10-01 مکارم الابرار المجلد العاشر ـ طریق النجاة المجلد الاول – چاپ – الجزء الاول

طريق النجاة المجلد الاول – الجزء الاول

 

من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعلي‌الله مقامه

 

«* مکارم الابرارعربی جلد 10 صفحه 1 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

و بعــد فهذا هو الكتاب المستطاب المسمي بـ«طريق‌النجاة» في علم الطريقة من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني مولانا المرحوم الحاج محمدكريم الكرماني اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه و هو كما وصفه بنفسه تذكرة للمتقين و عبرة للمعتبرين  و منار للمهتدين و دليل للسالكين و سبيل للسايرين و هداية للمستهدين و عون للمستعينين و غوث للمستغيثين و ارشاد للضالين و تنبيه للغافلين و تأييد للذاكرين و تكميل للمبتدين و ذكري للمنتهين.

«* مکارم الابرارعربی جلد 10 صفحه 2 *»

و لما جرت العادة بذكر ترجمة احوال المصنفين في اوايل كتبهم المطبوعة نذكر هنا  مختصراً  من ترجمة احواله.

انه ابن ابرهيم خان والي كرمان الشهير بظهيرالدولة ابن عم فتحعليشاه قاجار و كانت امه بنت ميرزا رحيم المستوفي التفليسي ولد في ليلة الخميس الثامن‌عشر من شهر محرم في سنة خمس و عشرين بعد الف و مأتين من الهجرة النبوية في كرمان و نشأ فيها و لما كان ابوه; يري فيه في ايام صباه كثرة ذكائه و اشتياقه الي تعلم العلوم و الاداب هيأ له جميع ما يحتاج اليه في كسب العلم من الاساتيد و الكتب حتي انه بني له مدرسة  في كرمان و هي الآن موجودة  مشهورة بالمدرسة الابراهيمية و وقف اوقافاً لها و اسكن فيها الطلاب و جعله متولياً عليها و وقف عليهم ما يقرب من خمسمأة مجلد من الكتب و جعل في مصارف الاوقاف ان يشتري كل سنة كتب كثيرة لمكتبة المدرسة و هو­ اغتنم ما هيأ اللّه له من اسباب التحصيل و ترك كل مشغلة سوي تحصيل العلوم و الآداب  و كان يجلس مع العلماء و يكتسب منهم ما كان عندهم و لما كان ذا فهم و قريحة سبق في كل علم اقرانه و كان يكتب في كل علم يتمه كتاباً و كان ابوه; يشوقه الي تحصيل علم اعلي الي ان كتب كتاباً في الصرف و كتاباً في النحو و كتاباً في المنطق حين بلغ سنه ثلث‌عشر سنة ثم اشتاق الي تعلم الرياضي و العلوم الغريبة و وجد في بعضها اساتيد و اخذ منهم حظاً وافراً ثم اشتاق الي تعلم الصنايع و رأي بعض الاساتيد و تعلم منهم؛ كل ذلك كان في سنين عديدة الي

«* مکارم الابرارعربی جلد 10 صفحه 3 *»

ان توفي ابوه; و هو كان في اوايل البلوغ و لم‌يكن نفسه تقنع بما تعلم و تطلب امراً اعلي الي ان قدر اللّه له ملاقاة السيد الاجل السيد محمدكاظم الحسيني الرشتي­  بدلالة بعض تلامذته فرءاه کما قال الشاعر:

لو جئته لرأيت الناس في رجل و الدهر في ساعة و الارض في دار

فلازم حضوره و خدمته قريب سنة و اخذ منه حظاً وافراً من العلم و كان السيد­  يعظمه و يبجله کثيراً و لما عزم علي الرجوع الي كرمان قال له ترجع الي بلاد العجم و لاتحتاج الي احد من العلماء.

بالجملة رجع الي كرمان و رتب امر علايقه و ارتحل بعد اربع سنين اليه مع عياله و سكن مشهد ابي‌عبداللّه الحسين7 في خدمته برهة من الزمان ثم عزم حج بيت اللّه الحرام و رجع بعده الي كرمان و اشتغل بامر السيد بتعليم الناس و هدايتهم و اشتهر صيت علمه في الاطراف و الاكناف و كان الناس يسئلونه عن المسائل و العلوم و كان يجيبهم اجوبة شافية كافية صنف كتباً عديدة ابتداءاً  في علوم شتي و فنون مختلفة او في جواب اسؤلة السائلين و كان من اخلاقه الكريمة انه لم‌يكن مقلداً لاحد في علومه سوي اهل‌بيت العصمة: و لايري العلم الصحيح الا ما صدر

«* مکارم الابرارعربی جلد 10 صفحه 4 *»

منهم و يري ما خالفه باطلاً  و کان تمام همّه في احياء امر محمد و آل‌محمد: و نشر فضائلهم صلوات اللّه عليهم و بلغ جملة مصنفاته ستة واربعين و مأتي مصنف:

ستة و اربعون منها في الحكمة الالهية.

و ثمانية و عشرون منها في بيان العقايد الحقة.

و خمسة منها في طريق السلوك الي اللّه.

و تسعة منها في تفسير الآيات و بعض سور القرآن و ما يتعلق بالقرآن.

و ثلثة منها في الاخبار الفقهية.

و ستة‌عشر منها في اصول الفقه.

و اربعة و ثلثون منها في المسائل الفقهية الاستدلالية و غير الاستدلالية.

و خمسة منها في الادعية و العوذ.

و اربعة منها في الطب النظري و العملي.

و سبعة‌عشر منها في الطبيعيات.

و اربعة‌عشر منها في علم الكيمياء.

و سبعة منها في العلوم الغريبة.

«* مکارم الابرارعربی جلد 10 صفحه 5 *»

و تسعة منها في العلوم الادبية.

و تسعة و اربعون منها في اجوبة المسائل المختلفة التي سأله الناس من اطراف البلاد.

و كان وفاته­ في يوم الاثنين الثاني و العشرين من شهر شعبان سنة ١٢٨٨ من الهجرة النبوية9.

و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 15 *»

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد للّه الرحمن الذي علم القرآن خلق الانسان علمه البيان و الصلوة علي محمد سيد الانس و الجان الذي به اهتدينا الي الايمان و وفقنا للاذعان و علي آله الذين بنورهم عمر اللّه عرصة الامكان و جعلنا من اهل الايقان و رهطه الذين بهم انار اللّه البرهان و اقام الحجج و نصب السلطان و لعنة اللّه علي اهل الطغيان و اصحاب العدوان و حزب الشيطان.

اما بعــد يقول العبد الاثيم و الفاني الرميم كريم بن ابرهيم ان هذه تذكرة للمتقين و عبرة للمعتبرين و منار للمهتدين و دليل للسالكين و سبيل للسايرين و هداية للمستهدين و عون للمستعينين و غوث للمستغيثين و ارشاد للضالين و تنبيه للغافلين و تأييد للذاكرين و تكميل للمبتدين و ذكري للمنتهين كتبتها تقربا الي اللّه لتكون تنبيها لنفسي الغافلة و لاخواني المؤمنين نفعني اللّه و اياهم بها و جعلها ذخرا لي ليوم الدين بحق محمد و آله الطيبين الطاهرين و رهطه المخلصين و ذلك اني وجدت العلم ثلثة علما هو من المبادي البعيدة للعمل و هو العلم بحقايق الاشياء و يسمي بعلم الحقيقة و علما مقرونا بالعمل و هو العلم باصلاح النفس و تزكية الاخلاق و كيفية التخطي و السير الي اللّه سبحانه و يسمي بعلم الطريقة و علما بكيفية الاعمال و حسنها و قبحها و حلالها  و حرامها و يسمي بعلم الشريعة و وجدتني قد كتبت كتبا عديدة في علم الحقيقة و علم الشريعة و اغفلت علم الطريقة مع انه من المهمات التي لاينبغي الاخلال بها و كان يعوقني من ذلك عوائق الدهور و مجاري المقدور الي ان يسر اللّه و له الحمد تصنيفي و تأليفي لهذا الكتاب المستطاب و ساعدني الاستخارة و ارجو اللّه الوهاب ان يوفقني لاتمامي له علي وجه يحبه اللّه و يرضاه و علي نهج انتفع به و احبه و اهواه ما شاء اللّه كان و ما لم‌يشأ لم‌يكن و لا حول و لا قوة الا باللّه و لما كان تفصيل هذا العلم مما لايمكنني الآن لاشتغالي باجوبة مسائل المؤمنين و المسلمين في ساير العلوم و قد كتب فيه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 16 *»

ساير اصحابنا كتبا عديدة رأيت ان اكتب في ذلك ما اغفلوه و اقيد منه ما اهملوه و اقتصر في ذلك بشرح فقرة خاصة من حديث كميل و حديث الاعرابي في صفة النفس القدسية و الحيوانية في الانسان و الامارة بالسوء تبعا و ان كان يذكر فيه بعض ما يتعلق بباقي الحديثين اتماما للكلام و توضيحا للمرام و لكن المقصود بالذات في هذا الكتاب شرح تلك الفقرة من كل واحد منهما و ساذكر ذينك الحديثين في عنوان الكتاب تبركا بهما و اطلاعا للراجعين الي هذا الكتاب عليهما.

اما حديث كميل فهو ما رواه الملا محسن القاشاني في الكلمات المكنونة و محمد بن محمد بن حسن الشهير بابن‌قاسم العاملي في الاثني‌عشرية و هذا الحديث و ان وجدناه مرسلا الا انه في نفسه كلام يشهد بانه صدر من معدن العلم و الحكمة و محل النبوة و سنخ الولاية و قد ارسلاه عن كميل بن زياد قال سألت مولانا اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب7 قال قلت يا اميرالمؤمنين روحي فداك اريد ان تعرفني نفسي قال يا كميل اي النفس تريد ان اعرفك قال قلت يا مولاي و هل هي الا نفس واحدة قال يا كميل انما هي اربعة النامية النباتية و الحسية الحيوانية و الناطقة القدسية و الكلية ( و الملكية خ‌ل)  الالهية و لكل واحدة من هذه خمس قوي و خاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوي ماسكة و جاذبة و هاضمة و دافعة و مربية و لها خاصيتان الزيادة و النقصان و انبعاثها من الكبد (و هي ظ) اشبه الاشياء بانفس الحيوانات و الحسية الحيوانية لها خمس قوي سمع و بصر و شم و

ذوق و لمس و لها خاصيتان الرضا و الغضب و انبعاثها من القلب(ظ)  و هي اشبه الاشياء بانفس الاناسي(ظ)  و الناطقة القدسية لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية ( الكلية ظ) و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة و الكلية ( الملكية خ‌ل)  الالهية لها خمس قوي بقاء في فناء و نعيم في شقاء و عز في ذل و فقر في غناء و صبر في بلاء و لها خاصيتان الرضا و التسليم و هذه التي مبدؤها من اللّه و اليه تعود قال اللّه تعالي (و نفخنا فيه من روحنا) و قال (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 17 *»

راضية مرضية) و العقل وسط الكل و زاد في الاثني‌عشرية لكيلايعقل احدکم شيئا من الخير و الشر الا بقياس معقول و في الروايتين في ساير الفقرات تفاوت يسير ذكرنا اسدها و اوفقها بساير الاخبار.

و اما حديث الاعرابي فقد روي الملا محسن في الكلمات المكنونة مرسلا و يشهد بصدوره عن مهبط الوحي ايضا صحة معانيه و سبك مبانيه قال روي ان اعرابيا سأل اميرالمؤمنين7 عن النفس فقال عن اي نفس تسأل فقال يا مولاي هل النفس انفس عديدة فقال7 نعم نفس نامية نباتية و نفس حسية حيوانية و نفس ناطقة قدسية و نفس الهية ملكوتية قال يا مولاي ما النباتية قال قوة اصلها الطبايع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطايف الاغذية فعلها النمو و الزيادة و سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما  منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة فقال يا مولاي و ما النفس الحيوانية قال قوة فلكية و حرارة غريزية  اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما  منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يضمحل تركيبها  فقال يا مولاي

وما النفس الناطقة القدسية قال قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية سبب فراقها تحلل الآلات الجسمانية فاذا فارقت عادت الي ما  منه بدأت عود مجاورة لا عود ممازجة فقال يا مولاي و ما النفس اللاهوتية الملكوتية فقال قوة لاهوتية جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدأت و عنه وعت و اليه دلت فاشارت عودتها اليه اذا كملت و شابهت و منها بدأت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‌يشق و من جهلها ضل و غوي فقال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 18 *»

السائل يا مولاي و ما العقل قال العقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشي‌ء قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب انتهي.

و هما حديثان ينبغي ان يكتبا بالنور في وجنات الحور يشهد بصحتهما غزارة معانيهما و طلاوة مبانيهما و المقصود بالذات في كتابنا هذا شرح احوال النفس الناطقة و الامارة بالسوء و الحيوانية التي في بدن الانسان و مبدئها و منتهاها و حقيقتها و قويها و خواصها و ما يزكيها و يصلحها علي نحو الكلية و بيان ما فيهما و ايضاح خوافيهما و لعلنا نذكر شطراً من شرح ساير النفوس اذا احتجنا في اتمام الكلام و ايضاح المرام اليه و سميتها بـ«طريق‌النجاة» و جعلت لها مقدمة و سبعة ابواب و خاتمة و ارجو اللّه سبحانه ان يوفقني ببركة ساداتي و موالي سلام اللّه عليهم لاتمامها علي وجه يوجب رضاه و رضا ساداتي  سلام اللّه عليهم و التقرب اليه و اليهم و ينفعني و اخواني المؤمنين في الدنيا و الدين و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة اللّه علي الساعين في اطفاء نورهم اجمعين.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 19 *»

المقدمـة

في شرح كيفية تكون النفس الناطقة و الامارة و الحيوانية التي في الانسان و معرفة حقيقتها و بدئها و عودها و ما يــٔول اليها و ذلك اني لم‌اقصد في هذا الكتاب قصد المؤلفين قبلي لكتب المواعظ و النصايح من ذكر ظواهر الامور و انما قصدي شرح حقيقة الطريقة و استكشاف حقيقة النفس و حقيقة اسباب تزكيتها و اسرارها ليظهر سر اوامر الانبياء سلام اللّه عليهم و نواهيهم و حقيقة معالجاتهم لادواء النفوس و لان النفوس المرتاضة بالعلم و ان كانت تسلم لظواهر اوامرهم الا انها لاتطمئن كما ينبغي و لاتجد برد اليقين و راحة القلب عن الاضطراب حتي تعرف حقيقة ما دعيت اليه و لان معرفة حقيقة الامر احث للانسان علي مندوبه و اردع له من محذوره البتة كما تري من شدة طلب الانسان لخير يدركه بحواسه الظاهرة و شدة حذره من شر ما يدركه بها فوهن كل امرء فيما ندب اليه و حذر عنه حقيقة من ضعف يقينه و الا فالنفوس مجبولة علي الحذر عما يضرها و الطلب لما ينفعها و مضطرة اليهما عادة فلاجل ذلك اردت ان اذكر في هذا الكتاب سر الطريقة و حقيقتها حتي يصير سماعها عيانا و غيوبها كالشهود ان شاء اللّه فنحن نبدء في هذه المقدمة بشرح احوال النفوس من مبدئها الي منتهاها و ما يــٔول اليها و تفصيل ذلك يقتضي رسم فصول.

فصل: اعلم ان النفس لغة الروح كقوله سبحانه (اللّه يتوفي الانفس) اي الارواح و الدم كقولهم ما لا نفس له سائلة لاينجس الماء بموته فيه اي ما لا دم له سائلا و الجسد و العين و عين الشي‌ء و العظمة و العزة و الهمة و الانفة و الغيب و الارادة و العقوبة و غير ذلك و مرادنا هنا النفس الحيوانية التي في الانسان و الامارة بالسوء و النفس الناطقة القدسية و هي حقيقة الانسان من حيث هي هي و هي التي

ان زاد فيها زايد او نقص منها ناقص خرجت عن كونها هي هي كالعشرة فانك ان زدت عليها واحدا صارت احدعشر او نقصت عنها واحدا صارت تسعة و علي اي حال خرجت عن كونها عشرة فكذلك حقيقة زيد و نفسه هي التي لاتقبل الزيادة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 20 *»

و  النقيصة مع بقاء كونه زيدا و اما ما يزاد عليها و ينقص و لاتتفاوت هي و لاتخرج عن مسمي زيد فهي اعراض خارجة عنها لم‌تبدء منها و لاتعود اليها فهي منزهة عن كل كمّ و كيف و جهة و رتبة و وقت و مكان و وضع و اضافة و ملك و فعل و انفعال و ما يــٔول اليها بعروضه و زواله لاتخرج عن كونها هي هي و يصدق عليها ما سميت به و لو انك راجعت نفسك في جميع تلك العوارض لوجدتها هي هي بلا تفاوت بزيادة او نقيصة فتلك هي الحقيقة التي سأل عنها كميل اميرالمؤمنين7 حين كان رديفا له يوما علي ناقته التي ركب فقال كميل ما الحقيقة قال7 ما  لك و الحقيقة يا كميل فقال كميل أولست صاحب سرك قال بلي و لكن يرشح عليك ما يطفح مني فقال كميل أومثلك يخيب سائلا  قال اميرالمؤمنين7 الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة فقال كميل زدني بيانا قال7 محو الموهوم و صحو المعلوم فقال كميل زدني بيانا قال هتك الستر لغلبة السر فقال زدني بيانا قال7 جذب الاحدية لصفة التوحيد فقال زدني بيانا قال7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره قال زدني بيانا فقال7 اطفئ السراج فقد طلع الصبح انتهي، و هي التي اشار اليها النبي9 في  حديثه اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه واشار اليها اميرالمؤمنين7 في حديثه من عرف نفسه فقد عرف ربه و في الكتاب (سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم) و قوله (و في الارض آيات للموقنين و في انفسكم) و عن الانجيل اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء و باطنك انا انتهي، و هي التي تعبر عنها بانا فتقول مالي و زوجتي و ولدي و يدي و

رجلي و بدني و مشاعري و قواي و خيالي و فكري و مثالي و مادتي و طبعي فذلك الذي تعبر عنه بانا و تضيف اليه كل شي‌ء دونك هو نفسك و كل شي‌ء تغفل عنه حين توجهك الي نفسك فهو غيرها البتة و هي هي الدائمة الباقية في جميع اطوارك و احوالك و افعالك كصباك و شبابك و هرمك و صحتك و مرضك و قيامك و قعودك و امثال ذلك و انما تتغير تلك الاطوار و الاحوال و الافعال و هي هي ثابتة لاتتغير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 21 *»

بهذه التغيرات و لاتجد نفسك في شبابك غير ما تجده في هرمك و في صحتك غير ما تجده في مرضك و في قيامك غير ما تجده في قعودك و هي التي تعصي و تطيع و تمدح و تلام و تثاب و تعاقب و تراد و تخاطب و تريد و تخاطب و تحمد و تعاتب و قد تفر تلك النفس من بدن الانسان او لم‌تستقر و تخلفها الامارة بالسوء فتكون هي المعبر عنها بانا و تضيف كل شي‌ء اليها كما يأتيك ان‌شاء اللّه و قد تستولي علي بعض الابدان الحيوانية الناطقة فتكون هي التي تعبر عنها بانا بل قد تستولي النامية الناطقة علي بعض الابدان فتكون هي المعبرة عنها بانا كما سيأتيك ان‌شاء اللّه و الغرض في هذا الكتاب معرفتها و معرفة ما يدسيها و يزكيها و يسعدها و يشقيها.

فصل: اعلم ان جميع مواليد هذا العالم من المعصومين الاربعة‌عشر و الانبياء سلام اللّه عليهم اجمعين و الاناسي و الحيوانات و النباتات و المعادن و الجمادات كلها من بسايط هذا العالم و هي الافلاك و العناصر و البسايط مقدمة  عليها تقدما زمانيا لان صور المواليد اعراض عارضة عليها و هي اي البسايط لها بمنزلة الامكان قد اخذ لها منها حصص و ركبت كما يأتي و هي بنفسها ايضا مركبة من بسايط اصلية سابقة عليها سبقا برزخيا بين الزمان و الدهر و لذلك تعد من الدنيا تارة و من الآخرة اخري و تسمي بهورقليا اي الملك الآخر و تسمي بالاقليم الثامن و فيه الجنتان المدهامتان و جابرسا و جابلقا و تلك البسايط كانت سابقة علي هذه البسايط العرضية الدنياوية اولا و ستظهر في الرجعة آخرا و لذلك تظهر الجنتان المدهامتان في آخرها و هما المسماتان بجنة الدنيا و فيها كان آدم و حوا علي نبينا و آله و عليهما السلام بعد ان خلقا ثم اخرجا منها بعد ما اكلا من الشجرة فتغيرت البلاد و من عليها باكلهما و اعراضهما فان جميعها تابعة للانسان.

بالجملة سبق البسايط الاصلية علي هذه البسايط ليس بسبق دهري و لا بسبق زماني فان الزمان الدنياوي امتداد هذه الاعراض و الدهر هو الامتداد الرتبي بين الذوات و الصفات و كلاهما مفقود هنا فسبقها سبق بين هذين فيه مسحة من هذا و مسحة من هذا و فيها كان مأوي الجان قبل خلق آدم علي نبينا و آله و عليه السلام و يكونون الآن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 22 *»

هناك و هم مواليد تلك العناصر و ابدانهم خلقت منها فهم يسيرون في غيب هذه البسايط و يتصرفون فيها بجسمانيتهم و لايرون و يظهر آثارهم في هذه الاجسام من التحريك و التسكين لانهم من جواهر هذه العناصر بعينها فكما يحرك الهواء التراب و لايري و انما يري اثره في التراب كذلك يتصرفون في هذه الاجسام العرضية و يري آثارهم و لايرون و سبب عدم احساس الانسان اياهم بحواسه الظاهرة انها خلقت من هذه الاعراض بعد ما غلظت و كثفت و الجان خلقوا من العناصر الصافية الهورقلياوية فهم ينفذون بلطافتهم في هذه الاجسام الغليظة نفوذ النار في طابقة الحديد و الحجر مع انهم الطف من هذه النار  بسبعين مرة بل هم و بسايطهم حتي ترابها الطف من محدب محدد الجهات فلاجل ذلك يجيئون و يذهبون و ينفذون من الاجسام الغلاظ من غير تصادم فلايحسون بالحواس الظاهرة التي لاتدرك الا المصادم لها نعم يدركون بالحس المشترك المساوق لعالمهم اذا قابلوه و يدرکون في المنام و الحس المشترك و سيظهرون لاعين الاناسي في الرجعة حين تطهر هذه البسايط عن الاعراض و تطهر الابدان عنها فتكون الارض ذلك اليوم كالسماء في هذا اليوم و الطف و لذا روي ان الرجعة في السماء كما اظن و لااذكر الآن موضع الرواية حتي ارويها بلفظها و اما كثافة هذه العناصر فلبعدها عن المبدء و غلبة البرد عليها و غلبة عصيان بني‌آدم و اعراضهم عن ربهم و تصادم العناصر الاصلية و ضرب بعضها ببعض و تركب بعضها مع بعض بدوران الافلاك و طرح انوارها و حركة العناصر بمشايعتها و تتلطف كلما تصعد صاعدة الي ان تعود كما بدأت و تبدل الارض غير الارض و السموات و يؤتي بارض جديدة لم‌يعص اللّه عليها و هذه الاجسام برمتها ظهورات الجسم الكلي و اشعته و تمثلاته قد اعطي الكل اسمه و حده و هو مقدم علي هذه الاجسام تقدما دهريا رتبيا قائم عليها ظاهر متمثل بها في الخارج كما يأتي ان‌شاء اللّه و مرادي بالجسم الكلي هنا الجسم العرضي الكلي الصادق علي هذه الاجسام العرضية و هو المتحيز العرضي القابل للابعاد بالجملة لقد طال الكلام استطرادا و لم‌نك بصدد بيان هذه الامور.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 23 *»

فصل: و انت لو تدبرت في هذه الاجسام التي مبدؤها محدب محدد الجهات و منتهاها التراب وجدتها جوهرة لها كمّ و كيف و جهة و رتبة و مكان و وقت و وضع مطلقة التي نسميها بالجسم و يطلق علي جميعها و علي كل ذرة منها اسم الجسم و يري جميعها علي ما وصفنا بل جسمانيتها اظهر من  خصوصيتها بحيث لاتخفي علي الاطفال غيرالمميزين و ان كانوا لايقدرون علي التعبير عنها كما ان الماء باطلاقه اظهر لهم من خصوصية البحر و النهر و العين و المطر و خصوصيات يكتسبها من الاواني بالبداهة ألاتري ان الام تري ولدها الماء في اناء و انائين فهو يعرف الماء اينما وجده باي شكل و في اي تمثل وجده و لعله لايعرف خصوصية التمثلات فهو يلتفت الي الماء و يعرفه قبل ان يلتفت الي خصوص البحر و يعرفه و كذلك حال الجسم المطلق باطلاقه فهو يعرف في تمثلاته قبل عرفان تمثلاته و لذلك كنا نقول ان الظاهر في ظهوره اظهر من ظهوره فالجسم في التراب اظهر من التراب و في الماء اظهر من الماء و هكذا و هو امر موجود محسوس يحسه كل ذي‌عين حتي الحيوانات كما تعرف الحيوان الماء و لاتعرف خصوص تمثلاته فالمطلق امر موجود حقيقي في الخارج الا انه متمثل في اعراضه كما قال اميرالمؤمنين7 الذي بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه فهو لايتمثل في الخارج الا في هذه الهيئات العرضية بحيث لولاها لم‌يكن موجودا فانها لازمة لوجوده في الخارج بل هي عين وجوده في الخارج فان الوجود عندنا هو التمثل في الخارج كما روي في الدعاء في صفة اللّه عز و جل لم‌يمثّل فيكون موجودا فلولا تمثلات الجسم لكان معدوما و لم‌يكن له وجود خارجي و لكنه بعد التمثل قائم عليه ظاهر به واقعا في خارج الذهن و ليس بامر اعتباري غير محقق و كيف و هو امر محسوس يحسه كل ذي مدرك جسماني حتي الحيوانات كما مثلنا من درکها الماء و معرفتها به و انكار وجود المطلق في الخارج من اعجب العجاب و هو يري كلما يراه انه جوهر ذو عرض مطلق و يصدق هذا الاسم علي كل ذرة من هذا العالم و يري ذلك منه بالبداهة بل حقيقة خفي المطلق من شدة ظهوره و استتر لعظم نوره و كلما يصعد المطلق صاعدا يصير اوضح  و ابين ألاتري

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 24 *»

ان الحديد في الآلات الحديدية اوضح من خصوص الآلات و المعدني المنطرق في الحديد اوضح من الحديد و المعدن المطلق في المعدني المنطرق اوضح من المعدني المنطرق و الجسم الطبيعي العنصري في المعدني المطلق اوضح من المعدني المطلق و الجسم المطلق في الجسم الطبيعي اوضح من الجسم الطبيعي البتة و هذه الامور من البديهيات فعلي ذلك كلما يصعد المطلق صاعدا يصير ابين و اوضح فعلي ذلك الوجود المطلق الامكاني اي الممكن المطلق ابين من الجسم المطلق لانه اعلي و اعم منه حتي ان الوجود المطلق لايكاد يخفي علي الحيوان ساعة تولده و يخفي عليه ساير المطلقات التي دونه فتري في كل جوهر و عرض الوجود الممكن بيّنا واضحا بلا سترة كيف و قد نفذ في كل سترة و خفاء و ظهور و حجاب و محجوب و معلوم و مجهول فهو ابين الاشياء و اظهرها و هو امر محقق خارجي و ان كان قد ظهر في التمثل الخارجي و لايوجد الا بها بناء علي ان الوجود الخارجي هو التمثل فهو فيها موجود قائم فوقها و نريد بالوجود المطلق الامكاني التحقق المطلق الذي يري من كل من جواهر الموجودات و صورها و جميع ما لها و بها و منها و فيها و بينها بحيث لايشذ عنها شاذ المعطي كل متحقق اسمه و حده فهو بري‌ء عن جميع الحدود منزه عن كل الصفات مسلوب عنه كل تعين الا انه صالح للتجلي بالكل و لان يتمثل بجميع الجواهر و الاعراض و نسبتهما اليه علي حد سواء فهو جوهر صالح للظهور بجميع الجواهر و الاعراض منزه في نفسه عن كلها مطلق عن جميع قيودها و هو الامكان المطلق للكل محسوس مشهود في الكل و ليس بعديل الجواهر فيمتاز عن الاعراض و لا بنظير الاعراض فيمتاز عن الجواهر و لم‌يتصف بالاعراض فيكون جوهرا و لم‌يتقوم بالجواهر فيكون عرضا و لا شي‌ء معه  سواه و لا دونه غيره فيقترن به او ينتسب اليه فافهم و افتح عينك و شاهد كما نشاهد و سبق كل مطلق علي مقيداته سبق دهري رتبي سوي الممكن المطلق فان سبقه علي ما دونه سرمدي و ليس سبقه عليها من جنس امتداد مقيداته فليس تنتهي المقيدات عرضا الي المطلق و لم‌تبدأ عرضا منه و ان كان بدؤها و عودها طولا اليه متناهيا طولا به منقطعا لديه و اما الوجود اللابشرط فهو بسيط و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 25 *»

ليس يقال في حقه انه فوق شي‌ء و لا تحت شي‌ء و لا انه كلي و لا جزئي و لا انه مؤخر عما دونه و لا انه مقدم علي ما سواه اذ لا سواه و يمتنع غيره و ليس له عرض و لا تمثل و لا ظهور و تجل و لايقال له بيّن اذ لا بيان له و لا ظاهر اذ لا ظهور له و لا خفي اذ لا خفاء له و لا متمثل اذ لا تمثل له و لا متصف اذ لا صفة له فليس بقريب و لا بعيد و لا مقارن و لا مباين و لا داخل و لا خارج و لا موجود و لا معدوم و لا معلوم و لا مجهول و لا بخارجي و لا ذهني و لا دليل عليه و لا سبيل اليه و لا بيان عنه و لا تعبير و لا اسم له و لا رسم و ليس في شي‌ء و لا فيه شي‌ء و لا من شي‌ء و لا الي شي‌ء و لايضاف الي شي‌ء و لايضاف اليه شي‌ء و لايشبه شيئاً و لايشبهه شي‌ء و لا و لا و لا الي ما لا نهاية له و ليس بعين الاشياء و لا غير الاشياء بالجملة كل معبر عنه سواه و كل معروف بنفسه غيره و كل قائم في سواه معلول و كل مدلول عليه دونه و كل مميز خلقه مردود الي مميزه و كل معلوم ممكن مردود الي عالمه ليس بجنس فيعادله الاجناس و لا بنوع فيماثله الانواع و لا بشخص فيشاكله الاشخاص الي غير ذلك من التنزيهات التي بيّنها محمد و آل‌محمد: في خطبهم و دعواتهم و احاديثهم و لو اجتمع الجن و الانس علي ان ينزهوا ذلك الوجود مثل ما نزهوه لم‌يقدروا و احسن القول قول اللّه سبحانه (سبحان اللّه رب العرش عما يصفون) و (لاتدركه الابصار و هو يدرك   الابصار)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي  المرسلين و الحمد للّه رب العالمين) فمن وصفه بانه كل الاشياء او حالّ بالاشياء او متجل بها او منير الاشياء او مؤثرها او فوق الاشياء او عينها او غيرها او شي‌ء مما سوي ذلك من الاوصاف فقد شبهه و من شبهه فقد ميزه و من ميزه فقد حدده و من حدده فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه و من ثناه فقد جزاه و من جزاه فقد الحد في توحيده و اخرجه عن احديته و من اخرجه عن احديته فقد اشرك به فسبحان ربك رب العزة عما يصفون و اقول كما قال الرضا7 الهي بدت قدرتك و لم‌تبد هيئتك فقد جهلوك و قدروك و التقدير علي غير ما به وصفوك و اني بري‌ء يا الهي من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 26 *»

الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شي‌ء الهي و لن‌يدركوك فظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك و في خلقك يا الهي مندوحة ان يتناولوك بل سووك بخلقك فمن ثم  لم‌يعرفوك و اتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك.

فصل: ثم ان بين هذا الجسم و بين ذلك الوجود المطلق الامكاني مراتب اخر تختلف باللطافة و الكثافة و الاجمال و التفصيل و الرقة و الغلظة علي نحو التشكيك بعضها فوق بعض و ليست النسبة بينها علي نحو الاثرية و المؤثرية و الاحاطة و الطي و المحاطية و الانطواء فلاجل ذلك لايعطي كل رتبة ما دونه بقول مطلق اسمه و حده كالاثر و المؤثر و ليس يشارك ما دونه مع ذلك في المادة اذ مادة الدانية اغلظ و اكثف من مادة العالية و صورتها اغلظ من صورة العالية فانما هي تشكيكية خاصة و عرضية كاللب و القشر و الطافي و الراسب ذات برازخ و وسائط تشترك كلها في اسم الوجود المقيد اي الجوهر المقرون بصورة فعلية اذ كلها جوهر له عرض موجود بالفعل و ان كان المسمي في كل واحدة علي خلاف ما في الاخري في الرقة و الغلظة و الذاتية النسبية و العرضية النسبية و نعبر عن هذا الجوهر  المقيد بالامكان المقيد ايضا كما ان المداد الظاهر امكان صالح للتطور بجميع اطوار الحروف و الماء الظاهر امكان صالح للتطور بجميع اطوار الامواج و هذا الماء الظاهر غير الماء المطلق الذي نسبته الي البحر و الامواج علي حد سواء فالماء المطلق آية الامكان المطلق و البحر آية الامكان المقيد و لذلك نقول ان الوجود المقيد هو الماء النازل من سحاب المشية علي ارض الامكان المقيد و ذلك الماء ايضا من الامكان المقيد فاعلاه الماء و اسفله الارض و الموجود المقيد يحصل من

مجموع هذا الماء و هذه الارض فالماء هو مادة الموجود المقيد و الارض هي صورته و هما معاً ينطويان تحت الامكان المطلق الاول الاعلي فاذا جميع هذه المقيدات مخلوقة من هذا الماء و الطين و لهما مراتب في الرقة و الغلظة و اللطافة و الكثافة و الاجمال و التفصيل علي حد مراتب التشكيك فلهما درجات عديدة قد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 27 *»

يعبر عنها بالف‌الف درجة و تنتهي كلياتها الي ثمان و هي الفؤاد و العقل و الروح و النفس ثم الطبع و المادة و المثال و الجسم و كل واحدة من هذه المراتب مطلقات بالنسبة الي جزئياتها و تمثلاتها الخارجية كالجسم المطلق في الاجسام الخارجية فتمثلات كل مطلق عالم تام المراتب مثل هذا العالم الا ان كل رتبة بحسبها و كل واحدة من هذه المراتب في المطلق الادني ظاهر بالفعل و المطلق الادني كاشف عنه مُرٍ اياه لعدم مانع حاجب له فالجسم المطلق مُرٍ للسبع العليا بالفعل و المثال المطلق مُرٍ للست العليا بالفعل و المادة المطلقة مرية للخمس العليا بالفعل و هكذا الي ان العقل المطلق مُرٍ للفؤاد الاعلي بالفعل فالجسم المطلق جسم له مثال مطلق بالفعل و مادة مطلقة و طبيعة مطلقة و نفس مطلقة و روح مطلقة و عقل مطلق و فؤاد مطلق كلها بالفعل و لكن علي نحو الاطلاق من غير تعين خاص مثل ما يكون النار في دخان الشعلة بالفعل و هو مشتعل  بها مُرٍ اياها بالفعل القت في هويته مثالها فاظهرت عنه افعالها ثم لما ظهر الجسم في الخارج بتمثلاته الصالحة فيه اختلف مراتب التمثلات في الغلظة و الرقة لان الغليظ و الرقيق كليهما من صلوحاته و كمالاته فمنها غليظة بالفعل حاجبة لانوار تلك المطلقات العليا بالفعل و ان كان يمكن ان تترقق فتكشف عما وراءها قوة لانها تمثل الجسم الصالح للكل الكاشف عما وراءه باطلاقه و منها رقيقة بالفعل حاكية عما وراءها بالفعل و ذلك ان التمثلات منها تمثل المطلق من حيث ربه و منها تمثله من حيث نفسه و حيث مفعوليته فيحجب انوار المبدء و اما تمثلات جهات الرب فتحكي انوار المبدء و هذه الحكاية نحوها غير نحو حكاية المطلق فان حكاية المطلق اطلاقي و حكاية الجسم الرقيق تقيدي فيصبغ ما وراءه بصبغه و يخصصه بخصوصيته كما يصبغ المرآة المصبوغة ضوء الشمس و تخصصه بنفسها فالمثال المطلق في الجسم المطلق مطلق و في العرش مثال عرشي و كذا ساير المراتب العالية فيه ففؤاده و عقله و روحه و نفسه و طبعه و مادته كلها مصبوغة بصبغ العرش متخصصة به و كذلك الحال في الكرسي و ساير الافلاك و العناصر و المواليد و كما ان الاجسام الظاهرة تجليات الجسم المطلق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 28 *»

فما يظهر فيها ايضا تجليات ما ظهر في الجسم المطلق من المراتب العالية ففؤادها شعاع فؤاد الجسم المطلق و عقلها شعاع عقل الجسم المطلق و روحها شعاع روحه و نفسها شعاع نفسه و هكذا و كل هذه الاشعة مخصصة بخصوصية الاجسام الخاصة فنفس الكرسي كرسية و نفس العرش عرشية و روح الكرسي كرسية و روح العرش عرشية و عقل الكرسي كرسي و عقل العرش عرشي و فؤاد الكرسي كرسي و فؤاد العرش عرشي و هكذا و هكذا باقي المراتب في باقي المراتب الي ان فؤاد زيد و عقله و روحه و نفسه و باقي مراتبه كلها زيدية علي حسب صبغ مرآة قابلية زيد و كذلك  ساير المواليد فكلما يكون مرآة قابلية الجسم الخاص اصفي و ارق و اعدل يكون تلك المراتب علي ما هي عليه فيها اوضح و ابين و اقرب الي ما هي عليه و كلما تكون اكدر و اغلظ و اكثر انحرافا يكون تلك المراتب فيها اخفي و ابعد عما هي عليه حتي ان بعضها يخفي بعضها و بعضها يخفي كلها كالتراب و الجماد الا انه صالح لان يرقق و يلطف و يعدل حتي يظهر فيه بعض تلك المراتب و قد شرح ذلك علي7 في حديث الفلسفة كما رواه الملا محسن قال و روي ان يهودياً اجتاز به علي7 و هو يتكلم مع جماعة فقال يا بن‌ابيطالب لو انك تعلمت الفلسفة لكان يكون منك شأنا من الشأن قال7 و ما تعني بالفلسفة أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغير فقال اللّه اكبر يا ابن‌ابي‌طالب لقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات صلوات اللّه عليك انتهي، و قال7 في حديث آخر رواه صاحب الدرر و الغرر خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها و اذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد انتهي،

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 29 *»

بالجملة ان هوية كل جسم من هذه الاجسام الخاصة المركبة العرضية صالحة للاعتدال و الترقق و التصفي باسباب تأتي فاذا صفت حكت عما وراءها علي مقدار صفائها و لا نهاية لتصفيها و حكايتها فان المراتب المطلقة العليا خارجة عن حد التمثلات جملة و ليست تنتهي اليها ابدا ابدا كلما رفعت لهم علما وضعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و ليست  تخرج ابدا عن صبغ خصوصياتها و تعيناتها الا انها بالترقق و التصفي و التعديل تصير احكي و اقرب و لاتنتهي مسافة تقربها ابدا ابدا.

بقي شي‌ء و هو ان الجسم المطلق كما بيّنا حاك لجميع المراتب المطلقة العالية كما بيّنا فنريد ان نشرح سر عدم حكاية بعض تمثلاته اياها مع اعطائه اياه اسمه و حده و صدقه عليه اعلم ان الجسم و ان كان مطلقا بالنسبة الي تمثلاته و وجوداته الا انه مقيد من المقيدات بالنسبة الي الامكان المطلق فهو مركب من مادة و صورة مادته الماء النازل من سحاب المشية و صورته راسب ذلك الماء و صورته ضد مادته كما ان الماهية ضد الوجود في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي فمادته حيث ربه و صورته حيث نفسه و له درجات و منازل بين اعلي درجات وجوده الي اسفل درجات ماهيته و هو من حيث الوجود يحكي المراتب العالية لا من حيث الماهية فان شفافته و رقته من حيث الوجود و حجبه و غلظته من حيث الماهية هذا و صورة المطلق الاعلي مادة المطلق الادني لان المطلق الادني تنزل المطلق الاعلي و لم‌يتنزل الاعلي الا بعد تمامه بمادته و صورته فاذا كمل صورته تلبس بصورة الادني علي صورته العليا فان الصورة الدنيا من قوي الصورة العليا و امكاناتها تخرجها ايدي التدبير و تقدير القدير فهي صورته في الرتبة الدنيا فالجسم المطلق يحكي العالي بمادته و صورته حيث حجبه للعالي فلما تمثل الجسم المطلق في الخارج تمثل جميع مراتبه و ظهر مراتبه المادية شفافة حاكية و مراتبه الصورية حاجبة صامتة الا انها صالحة للترقق و تغليب جهة المادة علي جهة الصورة فاذا غلبتها حكت بشفافتها فافهم.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 30 *»

فصل: اعلم ان الوجود المطلق الامكاني وحداني اذ ليس سواه شي‌ء كما قال اللّه سبحانه (و ما امرنا الا واحدة) و له كما ذكرنا مادة هي التجلي  الاعظم الاعلي و له صورة و هي صلوح الظهور و التمثل في الخارج بكل جوهر و كل عرض و هو في نفسه مادته عين صورته و صورته عين مادته لانه في غاية البساطة الامكانية و ما نثبت فيه من التعدد فانما هو من حيث تمثلاته و وجوداته في الخارج و الا فهو في نفسه اوحد ما يمكن في الامكان و ابسطه و صورته صورة نفي الكثرات و صلوح الظهور و هو نحو تعين الا انه ابسط التعينات و لذلك نقول انه التعين الاول و ليس وحدته في حد الاحد فوحدته وحدة واحدية و وحدة الازل جل شأنه وحدة احدية بالجملة لما كان غير الاحد الحقيقي فيه كثرة بحسبه و نحن ندرك تلك الكثرات من حيث تمثلاته و ظهوراته من باب قول الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و من باب قول الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا فنقول لا شك ان الوجود المطلق لما كان غاية الغايات و نهاية النهايات مخلوق بنفسه كما قال الصادق7 خلق اللّه المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فله حيث فعلية و حيث مفعولية فحيث فعليته حيث اعلاه و ما فيه المادة اقوي و الصورة اضعف و حيث مفعوليته ما فيه الصورة اقوي و المادة اضعف و ذلك ان المادة و الصورة كرتان متداخلتان او مخروطتان متداخلتان رأس كل مخروط علي قاعدة الآخر كلما تصعد صاعدا الي قاعدة المادة تقوي المادة و تضعف و ترق الصورة حتي تكاد تفني و كلما تنزل نازلا الي قاعدة الصورة تقوي الصورة و تضعف و ترق المادة حتي تكاد تفني و بين القاعدتين تتساويان فالنصف الاعلي منه سلطان المادة و الصورة ضعيفة تابعة و النصف الادني سلطان الصورة و المادة تابعة ضعيفة فسلطان المادة هو حيث الفعلية و اضمحلاله عند ظهور الوجود الحق و هي ظهوره  و حيث كونه حاكيا له و سلطان الصورة حيث مفعوليته و استقلاله و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 31 *»

حجبه ظهور الوجود الحق ثم له من حيث الفعلية مقامات اربعة بعضها فوق بعض فاعلاه الذي عند قاعدة المادة و رأس مخروط الصورة مقام اجماله المحض و اضمحلاله في جنب سطوع ربه و له هنالك مادة و هي ظهور الوجود الحق بها و صورة هي نفي كل عين و كون و امكان له علي نهج الاطلاق فانه هناك لا اعتبار له الا كونه ظهور الوجود الحق فهو آيته و عنوانه و صفته و مثاله و كينونته و يعبر عنه في التمثلات بالفؤاد قد تجلي لها بها و بها امتنع منها يعني تجلي لها بها من حيث المادة و بها امتنع منها من حيث الصورة فان صورتها نفي الغير و الوجود الحق يجل عن نفي ما سواه فان النفي شي‌ء و هو كائنا ما كان تعين ثم دون ذلك مقام الاجمال الكلي و التنزه عن الصور و له هنالك مادة و صورة مادته صورة المقام الاعلي و صورته النفي الكلي المعنوي و هذه الصورة من امكانات الصورة العليا و ما كان فيها و ذلك ان المقام الاعلي كائنا ما كان من الامكان اذ هو غير الواجب جل و علا و حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فالصورة الدنيا من القوي الكامنة في الصورة العليا و انما مثلها في الآثار ان فعل زيد حركته و حركته اثره الظاهر بالانتقال فهي مركبة من مادة هي اثر زيد و صورة هي الانتقال و هذا الانتقال هو امكان السرعة و البطؤ فاذا ظهر من كمونه السرعة تكون حركة سريعة فهذه السريعة لها مادة هي صورة الحركة المطلقة التي هي الانتقال و صورة هي السرعة فالسرعة صورة الصورة و مادة الحركة السريعة التي هي الانتقال تنزل مادة الحركة المطلقة العليا فان الصورة تنزل المادة و غليظها و تفصيل اجمالها و انيتها فلاجل ذلك نقول ان المرتبة الثانية تنزل المرتبة الاولي و آيتها في التمثلات  العقل فانه مركب من مادة و صورة مادته صورة الفؤاد التي بها صلح لتلبس صورة العقل و لولاها لم‌يمكن لبس صورة العقل علي مادة الفؤاد لان صورة العقل صورة الصورة و فرع لها و فعلية قوتها و تابع لها و صورة الفؤاد امكانها مقدمة عليها كما عرفت في معني السرعة و الانتقال ثم دون ذلك مقام الصورة الرقيقة البرزخية بين المعني و الصورة و آيته في التمثلات الروح التي بين العقل الكلي المعنوي و النفس الجزئية الصورية و هذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 32 *»

المقام ايضا له مادة و صورة مادته من تأييدات العقل و كليته و معنويته و صورته صورة رقيقة ليست علي حد النفس في الغلظة و الصورية الجزئية و لا علي حد العقل في الكلية و المعنوية و لذلك يشبه بورق الآس من حيث نفسه هكذا   علي ان اعلاه رقيق منجذب الي الاعلي اي العقل و الكلية التي يعبر عنها بالالف القائمة لبساطتها عن هيئات ساير الحروف و اسفله مرتبط بالنفس و الجزئية التي يعبر عنها بالالف المبسوطة فقد يمثل له في الخط باللام هكذا   بالجملة هذا هو المقام الثالث لحيث الفعلية و هو برزخ بين الاجمال الكلي و التفصيل الجزئي و هو تنزل مقام الاجمال الكلي فان مادته من صورته و صورته عارضة عليها و من نهاياتها الفعلية كما مثلنا بالسرعة و الانتقال فلما نزل المقام الاول بصورته الي المقام الثاني و لبس صورته صلح للبس الصورة الثالثة فالصورة الثانية بالنسبة الي الثالثة نسبة الامكان الي الكون ثم دون ذلك رتبة التفصيل و التعلق بالمفعول و حصول ذكر المفعول الجزئي فيه و لها مادة هي صورة ذلك البرزخ اذ صورة التفصيل من فعلياته التي كانت كامنة فيه و كل مادة امكان الصورة المقيد فلما نزل المقام الاول الي الثالث بصورته صلح للبس صورة التفصيل اذ هو متفرع علي الاجمال و تابع له كما تري من ان صور الحروف التي في حركتك  هي من امكانات صورة الحركة المطلقة و لولا تلبس اثرك المطلق بالانتقال و ظهوره بالحركة لماصلح لان يكون انتقالا من الامام الي الوراء فيتصور بصورة الالف و لا لان يتصور بالانتقال من اليمين الي اليسار فيتصور بصورة الباء فان هذه الصور امكانها الذي هو مادتها الانتقال و هذه الحروف فعليات الانتقال و جزئياته الكامنة فيه بالصلوح و اوضح مثال لذلك ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 33 *»

صورة الكتاب تلبس علي السور و صورة السور تلبس علي الآي و صورة الآي تلبس علي الكلمات و صورة الكلمات علي الحروف و صورة الحروف علي المداد الذي هو امكان الكل فالمقام الرابع تنزل المقام الثالث و الساري في الكل هو المقام الاعلي الذي هو الاجمال المحض الذي هو بمنزلة الاثر المطلق في حركاتك الجزئية فالحركة الكلية اثرك و الحركة الخاصة بالالف ايضا اثرك الا ان مادتهما علي نحو الترتب العرضي و التشكيك و يعبر عنه بالاثر المتصل و ذلك ان هذا الامكان هو الامكان المقيد بهذه الصور و هذه الصور نهاياته و حدوده و الفرق بين الامكان المطلق و المقيد هو ان الامكان المطلق مهيمن علي مادة المقيد و صورته يعطي كلتيهما اسمه و حده علي نهج سواء و الامكان المقيد هو المادة و هو غير الصورة و المادة لاتعطي الصورة اسمها و حدها و الصورة نهاياتها و حدودها تتصف المادة بها و تتصف هي بالمادة هن لباس لكم و انتم لباس لهن و تمثيلي سابقاً بالانتقال و السرعة او الحركة المطلقة و الخاصة محض تقريب للذهن و المثل الحقيقي له تلبس العناصر بصورة الاخلاط و تلبس الاخلاط بصورة اللحم و كذا النطفة بصورة العلقة و العلقة بصورة المضغة و المضغة بصورة العظام فالنطفة لاتعطي العلقة اسمها و انما صورة العلقة خارجة من امكان النطفة و صورة المضغة خارجة من امكان العلقة فتدبر.

بالجملة حيث الفعلية تمّ في هذه  الاطوار الاربعة و كمل في المقام الرابع فعلا متعلقا بالمفعول و كذلك لحيث مفعوليته اطوار اربعة فاعلاها مقام اجماله المطلق و امكانه و آيته الطبيعة في التمثلات فانها مقام انحلال الصور النفسية و الارض التي غرس فيها حبة النفس الفعلية فانحلت و تلاشت و غابت فيها و ماتت بعد ان كانت حية في مقام الفعل و هي ايضا لها مادة و صورة مادتها صورة النفس المجردة الغيبية المشخصة فعلا فتلبست بصورة انحلال الطبيعة و في الحقيقة هذا الانحلال انعقاد بالنسبة الي النفس و انحلال بالنسبة الي ما دونها كما ان العناصر انعقاد بالنسبة الي الافلاك و جمود الا انها انحلال ما يتولد منها و الجسم ما لم‌يتصور بصورة الافلاك لايصلح لان يتصور بصورة العناصر و هي من امكانات الصورة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 34 *»

الرقيقة الفلكية كما مثلنا آنفا و المثال الآخر ان الجسم ما لم‌يتصور بصورة الماء الرقيقة لايصلح لان يتصور بصورة الجمد الغليظة الجامدة فالجمد مادته صورة الماء و قد عرضها الجمود فالجمد تنزل الماء و يلحقه احكام الجمد من الكسر و عدم الجريان و التكثف بعد تصوره بصورة الجمد فتفهم  و كذلك صورة الطبيعة صورة انحلالية لما دونها و انعقادية بالنسبة الي النفس و هي مبدؤ الخلق الثاني و آية الفؤاد في الخلق الاول ثم دون ذلك مقام اجماله الكلي المعنوي و آيته في التمثلات المادة فهي صورة عرضت صورة الطبيعة كما تعرض صورة الاخلاط التي هي مادة اللحم و العظم صورة العناصر و لها مادة و صورة مادتها صورة الطبيعة فانها امكان صورة المادة و قوتها و انما تستخرج منها صورة المادة فهي كما ذكرنا تنزل الطبيعة مادتها اكثف من مادتها و صورتها اكثف من صورتها و قشرها و لانعني بالتنزل الا ذلك و هي في عالم المفعول آية العقل في عالم الفعل ثم دون ذلك مقام البرزخ بين الكلية و الجزئية و المعنوية و الصورية و آيته في التمثلات المثال الذي هو صورة رقيقة و مقادير لطيفة و هو صورة تعرض المادة و المادة امكانها و قوتها و صلوحها و ما لم‌يتلبس الوجود بصورة المادة لم‌يمكن تلبسه بالصورة المثالية كما ان الخشب ما لم‌يتلبس بصورة القطع السريرية لم‌يمكن تلبسه بصورة السرير و ما لم‌يتلبس العناصر بصورة الاخلاط لم‌يمكن تلبسها بصورة اللحم و العظم ثم دون ذلك مقام منتهي المفعولية و الصورة المولودية الشخصية و آيته الجسم المطلق و ذلك صورة تلبس علي المثال بعد تنزل المادة اليه و لاتزعم المثال صورة بلا مادة فانه صورة لها مادة من صورة المادة و هو اشد استقلالا من الجسم لانه اقرب الي المبدء و الجسم صورة عارضة عليه كما يعرض صورة بدن زيد الذي هو جسمه علي لحمه و دمه او يعرض صورة العظام علي المضغة و لايسمي مثالا علي انه مقدار محض بلا مادة بل لاجل انه صورة رقيقة ظلية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 35 *»

الجسم اشد عرضية منه و هو ايضا صورة مقدارية عرضت علي المثال كما يعرض الجمود علي الماء بالجملة هذا المقام منتهي حيث المفعولية لانه عنده يتشخص و يتعين هو هو.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر من مطاوي كلامنا ان كلاً من حيث الفعلية و المفعولية لايتم فعلا مشخصا معينا و مفعولا مشخصا معينا الا في هذه المراتب الاربع و هذه المراتب في كل شي‌ء بحسبه في الكليات كليات و في الجزئيات جزئيات و في الاطلاق اطلاقية و في التقييد تقييدية فهذه المراتب في الوجود المطلق الذي هو اوحد ما في الامكان و ابسطه و اقله تعينا علي حسبه فاذا حيث فعليته عين حيث مفعوليته و كل واحدة من هذه المراتب فيه عين الاخري فيصدر من جسمه خواص الكل كما يصدر من فؤاده خواص الكل و ذلك ان جميع الكثرات من ظهوراته و آثاره و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و انما ذكرنا ذلك فيه لما رأينا ذلك في تمثلاته  و علمنا ان العبودية جوهرة كنهها الربوبية و كل ما فيها فانما هي آية جهة الربوبية و ان كانت فيها علي نحو البساطة و الاتحاد فتدبر.

فصل: لما عرفت مراتب الوجود المطلق الامكاني التي لابد منها في تكونه فاعلم انه لايتم وجوده الا في تمثله في الخارج الذي هو صورة متممة له و سبقه علي تلك التمثلات الدهرية سبق سرمدي و لا وجود له في تلك الرتبة الا فيها و بها فهو مقدم عليها وجودا تقدما سرمديا و مؤخر عنها ظهورا تأخرا دهريا و تلك التمثلات آثاره المنطوية تحته قد اعطي كلها اسمه و حده مادة و صورة اذ موادها موجودة و صورها موجودة و المؤثر ما يطوي الاثر تحت احديته كما يطوي الاحد الاعداد فلا وجود للاثر الا بملاحظة المؤثر فيه يعني ان رأيت المؤثر فقد رأيت الاثر و الا فلا اذ لا استقلال له بوجود مع قطع النظر عن مؤثره بل هو عدم محض لولا رؤية المؤثر فيه كيف و رؤية المؤثر بتمثله في الخارج و الاثر نفس تمثل المؤثر في الخارج فان لم‌تره لم‌تر تمثله و الاثر نفس تمثله فلاجل ذلك كان يقال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 36 *»

ان الاثر علي طبق صفة المؤثر و هو صفة المؤثر و كان يقال ان النسبة بين الاثر و المؤثر بينونة صفة لا بينونة عزلة و المباين بالعزلة ما يري من غير رؤية صاحبه و المباين بالصفة ما لايري من غير رؤية مؤثره فالاضافة في قوله7 بيانية يعني بينونة هي العزلة و بينونة هي الصفة و ذلك ان الاثر صفة المؤثر و مغايرته له انه صفة و المؤثر موصوف و كل صفة غير الموصوف لكن وجودها وجود تبعي ظلي لا تحقق له الا برؤية المتبوع و ذي الظل.

بالجملة ان الوجود المطلق لا ظهور له الا بتمثله كما لا وجود لتمثله الا به و ليس معني قولي ان ظهور الوجود المطلق بتمثله انه لولا التمثل اصلا هو موجود في رتبته و مقامه كما يظن المبتدي بل المراد ان جملة التمثلات  مع قطع النظر عن نسبها و قراناتها هي الوجود المطلق و جميع ما لها هي مما الوجود المطلق به وجود مطلق فهو هي وجودا و عيانا و ليست هي هو كلا و لا جمعا و ليس معني قولي هذا ان المشية هي العقل و لا انها تصورت بصورة العقل اذ لو كان المشية هي العقل لكانت غيرطاوية للنفس و لو كانت مصورة بصورة العقل لكانت غيرطاوية لصورة العقل و كل هذا باطل و عن حلية الاعتبار عاطل بل المراد انها قد طوت الآثار تحت احديتها فلا شي‌ء سواها اذ هي و هي هي و الآثار آثار اذ هي فان عرفت ذلك فاحمد اللّه و الا فالتسليم خير لك فاذ قد عرفت نسبة الآثار اليها فاعلم انها علي صفة مؤثرها فتبين تلك المراتب في اثرها و اول اثر صدر عنها هو الاثر الكلي الاطلاقي الثانوي الذي هو الامر المفعولي فتمثلت تلك المراتب في الاثر فانه بجميع ما له تمثلها في الخارج فلاجل ذلك حصل لذلك الاثر الكلي تلك الثمان مراتب و هي الفؤاد الكلي و العقل الكلي و الروح الكلي و النفس الكلية و الطبع الكلي و المادة الكلية و المثال الكلي و الجسم الكلي و لما كان الاثر عند المؤثر مخلوقا بنفسه لانه تمثل المؤثر المخلوق بنفسه و علي صفته بل صفته حصل له حيث فعلية و حيث مفعولية فالاربع الاول كما عرفت حيث فعليته و الاخر حيث مفعوليته و النسبة بين هذه المراتب التنزل يعني ان الفؤاد الكلي هو اول صادر عن المشية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 37 *»

اول تمثل له و قاعدة وجود الاثر و مادته و له صورة رقيقة من رأس مخروط ماهية الاثر و صورته و ليس هذا الوجود ظهور المشية دون الماهية اذ نسبتهما اليها علي نهج سواء و ليس هذا الوجود وجود المشية فيختلفان بالصورة بل هذا الوجود و هذه الماهية معاً ظهوران للمشية و تمثلان لها منطويان تحتها معدومان في رتبتها موجودان في رتبتهما و ليسا بتنزلها و صورتين ذاتيتين لها بل اوجدتهما بهما لا من شي‌ء و لا لشي‌ء  و لا علي شي‌ء و لا بشي‌ء غيرهما.

و ان ‌قلت اذا كانا من الامكان كيف يكونان لا من شي‌ء قلت ليسا من امكان الوجود المطلق بل هما من الامكان المقيد و الامكان المقيد منطوٍ تحت الامكان المطلق معدوم معه و لذلك نقول ان الوجود المطلق صالح للظهور بالمقيدات و ليس بصالح للتصور بصور المقيدات فليس مادة المقيد حصة من الامكان المطلق بل هي ظهوره و اثره و تمثله و الظهور معدوم في رتبة الظاهر فالفؤاد مخلوق بالمشية و اول صادر عنها نعم مادته تمثل مادة المشية و آيتها و ان كانت اثرا  لاسفل مراتب المشية و ظهورا  لصورتها فانها حصلت بصلوح ظهور المشية بها و صلوح الظهور صورتها و صورته تمثل صورة المشية و آيتها و هما في الفؤاد ممتازتان و في المشية متحدتان فلما تصور مادته بصورته صلح من حيث الصورة للتصور بصورة العقل الكلي فصارت صورته مادة العقل و تلبست بالمعنوية و الكلية فاذا تصور بصورة العقل صلح لان يتصور بصورة الروح لان صورة العقل امكان صورة الروح و صلوح تصوره بصورة الروح و هذا الامكان هو الامكان المقيد و هو قوة الصورة كما يستخرج صورة السرير من مادة الخشب و الخشب امكان السرير و الباب فصورة العقل امكان الروح المقيد و مادته تتلبس بصورة الروح فتكون روحا و هكذا الي آخر المراتب كل صورة عليا مادة و امكان مقيد للدنيا و هذا الامكان غير طاوٍ للصورة الدنيا و لايعطيها اسمه و حده كما تري من ان الجسم لايصدق علي الطول و لا البياض لان الجسم مركب من مادة و صورة و ليس الطول كذلك و لا البياض نعم الجسم المطلق يعطي العرش مثلا  اسمه لانه مركب من مادة و صورة و لايعطي صورة العرش وحدها اسمه و حده فكذلك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 38 *»

لايعطي المادة الصورة اسمها و ليس صورة السرير بخشب و انما السرير المطلق يعطي هذا السرير اسمه و حده  فاذا الذي يعطي صورة كل مقام اسمه هو الوجود المطلق مع قطع النظر عن اطلاقه كما يعطي مادة كل مقام اسمه.

بالجملة هذه المراتب الثمانية كلها علي نحو التنزل و لايطوي العالية الدانية و لذلك لايصدق علي الجسم الفؤاد و العقل و الروح و النفس و غيرها نعم اذا صفي الدنيا عن اعراض رتبتها و رققت ظهر فيها صورة العليا علي نحو الحكاية و لو تجاوزت عن الدنيا بالكلية وصلت الي العليا و لايلحق الدنيا ابدا العليا و لاتستحيل اليها فلايمكن تصفية الجسم حتي يصير مثالا فان الجسمية عرض بالنسبة الي المثال و المثال جوهر بالنسبة الي الجسم و لايصير العرض بالسير ابدا جوهرا نعم يترقي العرض ابدا في رتبته و يتصفي ابدا و لا غاية لهذه التصفية و لا نهاية فاهل الرتبة الدنيا ابدا في الرتبة الدنيا و ان كانوا يترقون في مقامهم و لذلك روي عن ابي‌عبداللّه7 ان المؤمنين علي سبع درجات صاحب درجة منهم في مزيد من اللّه عزوجل لايخرجه ذلك المزيد من درجته الي درجة غيره الخبر،  و اذ لم‌يمكن ترقي المرتبة الدانية التنزلية الي الرتبة العليا فما ظنك بخروج الحادث عن مقام حدوثه الي رتبة القديم فما اخسر الصوفية و ما ابعدهم عن الحق حيث يظنون ان الحادث الممكن يمكن ان يصل الي ذات الواجب سبحانه فسبحانه و تعالي عمايقول الظالمون علوا كبيرا و هذا تأويل قوله تعالي (و ما منا الا له مقام معلوم) و (هم درجات عند اللّه) بالجملة ان العليا اذا تنزلت في الدنيا ينقلب فعليتها العلياوية قوة دنياوية و حيوتها موتا و وجودها عدما و كونها امكانا ثم اذا لحقها نداء اقبل و اجابت تترقي و تتصفي شيئا بعد شي‌ء حتي تحكي ما وراءها فلاجل ذلك نقول ان العالي مقدم وجودا و مؤخر ظهورا و الوجود قائم فوق الظهور ابدا و مقدم عليه تقدما رتبيا فالاثر الكلي لخلو كل مرتبة منه و كل جزء منها عن الاعراض و اجابته نداء اقبل بكله حاك كل دنيا منه العليا فالجسم  الكلي حاك جميع المراتب العالية بكله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 39 *»

مجيب نداء اقبل و جميع المراتب العليا فيه ظاهر بالفعل قائم فوقه وجودا،

فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا و ان لم‌يكن فهم فيأخذه عنا
فمنه الينا ما تلونا عليكم و منا اليكم ما تلوتم به عنا

فصل: اعلم بعد ما عرفت احوال الاثر الصادر الاول و مراتبه المطلقات ان كل مطلق منها له تمثل في الخارج لايوجد الا به و فيه و عليه و لنبدء بذكر المطلق الادني المشهود الذي هو الجسم و هو الجوهر الغليظ الذي له حدود مطلقة منها الطول المطلق و العرض المطلق و العمق المطلق و لا تمثل للطول المطلق الا في اطوال خاصة و لا للعرض المطلق الا في عروض خاصة و لا للعمق المطلق الا في اعماق خاصة فان الابعاد التي لا مقادير لها محدودة مقدرة ليس يمكن ان توجد في الخارج نعم اذا وجدت الابعاد المقدرة المحدودة و انت نظرت اليها مع قطع النظر عن مقاديرها و مخصصاتها من الامكنة و الاوقات و الاوضاع و الرتب و غيرها وجدت الابعاد المطلقة و لايمكن درك ذلك ايضا بالمشاعر المحدودة بل درك ذلك شأن العقل و الفؤاد و كذلك بعد ما وجدت الاجسام المقدرة فنظرت اليها مع قطع النظر عن مخصصاتها وجدت الجسم المطلق و هو قائم عليها و فوقها فوقية دهرية فان قلنا ان الجسم المطلق مقدم علي الاجسام و خلق قبلها فانما نريد التقدم الدهري و القبلية الدهرية و هو لايوجد في رتبته الا و ان يكون التمثلات في رتبتها و هو اوجد في مكانها منها و اقرب منها اليها و اولي بها منها و لذلك تقول للعرش انه جسم لا غير و للكرسي انه جسم لا غير و هكذا بواقي الاجسام و ليس شي‌ء منها مركبا من جسم و غير جسم البتة و ان ‌قلنا انه مركب من جسم و هيئة خاصة فالمراد من هذا الجسم الجسم المقيد الذي هو المادة الشخصية و الا فجميعه ليس بشي‌ء الا الجسم  بقول مطلق و هيئته مما به الجسم جسم و مما به تمام الجسم كما قال علي7 فالذي بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه فاذا كل واحد من الاجسام المقيدة بمادته و صورته جسم و جميعها جسم و كل واحد منها غير الآخر و ليس كل واحد منها غير الجسم لابشرط البتة و ليس الجسم لابشرط

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 40 *»

غيرها وجودا و كونا و عينا و ان كان غيرها كلا و جمعا و احاطة فالجسم لابشرط ليس بعرش من حيث انه غير الكرسي دون غيره بل هو عرش و كرسي و افلاك و عناصر و كلها و بعضها و لا وجود له الا هكذا اي في تمثله بعرش و كرسي و افلاك و عناصر و هذه التمثلات مما به الجسم جسم و ذلك نظر لايفوز به الا من اتاه اللّه الحكمة و يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا و مايذكر الا اولوا الالباب فالحكيم مرة لايري في السماوات و الارض الا الجسم لابشرط و يري بحرا سيالا متشاكلا و قاعا صفصفا لايري فيها عوجا و لا امتا و مرة يري سماوات و ارضا نعم مواد هذه من غير صورة ليست بجسم و صور هذه من غير المواد ليست بجسم فان الجسم معني مركب من مادة و صورة نعم موادها وحدها و صورها وحدها و مجموعها كلها وجود لابشرط فمرة يري الحكيم في الجواهر و الاعراض جميعا وجودا صرفا بحرا متشاكلا ليس فيه و معه غيره بوجه من الوجوه اذ سوي الوجود عدم و لم‌يضم الي الوجود عدم في تكوين الاشياء فلايري الا الوجود نعم لهذا الوجود تعين الصلوح و هو التعين الاول فكل موجود ايضا لايخلو من هذا التركيب و بهذا الاعتبار كل شي‌ء وجود مركب من بسيطين لايمكن تفككهما في مشعر من المشاعر حتي لايصدق علي كل جزء الوجود كما ذكرنا في الجسم فاذا لاتري شيئا الا الوجود المطلق معري عن قيد الاطلاق فانه من خاصة الرتبة السرمدية فلاينزل كما لاينزل جنسية الحيوان في انواعه  و افراده و لاتصدق عليها و انما يصدق عليها الحيوان معري عن خاصة الجنسية و كذلك امر الجسم و لذا قلنا ان الظاهر في التمثلات الصادق عليها الجسم لابشرط اذ  اطلاقه خاص رتبته فلاتغفل.

بالجملة الجسم لايوجد خارجا الا في الاجسام الظاهرة نعم الذهن يلتفت اليه باطلاقه من غير التفات الي التمثلات فانه حينئذ يمثله الذهن في الذهن فلم‌يوجد ايضا بغير تمثل و امثل لك في ذلك مثالا اريد ان اقول لولا المياه الخارجية في الدنيا من بدؤ الايجاد الي ختمه لم‌يكن ماء مطلق في الدهر في عرصة الكلية بالفعل و ان كان في قوة الجسم و صلوحه و لما خلق اللّه قطرة ماء في وقت وجد الماء الدهري

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 41 *»

في الدهر و خرج من قوة الجسم الي الفعلية و هو عين تلك القطرة مع قطع النظر عن حدودها الزمانية لااقول انها ماء و حدود زمانية بل حدودها مما به الماء ماء و الماء الذي غير الحدود الزمانية اهبية الماء و هي المادة الشخصية فهي غير هيئة القطرة و البحر و النهر و اما الماء الكلي الدهري فهذه الهيئات تمثلاته و مما به الماء ماء اي لايكون الماء الا هكذا علي بيان مرادي فليس الماء البحر الذي دون النهر بل هو بحر و نهر و مجموعهما و و بعضهما فافهم و علي ذلك فقس الجسم بانه لولا هذه التمثلات هنا لماكان الجسم في الدهر موجودا و لولا هذه الموجودات لم‌يكن الوجود المطلق موجودا بالجملة الجسم موجود هكذا في تمثلاته و انما الواجب معرفة تمثلاته كيف كانت و تكون هل كانت ابدا زمانيا ام لم‌تكن و هل تكون ابداً او تنقطع فاعلم ان الجسم المطلق لا تعين فيه من وقت او مكان او كمّ او كيف او جهة او رتبة او وضع او اضافة او فعل او انفعال لانه فوقها كما عرفت نافذ في جميعها و لا تخصص له بوقت دون وقت و لا بمكان دون مكان و لا بحد دون حد و هو صالح لجميعها علي حد سواء اي صالح للتمثل بكلها و للتجلي بجميعها علي  حد سواء و لا مرجح في نفسه لواحد منها دون الآخر لانه امكان الكل و الكل فيه بالقوة و القوة عدم الفعل و لا تمايز للاعدام و لا مرجح لشي‌ء منها معه اي مع الجسم و لا فوقه اي فوق الجسم لان ما فوقه اعم منه فاذا لا معني لتجليه في وقت دون وقت و في مكان دون مكان و في حد دون حد و لا مخرج لشي‌ء منها منه دون شي‌ء آخر فاذا الواجب ان يتمثل في جميع الحدود اي يجب ان يكون تمثلاته كلها ثابتة ابدا دهريا لا تقدم لاحد منها علي الآخر و ان لايكون الجسم موجودا الا في جميع تمثلاته هكذا كما انه كل تمثل موجود في الوجود المطلق بالقوة معدوما بلا مرجح لواحد منها دون الآخر و بلامرجح من نفس الوجود و لا معه اذ ليس شي‌ء سواه و لا فوقه اذ لا تعين له فان لم‌يكن لم‌يكن بالكلية و ان كان يجب ان يكون في جميع تمثلاته هكذا علي ما تري و لايكون الا هكذا فاذا جميع الموجودات الدهرية موجودة سرمدا و جميع الموجودات الزمانية موجودة دهرا نعم في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 42 *»

الزمان تقدم للزمانيات و تأخر و ترتب و علل و معلولات و اسباب و مسببات و شروط و مشروطات و مرجحات كما تري و هي كلها دهرا موجودات ثابتة في محالها و حدودها و لكنها دهرا بحر متشاكل الاجزاء من نظر الي الجميع بالعين المدركة للجميع لايري الا بحرا متشاكل الاجزاء فلايمكن ادراك هذا المقام بالخيال و المشاعر المثالية فانها لاتدرك الا البعض و لاتصل الي غيره الا بعد التجاوز عنه فحضور الكل في الدهر ليس كحضور اواني متعددة علي مائدة و انت تراها و تعدها بل حضور المجموع في الدهر كحضور الحروف في المداد ألاتري انك لو اردت رؤية جميع الحروف التي في العالم بنظر واحد لايمكن ذلك الا بان تنظر بعين مدادية و تلك عين عقلية و فؤادية و اما اذا اردت ان تنظر الي ذلك بعين تري بها الفا و باء و جيما فانك لاتقدر علي  احضار الجميع و ماجعل لرجل من قلبين في جوفه كما انك لاتقدر علي احضار حرفين في عينك الا علي نحو التعاقب و لعلك تسرع التعاقب و تزعم انك رأيتهما في آن واحد فحضور الجميع في عرصة الدهر حضور مدادي و ان كان المداد لايكون الا هكذا و لذلك لايقدر العالم بالعلم المثالي علي العلم بالحروف الا علي مبلغ احاطته و سياحته و اطلاعه و اما العالم بالعلم العقلي فانه يعلم الاشياء قبل كونها محيط بها من جميع جهاتها فاذا ذلك شأن العقل الكلي لا العقول الجزئية المخصصة فانها محدودة فكل واحد منها يطلع علي ما كان و ما يكون علي قدر ذوبانه و رقته و نفوذه و علي حسب بعده من صفة العقل الكلي و قربه منها فافهم هذه الحكم التي لاتجد حقيقتها في كتاب و لاتسمعها في خطاب فلايطلع علي جميع الاجسام التي كانت و تكون بلا نهاية الا الجسم الكلي و هو بعلمه بنفسه و علي نحو علمه بنفسه يعلم الاشياء لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات و لا في الارض مما كان و مما يكون الي ما لا نهاية له.

و اما الاجسام الجزئية فهي محدودة ممثلة في الواقع و علمها علي قدر سعتها و نفوذها و كذلك لايطلع علي جميع الموجودات الدهرية و الزمانية ما كان منها و ما يكون الا الوجود المطلق و علمه بها علي نحو الاطلاق فعلمه بنفسه علمه بالكل علي نحو علمه بنفسه فلايعلم زيدا غير عمرو و لا جوهرا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 43 *»

دون عرض بل يعلم الكل و البعض بعلمه بنفسه فهو يعلم الاشياء بعلمه الذي هو ذاته حين لا شي‌ء سواه فاذا هو عالم و لا معلوم و في عرصة التمثلات يعلمها بها في محالها و هي علمه بها بتقدمها و تأخرها و ترتبها فلايعلم اذ لم‌تكن و يعلم اذ قد كانت و هكذا و كذلك علم الجسم الكلي بالاجسام يعلمها بعلمه الذي هو ذاته بعلمه بذاته فاذا هو عالم و لا معلوم  و اما في عرصة التمثلات فمن علمه ما قد كان و من  علمه ما قد يكون و يعلم ما قد كان و لايعلم ما لم‌يكن و علمه بها نفس كونها في حدودها فيعلمها بها و ليس علمه بها كعلم ناظر من اعلي الجبل بما في سفحه و علم من في السماء بما في الارض و ذلك من غامض علومنا و مكنونها الذي منّ اللّه علينا به و خصّنا به و فضلنا به علي كثير من خلقه تفضيلا و اني رددت العبارة و كررت الاشارة لكي تفهمه ان كتب لك و مع ذلك ان فهمته فانت انت فالحمد للّه علي ما هدانا و له الشكر علي ما ابلانا.

بالجملة جميع ما في عرصة الزمان مما كان او يكون الي ما لا نهاية له موجود في حده و مكانه دهرا و جميع ما في عرصة الدهر في اي رتبة منه موجود في حده و رتبته سرمدا فاذا ما كان من الزمان قد رسم في لوح الامضاء و ما يكون منه بعد اما في حد القضاء او القدر او الارادة او المشية فلاجل ذلك يحتمل البداء فيما يكون في العلم الزماني و اما في العلم الدهري الكلي فلا بداء و لا محو و لا اثبات بل كلها ممضاة لكن بامضاء كلي غيرمخصص بشي‌ء دون شي‌ء و ليس كامضاء كل الاواني علي مائدة بل امضاء الكل هنالك امضاء نفس ذلك الجسم الكلي فبامضائه قد امضي الكل فلا شي‌ء سواه كما لا معلوم سواه و يحتمل البداء في العلم الدهري في مراتبه و الامداد النازلة اليه الا ما قد كان منه و امضي في رتبته و اما في العلم السرمدي فكلها ممضاة بنفس امضاء السرمد فهو امضاء كلي غير مخصص و ليس كما ذكرنا من امضاء الاواني علي المائدة بل بامضائه قد امضي الكل فاذا لا ممضي سواه اذ لا شي‌ء سواه فالعالي لايتغير علمه بالداني ابدا ابدا و انما التغير للداني في الادني و يجري البداء و المحو و الاثبات و ذكر المشية و صفة الارادة و حد التقدير و ضم القضاء و نتيجة الامضاء فيه لا في العالي و الكل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 44 *»

عنده ممضي مبين العلل مشروح الاسباب فعلمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها بالجملة قد جري القلم في  ميدان بيان هذه الامور استطرادا و لم‌نكن بصدد بيانها و لم‌يكن في قصدنا شرحها فلنعد الي بيان ما وضعنا الكتاب لاجله.

فصل: اعلم بعد ما عرفت ان جميع المراتب السبعة التي هي الفؤاد و العقل و الروح و النفس و الطبع و المادة و المثال ثابتة للجسم ظاهرة فيه بالفعل مظهرة منه آثارها و هو مشتعل بجميعها اشتعال الدخان بالنار و هو مشرق متلألئ بها مغيب في ظهورها باب لها و ان له مراتب من حيث وجوده و ماهيته و انه حاك لها من حيث وجوده لا ماهيته ان له تمثلات في الخارج عامة و هي الافلاك و العناصر و المراد بهذا الجسم الذي هذه الافلاك و العناصر تمثلاته هو الجسم الذي هو اطلاق هذه الاجسام العرضية و كلامنا في هذا الفصل فيه لا الجسم المجرد البسيط الجوهري فهذا الجسم له وجود و ماهية فالافلاك تمثلات جهة وجوده اي الغالب فيها جهة الوجود و العناصر تمثلات جهة ماهيته اي الغالب فيها الماهية و ذلك ان الوجود و الماهية كرتان مصمتتان متداخلتان حادتان الا ان الماهية تأخذ من ادني الكرة الذي هو وسط جوفها و ترق كلما تصعد صاعدة الي جانب المحدب و الوجود يأخذ من اعلي الكرة الذي هو محدبها و يغلظ شيئا بعد شي‌ء كلما يهبط هابطا فالافلاك الواقعة في جانب الاعلي فيها وجود شديد قوي و ماهية رقيقة ضعيفة و اعلاها العرش و هو عند محدب الوجود و قاعدته و رأس مخروط الماهية و في غاية ضعفها و لاجل ذلك هو في غاية التوحد و الاطلسية و التجرد النسبي و اوسطها الكرسي و هو دوين ذلك في شدة الوجود و ضعف الماهية و اسفلها الافلاك و هي في غاية التكثر الفلكي و ضعف الوجود الفلكي و قوة الماهية الفلكية و هي مع ذلك وجودها اقوي من ماهيتها و العناصر الواقعة في جانب الاسفل فيها ماهية قوية و وجود ضعيف و اسفلها التراب و هو عند  قاعدة الماهية و غاية قوتها و رأس مخروط الوجود و غاية ضعفه و اعلي منه الماء و هو اقوي وجودا و اضعف ماهية و فوقه الهواء و هو ايضا اقوي وجودا و اضعف ماهية من الماء و فوق ذلك النار و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 45 *»

هي اقوي الكل وجودا و اضعفه ماهية و اشبهه بالافلاك و مع ذلك ماهيتها اقوي من وجودها و نريد بالوجود و الماهية هنا مادة هذه الاجسام و نهاياتها و حدودها و المادة مقدسة عن تلك الحدود مبراة عن خصوصياتها و فيها نحو اطلاق اذ هي آية المطلق الاعلي اي الجسم و هي في مقام الامر المفعولي بالنسبة الي الجسم المطلق و هو الامر الفعلي بالنسبة الي تلك المادة و تلك المادة تحكي قدسه و براءته عن تلك الحدود و تلك الحدود خصوصيات و شخصيات لحصص تلك المادة فالحدود جمود ذوبان المادة لانه مانع عن الظهور في الغير و النفوذ في ما سويها و المادة ذائبة لا خصوصية لها بفرد دون فرد كما ان الخشب صالح للباب و السرير و غيرهما يمكن تلبسه بصورة كلها و اما الباب يمتنع عن ان يكون سريرا و بالعكس فالحدود البابية جمود تلك الحصة من الخشب و الخشب مذاب تلك الحدود و تلك الحدود نهايات كانت كامنة في المادة بالقوة خرجت بترجيح المرجح و تكميل المكمل فشبه بان المادة كانت كماء مايع يسيل ثم جمد فاستقر في مكانه و تشكل بشكل خاص فجموده يحفظ صورته و السيال لايحفظ الصورة بالجملة الغالب علي الافلاك جهة المادة السائلة و لها حدود رقيقة و جمود ضعيف هو اشبه شي‌ء بالسيلان فكأنها لم‌تنجمد شديدا و اما العناصر فالغالب عليها الجمود و خفي فيها السيلان و ما يتبعه من الاحكام و اللوازم فالافلاك لغلبة السيلان عليها اشبه شي‌ء بالمطلق الاعلي السيال النافذ في كل الامكنة غير المحدود بحد المبرا عن الجمود و التخصص و العناصر ابعد شبها بالمطلق الاعلي و ان كان المطلق الاعلي قد اعطي الكل  اسمه و حده الا ان الافلاك حكاة جهة فعلية الجسم المطلق و غلبة وجوده و العناصر حكاة جهة مفعولية الجسم المطلق و غلبة حدوده و اعلم ان الجسم المطلق و ان كان مطلقا الا انه ليس بمجرد بسيط حقيقي و ليس ببحر واحدي حقيقي بل الجسم المطلق العرضي هذا في اقصي الكليات و هو اشدها تكثرا و له في نفسه في مقام اطلاقه مراتب تشكيكية و كله جسم فهو كبحر اعلاه ارق ماء و اسفله اغلظ ماء و كله ماء و هكذا الجوهر جسم و ليس مرادي بتشكيك درجاته انه تشكيك زماني و درجات مكانية بل له درجات دهرية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 46 *»

و تشكيك دهري و كله جسم متشاكل الاجزاء بالنسبة الي الزمان ففي الحقيقة الجسم الصادق علي العرش اعلي الجسم الدهري و الصادق علي الارض اسفل الجسم الدهري و ذلك ضرورة ان الجسم ليس بواحد حقيقي سرمدي و فيه تكثر دهري و توحد زماني فافهم ذلك فانه دقيق فلاجل ذلك اعطي الكل اسمه و حده فالعرش جسم حاك لاعلاه و الارض جسم حاك لاسفله و كلاهما جسم و كم من عالم يسمع تنزه المادة عن الصورة فيزعمه عن مطلق الصورة و ليس كذلك بل من صورة ادني منها و يسمع تنزه المطلق عن التمثلات فيزعمها مطلق التمثل و ليس كذلك بل من التمثلات الدانية فالجسم المطلق ليس بمنزه عن مطلق اعلي و ادني بل عن اعلائية العرش و ادنائية الفرش و له اعلي يغلب فيه جهة وجوده و هو دهري و اسفل يغلب فيه جهة الماهية و هو دهري فلما تمثل في الخارج تمثل اعلاه بالاعالي و ادناه بالاداني و كلها جسم.

فاذا عرفت ذلك اقول فالغالب علي الافلاك جهة المادة الكثيرة الشبه بالجسم المطلق و اعلاه و الغالب علي العناصر جهة الماهية الكثيرة الشبه باسفل الجسم المطلق فلاجل ذلك ظهرت المراتب الغيبية في الافلاك علي حسب مراتبها و اشتعل بها كل واحد منها علي حسب صفائها و كدورتها و لم‌تظهر في العناصر  و خفيت فيها مستجنة الا انها صالحة للترقيق و استخراج اللطافة الفلكية منها حتي تصير حاكية لتلك المراتب الغيبية و مشتعلة بها اشتعال الافلاك و انما ذلك لاجل ان هذه الاجسام المشهودة مركبات من البسائط الجوهرية الهورقلياوية و في كل واحد منها كل واحد علي اختلاف في الكم و الكيف و سمي كل واحد منها باسم الغالب فيه علي حذو اخلاط البدن المركبة من هذه العناصر و يمكن التدبير في كل واحد بزيادة جزء و نقصان و تغيير في الكم و الكيف حتي يقف موقف الآخر كما تشاهد في الماء المحال هواء فيمكن في كل جزء من اجزاء هذا العالم التطهير و التصفية و الترقية و التنزيل حتي يصير كجزء آخر و يمكن ان يدبر العناصر حتي تصير كالافلاك و بالعكس و لا كذلك البسايط الجوهرية فان بعضها تنزل بعض و لايمكن ان يتجاوز كل واحد محله نعم يتصفي و يترقق الي ما لا نهاية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 47 *»

له و يصير اشد حكاية للاعلي كلما يترقق و اما ان يستحيل الي الاعلي فلايكون فان الادني صفة تابعة للاعلي و ظل فرعي له فلاينقلب الي الاعلي و لايستحيل اليه و كذا البسايط البرزخية فان لها ايضا انقلابات و استحالات فانها ايضا مركبات و اما البسايط الاخروية التي هي الجواهر الحقيقية فلايتجاوز شي‌ء منها مبدأه و مقامه فالافلاك هذه في عرصة التمثلات لها مراتب من حيث الرقة و الغلظة و كلها صالحة للصعود و النزول و الاستحالة لما ذكر فالعرش منها لغاية رقته و لطافته مادة و صورة صار يحكي العقل الظاهر في الجسم المطلق و لاجل ذلك كان اول ما خلق من عالم التمثلات و الكرسي منها لاجل انه دون العرش في المادة و الصورة صار يحكي النفس الظاهرة في الجسم المطلق و في الحقيقة العقل الظاهر في العرش شعاع العقل الظاهر في الجسم المطلق و النفس الظاهرة في الكرسي شعاع النفس الظاهرة في الجسم المطلق و مثالها ثم  لما كان النفس مقام الصور العلمية الجزئية و هي في الحقيقة مقام تعلق العقل المعنوي الكلي بالشهاديات كان لها رءوس و وجوه متعلقة بالشهاديات علي حسب انواع الشهاديات و هي اي النفس بالنسبة الي تلك الرءوس و الوجوه كلية و ان كانت بالنسبة الي العقل جزئية فلما كانت الشهاديات اي الطبيعيات اي من الطبيعة فما دونها من المادة و المثال و الجسم لها مرتبتان دهرية و زمانية وجب ان يكون للنفس رءوس لدهرياتها و وجوه لزمانياتها فتنقسم دهرياتها علي حذو الغيب الي اقسام منها مقام الطبيعة التي هي بمنزلة فؤادها و المادة و هي بمنزلة عقلها و المثال و هو بمنزلة روحها و الجسم و هو بمنزلة نفسها و للنفس رأس للتعلق بالطبيعة المجردة عن المعنوية المادية و الصورية المثالية و لادراكها و رأس للتعلق بالمادة المعنوية الكلية و لادراكها و رأس للتعلق بالمثال الصوري و رأس للتعلق بالجسم و لادراكه و ذلك ان الغيب له مقام الفعلية و الشهادة لها مقام المفعولية و الاثر الجامع لهما مخلوق بنفسه عند الوجود المطلق الاعلي و عند النفس تتم مراتب الفعل فالفؤاد هو الذكر الاول و النقطة و المشية له و العقل هو العزيمة و العين و الالف اللينية و الارادة و الروح هي الهندسة الايجادية و الحروف و القدر و النفس هي التركيب و الكلمة التامة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 48 *»

القضاء و عندها تتم كلمة الفعل و العلة و الامضاء هو وقع الاثر كما شاء اللّه و لهذا الفعل الذي هو الحركة الايجادية رءوس بحسب حروف ما يكتبه في لوح امكان المفعول و تلك الرءوس ما ذكرنا و هي الرءوس الاربعة الكلية فلما صارت التمثلات حكاة تلك المراتب و محالها و مجاليها ظهر الرأس المتعلق بالطبيعة بفلك الشمس فانها مربية الطبيعة الكلية في هذا العالم و هي قطب جميع الافلاك و ممدها و هي المادة الثانية علي ان الوجود و الفؤاد هو المادة الاولي و ظهر الرأس المتعلق  بالمواد و الاهبية بفلك زحل فانه مدرك المعاني الجزئية المجردة عن الصور و كوكب الحكماء و ارباب العقول و مابعث اللّه نبيا الا و هو ذو مرة سوداء صافية و ظهر الرأس المتعلق بالمثال البرزخي بفلك القمر فانه مربي الحيوة و الروح الحيوانية التي هي مثالية برزخية و هو عين الحيوان التي بباب الجنة يغتسل اهلها فيها ثم يدخلون الجنة و هو كبد الحوت التي هي اول اكل اهل الجنة و ظهر الرأس المتعلق بالجسم بفلك المشتري فانه النفس الظاهرة و الصور الجزئية و ليس المراد بهذا الجسم الاجسام الظاهرة بل الجسم الدهري المطلق فلاجل ذلك صار المشتري مقام الصور العلمية و النفس الظاهرة و كوكب العلماء و مربيهم ثم ظهر لهذه الرءوس وجوه للتعلق بشهاديات تلك المراتب فوجه الرأس الظاهر في زحل المريخ صاحب الطبيعة الحارة اليابسة في ظاهره و الباردة الرطبة في باطنه و الوهم الذي هو مدرك المعاني الجزئية المستنبطة عن المدركات المادية و وجه الرأس الظاهر في القمر الزهرة التي هي صاحبة الخيالات و الصور الجزئية المثالية المرتبطة بالمواد الشهودية فتنزع عنها الصور و تدركها و وجه الرأس الظاهر في المشتري هو عطارد صاحب الصور الفكرية المركبة من المواد و الصور و الصورتين و هو محل الملائكة الثلاثة سيمون و شمعون و زيتون الموكلين بالصور الفكرية فالثلثة الرءوس مجردات بالنسبة عن المواد و الثلثة الوجوه مرتبطات بالمواد الشهودية و الصور المنتزعة عنها و هي خدام للثلثة العليا تنزع الصور عن المواد الشهودية و تسلمها الي الثلثة العليا فتأخذها مجردة و تدركها من حيث اعلاها و اما الرأس الظاهر في الشمس فليس له وجه فانه القطب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 49 *»

الساري في الكل و الحقيقة التي بها تقوم الكل و ليس في المواد الظاهرة امر حقيقي ينتزع فما ادت الثلثة الدنيا الي الثلثة العليا تجرده الشمس  عن جميع صوره و تدرك حقيقته فالشمس آية الجسم المطلق في مقام الافلاك و زحل و المريخ آية العرش و العقل و القمر و الزهرة آية الروح التي بين العرش و الكرسي و هي برزخ بينهما و المشتري و عطارد آية الكرسي و النفس فتدبر في تقدير العزيز الحكيم و جهل كثير من العلماء بحقايق الاشياء فلاجل ذلك نقول ان الشمس تستمد من باطن العرش و هو العقل و تمد زحل و تستمد من باطن الكرسي و هو الروح و تمد القمر ثم تستمد من ظاهر العرش اي النفس و تمد المشتري و من ظاهر الكرسي و هو الصور العلمية و تمد عطارد و تستمد من باطن العرش و الكرسي و هما العقل و اعلي الروح و تمد المريخ فانه محل الوهم و المعاني الجزئية و تستمد من ظاهر العرش و الكرسي و هما اسفل الروح و الصور العلمية و تمد الزهرة التي هي محل الخيال و الصور الجزئية فبذلك صارت الافلاك حية مشتعلة بتلك المراتب الغيبية بالفعل و صارت افعال اللّه الظاهرة.

فالجسم المطلق مقام المشية و الذكر الاول و ظاهره الشمس و العرش مقام الارادة و ظاهره زحل و المريخ زحل يحكي اعلاها اي اياها من حيث هي و المريخ يحكي اسفلها اي اياها من حيث التعلق و بين العرش و الكرسي مقام القدر و قد نقسم الكرسي بالكرسي و فلك البروج فنقول الكرسي فلك الروح و فلك البروج فلك النفس و ذلك لان الكرسي مقام اجماله و هو الروح و فلك البروج مقام تفصيله و هو النفس فعلي هذا الوجه الكرسي مقام الروح و القمر يحكي اياه من حيث هو و الزهرة تحكي اياه من حيث التعلق و فلك البروج مقام القضاء و المشتري يحكي اياه من حيث هو و عطارد يحكي اياه من حيث التعلق فبذلك تمّ كلمة فعل اللّه سبحانه فاذا حصل الاثر في السفليات امضي فالافلاك مقام القدر و القضاء و الارض مقام الامضاء و الكتاب و للّه سبحانه البداء ما دام  الامر في السماء فاذا وقع القضاء بالامضاء في الارض فلا بداء و علم ما فوق فلك الشمس علم مغيب و علم ما دونه اظهر فانه علم مرتبط بالسفليات و الملائكة التي فيها انس بالارضيات و لذلك يسرع تعلقها بالارضيات و ارتباطها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 50 *»

بها في السيميا و التسخيرات و الاستنزالات و لنعنون للارض و احكامها فصلا علي‌حدة ليتبين المطلب علي كمال الوضوح.

فصل: اعلم ان الارض في عالم التمثلات مقام المفعول كما كانت الافلاك مقام الفعل فهي اي الارض لغلظة مادتها و صورتها و حكايتها اسفل الجسم المطلق الدهري اي الجسم من حيث انه جسم كما بيّنا صارت تحجب انوار المراتب العالية و ميتة لا حراك لها و يمكن ان تتلطف حتي تصير بلطافة الافلاك فتحكي ما تحكيها فتصير فعلا  للّه سبحانه و مشية سفلية و محلا  للمشية العليا التي هي الفؤاد و العقل و الروح و النفس كما صارت الافلاك فعلا  للّه سبحانه ظاهرا بحكايتها لها و قد قلنا ان هذه الاربع مراتب فعل اللّه في الاثر الكلي لان الاثر الكلي علي صفة الوجود المطلق الاعلي الذي هو المشية السرمدية المطلقة بل هي صفته بعينها و تمثله في الخارج و هذه البسايط هي تمثل التمثل و الخلق الثاني و الظهور الخارجي فكما لا تمثل و لا وجود للاثر الكلي الا بها لا تمثل للوجود المطلق و لا وجود في الخارج الا بمراتب الاثر الكلي فالوجود المطلق في الاثر الكلي فوقه في سرمديته و الاثر الكلي في هذه البسايط فوقها في دهريتها فالوجود المطلق سرمدية هذه البسايط لاغير و لاجل ذلك قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و صارت العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية فمما هيهنا نحن نستدل علي ما هنالك و نقول ان الوجود المطلق الذي هو غاية الغايات و مبدؤ المبادي هو مخلوق بنفسه ففيه حيث فعلية و حيث  مفعولية و حيث فعليته له مراتب عشر و حيث مفعوليته له مراتب اربع كما في هذا العالم و الوجود المطلق هو بمنزلة الجامع الحاصل من بين هذه الافلاك و هذه العناصر علي ما سنبينه ان شاء اللّه و كما ان الوجود المطلق هو المشية السرمدية هناك الجامع هو محل المشية اي تمثلها و وجودها في هذا العالم بل هو المشية الظاهرة و امر اللّه و حكمه و لذلك يترجم عنه و يعبر و يقوم مقامه في الاداء في هذا العالم.

بالجملة البسايط السفلية تمثل تمثل حيث مفعولية الوجود المطلق الذي هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 51 *»

الامكان و هي ميتة لا حراك لها الا انها امكان صالح لان يحيي و يشتعل بتلك النيران التي هي جهات الفعل فيدور عليها الافلاك التي هي فعل اللّه و مشيته الظاهرة و يطرح عليها امثلتها و شعلاتها و انوارها فتنزلت و هي حية لانها علي صفة الافلاك فيها مثل ارواح الافلاك و انوارها فتقع علي الارض و تنفذ بلطافتها في اعماق الارض كما ينفذ الاكسير الفعال في اعماق الجسد الملقي عليه و يغوص فيه و الغاية في ذلك تكميل الارواح الناقصة الكامنة فيها بالقوة و اخراجها الي الفعلية و هي لغاية تكثرها مختلفة الاجزاء في المطاوعة علي حسب رطوبتها و يبوستها فاذا وقع تلك الشعلات الحية علي الارض اثارت منها لطايفها المطاوعة و ضربت بعضها ببعض و حدث فيها حركة عرضية فاختلط بعضها ببعض فحدث منها المركبات الجمادية علي حسب اختلاف الاجزاء في الكم و الكيف و اختلاف قوي الفاعلة التي هي واردات التقدير فهي اي الجمادات مركبات عرضية من اجزاء مستقلة بانفسها قبل التركيب فاذا فككها و اهلكها ايدي التقدير عادت الي البسايط عود ممازجة و تختلف مدد كونها علي حسب شدة التركيب و رخاوته و يبس المركب و رطوبته و صلابة الاجزاء و لينها و قد تعمل ايدي التقدير في البسايط اكثر و تأخذ اجزاء اعدل و تصفيها و تبين  الصوافي من الارمدة في الجملة و ان كانت نافذة في الارمدة نفوذ الماء في الطين و اجزاء تلك الصوافي متشاكلة في التمثل الظاهري و ان كانت مختلفة في الطبايع و ذلك من حكمة الحكيم و تقدير العزيز العليم في المركبات التي يراد منها مزاج واحد رحماني فان الاجزاء ما لم‌تتصف لم‌تتشاكل و ما لم‌تتشاكل لم‌تتداخل و ما لم‌تتداخل لم‌تتمازج و ما لم‌تتمازج لم‌تتفاعل و ما لم‌تتفاعل لم‌تتماثل و ما لم‌تتماثل لم‌تتحابب و ما لم‌تتحابب لم‌تتضام و ما لم‌تتضام لم‌تتحد و ما لم‌تتحد لم‌تتقابل نور الواحد الفرد و ما لم‌تتقابل نور الواحد لم‌تحكه و ما لم‌تحكه لم‌يلق فيها مثاله و ما لم‌يلق فيها مثاله لم‌يظهر عنها افعاله و لم‌تصر عرشا مستوي الرحمن فافهم ان كنت تفهم هذا البيان.

و مرادي بالمشاكلة تشكيل التمثل الخارجي و ان اختلفت الاجزاء في الطبايع و وجود المشاكلة مع مخالفة الطبايع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 52 *»

دليل علي طبايع غيبية بها تحصل للاشياء امزجة مختلفة ألاتري ان الماء الحاد في غاية البياض و السيلان و الرقة و هو حار يابس و ماء العنب المصفي ابيض رقيق سيال و حار رطب و مقطر النيلوفر ابيض رقيق سيال و بارد رطب و مقطر بزرالبنج ابيض رقيق سيال و بارد يابس فهذه المياه متشاكلة في الصورة قابلة للتداخل و الامتزاج و التفاعل مع ان طبايعها مختلفة فاذا تفاعلت كسر كل واحد سورة الآخر باخراج ما في كيانه الي عيانه فتتماثل حينئذ طبايعها فتتحابب فتتضام فتتحد فيحصل لها مزاج واحد ثم ان كانت الاجزاء متساوية كمّا و كيفا طبيعيا حصل مركب معتدل و الا فمنحرف بالجملة ربما تعمل ايدي التقدير علي حسب ما ذكرنا و استخرجت من هذه العناصر الظاهرة صوافي و ضربت بعضها ببعضها حتي حصل لها صورة وحدانية طبيعية فاوجدت نباتا و هذه الصوافي هي النفس النباتية و هي متلبسة بارمدتها و اكدارها و جعلت الاكدار عليها  وقاية لها و تلك الاكدار جمادية فاذا حصلت النفس النباتية حصل لها قوي جاذبة من نارها و هاضمة من هوائها و دافعة من مائها و ماسكة من ترابها و مربية من الصورة الوحدانية الحاصلة لها و خاصيتان الزيادة التي هي النما و النقصان الذي هو الذبول فربت و نبتت فصعدت بنارها و شايعها البواقي بالمماثلة و انتشرت بهوائها و شايعه البواقي و لانت و تسفلت بمائها و شايعه البواقي و نزلت و هبطت بترابها و شايعه البواقي و جذبت المشاكل بنارها و هضمته بهوائها و دفعت عن نفسها الارمدة بمائها و امسكت المماثل بترابها و احالته الي شكله بصورتها الوحدانية فربت و نمت بذلك فزادت ما دامت محفوظة بيد التقدير و طاوعت فاذا عصت و جفّت الرطوبة المطاوعة فيها ذبلت و ذلك تقدير العزيز الحكيم فاذا وردت عليها مقادير مضادة لمقادير تكوينها فرقتها و عادت الي البسايط عود ممازجة لا عود مجاورة ثم قد تعمل ايدي التقدير بسر التدبير في هذه البسايط اكثر و تنفذ اشعة الافلاك في اعماقها فتأخذ اجزاء ارق و اعدل كمّا و كيفا فتدبرها حتي تنبه راقدة الفلكية الكامنة فيها و تكملها و تقوي ما فيها من الفلكية بالقوة فتصفي الاجزاء مرة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 53 *»

عن الاكدار الجمادية فتستخرج منها الصوافي العنصرية النباتية ثم تعمل فيها حتي تلطفها و تصفيها بخارا و تذر عنه الاعراض النباتية و تجعله كجرم فلك القمر في الصفاء و الشفف و اللطافة و الرقة و تقوي ما في ذلك البخار من الروح المثالي و ذلك الروح المثالي مثال الروح المثالي الكلي الذي في الجسم المطلق كما بينا و فرد منه و ظهور له فيشتعل ذلك الروح في ذلك البخار فيحيي و يتحرك بالبسط و القبض و ذلك المثال هو النفس الحيوانية و ذلك البخار هو نبات صاف لطيف يليق بان يشتعل فيه النفس الحيوانية بخلاف نفس النبات المحضة فانها غليظة جامدة و لاتليق باشتعال الروح الحيوانية كما ان  الاكدار الجمادية المحضة ماكانت تليق بالنفس النباتية و اكدار النبات التي صارت لباس النفس النباتية كانت الطف و اصفي و اطوع للنفس النباتية و الجماد المحض ماكان يطاوع النبات و كذلك اكدار نبات استخرج منه الحيوان اصفي من اكدار نبات محض و ذلك كبدن الحيوان و جسم الشجر و المعدن و الجماد فنبات الحيوان ايضا الطف من النبات المحض البتة فذلك البخار نبات الحيوان و الصوافي التي في الشجر نبات النبات و علي هذه فقس ما سيأتي فالبخار الحاصل نبات رقيق صلح لرعي الحيوان فلما عمل ايدي التقدير في ذلك البخار قوّت ما في كمونه من النفس الحيوانية المثالية كما تقوي النار الخارجية النار التي في الدخان فتشتعل في الدخان فتصير شعلة تعمل عمل النار و تري فهي نار مرئية مشهودة و تلك الروح الحيوانية هي من عالم المثال و هي صورة قد خرجت من كمون المادة الدهرية تقوم بها.

و ان اردت الكشف عن ذلك حتي تشاهدها فاعلم ان هذه البسايط المشهودة مركبة من البسايط الاصلية الهورقلياوية و البسايط المشهودة لديها بمنزلة الصفراء لدي النار و الدم لدي الهواء و البلغم لدي الماء و السوداء لدي التراب فهذه البسايط المشهودة مركبة من البسايط الهورقلياوية و الغالب علي النار الظاهرة نارها و علي الهواء الظاهر هواؤها و علي الماء الظاهر ماؤها و علي التراب الظاهر ترابها و هذه البسايط المشهودة زمانية مركبة فاذا عادت الي الهورقلياوية حصل نار محضة و هواء محض و ماء محض و تراب محض بالنسبة و هي التي يحصل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 54 *»

منها مزاج النبات و طبعه كما مر و كل واحد منها مركب من مادة و صورة و كذلك افلاك هذا العالم مركبة من اجرام هورقلياوية فاذا تفكك تركيبها عادت الي افلاك ذلك العالم و هي الافلاك البسيطة بالنسبة و كل فلك منها مركب من مادة و صورة فصور تلك البسايط الفلكية و العنصرية  هي المثال البرزخي و مادتها هي عالم الهباء و المادة الدهرية و اما الجسم فهو الامر الساري في هذه التمثلات الدنياوية و المادة الدهرية مع الصور المثالية و ان كانت جسما ايضا الا انه جسم برزخي و لذلك روي ان الروح جسم رقيق البس قالبا كثيفا و القالب الكثيف هو الجسم المشهود الدنياوي فعالم المثال هو عالم الصور الدهرية القائمة بالمادة الدهرية و له افلاك و عناصر و عالم الاجسام تنزل عالم المثال اذ الصورة الجسمية صورة حاصلة من تركب الصور المثالية و تكثفها بالتركيب كما تري ان الهواء جسم رقيق لايحجب ما وراءه و الماء جسم رقيق لايحجب ما وراءه فاذا ضرب بعضهما ببعض رغا الماء و ازبد جسما مرئيا حاجبا لما وراءه و كذلك الاجسام الرقيقة الهورقلياوية اذا ضرب بعضها ببعض و تركبت حصل منها جسم هذه الدنيا العرضي الكثيف الغليظ في السماويات بحسبها و في الارضيات بحسبها الا ان السماويات اقل تكثرا و اشبه بالاصل و العنصريات اكثر تكثرا و ابعد عن الاصل فلاجل ذلك صارت السماويات احكي لعالم المثال و العنصريات احجب فاذا عملت التقادير في هذه العناصر الظاهرة و ركبتها مرة بالجمادية و صفّتها مرة بالنباتية ثم صفّتها مرة اخري و جعلتها بخارا صافيا و خلصتها عن التراكيب الجمادية و النباتية المحضة و ارمدتها عملت فيه مرة اخري و كملت ما فيه من البسايط الاولية الهورقلياوية و ركبتها حتي حصل لها صورة واحدية و جعلتها بلطافة افلاك هورقليا صارت روحا حيوانية لها مادة دهرية برزخية و صورة دهرية برزخية و كان امتدادها امتدادا برزخيا و صار ذلك البخار الدنياوي الذي كان في الصفا بمنزلة هذه الافلاك لباسا لها و مشتعلا بها فحيي و تحرك قبضا و بسطا فالروح الحيوانية ايضا مركبة من البسايط البرزخية المستقلة قبل التركيب و مرتبطة من حيث الاسفل بهذه  العناصر لان هذه العناصر مركبة ايضا من تلك البسايط الا انها ليست علي حسب الاعتدال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 55 *»

الكامل كما و كيفا و تركيب هذه البسايط تركيب جمادي و تركيب تلك الروح تركيب معتدل كما و كيفا و اجزاؤه اصفي فلو اعتدل هذه البسايط ايضا حييت كالروح البخاري و كالروح الحيوانية و ان الدار الآخرة لهي الحيوان فاذا اختل الآلات الجسمانية و بطل تركيبها بطل البخار و تفرق فتفرق بسائطها ايضا فعادت الروح الحيوانية الي البسايط الهورقلياوية عود ممازجة لا عود مجاورة و انما ذلك في الحيوان المحض و هذه الروح هي النفس الحيوانية فاذا صارت بالفعل حصل لها خمس قوي باصرة و سامعة و شامة و ذائقة و لامسة بحسب خواص بسائطها فبالنار تبصر و بالهواء تسمع و بالماء تشم و بالتراب تذوق و بالمجموع تلمس الا انها فيها اي في عالمها شديدة التماثل و تتمثل و تتفرق في هذا البدن كما تري و لها خاصيتان الرضا بوجدان المشاكل و الغضب بوجدان المنافر.

ثم اذا عملت التقادير مرة اخري في الروح الحيوانية و صفتها لان تصير قابلة لظهور النفس الانسانية بقول مطلق عليها طهرتها عن ارمدة هي اللائقة بالحيوانات المحضة و عملت فيها حتي جعلتها بلطافة افلاك عالم المثال فحينئذ صلحت لركوب النفس الانسانية عليها ثم عملت فيها حتي كملت ما فيها من صلوح النفس الانسانية و هي الحقيقة الواحدة التي فيها فقوتها حتي اخرجتها الي الفعلية و اشعلتها في الروح الحيوانية فصارت انسانا و حصل لها قواها و خواصها.

و ان اردت الكشف عن حقيقة تلك النفس و صفة توحدها فاعلم ان البرزخ الذي عرفته صورته عالم المثال و مادته عالم المادة و تلك المواد من حيث تلبسها بالصور متحصصة ممتازة و من حيث الطبيعة متشاكلة و امكانها هي الطبيعة التي يدفن فيها اهل البرزخ اذا ماتوا و عادوا اليها عود ممازجة و هي عرصة لا حاس فيها  و لا محسوس الا انها طبايع جوهرية قد تألف منها افلاك البرزخ و عناصرها و هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة المجردة عن المواد و المدد الدنياوية و المادة التي دونها و المثال الذي تحتها فان المواد حصص منها و الصور حدود لها اي للمواد فهي امكان طبيعي للمواد و المراد بالكيفيات المجردة الكيفيات الجوهرية التي بها تقوم جوهرية الاثر عند مؤثره من حيث صدوره عن الفاعل و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 56 *»

من حيث هو هو و الرابط بينهما لا الكيفيات العرضية مثل ما علي الاجسام الظاهرة فالطبيعة التي هي امكان عالم البرزخ هي الكيفيات الجوهرية المجردة عن المواد و مثلها الصالحة للتحصص و التكمل و التنزل و هي سارية في جميع سموات ذلك العالم و ارضيه يعني كلها منها و هذه الطبيعة مآل اهل البرزخ و معادهم يعودون اليها عود ممازجة كائنين ما كانوا بالغين ما بلغوا و يبقون فيها مدي ما بين النفختين الي ان ينفخ فيه نفخة الاحياء و الحشر و قدر ذلك المدي باربعمائة سنة بالجملة انت لو تفكرت في تلك الكيفيات الجوهرية الاضافية و صفيتها عن الاكدار الطبيعية التي بها تميزت الكيفيات بعضها عن بعض و حصلت الواحد الساري النافذ فيها حصل لك النفس الدهرية المعراة عن المواد و المدد و آية تلك التصفية انك لو طهرت هذه العناصر عن خصوصية نارها و هوائها و مائها و ترابها و استخرجت ذلك الجسم المشترك بينها غير النافي لواحد منها الحاصل بتطهيرها و تشكيلها و تداخلها و تمازجها و اتحادها و تلطيفها كما بينا حصل الروح البخاري و ذلك خارج عن اقطار النار و الهواء و الماء و التراب معري عن صورها و موادها بل هو مركب كالافلاك من البسايط البرزخية و ليس من المواليد العنصرية و لاجل ذلك نقول ان الافلاك اجسام غير مركبة من الطبايع العنصرية و لها وحدانية بالنسبة الي العناصر فحارها غير حار  بالنار و باردها غير بارد بالماء و هكذا بخلاف المركبات من العناصر و انما عناصر استخرجت منها تلك الروح هي التي تركتها الطبيعة وراءها و هي الاخلاط فهي امر خارج عن الطبايع العنصرية و فوقها و كانت بالصلوح في كلها و مع ذلك ليست بمثابة الجسم المطلق و انما هي جسم مقدر محدود بالفعل الا انها خارجة عن الطبايع و كذلك الامر في النفس المستخرجة من الطبايع فهي معراة عن حرارة الطبيعة و برودتها و رطوبتها و يبوستها و فوقها و كانت فيها بالصلوح و لاتنافي واحدة منها كما لاتنافي الفلكية واحدا من العناصر و ليست تحصل الفلكية بمحض تفاعل العناصر بل تحتاج الي القاح الافلاك و تكميلها ما فيها من جنسها هذا و جميع العناصر ايدي الافلاك و تفاعلها بفعل الافلاك بها القت في هويتها مثالها فاظهرت عنها افعالها و كذلك استخراج النفس الجزئية من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 57 *»

الطبيعة ليس الا بتلقيح النفس الكلية و جميع الكيفيات الجوهرية ايديها و حروف كلمتها فافهم.

فاذا عملت التقادير في هذه العناصر و صفتها شيئا بعد شي‌ء حتي جعلتها نباتا ثم حيوانا بانشاء خلق آخر في الرحم عند التولد الجسماني اي تمام البدن و حصوله عن قوة العناصر عملت في الروح الحيوانية مرة اخري حتي بلغت طبايعها فصفتها عن اكدارها المميزة و تركتها وراءها و استخرجت من كل واحد منها ما فيها من النفسانية غيرالمنافية لشي‌ء منها و هي مشاكلة مماثلة في المادة و الصورة فتعانقت و تضامت فاتحدت و حدثت النفس الواحدية المعراة عن المواد البرزخية و الدنياوية و صورهما و هذه جوهرة دهرية واحدية غير مركبة من جزئين مستقلين يمكن تفككهما و عودهما الي اصلهما بل هي مركبة من اجزاء لايقوم بعضها الا ببعض و لايوجد بعضها الا مع وجود بعض و هي الشي‌ء الجوهري الحقيقي الواحدي المطهر عن شوب الاعراض البرزخية و الدنياوية  و الاثر التام الكامل المستقل فلها المراتب الثمان جوهرية فلها فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم مطهرة مصفاة متشاكلة متماثلة متضامة متحدة بوحدة واحدية يري ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها اي يعمل باطنها اعمال ظاهرها و ظاهرها اعمال باطنها و حكم بعضها حكم كلها و حكم كل جزء منها حكم الجزء الآخر و لابد لنا ان نشرح هذا المقام في فصل علي حدة ليتبين لك حقيقة المرام.

فصل: اعلم ان الدور بلحاظ آخر ثلث دار الدنيا و دار البرزخ و دار الآخرة اما دار الدنيا فهذه الدار المحسوسة التي سقفها الفلك التاسع و فرشها الارض التي يكون الانسان فيها ما دام حيوته و فيها افلاك و عناصر عرضية مركبة مستقلة قبل مواليدها و يتألف منها مواليد تدوم الي منتهي اجلها ثم تتفكك حتي تعود الي اصولها عود ممازجة و مواليدها جماد و معدن و نبات لا غير و لهذه الثلثة درجات في الكثافة و اللطافة و الغلظة و الرقة و يختلف هيئاتها علي اشكال مختلفة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 58 *»

بحسب اختلاف اجزائها في الكم و الكيف و الرقة و الغلظة فما كان منها اعدل و ارق يطاوع المبدء و يكون علي حسب هيئة تقدير القدير و ما كان منها منحرفا و غليظا فيغير صورة التقدير علي حسب قابليته و هذه المواليد تؤلف من بسايط دار الدنيا المستقلة قبل التأليف فتدوم الي منتهي ما قدر لها من الاجل ثم يقدر اللّه جل جلاله اسبابا مفككة لها فيفككها و هو موتها و فسادها و بوارها فتعود اجزاؤها الي البسايط العامة فتعود اليها عود ممازجة انما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح، منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخري، كما بدأكم تعودون فهذه الدار برمتها دار فناء و سينقضي آجال بسايطها ايضا و تتفكك و تبدل الارض غير الارض و السماوات نعم يبقي مثلها في امكنة وجودها  و اوقات حدودها في اللوح المحفوظ الكلي يعلمها اللّه سبحانه و هي محفوظة بحفظ اللّه لايضل ربي و لاينسي و لاتزعم ان حضورها عند اللّه سبحانه حضور الاواني علي المائدة عندك بل قد اشرنا سابقا الي نحو علم العالي بالداني في العالي و هو لايشغله علمه بشي‌ء عن علمه بشي‌ء اذ هو مستو علي عرشها ليس شي‌ء منها اقرب اليه من شي‌ء آخر و هو اولي بها منها نافذ في جميع امكنتها محيط بها يعلم كل واحد منها في موضعه و حده و له علم واحدي بها في مقام اجتماعها و توحدها و هل تلك المثل في الزمان او الدهر لا شك انها محيت من لوح الزمان حين مضيها و اثبتت في الدهر فتلك المثل دهرية مجتمعة في الدهر حاضرة عند اللّه سبحانه كل في مكانه و حده.

و ان قلت ان ما دخل في ملك اللّه لايخرج من ملك اللّه فكيف محيت تلك المثل عن لوح الزمان قلت ان الزمان نسبة بين الحادثين الواقعين في وقتين علي مادة واحدة فيكون الطين علي هيئة اللبنة فتكسرها و تجعله علي صورة فخار و تريد ان تكسر الفخار و تجعله كأسا فاللبنة واقعة في ماضي الفخار و قد محيت صورتها عن لوح الطين و اثبت عليه صورة الفخار و الكأس واقعة في مستقبل الفخار و سيمحي صورة الفخار و يثبت علي لوح الطين صورة الكأس فبهذا المحو و الاثبات يتحقق الزمان و لولا هذا المحو و الاثبات لم‌يتحقق ماض و لا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 59 *»

حال و لامستقبل فاذا اجتمع الماضي و الحال و المستقبل في عرصة واحدة في صف واحد فلا زمان فحينئذ يراعي ترتبها علي ما تقوم بها فهي دهرية حينئذ و كما انها حاضرة في الدهر باجمعها يراها الدهري باجمعها معا و هذا النظر الذي تري به عمروا ثم زيدا ثم بكرا في الصف الواحد هو نظر زماني بعين زمانية فهي مجتمعة في الدهر و اجتماعها جعلها دهرية و العين الدهرية تراها جميعها و رؤيتها جميعها بالعين الدهرية في حيث اجتماعها و توحدها في رتبة النفس ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه  و الانسان في اي مقام ابدا يري شيئا واحدا فحضورها عند النفس في الدهر حضور وحداني و تراها بوحدتها بعين دهرية و اما بافعالها و مشاعرها المصاقعة لها في تكثرها تراها في تكثرها كلا في حده و مقامه كما تري انت بخيالك زيدا في المسجد يوم الجمعة حال الصلوة فجميع ما سلف من الزمان الآن في الدهر و جميع ما سيأتي في الدهر و الحال معهما في الدهر الا ان نسبة الحال الي سابقه و لاحقه زمان و هذه النسبة هي الزمان و لو عقلت للحال دهرية حال وجوده و زمانية عرفت ما اقوله بل للحال زمانية و دهرية و سرمدية في حالة واحدة بالجملة هذه هي الدنيا و هي اعليها محدب العرش و اسفلها مركز الارض و كلها دار فناء لا دار بقاء.

و اما دار البرزخ فهي دار فوق هذه الدنيا و بعدها و هي دار لها افلاك و عناصر سقفها عرشها و فرشها ارضها و بينهما مواليد قد تولدت من بسايطها فافلاكها في افلاك هذه الدار و عناصرها في عناصر هذه الدار و مواليدها في مواليد هذه الدار و هذه الدار بالنسبة الي تلك الدار عرضية لانها حدثت من امتزاج عناصر تلك الدار و ضرب بعضها ببعض و تعاكس اشعتها و انوارها و اختلاط بعضها ببعض فهذه الدار لها مادة و صورة مادتها صورة عالم البرزخ و صورتها هذه الصور الكثيفة الدنياوية.

و ان قلت ان مواليد عالم البرزخ ايضا مركبة من بسايطها البرزخية فما بالها لاتكون كثيفة كبسائط هذه الدنيا و مواليدها قلت ان المركب من اللطائف الروحانية المطهرة عن الادناس الغريبة المكثفة ليس كالمركب من ذوي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 60 *»

الادناس و الغرائب المنافرة ألاتري ان الجبل مركب من عناصر هذه الدنيا و الماس ايضا مركب من عناصر هذه الدنيا لكن الماس من لطائف العناصر و مطهراتها و مصفياتها و مشاكلاتها و مماثلاتها و اجزاء الجبل غيرمطهرة و غيرمصفاة فهذه الدنيا حصلت من تراكم تنزل بسائط البرزخ و تعاكس اشعتها و انوارها  غير مشاكلة و غير مماثلة و اما مواليدها فمن تركيب ذوات تلك الطبايع و بينهما فرق عظيم بالجملة مواليد ذلك العالم برزخية و هي ايضا ثلثة الا انها كلها حية لصفائها و حكايتها المراتب العالية و آثارها فلاجل ذلك ان مواليد البرزخ كلها حيوان ذو حيوة حساسة دراكة مريدة متحركة فهي في البرزخ جماد حي و معدن حي و نبات حي يعني ان نسبة ادني مواليده الي اعلاها كنسبة الجماد الي النبات علي حذو ما مر آنفا و قد مر صفة تكونها من ان يد التقدير بعد ما عملت في بسايط هذا العالم و صفتها و ركبتها بخارا مستعليا علي الاخلاط و العناصر مخضت ذلك البخار مخض السقاء حتي جمعت من كمونها اصول عناصرها الجوهرية البرزخية الحيوانية فالفتها حيوة حيوانية فاشتعلت في ذلك البخار فتحرك و اراد و احس و ليس حيوانية الحشرات المتقطعة كحيوانية الدواب و لا حيوانية الدواب كحيوانية بدن الانسان مع انها كلها من مواليد البرزخ و تلك الحيوانات لما كانت مركبة من بسايط دار البرزخ المستقلة في الجملة اذا فنيت و تفككت عادت الي ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة الا ان تفككها علي الاختلاف فمنها ما هو طويل العمر و هو اشدها مفارقة لبسايط هذه الدنيا و اكثرها تصفيا و منها ما هو قصير العمر و هو اشدها خلودا في الدنيا و ركونا اليها حتي ان منها ما يتقطع تقطع الاجسام الدنياوية فمنها ما لايبقي بعد خراب البدن و يتفرق بتفرقه و منها ما يبقي قليلا و منها ما يبقي الي نفخة الصعق نعوذ باللّه منها و كلها فانية زايلة تعود الي ما منه بدأت عود ممازجة.

و اما قول اميرالمؤمنين7 ان النفس الحيوانية اصلها الافلاك فالمراد ان الافلاك لاشتعالها بحيوة البرزخ ملقحة للبخار المكون في قلب الحيوان و نسبة حيوة بخار القلب الي الفلك كالضوء من الضوء و السراج من السراج و لان الحيوة الحيوانية حقيقة من افلاك  عالم البرزخ التي هي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 61 *»

في افلاك هذه الدنيا المشتعلة بها فسميت بها كما يسمي الدخان المشتعل بالنار و يسمي البخار الذي في القلب بالروح الحيواني و لذا قال اميرالمؤمنين7 انبعاثها من القلب و الذي ظاهر في القلب هو البخار المشتعل بالحيوة بالجملة لدار البرزخ ايضا افلاك هي جهات فعل اللّه سبحانه و عناصر هي جهات مفعوليته و لها عقل هو عرشها و نفس هي كرسيها و الافلاك جهات تعلقات النفس بعناصرها و طبايع هي عناصرها و مواد هي حصصها و امثلة هي صورها و اجسام هي المؤلفة من عناصرها و ان كان كل تلك الدار بالنسبة الي هذه الدار برزخا بين الدهر و الزمان و من حيث الصورة مثالا في كلية ما سوي اللّه سبحانه و هو المثال الذي قدمناه سابقا في ضمن كليات العالم بالجملة اهل دار البرزخ اذا ماتوا بالموت العام الذي يبطل فيه كل حاس و محسوس يدفنون في الطبيعة الكلية التي هي الكيفيات الجوهرية التي منها تركبت بسائط تلك الدار فلاتبقي الا الطبايع الجوهرية و يفني جميع تراكيبها و مثلها و موادها و تعود الي ما بدأت منه من الطبايع و تلك المثل ايضا تمحي من لوح موادها و تثبت في عالم الآخرة الذي هو وسط الدهر و يعلمها اللّه كما مر و هي حاضرة في امكنة حدودها و اوقات وجودها عند اللّه سبحانه علي نحو ما مر و ليست اذا ببرزخية فانما هي دهرية محضة و وجود المحو في رتبة لايوجب خروج الشي‌ء عن علم اللّه و انتفاؤه عن موضع حده و وقته بل لا محو في الحقيقة و كل مثال زماني او برزخي ثابت في حده و مقامه ابد الابد لايضل ربي و لاينسي و ما دخل في ملك اللّه لايخرج من ملكه كما ان زيدا دخل في ملك اللّه و لايخرج من ملك اللّه و لكن كان دنياويا فصار برزخيا و سيصير اخرويا و كذلك المثل كانت حين كانت زمانية فصارت بعد المحو الظاهر الوجداني عن لوح الزمان برزخية ثم دهرية و هي  هي تلك المثل الزمانية كما ان زيدا هو الزيد الزماني فافهم.

و اما الدار الآخرة فهي دار بعد دار البرزخ و فوقها و لها افلاك و عناصر و افلاكها في افلاك البرزخ في افلاك هذه الدار و عناصرها في عناصر البرزخ في عناصر هذه الدنيا و مواليدها في مواليد البرزخ في مواليد هذه الدنيا و قد تنزلت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 62 *»

الي البرزخ فصارت فيه بالقوة و تنزلت بالبرزخ الي الدنيا فصارت فيها بالقوة و انما يخرج و يحيي بنداء اقبل كل جزو يجيب من الدنيا حتي يستخرج منه البرزخ ثم الآخرة فان اجاب فله برزخ او و آخرة و ان لم‌يجب فلا آخرة له او و لا برزخ و مواليد تلك الدار كلها نفوس ناطقة اي تنطق الا ان بعضها علي الصورة الانسانية و هي الناطقة القدسية اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و هي التي مقرها العلوم و هي من كرسي ذلك العالم و بعضها علي الصورة الشيطانية و هي الامارة بالسوء و هي من افلاك ذلك العالم لكن من حيث انفسها و بعضها علي صورة الحيوانات و هي التي من فلك قمر ذلك العالم و بعضها علي صورة النباتات و هي التي من صفايا عناصر ذلك العالم و بعضها علي صورة الجمادات و هي من ظواهر عناصر ذلك العالم لكن جميعها حية نفسانية ناطقة و لاتكون الا في الانسان فالتي في الشياطين و الحيوان و النبات و الجماد ليست حصصا من تلك النفوس و تلك النفوس ليس فيها كثرات عالم الدنيا و البرزخ بل كل واحدة منها متحدة بوحدة واحدية دهرية يعني لا قوام لجزء من اجزائها الا مع الآخر كالكسر و الانكسار حيث لا ظهور للكسر الا بالانكسار و لا تحقق للانكسار الا بالكسر و جميع تلك الدار حية بالذات و ان الدار الآخرة لهي الحيوان و لجميع مراتبها شعور انساني و لتلك الدار افلاك و عناصر متشاكلة متماثلة متداخلة غير متزايلة فعرشها في كرسيها و هما في افلاكها و هي جميعها في عناصرها و هي بعضها في البعض تتحد منظرا و تتعدد مخبرا كل مرتبة منها  شرط المرتبة الاخري لاتحقق للدانية الا بالعالية و لا ظهور للعالية الا بالدانية.

و اما النفوس الجزئية فقد امتازت بعضها عن بعض بصورها و تخطيطاتها التي هي الصور العلمية و العملية الحاصلة لها من اكتساباتها من الابدان البرزخية و الدنياوية و شدة حكايتها لما وراءها و ضعفها و ذلك ان الدار الآخرة لما تلبست بالاعراض البرزخية استجنت فيها و تبدل حيوتها بالموت و فعليتها بالقوة و تنزهها بالتلوث و قوتها بالضعف و وجودها بالعدم في رتبة البرزخ لا في رتبتها ثم لما تلبست بالصورة الدنياوية جرت تلك الاحوال علي اللباس البرزخي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 63 *»

ايضا فتمثلا بالصور الدنياوية و هي صالحة للتطهير و التصفية و رفع الغرايب و الاعراض الحاجبة فلما عمل ايدي التقدير في الحصص الدنياوية و اخذت في تدبيرها طهرت و صفت عن الاعراض الهبائية حتي خرجت من كمونها النفس البرزخية الحيوانية ثم طهرتها و صفتها عن كثراتها و اعراضها و غرايبها الطبيعية حتي خرجت عن كمونها النفس الناطقة و تلك الحصص مختلفة الاجابة مختلفة الكم و الكيف مختلفة التطهر و التصفي و التخلص فلاجل ذلك اختلفت النفوس المستخرجة علي حسب اختلاف اجابتها لنداء ألست بربكم بالسبق و التأخر و حسن الاجابة و سوئها فلاجل ذلك اختلفت النفوس الجزئية فلا ظهور للانفس الا بالاجابة و هي مقدمة وجودا فوق تلك الاجابة حين الاجابة لا قبل و لا بعد علي حسب تلك الاجابة فساع سريع نجا و لاحق بطي‌ء رجا و متأخر في النار هوي و كلها نفوس مستخرجة موجودة بالفعل.

و اما النفس الكلية الكونية فهي موجودة مستخرجة من البرزخ الكلي و هو موجود مستخرج من الدنيا الكلية اي الجسم الكلي و لها تمثلات كلية مستخرجة من التمثلات البرزخية و الدنياوية فان الدنيا الكلية قد اجابت منها البسايط الكلية الفلكية حين خلقت و حصل لها برازخ و اجابت  البرازخ الكلية الفلكية حين خلقت و حصل لها نفوس كلية فلاجل ذلك تكون الافلاك ذوات نفوس و حيوة دائما و اما الارض الدنياوية فهي ايضا مجيبة في مستقبل الاوقات الزمانية و مستخرجة منها الارض البرزخية في مستقبل الاوقات البرزخية و هذا المضي و الحال و الاستقبال الزمانية و البرزخية متعددة مترتبة في رتبها و هي كلها مجتمعة في الدهر في آن واحد دهري فالارض الدهرية النفسانية ايضا في الدهر ثابتة حية موجودة ثبوت نفوس الافلاك فالنفس الكلية الكونية في الدهر موجودة ابدا دهريا في الدهر برمتها لاتترقب حدوث فعلية لها مثل ما تترقب الزمانيات و البرزخيات فلا محو فيها و لا اثبات و ليس فيها اختلاف البداوات و ان كان يتدرج ظهورها في الزمان و البرزخ في اوقاتهما فالنفس الكلية نفس الجسم الكلي الموجود في جميع الازمنة و الامكنة و نفس الطبيعة الكلية البرزخية الموجودة في جميع اوقاتها و امكنتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 64 *»

و تمثلاتها العامة ايضا موجودة متداخلة لا متزايلة متحدة في المنظر مختلفة في المخبر لاختلافها في السبق و التأخر و حد الاجابة.

و اما النفوس الجزئية فهي و ان كانت باجمعها موجودة في الدهر و لا مضي و لا حال و لا استقبال زمانية و لا برزخية فيه و لكنها تمثلات النفس الكلية و كمالاتها و شئونها و مراتب اشعتها و انوارها فتعطي النفس الكلية كل واحدة منها اسمها و حدها و تعددها بحسب اختلاف اجابتها في التقدم و التأخر و كيفية الاجابة فان قلنا انها قبل ظهور النفس الناطقة من البدن الدنياوي لا وجود لها في الدهر فحق فانها حين تخلصها هنا توجد و تمتاز في الدهر و لكن هذا الحين حين دهري و ان قلنا انها موجودة في الدهر الآن و ان تخلصت و حصلت بعد الف سنة من بدنها الآتي بعد الف سنة فحق فان الدهر ليس فيه مضي و لا حال و لا استقبال و هذا الآن آن دهري فالقول  الفصل ان اللّه سبحانه خلق النفوس باجمعها قبل ان يخلق ابدانها في هذه الدنيا باربعة‌ ‌آلاف سنة من سني الدهر و قبلية الدهر و الآن جميع النفوس برمتها موجودة في الدهر و كانت في الدهر قبل ان يخلق اللّه آدم و حواء باربعة ‌آلاف سنة و قبل يومنا هذا باربعة‌ آلاف سنة و قبل آخر يوم من ايام الدنيا باربعة ‌آلاف سنة و اني قبل ان اقول لك زيد قائم ماكنت قائلا لك و ماكنت تعلمه انت في اربعة ‌آلاف سنة قبل هذا فاذا اخبرتك به و علمت قد اخبرتك به و علمته قبل الآن باربعة‌ آلاف سنة فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم و اني لو هذبت العبارة و اقتصرت علي الاشارة ماكنت تفهمه و لكني كررت العبارة و اوضحت الاشارة لتفوز بالمراد ان كتب لك.

فصل: اعلم انه قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا فكما ان هيهنا بسائط في عالم النفوس ايضا بسايط و كما ان هيهنا مواليد هنالك ايضا مواليد و كما ان المواليد هنا مختلفة في المادة و الصورة و الاعتدال و الانحراف هنالك ايضا مختلفة و كما ان هيهنا لاتتحقق في المولود الصورة الانسانية الا بعد كمال اعتداله و صفائه و جامعيته لمراتب العالم فان الصورة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 65 *»

الانسانية هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي تمثل التوحيد و النبوة و الولاية و الاعمال الصالحة و عبادة اللّه سبحانه و صفة مشية اللّه المحبوبة كذلك هناك لاتتحقق للنفس الناطقة الصورة الانسانية الا ان تكون معتدلة غاية الاعتدال مصفاة غاية الصفاء مستجمعة للمراتب و اعتدالها و صفائها بالاتصاف بصفات العقل و امتثال اوامره و نواهيه فان العقل وسط الكل فاذا تكون علي احسن تقويم و علي الصورة الانسانية و هي النفس الناطقة القدسية الانسانية اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و مقرها العلوم الحقة الثابتة في الكرسي و كما ان هيهنا اذا لم‌تكن  المواد معتدلة و مصفاة و مستجمعة للمراتب تنحرف صورها الي صور الحيوانات و روحها من فلك القمر كذلك هناك تكون النفوس غير المعتدلة غير المستجمعة للمراتب غير المصفاة منحرفة عن الصور الانسانية الي صور الحيوانات علي حسب اختلاف موادها و هي الحيوان الناطق و هي تكون علي صورة الانسان اذا كانت مطيعة للقدسية و ان كانت عاصية لها تكون علي حسب اختلاف موادها اما نابحا و اما صاهلا و اما ناعقا و اما زائرا او غير ذلك علي حسب ما يقتضيه طباعه و ذلك ان الحيوانية التي في عالم النفوس ليس في حد ذاتها لها فصل مستقر و هو تابع لاكتساباتها و اعمالها و انما اكتفي عن فصلها بفصل القدسية لانها هيأت لركوب القدسية فان ركبتها صورتها بصورتها كما تصور النار الدخان المشتعل فيها بصورتها و ان نزلت عنها فهي كدخان صالح لصور مختلفة فيعتريها الصور علي مقتضيات طبايعها و موادها كما و كيفا و القدسية لاتركبها الا اذا اعتدلت و لاتنزل عنها الا اذا انحرفت فان اعتدلت تصورت بصورة القدسية و ان انحرفت انحرفت علي حسب طبعها و انما تتصور هذه الحيوانية بالصور المنحرفة او المعتدلة بحسب الملكات الحاصلة لها و الاعمال و الاقوال و الاخلاق التي تداوم عليها حتي تصدر عنها من غير قصد جديد.

و اعلم ان الوجود المطلق المسمي من حيث تجليه بما دونه بالمشية هو من حيث الرب صورة اللّه و جسرنا علي هذه اللفظة لما روي ان اللّه خلق آدم علي صورته و صورته سبحانه صفته التي تجلي بها لا غير و صفته هي كماله الذي هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 66 *»

مقتضي واحديته فجميع علوم اللّه و اخلاقه و صفاته الكمالية و اسمائه الحسني و صفاته النعمي تخطيطات صورته و تلك الصورة صورة واحدية سرمدية امرية مقدسة عن جميع شوائب الكثرات ما لبست علي المادة السرمدية المتحدة معها و هي حقيقة الصورة الانسانية  و مبدؤها و منتهاها فالوجود المطلق من حيث الحق هو الانسان المطلق و الآدم الاول و جميع ما سواه آثاره و اولاده و الاثر التام الكامل في اصل الفطرة و الايجاد يكون علي صورة مؤثره كما يكون نور الشمس علي صفتها و نور القمر علي صفته و نور الشعلة علي صفتها و كل شبح علي حسب ذيه فمادة الاثر تحكي مادة المؤثر و صورته تحكي صورته من حيث الصدور عن المؤثر و هو حيث وجوده و لكن بعد ما صدرت الآثار حدث لها من حيث انفسها قابليات و ماهيات و خصوصيات رتب ليست من المؤثر و لا اليه لانها علي خلاف كينونته ألاتشاهد هاتين الجهتين في الماء مثلا فانك مرة تنظر اليه و تري الجسم اي المتحيز القابل للابعاد فهذا حيث المؤثر فيه و وجوده فتسميه باسمه و يدل عليه و هو ظهوره به عرف الجسم نفسه و هو جسم محض لا غير و مرة تنظر اليه بانه ماء غير تراب له مادة غير مادة التراب و صورة غير صورة التراب و هذا الحيث منه ليس من الجسم و لا اليه و هو علي خلاف كينونته فلو كان هذا الحيث منه جسما لكان الجسم غير التراب و يفني بفناء الماء و الحال ان التراب جسم و الجسم المطلق ليس بغير التراب و ليس يفني الجسم بفنائه فالماء له وجود هو الجسم و ماهية هو المائية التي بها حدد و ميز عن التراب و هكذا لكل شي‌ء وجود و ماهية فالآثار من حيث الوجود الذي هو حيث الصدور و حيث كونها شبحا للمؤثر تكون علي صفة المؤثر بل هي صفة المؤثر و تمثله و ظهوره و اما من حيث الماهية الذي هو حيث انفسها تكون علي خلاف المؤثر في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و عن الانجيل ظاهرك للفناء و باطنك انا و الماهيات تختلف في طاعة الوجود و المتابعة له و في الرقة و الغلظة و الصفاء و الكدورة و التوحد و التكثر فكل ماهية اطاعت الوجود حق  الطاعة صفت و اعتدلت و استقامت فظهر فيها الوجود الذي هو شبح المؤثر علي حسب المؤثر كالمرآة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 67 *»

الصافية المستقيمة العرية عن اللون و الشكل فانها تحكي شبح الانسان علي ما هو عليه انسانا مستقيما علي احسن تقويم و ان لم‌تطع الوجود و عملت بهواها و كانت غليظة كثيفة متكثرة انصبغ الشبح فيها علي حسبها كالمرآة المصبوغة المنحرفة لها منها لون و شكل فان بلغ لونها و شكلها مبلغا غيّر الصورة الانسانية تغييرا جزئيا يشينها و يقبحها و ان بلغ مبلغا اكثر يجعلها كصور الشياطين الجنية المشوهة و ان بلغ مبلغا اكثر يجعلها كصور الحيوانات كالمرآة التي صنعها الافرنج و تحكي صورة الانسان كخنزير او كلب و ان بلغ مبلغا اكثر يجعلها كصور النباتات و ان بلغ مبلغا اكثر يجعلها كجماد و انت لو تأملت في صور جميع ما هو غير الانسان الكامل لوجدت جميعها انحرافات صورة الانسان و اعوجاجاتها و جميع ذلك لانحراف القابلية و حيث الانية و الماهية و جميع هذه المنحرفات قائمة بذلك الشبح المطلق الواقع من شبح الانسان المطلق الاول كما ان جميع الاشباح المحرفة في المرايا باختلافها قائمة بشبحك المستقيم الملقي فيها من شبحك المتصل بك المستقيم فافهم ضرب الامثال و كم من آية في السماوات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون فاختلاف المواليد في الصور بحسب اختلاف مرايا قوابلها و تلك الصورة الانسانية ايضا تظهر في كل عالم بحسب مواد ذلك العالم فما كانت المواد رقيقة كانت تلك الصورة رقيقة و ما كانت غليظة كانت غليظة ففي كل عالم ظهرت بحسبه الي ان ظهرت في المواد الجامعة المعتدلة الجسمانية علي هذه الصورة المشهودة و كلما تصعد صاعدا و رقت المادة و نعمت نعمت الصورة و تشاكلت تخطيطاتها و اطرافها و حدودها و نهاياتها و كلما تنزل  نازلا و غلظت المادة و خشنت خشنت الصورة و تباينت تخطيطاتها و اطرافها و حدودها و نهاياتها حتي جاءت علي ما تري بالجملة لذلك قلنا ان لعالم النفس الناطقة مواليد كما ان لهذا العالم مواليد و كما ان المولود المعتدل الجامع لمراتبه يكون علي هيئة الانسان يكون المولود المعتدل الجامع لمراتب عالم النفس علي هيئة الانسان لكن بحسب لطافة مواد ذلك العالم و ذلك المولود هو الذي حصل فيه حصة من الكرسي من حيث طاعته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 68 *»

للعرش و من العرش بالفعل فان كان جامعا و لكن غير معتدل و صاف و فيه حصة من نفس عكس الكرسي و هو الصخرة كان ذلك المولود علي صورة ابليس الكلي الجامع و ذلك اذا لم‌يكن حصة الكرسية تابعة لامر العقل فتكون مادتها من ظلمة مخالفة العقل و صورة عكس العقل الذي هو الجهل الاول الكلي و صورتها من علمها الباطل و عملها الطالح و هذه هي النفس الامارة و بنت الجهل و وزيره و النفس الاولي قدسية مادتها من تأييد العقل و صورتها من علمها الحق و عملها الصالح و هي بنت العقل و وزيره و هما نفسان ممتازتان لاتجتمعان بل تتعاقبان علي الابدان و هذه النفس الامارة صورتها مجمع صور الباطل و هي عكس صورة الانسان التي هي مجمع صور الحق و هذه النفس ادهي و امر و اشر من النفوس الشيطانية الجنية بسبعين مرة و رئيسهم و سيدهم و اميرهم و ما كان فيه غير جامع لها و كان فيه حصص عنصرية و حصص من افلاكها من حيث انفسها لا من حيث كونها تفصيل العرش و الكرسي فذلك المولود ينحرف صورته الي صور الشياطين الجنية و ذلك ان الافلاك ان كانت في طاعة العرش كانت سموات و ابواب الجنان و عليين و ان كانت في طاعة هواها كانت اراضي و ابواب النيران و سجين ألاتري انك بمشاعرك النفسانية الفلكية تقدر ان تطيع و تقدر ان تعصي فان اطاعت  فهي حظاير الجنان فان الجنة الاصلية في الكرسي و سقف الجنة عرش الرحمن و ان عصت فهي ضحضاح النار فان النار الاصلية في عكس الكرسي و هو سجين و صخرة جهنم فان كانت هذه النفس من حصص فلكية و هي مطيعة منقادة للعقل و القدسية تكون علي صورة الانسان فان عصت يوما انقلبت الي صورة الشياطين حين تعصي فان تابت و عادت الي الطاعة عادت الي الانسانية ثم اذا صار ملكتها الطاعة تكون صورته الاصلية الصورة الانسانية و تتلبس بصورة الشياطين بالعرض و تزول عنها و اذا صار ملكتها العصيان تكون صورته الاصلية الشيطانية و قد تتصور بصورة الانسان بالعرض و ستزول عنها (و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس) الآية، و ما كان غير جامع و كان فيه حصص عنصرية و حصة من جوزهر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 69 *»

القمر فذلك المولود ينحرف صورته الي صور الحيوانات و صورته من ملكاته و طبايعه فان حصة جوزهر القمر غالبة التعلق بالطبايع العنصرية شديدة التكسب منها فيحصل لحيونته  فصل من تكسباته اما نابحا او صاهلا او زائرا او غيرها و هذا الحيوان لرقة مادته سريع التقلب في الصور و لكن ان انقاد للناطقة القدسية تصور بصورة علمها و عملها النازلة اليه فيكون حيوانا علي صورة الانسان ما انقاد و اطاع فمهما عصي انقلب صورته الي هيئة تناسب عصيانه ثم قد يكون ملكته الطاعة فلو خلي و تطبعه عاد الي الانسانية و حيونته عرضية فما يقع في اللمم عرضا يصير علي صورة الحيوانات بالعرض و قد يكون ملكته العصيان فلو خلي و طبعه عاد الي الحيوانية و انسانيته بالعرض ما اطاع بالعرض ان هم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون فلهم قلوب لايعقلون بها و لهم آذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها و ان لم‌تكن فيه حصة فلكية مطلقا و لم‌يصر فيه شي‌ء منها بالفعل و كانت حصصه  الفعلية العناصر و حصل فيه صوافيها انحرف الي النباتية و صورته حينئذ علي حسب طبعه اللّهم الا ان يعتدل و يكون مطيعا لظواهر اوامر العقل و القدسية فيكون علي صورة الانسان و لكن هذه الصورة باقية ما يطيع فان عصي انقلب علي حسب عصيانه و طبعه نباتا كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو و يتأصل ما هو بالملكة و يصير عرضيا ما هو باللمم و ان كان فيه حصة من العناصر و ليس صوافيها فيه بالفعل يصير علي صورة الجمادات علي حسب اجزائه كما و كيفا و ان اعتدلت الحصص فيه و كانت مطيعة يكون جمادا علي صورة الانسان و ان كانت عاصية فهي كالحجارة او اشد قسوة  و هذه المواليد من حصص عالم النفس الحية فان الدار الآخرة لهي الحيوان و هي كلها ناطقة الا ان صورها تختلف كما ان مواليد هذا العالم كلها جماد و مع ذلك تختلف صورها باختلاف الحصص و الاعتدال و الانحراف و المطاوعة لمشية اللّه و مخالفتها و كما ان الانسان الجمادي في هذا العالم فيه جمادية و نباتية و حيوانية و انسانية و كلها علي صورة الانسان و في الحيوان الجمادي جمادية و نباتية و حيوانية و كلها علي صورة الحيوان و في النبات الجمادي جمادية و نباتية و كلتاهما علي صورة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 70 *»

النباتية و الجماد الجمادي علي صورة الجمادات كذلك في عالم النفوس حرفا بحرف ففي الانسان جميع تلك النفوس موجودة و لذلك لما قال كميل اريد ان تعرفني نفسي قال7 اي النفس تريد ثم شرح النفوس فتدبر.

ثم اعلم ان هذه النفوس العاصية كلها امارة بالسوء الا ان الرئيس هو بنت الجهل و خادمها الشيطانية و مركبها الحيوانية و مرتعها النباتية و ارضها و بيتها و اصطبلها و مربطها الجمادية و للامارة درجات اذا توجهت الي الطاعة فان عرفت الاوامر و النواهي فهي ملهمة و ان عملت ببعضها و تركت بعضها فهي  اللوامة تلوم علي الطاعة بطبعها و علي المعصية بتطبعها و ان ذلت و انقادت للكل فهي المطمئنة فان انست فاستحسنت الطاعة فهي راضية فان احسنت و بادرت فهي مرضية و ان صارت ملكتها و طبعها الثاني تدخل في عباد اللّه فتكون كما قال اللّه سبحانه (فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة فاخوانكم في الدين و مواليكم) فتكون اخت العقل في الدين و ليست من ابيه و لا من امه و اما القدسية فهي بنته و جزؤه فان مادتها صورته و صورتها امتثال امره بالجملة اذا دخلت في جملة الموالي تدخل الجنة بسلام فتتنعم بنعيم صورة اعمالها الحسنة و امتثالها و طاعتها و مادته اوامر العقل الواصلة اليها بالتبع فان العقل لايكلف الا نفسه و هي القدسية و يحرض المؤمنين تبعا لنفسه و لقوامها و عيشها و الانسان الكوني الجامع لمجموع صور العالمين الذي هو انموذج الكل و العالم الصغير فيه حصة من عرش ذلك العالم و هي عقله و حصة من عكسه و هي جهله و حصة من كرسي ذلك العالم و هي نفسه القدسية و حصة من صخرة السجين و هي نفسه الامارة و حصة من افلاك ذلك العالم و هي جنيته المؤمنة و هي ظل القدسية و حصة من اراضي ذلك العالم و هي شيطنته و حصة من جوزهر قمر ذلك العالم و هي حيوانيته و حصة من ارض الموت و هي مسوخيته و حصة من صوافي عناصره الطيبة و هي ما له من ورق طوبي و حصة من صوافي عناصره الخبيثة و هي ما له من ورق الزقوم و حصة من ظواهر عناصره الطيبة و هي تربته و طينته الطيبة الحلوة و حصة من ظواهرها الخبيثة و هي طينته الخبيثة المرة فمن اطاع و غلب من هذه المراتب مراتبه النورية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 71 *»

انقادت فيه الحصص الظلمانية و اسلمت و آمنت فكان الشخص انسانا مؤمنا و من غلب من هذه المراتب مراتبه الظلمانية فرت المراتب النورانية و لحقت باصولها لان اهل الحق  لايرتدون و لايطيعون الباطل و لايعصون اللّه بطاعة المخلوق و هو معني ما روي لايزني الزاني و هو مؤمن يعني اذا قارف الزنا فارقه روح الايمان و بقي فيه روح الاسلام فاذا انزعج و تاب عاد اليه روح الايمان فحين يفارقه روح الايمان يلحق باصله و اما اذا اطاع يطيع باقي ارواحه روح ايمانه و تؤمن و تنقاد له و معني لحوقها باصولها و فرارها دقيق يحتاج الي رسم فصل مستقل.

فصل: اعلم ان اللّه سبحانه خلق الانسان الكوني من مجموع حصص بسايط عالم النفوس اذا كان تاما كاملا يعني اذا كان الانسان كاملا يكون فيه من كل بسيط من عالم النفوس حصة بالفعل تكون منشأ آثار و افعال و قد يكون ناقصا و ليس فيه من كل واحد منها فيه حصة بالفعل و لكن تكون بالقوة كالبله و المجانين و المستضعفين و ذلك ان استكمال الحصص في الجملة شرط وقوع التكليف التام عليه و اخذه بالحدود و ارادة جميع ما جاء به النبي9 التي متعلقها جميع الاطوار منه ففيه حصة من عرش عالم النفوس و منها قلبه و حصة من كرسي ذلك العالم و منها صدره و حصة من فلك زحل ذلك العالم و منها عاقلته و من مشتريه و منها عالمته و من مريخه و منها واهمته و من شمسه و منها وجوده و من زهرته و منها خياله و من عطارده و منها فكره و من قمره و منها حيوته و من صوافي عناصره و منها نباتيته و كبده و من ظواهرها و منها جماديته و اخلاطه و ساير بدنه و لكل واحدة من هذه الحصص وجود اي جهة الي ربها به تعرف لها و هو ما تري فيها من الوجود الحق و ماهية و هي حيث هي هي ذات مادة و صورة تمتاز بها عن غيرها و لكل منهما مقتضيات و وجودها مثال العالي الملقي في هويتها المصبوغ بصبغها المتخصص بذلك الصبغ بها و ماهيتها هي حيث نفسها و هما في انفسهما متضادتان في الآثار و الصفات و المقتضيات  و لكن لايضاد احديهما مطلق العالي الطاوي لهما بل هما في الدلالة عليه علي السواء نعم هما في انفسهما متضادتان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 72 *»

في النور و الظلمة و الخير و الشر و الكمال و النقص و العلو و السفل و السعادة و الشقاوة و الحسن و القبح و غيرها و هما في مقامهما مشيتان للّه جل و عز محبوبة و مبغوضة و كل واحدة من هذه الحصص لا حراك لها الا بمحرك اعلي و هو العقل الكلي الذي من ورائها او الجهل الكلي و ذلك ان عالم النفوس كما عرفت سابقا صورة للعقل الكوني الكلي الذي فوقها و العقل الكوني ايضا في عالمه له وجود و ماهية فوجوده جهته الي ربه التي بها تعرف له و هي ما يري فيه من الوجود الحق و ماهيته هي حيث هو هو في مادته و صورته و هو من حيث الماهية جهل كوني كلي و جميع الوجودات الدانية مثل وجوده و جميع الماهيات الدانية مثل ماهيته و هو من حيث الرب عقل و من حيث النفس جهل فان كانت تلك الحصص النفسية متوجهة مستمدة من جهة وجودها بامتثالها اوامر العقل و طاعتها له يقع في مرآة مادتها و صورتها مثال العقل و النفس الكلية الالهية و ذلك المثال مستجن فيها و يستخرج بترقيق حجبها بالطاعة و العمل بطبع ذلك المثال و التهيؤ بهيئته فيشتعل ذلك المثال فيها و يحييها و يحركها و ذلك المثال هو الوجود و المادة و الصورة هي الماهية فذلك المثال هو جهتهما الي ربهما الظاهر لهما بالعدل بذلك المثال و ان كانت معرضة عن العقل مستمدة من جهة ماهيتها اي من حيث هي هي بمادتها و صورتها باعراضها عن الوجود الطاوي لهما و مخالفتها للعقل و عصيانها غلظت و كثفت فحجبت ذلك المثال فستر عنها وجهه و لم‌يجر عليها احكامه فبقيت دخانا باردا غير مشتعل بنار المثال و لكن يشتعل فيها حينئذ مثال الجهل الكلي الطاوي لهما من حيث انفسهما و ذلك الجهل الكلي هو وجه الماهية الكلية  التي في العالم كما ان العقل الكلي هو وجه الوجود الكلي الذي في العالم و ان شئت ان تريهما بعينك لارينك مثالهما في هذا العالم فانت لو نظرت الي اي واحد من هذه الاجسام التي في هذا العالم من حيث الجسمية لوجدته متحيزا قابلا للابعاد فهذا الحيث هو حيث وجود كل واحد منها و الجسم طاو للجميع و ان نظرت الي كل واحد من حيث مادته و صورته اللتين بهما يكون غير غيره فهو ماهيته و حيث هو هو و كذلك اذا نظرت الي اي شي‌ء في هذا العالم من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 73 *»

حيث انه وجود فتراه كائنا ثابتا فهذا حيث وجوده و حيثه الي ربه و ان نظرت اليه من حيث مادته و صورته اللتين بهما غير غيره فذلك حيث ستره ربه و حيث انيته و ماهيته و حيث هو هو فوجود كل دان حيث اثريته للعالي و حكايته له و ماهيته حيث هو هو و ستره للعالي فالمدرك للمعاني الكلية ان كان مطيعا لامر اللّه سبحانه متصفا بصفات مشيته المحبوبة اي عاملا علي حسب وجوده علي ما عرفت فهو عقل يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان و ان كان عاملا بمقتضي ماهيته الساترة للرب و جهة الوجود فهو الجهل.

و اعلم ان كليات هذه العوالم التي سميناها قبل كونية و هي فوق عليين و سجين و الجنة و النار و السعادة و الشقاوة فان هذه الامور في عرصة الصفات المتممة و التمثلات و الصفات فالجسم من حيث انه جسم ليس بعلوي و لا سفلي و لا سماوي و لا ارضي و انما هما في ظهوراته و كذلك حال ساير الكليات فالكلي الذي سميناه بالعقل الكلي اي اول صادر عن المشية و عرصة المعاني الكلية فانما هو عقل كوني و انما يكون عقلا شرعيا يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان في محمد و آل‌محمد: العاملين علي حسب محبة اللّه و اما في اعدائهم فيكون جهلا كليا يعصي به الرحمن و يكتسب به النيران و كذلك الفؤاد الكلي هو محبة اللّه و معرفته في محمد و آل‌محمد:  و اما في عدوهم فهو عداوة اللّه و انكاره بل و كذلك مشية اللّه المحبوبة هي المشية المتعلقة بمحمد و آل‌محمد: و اما المتعلقة باعدائهم هي المشية المبغوضة الخذلانية فالكليات من حيث انفسها كونية ليس فيها سعادة و لا شقاوة و انما تكون سعيدة و شقية في الاشخاص و لذلك كان الناس مع فعلية المراتب فيهم امة واحدة فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين فعند ذلك اختلفوا فمنهم من آمن و صار من اهل العقل و النفس الناطقة القدسية و السعادة و الجنة و منهم من كفر و صار من اهل الجهل و النفس الامارة و الشقاوة و النار فاذا الحصة العرشية التي في الانسان قلبه فان كانت مطيعة يشتعل فيها نار مثال العقل الكلي الشرعي فتحيي بها و ان كانت عاصية يشتعل فيها نار مثال الجهل الكلي الشرعي فتحيي بها فذلك المثال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 74 *»

المصبوغ بصبغه عقله او جهله الخاص به و كذلك الحصة الكرسية فيه التي هي صدره ان اطاعت اشتعل فيها مثال النفس الكلية الالهية و الا فمثال النفس الامارة الكلية الشيطانية الانسانية الكونية و ذلك المثال المخصوص هو نفسه الخاصة به فاما ناطقة قدسية او امارة بالسوء و هكذا في كل مرتبة من مراتبه فتبين ان الناطقة القدسية في الانسان غير الامارة و ان كان مظهرهما واحدا فان عمل الانسان بمقتضي الناطقة القدسية يكون انسانا شرعيا و هي روح ايمانه و ان عمل بمقتضي نفسه الامارة يكون شيطانا انسيا و هي روح كفره و كذا الحصص الفلكية التي فيه فان عمل الانسان بمقتضي عقله يكون المثل الملقاة فيها نفسه الجنية المؤمنة و ان عمل بمقتضي جهله تكون نفسه الجنية الشيطانية الامارة بالسوء و هذه النفس فما دونها طبعها الظلم و الغشم و الفساد لو لم‌يسخرها نفس انسانية لبعدها عن المبدء فان حدث في الانسان روح الايمان و عمل بمقتضاه صار انسانا و سخر ساير النفوس الامارة بالسوء فتطيع الي  ان تسير في مراتبها التي ذكرت و ذلك ان النفس الامارة كانت متمكنة فيه قبل مجي‌ء العقل و روح الايمان فكلما عمل الانسان بمقتضي العقل ضعفت النفس الامارة الي ان لم‌تقدر علي التمرد فاسلمت الي ان اطمئنت تحت طاعة العقل و تصورت بصورة طاعته و امتثاله فصارت اخته و ان عمل بمقتضي النفس الامارة و الجهل فيكون شيطانا انسيا و ان تكرر عنه ذلك الي ان لم‌ير العقل لنفسه محلا رفع العقل الكلي عنايته عنه و لحق مثاله به فذلك حين يفارقه روح الايمان و يتصور محله و مظهره و هو النفس الناطقة الشيطانية التي له بصورة النفس الامارة و الظاهر فيها هو الجهل و النفس الامارة الكلية له و هكذا الامر في كل مرتبة من مراتبه و مثال ذلك ان دماغ الانسان اذا كان معتدلا صافيا يكون متوجها الي العقل الكلي فيقع مثاله فيه و كلما يزيده اعتدالا و صفاء يزداد ظهوره فيه و ان كدر الدماغ و سدت الرطوبات و الابخرة مجاريه حالت بين البدن و بين العقل فرفع العقل عنايته عنه و ذهب مثاله اليه و لحق به و بقي الدماغ ظلمانيا من نور العقل و جن الانسان فاجرت الحيوانية اراداتها في بدنه علي خلاف الاعتدال و علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 75 *»

حسب طبعها فيكون كالبهائم او السباع او الطيور او غيرها فاذا رد الي الاعتدال و الصفا توجه العقل ثانيا اليه و القي فيه مثاله فحمل الحيوانية و النباتية علي الاعتدال الانساني و صار عقالا لهما فالمولود الكامل التام في عالم النفوس له كما ذكرنا جمادية و نباتية و حيوانية و جنية و انسانية كونية و كل واحدة منها بكونيتها صالحة للسعادة و الشقاوة فان كانت معتدلة و صافية متوجهة الي العقل ظهر عليها مثاله و جري منها افعاله و ان كانت منحرفة كدرة متوجهة الي الجهل ظهر عليها مثاله و جري منها افعاله و ذلك المثال هو حقيقة جهة كل مرتبة الي مبدء الخير و مبدء الشر و مبدؤ الخير هو قاعدة الوجود  الكلي و مبدؤ الشر قاعدة الماهية الكلية و قاعدة الوجود في غاية القرب و الحكاية و قاعدة الشر في غاية البعد و الحجب و هما منطبقتان في الخارج ليس بينهما بون حسي كما مثلنا لك في هذا الفصل.

و اعلم ان المتبادر المعروف في الاخبار من اطلاق لفظ العقل و العرش و الكرسي ما كان منها علي حسب رضاء اللّه جل جلاله فلايقال ان العقل عصي و لا في العرش و الكرسي مخالف لرضاء اللّه جل جلاله فالحصة العرشية و الكرسية و العقل و مثاله كلها من النور و الخير و كلها من متعلقات الانسان و لاتوجد في غيرها و نحن اذا ذكرنا فيها الوجهين قيدناها بالكونية لتعلم المراد ففي الحقيقة العقل لايعصي و انما يعصي الجهل و الحصة العرشية لاتعصي و انما تعصي الحصة التي من الحوت و الحصة الكرسية لاتعصي و انما تعصي الحصة التي من الصخرة و الثور فلاتغفل بعد ذلك اذا عرفت و لذلك كان يقال ان النفس التي من الكرسي لاتكون الا قدسية انسانية و النفس التي من حصص الافلاك ان كانت عاصية فانما هي تكون امارة و تسير في مراتبها الي ان تدخل في عباد اللّه فالامارة و ان كانت من عكس الكرسي الا ان افعالها تظهر في النفوس الفلكية فافهم.

و اعلم ان الذي قلنا ان الناطقة القدسية اذا غلبت تسخر الامارة و تسبيها و الامارة اذا غلبت تفر القدسية و تلحق بمبدئها تعبد اللّه فمرادنا ان الانسان ما اصابه من حسنة فمن اللّه و ما اصابه من سيئة فمن نفسه فهي هي لاتفارق نفسها ابدا فمبدؤ الشر عنده دائما و هي نفسه و اما مبدؤ الخير فهو العالي ليس منه و لا اليه كما ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 76 *»

الجدار مبدؤ الظل منه و اليه لايفارقه و مبدؤ النور الذي عليه الشمس فاذا استولي عليه الشمس نورته و تسخره للنور فيستنير و ينير ما يقابله بالعرض و اذا اعرض الجدار عنها رفعت عنايتها عنه فلم‌يكن  له نور من ذات نفسه و لايقدر الجدار علي احالة نور الشمس ظلمة و كذلك المدرك للمعاني الكلية المسمي بالعقل الكوني الذي عليه مدار التكليف له جهتان جهة نسبة الي مشية اللّه و محبته و جهة هو هو فان غلب عليه جهة الرب لايعدم جهة نفسه و انما ترققها و تلطفها و تعدلها و ان غلب عليه جهة النفس يرفع العالي عنايته الشرعية عنه و يبقي باقيا بالعناية الكونية و هو المحل الذي يتصور بصورة المعصية و يتبع جهة النفس فافهم.

فصل: اريد ان اذكر هنا سر التنعم و التألم فانه مسئلة مشكلة يتحير فيها الالباب اعلم ان احب الاشياء الي الشي‌ء وجوده و ابغض الاشياء الي الشي‌ء فناؤه و عدمه و الشي‌ء يتقوي بشكله و يتضعف بضده فاذا ورد علي الانسان ما يشاكله يقوي وجوده و يتقوي به كما يقوي النار النار و اذا ورد علي الانسان ما يضاده يضعف وجوده و يتضعف به حتي اذا غلب الضد يفنيه و يعدمه كما يضعف الماء النار شيئا بعد شي‌ء الي ان يطفيها و يعدمها و ذلك بين واضح و ان اللّه سبحانه خلق الانسان من وجود و ماهية فوجوده جهة خيره و نوره و وحدته و ثباته و دوامه و ماهيته جهة شره و ظلمته و كثرته و تزعزعه و فنائه و ذلك ان الازلية و الغناء و الاستيلاء و القوة و القدرة و البهاء كلها للّه الاحد جل جلاله فالانسان من حيث الحكاية للّه و من حيث انه ظهوره يكون له كل خير و من حيث نفسه هو عادم جميع ذلك لانه ضد تلك الجهة من كل جهة و كل من هاتين الجهتين تحتاج الي المدد و تتقوي بالمدد المشاكل البتة و تضعف بالمنافر فاذا عمل الانسان بمقتضي وجوده يكون عمله اقدام سلوكه الي اللّه سبحانه و تقربه اليه و لسان سؤاله ما يناسب الوجود فيمده اللّه الوهاب بما هو مشاكل وجوده و لما كان و لايمكن للماهية التفرد عن الوجود و الانفصال عنه تعاون الوجود في عمله و تشايعه علي خلاف طبعها فتستمد هي ايضا بالعرض من جنس مدد  الوجود فلما كان المدد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 77 *»

مشاكلا للوجود يتقوي و يرد عليه ما يحبه فيستر به و يتنعم و يتلذذ بكل مدد وارد و اما الماهية و ان كانت تتألم في الاوائل للمنافرة و يشق عليها السير الي مبدء الوجود الا انها كلما تشايع الوجود بقهره اياها تستأنس الي ان تتلذذ و تعود الي الفطرة الاولية التي فطر الخلق عليها و تترك الفطرة المغيرة التي يدل عليها قوله (لآمرنهم فليغيرن خلق اللّه) و (لا تبديل لخلق اللّه) و ذلك ان كلما دخل عرصة الاكوان هو تمثل الوجود المطلق و ظهوره و آية الحق قال الحسين7 أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك الدعاء، فالوجود و الماهية في الدلالة عليه سبحانه واحد و كلاهما مخلوقان علي فطرة التوحيد و ان الماهية تضاد الوجود لا امر اللّه جل و علا كل شي‌ء سواك قائم بامرك الذي خلق الليل و النهار و جعل الظلمات و النور فالماهية مادامت منهمكة في المضادة مع الوجود تتألم من جنس مدده فاذا استأنست و ذكرت فطرتها الاولية تلذذت بما يشاكل الوجود البتة فلاجل ذلك تصير راضية ثم مرضية ثم تدخل في عباد اللّه و الجنة و يتبدل سوادها و ظلمتها بالزبرجدي الشفاف و تتلألأ و تشرق نيرة و تدخل في جملة الانوار ألم‌تسمع ان الركن الثالث من اركان العرش نور اخضر منه اخضرت كل خضرة فالماهية عند انهماكها في مضادة الوجود سوداء مظلمة حالكة كالليل الدامس حاجبة لما وراءها من سر التوحيد و نور التفريد و لكن اذا عملت بمقتضي الوجود يتغير لونها حتي تصير زرقاء كدرة ثم زرقاء صافية ثم تخضر خضرة غليظة حاجبة ثم تترقق و تتلطف شيئا بعد شي‌ء حتي تصير زبرجدية شافة لما وراءها فيشتعل فيها نور التفريد فتصير من ادلة التوحيد كما يشتعل الدخان الاسود الكدر بالنار بعد تربيه شيئا بعد شي‌ء و اتصافه بصفة النار و ان كان في الاول مضادا لطبع النار فهذه الحالة المشتعلة الزبرجدية هي الفطرة الاولية لها التي خلقت عليها  اذ جميع ما سوي اللّه سبحانه اثر مشيته و الاثر يحكي مؤثره و يطابق صفته فلاجل ذلك يتنعم الماهية ايضا اخيرا و ان كانت تتألم اولا و لذلك كانت تصعب عليها الطاعة و تكون كلفة لها و كلفت بها حفّت الجنة بالمكاره و حفّت النار بالشهوات و ذلك في اول الامر و ان اولياء اللّه يتلذذون بمناجاة اللّه و ذكره كما يتلذذ ساير الناس بالمعاصي و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 78 *»

يتألمون من المعاصي كما يتألم ساير الناس من الطاعة فاهل الجنة لهم وجودهم و ماهيتهم و مع ذلك يتنعمون بنعيمها و ملاقاة اللّه كما يتنعمون في الدنيا بعبادة اللّه و طاعته فما لم‌يستحل الانسان الطاعة و يتلذذ منها في الدنيا لم‌تدخل نفسه في جملة عباد اللّه و جنته و اما اذا عمل الانسان بمقتضي ماهيته من حيث مضادتها للوجود شايعها الوجود اذ لم‌يقدر علي التفرد عنها فمشت باقدام اعمالها الي مقام البعد عن المبدء و الظلمة و الكثرة و استمد وجوده ايضا بالعرض مما يشاكلها فيتألم الوجود بورود غير المجانس غاية التألم و اما الماهية و ان كانت تتلذذ بورود تلك الامداد ما لم‌تذكر فطرتها الاولية في الدنيا فتكون الدنيا سجن المؤمن اي الوجود و جنة الكافر الا انها اذا زالت عنها اعراض الدنيا و صفت في الجملة و ظهر فيها بدايات الخلق الاول تألمت من واردات الامداد المنافية للوجود و فطرتها الاولية و تدعو اللّهم اخّر لنا القيمة فاذا قامت القيمة و صفت من اعراض البرزخ ايضا ذكت حواسها و عادت الي الفطرة الاولية التي طباعها الطاعة و التلذذ بها و لزمها ما اكتسبت من الامداد المنافية لها فيتألم اهل النار بوجوداتهم و ماهياتهم.

و اعلم ان اللّه سبحانه يقول (ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون) و محال ان يخلقهم للعبادة ثم يجعل كيانهم و طباعهم منافيا للعبادة كيف و قد خلق الكل بمشيته و جعل موادهم تمثل مادة المشية و صورهم تمثل صورة المشية ألاتري ان العرش مثلا جسم بمادته و صورته و الفرش جسم بمادته و صورته موادهما تمثل مادة الجسم و صورهما تمثل صورة الجسم فلاينافيان الجسم لا بمادتهما و لا بصورتهما فاذا كلفا بالعمل بمقتضي الجسم كان ذلك طباعهما فاما اذا انهمك الفرش في فرشيته المضادة للعرش و عمل بمقتضاها كان ذلك من تبديله الفطرة الاولية و كذلك حال كل شي‌ء في الوجود و الماهية فانهما تمثلا الوجود المطلق وجوده اي مادته تمثل مادة الوجود المطلق و صورته تمثل صورته فهو متمكن من العمل بمقتضي الوجود المطلق المطابق لمحبة اللّه اذ هو عالم احببت ان اعرف و لم‌يكلف الخلق الا بالعمل بمقتضي محبة اللّه فلما اعرضوا و نظروا الي انفسهم و عملوا بمقتضي تضاد بعضها مع بعض و انهمكوا في روية بعضهم لبعض و نسوا اللّه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 79 *»

جل جلاله خالقهم و باريهم جاءت المعاصي و اما الوجود لبقائه علي الفطرة كان طباعه العمل بمقتضي المشية لو خلي و طبعه و اما الماهية لانهماكها في التضاد صار طباعها المغيرة المعاصي فتتلذذ بالعرض في الدنيا ما دام لم‌تذك حواسها و لم‌تذكر فطرتها الاولية فالدنيا جنة الكافر لغفلته و انهماكه فيها فاذا زال عنها الاعراض ذكت مشاعرها و ذكرت فطرتها الاولية و لكنها مسجونة في مكتسباتها التي احاطت بها فتتألم اشد التألم هذا و قد تبعها وجودها و غلظ فيها و لها ميول متشاكسة و اهواء مختلفة و دواع متشتتة و تتجاذبها تلك الميول و الاهواء و الدواعي و تقطعها اربا اربا و يتقطع معها الوجود لما غلظ فيه فيتألم و يتألم بالتفرق و التقطع المضاد للاتصال و التوحد فيتأذي دائما بتلك الاسباب فافهم راشدا موفقا جعلنا اللّه و اياكم من المخلصين في التوحيد و العاملين بمقتضي التفريد و لم‌يكلف اللّه سبحانه الا بالتوحيد و مقتضياته و شئونه في كل باب و جميع الشرايع امر بالتوحيد في كل مرتبة بحسبها و في كل شي‌ء بحسبه و ماامروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين،  من قال لا اله الا اللّه مخلصا وجبت له الجنة.

و اما صفة النعيم و العذاب الاليم فاعلم ان اللّه سبحانه هو القديم القائم بنفسه الغني عما سواه الاحدي المقدس عن القوة و الاستعداد و الصلوح المتذوت بالفعل الذي لايتغير و لايتبدل و جميع ما سواه مخلوق له فقير اليه قائم به موجود له ممكن ان اوجده اللّه جل و عز يكون و ان لم‌يوجده لايكون يحتاج في وجوده الي ترجيح اللّه وجوده علي عدمه و فعليته علي قوته و يمكن فيه التغير و التبدل علي حسب ترجيح المرجح فاول ما احدث خلقه الوجود المطلق فهو مساوق مع الامكان لايتقدم احدهما علي صاحبه خلقه به و هو قائم بامره و هو امره و قد وجد بترجيح اللّه وجوده و هو ترجيح اللّه فاذا قد خرج جميع ما في امكانه الي كونه فوجوده حاد امكانه و امكانه حاد وجوده اي لم‌يبق في امكانه قوة لم‌تخرج الي الوجود و لم‌يوجد ما ليس في امكانه و لما كان هو ترجيح اللّه لما في امكانه و هو لايفقد نفسه هو نفسه و نفسه هو كان موجودا سرمديا فهو وقت بين القدم و الحدث و هو امر اللّه و هو خلقه و هو مشيته المخلوقة بنفسها فهو مشية مشاؤها نفسها لا غير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 80 *»

ثم خلق بهذه المشية اي بظهورها الوجود الكلي المقيد و الوجود الكلي المقيد هو ظهوره فالوجود المقيد ايضا مخلوق بنفسه اذ نفسه ظهور الوجود المطلق فللوجود المقيد حيث فعلية هي تمثل حيث فعلية الوجود المطلق و حيث مفعولية هو تمثل حيث مفعولية المطلق و ذلك ان الوجود المقيد بحيثيه بكله تمثل الوجود المطلق لا وجود له في الخارج اي لا ظهور الا فيه و به كما لا تمثل للجسم المطلق الا في البسايط و هذان الحيثان في الوجود المطلق بسيطان متحدان و في الوجود المقيد مركبان ممتازان و ان لم‌يوجد احدهما بدون الاخر الا ان النفس تقدر علي التوجه الي احدهما بدون الاخر و هذا الوجود المقيد الكلي امر اللّه المفعولي و هو  خلق اللّه القائم بامره و هو امره و قائم بالوجود المطلق اي بظهوره و هو ظهوره فحيثه الفعلي فؤاده و عقله و روحه و نفسه و حيثه المفعولي طبعه و مادته و مثاله و جسمه و هذه المراتب الثمانية كلها دهرية كما ان الوجود المطلق سرمدي و كلها كليات كما ان الوجود المطلق معري عن الكلية و الجزئية و هذه الكليات من امكان مقيد و لم‌تخرج من المطلق اذ الامكان المطلق لايصلح الا للوجود المطلق فالامكانات المقيدة شبح منفصل عن الوجود المطلق اي عن صورته لا مادته التي هي الامكان المطلق اي بعد ما خرج من كمون الامكان المطلق فعلية الوجود المطلق و صورته كانت تلك الصورة صالحة للتجلي بالامكان المقيد فلما حدث الامكان المقيد خرج من كمونه الوجودات المقيدة ثم لما خلق اللّه ذلك الوجود الكلي المقيد احدث به التمثلات الجزئية اي بظهوره الذي هو نفس تلك التمثلات فخلقها اللّه جل و عز بامره و هي امره و خلقها بالوجود المطلق الذي هو الامر الاول اي بظهور ظهوره و خلقها بذلك الوجود الكلي اي بظهوره و هي ظهوره فهي في عرصتها مخلوقة بنفسها لها حيثان ممتازان في الخارج فحيث فعليتها و امريتها السموات و حيث مفعوليتها و مخلوقيتها الارضون و هما تمثلا حيثي الوجود الكلي الدهري كما هو تمثل الوجود المطلق بحيثيه و لا وجود للكلي اي لا ظهور في الخارج الا فيها فخلق اللّه سبحانه بحيث فعليتها من امكان عناصرها المواليد و هي مخلوقات اللّه سبحانه بين ذلك الفعل و ذلك الامكان فالمولود هنا آية الوجود الكلي المقيد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 81 *»

و هو آية الوجود المطلق فالوجود المطلق ايضا مولود حدث من عمل سماوات السرمد في ارض امكانه فاخرج منه الولد الذي هو الوجود المطلق الا انها هناك كلها مساوقة حادة بعضها لبعض و كذلك لما دارت السموات الدهرية التي هي حيث الفعلية و هي الفؤاد الي  النفس علي ارض الامكان الدهري التي هي الطبيعة فما دونها خرج من بينهما ولد الموجود الكلي الدهري و هي ايضا مساوقة دهرا حادة دهرا و لما خلق اللّه التمثلات دارت السموات التي هي حيث الفعلية علي الارضين التي هي حيث المفعولية فخرجت المواليد علي حسب اختلافها و آية الوجود المطلق و الوجود الكلي و تمثلهما هو الانسان الجامع فهو مشية اللّه الظاهرة و العقل الكلي الظاهر و الروح و النفس الكلية و هكذا ساير المراتب الظاهرة في عرصة التمثلات و باقي المواليد وجودات ناقصة لم‌تطاوع تمام امر الآمر و لسنا بصدد بيان هذه الامور هنا و انما تجري استطرادا.

بالجملة هذه الموجودات الكونية علي ما سمعت كلها مخلوقة للّه سبحانه خلقها بمشيته علي تفصيل سمعت و يعبر عن المشية بالامر و بكلمة كن فاللّه الآمر جل جلاله يخاطب القوة الكامنة في الامكان بقوله كن فيرجح بهذه الكلمة وجود تلك القوة علي عدمها فيقويها حتي يخرجها الي الفعلية و هي لولا كلمة كن لم‌توجد ابدا لانه لا رجحان لها من حيث نفسها و كلمة كن موجودة كاملة في الوجود لها قوة تكميل تلك القوة و ترجيح وجودها علي عدمها فلما اشرق كلمة كن علي ارض ذلك الامكان غاص نورها في اعماقها حتي نبّه رواقد قواها و احيي مواتها و قوي ضعيفها حتي اقامها و اخرجها الي عرصة الفعلية فعلي ذلك يختلف كلمة كن بحسب اختلاف ما ينبغي ان يوجد فكن لزيد غير كن لعمرو و هي غير كن لبكر و هكذا فان كل مكمل يكمل علي حسب ما هو كامل فيه ظاهر به فالكلمة الباردة تخرج الباردة و الحارة الحارة و الرطبة الرطبة و اليابسة اليابسة و هكذا فللّه سبحانه لكل مخلوق امر موجود كامل بالغ في صفة ذلك المخلوق كما انك تكتب الالف بحركة غير الحركة التي تكتب بها الباء و هكذا فالحركة التي للالف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 82 *»

كاملة بالغة  في الالفية بها تخرج الالفية من المداد و الحركة التي للباء كاملة بالغة في البائية بها تخرج الباء من المداد فالفعل لايكون الا الكامل في الوجود حتي يقدر علي ترجيح ما في قوة الامكان و تكميل ناقصه و الا لايكون فعلا و لما كان الوجود المطلق هو الكامل في الوجود صار فعلا مطلقا يتشعب منه جميع الافعال و هو الكن المطلقة و جميع ما هو غيرها شئونها و ظهوراتها و كل شأن و ظهور كامل في الوجود الخاص يمكن ان يكمل به قوة مشاكلة له فالكاينات موجودة بقوله سبحانه كن و بقبول تلك القوة الامكانية فتحدث جميعها بين ذلك الفعل و ذلك القبول و لها مادة و صورة مادتها من شعاع ذلك الفعل المتعلق بها و صورتها من قبول تلك القوة و قبول ارض الامكان و تلك المادة هي مثال ذلك الفعل الملقي في مرآة قابلية ذلك الامكان او هي كنطفة الرجل الملقاة في رحم المرأة و صورتها من نطفة امها و تمثل ذلك ان الوضع المخصوص الفلكي هو كلمة كن الكاملة في صفتها يقع فضل كمالها و نورها علي الارض فيقوي ما يشاكله من قويها و يقويه و يخرجه الي الفعلية فيكون الولد بين هذا الفعل و هذا القبول مادته من ذلك النور و صورته من استعداد الارض و قبولها و ذلك النور الذي سميناه المادة هو مثال ذلك الوضع الملقي في هوية تلك القوة و هو جهتها الي ربها و هي من حيث هي جهة نفسها فذلك المثال هو الوجود و تلك الهوية هي الماهية و الولد مركب من هذا الوجود علي حسب تلك الماهية و هما يدان للفاعل ما منعك ان تسجد لما خلقت بيديّ فلما خلق اللّه هذا الشخص المولود صار هو امكانا لامور يمكن ان تظهر منه مع بقائه علي ما هو عليه من الحركات و السكنات من قيام او قعود او اكل او شرب او عطاء او منع و من الاخلاق و الصفات و العلوم و العقايد و الاعمال و غيرها و كلها فيه  مستجن استجنان الاشياء في الامكان كما كان كونه من امكانات امكانه السابق فما يمكن ظهوره منه ايضا معدوم و بالقوة لايخرج من العدم الي الوجود الا بمرجحات هي اوامر اللّه سبحانه و هي افعال اللّه الكاملة في ذلك الوصف فيحتاج حينئذ في خروج تلك الاوصاف عنه الي مشيات للّه سبحانه يكون لها انوار و مثل تقع علي ارض قابلية امكانه فتقوي ضعاف قواه و تحيي موات ما هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 83 *»

مستجن مقبور فيه و تنبه رواقد ما فيه من القوي و لولا تلك المشيات لم‌يظهر شي‌ء من تلك القوي الي الفعلية ابدا ابدا كما لم‌يخرج كينونته من امكانه بنفسها و تلك المشيات كلمات كونية كل كلمة منها كاملة في صفة خاصة ظاهرة بها ضرورة اختلاف تلك الكلمات في تعددها و قد جعلها اللّه مختلفة في صفاتها ليخرج بكل كلمة مستجنا من تلك المستجنات في امكان المواليد فابتلي بعضها ببعض و جعل كمال كل واحد يده في اخراج ما في الآخر بالقوة فبتلك الكلمات التي هي اوامره و هي كلمة كن منه اخرج من ارض قابلية كل مولود ما استجن فيها فيسطع من كل كلمة نور هو مثاله و يقع علي ارض قابلية المولود و يخالطها و يغوص فيها فينبه ما فيها راقد من جنسه ألاتري ان الانسان يتقوي شجاعته بمقارنة الشجعان و جبنه بمعاشرة الجبان و علمه بمساورة العلماء و فسقه بمجالسة الفساق و هكذا و بذلك يكون المرء علي دين خليله و من يتولهم منكم فانه منهم و لاتركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار و جميع هذه الكلمات هي اوامر اللّه التشريعية اذ نحن نسمي هذه المواليد الوصفية بعرصة التشريع كما نسمي ذوات تلك المواليد بالعرصة الكونية و عرصة التكوين فالتكوين يوجد بالاوامر الكونية و التشريع يوجد بالاوامر الشرعية فالصفات الفعلية الكاملة المكملة كلمات كن في التشريع كما ان الذوات الفعلية الكاملة المكملة كلمات في  التكوين و كما ان المكونات حدثت باشراق كلمات كونية و قبول الامكان تحدث الشرعيات ايضا باشراق كلمات شرعية و الكلمات الشرعية هي الصفات الكاملة في الاكوان و كما انه لولا الكلمات الكونية لم‌يحدث مكون ابدا لولا الكلمات الشرعية لايحدث شرع ابدا فالصفات الكاملة علي قسمين منها صفات تطابق رضاء اللّه و محبته و تطابق غرض اللّه من الايجاد و هي صفات اكوان عملت بوجوداتها و جهاتها الي ربها فهي علي وفق مقتضي التوحيد و ظهور التفريد فهي مشية اللّه المحبوبة و مما امر اللّه به ومنها صفات تخالف رضاء اللّه و محبته و غرض اللّه من الايجاد و هي صفات اكوان عملت بماهياتها و جهاتها الي انفسها فهي علي وفق التكثر و مخالفة لظهور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 84 *»

التوحيد فهي مشية اللّه المبغوضة و هذا الحب و البغض في عرصة التشريع و الا ففي التكوين هي كلها كمالات كونية توافق مشية اللّه الكونية فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة سجد له سواد الليل و بياض النهار و ان من شي‌ء الا يسبح بحمده و كل قد علم صلوته و تسبيحه و اللّه جل و عز اجل من ان‌يكون في ملكه عاص متمرد عن امره هذا و جميع ما يري و ما لايري ظهوره ليس لغيره من الظهور ما ليس له لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و لكن في عرصة التشريع صفات هي من مقتضيات الوجودات و صفات هي من مقتضيات الماهيات فالصفات الاولي محبوبة مرغوب فيها و الثانية صفات مبغوضة علي ان الوجودات دائمة ثابتة مؤتلفة و متحدة قاهرة غالبة نافذة و الماهيات زائلة فانية متفرقة متكثرة مقهورة مغلوبة جامدة فالوجودات محبوبات هذه الرتبة و الماهيات مبغوضات هذه الرتبة علي ما عرفت في التنعم و التألم آنفا فلما خلق اللّه الاكوان و جعلها امكان ما كلفها به و لم‌يمكن خروج  قوة وصفية تشريعية منها الا بكلمات فعلية وصفية شرعية خلق لاخراج تلك القوي تلك الكلمات التي هي اوامره التشريعية محبوبة او مبغوضة و اخرج بها تلك القوي و هي مقادير اللّه التي هي في اعمال العباد التي هي القبولات كالروح في الجسد فلولا روح القدر لم‌يكن لجسد القبول حصول و لولا جسد القبول لم‌يكن لروح القدر ظهور فجميع الاكوان اقدار اللّه و اوامره و مشياته و ايديه في اخراج ما كمن في امكانها كل فيما هو كامل فيه فكل واحد من حيث يد الفاعل و من حيث يد القابل و يحدث الاكوان الشرعية من بينها.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان مجمع تلك المشيات و معدن تلك الارادات و اعظم تلك الاسباب وجود محمد و آل‌محمد المعصومين المطهرين: العاملين في جميع عقايدهم و علومهم و صفاتهم و اعمالهم و اقوالهم و جميع ما يبرز منهم بمقتضي امر اللّه سبحانه و مشيته المحبوبة التي هي وجودهم سلام اللّه عليهم ثم بعدهم في الدرجة الانبياء ثم الاوصياء ثم النقباء ثم النجباء ثم العلماء ثم الصلحاء ثم الذين فيهم صفة محبوبة او صفات محبوبات علي نهج الكمال ثم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 85 *»

الحيوانات التي فيها صفة او صفات حسنة ثم النباتات التي فيها طبيعة حسنة ثم الجمادات و جميع ذلك كلمات امرية في جهة فعلية كاملة فيها و لما كان محمد و آل‌محمد: اول كل خير و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و كل من فيه جهة كمال و خير فانما هو منهم و اليهم فان ذلك الشي‌ء في ذلك الخير عامل بجهة وجوده و جهة وجود كل من هو دونهم فانما هو مثالهم الملقي في هوية ذلك الشي‌ء فان الانبياء فمن دونهم خلقوا من شعاعهم بل من شعاع تنزل نورهم و تنزل تنزلهم و هكذا فمهما كان في شي‌ء خير فمنهم و اليهم في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله  و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و فيها الحق معكم و فيكم و منكم و اليكم و انتم اهله و معدنه الزيارة، فهم سلام اللّه عليهم اصل الشجرة الامرية التشريعية و الباقي رءوس ذلك الامر و وجوهه كما ان اصل المشية الكونية هو الوجود المطلق و لها رءوس و وجوه في ساير العوالم و المراتب فمحمد و آل‌محمد: هم امر اللّه التشريعي و كلمة كن للتشريع خاطب اللّه سبحانه بها ما استجن في القوابل و تفصل تلك الكلمة التامة المباركة بجزئيات يعبر عنها بالفاظ و هي صل و صم و زك و حج و انفق و احسن و امثال ذلك فهذه الفاظ حقايقها صلوتهم و صيامهم و زكوتهم و حجهم و هكذا كما ان في الكون تفصل كلمة كن المطلقة الي كن زيدا و كن عمروا و كن فقيرا و كن غنيا و كن اسود و كن ابيض و هكذا فجميع عقايدها المباركة و علومها و صفاتها و اعمالها و احوالها و اقوالها هي بانفسها مشية تشريعية بها يستخرج اللّه كنوز قوي امكانات الاشياء ان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة وهذه الاوامر هي تعبيرات تلك العقايد و العلم و الصفات و غيرها عبر بها في الشرع فتلك الاوامر كائنة ما كانت مشيات اللّه و كلماته يسطع عنها انوار منبثة فتشرق علي ارض قوابل الاكوان التي هي امكان الصفات التشريعية فتغوص فيها فمنها ما يحيي ما فيه بالقوة من جنس تلك الانوار و يتقوي بها فيخرج الي الفعلية فيتصف صاحبه به كما ان نور الوضع المخصوص السماوي المناسب للياقوت اذا وقع علي الارض فمن الاراضي ما يتقوي ما فيها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 86 *»

من الياقوتية و منها ما لايتقوي فما تقوي منها يصير معدن الياقوت و يتكون فيه الياقوت له وجود من ذلك النور الملقي و صورة من خصوص الارض و هكذا ساير المواليد فاذا لما وقع نور صلوة تلك الكلمة التامة علي ارض قوابل الاكوان فمنها ما يتقوي ما فيه من قوة الصلوة فيخرج  منه الصلوة الي الفعلية فيكون ذلك الامكان كائنا شرعيا مصليا و منه ما لايتقوي صلوته فلاتخرج فلايتكون فلايكون مصليا و علي هذه فقس ما سواها من جانب الخير.

و اعلم ان عكس جميع ما ذكر ثابت في جانب الشر و سجين يعني ان اعداءهم اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و جميع الكلمات الشرية رءوس و وجوه للكلمة التامة الشرية التي هي الاول ابوالدواهي و هي الكلمة الامرية الشرعية المبغوضة و هي اسم من اسماء اللّه سبحانه و فعل من افعاله ألم‌تسمع في الدعاء ان الامام7 يسأل اللّه بالامم الهالكة و يسميها اسم اللّه سبحانه و ألم‌تسمع اللّه يقسم بالليل اذ ادبر و اذا سجي و من هذا الباب قسم اللّه سبحانه بالتين و الزيتون و طور سينين و البلد الامين و ساير خلقه فانها كلها اسماؤه و كلماته فلم‌يقسم اللّه الا باسمائه المباركة و صفاته الكاملة فتلك الكلمة اسم اللّه و فعله و يضاف جميع ما يصدر منه الي اللّه سبحانه و لكن القلوب الضعيفة لاتتحمل هذه المعاني قال اللّه سبحانه (قد مكر الذين من قبلهم فللّه المكر جميعا) و قال (زينا  لهم اعمالهم) مع ان الشيطان يزين لهم اعمالهم كما في آي اخر( قل اللّه خالق كل شي‌ء) (قل كل من عند اللّه) (يضل من يشاء و يهدي من يشاء) مع ان الشيطان و اتباعه يضلون الناس اللّه خلقكم و ما تعملون بالجملة هي كلمة مبغوضة للّه سبحانه من سلطها اللّه عليه و اخرج بها ما استجن فيه من جنسها فقد ابغضه في القدسي ما معناه اني انا اللّه لا اله الا انا خلقت الخير و الشر طوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر الخبر، و لايلزم من ذلك ابدا جبر فان الامر بين الامرين و هو الفعل و القبول و ليس اخراج تلك الكلمة ما في الاكوان من جنسها بالالجاء و الاضطرار ألم‌تسمع نطق تلك الكلمة و احتجاجها حيث يقول (ماكان لي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 87 *»

عليكم من سلطان الا ان دعوتكم  فاستجبتم لي فلاتلوموني و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخي) الآية.

بالجملة كما ان تلك الكلمة المحبوبة نفس صفاتها اوامر و عبر عنها بالفاظ كذلك تلك الكلمة المبغوضة نفس صفاتها اوامر خذلانية فانها تدعو الي نفسها و لكن الكلمة المحبوبة تنهي عنها كما ان الكلمة المبغوضة تنهي عن صفات الكلمة المحبوبة فهي بنفسها في نفسها الي نفسها امر و دعاء تقول اترك الصلوة و افطر الصوم و كل حق الفقراء و اترك الحج و الجهاد و نصرة الاولياء و هكذا فيرد هذه الاوامر و تلك الاوامر الاولي علي الانسان و تغوصان في ارض امكانه و هو بنفسه مركب من وجود يقدر ان يطيع به الاوامر المحبوبة و ماهية يقدر ان يطيع بها الاوامر المبغوضة فايها غلبت عليه و اطاع ايها يظهر من ارض امكان كونه نبات ذلك العمل اما حلوا او مرا فكذلك يصدر من الناس اعمالهم و لولا ذلك لم‌يصدر من احد عمل و ما تري من انك فاعل بالارادة تفعل ما تشاء فهو لغفلتك عن الواقع اليس ان بدنك لايتحرك الا بتحريك روحك و ان روحك لايتحرك الا بميل يحدث فيه و ذلك الميل كان في كمونه فالذي يخرج الميل الي الظهور دواع تقارن الروح فتخرج من كمون الروح ميله علي حسب قبول الروح و لولا تلك الدواعي لم‌يتحرك ميل الروح ابدا اذ لا مرجح له من ذات نفسه و الا لكان ابديا فاذ وجدناه حدث و لم‌يكن عرفنا ان له مرجحا من غير نفسه و ذلك المرجح هو الداعي المشوق المزين فيخرج ميلك من الكمون الي البروز فيتحرك الروح الي ذلك الوجه فيتحرك معه البدن بالمشايعة و الاتصال فتحسب انك تتحرك من غير محرك داع بالجملة الشي‌ء المعدوم لايرجح وجوده نفسه و لايرجحه معدوم مثله فلابد و ان يرجحه موجود غيره كائنا ما كان بالغا ما بلغ و لعلك تنبهت و استشعرت ان من اعظم اسباب التكميل  للناقصين وجود الانبياء و المرسلين ثم الاوصياء المرضيين  ثم الاولياء السابقين المقربين ثم الاخوان من اصحاب اليمين فمن عدل عنهم وقع تحت مرجحات الشر المغوية الرجسة الملعونة او يبقي كمالاته في عرصة العدم و يبقي ناقصا و ذلك عادة اللّه سبحانه في خلقه و بابه فيهم لذلك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 88 *»

التكميل فمن حاد عنه حاد عن الحق الي الباطل و لذلك تري جل الخلق الا قليلا قليلا مرتمسين في رموس النقص و الغفلة و الجهالة و تريهم سنين عديدة علي حال واحدة ان لم‌يتنزلوا و انما ذلك لعدم يقينهم بآيات اللّه و عدم وقوع القول عليهم فاذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لايوقنون فافهم ان كنت تفهم.

فاذا عرفت هذه المقدمات حان لك ان اذكر صفة النعيم و العذاب الاليم فاعلم ان النعيم كما عرفت هو المدد الملايم للوجود اذ به التلذذ و التقوي و الصحة لا غير و العذاب هو المدد المنافر للوجود كما عرفت اذ به التألم و التضعف و المرض لا غير فالمدد النازل علي الانسان مددان مدد كوني و هو ما يصله من مشية اللّه الكونية من النور الساطع الدائم الذي به حفظه فلو قبض ذلك النور لمحة لرد الكائن الي عدم قوة الامكان فبادامة ذلك النور و اشراقه الدائم يحفظه راجحا بالفعل موجودا فذلك النور هو ما من اللّه سبحانه في مدده و ينصبغ في مرآة قابليته الخاصة حتي يتخصص ذلك النور به فتلك الهوية مستمدة دائما و اللّه جل جلاله ممده دائما و تلك الهوية بتوجهها الي اللّه سبحانه و انفعالها و قبولها تستمد دائما و يمده اللّه جل جلاله دائما و كذلك يكون الامر في الشرع فالامر الشرعي يسطع منه نور منبث علي القوابل الامكانية و هو امر و نداء اقبل و نوره المصدر الصادر عنه فالامر قول صل و الصلوة نوره و مثاله المنبث علي مرايا القوابل و هكذا زك زكوة و حج حجا  و صم صوما فتلك الانوار الساطعة تقع علي القوابل فما اجاب منه و صلي و صار مصليا و صام و صار صائما و هكذا نبت من ارض قابليته نبات ذلك العمل فالمدد الشرعي هنا هو تأييد الشارع و امداده ببث نور اعماله و اقواله و احواله فمن عمل بتلك الاوامر هو القابل لذلك المدد و هو المستمد فالقبولات التي هي الاعمال هي اقدام السالكين في السير الي رب العالمين و السنة السائلين حاجتهم في سؤال خير الرازقين و قاضي حوائج السائلين و تلك الامداد المذكورة هي استجابة الدعاء و قضاء الحاجة و التأييد و التسديد الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم و كذلك في طرف المقابل يحصل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 89 *»

من الامر الشرعي الخذلاني ظل يقع علي القوابل و هو المدد الظلماني المولم المبعد عن الخير و اعمالها السنتها السائلة و ايديها التي هي بالحوائج مرفوعة و اقدامها السالكة فتلك الامداد النورية هي حقيقة الجنة و تلك الامداد الظلمانية هي حقيقة النار اذ لا ملذذ سوي الاولي و لا مولم سوي الثانية و الاعمال صورهما كما روي الاعمال صور الثواب و العقاب و هذه الاعمال تخصص تلك الامداد العامة باصحابها كما يخصص الثمن المال العام في السوق بباذله و لولا ذلك الثمن منك لم‌يتخصص شي‌ء من السوق بك و كذلك سوق الجنة و النار لا خصوصية لهما باحد من المكلفين و انما يختص نعيمها بالمكلف الخاص بحسب عمله فان قلنا ان الجزاء يوم القيمة نفس الاوصاف فانما نريد به ان الاوصاف صور الجزاء تسمية الشي‌ء بصورته الظاهرة به كما تسمي زيدا زيدا بصورته فزيد صورة و الصورة زيد فبهذا اللحاظ قال اللّه سبحانه (سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم) و (ماتجزون الا ما كنتم تعملون)، (ليس للانسان الا ما سعي) و ان لوحظ ان نفس الجزاء هو ذلك المدد العام و  انما يخصص و يتعلق بالشخص بسبب عمله فيقال ان الجزاء بسبب العمل الفلاني و بهذا اللحاظ قال اللّه سبحانه (كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بانهم كفروا بآياتنا و قالوا أئذا كنا عظاما و رفاتا أئنا لمبعوثون) و قال (ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا و اتخذوا آياتي و رسلي هزؤا) و قال (ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون) و قال (ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون).

بالجملة النعيم هو المدد النوري النازل من المشية المحبوبة الشرعية التي هي وجود محمد و اهل بيته الطيبين الطاهرين الساطع المنبث في عرصات الاكوان المقوي لوجوداتهم فهو الجنة و النعيم كما روي ان الجنة و الحورالعين خلقتا من نور الحسين7 و يختص بكل شخص بعمله و ينصبغ في مرآة عمله و يحصل له درجات و مراتب و انواع فالامداد المتعلقة بهم باعمالهم الصادرة عن جماديتهم تتصور بصورة القصور و الارض و الانهار و المتعلقة باعمالهم الصادرة عن معدنيتهم تتصور لهم بصور الذهب و الفضة و الماس و اليواقيت و غيرها و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 90 *»

المتعلقة باعمالهم الصادرة عن نباتيتهم تتصور لهم بصورة الاشجار و الازهار و الانوار و غيرها و المتعلقة باعمالهم الصادرة عن حيوانيتهم تتصور لهم بصورة الطيور و الخيل و النجائب و غيرها و المتعلقة باعمالهم الصادرة عن جنيتهم تتصور بصور الوصائف و الخدم و غيرهم و المتعلقة باعمالهم الصادرة عن انسانيتهم تتصور بصور الحور و الازواج و غيرهن و المتعلقة بعقايدهم و علومهم يحصل لهم درجات علمية الجنة اسفلها طعام و شراب و اعلاها علم و المتعلقة بارواحهم و عقولهم و افئدتهم يحصل لهم زيارة الانبياء و آل‌محمد: و لقاؤ اللّه اذا تنعم اهل الجنة بالجنة تنعم اهل اللّه بلقاء اللّه و علي عكس ذلك تتصور الامداد الظلمانية بمهاوي جهنم و اوديتها و جبالها و حجارة الكبريت و الزقوم  و كلابها و سباعها و حشراتها و الشياطين المقيضة.

و اعلم ان الذي يقتضيه الادلة ان صنوف النعيم و العذاب في الآخرة تكون علي صفة صنوف مواليد هذه الدنيا لا علي هيئاتها في هذه الدنيا فان الهيئات الدنياوية علي حسب المواد الدنياوية الكثيفة و علي حسب اقتضاء اوضاع الدنيا فاما في الآخرة فهيئات صنوف النعيم و العذاب تكون علي صفة هذه المواليد كما ان هيئة الانسان تكون علي هيئة عقائده و اعماله و اخلاقه فعقارب جهنم تكون علي هيئة النميمة و خيل الجنة تكون علي هيئة الجمال و التكبر علي اعداء اللّه و علي هذه فقس ما سويها و ما من دابة في الارض و لا طاير يطير بجناحيه الا امم امثالكم فافهم و في ما ذكرنا في هذا الفصل من الاصول حل مشكلات كثيرة ان فهمته.

فصل: اعلم انه قد مضي في هذا الكتاب مكررا و سيأتي ان شاء اللّه ذكر الوجود و الماهية و معرفتهما اصل يبتني عليه اكثر مسائلنا فلا علينا ان نذكر هنا شطرا من شرحهما حتي يكون الناظر في كتابنا هذا علي بصيرة من امرهما.

اعلم انا مرة نطلق الوجود و نريد به المادة سواء كانت مادة نوعية او مادة شخصية و نطلق الماهية و نريد بها الصورة سواء كانت الصورة النوعية او الصورة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 91 *»

الشخصية و المراد بالنوع الوجود المقيد و هو الخلق الاول و هو بمنزلة الماء في خلق النبات و هو الماء الذي منه كل شي‌ء حي له مادة و هي الرطوبة المأخوذة من الامكان المقيد و صورة و هي اليبوسة المأخوذة منه فالرطوبة هي الشبح المنفصل من امر اللّه الكوني و مثاله الملقي و اليبوسة هي نفس تلك الرطوبة و انيتها و هي حيث هي هي و هي الصورة المقومة مادته تحكي مادة امر اللّه الكوني و صورته تحكي صورة امر اللّه و هو الوجود النوعي ثم يؤخذ من هذا النوع حصة و هي المادة الثانية و الوجود الثاني و المادة  الشخصية و حصة من ارض الامكان فيتركب منهما النبات و لكن هذه الحصة الارضية هي تمثل الحصة الارضية الاولي و هي الصورة المتممة و الصورة الشخصية و هي الكم و الكيف و الوقت و المكان و الجهة و الرتبة و الوضع و الاجل و الكتاب فمثال الخلق الاول الخشب فان له مادة نوعية و صورة نوعية بها يمتاز عن ساير الانواع و بهما يحصل الخشب فبعد تحقق الخشب يؤخذ منه حصة و يضم بها حدود السرير و هي الصورة المتممة الشخصية التي لايتمثل الشي‌ء في الخارج الا بها و هي الظهور الذي هو تمام البطون و الفعلية التي هي تمام القوة و سمي الخشب بالنوع لان جميع الاشخاص كالسرير و الباب و الضريح و غيرها مما يصنع من الخشب فيه بالقوة و هو صالح لان يتصور بصور جميعها فهو نوع بالنسبة الي تلك الاشخاص و امكان لها ثم يؤخذ منه حصة و تصور بالصورة الشخصية البابية او السريرية و المراد بهذه الحصص هنا ليس علي ظاهرها فان الخشب من حيث انه خشب لايتحصص و لو تحصص الخشب النوعي لم‌يصدق علي كل حصة اسم تمام الخشب و انما التحصيص الواقعي يقع علي الكم الظاهري له ألاتري انك لو فرقت منّاً من الماء في ثمان اوان كان كل حصة ثمن المن لا ثمن الماء و كل حصة ماء تام فالمن الكمي يمكن ان يتحصص بثمان حصص فهو امكان الحصص و اما صورة الماء المقومة فهي ليست بامكان الحصص المتحصص المنفعل بل هي امكان الظهور بالمن و الاثمان و لذا يعطي جميع الافراد اسمه و حده كما حققنا في ساير كتبنا و يدرك ذلك في الافراد اذا قطعت النظر عن جميع المعينات الشخصية ألاتري انك لو قطعت النظر عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 92 *»

خصوصية حدود الباب و السرير و الضريح و الصنم و الصندوق لوجدت الخشب في جميعها علانية ظاهرا و هو المادة النوعية السارية في الكل و هذا احد معاني الوجود و الماهية.

و مرة نطلق الوجود و نريد به جهة الشي‌ء الي ربه سواء فيها المادة النوعية و الشخصية و الصورة النوعية و الشخصية فانهما برتبتيهما لهما جهة آئية للّه الحق جل و عز و هي المعبر عنها بالفؤاد عند آل‌محمد: المشار اليه في الكتاب (ماكذب الفؤاد ما رأي) و هي النور الذي خلق منه المؤمن المشاراليه في النبوي اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه الذي فسره  الصادق7 اي النور الذي خلق منه والمشاراليه في قوله7 ان اللّه خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و مرة نطلق الماهية و نريد منها جهة الشي‌ء الي نفسه و هي حيث هو هو فهي من حيث هي هي لاتدل علي اللّه و لايعرف بها و لكن معرفة هذين عسير جدا الا لمن كتب اللّه له و لااظنني قد شرحت ذلك في كتاب كما احب و لااجد احدا يتحملها حق تحملها و لكن لا عليّ من الاشارة اليها بغامض العبارة علي وجه الاختصار.

اعلم ان اللّه سبحانه احد لايتناهي الي حد فلايتناهي الي سرمد و لا الي دهر و لا الي زمان و لا الي امكان و لا كون و لا عين لا الي ذات و لا صفة و لا الي فعل و لا الي اثر لا الي جوهر و لا الي عرض و لا الي شي‌ء مما هو سواه و ذلك لاجل ان جميع ما سواه معه ممتنع فهو اذ ذاك هو ليس شي‌ء غيره علي معني الامتناع و جميع ما سواه مركب من وجود اي مادة و ماهية اي صورة كائنا ما كان بالغا ما بلغ و ممكن ذو قوة لايخرج شي‌ء من قوته الي الفعلية الا بفعل اللّه سبحانه و امره الذي هو مكمل جميع تلك القوي و مخرجها من العدم الي الوجود بفضل كماله الذي هو شعاعه و نوره و مثاله فكل ما سواه مركب من ذلك المثال و من قابلية تلك القوة و ذلك المثال هو مادة ذلك المكون و تلك القابلية هي صورته فهذا التركيب في المخلوق الاول المخلوق بنفسه اي المشية علي حسبها و في ساير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 93 *»

آثارها  علي حسبها و تلك المخلوقات برمتها بمادتها و صورتها كمال اللّه الحق و ظهوره تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و اليه الاشارة بقول الحسين7 أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي يكون الآثار هي التي توصلني اليك و بما في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك  و بما في الدعاء ايضا انت اوجد في مكاني و بما في الكتاب (سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق أولم‌يكف بربك انه علي كل شي‌ء شهيد) اي موجود في غيبتك و في حضرتك و بقوله (قل اي شي‌ء اكبر شهادة قل اللّه) و هو قوله تعالي (شهد اللّه انه لا اله الا هو) فهذا المقام هو العين الحق الذي اعار اللّه خلقه اياها حتي يروه بها و يعرفوه بها و هو الفؤاد ماكذب الفؤاد ما رأي و هذا الحيث يدرك بعد كشف السبحات و محو الموهومات و هتك الاستار لظهور الاسرار و هذا الحيث هو الحق الظاهر و ظاهر الحق و في حيث الرب درجات و مقامات لسنا بصدد بيانها هنا و لها حيث الي نفسها من سرمد و دهر و زمان و عقل و نفس و جسم و سماء و ارض و غير ذلك و هو الماهية التي بها امتنع منها و هذا الحيث اغلظه و قاعدته عند التراب الذي هو ابعد المراتب عن المبدء و يرق كلما يصعد صاعدا الي السرمد يعني انك اذا قطعت النظر عن جهة ظهور الرب و لم‌تنظر اليه و لم‌تره و وقعت في ورطة الكثرات و الخصوصيات وجدت اشياء عديدة متباينة متضادة متعاندة و عرصة ظلمانية اذا اخرجت يدك لم‌تكد تراها و حجبت عن رؤية تلك الانوار و منعت عن درك تلك الاسرار و ابتليت بالاغيار و ضرب امامك الاستار فحينئذ وجدت زيدا و عمروا و بكرا و سماء و ارضا و غير ذلك من المخلوقات فهذه عرصة الماهيات و الطبايع التي هي علي خلاف كينونة  الحق فالمخلوق نفسه كونه هو هو خطيئة موبقة و معصية و مخالفة مهلكة و لنعم ما قال الشاعر:

اذا قلت مااذنبت قالت مجيبة وجودك ذنب لايقاس به ذنب

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 94 *»

فهذه هي الماهية التي نقول انها ظلمة و شر و نقص و فساد فانها من مقتضيات الكثرة و نقول ان جهة الرب نور و خير و كمال و صلاح و امثال ذلك فانها من مقتضيات الوحدة فجهة الرب هي الربوبية و جهة النفس هي العبودية المشار اليهما بقوله7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية و الحق و الخلق المشار اليهما في حديث الرضا7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما لانك لاتجد جهة الرب الا بكشف جهة النفس و لا جهة النفس الا بقطع النظر عن جهة الرب و لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و اعلم انه لا تفاضل في جهة الرب و لا تعدد و لا اختلاف فان كل ما فيه شائبة الاختلاف فهو من الخلق و في الخلق.

و اما الماهية ففي مراتبها اختلافات كثيرة فمنها رقيقة و منها غليظة و منها كثيفة و منها لطيفة و منها حاجبة و منها شافة حاكية و منها اشد توحدا و منها اشد تكثرا و منها شهادية و منها غيبية الي غير ذلك من الاختلافات و اكثفها و اغلظها و احجبها و اشدها تكثرا التراب المسمي بالذرة الذي هو ابعد الموجودات عن المبدء و كلما تصعد صاعدة ترق و تلطف و تصير اشد شفوفا و اقل تكثرا و اكثر توحدا الي ان يصل اعلي العقل الكلي في العالم المسمي بالدرة فتفاضل الاشياء برقة الماهية و غلظتها و شفوفها و حجبها و توحدها و تكثرها و بهذه الاختلافات الماهية حصل لها مبدؤ و منتهي و امر و خلق و علل و معلولات و اسباب و مسببات و منير و انوار و مؤثر و آثار و طول و عرض و ترتب و تشوش و مادة و صورة و جنس و نوع و فصل و شخص و جوهر و عرض و غير ذلك من الكثرات  فجميع ذلك في الماهية و ليس في جهة الرب جل جلاله اختلاف و تعدد بوجه من الوجوه و يستوي عنده العلل و المعلولات و الاسباب و المسببات ان كل من في السموات و الارض الا اتي الرحمن عبدا لقد احصيهم و عدّهم عدّا و لكن هذه الماهيات في كونها ماهية منها ما قد رقت و شفت و تشاكلت اجزاؤها حتي توحدت فصارت فانية مضمحلة متلاشية من حيث نفسها فلم‌تر و رأي منها جهة الرب كلما نظرت و فحصت فلم‌ير الا الرب و صفاته و اسماؤه و افعاله و اخلاقه و منها ما بقي فيها استمساك ما فبقي ذكرها و صدر عنها آثار ضعيفة في الجملة و منها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 95 *»

ما يشتد فيه ذلك و يشتد الي ان يبلغ مبلغا لم‌يبق فيه لربه ذكر الا قليلا و غايتها ان لايبقي فيها ذكر للرب و لم‌يبد له اثر و صفة و فعل و يكون جميع الذكر و الظهور و الصفة و الفعل و الاثر لنفسها و هي مقام التراب الذي هو في غاية الحجب لانوار الرب جل و علا فمن كان ماهيته علي وفق صفة الرب جل و علا فهو السعيد و المؤمن و من اهل الجنة و عليين و اهل النور و الخير و الكمال و الهيمنة و السلطنة و الاستيلاء و الحكم اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشي‌ء كن فيكون و غنيا لاتفتقر و حيا لاتموت و من كان ماهيته علي خلاف صفة الرب و ضدها فهو الشقي و الكافر و من اهل النار و سجين و اهل الظلمة و الشر و النقص و المقهورية و المحكومية و المحنة و المهنة و ان اللّه سبحانه لما خلق الاشياء من الامكان امكن في الماهيات الترقي و التنزل و الترقق و التغلظ فيمكن للماهية الغليظة ان تصير رقيقة شافة و للماهية الرقيقة ان تصير غليظة حاجبة و جعل لترقيقها و تغليظها اسبابا من الدعاة الي الحق و الخير و الدعاة الي الشر و الباطل و هؤلاء الدعاة هم الكاملون المكملون كل في صفته و علي حسبه و ذلك ان الماهيات تنقسم نوعا الي ثلثة منها ما هي رقيقة غيرحاجبة لانوار اللّه جل و عز و لطيفتها  اكثر و اغلب و صفات الرب ظاهرة فيها و بالفعل فهي الكاملة المكملة و منها ما لطيفتها مساوية لنفسها فلاتعدوها فهي التامة بنفسها غيرالمؤثرة في غيرها ومنها ما لطيفتها مغلوبة مستورة و الظهور و الاثر لكثيفتها فهي الناقصة المستكملة ثم منها ما هي منصوبة و منها ما هي منكوسة فمنها كاملة في الخير و منها كاملة في الشر فالكاملون من الفريقين هم الدعاة و الهداة و المكملون و الناقصون هم المستكملون القابلون لتكميل كل من الفريقين و اما التامون فهم علي ما هم عليه من حالهم و لولا الكاملون المكملون لم‌يترق مترق و لم‌ينزل نازل فكل مولود يولد علي الفطرة و ان ابويه يكملانه نحو ما هما عليه و يستخرجان من كمونه نحو ما هما عليه فيجعلانه مسلما او كافرا.

و اعلم ان هذه الماهية كما عرفت مركبة من مادة و صورة نوعية و شخصية فهي رقتها و توحدها بغلبة المادة عليها و غلظتها بغلبة جهة الصورة عليها كما هو ظاهر لكل ذي عين فالمادة جهة اثرية الشي‌ء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 96 *»

لامر ربه المشابهة لصفة مادة الامر الظاهرة من صورتها و جهة الاثرية غير جهة الرب فلاتغفل و الصورة جهة نفس المادة و انفعالها عند فعل اللّه جل و عز و هي لها حدود موافقة لصفة امر الرب و صورته كما مر.

ومرة نطلق الوجود و نريد به المثال الملقي من السموات علي هويات الارض و نطلق الماهية فنريد بها ما للمولود من هوية الارض و هذا هو في الشرع الكوني.

و مرة نطلق الوجود و نريد به الحصة الفلكية التي في المولود و نطلق الماهية و نريد بها الحصة الارضية فيه و هذا ايضا في الشرع الكوني.

ومرة نريد من الوجود شعاع الداعي الي الحق او الباطل و من الماهية قبول المدعو و هذا في الكون الشرعي و هذه الوجوه الاخيرة لها اعتباران يمكن ان يعبر عن وجوداتها جهة الرب و عن ماهياتها جهة النفس و يمكن ان يعبر عن وجوداتها بالمادة و عن ماهياتها بالصورة و اعلم  ان الرب جل جلاله ليس في حد حتي يكون لشي‌ء جهة اليه و جهة الي خلافه و انما المراد بالرب هنا مبدؤ المبادي و غاية الغايات و نهاية النهايات فاذا رأي في الاشياء فالمرئي جهة الرب و ان رأي نفس الاشياء فالمرئي جهة النفس و لا جهة للرب غيرها و الرب هو الوجود الحق الذي به عرف اللّه نفسه و به يعرف فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

فصل: اعلم ان للنفس القدسية قوي و خواص كما ذكره مولانا اميرالمؤمنين7  فقويها خمس ذكر و فكر و علم و حلم و نباهة و خواصها النزاهة و الحكمة و نحن عازمون بحول اللّه و قوته ان نفصل سبعة ابواب لتفصيل هذه القوي و الخواص ان شاء اللّه و اما هنا فنريد ان نذكر كليات في هذه الامور لتعلمها نوعا.

اعلم ان القوي للنفس ظهوراتها و افعالها المصبوغة باصباغ جهات عرش استوائها و اركانها و تلك النفس آية الرحمانية و سر الواحدية المستوية المستولية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 97 *»

علي ذلك العرش فيسطع من تلك الرحمانية الواحدية نور واحدي من حيث الصدور و مثال واحدي فيلقي في هوية ذلك العرش و ينطبع فيها ثم ينصبغ باصباغها و يتهيؤ بهيئاتها و يظهر من ورائها مقرونا بما اكتسب منها فتصير منشأ افعال متعددة كما يظهر نور الشمس في زجاجات ملونة و يتلون فيها ثم يخرج منها انوارا متعددة فتحمر و تصفر و تخضر و تبيض و لم‌يكن شي‌ء من هذه الكثرات في اصل النور من حيث الصدور من الشمس فكذلك النفس بمنزلة الشمس فلما استوت علي زجاجات جهات عرشها و القت مثالها الواحدي فيها خرج من ورائها افعال متعددة فتسمي تلك الافعال بقوي تلك النفس فالنفس النباتية التي هي صفايا العناصر و حيث واحديتها لما استوت علي عرش العناصر القت مثالها في اركان عرشها فانصبغ في النار علي حسبها و خرج منها جاذبة و في الهواء علي حسبه و خرج منه هاضمة و في الماء  و خرج منه دافعة و في التراب و خرج منه ماسكة فهي مثل النفس النباتية المنصبغة في مرايا هذه العناصر قد اعطت النفس كل واحدة منها اسمها و حدها و تصورت بصورة هويات تلك المرايا و العناصر فالجاذبة نفس جاذبة و الهاضمة نفس هاضمة و هكذا البواقي فهذه هي قوي للنفس كانت كامنة فيها فخرجت الي الفعلية متخصصة متعينة في المرايا و اما المربية فهي مثال منصبغ في المجموع المركب و اما الخواص فهي عرض النفس الخاص بها لايوجد في غيرها كالضاحك للانسان مثلا فهو صفة لها تعرض عليها بمقتضي طبعها فخاصيتا النفس النباتية الزيادة و النقصان فانها اذا امدت بالمشاكل زادت و ان لم‌تمد تحللت فنقصت و كذلك النفس الحيوانية هي رحمانية مستوية علي عرش الاعضاء النباتية فالقت في هويتها مثالها فانصبغ في كل عضو علي حسبه و ظهر من ورائه متعينا بتعينه فصار منشأ فعل متعين فانصبغ في العين بصبغها و خرج باصرة و في الاذن و خرج منها سامعة و في الانف فخرج منه شامة و في الفم فخرج منه ذائقة و من جملة الاعضاء فخرج منها لامسة و انما صارت الاعضاء الدراكة علي خمسة انواع لان سر العناصر و الطبايع جري فيها و لذلك ينسب العين الي النار و ادراكها للاضواء و الاذن الي الهواء و ادراكها للاصوات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 98 *»

و الانف الي الماء و ادراكه للروايح التي هي من ابخرة الماء و الفم الي التراب و ادراكه للطعوم التي هي من التراب و الاعضاء الي المجموع المركب و ادراكها لحرارة النار و برودة الماء و لين الهواء و يبس التراب و ما يــٔول اليها و لاجل ذلك صار انواع المثل ايضا خمسة و هذه الاعضاء ابواب الروح الحيوانية اليها تلقي في كل عضو مثالها و تعطيه اسمه و يختص بخصوصية الباب فالباصرة نفس حيوانية دراكة للاضواء و السامعة نفس دراكة للاصوات و هكذا البواقي و هذه القوي  افعال و مثل للنفس الحيوانية و لها خاصيتان ناشئتان من الحيوانية فانها ان وصلتها المشاكلة لها رضيت او المنافرة فسخطت و غضبت و اما الانسانية اي النفس الناطقة القدسية فعرشها الدماغ اي المراتب الحيوانية و الاعضاء الحيوانية و لها مثال واحدي مطلق يلقي في اركان عرشها التي هي مراتب الحيوانية و ينصبغ في تلك الاركان فيظهر من كل ركن علي حسبه و يصير منشأ فعل و مرادنا بالحيوانية النفس البرزخية المثالية السارية في افلاك هذا العالم و بها حيوتها و حركاتها و الظاهرة في الروح البخارية الحادثة في قلوب الحيوانات التي ساوت بلطافتها الافلاك و هذا تأويل قوله تعالي (و جعل القمر فيهن نورا) اي قمر عالم المثال الذي هو النفس الحيوانية الكلية هو نور السموات الجسمانية الظاهرة و حيوتها جميعا فالنفس الحيوانية هي نفس الافلاك لا نفس اجرام الافلاك فقول اميرالمؤمنين7 فيها ان اصلها الافلاك اي نفوس الافلاك و غيوبها.

بالجملة هذه الحيوانية مركوب الناطقة القدسية و عرشها و لهذه الحيوانية مراتب من بدو تكونها الي غاية كمالها كما تشاهد في محلها الذي هو الروح البخارية فانها اول ما تتولد تتولد في القلب و هو منبعثها كما عرفت ففي هذا المقام يساوي لطافة جوهرها جرم فلك القمر فهي بخار و موج مكفوف و عين الحيوة علي باب الجنان ثم تصعد بعد اشتداد الحرارة عليها و تجفيفها دخانا الي الدماغ ثم‌استوي الي السماء و هي دخان و يجري في تجاويف الدماغ و يتلطف في كل منزل حتي يصير كفلك من الافلاك فيحكي في كل منزل من النفس التي في غيبه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 99 *»

امرا ازيد فاذا ساوي لطافته فلك الزهرة صار حاكيا لخيال تلك النفس و اذا صار بلطافة فلك عطارد صار حاكيا لفكرها و اذا صار بلطافة فلك المريخ صار حاكيا لوهمها و اذا صار بلطافة المشتري صار حاكيا لعلمها و اذا صار بلطافة  فلك زحل صار حاكيا لعقلها و اذا صار بلطافة الكرسي صار حاكيا للنفس الكلية الظاهرة فيه و اذا صار بلطافة العرش صار حاكيا للعقل الكلي الظاهر فيه و ان كان ليس يصير في كل حيوان صاحب هذه المراتب لعدم الاعتدال التام في كل احد.

بالجملة النفس الحيوانية التي في البرزخ لها هذه المراتب ايضا في عالمها و ليست بنفسها خيالا و لا فكرا و لا وهما و لا علما و لا عقلا و لا ما فوقها بل كلها حيوة و تترقق و تتلطف كما ان البخار الذي في القلب ليس الا ناميا و يترقق و يتلطف في مراتبه و مراقيه حتي يصير بلطافة افلاك هذه الدنيا فكذلك النفس الحيوانية ليست الا حيوة و لكن لها ترققات و تلطفات في مراتبها حتي تصير بلطافة افلاك عالم البرزخ فتحكي في كل درجة من الناطقة التي من ورائها شيئا فتلقي الناطقة مثالها في هوية تلك المراتب و تظهر عنها افعالها فتلك الادراكات هي كلها فعل النفس و هو من حيث الصدور من النفس واحد و من حيث الظهور في تلك المواقع يتعدد و يتصور بصورة الخيال و الفكر و الوهم و العلم و العقل كما ان فعل الروح الحيوانية من حيث الصدور عنها واحد و من حيث الظهور في اعضاء البدن يكون بصرا و سمعا و شما و ذوقا و لمسا  و لاامنع ان يكون للنفس الحيوانية بعض اظلال تلك المشاعر فيكون لها خيال ظلي و فكر ظلي و وهم ظلي و اذا كانت في الانسان يكون لها علم ظلي و عقل ظلي ايضا فان كمالات مراتب الوجود متدرجة حتي اني لاامنع ان يكون لمراتب الروح البخارية ايضا ظل ظل من هذه المشاعر و للاعضاء الظاهرة ظل شعور الحيوانية ايضا.

بالجملة اذا صار النفس الحيوانية البرزخية بلطافة فلك زهرة عالم البرزخ يقع فيها مثال الناطقة و ينصبغ و يتشكل فيها فيكون خيالا فتدرك به الصور و اذا صارت بلطافة فلك عطارد ذلك العالم يقع فيها مثال الناطقة و ينصبغ و يتشكل فيها  فيكون فكرا فتدرك به الفكر و هكذا البواقي و ذلك ان مدركات هذه القوي كلها من عالم المثال و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 100 *»

البرزخ و ان كان بعضها مقرونا بالمواد و منتزعا عنها و بعضها غيرمقرون و يكون لبعضها معنوية بالنسبة الي بعض فاقول جملة ان بين النفس الحيوانية المثالية و هذا البدن مقام برزخي و هو من فلك قمر عالم البرزخ و هو بدن تام في داخل هذا البدن الظاهر فذلك البدن البرزخي برزخ بين اصل هذه الاجسام الدنياوية و المثال اسفله مرتبط متعلق بالبدن الدنياوي و اعلاه مرتبط بعالم المثال و هو اسفل مقامات الحيوانية البرزخية و اول نشوها و يسمي هذا المقام باليونانية ببنطاسيا و هو حساس و يظهر فيه اسفل مقام فعل الناطقة و كمال حسه به فهذا المشعر يسمي بالحس المشترك لارتباطه بالطرفين فما وقع من مثل الاجسام في المشاعر الخمسة الظاهرية تؤديه الي الحس المشترك و يتلقي منها فيدركه اولا بالتلقي و الاخذ و اخيرا باستقلال ضعيف فانه يدرك الصورة بعد انقطاع وقوعها في الحواس الظاهرة و منه ما يدرك الانسان صوت الرحا بعد انقطاعه بقليل و ما يدرك الانسان الفرس الجارية سريعا اطول و القطر النازل خطا و امثال ذلك في كل حاسة فلما وقع الصورة فيه لم‌يقدر علي حفظها حتي يؤديها الي الخيال فالخيال يدرك الصورة بعد غيبوبة ذي الصورة عن الحاسة الظاهرة و الانقطاع و الانمحاء عن الحس المشترك و لكن لايدرك الصورة بذات نفسه الا بالاخذ عن الآخذين عن المواد الظاهرة فاذا حصل الصورة في الخيال يتأملها الوهم فيدرك معناها و هو شي‌ء يستنبطه الوهم منها صوابا ام خطاء و ليس فعله الرواية بل هو دراية منه و لكن في الروايات و ذلك كاستنباطه الضرر و النفع و العداوة و المحبة و الملايمة و المنافرة و المناسبة و المباينة و التساوي و التفاوت و القلة و الكثرة و امثال ذلك و لما كان فعله عن اجتهاد يجري فيه الخطاء و الصواب بخلاف  الخيال و الحس المشترك و الحواس الظاهرة فانها صرف رواية و ان كان الراوي ايضا لايخلو بعض الاحيان عن خطاء في النقل قالوا و من وراء الوهم شخص الحفظ و هو بالنسبة الي الوهم كالخيال بالنسبة الي الحس المشترك فما استنبطه الوهم يؤديه الي الحافظة و هي خزانته فتحفظه له و قالوا محلها التجويف الآخر من الدماغ و الذي اري ان الحافظة ليست بمشعر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 101 *»

باطني كاخواتها فليس في الحواس الباطنة مقام يدخر فيه المعاني او الصور و لانقول ايضا ان الخيال يدخر الصور بل الخيال مشعر كالمرآة اذا قابلت النفس به الي صورة في عالم المثال انطبع فيه تلك الصورة و الا فلا شي‌ء فيه كالعين اذا قابلت بها الي مبصر انطبع فيها و الا فلا شي‌ء فيها و كذلك جميع الحواس الباطنة و هي كلها كالحواس الظاهرة ان قابلت بها الي محسوس انطبع فيها شبحه و الا فلا شي‌ء فيها و قد حققنا امر الحواس في محالها في كتبنا مفصلا فاذا وقع صورة في العين مثلا تؤديها الي الحس المشترك ان استعملته للادراك فيؤديها الي الخيال و تنطبع فيه ان استعملته و يستنبط الوهم معناها ان استعملته و الا فلا و اما الحافظة و الذاكرة فهي النفس في عالمها و هي المحيطة بجميع المثل البرزخية التي حصلته و عرضت عليها الحواس فوصل اليها منها صورة مجردة عن المواد و القوة و الاستعداد و تحفظها في نفسها علي نحو دهري مجردة مشاكلة لها فتكون حدودها و سعة نفس كل ذي نفس علي حسب علومها وكذلك هيئتها و تخطيطاتها و تعيناتها و لذلك قال اميرالمؤمنين7 مقرها العلوم بعد ما جعل مقر الحيوانية القلب و مقر النباتية الكبد و لم‌يجعل لها مقرا في البدن بل تلك الصور الحاصلة هي النفس الخاصة اي هوية النفس الناطقة الخاصة التي القت النفس الكلية فيها مثالها فاظهرت عنها افعالها فحقايق الصور الحاصلة لكل شخص هي هوية  نفسه و مبدء تحصل تلك الصور للشخص عند الولادة الجسمانية و اكتساب الحواس الظاهرة من الخارج مثلا و تأديتها الي الحواس الباطنة فاذا وصلت الي الحواس الباطنة الحيوانية تصورت بصور علمية و تعينت بتعينات علمية فبتصورها بها استعدت لظهور مثال النفس الكلية فيها كما اذا تصور البدن هنا بصورة كلب استعد لوقوع مثال الحيوانية الكلية فيه لانه حينئذ لسان داع طالب له فيفاض عليه مثال الحيوانية فينصبغ فيه بصبغ الكلبية فيكون حيوانا نابحا و لعلك عرفت ان ذلك المثال هو جهة تلك الصور الي الحيوانية الكلية الكامنة فيه كمون النار في الزيت المستخرجة منه بالتكميلات بايدي الفاعل التي هي نفوس الافلاك فبعد حصول الحيوانية اذا تصورت بالصور العلمية و الخصال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 102 *»

النفسانية صارت لسانا داعيا طالبا من النفس الكلية الالهية نفسا ناطقة فيلقي فيها مثالها و ذلك المثال هو سر كامن فيها بالقوة يستخرج منها بتكميلات ايدي الفاعل بالتعليمات العامة الملكية و الخاصة من الاب و الام و ساير المربين فبالتعليمات العامة يحصل لها نفس مطبوعة و بالتعليمات الخاصة يحصل لها نفس مسموعة.

بالجملة اذا حصلت الصور في الحواس الباطنة استخرج من قوة تلك الصور صورة مجردة هي مثال النفس الكلية المصبوغة بصبغ تلك الصور العلمية و العملية و تزداد و تنبسط و تترقي و تتنزل و تتلطف و تتكثف شيئا بعد شي‌ء بحسب اختلاف التكسبات العلمية و العملية فتلك النفس هي الحافظة للصور علي نحو الوحدة و التجرد و القدرة علي انشاء ما شاءت مما اكتسبت من الصور و هي الذاكرة و هي الخزانة لها و هي اللوح التي اثبتت فيها و رسمت علي نحو الوحدة فاذا ارادت تصور صورة فاما ان وجهت خيالها الي موضع تلك الصورة و وقتها ان كانت رأتها او احاطت بها فانطبع في خيالها الصافي الساذج مثال  تلك الصورة علي هيئتها كما ينطبع صورتك في المرآة و اما ان صورت الخيال بتلك الصورة فان الخيال فعلها تصوره كيفما شاءت ثم تقابل به الي امكان عالم المثال فيظهر فيه صورة مقرونة بمادة برزخية كما انك اذا صورت مرآة بصورة صبغا و شكلا ثم قابلت بها جدارا ابيض لاشكل فيه و لا لون وجد في المرآة صورة علي لون و شكل اردتهما و لم‌يكن علي الجدار صورة مثلها فالذي في المرآة له مادة من مثال الجدار و صورة من نفس صورة المرآة ألاتري انك تقدر علي تصوير اي شكل و اي صورة شئت في خيالك فتصور فرسا ذات رأسين و شجرة اوراقها رءوس مثلا و ساقها من اللؤلؤ و ازهارها مثلا من الياقوت و ليس شي‌ء في الخارج كذا و لا في عالم المثال و انما تتصورها.

بالجملة ان النفس اذا ارادت صورة يجري فعلها علي حسب ارادتها و تصور علي حسب ارادتها كما تصور حركة يدك علي هيئة الالف او الباء او غيرها مثلا فيطاوعها المشعر الحيواني لاستيلائها عليه ثم تقابله مع امكان عالم المثال فتحصل له مادة فتنصبغ في صبغ الخيال فتدركه بخيالك علي ما تريد او توجه خيالها الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 103 *»

الصورة الدهرية في محلها فيقع فيه مثالها و ربما ركبت منهما فهكذا تتذكر ما شئت و تتصور بالفعل ما حفظته و ليس في الباطن مشعر يخزن فيه الصور فلو كان كذا لكان اللازم ان تكون ذاكرا في مشاعرك جميع ما تعلمه ملتفتا اليه و لاتغفل عنه و هذا خلف بالبداهة.

و اما النفس فليس لها الصور في نفسها حاصلة علي نحو التفصيل المثالي او الجسماني بل الحاصل لها امر دهري جمعي وحداني تكون بحصوله لها قادرة علي جميع تفاصيل ما عندها خلاصته لا ازيد و لا اقل نعم النفس الكلية هي القادرة علي تذكر كل صورة و انزاله في حواسها لانه فيها مبادي جميع الصور الدنياوية ما كان منها و ما هو كائن و جميع الصور  المثالية ما كان منها و ما هو كائن و اذكارها و لاجل ان النفوس الجزئية ليس لها الا ما حصلته لاتقدر علي تصوير ما سيأتي و ما يكون بعد علي حسب الواقع باختيارها اللّهم الا ان تتلقاه من مواقع التقدير و لايقع فيها بداء اتفاقا و ذلك ان الخيال كما يأتيه الصورة مرة من الحواس الظاهرة و مرة من انعكاس الصورة فيه من النفس قد يأتيه صورة من مواقع التقدير اذا قابلها و كان معتدلا صافيا فارغا فيعمل فيه ايدي التقدير بواسطة الملئكة الحاملين للمقادير النازلين بها الي الارض فيصادفون ذلك الخيال فيقع اشباح ما ينزلون به فيه فيظهر فيه صورة المقدور و لربما يكون فيه اعوجاج في الجملة فيغير صورة المقدور او لم‌يكن فيحكيها علي ما ادي اليه الملئكة فالانسان اذا حفظ خياله عن الظاهر فلم‌يأته مثاله منه و حفظه عن هواه و ميل نفسه فلم‌يلعب به و توجه الي المقادير في اغلب اوقاته يتلقي من الملئكة المقدرات كثيرا و يطلع علي المقدورات كثيرا حتي ان خيال الشخص الكلي يتلقي من الملئكة متي ما اراد و شاء و يوافق جميع تصوراته المقادير فان كان معصوما يكون كلها وحيا من اللّه سبحانه و الهاما و نكتا و قذفا ثم يحصل للمؤمنين ذلك علي حسب درجاتهم في اليقظة و المنام و في المنام اكثر و قد يحصل لغير المؤمن اذا صفي خياله بل يحصل لبعض المرضي اذا غفلوا عن الظاهر و عن تصرفات نفسهم فيخبرون عن امور مقدورة فيقع منها ما لم‌يقع فيه بداء و قد يحصل للكافرين و المنافقين اصحاب الخيالات المنكوسة صورة تلقاها من الشياطين و هو سر التكهن فما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 104 *»

اخذته الشياطين استراقا من الملئكة تقع و ما زادوا عليها و نقصوا من تلقاء انفسهم يتخلف فافهم هذه المسائل الشريفة فاني بينت لك حقائقها و لا قوة الا باللّه.

و قد يكون اصل النفس الناطقة في ذاتها معتدلة صافية و ذلك بمجاهداتها و رياضاتها الشرعية و تكون شديدة التوجه الي النفس  الكلية كثيرة الخلوص فتتصل بالنفس الكلية اتصالا تاما فيأتيها تأييدات و تسديدات و الهامات خاصة و كمالات خاصة ليست من باب تكسباتها و علومها و اعمالها بل من باب اتصالها بخزانة علم اللّه التي هي النفس الكلية ثم ينعكس منها الي خيالها فيقع في خيالها صور علمية موهوبة و الهامات لدنية و هو قوله (و علمناه من لدنا علما) و ذلك حظ الخصيصين و هو ما روي عن الصادق7 ان اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة حتي ورثوا منه حب اللّه فان حب اللّه اذا ورثته القلوب استضاء به و اسرع اليه اللطف فاذا نزل منزلة اللطف صار من اهل الفوايد فاذا صار من اهل الفوايد تكلم بالحكمة و اذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة فاذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة فاذا عمل بها في القدرة عمل بها في الاطباق السبعة فاذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلب في لطف و حكمة و بيان فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته و محبته في خالقه فاذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبري فعاين ربه في قلبه و ورث الحكمة بغير ما ورثته الحكماء و ورث العلم بغير ما ورثته العلماء و ورث الصدق بغير ما ورثه الصديقون ان الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت و ان العلماء ورثوا العلم بالطلب و ان الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع و طول العبادة فمن اخذ بهذه السيرة اما ان يسفل و اما ان يرفع و اكثرهم الذي يسفل و لايرفع اذا لم‌يرع حق اللّه و لم‌يعمل بما امره به فهذه صفة من لم‌يعرف اللّه حق معرفته و لم‌يحبه حق محبته فلاتغرنك صلوتهم و صيامهم و رواياتهم و علومهم فانهم حمر مستنفرة ثم قال يا يونس اذا اردت العلم الصحيح فعندنا اهل البيت فانا ورثناه و اوتينا شرح الحكمة و فصل الخطاب الخبر، فاولئك الخصيصون يأخذون من مبدئهم علوما موهوبة لدنية ليست من مقتضيات التكسبات و المجاهدات و انما هو بتعليم  خاص خصهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 105 *»

اللّه به دون غيرهم و ان كان اصل ذلك الاعتدال بعلومهم و اعمالهم و خلوصهم و بما خلقوا خلقة بائنة من خلقة ساير الحكماء و العلماء و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء بالجملة طال الكلام و بعدنا عن المقام و ان كان هذا و امثاله حقيقة المرام فلنعد الي ما كنا بصدد بيانه.

فاذا وقع في الخيال صورة من اي هذه الجهات نظر فيها الوهم و استنبط منها معناها كما مر و للانسان مشعر آخر يسمي بالفكر و هو اذا ساوي حيوته حيوة فلك عطارد و هذا المشعر متقلب تحت العقل و النفس فقد يستعمله النفس فيركب صورة بصورة و يلاحظ نسبتها و قد يستعمله العقل فيركب المعاني الجزئية و يلاحظ نسبها و قد يستعملانه معا فيركب معني مع صورة و يلاحظ نسبتهما فهو آلة لهما في هذه الخدمة كما يتقلب كوكب عطارد في الصفات مع ساير الكواكب و قد يسمي بالمتخيلة و هذا الفكر ايضا كالوهم يخطي و يصيب اذ شأنه الاجتهاد و هو كثير الخطاء ما لم‌يكن موزونا بالموازين معتدلا خاليا عن اصباغ الاعراض و الاغراض و الامراض و لابد له من التوزين بميزان الدين حتي يأمن الخطاء و لايأمن بالوزن بالموازين المنطقية فان المنطق لايعدل الا صورته ان كان حقا و اما مادة الفكر فلاتعدل بالمنطق و جل الخطاء منها فلايعرف بسببه حقيقة الشي‌ء و انما يعتدل به في ترتيب صورة البرهان و هي مبتنية علي الحقايق و هي لاتعرف الا بالكتاب و السنة و الآفاق و الانفس و لربما يعتدل الفكر بسبب كثرة التوزين و عمل صاحبه بالاعمال الشرعية حتي يتفق ان يوافق الموازين اكثر وارداته و ان لم‌توزن ثم اذا ساوي الروح الحيوانية في اللطافة فلك المشتري انطبع فيها مثال النفس الناطقة و ينصبغ فيها فيكون قوة عالمة للنفس تدرك بها الصور مجردة عن المواد و المدد و يخدمها الخيال فانه اذا حصل فيه الصورة من الخارج بواسطة  الحواس و الحس المشترك و هي لاتكون الا مقرونة بمادة عرضها علي العالمة فاخذت منها الصورة مجردة عن المادة و المدة الزمانية و البرزخية اما التجرد عن الزمانيات فوجودي و اما التجرد عن البرزخيات فوجداني فان العالمة من عالم البرزخ و ليس معلومها في الخارج مجردا عن المادة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 106 *»

و المدة البرزخية نعم انها لاتلتفت اليها فتدركها مجردة عنها و ليس تلك الصورة الحاصلة للعالمة مجردة عن مطلقة المادة و المدة فان لها مادة و مدة ملكوتية نعم انها اشبه شي‌ء بالفعلية المحضة و ابعد شي‌ء عن القوة فان ذلك المقام مقام دهرية تلك المعلومات و مقام ذاتيتها و جميع ما به هي هي حاصلة لها دفعة بالفعل و لا ترقب لها في كونها هي هي فهي اشبه شي‌ء بالفعلية المحضة و لذا لما سئل اميرالمؤمنين7 عن العالم العلوي فقال صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد الخبر، و قال في صفة النفس القدسية هي اشبه شي‌ء بالنفوس الملكية و انما ذلك لاجل ان الدهر دار تذوت و فعلية فالمعلومات النفسانية كلها صور ذاتية متشاكلة متحدة و ذلك ان عرصة الدهر عرصة الذات الخالية عن الاعراض الخارجة عن حقيقتها و النفس دهرية متذوتة مطهرة عن الاعراض الخارجية صادرة عن امر واحد بل هي مخلوقة بنفسها عند مؤثرها القريب و جميع عللها منها فهي متذوتة فعلية بلا ترقب و لا قوة و لا استعداد واحدة متوحدة و معلوماتها النفسية هي صورتها و كمال حاصل لها متحدة معها باتحاد واحدي فهي كلها صور ذاتية متشاكلة متحدة و اما معلوماتها الفعلية ففيها تكثر و تعدد بحسب القابلية فاذا اجتمعت عند النفس اتحدت و كانت صورة واحدة فما تدركه النفس بنفسها هو معلوم وحداني يتفصل في قواها و مشاعرها و ما تدركه بقويها و افعالها فهو متعدد بحسب مراتبه فما اكتسب افعالها من القوابل العديدة من الاصباغ و الاشكال فهي ما يتبعها في الدهر و يلحقها  من نعيم او عذاب اليم فان الافعال بعد ما فارقت المظاهر ترجع الي فاعلها كما يرجع نور الشمس الي الشمس اذا انكسرت المرايا و لتلك الافعال و المثل اكتسابات قد اثرت في طباعها هذا و اصول جميع ما اكتسب حاصلة للنفس فتلك المثل باصباغها تكون محفوظة بما اكتسبته النفس فتحيط بها فهي اما جهنم محيطة بها و ان جهنم لمحيطة بالكافرين و اما نعيم و قصور تحويها و حور تعانقها و اشجار تلف بها و امثال ذلك.

بالجملة المراد بالصورة المجردة الصورة المجردة عن المواد و المدد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 107 *»

الزمانية و البرزخية و تجردها سبب توحدها و تشاكلها و عدم قوة و ترقب لها كما عرفت فالعالمة تدرك الصور المجردة بالنسبة كما ذكرنا ان ما تدركه مجردة عن الزمانيات وجودا و عن البرزخيات وجدانا لانها من عالم البرزخ فهي آية النفس في القوي و خليفتها و مظهرها و عينها و يدها و جنبها تدرك النفس الصور التي عرض عليها الخيال مجردة فتتحد تلك الصور في العالمة في الجملة و ليست الصور التي فيها علي حد الصور التي في الخيال جزئية ممتازة بعضها عن بعض فان هذه الجزئية فرع المادة و المدة و القوة و الاستعداد و المظاهر و القوابل و المكملات و القوالب و غيرها و اما في العالمة فتجتمع جميع الصور الخيالية فتكون صورة واحدة فالملكوتية و الدهرية علي العالمة غالبة و هي آية الدهر في البرزخ و اذا تلطفت الروح الحيوانية حتي صارت بمثابة فلك زحل ظهر عليها مثال النفس بالعاقلة فيحدث فيها لها قوة عاقلة تدرك بها المعقولات الجبروتية الاضافية و هي ما ينتزعه العاقلة مما يعرض عليها الواهمة من المعقولات الجزئية فتجتمع فيها معني كليا واحديا علي حذو ما بينا في النفس هنا و العاقلة خليفة العقل و مثاله و فعله و آيته و عينه المفتوحة في عالم البرزخ و توحد مدركه ايضا اضافي و اذا اعتدلت الحيوانية حتي صارت باعتدال فلك الشمس صارت خليفة الفؤاد و مدركة  الحقايق الظاهرة فتنتزع الحقيقة من جميع ما تؤدي اليها ساير القوي لاسيما العاقلة فتدركها مجردة عن الصورية و المعنوية و الجزئية و الكلية علي حسب اقتضاء عالم البرزخ و تبلغ مقام القطبية و تكون من اهل الفؤاد الظاهر فهذه مختصر من احوال قوي الناطقة الظاهرة في عرش استوائها في المقامات الحيوانية و الحيوانية ليست تبلغ هذه المبالغ في كل احد و في كل حيوان بل في الحيوانية في الانسان و لا في كل انسان بل في الانسان الكامل البالغ مبلغ النقباء كما ان ساير الافلاك اي ما سوي الشمس لايحصل الا في النجباء و لكل منا مقام معلوم.

بقي شي‌ء و هو انه كما يحصل في الحواس الظاهرة صورة و تؤديها الي الحس المشترك و يؤديها الي الخيال صورة جزئية و يؤديها الي الواهمة معني جزئيا فيؤدي الخيال الي العالمة صورة مجردة و الواهمة الي العاقلة معني مجردا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 108 *»

و يؤدي الكل الي النفس صورة واحدة دهرية قد ينعكس الامر من النفس عند اعتدال القوي و ارادة النفس فيقع منها مثال الي العاقلة و منها الي العالمة و منها الي الواهمة و منها الي الخيال ثم ينطبع منه الي الحس المشترك ثم ينطبع منه في البدن فيصور الاعضاء و الاخلاط بصورة منعكسة فيها فيظهر منها آثارها و منه الكلام الذي يتكلم به الانسان و منه ما يصيب البدن من غضب النفس و شهوتها و اذا كانت النفس قوية لطيفة فيها هيمنةما و مفارقة تامة عن البدن بتجردها الكامل و ذلك في النفوس الكاملة المفارقة فقد تؤثر و تنعكس منها في غير بدنها من المواليد و البسايط و اذا كانت كلية تقدر علي القاء مثال ارادتها و عكسها في جميع الآفاق و الانفس فتتحرك الكل بارادته و يحدث فيها حوادث بمحض عزمه كما ينعكس من نفسك الشهوة الي مشاعرك الباطنة فينطبع فيها صورة نكاح فينعكس منها علي الدم و الاعصاب و العضلات و الآلات فيحدث في عضو البدن انتشار  و يندفق منه المني بشهوة او ينعكس الغضب في مشاعرك فينطبع فيها صور مبغوضة و ينعكس منها علي الدم فيتهيج و الي الاعضاء فترتعش و الفم فينفتح و الصوت فيرتفع فكما ان النفس الجزئية المرتبطة بهذا البدن ينعكس منها اراداتها الي بدنها فتؤثر في اعضائه و اخلاطه كذلك النفس الكلية المنقطعة عن كل ما سوي مبدئها المفارقة عن جميع القيود مرتبطة بهذا العالم فاذا ارادت شيئا انطبع منها ارادتها في النجوم ثم منها الي العناصر و المواليد فظهر ما تريد كما تريد و اذا لم‌تكن نفس كلية و لكن تجردت عن الخصوصية و الركون الي البدن الخاص و فارقت الخصوصيات و الاضداد فقد شاركت السبع الشداد في عدم الخصوصية بحسبها فحينئذ جري ارادتها علي الافلاك و النجوم و العناصر و المواليد علي حسب قويها و هذا هو باب استجابة الدعاء و جريان ارادات المؤمن علي حذو قول ذلك الكامل انا نترك ما نريد لما يريد فاذا اردنا يوما شيئا يريد و لكن هذا ليس علي حذو ارادات النفس الكلية و لكن بقدر قوة ايمان كل مؤمن فلايصير المؤمن مستجاب الدعوة الا بانقطاعه عما سواه سبحانه حتي عن نفسه و عن دعائه و حاجته فاذا حصل له هذه الحالة وقع مراده علي الفور ان لم‌يعقبه بعده بما يؤخره فقد حكي لي ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 109 *»

قوما سألوا شيخنا الاوحد ان يستسقي فذكر حاجتهم و هو في بعض السكك فدعا فتغير الهواء في الفور و استعد للمطر فقال في نفسه من اين لك هذا المقام حتي يستجيب دعاؤك علي الفور فتأخر المطر الي الغد و كان سبب التأخر التفاته الي نفسه و لو علي نحو التذلل فاعتبر من ذلك فلو لم‌يلتفت الانسان الي غير اللّه و لو علي جهة المحو و النفي لاستجاب له الدعاء من فوره كما يحصل للانبياء و لكن ذلك مقام عظيم و امر جسيم رزقنا اللّه و ساير المؤمنين ذلك بحق محمد و آله الطاهرين  صلوات اللّه عليهم اجمعين.

و اعلم ان القوي التي ذكرها مولانا اميرالمؤمنين7 و هي الذكر و الفكر و العلم و الحلم و النباهة و الخاصيتين النزاهة و الحكمة فانما هي للنفس الناطقة القدسية و هي النفس الانسانية التي هي بنت العقل و هي التي مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية و هي قوة لاهوتية و اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و هي غير النفس الامارة و ذلك ان الناطقة القدسية هي غيب الكرسي و تنزل العقل مادتها صورة العقل و صورتها حدود تلك المادة و هي لاتكون الا عابدة للرحمن مكتسبة للجنان و علي الهيئة الانسانية ابدا و لاتتلبس بالصورة الحيوانية ابدا و اما النفس الامارة فهي من الاراضي ارض الشقاوة و الالحاد و الغضب و الشهوة و الطبيعة و العادة و الموت و هي من حيث طبعها علي هيئة الشياطين اللّهم الا ان تسلم و تطمئن تحت طاعة العقل و الناطقة القدسية فتتصور بالصورة الانسانية تبعا لهما فقويها من حيث نفسها ما ذكرنا من الشقاوة و الالحاد و الغضب و الشهوة و الطبع و العادة و الموت الذي هو عدم التأثر و التنبه اموات غير احياء و مايشعرون ايان يبعثون و اما الناطقة القدسية الانسانية فقويها ما ذكره مولانا اميرالمؤمنين7 و هي الذكر و الفكر و العلم و الحلم و النباهة فالذكر مثالها الملقي في مرآة الخيال و الوهم فالخيال ذكر صورة و الوهم ذكر معني و هما ان كانا تابعين للانسانية يكون الخيال صورا حقة عليينية و الوهم معان حقة عليينية فانهما منصوبان متوجهان الي عليين فلاينطبع فيهما الا صور و معان حقة و ان كانا منكوسين لاينطبع فيهما الا من سجين صور و معان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 110 *»

شيطانية باطلة و الفكر مثالها الملقي في مرآة فلك الفكر اذا كان منصوبا فلايكون فيه الا تركيب صور و معان لاستخراج الاعتبارات  الحقة و النتايج العليينية و العلم مثالها الملقي في مرآة فلك العالمة المنصوبة فلايقع فيها الا علوم حقيقية دينية مطابقة للكتاب و السنة و الآفاق و الانفس و اما الحلم فهو مثالها الملقي في فلك العاقلة فان الحلم من الحلم و هو ضد السفاهة و خفة العقل و هو من شأن العقل و النباهة و هي الحقيقة الجامعة بين تلك الاربع و هي مثالها الملقي في فلك الشمس المدرك للحقايق فهذه القوي هي قوي النفس الناطقة القدسية الانسانية و ان استعمل هذه الافلاك النفس الامارة و كانت منكوسة و متوجهة الي سجين يكون ذكرها و فكرها و علمها و سفاهتها و تنبهها للاباطيل و الامور الباطلة السجينية علي حسب الاراضي المذكورة و تكون لها ابواب جهنم و سيأتي تفصيل القوي في ضمن الابواب ان شاء اللّه و للنفس القدسية الانسانية خاصيتان النزاهة عن الخصال الشيطانية و الحيوانية و النباتية و الجمادية و الحكمة العلمية و العملية لانها جزء العقل و من طينته موادها من تأييداته و شأنها معرفة حقايق الاشياء و الاحاطة بها من جميع جهاتها فينعكس منه فيها تلك المعارف و الحكم العلمية و العملية و ليس هذه الخاصية في النفس الامارة و الحيوانية و النباتية فهذه ما وسعنا بيانه من معرفة النفس و احوالها و ما يليق بهذا الكتاب و لو استقصينا في بيانها لخرجنا عن وضع الكتاب بالكلية فنقتصر بما ذكرنا فلنشرع في بيان الابواب السبعة لتفصيل قوي النفس و خاصيتيها بتوفيق اللّه سبحانه و نذكر في كل باب فصولا ينشرح فيها بيان ما نعنون الباب به و لا حول و لا قوة الا باللّه.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 111 *»

الباب الاول

في الذكــر و فيه مقاصـد

المقصد الاول

في بيان معني الذكر و محله و اقسامه و فيه فصول

فصل: اعلم ان مولانا اميرالمؤمنين7 جعل الذكر من قوي النفس الناطقة والمراد به استحضار ما غاب عن الحواس الظاهرة فهو من خواص النفس الناطقة الانسانية المهيمنة علي جميع الزمان الدهرية الملكوتية و ذلك ان النفس الحيوانية لانهماكها في الطبايع و كونها منكبة علي وجهها متوجهة الي المنتهي معرضة عن المبدء انصبغت مشاعرها باصباغ الطبايع الزمانية مع انها بنفسها ايضا برزخية مثالية فاختص ادراكاتها بالزمانيات لاتدرك الا ما حاذي مشاعرها الزمانية فلاتدرك شيئا مما مضي و شيئا مما سيأتي الا ما هي فيه من الحال فلاجل ذلك خص مولانا اميرالمؤمنين7 قويها بالقوي الخمس الظاهرة و لم‌يجعل لها شيئا من القوي الباطنة الملكوتية فالقوي الخمس تدرك ما قابلها من المدركات المساوقة معها في الزمان و اما الامثلة التي محيت عن الزمان فليست تدركها بوجه و اما الحس البرزخي فهو من حيث اسفله يأخذ من القوي الظاهرة المدركة للحال المساوقة و من حيث الاعلي يدرك ما كان في لوح الارتسام الدهري كالخيال.

و اما الذكر فهو من المشاعر الباطنة فان تعلق بالصور فهو الخيال و ان تعلق بالمعاني فهو الوهم و صفة الذكر للمذكور ان الصور الزمانية هي الفعليات الخارجة من قوي الاجسام كما حققناه في محله و انما تخرج بمكملات و علل استولت عليها فاذا استولت علل اخري تضادها و ذهبت العلل الاولي فنيت تلك الصور التي كانت خارجة اولا  لانها لا بقاء لها من غير علة و ليست بقائمة بنفسها و ليست بواجبة الوجود و قيامها بالاجسام قيام تحقق لا قيام صدور فاذا ذهب المؤثر و لم‌يكن في الآن الثاني لم‌يكن اثر في الآن الثاني و قد كان في الآن الاول لوجود

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 112 *»

السبب في الآن الاول فالاثر يمحي عن لوح الاجسام يعني ليس في الآن الثاني و هو باق في محل ارتسامه الدهري قد رسمه يد القدر باللم علي لوح مكانه و وقته  فلايمحي ابدا و ذلك اللوح ليس من الزمان لان الزمان ايضا من مرسومات ذلك اللوح و ليس ذلك اللوح من البرزخ فانه غير مرتبط بالحال بل هو لوح دهري و قد رسم في ذلك اللوح جميع ما كان و ما يكون الي يوم القيمة و هو لوح العلم المفعولي الكوني العيني للّه سبحانه و كذلك قد رسم في ذلك اللوح جميع المثل البرزخية فهذه المرسومات من‌ حيث الاسفل تفاصيل النفس الملكوتية و تجلياتها و ظهوراتها و افعالها و من حيث الاعلي هي النفس الملكوتية يعني ان الاحدية الاضافية السارية فيها هي النفس و تلك الصور المرسومة التي هي كالاعداد هي تجلياتها و افعالها و هي قائمة بالنفس قيام صدور باقية بابقائها و ان النفس تدركها في نفسها علي نحو الوحدة الاجمالية و تدركها بها في محالها علي نحو التفصيل و هي علمها و معلوماتها و هذا الادراك هو الادراك الاحاطي الشهودي و جميعها عند النفس علي شرع سواء و تدرك ايضا اياها بنحو آخر يعني تدرك بعضها ببعض بمعني انها تدرك مثال زيد بعينه و باعين الامثلة الشاهدة له ألاتري انك لو جالست جماعة ادركتهم و ادركوك و ادرك بعضهم بعضا فاذا القيتم الامثلة في امكنتها يكون مثالك ابدا مدرك امثلتهم و امثلتهم مدركة لك و مثال بعضهم مدرك بعض ابدا فالنفس تدرك الجماعة في نفسها بالوحدة و تدرك الجماعة من الاعلي بالتفصيل و الاحاطة و الاولوية و يدرك بعض الجماعة ببعض بعين ادراك بعضهم بعضا و كذلك اللّه رب العالمين يعلم كل شي‌ء به و بمن علمه و شاهده فافهم.

فالخيال و الفكر و الوهم و العلم و التعقل كلها افعال النفس الا انها من حيث الصدور منها واحد و انما تتعين بهذه المذكورات في تلك الصور فحضور الصور عندها خيال و حضور المعاني الجزئية عندها وهم و حضور نسبها عندها فكر و هذه الصور  و المعاني التي ذكرنا هي اسفلها و حضور اعلي الصور علم و حضور اعلي المعاني تعقل كما ان الفعل الصادر من الحيوانية واحد و في العين بصر و في الاذن سمع و في الانف شم و هكذا فالخيال نفس الصور الجزئية البرزخية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 113 *»

الوهم نفس المعاني الجزئية البرزخية و هكذا ساير المشاعر الباطنة بل و كذلك المشاعر الظاهرة فالبصر عين المبصر و السمع عين المسموع و الشم عين المشموم و هكذا ألاتري ان امامك مرئي و لك عين و من ورائها روحك و فائدة العين انها روشن للروح يصل منه المرئي الي الروح فيدركه به متي انصبغ الروح بصبغ المرئي و ذلك الصبغ هو مخصص الروح و جاعله بصرا فهو بصير بذلك الصبغ و في ذلك الصبغ فلو وصل الصبغ من غير ذلك الروشن ادركه و كذلك حكم ساير الرواشن و المشاعر غاية الامر ان ساير اعضائك تمنع وصول الصبغ الي الروح و العين لاتمنع فهي باب لوصول الصبغ الي الروح فافهم ما ذكرت فانه مشكل.

و كذلك الحواس الباطنة فان فعل النفس في بطن الصور الجزئية ينصبغ بها فيكون خيالا فان توجه النفس الي الصور ادركتها و قيل تخيلت و الا لم‌تتخيل كما انها اذا توجهت الي المرئي رأته و الا فلا و اما الروح البخارية في تجاويف الدماغ فليس بخيال و لا وهم و لا غير ذلك و ليست هي رواشن وصول المثل الي النفس و انما هي مجالي افلاك البرزخ و كراسي استوائها كما ان الروح البخاري في القلب ليس بنفس حيوانية و انما هو كرسي استوائها و مركبها و اما الحيوانية المتعلقة بذلك البخار في تلك التجاويف فهي افلاك الحس المشترك و هي رواشن لوصول الصور المثالية الي النفس كالحواس الظاهرة في الاجسام فيها تصل صور حال المثال الي النفس كما ان بالحواس الظاهرة تصل صور حال الزمان الي النفس و اما ما في لوح  الارتسام فلاتدرك بحواس البرزخ و انما تدرك هي بافعال النفس الدهرية التي هي نفوس افلاك البرزخ ففي فلك عطارد البرزخ فعل النفس المسمي بالفكر و في فلك زهرة البرزخ فعل النفس المسمي بالخيال و هكذا و تلك الافعال نفوس تلك الافلاك كما ان النفس نفس كرسي البرزخ و العقل نفس عرش البرزخ بالنفس فدرك النفس ما في لوح الارتسام بنفس افعالها المجردة فان توجهت الي المرسومات كانت ادراكات و الا فلا يعني اذا توجهت الي الصور كان خيال و الا فلا خيال و ان توجهت الي المعاني كان وهم و الا فلا وهم كما انها اذا لم‌تبصر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 114 *»

فلا بصر بالفعل و اذا لم‌تسمع فلا سمع بالفعل و انما لها قوة ادراك المبصرات و المسموعات و كذا البواقي كساير الافعال طرا.

فالذكر حقيقة استحضار النفس الناطقة لتلك المرسومات طرا و لكن كان مولانا اميرالمؤمنين7 خصه بالخيال و الوهم حيث جعله في عرض الفكر و العلم و الحلم فذكر الصور الجزئية من حيث الاسفل و التعلق بالماديات و الانتزاع منها خيال و ذكر المعاني الجزئية من حيث استنباطها من الصور المادية وهم و اما الفكر هو النسبة بين الصورتين او المعنيين او الصورة و المعني و مما بينا قد ظهر معني لوح الارتسام الذي خفي علي الكثيرين و منه قد تبين معني ان صور جميع الاعمال و الامكنة و الازمنة تحضر يوم القيمة و تكون مشهودا للجمع و اعلم ان تلك المثل قائمة بالمواد الدهرية الظاهرة في جميعها المتلبسة بكلها في آن واحد دهري و ذلك ان المواد الدهرية لسعتها و توحدها و نفوذها و قدسها عن التعينات تسع الصور العديدة في آن واحد كما ان جميع جزئيات هذا العالم من العرش الي الفرش من اول الزمان الي آخره كلها جسم و الجسم المطلق مهيمن علي الكل ظاهر بالكل في الكل في اوقاتها و امكنتها و لايأبي عن  الظهور في الصور المختلفة وضعا و مكانا و زمانا.

بقي شي‌ء و هو ان نفس زيد الجزئية هي جهة وحدة صورة خاصة و لها من العلوم و الكمالات بحسب ما اكتسبته و به تمتاز في ذاتها عن ساير النفوس و افعالها ايضا علي حسب مقدار تلك الصور و ما انطبع فيها و قارنها و النفس الكلية هي جهة وحدة الكل الظاهرة بالكل و افعالها هي ما تعلقت بالكل فهي العالمة بكل صورة و اما النفوس الجزئية فليست عالمة الا بصورها و ما قابلته و انطبع فيها في الدنيا و البرزخ من ساير الموجودات و ما حصل له في الدنيا في حواسه الباطنة من حق او باطل فافهم و اعلم ان تلك المرسومات فمنها ما يوافق هيــٔات المشية المحبوبة صلوات اللّه عليها فهو عليون و من الجنة و الي الجنة و منها ما يخالفها فهو سجين و من النار و الي النار فهي من حيث الاسفل علي ما تري في هذه الدنيا من التخطيطات لانها تحضر الموقف علي ما هي عليه و اما من حيث الاعلي مما يلي النفس و من حيث التجرد عن المواد يخالف تخطيطاتها و حدودها تخطيطات هذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 115 *»

العالم و حدوده كما تري ان اللبن في الرؤيا صفة العلم و الخس مثلا صفة علم الفقه و التمر صفة علم المحبة و الحكمة و الصفرة صفة المرض و امثال ذلك فالصور من حيث الاعلي علي صفة نعيم الجنة او مولمات النار نعوذ باللّه لان الاعمال صور الثواب و العقاب كما روي و اما صورة زيد علي صفة نفسه علي ما اشرنا اليه و قد جاءت هذه الاشارات استطرادا.

فصل: اعلم ان الذكر ذكران فانه قد يقال الذكر و يراد به فعل العبد فهو استحضاره للشي‌ء و قد يقال و يراد منه نفس ما حضر لدي الذاكر و هو شبح منفصل عن المذكور واقع في مرآة الذاكر فهو المذكور الظاهر للذاكر و القائم مقامه لديه و خليفته عنده و وجهه و تمثله لديه فالتمسك بالذكر  تمسك بالمذكور و الاعتصام به اعتصام به و الاتصال به اتصال به و الاعراض عنه اعراض عن المذكور و العشوة عنه عشوة عنه و نسيانه نسيانه و الانقطاع عنه انقطاع عنه و سيأتي تفصيل القول في المقصد الثالث ان شاء اللّه.

و الذكر ذكران ذكر ذاتي و هو نفس الذاكر اذا كان اثر فعل المذكور و صفته و مثاله و ذكر وصفي و هو مثال تجليات المذكور الظاهر في صقع الذاكر الواقع في مرآة الذاكر فللذكر الوصفي مراتب منها ما يقع في عقل الذاكر من تجليات المذكور العقلانية و منها ما يقع في علمه من تجلياته العلمية و منها ما يقع في وهمه من تجلياته الوهمية و منها ما يقع في فكره من تجلياته الفكرية و منها ما يقع في خياله من تجلياته الخيالية و منها ما يقع في حسه المشترك من تجلياته البرزخية و منها ما يقع في اعضائه الظاهرة من الاعمال من تجلياته الجسمانية الظاهرية و الباطنية و منها ما يقع في لسانه من الاقوال من تجلياته الظاهرة و الباطنة و جميع ذلك اشباح منفصلة من المذكور واقعة في مرآة الذاكر و جميعها ذكر للمذكور عند الذاكر قائمة مقامه و خليفة له عنده يكون التمسك بها تمسكا به و التخلي عنها تخليا عن المذكور و لابد للذاكر بحقيقة الذكر ان يكون ذاكرا للمذكور بجميع مراتب الذكر مدمنا لها ذا ملكة لها فاذا فعل ذلك يبلغ مبلغا يكون بنفسه ذكرا للمذكور قال اللّه سبحانه (ارسلنا اليكم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 116 *»

ذكرا رسولا) فيكون خليفة للمذكور بين الذاكرين فيكون ذكر غيره للمذكور من تجليات هذا الذكر و يأتي ان‌شاء اللّه تفصيله و لابد لنا ان نفصل اقسام الذكر في هذا الكتاب مفصلا ليكون تذكرة لمن تذكر و عبرة لمن اعتبر.

فاقول اما الذكر الذاتي و العقلي و العلمي النفسي و الوهمي فيأتي في مواضعه في خلال ساير الابواب ان‌شاء اللّه و الذي نذكره هنا هو الذكر البدني  الذي هو الاعمال الصالحة و العبادات البدنية و ما يتعلق بها و الذكر اللساني باقسامه من تمجيد اللّه و تسبيحه و الثناء عليه و قراءة القرآن و ما يتعلق بها و الدعاء بانواعه و اقسامه و ما يتعلق به و الذكر النفسي و الخيالي و الحسي و ما يتعلق به من التوجه و المراقبة و النية و الاخلاص و ذكر النعمة و الشكر عليها و ذكر آل‌محمد: و العهد و الميثاق و نذكر اضداد الذكر تكميلا للبيان و زجرا للنفس من سهو القلب و الغفلة و النسيان فنبين كلما يسنح لنا بتوفيق اللّه جل جلاله في محل خاص و نذكر في كل محل ما يتيسر لنا من الآيات و الاخبار و البيان و لا حول و لا قوة الا باللّه.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 117 *»

المقصد الثاني

في العبادة و فيه فصول

فصل: اعلم ان العبادة هي العمل بمقتضي العبودية و العبودية هي الانقياد لاوامر السيد و نواهيه و العبد هو المنقاد لامر السيد و نهيه و الذي لاينقاد لامر احد و نهيه فهو حر عامل بهواه و العبد هو المخالف لهواه المطيع لامر مولاه  و مؤثره علي من سواه و حقيقة ذلك ان للانسان جهتين جهة الي ربه و هي حيث اثريته لمشية اللّه سبحانه و جهة الي نفسه و هي حيث هويته و انيته و الاثر هو المشاكل لصفة المؤثر لانه نوره الصادر منه و شبحه المنفصل عن شبحه المتصل فالذي في المرآة ان كان علي شكلك و لونك فهو شبحك و نورك و ان لم‌يكن علي صفتك فليس بنورك و شبحك فالعبد هو الاثر المطابق لصفة المؤثر فانه المنقاد المطيع له من كل جهة فمن كان علي صفة مشية اللّه سبحانه المطابقة لصفته و تجليه يكون عبدا للّه سبحانه منقادا لامره و نهيه متخلقا بخلقه متصفا بصفته عاملا بمراضيه مجتنبا عن مساخطه و من لم‌يكن كذلك فهو مدع للحرية عامل بهواه  مخالف لامر مولاه ساقط عن الاتصال باللّه و ان كان من حيث الكون عبدا للّه جل جلاله كما قال اللّه تعالي (ان كل من في السموات و الارض الا آتي الرحمن عبدا) و لكن الفخر و الذخر في العبودية الشرعية و من البين ان كل خير و نور و كمال و دوام و ثبات و استيلاء و سلطنة و ملك للّه سبحانه و ان كل شر و ظلمة و نقص و فناء و زوال و مقهورية و عجز و فقدان فيما يخالف اصل ما ذكر و مبدءه فالعبد المتصف بصفات اللّه سبحانه المتبع لمشيته المتخلق باخلاقه يكون اهل كل تلك الخيرات و العاصي المتمرد المخالف لامر مولاه المتبع لهواه يكون اهل كل تلك الشرور فالعبودية الشرعية مقام عظيم و كمال جسيم قد وصف اللّه بها انبياءه العظام و رسله الفخام صلوات اللّه عليهم اجمعين حيث قال (تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا) و قال (سبحان الذي اسري بعبده ليلا) 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 118 *»

و قال (ان كنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا) و قال في شأن نوح و ابرهيم و الياس علي نبينا و آله و عليهم السلام (انه من عبادنا المؤمنين) و قال في موسي و هرون علي نبينا و آله و عليهما السلام (انهما من عبادنا المؤمنين) و قال (و اذكر عبدنا داود ذا الايد انه اواب) وقال (و وهبنا لداود سليمان نعم العبد انه اواب) و قال (و اذكر عبدنا ايوب) الي ان قال (نعم العبد انه اواب) و قال (و اذكر عبادنا ابرهيم و اسحق و يعقوب اولي الايدي و الابصار) و استثني العباد من اغواء ابليس حيث حكي عنه (فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين) و خصهم بالمغفرة و الرحمة كما قال (قل يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) فاول العابدين هو المنقاد لمشية اللّه سبحانه بحقيقة الانقياد و هو محمد9 المعصوم الكلي عن مخالفة اللّه سبحانه  و الموصوف الكلي بصفات اللّه كما وصفه به في كتابه(قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين) و كل عبد للّه سبحانه دونه في الانقياد و الطاعة و عبوديته ظل عبوديته9 فانه العامل بالاثرية الكلية لمشيته سبحانه الكلية المتصف بجميع صفات اللّه المتخلق بجميع اخلاق اللّه العامل بجميع شئون محاب اللّه المجتنب لجميع جهات مساخط اللّه و كل عبد للّه جل و عز فقد ظهر فيه العبودية بقدر حكاية مرآة قابليته شبح عبوديته9 و هو التجلي الذي صار شبحه ذكرا للّه جل جلاله من حيث العبادة للذاكرين العابدين و لما كانت العبادة هي العمل بمقتضي العبودية اي الاثرية فهي الاتصاف بصفات اللّه صارت العبادة هي ذكر اللّه الظاهر علي بدن العبد بمقتضي البدن و الجسم فهذه العبادة هي من حيث الحكاية عبادة و ذكر للّه سبحانه و من حيث المحكي هي ربوبية و مذكور كما تري ان شبحك في المرآة من حيث انه شبح عبدك و اثرك و من حيث مطابقته لوجهك موصوف بصفتك مسمي باسمك تعطيه اسمك و حدك و لاجل ذلك قال الصادق7 كما رواه في مصباح

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 119 *»

‌الشريعة العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد من العبودية وجد في الربوبية و ما خفي عن الربوبية اصيب في العبودية قال اللّه عز و جل (سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق أولم‌يكف بربك انه علي كل شي‌ء شهيد) اي موجود في غيبتك و حضرتك و تفسير العبودية بذل الكلية و سبب ذلك منع النفس عما تهوي و حملها علي ما تكره و مفتاح ذلك ترك الراحة و حب العزلة و طريقه الافتقار الي اللّه قال رسول اللّهاعبد اللّه كأنك تراه فان لم‌تك تراه فانه يراك و حروف العبودية ثلثة ع و ب و د فالعين علمه باللّه و الباء بونه عما سواه و الدال دنوه من اللّه بلا كيف و لا حجاب  و عنه7 في تفسير قوله (و ان كنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا) قال العين علمه باللّه و الباء بونه من الخلق و الدال دنوه من الخالق بلا اشارة و لا كيف انتهي، فكلما يكثر العبادة و تشتد يكثر علم العبد باللّه و بونه من الخلق و دنوه من اللّه سبحانه حتي يصير مستغرقا في الاتصاف بصفات سيده و التخلق باخلاقه فاذا بلغ في ذلك المنتهي قام مقام سيده في الاداء يقول ما يقوله و يفعل ما يفعله و يحكم ما يحكمه و يصير منظره منظره و مخبره مخبره و جميع معاملاته معاملاته فحينئذ يفني من نفسه و يبقي بربه و يتلاشي عبوديته و يظهر ربوبيته و يخفي نفسه و يظهر ربه و يسكت عن نفسه و ينطق عن ربه و يسكن عن نفسه و يتحرك عن ربه قال اللّه سبحانه (و مارميت اذ رميت و لكن اللّه رمي)(ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه)(من يطع الرسول فقد اطاع اللّه) و في الزيارة من احبكم فقد احب اللّه و من ابغضكم فقد ابغض اللّه و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم فلمثل هذا فليعمل العاملون و لنيل هذا المقام بقدر القوة فليجتهد المجتهدون فقد روي في الحث علي العبادة و نيل هذا المقام اخبار منها ما رواه في الكافي بسنده عن محمد بن مسلم عن ابي‌جعفر7 قال لاتذهب بكم المذاهب فواللّه ما شيعتنا الا من اطاع اللّه عز و جل و ذلك ان الشيعة من شعاعهم و الشعاع تابع للمنير فالشيعة من يشايعهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 120 *»

في اعمالهم و احوالهم و اقوالهم و يعمل بمقتضي حيث اثريته المطابق لصفتهم قال اللّه تعالي تعليما لنبيه9 (قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه) و في الكافي بسنده عن ابي‌حمزة الثمالي عن ابي‌جعفر7 قال خطب رسول اللّه9 في حجة الوداع فقال يا ايها الناس واللّه ما من  شي‌ء يقربكم من الجنة و يباعدكم من النار الا و قد امرتكم به و ما من شي‌ء يقربكم من النار و يباعدكم من الجنة الا و قد نهيتكم عنه الا و ان الروح الامين نفث في روعي انه لن‌تموت نفس حتي تستكمل رزقها فاتقوا اللّه و اجملوا في الطلب و لايحمل احدكم استبطاء شي‌ء من الرزق ان يطلبه بغير حله فانه لايدرك ما عند اللّه الا بطاعته و بسنده عن جابر عن ابي‌جعفر7 قال قال لي يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع ان يقول بحبنا اهل البيت فواللّه ما شيعتنا الا من اتقي اللّه و اطاعه و ماكانوا يعرفون يا جابر الا بالتواضع و التخشع و الامانة و كثرة ذكر اللّه و الصوم و الصلوة و البر بالوالدين و التعهد للجيران من الفقراء و اهل المسكنة و الغارمين و الايتام و صدق الحديث و تلاوة القرآن و كف الالسن عن الناس الا من خير و كانوا امناء عشايرهم في الاشياء قال جابر فقلت يا ابن رسول اللّه مانعرف اليوم احدا بهذه الصفة فقال يا جابر لاتذهبن بك المذاهب حسب الرجل ان يقول احب عليا و اتولاه ثم لايكون مع ذلك فعالا فلو قال اني احب رسول اللّه9 فرسول اللّه خير من علي7 ثم لايتبع سيرته و لايعمل بسنته مانفعه حبه اياه شيئا فاتقوا اللّه و اعملوا لما عند اللّه ليس بين اللّه و بين احد قرابة احب العباد الي اللّه عز و جل اتقاهم و اعملهم بطاعته يا جابر واللّه مايتقرب الي اللّه تبارك و تعالي الا بالطاعة و ما معنا براءة من النار و لا علي اللّه لاحد من حجة من كان للّه مطيعا فهو لنا ولي و من كان للّه عاصيا فهو لنا عدو و ماتنال ولايتنا الا بالعمل و الورع و بسنده عن هشام بن الحكم عن ابي‌عبداللّه7 قال اذا كان يوم القيمة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم من انتم فيقولون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 121 *»

نحن اهل الصبر فيقال لهم علي ما صبرتم فيقولون كنا نصبر علي طاعة اللّه و نصبر عن معاصي اللّه فيقول اللّه عز و جل صدقوا ادخلوهم الجنة و هو قول اللّه عزو جل (انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب) و بسنده عن عمرو بن خالد عن ابي‌جعفر7 قال يا معشر الشيعة شيعة آل‌محمد كونوا النمرقة الوسطي يرجع اليكم الغالي و يلحق بكم التالي فقال له رجل من الانصار يقال له سعد جعلت فداك ما الغالي قال قوم يقولون فينا ما لانقوله في انفسنا فليس اولئك منا و لسنا منهم قال فما التالي قال المرتاد يريد الخير يبلغه الخير يوجر عليه ثم اقبل علينا فقال واللّه ما معنا براءة و لا بيننا و بين اللّه قرابة و لا لنا علي اللّه حجة و لانتقرب الي اللّه الا بالطاعة فمن كان منكم مطيعا للّه تنفعه ولايتنا و من كان منكم عاصيا للّه لم‌تنفعه ولايتنا ويحكم لاتغتروا ويحكم لاتغتروا  و عن مفضل بن عمر قال كنت عند ابي‌عبداللّه7 فذكرنا الاعمال فقلت انا ما اضعف عملي فقال مه استغفر اللّه ثم قال لي ان قليل العمل مع التقوي خير من كثير بلا تقوي قلت كيف يكون كثير بلا تقوي قال نعم مثل الرجل يطعم طعامه و يرفق جيرانه و يوطي رحله فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه فهذا العمل بلا تقوي و يكون الآخر ليس عنده فاذا ارتفع له الباب من الحرام لم‌يدخل فيه و عن يعقوب بن شعيب قال سمعت اباعبداللّه7 يقول مانقل اللّه عز و جل عبدا من ذل المعاصي الي عز التقوي الا اغناه من غير مال و اعزه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر و عن عمر بن يزيد عن ابي‌عبداللّه7 قال في التورية مكتوب يا ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ  قلبك غني و لااكلك الي طلبك و عليّ ان اسد فاقتك و املأ قلبك خوفا مني و ان لاتفرغ لعبادتي املأ قلبك شغلا بالدنيا ثم لااسد فاقتك و اكلك الي طلبك و عن ابي‌جميلة قال قال ابوعبداللّه7 قال اللّه  تبارك و تعالي يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فانكم تتنعمون بها في الآخرة و عن عمرو بن جميع عن ابي‌عبداللّه7 قال قال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 122 *»

رسول اللّه9 افضل الناس من عشق العبادة فعانقها و احبها بقلبه و باشرها بجسده و تفرغ لها فهو لايبالي علي ما اصبح من الدنيا علي عسر ام علي يسر  و عن عيسي بن عبداللّه انه قال لابي‌عبداللّه7 جعلت فداك ما العبادة قال حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع اللّه منها اما انك يا عيسي لاتكون مؤمنا حتي تعرف الناسخ من المنسوخ قال قلت جعلت فداك و ما معرفة الناسخ من المنسوخ قال فقال أليس تكون مع الامام موطنا نفسك علي حسن النية في طاعته فيمضي ذلك الامام و يأتي امام آخر فتوطن نفسك علي حسن النية في طاعته قال قلت نعم قال هذا معرفة الناسخ من المنسوخ انتهي، اقول هذا اشارة الي باطن قوله تعالي (ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او مثلها) و عن هرون بن خارجة عن ابي‌عبداللّه7 قال العبادة ثلثة قوم عبدوا اللّه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالي طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء و قوم عبدوا اللّه عز و جل حباً له فتلك عبادة الاحرار و هي افضل العبادة  و عن ابي‌حمزة عن علي بن الحسين8 قال من عمل بما افترض اللّه عليه فهو من اعبد الناس و عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال قال رسول اللّه9 اعمل بفرايض اللّه تكن اتقي الناس و عن محمد الحلبي عن ابي‌عبداللّه7 قال قال اللّه تبارك و تعالي ما تحبب الي عبدي باحب مما افترضت عليه.

فصل: اعلم ان العبادة بنفسها حسنة و لكن احسن العبادة ما دووم عليه حتي يطمئن بها النفس و لاتأتي بها بعسر و تصير لها خلقا و ملكة و ذاتية  فان العمل قبل ان‌يصير ملكة عرضي غيرمستقر في النفس و غيراخروي فلاجل ذلك رويالكليني بسنده عن الحلبي قال قال ابوعبداللّه7 اذا كان الرجل علي عمل فليدم عليه سنة ثم يتحول عنه ان شاء الي غيره و ذلك ان ليلة‌القدر تكون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 123 *»

فيها في عامه ذلك ما شاء اللّه ان يكون انتهي، اقول ان العمل اذا صدر عن الانسان عن طبعه يكون ذاتيا له ناشئا عن جبلته عائدا اليه و هذا يكون اذا كان السلطان للنفس القدسية و العقل و اما اذا كان السلطان للنفس الامارة فيصدر عنه الاعمال لا عن طبعه الداعي اليه فيكون العمل من الدواعي الخارجية فيكون بالنسبة اليه عرضيا لايكسب نفسه صفة اخروية و اذا تكرر منه ذلك العمل حتي يصير له عادة و طبعا ثانيا يصدر عنه من غير قصد اكسب نفسه صفة اخروية و توجر به حينئذ في الآخرة و هو عند اطمينان الامارة تحت امر القدسية و سكونها و تصورها بالصورة الانسانية فالصورة الانسانية ليست من طبع الامارة اول وهلة الا ان تتطبع بطبع القدسية كما مر و ما لم‌يكسب نفسه صفة اخروية يوجر عليه في الدنيا او و في البرزخ ايضا ان اثر في خياله و فكره فلاجل ذلك ندبوا صلوات اللّه عليهم الي المداومة علي العمل و امروا بمداومة الفرايض التي عملها يوجب حفظ الصورة الانسانية و روح الايمان و تركها يوجب زوال الصورة الانسانية و مفارقة روح الايمان حتي تكسب النفس صفة ثابتة اخروية و حيوة باقية فامروا بمداومة الفضائل لاكساب النفس محاسن الانسانية و كمال قوة روح الايمان و حددوا اقل المداومة بسنة هي اثناعشر هلالا او دورة شمس المادة في حدود الصورة الاثنتي‌عشرة فيستكمل النفس بها مادة و صورة و كلما ازدادت فهو احسن.

و اما تعليل الامام7 بوجود ليلة‌القدر في السنة فان المداومة كما عرفت تكسب نفسه صورة اخروية ثابتة فيكون عمله  لسانا داعيا ثابتا و يوجب نزول الامداد الثابتة الاخروية فاذا مر عليه ليلة‌القدر التي يحتم فيها الاقدار و الاقضية و يمضي الامور الكلية يقضي له بالسعادة و الامداد الحسنة بقضاء حتم و يستجاب له و يكتب بعمله المكسب في ديوان السعداء فتفهم و عن زرارة عن ابي‌جعفر7 قال قال احب الاعمال الي اللّه عزوجل ما داوم عليه العبد و ان قل و عن نجبة عن ابي‌جعفر7 ما من شي‌ء احب الي اللّه عزوجل من عمل يداوم عليه و ان قل و عن معوية بن عمار عن ابي‌عبداللّه7 قال كان علي بن الحسين8 يقول اني لاحب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 124 *»

ان اداوم علي العمل و ان قل و عن محمد بن مسلم عن ابي‌جعفر7 قال كان علي بن الحسين8 يقول اني لاحب ان اقدم علي ربي و عملي مستو  و عن سليمان بن خالد قال قال ابوعبداللّه7 اياك ان تفرض علي نفسك فريضة فتفارقها اثني‌عشر هلالا انتهي، فعلي ذلك ينبغي للانسان ان يقرر علي نفسه من الاعمال ما يقدر ان يداوم عليه سنة اقلا حتي يعتاد عليه و يصدر منه من غير قصد جديد فحينئذ يصير له عادة و طبيعة ثانية و ملكة له و القليل من العمل مع الملكة يثمر له ثمرة اخروية و الكثير مع عدم الملكة لايوجب له ثوابا اخرويا نعم ينفعه في الدنيا او و في البرزخ ايضا و الغرض الكلي من العبادة و الطاعة الثمرة الاخروية و الثواب الابدي فلرب رجل كثير العمل ينقضي اجله فيرد البرزخ فلا عمل له و لا ثواب او يرد الآخرة و لا عمل له و لا ثواب و ذلك اذا لم‌يكن ملكة له فلايحسن عند آل‌محمد: التفنن في الاعمال و التحول من عمل الي عمل قبل حصول الملكة فيه فلابد و ان يختار الانسان لنفسه اعمالا مناسبة ان كان يعرفها و ان لم‌يكن يعرفها لابد و ان يختار له استاد يثق به و يعتمد عليه فيداوم عليه الي ان يتطبع عليه و يصير له طبيعة ثانية  حتي يوجب ثمرة اخروية و يستكمل به نفسه و علة عدم استكمال النفوس بالاذكار و الاعمال لعدم صيرورتها لاحقة بالنفوس مكسبة اياها صفة و ما لم‌يؤثر العمل في النفس لايوجب لها كمالا البتة و مـن المجربات ان ما اختاره الانسان بنفسه لنفسه لايوفق لمداومته غالبا فان الانسان الناقص لايعتمد علي اختياره و هو ناقص فلايركن النفس الي اختياره فلاتداوم عليه و لايصير لها ملكة و اما اذا اختاره شيخ يثق بخبرته و خيرته و علمه و اطلاعه علي مناسبات الاعمال تركن نفسه اليه و تسكن و تطمئن و تستيقن انه نافع مناسب لها فتداوم عليه فتنتفع به و تترقي به البتة.

و اما ما في الاخبار من الاعمال فانما اختاروها لمن امروه بها او ذكروا خاصيتها ان من فعل ذلك فله كذا و مرادهم ان هذا العمل هذا اثره فمن فعله علي ما ينبغي من الاعتماد عليه و الركون اليه و المداومة رأي منه ذلك الاثر و ذلك مثل ما ذكره الاطباء من خواص عقاقيرهم فان لاستعمالها شروطا لايظهر آثارها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 125 *»

الا بتلك الشروط و شروط الاعمال متفرقة في ضمن الاخبار و لايوجد خبر واحد مشتمل علي جميع الشرايط ابدا و سيظهر لك ان شاء اللّه شروط قبول الاعمال و شروط تأثيرها في مطاوي هذا الكتاب ان شاء اللّه فترقب.

و انما  اكثر آل‌محمد: من الاذكار و الادعية و الاعمال لكثرة السائلين و اختلاف الطبايع و الامزجة و الحاجات و الاعصار و الامكنة و المناسبات و الاشخاص و لابد للعامل من اختيار ما يناسبه منها و العمل به و المداومة عليه بشروطه حتي ينتفع و اي شاهد علي ذلك اوضح من عدم انتفاع الناس باعمالهم و عدم استكمالهم بافعالهم و عباداتهم من يوم اول الي يومنا هذا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا و يفرحون بما اتوا و يحبون ان يحمدوا بما لم‌يفعلوا فماانتفعوا و لن‌ينتفعوا به ابدا حتي يقوموا  بشروط قبول الاعمال و شروط تأثيرها كما سيأتيك ان شاء اللّه في خلال هذا الكتاب المستطاب.

فصل: اعلم ان النفس الامارة كالحيوان الحرون الشموس و ما لم‌تريضها برياضة السير الي اللّه سبحانه لاتتذلل و لاتسكن من شرهها في الفساد و متابعة الهوي و لابد لمن يريد رياضتها ان يسلك معها علي نهج الحكمة و يحملها علي العبادة شيئا بعد شي‌ء حتي تصير جميع اشغالها طاعة و لابد و ان تذوق مرارة الطاعة كما ذاقت حلاوة المعصية و ما لم‌تتعب في الطاعة و الرياضة لاتتذلل و لاتصير سلس القياد في طاعة اللّه مطمئنة تحت طاعة العقل راضية مرضية داخلة في عباد اللّه فاذا فازت بمقام العبودية صارت متمحضة في الطاعة و العبادة مجتهدة فيها في آناء ليلها و اطراف نهارها انظر الي عباد اللّه كيف صرفوا جميع اوقاتهم في الطاعة و العبادة و لم‌يكن لهم همّ سواها فقد روي في حلية‌الابرار عن الكليني بسنده عن ابي‌بصير عن ابي‌جعفر7 قال كان رسول اللّه9 عند عايشة ليلتها فقالت يا رسول اللّه لم تتعب نفسك و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال ياعايشة ألااكون عبدا شكورا قال و كان رسول اللّه9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 126 *»

 يقوم علي اطراف اصابع رجليه فانزل اللّه سبحانه (طه ماانزلنا عليك القرآن لتشقي) و عن علي بن ابرهيم بسنده عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه و ابي‌جعفر8 قالا كان رسول اللّه9 اذا صلي قام علي اصابع رجليه حتي تورم فانزل اللّه تبارك و تعالي (طه) بلغة طي يا محمد (ماانزلنا عليك القرآن لتشقي الا تذكرة لمن يخشي) و من الاحتجاج عن الامام موسي بن جعفر عن ابيه عن آبائه عن الحسين: في حديث اليهودي الذي جاء الي المسجد و سأل عن فضائل النبي9 قال اليهودي هذا داود7 بكي علي خطيئته حتي سارت الجبال معه لخوفه قال له علي7 لقد كان كذلك و محمد9 اعطي ما هو افضل من هذا انه كان اذا قام الي الصلوة سمع لصدره و جوفه ازيز كازيز المرجل علي الاثافي من شدة البكاء و قد آمنه اللّه عز و جل من عقابه فاراد ان يتخشع لربه ببكائه و يكون اماما لمن اقتدي به و لقد قام عشر سنين علي اطراف اصابعه حتي تورمت قدماه و اصفر وجهه يقوم الليل اجمع حتي عوتب في ذلك فقال اللّه عزوجل (طه ماانزلنا عليك القرآن لتشقي) بل لتسعد به و لقد كان يبكي حتي يغشي عليه فقيل له يا رسول اللّه أليس اللّه عزوجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال بلي أفلااكون عبدا شكورا و في امالي الشيخ بسنده عن بكر بن عبداللّه ان عمر بن الخطاب دخل علي النبي9 و هو موقوذ او قال محموم فقال له عمر يا رسول اللّه ما اشد وعكك فقال مامنعني ذلك ان قرأت الليلة ثلثين سورة فيهن السبع الطول فقال عمر يا رسول اللّه غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و انت تجتهد هذا الاجتهاد فقال يا عمر أفلااكون عبدا شكورا و روي في الحلية عن الشيخ بسنده عن عمرو بن عبداللّه بن هند الجملي عن ابي‌جعفر محمد بن علي8 ان فاطمة بنت علي بن ابيطالب لما نظرت الي ما يفعل ابن اخيها علي بن الحسين بنفسه من الدأب في العبادة اتت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 127 *»

جابر بن عبداللّه بن عمرو بن حزام الانصاري فقالت له يا صاحب رسول اللّه9 ان لنا عليكم حقوقا من حقنا عليكم ان اذا رأيتم احدنا يهلك نفسه اجتهادا ان تذكروه اللّه و تدعوه الي البقيا علي نفسه و هذا علي بن الحسين بقية ابيه الحسين قد انخرم انفه و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه ادأب نفسه([1]) في العبادة فاتي جابر بن عبداللّه باب علي بن الحسين 8 و بالباب ابوجعفر محمد بن علي8 في اغيلمة من بني‌هاشم قد اجتمعوا هناك الي ان قال له ائذن لي علي ابيك فدخل ابوجعفر علي ابيه فاخبره الخبر و قال ان شيخا بالباب الي ان قال ثم اذن لجابر فدخل عليه فوجده في محرابه قد انضته العبادة فنهض علي7 فسأله عن حاله سؤالا خفيا ثم اجلسه بجنبه فاقبل جابر عليه يقول يا بن رسول اللّه أماعلمت ان اللّه تعالي انما خلق الجنة لكم و لمن احبكم و خلق النار لمن ابغضكم و عاداكم فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك قال له علي بن الحسين8 يا صاحب رسول اللّه أماعلمت ان جدي رسول اللّه9 قد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر فلم‌يدع الاجتهاد له و تعبد بابي هو و امي حتي انتفخ الساق و ورم القدم و قيل له أتفعل هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال أفلااكون عبدا شكورا فلما نظر جابر الي علي بن الحسين8 و ليس يغني فيه قول من يستميله من الجهد و التعب الي القصد قال له يا بن رسول اللّه البقيا علي نفسك فانك لمن اسرة بهم يستدفع البلاء و يسأل كشف اللاواء و بهم يستمطر السماء فقال يا جابر لاازال علي منهاج ابوي متأسيا بهما حتي القاهما فاقبل جابر علي من حضر فقال لهم واللّه مااري في اولاد الانبياء بمثل علي بن الحسين الا يوسف بن يعقوب واللّه لذرية علي بن الحسين افضل من ذرية يوسف بن يعقوب ان منهم لمن يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا و عن الكليني بسنده عن حماد بن عثمان عن ابي‌عبداللّه7 قال سمعته يقول صام رسول اللّه9 حتي قيل مايفطر ثم افطر حتي قيل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 128 *»

 مايصوم ثم صام صوم داود7 يوما و يوما لا ثم قبض9 علي صيام ثلثة ايام في الشهر و قال يعدلن صوم الدهر و يذهبن بوحر الصدر قال حماد فقلت ما الوحر قال الوحر الوسوسة  قال حماد فقلت اي الايام هي قال اول خميس في الشهر و اول اربعاء بعد العشر و آخر خميس منه فقلت لم صارت هذه الايام التي تصام فقال ان من قبلنا من الامم كان اذا نزل علي احدهم العذاب نزل في هذه الايام المخوفة و عن الشيخ باسناده عن معاوية بن وهب قال سمعت اباعبداللّه7 يقول و ذكر صلوة النبي9 قال كان يأمر (ظ) بطهور فيخمر عند رأسه و يوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ما شاء اللّه فاذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل‌عمران (ان في خلق السماوات و الارض) الآية، ثم يستن و يتطهر ثم يقوم الي المسجد فيركع اربع ركعات علي قدر قراءته ركوعه و سجوده علي قدر ركوعه يركع حتي يقال متي يرفع رأسه و يسجد حتي يقال متي يرفع رأسه ثم يعود الي فراشه فينام ما شاء اللّه ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل‌عمران و يقلب بصره في السماء ثم يستن و يتطهر و يقوم الي المسجد فيصلي اربع ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يقوم الي فراشه فينام ما شاء اللّه ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل‌عمران و يقلب بصره في السماء ثم يستن و يتطهر و يقوم الي المسجد فيوتر و يصلي الركعتين ثم يخرج الي الصلوة و عن ابن‌بابويه في اماليه بسنده عن محمد بن قيس عن ابي‌جعفر7 انه قال واللّه ان كان علي7 ليأكل اكل العبد و يجلس جلسة العبد و ان كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه ثم يلبس الآخر فاذا جاز اصابعه قطعه و اذا جاز كعبه حذفه و لقد ولي خمس سنين ماوضع آجرة علي آجرة و لا لبنة علي لبنة و لااقطع قطيعة و لااورث بيضاء و لا حمراء و انه ليطعم الناس من خبز البر و اللحم و ينصرف الي منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل و ما ورد للّه عليه امران كلاهما للّه رضا الا اخذ باشدهما علي بدنه و لقد اعتق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 129 *»

الف مملوك من كد يده و تربت فيه يداه و عرق فيه  وجهه و ماطاق عمله احد من الناس كان ليصلي في اليوم و الليلة الف ركعة و ان كان اقرب الناس شبها به علي بن الحسين8 و مااطاق عمله احد من الناس بعده و عن الكليني بسنده عن عبدالرحمن بن الحجاج و غيره عن ابي‌عبداللّه7 قال كان علي7 اذا قام الي الصلوة تغير لونه حتي يعرف ذلك في وجهه و ماطاق احد عمل علي من بعده الا علي بن الحسين: وعنه بسنده عن الحسن الصيقل قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ان ولي علي لايأكل الا الحلال لان صاحبه كان كذلك و ان ولي عثمان لايبالي حلالا اكل او حراما لان صاحبه کان كذلك الي ان ذكر عليا7 فقال اما والذي ذهب بنفسه مااكل من الدنيا حراما قليلا و لا كثيرا حتي فارقها و لا عرض له امران كلاهما للّه طاعة الا اخذ باشدهما علي بدنه و لانزلت برسول اللّه9 شديدة قط الا وجهه فيها ثقة به و لاطاق احد من هذه الامة عمل رسول اللّه9 بعده غيره و لقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر الي الجنة و النار و لقد اعتق الف مملوك من صلب ماله كل ذلك يحفي فيه يداه و يعرق فيه جبينه التماس وجه اللّه عز و جل و الخلاص من النار و ماكان قوته الا الخل و الزيت و حلواه التمر اذا وجده و ملبوسه الكرابيس فاذا فضل من ثيابه شي‌ء دعا بالجلم فجزه و روي انه اخذ زين‌العابدين7 بعض صحف عباداته فقرأ فيه يسيرا ثم تركها من يده تضجرا و قال من يقوي علي عبادة علي بن ابي‌طالب و روي انه كان اذا حضر وقت الصلوة تزلزل و تلون فقيل له ماالك يا اميرالمؤمنين فيقول جاء وقت امانة عرضها اللّه سبحانه و تعالي علي السموات و الارض و الجبال فابين ان يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان فلاادري احسن اداء ما حملت ام لا و عن محمد بن جرير الطبري في مسند فاطمة3 قال كان علي بن الحسين8 حسن الصلوة يصلي في كل يوم و ليلة الف ركعة سوي الفريضة فيقال له اين هذا العمل من عمل علي جدك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 130 *»

فقال انني نظرت في عمل علي يوما واحدا عدلت الي الحول و عن الحسن بن ابي‌الحسن الديلمي لقد كان يفرش له بين الصفين و السهام تتساقط حوله و هو لايلتفت عن ربه و لايغير عادته و كان اذا توجه الي اللّه توجه بكليته و انقطع نظره عن الدنيا و ما فيها حتي انه لايبقي يدرك الالم لانهم كانوا اذا ارادوا اخراج الحديد و النشاب من جسده الشريف تركوه حتي يصلي فاذا اشتغل بالصلوة و اقبل علي اللّه اخرجوا الحديد من جسده و لم‌يحس به فاذا فرغ من صلوته يري ذلك فيقول لولده الحسن ان هي الا فعلتك يا حسن و عن ابن‌بابويه بسنده عن المفضل بن عمر قال قـال الصادق7 حدثني ابي عن ابيه7 ان الحسن بن علي بن ابيطالب7 كان اعبد الناس في زمانه و ازهدهم و افضلهم و كان اذا حج حج ماشيا و ربما مشي حافيا وكان اذا ذكر الموت بكي فاذا ذكر القبر بكي و اذا ذكر البعث في النشور بكي و اذا ذكر المر علي الصراط بكي و اذا ذكر العرض علي اللّه جل ذكره شهق شهقة يغشي عليه منها و كان اذا قام الي صلوته ترتعد فرايصه بين يدي ربه عز و جل وكان اذا ذكر الجنة و النار اضطرب اضطراب السليم الخبر، و عن الشيخ بسنده عن الحلبي قال سألت اباعبداللّه7 عن فضل المشي فقال الحسن بن علي قاسم ربه ثلث مرات حتي نعلا و نعلا و ثوبا و ثوبا و دينارا و دينارا و حج عشرين حجة علي قدميه و عن الحسين بن سعيد في كتاب الزهد بسنده عن عبداللّه بن سنان عمن سمع اباجعفر7 قال لما حضرت الحسن بن علي8 الوفاة بكي فقيل له يا بن بنت رسول اللّه تبكي و مكانك من رسول اللّه9 ما قال و قد حججت عشرين  حجة راكبا و عشرين حجة ماشيا و قد قاسمت ربك مالك ثلث دفعات حتي النعل فقال ابكي من خصلتين هول المطلع و فراق الاحبة و عن كمال‌الدين محمد بن طلحة الشامي في كتابه مطالب‌السؤل و هو من رجال العامة قال كان الحسين7 في العبادة مقتديا بمن تقدم حتي نقل انه7 حج خمسا و عشرين حجة الي الحرم و جنائبه تقاد معه و هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 131 *»

ماش علي القدم و عن ابن‌بابويه بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال قال ابوجعفر محمد بن علي الباقر7 ان ابي علي بن الحسين8 ماذكر نعمة للّه عليه الا سجد و لاقرأ  آية من كتاب اللّه عز و جل فيها سجود الا سجد و لادفع اللّه عزوجل عنه سوء يخشاه او كيد كايد الا سجد و لافرغ من صلوة مفروضة الا سجد و لاوفق لاصلاح بين اثنين الا سجد و كان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك و عنه بسنده عن محمد بن اسمعيل بن موسي بن جعفر8 عن محمد بن علي8 قال كان ابي في موضع سجوده آثار ناتية و كان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذا الثفنات لذلك وعن المفيد في ارشاده بسنده عن سعيد بن كلثوم قال كنت عند الصادق جعفر بن محمد7 فذكر اميرالمؤمنين7 فاطراه و مدحه بما هو اهله الي ان قال مااشبهه من ولده و لا اهل بيته احد اقرب شبها به في لباسه و فقهه من علي بن الحسين8 و لقد دخل ابوجعفر ابنه عليه فاذا هو قد بلغ من عبادته ما لم‌يبلغه احد فرآه قد اصفر لونه من السهر و رمصت عيناه من البكا و دبرت جبهته و انخرم انفه من السجود و ورمت ساقاه و قدماه من القيام الي الصلوة فقال ابوجعفر7 فلم‌املك حين رأيته بتلك الحال من البكاء فبكيت رحمة عليه و اذا هو يفكر فالتفت بعد هنيئة من دخولي فقال يا بني اعطني بعض تلك الصحف التي فيها  عبادة علي بن ابي‌طالب7 فاعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ثم تركها من يده تضجرا و قال من يقوي علي عبادة علي7 و عن ابن‌بابويه بسنده عن ابي‌حمزة قال سألت مولاة لعلي بن الحسين بعد موته فقلت صفي لي امور علي بن الحسين8 فقالت اطنب او اختصر فقلت اختصري قالت مااتيته بطعام نهارا قط و لافرشت له فراشا بليل قط و عنه بسنده عن اسمعيل بن ابرهيم ان علي بن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 132 *»

الحسين8 كان يصلي في اليوم و الليلة الف ركعة حتي خرج بجبهته و آثار سجوده مثل كركرة البعير و عن الكليني بسنده عن حصين عن ابي‌عبداللّه7 قال كان علي بن الحسين8 اذا كان شهر رمضان لم‌يتكلم الا بالدعاء و التسبيح و الاستغفار و التكبير فاذا افطر قال اللّهم ان شئت ان تفعل فعلت قال و روي من طريق الخاصة و العامة انه كان لايحب ان يعينه علي طهوره احد و كان يستقي الماء لطهوره و يخمر قبل ان ينام فاذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلوته و كان7 يقضي ما فاته من صلوة نافلة النهار بالليل و يقول يا بني ليس هذا عليكم بواجب و لكن احب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير يدوم عليها و عن علي بن عيسي في كشف‌الغمة قال كان يصلي في كل يوم و ليلة الف ركعة فاذا اصبح سقط مغشيا عليه و كان الريح تميله كالسنبلة و روي عبداللّه بن علي بن الحسين8 عن ابيه انه كان يصلي ليلا حتي انه ليزحف الي فراشه و روي في الوسايل عن الكليني بسنده عن حفص بن البختري و سلمة بياع السابري جميعا عن ابي‌عبداللّه7 قال كان علي بن الحسين8 اذا اخذ كتاب علي7 فنظر فيه قال من يطيق هذا من يطيق هذا قال ثم يعمل به و كان اذا قام الي الصلوة تغير لونه حتي يعرف ذلك في وجهه و مااطاق احد عمل علي7 من ولده الا  علي بن الحسين8 و روي في حلية‌الابرار عن ابن‌بابويه بسنده عن الثوباني قال كانت لابي‌الحسن موسي بن جعفر8 بضع عشر سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس الي وقت الزوال و كان هرون ربما صعد سطحا يشرف منه علي المحبس الذي حبس فيه ابوالحسن7 فكان يري اباالحسن7 ساجدا فقال للربيع ما ذلك الثوب الذي اراه كل يوم في ذلك الموضع قال يا اميرالمؤمنين ما ذاك بثوب و انما هو موسي بن جعفر له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال قال الربيع فقال لي هرون اما ان هذا من رهبان بني‌هاشم قلت فما لك قد ضيقت عليه الحبس قال هيهات لابد من ذلك و عنه عن احمد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 133 *»

بن عبداللّه القزويني عن ابيه قال دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح فقال لي ادن فدنوت حتي حاذيته ثم قال اشرف الي بيت في الدار فاشرفت فقال ما تري في البيت فقلت ثوبا مطروحا فقال انظر حسنا فتأملت و نظرت فتيقنت فقلت رجل ساجد فقال لي تعرفه قلت لا قال مولاك قلت و من مولاي فقال تتجاهل علي فقلت مااتجاهل و لكني لااعرف لي مولي فقال هذا ابوالحسن موسي بن جعفر8 اني اتفقده في الليل و النهار فلااجده في وقت من الاوقات الا علي الحال التي اخبرك بها ان يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر الصلوة الي ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلايزال ساجدا حتي تزول الشمس و قد وكل من يترصد له الزوال فلست ادري متي يقول الغلام قد زالت الشمس اذ يثب فيبتدئ في الصلوة من غير ان يحدث حدثا فاعلم انه لم‌ينم في سجوده و لااغفي و لايزال الي ان يفرغ من صلوة العصر فاذا صلي العصر سجد سجدة فلايزال ساجدا الي ان تغيب الشمس فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلي المغرب من غير ان يحدث حدثا و لايزال في صلوته و تعقيبه الي ان يصلي العتمة فاذا صلي العتمة افطر علي شوي  يؤتي به ثم يجدد وضوءه ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلايزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر فلست ادري متي يقول الغلام قد طلع اذ وثب هو لصلوة الفجر فهذا دأبه منذ حول الي فقلت اتق اللّه و لاتحدثن في امره حدثا يكون فيه زوال النعمة فقد تعلم انه لم‌يفعل احد باحد منهم سوء الا كانت نعمته زائلة فقال قد ارسلوا الي غير مرة يأمروني بقتله فلم‌اجبهم الي ذلك و اعلمتهم اني لاافعل ذلك و لو قتلوني مااجبتهم الي ما سألوني فلما كان بعد ذلك حول الي الفضل بن يحيي البرمكي فحبس عنده اياما و كان الفضل بن الربيع يبعث اليه كل يوم مائدة حتي مضي ثلثة ايام و لياليها فلما كانت الليلة الرابعة قدمت اليه مائدة للفضل بن يحيي فرفع يده الي السماء فقال يا رب انك تعلم اني لو اكلت قبل اليوم كنت قد اعنت علي نفسي فاكل فمرض فلما كان من الغد جاءه الطبيب فعرض عليه خضرة في بطن راحته و كان السم الذي سم به قد اجتمع في ذلك الموضع فانصرف الطبيب اليهم فقال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 134 *»

واللّه لهو اعلم بما فعلتم به منكم ثم توفي7 و روي ان بعض عيون موسي بن جعفر دفع اليه انه سمعه كثيرا يقول في دعائه و هو محبوس اللّهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللّهم و قد فعلت ذلك فلك الحمد  فوجه الرشيد من يتسلمه من عيسي بن جعفر و يصير به الي بغداد فسلمه الي الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة فاراده الرشيد علي شي‌ء من امره فابي فكتب اليه بتسليمه الي الفضل بن يحيي فتسلمه و جعله في بعض حجر داره و وضع عليه الرصد و كان7 مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله صلوة و قراءة القرآن و دعاء و اجتهادا و يصوم النهار في اكثر الايام و لايصرف وجهه عن المحراب فوسع عليه الفضل بن يحيي و اكرمه فاتصل ذلك بالرشيد لعنه اللّه و هو بالرقة فكتب اليه ينكر توسيعه علي موسي  7 و يأمره بقتله و توقف عن ذلك و لم‌يقدم عليه فاغتاظ الرشيد لذلك و دعا مسرور الخادم و قال له اخرج في هذا الوقت الي بغداد و ادخل من فورك علي موسي بن جعفر فان وجدته في دعة فارهبه فاوصل هذا الكتاب الي العباس بن محمد و مره بامتثال ما فيه و عنـه بسنده عن عبدالسلام بن صالح الهروي قال جئت الي باب الدار التي حبس فيها ابوالحسن الرضا7 بسرخس و قد قيد فاستأذنت عليه السجان فقال لا سبيل لك اليه فقلت و لم قال لانه ربما صلي في يومه و ليلته الف ركعة و انما ينفتل عن صلوته ساعة في صدر النهار و قبل الزوال و عند اصفرار الشمس فهو في هذه الاوقات قاعد في مصلاه يناجي ربه الخبر و عن النجاشي في كتاب الرجال بسنده الي ابي‌الحسن علي بن علي ان الرضا7 خلع علي اخي دعبل قميص خز اخضر و قال احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه الف ليلة كل ليلة الف ركعة و ختمت فيه القرآن الف ختمة و عن الديلمي قال روي الحاكم بن مروان عن جبير بن حكيم قال نزل بعمر بن الخطاب نازلة قام لها و قعد و ترنح و تفطر ثم قال يا معاشر المهاجرين ما عندكم فيها قالوا يا اميرالمؤمنين انت المفزع المنزع فغضب ثم قال يا ايها الذين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 135 *»

 آمنوا اتقوا اللّه و قولوا قولا سديدا اما واللّه انا و اياكم لنعرف نجدتها و الخبير بها قالوا كأنك اردت ابن‌ابي‌طالب قال و اني يعدل بي عنه و هل طفحت حرة بمثله قالوا فلو بعثت اليه قال هيهات هناك شمخ من هاشم و لحمة من الرسول و اثرة من علم يؤتي لها و لايأتي امضوا اليه و اقصفوا نحوه و افضوا اليه و هو في حائط و عليه تبان يتوكئ علي مسحاته و هو يقول (أيحسب الانسان ان يترك سدي ألم‌يك نطفة من مني يمني ثم كان علقة فخلق فسوي) و دموعه تجري علي خديه فاجهش القوم لبكائه ثم سكن و سكنوا و سأله عمر عن مسئلته فاصدر جوابها و لوي عمر يده ثم قال اما واللّه لقد ارادك الحق و لكن ابي قومك فقال له يا اباحفص عليك من هنا و من هنا ان يوم الفصل كان ميقاتا فانصرف و قد اظلم وجهه فكأنما ينظر من ليل مظلم و عن ابن‌شهراشوب عن عروة بن الزبير قال كنا نذاكر صالح الاعمال فقال ابوالدرداء اعبد الناس علي بن ابي‌طالب سمعته قائلا بصوت حزين و نغمة شجية في موضع خال الهي كم من موبقة حملتها عني فقابلتها بنعمك و كم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك الهي ان طال في عصيانك عمري و عظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك و لا انا براج غير رضوانك ثم ركع ركعات فاخذ في الدعاء و البكاء فمن مناجاته الهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اجلك فتعظم علي بليتي ثم قال آه ان انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها و انت محصيها فتقول خذوه فيا له مأخوذ لاتنجيه عشيرته و لاتنفعه قبيلته يرحمه الملأ  اذا اذن في النداء آه من نار تنضج الاكباد و الكلي آه من نار نزاعة للشوي آه من غمرة من متلهبات لظي ثم انغمر في البكاء فلم‌اسمع له حسا فقلت غلبه النوم اوقظه لصلوة الفجر فاتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم‌يتحرك فقلت انا للّه و انا اليه راجعون مات واللّه علي بن ابي‌طالب قال فاتيت منزله مبادرا انعاه اليهم فقالت فاطمة ما كان شأنه فاخبرتها فقالت هي واللّه الغشية التي تأخذه من خشية اللّه ثم اتوه بماء فنضحوه علي وجهه فافاق و نظر الي و انا ابكي فقال ما بكاؤك يا اباالدرداء فكيف و لو رأيتني و دعي بي الي الحساب و ايقن اهل الجرائم بالعذاب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 136 *»

و احدقت بي ملئكة غلاظ و زبانية فظاظ فوقفت بين يدي الملك الجبار قد اسلمني الاحباء و رحمني اهل الدنيا رقة لي بين يدي من لايخفي عليه خافية   الي غير ذلك من الاخبار الجارية في هذا المضمار من عبادات السادة الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار و لو  تفكرت فيها و نظرت بنظر الاعتبار لاشتقت الي التأسي بسنة الابرار و اقتفاء اثر الاخيار و عرفت ان العبد لابد و ان يتعبد آناء الليل و اطراف النهار و لايتحرك و لايسكن الا امتثالا لامر مولاه الواحد القهار و ان وسوس في قلبك الشيطان و قال انه ليس ذلك حظ كل انسان و انما هو شأن ائمة الانس و الجان فراجع بعض ما روي من عبادة ساير المؤمنين المتعبدين و اجتهاد ساير الشيعة الموالين فقد روي عن الكليني بسنده عن معروف بن خربوذ عن ابي‌جعفر7 قال صلي اميرالمؤمنين7 بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكي و ابكاهم من خوف اللّه ثم قال واللّه لقد عهدت اقواما علي عهد خليلي رسول اللّه9 و انهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا خمصا بين اعينهم كركب المعزي يبيتون لربهم سجدا و قياما يراوحون بين اقدامهم و جباههم يناجون ربهم و يسألون فكاك رقابهم من النار واللّه لقد رأيتهم مع هذا و هم خائفون مشفقون و عنه بسنده عن ابي‌حمزة عن علي بن الحسين8 قال صلي اميرالمؤمنين7 الفجر ثم لم‌يزل في موضعه حتي صارت الشمس علي قيد رمح فاقبل علي الناس بوجهه فقال واللّه لقد ادركت اقواما يبيتون لربهم سجدا و قياما يخالفون بين جباههم و ركبهم([2]) كأن زفير النار في آذانهم اذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجرة كأنما القوم باتوا غافلين قال ثم قال فمارئي ضاحكا حتي قبض صلي الله عليه و في الكافي بسنده عن اسحق بن عمار قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ان رسول اللّه9 صلي بالناس الصبح فنظر الي شاب في المسجد و هو يخفق و يهوي برأسه مصفرا  لونه قد نحف  جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال له رسول اللّه9 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 137 *»

كيف اصبحت يا فلان قال اصبحت يا رسول اللّه موقنا فعجب رسول اللّه9 من قوله و قال ان لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فقال ان يقيني يا رسول اللّه هو الذي احزنني فاسهر ليلي و اظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها حتي كأني انظر الي عرش ربي و قد نصب للحساب و حشر الخلايق لذلك و انا فيهم و كأني انظر الي اهل الجنة يتنعمون في الجنة و يتعارفون علي الارائك متكئون و كأني انظر الي اهل النار و هم فيها معذبون مصطرخون و كأني الآن اسمع زفير النار يدور في مسامعي فقال رسول اللّه9 لاصحابه هذا عبد نور اللّه قلبه بالايمان ثم قال له الزم ما انت عليه فقال الشاب ادع اللّه لي يا رسول اللّه ان ارزق الشهادة معك فدعي له رسول اللّه9 فلم‌يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي9 فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر و بسنده عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه7 قال استقبل رسول اللّه9 حارثة بن مالك بن النعمن الانصاري فقال له كيف انت يا حارثة بن مالك فقال يا رسول اللّه مؤمن حقا فقال له رسول اللّه9 لكل شي‌ء حقيقة فما حقيقة قولك فقال يا رسول اللّه عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي و اظمأت هواجري و كأني انظر الي عرش ربي و قد وضع للحساب فكأني انظر الي اهل الجنة يتزاورون في الجنة و كأني اسمع عواء اهل النار في النار فقال رسول اللّه9 عبد نور اللّه قلبه ابصرت فاثبت فقال يا رسول اللّه ادع اللّه لي ان يرزقني الشهادة معك فقال اللّهم ارزق حارثة الشهادة فلم‌يلبث الا اياما حتي بعث رسول اللّه9 بسرية فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة او ثمانية ثم قتل و في رواية عن ابي‌بصير قال استشهد مع جعفر بن ابي‌طالب  بعد تسعة نفر و كان هو العاشر و بسنده عن عمرو بن جميع العبدي عن ابي‌عبداللّه7 قال شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون الذين اذا جنهم الليل استقبلوه بحزن و بسنده عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 138 *»

مفضل قال قـال ابوعبداللّه7 اياك و السفلة فانما شيعة علي من عف بطنه و فرجه و اشتد جهاده و عمل لخالقه و رجا  ثوابه و خاف عقابه فاذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر و بسنده عن ابن‌ابي‌يعفور عن ابي‌عبداللّه7 قال ان شيعة علي كانوا خمص البطون ذبل الشفاه و اهل رأفة و علم و حلم يعرفون بالرهبانية فاعينوا علي ما انتم عليه بالورع و الاجتهاد و بسنده عن بعض العراقيين رفعه قال خطب الناس الحسن بن علي8 فقال ايها الناس انما اخبركم عن اخ لي كان من اعظم الناس في عيني و كان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه كان خارجا من سلطان بطنه فلايشتهي ما لايجد و لايكثر اذا وجد كان خارجا من سلطان فرجه فلايستخف له عقله و لا رأيه كان خارجا من سلطان الجهالة فلايمد يده الا علي ثقة لمنفعة كان لايتشها و لايتسخط و لايتبرم كان اكثر دهره صماتا فاذا قال بذ القائلين كان لايدخل في مراء و لايشارك في دعوي و لايدلي بحجة حتي يري قاضيا و كان لايغفل عن اخوانه و لايخص نفسه بشي‌ء دونهم كان ضعيفا مستضعفا فاذا جاء الجد كان ليثا عاديا كان لايلوم احدا فيما يقع العذر في مثله حتي يري اعتذارا كان يفعل ما يقول و يفعل ما لايقول و كان اذا ابتزه امران لايدري ايهما افضل نظر الي اقربهما الي الهوي فخالفه كان لايشكو وجعا الا عند من يرجو عنده البرء و لايستشير الا من يرجو عنده النصيحة كان لايتبرم و لايتسخط و لايتشكا و لايتشهي و لاينتقم و لايغفل عن العدو فعليكم بمثل هذه الاخلاق الكريمة ان اطقتموها فان لم‌تطيقوها كلها فاخذ القليل خير من ترك الكثير و لاحول و لا قوة الا باللّه و بسنده عن مهزم  الاسدي قال قال ابوعبداللّه7 يا مهزم شيعتنا من لايعدو صوته سمعه و لا شحناؤه يديه و لايمتدح بنا معلنا و لايجالس لنا عايبا و لايخاصم لنا قاليا ان لقي مؤمنا اكرمه و ان لقي جاهلا هجره قلت جعلت فداك فكيف اصنع بهؤلاء المتشيعة فقال فيهم التمييز و فيهم التبديل و فيهم التمحيص تأتي عليهم سنون تفنيهم و طاعون يقتلهم و اختلاف يبددهم شيعتنا من لايهر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 139 *»

هرير الكلب و لايطمع طمع الغراب و لايسأل عدونا و ان مات جوعا قلت جعلت فداك فاين اطلب هؤلاء قال في اطراف الارض اولئك الخفيض عيشهم المنتقلة ديارهم ان شهدوا لم‌يعرفوا و ان غابوا لم‌يفتقدوا  و من الموت لايجزعون و في القبور يتزاورون و ان لجأ اليهم ذو حاجة منهم رحموه لن تختلف قلوبهم و ان اختلف بهم الدار ثم قال قـال رسول اللّه9 انا المدينة و علي الباب و كذب من زعم انه يدخل المدينة لا من قبل الباب و كذب من زعم انه يحبني و يبغض عليا7 و في الوسائل عن الكليني بسنده عن عيسي النهريزي عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 من عرف اللّه و عظمه منع فاه من الكلام و بطنه من الطعام و عفي نفسه (عني نفسه خ‌ل) بالصيام و القيام قالوا بآبائنا و امهاتنا يا رسول اللّه هؤلاء اولياؤ اللّه قال ان اولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم ذكرا  و نظروا فكان نظرهم عبرة و نطقوا فكان نطقهم حكمة و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركة لولا الآجال التي قد كتبت عليهم لم‌تقر ارواحهم في اجسادهم خوفا من العقاب و شوقا الي الثواب و عن ابن‌بابويه بسنده عن عمرو بن ابي‌المقدام عن ابيه قال قـال لي ابوجعفر7 يا اباالمقدام انما شيعة علي الشاحبون الناحلون الذابلون ذابلة شفاههم خميصة بطونهم متغيرة الوانهم مصفرة وجوههم اذا جنهم الليل اتخذوا الارض فراشا و استقبلوا الارض بجباههم كثير سجودهم كثيرة دموعهم كثير دعاؤهم كثير  بكاؤهم يفرح الناس و هم محزونون و عن الطوسي روي ان اميرالمؤمنين7 خرج ذات ليلة من المسجد و كانت ليلة قمراء فأم الجبانة و لحقه جماعة يقفون اثره فوقف عليهم ثم قال من انتم قالوا شيعتك يا اميرالمؤمنين قال فما لي لااري عليكم سيماء الشيعة قالوا و ما سيماء الشيعة يا اميرالمؤمنين قال صفر الوجوه من السهر و عمش العيون من البكاء حدب الظهور من القيام خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من الدعاء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 140 *»

عليهم غبرة الخاشعين انتهي.

فصل: فلو تفكرت في مطاوي ما ذكرنا لعرفت ان العبادة هي آثار روح الايمان اينما وجدت وجدت كما ان النفس النباتية اذا وجدت في جسم حصل فيه آثار النما و الروح الحيوانية اذا حدثت في بدن حصل فيه الحس و الحركة بلاتكلف فاذا وجد روح الايمان في بدن حصل فيه العبادة و جري جميع اعضائه في طاعة مولاه من غير تكلف نعم يقع التكلف علي امارته و حيوانيته و نباتيته فهما يذبلان و يتأثران و يتنكأان و اما روح الايمان فانها تتقوي بالعبادة فتنشط و تتلذذ و تترقي و تزداد شوقا و لايأخذها ابدا كسالة و لا ملالة و لا سأمة و جميع ذلك يقع علي الامارة و الحيوانية فلذلك امروا بالاقتصاد في العبادة مراعاة لجانب البدن و النفس الامارة و الروح الحيوانية و النباتية كما روي في الكافي بسنده عن ابي‌الجارود عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق و لاتكرهوا عبادة اللّه الي عباد اللّه فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا   قطع و لا ظهرا ابقي و عن حفص البختري عن ابي‌عبداللّه7 قال لاتكرهوا الي انفسكم العبادة و عن عمرو بن جميع عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 يا علي ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق و لاتبغض الي نفسك عبادة  ربك ان المنبت يعني المفرط لا ظهرا ابقي و لا ارضا قطع فاعمل عمل من يرجو ان يموت هرما و احذر حذر من يتخوف ان يموت غدا و عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه7 قال مر بي ابي و انا بالطواف و انا حدث و قد اجتهدت في العبادة فرآني و انا اتصاب عرقا فقال لي يا جعفر يا بني ان اللّه اذا احب عبدا ادخله الجنة و رضي عنه باليسير و في اخري قال اجتهدت في العبادة و انا شاب فقال لي ابي يا بني دون ما اراك تصنع فان اللّه عزوجل اذا احب عبدا رضي منه باليسير الي غير ذلك من الاخبار فلاجل ذلك امروا بالاقتصاد في العبادة حتي لاتمل الامارة فتدبر و لاتعجز الحيوانية فتبرك و لاتعجز النباتية فتذبل فحد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 141 *»

الاقتصاد يتفاوت بحسب ارتياض هذه النفوس و تعودها و اطمينانها فلاتجري كلها مجري واحدا و المحتاج الي الرياضة هذه النفوس لا النفس الناطقة القدسية فان الطاعة و العبادة طباعها فافهم.

فصل: اعلم ان النية من اعظم اركان العبادة بل هي عبادة النفس الناطقة و ساير الاعمال هي عبادة ساير المراتب و هي كلها تنزل النية و تفصيلها فالاعمال نية ظاهرة و النية عمل باطني و النية في العمل كالروح في الجسد فما لم‌يكن عمل لايكون للنية ظهور و ما لم‌يكن نية لايكون العمل حيا مؤثرا نافعا فاذا اجتمعا صار العمل مؤثرا نافعا فلاجل ذلك روي في الكافي عن ابي‌حمزة عن علي بن الحسين8 قال لا عمل الا بالنية و في الوسائل عن محمد بن يعقوب بسنده عن ابي‌عثمن العبدي عن جعفر عن آبائه عن اميرالمؤمنين7 قال قـال رسول اللّه9 لا قول الا بعمل و لا قول و لا عمل الا بنية و لا قول و عمل و نية الا باصابة السنة وعن سفيان بن عيينة عن ابي‌عبداللّه7 في حديث و النية افضل من العمل الا و ان النية هي العمل ثم تلا قوله تعالي (قل كل يعمل علي شاكلته) يعني علي نيته و عن ابن‌بابويه بسنده  عن ابي‌حمزة الثمالي عن علي بن الحسين7 قال لا حسب لقرشي و لا عربي الا بتواضع و لا كرم الا بتقوي و لا عمل الا بنية و لا عبادة الا بتفقه و عن الطوسي عن النبي9 انما الاعمال بالنيات و انما لكل امرء ما نوي ومن المجالس باسناده عن ابي‌ذر عن رسول اللّه9 في وصيته له قال يا اباذر ليكن لك في كل شي‌ء نية حتي في النوم و الاكل الخبر.

و اعلم ان النية نيتان نية نفس العمل يعني ان ينوي الانسان انه يصلي او يصوم او يحج و هي النية العامية التي يعرفونها من النية و نية وجه العمل و هي الباعثة علي العمل المحركة للانسان للعمل فلابد في العمل من نية حسنة حتي يكون العمل حسنا و ان كانت سيئة كان العمل سيئا و هذا معني قول النبي9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 142 *»

لكل امرء ما نوي و في الوسائل عن الكليني بسنده عن ابي‌بصير قال سألت اباعبداللّه7 عن حد العبادة التي اذا فعلها فاعلها كان مؤديا فقال حسن النية بالطاعة و عن البرقي بسنده قال سأل عيسي بن عبداللّه القمي اباعبداللّه7 و انا حاضر فقال ما العبادة فقال حسن النية بالطاعة من الوجه الذي يطاع اللّه منه انتهي.

و حقيقة هذا الامر ان للانسان نفسين نفسا امارة بالسوء و نفسا ناطقة قدسية اما النفس الامارة بالسوء فهي نفس منكوسة ظهرها الي العقل و الي عليين و وجهها الي الحيوانية و النباتية و الي سجين فاذا كان المستولية علي بدن الانسان هذه النفس و كانت هي الآمرة الناهية المستعملة للحواس و الاعضاء فهي لاتنوي في اعمالها الا شرا كيفما عملت فهذه الخبيثة ان تركت الاعمال الشرعية كانت كافرة و ان فعلت افسدتها فكانت باطلة و ان اصلحتها اشركت فيها فكانت مشركة اما غيرها باللّه عزوجل و اما نفسها و جلب منافعها و دفع مضارها ان لم‌تعتن بالعبادات فقد تهاونت و ان اعتنت وسوست فيها و دنستها و ان  لم‌تدنسها بالوسواس عجبت و ان لم‌تعجب اشركت و ان لم‌تشرك فخرت و تجبرت و افسدتها باي نية كانت و ان خلي عملها يوما ما من العيوب ابطلته بعصيان بعده و لاتتركه باقيا فهي كالحسكة اي وجه منها علا فيه شوكة او كالعذرة اي وجه منها علا فهي نتن الرايحة و لايكاد يصلح نيتها ابدا ابدا و لايكاد يعتدل عملها و ان اعتدل لايكاد يقع علي وجه صحيح حتي انها اذا منعت بخلت و ان اعطت بذرت و ان اقتصدت قصدت بها رياء او سمعة او منفعة او دفع مضرة ان سكتت اخلت بواجب و ان نطقت نطقت بحرام ان قعدت تقاعدت عن الفرايض و ان مشت مشت الي حرام و معصية.

بالجملة ليس عندها ذكر اللّه بوجه من الوجوه تستعين بشيطان علي شيطان و تلوذ بشيطان من شر شيطان ان سخطت سخطت تجبرا و ان رضيت رضيت شهوة ان تباعدت تباعدت كبرا و ان تقاربت تقاربت مكرا ماادري كيف اصفها اعاذنا اللّه من شرها و حسبك انه ليس عندها ذكر من اللّه سبحانه فهذه النفس ان استولت علي بدن لايكاد يصح نيته و عمله و سمها ما شئت من فاسقة و مجرمة و عاصية و شاكة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 143 *»

كافرة و مشركة و خبيثة و منافقة فانها اهله و محله و المستولي علي اغلب الابدان هذه الخبيثة و لذلك يكون المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و لايكاد يصدر منهم عمل للّه سبحانه فهذه النفس لاتنوي نية حسنة و نية خير ابدا ابدا و ان كان المستولية علي البدن النفس القدسية فهي بنت العقل و جزوه و تأييداتها منه و عملها علي حسب اشارته و دلالته و هي لاتعبد الا الرحمن و لاتكتسب الا الجنان فهي لاتنوي الا خيرا و لاتعمل الا للّه وحده لا شريك له ان سكتت فكرت و ان نطقت ذكرت ان ضحكت لم‌تخرق و ان غضبت لم‌تنزق تباعدها زهد و نزاهة و دنوها لين و رحمة ان رضيت لم‌يدخلها رضاها في اثم و ان سخطت لم‌يخرجها سخطها من قول الحق ان قدرت لم‌تتعاط  ما ليس لها ان عاملت عدلت ان حدثت صدقت ان وعدت وفت فهي كالمسك اي وجه منه علا طيب الرايحة فهذه النفس تقدر علي نية الخير و النية الحسنة و الطاعة للّه و لرسوله9 و العمل بالسنة الحنيفية ثم ان استولت هذه النفس علي امرء و عمل بمقتضاها حتي قهرت النفس الامارة تنقاد تلك الخبيثة و تطيع و تنوي ما تنوي القدسية قهرا و تبعا الي ان تطمئن و تسكن فتكون كالكلب المعلم فيحل صيدها كما قال اللّه تعالي (فكلوا مما امسكن عليكم) و الا فهي من حيث طبعها لاتنوي خيرا و لاتشتهي الا شرا.

و اما حقيقة اصلاح النية ففيه تفصيل ينبغي ان اذكره هنا و هو ان اللّه سبحانه خلق كل نسمة من وجود و ماهية و نور و ظلمة و جعل لكل واحد منهما فيه ظهورا و هو العقل الذي هو ظهور الوجود و النفس التي هي ظهور الماهية فالعقل خليفة النور و الوجود و وزيره لايدعو الا الي البر و العمل به و النفس هي خليفة الظلمة و الماهية تدعو الي الشر و العمل به و هذه النفس التي هي في مقابلة العقل هي الامارة بالسوء و هذان قد جعلا في قوة كل نسمة فهما قبل عرض دعوة المكملين كامنان في امكان كل انسان و هو صالح لان يكمل ما فيه من العقل فيصير بالفعل و يشتعل به و ان يكمل فيه النفس و تصير بالفعل و يشتعل بها و لان يشتعل بهذا مرة و بهذه اخري و اما هما معا فلايظهران و لايظهر آثارهما فانه يلزم منه التفكك و بعد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 144 *»

ما استخرجا بواسطة المكملين يكونان موجودين في الدهر قائمين فوق شهادة الانسان و فوق النفس الحيوانية و النباتية و هما متقلبتان مطاوعتان تحتهما فقد يستولي عليهما العقل و يشايعه النفس و قد يستولي عليهما النفس فيشايعها العقل فاذا استولت النفس و قهرت العقل لايمكن ان يصدر من صاحبها نية خير و عمل خير كما في اغلب الخلق و ان عملوا عملا صورته خير فلهم  في ذلك اغراض شتي نفسانية كما ذكرنا و اذا استولي العقل و قهر النفس امكن له نية الخير و العمل به بل لايصدر منه غير ذلك و ان عمل عملا صورته شر فانه فعله بنية خير كما صنعه خضر7 من خرق السفينة و قتل النفس بالجملة هذا الانسان الظاهر هو امكان استخراج كل منهما منه و هو مخير بان يطاوع اسباب الخير و يظهر منه العقل او يطاوع اسباب الشر فيخرج منه النفس فهذا الانسان مختار قادر علي طاعة كل من المكملين و لذا كلفه اللّه بطاعة محمد و آل‌محمد: و نهاه عن طاعة اعدائهم بل هو قادر علي الرجوع الي طاعة محمد و آل‌محمد: و ان اطاع سنين عديدة اعداءهم فان هذا الانسان ليس النفس بذاتيته دون العقل بل و لا العكس و لذا امره بالتوبة و الرجوع عن الكفر و ان زعم زاعم انه بعد طاعته للاعداء و ظهور النفس فيه صعب عليه الرجوع و التوبة قلت الصعوبة غير الامتناع و اللّه العدل اولي بالعذر لايكلف نفسا الا وسعها فاذا ابطأ السالك في الباطل سنين اجابة الحق لايلومه اللّه علي ابطاء الاجابة و لايريد منه سرعة السابقين و ان لامه بسلوك الباطل سنين مع وجود داعي الحق في المقابل بالجملة انت يا ايها الانسان و يا ايتها النفس الجانية الفانية تقدر علي نية الخير و انت مختار فان اطعت المكملين للعقول ازداد قوة العقل فيك يوما فيوما و قوي نيتك الخير يوما فيوما و انت في اول الامر لاتقدر علي نية بخلوص نية السابقين و عباد اللّه المخلصين و لايراد منك ذلك و لاتكلف بذلك و انما يراد منك ان تحسن نيتك علي ما تقدر عليه فمن عمل بما قدر آتاه اللّه قوة علي ما لايقدر فيزداد قوته في الخير.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 145 *»

فصل: هنا مسئلة مشكلة لا علينا ان نشير اليها و هي ان الناقص اعماله ايضا ناقصة و نيته ايضا ناقصة فكيف يصير العمل سبب ترقي العامل بل ذلك جار في جميع  العاملين فان لكل شخص درجة و اعماله علي حسب حاله في تلك الدرجة كائنة ما كانت فكيف يوجب العمل ترقي العامل عن درجته و جواب هذه المسئلة لايوجد الا عندنا و لا قوة الا باللّه و لايعرف الا في حكمتنا التي منحنا اللّه اياها و له الحمد و هو ان الذات هي الفعلية المحضة التي لا قوة فيها بوجه من الوجوه و هي الوجود المحض و الامكان هو دار قوة و عدم و لايخرج من تلك القوي شي‌ء الي الفعلية الا بفضل الذات و جودها الذي هو امره و فعله فاذا وقع نور امره و مثال فعله علي تلك القوي اخرجها من العدم الي الوجود و من القوة الي الفعلية و الفعلية اشرف من القوة و مقدمة عليها وجودا و ان كانت مؤخرة عنها ظهورا و الوجود اشرف من العدم فالامكان كلما يخرج من قويها شي‌ء الي الفعلية يزداد شبها بامر اللّه جل شأنه و يرتفع رتبة و يزداد نعامة و رقة و انبساطا كما يزداد الزيت شبها بالنار اذا خرج النار التي في امكانه الي الفعلية.

فاذا عرفت ذلك اقول ان اللّه سبحانه خلق كل انسان من وجود و ماهية و وجوده امكان جميع الاعمال الصالحة و الصفات الحسنة فيمكن ان يتصف بكلها و ما لم‌يتصف بصفة هي في قوته و ماهيته امكان جميع الاعمال الطالحة و الصفات القبيحة فيمكن ان تتصف بكلها و ما لم‌تتصف بصفة هي في قوتها فاذا عمل الانسان بمقتضي وجوده و خرج من قوته الي الفعلية صفات حسنة ازداد نعامة و لطافة و شبها بامر اللّه سبحانه المحبوب فترقي درجة و اذا عمل في تلك الدرجة باعمال حسنة اخر ازداد نعامة و لطافة و شبها بمشية اللّه المحبوبة و هكذا فلذلك يترقي الانسان باعماله الصالحة علي ما يمكنه في اي درجة كان و اذا عمل بمقتضي ماهيته ازدادت نعامة و شبها بمشية اللّه المبغوضة و صارت ادهي و امر و ابغض الي اللّه سبحانه فان عدم الشر خير من وجوده فيتنزل و يزداد  بعدا عن مبدء الخير و عن اللّه سبحانه في الشرع فالطاعات مرقية للانسان كائنة ما كانت و المعاصي منزلة للانسان كائنة ما كانت و لاجل ذلك نري في علم التكسير انه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 146 *»

كلما يزداد تكسير الحروف و يخرج من قويها حروف و تراكيب كانت كامنة فيها ازدادت انبساطا و كمالا و قوة و احاطة و كذلك في علم الاكسير كلما يزداد انحلاله و تنعيمه و تهبيته يزداد غوصا و نفوذا و انتشارا و تأثيرا في الجسد الملقي عليه و ذلك سر التضعيف فكلما حللته و عقدته ترقي درجة و يكمل اكثر مما كان يكمل و الحل لايكون الا بالحرارة و الرطوبة و العقد لايكون الا بالبرودة و اليبوسة فاذا حصل في المؤمن رطوبة المطاوعة و اثر فيه حر نار التكليف التي هي نار الفلق انحل و رق و ظهر منه فعلية كانت من ورائه و كمنت فيه و ظهر علي ظاهره ما كان في باطنه و قرب من المبدء الذي هو الفعلية المحضة من ورائه و تقرب اليه فاذا انعقد عليه صعد درجة فاذا انحل ثانيا ظهر من كمونه فعلية اعلي و اشرف كلما رفعت لهم عملا وضعت لهم علما تدلج بين يدي المدلج من خلقك فيا ايها المستنصح الصفي لاتستصغر طاعة فانها مصعدك درجة لامحة و لا معصية فانها منزلك درجة لامحة.

فصل: و هنا دقيقة اخري احب التنبيه عليها لان غرضي في هذا الكتاب معرفة حقيقة الطريقة و اسرارها فاعلم ان المادة كما عرفت مقام القوة و العدم و الصورة كما عرفت مقام الفعلية و الوجود و الصورة كانت قبل بروزها كامنة في المادة و في قوتها و لم‌تك تخرج الي الخارج و الشهود الا بمكمل خارجي و ليس لنفس المادة في اخراج تلك الصورة الي عرصة الشهود صنع و انما الصنع من المكمل الخارجي و الذي من المادة هو المطاوعة و القبول و المكمل صفة تكميله ان يلقي علي المادة نار مثال فعله  فاذا كان للمادة رطوبة مطاوعة انحلت المادة بتلك الحرارة و الرطوبة انحلالا فتنعم و تتلطف و ترق و هو تمكين الفاعل للمفعول الذي لابد منه في التكميل و التكوين فاذا مكنه و اعده قوي ذلك المثال الذي هو الذات الظاهرة الخاصة و الفعلية الخاصة ما من جنسه في تلك المادة في كمونها فيصير ذاتا خاصة مثله و تصير بالفعل فيشتد تذوت تلك المادة من تلك الجهة فاذا تذوتت المادة من تلك الجهة صارت منشأ اثر مشاكل كما قال اميرالمؤمنين7

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 147 *»

القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فاذا تقوي ما من جنس ذلك المثال الفعلي في المادة احال ظاهر المادة المتمكن بتمكين الفاعل اياه الي شكله فصار ذلك الظاهر المستحيل ظاهر ذلك المتقوي فتكثف ذلك المتقوي في ذلك الظاهر و ترقق ذلك الظاهر بذلك المتقوي فاشتعل غيبه في شهادته فاتصفت المادة بظهور ذلك المتقوي من باب انتم لباس لهن كما خصص و عين ذلك الظاهر ذلك الغيب علي حسب رقته و غلظته و كمه و كيفه و صفائه و كدورته فاما ان يوافق ذلك المثال و اما ان يخالف فذلك الظاهر يصير ذاتا ظاهرة و ذلك المتقوي يصير ذاتا باطنة و كذلك يتذوت بالفعل المادة بظاهرها و باطنها فتزداد استقلالا و شبها بذلك الفاعل المكمل و هكذا اذا عمل فيه مكمل آخر اقوي فالمادة الامكانية تزداد تذوتا ابدا و لاتصير ذاتا محضة و فعلية خالصة لانها في دار القوة و لما كانت و ما في قوتها لا نهاية لها تخرج شيئا بعد شي‌ء بلا نهاية فتزداد شبها بذات المكمل ابدا بلا نهاية و لاتصل اليها ابدا فمرادنا من ان الصورة فعلية و وجود و المادة قوة و عدم هذا فالمادة التي هي العدم تتذوت آنا فآنا و تصير بالفعل شيئا بعد شي‌ء و هذه الصورة لها غيب و شهادة كما عرفت و يتغير ذاتية المادة بهذه الصورة غيبها بغيبها و شهادتها بشهادتها  و تترقي غيبا و شهادة لاجل انها تتذوت غيبا و شهادة فالصورة التي هي اشرف من المادة هذه الصورة و هي مقدمة وجودا و مؤخرة ظهورا و هي صورة شرعية عارضة علي المادة بتكميل المكمل الخارجي الذي كمل المادة فجعلها اكمل غيبا و شهادة و باطنا و ظاهرا و مادة و صورة.

و اما المادة و الصورة الكونيتان فالمادة اشرف من الصورة فان الصورة هناك انفعال المادة و جهتها من نفسها و المادة هناك اثر فعل الفاعل و هما كالكسر و الانكسار و الانكسار فعل الكسر و الفاعل اشرف من الفعل البتة و الكسر اشد شبها بفعل الفاعل من الانكسار و اشد فعلية و تذوتا فبعد ما وجدتا و صارتا شيئا واحدا صار هذا الشي‌ء الواحد مادة للصورة الشرعية و محلا لها و كذلك الصورة الشرعية لها مادة و صورة و مادتها اشرف من صورتها مادتها اثر فعل المكمل و مثاله و صورتها من قبول ذلك الكون و مثال هذين المقامين كالمرآة و المثال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 148 *»

الملقي فيها من الشمس فالمرآة لها مادة و صورة فمادتها التي هي اثر فعل الفاعل اشرف من صورتها التي هي الانفعال و بعد حصولهما و تحقق المرآة يقع فيها مثال الشمس و يفيدها صورة و هي صورة البريق و اللمعان و الصفرة فهذه الصورة اشرف من المرآة و لهذه الصورة مادة من مثال الشمس و صورة من قبول المرآة و هذه المادة ايضا اشرف من هذه الصورة و الصورة الحاصلة للمرآة من اشراق الشمس مقدمة علي المرآة وجودا مؤخرة عنها ظهورا فالصورة التي هي اخس من المادة بقول مطلق هي انفعال الاثر و هي الصورة الكونية فالشرع مطلقا روح الكون مقدم عليه وجودا مؤخر عنه شهودا ظاهر عليه بالوصفية كما يظهر الوجود علي الماهية بالوصفية فتكون موجودة هن لباس لكم و انتم لباس لهن فافهم و يكفي في هذا الكتاب هذا القدر من البيان فلنعد الي ما كنا فيه من امر النية.

فصل: في الاخلاص اعلم ان الواجب للانسان اصلاح النية و اصلاحها اخلاصها للّه سبحانه بان تقصد اللّه وحده بعبادتك و طاعتك لاتشرك به شيئا فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لايشرك بعبادة ربه احدا  و الشرك شركان شرك ظاهر بايقاعك العمل رياء و سمعة فذلك قبحه واضح و قد اوضح و قيل و كتب حتي عرفه كل عالم و جاهل و لانحتاج الي شرحه هنا و لكن الاشكال و الداء العضال الذي يقتضي شرحه الحال هو الشرك الباطني و هو ان تعمل العمل لتفوز بنعيم الجنان او تنجو من حريق النيران فلهذه النية وجهان فاما ان تجعل المقصود بالعمل نجاتك و تعمل بامر اللّه ليحصل لك النجاة فلو حصلت لك بعملك بامر غيره لفعلت فتطيعه لاجل نجاتك علي حذو قول الشاعر:

احب ابامروان من اجل تمره و لو لم‌يكن تمر له مااحبه

فانت حينئذ معبودك نفسك و انما اللّه هو جهة العبادة و ليس بمعبود البتة و اما ان تعبد اللّه وحده و تريد الجنة لانها دار رضاه و تكره النار لانها دار سخطه فحينئذ يكون المعبود هو اللّه جل جلاله و الجنة و النار جهة العبادة فلو لم‌يرض اللّه الجنة لم‌تردها و لو لم‌يسخط اللّه النار لم‌تكرهها فذلك هو الاخلاص في العبادة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 149 *»

التوحيد في العبادة حقا و هذا هو الذي يعبر عنه بقصد القربة الي اللّه جل جلاله فليس قصد القربة ايضا علي ظاهره فانها ايضا تحتمل الشرك و التوحيد معا فانك لو قصدت قربه لتكمل نفسك و تعلو و تصير مستوليا علي غيرك قادرا علي ما تريد فذلك ايضا شرك كالعمل الذي تريد به الجنة لتتنعم و تتلذذ و تنجو من العذاب و تصير ملكا في الجنة و خدمها و حشمها اذ ليس الجنة الا دار قرب اللّه فلو قصدت القربة لكمال نفسك علي معني انه لو حصل بقرب غيره  لاطعته لكنت مشركا البتة كمن يطيع السلطان لاجل قربه و يريد القرب لاجل الاستيلاء و المناصب و نيل الرياسة و حطام الدنيا فلو حصل له ذلك بغير هذا السلطان لآثر طاعته علي طاعة هذا فذلك طاعة النفس و عبادتها و انما السلطان جهة عبادة و اما لو قصدت قربه لاجل رضاه جل جلاله ذلك و محبته قربك منه فذلك هو التوحيد فهذا التوحيد امر عظيم و خطب جسيم لايناله الا الخصيصون الابرار و الكملون الاخيار و لاجل ذلك روي في الوسائل عن الكليني بسنده عن هرون بن خارجة عن ابي‌عبداللّه7 قال العبادة ثلثة قوم عبدوا اللّه عزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالي طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء و قوم عبدوا اللّه عز و جل حبا له فتلك عبادة الاحرار و هي افضل العبادة و عن ابن‌بابويه عن يونس بن ظبيان قال قـال الصادق جعفر بن محمد8 ان الناس يعبدون اللّه عز و جل علي ثلاثة اوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء و هو الطمع و آخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد و هي رهبة و لكني اعبده حبا  له عزوجل فتلك عبادة الكرام و هو الامن لقوله عزوجل (و هم من فزع يومئذ آمنون) و لقوله عزوجل (ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه و يغفر لكم ذنوبكم) فمن احب اللّه عزوجل احبه اللّه و من احبه اللّه تعالي كان من الآمنين و من نهج‌البلاغة عن اميرالمؤمنين7 انه قال ان قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار و ان قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد و ان قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الاحرار انتهي  و هذا هو قول النبي9 حين عوتب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 150 *»

علي اجتهاده فقال أفلااكون عبدا شكورا و قال اللّه سبحانه (اعملوا آل‌داود شكرا و قليل من عبادي الشكور) و ذلك ان العمل لاجل الشكر و لاجل حبه  جل جلاله مقام عظيم و خطب جسيم و هو حظ الخصيصين الاخيار و الكملين الاحرار و هل هذا الشرك اي العبادة رغبة و رهبة مغفور ام لا الذي افهم من الآيات و الاخبار انه مغفور و لكنه نقص و قصور و انما يعفو اللّه سبحانه عنهم لاجل عدم قدرتهم علي عبادة الاحرار فانه مقام الخصيصين الاخيار و لو لم‌يقبل الا عنهم لهلك الناس اجمعون و غفران اللّه لشيعة آل‌محمد قويهم و ضعيفهم من الامور المتواترة في الاخبار بل الظاهر من الاخبار رجاء الغفران لاهل التوحيد غير الناصبين اذا كانوا محسنين و من البديهيات ان العبادة حبا و شكرا ليست بحاصلة لواحد منهم فليس هذا الشرك كالشرك الجلي يعني لايوجب دخول النار و الخلود فيها و لكن له اثر و هم مأخوذون به بحط الدرجات و نقصان الحظ في الآخرة و الجنة و في الحقيقة كل منحط عن درجة عالية مأخوذ بذنب اكتسبه الا ان الذنوب لها درجات فمنها ما يوجب حط الدرجة في الجنة و منها ما يوجب الخروج عن الجنة و الوقوع في الاعراف و منها ما يوجب دخول النار فهذا الشرك شرك يوجب انحطاط الدرجة الا ان يلحقه شفاعة شفيع فيصعد عن تلك الدرجة المنحطة و ذلك منتهي تحرير المسئلة و الذي يظهر من الكتاب و السنة قال اللّه سبحانه (معاذ اللّه ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده) و اللّه سبحانه اجل من ان يعد عبده الضعيف الطامع انك لو عملت لي كذا فلك عندي كذا فيعمل العبد ذلك العمل طمع عدته سبحانه فيحرمه و كفاه ايمانه باللّه و تصديقه له و لرسوله المخبر عنه و لاوليائه المؤدين عنه و بجنته و ناره و الحشر و النشر لاسيما اذا فهم ان ذلك نقص و عاتب نفسه و لم‌تطاوعه قصورا و لكل منا مقام معلوم أليس يقول اللّه سبحانه (لمثل هذا فليعمل العاملون أذلك خير نزلا ام شجرة الزقوم) و يقول (يدعوننا رغبا و رهبا) و يقول (ادعوا  ربكم تضرعا و خفية) و امثال ذلك و يدل عليه قوله7 في حديث هرون بن خارجة و هي افضل العبادة فلاختيها ايضا فضل نعم الكمال كل الكمال في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 151 *»

الاخلاص في النية و الحر لايرضي بغير العمل خالصا لوجهه الكريم و لايؤثر علي وجه ربه شيئا و عن الكليني بسنده عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال اميرالمؤمنين7 في حديث بالاخلاص يكون الخلاص و عن علي بن اسباط عن ابي‌الحسن الرضا7 ان اميرالمؤمنين7 قال طوبي لمن اخلص للّه العبادة و الدعاء و لم‌يشغل قلبه بما تري عيناه و لم‌ينس ذكر اللّه بما تسمع اذناه و لم‌يحزن صدره بما اعطي غيره  و عن سفيان بن عيينة عن ابي‌عبداللّه7 قال الابقاء علي العمل حتي يخلص اشد من العمل و العمل الخالص الذي لاتريد ان يحمدك عليه احد الا اللّه عزوجل و بالاسناد قال سألته عن قول اللّه عز و جل (الا من اتي اللّه بقلب سليم) قال السليم الذي يلقي ربه و ليس فيه احد سواه قال و كل قلب فيه شك او شرك فهو ساقط و انما ارادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة  و عن البرقي بسنده عن يونس بن مسكان عن ابي‌عبداللّه7 في قول اللّه (حنيفا مسلما) قال خالصا مخلصا لايشوبه شي‌ء و عن علي بن سالم عن ابي‌عبداللّه7 قال اللّه عزوجل انا خير شريك من اشرك معي غيري في عمل لم‌اقبله الا ما كان لي خالصا و عن بعض اصحابنا عن ابي‌جعفر7 قال ما بين الحق و الباطل الا قلة العقل قيل وكيف ذلك يا بن رسول اللّه قال ان العبد يعمل العمل الذي هو للّه رضا فيريد به غير اللّه فلو انه اخلص للّه لجاءه الذي يريد في اسرع من ذلك  الي غير ذلك من الاخبار.

و لما كان الاخلاص من المعاني المشكلة احب الاشارة اليه اعلم ان كل شي‌ء يحب ما يجانسه و يألف به و يبغض ما يخالفه  و ينفر عنه فان المجانس يقتضي ما يقتضي مجانسه فيريد ما يريد و يكون علي ما يكون و يطلب حيزه و درجته و حده و مكانه و يتصف بما يتصف و يميل الي ما يميل و كلما يزداد المجانسة و ينقص ما به التمايز بينهما ازداد تدانيهما فيريد كل واحد الاتصال بالآخر حتي يريد كل واحد عين ما يريد الآخر و يريد ان يكون في عين الحد الذي يكون فيه الآخر فذلك هو انجذاب كل واحد الي الآخر و ميل كل واحد الي الآخر لا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 152 *»

لاجل شي‌ء غير نفسه و لايلاحظ احدهما جلب منفعة من الآخر و لا دفع مضرة بل لايريد كل واحد منهما الا ان يكون علي ما عليه الآخر فاذا كان احدهما اقوي في جنس ما عليه الآخر انجذب اليه الآخر و يجذب الاقوي الاضعف لانه يقع مثال القوي علي الضعيف فيتكمل ما في الضعيف ما هو من جنس القوي اسرع شي‌ء لسر المجانسة فيقتضي اللحوق بدرجة القوي و هذا هو جذب القوي و دعوته اياه لللحوق به و هو انجذاب الضعيف اليه و تكمله به و سيره اليه و لحوقه به و اما المنافر فهو طالب حيز غير حيز المنافر فهو مدبر عنه فار منه يتصف بغير ما يتصف به الآخر و يميل الي غير ما يميل اليه و يطلب غير ما لديه و يقتضي غير ما يقتضي البتة و من البين ان الانسان روحه من روح اللّه و طبيعته علي خلاف كينونة اللّه كما في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و المراد من الروح هو جهة الرب و الطبيعة جهة النفس فهو من حيث انه اثر الرب علي طبق مشية اللّه التي هي محبة اللّه و ظهور اللّه و صفات اللّه و اسماؤه و من حيث نفسه علي خلاف مشية اللّه المحبوبة فحيث النفس منافر لصفات اللّه و كماله و لايكاد يطلب رضا اللّه سبحانه و يطلب قربه و الاتصال بصفات اللّه ابدا ابدا و لايعمل شيئا ابتغاء وجهه و اما حيث الرب فهو مجانس لصفات اللّه  جل و عز و كماله و هو صفته و كماله و مثاله و آيته فلايكاد يطلب شيئا سواه و لايعمل لغيره و لايري معه غيره و لايقصد شيئا عداه و حيث الرب هو نور اللّه الذي اشار اليه رسول اللّه9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و فسره وليه بالنور الذي خلق منه و هو مادة روح الايمان و يعبر عنه بالفؤاد ماكذب الفؤاد ما رأي و هو الوجه الناظر الي ربه الناضرفمن تحقق فيه ذلك النور امكن له الاخلاص و قصد اللّه جل جلاله و لايريده لاجل جلب نفع او دفع مضرة بل يريده بالطبع بلا وجه و لا سبب و لا باعث و انما يحبه له و به و ينجذب اليه بلاعلة غيره و من لم‌يتحقق فيه ذلك فان تحقق فيه العقل قصد اللّه جل جلاله طمعا و ان تحقق فيه النفس قصد اللّه خوفا كما يأتي تفصيل الخوف و الرجاء في فصلين مستقلين ان‌شاء اللّه تعالي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 153 *»

و اما من فقد هذه المراتب فلايكاد يقصد فان الطبيعة فما دونها علي خلاف كينونة اللّه ففي مصباح‌الشريعة في باب البيان قال7 نجوي العارفين تدور علي ثلثة اصول الخوف و الرجاء و الحب فالخوف فرع العلم و الرجاء فرع اليقين و الحب فرع المعرفة فدليل الخوف الهرب و دليل الرجاء الطلب و دليل الحب ايثار المحبوب علي ما سواه فاذا تحقق العلم في الصدر خاف و اذا صح الخوف هرب و اذا هرب نجا و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكن من رؤية الفضل رجا و اذا وجد حلاوة الرجا طلب و اذا وفق للطلب وجد و اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و اذا هاج ريح المحبة استأنس في ظلال المحبوب و آثر المحبوب علي ما سواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و اختارهما علي كل شي‌ء غيرهما و اذا استقام علي بساط الانس بالمحبوب مع اداء اوامره و اجتناب نواهيه وصل الي روح المناجاة و القرب الخبر،  فتبين ان القرب لايحصل الا بالحب و الحب فرع المعرفة و المعرفة من شأن الفؤاد ماكذب الفؤاد ما رأي فالاخلاص و قصد القربة و العمل حبا للّه و شكرا هو شأن اولي الافئدة و ليس هو شأن اولي الالباب العقلاء و لا شأن اولي النفوس العلماء و انما هو شأن الحكماء العرفاء و هم الخصيصون من النبلاء.

و هل هذا المقام كسبي يجب الاجتهاد في طلبه او هو خلقي موهوبي فاقول كما قلت سابقا في امر النية و ازيد هنا زيادة و هي ان اللّه سبحانه جعل في قوة الانسان جميع ما اراد منه و خلق لاخراجها اسبابا و هي الدعاة الي الخير و دعوتهم هي مثالهم الملقي علي مادة الانسان فهذا هو ما من اللّه سبحانه و لا قصور فيه و قد هيأه و اوجده و بقي من الانسان المطاوعة التي جعلها في وسعه و جعله مختارا و ان كان باختيار محفوظ بحفظه ان يطاوع و يمتنع و كلف بالمطاوعة فاذا طاوع الانسان اوامر الشارع و باشرها و اجتنب نواهيه بقدر ما يمكنه في رتبته و مقامه استعد للترقي الي الدرجة العلياء فان امتثل اوامر الشارع ظاهرا وجد له بدن الايمان و صورة الاذعان و طلب من اللّه حقيقته فوهب اللّه له ذلك كما اذا تصور البدن في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 154 *»

الرحم بصورة الانسان افيض عليه روح الانسان و ان تصور بصورة الحيوان افيض عليه روح الحيوان و ذلك التصور هو التمكين و هو يحصل بتمكين الشارع بامره و نهيه و امثل لك في ذلك مثالا لكي تعتبر به ان الدهن مايع سيال بارد و لكن جعل اللّه في غيبه النار و هي الآن فيه بالقوة و حجبها رطوبة الدهن و برده فاذا قارنه نار بالفعل القت عليه مثالها الذي هو الحرارة و اليبوسة فبيبوسته يجفف رطوبات الدهن الظاهرة و يفرقها و بحرارته يطرد برده و يسخنه و هذا هو مثال تمكين القابلية و تصوير البدن في رحم الصنعة فاذا تمكن القابلية و تصورت بصورة مناسبة للنار و هي الدخان افيض عليه  النار من غيبه علي شهادته فيشتعل نارا و يصير ذا حقيقة نارية و هو قبل ظهور النار عليه كان جميع اعماله ناقصة اذ العمل الكامل هو عمل النار و هو الاحراق و التجفيف و التكليس و امثال ذلك و اني للدهن و الدخان ذلك و لكنه اذا طاوع النار الداعية المكملة بقدر ما يمكنه وصل الي درجة ظهر عليه النار و اشتعلت فيه فالقت في هويته مثالها فاظهرت عنه افعالها فالنار مثل الشارع الداعي الي الحق و الي طريق مستقيم و مثالها مثل دعوته و دلالته الي مشاكله ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه،  و من يتولهم منكم فانه منهم،  من تبعني فانه مني و مثل تلطف الدهن و تسخنه و تجففه مثل امتثال العبد الناقص و تصوره بصورة لايقة لافاضة الفؤاد عليه فان الشارع الداعي بصورته هذه افيض عليه الفؤاد لو عصيت لهويت فاذا شاكله الناقص استحق ما استحقه علي حسب المشاكلة فاذا تصور بصورة مشاكلة لصورة الداعي ذي الفؤاد بالفعل استحق افاضة الفؤاد و روح الايمان عليه من غيبه و صيرورته فيه بالفعل فاياكم اياكم ان يغويكم الشيطان و يقول لكم ان الفؤاد امر موهوبي و انت لست من اهله و لست من فرسان ميدان الاخلاص و من جلاس مجلس الاختصاص بل اعملوا بالطاعات و تصوروا بصورة الدعاة حتي يفاض عليكم ما افيض عليهم غاية الامر انه علي حسب صفائكم و كدورتكم و روي ما معناه ما من شي‌ء يقربكم من الجنة و يبعدكم من النار الا و قد امرتكم به و ما من شي‌ء يبعدكم من الجنة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 155 *»

و يقربكم من النار الا و قد نهيتكم عنه فلايحصل لكم شي‌ء مما يمكن للعباد ان ينالوه الا بالعمل و الطاعة علي حسب ما يمكنكم من عمل بما علم اورثه اللّه علم ما لم‌يعلم فافهم.

فصل: في بعض المسائل المتعلق بامر النية اعلم ان النية كما عرفت  عمل باطني كما ان العمل نية ظاهرة يعني ان العمل قصد الجسد الي جهة العبادة و ميله و حركته اليها و النية هي عمل الروح و حركتها الي جهة العبادة لاجل المعبود فالنية روح العمل و العمل جسدها لا ظهور لها الا به و لا حيوة له الا بها و تختلف درجات النية بحسب اختلاف درجات الباطن من المثال و المادة و الطبيعة و النفس و الروح و العقل و الفؤاد و سيأتي تفصيل ذلك في خلال المقاصد ان شاء اللّه و لكن قد ينوي الانسان نية و يميل بباطنه الي شي‌ء لعدم المانع الباطني لميله و لايظهر من بدنه صورتها التي هي العمل لاجل المانع في الشهادة فيحصل له النية بلا عمل فهذه النية ان كانت خيرا كانت صادرة من فؤاده اي نوره و عقله و نفسه الناطقة القدسية و تجري في ساير مراتبه لقهرها اياها و ان كانت شرا كانت صادرة من ظلمته و جهله و نفسه الامارة بالسوء و تجري في ساير مراتبه لقهرها اياها قل كل يعمل علي شاكلته فنية الخير من تلك المراتب النورية من مقتضي ذاتها فهي متأصلة و ان لم‌تظهر في البدن و نية الشر من تلك المراتب الظلمانية من مقتضي ذاتها فهي ايضا متأصلة في سجين و ان لم‌تظهر في البدن فنية الخير مكتوبة للمؤمنين و يثابون بها البتة و نية الشر مكتوبة للكافرين و يعاقبون بها البتة ففي الوسائل عن الكليني بسنده عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 نية المؤمن خير من عمله و نية الكافر شر من عمله و كل عامل يعمل علي نيته و عن ابي‌هاشم قال قـال ابوعبداللّه7 انما خلد اهل النار في النار لان نياتهم كانت في الدنيا ان لو خلدوا فيها ان يعصوا اللّه ابدا و انما خلد اهل الجنة في الجنة لان نياتهم كانت في الدنيا ان لو بقوا فيها ان يطيعوا اللّه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 156 *»

 ابدا فبالنيات خلد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالي (قل كل يعمل علي شاكلته) قال علي نيته و عن ابن‌بابويه بسنده عن جابر عن ابي‌جعفر7 قال قـال لي يا جابر يكتب للمؤمن في سقمه من العمل الصالح ما كان يكتب في صحته و يكتب للكافر في سقمه من العمل الشر ما كان يكتب في صحته ثم قال يا جابر ما اشد هذا من حديث انتهي و قد اوضحنا سره ببركاتهم صلوات اللّه عليهم و اما اذا نوي المؤمن الشر و لم‌يعمله ببدنه فان نية شر المؤمن ليست من ذاته و انما هي من لطخه بطينة الكافر و هي بالنسبة اليه عرضية فلايكتب له حتي يعمله ببدنه و اما نية خيره فمن مقتضي ذاتيته و لها تأصل و تذوت و تكون منشأ اثر فتكتب له و يثاب بها ففي الوسائل عن الكليني بسنده الي زرارة عن احدهما8 قال ان اللّه تبارك و تعالي جعل لآدم في ذريته ان من همّ بحسنة فلم‌يعملها كتبت له حسنة و من همّ بحسنة و عملها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 157 *»

كتبت له عشرا و من همّ بسيئة لم‌تكتب عليه و من همّ بها و عملها كتبت عليه سيئة انتهي و هذا مخصوص بالمؤمنين فانهم من ذرية آدم.

و اما الكفار فليسوا من ذرية آدم بل هم من ذرية ابليس لعنه اللّه كما روي من احبنا كان نطفة العبد و من ابغضنا كان نطفة الشيطان و روي في قوله تعالي (و لقد كرمنا بني‌آدم) ان اللّه لايكرم روح الكافر و لكن يكرم ارواح المؤمنين الخبر، ولاجل ذلك خص الامر بالمؤمنين فيما رواه في الوسائل عن الكليني بسنده عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه7 قال ان المؤمن ليهمّ بالحسنة لايعمل بها فتكتب له حسنة و ان هو عملها كتبت له عشر حسنات و ان المؤمن ليهمّ بالسيئة ان يعملها فلايعملها فلاتكتب عليه انتهي.

و سر العشر ان المؤمن خلق من عشر قبضات تسعة من الافلاك و واحدة من الارض فمن عمل من المؤمنين بحسنة مرت علي قبضاته العشر و كتبت له في كل قبضة حسنة و اذا لم‌يعمل و لم‌يتوجه نفسه الي بدنه بل الي الاعلي التحقت النية بمبدئها فكتب  له حسنة و اما ما رواه عن ابن‌بابويه عن حمزة بن حمران عن ابي‌عبداللّه7 قال من همّ بحسنة فلم‌يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا و يضاعف اللّه لمن يشاء الي سبعمائة و من همّ بسيئة فلم‌يعملها لم‌تكتب عليه حتي يعملها فان لم‌يعملها كتبت له حسنة و ان عملها اجل تسع ساعات فان تاب و ندم عليها لم‌تكتب و ان لم‌يتب و لم‌يندم عليها كتب عليه سيئة انتهي.

و اما سر المضاعفة فان المؤمن كلما يتقوي في مراتب ايمانه ينحل عقد وجوده و يصير فيه ما جعل اللّه في قوته بالفعل اكثر علي حسب درجة ايمانه فبذلك يحصل له درجات عديدة و في كل درجة يكتب له حسنة الي ان يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب.

و اما سر تأجيل تسع ساعات فان اصل السيئة من الماهية و اصلها في غاية البعد عن المبدء فان لم‌يعمل بها المؤمن فلاتكتب عليه لانها ليست متأصلة في المؤمن و لاتستقر في مراتبه بمحض النية و اما ان عمل ببدنه ذلك فان تاب و ندم عليها لم‌تكتب عليه ايضا و ان لم‌يندم و لم‌يتب منها صعد بخاره الي مراتبه حتي يبلغ صدره الذي من القبضة الكرسية و لم‌يبلغ قلبه الذي من القبضة العرشية فان العقل يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان و المؤمن قلبه محفوظ بحفظ اللّه فان لم‌يتب حتي وصل صدره استقرت عليه و كتبت عليه سيئة واحدة فانها في مراتبه الثمانية العليا عرضية و لاتنطبع فيها لغلبة نور الوجود عليها و لطافتها و من ماهيته و قبضته الارضية ذاتية و تثبت فيها لكثافتها و ما لم‌تصل الي صدره لم‌تثبت في جسده فانه تابع لنفسه فان مكنته نفسه استقرت فيه و الا فلا فلاتكتب عليه الا سيئة واحدة و روي انه يؤجل سبع ساعات فالسبع بملاحظة ان الحصة التي فيه من فلك زحل هي عاقلته و هي  تابعة للعقل و بملاحظة ان صدره ايضا محفوظ و نفسه مطمئنة مؤيدة بتأييد العقل و عن محمد بن الحسن بسنده عن ابي‌ذر عن النبي9 في وصية له قال يا اباذر همّ بالحسنة و ان لم‌تعملها لكي لاتكتب من الغافلين و عن عبدالعظيم الحسني عن ابي‌جعفر عن آبائه عن اميرالمؤمنين: في حديث قال ان اللّه بكرمه و فضله يدخل العبد بصدق النية و السريرة الصالحة الجنة.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 158 *»

و اما ما روي ان نية المؤمن خير من عمله و النية افضل من العمل مع ان العمل لايخلو من نية فقد روي في تفسيره في الوسائل عن ابن‌بابويه بسنده عن زيد الشحام قال قلت لابي‌عبداللّه7 اني سمعت تقول نية المؤمن خير من عمله فكيف تكون خيرا من العمل قال لان العمل ربما يكون رياء للمخلوقين و النية خالصة لرب العالمين فيعطي عزوجل علي النية ما لايعطي علي العمل قال و قال ابوعبداللّه7 ان العبد لينوي من نهاره ان يصلي بالليل فيغلبه عينه فينام فيثبت اللّه له صلوته و يكتب نفسه تسبيحا و يجعل نومه عليه صدقة و بسنده عن الحسن بن الحسين الانصاري عن بعض رجاله عن ابي‌جعفر7 انه كان يقول نية المؤمن افضل من عمله و ذلك لانه ينوي من الخير ما لايدركه و نية الكافر شر من عمله لان الكافر ينوي الشر و يأمل من الشر ما لايدركه و عن النبي9 نية المؤمن ابلغ من عمله و كذلك نية الفاجر .

اقول فقد ظهر من هذه الاخبار ان نية المؤمن افضل من عمله من وجهين احدهما ان نوع نيته افضل من نوع عمله فان عمله قليل و نيته كثيرة فهو ينوي ان يعمل اعمالا كثيرة و لايتمكن منها و ثانيهما انها افضل من عمله خصوصا فانه يريد ان يزكي عمله و يؤديه علي وجه لايشوبه نقص و دنس بوجه من الوجوه  و لايقدر علي ان يعمل علي ما يحب فنية المؤمن دائما افضل من عمله و يعطيه اللّه بنيته من الاجر ما لايعطيه بعمله نوعا و شخصا و نذكر هنا بعض الاخبار الواردة في الباب عظة للمؤمنين ففي الوسائل عن الكليني بسنده عن عمر بن يزيد عن ابي‌عبداللّه7 ان رسول اللّه9 كان يقول من اسر سريرة رداه اللّه رداها ان خيرا فخير و ان شرا فشر و بسنده عن عبداللّه بن موسي عن جعفر عن ابيه7 قال سألته عن الملكين هل يعلمان بالذنب اذا اراد العبد ان يفعله او الحسنة فقال ريح الكنيف و الطيب سواء قلت لا قال ان العبد اذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال قم فانه قد همّ بالحسنة فاذا فعلها كان لسانه قلمه و ريقه مداده فاثبتها له و اذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 159 *»

فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين قف فانه قد همّ بالسيئة فاذا فعلها كان لسانه قلمه و ريقه مداده فاثبتها عليه و عن ابن‌بابويه بسنده عن بكر بن محمد الازدي عن ابي‌عبداللّه7 قال ان المؤمن لينوي الذنب فيحرم رزقه.

فصل: في الوسوسة في النية و التعمق في الاعمال فعن الكليني بسنده عن عبداللّه بن سنان قال ذكرت لابي‌عبداللّه7 رجلا مبتلي بالوضوء و الصلوة و قلت هو رجل عاقل فقال ابوعبداللّه7 و اي عقل له و هو يطيع الشيطان فقلت له  وكيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من اي شي‌ء هو فانه يقول لك من عمل الشيطان انتهي.

اعلم ان الوسوسة في النية و العمل هي من اعمال النفس الامارة اذا استولي عليها شياطين ارض العادة و غلب عليها رجز الشيطان بالنسيان و الغفلة عما صنع و اشتغال القلب بغير العمل الذي يعمله و هو عمدة كيد الشيطان في افساد العمل و من  مكره ربما يشغل في حال طاعة بطاعة اخري فلا توجه الي هذه و لاعمل تلك و هذا داء عضال و هذه الشياطين شديدة التشبث بالانسان و اذا تشبثت بانسان قل ما تفارقه و قل ما يقدر الانسان علي مفارقتها و علاجه ان يتعمد الانسان بترك ما يزيد عن عمل المعتدلين الذين يعتقد تقويهم و اعتدالهم و التفقه في المسئلة و الابتهال الي اللّه سبحانه و مداومة الذكر و يعرف الانسان في الاغلب انه من الشيطان فيتعمد بترك ما يقر علي نفسه بانه من الشيطان خوفا من اللّه سبحانه و من الشرك به فانه شرك و قد يعين علي رفعه اصلاح المزاج فانه مرض طبيعي في كثير من الناس و لكنه مشكل جدا و رفعه من طريق معالجة النفس اسهل و هو ما ذكرنا من التعمد و العزم و الاستعاذة باللّه و الابتهال اليه في دفعه عنه و التمسك بالادعية الواردة في ذلك و الاذكار المأثورة و عدم حماية الشيطان و نصرته و تأويل وساوسه فان اغلب من يبتلي بهذا المرض ينصرون الشيطان و يأولون وسوسته و يحمونه حماية و ذلك مما يزيد في الوسوسة و يشبه الامر علي النفس حتي تحسبه تقوي و احتياطا في الدين و خوفا من اللّه جل‌وعز و مما يعرفك انه ليس بتقوي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 160 *»

و خوف من اللّه جل‌وعز انه في شي‌ء واحد او شيئين من جهة او جهتين فلربما يكون في الوضوء دون الغسل و لربما يكون في الطهارة دون الصلوة و متقي اللّه يتقي في جميع امور دينه جزئيها و كليها فان كلها من اللّه و حكم اللّه و دينه و اوعد علي مخالفة كلها ويكشف عن ذلك ما رواه في الوسائل عن ابن‌ادريس بسنده عن ابي‌بصير قال قلت لابي‌عبداللّه7 ان عيسي بن اعين يشك في الصلوة فيعيدها قال هل يشك في الزكوة فيعطيها مرتين و عن الكليني بسنده عن محمد بن مسلم عن ابي‌جعفر7 قال اذا كثر عليك السهو فامض علي صلوتك فانه يوشك  ان يدعك انما هو من الشيطان و بسنده عن زرارة و ابي‌بصير جميعا قالا قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلوته حتي لايدري كم صلي و لا ما بقي عليه قال يعيد قلت فانه يكثر عليه ذلك كلما اعاد شك قال يمضي في شكه ثم قال لاتعودوا الخبيث من انفسكم نقض الصلوة فتطمعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض احدكم في الوهم و لايكثرن نقض الصلوة فانه اذا فعل ذلك مرات لم‌يعد اليه الشك  قال  زرارة ثم  قال انمايريد الخبيث ان يطاع فاذا عصي لم‌يعد الي احدكم انتهي.

و اعرفك سر ذلك فان بناءنا في هذا الكتاب علي تعريف الحقايق اعلم ان من خواص الطبايع و الصور انها لكل واحدة منها جهة واحدة و اقتضاء واحد لجمودها و ان جهة الرب و النفس مستعلية علي الطبايع و الصور ظاهرة بكلها غير مقيدة بشي‌ء منها كما تري من ان العين شأنها الرؤية و الاذن شأنها السماع و الانف شأنه الشم و هكذا و ان الروح هي الرائية السامعة الشامة الذائقة و غيرها مستعلية علي الاعضاء كلها و كذلك النار مثلا جاذبة و الهواء هاضم و الماء دافع و التراب ماسك و اما النفس النباتية فهي الجاذبة الهاضمة الدافعة الماسكة و هكذا في جميع المراتب و كل دان خاص و كل عال عام فانت اذا كان احتياطك و تعمقك في شي‌ء خاص او اشياء خاصة فاعلم انه من جهة طبايعك و خصوص بعض جهات انيتك فلو كان ذلك من جهة عقلك المحيط بالكل و من حيث ربك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 161 *»

المستعلي علي جميع جهات انيتك لم‌يكن مخصوصا بشي‌ء او اشياء خاصة و ذلك مثل ما تري من الرجل انه معتن بصلوته غير مبال بترك الصوم او مصر علي صومه غير مبال بمنع زكوته و تراه شديد التعمق في طهارته غير مهتم بحجه فلاتحسبن شيئا من ذلك من التقوي بوجه و ان للناس طبايع و عادات يجرون  عليها فتفهم  و اجره في جميع المراتب فلواانت كنت من اولياء اللّه و مريدي‌ اللّه لم‌تكن تحب رجلا واحدا او رجالا مخصوصين من المؤمنين بل كنت تحب جميع المؤمنين و ان فرقت بينهم في الولاية فبكثرة ظهور اللّه في احدهم و قلته و لو كنت تعبد بقوة الايمان لم‌تكن تمنع الزكوة و تصوم و تحتاط في صلوتك دون حجك فان وجدت من نفسك ذلك فاعلم انه ليس من روح الايمان فانما هو من عادة او طبيعة او انس او غير ذلك من جهات الانية آه آه كم غفلنا عن امر الدين و اسأنا و اطعنا الشياطين و حسبنا انفسنا من المحسنين المتقين و زين لنا الشيطان اعمالنا و سول لنا انا من العابدين و لو فتشت عن الناس لاتجد اكثرهم شاكرين و مايؤمن اكثرهم باللّه الا و هم مشركون اعاذنا اللّه من شرور انفسنا و موبقات آثامنا و جعلنا من التائبين،

اذا قلت مااذنبت قالت مجيبة وجودك ذنب لايقاس به ذنب

فصل: في اصلاح السريرة اعلم ان من عرف اللّه عزوجل و علم انه عالم الغيب و الشهادة و سامع السر و النجوي و المطلع علي الضماير و اخفي و آمن بذلك و صدقه وجب عليه اصلاح السريرة كما يصلح علانيته بلا تفاوت و يجتنب من اقذار السريرة كما يجتنب من اقذار العلانية و يؤدي فرايض السريرة كما يؤدي فرايض العلانية و يعمل بسنن السريرة كما يعمل بسنن العلانية فانه ان يصلح علانيته للّه فاللّه رب العلانية و السر معا و المطلع عليهما معا و امر و نهي في السر كما امر و نهي في العلانية و وعد و اوعد في السر كما وعد و اوعد في العلانية و كلفه فيه كما كلفه فيها و يؤاخذه به كما يؤاخذه بها فان كان لايبالي بامر سريرته و لايعتني بها و يستخف باصلاحها و يتهاون و غاية همته في اصلاح العلانية و يغتم و يضطرب من فسادها و  لايبالي ان فسد سريرته اضعاف ذلك فليعلم انه لم‌يصلح

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 162 *»

علانيته للّه عزوجل و انما اصلحها لنفسه و للناس و ليس الداعي الي اصلاحها روح الايمان و تقوي اللّه عزوجل و انما ذلك من شهوات النفس الامارة و مكائدها و تريد ان تعرف بالصلاح و يعلو ذكرها و رتبتها عند الناس او تخاف منهم او تستحيي او اعتادت او مكرت مكرا و نصبت فخا او غير ذلك من اغراضها و امراضها الخبيثة اعاذنا اللّه منها و الا فمن وجد في قلبه روح الايمان و اتقي اللّه و اراد امتثال امره لايتفاوت عنده العلانية و السر ابدا ابدا و السر سران سر قلبي باطني و سر بمعني الخلوات في مقابلة مجمع الناس و اصلاح السر الثاني ايسر من اصلاح السر الباطني القلبي و الكمال كل الكمال في اصلاح الباطن فقد روي في الوسائل عن الكليني بسنده عن فضل ابي‌العباس عن ابي‌عبداللّه7 قال ما يصنع احدكم ان يظهر حسنا و يسر سيئا أليس يرجع الي نفسه فيعلم ان ذلك ليس كذلك و اللّه عزوجل يقول (بل الانسان علي نفسه بصيرة) ان السريرة اذا صحت قويت العلانية و عن داود عن ابي‌عبداللّه7 قال من اظهر للناس ما يحب اللّه عز و جل و بارز اللّه بما كرهه لقي اللّه و هو له ماقت و عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 سيأتي علي الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لايريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لايخالطهم خوف يعمهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلايستجيب لهم و عن عمر بن يزيد عن ابي‌عبداللّه7 في حديث ان رسول اللّه9 كان يقول من اسر سريرة رداه اللّه رداها ان خيرا فخير و ان شرا فشر و عن مسمع عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 ما زاد خشوع الجسد علي ما في القلب فهو عندنا منافق  و عن ابن‌بابويه بسنده عن عبداللّه بن ابي‌يعفور قال سمعت الصادق7 يقول قال ابوجعفر7 من كان ظاهره ارجح من باطنه خف ميزانه و عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه: ان رسول اللّه9 سئل فيما النجاة غدا فقال انما النجاة في ان لاتخادعوا اللّه فيخدعكم فانه من يخادع اللّه يخدعه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 163 *»

يخلع منه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر قيل له فكيف يخادع اللّه قال يعمل بما امره اللّه ثم يريد به غيره فاتقوا اللّه في الرياء فانه الشرك باللّه ان المرائي يدعي يوم القيمة باربعة اسماء يافاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل اجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس اجرك ممن كنت تعمل له و احاديث الرياء و السمعة كثيرة تركناها خوف الاطالة و اكتفينا بما ذكرنا و اي شي‌ء اعظم من ان يصير الشخص فاجرا و كافرا و غادرا و خاسرا و مشركا.

و اما السريرة الظاهرية فقد روي عن الكليني بسنده عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال اميرالمؤمنين7 ثلث علامات للمرائي ينشط اذا رأي الناس و يكسل اذا كان وحده و يحب ان يحمد في جميع اموره انتهي، و اما ذكر الانسان عمله الذي عمله في السريرة فيــٔول الي نيته فان كان يذكره لاسماع الناس و ان يحمدوه عليه فهو سمعة مذمومة و ان كان يذكره لوجه صحيح يــٔول  الي اللّه جل و عز فلا بأس به فقد صدر عن الاخيار ذكره كثيرا فقد روي في الوسائل عن ابن‌بابويه بسنده عن جميل بن دراج قال سألت اباعبداللّه7 عن قول اللّه عزوجل (فلاتزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقي) قال قول الناس صليت البارحة و صمت امس و نحو هذا ثم قال7 ان قوما كانوا يصبحون فيقولون صلينا البارحة و صمنا امس فقال علي7 و لكني انام الليل و النهار و لو اجد بينهما شيئا لنمته وعن  الكليني بسنده عن علي بن اسباط عن بعض اصحابه عن ابي‌جعفر7 انه قال الابقاء علي العمل اشد من العمل قال و ما الابقاء علي العمل قال يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّه وحده لا شريك له فكتبت له سرا ثم يذكرها فتمحا فتكتب له علانية ثم يذكرها فتكتب له رياء انتهي، و المتقي لايزكي نفسه ابدا و هو يري ادناسها و قبايح اعمالها بل كما روي عن علي7 في حديث همام اذا زكي احد منهم خاف مما يقال له و قال انا اعلم بنفسي من غيري و اللّه اعلم مني بنفسي اللّهم لاتؤاخذني بما يقولون و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 164 *»

اجعلني احسن مما يظنون و اغفر لي ما لايعلمون الخبر.

و اما اذا اطلع احد من الناس علي طاعة الانسان و سر بذلك و لم‌يعملها للرياء و السمعة و حب المحمدة فلا بأس بذلك كما روي في الوسائل عن الكليني بسنده عن زرارة عن ابي‌جعفر7 قال سألته عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه انسان فيسره ذلك قال لا بأس ما من احد الا و هو يحب ان يظهر له في الناس الخير اذا لم‌يكن صنع ذلك لذلك و عن ابن‌بابويه بسنده عن عبداللّه بن الصامت قال قـال ابوذر; قلت يا رسول اللّه الرجل يعمل العمل لنفسه و يحبه الناس قال تلك عاجل بشري المؤمن انتهي.

و اعلم انه قد يكون اراءة العمل و اظهاره او تحسينه عند الناس لغرض يــٔول الي اللّه كارشاد الغير و تشويقه و لان يقتدي به و امثال ذلك فان ذلك ليس برياء بل هو عبادة اخري انضمت الي عبادة و انما الاعمال بالنيات كما روي عن الكليني بسنده عن ابي‌اسامة عن ابي‌عبداللّه7 انه قال في حديث كونوا دعاة الي انفسكم بغير السنتكم و كونوا زينا و لاتكونوا شينا و عن ابن ابي‌يعفور عن ابي‌عبداللّه7 كونوا دعاة للناس بغير السنتكم ليروا منكم الورع و الاجتهاد و الصلوة و الخير فان ذلك داعية و عن  ابن‌ادريس في السراير عن عبيد قال قلت لابي‌عبداللّه7 الرجل يدخل في الصلوة فيجود صلوته و يحسنها رجاء ان يستجر بعض من يراه الي هواه قال ليس هذا من الرياء انتهي.

و اما فضل عبادة السر فكثير نذكر منه هنا طرفا  فقد روي في الوسائل عن بكر بن محمد الازدي عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال اللّه عزوجل ان من اغبط اوليائي عندي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاح احسن عبادة ربه و عبد اللّه في السريرة  و كان غامضا في الناس فلم‌يشر اليه بالاصابع و كان رزقه كفافا و صبر عليه فعجلت به المنية و قلت تراثه و قلت بواكيه و عن عمار الساباطي قال قـال لي ابوعبداللّه7 ياعمار الصدقة واللّه في السر افضل من الصدقة في العلانية و كذلك واللّه العبادة في السر افضل منها في العلانية و بهذا الاسناد عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 165 *»

ابي‌عبداللّه7 قال و كذلك واللّه عبادتكم في السر مع امامكم المستتر في دولة الباطل و تخوفكم من عدوكم في دولة الباطل و حال الهدنة افضل ممن يعبد اللّه في ظهور الحق مع امام الحق الظاهر في دولة الحق و عن الطوسي بسنده عن علي بن فضال عن ابيه عن ابي‌الحسن الرضا7 قال من شهر نفسه بالعبادة فاتهموه علي دينه فان اللّه عز و جل يكره شهرة العبادة و شهرة اللباس و عن الحميري بسنده عن ابي‌البختري عن جعفر عن ابيه عن جده: قال قـال رسول اللّه9 اعظم العبادة اجرا اخفاها و عن ابن‌بابويه بسنده عن يونس بن ظبيان عن الصادق7 انه قال الاشتهار بالعبادة ريبة و عن الطوسي حديث عجيب بسنده عن الحصين بن مخارق عن الصادق عن آبائه عن اميرالمؤمنين: ان رجلا وفد اليه من اشراف العرب فقال له علي7 هل في بلادك قوم قد شهروا انفسهم بالخير لايعرفون الا به قال نعم  قال هل في بلادك قوم قد شهروا انفسهم بالشر لايعرفون الا به قال نعم قال فهل في بلادك قوم يجترحون السيئات و يكتسبون الحسنات قال نعم قال تلك خيار امة محمد9 النمرقة الوسطي يرجع اليهم الغالي و ينتهي اليهم المقصر انتهي، و المراد ان الاولين مراءون و الجماعة الثانية فساق هتاكون و الثالثة قوم يصدر عنهم المعاصي لانهم غيرمعصومين و يصدر عنهم الطاعات فليسوا بمرائين مشركين معجبين بطاعاتهم لمكان سيئاتهم و لا بفساق هتاكين لمكان حسناتهم يستغفرون اللّه علي سيئاتهم و يحمدون اللّه علي طاعاتهم فبذلك صاروا النمرقة الوسطي و لم‌يمدحهم علي اجتراحهم السيئات.

فصل: في حسن الاعتراف بالتقصير و قبح العجب و الادلال بالعمل اعلم ان من حق العبد ان يكون مطيعا لمولاه في جميع جهات ذاته و صفاته و افعاله فانه بجميع جهات وجوده عبد مخلوق و رق مرزوق خلقه اللّه لا من شي‌ء و احدثه بعد ان لم‌يكن و اخرجه من العدم محفوظا بامره و حكمه بحيث انه لو اعرض عنه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 166 *»

طرفة عين رد الي العدم فانه لا استقلال له الا بحفظه و لا وجود له الا باعتبار امره فاذا الحق عليه ان يكون متبعا لمشية اللّه المحبوبة في الشرع كما كان متبعا له في الكون فيعبده بحقيقته و فؤاده بان لاينظر ابدا الا اليه و لايحب سواه و لايخرج من ظله و لايري سواه و لايسمع من غيره ابدا ابدا و يعبده بعقله بان لايعتمد علي غيره و لايرجو سواه و لايطيع احدا غيره و يشاهد فضله في جميع ما للموجودات و بها و فيها و منها و اليها و يكون ذا يقين لايعتريه شك و لا ريبة و لا تردد خاطر و يعبده  في نفسه بان لايخاف احدا الا ربه و لايري حيث يكرهه و لايفقده من حيث يحب اللّه و يكتسب العلوم الطيبة الحقة الدينية و يعرض عن الاباطيل و الشكوك و الشبهات و يتخلق باخلاق اللّه و يتصف بصفات اللّه و يهرب  من مساخط اللّه و يتبرء من اعداء اللّه و امثال ذلك و يعبده بمشاعره الباطنة فلايتفكر في الوساوس و يكون جميع تفكره في اللّه و في قدرته و في عظمته و في آثاره و لايتخيل الا صور محاب اللّه و لايتوجه الا الي عليين و لايجري في خاطره ما يكرهه اللّه و لايهم بشي‌ء يسخطه و لايقصد الا ما يحبه اللّه و لايتوجه الا الي جاه اللّه و وجهه و هكذا و يعبده في بدنه بان لاينظر الا الي آياته في الآفاق و في الانفس و ما يحب اللّه و للعبرة و التعلم و الاهتداء الي ما يريد اللّه و لايصغي الا الي الناطقين عن اللّه و لايأكل و لايشرب الا للّه و لاينطق الا بما يرضيه اللّه  مجملا  لايتحرك و لايسكن و لايتحول من حال الي حال الا بامر اللّه و اذنه و يكون عنده كالميت بين يدي الغسال و شارح جميع ذلك و دليله و استاده و اسوته و مقتداه الشبح الذي منك في المرآة بالنسبة الي وجهك حيث لايكون الا كما انت عليه و لايتحرك و لايسكن الا معك و بك فمن كان كذلك بالنسبة الي مشيته المحبوبة فهو مطيع حقا و عبد صدقا و قد قام بحقيقة العبودية فيكون كنهها الربوبية و هذه العبودية لم‌تحصل و لاتحصل و لن‌تحصل الا لمحمد و آل‌محمد: الذين قد اضمحل فيهم الانية و هم واقفون عند قاعدة الوجود و رأس مخروط الانية و الماهية و الطبيعة التي هي علي خلاف كينونة اللّه و مع ذلك هم خائفون وجلون مستغفرون باكون معتذرون مقرون بالتقصير لاجل تلك الذرة من الانية المضمحلة المتلاشية الفانية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 167 *»

عند حيث اثريتهم و هي التي يسمونها شيطانا و يستعيذون منه باللّه عزوجل و بتضرعهم الدائم و استغفارهم المستمر و جدهم في التضرع و الاستكانة يفنون اثر تلك الذرة و يبطلونها و لولا ما يعملونه من موجبات المغفرة لقوي فيهم تلك الانية و صارت منشأ اثر و صاروا مقصرين في العبودية ألم‌تسمع ما روي عن النبي9  لو عصيت لهويت و قول الحسين7 في دعائه غير ضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني الدعاء، و كلمن هو دونهم من الخلق يكون للانية فيهم تحقق و هي علي خلاف كينونة اللّه و هي الغافلة المعرضة المدبرة عن اللّه و العاصية له علي حسبه فاني يمكن للمخلوق المستمسك بنفسه ان يكون مؤديا حق عبادة اللّه عز و جل فجميع العباد مقصرون في عبادة اللّه غير مؤدين حقه و لايمكنهم الخروج عن حد التقصير فمن زعم عدم تقصير من نفسه فانما هو من باب الجهل و الغفلة عما هو عليه انظر الي كلام مولينا سيد الساجدين صلوات اللّه عليه مما رواه في حلية‌الابرار عن ابن‌بابويه بسنده عن طاووس قال كان علي بن الحسين زين‌العابدين7 يدعو بهذا الدعاء الهي و عزتك و جلالك و عظمتك لو اني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلايق و شكرهم اجمعين لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر اخفي نعمة من نعمك علي و لو اني كربت معادن حديد الدنيا بانيابي و حرثت ارضها باشفار عيني و بكيت من خشيتك مثل بحور السماوات و الارضين دما و صديدا لكان ذلك قليلا في كثير ما يجب من حقك علي و لو انك الهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلايق اجمعين و جعلت للنار خلقي و جسمي و ملأت جهنم و اطباقها مني حتي لايكون في النار معذب غيري و لايكون لجهنم حطب سواي لكان ذلك بعدلك قليلا في كثير ما استوجبه من عقوبتك انتهي،   فباللّه عليك يا اخي انظر الي هذا الدعاء بنظر العبرة و انظر هل بقي مقام للعجب لاحد من الخلق و هل يخرج احد بعد من حد التقصير فاذا كان امامك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 168 *»

يقول ذلك و هو معصوم مطهر فما ظنك بعملك و مااطعت اللّه طرفة عين في تمام عمرك الا و هو مشوب بمفاسد عديدة مما  قد علمتها و ما لم‌تعلمها فاكثر و اكثر فاطرد عنك وسوسة الاعجاب و تضرع الي اللّه سبحانه من كل باب و لاتزعمن كما يزعمه الجهال ان ذلك لمحض التعليم للرعية فان المعصوم لايواجه اللّه بالكذب لتعليم الرعية و لايضيع نفسه لاصلاح غيره بل اعرف من ذلك غاية عظمة اللّه جل جلاله حيث ان معصوما مثله يعتذر عنده كذلك و انما جميع ذلك لاجل تلك الذرة من الانية و بهذه الاعتذارات يبطلونها و يبطلون اثرها و لما كان تلك الذرة سارية في كل مراتبهم ينسبون العصيان و التقصير الي كل اعضائهم و ذلك العصيان عدم قيام ذلك العضو بحق العبودية التي يريدونها من الفناء المحض عند سطوع نور الربوبية و بذلك الاقرار يعمدون الي افنائها انظر الي ما كان الكاظم7 يقول علي ما رواه في بلدالامين في سجوده رب عصيتك بلساني و لو شئت و عزتك لاخرستني و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتك لاكمهتني و عصيتك بسمعي و لو شئت وعزتك لاصممتني و عصيتك بيدي و لو شئت و عزتك لكنعتني و عصيتك بفرجي و لو شئت و عزتك لعقمتني و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني و عصيتك بجميع جوارحي التي انعمت بها علي و لم‌يكن هذا جزاؤك مني ثم كان يقول الف مرة العفو العفو و يلصق خده الايمن بالارض و يقول بصوت حزين ثلثا بؤت اليك بذنبي و عملت سوء و ظلمت نفسي فاغفر لي فانه لايغفر الذنوب غيرك يا مولاي ثم يلصق خده الايسر بالارض و يقول ثلثا ارحم من اساء و اقترف و استكان و اعترف انتهي، انظر في مضامين هذا الدعاء و غيره من ادعيتهم و اعرف منها عظمة اللّه جل و عز بتصاغرهم عنده و استكانتهم لديه و انهم كيف يداقون في عبوديتهم و يعتذرون من تلك الانية التي هي من لوازم الخلقية التي لابد للمخلوق منها و يعتقدون ان ما يخالط عملهم  بالطاعات و الحسنات من مقتضاها هو معصية فان الانية بنفسها علي خلاف كينونة اللّه فبتلك الاعتذارات يتخلصون من شوبها و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 169 *»

يسترضون اللّه من انفسهم و بذلك الاعتراف و الاستغفار صاروا معصومين من الركون اليها و الرضا بها و ما لم‌يكن للعبد مقام فوقها لم‌يعتذر منها و لم‌يسخطها فان جهة النفس لاتسخط نفسها و انما الساخطة عليها جهة الرب فنفس تلك الاعتذارات هي من آثار مقام لهم فوقها من جهة الرب و تلك الاعتذارات دليل تخلص تلك الجهة من الرضا بها و مفارقتها لها و عصمتها بعصمة اللّه من الميل اليها و النظر اليها و الرضا بها فمن قصر في الاعتذار و الاستغفار دليل علي هويه في مهاوي الانية و هي سجينه و جحيمه كل بحسبه فهم سلام اللّه عليهم بجدهم في العبادات و اجتهادهم في الطاعات و استغفارهم من السيئات تخلصوا من الانيات و استأنسوا بظل خالق البريات و صاروا معصومين مطهرين عن ادناس الماهيات.

فالمراد من سيئاتهم هي طاعاتهم التي هي فوق طاعات جميع الكائنات و منتهي جهد المخلوق لشوبها بمقتضي الانية المضمحلة المتلاشية التي هي شرط استمساك وجود المخلوق اذ لم‌يخلق اللّه شيئا فردا قائما بذاته و مقدار تلك الانية كذرة هبائية في جميع الف‌الف عالم و استغفر اللّه من كثرة التحديد فبذلك كان يقال حسنات الابرار سيئات المقربين فاذا كان هذا حال المعصوم الحقيقي فما ظنك بالانبياء و المرسلين ثم الاولياء المقربين ثم ما ظنك برعيتهم المتبعين ثم ما ظنك بمثلي و مثلك الغريق في بحار السيئات الحقيقية فاقول الهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لايكون مساويه مساوي و من كانت حقايقه دعاوي فكيف لايكون دعاويه دعاوي فاخلع عنك يا اخي سربال الاعجاب و تقمص بقميص الابتهال و الانتحاب و استغفر اللّه المتعزز بالكبرياء و تب اليه فاليه المتاب ففي الوسائل عن  الكليني بسنده عن سعد بن ابي‌خلف عن ابي‌الحسن موسي7 قال قـال لبعض ولده يا بني عليك بالجد و لاتخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة اللّه عزوجل و طاعته فان اللّه لايعبد حق عبادته و عن الفضل بن يونس عن ابي‌الحسن7 قال اكثر من ان تقول اللّهم لاتجعلني من المعارين و لاتخرجني من التقصير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 170 *»

قال قلت اما المعارون فقد عرفت ان الرجل يعار الدين ثم يخرج منه فما معني لاتخرجني من التقصير فقال كل عمل تريد به اللّه عزوجل فكن فيه مقصرا عند نفسك فان الناس كلهم في اعمالهم فيما بينهم و بين اللّه مقصرون الا من عصمه اللّه عزوجل و عن جابر قال قال ابوجعفر7 لااخرجك اللّه من النقص و التقصير وعن ابي‌عبيدة الحذاء عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 قال اللّه عزوجل لايتكل العاملون لي علي اعمالهم التي يعملونها لثوابي فانهم لو اجتهدوا   و اتعبوا انفسهم و اعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلي في جواري و لكن برحمتي فليثقوا و فضلي فليرجوا و الي حسن الظن بي فليطمئنوا وعن ابن‌بابويه بسنده عن سعد الاسكاف عن ابي‌جعفر7 قال ثلث قاصمات الظهر رجل استكثر عمله و نسي ذنوبه و اعجب برأيه و عن عبدالرحمن بن الحجاج عن ابي‌عبداللّه7 قال قال ابليس اذا استمكنت من بني‌آدم في ثلث لم‌ابال ما عمل فانه غير مقبول اذا استكثر عمله و نسي ذنبه و دخله العجب و عن الكليني بسنده عن ابي‌عبيدة عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 قـال اللّه تعالي ان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده و لذيذ  وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فاضربه بالنعاس الليلة و الليلتين نظرا  مني له و ابقاء عليه فينام حتي يصبح فيقوم و هو ماقت زار عليها و لو اخلي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك فصيره العجب الي الفتنة باعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه باعماله و رضاه عن نفسه حتي يظن انه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك و هو يظن انه يتقرب اليّ الحديث، وبسنده عن عبدالرحمن بن الحجاج قال قلت لابي‌عبداللّه7 الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق ثم يعمل شيئا من البر فيدخله شبه العجب به فقال هو في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 171 *»

حاله الاولي و هو خائف احسن حالا منه في حال عجبه و بالاسناد عن يونس عن بعض اصحابه عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 في حديث قال موسي بن عمران7 لابليس اخبرني بالذنب الذي اذا اذنبه ابن آدم استحوذت عليه قال اذا اعجبته نفسه و استكثر عمله و صغر في عينه ذنبه و قـال قـال اللّه عز و جل لداود ياداود بشر المذنبين و انذر الصديقين قال كيف ابشر المذنبين و انذر الصديقين قال يا داود بشر المذنبين اني اقبل التوبة و اعفو عن الذنب و انذر الصديقين ان لايعجبوا باعمالهم فانه ليس عبد انصبه للحساب الا هلك و بسنده عن علي بن سويد عن ابي‌الحسن7 قال سألته عن العجب الذي يفسد العمل فقال العجب درجات منها ان يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب انه يحسن صنعا و منها ان يؤمن العبد بربه فيمنّ علي اللّه عزوجل و للّه عليه فيه المن و بسنده عن علي بن اسباط عن رجل يرفعه عن ابي‌عبداللّه7 قال ان اللّه علم ان الذنب خير للمؤمن من العجب و لولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب ابدا و عن ميمون بن علي عن ابي‌عبداللّه7  قال قـال اميرالمؤمنين7 اعجاب المرء بنفسه دليل علي ضعف عقله و عن ابي‌عامر عن رجل عن ابي‌عبداللّه7 من دخله العجب هلك و عن اسحق بن عمار عن ابي‌عبداللّه7 قال اتي عالم عابدا فقال كيف صلوتك فقال مثلي يسأل عن صلوته و انا اعبد اللّه منذ كذا و كذا قال فكيف بكاؤك فقال ابكي حتي تجري دموعي فقال له العالم ان ضحكك و انت خائف افضل من بكائك و انت مدل ان المدل لايصعد من عمله شي‌ء و عن احمد بن ابي‌داود عن بعض اصحابنا عن احدهما8 قال دخل رجلان المسجد احدهما عابد و الآخر فاسق فخرجا من المسجد و الفاسق صديق و العابد فاسق و ذلك انه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها فتكون فكرته في ذلك و تكون فكرة الفاسق في التندم علي فسقه و يستغفر اللّه عزوجل مما صنع من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 172 *»

الذنوب و عن البرقي بسنده عن ابي‌حمزة الثمالي عن ابي‌عبداللّه7 او علي بن الحسين8 قال قال رسول اللّه9 في حديث ثلث مهلكات شح مطاع و هوي متبع و اعجاب المرء بنفسه و عن النبي9 لا وحدة اوحش من العجب و عن الحسين بن سعيد بسنده عن الثمالي عن علي بن الحسين8 قال قـال رسول اللّه9 ثلث منجيات خوف اللّه في السر و العلانية و العدل في الرضا و الغضب و القصد في الغني و الفقر و ثلث مهلكات هوي متبع و شح مطاع و اعجاب المرء بنفسه و من نهج‌البلاغة عن اميرالمؤمنين7 قال سيئة تسوؤك خير عند اللّه من حسنة تعجبك و قال الاعجاب يمنع الازدياد و قال عجب المرء بنفسه احد حساد عقله و عنه7 في حديث حسبك من العلم ان تخشي اللّه وحسبك من الجهل ان تعجب بعلمك انتهي.

و اعلم ان سرور المرء بصدور  الطاعة منه و حزنه بصدور المعصية منه من مقتضيات الايمان و ذلك ممدوح و ليس سرور المرء بالطاعة عجبا و ذلك ان المؤمن يعلم ان الحسنات من اللّه سبحانه و يسر باجراء اللّه سبحانه الطاعة علي يديه و يحزن بخذلان اللّه اياه حتي صدر منه المعصية و من لم‌يسره الطاعة و لم‌يحزنه المعصية فليس بمؤمن الا ان المؤمنين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجلة انهم الي ربهم راجعون و ذلك ان الاعجاب ان يري العبد لنفسه كرامة و يحسب انه بنفسه احسن صنعا و يري لنفسه بحسن يزعمه لها مزية علي غيره و يحتقر غيره و لذلك يزعم تفرده بذلك الحسن فلايستأنس بالمحتقرين في عينه فلذلك روي لا وحدة اوحش من العجب و السار بحسنته يري للّه جل و عز عليه نعمة مجددة باجراء الطاعة علي يديه فيزداد بذلك خشوعا و شكرا و اعترافا بعدم قدرته علي اداء شكر نعمته فاني و اني فروي في الوسائل عن الكليني بسنده عن ابي‌العباس قال قـال ابوعبداللّه7 من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن و عن سليمن عمن ذكره عن ابي‌جعفر7 قال سئل النبي9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 173 *»

عن خيار العباد فقال الذين اذا احسنوا استبشروا  و اذا اساءوا استغفروا و اذا اعطوا شكروا و اذا ابتلوا صبروا و اذا غضبوا غفروا   انتهي.

و اعلم ان العجب ليس هو الوسوسة التي تخطر ببال الانسان من نجوي الشيطان مع كراهته ذلك و انما هو اذا ركن اليها و افتخر بها و احبها و اراد ان يحمد بعمله فقد روي عن الكليني عن يونس بن عمار عن ابي‌عبداللّه7 قال قيل له الرجل يكون في صلوته خاليا فيدخله العجب فقال اذا كان اول صلوته بنية يريد بها ربه فلايضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلوته و ليخسأ الشيطان.

و اعلم ان الانسان يدخله العجب ما لم‌يتفكر في عمله و جل حيلة الشيطان  في منع التفكر فانت تفكر في عباداتك و طاعاتك و في مقدارها و قيمتها و قابليتها فان اعمالك حركات بدنك و حركات بدنك مثل حركات ساير الناس في ساير اعمالهم بلا تفاوت فلو تدبرت في حركات الناس لوجدت الرجل منهم يعمل بالمساحي طول نهاره في الشمس الحارة في حر القيظ و يثير قصبات عديدة من الارض حتي يكد يده و يعرق جبينه و اجرته خمسمائة دينار بحساب هذا الزمان و انت تركع في الظلال مثلا عشرين ركعة او اقل او ازيد فكم يكون اجرتك في جنب اجرته و ما مقدار تعبك للّه العظيم في جنب تعبه لبطنه و طبخه القاذور و لعل العامل بالمساحي انت بنفسك فتعمل لبطنك الف مرة ازيد من عملك لربك و لو شئت قس نفس الصلوة فان الناس قوموها علي انفسهم و يوجرون انفسهم للصلوة للاموات فيأخذون لصلوة سنة ثمانية‌عشرالف دينار بحساب هذا الزمان فما مقدار صلوة واحدة منك في جنب صلوة سنة و ما قيمتها فعلي من تمن و باي شي‌ء تدل و ان شئت ان تعجب بقيام ليلك ساعة و ساعتين فتفكر في هؤلاء المكارين انهم يسافرون رجالا في كل ليلة وراء دوابهم في هذه البراري و الظلمات مع خوف و وجل و قد يقطعون و يجرحون و يقتل بعضهم و لايتركون سيرتهم و لربما يسرون في امطار و ثلوج و برد الشتا في البلاد الباردة و الليالي المظلمة و اجرتهم في كل ليلة خمسمائة دينار بحساب هذا الزمان و لايدلون بعملهم و لايعجبون و انت تنام اول الليل في الفرش من الرياش و الملاحف الحسنة ثم تقوم آخر الليل بالف دلال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 174 *»

و تركع ركعات لاتدري هل قبلت منك ام لم‌تقبل و انت مع ذلك قائم بين يدي السلطان العظيم مستهزئ به ان لم‌تكن متوجها اليه حق التوجه و ذلك المكاري يتحمل تلك المشاق لبطنه و انت تريد ان تعمل لخالق البريات و رب الموجودات فاي مقدار لقيامك هذا في  جنب قيام اولئك المكارين و هم يعملون لاكلة ساعة و انت تعمل للحيوة الابدية هب انك احييت الليل كله اليس كل كلاب القرية تحيي الليالي كلها و تعدو علي السطوح و تنبح طول ليلها فما مقدار عملك في جنب عملها و ما مقدار احيائك ليلة او ليلتين و ان اعجبت بصومك فتفكر في ان الناس قوموا علي انفسهم صيامهم فيصومون شهرا للاموات بخمسة‌آلاف دينار او ستة بحساب هذا الزمان فما مقدار ذلك في جنب ما تتمني بعملك و اي حق لك علي اللّه ازيد من ستة‌آلاف دينار في صيامك شهرا فاي دلال بقي لك بعد ذلك و اي عجب يقتضي عملك ذلك و ان اعجبت من حجك ها ان الناس يسافرون لبطنهم في البر و البحر و يخاطرون بانفسهم في مخاوف البر و اهوال البحر و الامواج و الطوفان و لايعجبون مثل عجبك و لايدلون علي احد و لايمنون و انت بسفرك في عمرك مرة علي دواب فارهة و خدم و حشم بعد تسويفات هي كباير موبقات و عدم رغبة الي الحج و زيارة اللّه جل شانه الذي هو الكفر الصراح سافرت فصرت تعجب و تدل علي ربك و تمن فانصف في نفسك و تستنيب رجلا لامواتك من طريق اربعة اشهر الي مكة بثلثين تومانا او اربعين فهذا قيمة عملك و النايب يؤجر نفسه بهذا المقدار و يركب الاخطار و ليس بمعجب من عمله و لا بمدل علي احد فباي شي‌ء تدل و من اي شي‌ء تعجب و ان كنت تعجب بصدقة دينار ها ان الناس يصرفون في ضيافاتهم للاغنياء بمحض التوهم في ضيافة واحدة ثلثين تومانا و اربعين و اقل و ازيد و لايعجبون و لايدلون و لايمنون عليهم و انت قد اقرضت اللّه جل جلاله خمسة دنانير بالف كره و تمن عليه و تدل و تعجب كأنك فتحت ملكا و ان كنت تعجب بجهادك فها ان الناس يخدمون السلاطين و يأخذون في كل سنة ستة توامين و يسكبون دماءهم علي اقدامهم باختيارهم  فروح قيمته ستة توامين لايقتضي عجبا و لايناسب دلالا فقصر يا هذا عن دلالك بهذه الاعمال التي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 175 *»

لو عملها احد لك ما قبلتها بل واللّه قليتها و كرهتها بل سخطت عليه و عاقبته فاين محل العجب و اين محل الدلال و ما اشبه عجبك هذا بعجب من قام بين يدي سلطان عظيم في مجلس قد حضر فيه امناء دولته و غص برؤساء عسكره و احاط به جنوده و زين مجلسه بالحكماء و العلماء و العقلاء فانت قد جئت علي كره و حنين و انين كأنك يذهب بك الي المذبح فقمت بين يديه و تتوجه كالمجانين يمينا و شمالا و تلعب بيدك و رجلك و لعلك نزعت سراويلك و قد تبول و قد تتغوط و قد تجامع و قد تسرق و تهذي و تهجر و تصيح و تنوح و تضحك و تبيع و تشتري و تطفر و تلعب كالمجانين حتي سخط عليك السلطان و من حضر و قبحوا وجهك و لعنوك و طردوك و تفلوا في وجهك و سفهوك و جننوك و صرت تعجب بعد هذه الفضيحة و الخزي بحضورك مجلس السلطان و صرت تمن و تدل فراجع نفسك يا هذا و تفكر في مقدارك و خيالاتك الواهية و احاديث نفسك في ايام اقبالك بزعمك و صلوتك و زيارتك و توجهك و انصف هل ما فعلته عبادة او اهانة و سخرية و استهزاء بجبار السماء و هل هو عبادة و اداء فرض او عصيان و اعراض و كفر نعوذ باللّه و انت قد اغتررت بستر اللّه عليك و سكوته في وقتك عنك و املائه لك و امهاله اياك فحسبت انك احسنت الصنع فعملك عصيان عظيم و حسبانك حسنها و رضاؤك بها ثم عجبك بها عصيان اعظم و اعظم بل لو كنت منصفا لوجدت اصل وجودك واللّه من اعظم المخالفات للّه رب العالمين و انها لاتعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور فمع هذه الاعمال الشنيعة و الحركات الفظيعة صرنا ندل علي رب العباد بادائنا الفرض و صرنا نتوقع جنة عرضها السموات و الارض  و واللّه لو لم‌يؤاخذنا بهذه الكباير الموبقات التي سميناها عبادات لكنا من الرابحين فانصف باللّه عليك هل بقي عليك مقام عجب و محل دلال فاعرف ان عملك من حيث هو ليس الا العصيان و ان سلم عن كل عيب و وصمة لكان قيمته ما عرفت فلم‌يبق لنا الا فضل اللّه جل جلاله و هو اهله و محله فان عظم الثواب بعظم المعطي لا عظم العامل الآمل ألاتري ان مسكينا لو اهدي الي سلطان وردة يعطيه بمقتضي سلطنته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 176 *»

ما يغنيه سنة مثلا و الورد في السوق كل منّ منه بعباسيين و كما ان الهدايا علي مقدار مهديها يكون العطايا علي مقدار معطيها و لذلك وعد اللّه عباده علي عمل جزئي عطايا جزيلة ألم‌تسمع ان من قال لا اله الا اللّه وجبت له الجنة و من تباكي للحسين7 وجبت له الجنة و من عمل في عمره حسنة واحدة قبلت له ساير اعماله و ان من احب عليا7 يدخل الجنة و حبه كفارة جميع معاصيه و امثال ذلك.

فتبين ان اللّه جل جلاله يعامل عباده علي حسب فضله لا علي حسب مقدار اعمالهم و خلقهم ليربحوا عليه لا ليربح عليهم و ان ادني ما يعطي المؤمن سبعة امثال الدنيا قل بفضل اللّه و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون لاان‌يعجبوا باعمالهم التي هي في الحقيقة كباير موبقات و استهزاءات و سخريات و كذلك لاتنظر الي حقارة معاصيك فانها من اعمالك و علي حسب مقدارك بل انظر الي عظمة من تعصيه فان العبد كلما يصير احقر و السيد يصير اعظم يصير العصيان اجل و اعظم فلو عاملك بمقتضي جلاله و عظمته و علي حسب ما تستحق بخطاياك لكنت من الهالكين المخلدين في العذاب باول عصيان عصيت فلو اخذ اللّه الناس بظلمهم ماترك علي ظهرها من دابة و لكن يعفو عن كثير و ان تجتنبوا كباير ما تنهون عنه و هي ولاية الاعداء يكفّر عنكم سيئاتكم و يغفر لكم، قل ياعبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا  من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم و العذر الذي عندنا في حضرته انه لم‌يخلقنا معصوما حسب و يمسك رمقنا الرجاء و حسن الظن به و لا حول و لا قوة الا باللّه و لما مر في خلال هذه الفصول ذكر الخوف و الرجاء و الحب احب ان اشرحها هنا علي ما ييسراللّه لنا ليكون تذكرة للمتذكر و عبرة للمعتبر.

فصل: في الخوف من اللّه سبحانه اعلم ان الخوف هو توقع النفس ضررا ينالها من منافر لها في نفسها او ما يــٔول اليها مع تألم منه و له اصل و فرع اما اصله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 177 *»

فادراكها الشي‌ء المنافي لكينونتها فاذا قابلت النفس بمرآة مدركها الي الشي‌ء و وقع شبحه في مدركها فوجدته منافيا لكينونتها و مفككا لتركيب وجودها و اعتقدت انه مفنيها و واصل اليها توقعت ضرره فهذا التوقع و التألم هو خوفها علي نفسها و اما ما يري من انه ربما يعتقد الشخص في الشي‌ء انه مفنيه فلايخاف منه و يقدم عليه ساكن الجاش فهو لما يرجوه من الاقدام عليه من الفوز بامر آخر و قد غلب رجاؤه خوفه حتي اضمحله و الا فاعتقاد الافناء الخالص عن شوب الرجاء من جهة اخري و علمه بوصوله اليه يوجب توقع ضرره البتة و هو خوف الكائن و ذلك لا سترة عليه.

و اما فرعه و ثمره الهرب فان النفس اذا خافت اي توقعت ان هذا الشي‌ء المقارن مفنيها هربت منه ابقاء علي نفسها و لربما يسبق ذلك التوقع الهرب فيموت الانسان فَرَقا قبل ان يهرب لما يأتي ان شاء اللّه و هذا الخوف يضعف و يقوي علي حسب مراتب الاعتقاد و المعتقد فالشاك في ضرر المقارن لايخاف البتة و اولي منه بعدم الخوف المتوهم للضرر فاذا ظن الضرر حصل له اقل درجات الخوف و يشتد كلما يشتد الظن الي ان يحصل اليقين فيتقوي الخوف بمقداره و كلما يشتد اليقين بالضرر يشتد الخوف و كذلك يتفاوت  الخوف بحسب تفاوت قلة الضرر و كثرته فغاية الخوف اذا حصل اشد اليقين بتلف نفسه و هلاكه بالمرة فما لم‌يبلغ الخوف حد الموت فرقا و بقي له استمساك يفر و يهرب الي جانب المتيقن نفعه و حفظه من ضرر الضار او المظنون نفعه و حفظه و تيقن النفع او ظنه يوجب الرجاء و هو ضد الخوف و سيأتي شرح حاله ان‌شاء اللّه.

فاصل الخوف الذي ينشأ منه اما خارجي موجود في الحال كالاسد المقبل فيقع شبحه في العين ثم في الحس المشترك ثم في الخيال فيدرك النفس صورته المجردة فتجدها منافية لكينونتها فتخاف منه و هذا القسم يحصل في الحيوانات لكن عن طبع و اما ذهني و هو كأن يتفكر في انه لو كان كذا كيف كان يكون فيتصور في ذهنه صورة ان لو كان كذا فينتزع النفس صورته المجردة فتجدها منافية و تعتقد انها تنالها فتخاف منها اي تتوقع نيل ضررها فاذا حصل العلم بالشي‌ء الضار في الصدر اي النفس و اعتقدت وصوله اليها خافت اي توقعت وقوع ضرره

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 178 *»

فاذا صح الخوف هربت فان النفس تعرض عما يضرها و تنفر عنه فيقع شبحها و شبح خوفها و اعراضها في القلب فيضطرب القلب فان كان اصل الخوف اي الشي‌ء الضار في الخارج هرب الروح من ظاهر الاعضاء الي جوف القلب الذي هو مأمنه و يراه ابعد عن الضار من الاعضاء فلاجل ذلك يبرد الاطراف حتي تكاد ان تموت فيرجع الروح اليها شفقة عليها فيهرب و يرجع فكلما يهرب تتركها فتتساقط و كلما يرجع يمسكها و لما كان هذا التردد بسرعة يحدث في الاطراف ارتعاش و لما كان الدم مركب الروح و الروح متعلق به في الشرائين و العروق الكبار و الصغار يجتمع في القلب و ما حوله و ينصرف عن الوجه و الاطراف و ان بقي قليل في الاطراف يكاد من جهة برد الاطراف و هرب الروح ان ينجمد فيزول حمرة الوجه و يصفر  في كمودة كلون الاموات و يكمد لون الايدي و الارجل و يزول نضارتها و يكمد لون الاظفار فتصير كاظفار الموتي و يقل رطوبة الاطراف و الفم لانصراف الدم و الرطوبات بمشايعة الروح فيتوتّر انفه و يغور عينه بمشايعة الروح و الدم و يصير وجهه اشبه شي‌ء بالموتي و لربما لايرجع الروح الي الاطراف من شدة الفرق زمانا فيجمد الدم فاذا رجع الروح ماقدر علي حله و اذابته فانسد المجاري و يبس العصب فيشل اليد و يعرج الرجل و لربما يشتد الخوف بحيث لايقدر الروح و لايجسر ان يرجع الي الاعضاء زمانا طويلا فيجمد دماء الاطراف بالكلية و ينسد المجاري ثم لايقدر النفوذ فيها فيحتقن في القلب ثم لايلحقه مدد لانسداد طرق المجاري فمات خنقا و صبرا و ان لم‌يبلغ هذا المبلغ فلربما يغشي عليه ساعة و يتراخي الاعضاء و تتساقط ثم يرجع الروح بعد قليل فيفيق و قد يدمع العين اذا كان الخوف قليلا  لاجتماع الروح و الدم في القلب و صعود الحرارة الي الوجه و العين و اذابتها الرطوبات الجامدة فيها و اجرائها من المجاري و اما اذا اشتد فلاتصعد الحرارة الي الوجه و الرأس لفراره الكلي عن الظاهر و تحصنه في القلب فيحتقن الحرارة في القلب و لربما يجتمع الحرارة في القلب فلايطيق فيصيح صيحة كالشي‌ء الذي يجتمع فيه حرارة زائدة قوية فينفتق فتقة لها صوت بحسب ما ينفتق فلربما يصيح صيحة ثم يموت فهذا هو هرب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 179 *»

الروح اذا صح الخوف و لربما يشايع الروح البدن فيهرب من قرب الشي‌ء الضار الي البعيد منه ان امكن لئلايناله ضرره و ان وجد الانسان مهربا ظاهريا و مأمنا يقل مفارقة الروح ظاهر البدن و يسكن ارتعاشه و ساير اعراضه هذا اذا كان المخوف في الخارج و اما اذا كان المخوف في الذهن فانه اذا تصور في الذهن صورة الشي‌ء المنافر استوحش منها النفس و اعتقدت  انها ضارة بها فتنفرت منها فوقع مثالها في القلب في الروح البخاري و لما كان الروح البخاري اذا صعد الي الدماغ رأي هنالك الصور فاذا وجد هناك ما يكره انزعج و تنفر و رجع الي مأمنه الذي هو القلب و تخلي عن الدماغ الذي وجد فيه الصورة فتعطل مبدء الحركة عن الروح و بطل شعوره و تفرق حواسه و محي تصوراته عن لوح خياله و بطل فكره و وهمه و علمه و عقله و تعطل اعضاؤه عن الحركة ثم اذا خاف الروح علي الاعضاء من فراره عاد الي مبدء الحركة فاذا تردد كذلك بسرعة حصل الارتعاش في الاعضاء ايضا و توارد الخيالات غير مستقرة و شايع الروح الدم و اجتمع في القلب فاصفر اللون كما ذكرنا و بتراجع الروح يتراجع الدم فيتغير اللون فيصفر مرة و يبيض مرة و يحمر مرة و يخضر مرة علي حسب اختلاف التراجع و اضطراب الروح و سرعة عوده و بطئه و جمود الدم في الجملة و ذوبانه و بقائه قليلا و ذهاب اكثره او كله.

بالجملة اذا صح الخوف في صدر و هو النفس صار منشأ آثار هكذا و هي طبيعية لاتتخلف البتة و ليس ذلك بمحض قول و ادعاء فاذا وجد العلامات في وجه عرف انه خائف مستوحش و الا فلا فعلامة الخوف الهرب ظاهرا و باطنا و تلك الآثار ظهور الهرب الباطني و معني الهرب الظاهري مباعدة ما يخاف منه في الظاهر و الهرب منه فلو قابل رجل اسدا و قال الرجل اني اخاف من هذا الاسد كثيرا و تراه ساكن الجاش مطمئن القلب احمر اللون ساكن الاعضاء و لايفر و لايهرب منه بل يقبل الي الاسد ضاحكا مستبشرا و يعانقه و يجلس عنده و ينام لاتكاد تصدقه في ادعائه الخوف و ان حلف بالايمان المغلظة فان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نورا و لكل شي‌ء موجود اثرا و اقتضاء فمن ذلك اعرف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 180 *»

قدرك و قدر كلمن تري من الناس انهم يدعون انهم يخافون اللّه و لايري فيهم آثار الخوف مثل ما يري  فيهم من آثار الخوف من بعوضة و بقة فان الخائف منها بالليل يهرب و يتحصن ببعض الملاحف و الازر و يضج من لدغها البتة فما لنا لانرجو للّه وقارا و قد خلقنا اطوارا و لاننزله منزلة بقة نعوذ باللّه.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان ذات اللّه جل جلاله لاتدرك و لاتناسب شيئا و لاتنافر و لايمكن نسبة الخوف اليها و كذلك مشيته الكونية فليست تنافر و تباين شيئا حتي يخاف منها و هي الرحمة الواسعة التي وسعت كل شي‌ء و انما يخاف عدل اللّه الذي لايطيقه السماوات و الارض و يرجي فضله و عدل اللّه سبحانه هو الزامه الآثار المؤثرات و المقتضيات بالفتح المقتضيات بالكسر و المسببات الاسباب نعوذ باللّه منه فمن حصل له العلم باثر كل مؤثر و مقتضي كل مقتض و سبب كل مسبب و اعتقد ذلك فهو العالم بالاشياء و يحصل له الخوف لانه يعلم ان المخلوق لايخلو من انية و ماهية و مقتضاها الاعراض عن المبدء و المعاصي و السيئات ان عمل الانسان بها و ان عمل بالوجود فلايكاد يخلو من شوب الماهية و هو نقص في العمل و سبب لعدم لياقته بطاعة اللّه و مخالفته لمحبة اللّه فاذا عرف ذلك من المخلوق و عرف ان مقتضي العمل بالماهية البعد عن المبدء و هو سبب كل نقص و شر و بلاء و لأواء و تعب و محنة و عذاب و مصيبة و نكبة و ذلة و فقر و فاقة في الدنيا و الآخرة و يري نفسه ملازمة للعمل بالماهية و علم ان الملزم تلك المقتضيات بالفتح بالمقتضي بالكسر هو اللّه سبحانه و هو مجريها و مبديها و معيدها و اعتقد ذلك خاف من اللّه سبحانه و كلما يشتد علمه باللّه سبحانه و عدله و غناه المطلق و احديته يشتد خوفه و في دعاء يوم الاربعاء اللّهم اشد خلقك خشية لك اعلمهم بك و افضل خلقك بك علما اخوفهم لك و اطوع خلقك اقربهم منك و اشد خلقك لك اعظاما ادناهم اليك لا علم الا خشيتك و لا حلم الا الايمان بك ليس لمن لم‌يخشك علم و لا لمن لايؤمن بك حلم الدعاء و في دعاء الالحاح للسجاد7 سبحانك اخشي خلقك لك اعلمهم بك و اخضعهم لك اعملهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 181 *»

بطاعتك و اهونهم عليك من انت ترزقه و هو يعبد غيرك الدعاء قال اللّه سبحانه (انما يخشي اللّه من عباده العلماء) و سر ذلك ما ذكرنا من ان من علم الزام اللّه سبحانه كل اثر مؤثره و حصل في صدره صورة هذا المعني هو عالم بالاشياء و عالم باللّه عز و جل و يخاف لامحة فاذا صح خوفه هرب من العمل بمقتضي الماهية و الانية البتة أليس انك لو كان لك داعيان و تعلم ان احدهما يدعوك الي الهلاك و البوار و احدهما يدعوك الي النجوة و البقاء و حصل في صدرك صورة دعوة الداعي الاول و مقتضي دعوته تنفرت نفسك منه و خافت علي نفسها من طاعته و متابعته و هربت من طاعته و تركته الي الداعي الآخر البتة فكذلك من عرف الوجود و الماهية و مقتضاهما و حصل له العلم به و انتقش في صدره صورته خاف من متابعة الماهية البتة و من مخالفة الوجود البتة و هو عدل اللّه سبحانه في الكاينات فلايخاف الا عدل اللّه و لايرجا الا فضله كما يأتي اليس ان من علم ان النار محرقة و مقتضاها الاحراق لمايلاقيها و حصل في صدره علم ذلك خاف من مقاربتها و تباعد عنها البتة أوليس ان من علم ان الاسقاط للبدن من اعلي جبل مكسر للاعضاء مميت له البتة و تصور مقتضاه و ملازمته للاسقاط لايلقي نفسه من اعلي الجبل بل يتباعد من موضع يظن انه يقع بل بعد حصول العلم بالمقتضي و المقتضي يهرب الانسان من مواضع ظن وقوع السوء بل لعل بعض المحتاطين المتقين علي انفسهم يهربون من مواضع شك وقوع السوء فمن لايتقي مواضع الشر ليس بعالم باللّه فلو حصل العلم لرجل خاف لامحة فانه امر طبيعي و اذا حصل الخوف هرب لامحة فانه طبيعي و اذا هرب نجا لامحة فانه مقتضاه الذي الزمه اللّه اياه فمن  اجهل ممن يعمل بمعاصي اللّه و من اعلم ممن يتقي مخالفة اللّه جل جلاله و قد روي في تفسير قوله تعالي (انما التوبة علي اللّه للذين يعملون السوء بجهالة) الآية يعني كل ذنب عمله العبد و ان كان به عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه و قد حكي اللّه قول يوسف لاخوته( هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون) فنسبهم الي الجهل لمخاطرتهم بانفسهم انتهي،

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 182 *»

و ذلك ان العلم هو حضور المعلوم عند العالم فمادام الانسان متوجها الي الشي‌ء هو عالم به فيخاف منه و اذا غفل ليس صورة المعلوم عنده فهو جاهل و عند ذلك يأمن بوائقه بجهله فيقترفه و يخاطر بنفسه فيلزمه مقتضاه فيعذب بسببه هذا و يتأكد الخوف اذا تصور الانسان ان مقتضي الاعراض عن الشمس اظطلام الوجه و ان الانسان لايقدر علي التوجه الي الشمس الا بتوفيق اللّه و اللّه سبحانه نور لا ظلمة فيه و خير لا شر فيه و كمال لا نقص فيه فمن اعرض عنه بوجهه وقع في مهاوي الظلمة و الشر و النقص و هو لايقدر علي التوجه ثانيا الي اللّه سبحانه الا بتوفيقه و تسديده و تأييده و فضله و منّه و جوده و هو في حال اعراضه مستحق لمقتضاه و لايستحق غيره و المعرض لايقدر علي الاقبال و انت من حيث انت انت و انت نفس الانية و الماهية فانت لاتقدر علي الاقبال و الاستنارة فمقتضي ذلك ان تبقي باول اعراض اعرضت ابدا في العذاب و النكال و لايمكن لك الاقبال اذ لايتأتي منك انت الا الظلمة و الشر فانت تستحق الخلود باول اعراض اعرضت فانت لو عرفت ذلك و صورت في نفسك تصويرا ثابتا مستقرا لانفتق مرارتك و ارتعش اعضاؤك و جري دمعتك و عرفت انك لا نجاة لك لولا فضل اللّه فله الحمد من ذي اناة لايعجل و من مفضل يمن عليك بالتوبة و الرجوع الي اللّه و الاقبال و ما اصابك من حسنة فمن اللّه و ما اصابك من سيئة فمن نفسك انظر الي الحايط هل يتأتي منه الا الظلمة و هل نوره  الا من فضل الشمس و جودها فكيف لايخاف الانسان اذا حصل له هذه العلوم و رأي من هلك و عرف بما هلك و رأي من نجي و عرف بما نجي ففي مناجاة اميرالمؤمنين7 الهي لولا ما قرفت من الذنوب مافرقت عقابك و لولا ما عرفت من كرمك مارجوت ثوابك و فيها الهي ان عفوت فبفضلك و ان عذبت فبعدلك فيا من لايرجي الا فضله و لايخاف الا عدله صل علي محمد و آل‌محمد و امنن علينا بفضلك و لاتستقص علينا في عدلك الدعاء ففي مصباح‌الشريعة قال الصادق7 الخوف رقيب القلب و الرجاء شفيع النفس من كان باللّه عارفا كان من اللّه خائفا و اليه راجيا و هما جناحا الايمان يطير بهما العبد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 183 *»

المحقق الي رضوان اللّه و عينا عقله يبصر بهما الي وعد اللّه و وعيده و الخوف طالع عدل اللّه ناهي وعيده و الرجاء داعي فضل اللّه و هو يحيي القلب و الخوف يميت النفس قال النبي9 المؤمن بين خوفين خوف ما مضي و خوف ما بقي وبموت النفس يكون حيوة القلب و بحيوة القلب البلوغ الي الاستقامة و من عبد اللّه علي ميزان الخوف و الرجاء لايضل و يصل الي مأموله و كيف لايخاف العبد و هو غير عالم بما يختم صحيفته و لا له عمل يتوسل به استحقاقا و لا قدرة له علي شي‌ء و لا مفر و كيف لايرجو و هو يعرف نفسه بالعجز و هو غريق في بحر آلاء اللّه و نعمائه من حيث لاتحصي و لاتعد و المحب يعبد ربه علي الرجاء بمشاهدة احواله بعين غيرمتهم و الزاهد يعبد ربه علي الخوف قال اويس لهرم بن حيان قد عمل الناس علي رجاء فقال بل تعمل علي الخوف و الخوف خوفان ثابت و معارض فالثابت من الخوف يورث الرجاء و المعارض عنه يورث خوفا ثابتا و الرجاء رجاءان عاكف و باد فالعاكف منه يورث خوفا ثابتا يقوي بسببه المحبة و البادي منه يصحح اهل العجز و التقصير و الحياء انتهي، و فيه عنه7 و قد مر  و نعيده تبركا قال7 نجوي العارفين تدور علي ثلاثة اصول الخوف و الرجاء و الحب فالخوف فرع العلم و الرجاء فرع اليقين و الحب فرع المعرفة فدليل الخوف الهرب و دليل الرجاء الطلب و دليل الحب ايثار المحبوب علي ما سواه فاذا تحقق العلم في الصدر خاف و اذا صح الخوف هرب و اذا هرب نجا و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكن من رؤية الفضل رجا و اذا وجد حلاوة الرجاء طلب و اذا وفق للطلب وجد و اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و اذا هاج ريح المحبة استأنس في ظلال المحبوب و آثر المحبوب علي ما سواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و اختارهما علي كل شي‌ء غيرهما و اذا استقام علي بساط الانس بالمحبوب مع اداء اوامره و اجتناب نواهيه وصل الي روح المناجاة و القرب الخ، قوله7

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 184 *»

فالخوف فرع العلم معناه اذا حصل العلم بالزام اللّه سبحانه مقتضي كل مقتض اياه اعتقد انه يلزمه مقتضي عمله و يناله ضرره و توقع وقوع ضرره عليه فخاف و ذلك التوقع فرع علمه بذلك الالزام ففي الوسائل عن الكليني بسنده عن ابي‌عبيدة الحذاء عن ابي‌عبداللّه7 قال المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضي لايدري ما صنع اللّه فيه و عمر قد بقي لايدري ما يكتسب فيه من المهالك فلايصبح الا خايفا و لايصلحه الا الخوف و عن الصدوق بسنده في وصية النبي9 لعلي7 يا علي ثلث منجيات خوف اللّه في السر و العلانية و القصد في الغني و الفقر و كلمة العدل في الرضا و السخط و قال من الفاظ رسول اللّه9 رأس الحكم مخافة اللّه عزوجل و باسناده عن علي بن غراب قال قـال الصادق جعفر بن محمد8 من خلا بذنب فراقب اللّه تعالي فيه و استحيي من الحفظة غفر اللّه عزوجل له جميع ذنوبه و ان كانت مثل ذنوب الثقلين و عنه  عن عبداللّه بن القسم الجعفي عن ابي‌عبداللّه7  قال سمعته يقول الخائف من لم‌تدع له الرهبة لسانا ينطق به و روي في الكافي بسنده عن الحرث بن المغيرة او ابيه عن ابي‌عبداللّه7 قال قلت له ما كان في وصية لقمن قال كان فيها الاعاجيب و كان اعجب ما كان فيها ان قال لابنه خف اللّه عز و جل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك و ارج اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال ابوعبداللّه7 كان ابي7 يقول انه ليس من عبد مؤمن الا و في قلبه نوران نور خيفة و نور رجاء لو وزن هذا لم‌يزد علي هذا و لو وزن هذا لم‌يزد علي هذا و عن اسحق بن عمار قال قـال ابوعبداللّه7 يا اسحق خف اللّه كأنك تراه و ان كنت لاتراه فانه يراك و ان كنت تري انه لايراك فقد كفرت و ان كنت تعلم انه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من اهون الناظرين اليك و عن الهيثم بن واقد قال سمعت اباعبداللّه7 يقول من خاف اللّه اخاف اللّه منه كل شي‌ء و من لم‌يخف اللّه اخافه اللّه من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 185 *»

كل شي‌ء وعن ابي‌حمزة قال قـال ابوعبداللّه7 من عرف اللّه خاف اللّه و من خاف اللّه سخت نفسه عن الدنيا و عن صالح بن حمزة رفعه قال قـال ابوعبداللّه7 ان من العبادة شدة الخوف من اللّه عز و جل يقول اللّه عز و جل (انما يخشي اللّه من عباده العلماء) و قال جل ثناؤه (و لاتخشوا الناس و اخشوني) و قال تبارك و تعالي (و من يتق اللّه يجعل له مخرجا) قال و قـال ابوعبداللّه7 ان حب الشرف و الذكر لايكونان في قلب الخائف الراهب و عن ابي‌حمزة الثمالي عن علي بن الحسين8 قال قـال ان رجلا ركب البحر باهله فكسر بهم فلم‌ينج ممن كان في السفينة الا امرأة الرجل فانها نجت علي لوح من الواح السفينة حتي الجئت الي جزيرة من جزائر البحر و كان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق و لم‌يدع للّه حرمة الا انتهكها فلم‌يعلم الا و المرأة قائمة علي رأسه فرفع  رأسه اليها فقال انسية ام جنية فقالت انسية فلم‌يكلمها كلمة حتي جلس منها مجلس الرجل من اهله فلما ان همّ بها اضطربت فقال لها ما لك تضطربين فقالت افرق من هذا و اشارت بيدها الي السماء قال فصنعت من هذا شيئا قالت لا وعزته قال فانت تفرقين هذا الفرق و لم‌تصنعي من هذا شيئا و انما استكرهتك استكراها فانا واللّه اولي بهذا الفرق و الخوف و احق منك قال فقام و لم‌يحدث شيئا و رجع الي اهله و ليست له همة الا التوبة و المراجعة فبينا هو يمشي اذ ضامه راهب يمشي في الطريق فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب ادع اللّه يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس فقال الشاب مااعلم ان لي عند ربي حسنة فاتجاسر علي ان اسأله شيئا قال فادعو انا و تؤمّن انت قال نعم فاقبل الراهب يدعو و الشاب يؤمّن فما كان باسرع من ان اظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا من النهار ثم تفرقت الجادة جادتين فاخذ الشاب في واحدة و اخذ الراهب في واحدة فاذا السحابة مع الشاب فقال الراهب انت خير مني لك استجيب و لم‌يستجب لي فخبرني ما قصتك فاخبره بخبر المرأة فقال غفر لك ما مضي حيث دخلك الخوف فانظر كيف تكون فيما تستقبل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 186 *»

و في ارشاد الديلمي مرسلا قال علي بن الحسين7 ابن آدم انك لاتزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك و ما كان الخوف شعارك و الحزن دثارك ابن آدم انك ميت و محاسب فاعد الجواب و اوحي اللّه الي موسي بن عمران يا موسي خفني في سر امرك احفظك في عوراتك و قال الصادق7 ما الدنيا عندي الا بمنزلة الميتة اذا اضطررت اليها اكلت منها يا حفص ان اللّه تعالي علم ما العباد عاملون و الي ما هم صايرون فحلم عنهم عند اعمالهم السيئة بعلمه السابق فيهم و انما يعجل من يخاف الفوت فلايغرنك من اللّه تاخير العقوبة ثم تلا قوله تعالي (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في  الارض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) و جعل يبكي و يقول ذهبت الاماني عند هذه الآية ثم قال فاز واللّه الابرار و خسر الاشرار تدري من الابرار هم الذين خافوه و اتقوه و قربوا اليه بالاعمال الصالحة و خشوه في سر امرهم و علانيتهم كفي بخشية اللّه علما و كفي بالاغترار به جهلا يا حفص ان اللّه يغفر للجاهلين سبعين ذنبا قبل ان يغفر للعالم ذنبا واحدا يا حفص من تعلم و عمل كتب في الملكوت عظيما ان اعلم الناس باللّه اخوفهم منه و اخشاهم له ازهدهم في الدنيا و قال له رجل يا ابن رسول اللّه اوصني فقال اتق اللّه حيث كنت فانك لاتستوحش و في جامع الاخبار قال رسول اللّه9 من كان باللّه اعرف كان من اللّه اخوف و قال9 يا بن مسعود اخش اللّه تعالي بالغيب كأنك تراه فان لم‌تره فانه يراك يقول اللّه تعالي (من خشي الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود) و قال روي ان النبي9 كان يصلي و قلبه كالمرجل يغلي من خشية اللّه قال اللّه تعالي (الذين اذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم) و قال الصادق7 ارج اللّه رجاء لايجريك علي معصية و خف اللّه خوفا لايؤيسك من رحمته و قال النبي9 كل عين باكية يوم القيمة الا ثلث اعين عين بكت من خشية اللّه و عين غضت عن محارم اللّه و عين باتت ساهرة في طاعة اللّه و قال النبي9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 187 *»

اذا اقشعر قلب المؤمن من خشية اللّه تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجرة ورقها   و مر الحسن بن علي7 بشاب يضحك فقال هل مررت بالصراط قال لا قال و هل تدري الي الجنة تصير ام الي النار قال لا قال فما هذا الضحك قال فمارأي ذلك الفتي بعدها ضاحكا و قال الصادق7 لايكون المؤمن مؤمنا حتي يكون خائفا راجيا و لايكون خائفا راجيا حتي يكون عاملا لما يخاف و يرجو و في الوسائل عن‌الطوسي بسنده عن الحسين بن موسي‌بن‌جعفر عن ابيه عن آبائه عن اميرالمؤمنين: قال ان المؤمن لايصبح الا خائفا و ان كان محسنا و لايمسي الا خائفا و ان كان محسنا لانه بين امرين بين وقت قد مضي لايدري ما اللّه صانع به و بين اجل قد اقترب لايدري ما يصيبه من الهلكات الا و قولوا خيرا تعرفوا به و اعملوا به تكونوا من اهله صلوا ارحامكم و ان قطعوكم و عودوا بالفضل علي من حرمكم و ادوا الامانة الي من ائتمنكم و اوفوا بعهد من عاهدتم و اذا حكمتم فاعدلوا و في الكافي عن حمزة بن حمران قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ان مما حفظ من خطب النبي9 انه قال ايها الناس ان لكم معالم فانتهوا الي معالمكم و ان لكم نهاية فانتهوا الي نهايتكم الا ان المؤمن يعمل بين مخافتين بين اجل قد مضي لايدري ما اللّه صانع فيه و بين اجل قد بقي لايدري ما اللّه قاض فيه فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه و من دنياه لآخرته و في الشبيبة قبل الكبر و في الحيوة قبل الممات فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب و ما بعدها من دار الا الجنة و النار و عن داود الرقي عن ابي‌عبداللّه7 في قول اللّه عز و جل (و لمن خاف مقام ربه جنتان) قال من علم ان اللّه يراه و يسمع ما يقول و يعلم ما يعمله من خير او شر فيحجزه القبيح من الاعمال فذلك الذي خاف مقام ربه و نهي النفس عن الهوي و عن الحسن بن ابي‌سارة قال سمعت اباعبداللّه7 يقول لايكون المؤمن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 188 *»

 مؤمنا حتي يكون خائفا راجيا و لايكون خائفا راجيا حتي يكون عاملا لما يخاف و يرجو الي غير ذلك من الاخبار الواردة في هذا المضمار.

و اعلم ان حقيقة الخوف و الرجاء و منشأهما ان اللّه سبحانه خلق كل مؤمن من نور و ظلمة و وجود و ماهية و جهة من ربه و جهة من نفسه فالنور الذي فيه هو اثر مشية اللّه و مثالها و منها و هو جهته الي ربه و ظاهر ربه و ربه الظاهر و  يسمي بالوجود عند بعض الحكماء و العرفاء السالفين و هو المثال المشار اليه في حديث اميرالمؤمنين7 تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فهذا المثال هو نور المشية و هي اولي به و هو منها بدئ و اليها يعود فهذا المثال هو حقيقة روح الايمان و منشأ كل طاعة و عبادة و خير و كمال و حسن خلق و تقوي و جميع الحسنات العملية و القولية و الاخلاقية و العلمية و جميع ذلك آثاره و مقتضياته و من طباعه منه يبدو و اليه يعود و هو اولي به و لهذا المثال مراتب من مبدء الانسان الي منتهاه و درجات و في كل درجة له اقتضاءات و لعلنا شرحنا ذلك في موضع اليق و الظلمة التي فيه هي حيث نفسه بمادتها و صورتها و كل عصيان و سيئة و شر و نقص و سوء خلق و سوء عمل او قول او علم منسوب اليها و هي اولي بها و هي منها و اليها و هي حقيقة روح الكفر و الشرك و الشقاق و النفاق و الضلالة و الجهل و كل سيء،  في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و المراد بالروح هو ذلك المثال الملقي و نفخت فيه من روحي و المراد بالطبيعة هو حيث انيته و حيث هو هو و ذلك ان اللّه وجود حق و انية الخلق عدمية الاصل و ان اللّه غني و هي فقيرة و ان اللّه متوحد و هي متكثرة الي غير ذلك فهي علي خلاف كينونة اللّه و جميع مقتضياتها علي خلاف مقتضيات مشية اللّه و محاب اللّه بقول مطلق فما صدر من معصية من العبد فهي منها و اليها و ما صدر منه من طاعة فهي من ذلك المثال الذي هو ظاهر الرب و الرب الظاهر و صفة المشية و نورها و منها و اليها فما صدر منه من طاعة فهي من اللّه قد انعم بها علي خلقه و اجراها علي يديه من غير استحقاق فان الماهية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 189 *»

ليست بمستحقة للوجود و العطاء و الجود فلو عوملت بما تقتضيه لكانت تبقي ابد الابد في العذاب السرمد ألاتعلم ان الظلمة  لاتقتضي النور و الشر لايقتضي الخير و الكثرة لاتقتضي الوحدة و الكثيف لايقتضي اللطيف و القبح لايقتضي الحسن فهي اقتضت ان تكون علي ما هي عليه فجعلها اللّه اياها ثم هي لاتقتضي الوجود و الخير و النور فجميع ما من اللّه ابتداء منه جل و عز كما في الدعاء كل نعمك ابتداء و جميع احسانك تفضل و في آخر يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها فافاضة الوجود من اللّه ذي الجود ابتداء و اجراء الطاعات علي يدي العبد محض احسان فانه لولا الطاعات لم‌يبق الا المعاصي و المعاصي لاتجعل الانسان مستأهلا للطاعات و الفيوض و الامداد ابدا فبعد ان ركب اللّه بمنه و جوده عبده من نور و ظلمة صار النور منشأ الرجاء و صارت الظلمة منشأ الخوف و صار النور عرصة الفضل و الظلمة عرصة العدل فمقتضي الفضل ان يغفر له كل ذنب و يستر له كل عيب و يقضي له كل حاجة ان عمل العبد بمقتضي وجوده و مقتضي العدل ان لايغفر له ذنب و لايستر له عيب و لايقال له عثرة و لايقضي له حاجة ابدا ابدا و يعذب بالنار سرمدا فان بالطاعة ينجو الانسان من النار و لا طاعة الا من عرصة الفضل و من اللّه و الي اللّه فلو عدل اللّه في حقه و ما يستحقه بعمله الذي هو منه و اليه و هو اهله لعذبه سرمد الابد في النار و لايستحق الرحمة ابدا ابدا و لا طاعة له حتي يتوصل و يتوسل بها الي اللّه سبحانه و هو من رحمته و فضله القي في هويته مثاله فاظهر عنها الطاعات و نسبها اليه لانها تظهر منها و جزاه بها احسانا بعد احسان ألم‌تسمع تفسيرهم سلام اللّه عليهم عن اللّه جل و عز لقوله تعالي (هل جزاء الاحسان الا  الاحسان) قال اي ما جزاء من انعمت عليه بالتوحيد الا الجنة فله الحمد من اله بر رءوف ينعم علي عبده بالتوحيد و الخير ثم يقبل منه و ينسبه اليه و يجزيه به و كل ذلك ابتداء منه جل و علا و يأتي تمام الكلام في الرجاء ان شاء اللّه و الغرض هنا ان نعرفك ان النور اصل الرجاء و الظلمة  اصل الخوف فلولا النور لكان العبد كله ظلمة و لولا الظلمة لكان العبد كله نورا بفضل اللّه و جوده و العبد المركب منهما يجب ان يكون فيه رجاء و خوف متساويان لايزيد هذا علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 190 *»

هذا و لا هذا علي هذا لانه من حيث نفسه بكله يقتضي العذاب الدائم المخلد و فضل اللّه سبحانه المحيط بجميع الخلق غير الممنوع عمن طلبه و توجه اليه يقتضي النعيم الدائم ألاتري ان الشمس يرجي منها الاستنارة و الماء يرجي منه الري و النار يرجي منها الاحراق اذا كانت مبذولة غير ممنوعة من حيث نفسها فكذلك فضل اللّه المبذول غير الممنوع عن احد يرجي منه و فيه النجاة الدائمة و اذا طلبته بكلك لايمتنع عن كلك فاذا يجب ان يساوي خوفك و رجاؤك بحيث لايزيد احدهما علي الآخر البتة فان الفضل و ان كان بلا نهاية الا انه يتقدر فيك بقدرك فيساوي نفسك و خوفك علي نفسك فافهم و ليس ينقص الخوف الا بنسيان مقتضي نفسه الذي يستحقه و يقع حينئذ في عرصة الامن من مكر اللّه و لايأمن مكر اللّه الا القوم الخاسرون و ليس ينقص الرجاء الا عند ترك مطالعة الفضل و سوء الظن باللّه و ظن البخل به و ملاحظة صرف نفسه و مقتضاها و يقع في عرصة اليأس من اللّه و لاييئس من روح اللّه الا القوم الكافرون و نقصان الخوف ذرة من مبادي الامن من مكر اللّه و اقل مراتبه و نقصان الرجاء و لو ذرة من مبادي اليأس من روح اللّه و اقل مراتبه و هما مذمومان و لذا امرنا بالخوف في عين الطاعة و بالرجاء في عين المعصية و العصاة مبشرون ليعتدلوا و المطيعون منذرون ليعتدلوا فيطيروا بهذين الجناحين الذين بهما اعتداله و قوامه الي درجات القدس فلو نقص احدهما فقد عصي و هبط و احترق جناحه و وقع في مهاوي سجين و اذا اعتدلا سلك الانسان في مسالك العبودية معتدلا و وصل الي مقام القدس و القرب و ان مال عن احد الجانبين ضل.

و اعلم ان الخوف له متعلقان خوف لما فرط الانسان في سالف  زمنه و لزوم مقتضاه له لولا فضل اللّه و خوف لما سيأتي حيث لايدري بماذا يختم عمله أيغرق في بحر عدل اللّه ام يغوص في لجة فضل اللّه ثم ليس الخوف محض ادعاء و قول بل له علامات و

ثوب الرياء يشف عما تحته و ان التحفت به فانك عاري

فعلامة صدق الخوف و صحته الهرب من صفات النفس و العمل بمقتضاها من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 191 *»

فعل المعاصي و ترك الطاعات و الهرب من الاخلاق الردية و ترك الاخلاق الحسنة و الهرب من العلوم الباطلة الخبيثة و الهرب عن ترك العلوم الطيبة علوم آل‌محمد: و الهرب عن الاعراض عن اللّه و ترك ذكره بالجملة علامة الخوف ترك جميع ما كره اللّه ثم ربما يظهر آثار الخوف في طبيعة الانسان فيظهر في لونه و اعضائه و اقواله الظاهرة و الباطنة كما سيأتيك في الفصل الآتي.

بقي شي‌ء في هذا الفصل و هو ان امر الخوف و الرجاء ليس علي ما يزعمه الناس من ان الانسان ينبغي ان يكون خائفا في بعض الاوقات بلا رجاء و راجيا في بعض الاوقات بلا خوف فان ذلك جمع بين عصيانين الامن و اليأس فانه كما ذكرنا ان الرجاء بلا خوف امن و الخوف بلا رجاء يأس و هما محرمان و كذا لايجوز ان تكون خائفا عند العصيان لا راجيا و راجيا عند الطاعة لا خائفا بل المؤمن يجب ان يكون ابدا في كل حال راجيا خائفا اي يكون له حالة بين الخوف و الرجاء مركبة منهما و يشرح تلك الحالة فقرات من مناجاة لاميرالمؤمنين7 احب ذكرها هنا فانها معلمة وجوه الخوف و الرجاء علي اكمل وجه فمنها الهي ان كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك املي الهي كيف انقلب بالخيبة من عندك محروما و كان ظني بك و بجودك ان تقلبني بالنجاة مرحوما الهي لم‌اسلط علي حسن ظني بك قنوط الآيسين  فلاتبطل صدق رجائي لك بين الآملين الهي عظم جرمي اذ كنت المبارز به و كبر ذنبي اذ كنت المطالب به الا اني اذا ذكرت كثير جرمي و عظيم غفرانك وجدت الحاصل من بينهما عفو رضوانك الهي ان دعاني الي النار بذنبي مخشي عقابك فقد ناداني الي الجنة بالرجاء حسن ثوابك الهي ان اوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك فقد آنستني باليقين مكارم عطفك الهي ان انامتني الغفلة عن استعداد لقائك فقد انبهتني المعرفة يا سيدي بكرم آلائك الهي ان عزب لبي عن تقويم ما يصلحني فماعزب ايقاني بنظرك لي فيما ينفعني الهي ان انقرضت بغير ما احببت من السعي ايامي فبالايمان امضتها الماضيات من اعوامي الهي جئتك ملهوفا قد البست عدم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 192 *»

فاقتي و اقامني مقام الاذلاء بين يديك ضر حاجتي الهي كرمت فاكرمني اذ كنت من سوّالك و جدت بالمعروف فاخلطني باهل نوالك الهي مسكنتي لايجبرها الا عطاؤك و امنيتي لايغنيها الا جزاؤك الهي اصبحت علي باب من ابواب منحك سائلا و عن التعرض لسواك بالمسئلة عادلا و ليس من جميل امتنانك رد سائل ملهوف و مضطر لانتظار خيرك المألوف الهي اقمت علي قنطرة من قناطر الاخطار مبلوا بالاعمال و الاعتبار فانا الهالك ان لم‌تعن عليها بتخفيف الاثقال الهي أمن اهل الشقاء خلقتني فاطيل بكائي ام من اهل السعادة خلقتني فابشر رجائي الهي ان حرمتني رؤية محمد9 في دار السلام و اعدمتني تطواف الوصفاء من الخدام و صرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام فغير ذلك منتني نفسي منك يا ذا الفضل و الانعام الهي و عزتك و جلالك لو قرنتني في الاصفاد طول الايام و منعتني سيبك من بين الانام و حلت بيني و بين الكرام ماقطعت رجائي منك و لاصرفت وجه انتظاري للعفو عنك الي ان قال الهي ان اقعدني التخلف عن السبق مع الابرار فقد اقامتني الثقة بك علي مدارج الاخيار الهي سمع العابدون بجزيل  ثوابك فخشعوا و سمع الزاهدون بسعة رحمتك فقنعوا و سمع المولون عن القصد بجودك فرجعوا و سمع المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا و سمع المؤمنون بكرم عفوك و فضل عوارفك فرغبوا حتي ازدحمت مولاي ببابك عصائب العصاة من عبادك و عجت اليك منهم عجيج الضجيج بالدعاء في بلادك و لكل امل قد ساق صاحبه اليك محتاجا و قلب تركه وجيب خوف المنع منك مهتاجا و انت المسئول الذي لاتسود لديه وجوه المطالب و لم‌ترزأ بنزيله فظيعات المعاطب الهي ان اخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد اصبت طريق الفزع اليك بما فيه سلامتها الهي ان كانت نفسي استسعدتني متمردة علي ما يرديها فقد استسعدتها الآن بدعائك علي ما ينجيها الهي ان عداني الاجتهاد في ابتغاء منفعتي فلم‌يعدني برك بي فيما فيه مصلحتي الهي ان قسطت في الحكم علي نفسي بما فيه حسرتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 193 *»

فقد اقسطت الآن بتعريفي اياها من رحمتك اشفاق رأفتها الهي ان اجحف بي قلة الزاد في المسير اليك فقد وصلته الآن بذخاير ما اعددته من فضل تعويلي عليك الهي اذا ذكرت رحمتك ضحكت اليها وجوه وسائلي و اذا ذكرت سخطتك بكت لها عيون مسائلي الي ان قال الهي ادعوك دعاء من لم‌يرج غيرك بدعائه و ارجوك رجاء من لم‌يقصد غيرك برجائه الي ان قال الهي قد علمت حاجة نفسي الي ما تكفلت لها به من الرزق في حيوتي و عرفت قلة استغنائي عنه من الجنة بعد وفاتي فيا من سمح لي به متفضلا  في العاجل لاتمنعنيه يوم فاقتي اليه في الآجل فمن شواهد نعماء الكريم استتمام نعمائه و من محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه الهي لولا ما جهلت من امري ماشكوت عثراتي و لولا ما ذكرت من الافراط ماسفحت عبراتي الي ان قال الهي كيف ينقل بنا اليأس الي الامساك عما لهجنا بطلابه و قد ادرعنا من تأميلنا اياك اسبغ اثوابه الهي اذا هزت الرهبة  افنان مخافتنا انقلعت من الاصول اشجارها و اذا تنسمت ارواح الرغبة منا اغصان رجائنا اينعت بتلقيح البشارة اثمارها الهي اذا تلونا من صفاتك شديد العقاب اسفنا و اذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا فنحن بين امرين فلا سخطتك تؤمننا و لا رحمتك تؤيسنا الهي ان قصرت مساعينا عن استحقاق نظرتك فماقصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك الي ان قال الهي لا سبيل لي الي الاحتراس من الذنب الا بعصمتك و لا وصول لي الي عمل الخيرات الا بمشيتك فكيف لي بافادة ما اسلفتني فيه مشيتك و كيف لي بالاحتراس من الذنب ما ان لم‌تدركني فيه عصمتك الهي انت دللتني علي سؤال الجنة قبل معرفتها فاقبلت النفس بعد العرفان علي مسألتها أفتدل علي خيرك السؤّال ثم تمنعهم النوال و انت الكريم المحمود في كل ما تصنعه يا ذا الجلال و الاكرام الهي ان كنت غير مستوجب لما ارجو من رحمتك فانت اهل التفضل عليّ بكرمك فالكريم ليس يصنع كل معروف عند من يستوجبه الهي ان كنت غير مستأهل لما ارجو من رحمتك فانت اهل ان تجود علي المذنبين بسعة رحمتك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 194 *»

الهي ان كان ذنبي قد اخافني فان حسن ظني بك قد اجارني الي ان قال الهي كيف ادعوك و انا انا ام كيف ايئس منك و انت انت الهي ان نفسي قائمة بين يديك و قد اظلها حسن توكلي عليك فصنعت بها ما يشبهك و تغمدتني بعفوك الهي ان كان قد دنا اجلي و لم‌يقربني منك عملي فقد جعلت الاعتراف بالذنب اليك وسائل عللي فان عفوت فمن اولي منك بذلك و ان عذبت فمن اعدل منك في الحكم هنالك الي ان قال الهي انك لم‌تزل بي بارا  ايام حيوتي فلاتقطع برك عني ايام وفاتي الهي كيف ايأس من حسن نظرك لي بعد مماتي و انت لم‌تولني الا الجميل في ايام حيوتي الهي ان ذنوبي قد اخافتني و محبتي لك قد اجارتني فتول من امري ما انت اهله و عد بفضلك علي من غمره جهله  الي ان قال الهي لولا ما قرفت من الذنوب مافرقت عقابك و لولا ما عرفت من كرمت مارجوت ثوابك وانت اولي الاكرمين بتحقيق امل الآملين و ارحم من استرحم في تجاوزه عن المذنبين الي ان قال الهي القتني الحسنات بين جودك و كرمك و القتني السيئات بين عفوك و مغفرتك و قد رجوت الايضيع بين ذين مسي‌ء و محسن الهي اذا شهد لي الايمان بتوحيدك و انطلق لساني بتمجيدك و دلّني القرآن علي فواضل جودك فكيف لايتهيج رجائي بحسن موعودك الهي ان نظرت اليّ بالهلكة عيون سخطتك فمانامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك الهي ان عرضني ذنبي لعقابك فقد ادناني رجائي من ثوابك الهي ان عفوت فبفضلك و ان عذبت فبعدلك فيا من لايرجي الا فضله و لايخاف الا عدله صل علي محمد و آل‌محمد و امنن علينا بفضلك و لاتستقص علينا في عدلك الي آخر المناجاة و روي في آخرها ثم اقبل اميرالمؤمنين7 علي نفسه يعاتبها و يقول ايها المناجي ربه بانواع الكلام و الطالب منه مسكنا في دار السلام و المسوف بالتوبة عاما بعد عام مااراك منصفا لنفسك من بين الانام فلو دافعت يومك يا غافلا بالصيام و اقتصرت علي القليل من لعق الطعام و احييت مجتهدا ليلك بالقيام كنت احري ان تنال اشرف المقام ايتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 195 *»

النفس اخلطي ليلك و نهارك بالذاكرين لعلك ان تسكني رياض الخلد مع المتقين و تشبهي بنفوس قد اقرح السهر رقة جفونها و دامت في الخلوات شدة حنينها و ابكي المستمعين عولة انينها و الان قسوة الضماير ضجة رنينها فانها نفوس قد باعت زينة الدنيا و آثرت الآخرة علي الاولي اولئك وفد الكرامة يوم يخسر فيه المبطلون و يحشر الي ربهم بالحسني و السرور المتقون انتهي.

و نحن انما استطرفنا من فقراتها طرفا لا لاجل ان بواقيها ليست في الدرجة العليا من حسن المطالب بل لاجل انا  اردنا ان نقيد هنا ما يناسب منها الخوف و الرجاء فانت لو تدبرت في مضامينها لوجدته7 لم‌يلمح الي جانب الخوف لمحة الا و نظر الي جانب الرجاء نظرة و لم‌يؤخره داعي الرهبة خطوة الا و قدمه باعث الرجاء خطوة فهو ابدا متردد بين داعيي الخوف و الرجاء حاذر عن محذور القنوط و الامن فان اسمنه لذيذ مشتهي الرجاء اهزله مرعوب منظر الخوف فهو ابدا متردد بين هذين طاير بهذين الجناحين يسوقه زاجر الخوف و يقوده داع الرجاء و يهيجه حبه لمولاه و لو تفكرت في هذه الفقرات لوجدتها مشحونة بانواع اسباب الخوف و علل الرجاء و لعرفت ان المؤمن لابد له من ان يكون ابدا خائفا راجيا في جميع الحالات لانه لايفقد نفسه الجانية التي وجودها ذنب لايساويه ذنب و هو من اعظم اسباب الخلود في النار و لايفقد ربه الكريم العفو المتفضل المبتدئ بالنعمة الداعي الي طلب الرحمة و الجنة الواعد للمغفرة و العفو و الاجابة فان كان لايفقد احدهما ابدا فكيف ينقطع خوفه او رجاؤه.

و اعلم انه ليس الخوف ضد الرجاء فانهما يجب ان يجتمعا بل الخوف ضده الامن و هو غير الرجاء فان الامن هو يقين النجاة و الرجاء توقع الخير في تردد ما و الرجاء ضده القنوط فان الخوف هو توقع الشر في تردد و القنوط يقين الشر و يقين بعدم الخير.

بالجملة الانسان لابد و ان يكون في كل حال راجيا خائفا اي يكون له حالة بين الخوف و الرجاء مركبة منهما و ليس مرادي ان لايكون راجيا و لا خائفا بل مرادي ان يكون راجيا خائفا معا يعني ينبغي ان يكون له حالة الحيران لايدري كيف يكون حاله أيؤخذ بذنبه ام يعفي عنه كالمقصر الواقف بين يدي السلطان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 196 *»

العطوف العفو الرءوف الشديد البطش الشديد الانتقام قد وقف شفعاء مقبولون من جهة و مدعوا حقوق عليه من جهة فيكون هو والها حيران لايدري ما يقضي عليه قال اللّه سبحانه (نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم و ان عذابي هو العذاب الاليم) فاذا صار العبد واقفا بين هاتين الحالتين متحيرا في امر نفسه يكون دائما خائفا راجيا و يعتدل جناحاه و يقف علي القطب لايميل الي ملاحظة المنافع الفضلية و لا المضار العدلية و يعرض عن نفسه فيتعلق به روح الحب الواقف فوق الخوف و الرجاء فيؤثر المحبوب علي ما سواه و يباشر اوامره و يجتنب نواهيه و ينسي نفسه و يستأنس بظل المحبوب و اما الراجي المحض فهو طالب للمنافع و الخائف المحض فمجتنب للمضار و لايخلو من ملاحظة نفسه و قد مر الادلة علي ذلك في الاحاديث السابقة فراجع و نعنون هنا فصلا نذكر فيه بعض خوف الاولياء سلام اللّه عليهم لتعرف حد الخوف و تقتدي بهم صلوات اللّه عليهم.

فصل: في ذكر بعض خوف الانبياء و الاولياء سلام اللّه عليهم ففي حلية‌الابرار عن اميرالمؤمنين7 ان رسول اللّه9 كان اذا قام الي الصلوة يسمع لصدره و جوفه ازيز كازيز المرجل علي الاثافي من شدة البكاء و قد آمنه اللّه عزوجل من عقابه فاراد ان يتخشع لربه ببكائه و يكون اماما لمن اقتدي به و عن علي بن ابرهيم القمي في حديث عن ابي‌ذر قال دخلنا علي رسول اللّه9 عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم‌يرد علينا السلام فلما اصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا فرحا مستبشرا فقلنا له بآبائنا و امهاتنا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا اليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا فقال كان قد بقي عندي من فيء المسلمين اربعة دنانير لم‌اكن قسمتها و خفت ان يدركني الموت و هي عندي و قد قسمتها اليوم فاسترحت منها و عن ابي‌جعفر احمد القمي قال الصادق7 بينا رسول اللّه9 ذات يوم قاعد اذ نزل عليه جبرئيل كئيبا فقال رسول اللّه9 يا اخي جبرئيل ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 197 *»

لي اراك كئيبا حزينا فقال و كيف لااكون  كذلك و قد وضعت منافخ جهنم اليوم فقال رسول اللّه9 و ما منافخ جهنم فقال ان اللّه امر النار فاوقد عليها الف عام فاحمرت ثم اوقد عليها الف عام فابيضت ثم اوقد عليها الف عام فاسودت فهي سوداء مظلمة ظلمات بعضها فوق بعض فلو ان حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت علي الجبال لذابت من حرها و لو ان قطرة من الزقوم و الضريع قطرت في شراب اهل الدنيا لمات اهل الدنيا من نتنها قال فبكي رسول اللّه9 و بكي جبرئيل7 فاوحي اللّه اليهما اني قد آمنتكما من ان تذنبا فتستحقان النار و لكن كونا هكذا و قد مر في فصل اجتهاد الائمة: في العبادة حديث ابي‌الدرداء و غشية علي7 من خوف اللّه مع احاديث اخر دالة علي خوفهم صلوات اللّه عليهم و روي في حلية‌الابرار من كشف‌الغمة قال قال طاووس رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب و يدعو و يبكي في دعائه فجئته حين فرغ من صلوته فاذا هو علي بن الحسين8 فقلت له يا ابن رسول اللّه رأيتك علي حالة كذا و كذا و لك ثلثة ارجو ان تؤمنك من الخوف احدها انك ابن رسول اللّه و الثاني شفاعة جدك رسول اللّه و الثالث رحمة اللّه تعالي فقال يا طاووس اما اني ابن رسول اللّه فلايؤمنني لان اللّه تعالي يقول (فلا انساب بينهم يومئذ) و اما شفاعة جدي فلاتؤمنني لان اللّه تعالي يقول (و لايشفعون الا لمن ارتضي) و اما رحمة اللّه فان اللّه تعالي يقول (ان رحمة اللّه قريب من المحسنين) و لااعلم اني محسن و قال سقط لعلي بن الحسين ابن في بئر ففزع اهل المدينة لذلك حتي اخرجوه و كان قائما يصلي فمازال في محرابه فقيل له في ذلك فقال ماشعرت اني كنت اناجي ربا عظيما و عن يوسف بن اسباط قال حدثني ابي قال دخلت مسجد الكوفة فاذا شاب ينادي و يناجي ربه و يقول في سجوده سجد وجهي متعفرا بالتراب لخالقي و حق  له فقمت اليه فاذا هو علي بن الحسين فلما انفجر الفجر نهضت اليه فقلت له يا بن رسول اللّه تعذب نفسك و قد فضلك بما فضلك فبكي ثم قال حدثني عمر بن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 198 *»

عثمن عن اسامة بن زيد قال قـال رسول اللّه9 كل عين باكية يوم القيمة الا اربعة عين بكت من خشية اللّه و عين فقئت في سبيل اللّه و عين غضت عن محارم اللّه و عين باتت ساهرة ساجدة يباهي اللّه بها الملئكة يقول انظروا الي عبدي روحه عندي و جسده في طاعتي حتي جافي بدنه المضاجع يدعوني خوفا و طمعا خوفا من عذابي و طمعا في رحمتي اشهد اني قد غفرت له و في الحلية عن ابن‌بابويه بسنده عن طاووس اليماني قال مررت بالحجر فاذا انا بشخص راكع و ساجد فتاملته فاذا هو علي بن الحسين فقلت يا نفس رجل صالح من اهل بيت النبوة واللّه لاغتنمن دعاءه فجعلت ارقبه حتي فرغ من صلوته و رفع باطن كفيه الي السماء و جعل يقول سيدي سيدي هذه يداي قد مددتهما اليك بالذنوب مملوة و عيناي بالرجاء ممدودة و حق لمن دعاك بالندم تذللا ان تجيبه بالكرم تفضلا أمن اهل الشقاء خلقتني فاطيل بكائي ام من اهل السعادة خلقتني فابشر رجائي سيدي أللضرب خلقت اعضائي ام لشرب الحميم خلقت امعائي سيدي لو ان عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت اول الهاربين منك لكنني اعلم اني لاافوتك سيدي لو ان عذابي مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه غير اني اعلم انه لايزيد في ملكك طاعة المطيعين و لاينقص منه معصية العاصين سيدي ما انا و ما خطري هب لي بفضلك و جللني بسترك و اعف عن توبيخي بكرم وجهك الهي و سيدي ارحمني مصروعا علي الفراش تقلبني ايدي احبتي و ارحمني مطروحا علي المغتسل يغسلني صالح جيرتي و ارحمني محمولا قد تناول الاقرباء اطراف جنازتي و ارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي و وحدتي و غربتي قال طاووس فبكيت حتي علا نحيبي فالتفت الي  فقال ما يبكيك يا يماني أوليس هذا مقام المذنبين قلت حبيبي حقيق علي اللّه ان لايردك و جدك محمد9 قال فبينما نحن كذلك اذ اقبل نفر من اصحابه فالتفت اليهم فقال معاشر اصحابي اوصيكم بالآخرة و لست اوصيكم بالدنيا فانكم بها مستوصون و عليها حريصون و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 199 *»

بها مستمسكون معاشر اصحابي الدنيا دار ممر و الآخرة دار مقر فخذوا من ممركم لمقركم و لاتهتكوا استاركم عند من لاتخفي عليه اسراركم و اخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل ان تخرج منها ابدانكم أمارأيتم و سمعتم ما استدرج به من كان قبلكم من الامم السالفة و القرون الماضية ألم‌تروا كيف فضح مستورهم و امطر مطر الهوان عليهم بتبديل سرورهم بعد خفض عيشهم و لين رفاهيتهم صاروا حصايد النقم و مدارج المثلات اقول قولي هذا و استغفر اللّه لي و لكم و قد مر دعاؤه7 الذي اوله الهي وعزتك و جلالك المنبئ عن خوف لا غاية له و لا نهاية و عن كمال‌الدين بن طلحة الشامي من المخالفين قال قال افلح مولي ابي‌جعفر خرجت مع محمد بن علي خارجا فلما دخل المسجد نظر الي البيت فبكي حتي علا صوته فقلت بابي انت  و امي ان الناس ينظرون اليك فلو رفقت بصوتك قليلا فقال لي ويحك يا افلح و لم لاابكي لعل اللّه تعالي ان ينظر اليّ منه برحمة فافوز بها عنده غدا قال ثم طاف بالبيت ثم جاء حتي ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فاذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينه و كان اذا ضحك قال اللّهم لاتمقتني و روي المجلسي; عن ابن‌بابويه; بسند معتبر عن علي بن الحسين7 ما معناه انه كان في بني‌اسرائيل رجل نباش فمرض بعض جيرانه و خاف علي نفسه ان يموت و يسرق ذلك النباش كفنه فطلبه فقال له اي جار كنت لك قال كنت جارا حسنا لي فقال لي اليك حاجة قال قل فان حاجتك مقضية فاحضر عنده كفنين فقال اختر احسنهما لك و اترك لي الآخر اكفن فيه و اذا دفنت فلاتنبش قبري و لاتأخذ كفني فابي النباش و بالغ المريض حتي اختار احسنهما فلما مات المريض و دفن قال النباش في نفسه مايعلمه بعد موته اني اخذت كفنه فنبش قبره فاذا صاح عليه صايح لاتفعل فخاف و تركه و رجع فقال لولده اي اب كنت لكم قالوا خيرا فقال لي اليكم حاجة قالوا قل فان حاجتك مقضية قال اريد ان تحرقوا جسدي اذا مت و تدقوا عظامي فاذا عصفت الريح تنسفوا نصف رمادي الي البر و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 200 *»

نصفه الي البحر ففعلوا فاوحي اللّه الي البر ان اجمع ما فيك و الي البحر ان اجمع ما فيك فاحياه اللّه و اقامه فقال له ما حملك علي هذه الوصية فقال وعزتك فعلت ما فعلت من خوفك فقال اللّه تعالي لما فعلت ذلك من خوفي لارضين عنك خصماءك و لابدلن خوفك بالامن و اغفر لك ذنوبك و عنه ما معناه انه كان النبي9 ذات يوم قاعدا تحت شجرة في يوم شديد الحر فاذا برجل قد جاء و نزع ثيابه و تمعك علي التراب و قد يضع بطنه علي التراب و قد يمسح جبهته و يقول يا نفسي ذوقي فان عذاب اللّه اعظم منها فنظر اليه النبي9 فلبس ثيابه فطلبه النبي9 فقال له ما حملك علي ما صنعت قال خوف اللّه و اذقت نفسي هذا الحر لتعلم انها لاتطيق عذاب اللّه الذي هو اشد من هذا فقال له رسول اللّه9 لقد خفت اللّه حق خوفه فقد باهي اللّه بك ملئكة السماوات ثم قال لاصحابه ادنوا منه يدعو لكم فدنوا منه فقال اللّهم اجمع امرنا علي الهداية و اجعل التقوي زادنا و اجعل الجنة مآبنا و عنه عن النبي9 ما معناه انه كان في الزمان السالف ثلثة يمشون في طريق فجاءهم مطر فلاذوا بغار فاذا بحجر نزل و سد عليهم باب الغار فقال بعضهم واللّه لاينجيكم من هذه المهلكة الا الصدق تعالوا نذكر للّه تعالي عملا يعلم اللّه انا صدقنا فقال واحد منهم اللّهم  ان كنت تعلم انه كان لي اجير فعمل لي عملا علي ان يأخذ مني ارزا فغاب قبل ان يأخذ اجرته فزرعت ارزه له و اشتريت له بحاصله بقرا فلما جاء و طلب مني اجرته قلت تلك البقر منك فقال اني اطلب منك قليل ارز فقلت له هذا القطيع كله من حاصل ذلك الارز و كله لك فاعطيته اياه كله الهي ان كنت تعلم اني فعلت ذلك من خوفك ادفع عنا هذا البلاء فتنحي الحجر قليلا و قال الآخر الهي ان كنت تعلم انه كان لي ابوان كبيرين و آتي كل ليلة بلبن غنمي لهما و لعيالي و ابطأت ليلة فناما و يصيح اهلي و عيالي جوعا و كنت لااطعمهم كل ليلة حتي اطعم ابوي فكرهت ان اوقظهما و كرهت ان اطعم عيالي قبلهما فبقيت عندهما خوف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 201 *»

ان يستيقظا و لم‌اكن حاضرا فانتظرتهما الي الصبح الهي ان كنت تعلم اني فعلت ذلك خوفا منك ففرج عنا فتنحي الحجر ايضا قليلا و قال الثالث الهي ان كنت تعلم انه كان لي بنت عم و احبها كثيرا و اردت ان اخدعها فقالت لاامكن نفسي منك حتي تاتيني بمائة دينار فحصلت مائة دينار و اعطيتها فرضيت فلما قعدت منها مقعد الرجل من اهله قالت خف اللّه و لاتكسر خاتم اللّه فقمت و تركت الدنانير لها فان كنت تعلم اني فعلت ذلك خوفا منك فباعد هذا البلاء عنا فتنحي الحجر و خرجوا و في الكافي بسنده عن مالك بن عطية عن ابي‌عبداللّه7 قال بينا اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه في ملأ من اصحابه اذ اتاه رجل فقال يا اميرالمؤمنين انني اوقبت غلاما فطهرني فقال له يا هذا امض الي منزلك لعل مرارا هاج بك فلما كان من غد عاد اليه فقال له يا اميرالمؤمنين انني اوقبت علي غلام فطهرني فقال له يا هذا امض الي منزلك لعل مرارا هاج بك حتي فعل ذلك ثلثا بعد مرته الاولي فلما كان في الرابعة قال له يا هذا ان رسول اللّه9 حكم في مثلك بثلثة احكام فاختر ايهن شئت  قال و ما هن يا اميرالمؤمنين قال ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت او اهدار من جبل مشدود اليدين و الرجلين او احراق بالنار فقال يا اميرالمؤمنين ايهن اشد عليّ قال الاحراق قال اني قد اخترتها يااميرالمؤمنين قال خذ لذلك اهبتك فقال نعم فقام فصلي ركعتين ثم جلس في تشهده فقال اللّهم اني قد اتيت من الذنب ما قد علمت و انني تخوفت من ذلك فجئت الي وصي رسولك و ابن عم نبيك فسألته ان يطهرني فخيرني ثلثة اصناف من العذاب اللّهم فاني قد اخترت اشدها اللّهم فاني اسألك ان تجعل ذلك كفارة لذنوبي و ان لاتحرقني بنارك في آخرتي ثم قام و هو باك حتي جلس في الحفرة التي حفرها اميرالمؤمنين7 و هو يري النار تأجج حوله قال فبكي اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه و بكي اصحابه جميعا فقال له اميرالمؤمنين7 قم يا هذا فقد ابكيت ملئكة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 202 *»

السماء و ملئكة الارض فان اللّه قد تاب عليك فقم و لاتعاودن شيئا مما فعلت و روي المجلسي; بسند معتبر عن الباقر7 ما معناه انه كانت زانية في بني‌اسرائيل قد فتنت كثيرا من شبان بني‌اسرائيل فقال بعضهم يوما لو رآها فلان العابد لافتتن بها فقالت واللّه لاادخل داري حتي افتنه فقصدته في ليلتها و دقت بابه و قالت آوني حتي ابيت في بيتك ليلتي فابي عليها فقالت ان بعض شبان بني‌اسرائيل قصدوا بي الزنا و فررت منهم و ان لم‌تؤوني يلحقوا بي و يفضحوني ففتح عليها الباب فلما دخلت القت جلابيبها فلما بصر بها العابد افتتن بها و مد يده اليها فتذكر من ساعته فتركها و كان له قدر علي الاثافي تحته نار فادخل يده في النار فقالت ما تصنع قال احرق يدي لخطائي فخرجت و اعلمت بني‌اسرائيل ان العابد يحرق يده فلما جاؤا وجدوا قد احترقت تمام يده وبسند معتبر آخر عن الصادق7 ما معناه انه كان في بني‌اسرائيل عابد فضافت  عنده امرأة فوسوس اليه الشيطان فيها و كلما كان يوسوس اليه يدخل اصبعا منه في النار حتي يخرج ذلك الخيال من رأسه و لم‌يزل يفعل ذلك الي الصبح فلما اصبح قال لها اخرجي فبئس الضيف كنت لنا و روي عن النبي9 ما معناه انه كان من زهد يحيي انه دخل بيت‌المقدس يوما فنظر الي العباد و الرهبان و الاحبار قد لبسوا قمصا من الشعر و علي رءوسهم قلانس من الصوف و في اعناقهم سلاسل قد ربطوها بالاساطين فلما رآهم جاء الي امه فقال يا امه حوكي لي قميصا من الشعر و قلنسوة من الصوف حتي اذهب الي بيت‌المقدس و اعبد اللّه مع العباد و الرهبان فقالت له اصبر حتي يجي‌ء ابوك نبي اللّه و اشاوره فلما جاء زكريا حكت له قول يحيي فقال له زكريا يا بني ما حملك علي هذا و انت صبي فقال له يحيي يا ابه أمارأيت اصغر مني قد ذاق الموت فقال بلي فقال زكريا لامه افعلي ما يقول فحاكت له قميصا من الشعر و قلنسوة من الصوف فلبسهما و ذهب الي بيت‌المقدس فاشتغل بالعبادة مع العباد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 203 *»

حتي اكل القميص بدنه فنظر يوما الي بدنه فرآه قد نحف فبكي فاوحي اللّه اليه يا يحيي أتبكي من نحافة بدنك و عزتي و جلالي لو نظرت الي جهنم نظرة للبست قميصا من حديد عوض الحلس فبكي يحيي حتي تقرح وجهه بحيث انه قد بدي اسنانه فلما انتهي خبره الي امه جاءت باكية اليه و اجتمع حوله عباد بني‌اسرائيل و اخبروه ان وجهك تقرح كذا فقال ماشعرت به فقال له زكريا لم تفعل ذلك يا بني اني سألت اللّه ابنا اسر به فقال له يحيي يا ابه انت امرتني بذلك و قلت ان بين الجنة و النار عقبة لايجوزها الا البكاءون من خوف اللّه قال له زكريا نعم يا بني انا قلت كذا اجهد في عبادة اللّه فان اللّه امرك بامر آخر ايضا فقالت له امه يا بني اتأذن لي ان اهيئ لك قطعتي لبادة اضعهما علي وجنتيك حتي تسترا اسنانك و تجذبا دمعتك قال شأنك فصنعت  له قطعتي لبادة فوضعهما علي وجنتيه و عصرت كمها فجري الماء من بين اصابعها فلما ابصر زكريا منه هذه الحال بكي و توجه الي السماء فقال الهي هذا ابني و هذا دمعه و انت ارحم الراحمين و كان زكريا اذا اراد ان يعظ بني‌اسرائيل كان ينظر يمينا و شمالا فان كان يحيي حاضرا لم‌يذكر الجنة و النار و كان ذات يوم يحيي غائبا فشرع في الموعظة فتقنع يحيي بعبائه و جلس بين الناس و لم‌ير زكريا يحيي فقال ان حبيبي جبرئيل اخبرني ان اللّه تعالي يقول ان في جهنم جبلا يسمي سكرانا و في اسفله واد يسمي غضبان لانه سعر بغضب اللّه و في ذلك الوادي بئر عمقها مسيرة مائة سنة و في تلك البئر توابيت من النار و فيها ثياب و سلاسل و اغلال من النار فلما سمع يحيي ذلك رفع رأسه و صاح واغفلتاه ما اغفلنا من سكران و توجه الي البرية فقام زكريا من مجلسه و ذهب الي ام يحيي و قال اطلبي يحيي فاني اخاف ان لاترينه الا بعد موته فخرجت في طلبه حتي وصلت الي قوم من بني‌اسرائيل فسألوها اين تذهبين يا ام يحيي قالت في طلب ابني يحيي فانه سمع اسم النار و توجه الي البرية فذهبت حتي وصلت الي راع فسئلته عن شاب بهذه الصفة و هذه الهيئة قال لعلك تريدين يحيي قالت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 204 *»

نعم قال رأيته الآن في العقبة الفلانية و قد تنقع رجلاه في ماء عينه و قد رفع رأسه الي السماء و هو يقول بعزتك يا مولاي لااذوق البارد ما لم‌ار مكاني عندك فلما جاءته امه و رأته ذهبت اليه و وضعت رأسه بين ثدييها و احلفته باللّه ان يأتي معها الي البيت فاتي و التمست منه ان ينزع منه قميص الشعر و يلبس قميص الصوف فانه انعم و الين فقبل يحيي فلبس الصوف و طبخت له عدسا فتناول منه فغلبه النوم الي وقت الصلوة فنودي في منامه يا يحيي تريد بيتا خيرا من بيتي و تطلب جارا خيرا مني فلما سمع ذلك تنبه فقال الهي اقل عثرتي و عزتك لاآوي ظلا الا ظل بيت‌المقدس  فقال يا اماه جيئيني بقميص شعري فاعطته فتعلقت به حتي تمنعه فقال لها زكريا يا ام يحيي اتركيه فقد كشف عن قلبه الغطاء فلاينتفع بعيش الدنيا فقام فلبس القميص من الشعر و قلنسوة الصوف و ذهب الي بيت‌المقدس و طفق يعبد مع الاحبار و الرهبان حتي استشهد و ذكر الديلمي في الارشاد انه روي ان ابرهيم7 كان يسمع منه في صلوته ازيز كازيز المرجل من خوف اللّه تعالي في صدره و كان سيدنا رسول اللّه9 كذلك و كان اميرالمؤمنين7 اذا قال (وجهت وجهي للذي فطر السموات و الارض) يتغير وجهه و يصفر لونه فيعرف ذلك في وجهه من خيفة اللّه و كانت فاطمة3 تنهج في صلوتها من خوف اللّه و كان علي بن الحسين7 يتغير وجهه في صلوته من خوف اللّه انتهي.

و اني اذكرك يا اخي و نفسي الغافلة ان الخوف حالة نفسانية و ليس بقول و لا عمل فاذا حصل الخوف في النفس انعكس عكسه في العالمة و وقع منها في الخيال و وقع منه في الحس المشترك و وقع في الاخلاط و ظهر آثاره في ظاهر البدن مما بينا و حدث عنه الهرب و ما كان من الخوف حاصلا علي هذا النمط فهو الخوف الصحيح و هو يورث الرجاء فانك اذا خفت من معاصي اللّه و الاعراض عنه هربت منها و توجهت الي اللّه سبحانه و شاهدت الفضل و حصل لك الرجاء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 205 *»

و ما كان سبب الخوف من بدنك فهو سوداء هاجت في بدنك و حصل منها ابخرة ردية سوداء مظلمة و صعدت الي دماغك و تعلق بها شياطين فاوحشوك من وجه غلبوا علي حسب كمية تلك الابخرة و كيفيتها و خصوصياتها فما كان كذلك تلتجي به من ضرر شيطان الي شيطان و من معصية الي معصية و يورث ذلك لك اليأس من اللّه و ذلك كالرجل  الذي كان يخاف وقوع الموت به فشرب الخمر لان يغفل و يطمئن و يخاف من سطوة سلطان فيلتجي الي سلطان آخر او يبتلي بقطاع طريق يريد واحد منهم قتله فيلتجي بالآخر و يلوذ به و يضربه واحد فيفر الي آخر منهم و كلهم قطاع طريق و عدوه و مهلكه فامثال هذا الخوف ناشئة من الاخلاط الفاسدة و هو نوع من الماليخوليا و يورث لك اليأس و انت لو فتشت اغلب احوال الناس لوجدتها من طبايعهم و علامة ذلك اختلافها في المواطن فمن خاف اللّه خافه في جميع اعماله فمن يخافه في طهارته دون صلوته فذلك من شيطان تعلق به و من رجاه في الدنيا و لم‌يرجه في الآخرة او في وجه دون وجه فذلك من شيطان متعلق و كذلك الذي يسخو بالضيافة و لايؤدي الزكوة و الذي يحلم في اللّه بزعمه و لايغضب و يصدق في مواضع لا ضرر له فيها و يكذب في مواضع يضر به الصدق و هكذا كلها من ارض الطبايع و سكنتها من الشياطين و لايــٔول الي خير ابدا و اغلب تقوي الناس و اعمالهم و طاعاتهم امور طبيعية لايــٔول الي اللّه سبحانه و الايمان روح اذا حصل في البدن له اقتضاء في جميع اخلاقه و احواله و افعاله و اقواله علي نهج واحد و يعمل في كلها علي حسب رضاء اللّه و امره و حكمه البتة فعلامة الخوف الصادق الحق ظهور آثاره في البدن و الهرب من المعاصي و عدم اليأس و اجتماعه مع الرجاء كما بينا هذا و متعلقهما اثنان فان الانسان يجب ان يخاف من مقتضيات اعماله السيئة و يرجو اللّه في فضله و لا منافاة بينهما ألاتري انك لو كان عن يسارك اسد ضار و عن يمينك حافظ شجاع كلما التفت الي الاسد خفته و كلما التفت الي الحافظ الشجاع رجوته و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 206 *»

فصل: في الحزن و لما كان الحزن قريبا من الخوف و لازما له احببنا ان نذكر فصلا آخر للحزن و فضله و هو انقباض الروح الي الداخل لنفرته  عن مكروه ادركه فان كان المكروه قد مضي فيكون غما و ان كان يتوقعه ان يقع فهو الهم فالحزن اعم منهما و ضده الفرح و هو انبساط الروح الي الخارج لملايم ادركه فاذا انقبض الروح الي الداخل و اجتمع في القلب متأثرا عن ذلك المكروه تعطل العين عن النظر و الاذن عن السماع و اللسان عن النطق و الاعضاء عن الحركة و لربما اشتد احتقان الحرارة في القلب و صعدت الي الرأس و جري الدمع كما قال اللّه تعالي (تري اعينهم تفيض من الدمع حزنا ان لايجدوا ما ينفقون) و الحزن في العالم المملو من المكاره و الآلام من علامات الشعور و الحس فان ذا الحس يتألم و من لاحس له لايتألم كالميت فالعاقل في الدنيا محزون ابدا.

و اعلم ان الحزن حزنان حزن مذموم و حزن ممدوح اما الحزن المذموم فهو الحزن علي فوت ما فات من الدنيا و نعيمها و ذلك من شدة حب الدنيا و هو من جنود الجهل و لذلك عد مولانا الصادق7 الفرح من جنود العقل و الحزن من جنود الجهل و ذلك ان الفرح منبعث عن الرضا بقضاء اللّه و الحزن منبعث عن السخط بفوات الدنيا و ذلك مذموم و اما الحزن الممدوح فهو الحزن بنقصان الايمان و تفريط العمر و التقصير في طاعة اللّه و طاعة رسوله و طاعة اوليائه و في اداء حقوقهم و ذلك من قوة العقل و من خواصه و علامته و ذلك يورث الاعراض عن الدنيا و الاقبال الي اللّه تعالي بخلاف الحزن الاول فانه يورث الادبار عن اللّه عز و جل و الاقبال الي الدنيا و بينهما بون بعيد اكثر من الثريا الي الثري و لنعم ما قال الديلمي ليس العجب من ان يكون الانسان حزينا بل العجب انه كيف يخلو من الحزن ساعة واحدة و كيف لايكون كذلك و هو يصبح و يمسي علي جناح سفر بعيد اول منازله الموت و مورده القبر و مصدره القيمة و موقفه بين يدي  اللّه تعالي اعضاؤه شهوده و جوارحه جنوده و ضمايره عيونه و خلواته عيانه يمسي و يصبح بين نعمة يخاف زوالها و منية يخاف حلولها و بلية لايأمن نزولها مكتوم الاجل مكنون العلل محفوظ العمل صريع بطنته و عبد شهوته و عريف زوجته متعب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 207 *»

في كل احواله حتي في اوقات لذته بين اعداء كثيرة نفسه و الشيطان و الاهل و العائلة يطلبونه بالقوت و حاسده يحسده و جار يؤذيه و اهل يقطعونه و قرين سوء يريد حتفه و الموت موجه اليه و العلل متقاطرة عليه و لقد جمع هذا كله مولينا اميرالمؤمنين7 قال عين الدهر تطرف بالمكاره و الناس بين اجفانه الي آخر كلامه و في كتاب الاثني‌عشرية عن علي بن الحسين8 الناس في زماننا علي ست طبقات اسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير و شاة  فاما الاسد فملوك الدنيا يحب كل واحد ان يغلب و لايغلب و اما الذئب فتجاركم يذمون اذا اشتروا و يمدحون اذا باعوا و اما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون باديانهم و لايكون في قلوبهم ما يصفون بالسنتهم و اما الخنزير فهؤلاء المخنثون و اشباههم لايدعون الي فاحشة الا اجابوا و اما الكلب يهر علي الناس بلسانه و يكرمه الناس من شر لسانه و اما الشاة فالمؤمن تجز شعورهم و تؤكل لحومهم و يكسر عظمهم فكيف يصنع الشاة بين اسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير انتهي، اقول لايكاد يسلم و ينجو من ايديهم فكيف يفرح المؤمن و هو في كل حال يخاف حلول الآفات عليه من كل جانب يروي عن افلاطون انه قال الافلاك قسي و الحوادث سهام و انت غرض و اللّه الرامي فاين المفر فسمع ذلك حكيم فقال ففروا الي اللّه و لنعم ما قال و في مصباح‌الشريعة قال الصادق7 الحزن من شعار العارفين لكثرة واردات الغيب علي سرايرهم و طول مباهاتهم تحت سر الكبرياء و المحزون ظاهره قبض و باطنه بسط يعيش مع الخلق عيش المرضي و مع اللّه عيش القربي و المحزون غير المتفكر لان المتفكر متكلف و المحزون مطبوع و الحزن يبدو من الباطن و الفكر يبدو من المتجددات و بينهما فرق قال اللّه عزوجل (انما اشكو بثي و حزني الي اللّه و اعلم من اللّه ما لاتعلمون) فبسبب  ما تحت الحزن علم خص به من اللّه دون العالمين و روي في الارشاد ان النبي9 كان دائم الفكر متواصل الحزن فان الحزن من اوصاف الصالحين و ان اللّه تعالي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 208 *»

يحب كل قلب حزين و اذا احب اللّه قلبا نصب فيه نائحة الحزن و لايسكن الحزن الا قلبا سليما و قلب ليس فيه الحزن خراب و لو ان محزونا كان في امة لرحم اللّه تلك الامة و في جامع‌الاخبار عن اميرالمؤمنين7 علامات المؤمن اربعة اكله كاكل المرضي و نومه كنوم الغرقي و بكاؤه كبكاء الثكلي و قعوده كقعود الواثب و عنه7 المؤمن يكون صادقا في الدنيا راعي القلب حافظ الحدود  الي ان قال كثير التبسم دائم الحزن كثير التفكر قليل النوم و الضحك و قال دخل سلمان علي اميرالمؤمنين7 فقال كيف اصبحت يا اميرالمؤمنين قال اصبحت واللّه مشغول القلب بثمان خصال فقال سلمان و ما هن يا اميرالمؤمنين فقال ان اللّه يطالبني بالفرض و النبي بالسنة و الملك بصدق اللسان و النفس بالشهوة و العيال بالقوت و ملك الموت بالروح و القبر بالجسد و منكر و نكير باقامة الحجة فالويل كل الويل يا سلمان لمن لم‌يكن فيه هذه الخصال وقيلللحسين بن علي8 كيف اصبحت يا بن رسول اللّه قال اصبحت و ربي فوقي و النار امامي و الموت يطلبني و الحساب محدق بي و انا مرتهن بعملي لااجد ما احب و لاادفع ما اكره و الامور بيد غيري فان شاء عذبني و ان شاء عفي عني فأي فقير افقر مني قال قلت لاميرالمؤمنين7 كيف اصبحت  قال كيف يصبح من كان للّه عليه حافظان و علم ان خطاياه مكتوبة في الديوان فان لم‌يرحمه ربه فمرجعه الي النيران و قيل لسلمان الفارسي رضي اللّه عنه كيف اصبحت قال كيف يصبح من كان الموت غايته و القبر منزله و الديدان جواره فان لم‌يغفر فالنار مسكنه و في الكافي عن اميرالمؤمنين7 في صفات المؤمن بشره في وجهه و حزنه في قلبه وعن عمرو بن جميع العبدي عن ابي‌عبداللّه7 شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون الذين اذا جنهم الليل استقبلوه بحزن  الي غير ذلك من الاخبار.

و اعلم ان الحزن من جبلة روح الايمان فان المؤمن اذا رأي من نفسه التقصير في حق مولاه الذي خلقه لا من شي‌ء لايبرح عن الحزن لاسيما اذا تفكر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 209 *»

في قصر العمر و غلبة النفس و استحواذ الشيطان و ضعف العقل و كثرة المكاره و العوايق الدنياوية المانعة عن التفرغ للطاعة و العبادة و اصلاح النفس و لكن مع ذلك لايمنعه حزنه ذلك عن التبسم في وجوه المؤمنين و البشر في وجه الاهل و الاولاد و الاخوان فان الحزن الذي من الطبيعة يمنع الانسان عن البشر الطبيعي فان الطبيعة لها جهة واحدة و اما الحزن الذي هو من طباع روح الايمان فلاينافي البشر في وجوه الاخوان فان روح الايمان من نور الرحمن مستول علي الطبايع يستعمل كل طبع في محله بلا مصادمة و ممانعة فلو كان سبب الحزن في يمينه و سبب الفرح في شماله يحزن اذا نظر الي اليمين و يفرح اذا نظر الي الشمال في آنين متقاربين و ذلك هو الفرق في الصفات الطبعانية و الصفات الايمانية فالايمان يجمع بين المتضادات و الطبع يختص باحدي الجهات.

و اعلم ان الحزن الذي هو من روح الايمان ليس يورث الكسالة عن الاعمال الصالحة بل يكون باعثا لصاحبه علي المسارعة الي الجد و الاجتهاد في الطاعة من غير كسالة و لا سآمة بخلاف الحزن الطبيعي فانه يورث الكسالة و السآمة و الانضجار و الملالة و اعلم ان المؤمن المحزون اذا حزن علي ما فرط من عمره بادر الي العمل ليلحق بالسابقين و سارع الي السلوك الي رب العالمين و مثل هذا ان الانسان اذا تأخر في سفره عن السفر فان قعد في محله و حزن علي تفريطه و بكي علي تقصيره فاته السابقون و لحقه المتأخرون و جازوا عنه فبقي منفردا يقطعه قطاع الشياطين و ان بادر الي المشي اول ما تنبه لحق السابقين و فات المتأخرين و امن من شر الشياطين و قطاع طريق الدين فيا حبيبي ان كنت محزونا علي ما فرطت و متألما مما قصرت لاتجعل حزنك سبب تأخرك عن السفر و علة اخري لتقصيرك في السلوك بل بادر مسارعا الي السلوك لعلك تجبر كسر ما فرطت في هذه المدة الباقية من عمرك فان السفر طويل و الزاد قليل و الامر جليل و العايق كثير و العمر قصير و اياك ثم اياك من الحزن الطبيعي فانه يقعد السالك و يثبطه و يكون وبالا عليه و سبب ندامة يوم القيمة وفقنا اللّه و ساير المؤمنين للطاعات و جنبنا عن السيئات بحق محمد و آله سادة البريات عليهم افضل الصلوات و لما كان من آثار الخوف و الحزن البكاء احب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 210 *»

ان اعنون فصلا في امر البكاء.

فصل: في البكاء من خشية اللّه اعلم ان الروح لما هرب من ظاهر البدن خوفا من ضرر ما علم ضرره و توقع غايلته اجتمع في القلب و تقلص من الاطراف فاشتد حرارة القلب لاسيما و يجتمع الدم بمشايعته في القلب و يجتمع حرارة البدن كلها في القلب فتصعد من القلب الي الدماغ و الرأس و ذلك اذا كان الخوف بقدر و الا فلايجسر الروح ان يتوجه الي الدماغ و الرأس و الوجه لاسيما اذا انطبع صورة ما يخافه في دماغه فيهرب الروح من تلك الصورة و يعطل الدماغ بالجملة اذا كان الخوف بقدر يصعد الحرارة  الي الوجه و الرأس فتذيب الرطوبات الجامدة هناك لان الدماغ خلق في ظاهره باردا رطبا و يصعد ابخرة الدم الي الدماغ فتحل تلك الرطوبات الجامدة الغليظة اللزجة فتجري من المنافذ من العين و المناخر هذا و اذا توجه الحرارة الي العين سخنت و هي شحمانية و خيف عليها السيلان فيجري اللّه تلك الرطوبات المالحة من العين لحفظها فان الملح يجمد الشحم و سبب ملوحة الدمع عمل الحرارة في الرطوبة الغليظة كما يحصل الملح في الملاحة بسبب عمل حرارة الشمس في الرطوبات الممزوجة بلطائف الارض التي هي سبب غلظتها و لذا تجمد الملح بعد الانحلال و حصول الملوحة فيه و ذلك لغلظته بالجملة هذا سبب الدمعة الطبيعية و لربما يكثر الدمعة فتقرح الاجفان و يجري الدم و لربما يصعد الدم بصعود الحرارة الي الوجه و العين فيجري من الآماق اذا زاد الدم و خرق العروق و لذلك يحمر الوجنتان و الشفاه و جوف الفم و ربما يشتد الحرارة و لايكفي القلب التروح بالنفس المتعارف يطيل النفس و يزفر صعداء لكي يستريح و ربما لايكفيه الزفرة فيصعق و يشهق و يصيح لعله يفيق من الحرارة و لربما ينهج و يقع له البهرة و تعاقب الانفاس العالية بسرعة و ان اشتدت الحرارة و الخوف ربما يحصل للدم و رطوبات الصدر غليان و ازيز كازيز المرجل كما كان يسمع من صدر النبي9 حال الصلوة و كلما يكون الدم ارق و رطوبات البدن ارق يكون الدمع اغزر و القلب ارق و اشد رحمة و لذلك يكون جريان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 211 *»

دمع المرتاضين اسرع و مقداره منهم اكثر و قلوب المترفين و المنعمين اقسي و دمعهم اقل و لاجل ترقيق الدم يغزر  العدس الدمعة و كانت تطعم ام يحيي7 يحيي العدس و لربما يجري الدمع من شدة الفرح لتوجه الحرارة الي الظاهر و الي الوجه الذي هو باب القلب فتعمل في الرطوبات  و ترققها و تجريها من العين و لربما يبكي الانسان من شدة الحزن فان الحرارة تجتمع في القلب و الرأس بسبب الحزن فيشتد الخيال و الفكر في باعث الحزن فهذا سبب البكاء و منشاؤه الطبيعي فالانسان اذا خاف من اللّه سبحانه و من عدله بتوجهه الي مقتضيات اعماله او حزن من صدور الاعمال القبيحة عنه و تفريطه في طاعة ربه و اتلاف عمره في الاباطيل او مصيبة احبائه و ساداته جري دمعه و علا زفيره و شهق و صعق و اذا اشتد ذلك ربما غشي عليه و انصرف الروح عن الظاهر بالكلية و لربما طال غشيته و جمد دم الاطراف و انسد مجاري الروح فمات و انخنق الروح في القلب.

فاذا عرفت ذلك فاستمع الي فضل البكاء و آثاره قال اللّه تعالي (أفمن هذا الحديث تعجبون و تضحكون و لاتبكون) و قال (فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا) و قال في مدح قوم (تري اعينهم تفيض من الدمع حزنا الايجدوا ما ينفقون) و قال في مدح قوم آخرين (و تري اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) ففي جامع‌الاخبار عن النبي9 انه قال يباهي اللّه الملئكة بخمسة بالمجاهدين و الفقراء و الاناسي الذين يتواضعون للّه تعالي و الغني الذي يعطي الفقراء كثيرا و لايمن عليهم و رجل يبكي في خلوة من خشية اللّه عز و جل و قال النبي9 كل عين باكية يوم القيمة الا ثلث اعين عين بكت من خشية اللّه و عين غضت عن محارم اللّه و عين باتت ساهرة في طاعة اللّه و قال9 من بكي علي ذنوبه حتي يسيل دموعه علي لحيته حرم اللّه ديباجة وجهه علي النار و قال9 من خرج من عينيه مثل الذباب من الدمع من خشية اللّه آمنه اللّه به يوم الفزع الاكبر و عن الحسين بن علي8 انه قال ما من عبد قطرت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 212 *»

عيناه قطرة او دمعت دمعة الا بوأه اللّه تعالي بها في الجنة الخبر،  وقال الحسن بن علي8 البكاء من خشية اللّه نجاة من النار و عن النبي9 ما من مؤمن يبكي من خشية اللّه الا غفر اللّه ذنوبه و ان كانت اكثر من نجوم السماء و عدد قطر البحار ثم قرأ (فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) وقال9 حرمت النار علي عين بكت من خشية اللّه و قال9 ماتقطر في الارض قطرة احب الي اللّه تعالي من قطرة دمع في سواد الليل من خشية اللّه لايراه احد الا اللّه عزوجل و روي المجلسي بسند معتبر عن النبي9 ما معناه من ذرفت عينه من خشية اللّه كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنة مكلل بالدر و الجوهر و فيه ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لاخطر علي قلب بشر و عن الصادق7 ما معناه ربما يكون بين المرء و بين الجنة اكثر مما بين الثري الي العرش لكثرة ذنوبه فما هو الا ان يبكي من خشية اللّه ندما عليها حتي يصير بينه و بينها اقرب من جفنه الي مقلته و عنه7 ما معناه رب ضاحك باللهو و اللعب في الدنيا يكثر بكاؤه يوم القيمة و رب باك في الدنيا علي ذنوبه خائف يكثر يوم القيمة سروره و ضحكه وفي الوسائل عن ابن‌بابويه عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه الصادق جعفر بن محمد8 قال كان فيما وعظ اللّه به عيسي بن مريم8 ان قال يا عيسي بن البكر البتول ابك علي نفسك بكاء من قد ودع الاهل و قلا الدنيا و تركها لاهلها و صارت رغبته فيما عند اللّه و في ارشادالديلمي عن ابي‌عبداللّه7 قال اوحي اللّه تعالي الي عيسي7 يا عيسي هب لي من عينيك الدموع و من قلبك الخشوع و من بدنك الخضوع و اكحل عينيك بميل الحزن اذا ضحك البطالون و قم علي قبور الاموات فنادهم برفيع  صوتك لعلك تأخذ موعظتك منهم و قل اني لاحق في اللاحقين وقال7 البكاءون خمسة آدم و يعقوب و يوسف و يحيي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 213 *»

بن زكريا و فاطمة: فاما آدم فانه بكي علي الجنة حتي صار في خديه امثال الاودية و بكي يعقوب علي يوسف حتي ذهب بصره و بكي يوسف علي يعقوب حتي تأذي به اهل السجن و قالوا اما ان تبكي بالليل و تسكت بالنهار او تبكي بالنهار و تسكت بالليل و بكت فاطمة3 علي فراق رسول اللّه9 حتي تأذي اهل المدينة فكانت تخرج الي البقيع فتبكي فيه و بكي علي بن الحسين8 عشرين سنة و مارأي آكلا و لا شاربا الا و هو يبكي فلاموه في ذلك فقال اني لم‌اذكر مصارع ابي و اهل بيتي الا و خنقتني العبرة و قال اميرالمؤمنين7 ان للّه عبادا كسرت قلوبهم من خشية اللّه فاسكتتهم عن النطق و انهم لفصحاء الباء نبلاء يستبقون اليه بالاعمال الصالحة الزكية لايستكثرون له الكثير و لايرضون له بالقليل يرون في انفسهم انهم اشرار و انهم لاكياس ابرار و اوحي اللّه الي موسي ماتزين لي المتزينون بمثل الزهد في الدنيا و ماتقرب الي المتقربون بمثل الورع من خشيتي و ماتعبد لي المتعبدون بمثل البكاء من خيفتي فقال موسي يا رب بم تجازيهم علي ذلك فقال اما المتزينون بالزهد فاني ابيحهم جنتي و اما المتقربون بالورع عن محارمي فاني انحلهم جنانا لايشركهم فيها غيرهم و اما البكاءون من خيفتي فاني افتش الناس و لاافتشهم حياء منهم و في الكافي نحوه الا انه قال اما البكاءون من خشيتي ففي الرفيق الاعلي و اما الورعون عن معاصي فاني افتش الناس و لاافتشهم و قال رسول اللّه9 يا علي عليك بالبكاء من خشية اللّه يبني لك بكل قطرة الف بيت في الجنة و قال9 لو ان باكيا في  امة لرحم اللّه تلك الامة لبكائه و قال9 اذا احب اللّه عبدا نصب في قلبه نائحة من الحزن فان اللّه تعالي يحب كل قلب حزين و اذا ابغض اللّه عبدا نصب في قلبه مزمارا من الضحك و لايدخل النار من بكي من خشية اللّه حتي يعود اللبن الي الضرع و لن‌يجتمع غبار في سبيل اللّه و دخان جهنم في منخري مؤمن ابدا وقال9 البكاء من خشية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 214 *»

اللّه يطفئ بحارا من غضب اللّه و قد وبخ اللّه تعالي علي ترك البكاء عند استماع القرآن عند قوله (أفمن هذا الحديث تعجبون و تضحكون و لاتبكون) و مدح الذين يبكون عند استماعه بقوله (و اذا سمعوا ما انزل الي الرسول تري اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) و قال7 لكل شي‌ء كيل او وزن الا البكاء فان الدمعة تطفئ بحارا من النار و روي ان يحيي بن زكريا بكي حتي اثرت الدموع في خديه و عملت له امه لبادا علي خديه تجري عليها الدموع و قال الحسن7 مادخلت علي ابي قط الا وجدته باكيا و روي ان النبي9 بكي حين وصل ابن‌مسعود في قراءته عليه (فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيدا) فانظروا الي الشاهد كيف يبكي و المشهودعليهم يضحكون واللّه لولا الجهل لماضحكت سن و كيف يضحك من يصبح و يمسي لايملك نفسه و لايدري ما يحدث عليه من سلب نعمة او نزول نقمة او مفاجاة منية و امامه يوم يجعل الولدان شيبا يشيب الصغار و يسكر الكبار و يوضع ذوات الاحمال و مقداره في قوله خمسين‌الف سنة و قال النبي9 ما من قطرة احب الي اللّه من قطرة دمع خرجت من خشية اللّه و من قطرة دم سفكت في سبيل اللّه و ما من عبد بكي من خشية اللّه الا سقاه اللّه من رحيق رحمته و ابدله اللّه ضحكا و سرورا  في جنته و رحم اللّه من حوله و لو كانوا عشرين‌الفا و مااغرورقت عين من خشية اللّه الا حرم اللّه جسدها علي النار و ان اصابت وجهه لم‌يرهقه قتر و لا ذلة و لو بكي عبد في امة لنجي اللّه تلك الامة لبكائه و قال9 من بكي من ذنب غفر له و من بكي من خوف النار اعاذه اللّه منها و من بكي شوقا الي الجنة اسكنه اللّه فيها و كتب له الامان من الفزع الاكبر و من بكي من خشية اللّه حشره اللّه مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا و قال9 البكاء من خشية اللّه مفتاح الرحمة و علامة القبول و باب الاجابة و قال9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 215 *»

اذا بكي العبد من خشية اللّه تحاتت عنه الذنوب كما يتحات الورق فيبقي كيوم ولدته امه  و روي الكليني بسنده عن محمد بن مروان عن ابي‌عبداللّه7 قال ما من شي‌ء الا و له كيل او وزن الا الدموع فان القطرة تطفئ بحارا من نار فاذا اغرورقت العين بمائها لم‌يرهق وجهه قتر و لا ذلة فاذا فاضت حرمها اللّه علي النار و لو ان باكيا بكي في امة لرحموا و في عدة‌الداعي قال الصادق7 اذا اقشعر جلدك و دمعت عيناك و وجل قلبك فدونك دونك فقد قصدك قصدك و في القدسي و عزتي و جلالي ماادرك العابدون ما ادرك البكاء عندي شيئا و اني لابني لهم في الرفيع الاعلي قصرا لايشاركهم فيه غيرهم و فيما اوحي الي موسي7 و ابك علي نفسك ما دمت في الدنيا و تخوف العطب و المهالك و لايغرنك زينة الدنيا و زهرتها و عن اميرالمؤمنين سلام اللّه عليه لما كلم اللّه موسي7 قال الهي ما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك قال يا موسي اقي وجهه من حر النار و آمنه يوم الفزع الاكبر و من خطبة الوداع لرسول اللّه9 و من ذرفت عيناه من خشية اللّه كان له بكل قطرة من  دموعه مثل جبل احد يكون في ميزانه من الاجر و كان له بكل قطرة عين في الجنة علي حافتيها من المدائن و القصور ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لاخطر علي قلب بشر و عن ابي‌جعفر سلام اللّه عليه ان ابرهيم علي نبينا و آله و عليه السلام قال الهي ما لعبد بلّ وجهه من الدموع من مخافتك قال تعالي جزاؤه مغفرتي و رضواني يوم القيمة انتهي.

و اعلم ان البكاء سلاح المؤمن الضعيف كما ان البكاء سلاح الاطفال به يأخذون ما يشتهون و قد جعل اللّه في جبلة النفوس الرحم و الرقة علي الباكين فضلا عن البكائين و لا شك ان النفوس خلقت علي طبق مشية اللّه و صورت علي هيئتها ما لم‌يبدل خلقها و الذي عليه جملتها ليس من المبدلات بل هو من اصل الفطرة الموافقة لصفة مشية اللّه فليس ذلك الا ان اللّه سبحانه يرحم علي الباكين و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 216 *»

مجازات الباكين بالرحمة في الظهور و الصعود و الا ففي الوجود و النزول رحمة اللّه مقدمة علي الباكين و ما لم‌يذكر اللّه الرب عبده بالرحمة لم‌يرق قلب عبده فانه مثال مشية اللّه تابع لها و ما لم‌تضحك انت لم‌يضحك مثالك في المرآة و ما لم‌تنظر اليه لم‌ينظر اليك فما لم‌يذكر الرب عبده بالرحمة لم‌يرق قلب العبد و ما لم‌يرق قلبه لم‌يجر دمعه فالباكي يشمله رحمة اللّه قبل ان يفيض دمعته فاذا شمله رحمة اللّه لم‌يشق و اذا دعا اللّه سبحانه بتخشع حصل له برحمة اللّه استجيب له و سر ذلك ان المسئول لو صلب عند سؤال السائل قلبه لم‌يتأثر من مسألة السائل و لم‌يمل اليه و الي قضاء حاجته و ذلك يكون عند المنافرة التامة بين السائل و المسئول و ان رق قلب المسئول عند سؤال السائل و ذلك عند مناسبتهما و مناسبة الحاجة قضي حاجته و جبر كسره و امده بما عنده و ذلك ان المتناسبين كاعضاء بدن واحد و طبع البدن يمد كل عضو علي حسبه و حسب حاجته  و يستعمل كل عضو في حاجة كل عضو و يتألم ساير الاعضاء عند تألم عضو واحد فان الم الاعضاء بروحها و الروح هو المتألم بتألم العضو المــٔوف فلاجل ذلك يتألم جميع الاعضاء فاذا رأيت بالسائل ضرا و حاجة رق قلبك فان الروح الكلية صلوات اللّه عليها هي المتألمة بتألم السائل و انت حي به و هو يرق له فترق له فلايرحم احد احدا الا اذا رحمه اللّه قبل رحمة الراحم كما في الصحيفة فما كل ما نطقت به عن جهل مني بسوء اثري و لا نسيان لما سبق من ذميم فعلي لكن لتسمع سماؤك و من فيها و ارضك و من عليها ما اظهرت لك من الندم و لجأت اليك فيه من التوبة فلعل بعضهم برحمتك يرحمني لسوء موقفي او تدركه الرقة عليّ لسوء حالي الدعاء، فهو الرحيم القاضي لحاجة السائلين من كل راحم و قاض و لاينال السائل الحي بتلك الحيوة ضر و رقة الا و قد اصاب روحه الضر و الرقة قال اميرالمؤمنين7 يا رميلة انا نمرض لمرضكم فكما يرق قلب السائل يرق روحه و ما به حيوته و يرحمه اللّه جل جلاله برحمة اوليائه و يرق له برقة اوليائه و يحزن له بحزن اوليائه و لو قال قائل ان اللّه يبكي لعبده الباكي ببكاء اوليائه فان بكاء اوليائه هو بكاؤه لا غير لم‌يقل شططا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 217 *»

كما روي في القدسي ان برخا يضحكني كل يوم ثلث مرات و في القدسي قد نسب اللّه الي نفسه المرض و الاستطعام و الاستسقاء الي غير ذلك من النسب التي لاتحصي كثرة فهذا ايضا من ذلك الباب فاذا بكي الولي الاعظم لبكاء وليه كما مر في حديث ذلك اللاطي ينسب الي اللّه فان جميع ما منهم من اللّه و جميع ما اليهم الي اللّه فاذا بكي اللّه علي عبد و رق له جبر كسره لدفع الاذي عنه فان اذاه اذاه و ضره ضره (الذين يؤذون اللّه و رسوله) الآية، فقضاء حاجة المؤمن قضاء حاجة اللّه من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فافهم و لو كان للناس تحمل  لذكرت اسرارا عجيبة و لا قوة الا باللّه و لكن لا خير في كثير منهم.

بالجملة البكاء من الآثار الدالة بالحق علي الرحمة و اشد الناس بكاء احقهم بالرحمة فلاجل ذلك كان الاولياء الذين هم نفس اللّه التي كتب عليها الرحمة كما قال عز من قائل (كتب علي نفسه الرحمة) اشد الناس بكاء ألم‌تسمع ان اميرالمؤمنين7 قال ان رسول اللّه9 كان اذا قام الي الصلوة يسمع لصدره و جوفه ازيز كازيز المرجل علي الاثافي من شدة البكاء و قد آمنه اللّه عز و جل من عقابه فاراد ان يتخشع لربه ببكائه و يكون اماما لمن اقتدي به و قد مر من بكاء علي7 و غشيته ما ينكسر القلوب عنده و ترق و كفي بما روي عن الحسن7 انه قال مادخلت علي ابي قط الا وجدته باكيا و قد مر من بكاء علي بن الحسين8 مايبهر العقول و بكي علي الحسين7 عشرين سنة او اربعين سنة و ماوضع بين يديه طعام الا بكي حتي قال مولي له جعلت فداك يا بن رسول اللّه اني اخاف عليك ان تكون من الهالكين قال انما اشكو بثي و حزني الي اللّه و اعلم من اللّه ما لاتعلمون اني لم‌اذكر مصرع بني‌فاطمة الا خنقتني لذلك العبرة  و دخل محمد بن علي الباقر8 المسجد فلما نظر الي البيت بكي حتي علا صوته فقيل له لو رفقت بصوتك فقال ويحك و لم لاابكي لعل اللّه ان ينظر اليّ منه برحمة فافوز بها عنده غدا ثم طاف بالبيت ثم جاء حتي ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فاذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 218 *»

عينيه و في الوسائل عن الصدوق بسنده عن احمد بن الحسن الميثمي عمن ذكره عن ابي‌عبداللّه7 قال كان اسم نوح عبدالغفار و انما سمي نوحا لانه كان ينوح علي نفسه  و روي عنه7 انه كان اسمه عبدالملك و انما سمي نوحا لانه بكي خمسمائة سنة و روي ان اسمه عبدالاعلي  و عن جابر عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 ليس شي‌ء الا و له شي‌ء يعدله الا اللّه فانه لايعدله شي‌ء و لا اله الا اللّه لايعدله شي‌ء و دمعة من خوف اللّه فانها ليس لها مثقال فان سالت علي وجهه لم‌يرهقه قتر و لا ذلة بعدها ابدا و عن اسمعيل بن ابي‌زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه: قال قـال رسول اللّه9 طوبي لصورة نظر اللّه اليها تبكي علي ذنب من خشية اللّه لم‌يطلع علي ذلك الذنب غيره و في عدة‌الداعي انه روي ان ابرهيم7 كان يسمع تأوهه علي حد ميل و عن المفضل بن عمر عن الصادق سلام اللّه عليه قال حدثني ابي عن ابيه8 ان الحسن بن علي سلام اللّه عليهما كان اعبد الناس في زمانه و ازهدهم و افضلهم و كان اذا حج حج ماشيا و رمي ماشيا و ربما مشي حافيا و كان اذا ذكر الموت بكي و اذا ذكر البعث و النشور بكي و اذا ذكر الممر علي الصراط بكي و اذا ذكر العرض علي اللّه تعالي ذكره شهق شهقة يغشي عليه منها و كان اذا قام في صلوته ترتعد فرايصه بين يدي ربه عزوجل و كان اذا ذكر الجنة و النار اضطرب اضطراب السليم و سأل اللّه تعالي الجنة و تعوّذ باللّه من النار و في ارشادالديلمي قالت عايشة قام النبي9 من فراشه يصلي و يقرأ القرآن و يبكي ثم جلس يقرأ و يدعو و يبكي حتي اذا فرغ اضطجع و هو يقرأ و يبكي حتي بلت الدموع خديه و لمته قلت يا رسول اللّه أليس قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال بلي أفلااكون عبدا شكورا و روي المجلسي; مرفوعا عن النبي9 ما معناه ان شعيبا بكي من محبة اللّه حتي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 219 *»

ذهب عيناه فرد اللّه عليه عينه ثم بكي حتي ذهب عينه مرة ثانية ثم رد اللّه عليه عينه ثلث مرات ثم اوحي اللّه اليه في الرابعة الي متي تبكي ان كنت  تبكي خوفا من النار فقد آمنتك منها و ان كنت تبكي شوقا الي الجنة فقد ابحتها لك فقال الهي و سيدي انت تعلم ان بكائي ليس من خوف النار و لا شوق الجنة و لكن استقر حبك في قلبي فابكي شوقا الي لقائك فاوحي اللّه اليه لاجل ذلك اخدمك كليمي و في الوسائل عن ابن‌طاووس عن بعض موالي علي بن الحسين7 انه خرج يوما الي الصحراء فتبعته فوجدته قد سجد علي حجارة خشنة فوقفت و انا اسمع شهيقه و بكاءه و احصيت له الف مرة و هو يقول لا اله الا اللّه حقا حقا لا اله الا اللّه تعبدا و رقا لا اله الااللّه ايمانا و صدقا ثم رفع رأسه من سجوده و ان لحيته و وجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه فقلت له يا سيدي أما آن لحزنك ان ينقضي و لبكائك ان يقل فقال لي ويحك ان يعقوب بن اسحق بن ابرهيم كان نبيا ابن نبي و كان له اثناعشر ابنا فغيب اللّه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن و احدودب ظهره من الغم و الهم و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا و اني رأيت ابي و اخي و سبعة‌عشر من اهل بيتي صرعي مقتولين فكيف ينقضي حزني و يذهب بكائي  و عن الصادق7 ان زين‌العابدين7 بكي علي ابيه اربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فاذا حضر الافطار جاءه غلامه بطعامه و شرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول قتل ابن رسول اللّه جائعا قتل ابن رسول اللّه عطشانا فلايزال يكرر ذلك و يبكي حتي يبل طعامه بدموعه و يمزج شرابه بدموعه فلم‌يزل كذلك حتي لحق باللّه عزو جل و قد مر بكاء يحيي و غيره من الانبياء فاولئك الذين هدي اللّه فبهديهم اقتده.

و من العجب حثّهم صلوات اللّه عليهم علي البكاء حتي رضوا من الناس التباكي فقد روي في الكافي بسنده عن عنبسة العابد قال قـال ابوعبداللّه7 ان لم‌تك بكاء فتباك و عن سعيد بن يسار بياع السابري قال  قلت لابي‌عبداللّه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 220 *»

7 اني اتباكي في الدعاء و ليس لي بكاء قال نعم و لو مثل رأس الذباب و عن علي بن ابي‌حمزة قال قـال ابوعبداللّه7 لابي‌بصير ان خفت امرا يكون او حاجة تريدها فابدأ باللّه فمجده و اثن عليه كما هو اهله و صلّ علي النبي9 و سل حاجتك و تباك و لو مثل رأس الذباب ان ابي7 كان يقول ان اقرب ما يكون العبد من الرب و هو ساجد باك و عن اسمعيل البجلي عن ابي‌عبداللّه7 قال ان لم‌يجئك البكاء فتباك فان خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ و في عدة‌الداعي عن ابي‌عبداللّه7 ان لم‌يك بك بكاء فتباك انتهي.

و اعلم ان التباكي هو حمل النفس علي البكاء و اعجب من حثّهم علي التباكي ما رواه عن اسحق بن عمار قال قلت لابي‌عبداللّه7 اكون ادعو فاشتهي البكاء و لايجيئني و ربما ذكرت بعض من مات من اهلي فارق و ابكي فهل يجوز ذلك فقال نعم فتذكرهم فاذا رققت فابك و ادع ربك تبارك و تعالي انتهي، فانهم رضوا ان يبكي الانسان لامواته ثم يتوجه الي ربه فانه يرق قلبه و يلين و يأخذ اهبته للدعاء و لكن ايها المدعي للعقل و الايمان انظر فيما يحق له البكاء فان كان ينبغي البكاء لمفارقة صديق فاي صديق اصدق لك من روح الايمان و قد فارقك بمعاص ارتكبتها و موبقات اكتسبتها اذ لايبقي روح الايمان مع معصية و ان كان ينبغي البكاء لزوال نعمة فاي نعمة اعظم من جنان القدس يزول عنك بسيئات اعمالك و ان كان ينبغي البكاء لخوف حلول مصيبة فاي مصيبة اعظم من نار جهنم تدوم و لاتخف و كلما خبت زادها اللّه سعيرا و ان كان يحق خوفا من سلطان و من غضبه فاي سلطان اعظم من اللّه و اي غضب ادهي من غضب اللّه و اي جرم اعظم مما اكتسبته نعوذ باللّه و ان كان يحق لاعراض حبيب فاي حبيب  اعظم من اللّه و اوليائه و اي اعراض اشد من اعراضهم بالجملة اسباب البكاء مجتمعة فيك بقدر ان تبكي مثل بحور السموات و الارض لولا قسوة القلب و اعلم ان القسوة من طول الامل و نسيان الاجل و الغفلة عن اللّه و معاشرة اهل الدنيا و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 221 *»

البطالين و العمل بالشهوات و محادثة النساء فقد روي في الكافي بسنده عن علي بن عيسي رفعه قال فيما ناجي اللّه عز و جل به موسي7 لاتطول في الدنيا املك فيقسو قلبك و القاسي القلب مني بعيد و عن السكوني عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال اميرالمؤمنين7 لمتان لمة من الشيطان و لمة من الملك فلمة الملك الرقة و الفهم و لمة الشيطان السهو و القسوة و في وصية النبي9 يا باذر من اوتي من العلم ما لايبكيه لحقيق ان يكون اوتي علم ما لايعمل به ما لاينفعه لان اللّه عز و جل نعت العلماء فقال (ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلي عليهم يخرون للاذقان سجدا  و يقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا و يخرون للاذقان يبكون و يزيدهم خشوعا) يا اباذر من استطاع ان يبكي فليبك و من لم‌يستطع فليشعر قلبه الحزن و ليتباك ان القلب القاسي بعيد من اللّه و لكن لايشعرون و في عدة‌الداعي عن سيف بن عميرة عمن ذكره عن ابي‌عبداللّه7 قال ان اللّه عزوجل لايستجيب دعاء بظهر قلب قاس.

فصل: في التقوي و هي حفظ النفس عن مخالفة امر اللّه جل جلاله و ارتكاب ما نهي عنه قال اللّه تعالي (ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و اتقوا اللّه) و هي جماع الخير كله و لا خير فيمن ليس بمتق البتة و لما كان متعلقها ما امر اللّه تعالي به و نهي عنه فيكون لها مراتب اعلاها التقوي في توحيد اللّه جل جلاله بالتوحيد له في ذاته بان يعتقد انه تعالي احد لايثني و لايجزي قائم بنفسه لنفسه غني عما سواه قديم يتعالي عن درك جميع خلقه بكل وجه لاتدركه  الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و يجتنب عن الاشراك به سواه اي الاعتقاد بان معه غيره و بوحدانيته في صفاته بان يعتقد انه بوحدته الواحدية متجل في جميع صفاته لم‌يتجل بها غيره و ليس بمتصف بها سواه فليس بسلطان سواه و لا برب دونه و لا خالق غيره و لا رازق عداه و هكذا فليس كمثله شي‌ء و هو السميع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 222 *»

البصير و انه هو سبحانه اولي بكل صفة حسنة كونية او شرعية من ذيها انما وليكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا فهو اولي بكل كمال كوني عام او شرعي خاص من صاحبه و متوحد في الاتصاف به و يجتنب عن ان يعتقد انه يشبهه شي‌ء او يشركه شي‌ء في صفة فضلا عن ان يكون اولي بصفة كمال ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير وبوحدانيته الفعلية بان يعتقد انه بوحدته الواحدية ظاهر بجميع اركان عرش الايجاد اللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‌ء سبحانه و تعالي عما يشركون، اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات، ام جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كل شي‌ء و هو الواحد القهار،  اللّه خلقكم و ما تعملون  فكل ما يطلق عليه لفظ شي‌ء هو سبحانه خالقه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و انما سمي الشي‌ء شيئا لانه مشاء،  ما من شي‌ء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن كان يزعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد اشرك و يجتنب عن ان يعتقد في ملكه سبحانه خالقا غيره و رازقا سواه و محييا و مميتا دونه فلايخاف من شي‌ء عداه و لايرجو احدا غيره و لايتوكل علي احد دونه و لايري لحاجته قاضيا سواه و لايري في الملك محركا و مغيرا غيره و لا حول و لا قوة الا به و بوحدانيته في العبادة فيعتقد انه بوحدته الواحدية هو المعبود الحق و المقصود المطلق  فلا معبود بالحق سواه كونا و شرعا فلايشرك بعبادة ربه احدا و لايقصد بطاعته دونه شيئا فيقيم وجهه لدينه حنيفا و لايعمل ابتغاء رضاء غيره لا وضيعا و لا شريفا و يعتقد انه يعبد من حيث امر و شاء فيري حال العبادة انطواءه تحت الاحد ثم يقصد وجهه الذي يتوجه اليه الاولياء فان كل معبود مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم فانه اعز و اجل و اكرم من ان يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته و يتوجه الي بابه الذي فتحه علي وجه اوليائه و يرفع اليه يد الاستكانة و التبتل و الابتهال و يثني عليه بصفاته النعمي و يدعوه باسمائه الحسني و لايكون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 223 *»

قصده الا بلوغ رضاه و شكره ثناءه علي انه مستحق للشكر و الاسترضاء و اداء حقه لا لاجل المزيد و التقرب اليه للاستكمال و الاستيلاء و نيل الجنة و النعيم و النجاة من عذاب الجحيم و لايصرف نظره عن جهات عبادته و يجعلها نصب عينيه فانها وجوه الامتثال و ابواب الابتهال الي حضرة المتعال و لايعبد ذو الجلال الا فيها و بها في كل حال.

ثم بعد ذلك التقوي في معرفة النبي9 في مرتبة البيان بان يعرفه بانه توصيف اللّه نفسه لخلقه به و وجه معرفته الذي به يعرف في جميع مراتب التعريف به عرف اللّه و لولاه ماعرف اللّه فيعبده به لايشرك به شيئا وبانه  معاني اسمائه و صفاته و ظواهرها اخترعه من نور ذاته و فوض اليه امور عباده و هو المالك لما ملكه قبل ان يملكه و حين ان ملكه و بعد ان ملكه و القادر علي ما اقدره عليه وبانه باب اللّه الي خلقه منه ينزل جميع ما ينزل منه الي خلقه و به ينظر اليهم و باب خلقه اليه منه يصعد جميع ما يصعد منهم اليه و به ينظرون اليه و اليه يرفعون حوائجهم و اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه وبانه هو امام الخلق و قطبهم و مركز دايرتهم عليه يدور الرحي و اليه يشد الرحال و يفد الرجال و يجب الرد اليه في القل و الجل  و امتثال اوامره و اجتناب نواهيه في الكل و تصديق جميع ما جاء به و اخبر عنه من وعد و وعيد و غيب و في امور الموت و البرزخ و القيمة و الجنة و النار و يجب التأسي به و الاقتداء و اقتفاء اثره و اتباع امره و ايثار ذاته علي ذاته و عترته علي عترته و ان يكون اهله احب اليه من اهله.

ثم بعد ذلك التقوي في معرفة الائمة الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين بان يعرفهم بعد نبيه9 في المراتب الاربع علي ما مر فانهم من نور واحد و يعرفهم بانهم خلفاء رسول اللّه9 بعده و اوصياؤه و حجج اللّه التي بهم احتج علي خلقه فيتأسي بهم و يقتدي بهداهم و يواليهم و يعادي اعداءهم و يتبرء منهم من ذواتهم و صفاتهم و افعالهم و اعمالهم و اقوالهم و احوالهم و يجانبهم و يجانب من مال اليهم و لايتشبه بهم في شي‌ء من ذلك فان من يتولهم منكم فانه منهم و يتبع سادته في جميع ما امروا به و نهوا عنه و يرد اليهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 224 *»

جميع ما يرد عليه منقطعا اليهم مسلما لهم لايجد في نفسه حرجا مما قضوا و يسلم لهم تسليما رضيه ام كرهه و يخالف هواه و يتابع مولاه.

ثم بعد ذلك التقوي في اوليائهم و اعدائهم بان يوالي اولياءهم و ينفق علي الذين دونه من فضل ما آتاه اللّه من جاه و قوة و مال و يبر عليهم و ينظر اليهم نظر رحمة و شفقة و يري سادته فيهم فيواليهم فيهم و يرفق بهم و يعفو عن مسيئهم و يعلم جاهلهم و يرقيهم بالرفق و اللين و الرحمة و لايكون فظا غليظ القلب و علي المساوين له بالمواساة و النصف من جاهه و ماله و قوته و حاله و يجعلهم شعاره و دثاره و يساورهم بالصدق و يجعلهم كنفسه يعاملهم كما يحب ان يعامل و يعاشرهم كما يحب ان يعاشر و يؤثر الذين هم فوقه في الايمان و العلم و العمل بجاهه و ماله و حاله و يراهم اولي به و بما له مما آتاه اللّه و خوله في نفسه و ماله و يتبع مراضيهم و يجتنب مساخطهم و يقتدي بهداهم و يتقرب الي اللّه و الي  ساداته بولايتهم و البراءة من اعدائهم و يعرفهم خلفاء ساداته في المراتب الاربع علي حسب مقاماتهم و يجعلهم نصب عينيه علي تفصيل قد ذكرناه في «ابواب‌الجنان» و بان يعادي اعداءهم و يتقرب الي اللّه و الي ساداته: بعداوة اعدائهم و يجانب الركون اليهم و المودة لهم و التشبه بهم في مآكلهم و مشاربهم و ملابسهم و السلوك مسلكهم و النصيحة لهم و التخلق باخلاقهم و الاتصاف بصفاتهم و ارتكاب اعمالهم و احسن ميزان وجدناه في ولاية الاولياء محبة الام الشفيقة لولدها و في عداوة الاعداء عداوة الضرة لضرتها فانه لا منتهي لتلك و لا غاية لهذه و علامة صدق التولي و التبري وجود آثارهما كما هي موجودة فيهما و ظاهرة منهما.

ثم بعد ذلك التقوي في امتثال ما ورد عن النبي و الائمة: من الاوامر و النواهي فيلتزم الفرايض و يجتنب عن المحرمات و يعمل بالمستحبات و يترك المكروهات ما امكن و يرتكب المباحات لاجل اباحة اللّه سبحانه و رسوله اياها.

ثم بعد ذلك التقوي في الاخلاق النفسانية بان يتصف بالسماحة و الشجاعة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 225 *»

و الحلم و الرفق و الصبر و امثال ذلك من المكارم التي هي من حدود الانسانية و يجتنب عن اضداد ذلك من الشيطانية و البهيمية و النباتية و الجمادية.

ثم بعد ذلك التقوي في الخلق بان يعمل فيهم بالعدل و النصفة و يسير فيهم بالمروة و الرأفة و يتصف بصفات الربوبية في المربوبين فيرأف بضعيفهم و يشفق علي صغيرهم و يوقر كبيرهم و يعطف علي جميعهم و يعدل في الرعية و يقسم بالسوية و لايظلمهم قولا و فعلا و يؤدي الي كل ذي حق حقه و يأمرهم بالمعروف و ينهيهم عن المنكر و يعفو عن مسيئهم و يعرض عن الجاهلين و يقول بالحسن الي‌غير ذلك من الآداب التي ادب اللّه سبحانه نبيه9 و سلك بها في خلقه الي غير ذلك من وجوه التقوي التي هذه اجمالها و قد قام الشرع الشريف و السنة  السنية باجمالها و تفصيلها و يدور جميع اقسامها علي ثلثة تقوي اللّه في معاملته مع اللّه سبحانه و تقوي اللّه في نفسه و تقوي اللّه في عباده و اشار اللّه سبحانه الي هذه الاقسام بقوله (ليس علي الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات) و هو تقوي اللّه في اللّه (ثم اتقوا و آمنوا) و هو تقوي اللّه في النفس (ثم اتقوا و احسنوا) و هو تقوي اللّه في عباده علي ما شرحنا و بينا فاذا اتصف بهذه الصفات الكريمة التي ذكرت و حفظ نفسه عن تركها و فعل اضدادها دخل في عرصة المتقين الذين اعدّ لهم جوار رب العالمين و استوجب من اللّه تعالي المحبة كما قال (بلي من اوفي بعهده و اتقي فان اللّه يحب المتقين) وكفي بها فخرا للمؤمنين و الولاية لقوله تعالي (ان الظالمين بعضهم اولياء بعض واللّه ولي المتقين) و كفي بها لهم عزا و شرفا و كفاية و معية اللّه سبحانه بلا نهاية لقوله تعالي (و اعلموا ان اللّه مع المتقين) و ذلك مقام لايساوي و يصير من وفد الرحمن فيستوفي منه الرحمة العامة الشاملة فيتصف بها كما قال جل جلاله (نحشر المتقين الي الرحمن وفدا و نسوق المجرمين الي جهنم وردا) و يستحق الرحمة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 226 *»

لقوله (اتقوا اللّه لعلكم ترحمون) و قال (و ان تصلحوا و تتقوا فان اللّه كان غفورا رحيما) و الفلاح لقوله (اتقوا اللّه لعلكم تفلحون) و رفع الخوف و الحزن لقوله (فمن اتقي و اصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون) و النجاة من سجين و دار البعد لقوله تعالي (ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا) و حصول الفرقان و تكفير السيئات و غفران الذنوب لقوله تعالي (يا ايها الذين آمنوا ان تتقوا اللّه يجعل لكم فرقانا و يكفر عنكم سيئاتكم و يغفر لكم و اللّه ذو الفضل العظيم) وقال (و من يتق اللّه يكفر عنه سيئاته و يعظم له اجرا) و يستحق البشارة في الدنيا و الآخرة لقوله تعالي (الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشري في الحيوة الدنيا  و في الآخرة لا تبديل لكلمات اللّه ذلك هو الفوز العظيم) و يستوجب المخرج من كل ضنك و الرزق من حيث لايحتسب لقوله تعالي (و من يتق اللّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لايحتسب) و يستأهل الجنة لقوله تعالي (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار اكلها دائم و ظلها تلك عقبي الذين اتقوا و عقبي الكافرين النار) و قال (قل أذلك خير ام جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء و مصيرا لهم فيها ما يشاءون كان علي ربك وعدا مسئولا)(و الذي جاء بالصدق و صدق به اولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين) و قال (و سارعوا الي مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات و الارض اعدت للمتقين) و قال (و قيل للذين اتقوا ماذا انزل ربكم قالوا خيرا للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة و لدار الآخرة خير و لنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الانهار لهم ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتقين الذين تتوفيهم الملئكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) و قال (ان المتقين في جنات و عيون ادخلوها بسلام آمنين) و قال (ان المتقين في جنات و نهرفي مقعد صدق عند مليك مقتدر) و يستحق الكرامة لقوله (ان اكرمكم عند اللّه اتقيكم) و البركة من السماء و الارض لقوله (و لو ان اهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض) و يورث قبول الاعمال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 227 *»

لقوله (انما يتقبل اللّه من المتقين) و لقوله (و لكن يناله التقوي منكم) و الفوز لقوله (ان للمتقين مفازا) و المقام الامين لقوله (ان المتقين في مقام امين) و عدّها اللّه عزوجل من محكمات الامور حيث يقول (ان تصبروا و تتقوا فان ذلك من عزم الامور) و جعلها سبب الاجر العظيم حيث يقول (ان تؤمنوا و تتقوا فلكم اجر عظيم) و سبب دفع كيد الاعداء حيث يقول (ان تصبروا و تتقوا لايضركم كيدهم شيئا) و خص بها اولي الالباب و وعدهم  الفلاح حيث يقول (فاتقوا اللّه يا اولي الالباب لعلكم تفلحون) و يقول (فاتقوا اللّه يا اولي الالباب الذين آمنوا قد انزل اللّه اليكم ذكرا رسولا).

فعلم من هذه الآيات الشريفة ان التقوي درجة علية و منزلة سنية و فيها جماع الخيرات و الفوز بالكمالات و التقرب الي رفيع الدرجات و لاجل ذلك وصي اللّه الامم بذلك و لو كان شي‌ء غيرها اعم للخيرات و اشمل للمبرات لوصي اللّه به عباده فقال (و لقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم و اياكم ان اتقوا اللّه) و لاجل ذلك كانت الحجج سلام اللّه عليهم يوصون العباد بها في اكثر خطباتهم و احاديثهم و قد ورد بذلك اخبار كثيرة نذكر بعضها تبركا فمنها ما رواه في نهج‌البلاغة في خطبة له7 اوصيكم عباد اللّه بتقوي اللّه التي هي الزاد و بها المعاذ زاد مبلغ و معاذ منجح دعا اليها اسمع داع و وعاها خير واع فاسمع داعيها و فاز واعيها عباد اللّه ان تقوي اللّه حمت اولياء اللّه محارمه و الزمت قلوبهم مخافته حتي اسهرت لياليهم و اظمأت هواجرهم فاخذوا الراحة بالنصب و الري بالظماء بلاء و استقربوا الاجل فبادروا العمل و كذبوا الامل فلاحظوا الاجل الخطبة، و فيه عنه7 في خطبة له قد كفاكم مـٴونة دنياكم و حثّكم علي الشكر و افترض من السنتكم الذكر و اوصاكم بالتقوي و جعلها منتهي رضاه و حاجته من خلقه فاتقوا اللّه الذي انتم بعينه و نواصيكم بيده و تقلبكم في قبضته ان اسررتم علمه و ان اعلنتم كتبه قد وكل بذلك حفظة كراما لايسقطون حقا و لايثبتون باطلا و اعلموا انه من يتق اللّه يجعل له مخرجا من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 228 *»

 الفتن و نورا من الظلم و يخلده فيما اشتهت نفسه و ينزله منزل الكرامة عنده في دار اصطنعها لنفسه ظلها عرشه و نورها بهجته و زوارها ملائكته و رفقاؤها رسله الخطبة، و فيه عنه7 فان تقوي اللّه مفتاح سداد و ذخيرة معاد و عتق من كل ملكة و نجاة من كل هلكة  بها ينجح الطالب و ينجو الهارب و تنال الرغائب و فيه روي ان صاحبا لاميرالمؤمنين صلي اللّه عليه يقال له همام كان رجلا عابدا فقال له يا اميرالمؤمنين صف لي المتقين حتي كأني انظر اليهم فتثاقل عن جوابه صلي اللّه عليه ثم قال له يا همام اتق اللّه و احسن فان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون فلم‌يقنع همام بذلك القول حتي عزم عليه قال فحمد اللّه و اثني عليه و صلي علي النبي و آله9 ثم قال صلي اللّه عليه اما بعد فان اللّه سبحانه خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا بمعصيتهم و انه لاتضره معصية من عصاه و لاتنفعه طاعة من اطاعه و قسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدنيا مواضعهم فالمتقون فيها هم اهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع غضوا ابصارهم عما حرم اللّه عليهم و وقفوا اسماعهم علي العلم النافع لهم نزلت انفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء لولا الاجل الذي كتب اللّه لهم لم‌تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفة عين شوقا الي الثواب و خوفا من العقاب عظم الخالق في انفسهم فصغر ما دونه في اعينهم فهم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون و هم و النار كمن قد رآها و هم فيها معذبون قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و اجسادهم نحيفة و حاجتهم خفيفة و انفسهم عفيفة صبروا اياما قصيرة اعقبتهم راحة طويلة و تجارة مربحة يسرها لهم ربهم ارادتهم الدنيا و لم‌يريدوها و اسرتهم ففدوا انفسهم منها اما الليل فصافون اقدامهم تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به انفسهم و يستثيرون به دواء دائهم فاذا  مروا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعا و تطلعت نفوسهم اليها شوقا و ظنوا انها نصب اعينهم واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم و ظنوا ان زفير جهنم و شهيقها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 229 *»

في اصول آذانهم فهم جاثون علي اوساطهم مفترشون لجباههم و اكفهم  و ركبهم و اطراف اقدامهم يطلبون الي اللّه في فكاك رقابهم و اما النهار فحلماء علماء ابرار اتقياء قد براهم الخوف بري القداح ينظر اليهم الناظر فيحسبهم مرضي و ما بالقوم من مرض و يقول قد خولطوا و لقد خالطهم امر عظيم لايرضون من اعمالهم القليل و لايستكثرون الكثير فهم لانفسهم متهمون و من اعمالهم مشفقون اذا زكي احد منهم خاف مما يقال له فيقول انا اعلم بنفسي من غيري و ربي اعلم مني بنفسي اللّهم لاتؤاخذني بما يقولون و اجعلني افضل مما يظنون و اغفر لي ما لايعلمون فمن علامة احدهم انك تري له قوة في دين و حزما في لين و ايمانا في يقين و حرصا في علم و علما في حلم و قصدا في غني و خشوعا في عبادة و تجملا في فاقة و صبرا في شدة و طلبا في حلال و نشاطا في هدي و تحرجا عن طمع يعمل الاعمال الصالحة و هو علي وجل يمسي و همه الشكر و يصبح و همه الذكر يبيت حذرا و يصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة و فرحا بما اصاب من الفضل و الرحمة ان استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم‌يعطها سؤلها فيما تحب قرة عينه فيما لايزول و زهادته فيما لايبقي يمزج الحلم بالعلم و القول بالعمل تراه قريبا امله قليلا زلله خاشعا قلبه قانعة نفسه منزورا اكله سهلا امره حريزا دينه ميتة شهوته مكظوما غيظه الخير منه مأمول و الشر منه مأمون ان كان في الغافلين كتب في الذاكرين و ان كان في الذاكرين لم‌يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه بعيدا فحشه لينا قوله غايبا منكره حاضرا معروفه مقبلا خيره مدبرا شره في الزلازل وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور لايحيف علي من يبغض و لايأثم فيمن يحب يعترف بالحق قبل ان يشهد عليه لايضيع ما استحفظ و لاينسي ما ذكر و لاينابز بالالقاب و لايضار بالجار و لايشمت بالمصائب و لايدخل في الباطل و لايخرج من الحق ان صمت لم‌يغمه  صمته و ان ضحك لم‌يعل صوته و ان بغي عليه صبر حتي يكون اللّه هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء و الناس منه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 230 *»

 في راحة اتعب نفسه لآخرته و اراح الناس من نفسه بعده عمن تباعد عنه زهد و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده بكبر و عظمة و لا دنوه بمكر و خديعة قال فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه اما واللّه لقد كنت اخافها عليه ثم قال هكذا يصنع المواعظ البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك انت يا اميرالمؤمنين فقال صلي اللّه عليه ويحك ان لكل اجل وقتا لايعدوه و سببا لايتجاوزه فمهلا لاتعد لمثلها فانما نفث الشيطان علي لسانك و في الكافي بسنده عن ابي‌عبيدة عن ابي‌جعفر7 قال كان اميرالمؤمنين7 يقول لايقل عمل مع تقوي و كيف يقل ما تقبل و عن مفضل بن عمر قال كنت عند ابي‌عبداللّه7 فذكرنا الاعمال فقلت انا ما اضعف عملي فقال مه استغفر اللّه ثم قال لي ان قليل العمل مع التقوي خير من كثير بلا تقوي قلت كيف يكون كثير بلا تقوي قال نعم مثل الرجل يطعم طعامه و يرفق جيرانه و يوطي رحله فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه فهذا العمل بلا تقوي و يكون الآخر ليس عنده فاذا ارتفع له الباب من الحرام لم‌يدخل فيه و عن يعقوب بن شعيب قال سمعت اباعبداللّه7 يقول مانقل اللّه عز و جل عبدا من ذل المعاصي الي عز التقوي الا اغناه من غير مال و اعزه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر و فيه بسنده الي يزيد بن عبداللّه عمن حدثه قال كتب ابوجعفر7 الي سعدالخير بسم اللّه الرحمن الرحيم اما بعد فاني اوصيك بتقوي اللّه فان فيها السلامة من التلف و الغنيمة في المنقلب ان اللّه عز و جل يقي بالتقوي عن العبد بعد ما عزب عنه عقله و يجلي بالتقوي عماه و جهله و بالتقوي نجا نوح و من معه في السفينة و صالح و من معه من الصاعقة و بالتقوي فاز الصابرون و نجت تلك العصب  من المهالك و لهم اخوان علي تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة الحديث.

و اعلم ان احاديث هذا الباب اكثر من ان يسطر و انما ذكرنا ما ذكرنا تبركا وجميع الخيرات في التقوي فانها هي حفظ النفس عن مخالفة اوامر اللّه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 231 *»

ارتكاب مناهي اللّه و اعلم ان التقوي ليست صرف الاتيان بما امر اللّه و الاجتناب عما نهي اللّه فان الطبيعة الجمادية و النباتية و الحيوانية قد توافق مقتضي الامر و النهي و ليست من التقوي في شي‌ء ألاتري ان الحجر لايكذب و لايغتاب و لايظلم و ليس عدم صدور هذه و امثالها منه من باب التقوي و كذلك الشجر و ان الكلب يقظان طول ليله و البوم يكف عن الاكل طول نهاره و ليس ذلك و امثاله منهما و امثالهما بتقوي و انما ذلك مقتضي طبايعهما و كذلك الانسان اذا صدر عنه بعض الاعمال الموافقة لامر اللّه و لم‌يفعل بعض الاعمال المنهي عنها عن طبيعة جمادية او نباتية او حيوانية او لاجل مرادات شيطانية فليس ذلك منه بتقوي و انما التقوي هي فعل روح الايمان فكم من اناس يصدر عنهم صفات و اعمال حسنة و ليسوا من اهل التقوي و لايثابون باعمالهم و قد قال اللّه سبحانه للعقل اياك اعاقب و اياك اثيب و هو ما يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان دون غيره و ان وافق فعله فعله نعم اذا كان طبيعة انسان ظاهري علي وفق مرضات اللّه سهل الامر علي العقل ان ركبها في السلوك به مسلك التقوي فهو بمنزلة حمار ذلول يسلك به الانسان اين يشاء و اما اذا كان صعبا شموسا صعب اذلاله و تعليمه عليه فتدبر.

فصل: في الرجاء و هو توقع النفس النفع من ذي نفع في ارتياح و له سبب و ثمر اما سببه فيقين الانسان بشي‌ء انه نافع له مقو لوجوده او نافع لما يــٔول اليه فاذا تيقن بالشي‌ء انه نافع له اذا اقترن به توقع نفعه و ثمر هذا التوقع طلبه و الاقتران به و الميل اليه و الاتصال به و المرجو ما يتردد فيه الانسان  كالمخوف و لايقال للمقطوع به مرجوا و مخوفا ألاتري انه لايقال ارجو ان يطلع الشمس و اخاف ان تغرب الا عند ملاحظة مشية اللّه فيهما و يقال ارجو ان ينزل المطر و اخاف ان ينقطع فاليقين الذي هو سبب الرجاء هو اليقين بحصول المقتضيات و كذا العلم في الخوف هو العلم بحصول المقتضيات و محل التردد فيهما هو وقوع المقتضي بالفتح فيتردد المؤمن لانه تحت مشية اللّه و لاتلتزم بشي‌ء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 232 *»

و اعلم ان لحصول المرجو سببين فاعلي و قابلي فالفاعلي مشية اللّه و عطفه و جوده و عطف اوليائه و هو لانقصان فيه و اما القابلي فاستعداد العبد و عمله و هو منشأ التردد اذ لايدري هل هو قابل لتعلق الجود به ام لا مع القطع بان اللّه لايقطع عطاءه عن السائلين و لايمنع فيضه عن المستعدين فيجب لمن بلغ هذا المقام من المعرفة ان يسعي ليلا و نهارا في احسان العمل و تكميل القابلية و كلما يكمل العبد قابليته يظهر له بدايات المرجو و كلما يظهر له شي‌ء منها يزداد شوقا و رجاء و اذا حصل الرجاء لنفس الانسان في نفع شي‌ء ادركته مالت اليه طبعا و وقع شبحه في خياله فادام تصوره و الفكر فيه كيف يتوصل اليه و كيف ينتفع به و كيف يسترضي صاحبه و كيف يستعطفه و كيف يحتال في طلب ما عنده فيقع شبح ما في فكره في اخلاط بدنه فتهيج و يهيج روحه و يميل الي الظاهر تدريجا ليحتال لطلب ما اعتقد نفعه و يشايعه الدم بمشاركة البلغم فيحمر الوجنات و يسخن الاعضاء بخلاف الميل في الغضب فانه بمشاركة الصفراء و دفعي و لذلك يلين جانب الراجي و يلين في تكلمه و يتواضع و يتملق و يعرضه السرور و يظهر البشاشة و الملق و يدخل علي المرجومنه من حيث يحب فيتكلم بما يحب و يثني عليه و يمجده و يحمده و يمدحه و يجلس حيث يحب و يقوم حيث يحب و يظهر له الموافقة و يعمل بمحابه و يظهر له الاخلاص و المحبة  حتي يستعطفه و يستخرج منه ما يحب و يحتال بلطائف الحيل حتي ينتفع منه بما يتوقع منه لاسيما اذا كان المرجومنه غنيا لايعبؤ الا بالسائلين الموافقين و لايعتني الا بالمستعدين و يفحص كل الفحص عن وجوه محابه و مساخطه فيعمل بمحابه و يجتنب عن مساخطه حتي يستدر ضرع عطفه و يستمطر سحاب لطفه و يستدرك منه ما يرجوه و هذه الامور امور طبيعية لا كسبية نشاهدها في كل من يرجو شيئا حتي ان الهرة اذا ارادت ان تأخذ منك شيئا و انت تأكل جاءت و اظهرت اللين و تلاعبت و تماسحت بك و تبصبصت بتحريك ذنبها و حمحمت او ماءت و لاذت بك حتي تستعطفك و ليس ذلك منها بتدبير و روية و انما هو طبيعة منها تحملها علي ذلك فاذا كل من يدعي الرجاء و لايطلب و لايحاول مطلوبه فهو كاذب بتة و قد ذم اللّه سبحانه قوما يدعون الرجا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 233 *»

بلا عمل فقال (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادني و يقولون سيغفر لنا) و ذم صاحب البستان اذ دخل جنته و قال (مااظن ان تبيد هذه ابدا و مااظن الساعة قائمة و لئن رددت الي ربي لاجدن خيرا منها منقلبا) و صرح بان الرجاء علامته الطلب بقوله( ان الذين آمنوا و الذين هاجروا و جاهدوا في سبيل اللّه اولئك يرجون رحمة اللّه) و اما غيرهم فلا رجاء لهم البتة كما روي عن اميرالمؤمنين7 في نهج‌البلاغة يدعي بزعمه انه يرجو اللّه كذب والعظيم ما باله لايتبين رجاؤه في عمله و كل من رجا عرف رجاؤه في عمله الا رجاء اللّه تعالي فانه مدخول و كل خوف محقق الا خوف اللّه تعالي فانه معلول يرجو اللّه في الكبير و يرجو العباد في الصغير فيعطي العبد ما لايعطي الرب فما بال اللّه جل ثناؤه يقصر به عما يصنع بعباده أتخاف ان تكون في رجائك له كاذبا او تكون لاتراه للرجاء موضعا و كذلك ان هو خاف عبدا من عبيده اعطاه من خوفه ما لايعطي  ربه فجعل خوفه من العباد نقدا و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا الخطبة، و قد مر من كلام الصادق7 ان الرجاء فرع اليقين و دليل الرجاء الطلب و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكن من رؤية الفضل رجا و اذا وجد حلاوة الرجاء طلب و اذا وفق للطلب وجد و مر ان الرجاء شفيع النفس و الرجاء داعي فضل اللّه و هو يحيي القلب و قوله7 كيف لايرجو و هو يعرف نفسه بالعجز و هو غريق في بحر آلاء اللّه و نعمائه من حيث لاتحصي و لاتعد و ان الرجاء رجاءان عاكف و باد فالعاكف منه يورث خوفا ثابتا يقوي بسببه المحبة و البادي منه يصحح اهل العجز و التقصير و الحياء و قد مر في وصية لقمان ارج اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك و في الكافي بسنده عن ابن ابي‌نجران عمن ذكره عن ابي‌عبداللّه7 قال قلت له قوم يعملون بالمعاصي و يقولون نرجو فلايزالون كذلك حتي يأتيهم الموت فقال هؤلاء قوم يترجحون في الاماني كذبوا ليسوا براجين ان من رجا شيئا طلبه و من خاف من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 234 *»

شي‌ء هرب منه و عن علي بن محمد رفعه قال قلت لابي‌عبداللّه7 ان قوما من مواليك يلمون بالمعاصي و يقولون نرجو فقال كذبوا ليسوا لنا بموال اولئك قوم ترجحت بهم الاماني من رجا شيئا عمل له و من خاف من شي‌ء هرب منه و طريق تحصيل الرجاء ان تعرف اللّه سبحانه فان من عرف ان اللّه جل جلاله و عظم آلاؤه نور لا ظلمة فيه و كامل لا نقص فيه و سلطان قادر لا عجز فيه و قوي لا ضعف فيه و مدرك لايفوته شي‌ء و عزيز لا ذل فيه و غني لا فقر فيه و جواد لا بخل فيه و كريم لا لؤم فيه و صادق لا كذب فيه و محيط لايحاط به و واجد لا فقدان فيه و قاهر لا مقهورية فيه و خير لا شر فيه و حي لا موت فيه و دائم لا فناء له و ثابت لا زوال له و هكذا ساير كمالاته عرف ان من توجه اليه و دنا منه و تقرب اليه حصل له هذه  الكمالات بلا ارتياب و انما امر العباد بالتوجه اليه و التقرب منه لاجل حصول هذه الكمالات كما انك و للّه المثل الاعلي لو توجهت الي الشمس استنار وجهك و لو دنوت من النار سخن بدنك و هذا وعد من اللّه الصادق و حكم من اللّه العدل قال اللّه سبحانه (ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) و قال (اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) فبعد ما اخبر اللّه بذلك عن نفسه و هو الصادق الغني و وعد علي نفسه كيف يمكن ان يتخلف ذلك و قد قال (لاتحسبن اللّه مخلف وعده رسله) و قال (ان اللّه لايخلف الميعاد)و في الدعاء رب من ذا الذي دعاك فلم‌تجبه و من ذا الذي سألك فلم‌تعطه و من ذا الذي ناجاك فخيبته او تقرب اليك فابعدته  و في دعاء آخر متي خاف من فنائك آمل ام متي انصرف بالرد عنك سائل الهي مادعاك من لم‌تجبه لانك قلت (ادعوني استجب لكم) و انت لاتخلف الميعاد الدعاء، فكيف يمكن في وعد اللّه الصدق ان يتوجه اليه عبد و يتقرب اليه سالك ثم لاينال من جوده و كرمه ما يصلح به امر دنياه و آخرته و لايغفر له ذنبه و لايستر عليه عيبه و لاينال طلبته و لايحيي حيوة الابد و لايبلغ امنيته و ان كانت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 235 *»

لاتعد فمن لم‌يرج اللّه هذا الرجاء دل علي عدم معرفته باللّه عزوجل و انزاله اياه منزلة المخلوقين الناقصين المحدودين العادمين و الا فمن اقر باحديته جل جلاله التي هي اصل كل كمال و نور و خير وجب ان يعتقد مستيقنا انه لو تقرب اليه و توجه اليه لغفر اللّه له ذنوبه و لو كانت بعدد ذرات الكاينات و قضي له حاجاته و لو سأل ملك الموجودات و لاينتقص من خزائنه مثقال ذرة فانه الموجد عن عدم و خزانته بين الكاف و النون انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فكيف يفتقر رب كذلك او ينتقص اله كذلك فان كنت يا هذا لاترجو ربك كذلك فاسع في طلب معرفته  اولا و حصول اليقين و مشاهدة فضله العام الشامل فاذا كان الشمس التي هي خلقه منيرة لمن توجه اليها و لو كان الشخص عايشا في الظلمات الف‌الف سنة و تزيل ظلمته طرفة عين بمحض ان يسألها النور بتوجهه اليها و كانت النار التي هي جزء من ملكه مسخنة لمن استسخنها بتوجهه اليها و لو عاش في البرد الف‌الف سنة و كان الماء مرويا لمن شربه و الهواء مروحا لمن تنفس فيه و لو كان الشخص محروما عنها دهورا فما ظنك بخالقها و موجدها لا من شي‌ء بل واللّه اعرف ربي بانه يقبل التوبة عن عبده و يغفر له بتوجه واحد اليه و لو اذنب الف‌الف دهر في كل آن بذنوب الخلايق اجمعين و يعطيه بسؤال واحد في طرفة عين ملك الدنيا و الآخرة و من لم‌ينل منه ذلك فانما هو من قصور في توجهه و نقصان من مسألته فلايخافن عبد الا نفسه و لايرجون احد الا ربه فلو كنت عارفا بربك و لم‌تنل منه حاجتك لكان الواجب عليك التوبة و الاستغفار علي ما قصرت في دعائك و تخاف من ذنبك المانع عن كمال التوجه فلايورثن لك عدم الاستجابة اليأس و لو منعت عن كل ما سألت ابدا فان النقصان في السؤال لا في المسئول و في مناجاة اميرالمؤمنين7:

الهي لئن عذبتني الف حجة
  فحبل رجائي منك لايتقطع

فان انت يا هذا لم‌تنتفع بالمسك الاذفر فلاتنكر رايحة المسك و انما العيب من خيشومك و ان لم‌تر الشمس المشرقة ابدا فلاتجحد نور الشمس فانما العمش في عينك و ان انت لم‌تتوجه الي الشمس لاتنكر انارتها فانها قائمة بالانارة ابدا فالواجب علي المؤمن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 236 *»

ان يكون آيسا من خير نفسه خائفا عليها منها راجيا خير ربه محسنا ظنه به فانه اهل التقوي و المغفرة و انت اهل الاساءة و العصيان و يجب عليه ان لايرجو احداً الا اللّه فانه لا خير في ماهيات الخلق و ما هم به هم و لايقدرون علي نفع و لاضر و لا حيوة و لا موت و لا حركة و لا سكون فان حيوة  الكل باللّه و حركة الكل في كل وجه باللّه و هم من حيث انفسهم اموات غير احياء و مايشعرون ايان يبعثون و هم في انفسهم معدومون و انما يكونون موجودين بامر اللّه و افاضته الوجود عليهم و حفظه اياه لهم فمن ذا الذي يليق بالرجاء دونه و انما العاقل يرجو الصائغ لا المطرقة و العلاة فانها اسباب لا حركة لها الا بالصائغ و لايقدر علي قضاء ففي ارشاد الديلمي عن ابي‌عبداللّه7 قال اذا اراد احدكم ان لايسأل اللّه شيئا الا اعطاه فليقطع رجاءه من الناس و ليصله به فاذا علم ذلك منه لم‌يسأله شيئا الا اعطاه انتهي، و في الوسائل عن الكليني بسنده عن حفص بن غياث عن ابي‌عبداللّه7 اذا اراد احدكم ان لايسأل ربه شيئا الا اعطاه فلييأس من الناس كلهم و لايكون له رجاء الا من عند اللّه فاذا علم اللّه ذلك من قلبه لم‌يسأل اللّه شيئا الا اعطاه  و عن احمد بن فهد روي ان اللّه اوحي الي عيسي7 ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث يا عيسي سلني و لاتسأل غيري فيحسن منك الدعاء و مني الاجابة قال واوحي الي موسي7 يا موسي ما دعوتني و رجوتني فاني ساغفر لك علي ما كان منك انتهي.

و اعلم ان من توجه الي غير اللّه فقد ادبر عن اللّه و من رجا شيئا من غير اللّه فقد يئس من اللّه تعالي و من ادبر عن اللّه و يئس منه لايستجاب له البتة و خذله اللّه و وكله الي من يرجوه ثم لايقدر احد علي قضاء حاجته ان الذين تدعون من دون اللّه لن‌يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و ان يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب،  ماقدروا اللّه حق قدره و في الوسائل عن ابن‌بابويه بسنده عن سورة بن كليب عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 قال اللّه عزوجل من سألني و هو يعلم اني اضر و انفع استجبت له و عنه9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 237 *»

ادعوا اللّه و انتم موقنون بالاجابة  و عن ابي‌عبداللّه7 اذا دعوت اللّه فاقبل بقلبك و ظن حاجتك بالباب وعن الكليني بسنده عن احمد بن محمد بن ابي‌نصر قال قلت لابي‌الحسن7 جعلت فداك اني قد سألت اللّه حاجة منذ كذا و كذا سنة و قد دخل قلبي من ابطائها شي‌ء فقال يا احمد اياك و الشيطان ان يكون له عليك سبيل حتي يقنطك  الي ان قال صاحب النعمة في الدنيا اذا سأل فاعطي طلب غير الذي سأل و صغرت النعمة في عينه فلايشبع من شي‌ء و اذا كثر النعم كان المسلم من ذلك علي خطر للحقوق التي تجب عليه و ما يخاف من الفتنة فيها اخبرني عنك لو اني قلت لك قولا كنت تثق به مني فقلت له جعلت فداك اذا لم‌اثق بقولك فبقول من اثق و انت حجة اللّه علي خلقه قال فكن باللّه اوثق فانك علي موعد من اللّه عز و جل أليس اللّه عز و جل يقول (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان) و قال (لاتقنطوا من رحمة اللّه) و قال (و اللّه يعدكم مغفرة منه و فضلا  فكن باللّه اوثق منك بغيره ولاتجعلوا في انفسكم الا خيرا فانه مغفور لكم) و عن الحسين بن علوان عن ابي‌عبداللّه7 انه قرأ في بعض الكتب ان اللّه تبارك و تعالي يقول و عزتي و جلالي و مجدي و ارتفاعي علي كل شي‌ء لاقطعن امل كل مؤمل من الناس غيري باليأس و لاكسونه ثوب المذلة عند الناس و لانحينه من قربي و لابعدنه من فضلي أيؤمل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي و يرجو غيري و يقرع بالفكر باب غيري و بيدي مفاتيح الابواب و هي مغلقة و بابي مفتوح لمن دعاني من‌ذا الذي املني لنائبة فقطعته دونها و من الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم‌يرضوا بحفظي و ملأت سماواتي ممن لايمل من تسبيحي و امرتهم ان لايغلقوا الابواب بيني و بين عبادي فلم‌يثقوا بقولي ألم‌يعلم من طرقته نائبة من نوايبي انه لايملك كشفها احد غيري الا من بعد اذني  فما لي اراه لاهيا عني اعطيته بجودي ما لم‌يسألني ثم انتزعته عنه فلم‌يسألني رده و سأل غيري أفتراني ابدأ بالعطاء قبل المسئلة ثم اسأل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 238 *»

فلااجيب سائلي أبخيل انا فيبخلني عبدي أوليس الجود و الكرم لي أوليس العفو و الرحمة بيدي أوليس انا محل الآمال فمن يقطعها دوني أفلايخشي المؤملون ان يؤملوا غيري فلو ان اهل سمواتي و اهل ارضي املوا جميعا ثم اعطيت كل واحد منهم مثل ما امل الجميع ماانتقص من ملكي عضو ذرة و كيف ينقص ملك انا قيمه فيا بؤسا للقانطين من رحمتي و يا بؤسا لمن عصاني و لم‌يراقبني و عن احمد بن فهد قال روي عن ابي‌عبداللّه7 في قول اللّه عز و جل (و مايؤمن اكثرهم باللّه الا و هم مشركون) قال هو قول الرجل لولا فلان لهلكت لولا فلان مااصبت كذا و كذا و لولا فلان لضاع عيالي ألاتري انه قد جعل للّه شريكا في ملكه يرزقه و يدفع عنه قلت فيقول ما ذا يقول لولا ان منّ اللّه عليّ بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا او نحوه انتهي، و انت لو تدبرت في هذه الاخبار الساطعة المنار و ما ذكرنا من صحيح الاعتبار لاشرق علي قلبك نور الرجاء و شاهدت فضل اللّه جل و علا و هاج فيك داعية الطلب و وصلت بفضل اللّه جل جلاله الي المطلب.

و ان حدثتك نفسك و وسوس لك الشيطان ان اللّه سبحانه نعم هو اهل للرجاء و هو لايعوزه شي‌ء و لايجوز اليأس منه جل جلاله الا اني لااقدر علي التوجه حق التوجه و علي الدعاء حق الدعاء و علي عبادته حق عبادته و لنجاتي من نفسي و ساير الاشياء موانع عديدة فبذلك يغلب عليك القنوط من رحمة اللّه و يبرد لوعة طلبك و يقعدك عن دعائه و التضرع اليه و التبصبص لديه فاجبها بان اللّه سبحانه بعث انبياءه الي الكفار و المشركين و دعاهم الي الايمان و التوبة و الاستغفار و وعدهم الانجاء و العفو و المغفرة و امرهم بالدعاء و العبادة و الطاعة و وعدهم الاجابة و القبول و هم في اول ايمانهم ليسوا من  المقربين الكاملين و لا من المؤمنين الخصيصين فلو لم‌يقبل اللّه الا عن الكاملين المقربين فما ذا يصنع الآبقون التائبون و لو لم‌يستجب الا عن الخصيصين السابقين فكيف دعا الي نفسه العوام اللاحقين بل هو سبحانه عدل رءوف رحيم رفيق بعباده الضعفاء فكل من اتي بما يمكنه و بما هو في وسعه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 239 *»

يقبل منه فانه عز من قائل قال (لايكلف اللّه نفسا الا وسعها) و (لايكلف اللّه نفسا الا ما آتيها) و العبد الآبق البعيد اذا ندم و تاب يتوجه الي مولاه من وراء الحجاب و يأتيه من بعد لا محالة و لايسعه غير ذلك و لاجل ذلك امر عباده بالرفق و الشفقة علي الضعفاء حتي يلحقوا بالاقوياء و للايمان درجات و منازل لايتحمل صاحب الدنيا ما يتحمل صاحب العليا و من الذي يقدر علي عبادته جل جلاله حق عبادته غير الاربعة‌عشر سلام اللّه عليهم و هم فيما هم عليه تسمعهم ما ذا يقولون في دعائهم و كيف يسألون و كيف يعتذرون أليس ان اللّه سبحانه استجاب للكفار و المشركين و المدعين الربوبية و المضادة لرب العالمين هذا فرعون ذو الاوتاد مع عناده و كفره و عتوه و ادعائه الربوبية لنفسه و علمه بانه لايتوب و لايؤمن و لايرجع و لا يــٔوب و لايخشع استجاب دعاءه و اعطاه سؤله كرما منه و جودا و قلة مقدار لما سأله عنده مع عظمته عنده اخذا بحجته عليه و تاكيدا له حين فخر و كفر و استطال علي قومه و تجبر و بكفره عليهم افتخر و بظلمه لنفسه تكبر و بحلمه عنه استكبر و في الوسائل عن الكليني بسنده عن حديد عن ابي‌عبداللّه7 قال ان العبد ليدعو فيقول اللّه عز و جل للملكين قد استجبت له و لكن احبسوه بحاجته فاني احب ان اسمع صوته و ان العبد ليدعو فيقول اللّه تبارك و تعالي عجلوا له حاجته فاني ابغض صوته و عن عبداللّه بن المغيرة عن غير واحد من اصحابنا قال قـال ابوعبداللّه7 ان العبد الولي للّه يدعو اللّه عزوجل في الامر ينوبه فيقول  للملك الموكل به اقض لعبدي حاجته و لاتعجلها فاني اشتهي ان اسمع صوته و نداءه و ان العبد العدو للّه عز و جل يدعو اللّه عز و جل في الامر ينوبه فيقال للملك الموكل به اقض حاجته و عجلها فاني اكره ان اسمع نداءه و صوته قال فيقول الناس مااعطي هذا الا لكرامته و لامنع هذا الا لهوانه انتهي، فاذا كان هذا شأن استجابة اللّه للكافر كيف يكون استجابته و قبوله للمؤمن و ان كان مفتتنا أليس ان اللّه يحب التوابين و أليس انه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و هل التوبة الا للمذنبين و السيئات للبعيدين فما اقنطك من رحمة رب العالمين و هو يقول

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 240 *»

(يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) أليس يخاطب هذه الضعفاء (ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) أليس يقول (و ان ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم) أليس يقول (و ماكان اللّه معذبهم و هم يستغفرون) و ان كان لاتعتمد علي استغفارك فهلاتعتمد علي استغفار الملائكة لك الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شي‌ء رحمة و علما فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم ربنا و ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و ازواجهم و ذرياتهم انك انت العزيز الحكيم و قهم السيئات و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته و ذلك هو الفوز العظيم و ألاتري نفسك في المؤمنين التائبين ألاتري نفسك من اهل الارض و يقول اللّه سبحانه (و الملئكة يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون لمن في الارض) و هلاتعتمد علي استغفار نبيك كما امر اللّه سبحانه (و استغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات) و قد فعلوا كما تسمع كثيرا في دعواتهم.

بالجملة لو تدبرت في القرآن لوجدت اسباب الرجاء فيه وافرة ثم تفكر في نفسك انت علي  ما انت عليه اليس انه قد توجه اليك و ذكرك في ملكوته و وكل عليك ملئكة و اعطفهم عليك و ارأفهم بك فابتدع خلقك من مني يمني و اسكنك في ظلمات ثلاث من بين لحم و دم و جلد لم‌يشهدك خلقك و لم‌يجعل لك شيئا من امرك و غذاك حيث لم‌يصل يد حبيب و عالج هنالك امراضك و لاينالك طبيب و حفظك مما يضرك حيث لايكون سواه رقيب ثم اخرجك الي الدنيا تاما سويا و حفظك في المهد طفلا صبيا و رزقك من الغذاء لبنا مريئا و عطف عليك قلوب الحواضن و كفلك الامهات الرواحم و كلاك من طوارق الجان و سلمك من الزيادة و النقصان حتي استهللت ناطقا بالكلام و اتم عليك سوابغ الانعام و رباك زائدا في كل عام و دفع عنك الاسقام و خصك بمكارم بين الانام الي ان كمل فطرتك و اعتدل مرتك فهمك ما جاءت به رسله و اوجب عليك طاعته و عبادته و وفقك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 241 *»

للقبول و انالك المأمول و لم‌يرض لك نعمة دون اخري و رزقك من انواع المعاش و صنوف الرياش و عززك بين الانام و وقاك من طوارق الايام فان دعوته اجابك و ان سألته اعطيك و ان سكتّ عنه ابتدأك و ان اطعته شكرك و ان شكرته زادك ثم ما صرف و درأ عنك من الضر و الضراء اكثر مما عددنا من العافية و السراء و انت في جميع الآنات غائص في بحار رحمته و انت علي ما انت عليه الآن لاتصبح الا و هو يذكرك بخصوصك و يوكل عليك امناء من ملئكته و يبعث اليك برزقك من صنوف ما تحتاج اليه و يضع اطباق غدائك و عشائك علي رءوس عباده و يرسل اليك بها و يضع اسفاط ثيابك و رياشك كل يوم في يد مواليه و يبعث اليك بها و يرسل اليك الاطباء اذا مرضت و يجعل لك ممرضين من عباده و امائه ان دنفت كم اعدّ و كم اذكر و ان تعدوا نعمة اللّه لاتحصوها كل ذلك بذكر خاص منه لك و عمد و توجه منه  اليك و انت انت علي ما انت عليه فما آيسك و اقنطك فهل يمكن ان يتوجه اليك في كل ذلك من غير دعاء منك و تضرع و بكاء و لايتوجه اليك اذا انبت اليه تائبا و توجهت اليه آيبا و دعوته راجيا و تضرعت اليه شاكيا و توسلت اليه باسمائه العظام و اوليائه الكرام حاشا لايظن بهذا الرب الرءوف و الاله العطوف هذا الظن ان هذا الا من الشيطان الرجيم عليه و علي اوليائه العذاب المقيم هذا و قد ذكرنا ان الرجاء فيه تردد ما و سبب التردد خوف نقصان الاسباب القابلة فالرجاء رجاء مع الخوف و لولا الخوف لكان يقينا لا رجاء و الخوف خوف بسبب الرجاء المشيب به و الا لم‌يكن خوفا و كان يقينا بالهلاك فالخوف خوف بسبب شوب الرجاء فالخوف بلا رجاء يأس و قنوط و حرام و الرجاء بلا خوف غرور و حمق و حكم علي الملك العلام.

فصل: اعلم ان اللّه سبحانه احدي الذات لايتغير و لايتبدل و لايحدث فيه البداوات و لا ميول و اقتضاءات و لايحدث غضب علي عاص و لا محبة لمطيع و انما خلق خلقا كرما و جودا بلا كيف لايسأل عما يفعل و هم يسألون و الزم كل مقتض مقتضاه و كل علة معلوله و خلق الخلق خلقة يتمكنون بها علي اعمال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 242 *»

امكنها فيهم لسر الاختيار الربوبي الظاهر في خلقه الذين هم آثار مشيته المختارة ثم امرهم و نهاهم فيما هم متمكنون من فعله و عرفهم مقتضيات اعمالهم بعد ما الزم كل عمل اثره و هداهم النجدين و مكنهم من سلوكهما و جعلهم مختارين متمكنين من فعل الطاعات التي آثاره التقرب اليه و نيل الكرامات و الخيرات و من فعل المعصية التي آثارها التباعد عنه و الوقوع في الهلكات في الدنيا و الآخرة و ارسل اليهم الرسل و انزل اليهم الكتب اتماما للحجة و ايضاحا للمحجة فمن عمل بالطاعات لزمه اثرها و هو القربات  و من عمل بالمعاصي لزمه اثرها و هو الهلكات و اصل هذا التمكن من تركيب الخلق من الوجود و الماهية و الوجود حيث اثريته لفعل اللّه المطابق له و الطاعات فعله و هي راجعة الي فعل اللّه و هو اولي بها و الماهية حيث نفس الشخص و المعاصي اثرها و ان كانت بقدر اللّه و هي اولي بها فما اصابه من حسنة فمن اللّه و ما اصابه من سيئة فمن نفسه فلم‌يحمد حامد الا ربه و لم‌يلم لائم الا نفسه و الوجود هو عرصة الفضل لانه ابتداء بالنعمة من اللّه جل جلاله و الماهية عرصة العدل لانها يجري عليها ما تقتضيه فالوجود هو مبدء الرجاء بفضل اللّه و جوده و الماهية هي منشأ الخوف من عدل اللّه جل و عز فهو سبحانه لايرجي الا فضله و لايخاف الا عدله فالطاعات هي بنفسها المبشرة بفضل اللّه و كرمه و المعاصي هي بنفسها المنذرة بعدل اللّه و اخذه فمن وفق للطاعات فليعلم ان اللّه سبحانه قد توجه اليه بالفضل و الكرم و من عصي اللّه فليعلم ان اللّه سبحانه قد خذله و وكله الي نفسه فينبغي لمن يزعم انه يرجو اللّه ان يعمل بالطاعات ليلزمه اثرها الذي الزمها اللّه تعالي بفضله و جوده و لمن يزعم انه يخاف اللّه ان يجتنب المعاصي التي الزمها اللّه اثرها بعدله و كذب من زعم انه يرجو اللّه و لايطيع و كذب من زعم انه يخاف اللّه و لايجتنب معاصيه ان كان يعلم ان اللّه الزم كل عمل مقتضاه و صدق في وعده و وعيده و صدقت رسله و كتبه و اما ما يجب ان يرجو الانسان و ان عمل بمعصية الثقلين فلاجل ان نفس الايمان و معرفة الفضل و الرجاء عمل وفقه اللّه له و بشره به بفضله و ان يخاف الانسان و ان عمل بطاعة الثقلين فلان بقاء الماهية نفسها من الاسباب المنذرة بعدل اللّه فهو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 243 *»

يجب ان يكون خائفا راجيا ما فيه من الوجود و الماهية لان الاثر باق ما بقي المؤثر و لتعلم ان الانسان ما دام حيا باقيا علي اي حال كان متمكنا من تحصيل الجنة و النار و هذا الامكان من كونه مركبا  من سببهما فلاتيئس من رحمة اللّه ما فيك وجود و لاتأمن سخط اللّه ما فيك ماهية و اسع في تحصيل الجنة ما فيك وجود و لاتيئس من روح اللّه و اعلم انك اذا وفقت بعد الامر بالدعاء لم‌تحرم الاجابة و اذا وفقت للتوبة لم‌تحرم القبول و اذا وفقت للاستغفار لم‌تحرم المغفرة و اذا وفقت للطاعة لم‌تحرم التقرب و اذا رأيت نفسك في هذه الاحوال فاستبشر بفضل اللّه و لاتكن من القانطين فلنعنون بعد ذلك فصلا  آخر في وجوب حسن الظن باللّه فان هيهنا مقامه اللايق به.

فصل: في حسن الظن باللّه جل جلاله اعلم ان هذا من المسائل المشكلة لما عرفت سابقا ان رجاء المؤمن باللّه ينبغي ان يكون علي قدر خوفه بحيث اذا وزن احدهما بالآخر لم‌يزد عليه فمع ذلك كيف ينبغي ان يحسن الظن باللّه.

اعلم ان اللّه سبحانه قدوس منزه عن مجانسة مخلوقاته و مبرؤ عن مماثلة مذروءاته فليس جل قدسه محدودا بحد و مقيدا بقيد فليس يضطر الي صفة خاصة و لايتقدر بقدر معين بخلاف ساير مخلوقاته فان جميعها متعين بتعين اطلاقي او تقييدي كلي او جزئي و كل ذي تعين مضطر الي تعينه لايمكنه بعد التعين و صيرورته هو هو ان يتحول عنه و ليس مرادي بالاضطرار امتناع ما سوي تعينه عليه في امكانه الاول بل مرادي انه بعد ما تعين و كان هو اياه لايمكنه التحول عنه مع كونه هو اياه مثلا ان الالف لايمكن ان تكون غير الف و هي الف و ان كان يمكن في المداد ان يكون الفا و باء و جيما و يمكن ان يكسر الالف و ترد الي المداد فلاتكون الفا ثم يصاغ باء او جيما او غيرها و اما بعد كونها الفا مع كونها الفا لايمكن ان تكون غير الف فهي مضطرة ان تكون الفا و لذلك نسب اليه الاضطرار مولانا الصادق7 في حديثه مع عبدالملك حيث قال أماتري الشمس و القمر و الليل و النهار يلجان فلايشتبهان و يرجعان قد اضطرا  ليس لهما مكان الا مكانهما فان كانا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 244 *»

يقدران علي ان يذهبا فلم يرجعان و ان كانا غير مضطرين فلم لايصير النهار ليلا و لا الليل نهارا اضطرا واللّه يا اخا اهل مصر الي دوامهما و الذي اضطرهما احكم منهما و اكبر فقال الزنديق صدقت ثم قال ابوعبداللّه7 يا اخا اهل مصر ان الذي تذهبون اليه و تظنون انه الدهر ان كان الدهر يذهب بهم لم لايردهم و ان كان يردهم لم لايذهب بهم القوم مضطرون يا اخا اهل مصر لم السماء مرفوعة و الارض موضوعة لم لاتسقط السماء علي الارض لم لاتنحدر الارض فوق طباقها و لايتماسكان و لايتماسك من عليها الخبر، فجميع المخلوقات مضطرون بتعينهم الي ما هم عليه من التعين و القيد و بقبولهم ما هم عليه و باختيارهم الامكاني الاولي و اللّه جل جلاله غير مقيد بقيد و غير متعين بعين غير محدود بحد غير متناه بنهاية بوجه من الوجوه فلاجل ذلك هو المختار الذي لايشوبه الاضطرار بوجه من الوجوه فاذا ليس يضطر بصفة من الصفات و فعل من الافعال فلايمكن البت عليه بشي‌ء و القطع عليه بحكم و لايجب عليه شي‌ء يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته فقد روي في الكافي بسنده الي ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه7 في حديث ان رسول اللّه9 خرج في جنازة سعد و قد شيعه سبعون‌الف ملك فرفع رسول اللّه9 رأسه الي السماء ثم قال مثل سعد يضم قال قلت جعلت فداك انا نتحدث انه كان يستخف بالبول فقال معاذ اللّه انما كان من ذعارة في خلقه علي اهله قال فقالت ام سعد هنيئا لك يا سعد قال فقال رسول اللّه9 يا ام سعد لاتحتمي علي اللّه انتهي، و لما كان اللّه جل جلاله لايمكن ان يحتم عليه لايمكن ان يقطع عليه علي سبيل البت و اليقين انه يفعل كذا و يقع من مشيته كذا و كذا يقينا فانه جل جلاله ليس بمضطر الي شي‌ء و لا متعين بشي‌ء و لا مقيد فكيف يمكن ان يقطع عليه  من حيث قدرته بل لايضطر الي شي‌ء و ان وعد به و اخبر انبياءه و رسله و انزل في كتبه نعم يجب بعض الاشياء في حكمته التي وضعها و له تغيير اصل الحكمة من مبدئها و منشأها فاذا لايحصل القطع بشي‌ء من الاشياء في ملكه ما لم‌يمض و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 245 *»

لم‌يقع و له البداء في كل شي‌ء ما لم‌يمض فلايجب وجود معلول مع وجود علة و لا حصول مسبب مع حصول سبب و لا وجود شي‌ء مع وجود المقتضي و رفع المانع و لايحتم شي‌ء من ذلك ايجاد شي‌ء علي اللّه جل جلاله و له قطع المعلولات عن العلل و المسببات عن الاسباب و المفعولات عن الافعال فان جميع الخلق ابدا واقفة علي باب الاذن منه جل جلاله و ذلك الاذن غير حتم عليه جل جلاله و لايضطر اليه و لايتقيد به ابدا تعالي من هو هكذا و لا هكذا غيره فلاجل ذلك قال اللّه جل جلاله (و رأي المجرمون النار و ظنوا انهم مواقعوها) فان قبل الوقوع هو واقف بباب الاذن و ما لم‌يمض هو في عرصة الامكان فاذا وقع وقع الاكوان علي الاعيان و كان ما كان فلاجل ذلك ظنوا انهم مواقعوها من جهة العلامات و الدلايل و ظنهم هذا من غاية اليقين الحاصل لهم بقدرة اللّه علي ما يشاء كيف يشاء و كون البداء له في جميع الاشياء فظنوا انهم مواقعوها و لم‌يستيقنوا الوقوع و قال (وجوه يومئذ باسرة تظن ان يفعل بها فاقرة كلا اذا بلغت التراقي و قيل من راق و ظن انه الفراق) و قال (و استعينوا بالصبر و الصلوة و انها لكبيرة الا علي الخاشعين الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم و انهم اليه راجعون).

بالجملة لما كان اللّه جل جلاله بيده ازمة الامور و لايخرج شي‌ء من تحت قدرته يقدم منها ما يشاء و يؤخر منها ما يشاء و يقلبها كيف يشاء لايمكن في ملكه الاطمينان بوجود معلول عند رؤية العلة و الوثوق بحصول مقتضي عند وجود المقتضي فلاجل ذلك لايمكن لاحد من المؤمنين اليقين بمغفرة اللّه له و عفو اللّه  عنه ما لم‌يقع و ان توجه اليه و علم ان مقتضي التوجه الي النور الاستنارة اذ لو لم‌يفعل له الامر و الحكم و من الذي يجسر ان يقول لم لم‌تفعل و لمن يكون عليه حق واجب و اي دعوة تحتم عليه الاجابة و اي عبادة تحتم عليه المغفرة فالمؤمن ابدا علي جناح تزلزل و لايصلحه الا هذا التزلزل و هو الحالة بين الخوف و الرجاء و هو من غاية اقراره بتوحيد ربه و قدسه عن الاضطرار نعم يحصل له ظن بالنجاة اذا سمع ما وعد اللّه المؤمنين المغفرة و الاولياء النجاة و المذنبين الشفاعة و الداعين الاجابة و المتوجهين الانارة.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 246 *»

و ان قلت لم لايقطع بوعد ربه قلت لما يشوبه من اعماله السيئة التي يراها مقتضية للهلاك و اوعد اللّه عليها الهلاك فالذي وعد النجاة وعد الهلاك و الذي جعل مقتضي الطاعة الخلود في الجنة جعل مقتضي العصيان الخلود في النار الا انه يسمع انه سبقت رحمته غضبه و يسمع من الانبياء و الاولياء سعة رحمة اللّه و يقرأ في الكتاب (لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا) و يري في نفسه حب اللّه و حب انبيائه و حب اوليائه: و حب المؤمنين و يري حسن صنيع اللّه بخلقه و المناسب للمغفرة التي قال فيها (هو اهل التقوي و اهل المغفرة) و اولويته بالرحمة و اولوية الرحمة بشأنه و قوله (و يعفو عن كثير) فمن النظر في هذه و امثالها يظن ان يغفر اللّه له و هذا الظن لايزيد رجاءه علي خوفه بل هذا الظن هو من باب الرجاء و انما الظن حصل له مما ابرز اللّه من نفسه لخلقه و الاسباب التي هيأها في الخلق و الرجاء متعلق به من حيث كماله جل جلاله ألاتري انك من حيث قدرة زيد علي الفعل و الترك ترجو ان يعطيك شيئا و تخاف ان يمنعك فاذا شفع لك عنده عظيم مطاع يحصل لك الظن بالعطاء يعني يحصل لك الظن بوقوع احد شقي ما يقدر عليه علي السواء و ليس هذا الظن متعلقه قدرة زيد فيكون هو علي العطاء اقدر منه علي المنع بل  قدرته عليهما علي حد سواء لاتزيد هذه علي هذه و لا هذه علي هذه و انما جاء الظن من قبل الاسباب الخارجية كذلك المؤمن رجاؤه يساوي خوفه و هما يحصلان من اليقين بقدرة اللّه علي الاخذ و العفو و الزام اللّه كل مقتض مقتضاه و لكن يحصل الظن بالنجاة من اسباب هيأها في ملكه لنجاة المؤمنين و ابرزها من نفسه و من عمله بهم و هذا الظن من باب ذلك الرجاء بعينه و لذا لم‌يفرقوا سلام اللّه عليهم بين الرجاء و الظن في اخبارهم ففي الوسائل عن الكليني بسنده عن بريد بن معوية عن ابي‌جعفر7 قال وجدنا في كتاب علي7 ان رسول اللّه9 قال علي منبره و الذي لا اله الا هو مااعطي مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة الا بحسن ظنه باللّه و رجائه له و حسن خلقه و الكف عن اغتياب المؤمنين والذي لا اله الا هو لايعذب اللّه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 247 *»

مؤمنا بعد التوبة و الاستغفار الا بسوء ظنه باللّه و تقصير من رجائه له و سوء خلقه و اغتياب المؤمنين و الذي لا اله الا هو لايحسن ظن عبد مؤمن باللّه الا كان اللّه عند ظن عبده المؤمن لان اللّه كريم بيده الخير يستحيي ان يكون عبده المؤمن قد احسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه فاحسنوا باللّه الظن و ارغبوا اليه و بسنده عن سفيان بن عيينة قال سمعت اباعبداللّه7 يقول حسن الظن باللّه ان لاترجو الا اللّه و لاتخاف الا ذنبك و عن سنان بن طريف قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ينبغي للمؤمن ان يخاف اللّه خوفا كأنه مشرف علي النار و يرجوه رجاء كأنه من اهل الجنة ثم قال ان اللّه تبارك و تعالي عند ظن عبده به ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا و عن ابن‌بابويه باسناده في وصية علي7 لمحمد بن الحنفية قال و لايغلبن عليك سوء الظن باللّه عز و جل فانه لن‌يدع بينك و بين خليلك صلحا و عن عبدالرحمن بن الحجاج عن ابي‌عبداللّه7 قال ان آخر عبد يؤمر به الي النار فيلتفت فيقول اللّه جل جلاله  اعجلوه فاذا اتي به قال له عبدي لم‌ التفت فيقول يا رب ماكان ظني بك هذا فيقول اللّه جل جلاله عبدي ما كان ظنك بي فيقول يا رب كان ظني بك ان تغفر لي خطيئتي و تدخلني جنتك قال فيقول اللّه جل جلاله ملئكتي و عزتي و جلالي و آلائي و ارتفاع مكاني ماظن هذا بي ساعة من حيوته خيرا قط و لو ظن بي ساعة من حيوته خيرا ماروعته بالنار اجيزوا له كذبه و ادخلوه الجنة ثم قال ابوعبداللّه7 ماظن عبد باللّه خيرا الا كان له عند ظنه و ماظن به سوء الا كان اللّه عند ظنه به و ذلك قول اللّه عز و جل (و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فاصبحتم من الخاسرين) و عن ابن‌بابويه بسنده عن محمد بن اسمعيل بن بزيع قال قـال لي الرضا7 احسن الظن باللّه فان اللّه عز و جل يقول انا عند ظن عبدي بي فلايظن بي الا خيرا و في ارشادالديلمي قال رجل يارسول اللّه اني الم بالمعاصي و ارجو العفو مع ذلك فقال يا هذا اتق اللّه و اعمل بطاعته و ارج مع ذلك القبول فان احسن الناس

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 248 *»

باللّه ظنا و اعظمهم رجاء اعملهم بطاعته و قال اميرالمؤمنين7 لاصحابه ان استطعتم ان يشتد خوفكم من اللّه و يحسن ظنكم به فاجمعوا بينهما فانما يكون حسن ظن العبد بربه علي قدر خوفه منه و ان احسن الناس باللّه ظنا اشدهم منه خوفا فدعوا الاماني منكم و جدوا و اجتهدوا و ادوا الي اللّه حقه و الي خلقه فما مع احد براءة من النار و ليس لاحد علي اللّه حجة و لا بين احد و بين اللّه قرابة فماضرب اللّه تعالي مثل آدم في انه عصي باكل حبة الا عبرة لكم و تذكرة انتهي، و ذلك ان من اسباب حصول الظن الحسن به جل شأنه انه منحك الخوف و انت تخافه اشد الخوف و ترجوه احسن الرجاء و روي ان رسول اللّه9 مر بقوم يضحكون فقال أتضحكون لو علمتم ما اعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا فنزل جبرئيل و قال يا محمد ربك يقرؤك السلام و يقول  لك (نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم) و عن اميرالمؤمنين7 الثقة باللّه و حسن الظن به حصن لايتحصن به الا كل مؤمن و التوكل عليه نجاة من كل سوء و حرز من كل عدو و اوحي اللّه تعالي الي داود7 قل لعبادي لم‌اخلقكم لاربح عليكم و لكن لتربحوا عليّ و في عدة‌الداعي قال رسول اللّه9 ادعوا اللّه و انتم موقنون بالاجابة و عن سليمان الفراء عمن حدثه عن ابي‌عبداللّه7 قال اذا دعوت فظن حاجتك بالباب و روي ان اللّه سبحانه قال لموسي علي نبينا و آله و عليه السلام حين ارسله الي فرعون توعده و اخبره اني الي العفو و المغفرة اسرع مني الي الغضب و العقوبة و روي انه استغاث بموسي حين ادركه الغرق و لم‌يستغث باللّه فاوحي اللّه اليه يا موسي لم‌تغث فرعون لانك لم‌تخلقه و لو استغاث بي لاغثته و في الكافي بسنده عن ابي‌عبيدة الحذاء عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 قـال اللّه تبارك و تعالي لايتكل العاملون لي علي اعمالهم التي يعملونها لثوابي فانهم لو اجتهدوا و اتعبوا انفسهم اعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 249 *»

كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلي في جواري و لكن برحمتي فليثقوا و فضلي فليرجوا و الي حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تدركهم و مني يبلغهم رضواني و مغفرتي تلبسهم عفوي فاني انا اللّه الرحمن الرحيم و بذلك تسميت و في الوسائل عن الطوسي بسنده عن انس قال قـال رسول اللّه9 لايموتن احدكم حتي يحسن ظنه باللّه عز و جل فان حسن الظن باللّه ثمن الجنة  الي غير ذلك من الاخبار.

و اعلم ان الانسان من حيث نفسه لايستحق من اللّه الا العذاب الابدي و هو اولي به و لكن الرب جل جلاله قد ظهر باصل كل خير و مبدء كل نور  و من توجه اليه يستنير بفضله و جوده علي حسب توجهه فالاول اصل الخوف و الثاني اصل الرجاء و هما يقينيان و الذي ينزل الانسان عن اليقين بوقوعهما الي حد الظن انه سبحانه غير مقيد بقيد و غير مضطر بفعل يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته الا ان الموافق للحكمة التي ابرزها من نفسه ان يجري فعله علي نهج الحكمة و النظم الاكمل علي فهم هذه العقول الموجودة و له تغيير كل ذلك و تغيير العقول حتي تفهم غير ذلك و تري غير ذلك اولي و انسب فقدسه الانزه نزل العقول عن اليقين الي الظن فالنبي و ان كان نبيا يظن ان اللّه ينجيه و لايقدر ان يستيقن و سمعت قوله تعالي في الكفار (و ظنوا انهم مواقعوها) فان اليقين حتم و اللّه جل جلاله لقدسه الاعظم لايحتم عليه بشي‌ء فافهم فالظن بالنجاة من باب الرجاء و كذلك لايمكن الحتم في باب الخوف ايضا ان يجري عليه مقتضيات عمله السيئ و ان كان يعلم قطعا ان مقتضي عمله السيئ الهلاك الابدي و مع ذلك لايقطع بان اللّه يهلكه و يعذبه ابدا فانه حتم علي اللّه و اللّه لايحتم عليه بشي‌ء فمتعلق هذين اليقينين و هذين الظنين اثنان فان القطع فيما امضي و الظن فيما لم‌يمض و الذي امضي ان اللّه سبحانه جعل العصيان من مقتضيات النيران يقينا و الطاعة من مقتضيات الجنان يقينا و الذي لم‌يمض اجراء اللّه المقتضي بالفتح علي حسب المقتضي فان له المشية يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و يخبر عن هذين الامرين ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 250 *»

رواه في كنزالدقايق من معاني‌الاخبار بسنده عن ابي‌السفايح عن ابي‌عبداللّه7 في قول اللّه عز و جل (و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) قال ان جازاه انتهي،  و مثل هذين المقامين ان اللّه سبحانه جعل البنفسج مسهلا للصفراء يقينا و امضي كونه مقتضيا لذلك و الراوند مسهلا للبلغم يقينا و امضي كونه مقتضيا لذلك و لكن لايجب علي اللّه سبحانه ان يأذن للبنفسج ان يسهل صفراء من شربه  و ان يأذن للراوند ان يسهل بلغم من شربه فانه لايحتم عليه شي‌ء فقد يشربهما الانسان و لايعملان عملا كما امضي ان يكون مقتضي النار الاحراق و لم‌يؤذن لحرقها ابرهيم و انت لاتكون موحدا مقرا بقدسه سبحانه حتي تستيقن انه جل قدسه غير ملتزم بشي‌ء من الاشياء.

و ان قلت عدم ظهور المقتضي بالفتح من جهة الموانع قلت ان الموانع ايضا من اسباب الاذن و لاتزعم من قولي ان الموانع من اسباب الاذن انه لولا الموانع لاذن حتما بل الواجب ان تعتقد انه لو وجد جميع مقتضيات وجود شي‌ء و عدم جميع موانعه في الملك لايجب علي اللّه جل جلاله اذنه له بالخروج بالامضاء فان ما في الامكان حين هو في الامكان معدوم و بالقوة و لايخرج الي عرصة الوجود الا بمشية اللّه سبحانه و هي مهيمنة علي الكل و جاعلة المقتضي مقتضيا موجودا لا من شي‌ء و جاعلة المانع مانعا موجودا لا من شي‌ء فلايحكم عليها ما هي اجرته و لايلزمها ما هي ابدته فلاجل ذلك كل شي‌ء ما لم‌يمض واقف موقف الاذن و ما دام الشي‌ء في عرصة الامكان و لم‌يطأ عرصة الكون محتاج الي الاذن و لو كان جميع الملك الموجود مقتضيا لوجوده و لايكون له مانع ابدا فانه ما لم‌يطأ عرصة الكون واقف علي باب الاذن فان اذن اللّه له بالخروج خرج و الا فلا  و من اسباب عدم جريان المقتضيات بالفتح انه لايكون الشي‌ء شيئا الا بفاعل و قابل فان كان اسباب الفاعلة بكلها موجودة فلايجري اثرها ما لم‌يأذن للقابلة بالقبول بالجملة ان المؤمن و ان علم ان مقتضي الطاعة النجاة قطعا و هو وجه رجائه لايقطع بنجاته و كذا و ان علم ان مقتضي المعصية الهلاك و هو وجه خوفه لايقطع بهلاكه ثم ليس يقف موقف الشك لما يشاهد من رحمة اللّه بالمذنبين و معاملته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 251 *»

مع العاصين و وضعه الشفعاء و استغفارهم للمؤمنين و سبق الرحمة الغضب و بشارته في كتابه بالمغفرة و اخبار النبي 9 و عترته الطاهرين شيعتهم بالشفاعة و العفو و امثال ذلك يحسن ظنه بربه و ان اللّه جل شأنه عند ظن عبده ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا ففي دعاء الاعتقاد المروي عن الكاظم و الرضا8 الهي ان ذنوبي و كثرتها قد اخلقت وجهي عندك و حجبتني عن استيهال رحمتك و باعدتني عن استيجاب مغفرتك و لولا تعلقي بآلائك و تمسكي بالرجاء لما  وعدت امثالي من المسرفين و اشباهي من الخاطئين بقولك (يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم) الآية و حذرت القانطين من رحمتك فقلت (و من يقنط من رحمة ربه الا الضالون) ثم ندبتنا برحمتك الي دعائك فقلت (ادعوني استجب لكم) الآية لكان ذلّ الاياس عليّ مشتملا و القنوط من رحمتك بي ملتحقا الهي قد وعدت المحسن ظنه بك ثوابا و اوعدت المسي‌ء ظنه بك عقابا و قد امسك رمقي حسن الظن بك في عتق رقبتي من النار و تغمد زللي و اقالة عثرتي الدعاء.

ثم ان لنا في معني الظن حكمة دقيقة احب ان اذكرها هنا و لا قوة الا باللّه العلي العظيم. اعلم ان امر اللّه و مشيته من حيث نفسه مطلق لا تعين له بوجه و لا خصوصية له بشي‌ء دون شي‌ء و انما يتخصص و يتعين في بطون القوابل كما ان حركتك المطلقة لا تعين لها بشي‌ء دون شي‌ء و لكنها اذا ظهرت في بطن قابلية الضرب الامكاني صارت ضرب و احدث اللّه بها الضرب الكوني الذي هو المصدر التأكيدي و المفعول المطلق في قولك ضربت ضربا و اذا ظهرت في بطن النصر صارت نصر و هكذا في بطن الخياطة صارت خاط و في بطن الكتابة صارت كتب و علي هذه فقس ما سواها و كذلك المشية المطلقة للّه جل جلاله ليست تختص بشي‌ء دون شي‌ء و اذا وقع اثرها كان علي صفتها مطلقا غير متعين كما ان الشمس غير متعينة و نورها ايضا غير متعين و السماء غير متعينة و المطر النازل غير متعين و لما وقع في بطن ارض الامكان انصبغ في بطن  الخلق فصار خلق و في بطن الرزق فصار رزق و في بطن الحيوة فصار احيي و في بطن الموت فصار

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 252 *»

امات و هكذا فلا تعين للمشية و اثرها الواقع علي الارض الجرز الذي به التكميل و جميع التعينات في بطون القوابل هذا في التكوين مجملا و قس عليه التشريع و ما امرنا الا واحدة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فنور الشارع او عكس نوره ساطع لا تعين له بشي‌ء دون شي‌ء و لا بشخص دون شخص و انما يتعين في بطون الممتثلين و المخالفين علي حسب اعمالهم فتكون صورة له و هو مادة لها و منهما الثواب و العقاب كما قدمنا و من الصور القابلة اوهام الخلايق و لهم عبادات تلزمهم في تلك المرتبة من العقايد و العلوم و الخوف و الرجاء و حسن الظن و حسن اليقين و التصورات الحقة و ترك الوساوس و الخطرات و ظن السوء و الشك و الريب و امثال ذلك و امر اللّه الذي منه الثواب و العقاب كما عرفت واحد و امر اللّه الكوني في تلك الرتبة واحد لا تعين له بوجه و انما يتعينان علي حسب صورة وهم الانسان ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا و آثار ذلك اوضح من الشمس في رابعة النهار فان الانسان اذا ادام فكر الصحة صح بدنه و اذا ادام ذكر المرض و الخوف منه مرض البتة اذا اكل علي انه يضره يضره او ينفعه ينفعه و الرجل يديم ذكر الشهوة فيهيج دمه بالشهوة و لربما ينزل و يديم ذكر الغضب فيهيج فيه الدم و يري فيه آثار الغضب و ربما يديم رجل فكر كراهة شي‌ء فيكرهه او حب شي‌ء فيحبه و هذا باب من العلم يفتح منه الف باب بل الانصاف انه علم برأسه له فصول و ابواب و مسائله مستورة تحت الحجاب لايجوز ان يرفع عن محياها النقاب بالجملة كلما صور الانسان وهمه و ذهنه بصورة و قابل به الامكان يأخذ منه مادة و تتصور بصورة ذهنه و يحصل شي‌ء يترتب عليها احكامه فان كان تلك الصورة غير مستقرة  ثابتة و كانت زايلة و لم‌تصر بعد ملكة للوهم مستقرة فيه حتي تشغله عن غيرها من غير ارادة كانت ضعيفة التأثير البتة فاذا ثبتت و استقرت و رسخت اثرت تأثيرا كاملا حتي انها ربما تميت في لحظة و تحيي في لحظة و تغير البدن تغييرا اعظم من السم النقيع و اسرع ان استقرت و ثبتت و الا فعلي حسب قوة الاستقرار و عدمها و من الصور حسن الظن باللّه جل جلاله و انه يرحمني و يستجيب لي و هو عطوف بي و رحيم بي و هكذا فان الانسان اذا صور نفسه بهذه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 253 *»

الصور و قابل بها الي الامكان الشرعي و اخذ منه مادة حصل في النفس موجود حكمه حكم تلك الصور كما اذا حصل قابلية ضرب و قوبل بها الحركة المطلقة حصل بينهما ضرب و اذا حصل ضرب فقد ضرب و حدث الضرب البتة و هو ما يرجا او يخاف افهم ما اقول فان حصل الظن الحسن في النفس فهو قابلية طيبة تأخذ المادة من امكان فضل اللّه العام و يتولد من بينهما ولد ايجاد اللّه سبحانه مظنونه متعلقا به و يوجد اللّه له ما ظن و لذا روي ان اللّه تبارك و تعالي عند ظن عبده به ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا و قال اللّه سبحانه (و ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فاصبحتم من الخاسرين) و قال (و يعذب المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الظانين باللّه ظن السوء عليهم دائرة السوء و غضب اللّه عليهم و لعنهم و اعدّ  لهم جهنم و ساءت مصيرا) و قال (و ظننتم ظن السوء و كنتم قوما بورا).

الحاصل ان الصور الحاصلة في الاوهام منشأ آثار عجيبة و تؤثر في النفس آثارا غريبة و ان كانت الواهمة و مرادي منها المشاعر الباطنة غير مقيدة بالشخص الخاص فلربما تؤثر في الغير ايضا علي حسب احاطته فلربما تؤثر في العالم فبخيال يغير المتخيل اوضاع السماوات و الارض و انما ذلك علي حسب استقرار الصورة و سعة المرآة و اعلم ان الصورة لاتستقر حال الشك و الوهم و انما تستقر و ترسخ  عند اليقين فان تعذر فعند الظن الا ان رسوخها في حال الظن قليل اقل من رسوخها في حال اليقين و لذا اعتبر في صحة الاعمال الشرعية و ترتب الحكم عليها حصول ظن الصحة للعامل او اليقين و تصير منشأ تأثير في الدنيا و قبول و ثواب في الجنة و سر ذلك ما اشرنا اليه علي حسب الايجاز خوفا من فرعون و ملائه ان يفتنهم.

بالجملة ما من اللّه جل جلاله مطلق و التعين مما من العبد سواء عينها في بدنه ام خياله او نفسه او عقله او فؤاده فاينما حصل القابلية حصل الكون ضعيفا كان او قويا و لاجل ذلك امرنا بادامة العمل و استوائه رجاء ان يحصل الملكة التامة و لايحصل الانطباع التام مع استعمال المزيل و الغفلة عن تلك الهيئة المرادة و اعلم انك لو تصورت بصورة حيوان لصرت حيوانا و اللّه جعلك كذا بكفرهم لعناهم و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 254 *»

جعلنا قلوبهم قاسية و لو تصورت بصورة انسان لصرت انسانا و اللّه جعلك انسانا يهديهم ربهم بايمانهم، اولئك الذين كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه، هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين و من يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء فامرك اللّه جل جلاله بحسن الظن به و حسن الرجاء فيه و التوكل عليه و التفويض اليه بل و توحيده و معرفة رسوله و معرفة اوصيائه و اوليائهم و محبتهم و بغض اعدائهم حتي يجري عليك الاحكام بحسب تلك الصور سيجزيهم وصفهم.

بقي شي‌ء و هو انه علي ما تقول لم امر الانسان بالخوف من الرحمن قلت لم‌يؤمر الانسان بالخوف المحض بل نهي عنه و هو القنوط الصراح و لايقنط من رحمة ربه الا الضالون و انما امر بحالة بين الخوف و الرجاء و هو حقيقة حالة التوحيد و العبودية المحضة التي كنهها الربوبية و الاثر المترتب علي ذلك كاثر السكنجبين و المرتب علي الرجاء كاثر الدبس و المرتب علي الخوف كاثر الخل مثلا  و اني يساوي اثرهما اثر السكنجبين فالذي بين الخوف و الرجاء هو واقف حقيقة في مقام المحبة المهيمنة عليهما و من نزل عنها فاما خائف قانط و اما راج آمن كما سمعت في تقسيم العبادات في الحديث و كلاهما مذمومان فاسع يا حبيبي دائما في حسن الظن باللّه جل جلاله و تصور القبول و الرحمة و العطف من اللّه و التفكر في معروفه اليك و احساناته بك من بدو فطرتك الي حالك و صنايعه عندك و آلائه لديك حتي يتقوي حسن ظنك بانك بمحض دعائك يستجيب لك و بمحض استغفارك يغفر لك و بمحض توبتك يقبل منك و بمحض توجهك يتوجه اليك و بمحض ذكرك يذكرك و بخوفك يؤمنك و برجائك يوصلك و ان تأخر اثر ظنك فلاتيأس و حدث نفسك انه لاجل مصلحة لو اعلمها لكنت بتأخر الاثر اسرّ حتي يستقر حسن الظن في نفسك فعند ذلك يستحيي اللّه جل جلاله ان يخالف ظنك فاذا كمل حسن ظنك لايتخلف ارادتك اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشي‌ء كن فيكون و لايرد دعاؤك فان اللّه عند ظن عبده ان خيرا فخيرا و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 255 *»

ان شرا فشرا و نعوذ باللّه اذا استولي علي الانسان سوء ظن فانه لايقال له عثرة و لايقبل له توبة و لايرفع له عمل و لايستجاب له دعاء.

و اعلم ان حسن الظن بنفسه عبادة منجية و ان لم‌يضم به شي‌ء كما سمعت في الحديث فيمن يؤمر به الي النار ثم يرد بكذبه في حسن الظن و ان ضم اليه شي‌ء من الصالحات فبخ بخ فذلك الناجي المقبول العمل المغفور الزلل و اعلم مجملا انه لايهلك هالك الا بسوء ظنه بربه و لاينجو ناج الا بحسن ظنه بربه كما عرفت سر حكمته و الاعمال الصالحة هي الظنون الحسنة الجسمانية كما ان الظن الوهمي هو العمل الصالح الوهمي و الشيطان اذا جملة سعيه في اساءة ظنك بربك فجاهده و عالج نفسك و منّها بحسن الظن و حدثها به حتي تطمئن  و اي علاج اقرب لها من قول نفس صاحب الامر و خلفائه عنه ان ظنوا بي خيرا فاني ارحمكم و اغفر لكم ذنوبكم و استر عليكم عيوبكم و اقيل عثرتكم و اقبل توبتكم و يحذركم من سوء الظن به و يوعد عليه العقاب.

فصل: هنا مسئلة مشكلة احب الاشارة اليها و هي ان اللّه سبحانه غني مطلق لاحاجة به الي شي‌ء و احد حق لا اقتضاء في ذاته لشي‌ء و مقتضي هذين الاصلين ان يكون جميع الاقتضاء للخلق سواء كان للرحمة او النقمة فاذا كان جميع الاقتضاء من الخلق كان جميع الرحمة او النقمة من باب العدل فما معني الفضل و ما معني ابتدائه بالنعم و كيف يحصل الرجاء لمخلوق لايري لنفسه طاعة و يري نفسه مستحقة لجميع انواع العذاب كما مر في دعاء السجاد7 و يظهر من ساير دعواتهم صلوات اللّه عليهم و كيف يحصل للعبد حسن الظن بربه و هذه من المسائل الصعبة.

فاقول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم اعلم ان اللّه سبحانه لا شك في احديته و غنائه المطلق و كيف لايكون احدا غنيا من يكون جميع ما سواه ممتنعا معه ابدا ازلا و لا شك انه لايحدث فيه مقتض للخلق و لا حاجة له الي عطاء او منع و لايبرز منه شي‌ء و لايحدث فيه و لا منه حركة و لا ميل و لا شهوة للخلق و هذا اذا ما نظرت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 256 *»

اليه فهو في هذا النظر هو هو لا شي‌ء سواه و هو قوله7 كان اللّه و لم‌يكن معه شي‌ء ومرادي من قولي معه في قولي يكون جميع ما سواه ممتنعا معه ليس قيدا للممتنع فان الممتنع المقيد ممكن بل ما سواه ممتنع محض مطلق ألاتري ان البياض من حيث انه بياض يمتنع ان يكون سوادا و البياض شي‌ء ممكن و السواد شي‌ء ممكن و ليس كذلك ما سوي الاحد فانه ممتنع محض و لا شي‌ء سوي الاحد بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث فليس له ظهور و تمثل و جلوة ابدا ابدا علي معني  الامتناع المحض و هنا عرصة اخري تسمي بعرصة التجلي و ليست سوي الاحد و لا عينه و لا معه و لا دونه كما ان العدد عرصة ليست سوي الاحد و لا عينه و لا معه و لا دونه و ليست من الاحد بتبعض و لا عنه بتجز لاتنتهي اليه عودا كما لم‌تنشأ منه بدءا و ليست بمنسوبة اليه و لا بمحمولة عليه و لا بمذكورة معه بل هي هو كونا و عينا و وجودا و ليست هي هو كلا و لا جمعا و لا احاطة فالحيثان للعدد و الغيور اياه تحد و لايميز بها عنه الاحد و لم‌يوجد هذا التجلي بعد عدم و لايطلق مع ذلك عليه القدم لانطوائه تحت الاحد و لما يجري عليه من العدد و لايقال ان هذا ظهور الاحد اذ لا شي‌ء سوي الاحد يضاف اليه و لكن لهذا التجلي حيثان حيث ايس له و هو ليسه و هو حيث هو هو و هو عرصة الميم و التجلي و حيث ليس له و فناء و هو ايسه و عدمه و هو عرصة الحاء و اليهما الاشارة بقوله (حم والكتاب المبين) و هو عرصة المتجلي فيضاف احد الحيثين الي الآخر *و كل الي كل مضاف و منسوب* و هو بحيثيه سوي الاحد الحق و غيريته تحديده و لكن حيث ليسه ايس احدية ظاهرة في العدد و يضاف اليه و يحد فهذا الحيث هو مضاف اليه الكل و الذات المنسوب اليها الجل و القل و هو عند كشف السبحات غاية الغايات و نهاية النهايات و منتهي التعبيرات المنقطع لديه الاشارات المغيب للصفات كائنة ما كانت بالغة ما بلغت و حيث ايسه الذي هو ليسه هو عرصة الجود و عالم الوجود الكائن المخترع لا من شي‌ء المبتدع لا علي احتذاء شي‌ء و هو عرصة الامكان و اول خزانة الاكوان و الاعيان و المشية المخلوقة بنفسها و الارادة القائمة بذاتها و هو عالم السرمد الموجود في رتبته ابد الابد و الازلية الاولية و القدمة الاضافية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 257 *»

و ليس لاحد من الكائنات به التمييز بين هذين الحيثين و الفصل بين المقامين بل احدهما  عين الآخر في كل مشعر و بها اوجد اللّه الاكوان و بها اقام اللّه الاعيان و نسبتها الي ما دونها نسبة الاحد الي الاعداد بل هذا هو الاحد المضاف المراد عند ذكر الاعداد لدي اولي السداد و هذا الوجود الاقدس هو مبدؤ المبادي و غاية الغايات و من ظله تحقق جميع المذروءات فلما تجلي هذا الوجود تحقق بتجليه الغياب و الشهود و تحقق لكل منها به ماهية و وجود و جميع الموجودات تمثله في عرصة الحدود فالوجودات تمثل ايسه و الماهيات تجلي ليسه و كلتاهما من فضله و جوده احدثها لا من شي‌ء و صورها لا علي شي‌ء فهو المبتدي بالنعمة و البادي بالرحمة جودا و كرما اذ اوجد ما كان عدما و لاينافي ذلك غناءه المطلق و احديته الحق اذ ذلك فضل غنائه و تمثل احديته بلا كيف و لا اشارة و انما الفضل و الجود من طباع هذا الوجود و لعدم تناهيه بالغياب و الشهود فاول ما احدث من فضله و جوده ارض الامكان بسماء الاحسان فادار تلك السماوات علي تلك الارض و طرح انوارها عليها و القي في هويتها مثالها و احدث منهما الاكوان القائمة في الاعيان فحدث لها وجود هو من فيض تلك السموات و ماهية هي من قابلية تلك الاسطقصات و الزمهما مقتضياتهما علي ما شرحنا و قدمنا في الفصول السابقة فان قلنا ان كل نعمه ابتداء و كل احسانه تفضل فعلي معني انه هو موجد جميع الوجودات و الماهيات لا من شي‌ء من غير قابلية سابقة سائلة و لا استعداد سائل منه فلم‌تكن الا من محض جوده و كرمه جل جلاله و عز افضاله اذ هي بنفسها جوده و افضاله و ان قلنا انه يعذب من يعذب بعدله و ينعم علي من ينعم بفضله فنريد به ان المثال الملقي من سموات افضاله ليس من طباع ارض القوابل و لا منها و لا اليها و انما هو من سماء جوده و فضله فان السموات كما حققناه في محله ايدي مشيته و اكمام ارادته مضمحلة لديها شافة عنها و لاتنسب الا اليها فما صدر عن المولود من جهته المثالية من خير فهو من اللّه و الي اللّه ما اصابك من حسنة فمن اللّه و ما صدر عنه من جهته النفسية فهو منه و اليه فما عامله اللّه بمقتضي حسناته فهو من فضله و ما عامله بمقتضي سيئاته فهو بعدله كما حققناه فيما سبق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 258 *»

فهما بمنزلة النور الظاهر علي الجدار و الظل الظاهر عنه حرفا بحرف فما اصابه من نور و مقتضاه فمن الشمس و هي اولي به و ان كان ظهوره بالجدار و ما اصابه من ظل و مقتضاه فمن نفس الجدار و هو اولي به و ان كان ظهوره بالشمس و قد عرفت ان ذلك في عرصة التشريع و اما في الكون فقل كل من عند اللّه فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا.

و علي وجه آخر ان عرصة العدل هي عرصة الشرع لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و عرصة الفضل هي عرصة الكون و كل احد يجد في نفسه ان اللّه سبحانه تفضل عليه في ذاته و صفاته و اعماله و اقواله و مضافاته من اهله و ولده و ماله و عزه و شرفه و صحته و علمه و قوته و غير ذلك من المحاسن و المكارم و النعم ما لم‌يكسبه بعمله و لايستحقه بحسن طاعاته فما وصل الي زيد بعد كونه زيدا من نعمة و لم‌يكسبه و لم‌يستحقه بصنعه فهو من فضل اللّه عليه و ان كان ذلك بقابلية كونية منه او من جملة العالم الا انه لم‌يكسبه بيده و لم‌يتعب لاجله فهو من فضل اللّه و ان اللّه سبحانه جواد كريم قد وضع العالم بحيث يرجو الانسان منه اتمام الاكرام و يظن به احسان الختام كما هو في جبلة الانسان بالنسبة الي من يديم الاكرام اليه بلا مسألة فافهم.

و علي وجه آخر ان العباد علي صنفين اهل عدل و اهل فضل اما اهل العدل فهم الذين لم‌يتمسكوا بجميع عري الايمان عن جهل فيعاملهم اللّه بعدله يوم القيمة و فيهم قوله تعالي (لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت) و هؤلاء يحاسبون علي اعمالهم  فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره و اما اهل الفضل فهم المتمسكون بجميع عري الايمان التي حتم اللّه علي نفسه و وعد ان ينجي من تمسك بها و يغفر له من غير استثناء فقال (لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا) و قال (فيومئذ لايسئل عن ذنبه انس و لا جان)(فاولئك الذين خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسي اللّه ان يتوب عليهم) و هم محبوا علي7 الذين هم احباؤ اللّه و ان اللّه سبحانه لايسي‌ء الي احبائه و لايسويهم بمن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 259 *»

عاداه البتة و يعفو عن سيئاتهم و يصفح عن زلاتهم و يغفر لهم و هم اهل المغفرة و الجود و الصفح و العفو لحبهم للّه و تاللّه لايجتمع حب اللّه و رسوله و اوليائه مع دخول النار و لااخبرنا بفضله عنه و لا هكذا الظن به فهذا هو بضاعة الانبياء و المرسلين و الاوصياء و الاولياء المكرمين علي ذلك يعتمد الكل و به يحسن ظن الكل و لعمري هو السبب الاعظم و الصراط الاقوم و الحبل الامتن من تمسك به امن الاخطار في الدنيا و الآخرة و قد بلغ ذلك حد التواتر في اخبار آل‌محمد: ان محبهم ناج و لهم الشفاعة فيهم و يشهد بها صحيح الاعتبار و قد اشتبه علي كثير الذنب و العصيان و ذلك ان الشيعة محبوا آل‌محمد: و مؤمنون بهم و هي بعينها هي حب اللّه و الايمان به فهم مؤمنون باللّه مسلمون له منقادون فان صدر عنهم خلاف فانما هو ذنب و خطيئة و سيئة و ليسوا بعصاة و لا ببغاة و لا عداة كيف و هم ساخطون علي انفسهم بصدور ذلك عنهم نادمون علي ما فرطوا فهم من المنسوبين الي اللّه خدام له عبيد فهفواتهم و خطاياهم ذنوب تغفر و لهم ان اللّه يغفر الذنوب جميعا و اما اعداؤهم فهم الطغاة البغاة العداة العصاة و هم مأخوذون بكلها محاسبون عليها معذبون و هم جميع عصيانهم كفر و معصية و اصل الحب من الفضل حيث خلقك اذ لم‌تكن  خلقة احببت آل‌محمد: قل بفضل اللّه و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.

فصل: و لما اتينا علي ما قدر اللّه من بيان معني الخوف و الرجا و شرح ما عسي ان يكون معضلا في معناهما احببنا ان نختم هذا المقصد بشرح احوال الحب الذي هو اصلهما و قطبهما الذي عليه يدور رحاهما.

اعلم ان المحبة هي ميل النفس الي المحبوب و سببه المجانسة او المماثلة او المشاكلة و ذلك انهما اذا كانا مجانسين او مماثلين او مشاكلين اقتضيا حيزا واحدا و رتبة واحدة و جهة واحدة فيقتضيان الاجتماع و الاقتران و هو ميل كل واحد الي الآخر هذا و كل شي‌ء يتقوي من جنسه و يتضعف من ضده فيميل كل شي‌ء الي ما يقويه و ينفر عما يضعفه اذ بالاول يحفظ وجوده و يستمد منه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 260 *»

و بالثاني ينقص وجوده و يقارب الفساد و العدم و لذا يكون ميل الاضعف الي الاقوي اكثر من ميل الاقوي الي الاضعف و يشتد الميل باشتداد المشابهة و يضعف بضعفها فكلما يرق ما به التمايز و يقوي ما به الاشتراك يزداد الحب و كلما يعكس ينقص فميل المجانس الي المجانس اقوي من ميل المماثل الي المماثل و ميل المماثل الي المماثل اقوي من ميل المشاكل الي المشاكل فان الصور في الشخص اغلظ منها في النوع و هي في النوع اغلظ منها في الجنس و الجنسان او النوعان او الشخصان المتقاربان اقوي حبا من المتباعدين و المتمايز بالصورة اقل حبا من المتمايز بالمعني لان المعني ارق و حكم الوحدة في المعاني اقوي من حكمها في الصورة و المتمايز بالحقيقة اكثر حبا من المتمايز بالمعني فان الوحدة هنالك اغلب ألاتري ان اولي الافئدة اقل تنافرا من اولي الالباب و اولوا الالباب اقل تنافرا من العلماء و العلماء اقل تنافرا من ساير المؤمنين و المؤمنون اقل تنافرا من ساير الناس و هكذا ينزل  الامر الي الجمادات فهي اكثر الموجودات تنافرا و اقلها ميلا و انما ذلك علي حسب مراتب ظهور الوحدة و خفائها و غلبتها و ضعفها فاشد الموجودات محبة الخلق الاول صلوات اللّه عليهم فلايوازي حب بعضهم بعضا حب احد احدا لكمال المجانسة التي فيهم و كمال غلبة الوحدة عليهم حتي انهم خلقوا من نور واحد و طينة واحدة و روح واحدة ذرية بعضها من بعض و اشد الناس لهم حبا بعدهم شيعتهم المتبعون لهم فانهم خلقوا من فاضل طينتهم و عجنوا بماء ولايتهم من تبعني فانه مني فهم منهم صلوات اللّه عليهم سلمان منا اهل البيت انتم من آل‌محمد و في الدعاء اللّهم ان شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا و في الخبر رواه في غاية‌المرام و امالي الطوسي شيعتنا جزء منا يسوؤهم ما يسوؤنا و يسرهم ما يسرنا الخبر، و كلما يزداد شيعتهم شبها بهم و يقل التنافر و التمايز يشتد الحب بينهم و كذلك حب الشيعة بعضهم لبعض و لما كان محمد و آل‌محمد: اول صادر عن المشية و كانوا اشبه الاشياء بالمشية التي هي صفة اللّه و سمته كانوا هم اشد الخلق حبا للّه جل‌وعز حتي سمي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 261 *»

محمد9 بالحبيب و في الدعاء لاحبيب الا هو و اهله و اشد المؤمنين شبها بهم اشدهم شبها بمشية اللّه و صفته فهم اشد الخلق حبا للّه جل‌وعز ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه بل لمحمد و آل‌محمد: مقام اعلي من ذلك و هو مقام المعاني و كونهم صلوات اللّه عليهم معاني اسماء اللّه و صفاته و ظواهرها اي الظاهر بها قال7 اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده و بلغ بهم المجانسة مقام نحن و اللّه الاسماء الحسني التي لايقبل اللّه من العباد الا بمعرفتنا و مقام لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك و مقام لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن هو  فهم في هذه المقامات راقون مرقي المحبة حجاب بين المحب و المحبوب فهتكوا الحجاب و رفع لهم النقاب ففنوا في جمال المحبوب حتي لم‌يبق لانفسهم اثر معه فصار محبتهم محبة اللّه و ولايتهم ولاية اللّه في الزيارة من والاكم فقد والي اللّه و من احبكم فقد احب اللّه و من ابغضكم فقد ابغض اللّه و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه و في اخري من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و في الخبر بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه و بنا عبد اللّه و لولانا ماعبد اللّه و ذلك لكمال المجانسة و الاتحاد مع صفة اللّه و ظهوره و اما الذات الاحدية القديمة فلايجانسها شي‌ء و لايماثلها حادث و لايشاكلها مخلوق ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير و في الدعاء تنزه عن مجانسة مخلوقاته و انما التجانس في المتجانسين اينما كان في الصفة لا الذات و هم صفة اللّه جل جلاله فمحبتهم للّه جل و عز و محبة اللّه لهم فوق ادراك جميع الخلائق حتي الانبياء و المرسلين و الملئكة المقربين و المؤمنين الممتحنين فليس حق المحبة الا محبة اللّه لهم و محبتهم للّه جل و عز.

فصل: اذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان المحبة لها اصل و فرع اما اصلها فهو المعرفة كما قال الصادق7 الحب فرع المعرفة و اما فرعها فايثار المحبوب علي ما سواه كما قال7 و دليل المحبة ايثار المحبوب علي ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 262 *»

سواه اما كون اصلها المعرفة فان اللّه سبحانه خلق الانسان في الخلق الاول مثلث الكيان له صورة و هي نفسه و معني و هو عقله و حقيقة و هي فؤاده و كلها شاعرة دراكة فبالنفس يميز الانسان الصور الممتازة و يسمي هذا الادراك بالعلم فانه حضور صورة المعلوم عند العالم سواء كانت صورته المتصلة او المنفصلة و ضد هذا العلم الجهل و هو عدم حضور المعلوم عند العالم.

و بالعقل يميز المعاني الكلية و يسمي هذا الادراك باليقين فانه الجزم  بمطابقة الواقع بخلاف العلم فانه ادراك ما لديه و ليست النفس تحيط بما لديها و بالواقع حتي تعلم النسبة بينهما و مثال ذلك الصورة الحاصلة في باصرتك فانها تدرك تلك الصورة انها هي هي و ليس من شأن الباصرة ادراك ان هذه الصورة مطابقة للواقع ام مخالفة و عرضها مغير من الوسائط او من نفسها ام لا و انما تحتاج في ادراك ذلك الي مشعر اعلي محيط بتلك الصورة و بالخارج حتي يوازنهما و يعلم الموافقة و المخالفة و هذه احد شئون النفوس و كذلك ساير ادراكاتها فلها و منها ادراك ما حضر لديها و هو العلم الاصطلاحي و اما العقل فهو جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عالم بالشي‌ء قبل كونه كما عرفت في اول الكتاب من حديث اميرالمؤمنين7 و هذا هو الفرق بين الانسان و الحيوان فان الحيوان لايدرك الا ما انطبع في حواسه الخمس و اما مبدأه و منتهاه و موافقته و مخالفته مع الخارج فلا و انما ذلك حظ العقل المحيط فالعقل يدرك المعاني التي هي فوق الحدود الصورية الجارية في جميع الحدود بافرادها و انواعها و اجناسها فيعلم الموافقة مع الخارج و المخالفة فشأنه اليقين و ضده الشك بالمعني الاعم اذا عمي بسبب الركون الي النفس و تخصص و لم‌يقدر علي الاحاطة و هذا العقل ليس يصل الي الحقيقة و لكنه يصل الي الكلية و هي مميزة معنوية و هي اشبه الاشياء بالحقيقة.

و اما الفؤاد فهو نور حقيقي عري عن الصورية و المعنوية و الكلية و الجزئية فهو يشاهد الاشياء بمشاهدة نفسه اي بكونه هو هو و الشي‌ء لايخفي عن نفسه فان علم شيئا انه غير نفسه فبالعقل ان كان ميزه بالمعنوية و بالنفس ان كان ميزه بالصورية و ذلك انهما آلتان له يدرك بهما ما يجانسهما و اما بنفسه في نفسه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 263 *»

فلايدرك الا ما يتحد معه فلايجد شيئا غير نفسه و يعبر عن ادراكه بالمعرفة و هذه لايضادها الا الانكار و الجحود فانه ليس يمكن ان لايكون الشي‌ء مدرك نفسه ففي الحقيقة لا ضد لها  الا ان ينكر صاحبه و يجحد عنادا و لجاجا كما قال سبحانه (يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها) و العقل و النفس شأنهما الاستدلال اما النفس فشأنها الاستدلال الصوري و اما العقل فشأنها الاستدلال المعنوي و اما الفؤاد فليس له استدلال و انما شأنه الوصول و المعاينة و لاجل ان طبقات الناس كانت علي وفق هذه المراتب اي منهم اصحاب مشاعر نفسانية صورية و هم العلماء و منهم اصحاب مشعر عقلاني و هم اولوا الالباب و منهم اصحاب مشعر فؤادي و هم العرفاء الحكماء امر اللّه تعالي نبيه ان يكلمهم علي قدر عقولهم و مشاعرهم و يدعوهم بما يدركون و ينتفعون به فقال (ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن) فالمجادلة للعلماء و الموعظة للعقلاء و الحكمة للحكماء و وبخ قوما لايجرون علي حسب الفطرة و لايتمسكون باحدي هذه الدعوات فقال (و من الناس من يجادل في اللّه بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير) فالكتاب المنير للحكماء و الهدي للعقلاء و العلم للعلماء و لما كان الفؤاد حيث اثرية الشي‌ء للمشية و وجوده و النفس حيث نفسه و العقل هو البرزخ كان الفؤاد متحدا مع صفة مشية اللّه و النفس مخالفة لها و العقل بين بين فالعقل المرتفع له مشابهة ما و المنخفض له تمايز ما يعني له موافقة و امتياز لازم للموافق فالنفس مستوحشة خائفة لما تجد في نفسها من منافرة و مخالفة للوحدة و القدس و العقل راج للنجاة من حيث اسفله و حسن الظن من حيث اعلاه و اما الفؤاد فهو غريق لجة المحبة لايجد شيئا غير المحبوب لايجد نفسا منافرة فيخاف و لا عقلا موافقا فيرجو فان الموافق فيه اثنينية الا انه موافق كبياض و بياض و سواد و سواد فهما متحدان جنسا و نوعا مختلفان في المميزات فيرجو اللحوق فالثلثة علي حذو قوله7 ساع سريع نجي و لاحق بطي‌ء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 264 *»

رجا و متأخر في النار هوي فالفؤاد هو الساع السريع الناجي  و من السابقين و العقل هو البطيء الراجي و من اصحاب اليمين و النفس هي المتأخرة الهالكة و اصحاب الشمال فبذلك اختص الخوف باصحاب النفوس و العلم و الرجاء باصحاب العقول و اليقين و الحب باصحاب الافئدة و المعرفة فمن عرف حب و من حب آثر المحبوب علي ما سواه فمن آثر غيره فقد اعرض عنه و من اعرض عنه فقد نافره و باعد عنه و من باعده و نافر عنه فله حيز غير حيزه و من له حيز غير حيزه سالك الي حيزه و كل حيز غير حيز النور ظلمة و غير حيز الخير شر و غير حيز الكمال نقص و الساير الي الظلمة و الشر و النقص مشرك باللّه العظيم هاوٍ في دركات الجحيم فاولوا الافئدة لو غفلوا طرفة عين يجرون علي انفسهم قوله تعالي (و من يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) و قوله (من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيمة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسي) و ذلك ان نسيان العبد ربه هو نسيان الرب عبده بل انهم لو اعرضوا عن آية من آياته التي اريهم في الآفاق و في الانفس يرون انفسهم من الهالكين لقوله تعالي (و من اظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم اعرض عنها  انا من المجرمين منتقمون) و (ان الشرك لظلم عظيم) فاذ لم‌يكن اظلم من المعرض عن الآيات فظلمه اعظم ظلم و الظلم العظيم هو الشرك باللّه العظيم و ان اللّه لايغفر ان يشرك به انظر الي عظم خطر المحبين و صعوبة امرهم فخطر المخلصين خطر عظيم و تكليفهم اصعب التكاليف و لايقدرون علي ادائه الا بتوفيق اللّه جل جلاله و اما الراجون و الخائفون فهم علي جناح لايكلف اللّه نفسا الا وسعها و ما آتيها، معاذ اللّه ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فذلك وجه اضطراب المحبين و استجارتهم برب العالمين و تضرعهم و اعتذارهم الي مالك يوم الدين و ببكائهم الدائم و خوفهم اللازم  و استغفارهم المستمر يجبرون كسرهم قال الحسين7 في دعائه غيرضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني قال شيخنا الاوحد­  في الفوائد الكشفية ان المقربين قرأوا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 265 *»

قوله تعالي (قل انظروا ماذا في السماوات و الارض) فنظروا فلم‌يخل وجودهم في حال عن وارد بآية من آيات اللّه و قرأوا قوله تعالي (و مايأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين فقد كذّبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزءون) فعرفوا ان من غفل عن مراداته من تلك الآيات فقد اعرض عنها و من اعرض فقد كذب بالحق لما جاءه و من كذب فقد استهزء بالوحي و استحق وعيد ذلك فشغلهم بما عرفهم من نفسه و صفته و فعله عما سواه و هم في ذلك علي مراتب ذواتهم فظهر من ذلك عصمة الانبياء و الحجج: و ظهر الجواب عما ورد عنهم من نسبة المعصية اليهم بان المعصية معصية حقيقة في مقامها و قد تكون طاعة فيما دونها فيعاتبون عليها فيما بينه و بينهم و يثني عليهم بالثناء الخالد فيكون المعصية عند ترقيهم من مقام هم فيه و ما تحته معصومون ابدا الي مقام لم‌يصلوا اليه فاذا اراد اللّه نقلهم الي الاعلي بانه لهم يظهر لهم التقصير في الاسفل فهم ابدا مقصرون من نحوه تامون من نحوهم و ان شئت قلت بالعكس فافهم و في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك انتهي كلامه في هذه الفائدة الشريفة بالجملة الحب فرع المعرفة و المعرفة ادراك الفؤاد كما شرحنا و بينا.

فصل: اذا عرفت ان الحب هو ميل المحب الي المحبوب و ذلك لايتحقق الا بالمجانسة او المماثلة او المشاكلة فاعلم ان الحب اذاً علي قسمين حب عرضي و حب ذاتي فالحب العرضي فيما اذا كان المحبوب مشاكلا للحبيب في صفته العرضية يعني اتصف المحبوب بصفة هي مشاكلة للحبيب  اي لصفته الذاتية او لصفته العرضية فيميل الحبيب الي تلك الصفة بالذات او بالعرض مثال ذلك ان يكون زيد ذاتيته الكرم فيحصل في عمرو كرم بالعرض و هذا الكرم العرضي مشاكل لصفة زيد الذاتية فيميل زيد اليه بالذات و يحب عمرا بالعرض فمادام عمرو موصوفا به احبه فاذا زال عنه الكرم لم‌يحبه او يكتسب زيد صفة عرضية ليست من سجيته كحسن الخلق مثلا و يجد عمرا ذا خلق حسن بالعرض فيحبه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 266 *»

بالعرض فاذا زال حسن الخلق عنه او عن محبوبه زال حبه له فهذا هو الحب العرضي الذي لايدوم.

و اما الحب الذاتي فهو ميل الحبيب بذاتيته الي المحبوب المجانس بالذات ذاتا و صفة لاتحاد الحيز و الطبع فيحب ذات المحبوب و صفاته الذاتية بالطبع فهذا الحب يدوم بدوام الذاتين فان اتصف المحبوب بصفة مكروهة عرضية يبغض صفته و لايبغضه الا بالعرض فهو محبوب الذات مبغوض الصفات علي حذو ما رواه في آخر الامالي للطوسي عن زيد النرسي قال قلت لمولاي موسي بن جعفر8 يا بن بنت رسول اللّه ان هيهنا رجالا من مواليكم يشربون الخمور و يرتكبون الموبق من الذنب فيسوغ لنا ان نقول انهم فساق فجار فقال لا يا زيد واللّه ما الفاسق الفاجر الا الناصب لنا حربا و لكن قولوا مؤمن النفس خبيث الفعل طيب الروح واللّه لن‌يخرج ولينا من الدنيا الا و اللّه و رسوله و نحن عنه راضون و ذلك ان اللّه يحشره علي ما فيه من الذنوب مبيضا وجهه مستورة عورته آمنة روعته و ادني ما يصفي به ولينا ان يريه اللّه رؤيا مهولة في منامه او يلقاه ظلم من دولة الظالمين او يشددعليه عند الموت فيكون ذلك كفارة لذنبه فيخرج من الدنيا بغير ذنب انتهي، كتبته بتمامه لما فيه من قرة عين الاولياء و فيه مزيد الرجاء فالمؤمن العاصي مبغوض العمل لا الذات و لايجوز لمجانسه بالذات بغضه بوجه من الوجوه و مما ذكرنا  علم انه لو ابغض احد احدا بالذات لايمكن ان يكون كلاهما مؤمنين و لابد و ان يكون احدهما كافرا و اما البغض العرضي فيمكن ان يقع بينهما لصفة مكروهة منكرة اتصف بها احدهما فيكرهها المؤمنون بالذات.

و اعلم ان الانسان يحب نفسه اذ ليس شي‌ء اشبه بها منها و اشد تشاكلا و تماثلا و تجانسا بها منها و جبلت الانفس علي حب وجود نفسها و بغض فنائها و عدمها فان وجودها ليس من حيز عدمها و عدمها ليس من حيز وجودها و حيزاهما واقعان علي التناقض و المضادة الذاتية فالوجود ينفر عن العدم و يتألم من تصوره لنفسه و يحب نفسه اي يميل الي نفسه و اي ميل اشد من كونه هو هو فجبلت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 267 *»

النفوس علي حب وجود انفسها و بغض عدمها و جميع ما يقويها من متعلقات وجودها و جميع ما يضعفها من مبادي عدمها فيحب متعلقات وجودها و يبغض مبادي عدمها فكل شي‌ء يحسبه في الدنيا مقويا له او يــٔول الي تقويته يحبه و كل شي‌ء يحسبه في الدنيا مضعفا له او يــٔول الي اضعافه يكرهه و يبغضه و هذا امر جبلي فلاجل ذلك تري الانسان يحب نفسه و يحب المطاعم و المشارب و الملابس و المناكح و المراكب و الاموال و الاولاد و الاخوان و الاعوان ما يظن فيها تقوية له او اَوْلاً الي التقوية فان حسبها مضرة به او آئلة الي الضرر يشنأها و ينفر عنها البتة و قد يحب شيئا لا لاجل تصور منفعة له فيه بل لاجل ما ذكرنا من الميل الطبعي و الانجذاب القلبي كما تري من نفسك انك قد تري احدا لم‌تره ابدا و لم‌تعرفه فبمحض رؤيتك له تحبه و من هذا الباب حب الشخص كل معتدل او حسن او مشاكل من الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي و الافعال و الاخلاق و الصفات فانها اذا كانت مشاكلة لذاتية الانسان يحبها بالطبع و ان لم‌يصل اليه منفعة منها و لم‌ينلها و ليس ذلك الا من مناسبة بينه و بينها فيمكن ان  يحب الانسان شيئا لا لاجل نفسه و لا لاجل نفعه او اوله اليه.

فصل: اذا عرفت ذلك فاعلم ان الناس في محبة اللّه علي قسمين قسم منهم يحب اللّه جل جلاله لانه المحسن المجمل المنعم المفضل اليه و انه خلقه و امده و احياه و رزقه و احسن اليه و وهب له الاموال و الاولاد و اعزه و اكرمه و اغناه و اقناه و ساق اليه المنافع و يسوق و دفع عنه المكاره و يدفع و يحفظه و يكلأه عن طوارق الليل و النهار و شر الاشرار و يقيه عن الآفات و يمنع عنه العاهات و امثال ذلك علي معني انه لو لم‌يفعل ذلك لم‌يحبه علي حذو ما قال الشاعر:

احب ابامروان من اجل تمره و لو لم‌يكن تمر له مااحبه

و قسم منهم يحبه لاجل المجانسة الذاتية مع صفاته الحسني و اسمائه النعمي و قدسه الاسني و جلاله الاعلي و نوره الابهي و انما ذكرنا صفاته و كمالاته جل جلاله لان المخلوق لايجانس الذات الاحدية جلت و عظمت و هو سبحانه تنزه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 268 *»

عن مجانسة مخلوقاته و تقدس عن مماثلة مذروءاته ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير فلما كان المخلوق المؤمن اثر مشيته سبحانه و الاثر يشابه صفة مؤثره بل هو صفته التي عرف نفسه له به و جعل نفسه آية تعريفه و تعرفه و صفته و ظاهره له يجانس نفسه في المقام الادني و المعاني الدنيا صفاته سبحانه في المقام الاعلي و المعاني العليا اذ تحكي مادتها مادتها و صورتها صورتها كما يحكي نور الشمس صفة الشمس و نور القمر صفة القمر فالمؤمن نفسه اشد مجانسة لنور اللّه سبحانه من كل مجانس حتي قال النبي9 في حقه اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و فسره الصادق7 بالنور الذي خلق منه و قال الرضا7 ان اللّه تبارك و تعالي خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته و اخذ ميثاقهم  بالولاية فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة فاتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه الذي خلق منه و في محاسن‌البرقي عن المفضل بن عمر عن ابي‌عبداللّه7 قال ان اللّه تبارك و تعالي خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه فمن طعن عليه او رد عليه فقد رد علي اللّه في عرشه و ليس هو من اللّه في ولاية و انما هو شرك شيطان وعن ابي‌حمزة الثمالي قال سمعت اباعبداللّه7 يقول لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا الي وصل ما بين اللّه و بين المؤمن خضعت للمؤمن رقابهم و سهلت له امورهم و لانت له طاعتهم و لو نظروا الي مردود الاعمال من السماء لقالوا مايقبل اللّه من احد عملا انتهي، فالمؤمن اشد شي‌ء مجانسة لنور اللّه و صفته فهو اشد حبا لنور اللّه و صفته و هذا النور و هذه الصفة هو اول مخلوق للّه عزوجل بنفسه جل قدس الذات عن الصفات و هو محمد9 باجماع المسلمين و آله متحدون معه بنص الكتاب و السنة فالمؤمن مجانس لهم و المجانسة معهم هي المجانسة مع اللّه ففي الزيارة من والاكم فقد والي اللّه و من احبكم فقد احب اللّه و من ابغضكم فقد ابغض اللّه و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه كما ان من عرفهم فقد عرف اللّه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 269 *»

فالطائفة الاولي من المحبين يحبونهم لاجل ما ينتفعون من علومهم و كمالاتهم و ساير ما منهم و اليهم و اما الطائفة الثانية فهم يحبونهم بالطبع من غير ملاحظة شي‌ء سوي ذواتهم و صفاتهم لاجلهم و افعالهم لاجلهم و ما ينتسب اليهم لاجلهم لان طباعهم من طباعهم و طينتهم من طينتهم و نورهم من نورهم فقلوبهم تحنّ اليهم طبعا من غير ملاحظة انتفاع انفسهم و هذه المحبة هي بعينها محبة اللّه فان احدا لايقدر علي محبة الذات فان المحبة فرع المعرفة و هي ممتنعة بالنسبة الي الذات و انما الممكنة معرفة صفاته و هم صفاته و ما يعبر به عنه فمحبتهم عين  محبة اللّه و المؤمن مجانس معهم كما ذكر و يشهد بذلك من الاخبار ما يتجاوز حد الاحصاء فمنها ما رواه في المحاسن بسنده عن ابي‌حمزة الثمالي قال سمعت اباجعفر7 يقول ان اللّه تبارك و تعالي خلقنا من اعلي عليين و خلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه و خلق ابدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي الينا لانها خلقت مما خلقنا منه ثم تلا هذه الآية (كلا ان كتاب الابرار لفي عليين و ماادريك ما عليون كتاب مرقوم  يشهده المقربون) و زاد في الكافي و خلق عدونا من سجين و خلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه و ابدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي اليهم لانها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية (كلا ان كتاب الفجار لفي سجين و ماادريك ما سجين كتاب مرقوم  ويل يومئذ للمكذبين) انتهي، انظر الي استدلاله7 ان قلوبهم تهوي الينا لانها خلقت مما خلقنا منه و المراد بالكتاب هو كتاب ثبت ذواتهم و هو في عليين وعن ابي‌بصير عن ابي‌جعفر7 قال انا و شيعتنا خلقنا من طينة واحدة  و في الكافي بسنده عن ربعي بن عبداللّه عن رجل عن ابي‌عبداللّه7 قال ان اللّه تعالي خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم و ابدانهم و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و جعل خلق ابدان المؤمنين من دون ذلك و خلق الكفار من طينة سجين قلوبهم و ابدانهم و خلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر و يلد الكافر المؤمن و من هيهنا يصيب المؤمن السيئة و من هيهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحنّ الي ما خلقوا منه و قلوب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 270 *»

الكافرين تحنّ الي ما خلقوا منه  الي غير ذلك من الاخبار وهي كثيرة لمن جاس خلال الديار.

و هنا تحقيق شريف يجري في كل من الخوف و الرجاء و الحب و غيرها من الصفات و هو ان المبدء مبدءان مبدء مقارن و مبدء مفارق و الاثر يصدر عن المبدء المقارن و يعود اليه و يشابهه و اما المبدء المفارق فان  نسب اليه الاثر فالمراد نسبته الي تجليه و مثاله الملقي في المبدء المقارن المصبوغ بصبغه فلذلك الواحد المتعين لايصدر عنه الا الواحد و كل شي‌ء لابد له من مبدء مقارن خاص به فلايصدر عن المبدء المقارن الواحد اثران متضادان فالحرارة اثر النار و البرودة اثر الماء و هكذا الرؤية اثر الباصرة و السمع اثر السامعة و الشم اثر الشامة و هكذا فان نسبت هذه الآثار الي الروح فانما هي من حيث ظهورها في هذه المدارك فالرؤية اثر الباصرة منها بدئت و اليها تعود و السمع اثر السامعة منها بدء و اليها يعود و هكذا و شبح الشعلة في المرآة اثر الشعلة منها بدء و اليها يعود و لذا يشاكلها و ليس يشاكل النار فمن اجل ذلك كل اثر رآه الحكيم اثبت له مبدءا خاصا به و كل مبدء وجد تبعه اثره الخاص به فاذا حدث في جسم النفس النباتية تبعها آثارها بلاتكلف و تجشم فمهما حدثت النامية في جسم ظهر منه آثارها و بظهور آثارها يستدل علي حدوثها و وجودها و كذلك اذا حدثت النفس الحيوانية في جسد يتبعها آثارها بلاتكلف و مشقة و بحدوث آثارها يستدل علي حدوثها كما يستدل بظهور النور علي الجدار علي طلوع الشمس و اذا ظهر علي جسد آثار الانسانية يستدل بها علي حدوث الانسانية و اذا حدثت في بدن تبعها آثارها بلاتكلف و مشقة فالحيوانية اذا ارادت الاتصاف بصفة الانسان تحتاج الي رياضة و مشقة و تكلف الي ان تصير لها ملكة تصدر عنها من غير قصد و هي صعبة جدا جدا و كذا النباتية اذا ارادت الاتصاف بصفة الحيوانية تحتاج الي رياضات شاقة و مواظبة دائمة و مراقبة تامة حتي تصير ملكة لها و هي امر صعب جدا جدا و هكذا في جميع الموارد و اما منشأ الاثر فلايحتاج الي كلفة و مشقة و رياضة فانه من طباعه الذي جبل عليه.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 271 *»

فاذا عرفت ذلك فنقول ان الانسان الكوني الذي هو الحيوان الناطق  مادام لم‌يحدث فيه النفس الناطقة القدسية التي هي روح العلم و الايمان تحتاج الي رياضة و مشقة في تحصيل الصفات الانسانية و كذلك اذا حدثت فيه و كانت ضعيفة و الدولة للحيوانية الناطقة التي هي الامارة بالسوء و الغلبة لها فانه يحتاج الانسان الي رياضة و مشقة في تحصيل الصفات الانسانية و لذلك دبر اللّه جل و عز لاتصافها بصفات الانسانية حدودا و سياطا و تعزيرا و تخويفا و ترهيبا من وعيده في الدنيا و الآخرة و تطميعا و ترغيبا و علفا و اكلا و شربا و نكاحا و حَسّا بوعده في الدنيا و الآخرة كما يساق الحيوان و يخوف بالسوط و العصا و الضرب و امثال ذلك ويقاد و يشوق بعلف و تبن و شعير و تطميع حتي يمشي علي حسب ميل صاحبه و راعيه و ينبغي ان يساق بالتخويف و يقاد بالتشويق حتي يعتاد و يصير الطاعة لها ملكة فيطيع بلا كلفة و اما اذا استولي روح الايمان عليه و تمكن من التصرف كيف يشاء فيظهر منه الآثار بحسب طبعه من غير قود و لا سوق و يلتذ من الطاعة و التقوي و العلم و الحلم و الفكر و الذكر و النباهة و النزاهة و الحكمة و لايحتاج الي رياضة و مشقة.

فاذا عرفت ذلك فنقول ان النفس القدسية اذا حدثت في النفس كانت عالمة خائفة هاربة بطباعها و العقل اذا حدث في الانسان كان متيقنا راجيا طالبا يعبد الرحمن و يكتسب الجنان و ان الفؤاد اذا حدث في الانسان كان عارفا محبا مؤثرا للمحبوب علي ما سواه و لايحتاج هؤلاء الي رياضة و كلفة و تحصيل و انما الاحتيال و المعالجة في تحصيل هذه الصفات للامارة لا غير و لما كان هذه المراتب في الانسان الكوني بالقوة و ليست موجودة بالفعل اراد الساسة صلوات اللّه عليهم اصلاح القابلية ليظهر منها تلك الارواح و تصير فيهم بالفعل كما ان اللّه جل‌وعز يصلح قابلية النطفة و العلقة و المضغة في الرحم في مدة مديدة حتي تتصور بصورة الانسان فيتعلق  بعد تمام صلاح القابلية روح الحيوان ثم روح الانسان بعد تولده و جعل الانسان صالحا لاصلاح القابلية و هيأ له اسباب التمكين و الاصلاح و هو وجود الساسة صلوات اللّه عليهم و امرهم و نهيهم و وعدهم و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 272 *»

وعيدهم فمن سبق له من اللّه الحسني اطاعهم بتكلف و تجشم و مشقة و رياضة حتي يعتدل صورته و مادته بسبب الطاعة و هي في وسعهم و مكنتهم لما خلقهم اللّه خلقة صالحة للطاعة فاذا اعتدل افاض اللّه عليهم روحا منه اولئك الذين كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه، يهديهم ربهم الي تلك الروح بايمانهم فيخلق فيهم النفس الناطقة القدسية و هي مثال النفس الكلية الالهية و العقل و هو مثال العقل الكلي و الفؤاد و هو مثال نور اللّه الاكرم و التجلي الاعظم فما لم‌يتمكن القابلية و تعتدل ليس يظهر فيهم تلك المثل كما لاينشأ الولد خلقا آخر حتي يتمكن البدن و يعتدل فلاجل ذلك امرنا بالرياضات و المجاهدات رجاء ان يحدث اللّه فينا تلك الارواح و هذا من الفلسفة الالهية العلوية كما مر في اوائل الكتاب عنه7 حيث قال أليس اذا اعتدل طباعه صفي مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغير و قال7 في حديث آخر خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها و اذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد انتهي.

فطريق تحصيل الخوف التفكر في آيات الآفاق و الانفس حتي يحصل العلم بالمقتضيات و قراءة القرآن و مطالعة اخبار العترة سلام اللّه عليهم و الاطلاع علي احوال الامم الهالكة و علي  ما هلكوا به و احوال القيمة و اهوالها و ما اعد للعصاة باخبار المخبرين الصادقين و النظر في الاخبار الواردة في النار و صفات جهنم و انواع عذابها و ما اعد فيها و التدبر في النفس و احوالها و مخالفتها مع احباء اللّه و اوليائه و اتصافها بصفات مضادة لصفات اللّه فاذا داوم الانسان علي ذلك و اشعر نفسه الخوف و حملها عليه و علي البكاء و ارعبها تخاف حتي يصير الخوف لها ملكة و ذلك مما جعل اللّه من صنعها و اقدرها عليه فاذا اعتادت النفس بذلك خلق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 273 *»

اللّه فيها روح العلم الخائفة الهاربة حتي تصير فيها بالفعل ثم يصدر الخوف عنها طبعا و تهرب من المعاصي طبعا و احداث هذه الروح ليس من صنعها و انما هو من صنع اللّه فاذا عمل هو بما في قدرته و اصلح القابلية فلا تعويق في صنع اللّه و خلق ما هو من صنعه بلا مهلة من يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلام و يهديهم ربهم بايمانهم.

و طريق تحصيل الرجاء التفكر في آيات الآفاق و الانفس حتي يحصل اليقين بالمقتضيات و قراءة القرآن و اخبار العترة الطاهرة و ما وعدوا بالجميل المؤمنين و الموالين لهم و التدبر فيمن نجي بما نجي و مشاهدة الفضل الشامل له من بدو كينونته الي وقته و النظر في الاخبار الواردة في عفوه و فضله علي المؤمنين و صفحه و مغفرته و احوال الجنان و صنوف نعيمها و لذاتها و ما اعد فيها لهم.

و طريق تحصيل الحب النظر في احسان اللّه اليه اولا فان القلوب جبلت علي حب من احسن اليها و بغض من اساء اليها ثم التفكر في انواره و جماله و حسن خلقته و حكمته و حسن ما دعا اليه و حسن اوليائه و انبيائه و كمالاته و كمالاتهم فان القلوب مجبولة علي حب الجميل و الكامل و اعلم ان المعرفة و الحب و التقرب من عمل الفؤاد و كل ما سواه من المراتب اذا حصل مثل ذلك بالرياضة و المشقة و التطبع فليس بمعرفة و لا حب و لا تقرب و انما هي صور كما ان الحمار  اذا ذهب به الي مكة فلم‌يقصد الحمار مكة و لم‌يحج و ليس له ثواب الذهاب الي مكة و ان كان صورة عمله الذهاب الي مكة كذهاب الانسان و الثواب للراكب بالذات و ان نال الحمار نائل فهو بالعرض و التبع و اليقين و الرجاء و الطلب و عبادة الرحمن و كسب الجنان من شأن العقل و عمله و النفس و ان تطبعت بذلك و صارت كل ذلك ملكة لها فليس عملها بيقين و لا رجاء و لا طلب و لا عبادة و لاكسب و الفرق بين عملها و عمل العقل كما مثلنا و كنحت خشبة علي هيئة الحية فهي ليست بحية و ليس لها سم و لا حيوة و انما هي صنم منحوت لايضر و لاينفع و ان نالها نائل بهذا التطبع فبالعرض و بالتبعية و العلم و الخوف و الهرب من شأن النفس و ليس ذلك من شأن الجسم فان صورته بهذه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 274 *»

الصور فليس صورته بعلم و لاخوف و لا هرب و انما ذلك هيئة صنمية ألاتري ان من صفر لونه بالزرير و بزق حتي جف فمه و شفاهه و ارعش اعضاءه بسرعة و عدا و القي نفسه في كل خطوة علي الارض و اظهر البهت انه ليس بخائف و لا مدهوش و انما الدهشة و الخوف امر طبعاني نفساني ليس بصورة مصنوعة و لو نطق لسانه بالعلم كالببغاء ليس بعالم و انما العالم من تصور العلم و عرف معني ما يقول و كذلك لو ان الانسان صام نهاره و قام ليله و بكي بكاء الثكلي و قرأ القرآن كل ليلة تمامه قائما و سكن المقابر و هجر العمران ليس بعابد و انما العابد العقل فان كان فهو العابد و الا فلا ثواب له و ان ناله بعض الراحة في الدنيا و كذلك ارباب النفوس لو عملوا هذه الاعمال و حصلوا بمجادلاتهم بعض صور اليقين و اثبتوا الفضل للّه سبحانه و اثبتوا وجوب الطلب و تكلفوا فليسوا بعابدين و لا مشاهدين الفضل و لا من اهل اليقين و انما يقينهم بانقطاع حججهم و لو وجدوا طريق احتمال و شبهة لارتابوا و ينتقلون في الحالات من يقين علي زعمهم الي  الشك ثم الي الظن ثم الي الوهم و كل ذلك لانه ليس لهم عقول و انما هو ظل الطير في الارض و الطير في الهواء فلاجل ذلك لايجدون لذة الطاعة و الذكر و القرآن و ان كانوا يلوكونه بين لهواتهم و لايجدون لذة الرجاء و الصنم لايجد لذة الجلوس علي السرير و ان كان جالسا علي السرير و كذلك ارباب النفوس و العلوم لايجدون لذة اليقين و العبادة و الرجاء كيف و هم يتكلفونها و يتعبون فيها و اي لذة في الكلفة و ليس لاولئك ثواب و ان كان ينالهم بعض النصيب تبعا و كذلك ارباب العقول و ان تكلفوا المعرفة و الحب و القربة و ايثار المحبوب و الاعراض عما سواه و صرف جميع العمر في خدمته و التوكل عليه و الرضا و التسليم له و كل ما هو شأن الفؤاد فانما جميع ذلك نفخ في غير ضرام و لا اجر له و لا ثواب الا شي‌ء قليل و ليس ما حصل بمعرفة و لا حب و لا قربة و لا ايثار و انما ذلك كتمثل البدن بمثال الخائف و ليس بخائف ألاتري ان من منع عينه الرقاد و قصر نظره علي رجل و تعمد ترك الاكل و الشرب حتي نحل بدنه و اصفر لونه و لم‌يحول عينه عنه و لزمه لزوم الظل لذي الظل و تنفس كل ساعة صعداء و ترك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 275 *»

الاهل و الاولاد و جميع اهل الوداد عمدا و قصر نظره الي ذلك الرجل انه لايكون محبا و لا عاشقا له البتة ما لم‌يكن في نفسه حب غالب بالغ شغاف قلبه فكذلك النفس او العقل اذا تصورا بصورة الحب او نطقا بصورة المعرفة و بالفاظها و آثرا ربهما علي كل من سواه واقعا ليسا بحبيبين و لا عارفين و لا مؤثرين له سبحانه البتة و انما ذلك طباع الفؤاد و شأنه و سجيته ان كان موجودا في الرجل كانت هذه الامور فيه بالحقيقة و الا فهي بالصفة اعتبر من قوله تعالي (قالت الاعراب آمنا قل لم‌تؤمنوا و لكن قولوا اسلمنا و لمايدخل الايمان في قلوبكم) و مدح قوما تحقق فيهم روح الايمان فقال (اولئك الذين كتب  في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه) و قال (انما يتذكر اولوا الالباب) و قال (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب) فالدرجة الدنيا اذا اتصفت بصفة العليا بالمجاهدة تسمي مسلمة اذا اسلمت و انقادت و ليست بمؤمنة و انما الايمان طباع روح الايمان لا غير فان تابوا و اقاموا الصلوة فاخوانكم في الدين و مواليكم فافهم و جاهد في اصلاح القابلية الذي في مكنتك و صنعك حتي يمنحك اللّه ما في صنعه و ضمنه فيا حبيبي لاجل ذلك لاينتفع اغلب الناس بعلومهم و اظهارهم الخوف و بيقينهم و اظهارهم الرجاء و بمعارفهم و اظهارهم المحبة و لايورث صورة علمهم خوفا و لا صورة يقينهم رجاء و لا صورة معارفهم حبا ابدا ابدا و ان هم فيها الا كالببغاء او كالنقش في الحائط و الصنم اللّهم اني اسئلك بحق حقك و بحقيقة اوليائك صلواتك عليهم اجمعين ان تحقق فينا علما بك و يقينا فيك و معرفة لك و تلحقنا بالصالحين يا ارحم الراحمين آه آه كم من صنم نحتناه و كم من صورة بلا معني نقشناها ثم اعجبنا به عجبا و بطرنا به بطرا و فخرنا به فخرا و مثل الذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‌يجده شيئا و وجد اللّه عنده فوفيه حسابه و اللّه سريع الحساب فنحن و ان لم‌نكفر باللّه جل و عز كفر الجحود كفرنا نعمته و لم‌نشكره حق شكره فاعمالنا كالسراب او كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لايقدرون مما كسبوا علي شي‌ء اللّهم عفوك عفوك عونك عونك انظر كيف زين للناس اعمالهم فيعملون السيئات و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 276 *»

يحسبون انهم يحسنون صنعا فمن كانت محاسنه مساوي كيف يكون حال مساويه و من كانت حقائقه دعاوي فكيف يكون حال دعاويه.

بالجملة ان الذي جعله اللّه في صنعنا هو نحت هذه الاصنام و تصوير هذه النقوش علي ظواهرنا لاصلاح القابلية و اما المنحة بالحقايق فهو من شأن خالق  الخلائق فنحن اذا صنعنا ما في وسعنا و مكنتنا و ذلك ايضا بحول اللّه رجونا اللّه سبحانه حسب وعده ان يصنع ما في صنعه و لايقدر عليه غيره فانه لا مانع من قبله و لا عذر و لا عائق و ان كان له ان يعطي و يمنع لايكون لاحد عليه حق و لكن لا بخل فيه و لا شح و لا مانع من قبله كما تري من ان المولود اذا تصور في بطن امه بصورة البدن التام انشأه اللّه خلقا آخر و اوجد فيه الروح و لما تولد تاما كاملا اوجد اللّه فيه النفس الناطقة فكذلك اذا اصلحت ظاهرك باتباع الدعاة الي الحق صلوات اللّه عليهم و تصورت بصورتهم اصلح اللّه سريرتك و خلق فيك روح الايمان يهديهم ربهم بايمانهم كما خلق في العاصين روح الكفر و اللعنة و القسوة و قال (بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية) و الظاهر الصالح لسان داع من اللّه اصلاح الباطن قل‌لايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم، ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين و اذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون فجعل الدعاء استجابة لدعوته جل جلاله حيث قال (ادعوني) و اللّه اجل من ان تستجيب دعوته و لايستجيب دعوتك و امر بتصديق انه يجيب فقال (فليؤمنوا بي) فعدم التصديق كفر به و جعل ثمرة التصديق و ثوابه الرشاد فمن لم‌يصدق هو اهل الضلال فلابد لنا ان نطيع آل‌محمد: و نتصور بصورتهم حتي يفاض علينا بحسبنا من الروح ما افيض عليهم بحسبهم ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه، ان تتقوا اللّه يجعل لكم فرقانا فافهم يا حبيبي راشدا موفقا.

فصل: في ذكر بعض الاخبار الواردة في معني الحب و البغض فقد روي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 277 *»

في الكافي بسنده الي ابي‌عبيدة الحذاء عن ابي‌عبداللّه7 قال من احب للّه و ابغض للّه و اعطي للّه فهو ممن كمل ايمانه و عن سعيد الاعرج عن  ابي‌عبداللّه7 قال من اوثق عري الايمان ان يحب في اللّه و يبغض في اللّه و يعطي في اللّه و يمنع في اللّه وعن سلام بن المستنير عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 ودّ المؤمن في اللّه من اعظم شعب الايمان و من احب في اللّه و ابغض في اللّه و اعطي للّه و منع للّه فهو من اصفياء اللّه و عن ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه7 قال سمعته يقول ان المتحابين في اللّه يوم القيمة علي منابر من نور قد اضاء نور وجوههم و نور اجسادهم و نور منابرهم كل شي‌ء حتي يعرفوا به فيقال هؤلاء المتحابون في اللّه و عن فضيل بن يسار قال سألت اباعبداللّه7 عن الحب و البغض أمن الايمان هو فقال و هل الايمان الا الحب و البغض ثم تلي هذه الآية (حبّب اليكم الايمان و زيّنه في قلوبكم و كرّه اليكم الكفر و الفسوق و العصيان اولئك هم الراشدون) و عن عمرو بن مدرك الطائي عن ابي‌عبداللّه7 قال قـال رسول اللّه9 لاصحابه اي عري الايمان اوثق فقالوا اللّه و رسوله اعلم و قال بعضهم الصلوة و قال بعضهم الزكوة و قال بعضهم الصيام و قال بعضهم الحج و العمرة و قال بعضهم الجهاد فقال رسول اللّه9 لكل ما قلتم فضل و ليس به و لكن اوثق عري الايمان الحب في اللّه و البغض في اللّه و توالي اولياء اللّه و التبري من اعداء اللّه و عن ابي‌الجارود عن ابي‌جعفر7 قال قـال رسول اللّه9 المتحابون في اللّه يوم القيمة علي ارض زبرجدة خضراء في ظل عرشه عن يمينه و كلتا يديه يمين وجوههم اشد بياضا و اضوء من الشمس الطالعة يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب و كل نبي مرسل يقول الناس من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في اللّه و عن ابي‌حمزة الثمالي عن علي بن الحسين8 قال اذا جمع اللّه عز و جل الاولين و الآخرين قام مناد فنادي يسمع الناس فيقول  اين المتحابون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 278 *»

في اللّه قال فيقوم عنق من الناس فيقال لهم اذهبوا الي الجنة بغيرحساب الخبر  و عن داود بن فرقد عن ابي‌عبداللّه7 قال ثلث من علامات المؤمن علمه باللّه و من يحب و من يبغض و عن حفص البختري عن ابي‌عبداللّه7 قال ان الرجل ليحبكم و مايعرف ما انتم عليه فيدخله اللّه الجنة بحبكم و ان الرجل ليبغضكم و مايعرف ما انتم عليه فيدخله اللّه ببغضكم النار و عن جابر الجعفي عن ابي‌جعفر7 قال اذا اردت ان تعلم ان فيك خيرا فانظر الي قلبك فان كان يحب اهل طاعة اللّه و يبغض اهل معصيته ففيك خير و اللّه يحبك و ان كان يبغض اهل طاعة اللّه و يحب اهل معصيته فليس فيك خير و اللّه يبغضك و المرء مع من احب و عن الحسين بن ابان عمن ذكره عن ابي‌جعفر7 قال لو ان رجلا احب رجلا للّه لاثابه اللّه علي حبه اياه و ان كان المحبوب في علم اللّه من اهل النار و لو ان رجلا ابغض رجلا للّه لاثابه اللّه علي بغضه اياه و ان كان المبغض في علم اللّه من اهل الجنة و عن بشير الكناسي عن ابي‌عبداللّه7 قال قد يكون حب في اللّه و رسوله و حب في الدنيا فما كان في اللّه و رسوله فثوابه علي اللّه و ما كان في الدنيا فليس بشي‌ء و عن سماعة بن مهران عن ابي‌عبداللّه7 قال ان المسلمين يلتقيان فافضلهما اشد حبا لصاحبه و عن اسحق بن عمار عن ابي‌عبداللّه7 قال كل من لم‌يحب علي الدين و لم‌يبغض علي الدين فلا دين له و في مصباح‌الشريعة قال الصادق7 العارف شخصه مع الخلق و قلبه مع اللّه لو سهي قلبه عن اللّه طرفة عين لمات شوقا اليه و العارف امين ودايع اللّه و كنز اسراره و معدن انواره و دليل رحمته علي خلقه و مطية علومه و ميزان فضله و عدله قد غني عن الخلق و المراد و الدنيا و لا مونس له سوي اللّه و لا نطق و لا اشارة و لا نفس الا باللّه للّه من اللّه مع اللّه فهو في رياض  قدسه متردد و من لطايف فضله متزود و المعرفة اصل فرعه الايمان و قال الصادق7 حب اللّه اذا اضاء علي سر عبده اخلاه عن كل شاغل و كل ذكر سوي اللّه و المحب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 279 *»

اخلص الناس سرا  للّه و اصدقهم قولا و اوفاهم عهدا و ازكاهم عملا و اصفاهم ذكرا و اعبدهم نفسا تتباهي الملئكة عند مناجاته و تفتخر برؤيته و به يعمر اللّه تعالي بلاده و بكرامته يكرم اللّه عباده يعطيهم اذا سألوه بحقه و يدفع عنهم البلاء برحمته فلو علم الخلق ما محله عند اللّه و منزلته لديه ماتقربوا الي اللّه الا بتراب قدميه و قال اميرالمؤمنينحب اللّه نار لاتمر علي شي‌ء الا احترق و نور اللّه لايطلع علي شي‌ء الا اضاء و سحاب اللّه ماظهر من تحته شي‌ء الا غطاه و ريح اللّه ماتهب في شي‌ء الا حركته و ماء اللّه يحيي به كل شي‌ء و ارض اللّه تنبت منها كل شي‌ء فمن احب اللّه اعطاه كل شي‌ء من الملك و المال قال النبياذا احب اللّه عبدا من امتي قذف في قلوب اصفيائه و ارواح ملئكته و سكان عرشه محبته ليحبوه فذلك المحب حقا طوبي له ثم طوبي له و له عند اللّه شفاعة يوم القيمة و قال الصادق7 المحب في اللّه محب اللّه و المحبوب في اللّه حبيب اللّه لانهما لايحبان الا في اللّه قال رسول اللّهالمرء مع من احب فمن احب عبدا للّه و في اللّه فانما احب اللّه فلايحب اللّه الا من احبه اللّه قال رسول اللّهافضل الناس بعد النبيين في الدنيا و الآخرة المحبون للّه المتحابون فيه و كل حب معلول يورث فيه عداوة الا هذين و هما من عين واحدة يزيدان ابدا و لاينقصان قال اللّه عز و جل (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين) فان اصل الحب التبري عن سوي المحبوب و قال اميرالمؤمنينان اطيب شي‌ء في الجنة و الذه حب اللّه و الحب في اللّه و الحمد للّه قال اللّه عزوجل (و آخر دعويهم ان  الحمد للّه رب العالمين) وذلك انهم اذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت المحبة في قلوبهم فنادوا عند ذلك الحمد للّه رب العالمين انتهي، و ينساق في هذا الباب ما روي عنه7 في الشوق فنذكره هنا تكميلا للباب قال الصادق7 المشتاق لايشتهي طعاما و لايتلذذ شرابا و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 280 *»

 لايستطيب رقادا و لايأنس حميما و لايأوي دارا و لايسكن عمرانا و لايلبس ثيابا و لايقر قرارا و يعبد اللّه ليلا و نهارا   راجيا بان يصل الي ما يشتاق اليه و يناجيه بلسان شوقه معبرا عما في سريرته كما اخبر اللّه عن موسي بن عمران7 في ميعاد ربه (و عجلت اليك رب لترضي) و فسر النبي9 عن حاله انه ما اكل و لاشرب و لانام و لااشتهي شيئا من ذلك في ذهابه و مجيئه اربعين يوما شوقا الي ربه فاذا دخلت ميدان الشوق فكبر علي نفسك و مرادك من الدنيا و ودع جميع المألوفات و اصرفه عن سوي شوقك و لبّ بين حيوتك و موتك لبيك اللّهم لبيك فاعظم اللّه تعالي اجرك و مثال المشتاق مثال الغريق ليس له همة الا خلاصه و قد نسي كل شي‌ء دونه انتهي، و في جامع‌الاخبار اوحي اللّه تعالي الي موسي7 هل عملت لي عملا قط قال الهي صليت لك و صمت و تصدقت و ذكرت لك فقال ان الصلوة لك برهان و الصوم جنة و الصدقة ظل و الذكر نور فاي عمل عملت لي فقال موسي الهي دلّني علي عمل هو لك فقال يا موسي هل واليت لي وليا  و هل عاديت لي عدوا قط فعلم موسي ان احب الاعمال الحب في اللّه و البغض في اللّه قال النبي9 لو ان عبدين تحابا في اللّه احدهما في المشرق و الآخر في المغرب لجمع اللّه بينهما يوم القيمة و قال9 افضل الايمان الحب في اللّه و البغض في اللّه وقال9 علامة حب اللّه حب ذكر اللّه و علامة بغض اللّه بغض ذكر اللّه و في محاسن ‌البرقي بسنده عن هشام بن سالم  عن ابي‌عبداللّه7 قال اذا احببت رجلا فاخبره و عن عبداللّه بن القسم الجعفري عن ابي‌عبداللّه عن ابيه8 قال قـال رسول اللّه9 اذا احب احدكم صاحبه او اخاه فليعلمه و عن صالح بن الحكم قال سمعت رجلا يسأل اباعبداللّه عن الرجل يقول اني اودك فكيف اعلم انه يودني قال امتحن قلبك فان كنت توده فانه يودك و عن عبداللّه بن اسحق المدايني قال قلت لابي‌الحسن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 281 *»

موسي بن جعفر7 ان الرجل من عرض الناس يلقاني فيحلف باللّه انه ليحبني أفاحلف باللّه انه لصادق قال امتحن قلبک فان كنت تحبه فاحلف و الا فلا انتهي، هذا حديث عجيب ينبئ عما اسلفنا ان المحبة لاتتحقق الا بين متناسبين فان كان هذا يحب ذاك لمناسبة لابد و ان يحبه الآخر بتلك المناسبة نعم يمكن ان يحب رجل الآخر لصفة فيه و ليست تلك الصفة في الآخر فيمكن ان يحب احدهم الآخر و لايحبه الآخر كما اذا احب جاهل عالما لعلمه لايجب ان يحب العالم الجاهل و لكن اذا كانت المناسبة ذاتية و المحبة ذاتية لايكاد يتخلف تحابهما فان اذن لك ان تحلف باللّه ان زيدا يحبك بحبك له فاعلم بحبك للّه انه يحبك قطعا و بحبك لرسول اللّه و آله الطاهرين انهم يحبونك قطعا و بحبك للشيعة الكاملين انهم يحبونك قطعا فحبك للّه سفير اللّه اليك و وحيه يخبرك بحبه لك فابشر بذلك و ابتهج و احمد اللّه عليه و استزده المحبة و اعلم ان المحب لايرضي بكراهة المحب و اذاه في القدسي ماترددت في شي‌ء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مساءته و في القدسي من آذي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و قال (الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و اثما مبينا) فكيف يرضي رب محب رءوف هكذا ان يؤذيك و يحرقك بنار جهنم مع دقة عظمك و رقة جلدك و انت تصرخ اليه بقولك يا حبيب قلوب الصادقين و لكن الشأن العظيم في حبك للّه و لنعم ما قال حكيم اذا قيل لك أتحب اللّه اسكت فانك ان قلت نعم كذبت و ان قلت لا كفرت و لكن اذكر لك طريق محبة اللّه حتي يسهل الخطب و هو انه لا شك و لا ريب ان احدا من الحوادث لايناسب الذات الاحدية فمحال ان يقع بينهما التحاب فبقي ان يكون التناسب بين العبد و بين صفاته الحادثة التي وصف بها نفسه و اثني بها علي نفسه و تجلي بها و بها عرف نفسه و قد علم بضرورة الاسلام التي لا شك فيها ان محمدا9 اشرف الخلق و اوله و آله منه بنص الكتاب و السنة و اجماع الشيعة فهم اشرف الخلق و اولهم بلا شك فلا صفة تعريف للّه سبحانه و لا ثناء اعظم منهم صلوات اللّه عليهم و قد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 282 *»

اثبتنا ذلك في كتابنا «نعيم‌الابرار» بما لا مزيد عليه فاذا كل من يناسبهم هو يحبهم و محبهم محب اللّه و كل من ينافرهم يبغضهم و مبغضهم مبغض اللّه و كذلك لما كان شيعتهم منهم و من طينتهم فمحبة شيعتهم ايضا محبتهم و محبتهم محبة اللّه و بغض شيعتهم بغضهم و بغضهم بغض اللّه فلاجل ذلك احببنا ان نعنون فصلا  آخر في حبهم و حب شيعتهم.

فصل: في محبة آل‌محمد: و شيعتهم الذين بمحبتهم يتحقق حب اللّه و لاحب للّه اصلا الا حبهم و نذيله بذم بغضهم و ان بغضهم بغض اللّه نعوذ باللّه و نحن لو شئنا ان نستوفي جميع اخبار هذا الباب لاقتضي رسم كتاب مستقل فنحن نستطرف من انواع الاخبار اخبارا معدودة تبركا بذكرها و تشويقا للموالين و اثارة لنيران محبتهم الكامنة في قلوبهم فمن ذلك ما رواه الشيخ عبداللّه بن نوراللّه في العوالم نقلا من امالي الصدوق بسنده عن ابن‌عباس قال قـال رسول اللّه9 من سره ان يجمع اللّه له الخير كله فليوال عليا بعدي و ليوال اولياءه و ليعاد اعداءه ومنمجالس المفيد بسنده عن  جيش بن المعتمر قال دخلت علي اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب فقلت السلام عليك يا اميرالمؤمنين و رحمة اللّه و بركاته كيف امسيت قال امسيت محبا لمحبنا و مبغضا لمبغضنا الي ان قال من سره ان يعلم أمحب لنا ام مبغض فليمتحن قلبه فان كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا و ان كان يبغض وليا لنا فليس بمحب لنا الخبر و عن محاسن‌البرقي بسنده الي ابي‌خالد الكابلي عن علي بن الحسين8 في حديث قصيرة من طويلة من احبنا لا لدنيا يصيبها منا و عادي عدونا لا لشحناء كانت بينه و بينه اتي اللّه يوم القيمة مع محمد و ابرهيم و علي: ومن تفسيرالعياشي عن ابي‌حمزة الثمالي قال قـال ابوجعفر7 يا باحمزة انما يعبد اللّه من عرف و اما من لم‌يعرف اللّه كأنما يعبد غيره هكذا ضالا قلت اصلحك اللّه و ما معرفة اللّه قال يصدق اللّه و يصدق محمدا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 283 *»

رسول اللّه في موالاة علي و الايتمام به و بائمة الهدي من بعده و البراءة الي اللّه من عدوهم و كذلك عرفان اللّه قال قلت اصلحك اللّه اي شي‌ء اذا عملته انا استكملت حقيقة الايمان قال توالي اولياء اللّه و تعادي اعداء اللّه و تكون مع الصادقين كما امرك اللّه قال قلت ومن اولياء اللّه و من اعداء اللّه قال اولياء اللّه محمد رسول اللّه و علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين ثم انتهي الامر الينا ثم ابني جعفر و اومأ الي جعفر و هو جالس فمن والي هؤلاء فقد والي اولياء اللّه و كان مع الصادقين كما امر اللّه  قلت ومن اعداء اللّه اصلحك اللّه قال الاوثان الاربعة قال قلت و من هم قال ابوالفصيل و رمع و نعثل و معوية و من دان دينهم فمن عادي هؤلاء فقد عادي اعداء اللّه و من امالي الصدوق بسنده عن هشام بن سالم عن الصادق جعفر بن محمد8 قال من جلس لنا عائبا او مدح لنا غاليا او واصل لنا قاطعا او قطع لنا واصلا او والي لنا عدوا او عادي لنا وليا فقد كفر بالذي انزل  السبع‌المثاني و القرآن العظيم و من امالي الطوسي بسنده عن الحسين بن مصعب قال سمعت جعفر بن محمد8 يقول من احبنا للّه و احب محبنا لا لغرض دنيا يصيبها منه و عادي عدونا لا  لاحنة كانت بينه و بينه ثم جاء يوم القيمة و عليه من الذنوب مثل رمل عالج و زبد البحر غفرها اللّه تعالي له و من الخصال في خبر الاعمش عن الصادق7 قال حب اولياء اللّه واجب و الولاية لهم واجبة و البراءة من اعدائهم واجبة و من الذين ظلموا آل‌محمد: و هتكوا حجابه و اخذوا من فاطمة3 فدكا و منعوها ميراثها و غصبوها و زوجها حقوقهما و هموا باحراق بيتها و اسسوا الظلم و غيروا سنة رسول اللّه9 و البراءة من الناكثين و القاسطين و المارقين واجبة و البراءة من الانصاب و الازلام ائمة الضلال و قادة الجور كلهم اولهم و آخرهم واجبة و البراءة من اشقي الاولين و الآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل اميرالمؤمنين واجبة و البراءة من جميع قتلة اهل البيت واجبة و الولاية للمؤمنين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 284 *»

الذين لم‌يغيروا و لم‌يبدلوا بعد نبيهم9 واجبة مثل سلمان الفارسي و ابي‌ذر الغفاري و المقداد بن الاسود الكندي و عمار بن ياسر و جابر بن عبداللّه الانصاري و حذيفة بن اليمان و ابي‌الهيثم بن التيهان و سهل بن حنيف و ابي‌ايوب الانصاري و عبداللّه بن الصامت و عبادة بن صامت و خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين و ابوسعيد الخدري و من نحا نحوهم و فعل مثل فعلهم و الولاية لاتباعهم و المقتدين بهم و بهداهم واجبة و من فقه‌الرضا7 روي ان اللّه اوحي الي بعض عباد بني‌اسرائيل و قد دخل قلبه شي‌ء اما عبادتك لي فقد تعززت بي و اما زهدك في الدنيا فقد تعجلت الراحة فهل واليت لي وليا او عاديت لي عدوا ثم امر به الي النار نعوذ باللّه منها و من تفسيرالامام7 و عيون‌اخبار الرضا7 عن ابي‌محمد العسكري  عن آبائه عن علي: قال قـال رسول اللّه9 لبعض اصحابه ذات يوم احب في اللّه و ابغض في اللّه و وال في اللّه و عاد في اللّه فانه لاتنال ولاية اللّه الا بذلك و لايجد رجل طعم الايمان و ان كثرت صلوته و صيامه حتي يكون كذلك و قد صارت مواخاة الناس يومكم هذا اكثرها في الدنيا عليها يتوادون و عليها يتباغضون و ذلك لايغني عنهم من اللّه شيئا فقال له و كيف اعلم اني قد واليت و عاديت في اللّه عزوجل و من ولي اللّه حتي اواليه و من عدوه حتي اعاديه فاشار له رسول اللّه9 الي علي7 فقال أتري هذا فقال بلي فقال ولي هذا ولي اللّه فواله و عدو هذا عدو اللّه فعاده وال ولي هذا و لو انه قاتل ابيك و ولدك و عاد عدو هذا و لو انه ابوك و ولدك و من امالي الطوسي بسنده عن تميم الرازي قال قـال رسول اللّه9 الدين نصيحة قيل لمن يا رسول اللّه قال للّه و لرسوله و لكتابه و للائمة في الدين و لجماعة المسلمين و من امالي الصدوق بسنده عن ابن ابي‌يعفور عن الصادق جعفر بن محمد8 قال خطب رسول اللّه9 الناس في حجة الوداع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 285 *»

بمني في مسجد الخيف فحمد اللّه و اثني عليه ثم قال نضر اللّه عبدا   سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها من لم‌يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه و رب حامل فقه الي من هو افقه منه ثلث لايغل([3]) عليهن قلب امرء مسلم اخلاص العمل للّه و النصيحة لائمة المسلمين و اللزوم لجماعتهم فانه دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون اخوة تتكافي دماؤهم يسعي بذمتهم ادناهم هم يد علي من سواهم و في رواية اخري فوعاها و بلغها من لم‌تبلغه يا ايها الناس  ليبلغ الشاهد و في آخرها دماؤهم و هم يد علي من سواهم يسعي بذمتهم ادناهم و من الخصال بسنده عن ابي‌سعيد الخدري قال قـال رسول اللّه9 من رزقه اللّه حب الائمة من اهل بيتي فقد اصاب خير الدنيا و الآخرة فلايشكن احد انه في الجنة فان في حب اهل بيتي عشرون خصلة عشر منها في الدنيا و عشر في الآخرة اما في الدنيا فالزهد و الحرص علي العمل و الورع في الدين و الرغبة في العبادة و التوبة قبل الموت و النشاط في قيام الليل و اليأس مما في ايدي الناس و الحفظ لامر اللّه و نهيه عز و جل و التاسعة بغض الدنيا و العاشرة السخا و اما في الآخرة فلاينشر له ديوان و لاينصب له ميزان و يعطي كتابه بيمينه و يكتب له براءة من النار و يبيض وجهه  و يكسي من حلل الجنة و يشفع في مأة من اهل بيته و ينظر اللّه عز و جل اليه بالرحمة و يتوج من تيجان الجنة و العاشرة يدخل الجنة بغيرحساب فطوبي لمحبي اهل بيتي و عن صاحب الكشاف و الثعلبي في تفسير قوله تعالي (قل لااسئلكم عليه اجرا الا المودة) باسناده الي جرير بن عبداللّه البجلي قال قـال رسول اللّه9 من مات علي حب آل‌محمد مات شهيدا الا و من مات علي حب آل‌محمد مات مغفورا له الا و من مات علي حب آل‌محمد مات تائبا الا و من مات علي حب آل‌محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان الا و من مات علي حب آل‌محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر و نكير الا و من مات علي حب آل‌محمد يزف الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 286 *»

الجنة كما تزف العروس الي بيت زوجها الا و من مات علي حب آل‌محمد جعل اللّه زوار قبره الملئكة بالرحمة الا و من مات علي حب آل‌محمد مات علي السنة و الجماعة الا و من مات علي بغض آل‌محمد جاء يوم القيمة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة اللّه الا و من مات علي بغض آل‌محمد لم‌يشم رايحة الجنة و من كتاب المناقب لابن‌شاذان باسناده عن ابن‌عباس قال قـال رسول اللّه 9 يا علي ان جبرئيل اخبرني فيك بامر قرت عيني و فرح به قلبي قال قال لي يا محمد ان اللّه تعالي قال اقرأ محمدا مني السلام و اعلمه ان عليا امام الهدي و مصباح الدجي و الحجة علي اهل الدنيا فانه الصديق الاكبر و الفاروق الاعظم و اني آليت بعزتي ان لاادخل النار احدا تولاه و سلم له و للاوصياء من بعده و لاادخل الجنة من ترك ولايته و التسليم له و للاوصياء من بعده و حق القول مني لاملئن جهنم و اطباقها من اعدائه و لاملئن الجنة من اوليائه و شيعته و باسناده عن ابن‌عمر قال سألنا رسول اللّه9 عن علي بن ابيطالب فغضب فقال ما بال اقوام يذكرون من له منزلة عند اللّه كمنزلتي و مقام كمقامي الا النبوة الا و من احب عليا فقد احبني و من احبني رضي اللّه عنه و من رضي اللّه عنه كافاه بالجنة الا و من احب عليا استغفرت له الملئكة و فتحت له ابواب الجنة يدخل من اي باب شاء بغيرحساب الا و من احب عليا اعطاه كتابه بيمينه و حاسبه حساب الانبياء الا و من احب عليا لايخرج من الدنيا حتي يشرب من الكوثر و يأكل من شجرة طوبي و يري مكانه في الجنة الا و من احب عليا يهون اللّه عليه سكرات الموت و جعل قبره روضة من رياض الجنة الا و من احب عليا اعطاه في الجنة بكل عرق في بدنه حوراء و شفعه في ثمانين من اهل بيته و له بكل شعرة علي بدنه حديقة في الجنة الا و من عرف عليا و احبه بعث اللّه اليه ملك الموت كما بعث اللّه الي الانبياء و دفع عنه اهوال منكر و نكير و نور قبره و فسحه مسيرة سبعين عاما و بيض وجهه يوم القيمة الا و من احب عليا اظله اللّه في ظل عرشه مع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 287 *»

الصديقين و الشهداء و الصالحين و آمنه من الفزع الاكبر و اهوال يوم الصاخة الا و من احب عليا تقبل اللّه عنه حسناته و تجاوز عن سيئاته و كان في الجنة رفيق حمزة سيدالشهداء الا و من احب عليا اثبت اللّه الحكمة في قلبه و اجري علي لسانه الصواب و فتح اللّه له  ابواب الرحمة الا و من احب عليا سمي اسير اللّه في الارض و باهي اللّه به ملئكته و حملة عرشه الا و من احب عليا ناداه ملك من تحت العرش ان يا عبد اللّه استأنف العمل فقد غفر اللّه لك الذنوب كلها الا و من احب عليا جاء يوم القيمة و وجهه كالقمر ليلة البدر الا و من احب عليا وضع اللّه علي رأسه تاج الكرامة و البسه حلل العزة الا و من احب عليا مر علي الصراط كالبرق الخاطف و لم‌ير صعوبة المرور الا و من احب عليا كتب اللّه له براءة من النار و براءة من النفاق و جوازا علي الصراط و امانا من العذاب الا و من احب عليا لاينشر له ديوان و لاينصب له ميزان و قيل له ادخل الجنة بغيرحساب الا و من احب عليا امن من الحساب و الميزان و الصراط الا و من مات علي حب آل‌محمد مات علي الايمان و كنت انا كفيله بالجنة و باسناده عن ابن‌عباس قال قـال رسول اللّه9 من صافح عليا فكأنما صافحني و من صافحني فكأنما صافح  اركان العرش و من عانقه فكأنما عانقني و من عانقني فكأنما عانق الانبياء كلهم و من صافح محبا لعلي غفر اللّه له الذنوب و ادخله الجنة بغيرحساب و منه عن ابن‌عمر قال قـال رسول اللّه9 من اراد التوكل علي اللّه فليحب اهل بيتي و من اراد ان ينجو من عذاب القبر فليحب اهل بيتي و من اراد الحكمة فليحب اهل بيتي و من اراد  دخول الجنة بغيرحساب فليحب اهل بيتي فواللّه مااحبهم احد الا ربح في الدنيا و الآخرة و عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول اللّه9 يقول ان اللّه تعالي خلق من نور وجه علي بن ابي‌طالب سبعين‌ الف ‌الف ملك يسبحونه و يقدسونه و يكتبون ذلك لمحبيه و محبي ولده: و من مشارق‌الانوار عن حذيفة بن اليمان قال رأيت رسول اللّه9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 288 *»

آخذا بيد الحسن بن علي8 و هو يقول ايها الناس هذا ابن علي فاعرفوه فو الذي نفس محمد بيده انه لفي  الجنة و محبوه في الجنة و محب محبه في الجنة و من اعلام‌الدين مما نقله من فرج‌الكرب عن ابي‌عبداللّه7 في قوله تعالي (فلااقتحم العقبة) فقال من انتحل ولايتنا فقد جاز العقبة فنحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا ثم قال مهلا افيدك حرفا هو خير لك من الدنيا و ما فيها قوله تعالي (فك رقبة) ان اللّه تعالي فك رقابا من النار بولايتنا اهل البيت و انتم صفوة اللّه و لو ان الرجل منكم يأتي بذنوب مثل رمل عالج لشفعنا فيه عند اللّه تعالي فلكم البشري في الحيوة الدنيا و في الآخرة لاتبديل لكلمات اللّه ذلك هو الفوز العظيم و من محاسن‌البرقي القسم عن جده الحسن عن المفضل عن ابي‌عبداللّه7 قال من احب اهل البيت و حقق حبنا في قلبه جري ينابيع الحكمة علي لسانه و جدد الايمان في قلبه و جدد له عمل سبعين نبيا و سبعين صديقا و سبعين شهيدا و عمل سبعين عابدا عبد اللّه سبعين سنة و من كنزالكراجكي قال روي شيخ‌الطائفة; باسناده عن زيد بن يونس الشحام قال قلت لابي‌الحسن موسي7 الرجل من مواليكم عاص يشرب الخمر و يرتكب الموبق من الذنب نتبرؤ منه فقال تبرءوا من فعله و لاتبرءوا من خيره و ابغضوا عمله فقلت يسع لنا ان نقول فاسق فاجر فقال الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا و لاوليائنا ابي اللّه ان يكون ولينا فاسقا فاجرا و ان عمل ما عمل و لكنكم قولوا فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس خبيث الفعل طيب الروح و البدن لا واللّه لايخرج ولينا من الدنيا الا و اللّه و رسوله و نحن عنه راضون يحشره اللّه علي ما فيه من الذنوب مبيضا وجهه مستورة عورته آمنة روعته لا خوف عليه و لا حزن و ذلك انه لايخرج من الدنيا حتي يصفي من الذنوب اما بمصيبة في مال او نفس او ولد او مرض و ادني ما يصنع بولينا ان يريه اللّه رؤيا مهولة فيصبح حزينا لما رآه فيكون ذلك كفارة له او خوفا يرد عليه من اهل دولة الباطل و يشدد عليه  عند الموت فيلقي اللّه عزوجل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 289 *»

طاهرا من الذنوب آمنة روعته بمحمد و اميرالمؤمنين صلي اللّه عليهما ثم يكون امامه احد الامرين رحمة اللّه الواسعة التي هي اوسع من اهل الارض جميعا او شفاعة محمد و اميرالمؤمنين8 فعندها تصيبه رحمة اللّه الواسعة التي كان احق بها و اهلها و له احسانها و فضلها و من امالي الصدوق بسنده عن عبدالرحمن بن ابي‌ليلي عن ابيه قال قـال رسول اللّه9 لايؤمن عبد حتي اكون احب اليه من نفسه و اهلي احب اليه من اهله و عترتي احب اليه من عترته و ذاتي احب اليه من ذاته و من بشارة‌المصطفي بسنده عن سلمان رضي اللّه عنه قال قـال رسول اللّه9 لايؤمن رجل حتي يحب اهل بيتي و حتي يدع المراء و هو محق الخبر و من تفسيرالعياشي عن ابي‌عبيدة الحذاء قال دخلت علي ابي‌جعفر7 فقلت بابي انت ربما خلا بي الشيطان فخبثت نفسي ثم ذكرت حبي اياكم و انقطاعي اليكم فطابت نفسي فقال يا زياد ويحك و ما الدين الا الحب ألاتري الي قول اللّه تعالي (ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه) و عن بريد بن معوية العجلي عن ابي‌جعفر7 واللّه لو احبنا حجر حشره اللّه معنا و هل الدين الا الحب ان اللّه يقول (قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّهو قال (يحبون من هاجر اليهم) و هل الدين الا الحب و من امالي الطوسي بسنده عن سلمان رضي اللّه عنه قال لاازال احب عليا7 فاني رأيت رسول اللّه9 يضرب فخذه و يقول محبك لي محب و محبي للّه محب و مبغضك لي مبغض و مبغضي للّه تعالي مبغض و من امالي الصدوق بسنده عن ابن‌نباتة قال قـال اميرالمؤمنين7 سمعت رسول اللّه9 يقول انا سيد ولد آدم و انت يا علي و الائمة من بعدك سادات امتي من احبنا فقد احب اللّه و من ابغضنا فقد ابغض اللّه و من والانا فقد والي اللّه و من  عادانا فقد عادي اللّه و من اطاعنا فقد اطاع اللّه و من عصانا فقد عصي اللّه و من محاسن‌البرقي بسنده عن الثمالي عن علي بن الحسين8

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 290 *»

قال قـال رسول اللّهفي الجنة ثلث درجات و في النار ثلث دركات فاعلي درجات الجنة لمن احبنا بقلبه و نصرنا بلسانه و يده و في الدرجة الثانية من احبنا بقلبه و نصرنا بلسانه و في الدرجة الثالثة من احبنا بقلبه و في اسفل درك النار من ابغضنا بقلبه و اعان علينا بلسانه و يده و في الدرك الثانية من ابغضنا بقلبه و اعان علينا بلسانه و في الدرك الثالثة من ابغضنا بقلبه و من محاسن‌البرقي بسنده عن عمرو بن ابي‌المقدام عن ابي‌عبداللّه7 قال قال رسول اللّه9 لاميرالمؤمنين7 انما مثلك مثل (قل هو اللّه احد) فانه من قرأها مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن و من قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن و من قرأها ثلث مرات فكأنما قرأ القرآن و كذلك من احبك بقلبه و نصرك بلسانه و يده كان له مثل ثواب العباد و من كشف‌اليقين بسنده عن جابر بن عبداللّه قال كنا عند رسول اللّه9 ذات يوم جماعة من الانصار فقال لنا يا معشر الانصار بوروا اولادكم بحب علي بن ابي‌طالب فمن احبه فاعلموا انه لرشدة و من ابغضه فاعلموا انه لغية و من الاحتجاج قال روي عن النبي9 انه قال لعلي بن ابيطالب يا علي لايحبك الا من طابت ولادته و لايبغضك الا من خبثت ولادته و لايواليك الا مؤمن و لايعاديك الا كافر و من علل‌الشرايع بسنده عن ام‌سلمة قالت سمعت رسول اللّه9 يقول لعلي7 لايبغضكم الا ثلثة ولد زنا و منافق و من حملته امه و هي حايض و من كنزالكراجكي قال روي عن ابن‌نباتة قال دخل الحارث الهمداني علي اميرالمؤمنين7 في نفر من الشيعة و ذكر الحديث الي ان قال قـال اميرالمؤمنين7 و ابشرك يا حار ليعرفني و الذي فلق الحبة  و برأ النسمة وليي و عدوي في مواطن شتي عند الموت و عند الصراط و عند المقاسمة قال و ما المقاسمة قال مقاسمة النار اقسمها صحاحا اقول هذا وليي و هذا عدوي ثم اخذ اميرالمؤمنين7 بيد الحارث و قال يا حارث اخذت بيدك كما اخذ بيدي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 291 *»

رسول اللّه9 فقال لي و قد اشتكيت اليه حسدة قريش و المنافقين اذا كان يوم القيمة اخذت بحجزة من ذي العرش تعالي و اخذت يا علي بحجزتي و اخذت ذريتك بحجزتك و اخذ شيعتكم بحجزتكم فماذا يصنع اللّه بنبيه و ماذا يصنع نبيه بوصيه و ماذا يصنع وصيه باهل بيته و شيعتهم خذها اليك قصيرة من طويلة انت مع من احببت و لك ما اكتسبت قالها ثلثا فقال الحارث و قام يجر رداءه جذلا ماابالي وربي بعد هذا ألقيت الموت او لقيني و من كشف‌الغمة عن ابي‌ذر قال قلت يا نبي اللّه اني احب اقواما ماابلغ اعمالهم قال فقـال يا اباذر المرء مع من احب و له ما اكتسب قال فاني احب اللّه و رسوله و اهل بيت نبيه قال فانك مع من احببت و عن الحسن العسكري7 في تفسيره قام ثوبان ولي رسول اللّه9 قال بابي انت و امي يا رسول اللّه متي قيام الساعة فقال رسول اللّه9 ماذا اعددت لها اذ تسأل عنها قال يارسول اللّه مااعددت لها كثير عمل الا اني احب اللّه و رسوله فقال رسول اللّه و الي ماذا بلغ حبك لرسول اللّه قال والذي بعثك بالحق نبيا ان في قلبي من محبتك ما لو قطعت بالسيوف و نشرت بالمناشير و قرضت بالمقاريض و احرقت بالنيران و طحنت بارحاء الحجارة كان احب علي و اسهل علي من ان اجد لك في قلبي غشا او غلا او بغضا لاحد من اهل بيتك و اصحابك و احب الخلق الي بعدك احبهم لك و ابغضهم الي من لايحبك و يبغضك او يبغض احدا من اصحابك يا رسول اللّه هذا ما عندي من حبك و حب من يحبك و بغض من يبغضك او يبغض احدا ممن تحبه  فان قبل هذا مني فقد سعدت و ان اراد مني عملا غيره فمااعلم لي عملا اعتمده و اعتد به غير هذا احبكم جميعا و اصحابك و ان كنت لااطيقهم في اعمالهم فقال9 ابشر فان المرء يوم القيمة مع من احبه يا ثوبان لو ان لك من الذنوب ملأ  ما بين الثري الي العرش لانحسرت و زالت عنك بهذه الموالات اسرع من انحدار الظل عن الصخرة الملساء المستوية اذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 292 *»

طلعت عليه الشمس و من انحسار الشمس اذا غابت ومن اعلام‌الدين من كتاب الحسين بن سعيد عن ابن ابي‌يعفور قال قـال ابوعبداللّه7 قد استحييت مما اكرر هذا الكلام عليكم انما بين احدكم و بين ان يغتبط ان تبلغ نفسه هيهنا و اهوي بيده الي حنجرته يأتيه رسول اللّه9 و علي7 فيقولان له اما ما كنت تخاف فقد آمنك اللّه منه و اما  ما كنت ترجو فامامك فابشروا انتم الطيبون و نساؤكم الطيبات كل مؤمنة حوراء عيناء و كل مؤمن صديق شهيد ومن محاسن‌البرقي عن بكر بن صالح عن ابي‌الحسن الرضا7 قال من سره ان ينظر الي اللّه بغيرحجاب و ينظر اللّه اليه بغيرحجاب فليتوال آل‌محمد: و ليتبرء من اعدائهم و ليأتم بامام المؤمنين منهم فاذا كان يوم القيمة نظر اللّه اليه بغير حجاب و نظر الي اللّه بغير حجاب و من كتاب فضائل‌الشيعة باسناده عن سيابة عن ابي‌عبداللّه7 قال ان الرجل ليحبكم و مايدري ما تقولون فيدخله اللّه الجنة و ان الرجل ليبغضكم و مايدري ما تقولون فيدخله اللّه النار و ان الرجل ليملأ صحيفته من غير عمل قلت فكيف قال يمر بالقوم يناولون منا و اذا رأوه قال بعضهم لبعض ان هذا الرجل من شيعتهم و يمر بهم الرجل من شيعتنا فيرمونه و يقولون فيه فيكتب اللّه له بذلك حسنات حتي يملأ صحيفته من غير عمل و من كنزالكراجكي من كتاب المناقب لابن‌شاذان باسناده عن ابن‌عباس قال قـال رسول اللّه9 يا علي ان جبرئيل  اخبرني فيك بامر قرت به عيني و فرح به قلبي قال لي يا محمد ان اللّه تعالي قال لي اقرأ محمدا مني السلام و اعلمه ان عليا امام الهدي و مصباح الدجي و الحجة علي اهل الدنيا فانه الصديق الاكبر و الفاروق الاعظم و اني آليت بعزتي ان لاادخل النار احدا تولاه و سلم له و للاوصياء من بعده و لاادخل الجنة من ترك ولايته و التسليم له و للاوصياء من بعده و حق القول مني لاملأن جهنم و اطباقها من اعدائه و لاملأن الجنة من اوليائه و شيعته و باسناده

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 293 *»

عن ابي‌الصلت الهروي قال سمعت الرضا7 يحدث عن آبائه: عن اميرالمؤمنين7 قال سمعت رسول اللّه9 يقول سمعت اللّه جل جلاله يقول علي بن ابي‌طالب حجتي علي خلقي و نوري في بلادي و اميني علي علمي لاادخل النار من عرفه و ان عصاني و لاادخل الجنة من انكره و ان اطاعني و من مناقب ابن‌شاذان بسنده عن حذيفة بن اليمان قال رأيت رسول اللّه9 آخذا بيد الحسن بن علي8 و هو يقول ايها الناس هذا ابن علي فاعرفوه فو الذي نفس محمد بيده انه لفي الجنة و محبوه في الجنة و محبوا محبيه في الجنة و من تفسير العسكري علي صاحبه السلام من ادمن محبتنا اهل البيت فتح اللّه عزوجل له من الجنة ثمانية ابوابها و اباحه جميعها يدخل مما شاء فيها و كل ابواب الجنان يناديه يا ولي اللّه ألم‌تدخلني ألم‌تخصني منها  و من‌كتاب البصاير عن ابن‌جبير عن ابن‌عباس ان رسول اللّه9 قال المخالف لعلي بعدي كافر و الشاك به مشرك مغادر و المحب له مؤمن صادق و المبغض له منافق و المحارب له مارق و الراد عليه زاهق و المقتفي لاثره لاحق و من العمدة باسناده الي الفردوس باسناده عن جابر بن عبداللّه قال قـال رسول اللّه9 ثلث من كن فيه فليس مني و لا انا منه من ابغض عليا و نصب لاهل بيتي و من قال  الايمان كلام  ومن امالي الصدوق بسنده عن انس قال قـال رسول اللّه9 من ناصب عليا حارب اللّه و من شك في علي فهو كافر و من امالي الطوسي بسنده عن محمد بن الحنفية عن ابيه7 قال ماخلق اللّه عزوجل شيئا اشر من الكلب و الناصب اشر منه و من عقاب‌الاعمال بسنده عن عبدالحميد قال قلت لابي‌جعفر7 ان لنا جارا ينتهك المحارم كلها حتي انه ليدع الصلوة فضلا فقال سبحان اللّه و اعظم لك ثم قال ألااخبرك بمن هو شر منه قلت بلي قال الناصب لنا شر منه و بسنده عن حمران عن ابي‌جعفر7

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 294 *»

قال لو ان كل ملك خلقه اللّه عز و جل و كل نبي بعثه اللّه و كل صديق و كل شهيد شفعوا في ناصب لنا اهل البيت ان يخرجه اللّه جل و عز من النار مااخرجه اللّه ابدا و اللّه عز و جل يقول في كتابه (ماكثين فيه ابدا) و بسنده عن ابي‌بصير قال قـال ابوعبداللّه7 مدمن الخمر كعابد الوثن و الناصب لآل‌محمد شر منه قلت جعلت فداك و من شر من عابد الوثن فقال ان شارب الخمر تدركه الشفاعة يوما ما و ان الناصب لو شفع فيه اهل السماوات و الارض لم‌يشفعوا  و منه في حديث آخر قال الصادق7 الناصب لنا اهل البيت لايبالي صام او صلي زنا ام سرق انه في النار انه في النار و في حديث آخر عنه7 الناصب شر من ولد الزنا ومن علل‌الشرايع بسنده عن عبداللّه بن سنان عن ابي‌عبداللّه7 قال ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانك لاتجد رجلا يقول انا ابغض محمدا و آل‌محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا و من معاني‌الاخبار بسنده عن المعلي بن خنيس مثله الي قوله و هو يعلم انكم تتولونا و تتبرءون من اعدائنا و من امالي الطوسي بسنده عن يعقوب بن ميثم التمار مولي علي بن الحسين8 قال دخلت علي ابي‌جعفر7 فقلت له جعلت  فداك يا بن رسول اللّه اني وجدت في كتب ابي ان عليا قال لابي ميثم احب حبيب آل‌محمد و ان كان فاسقا زانيا و ابغض مبغض آل‌محمد: و ان كان صواما قواما فاني سمعت رسول اللّه9 و هو يقول (الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) ثم التفت الي و قال هم واللّه انت و شيعتك يا علي و ميعادهم الحوض غدا غرا محجلين متوجين فقال ابوجعفر7 هكذا هو عيانا في كتاب علي7 الي غير ذلك من الاخبار الساطعة المنار الواردة عن الائمة الاطهار صلوات اللّه عليهم ما اختلف الليل و النهار و هي كثيرة لمن جاس خلال الديار.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 295 *»

فصل: اعلم ان ولاية اللّه و محبته لاتنال الا بمحبة آل‌محمد: و ولاية اوليائهم و البراءة من اعدائهم و قد اشرنا اليه سابقا و نزيد هنا توضيحا ان كنه الذات احد بحت بسيط لايثني و لايجزي ليس فيه ذكر شي‌ء و لا له مناسبة مع شي‌ء و لا مشابهة بشي‌ء فيمتنع محبة شي‌ء له جل جلاله و محبته الذاتية لشي‌ء اذ لاتتحقق المحبة بين شيئين الا بالمناسبة الموجبة لميل كل الي الآخر و اتصال كل بكل و ذلك ممتنع بين كنه الذات و غيرها و انما يقع المشاكلة الخاصة بينه اي بين الشي‌ء و بين مشيته الخاصة الشرعية و اما المناسبة بين الشي‌ء و بين مشيته العامة الكونية فهي حاصلة لكل شي‌ء لايخالف شي‌ء من المكونات محبته و رضاه الكوني و هو جل جلاله اجل من ان يكون في ملكه ما لايحب كيف و حبه هو مرجح وجود الممكن قال جل جلاله احببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف.

و اما المشية الخاصة فمن الاشياء ما يناسبها فيكون محبوبا للّه سبحانه و من الاشياء ما يباينها فيكون مبغوضا للّه سبحانه و المشية الشرعية و الكونية محلهما محمد و آل‌محمد: كما ورد به الاخبار و شهد به صحيح الاعتبار بل هم سلام اللّه  عليهم هم المشية من حيث الاضمحلال و محلها من حيث الاستقلال بالنسبة و هم كمال اللّه سبحانه و جماله و اسماؤه الحسني و صفاته النعمي فمن ناسبهم في ذاته و صفاته و افعاله و اقواله و هو الآخذ بحدود ولايتهم و محبتهم فقد ناسب جهة نسبة اللّه و هي هم و من باينهم فقد باين اللّه فمن احبهم فقد احب اللّه و محبته لهم هي محبته للّه بعينها فانهم جهة محبوبية اللّه و محبته ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم الله و من احبوه فقد احبه اللّه فانهم محبته و محبيته جل جلاله و من ابغضهم فقد ابغض اللّه و من ابغضوه فقد ابغضه اللّه و محبتهم لاتنال علي كمال ما ينبغي الا بمناسبة تامة ذاتية و صفاتية و افعالية و اقوالية فمن ناسبهم في جميع ذلك فقد احبهم بجميع مراتبه و يستوجب الاتصال بهم بجميع مراتبه و الحشر معهم و الكون في درجتهم في الجنة فيوصلونه بانفسهم و يجبرون ساير كسره بفضل نورهم و هو المؤمن الخصيص الكامل و هو من اهل البيت: فاذا بلغ هذا المبلغ وقف موقف لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 296 *»

بيدك بدؤها منك و عودها اليك و ذلك ان شيعتهم خلقوا من شعاعهم و درجات الشعاع مختلفة في القرب و البعد الحاصلين باختلاط الظلمة فكلما اشتدت الظلمة حصل البعد و كلما ضعفت حصل القرب فاقرب شيعتهم اليهم ما ليس فيه من ظلمة البينونة و المخالفة لمحبتهم الا بقدر استمساك الوجود و هي محل الاستثناء في قوله الا انهم عبادك و تلك ايضا مضمحلة متلاشية فيهم ليست بمنشأ اثر ينافي اثرهم و محبتهم و رضاهم فهم مطابقون في ذواتهم و صفاتهم و اقوالهم و اعمالهم محبتهم و رضاهم و هم محبتهم و رضاهم فان محبتهم الفعلية شعاعهم و نورهم و الشيعة هم شعاعهم و نورهم الكوني و ان كان لهم شعاع آخر شرعي و هو اعمالهم و اقوالهم الشرعية و ذلك غيرمقصود هنا بل المراد ان اللّه سبحانه  خلق شيعتهم من شعاع اجسادهم اي تنزل اجسادهم اذا قاموا في مقام العلية لشيعتهم فافئدة شيعتهم خلقت من شعاع ذلك التنزل كونا ثم اتصفت بصفاتهم الشرعية بقبولهم ما ورد اليهم من اقوالهم و افعالهم و احوالهم في مقام القطبية فتأسوا بهم في الاحكام الذاتية و الوصفية و القولية و الفعلية فناسبوهم في الوجود التشريعي الكوني و الاعمال التي هي آثار ذلك الوجود فلحقوا بهم و بدرجتهم بضمهم اياهم اليهم و تصعيدهم اياهم بعد تشكيلهم فلحقوا بهم و صاروا منهم كالروح البخاري الحاصل من العناصر بتربية اشعة الافلاك الصاعد اليها بعد تربيه المنضم بها بمناسبته معها فافهم فهو روح فلكي بدؤه من الافلاك و عوده اليها لا فرق بينه و بينها الا انه عبدها القائم بها بالجملة شيعتهم خلقوا من شعاعهم مادتهم من شعاع انوارهم و صورتهم من قبولهم لتلك الانوار فمن قبل منهم ما اتي اليه كما اتي اليه فهو من السابقين و تأخر كلما خالف القبول الآتي من عندهم فالسابقون منهم هم الموافقون لهم في جميع جهات وجودهم و وقفوا في مقام لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و صاروا ظاهرهم في اللاحقين و بابهم للسائلين و وجههم للقاصدين و مقصوديتهم للمريدين من رآهم فقد رآهم و من احبهم فقد احبهم و من ابغضهم فقد ابغضهم و من عرفهم فقد عرفهم و من انكرهم فقد انكرهم فحبهم ايمان و انكارهم كفر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 297 *»

و عصيانهم فسوق لانهم ظاهرهم في رتبة الشيعة و آيتهم و مقامهم و علامتهم و اسمهم و صفتهم و جمالهم و كمالهم كما يأتي ان شاء اللّه مفصلا و لسنا الآن بصدد تفصيل ذلك.

و انما الغرض ان الشيعي اذا ناسبهم بجميع مراتب وجوده احبهم و حبه لهم هو حبه للّه جل جلاله و لايحب اللّه الا هكذا و الا فلا مناسبة بين احد و بين اللّه سبحانه حتي يحبه و يحبهم من يحبهم في جميع مجاليهم و مظاهرهم التي هي شيعتهم فمن لم‌يحبهم في  شيعتهم و مواليهم لم‌يحبهم و ذلك ان الظاهر من شيعتهم هو هم: و كيف يحبهم من لم‌يحب ظاهرهم و ظهورهم و لذلك روي محبك من احبك و احب من احبك و ابغض من ابغضك و مبغضك من ابغضك و ابغض من احبك و احب من ابغضك و من تفسيرالامام7 قال رسول اللّهتعوذ باللّه من الشيطان الرجيم فان من تعوذ باللّه منه اعاذه اللّه و تعوذ من همزاته و نفخاته و نفثاته أتدرون ما هي اما همزاته فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا اهل البيت قالوا يا رسول اللّه و كيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من اللّه و منزلتكم قال9 بان تبغضوا اولياءنا و تحبوا اعداءنا فاستعيذوا باللّه من محبة اعدائنا و عداوة اوليائنا فتعاذوا من بغضنا فانه من احب اعداءنا فقد عادانا و نحن منه برءاء و اللّه عز و جل منه بري‌ء ومن امالي الطوسي بسنده عن صالح بن ميثم التمار قال وجدت في كتاب ميثم2 يقول تمسينا ليلة عند اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب7 فقال لنا ليس من عبد امتحن اللّه قلبه بالايمان الا اصبح يجد مودتنا علي قلبه و لااصبح عبد سخط اللّه عليه الا يجد بغضنا علي قلبه فاصبحنا نفرح بحب المحب لنا و نعرف بغض المبغض لنا و اصبح محبنا مغتبطا بحبنا برحمة من اللّه ينتظرها كل يوم و اصبح مبغضنا يؤسس بنيانه علي شفا جرف هار فكان ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم و كأن ابواب الرحمة قد فتحت لاصحاب اهل الرحمة فهنيئا لاصحاب الرحمة رحمتهم و تعسا لاهل النار مثويهم ان عبدا  لن‌يقصر في حبنا لخير جعله اللّه في قلبه و لن‌يحبنا من يحب مبغضنا ان ذلك لايجتمع في قلب واحد ماجعل اللّه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 298 *»

لرجل من قلبين يحب بهذا قوما و يحب بالآخر عدوهم و الذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب لا غش فيه نحن النجباء و افراطنا افراط الانبياء و انا وصي الاوصياء و انا حزب اللّه و رسوله و الفئة  الباغية حزب الشيطان فمن احب ان يعلم حاله في حبنا فليمتحن قلبه فان وجد فيه حب من البّ علينا فليعلم ان اللّه عدوه و جبريل و ميكال و اللّه عدو للكافرين انتهي.

فعلم مما بينا و شرحنا انه لا حب للّه جل و عز الا حب محمد و آل‌محمد: و لا حب لهم سلام اللّه عليهم عن صدق الا بحب اوليائهم و معاداة اعدائهم كما انه لامعرفة للّه سبحانه الا معرفة محمد و آل‌محمد الذين هم وصف تعريف اللّه نفسه لعباده و لايعرفون بحقيقة المعرفة الا بمعرفة اوليائهم فان اولياءهم لايتجاوزون مبدأهم و لايصلون الا الي انفسهم فمن وصل منهم الي مقام نفسه التي من عرفها عرف ربه و صار وصوله اليه وصول مقام و خلود لا حال عارض فهو آية اللّه و وصفه و القائم مقامه في الاداء فمن عرفه عرف اللّه و من جهله جهل اللّه و من احبه فقد احب اللّه و من ابغضه فقد ابغض اللّه و من تخلي منه فقد تخلي من اللّه و من عامله باية معاملة فقد عامل اللّه و لما كان هذا المطلب من المطالب المحجوبة عن درك العوام بل الخواص و انما هو حظ الخصيصين المسلمين لا علينا ان نأذن لجواد القلم بجولانين في هذا الميدان لكن علي توق و حذر اذ للحيطان آذان فاعرني سمعك لتفوز ببعض ما اريد ذكره ان كتب لك.

اعلم ان للرعية رتبة معينة في الوجود يقينا لايسعهم التجاوز عنها و هم مع ذلك مكلفون بمعرفة اللّه سبحانه في المراتب الاربع و هي توحيد الذات بانها ذات احدية لاتثني و لاتجزي غنية عما سواها ليس فيها ذكر غيرها علي معني الامتناع متعالية عن الادراك غيرمجانسة لشي‌ء من المخلوقات و جميع ما سواها كائنا ما كان بالغا ما بلغ خلقها لا من شي‌ء كان و لا من شي‌ء كون ما قد كان بلا ارتباط و لا نسبة و لا تعلق الي غير ذلك مما تعرف به و توحيد الصفات بانه ليس كمثله شي‌ء و هو الظاهر بوحدانيته بجميع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 299 *»

الكمالات فهو الحي القدير العليم السميع البصير اللطيف  الخبير الي غير ذلك من الصفات علي ما هو مشروح في محله و توحيد الافعال بانه لا محرك في الوجود سواه و لايغير الشي‌ء من جوهريته الي جوهر آخر غيره و لايخرج الشي‌ء من العدم الي الوجود و لا العكس سواه كما رواه المجلسي; بسنده عن عبداللّه بن سنان عن ابي‌عبداللّه7 قال قال في الربوبية العظمي و الالهية الكبري لايكوّن الشي‌ء لا من شي‌ء الا اللّه و لاينقل الشي‌ء من جوهريته الي جوهر آخر الا اللّه و لاينقل الشي‌ء من الوجود الي العدم الا اللّه انتهي  وتوحيد العبادة بانه هو المعبود الحق و جميع ما سواه عابد له من وجه و جهة عبادة من وجه و المعبود الحق هو صفة الحق جل جلاله و ظهوره بالمعبودية و كمال التوحيد نفي الصفات و الاقتران و الانتساب و الارتباط عنه و عمل العبادة يقع علي الجهة المأموربها و به يطاع اللّه جل و عز و يعبد و هو بوحدته هو المعبود و ما سواه غير مقصود و كل معبود سواه باطل مضمحل و هم مكلفون بمعرفة صفات اللّه و افعاله و جهات مشيته و بمعرفة محمد9 في المراتب الاربع في البيان بان اللّه سبحانه قد عرف نفسه له و لساير الخلق به و تعرف به فهو وجه معرفته و معروفيته به عرف اللّه و لولاه ماعرف اللّه و في المعاني بانه معني اسماء اللّه و صفاته اي ظاهرهما اي ما ظهر بهما من المرادات اخترعه اللّه من نور ذاته و فوض اليه من غير تخلية امور عباده و في الابواب بانه باب اللّه الي الخلق في كل ما ينزل منه اليهم و بابهم اليه في كل ما يصعد منهم اليه و في الامامة بانه الامام المطاع المفزع و الهادي المتبع و القطب الذي منه البدء و اليه المرجع علي تفصيل حققناه في محله من ساير كتبنا و بمعرفة ساير الائمة: و الانبياء: و جميع ما هو مقدم علي اعلي اذكار الشيعة و لا شك انهم لايتجاوزون اعلي اذكارهم بوجه من الوجوه اذ هم معدومون  فوق اعلي اذكارهم و مع ذلك هم مكلفون بمعرفة ما فوقهم و انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها و هم لايصعدون عن اعلي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 300 *»

اذكارهم حتي يشاكلوا اعلاهم فيدركوه فيعرفوه و لاينزل الاعلي  علي ما هو عليه الي رتبة الادني ليدركه و ليس يدركه لعدم المناسبة و لاينزل العالي بتغير ذاتيته عما هو عليه فيكون من جنس الداني و يزول ما كان عليه من قدس فيدركه الداني و يعرفه و ان نزل بتجل و ظهور و صفة و نور فهو المراد فان ذلك التجلي و الظهور ان لم‌يكن من جنس مشاعر الشيعة فيبقي الاشكال علي ما كان و ان كان من جنسه فهو من جنس الشيعة و من الشيعة و يمكنهم الوصول اليه و فيهم ما فيه و الا لامتنع تكليفهم به فالعالي يصف نفسه للداني بصفة يمكنه ادراكها و معرفتها و هو اشرف مراتب الداني و اعلي اذكاره فهو نفسه و فؤاده كما روي من عرف نفسه فقد عرف ربه وفي انفسكم أفلاتبصرون، سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم فوصف اللّه سبحانه نفسه للشيعة بانفسهم و جعل انفسهم ما اراد منهم اذا وصلوا اليها و عرفوا ادوا ما عليهم مما اراد منهم مما هو مقدم علي وجودهم و لذا قال (لايكلف اللّه نفسا الا ما آتيها) فمن وصل منهم الي هذا المقام اي مقام معرفة اللّه و معرفة رسوله و اوليائه: كما وصف اللّه به نفسه و اياهم و اراد ان يعرفه الخلق به و يعرفهم و شاء و احب فهو الذي صار تلك النفس فيه بالفعل فان كان ما سواها من المشاعر فيه غالبا عليها كان الشرك فيه غالبا علي التوحيد فان جميع المدارك مشركة غير موحدة حق التوحيد المكلف به دونها و ان كان مساويا معها كان بين الكفر و الشرك و الكلام في الموحد حق التوحيد الممكن في حق الشيعة المراد منهم الذي كلفوا به فان بلغ ذلك المبلغ كان الغلبة لتلك النفس و قهرت ساير المشاعر فاخفت آثارها و اظهرت آثار نفسها و استعملتها في  حوايجها و البسها ثياب اسمها و حدها كما فعلت الحيوانية بالنباتية حين استولت عليها فاذا ذلك الرجل يكون النفس الظاهرة و ظاهر النفس يمشي بين العالمين فمن رآه رأي النفس و من عرفه عرف النفس و من اعترف به فهو من اولي الافئدة فمن عرفه فقد عرف ربه و من جهله فقد جهل ربه لانهم من شعاع امامهم و هم شعاع نور ربهم و الشيعة ظاهر امامهم فانهم القرية الظاهرة و هم ظاهر اللّه و معانيه و في الزيارة السلام علي من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و في الخبر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 301 *»

بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه.

و ان قلت هب ان هذا الرجل هو البشر المسمي بالنبي او الامام اقول لا شك ان النفس الكلية في الملك هو النبي و هو الامام و هو وجه معرفة اللّه العامة الكلية و صاحب جميع الاسماء و الصفات و ذلك لا كلام فيه و هو مورد ما سمعته من الاخبار الجارية في المضمار و انما الكلام في ان غيرهم من الرعية ايضا لهم انفس يوحدون اللّه بها و معارف يعرفون اللّه بها و منهم البالغون مبلغ التوحيد العياني الحقيقي الكشفي و هم اهل الحكمة و هم الشيعة المتبعون لهم في جميع الامور المشايعون لهم كما روي في الكافي بسنده عن ابن‌رئاب عن ابي‌عبداللّه7 قال انا لانعد الرجل مؤمنا حتي يكون لجميع امرنا متبعا و مريدا الخبر و في تفسيرالامام7 عن رسول اللّه9 ان شيعتنا من شيعنا و اتبع آثارنا و اقتدي باعمالنا و قال رجل لعلي بن الحسين8 يا بن رسول اللّه انا من شيعتكم الخالص فقال له يا عبد اللّه فاذا انت كابرهيم الخليل الذي قال اللّه فيه (و ان من شيعته لابرهيم اذ جاء ربه بقلب سليم) فان كان قلبك كقلبه فانت من شيعتنا الخبر، فافهم التعريض ان كنت من اهله و في رواية عن الرضا7 ويحكم انما شيعته الحسن و الحسين و سلمان و ابوذر  و المقداد و عمار و محمد بن ابي‌بكر الذين لم‌يخالفوا شيئا من اوامره و لم‌يرتكبوا شيئا من زواجره  و في رواية عن الجواد7 شيعتنا الخلص حزقيل المؤمن مؤمن آل فرعون و صاحب يس الذي قال اللّه تعالي فيه (و جاء رجل من اقصي المدينة يسعي) و سلمان و ابوذر و المقداد و عمار وقال العسكري7 ان شيعتنا الذين يتبعون آثارنا و يطيعونا في جميع اوامرنا و نواهينا فاولئك من شيعتنا فاما من خالفنا في كثير مما فرضه اللّه فليسوا من شيعتنا وعنه7 في وصف الشيعة هم الذين لايراهم اللّه حيث نهاهم و لايفقدهم من حيث امرهم الخبر، ففي الرعية ايضا من يراه اللّه دائما حيث امره و يتبع اوامرهم جميعا و يكون في درجة ابرهيم الخليل7 و سلمان الذي اوتي علم الاولين و الآخرين و هو باب اللّه في الارض

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 302 *»

و حبه ايمان و انكاره كفر و هو من اهل البيت فاولئك هم اولوا الالباب و الافئدة و هم البالغون درجة النفس و الفؤاد و صاروا من اولي الافئدة فمن صار من الرعية من اولي الافئدة و استولي الفؤاد عليه بالفعل و قهر ساير مراتبه و اعطاه اسمه و حده يكون آية اللّه و من آيات اللّه و يستدل به و منه علي اللّه و هو برهان اللّه و حجته التي احتج بها علي خلقه كما ان سلمان من العلماء لانه رجل من اهل البيت فهو من آيات اللّه و حججه علي عباده و من اوصاف اللّه التي وصف بها نفسه نعم اعظم الآيات هو الامام الظاهر في عرض الرعية قال ايّ آية للّه اكبر مني و هو اجمع الآيات للاسماء و الصفات بل هو مظهر جميعها طولا و عرضا اذ هو جمع اللّه و كله و اما الشيعي الواحد فلايمكن ان يكون مظهر جميع اسماء اللّه و صفاته بالفعل مع ان في عرضه معه غيره و هما ممتازان نعم السابقون من الشيعة الذين هم في اعلي الدرجات اي الفؤاد جميعهم مظهر امامهم من حيث الظهور و جميع فضله الظاهر  منتشر فيهم فما في واحد بالقوة ففي الآخر بالفعل قال ابوجعفر7 نحن خزان اللّه في الدنيا و الآخرة و شيعتنا خزاننا و المراد جميع الشيعة علي ما عرفتهم و عند كل واحد من علمهم شي‌ء نعم ان الشيعة السابقين لسبقهم في الاجابة و قربهم من المبدء الواحد قليلوا التمايز في الذوات و الصفات و الاخلاق و العلوم و الاعمال و ما فيهم بالقوة سهل الحصول قريب من الفعلية لما عندهم من الحقيقة الواحدة التي هي نقطة العلم المتطورة في جميع حروف العلوم و ليس ما في احدهم بالقوة بمنزلة ما في ساير الناس بالقوة اذ هو معدوم فيهم يحتاج الي مخرج من الخارج و اما ما في السابق بالقوة فليس يحتاج الي مرجح خارجي و يظهر له بادني توجه ان توجه و اراد و اما الامام فهو الذي جميع الكمال فيه بالفعل موجودا لايغفل عنه اذ لايشغله شأن عن شأن و اما في ساير الشيعة فليس بهذه المنزلة بل رب شي‌ء يغفلون عنه و يجهلونه ما لم‌يلتفتوا فان التفتوا و ارادوا عرفوه و لعلهم لايلتفتون اليه لاشتغالهم بالاهم فلاجل ذلك هم قليلوا التمايز جدا كما ان ائمتهم سلام اللّه عليهم مع تمايزهم نور واحد و طينة واحدة و روح واحد و امرهم واحد و حكمهم واحد و كل واحد منهم يقوم مقام الآخر نعم في الشيعة التمايز و التباين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 303 *»

اشد لانحطاط درجتهم و لكن مع ذلك اخوان علي سرر متقابلين يكفي كل واحد منهم عن الآخر و جهة الوحدة عليهم غالبة و جهات التمايز فيهم مضمحلة لاتصير منشأ اثر منافر ألاتري ان الشرط في كل واحد ان يكون متبعا لامر الواحد الجامع في جميع اوامره فنظرهم جميعا الي الواحد و حكايتهم عن ذلك الواحد و هم متصفون بصفة ذلك الواحد آخذون عنه عاملون بامره و رضاه فهم متحدون فيما هم عليه و لو غلب علي احدهم جهة الانية لكان بذلك محجوبا عن الفؤاد عاملا بهواه مخالفا لامر  مولاه و المشروط فيهم غير ذلك فانهم لايرون حيث نهوا عنه و لايفقدون من حيث امروا و هم الشيعة المشايعة و لو عملوا بمقتضي انيتهم شيئا لكانوا بذلك محجوبين عن الفؤاد البتة و المفروض غير ذلك فهم لاجل اتصافهم بصفات ذلك الواحد و حصر نظرهم فيه و اقتفائهم اثره و ارادة كل واحد كله متحدون في النور و الروح و الطينة نوعا يصدر من كل واحد ما يصدر من كل واحد نوعا و اما شخصا فيمكن ان يصدر من كل واحد ما يصدر من كل واحد امكانا قريبا كالانبياء السابقين مع تعددهم و تمايزهم و اختلاف درجاتهم و كل واحد منهم كاف واف لرعيته مؤد عن اللّه سبحانه قائم مقامه في الاداء في رعيته يعرفون اللّه به و يستدلون به عليه و ذلك لغلبة سر الوحدة عليهم و اضمحلال جهة التمايز فيهم و لايجوز للرعية ان يفرقوا بين اللّه و رسله هذا و انت لو نظرت الي واحد منهم مع كشف السبحات ارتفع جهات التمايزات و الخصوصيات و نظرت الي ذلك الامر الواحد الجامع من حيث الواحد لا من حيث خصوص المظهر و لوجدت في كل واحد منهم ذلك الواحد الجامع بلا تفاوت وجدانا و ان تفاوتوا وجودا تفاوتا لايعتني به هذا و ليس تمايزهم مبلغ فهمك و موصل ادراكك و انما هو شي‌ء بينهم يعرفونه هم من انفسهم كما انه ليس من حظ مشاعرنا درك اختلاف درجات آل‌محمد: و الجامع الذي نطلبه نحن يوجد في كل واحد اذ كل واحد من السابقين موحد بتوحيد جامع كاف واف و كلف به و طلبه و وصل اليه و ما فيه من التمايز مع غيره الجاعل بعض الامور فيه بالقوة ليس بمضر بالجامع الذي نطلبه نحن كما انا باخبار محمد و آل‌محمد: نعلم ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 304 *»

محمدا9 افضل من علي7 و علي7 يفقد بعض ما لمحمد9 و لايضرنا ذلك الفقدان في معرفتنا باللّه  بعلي7 فان ذلك الفقدان عندنا اعظم الوجدان و هو فوق مشاعرنا و كذلك فقدان بعض العلماء من الشيعة اعظم من وجداننا و يجب ان نتعلم ذلك المفقود عنده منه سنين و هو يفقد ما لاندركه لا ما ندركه.

بالجملة ان الشيعة هم آية معرفة اللّه سبحانه و وجهه و معرفتهم تمام معرفة اللّه و حبهم تمام حب اللّه و انكارهم انكار اللّه و بغضهم بغض اللّه و كل معاملة معهم معاملة مع اللّه و سيأتي ان شاء اللّه تمام الكلام في محله فترقب قال جابر للسجاد7 الحمد للّه الذي منّ عليّ بمعرفتكم و الهمني فضلكم و وفقني لطاعتكم و موالاة مواليكم و معاداة اعدائكم قال صلوات اللّه عليه يا جابر أوتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا ثم معرفة الامام رابعا ثم معرفة الاركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا و هو قوله تعالي (لو كان البحر مدادا  لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا) و تلا ايضا (و لو ان ما في الارض من شجرة) الآية يا جابر اثبات التوحيد و معرفة المعاني اما اثبات التوحيد فمعرفة اللّه القديم الغايب الذي لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و هو غيب ستدركه كما وصف به نفسه و اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده الي ان قال يا جابر من عرف اللّه هذه الصفة فقد اثبت التوحيد لان هذه الصفة موافقة لما في الكتاب الخبر و نقل من البحار بسنده عن المفضل عن الصادق7 انه قال قـال اللّه تعالي افترضت علي عبادي عشر فرايض اذا عرفوها اسكنتهم ملكوتي و ابحتهم جناتي اولها معرفتي و الثانية معرفة رسولي الي خلقي و الاقرار به و التصديق له و الثالثة معرفة اوليائي و انهم الحجج علي خلقي من والاهم فقد والاني و من عاداهم فقد  عاداني فهم العلم فيما بيني و بين خلقي و من انكرهم اصليه ناري و ضاعفت عليهم عذابي و الرابعة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 305 *»

معرفة الاشخاص الذين اقيموا من ضياء قدسي و هم قوام قسطي و الخامسة معرفة القوام بفضلهم و التصديق لهم و السادسة معرفة عدوي ابليس و ما كان من ذاته و اعوانه و السابعة قبول امري و التصديق برسلي و الثامنة كتمان سري و سر اوليائي و التاسعة تعظيم اهل صفوتي و القبول عنهم و الرد اليهم فيما اختلفوا فيه حتي يخرج الشرح منهم و العاشرة ان يكون هو و اخوه في الدين و الدنيا شرعا سواء فاذا كانوا كذلك ادخلتهم ملكوتي و امنتهم من الفزع الاكبر و كانوا عندي في عليين انتهي.

بالجملة ولاية الشيعة ولاية اللّه و عداوتهم عداوة اللّه و هم تمام الكلمة التامة المقتضية للنجاة و الجزء الاخير من العلة التامة المورثة للفوز بالدرجات و هذه عند اهل عصرنا من المتروكات و اقتصروا بادعاء ولاية من لايظنون في ولايته مـٔونة عليهم و صالحوا علي اخراج هذا الجزء من دين اللّه لزعمهم انه يحتمل ان يضر بهم و من كفر فان اللّه غني عن العالمين و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ولاحول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

فصل: و لما ذكرنا في الفصل السابق جهة العبادة علي نحو الاشارة و تلخيص العبارة و لم‌يكن معرفتها عند غيرنا و لم‌تبرز و لا قوة الا باللّه الا عنا و لم‌يكن في هذا الكتاب موضع اليق بها من هنا احببت ان اختم هذا المقصد بذكرها مفصلا لان غرضي في هذا الكتاب تنبيه الغافلين و تعليم الجاهلين.

اعلم ان العبد هو المنقاد لرب و العبادة و العبودية مصدران بمعني الانقياد و الرب هو المعبود اي المنقاد له و لكل عبادة جهة يقود الرب عبده اليه و الرب بذاته فوق الجهات و لايقاد اليه العبد اذ ليس في عرض الرب و لايصل اليه و انما يقاد العبد الي جهة الخدمة التي امر بها فيها ألاتري ان المولي يأمر  عبده بكنس داره و رشّ الارض و تنجيد البيت و طبخ الطعام و حسّ الدابة و تعليفها فهذه المواقع هي جهات الخدمة توقع الخدمة فيها و عليها و يقاد العبد اليها و ينقاد اليها للمولي و المنقاد له

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 306 *»

هو المولي فهو المخدوم دون الدابة و ان وقع الحس عليها و دون الارض و ان وقع الكنس عليها و اذا كان المولي غنيا فلايكاد يقع شي‌ء من الخدمة عليه ابدا بخلاف الموالي المحتاجين فقد يكونون جهة الخدمة بابدانهم فيطعمون و يسقون و يدلكون و امثال ذلك و جهات الخدمة تختلف فقد تكون جسما خارجيا جماديا ككنس الارض او نباتيا كسقي النخلة او حيوانيا كحسّ الدابة او انسانيا كاكرام انسان او قضاء حاجة له و قد تكون جهة من الجهات كأن يامر المولي عبده بالسير الي جانب المشرق او السفر الي المغرب او القعود متوجها الي ناحية الشمال و هكذا و قد تكون مكانا و قد تكون كمّا او كيفا او رتبة او وقتا او وضعا و امثالها واضحة و قد تكون حركة و لفظا كأن يقول اُعْدُ او تكلم كذا و قد تكون عملا خاصا و قد يكون جهة واحدة من المذكورات في الذهن و الخيال او جهات فانه يمكن ان يأمر المولي عبده بتصور السماء و الارض و الاحمر و الاصفر و الاكل و الشرب و غير ذلك مما سمعت و كذلك قد يكون جهة الخدمة امرا نفسانيا كأن يأمر السيد عبده بتعلم علم خاص او التخلق بخلق معين و قد يكون جهة الخدمة امرا عقلانيا كأن يأمر السيد عبده بتحصيل معني معين و تحصيل كليات خاصة و قد يكون جهة الخدمة امرا حقيقيا كأن يامره بتحصيل معرفة حقيقة امر و محبة شي‌ء او بغض شي‌ء فكل هذه و امثالها جهات خدمة و يمكن ان يأمر السيد عبده بايقاع الخدمة عليها و يقوده اليها فينقاد له اليها و المنقاد له و القائد في جميع ذلك هو السيد.

فان عرفت هذه التقريبات فاعلم ان اللّه سبحانه هو الذي لا من  شي‌ء كون ما قدكون من غير حاجة منه اليه اذ هو الغني المطلق القائم بنفسه لنفسه الاحدي فلا حاجة له الي شي‌ء سواه فهو الغني عن ذوات خلقه و عن طاعتهم و الامن بمعصيتهم لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه و لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و لايقترن به سواه و لايصل اليه احد دونه كل ما يدرك بوجه هو غيره و كلما يقترن به شي‌ء فهو سواه و كلما يوصل اليه فهو دونه فخلقهم حيث خلقهم بلا كيف و لا اقتران و لا مماسة و لا فعل و لا قول و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 307 *»

لا تغير و لا حدوث شي‌ء فيه لايسأل عما يفعل و هم يسألون و الزمهم مراكزهم و اضطرهم الي مقاماتهم و جعل لهم درجات لايتجاوزونها و حدود لايتعدونها و وهب لهم مشاعر لاتدرك الا اشكالها و آلات لاتقترن الا باشباهها و اوجها لاتتوجه الا الي ما يصاقعها و تعالي بنفسه عن ذلك كله كذب الجاهلون باللّه و ضلوا ضلالا بعيدا و خسروا حيث لم‌يستنبطوا العلم عن مستنبطه و لم‌يسلموا لحملته خسرانا مبينا و رضوا بان يسموا ما اشتهته انفسهم الها او يتفوهوا بما لا معني له او ما لايعرفوا معناه و لو اراد معلم ان يعلمهم استوحشوا منه و نفروا بل اتهموه بما لايليق بل رموا به الي مكان سحيق.

بالجملة لما ان خلق اللّه الخلق كذلك امرهم بخدمات هي افعالهم و تقع علي اشكالهم و ينتفعون بها هم و لايناله شي‌ء من ذلك و لاينتفع بشي‌ء من ذلك اذ هو الغني عن ذواتهم و صفاتهم و افعالهم ان احسنتم احسنتم لانفسكم و ان اسأتم فلها ومن كفر فان اللّه غني عن العالمين، يا ايها الناس انتم الفقراء الي اللّه و اللّه هو الغني فالعابد هو العبد و العبادة عمله و جهة العبادة ما تقع عليه و المعبود هو اللّه سبحانه بلا اتصاف و لا اقتران ألاتري ان اللّه يأمرك بايتاء الزكوة فانت العابد الممتثل و العطاء فعلك و عبادتك و جهة العبادة النقد و المسكين و امثالهما التي وقع عبادتك عليها و توجهت  اليها و اقترنت بها و ليس شي‌ء من ذلك باله لك و لا معبود.

فاذا عرفت ذلك فاعلم انه كما تعلق امره بامور جسمانية و افعال تعلق امره باقوال فامر بتلفظ الفاظ خاصة اختص بعضها بنفسه و بعضها بخلقه فامر خلقه بالتلفظ بها فتلك الالفاظ جهات العبادة و العبادة التلفظ بها و العابد انت و المعبود هو اللّه سبحانه الذي تلفظت بتلك الالفاظ بامره و تعلق امره بجهات كما امرك باستقبال القبلة في الصلوة و الذبح و بساير الجهات في ساير الاحوال فجهة العبادة جهة القبلة او غيرها و العبادة استقبالك و العابد انت و المعبود هو اللّه المتعالي عن الجهات و ليست الكعبة و لا جهتها بمعبودك و علي هذه فقس ما سواها مما في العالم الظاهر و كذلك امرك اللّه سبحانه بتصوير صور خاصة و نهي عن صور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 308 *»

خاصة و امرك بتخيل خيالات خاصة و تفكرات خاصة و علوم و معقولات خاصة فهي كلها جهات العبادة و العبادة هي تصويرك و تخيلك و تفكرك و تعلمك و تعقلك و العابد انت و المعبود هو اللّه و كذلك ان اللّه سبحانه امر بتعظيم شعائره و تكريم اوليائه و ثناء اصفيائه بذكر فضائلهم و ممادحهم و اخبارهم و آثارهم فهذه كلها هي جهات العبادة و العبادة هي التعظيم و التكريم و ساير ما ذكرنا و العابد انت و المعبود هو اللّه تعالي شأنه الغني عن تعظيم خلقه و تكريمهم اياه و ثنائهم عليه و كما خلق لنفسه اسماء لفظية تعبد خلقه بتلفظهم بها و تمسكهم في عالم الالفاظ بها خلق لنفسه اسماء كونية هي اسماؤه و جميع اسمائه غيره و تعبد خلقه بالتمسك بها فهي جهات العبادة و تمسكك عبادة و انت العابد و المعبود هو اللّه المتعالي عن الرسم و الاسم.

و كذلك قد وصف نفسه باوصاف و تعرف لخلقه بتعريفات و اظهر للدلالة عليه آيات و امر بمعرفتها و التدبر فيها و معرفته بها فهي كلها جهات عبادته و فعلك لما ذكر عبادة و العابد انت و المعبود هو اللّه الذي  كمال توحيده نفي الصفات عنه و لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و كذلك امر بارادة بعض الامور و قصد بعض الاشياء كارادة الخير مثلا و قصد الانفاق فهذه الامور جهات العبادة و فعلك الارادة و القصد و تلك الجهات هي المرادة و المقصودة  و العابد انت و المعبود هو اللّه المتعالي عن ان يقع عليه الاوهام او يشير اليه الاحلام و من لم‌يعرف جهة العبادة و لم‌يفرق بينها و بين المعبود لم‌يدخل عرصة العارفين و لايقدر ان يكون من المخلصين و الفرق بين المعبود و جهة العبادة ان المنقاد له هو المعبود و انت تتوجه الي جهة العبادة انقيادا لامر المعبود فلو امرك بالانصراف عن تلك الجهة الي جهة اخري لانصرفت و لو كنت بحيث لاتنصرف عنها لو امرك فانت معبودك تلك الجهة فانك منقاد لها و تنقاد اليها دون الآمر فافهم هذه الكلمات و اجرها في ساير الموارد فمن اطاعك لاجل نعمتك و طمعا في مالك بحيث لو لم‌تنعم عليه و لم‌تنله من مالك لم‌يطعك فانت جهة العبادة و النعمة هي المعبود و المطموع فيه هو المعبود ألاتري انه ينصرف عنك و لاينصرف عنه اين ما وجده ذهب اليه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 309 *»

فهو يطيعك لاقتران المطموع‌فيه بك فلو زال الاقتران ترك طاعتك فانت المقصود بالعرض و المطموع فيه هو المقصود بالذات و هذا هو الفرق دائما بين المعبود و جهة العبادة و كذلك من يطيعك خوفا علي نفسه من سخطك فنفسه هي المعبودة و انت جهة العبادة فانه ان امنك لم‌يطعك و لو خاف من غيرك لاطاعه فهو يدور مدار حفظ نفسه و هو المقصود بالذات و انت المقصود بالعرض فلايعبد اللّه جل و عز حقيقة الا المخلصون و هم الذين يعبدون اللّه تعظيما له و توقيرا و شكرا و حبا و يتوجهون الي ما يتوجهون لاجله و يريدون ما يريدون لاجله و يحبون ما يحبون لاجله حتي الاسماء و الصفات و الانبياء و الخلفاء و الاولياء و الملئكة و غيرهم  من ساير الخلق فلايحبون شيئا الا لاجله و لايعملون شيئا الا لاجله و لايتوجهون الي شي‌ء الا لاجله فاللّه مقصودهم بالذات و ما سواه كائنا ما كان اذا قصدوه يقصدونه بالعرض و لاجله فاولئك هم العابدون المؤثرون مولاهم علي من سواه و اولئك ينالون الحظ من الزلفة و القربي و اي حظ لهم اعظم من خلوصهم حاشا و اني

تعرضت في قولي بليلي و تارة بهند فما ليلي عنيت و لا هندا

و انما اردت تقريب ذهنك و تمرينك لعلك تستعد لما اريد ان اذكره فجميع ما سوي الذات الاحدية جل علاها من معبرعنه او مشاراليه او متوهم او موصول‌به او متوجه‌اليه او مراد او مقصود او مدلول عليه او مذكور او مكني‌عنه او معلوم او غايب او حاضر او ظاهر او باطن او مبهم او مشروح او مجمل او مبين او عموم او خصوص او مطلق او مقيد او دقيق او جليل او مستور او مكشوف او غير ذلك مما عنه تعبيرما و لو مبهما و لو بادق الاشارات كلها جهات العبادة و ينبغي للعارف ان يجعلها وسيلة لتقربه الي معبوده و لايقصد شيئا منها بالذات البتة و يسلك فيها و معها علي حسب ما امره اللّه لاجل اللّه و لاجل امتثال امره تعظيما و تبجيلا و توقيرا و شكرا و حبا من غير ان يرجع نيته الي ملحوظ سواه و لو بخائنة الاعين فمن عبد اللّه كذلك فهو المخلص الذي ذعر منه الشيطان و لم‌يجسر علي اغوائه و لم‌يطمع فيه و قال لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين و آيسه اللّه سبحانه فقال (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) ضرورة ما عرفت ان كل من هو غير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 10 صفحه 310 *»

هؤلاء يعبد غير اللّه و انما جعل اللّه جهة عبادته و وسيلته الي معبود فهو ليس بعبد اللّه و لاجل ذلك صار اعظم القاب اعظم الانبياء9 العبد قال اللّه سبحانه (تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده) و ذلك تقريب و تفخيم لمحمد9 لا غاية له و لا نهاية فهو العبد المطلق الاول الحقيقي و اهل بيته سلام اللّه عليهم  عباد اللّه الذين قد يئس منهم ابليس فهم المعصومون المطهرون من كل رجس و انما ذلك لاجل عبوديتهم للّه سبحانه ضرورة ان كل عامل بما يكرهه اللّه غير منقاد و ليس بعبد علي الاطلاق فباثبات العبودية لهم يثبت لهم العصمة و ذلك ان العبودية الكونية ليس بثناء عليهم يثني عليهم اللّه في العالمين و ينوّه باسمهم بين الخافقين و انما المراد العبودية الشرعية و هي اذا صارت حقيقية افادت العصمة كما عرفت فجميع من هو سوي محمد و آل‌محمد: من الانبياء و الاولياء مقصرون في العبودية و لاجل ذلك يستغفرون اللّه و يتضرعون اليه و يبكون علي خطيئاتهم و لاينافي ذلك العصمة الجزئية و اما تضرع محمد و آل‌محمد: فمن عبوديتهم فان العبد غير الرب و مخالف للرب فلو لم‌يكن مخالفا لكان ربا فلاجل انهم عبيد مخالفون للرب يتضرعون و يبكون لكي يداووا ذلك الداء العضال بذلك الابتهال و يزيلوه بذلك البلبال و ذلك اقصي المعاني في تضرعهم و ابتهالهم الي اللّه المتعال.

بالجملة ان العبادة لابد و ان يكون لها جهة فان الذات لاتكاد تقع عليها عبادة عابد هو الغني المتعالي عن نيل الخلايق و درك الحقايق و الفعل من العبد الفاعل لابد و ان يكون له متعلق يتعلق به و يقع خدمته عليه في جميع المراتب فمن عرف جهات الخدمة فهو العارف و من لم‌يعرفها فانما يعبد اللّه هكذا ضالا عن طريق الهدي و يحسبون انهم يحسنون صنعا و لذلك لايكاد يؤثر و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

([1]) ادأب نفسه اي حملها علي الجد و التعب في العبادة. منه اعلي‌الله مقامه

([2]) يخالفون بين جباههم و ركبهم اي يستعملون الجبهة مرة و الركبة مرة في الطاعة من خالفها اذا اتاها بعد غيبة زوجها. منه اعلي‌الله مقامه

([3]) لايُغِلُّ اي لايجوز الاغلال اي الخيانة اي لايجوز ان يخون قلب امرء مسلم علي ضرر ثلث و هي الاخلاص و النصيحة و اللزوم و يجوز يَغِلُّ اي يخون فمن خان بهذه الثلث ليس بمسلم. منه اعلي ‌الله  مقامه