقال هو كلّما ذكر اسم ربّه صلّي ( فصلي خ‌ل ) علي محمّد و آله ه‍ ، فتدبّر اشارته (ع‌) و روي في تفسير قوله تعالي يسبّحون الليل و النهار لايفترون ما معناه كيف لايفترون و قد قال اللّه تعالي انّ اللّه و ملاۤئكته يصلّون علي النبي قال (ع‌) ما معناه لمّا خلق اللّه محمّداً و آله (ص‌) قال لملاۤئكته نقِّصوا من ذكري بقدر صلوتكم علي محمد و آل‌محمد فاذا قال الرجل اللّهم صلّ علي محمّد و آل‌محمّد فقد سبَّح اللّهَ و هلّله و مجّده و روي الكليني عن رجاله عن معوية بن عمّار عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال سمعته يقول في قول اللّه عزّ و جلّ و للّه الاسماۤء الحسني فادعوه بها نحن واللّهِ اسماۤء اللّه الذي لايقبل اللّه من العباد عملاً الّا بمعرفتِنا فافهم و تفهّم ما اشاروا اليه و لاتفزع ممّا تسمع بعد ما قالوا عليهم السلام اجعلوا لنا ربّاً نَؤُبُ اليه و قولوا فينا ما شئتم و لن‌تبلغوا الحديث ، و في قوله عليه السلام : و عباده المكرمين قال الشارح (ره‌) مشدداً و مخفّفاً كما قال تعالي و لقد كرّمنا بني آدم اي هذا النوع بوجود الأنبياء و الأوصياۤء .
اقول امّا كونهم عباداً فهذا مما لايتوقّف فيه الّا القوم الكفار و حشو النار الذين غلوا فيهم و رفعوهم عن مراتبهم التي رتبهم اللّهُ فيها و هؤلاۤء الغلاة و هم في غلوّهم علي اقسام فمنهم من يدَعي انهم (ع‌) يعلمون الغيب و العلماۤء ردوا عليهم و كفروهم من وجوهٍ احدها من الروايات المتكثرة منها ما خرج عن صاحب الزمان عليه السلام ردّاً علي الغلاة كما في الاحتجاج قال (ع‌) يا محمد بن علي تعالي اللّه عزّ و جلّ عمّا يصفون سبحانه و بحمده ليس نحن شركاۤؤُهُ في علمه و لا في قدرته بل لايعلم الغيب غَيره كما قال في محكم كتابه تبارك و تعالي قل لايعلم مَن في السموات و الأرض الغيب الّا اللّه و انا و جميع اۤبائي من الأولين آدم و نوح و ابراهيم و موسي و غيرهم من النّبيّين و من الٰاخرين محمّد رسول اللّه و علي بن ابي‌طالب و الحسن و الحسين و غيرهم ممّن مضي من الائمة عليهم السلام الي مبلغ ايامي و منتهي عصري عَبيد اللّه عزّ و جلّ يقول اللّه عزّ و جلّ و من اعرض عن ذكري فانّ له معيشةً ضنكاً و نحشره يوم القيٰمة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي يا محمد بن علي قد آذانا جهلاۤء الشيعة و حمقاۤؤهم و من دينُه جناح البعوضة ارجح منه و اشهد اللّه الذي لا اله الّا هو و كفي به شهيداً و محمّداً رسوله و ملاۤئكته و انبياۤءَه و اولياۤءَه و اشهِدُك و اشهد كلّ من سمع كتابي هذا انني ( اني خ‌ل ) بري‌ء الي اللّه و الي رسوله ممن يقول انا نعلم الغيب اَو نشارك اللّهَ في ملكه او يُحلّنا محلاً سوي المحل الذي نصبه اللّه لنا و خَلقَنا له اَو يتَعدَّي بنا عمّا فسّرته لك و بينته في صدر كتابي و اشهدكم انّ كلّ مَن نتبرء منه فانّ اللّه يبرءُ ( يتبرء خ‌ل ) منه و ملاۤئكتُه و رسله و اولياۤؤه و جعلتُ هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب امانةً في عُنُقِك و عنقِ من سمِعه اَن لّايكتمه من مواليَّ و شيعتي حتي يظهر علي هذا التوقيع الكلّ من الموالي لعلّ اللّه عزّ و جلّ يتلافاهم فيرجعون الي دينِ اللّهِ الحقّ و ينتهوا عمّا لايعلمون منتهي امره و لايبلغ منتهاه فكلّ مَن فهم كتابي و لم‌يرجع الي ما قد امرته و نهيته فقد حلّت عليه اللعنة من اللّه و ممّن ذكرتُ من عباده الصالحين اقول و الأحاديثُ في هذا المعني متواترة معني لايمكن ردّها و امّا مَن يميل الي القول بعلم الغيب فيهم (ع‌) فانه لايردّها و انما يأوّلها و اختلف العلماۤء في تأويلها و في الجمع بينها و بين ما يدلّ بظاهره علي انهم يعلمون ( الغيب خ‌ل ) و هي ايضاً كثيرة جداً ممّن لم‌يقل بعلم الغيب فيهم فالأوّلون حملوا الغيب الذي لايعلمونه علي الغيب الأزليّ الذي هو الذات جمعاً و هذا خطأ لانّ الدليل القطعي عقلاً و نقلاً قد دلّ علي انهم مخلوقون مربوبون لا قيام لِوجودهم الّا بالمدد الداۤئم من فيض القديم الكريم الداۤئم و لا ريبَ انّ ذلك المدد حادث و لا يمدّون بما وصل اليهم و انما يمدون بما لم‌يصل اليهم و هذا المدد قبل ان يصل اليهم لايعلمونه قطعاً و الّا لكان قد وصل اليهم قبل ان يصل اليهم و هذا باطل فكيف يصح انّ ( كل خ‌ل ) ما سوي الذات يعلمونه كيف و قد قال سيّدهم و افضلهم و اعلمهم صلي اللّه عليه و آله عن امر ربّه له ربّ زدني علماً فهل يسئل اللّه ان يزيده من الأزل ام يزيده من العلوم الممكنة و هل يسأله ان يزيده مما علّمه ام مما لايعلمه و هل يعلمون ما لايعلمه رسول اللّه (ص‌) الذي هو واسطة بين اللّه و بينهم الذي هو مدينة العلم و ايضاً العلم منه ما هو بالمستقبل و منه ما هو بالحال و منه ما هو بالماضي فاذا ادّعيتم علمهم بالماضي و بالحال حال السؤال قلنا انّ الادلّة العقليّة و النقليّة تساعدُكم و لكن العلم بالمستقبل لاتساعدكم عليه الأدلّة و ذلك لانهم اذا علموا بشي‌ء سيكون قبل ان يكون هل كان بعلمهم واجباً لاتتعلّق به القدرة و لايمكن فيه او كان بعلمهم مستحيلاً كذلك فان قلتَ كان ممكناً و ان علموا به قلنا للّه فيه البداۤء امْ لا فان قلتَ ليس للّه فيه البداۤء عارضَتْك الأدلّة العقليّة و النقليّة و ان قلتَ للّه فيه البداۤء فكيف يعلمون شيئاً يجوز للّه ان يغيره كيف شاء فهذا معني قول عليّ (ع‌) لميثم التمار لولا آية في كتاب اللّه تعالي لأخبرتكم بما كان و ما يكون الي يوم القيمة و هو قوله تعالي يمحو اللّه ما يشاۤء و يثبت فان قيل انّ الأدلّة الدالّة علي علمهم بكلّ شي‌ء واردة عنهم كلها بالفاظ العموم من غير استثناء قلنا حق و لكن العموم في كلّ الأدِلّة عموم عُرْفي و لايقال انه علي خلاف اصل الأستعمال لانّ الأستعمال اعمّ من الحقيقة و الأدِلّة القطعيّة المخصّصة صارفة الي المجاز فيجب المصير اليه للدليل و الٰاخرون حملوا الأحاديث الدالّة علي علم الغيب علي وجوهٍ منهم مَن قال انّهم يعلمون كل ما سوي الأمور الخمسة التي دلّت النصوص علي انّ اللّه تفرد بها و هي ما في الٰاية انّ اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ماتدري نفس ماذا تكسب غداً و ماتدري نفس بأيّ ارضٍ تموت و مرادهم هذا ليس بصحيح لوجوهٍ : الأوّل انّ اشياء كثيرة اخبروا بانهم لايعلمونها و ليستْ من هذه الخمسة علي مرادكم الثاني انّ هذه الخمسة اذا تتبّعتها رأيت كلّ الغيب منحصراً فيها او راجعاً اليها فان عنيتم خصوص ظاهرها صَدَقَ عليهم انّهم يعلمون الغيب و لايضرّهم جهل هذه الاشياۤء القليلة كالشعرة البيضاۤء في جلد الثور الاسود فانّه يقال له اسود و لايضرّه وجود شعرة واحدة مخالفة و ان عنيتم معناها و ما يؤل اليها كان كثير من الخلق مثلهم فانّ اصحابَ النجوم و الرمّالون و الجفريّون و الجوكيّة و الكهنة و اهل القيافة و زاجروا الطير و غيرهم يعلمون اكثر من هذا بل قد يعلمون هذه الخمسة او بعضها و ان كان قد يقع الخطأ في بعض الأشياۤء النادرة و بيان هذه الأمور يطول به البحث و الغرض الأشارة الي وجه الدليل الثالث انّهم (ع‌) كثيراً ما اخبروا به من هذه الخمسة و مَن تتبّع احاديثهم تبيّن له ذلك بل رواه العاۤمّة المنكرون لفضلهم (ع‌) و منهم مَن قال انّهم عليهم السلام لايعلمون كلّ شي‌ء فلهذا قلنا انهم لايعلمون الغيب و ان علموا الأكثر لانّا لانريد بعلم الغيب الّا العلم بكلّ شي‌ء و هذا لايحصل لغير اللّه اقول و هذا ايضاً ليس بشي‌ءٍ لأنّ التخصيص بالكلّ ليس شرطاً في الصدق و لا في التسمية لا لغةً و لا شرعاً و لا عرفاً و لا دليل علي شي‌ء من هذا لا من جهة العقل و لا النقل و لا في اللغة و منهم من قال انّ المراد بعلم الغيب هو ان يعلم من نفسه بغير آلةٍ و لا مُعَلّمٍ و هم لايعلمون من انفسهم و انّما يعلّمهم اللّه سبحانه فلايعلمون الغيب لذلك و لا يصحّ اطلاقه عليهم لذلك و هذا ليس بشي‌ء ايضاً لأنّ كلّ مَن يدّعي لهم علم الغيب من المسلمين لايدّعي انّ ذلك ليس من اللّه الّا الذين يقولون انهم ارباب و ليسوا بحادثين و لايرجعون الي ربّ و هؤلاۤء لا جَواب لهم فذرهم و ما يفترون و من يدّعي بانّهم يعلمون الغيب يقول انهم مخلوقون و يستدلّ بقوله تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الّا مَن ارتضي من رسولٍ فانّه يسلك من بين يديه و من خلفه رصداً فاخبر انّ مَن ارتضاه من رسله يظهرهم علي غيبه فنسب اليهم الغيب و هو قد اظهرهم عليه هذا في تفسير الظاهر و في الباطن من التأويل المرتضي من محمّد هو عليّ و المعني واحد و كذلك قوله و ماكان اللّهُ ليطلِعَكم علي الغيب و لكن اللّه يجتبي من رسله من يشاۤء يعني فيطلعهم علي الغيب هذا في تفسير ( التفسير خ‌ل ) الظاهر و في الباطن في التأويل ( و خ ) المجتبي من محمّد عليٌّ و المعني واحد و النصوص من الكتاب و السّنّة لاتحصي بكونهم يخبرون بالغيب مثل قول يوسف الصّدّيق (ع‌) لايأتيكما طعام ترزقانه الّا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما ذلكما ممّا علّمني ربّي و قال في حق عيسي (ع‌) و انبّئكم بما تأكلون و ما تدّخرون في بيوتكم و هذا كثير و قد سمّي هذا غيباً و لا شكّ فيه و هو من تعليم اللّه سبحانه و منهم مَن قال انهم لايَعلمون شيئاً قليلاً و لا كثيراً و انما ذلك وراثة من رسول اللّه (ص‌) و هذا ليس بشي‌ء علي مرادهم من انّ هذا لايصلح و لايصدق علي مثل ذلك علم الغيب و انّما علم الغيب الذي يعلم شيئاً لم‌يوقف عليه و قد اشرنا الي ردّ هذا بأنّ هذا الاشتراط لا اصل له فانّ الغيب و الشهادة يراد بهما عالم المحسوسات و ما غاب عن الحواۤس فمن علم بما غاب عن الحواۤس فقد علم بشي‌ءٍ من الغيب و لهذا قال سبحانه عالم الغيب و الشهادة ، و الذي يعتقده الفقير المقرّ بالقصور و التقصير فاستمع لما يوحي اليك من انباۤء الغيب و لاينبّئك مثل خبير هو انهم عليهم السلام يعلمون ما اشتمل عليه الكتاب و هو علم جمّ قال تعالي و كلَّ شي‌ء احصيناه في امامٍ مبين و قال تعالي مافرّطنا في الكتاب من شي‌ء و قال تعالي ماكان حديثاً يفتري و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كلّ شي‌ء و هديً و رحمةً لقومٍ يؤمنون و ظاهر هذه الٰايات الأحاطة بكل شي‌ء و ليس كذلك بل الأشياۤء منها ما كان و منها ما يكون و منها المحتوم و منها المشروط و منها الموقوف فامّا ما كان فان اللّه سبحانه قد اطلعهم علي جميعه بواسطة محمّد صلي اللّه عليه و آله و لا احتمال في انه كان و امّا انه يبقي او يتغيّر فعلي اقسامٍ منه ما اخبرهم اللّه تعالي بانه لايتغيّر ابداً و انه ليس في عالم الغيب و الشهادة له مقتضي التغيير و اخبرهم تعالي بانه اذا شاۤء ان يغيّره سبّب له المقتضيات كما يشاۤء فغيّره كيف يشاۤء لانّ ذاته سبَبُ مَن لا سبَبَ له و سبَبُ كلّ ذي سببٍ و مسبِّبُ الاسباب من غير سبب فهم يعلمون بقوله انّ له ان يغيّره ان شاۤء و لايعلمون هل يشاۤء تغييره ام لا و هم من خشيته مشفقون و يعلمونَ انه لايتغيّر ركوناً الي قوله و تصديقاً بوعده و هم من خشيته مشفقون في الحالين و قد قال تعالي فلاتحسبَنّ اللّه مخلف وعده رسله و تدبّر في سرّ قوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لايشفعون الّا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون فمن تصديقهم بوعده و ثبات ركونهم الي قوله هم عباد مكرمون و من علمهم انّ كلّ هذه اشياۤء ممكنة لاتخرج بالوعد عن الامكان الذاتي فانه لو شاۤء ان يغيّرها غيّرها كيف شاء و هم من خشيته مشفقون و قد روي عن الصادق (ع‌) ما معناه انّ النبيّ الياس عليه السلام سجد و بكي و تضرّع فاوحي اللّه تعالي اليه ارفع رأسك فاني لااعذّبك قال يا ربّ ان قلتَ لااعذّبُكَ ثم عذّبتني الستُ عبدك و دعاۤء عليّ بن الحسين (ع‌) في السجود بعد صلوة الليل الذي اوّله الهي و عزّتك و جلالك لو انني منذ بدعتَ فطرتي من اوّل الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيّتك بكلّ شعرةٍ في كلِّ طرفةِ عينٍ الي آخر الدعاۤء و قد تقدم فتدبّره تجده شاهداً بما نقول و ان كانَ معناه لاتدركه العقول و انما تعرفه الافئدة و في قوله تعالي و لئن شئنا لنذهبنّ بالذي اوحينا اليك قال (ع‌) ما معناه انه لو شاۤء ذلك لفعل و لكنه لايفعل ( ذلك خ ) به ابداً و بيان هذا الحرف بالضرورة انّهم ممّن وعدهم النجاة و انّهم الي رضوانه صاۤئرون البتّة فاذا كان كذلك فلم يخافون خوفاً لايكون من احدٍ من الخلق و هم يعلمون عن قوله انهم مقرّبون مرضيّ عنهم بل ماخلق الجنّة و الرِضوان الّا لهم و لاتباعهم فافهم ان كنت تفهم و منه ما اخبرهم اللّه بانّه يتغيّر و له اَلّايغيّره فيحكمون بقول اللّه انه يتغيّر و يعلمون عن تعليم اللّه لهم انّ بيده ملكوت كلّ شي‌ء فاذا شاۤء عدمَ تغييره فعل و لا راۤدّ لارادته و لا معقّب لحكمه و منه ما اخبر بانه لايتغيّر و لم‌يحتم لهم بان يطلعهم علي انتفاۤء مقتضي التغيّر في الشهادة و ان دلّ اخبارُه لهم و لملاۤئكته علي انتفاۤء مقتضي التغيّر ( التغيير خ‌ل ) في الغيب لانّه اذا اخبر انبياۤءه و رسله فانه لايكذّب نفسه و لايكذّب المخبرين عنه بالصدق فيخبرون عنه سبحانه بأنّ هذا الشي‌ء ثابت و للّه البداۤء في ما شاۤء فانه يمحو ما يشاۤء و يثبت و امّا ما يكون فما اخبرهم اللّه بانه سيكون حتماً علي صفة كذا لا مانع له في الغيب من اسباب القدر من متممات قوابل الوجود و مشخّصات التقدير و لا مانع له في الشهادة من اسباب القضاۤء من متمماته كذلك كالدعاۤء و الصدقة و البرّ و عدمها سابقةً علي القضاۤء بالأمضاۤء بل و لاحقة لانّ اللّاحقة زماناً قد تكون سابقاً دهراً بل ربما يكون اللّاحقة بالفعل و السابقة بالقوة و لا ريبَ انّ ما بالفعل سابق دهراً علي ما بالقوة و ان تأخر زماناً فما كان كذلك فانّه سيكون ( و يعلمونه قطعاً خ ) و يعملون ( يعلمون ظ ) انّ ذلك خلق اللّه و في قبضته فهو كما مرّ و منه ما اخبرهم انه سيكون و لم‌يحتم لهم بكشف الحال في الغيب و الشهادة فهذا كحكم ( الحكم خ‌ل ) ما كان في عدم تغيّره ( تغييره خ‌ل ) مع عدم الحتم كما تقدم و منه المحتوم و هو كما مرّ و منه المشروط و يعلمون انّه يجوز ان يقع شرطه و اَلَّايقع و ما وقع شرطه يجوز اَلَّايقع لايجادِ مانع اقوي او لمنع ذاته جل وَ عَلَا و ان كان لازم الوقوع مع عدم المنع و مع وجود الأذن اذ بدون الأذن بل الأسباب السبعة المشيّة و الأرادة و القدر و القضاۤء و الأذن و الأجل و الكتاب لايكون فلايكفي حصول الأسباب في الوجود بدون الأيجاد من الفاعل انظر الي قوله تعالي قلنا يا نار كوني برداً و سلاماً علي ابراهيم و الي قوله تعالي الم‌تر الي ربّكَ كيف مَدَّ الظِّلَ و لو شاۤء لجعله ساكِناً و يجوز ان يقع لما يشاۤء من الأسباب و المتمّمات من المشخّصات فاذا حصلت الأسباب السبعة الفعليّة المشيّة و ما بعدها و القابليّة و متمّماتها السبعة الكمّ و الكيف و الجهة و الوقت و الرتبة و المكان و الوضع فاذا اجتمعت العلويّة و السفليّة اَوْجَدَ بفضله ذلك الشي‌ء ان شاۤء فامّ الكتاب الذي لا محوَ فيه و لا تغييرَ هو كون الشي‌ء حين كونه و امّا قبله و ما بعده فهو الذي فيه المحو و الأثبات لا انه المثبت و الممحو ( لا ان المثبت و المحو خ‌ل ) كما يتوهّمه مَن لا بصيرة له في الدّين فانّ ذلك ممّا يجوز فيه المحو و الاثبات و اللّهُ عَلي كلّ شي‌ءٍ قدير و هذا ايضاً يعلمونه علي نحو ما سمِعْتَ و منه الموقوف علي المشيّة فان شاۤء اللّه ايجاده وُجِدَ و الا فهو باق فيما شاۤء اللّه امكانه و لا شي‌ء غير اللّه الّا ما شاۤء امكانه و لايشاۤء ايجاد ما لم‌يشأ امكانه اذ ليس شيئاً غيره سبحانه و تعالي ثم انّ المعلوم و العالم من كل شي‌ء سواه سبحانه لا قوام له الا بأمره و لا وجود له الّا عن مشيّته و ليس له حالة غير هذه الحالة التي هي حالة الفقر الي الله و ليست الأسباب اسباباً الّا باللّه بمعني ان الاسباب انما تفعل بفعل اللّه بها فاذا حَدَثَ مسبَّب عن سَبَبٍ فانما اللّه احدثه به و هو سبحانه اقرب اليه منه في كلِّ حالٍ لا فرق في ذلك بين الذات و الصّفة و الأتّصاف و التلازم و التقارن فاذا فهمتَ هذا فاعلم انّهم (ع‌) عباد مكرمون لايعلمون الّا ما علّمهم اللّه كلّ شي‌ء بخصوصه فما خصّصه لهم خصّصوه بتخصيصه لهم و ما اجمله لهم لايستطيعون تخصيصَه بل ما خصّصه لهم لايستطيعون اجماله الّا به سبحانه فاذا اعلمهم بشي‌ءٍ في آنٍ لايستطيعون ان يعلموه في آنٍ آخر الّا بتعليمٍ منه جديدٍ كما في الٰان الأوّل بنسبةٍ واحدةٍ فهم (ع‌) فيما سمعتَ و ساۤئر الناس سواۤء و لكنه سبحانه دعاهم فاجابوا كما دعاهم و لم‌يتخلّفوا عن دعوته طرفة عين فاجتباهم بعلمه و اختارهم لما هم اهله فادمنوا ذكره و مجّدوا شأنه و اعْلَنُوا دعوته فعلّمهم علي نحو ما سمعتَ ما لم‌يكونوا يعلمون و كان فضل اللّه عليهم عظيماً و لمّا كان صنعه جلّ و علا للأشياۤء علي حسب مقتضي قابليّاتِها كان ما علّمهم من العلوم لايتناهي بالنسبة الي مَن سواهم بمعني انّ مَن سواهم ليس في وسعهم ان يتحمّلوا ما تَحَمّلُوا عليهم السلام و انْ علّمهم اللّه الّا ان يقلب حقاۤئقَهم و يجعلهم كآل‌محمّدٍ (ص‌) و هو قادر علي ذلك فانْ كان ذلك القلبُ بحكم المقتضي الذي هو مقتضي القابليّة الجاري علي الأختيار لم‌يكن ذلك المجعول الّا آل‌محمّدٍ (ص‌) و ان كانَ ذلك الجعل بمقتضي القدرة لا غير تصادمت الحُكم و علا بعضهم ( بعض خ‌ل ) علي بعض و فسد النظام فلايمكن لأحدٍ من الخلق ان يتحمّل ما تحمّلوا و الحاصل انّهم لايعلمون الّا ما علّمهم اللّه سبحانه و تعليمه في كلّ آنٍ فلو لم‌يُعلّمهم في آنٍ ماكان عندهم شي‌ء و لايُعَلِّمهم اللّه الّا بواسطة محمّدٍ (ص‌) و هو قولهم الحق كما في الكافي عن زرارة قال سمعتُ اباجعفرٍ (ع‌) يقول لولا انا نزداد ( نزاد خ‌ل ) لانفذنا ( لانفدنا خ‌ل ) قال قلت تزدادون شيئاً لايعلمه رسول اللّه (ص‌) قال اما انّه اذا كان ذلك عرض علي رسول اللّه (ص‌) ثم علي الائمّة ثم انتهي الأمر الينا ، اقول يريد بالأئمّة من قبله علي و الحسن و الحسين و يحتمل و علي القاۤئم كما هو الظاهر لأنّ الترتيب علي حسب الشرف و الرتبة في المكانة و التقدم الذاتي لا التقدم الظاهري ثم بعد القاۤئم (ع‌) عليهم و قوله (ع‌) الينا يريد الأيمّة الثمانية لتساوي رتبتهم في الفضل و يحتمل مراعاة تقدّم الأبوّة و مثله عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال ليس يخرج شي‌ء من عند اللّه تعالي حتي يبدأ برسول اللّه (ص‌) ثم باميرالمؤمنين (ع‌) ثم بواحدٍ بعد واحدٍ لكيلايكون آخرنا اعلم من اوّلنا ه‍ ، و اذا اراد اللّه ان يعلّمهم شيئاً فتح لهم باب خزانة العلم بهم فعلموا ما شاۤء اللّه و يحجب عنهم ما شاۤء و اعطاهم الأسم الأعظم و هو مسمي بسم اللّه الرحمن الرحيم فاذا شاۤؤا ان يعلموا شيئاً علّمهم اللّه و هو قول ابي‌عبداللّه (ع‌) اذا اراد الأمام ان يعلم شيئاً اعلمه اللّه عزّ و جلّ ذلك فقد ظهر لك انهم يعلمون علما جمّاً و انهم لو لم‌يزدادوا لأنفذوا ( لانفدوا خ‌ل ) و انهم ابداً يستمدون و لايستمدون الّا ممّا لايعلمون و قد اشرنا لك انّ ما لايعلمونه علي وجهين احدهما هذا و الثاني ما علموه في اۤنٍ لايعلمونه في اۤنٍ آخر الّا بتعليمٍ جديدٍ فافهم و تثبّت ثبّتك اللّه و قد تقدم انّ الغيب هو ما غاب عن الحواۤسّ الظاهرة و الشهادة هو ما ادركته الحواۤسّ الظاهرة فاذا قلتَ لايعلمون الغيب صدقت لأنهم لايعلمون شيئاً الا بتعليم اللّه علي نحو ما ذكرت و ان قلتَ يعلمون الغيب و تريد ما غاب عن الحواۤسّ الظاهرة يعلمون منه ما علّمهم اللّه خاۤصّة صدقتَ و لا عيبَ في شي‌ء من ذلك و علي هذا المعني تحمل النصوص الدّالة علي علمهم بالأمور المغيّبة و المستقبلة قبل ان تقع لأنّهم اذا شاۤؤا علّمهم اللّه و في الكافي عن معمّر بن خلّاد قال سأل اباالحسن عليه السلام رجل من اهل فارس فقال له اتعلمون الغيب فقال قال ابوجعفر (ع‌) يبسط لنا العلم فنعلم و يقبض عنا فلانعلم و قال ( فقال خ‌ل ) سرّ اللّه اسرّه الي جبرئل (ع‌) و اسرّه جبرئل الي محمّد (ص‌) و اسرّه محمّد الي مَن شاۤء اللّه ه‍ ، و هذا ما نبّهتك عليه و ان اُريد بعلم الغيب انهم يطّلعون بذواتهم علي ما غاب عنهم كما يدّعونه الغُلاة و القشريّة من اشباه الناس فهو ما اشار اليه الحجة (ع‌) في التوقيع المتقدّم لأنّ في ذلك استقلال الحادث و يلزم منه مشاركة اللّه في ملكه كما ذكره (ع‌) في التوقيع و لاتتوهّم اني جريتُ علي القشر في بيان هذا الأمر بل انما كشفتُ لك عن حقيقة الحقاۤئق و اوضحتُ لك ما ابهم علي الجمّ الغفير من سلوك مستقيمات الطراۤئق و اللّه خليفتي عليك و انما اطلتُ الكلام في هذا المقام لعظم الحاجة اليه و قلّة العاثر عليه فما سمعت كله معني عبادِه و انما خصصتُ في هذا المعني علم الغيب دون سائر معاني العبودية لخفاۤء مناقضة دعوي علم الغيب للعبودية فافهم .
و قول الشارح المكرمين مشدداً و مخففاً كما قال تعالي و لقد كرمنا بني ادم اي هذا النوع بوجود الانبياء و الاوصياۤء يحتمل انه ارادَ علي التشديد الاستشهاد بالٰاية يعني ان اللّه كرّمهم لانهم من بني آدم او هم المعنيون فان اراد ببني آدم المكرمين انهم هم كان غير الكثير هو محمداً ( محمد خ‌ل ) صلي اللّه عليه و آله خاصة و لكن لايستقيم له ذكر الأنبياۤء و الاوصياء و ان اراد انهم من بني آدم امكن تلفيق الاستقامة بصرف الانبياۤء المراد منهم محمّد (ص‌) خاصة الي غير الكثير بالنسبة اليهم و هو مع الانبياۤء بالنسبة الي غيرهم و صرف الاوصياۤء الي غير الكثير بالنسبة الي غيرهم و في هذا تكلف و تتعتع و لعله اراد صورة اللفظ خاصة بالتشديد و جعل قوله بوجود الانبياۤء و الاوصياء و الاولياۤء بياناً لسبب تكريم هذا النوع لا بلحاظ بيان صفتهم (ع‌) علي التشديد و قوله (ع‌) و عباده المكرمين مقتبس من قوله تعالي و قالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون الي آخر الٰايات و فيها رد علي الغلاة بجميع آرائهم فمنهم من كان من اهل الكشف و المعرفة يزعم انه قد تولد من الرحمن من ظهر برحمانيته فهو يعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه فردّ عليهم من وجوه : منها قوله سبحانه اي منزه عن الولادة و التولد و التوليد لم‌يلد و لم‌يولد و انما هم خلق مدبّرون و منها قال بل عباد اي عباد قائمون بخدمة العبادة و رضي العبودية لايملكون لانفسهم ضراً و لا نفعاً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً قد وُسموا بالفقر و رُسِموا بالعجز لا حول لهم و لا قوة الا باللّه دعاهم لما خلقهم له فاجابوه فاكرمهم باجابته لخدمته و منها لايسبقونه بالقول لا في عبادته و لا في عبوديتهم و لا في حظوظهم من فيض كرمه و لا في ( و في خ‌ل ) التبليغ لاوامره و نواهيه و لا غير ذلك كما قال لنبيه (ص‌) ليس لك من الامر شي‌ء اي الّا ما قضي لهم فهو يقول و هم يعملون بقوله اي بايجاده و باعطاۤئه و بتعليمه و بامره و نهيه الي غير ذلك بل في جميع حركاتهم و سكناتهم و اعتقاداتهم و اعمالهم و احوالهم و اقوالهم كما قال سيدالشهداۤء (ع‌) في دعائه يوم عرفة ام كيف اترجم لك بمقالي و هو منك برز اليك و هذا مما نسب اليه من الملحق بدعاۤء عرفة و كل هذا و ما اشبهه من معني القول الذي لم‌يسبقوه به و انما يجرون فيها بما حدّه لهم منها و هو قوله تعالي و هم بامره يعملون و هذا الامر هو ذاك القول و هم عليهم السلام في كل ما ذكر بل في كل شي‌ء علي حد قوله في اصحاب الكهف و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال هذا بالنسبة اليه و امّا بالنسبة الي ما سواه فهم ايقاظ اي هو ايقظهم فهم بايقاظه و اشهاده يشهدون كل شي‌ء اراد سبحانه و في هذا ردّ علي الغلاة بما لا مزيد عليه و منها يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم اي كلّ شي‌ء من امره عملوا به فهو يعلمه و هم لايحيطون بشي‌ء من علمه الّا بما شاۤء ان يحيطوا به كما شاء و منها و لايشفعون الّا لمن ارتضي اي لايرفعون وضيعاً و لايقدّمون متأخراً الّا اذا رضي لهم و اذن لهم ممّن رضي دينه من شيعتهم و محبيهم و محبي محبّيهم و منها و هم من خشيته مشفقون اي انهم عالمون باللّه و لا علم الا بالخشية قال تعالي انما يخشي اللّه من عباده العلماۤءُ ، و في الدّعاء لا علم الا خشيتك و لا حكم الّا الايمان بك ليس لمن لم‌يخشك علم و لا لمن لم‌يؤمن بك حكمٌ ففي كل اعمالهم هم عاملون بامره و هم خائفون مقامه وجلون من لقائه كما قال تعالي و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انهم الي ربهم راجعون ، و منها و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و قوله تعالي و من يقل منهم الخ له معني ظاهر و معني تأويل فالأوّل معناه و من يدّعي منهم اني اعمل بغير امره و قدرته و حوله و قوته مستقلّاً بشي‌ءٍ جليل او حقير فذلك نجزيه جهنّم و هذا جارٍ علي سبيل الفرض كما قال النبيّ (ص‌) يوم الغدير في خطبته اني ان لم‌افعل فما بلّغتُ رسالته و قوله (ص‌) فيها اخاف الّاافعل فتحلّ عليّ منه قارعة لايدفعها عني احد و ان عظمت حيلته لانّه اللّه الذي لايؤمن مكره و لايُخاف جوره و امّا الثاني ففيه وجوه : منها و من يقل من الناس ان احداً من الأئمة (ع‌) قال اني اله من دونه فذلك القاۤئل من الناس نجزيه جهنم و منها و من يقل من الناس اني امام من دون الأمام الحق من اللّه سبحانه فذلك نجزيه جهنم و منها و من يقل من الناس ان الأمام يسبق اللّه بالقول اي يقول من دون ان يقول اللّه او يعمل بغير امر اللّه اَوْ انّ اللّه لايعلم ما بين يدي الأمام و ما خلفه او انّ الأمام يشفع لمن لايرتضي اللّه دينه او بدون اذنه او انهم عليهم السلام لايخافون منه سبحانه خوفاً حقيقيّاً خوفاً من نقمته و مكره عن علمٍ منهم باللّه و بمقامه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و هم الذين رفعوهم عن مراتبهم التي وضعهم اللّه فيها او ( و خ‌ل ) وضعوهم دون ما وضعهم اللّه فيه فان هؤلاۤء الفريقين قد وضعوا الشي‌ء بغير موضعه من رفعٍ او وضعٍ لانّ الظلم وضع الشي‌ء في غير موضعه و هذا معني ما قاله عليه السلام اقتباساً من القرءان لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون اي يتكلمون بامره و يسكتون بامره و يجاهدون بامره و يتركون الجهاد بامره و يَقْتلون و يُقْتلون بامره صلي اللّه عليهم اجمعين .
قال عليه السلام : الذين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون
قد تقدّم قبل هذا في شرح و عباده المكرمين ما يكفي في الاشارة الي معناه فلايحتاج الي اعادته .
قال عليه السلام : و رحمة اللّه و بركاته
عطف علي السلام علي الدّعاة الي اللّه الي قوله و عباده المكرمين الخ ، بمعني انّ تلك الأوصاف محفوظة عليهم من اللّه محفوفة برحمة اللّه مُغَشّاةٌ ببركاته في كلّ حالٍ من احوالها بنسبته .
قال عليه السلام : السلامُ علي الائمّةِ الدُّعاة
الائمّة جمع امامٍ علي وزن اكسية جمع كساۤءٍ و الأمام الذي يُقْتدي به و اصل ائمة اءْمِمَة فَالْقِيَتْ حركة الميم الأولي علي الهمزة الثانية و ادغمت الميم في الميم فصار ائمّة فمن القراء مَن يبقي الهمزة علي الأصل بتحقيق الهمزتين و هو ابن‌عامر و الكوفيّون و رُوح و الباقون بتسهيل الهمزة الثانية و اختلف في كيفيّة تسهيلها فذهب الجمهور من اهل الأداۤء ( الٰاراء خ‌ل ) الي جعلها بَيْنَ بَيْنَ و هو الذي في التيسير و الشاطِبيّة و المستنير و الكامل و روضة المالكي و التجريد و التبصرة و التذكرة و كفاية ابي‌العزّ و غاية ابي‌العلا و الهداية و غيرها و ذهب آخرون الي قَلْبها ياۤء خالصة نصّ عليه ابن‌شريح في الكافي و ابوالعزّ في الأرشاد و قرأ به الجزري و غيرهم و ذكره الدواني ( الدّاني خ‌ل ) في جامعه و الحافظ ابوالعلا و ليس من طريق التيسير و لا الشاطبيّة بل هو من طريق كتاب الطيّة و النشر و ابوجعفر فصل بين الهمزتين بالفٍ حال تسهيله بَيْنَ بَيْنَ فيقرأ هكذا آئِمّة بحركة الهمزة الثانية بَيْنَ بَيْنَ و وافقه ورش من طريق الأصبهاني في الموضع الثاني من القَصَص و في السجدة و انفرد النهرواني عن ورش من طريق العطّار بالفصل بالألفِ في الأنبياۤء و اختلف النقل عن هشام في المواضع الخمسة من القرءان التي ذكر فيها ايمّة و هي في التوبة ايمّة الكفر و في الأنبياۤء ائمّة يهدون بامرنا و اوحينا اليهم و في القصص ائمّة و نجعلهم الوارثين و فيها ايضاً ائمّة يدعون الي النار و في الٰۤم السجدة ائمّة يهدون بامرنا لمّا صبروا و لايجوز الفصل عند احدٍ منهم اذا ابدلَتِ الهمزة ياۤء خالصة قيل و القياس في التسهيل بَيْنَ بَيْنَ و بعضهم يَعُدُّه لحناً و يقول لا وجه له في القياس و اردف الدعاة بالأئمّة لانّ الائمّة هم الذين يُقْتدي بهم فاذا اُرْدفَ بالدعاة افاد انهم يُقْتدَيَ بهم فيما دعوا اليه من الحق فانهم عليهم السلام كما تقدم دعوا الي اللّه سبحانه بانْ اَمروا بمعرفته و معرفة نبيه و معرفة اوصياۤئه و معرفة انبياۤئه و معرفة احكامه و ما يريد من عبادِهِ و دَلُّوا العباد علي سُبُل ( سبيل خ‌ل ) الرشاد و كونهم عليهم السلام الدعاة انهم عن امر اللّه اوضحوا المنهج و اقاموا في جميع العوالم العوج كما تقدّم بيانه في كلّ جنس و في كلّ نوعٍ و في كل صنفٍ و في كلّ شخصٍ و في كلّ جزءٍ فما استقام فمنهم و ما اعوجّ فعنهم كما قال تعالي و ننزّل من القرءان ما هو شفاۤءٌ و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الّا خساراً فالنازل من القرءان صلّي اللّه عليه و آله ماۤءُ الرحمة الذي به كلّ شي‌ءٍ حيّ و هو الأمام عليه السلام و دعوا الخلاۤئق كلّاً بلغتِهِ الناطق بلسانِ الأنسان سَواۤء كان انساناً بالأصالة او مرفوعاً الي الأنسانية كما تقدم من خطاب الحسين (ع‌) للحمّي حين دعاها فقال يا كبّاسة فقالتْ لبَّيك سمعها الحاضرون و لم‌يروا شخص المتكلّم فقال لها الم‌يأمركِ اميرالمؤمنين اَلَّاتقربي الّا عدوّاً او مذنباً فما بال هذا يعني عبداللّه بن شداد ( شهاب خ‌ل ) و الصامت باصوات الصامت علي اختلاف انواعه من حيوانٍ و نبات و جمادٍ مثلاً قال للأرض السّبخة قبل ان تكون سبخة اليس اللّه ربّكِ قالتْ بلي قال اليس محمّد نبيكِ فسكتَتْ قال اليس عليّ وليّكِ قالت لا فكانت بالخطاب و الأنكار سبخة خاطبوها بلسانها و هو انهم اجروا عليها بالأسباب الماۤء الذي هو قول اليس عليّ وليّكِ فلم‌تتأهّل للقبول لضعف قابليّتها فاجتمعت الفضلات رابيةً و هو قولها ( لا ) المعبّر عنه بالأنكار للولاية فاستملحت و استمرتْ و هو المعبّر عنه بشرِّ ( بسر خ‌ل ) القدرِ فجُعِلَتْ بذلك سبخةً و هو المعبّر عنه بالقضاۤء السّوۤءِ فهذا دعاهم لها بهذا اللسان و هذه اجابَتُها لهم كذلك و هذا القول بهذا اللّسان لايعرفه الّا اهل البيان و ليس هذا لسان الحال كما يتوهّمه ( يتوهم خ‌ل ) لوجهين الأوّل انّ لسان الحال هو معني الهيئة و الصفة و الفعل و هذا ليس كذلك و انما هو لفظ لغة الجَمَادِ و هو مشتمل علي كلماتٍ و حروفٍ الثاني انّ لسان الحال ناطق فصيح بلسان عربيّ مبين و ليس علي ما يُتَوهّم من انّ معني الهيئة ليس كلاماً و انّما هو دلالة معنويّة كيف لا و قد قال تعالي و ان من شي‌ءٍ الّا يُسَبّحُ بحَمْدِهِ ، و قد ورد انّ تسبيح الجدار تشققه و تفطّره و تناثُرُه و في تسبيح يوم الأربعاۤء من المصباح سبحان من تسبّح له الانعام باصواتها يقولون سُبُّوحاً قدوسا سبحان الملك الحقّ سبحان من تسبّح له البحار بامواجها و فيه تسبّح لك البحار بامواجها و الحيتان في مياهِها و المياه في مجاريها و العبارة عن كلِّ دعوة بكلّ لسانٍ مثل ما روي عن علي بن الحسين (ع‌) و قد سُئِلَ كيف الدّعوة الي الدّين فقال يقول ادعوك الي اللّه و الي دينه فهذا اللّفظ هو يدلّ علي كلِّ دعوة حقٍّ بكلِّ لسانٍ من حالٍ او مقالٍ من انسانٍ او حيوانٍ او نباتٍ او جمادٍ دلالة مطابَقَةٍ فافهم و اسئل اللّهَ ان يُعَلِّمَكَ ما لم‌تكنْ تَعْلَمْ .
قال عليه السلام : و القادَةِ الهُدَاةِ
قال الشارح (ره‌) القادة جمع القائد و الهداة جمع الهادي الذين قال اللّه تعالي فيهم ائمّة يهدون بامرنا كما ورد به الأخبار المتواترة انّهم هم .
اقول في حديثِ عليٍّ (ع‌) قريش قادَة ذادَة اي يقودون الجيوش يراد انّ ارادتهم المتعلّقة بطلب الأعداۤء كانت بين الجيوش و بين الأعداۤء فتقودهم اليهم فالقاۤئد هو مَن يقود شيئاً بزمامه كقاۤئد الفرس و المراد هنا انهم (ع‌) يقودون الخلق من المؤمنين في الذّر الأوّل الي الرّضا و في الذر الثاني الي الأجابة المشروطة و في الذّر الثالث الي الأجابة المنجزّة بأيقاع الأعمال كما امروا و بقول الأقوال كما عُلِّمُوا و بثبات الأعتقاد الباۤتِّ كما هُدُوا فاذا استجابوا الأستجابات الثلاث حَفِظوا عليهم ما استحفظوهم من احكام هذه الامانات فنقلوهم محروسين بحبّهم و بالتمسُّكِ بولاۤئهم حتي اسكنوهم منازلهم من جنان البرزخ الي وقت قيامهم و زمان كرّتهم فكَرّوا منهم مَن استجاب الأستجابة الحسني حتي ادخلوهم حظيرة القدس و مأوي النفس متنعّمين في ولايتهم و حبّهم الي ان ينقر في الناقور و ينفخ في الصور فهجعتِ الساهرةُ و ركدتِ النقطة في الداۤئرة فاذا تناهت الأمور و نفخ في الصّور و بُعِثَ من في القبور تَولَّوهم بالولاية الحسني و عرفوهم بالسِّيما علي الأعراف فحملوهم علي نجب الاعتراف حتي احلّوهم محالّ الشرف و اسكنوهم الغرف و اباحوا لهم الجنان و زوّجوهم الحور و اخدموهم الولدان خالدين فيما يشتهون لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و في كلّ ما سَمِعْتَ و ما اشبهه هم القاۤئدون لهم بما ملكوا من ازمّة قوامهم الي هذه الخيرات و رفيع الدّرجات و علي عكس ما سمعتَ يسوقون اعداۤءَهم في اضداد تلك الأحوال الي ان احلّوهم دار البوار و النكال و عظيم الاهوال و القَود و السَّوق بمعني واحد الّا في صفتين احدهما انّ القود بالأمداد و التوفية و السَّوق بالمَدّ و التخلية و ثانيهما انّ القود يُشعرُ بتقدّم القاۤئد لانّه دليل المقود و مصاحبه في الورود و امّا السَّوق فهو يشعر بتأخر الساۤئق ليدفع المَسوق و لأنّه ليس معه في طريقه و لا وليّ له يفسَحُ له في ضيقه فهم (ع‌) القادة للخلق الي ما يستحقون من مقتضي الكدح و الكدّ بالأمداد و المدّ و اما انهم الهداة للمهتدين و الضاۤلّين فلانهم انّما شأنهم الهدي و دعاۤؤهم الي التقوي فمن اتبع هداهم نجا و مَن ترك هداهم ضلّ و غوي و هوي فهم يهدون مَن اتبع هداهم الي الطيب من القول و الي صراط الحميد و من انكرهم هدوه بانكاره الي سواۤء الجحيم كما قال اللّه تعالي فاهدوهم الي صراط الجحيم و قفوهم انهم مسئولون عن ولايتكم و هم بامره يعملون و ليس فعلهم اضلالاً للظالمين و لا اغواۤءً عن الحق المبين كما اخبر تعالي عن الغاوين فحق علينا قول ربنا انّا لذاۤئقون فاغويناكم انّا كنّا غاوين لانّهم لم‌يريدوا لهم الهداية و لكنهم لمّا عرفوا من انفسهم انّهم ذاۤئقوا العذاب الأليم اغووهم و امّا الهادون صلّي اللّه عليهم اجمعين ارادُوا لهم النجاة و الهداية فلم‌يقبلوا منهم فحكموا عليهم بحكم اللّه و الزموهم بمقتضي قدر اللّه كما قال سبحانه بل طبع اللّه عليها بكفرهم و بهذين الحكمين وُصِفوا بوصفين بحكمهم للمهتدين بالهداية قيل لهم القادة الهُدَاة و بحكمهم للضاۤلّين بالضلالة قيل لهم الذادة الحُماة و في حديث ابي‌الطفيل المتقدّم قال قلتُ يا اميرالمؤمنين اخبرني عن حوض النبيّ (ص‌) في الدنيا ام في الٰاخرة قال بل في الدنيا قلتُ فمن الذاۤئدُ عليه قال انا بيدي لاوردنّه اوليائي و لاصرفنّ عنه اعداۤئي ، اقول فالمُورِد هو القاۤئد و الصارف هو الذاۤئد .
قال عليه السّلام : و السّادَة الوُلاة
قال الشارح (ره‌) السادة جمع السيّد اي الأفضل الأكرم و الولاة جمع الوالي ( والي خ‌ل ) فانهم يقودون السالكين الي اللّه و الاَوْلي بالتصرف في الخلق من انفسهم كما قال تعالي النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و قال انّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا ، و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله مَن كنْتُ مولاه فهذا عليّ مولاه الي غير ذلك من الأخبار المتواترة .
اقول السيّد مِنْ سادَ يَسُودُ سيادةً و الأسم السُّودد و هو المجد و الشرف فهو سيّد و الأنثي سيّدة و السيّد الرئيس الكبير في قومه المطاع في عشيرته و ان لم‌يكن هاشميّاً و لا علويّاً و السيد الذي يفوق في الخير و السيّد المالك و يطلق علي الرّبّ و الشريف و الحليم و الكريم و الفاضل و المتحمّل اذي قومه و الزّوج كقوله تعالي و الفيا سيّدَهَا لدي الباب و علي المقدّم و كونهم سادة يجري علي كلّ واحدٍ من هذه المعاني فبمعني الشريف و ذي المجد فانهم بمكانٍ من الشرف لاتصِل اليه اوهام الخلاۤئق كما يدلّ عليه قوله (ع‌) في هذه الزيارة فيما بعد طَأْطَأ كلّ شريفٍ لشرفكم اي خَضَعَ و خَفَضَ و انحطّ و لم‌يدرك غاية شرفكم و المجد هو الشرف الواسع و العلوّ و الكمال و العزّ و لهم من كلّ واحدٍ من هذه الصّفات ما لايحوم حوله اُمْنيّةُ مَلَكٍ مقربٍ و لا نبيٍّ مرسلٍ و علي معني انّ السيّد هو الفاۤئق في الخير فانهم قد فاقوا كلّ شي‌ءٍ من الخلق في جميع كمالات الخير بما لايتناهي لأحدٍ ممّن سواهم بمعني انّه لو كان نبيّ من افضل اولي العزم غير محمّدٍ (ص‌) زُخّ في كمالٍ من كمالاتهم فبقي يصعد ابد الٰابدين ماحام حول حمي كمالهم ذلك و لم‌يتجاوز اثره و علي معني انّه الرئيس في قومه المطاع في عشيرته فان اللّه سبحانه قد احلّهم في مقامٍ بين قومهم و عشيرتهم بل بين كلّ الخلق لايكيّف كنهه و لايكتنه اصله كما قال عليّ (ع‌) نحن صناۤئع ربّنا و الخلق بعدُ صناۤئع لنا اي خلقنا اللّهُ لَهُ و خلق الخلقَ لنا فهم مطاعون في كلّ الخلق اذا دعوا اجابَتْهم الحقاۤئق و الرقاۤئق و الطراۤئق و الأفئدة و القلوب و الأرواح و النفوس و الطباۤئع و الألفاظ و الأحوال و الأعمال و الأقوال و الحركات و الخواطر و الضماۤئر و السراۤئر فكلّ شي‌ء لهم و كلّ شي‌ء يطيعهم و علي انه الذي يفوق في الخير فانّهم عليهم السلام فاقوا في كلّ خير كلّ الخلاۤئق لأنّ كلّ الخلاۤئق انما خُلِقوا لهم و في هذه الزيارة الشريفة كما يأتي انشاۤء اللّه فبلغ اللّه بكم اي بلّغكم اشرف محلّ المكرّمين و اَعْلي منازل المقرّبين و ارفع دَرَجَاتِ المرسلين حيث لايلحقه لاحِق و لايفوقه فاۤئق و لايطمَعُ في ادراكه طامع اي انّ اللّه احلّهم مَحَلّاً لايطمع طامع من الخلق سواهم في ادراكِهِ و ان يفوقه و لا ان يلحقَه و علي انه المالك فظاهر فانّ اللّه سبحانه قد خلق لهم الخلق و فوّض اليهم امرهم و الحكم فيهم كما صرّحت به اخبارهم مثل ما تقدم و غيره و علي انّه المالكُ بمعني المالك ظاهر و ( قد خ ) تقدم و بمعني المدبّر و المربّي و المتمّم و المنعم تقدّم فيما قبل و بمعني الصّاحب انهم علّة الموجودات الأيجاديّة و الماۤديّة و الصّوريّة و الغاۤئيّة فكيف يجوز ان يفارقهم خلق و يبقي و البقاۤء بهم فهم المصاحِبون الخلق بهذا المعني و علي معني الحليم و معني المتحمّل اذي قومه فمن تتبّع الأخبار وجد حلمهم و تحمّلهم الأذي و عدم انتقامهم و هم يقدرون علي نحوٍ لايمكن ان يقع من غيرهم و امّا علي معني الزّوج فهو يتمشّي ايضاً لكن ليس علي جهة الظاهر و انما هو علي ضربٍ من التأويل و لا بأس بالتلويح الي بعض ذلك المعني هو انّ الزوجة صفة و الصفة زوجة الموصوف و الزوجة فاعليّة الموصوف لٰاثار تلك الصفة قبلت تلك الصفة باستعمال الألٰات الذي هو النكاح اعمالاً و اۤثاراً هي الأولاد فالزوج منهم الولي و الزوجة الولاية اذا خطبها من مالكها سبحانه و الأولاد تلك الافعال الحقّة هي خير ثواباً و خير عقباً و عدوّهم ادّعي زوجيتها بالباطل فهم اولاد الزّنا و هم ناصبوا العداوة و في الحديث يا عليّ لايبغضك الّا ابن زنا او ابن حيضة او من طُعِنَ في عجانِه و قد كان منهم مَن هو صحيح النسب ظاهراً و هو ابن زنا باطناً لانّه تولّد علي الولاية البغيّة التي نكحها الزاني بها بغير الحقّ فنكاحه لها ليس من اللّه فاولادُه اولاد زنا فلذا يبغضون عليّاً عليه السلام و امّا الزوج الحقّ فهو الوليّ فانّ اللّه سبحانه زوّجه بها في السماۤء و قولك في هذا المعني وليّ مثل قولك زوج فافهم الأشارة الي هذا السر و كن به ضنيناً و امّا الولاة جمع وليّ فقد تقدّم الكلام و التنبيه علي بعض البيان في شرح قوله و اولياۤء النعم فلايحتاج الي الأعادة و ما ذكره الشارح هنا من الٰايات و الروايات كافٍ في الأشارة لمن كان له قلبٌ او القي السمع و هو شهيد .
قال عليه السلام : و الذادة الحُماة
قال الشارح (ره‌) الذادة جمع الذاۤئد من الذود بمعني الدفع الحُماة جمع الحامي فانهم يدفعون عن شيعتهم في الدنيا الٰاراۤء الفاسدَة و المذاهبَ الباطلةَ و البليّات المهلكة بالأدعية الشافية و في الٰاخرة بالشفاعة و الحماية كما ورد به الأخبار المتواترة .
اقول هم الذاۤئدون لأولياۤئهم في الدنيا و في الٰاخرة عن كلّ ما لايحبّ اللّه من الأعتقادات الباطلة و الخطرات الفاسدة و الأعمال القبيحة و الأقوالِ الرديّة و الأحوال المستنكرة و مثل المأٰكل و الملابس المحرّمة بل عن الأكل و الشرب المضِرّيْنِ بالابدان و بالعقول و الداعيَيْن الي الشهوات المحرّمة او الي القسوة و الحاصل انهم يذودون شيعتَهم عن كلِّ ما يكره اللّه و يذودون اعداۤءهم عن كلِّ ما يحبّ اللّه و هذا هو المراد من معني قوله (ع‌) انّه يذود اعداۤءه عن وُرود الحوض يوم القيٰمة فانّ معني هذا انّه يذود اعداءه عن جميع ما يحبّ اللّه من الأعتقادات الراجحة و الأعمال الصالحة ظاهراً و باطناً و ذلك بقوله تعالي كذلك زيّنّا لكلّ امّة عملهم و ذلك اذا مال المنافق بطبع ماهيّته الي العمل الباطل صادمه ميل وجوده الي العمل الصّالح فكان حبه للشّر للفطرة المغيرة و ميله للخير للفطرة الايجادية التي هي فطرة اللّه قبل ان تغيّر فاذا مال بمحبّته الي الشر خذل و خلّي فحسُن الشرّ لديه و زان بسبب مدد الخذلان فكان هذا الخذلان و التخلية مرجّحاً لفعل الشّر علي فعل الخير و هذا الترجيح اوجد بميلهم و تأكّد عزمهم و بهذا الايجاد ذادوهم عن الخير الذي هو الحوضُ المذكورُ هذا في حق اعداۤئهم و علي العكس في حق اوليائهم ذادوهم عن الشر و اوردوهم الخير و هو نهر في الجنة من شرب منه لم‌يَظْمَأْ ابداً و قول الشارح (ره‌) بالادعيةِ الشافيةِ جار علي ظاهر الحال و هو كمال فانهم عليهم السلام قالوا لشيعتهم انا من ورائكم بالدّعاء الذي لايحجب عن بارئ السّماۤء الّا انّ الدّعاۤء الحالي ابلغ من الدعاء المقالي فان الأفعالَ و التعليمَ و الارشادَ و الهدايةَ و الأخذَ باليد و بذلَ فاضل الحسنات و تحمل الذّنوب و تسبْيبَ الاسباب و تحبيبَ الايمان و الاستيهابَ من ربِّ الاربابِ و التفضلَ بفاضل الطينة و النفخ من اَرواحهم و تولّي الحساب و الشفاعة و التشفيع و امثال ذلك السنةٌ صادقة و ارسامٌ مطابقة للاحكامِ الموافقةِ و كلّها دعوات منهم لشيعتهم و محبّيهم من ربّهم سبحانه ( سبحان خ‌ل ) الذي استرعاهم امرهم و فوّض احكامهم الوجودية و الشرعية اليهم فبهذه الدعواتِ المعنوية ذادوهم عن جميع المكاره في الدنيا و الٰاخرة و اوردوهم حوضهم الذي هو جميعُ خيراتِ الدنيا و الٰاخرةِ و معني كونِ هذه المذكورات دعوات انها قوابلُ للفيوضاتِ الالهية يعني انهم عليهم السلام هم و احوالهم و افعالهم و جميع ما خوّلهم ربهم محالّ فاعليته و مثال ربوبيته بمعني ان اللّه سبحانه القي مثاله اي ربوبيته و فاعليته في هوياتهم و هويات احوالهم و افعالهم و جميع ما لهم فاظهر عنهم افعاله فهو الفاعل بهم ما يشاۤء و هو يفعل ما يشاۤء و لايفعل ما يشاء غيره و هم بفعله فاعلون و همْ بامره يعملون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون فدعوا بالقابليات و اجاب الفاعل بالمقبولات و الحماة كالذادة ( معنيً خ ) الّا انه في الغالب يستعمل في دفع المكاره عن المحبوبِ بخلاف الذادة فانه يستعمل في دفع الاعداۤء عن الخير غالباً و ان كان كل منهما قد يستعمل في معني الٰاخر .
قال عليه السّلام : و اهل الذِكْر
قال الشارح (ره‌) الذين قال اللّه فيهم فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون كما ورد به الاخبار المتواترة انهم هم و الذكر اِمّا القرءان اَو الرّسول صلي اللّه عليه و آله و هم اهلهما .
اقول قد مضت الاشارة في الجملة الي ما يراد من الاهل من التأهل و الاستحفاظ و التحمّل و اظهار بيان حال الذكر و الاستدلال عليه و الدعوة اليه و تأييده و تشييد بنيانه و شدّ اركانه و ابتناء كل واحد منهما علي صاحبه و النطق عنه وَ الترجمة له و الاستخلاف له و القيام بما يكلف به و يدعو اليه و الذكر هو القرءان كما قال تعالي فاسئلوا اهل الذكر و الذكر هو القرءان لقوله تعالي و انه لذكر لك و لقومك و ( او خ‌ل ) هو القرءان اي شرف لك و فخر او ( و خ‌ل ) هو محمّد رسول اللّه (ص‌) لقوله تعالي قد انزل اللّه اليكم ذكراً رسولاً ، و يجوز ان يكون الذكر في الباطن و هو ذكر اللّه محمّد صلي اللّه عليه و آله قال ( اللّه خ ) تعالي و لذكر اللّه اكبر او ذكر الرّحمن و هو علي عليه السلام ( و خ ) قال تعالي و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين و انهم ليصدّونهم عن السبيل و هو عليّ عليه السلام ( و خ ) قال تعالي و انه اي عليّ لذكر لك و لقومك و سوف تسئلون يعني عن ولايته و ورد في معني و سوف تسئلون عن العلوم التي حمّلكُم ايّاهَا اللّه و رسوله (ص‌) لتبلّغوها الي الخلق في الكافي عن الباقر عليه السلام نحن قومه و نحن المسئولون و عن الصّادق (ع‌) ايانا عني و نحن اهل الذكر و نحنُ المسئولون و عنه عليه السلام الذكر القرءان و نحنُ قومه و نحن المسئولون و في البصائر عن مولانا الباقر عليه السّلام في هذه الاية قال الذّكر رسول اللّه صلي اللّه عليه و اۤله و اهل بيتِه اهل الذكر و هم المسئولون و في الكافي عن الوشّا قال سألتُ الرضا (ع‌) فقلتُ له جُعِلتُ فداۤءك فاسئَلُوا اَهْلَ الذكرِ اِنْ كنتم لاتعلمون فقال نحن اهل الذكر و نحن المسئولون قلتُ فانتم المسئولون و نحن الساۤئلون قال نعم قلتُ حقّاً علينا ان نسئلكم قال نعم قلتُ حقّا عليكم ان تجيبونا قال لا ذاك الينا ان شئنا فعلنا و ان شئنا لم‌نفعل اماتسمع قول اللّه تعالي هذا عطاۤؤُنا فامْنُنْ اَوْ اَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ، و في الكافي عن الوشّا عن ابي‌الحسن الرضا (ع‌) قال سمعتُه يقول قال عليّ بن الحسين عليهما السلام علي الائمّة من الفرض ما ليس علي شيعتِهم و علي شيعتنا ما ليس علينا امرهم اللّه تعالي ان يسألونا فقال فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون فامرهم ان يسألونا و ليس علينا الجواب ان شئنا اجبنا و ان شئنا امسكنا ، اقول انّ اللّه سبحانه يكلّف عبادَه علي حسب ما تقتضيه حقاۤئق ذواتهم لذواتهم و لأفعالهم فكلّف محمّداً و آله الطيّبين صلّي اللّه عليه و عليهم اجمعين بمقتضي ذواتهم لذواتهم فيما يعرفون و يعتقدون و يعلمون و لافعالهم فيما يعملون و يقولون و يُعَلِّمُون و يهدون و هم بامره يعملون و لمّا خلقَ اللّه الخلقَ اشهدهم خَلْقَهُم و انهي اليهم علم خلقه و فوّض اليهم امرَ اَحْكامهم ثم انّه سبحانه ايّدهم بروحٍ منه فلايغفلون و لايسهون و لايجهلون و لايجورون في حكمِهم و لايحيفون فاذا سألهم ساۤئل نظروا فيما تقتضيه حقيقته لذاته او لفعله فيعرفون ما يصلح له لأنّ اللّه قد اشهدهم خلقه و انهي اليهم علمه و فوّض اليهم امر حكمه فان اجابوا فَبِما لَه و ان امسكوا فعمّا ليس له و هو يُسْألُ عمّا اعلموه لأنّه مَحَلُّ التقصير و الخطاء و هم لايُسْئَلُون لعصمتهم فجعل اللّه لهم تأويل قوله تعالي هذا عطاۤؤُنا فامنُنْ اوْ اَمْسِكْ بغير حساب لأنّهم سلكوا سُبُلَ الربّ جلّ و علا بهدي الله ذُلُلاً بل لا مشيّة لهم الّا مشيّة اللّه و يجوز ان يراد بالذكر ذكر اللّه و ان اريد به القرءان او محمّدٌ (ص‌) او ذكر الرحمن و ان اريد به الفرقان او عليّ (ع‌) و كونهم علي هذا التجويز اهل الذكر يقتضي بسطاً طويلاً الّا انّه يُعْلَم مما ذكرنا سابقاً في خلال ما تقدّم و لأجلِ ذكره سابقاً و الأختصار اقتصرنا عليه .
قال عليه السلام : و أُولي الأمر
قال الشارح (ره‌) الذين قال تبارك و تعالي فيهم اطيعوا اللّه و اطيعوا الرّسول و اولي الأمر منكم كما وردَ به الأخبار المتواترة من طرق العاۤمّة و الخاۤصّة .
اقول اولي بمعني اصحاب و ليس له واحد من لفظه و واحده ذو كذا قيل و مثله في المؤنّث اولات و واحدها ذات و كلها تستعمل فيما يستعمل ما بمعناها فيه من اصحابٍ و صاحب و صاحبات و صاحبة الّا انّ الاُوْلي يُستعمل ( تستعمل خ‌ل ) في مقام التكريم و المدح غالباً و صاحب علي العكس غالباً قال تعالي في مقام الثناۤء و ذا النّون اذ ذهب مُغَاضِبا و قال في مقام العتب فاصْبِرْ لحكم رَبِّكَ وَ لاتَكُنْ كصاحِبِ الحوتِ يعني لم‌يصبر لحكمِ ربِّهِ فَذَكَرَهُ بصاحِب و بالحوت لا بالنون و الأمر قد يراد به الحكم بين الناس كما قال تعالي و لو ردّوه الي الرّسول و الي اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم و قد يراد به العدل و ارادة مصلحة الرّعيّة كما قال علي ( عليه خ‌ل ) السلام اعرفوا اللّه باللّهِ يعني لا بخلقه فان الشي‌ء لايُعْرَف بغيره و الرسول بالرسالة اي الثّابتة بالمعجز المقرون بالتَّحَدِي و اولي الأمر بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فانّ الشي‌ء لايعرف الّا بصفته فمَن كان من شأنه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علي مقتضي حكم اللّه في كتابه و سنّة نبيه (ص‌) فهو من اولي الأمر اي المريدين للعدل و الأصلاح كما امر اللّه الذين يجب اتّباعهم و الاقتداۤء بهم و قد يراد بالأمر ما ذَكَر ( ذكره خ‌ل ) سبحانه في كتابه في قولِهِ الحقّ قل انّ الأمرَ كلّه لِلّهِ فكل شي‌ء فملكوته بيد اللّه و جميع اموره تصير اليه اَلَا الي اللّه تصير الأمور و كلّما لِلّهِ من خلقه ممّا صدر عن مشيّته فقد جعله لمحمّد و آله الطيّبين صلّي اللّه عليه و عليهم اجمعين و هو الأمر المشار اليه و هو الولاية الكبري كما ذَكَر في كتابه هُنالِكَ الوَلاية لِلّهِ الحقّ هُو خير ثواباً و خير عقباً و ذكر مقتضي هذه الولاية و هو الأمر المشار اليه قال تعالي و اليه يرجع الامر كلّه فاعبده و توكّلْ عليه يعني فاعبده بتوحيده و ادعه باسماۤئِه و توكّلْ عليه بان تفوّض الأمر اليه في كلّ حال و في الزيارة المرويّة في المصباح للشيخ في شهر رجب الّتي اوّلها الحمد للّه الذي اشهدنا مَشْهَدَ اَوْلِياۤئِهِ في رجب الي ان قال انا ساۤئلكم و آملكُم فيما اليكم التّفويض و عليكم التعويض فبكم يجبر المهيض و يشفي المريض و عندكم ما تزداد الأرحام و ما تغيض انّي بسرّكم مؤمن و لقولكم ( بقولكم خ‌ل ) مُسَلِّم و في هذه الزيارة الّتي نحن بصددِ شرحها و مفوّض في ذلك كلّه اليكم و هذا الأمر المشار اليه هو صفة الولاية و عليّ الوليّ عليه السلام قال في خُطبته ظاهري ولاية و باطني غيبٌ لايدرك ، و هذا الأمر المشار اليه هو الولاية و هو المذكور في قوله تعالي و من آياته ان تقوم السماۤء و الأرض بامره و هذا الأمر له آثارٌ كلّ اثرٍ منها امرٌ ما بين كليّ و جزئيّ و منها قوله تعالي تنزل الملاۤئكة و الروح فيها باذن ربّهم من كلّ امرٍ فهذه الأمور آثار للامر المشار اليه و ان كانتْ تأوّل به كما في قوله تعالي فيها يفرق كلّ امرٍ حكيمٍ امراً من عندنا ، و في الأحتجاج و قد ذكر الحجج عليهم السلام قال هم رسول اللّه (ص‌) و مَن حلّ محلّه من اصفياۤء اللّهِ و هم ولاة الأمر الذين قال اللّه فيهم اطيعوا اللّه و اطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم و قال فيهم و لو ردّوه الي الرسول و الي اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم قال الساۤئل ما ذلك الأمر قال (ع‌) الّذي تنزّل به الملاۤئكة في الليلة الّتي يفرق فيها ( فيها يفرق خ‌ل ) كلّ امرٍ حكيمٍ من خلقٍ و رزقٍ و اجلٍ و عُمُرٍ و حيوةٍ و موتٍ و علمِ غيبِ السمواتِ و الأرضِ و المعجزات التي لاتنبغي ( لاينبغي خ‌ل ) الّا لِلّهِ و اصفياۤئِهِ و السَّفَرَة بينه و بين خلقه ه‍ ، فهذه الأمور المذكورة هي آثار الامر المشار اليه علي نحوِ ما اشرنا اليه و يطلق عليها ايضا الأمر اذا قيل ولاة الأمر و اولوا الأمر و هي المحتومات في عالم الغيب و منها المحتوم في عالم الغيب و الشهادة و قد تقدم بيان هذا و لو قيل المراد بهذا الأمر في اولي الأمر مَا يقابل النهي و انما حذف النهي للسجع و الأمر يدلّ عليه او انه استعمل فيما يعمهما علي معني انّ المراد به مطلق الطلب امكن و ان كانَ بعيداً و اَمَّا علي ما تقدّم فهو داخل قطعاً .
قال عليه السلام و بقيّة اللّه
قال الشارح (ره‌) الذين قال تقدّس و تعالي فيهم بقيّة اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين اي ابقاكم اللّه الي انقضاۤء الدنيا لهداية الخلق الي اللّه بل هم سبب بقاۤء الدنيا او لتخلّقهم باخلاق اللّه كأنّهم بقيّة اللّه ه‍ .
اقول قال شعيبٌ لقومه بقيّة اللّه اي ما ابقي اللّه لكم من الحلال اذا تنزّهتم عمّا حرّم عليكم خير لكم ان كنتم مؤمنين فعلي هذا يمكن تأويله بانّ ما ابقي لكم من آل‌محمّد (ص‌) الذين علمهم طعام حلال اذا تجنّبتم اعداۤءهم الذين علمهم طعام حرام نُهيتم عن تناوله لانّه جهل محض ليس من الحق في شي‌ء خير لكم و الأخبار بهذا المعني كثيرة روي محمد بن يعقوب باسناده الي محمد بن منصور قال سألتُ العبد الصالح عن قول الله عزّ و جلّ انّما حرّم ربي الفواحش ما ظَهَرَ منها و ما بَطَنَ فقال انّ القرءان له بطن و ظهر فجميع ما حرّم اللّه في القرءان هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمّة الجور و جميع ما احلّ اللّه في القرءان هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمّة الحقّ و يؤيد هذه الروايةَ روايات كثيرة منها ما رواه ابوجعفر الطوسي باسناده الي الفضل بن شاذان عن داود بن كثير قال قلتُ لأبي‌عبداللّه (ع‌) انتم الصلوة في كتاب اللّه و انتم الزكوة و انتم الحجّ قال ( فقال خ‌ل ) يا داود نحن الصلوة في كتاب اللّه عز و جل و نحن الزكوة و نحن الصيام و نحن الحج و نحن الشهر الحرام و نحن البلد الحرام و نحن كعبة اللّه و نحن قبلة اللّه و نحن وجه اللّه قال اللّه تعالي فأينما تولّوا فثَمَّ وجه اللّه و نحن الٰايات و نحن البيّنات و عدوّنا في كتاب اللّه عز و جلّ الفحشاۤء و المنكر و البغي و الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام و الأصنام و الأوثان و الجبت و الطاغوت و الميتة و الدّم و لحم الخنزير يا داود انّ اللّه خلقنا فاكرم خلقنا و فضّلنا و جعلنا امناۤءه و حفظتَهُ و خزّانه علي ما في السموات و ما في الأرض و جعل لنا اضداداً و اعداۤءً فسمّانا في كتابه و كنّي عن اسماۤئنا باحسن الأسماۤء و احبّها اليه تكنيةً عن العدد و سمّي اضدادَنا و اعداۤءنا في كتابه و كنّي عن اسماۤئهم و ضرب لهم الأمثال في كتابه في ابغض الأسماۤء اليه و الي عباده المتقين انتهي .
اقول انّ لتسميتهم بالصلوة و الزكوة و غيرهما من الأسماۤء الطيّبة و تسمية اعداۤءهم بالخمر و الميسر و الفحشاۤء و المنكر و غيرها من الأسماۤء الخبيثة ثلاثة معانٍ احدها لمراعاة الحساب في العدد علي ما هو مقرّر عندهم في الجفر يتّفق علي اسماۤء الصفات غالباً لانها هي مناط التعريف و التعيين و بيان ذلك عندهم (ع‌) و قد اشار الي هذا بقوله تكنيةً عن العدد كما في الحديث السابق هذا فراجعه و ثانيها انّ هذه اسماۤء ( الاسماء خ‌ل ) وضعت علي الفريقين في عالم الذّر يوم التكليف الأول فنطق كلّ بما انطوي عليه من صفة ذاته الّتي هي مبدء الأفعال و الأعمال الصالحات في حقّهم و مبدء الأفعال و الأعمال السيّئة في حقّ اعداۤئهم فلمّا كان الوضع كما هو الحقّ جري علي المناسبة الذاتيّة بين الأسماۤء و المسمّيات لأنّ الأسماۤء ظواهر المسمّيات وجب في الحكمة ان تكون الأسماء الحسني لهم لحقيقة المناسبة و الأسماۤء السّوءۤي لأعداۤئهم كذلك فانّ الأمام (ع‌) فيما لأجله شرعَتِ الصلوة المعلوم احقّ و اوفق بل لولاه لم‌تشرع لما شرعت له و انما شرعت لما شرعتْ له وصفاً لحقيقة الأمام (ع‌) و كذلك عدوّه في تسميته بالخمر فافهم و ثالثها انّما سُمِّيَتِ الصلوة بهذا الأسم لأنّها فرعه و انّما سمّي بها في الظاهر لأنّه اصلُها و كذلك في الخمر و العدوّ و هذا اعتبار في التسمية ( للتسمية خ‌ل ) في الظاهر و لهذا يقال سمّي بالصّلوة مجازاً و امّا في المعني الثاني فالتسمية حقيقة و يدلّ علي هذا المعني حديث المفضّل بن عمر الطويل عن الصّادق (ع‌) و بمعناه ما رواه الفضل بن شاذان باسناده عن ابي‌عبداللّه (ع‌) انّه قال نحنُ اصل كلّ خيرٍ و من فروعِنا كلّ برٍّ و من البرّ التوحيد و الصّلوة و الصّيام و كظم الغيظ عن المسي‌ءۤ و رحمة الفقير و تعاهد الجار و الأقرار بالفضل لأهله و عدوّنا اصل كلّ شرّ و من فروعهم كلّ قبيح و فاحشة فمنهم الكذب و النميمة و البخل و القطيعة و اكل الربا و اكلُ مال اليتيم بغير حقٍ و هي الحدود التي امر اللّه عزّ و جلّ و ركوب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن من الزنا و السّرقة و كلّ ما وافق ذلك من القبيح و كَذَبَ من قال انه معنا و هو متعلّق بفرع غيرنا ، هذا من تفسير بقيّة اللّه علي احد وجوه الظاهر بالتأويل و فسرّت بالطّاعة كما قال تعالي و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً و هي الصلوات الخمس او سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الّا اللّه و اللّه اكبر روي الأوّل عن الصادق (ع‌) و روي عنه (ع‌) ايضاً انها صلوة الليل و روي الثاني عن النبيّ (ص‌) فانهنّ المقدمات و هنّ المنجيات و هنّ المعقّبات و هنّ الباقيات الصالحات او هي مودة اهل البيت و في تفسير الماهِيٰار محمد بن العباس (ره‌) قال حدثنا احمد بن محمّد ابن سعيد عن محمد بن الفضيل عن ابيه عن النعمان عن عَمْرو الجعفي قال حدثنا محمد بن اسمعيل بن عبدالرحمن الجعفي قال دخلتُ انا و عمّي الحصين بن عبدالرحمن علي ابي‌عبداللّه (ع‌) فَسَلّم عليه فردّ عليه السلام و ادناه و قال ابن مَن هذا معك قال ابن اخي اسمعيل قال رحم الله اسمعيل و تجاوز عن سي‌ءۤ عمله كيف مخلّفوه قال نحن جميعاً بخيرٍ ما ابقي اللّه لنا مودّتكم قال يا حصين لاتستصغرنّ مودّتنا فانها من الباقيات الصالحات فقال يا بن رسول اللّه مااَسْتصغرها و لكن احمد اللّه عليها لقولهم صلوات اللّه عليهم من حَمد فليقل الحمد للّه علي اوّل النعم قيل و ما اول النعم قال ولايتنا اهل البيت ه‍ ، فعلي الصلوات الخمس الّتي هي عمود الدين ان قُبِلَتْ قبل ما سواها و ان ردّت ردّ ما سواها و تأويلها ولايتهم و هم ايضاً فالظُّهر رسول اللّه (ص‌) الذي اظهر الاسلام و يظهره اللّه علي الدّين كلّه و العصر هو عليٌّ انّ الانسان عدوّه لفي خُسرٍ و هو الذي عصر منه و من فاطمة (ع‌) الأئمّة الأطهار و المغرب فاطمة و الصلوة الوسطي الّتي امر اللّه بالمحافظة عليها بمحبّتها و نصرتها و ان يقوم المسلمون لنصرتها قانتينَ و العشاۤء هو الحسن (ع‌) بشدّة ظلمة صلحه علي الجّهال و الفجر هو الحسين (ع‌) قال تعالي انّ قرءانَ الفجر كانَ مشهوداً اي مستشهداً او مشهوداً اي تشهده ملاۤئكة اللّيل اي ملاۤئكة النصر يقدمهم الملك الموكّل بهم اسمه منصور انّه كان منصوراً و تشهده ملاۤئكة النهار اي الشهادة الّذين يشيّعونه للقاء اللّه و منهم الأربعة الأٰلاف الشُّعث الغُبر الذين عند قبره يعفّرون وجوههم في ثري تربته و يشمّون طيب تراب مصرعه السامي يبكون عليه الي يوم القيمة كلّ واحد منهم لازم لمركزه من تلك التربة الطيّبة الذي هو باب وجوده من معبوده سبحانه و ايضاً بقيّة اللّه معانيه في خلقه و ظاهره اي تعبدونه بهم و تسبّحونه بهم و تحمدونه بهم و تهلّلونه بهم و تكبّرونه بهم و تعرفونه بهم و تتذكرونه بهم و بهم و لهم خلقَ الخلق و بهم ( لهم خ‌ل ) و منهم رزق الخلق و بهم و لهم و عليهم حفظ الخلق و عنهم و منهم و لهم امات الخلق فبهم و منهم و لهم احيي الخلق و ايضاً بقيّة اللّه آياته في الٰافاق و في انفسهم فهم عليهم السلام آياته في الٰافاق و في انفس الخلق روي جعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارة بسنده الي عبداللّه بن حمّاد البصري عن ابي‌عبداللّه (ع‌) في حديثٍ طويلٍ بعد ان بيّن (ع‌) انهم يرون كاۤفّة الناس اي مَن علي الارض قال فاذا لم‌يكن معهم من ينفذ قوله و هو يقول سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم فاي آية في الأفاق غيرنا اراها اللّه اهل الٰافاق و قال و ما نريهم من آيةٍ الّا هي اكبر من اختها فايّ آية اكبر منّا الحديث ، فما تشاهده العيون و ما تسمعه الٰاذان و ما تعيه القلوب من الأمور العجيبة و الأشياۤء الغريبة فهو من آثار ما اودع اللّه فيهم (ع‌) من اسراره فاظهر سبحانه عنهم عليهم السلام ما يعلم و ما لايعلم ممّا لايعلمه غيره و غيرهم قال تعالي و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الّا هو و يعلم ما في البرّ و البحر و ماتسقط من ورقةٍ الّا يعلمها و لا حبّةٍ في ظلمات الأرض و لا رطبٍ و لا يابسٍ الّا في كتابٍ مبينٍ ، و في انفس الخلق قال تعالي لقد مَنَّ اللّهُ علَي المؤمن۪ينَ اِذْ بَعَثَ فيهم رَسُولاً من انفسِهم اي من آله الطيّبين فانّه منهم كما انّهم منه و هم انفس الخلق و الي هذا اشار عليّ (ع‌) في قوله انا ذَاتُ الذَّواتِ و الذّاتُ في الذَّواتِ للذّاتِ ، اي انا روح الأرواح و نفس النّفوس و انا مُلْك للّهِ ( اللّه خ‌ل ) و عبده فيكون لهذا الوجه معنيان الأوّل انهم (ع‌) تلك الٰايات الكبري الّتي نجد آثارها في انفسنا و ما تدركه قلوبنا و افئدتُنا من عظمة اللّهِ و عزّته و عموم قدرته و سعة علمه و بسط رزقه و جميع آثار افعاله من احوال الخلق و الرزق و الحيوة و الممات في الغيب و الشهادة و في الٰاخرة و الدنيا و في هذا الوجه وجهان احدهما انّ اللّه تعالي حكي عنهم (ع‌) القول و القول فعلُه بهم ما شاۤء كما شاۤء و ثانيهما انه اخبر عن نفسه فهم الٰايات و في هذا الوجه وجهانِ احدهما انّه عن افعال ذاته البحت المقدّسة فالٰايات المرئيّة معانيه و ابوابه و حججُه و ثانيهما انّ النفس المخبر عنها معانيه فالٰايات المرئيّة ابوابه و حججه او حججه ان كانت النفس هي الأبواب و هُنا وجوه تضيق نفسي بنشرها و لاتضيق بكتمانها و الثاني انّهم الذين يعرفهم من عرف نفسه كما في قوله (ع‌) مَن عرفَ نفسه فقد عرف ربّه يعني انّ الشخص اذا عرف نفسه مجرّدةً عن كل اضافة و نسبةٍ بكلّ اعتبارٍ و فرضٍ كما بيّنّاه في شرحِ حديث كميل لم‌يجد الّا صفة اللّه سبحانه اي وصفه نفسه لذلك الشخص فلهذا يعرف ربّه لانّ ربّه جلّ و علا لمّا اراد ان يعرفه ذلك الشخص وَصَفَ نفسه له و ذلك الوصف هو حقيقة ذلك الشخص فليس هو شيئاً غير ذلك الوصف و لايمكن ان يعرف اللّه سبحانه احد الّا بمعرفتهم قال عليّ (ع‌) نحن الأعراف الذين لايُعْرَف اللّه الّا بسبيل معرفتنا و قولي يعرفهم من عرف نفسه و استشهدتُ بانّ من عرف نفسه عرف ربّه اريد به انّه سبحانه لما احبّ ان يتعرّف للخلق و لايمكن ان يعرفوه بذاته الحقّ المحض تعرّف لهم بوصفِ نفسه لهم كما ذكرنا فأعْلَي وصفٍ صَدَرَ عن فعله ما تعرّف به لمحمّدٍ و آله (ص‌) و ذلك الوصف هو حقيقتهم من الوجود قال تعالي و له المثل الأعلي في السموات و الأرض ثم وصف نفسه بهم لمَن دونهم فكان هذا الوصف حقيقة هؤلاۤء الذين هم من دونهم كالانبياء ثم وصف نفسه عنهم بالأنبياۤء للمؤمنين العارفين مثلاً فكان هذا الوصف حقيقة هؤلاۤء المؤمنين و هكذا فاذا جرّد المؤمن نفسه عن كلّ ما سواها كما قلنا وجدهم (ع‌) ظاهرين له بوصفِ ربّه له فاذا عرف نفسه ( فقد خ‌ل ) عرف ربّه و هم الٰايات الّتي اراها اللّه ذلك المؤمن في نفسه فبها عرف ربّه و لهذا قالوا صلّي اللّه عليهم بنا عُرِفَ اللّه و لولانا ماعُرِفَ اللّه و لايُعْرَفُ اللّه الّا بسبيل معرفتِنا و معرفتُنا معرفة اللّه و نحن اركان توحيده و ما اشبه ذلك و المثال في ذلك انّ الصورة القاۤئمة في المرءٰاة عند مقابلة الشخص اذا جَرَّدَتْ نفسها لم‌تكن الا ظهور شبح الشخص في المرءٰاة فتدرك شبح الشخص بظهوره بها الذي هو هي و انّما تعرف الشخص بمعرفة شبحه الذي هو ظهوره لها فمعني انّ اللّه يُرينا ايّاهم في انفسنا علي هذا الوجه انّه يُرينا انّ انفسنا شعاعهم و ظهورهم لَنَا بِنَا و ذلك لمن اراد اللّه سبحانه ان يعرّفه نفسه ليكون من المحسنين فكلّ الخلق منهم و كلّ الخلق بهم و كلّ الخلق لهم و كلّ الخلق اليهم بل الخلق هم و الخلق عبارة عنهم لايسمع فيها صوتٌ الّا صوتك فهم بقيّة اللّه بهذا المعني الذي ذكرنا فتفهّمه راشداً موفّقاً .
قال عليه السلام : و خيرته
قد انعقد الأجماع من الفرقة المحِقّة انّهم عليهم السلام خيرة اللّه من خلقه اجمعين من الأنبياۤء و المرسلين و الملاۤئكة و الجنّ و الأنس و الحيوانات و النّباتات و المعادن و الجمادات لم‌يخالف في ذلك من هذه الفرقة الّا افراد لايعبأ بهم لضعف معرفتهم و دليلهم و قد دلّ الدليل القطعيّ العقليّ و النقلي علي بطلانِ معتقدهم و انّه لايجوز ان يكون احدهم الامام (ع‌) فقام الأجماع علي هذا المدّعي بقي شي‌ء في مطلق هذا المعني و هو انّهم انما يكونون خيرة اذا كانوا في وقتٍ كان فيه جميع الخلاۤئق من الحيواناتِ و النباتاتِ و المعادن و الجمادات ان قيل انّهم المختارون من الكلّ او مَن هم مختارون منه ان اريد البعض ليكونوا مختارين ممّن كانوا في جملتهم و الّا فلا معني للأختيار هُنا لأنّه بمعني الانتخاب و الأنتقاۤء للشي‌ء من بين اَمْثالِه و هذا المعني مذكور في القرءان في مواضع مثل قوله تعالي و اختار موسي قومه سبعينَ رجلاً لميقاتنا اي من قومه و قوله تعالي ماكان لمؤمنٍ و لا مؤمنةٍ اذا قضي اللّه و رسوله امراً ان يكون لهم الخِيرَةُ من امرهم و مثل ظاهر قوله تعالي و ربّك يخلق ما يشاۤء و يختار فقدّم الخلق علي الأختيار اشعاراً بانّه يختار ممّا خلق و قد دلّ الدليل علي انهم قبل الخلق بل روي انّهم قبل الخلق بالفِ دهرٍ فكيف يصحّ الأختيار في حقّهم و لم‌يوجد شي‌ء يختارهم منه و الجواب من وجهين :
الأوّل انّه سبحانه عَلِمَ خلقه كلهم و هم في علمه في جامعٍ واحدٍ لا تقدّم في علمه و لا تأخّر لأنّهم في مشيّته اي في الأمكان الراجح كلّ في المكان الذي امكنه فيه كما اشار اليه سيّدالساجدين عليه السّلام في دعاۤء الصحيفة ثم سَلَكَ بهم طريقَ ارادته و بعثَهم في سبيل محبّتِه لايملكون تأخيراً عمّا قدّمهم اليه و لايستطيعون تقدُّماً الي ما اخّرهم عنه ه‍ ، فوقع الأختيار منه سبحانه عليهم في ذلك المجمع فكانت الخيرة صفوة خلقه فوجب في الحكمة ان يلبسهم حلّة الوجود قبل ما سواهم لأنّهم علة الأيجاد فاشرفوا ( فاشرقوا خ‌ل ) بكسوة الحقيقة و تأخّر من سواهم لتوقّف لبسه لحلّة الوجود علي وجودهم لانّ حلل ما سواهم اشباح حللهم و امثالها و فاضلها و شعاعها فظهر جميع الموجودات كلّ في مكانه من الجواز و هو الذي امكنه فيه في الراجح فغيرهم و ان تأخّرتْ مراتبهم عنهم (ع‌) لانتظار قوابلهم و متمّماتها من المشخّصات و المنوّعات و المجنّسات فانهم في علمه الراجح في وادٍ واحدٍ فصدق الأختيار في عالم الأسرار علي نحوِ ما يظهر من الأعتبار في الأختيار من الٰاثار .
الثاني انّ المراد من الأختيار اخذُ ما هو خير و يدور صدقه علي اخذِ كثير الخير و اولي تلك الأفراد ما هو خير بَحْت و من دونه ماكان الغالب عليه الخير و هكذا فاذا وجد الخير البحت كان اخذه اختياراً اذ لاينتظر فوق ذلك رتبةً و الّا لما كان خيراً بَحْتاً لانّ المفروض انّ ما فوقه بحتٌ فبالنّسبة الي الأعلي يكون الأدني مشوباً فلايكون بَحْتاً فلايكون خيرةً الّا بالأضافة و ليس في الوجود الأمكاني خيرٌ بَحْتٌ خالصٌ غيرهم (ع‌) فاخذهم له سبحانه و لم‌يوجد احدٌ سِواهم لِيَصْدُقَ علي هذا المشار اليه من الأختيار الأختيار المعروف و هو الأنتقاۤءُ للشي‌ء من بين اشباهِهِ في جهةٍ مّا و انّما كانوا بكينونةِ اللّهِ و تكوينهِ وحدهم يعبدونه و يوحّدونه قبل ان يخلق شيئاً من خلقه بالفِ دهرٍ و هم اذْ ذاكَ خيرته من خلقهِ و انْ لم‌يكن خلق سواهم و لاتظنّ انّهم ماكانوا خيرته من خلقه الّا بعد ان خلق الخلق و اِلّا يلزمك انّهم مابلغوا هذه الرتبة الّتي رتّبهم اللّه فيها الّا بعد ان خلق خلقه فاختارهم من بينهم لانّ هذه الرتبة العالية فرع اختياره لهم في القدم الذي نعبّر عنه بالوجود الراجح المشار اليه في قوله تعالي يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تَمْسَسْه نار و هذا الأختيار هو الأختيار عن علم كما قال تعالي في حقّهم صلّي اللّه عليهم و لقد اخترناهم علي علمٍ علي العالمين فاستحقّوا الأختيار من اللّه قبل العالمين و هذا تأويلها و قبل هذه و لقد نجّينا بني‌اسراۤئيل و اسراۤئيل هو عبد اللّه محمّد بن عبداللّه صلي اللّه عليه و آله الطاهرين و انه لمّا قام عبد اللّه يدعوه ، و في العيّاشي عن الصادق (ع‌) انه سُئِل عن قول اللّه تعالي يا بني‌اسراۤئيل قال هم نحن خاۤصّة و عن النبيّ (ص‌) انه سُمع يقول انا عبدك اسمي احمد انا عبد اللّه اسمي اسراۤئيل فما امره فقد امرني و ما عناه فقد عناني ه‍ ، ثم قال تعالي من العذاب المهين من فرعون انّه كان عالياً من المسرفين يعني نجّينا آل‌محمّد صلي اللّه عليه و عليهم من العذاب المهين يعني فتنة من تقدم علي وصيّه و شيعتهم و كلّ مَن سواهم و شيعتهم فقد ضلّوا بتلك الفتنة و اضلّوا كثيراً يعني كلّ الخلق الّا آل‌محمّد صلّي اللّه عليه و عليهم و شيعتهم و ضلّوا اولۤئك هم و اتباعهم من اهل الضلالة عن سواۤء السبيل و قوله تعالي و لقد اخترناهم يعني في القدم كما ذكرنا و معني هذا الأختيار الأبانة و الأستخلاص و الأختصاص و لهذا قال اميرالمؤمنين (ع‌) في خُطبته يوم الغدير و الجمعة و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله استخلصَه في القدم علي ساۤئر الأمم علي علمٍ منه انفرد عن التشاكل و التماثُل مِن ابناۤء الجنس انتجبه آمراً و ناهياً عنه اقامه في ساۤئر عالَمِهِ في الأداۤء مقامه الي ان قال (ع‌) و اختصّه من تكرمته بما لم‌يلحقه احدٌ من بريّته فهو اهل ذلك بخاۤصّته و خلّتِهِ اِذْ لايختصّ من يشوبه التغيير و لايختار من يلحقه التّظنين ، اقول فيه بيان ما اشرنا لك اليه اوّلاً بقولنا اذا ( اذ خ‌ل ) وجد الخير البَحْت كان اخذه اختياراً كما اشار اليه (ع‌) بقوله اِذْ لايختصّ من يشوبه التّغيير و لايختار من يلحقه التظنين و هذا هو ما لوّحنا لك به انّ هذا لايوجد الّا قبل وجود الخلق فراجع ثم انّه عليه السلام قال بعد ذلك في هذه الخُطبة و انّ اللّه تعالي اختصّ لنفسه بعد نبيّه (ص‌) من بريّته خاۤصّة عَلَّاهم بتعلِيَتِهِ و سَمَا بهم الي رتبتِه الي ان قال (ع‌) انشأهم في القدم قبل كلّ مَذْرُوۤءٍ وَ مَبْرُوۤءٍ انواراً انطقها الي ان قال (ع‌) و اشهدهم خلقَه وَ وَلّاهم ما شاۤءَ من امره و جعلهم تراجم مشيّته و السُنَ ارادته ه‍ ، اقول تدبّر هذه الكلمات الشريفة تبَيّن لك ما اشرنا اليه و فيها اسرار عجيبة و علوم مستوحشة متصعّبة ( مستصعبة خ‌ل ) غريبة لو فسحَ لي و اُذِنَ لي لاسمعتك منها سجع تلك الأطيار علي ناضرات تلك الأشجار بشكر النعم التي لاتحصي و الٰالاۤء الّتي لاتجزي قال الشاعر :
اين مَهْلُ الزمان حتي اُؤدّي       ** * **      شكر احسانِك الذي لايُؤَدَّي
ثم اعلم ان مرادنا بمعني اختيار اللّه سبحانه ايّاهم جعلهم خاۤصّته فهم ابداً عنده و له لايفقدهم حيث يريد لانّه جل و علا اصطنعهم لنفسه و من فاضل ذلك الأختصاص و الأصطناع كرّم موسي (ع‌) فقال و اصطنعتك لنفسي ، و في الحديث القدسي خلقتُك لأجلي و خلقت الأشياۤء لأجلك و قال عليّ (ع‌) نحنُ صناۤئع ربّنا و الخلق بعدُ صناۤئعُ لنا ، اي اصطنعنا لنفسه و اصطنع الخلاۤئق لنا و هذا الأصطناع هو ما اردنا بقولنا فهم ابداً عنده و الي هذا المعني ما اشار الصادق (ع‌) اليه في حديث طويل رواه المفضّل بن عمر عنه (ع‌) حين ذكر بعض ما خصّهم اللّه تعالي قال له المفضّل هل بذلك شاهد من كتاب اللّه تعالي قال نعم يا مفضّل قوله تعالي و له ما في السموات و الأرض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون الي قوله لايشفعون الّا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون ويحك يا مفضّل اتعلمون انّ ما في السموات هم الملاۤئكة و مَن في الأرض هم الجنّ و البشر و كلّ ذي حركة فَمَنِ الذين قال و مَن عنده قد خرجوا من جملة الملاۤئكة و البشر و كلّ ذي حركة فنحن الذين كنا عنده و لا كونَ قبلنا و لا حدوث سماۤء و لا ارض و لا مَلَكٍ و لا نبيّ و لا رسول الحديث ، فهذا معني كونهم خيرة لأنّ الاختصاص و الأصطناع هو الغاية و الفائدة في الأختيار .
قال عليه السلام : و حزبِهِ
اي جنده و انصار دينه فيه اشارة الي انّ هذا الحزب و الجند بتوَلّي اللّه و التفويض اليه و الأعتصام به و القيام بواجب حقّه يهزم الأعداۤء و يغلبهم اِذْ باللّه يطول و به يصول متبرياً من الحول و القوة الّا باللّه العلي العظيم من قوله تعالي و من يتولّ اللّه و رسوله و الذين اۤمنوا فانّ حزب اللّه هم الغالبون و انما جعلهم اللّه حزبه و جنده الأغلب لأنّ اللّه سبحانه لمّا كان صنعه و افعاله جاريةً بالحكمة علي مقتضي النظم الطبيعي لأنّ ذاك من شراۤيط الأيجاد و من المشخّصات و المتمّمات للقابليّات و كان قد خلقهم صلّي اللّه عليهم قبل الخلق لما قلنا فانّ من النظم الطبيعي بل كلّه انّ العلّة قبل المعلول و ان السبب قبل المسبَّبْ سواۤء في القابل و المقبول و انما خَلَقَ جميع خلقه من فاضل اشعّة انوارهم و من عكوس تلك الأشعة و جميع امدادات الخلاۤئق من فاضل اشعتِهم بهم فهم في الحقيقة قاۤئمون بهم في اظلّتهم قيام صدور و قيام تحقّق و لهذا كانوا هم يد اللّه التي في قبضتها ملكوت كلّ شي‌ءٍ كانوا لأجل ذلك هم جند اللّه الأغلب لأنّ جميع الخلاۤئق في قبضتهم و لهذا قال الحسين (ع‌) في الحديث المتقدم لعبداللّه بن شدّاد واللّهِ ماخلق اللّه شيئاً الّا و قد امره بالطاعةِ لنا و كذا نداۤؤه للحمّي و تلبيتُها له و خطابه اياها و في دعاۤء الصّباح و المساۤء اصبحت اللّهم معتصماً بذمامك المنيع الذي لايطاول و لايحاول و ذمامه هو ولايتهم كما بيّنه ( بيناه خ‌ل ) في هذا الدّعاۤء و العلّة في ذلك ما ذكرنا من انّ بقاۤء وجودات جميع الخلاۤئق متوقّف علي امداداتهم و اشعة انوارهم كما قال سيّد الوصيين (ع‌) فيما رواه صاحب انيس السمراۤء كما تقدّم قال (ع‌) لم‌تكن الدّعاۤئم من اطراف الأكناف و لا من اَعْمِدةِ فساطِيطِ السّجاف الا علي كواهل انوارنا الحديث ، و قبل هذه الكلمات بكلماتٍ قال (ع‌) لأنّ الدّهر فينا قُسِّمَتْ حُدُودُه و لنا اُخِذَتْ عُهُودُهُ و الينا برزَتْ شهودُه الخ ، و الدّعاۤئم جمع دِعَامة بكسر الدالِ عماد البيت و الخُشُب المنصوبة للتعريش و الاكناف جمع كنفٍ و هو الظلّ للشي‌ء و كَنَفَ غنمه عمل لها حظيرةً تأوي اليها و الفساطيط جمع فُسطاط بضمّ الفاۤء و هو مجتمع اهل الكُورة اي المدينة و الصّقع و السُّرادقُ الممدود فوق البيت من سقفٍ و غيره و السّجاف جمع سجوف و السّجوف جمع سِجْف و هو سترانِ مقرونانِ بينهما فُرْجَة او كلُّ بابٍ سُتِر بسترين مقرونَيْن و المعني لم‌تقم دعاۤئم بيوت الموجودات في ساۤئر الامكانات و سقوفها و لا اعمدة استارِها من اكوانها و اعيانها و هياكلها و احوالها و افعالها و اقوالها و اعمالها و حركاتها و سكناتها و ارتباطات بعضها ببعضٍ و نسبها الّا علي كواهل انوارنا و الكواهل جمع كاهل و هو مقدم اصل الظهر او الحارك و هو منبت شعر العُرف المتصل بظهر الحيوان الذي يأخذ به من يركبه يعني لايقوم شي‌ء من خلق اللّه الّا بقَيُّوميّةِ انوارنا علي نحوِ ما اَشَرْنا اليه و نبّهناك عليه فهؤلاۤء صلّي اللّه عليهم لاجل ذلك هم حزب اللّه علي الحقيقة و جنده الذي لايغالَبُ و لايُطاولُ فانّ اللّه سبحانه غلب بهم كُلَّ شي‌ءٍ و استعبد لهم كلّ شي‌ء فهم سرّ الحيّ القيُّومِ في كلّ شي‌ء بمعني انّ حيوة كلّ شي‌ء تحملها كواهل انوارهم و القيّوميّة في كلّ شي‌ء بمدد افاضاتهم ( اضافاتهم خ‌ل ) قال اللّه سبحانه و تعالي و ماقدروا اللّه حق قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيٰمة و السمواتُ مطويّاتٌ بيمينه سبحانه و تعالي عمّا يشركون فبعث جلّ و علا جنده الغالب علي جميع مَنْ بَرَأ و ذَرَأ عذراً او نذراً فٰامَن بهم من آمن و كفر مَن كفر و اسْلَمَ مَن اسلمَ و نجا مَن نجا و هلك من هلك و رزق بهم و احرم و اسعد بهم و اشقي و اضل بهم و هدي و لهم الجنّة و لهم النّار و بهم الثواب و بهم العقاب قال علي (ع‌) في الحديث المشار اليه سابقاً الذي في انيس السمراۤء قال و نحن العمل و محبّتنا الثواب و ولايتنا فصل الخطاب و نحن حجبَةُ ( حجته خ‌ل ) الحجاب الحديث ، و ذلك تأويل قوله تعالي و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الّا خساراً و كذا قوله تعالي و ليزيدنّ كثيراً منهم ما انزل اليك من ربّك طغياناً و كفراً و هو من تفسير ظاهر الظاهر و الاشارة الي هذا التأويل في الٰاية الاولي انّ المنزّل اليه من السحاب المتراكم ماۤء هو بالقبول ماۤدّة الهدي و الأيمان و التقوي و يزيد مَن لم‌يقبل بانكاره طغياناً و كفراً لأنّه بالأنكار كذلك كما قال تعالي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و ذلك لانّ المنزّل عليه الٰايات الكبري و في الٰاية الثانية انّ القرءان هو المنزّل عليه (ص‌) و المنزّل منه ماۤء قد جعل اللّه منه كلّ شي‌ء حيّ فيه شفاۤء و رحمة للمؤمنين بباطنه الذي هو الجنّة و هو قول عليّ (ع‌) كما تقدّم و نحن العمل و محبّتنا الثواب و لايزيد الظالمين ال‌محمّد حقّهم من الاوّلين و الٰاخرين بظاهره الذي من قبله العذاب الّا خساراً فبظلمٍ من اعداۤئِهم زادوهم خُسْراناً مبيناً لانّ الماۤء هو قاۤئد المؤمنين بطاعتهم الي الجنّة و ذاۤئد المعاندين بمعصيتهم الي النار و لايخالف شي‌ء محبّته فلهذا فسّرنا الجند باليد الّتي بها ملكوت كلّ شي‌ء فافهم .