06-01 مکارم الابرار المجلد السادس ـ الفطرة السليمة المجلد الاول – چاپ – الجزء الاول

الفطرة السليمة المجلد الاول – الجزء الاول

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 17 *»

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد للّه الذي كان قبل الكان و لا من شي‏ء كون ما قدكان لا بشي‏ء اخترع و لا لشي‏ء ابتدع و لايسأل عما يفعل و هم يسالون و الصلوة علي ظاهره و بابه و دليله الي علي جنابه محمد الذي انتجبه في القدم علي سائر الامم و علي اهل بيته مصابيح الظلم و القائمين مقامه في سائر العالم و علي الهداة المهديين الغر الميامين و ظواهر الائمة المنتجبين و تمام العلة التامة في العالمين و لعنة اللّه علي الفرق المختلفة عليهم من الجن و الانس من الاولين و الاخرين.

و بعـــد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قدكان طلب مني سابقا المولي الجليل و الاولي النبيل الافخم الاكرم و الاحشم الاعظم سلالة الاعاظم و نتيجة الاكارم الجناب المحمود المسعود الميرزا محمود الاصبهاني ايده‏الله‏تعالي تاليف كتاب في العقايد الحقة فكتبت في جوابه كراريس حتي سنح لي تاليف كتابي المسمي بـ«ارشادالعوام» فعاقني تاليفه عن اتمام ذلك الكتاب لما كان فيه غنية عما كنت قاصدا ان‏اكتب له فتركته الي ان تم بتوفيق الله كتاب ارشاد العوام فامرني ثانيا و الح علي جناب العالم العامل و الفاضل الباذل المولي الجليل جناب الاخوند الملا اسمعيل الزنوزي ادام الله بقاءه ان‏اطرد مقالتي في الكتاب الاول من حيث افضيت و اتمم له ماكان في خاطري اولا فاسعفت اجابتهما و التزمت طاعتهما و سميت تلك الرسالة سابقا بـ«الفطر\‌السليمة»  و جعلت لها مقدمة و اربعة ابواب و خاتمة فاجري علي ذلك المنوال و لم‏اغير اسمها و لا رسمها بتغير الحال و اتنحي كما كنت قاصدا عن طرق المتكلمين و الحكماء المتفلسفين و الصوفية المنتحلين فانها طرق كثيرة الخطر غزيرة الضرر لاينجو منها الا عالم رباني و حكيم صمداني و قصدي فيها هداية المستبصرين و ارشاد المسترشدين فالتزم فيها سنن الانبياء و المرسلين و الاوصياء المكرمين و اقتفي في الاستدلال اثارهم و احتذي في البيان حذو اخبارهم فانهم اعلم بامراض النفوس و ادوائها و صلاحها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 18 *»

و فسادها و لا شك ان طريقهم اقرب الطرق الي الله سبحانه و اسلمها من الشبهات و الشكوك و الضلالات فها هو ابّان الشروع في المقصود و استمد من الله الودود.

المقـدمـة

في معرفة امور يجب تقديمها

اعلم وفقك الله تعالي ان الانسان اذا صعد عن حضيض البهمة البهيمية الي اوج الاعتبار الانساني و تنبه عن رقدة الغفلة و نظر في نفسه تارة و في الافاق اخري بنظر التعجب و الاعتبار بانها ما هي و من اين هي و الي اين هي و ما هذه الامور العجيبة و الاحوال البديعة و ما هذه الافلاك الدوارة و النجوم السيارة و النيران الهايلة و الاهوية الهابة و المياه الجارية و الارضون الساكنة و النباتات النامية و الحيوانات السائمة و الاناسي القائمة الي غير ذلك من انواع الموجودات و اقسام المكونات تحير في نفسه البتة و اضطرب و اشتاقت نفسه الي فهمها و تاقت همته الي معرفتها و لاسيما اذا خالط الناس و عاشرهم فسمع باختلافهم و تفرقهم فرقا شتي و مذاهب مختلفة فسمع بعضهم يسمي ربا و بعضهم يسمي نبيا و بعضهم يسمي اماما و بعضهم يسمي وليا و بعضهم يعمل اعمالا عجيبة و يسميها عبادة و بعضهم يتادب باداب غير ما يتادب به الاخر و بعضهم يسمي اخرة و جنة و نارا و حشرا و نشرا و ميزانا و صراطا و كتابا و بعضهم بيدهم صحف و كتب يزعمونها سماوية و يسمون ملكا و وحيا و حراما و حلالا و فرضا و سنة و يكفر بعضهم بعضا و يلعن بعضهم بعضا و يتبرؤ بعضهم من بعض و يستنجس بعضهم بعضا و يشهد بعضهم علي بعض بالنعيم الابد و بعضهم علي بعض بالعذاب السرمد و يستحل بعضهم قتل بعض و نهب بعض فاذا سمع الفطن الذكي ذوالفطرة السليمة و البصيرة المستقيمة هذا الضوضاء و راي هذا الغوغاء استوحش البتة و الزم علي نفسه استفهام هذا الاختلاف و خاف علي نفسه فاستوجب معرفة طريق نجاتهم و طريق هلاكهم و استعمال منافعهم و اجتناب مضارهم و لايجوز عنده الوغول في احد هذه الامور من غير بصيرة و لا الخروج عن جميعها بالاهمال و الاغفال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 19 *»

و يري ان المتهاون في معرفة حقيقة هذه الامور سفيه البتة و هذا معني وجوب طلب المعرفة و النظر لا انهما واجبان بالشرع.

فمثال ذلك انه لو كانت مائدة في بيت عليها انواع المطاعم و المشارب و السموم القتالة و الفادزهرات المخلصة و ساير المنافع و المضار فان كان الانسان غافلا كالبهايم و دخل هذا البيت و اكل مما عليها من غير شعور فاما يتفق اكله من المنافع فينتفع بها و اما ان‏يموت بسمومها و مضارها و اما اذا كان نبيها يقظانا و راي اناسا عليها و سمع ضوضاءهم و خلافهم فمنهم من يقول هذا سم قتال لاتاكلوه و منهم من يقول هذا شفاء نافع فكلوه و راي اناسا هلكي و يقول بعض اهل‏البيت هولاء هلكوا بالاكل من سموم هذه المائدة و يري اختلافهم في تعيين السموم و الفادزهرات فمحال ان‏يجسر علي تناول شي‏ء منها و هو عاقل يخاف علي نفسه من غير فحص و بحث عن احوال السموم و المضار و الفادزهرات و المنافع حتي يقف علي القطع و اليقين باحوالها و محال ان‏يكتفي بالشك و الظن و التخمين فان النفس لاتسكن بها البتة و ما لايسكن النفس لايجسر العاقل علي تناول شي‏ء منها بمحض الظن و التخمين.

فكذلك يكون العاقل في طلب المعرفة و الاستكشاف عن حقايق ما يسمع من الاقوال المختلفة و الاراء المتشتتة لاسيما انه يري اقواما يقولون من بلغه دعوتنا و اقيمت عليه حجتنا ثم لم‏تكن معنا فهو مخلد في العذاب الدائم و كذلك يقول بازائهم اقوام اخر علي خلاف قولهم فيري انه لابد و ان‏يكون مع احدهم معتزلا عن الاخر و لايحصل ذلك له الا بعد الاستكشاف و هو لايمكن له الا بعد الطلب و الطلب لايمكن له الا بعد التفرغ عما سويه و اتحاد الهم فعند ذلك يستوجب توحيد الهم و التفرغ و الطلب و الاستكشاف حتي يقع علي ما به يسكن نفسه الي انه من الناجين البتة و ذلك امر فطري جبلي و قد حبب للانسان نفسه و جبل فيه طلب النجاة و حفظ نفسه عن الافات و الاضطراب في غير اليقين حتي يقع عليه فوجب بحكم الفطرة السليمة و الجبلة المستقيمة ان‏يجتهد مثل هذا العاقل ليله و نهاره و يحرم علي نفسه القرار و السكون حتي يعرف معني هذا الاختلاف فان الوقت قصير و العمل كثير و الاجل مباغت و العمر فائت و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 20 *»

لايُؤمَنُ علي نفسه ذلك العذاب الموعود في ساعته تلك لانه لايدري متي يموت فالمتهاون بالطلب و التفرغ بعد سماع الخلاف و ضيق الوقت و بغتة الاجل مخاطر بنفسه مهلك لها خارج عن زمرة العقلاء و ليس له نفسان يهلك احديهما و يعيش بالاخري و انما هي واحدة و لها عيش واحد و فناء واحد ثم بعده اما عذاب قائم او نعيم دائم كما يقولون و اما ليس شي‏ء مطلقا كما يقول به جماعة اخري ولكن ذكر احتمال العذاب الدائم يقلقل في احشاء العاقل و يحرم عليه القرار فاجتهد يا ايها الانسان جهدك و شمر عن ساق الطلب حتي تعرف صدق الاقوال فتحذر عن مخالفتها او كذبها فتستريح و لاتخاطر بنفسك و لاتلاعب بها ان كنت من العاقلين فان العذاب الابدي ليس بامر صبياني و شي‏ء انقطاعي فشمر عن ساق الجد و عض علي النواجذ و اصغ لما اقول و انظر بعين اهل العقول فاني لك من الناصحين و بنجاتك من الراغبين و اني قلبت الامور ظهرا لبطن و جربت هذه المطاعم و المشارب كلها و انا معرف لك اياها بحول الله و قوته بحيث تشاهد صدق ما اقول و تعرف القاتل و المقتول و تشاهد من نجا بما نجا و من هلك بما هلك و اياك و ان‏تمس شيئا من هذه المطاعم قبل ان‏تعرف حقايقها فانه رب طعام عليها مهلك مسه قتال الركون اليه و الحب له فاحذر كل الحذر و استعمل لنفسك النظر و اياك و ان‏تترك الجد و الاجتهاد ما يضرب لك عرق او يخفق لك طرف فان طلب العلم بحكم الفطرة السليمة واجب علي كل حال‏فان كنت من اخوان العقلاء و اولي‏الالباب فاصغ لما اقول و انصف من نفسك حتي تدرك المامول و لاتخنها بظلمي و ظلم الحق فهذه عرصة الانصاف لا ميدان الاعتساف و السلام علي طلاب الهدي و المجتنبين عن الردي.

فان دخلت في زمرة الطالبين فاعلم انك لاتصير من الواصلين الا بعد التخلي عن امور تعوج الطبع القويم و تعلل القلب السليم فان كلامي مع صاحب الفطرة السليمة و القريحة المستقيمة و تلك امور سبعة ما لم‏تحصل للانسان لايلحق رتبة الايقان و لايصعد عن حضيض الجمادية و النباتية و الحيوانية الي اوج الانسانية.

فالاول: ان تصعد من ارض الغفلة و اللهو الجمادية و النباتية الي سماء الحيوة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 21 *»

فان اهل الغفلة اموات غير احياء لا فرق بينهم و بين الجمادات و النباتات فمنهم من قست قلوبهم فهي كالحجارة او اشد قسوة و منهم من يعجبك اجسامهم كانهم خشب مسندة لايفهمون ما يقولون و لا ما يقال لهم همهم ما يدخلونه في بطونهم فلاجرم قيمتهم ما يخرجونه منها فهم اموات غير احياء و انما ينذر من كان حيا و يقع التخاطب معهم لا مع غيرهم و العبرة في الدنيا بهم لا بغيرهم و اما غيرهم فقدخلقوا لحمل اثقالهم الي بلد لم‏يكونوا بالغيه الا بشق الانفس و هم حشو العالم خلقوا بالعرض لا بالذات فلايتوجه اليهم الخطاب و لاياتيهم الكتاب فانما يتذكر اولواالالباب و اهل هذا المقام اكثر اهل الدنيا لهم قلوب لايعقلون بها و لهم اذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون.

و الثاني: ان‏تصعد من ارض العادات الي سماء الفكر و التدبر فلاتتورط في اشياء تعتريك بمحض العادة و لاتتوغل في الامور بصرف الانس فانه ربما يعتاد الانسان شيئا في ايام غفلته و هو له مضر لايصلح له ان‏يتوغل فيه بعد تذكره و لرب عادة تغشي الفهم عن الادراك و تغطي العقل عن درك حسن الشي‏ء و قبحه و هو علي عادته يتوغل فيها من غير تدبر و يريها باستحسانه لها في حال غفلته حسنا ولكن اذا تدبر فيها و تفكر يري انها قبيحة و اعتياده اياها ناش عن غفلته الاولية فلاينبغي لطالب الفطرة السليمة الذي يريد فهم حقيقة الاشياء كما هي ان‏يركن الي العادات المعمية المصمة فيحسن ما اعتاده و يقبح ما خالفه فان ذلك مرض مهلك قد هلك به اقوام كثيرون و كفاك دليلاعلي عدم جواز الاعتداد به ان الغفلة ليست مميزة للامور و كل امر ارتكبته عن غفلة يمكن ان‏يكون حسنا و يمكن ان‏يكون قبيحا فلاتحسن ابدا ما وافق عادتك و لاتقبح ابدا ما خالفها و تدبر في الامور بعين بصيرة و تفكر فيها بفكرة خبيرة حتي تفهم المراد بخالص ما فيك من الفطرة فما فهمته بدليل قطعي حسنا فخذ به و ما علمته بدليل قطعي قبيحا اتركه فاذا كنت تنظر لنفسك فاصعد عن مهاوي العادة الي مناجي التدبر و في هذه المرتبة ايضا يتخلف اناس كثيرون و يلازمون هذا المقام فيحرمون عن الفوز بالحق الي اخر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 22 *»

الايام و ديدنهم ان‏يقولوا انا وجدنا اباءنا علي امة و انا علي اثارهم مقتدون.

و الثالث: ان‏تصعد من ارض الطبايع الي سماء الخيال فان المخلدين في ارض الطبايع لايعرفون حقايق الامور و ان صعدوا عن ارض العادات و هذه عقبة كؤد لاينجو منها الا قليل من الناس و هذه العقبة اشد صعوبة من عقبة العادة اذ العادة اقرب الي الاحساس الظاهر و يسهل التنبه بانها عادة ليست بواقعية و اما الطبيعة فخفية يكاد يشتبه حكمها بحكم العقل فيزعم اهلها ان ما حكمت به حكم العقل فيتيه في واد سحيق و تمييزهما عليهم امر دقيق الاتري ان من الناس من يغلب عليه الصفراء و تستولي علي مداركه و مشاعره فتنصبغ فيها الفطرة فتحسن البطش و الغضب و الاستيلاء و الكبر و الرياسة و التهور و الرياء و معالي الامور و لايكاد يقبل قول من انكر عليه شيئا من ذلك و كذا منهم من يغلب عليه الدم فاذا غلب عليه يحب الاستيناس و اللينة مع الكبر النفساني و الاخوة مع اليد العليا و الشهوة و النساء و المحاباة و الالفة و الولاية و مباشرة معالي الامور و سرعة الغضب و العفو و الشجاعة و السماحة و الصفح و غير ذلك مما يناسبه و لايكاد يقبل قول من انكر شيئا من ذلك و كذلك منهم من يغلب عليه البلغم فمن غلب عليه يحب التزيين و الرقة و اللينة و الخديعة و المكر و الجبن و الكسل و الضعف و الشهوة الانفعالية و الحياء و حب الولد و كثرة اللغو و المماطلة و الاطاعة للغير و امثال ذلك و لايكاد يقبل قول من ينكر عليه شيئا من ذلك و كذلك منهم من يغلب عليه السوداء فاذا غلبت عليه يحب الوحدة و الوحشة من الناس و الفرقة و الفقر و الظلمة و الحزن الدائم و البكاء و الثبات في الامر و الاصرار علي ما اختار و التدبر و الحزم و الولايج و الاسرار و الامور الخفية الي غير ذلك و يختلف حالهم علي ما ذكرت اذا غلب عليهم خلطان او ثلثة و ذلك مشاهد محسوس فاذا كان الغالب علي الانسان الطبع و كان فهمه مقهورا له مصبوغا بصبغه مستمدا منه لايكاد ينجو من مقتضي خلط من هذه الاخلاط و يختلف نظره و فكره و فهمه بحسب اختلاف هذه الطبايع و يحسن دائما ما يناسب طبعه و يقبح ما خالفه و لايمكنه درك الاشياء علي ما هي عليه بل يدركها علي ما هو عليه كمن ينظر من منظرة حمراء او خضراء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 23 *»

او غيرها فانه يري كل شي‏ء علي حسب المنظرة فان كان انقلاب الفهم بغلبة الطبع بينا واضحا فاللازم علي طالب الحق هتك هذا الحجاب و رفع هذا النقاب حتي يدرك الاشياء علي الحق و الصواب و يعدل الطبع بمداواة الطبيب الماهر الحاذق بالتدريج لا دفعة و بملازمة تخيلات اضداد ما يغلب عليه كائنا ماكان بالغا مابلغ و هذا انجح و اقرب الي حصول المطلب فعالج كل صفة تغلب علي نفسك بمداومة تخيل ضده و هذا العلاج يفعل في يوم ما لايفعله الدواء في شهر بل في سنة و له طريق و سنة ولكن لم‏اذكرها لملاحظة رسم التعليم فان لها اهلا و لايعرفها المبتدي قبل معرفة ربه فلاجل ذلك تركنا كيفيتها و اشرنا اليها بالاجمال و هذا الوادي ايضا صعب قدهلك فيه خلق كثير و تخلف فيه ايضا اناس كثيرون و العارجون عنه قليلون قليلون.

و الرابع: ان‏تصعد من ارض الشهوات الي سماء الحقيقة فان اهل هذه الارض يغطي حبهم و انسهم بالامور اعين بصايرهم كما هو في المثل الساير حب الشي‏ء يعمي و يصم فاذا غلب علي الانسان حب الشي‏ء و عشقه عمي عن كل عيب فيه و يجعل عشقه جميع مقابح المعشوق في عينه محاسن فلايكاديسمع عذل عاذل و وشي واش بل يستقبح كل ما يخالفه و هذا الحجاب حجاب غليظ لايمكن هتكه الا ان‏يشاء الله و له منازل منها النواميس التي يحتم الانسان علي نفسه ملازمتها و يسترق لها و هي كالعلوم و الاداب و القواعد و المسلمات و المشهورات و الاجماعات و العلماء و الاكابر و المبتلي بهذه القيود لايكاد يستمع الي ما يخالف شيئا منها و ان كان المخالف حقا و انما هو بمناسبة جذبته اليها و علة استولت عليه فلايقدر علي التحول عنها و هذا الحجاب اغلظ مما سبق فاللازم علي من اراد الوصول الي الحق و النجاة ان‏يعالج نفسه من هذا الداء العضال و ينظر في الامور بعين الانصاف حتي يدرك حقايقها و كذا قدتخلف في هذا الوادي ايضا خلق كثير فلايكادون يصدقون حقا يخالف ما هم عليه و الصاعدون عنه قليل قليل.

و الخامس: ان‏تصعد من ارض الطغيان و الغضب الي سماء توهم الامور و تفهمها و هذا الوادي اصعب و اوعر من وادي الشهوة و من نظر في الامور بهذه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 24 *»

العين لايكاد يدرك شيئا من الحق و يستقبح جميع محاسن من يشناه و يبغضه و لايكاد يملك نفسه عن القول بما لايليق و لاتلين نفسه ابدا لتميل الي درك ما يلقي اليه فهي مطية صعبة وعرة مخشوشة جموحة تهوي براكبها في مهاوي مهلكة و اودية موحشة موبقة فيجب علي طالب الحق و الصواب اجتنابها حتي يمكنه الانصاف في الامور فاسع ما امكنك في هتك هذا الحجاب و رفع ذلك النقاب لتفوز بالصواب و استعمل وهمك و فهمك علي نهج الانصاف و جانب الاعتساف و المتخلفون في هذا الوادي ايضا خلق كثير قداهلكوا انفسهم باللجاج و الطغيان و عموا و صموا عن درك الحق بالعيان.

و السادس: ان‏تصعد من ارض الالحاد الي سماء العلم و السداد فتضع كل شي‏ء موضعه و لاتكون متعرضا للمقال في اندية الرجال و تقاول بالجدال لتلبس الحال و تظلم نفسك و صاحبك و الحق و المصغي اليكما في المـٔال فان الانسان اذا كان يحب الجدال و المراء و الخصومات و الالحاد لايكاد يدرك الحق و كن طالبا للحق مبغضا للباطل حريصا علي معرفة الواقع واضعا كل شي‏ء موضعه الخاص به و لاتظلم الحق بان تزيحه عن موضعه و تضعه في غير محله فتضل و تضل فالواجب لطالب الحق ان‏يجري في الامور بعلم و انصاف و بصيرة و يضع كل شي‏ء موضعه و لايحيد عن قصد السبيل و قدتخلف في هذا المقام ايضا خلق كثير لايسكنون الا بالالحاد في الامور و الميل عن الحق و الصواب فاذا القي اليهم حق يستوحشون و يشمئز قلوبهم و اذا الحد فيه يسكنون و يستانسون و يستبشرون نعوذبالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين.

و السابع: ان‏تصعد من ارض الشقاوة و المنافرة عن الحق و اهله و المناسبة مع الانكار و اهله و ملازمة الجهالة الي سماء العقل و ذلك غاية الاشكال و الداء العضال و الناس اضعف شي‏ء اختيارا في هذا المقام و هذا الحجاب حجاب غليظ ليس اغلظ منه و هو واد سحيق و بئر عميق لايكاد يتخلص منه من وقع فيه الا نادرا نادرا و قدتخلف فيه اناس كثيرون و الناجون منه هم الاقلون فاقول:

خليلي قطاع الفيافي كثيرة ولكن ارباب الوصول قليل

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 25 *»

فقل من ينجو من هذه المهاوي و المهالك و يصل الي تلك السماوات و المسالك و ما لم‏يصعد الانسان من هذه الاراضي الي تلك السموات لايكاد يصل الي درك شي‏ء من الحق و لذلك تري الناس حياري في هذه البوادي لايدرون من اين جاؤا الي اين يذهبون و ماذا اريد منهم و باي شي‏ء هم و من اي شي‏ء و علي اي شي‏ء و لاي شي‏ء ياكلون و يشربون كما تاكل الانعام و النار مثوي لهم و الداء العضال ان الانسان اول ما يتولد يتولد في هذه الاراضي و هو فيها مادام هو موجودا بما هو حيوان و لابد و ان‏يصعد منها شيئا بعد شي‏ء اذا اراد ان‏يكون انسانا بما هو انسان فمادام الانسان علي الصفات الحيوانية هو مسجون في سجون هذه الاراضي البتة فاذا تخلي عن هذه الرذايل تحلي بفضائل الانسانية و صار موجودا بما هو انسان و امكنه ادراك الحقايق و لاتستصعب ما ذكرت لك فانه طريق سهل للسالكين وعر للمشرفين عليه هذا و اذا عظم المطلب هان التعب و التعب في هذه الايام القلائل خير لك من العذاب الدائم المقيم و لو لم‏يكن لك نفع في هذا التعب غير تخليك عن صفات الحيوانات لكان ذلك كافيا وافيا اذ لا خير في عيش يكون الانسان فيه احمق يشارك الحمار في حيوانيته لايدرك هرا من بر فباب ضرره مسدود و نفعه مامول فشمر عن ساق الجد و عض علي النواجذ و اجتهد في اصلاح عين بصيرتك اولا ثم انظر في الافاق و الانفس بعده تجد حقايق الاشياء بلا عناء و علي ما هي عليه و من لم‏يتخل عن هذه الصفات فالجهل له خير من العلم الف مرة فان علوم غير المتخلين كلها باطلة و عن حلية الاعتبار عاطلة اذ هي علي حسب اصباغ مشاعرهم و هيئاتها و جميعها ضالة مضلة و الجاهل الساذج مغمور بجهله ياكل و يعيش بلا تعب و لا عناء و احتمال العذاب عليه اقل و هذا هو طريق تحصيل العلم عند اصحاب الكشف و الرؤية و اصحاب الحقيقة و الحكمة و اما اهل الظاهر فيبنون علي شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم و يجمعون الحب قبل طرد الجُرَذ و يريدون ان‏يتحلوا قبل ان‏يتخلوا و مثل الفريقين كالاعمي و الاصم و السميع و البصير هل يستويان مثلا فالاعمي يحتاج الي السؤال عن لون كل شي‏ء فردا فردا و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 26 *»

لو عاش عمر الدنيا و مع‏ذلك لايكاد يعلم لون كل شي‏ء و لا حقيقة نفس اللون و لا كيفيته و البصير اذا علم لونا علم جميع ما يشاكله فبذلك يصير عن قليل عالما بلون جميع ما في الدنيا سواء اطلع عليه او لم‏يطلع و بين الفريقين بون بعيد و لاجل ذلك لايكاد ينتهي زمان تعلم الاولين ابدا و يحتاجون الي التعلم سرمدا و اما الاخرون فلايمر عليهم قليل الا و قدصاروا علماء حلماء كادوا من الحكمة ان‏يكونوا انبياء.

و امثل لك مثالا اخر رجل يريد ان‏يحصل نقوش الاشياء عنده فياخذ لوح خشبة و يذهب الي النقاش فينقش عليه نقش انسان مثلا فاذا اراد نقش حيوان يذهب الي النقاش فيمحو ذلك النقش و يثبت نقش الحيوان عليه و هكذا فلو عاش هذا الرجل عمر الدنيا لايكاد يجتمع عنده نقوش الموجودات و رجل اخر فكر في امره و نظر فاخذ لوحا من حديد فصقله حتي جعله مراة صافية لا كدورة فيها فكلما اراد حصول نقش عنده قابلها به فانطبع فيها ما اراد و لو اخذ كرة حديد صيقلية و وازي بها جملة الجهات انطبع فيها كلها دفعة واحدة فهذا سبيل العلماء الراسخين و الحكماء البالغين يسعون اولا في اصلاح قلوبهم و تنقية صدورهم و تعديل طبايعهم و تصحيح مناهجهم و مفارقة الاضداد حتي يشاركوا بها السبع الشداد فيتجافون عن دار الغرور و ينيبون الي دار الخلود و يستعدون للموت قبل حلوله فينكشف لهم الحقايق و يتضح لهم الدقايق فيعرفون بذلك الموصول و المفصول و الكيف و اللم و هولاء ليس فيما بينهم اختلاف و مجمعون علي الايتلاف و ما تري في العالم من الخلاف فانما هو لاختلاف انظارهم و تباين افكارهم الناشي عن اختلاف عاداتهم و طبايعهم و شهواتهم و غضبهم و الحادهم و الا فحقيقة الاشياء واحدة لا اختلاف فيها فاذا اردت ان‏تسلك سبيل الذين مضوا علي منهاج الحق و الصواب فادخل كل بيت من الباب و باب التحلي بحلية الفضائل التخلي عن لوث الرذايل ثم النظر في حقايق الاشياء بالفطرة السليمة و من انصف عرف ان الوصول الي حقايق الاشياء علي الحق و الصواب لايمكن الا بما ذكرنا و اوضح لك الامر ببيان اخر و هو ان من البين ان الجماد ليس له من القوي شي‏ء لعدم اعتدال تركيبه اللهم الا المولود الهرمسي فانه له بعض القوي كما هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 27 *»

معروف في محله و اما النبات فله خمس قوي و خاصيتان فالقوي هي الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة و المربية و الخاصيتان الزيادة و النقصان و ليس لهذه القوي دخل في معرفة حقايق الاشياء و اما الحيوان فله خمس قوي و خاصيتان اما القوي فهي الباصرة و السامعة و الشامة و الذائقة و اللامسة و اما الخاصيتان فهما الرضا و الغضب و ليس لهذه القوي ايضا دخل في ادراك حقايق الاشياء فمادام الانسان مقهورا في الطبايع النباتية و السجايا الحيوانية مصبوغة مراة مشاعره بهذه الاصباغ ليس يكاد يصل الي شي‏ء من الحقايق و لايفهم شيئا من الدقايق الا ان‏يصعد من مهاويها الي مدارج سماوات الانسانية التي لها خمس قوي و هي العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و خاصيتان و هما النزاهة و الحكمة و من اراد الاطلاع علي بدء الاشياء و عودها و الاحاطة بالجزئيات فليطلب لنفسه بقاء في فناء و نعيما في شقاء و فقرا في غَناء و صبرا في بلاء و عزا في ذل و ليحصل الرضا و التسليم فان الاحاطة بها شأن المفارق عنها لا المقارن بها.

بالجملة لابد لكل طالب ان‏يهيئ لنفسه اولا الة ادراك مطلوبه ثم يجتهد في تحصيل مطلوبه و الا فلايخطئن الا نفسه و لايتصرفن فيما ليس له فيه مدرك ولينصف من نفسه و هيهات هيهات ما اوسع ذلك في التواصف و اضيقه في التناصف فان كنت من ابناء الحكمة فامش فيها كما مشي اسلافك و الا فلاتفسدنها و اعط القوس باريها و السلام علي من اتبع الهدي.

توصيـة: اعلم هديت و وفقت ان الانسان لابد و ان‏يعود نفسه للزوم الحق و جعله بعد الوصول اليه ميزانا يزن به كل ما يرد عليه و الاخذ بما يوافقه و الترك لمايخالفه و اغلب من هلك ممن رايته هلك لانه لم‏يقف علي ميزان و لم‏يتابع الموازين الموضوعة بل كشف عدم وقوفهم علي ميزان عن انه لا لهم ميزان فاذا اعتقدت شيئا و تيقنت به فالزمه الزام البدن للروح فانه روحك و حيوتك و ازل به جميع شبهات و شكوك تنافيه ازالة الحيوة للموت اذ بعد اليقين لايحتمل ان‏يكون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 28 *»

في العالم شي‏ء ينافيه فمادمت يحتمل في ذهنك ان‏يكون له مناف لست علي يقين فيه فارجع اليه و اثبته الي ان‏يمتنع عندك خلافه فاذا حصل لك حق كذلك فراقبه و عاوده و اعمل بمقتضاه و راع حرمته حتي لايرتحل عنك فان العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل ثم تعود الي الشك كما كنت اولا فملازمة قليل اليقين مع العمل بمقتضاه خير من ملازمة شكوك كثيرة.

و اعلم ان اليقين بعضه مترتب علي بعض فاذا حصل لك يقين اول اجتهد في الثاني المبتني عليه فاذا حصل لك ثانيا اجتهد في الثالث المبتني عليه و هكذا فتصعد في مدارج اليقين كالسلم فما لم‏تهيئ لقدمك مدرجا لاترفع القدم فاذا صعدت مدارج فلاتستوحش من رفعتها فان لقدمك موطئا مطمئنا و عليك بمعاودة اليقين و العمل بمقتضاه فان النفس الامارة من الجهل و الي الجهل و مهما غفلت عن تصعيدها في مدارج اليقين و امساكها عليها تهوي بك في واد سحيق و تنزل نزول المطمار بارخاء البناء اياه فاحتمل من العلم و اليقين بقدر احتمالك للعمل فاني وجدت العلم بلاعمل سما نقيعا مهلكا و وجدت اقواما كثيرين هلكوا بذلك الهلاك الابدي فهذه وصيتي اليك فخذ ما القي اليك من اليقين في هذا الكتاب و اجعله ميزانك لساير ما يعرض عليك و اعمل بمقتضي كل واحد تكن من الفائزين.

٭  ٭  ٭  ٭  ٭  ٭  ٭

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 29 *»

الباب الاول

في معرفـة الله سبحانه التي هي اصل كل حـق و مبـدؤه و لنا في تحقيـق هذا المقام

بيانات تقتضي رسم مقاصد

المقصد الاول

في بيان حدوث العالم و وجود الصانع و بيان وجود القديم جل‏شانه

و في هذا المقصد فصول

فصـل: اعلم ان من العجائب ان كل احد اذا راجع نفسه يجد في نفسه افتقارا الي اِواء الي ركن وثيق و التجاء الي ملجا منيع و قدجبل ذلك في طين كل احد و لايخلو منه احد حتي السلاطين و العلماء و الحكماء الاقوياء فان من احد الا و يجد في نفسه افتقارا تحتاج معه الي من يسد فاقتها و يجبر كسرها و تاوي اليه في النوايب و تلتجئ اليه في الشدايد و تتعلم منه عند الجهل و تتقوي به عند الضعف و تستدفع به النوائب و تستدرء به المكاره و لاجل ذلك كل نفس تسعي في الاستظلال بظل ما هو اقوي منها و اعظم و اكبر حتي تامن البوائق النازلة عليها و الطوارق الواردة عليها لما تري في نفسها من العجز عن دفعها و ذلك امر جبلي مشهود لاينكره الا الجاهل الغافل او المعاند الجاحد فهذا الامر الجبلي الطبيعي الذي هو في نفس الانسان كالجوع و العطش و الشهوة يدعو الانسان الي طلب من هو اعظم منه و الاستظلال بظله و الاِواء الي ركنه فاذا كانت الطبايع معوجّة بالهيئات المنكرة مصبوغة بالانصباغات النباتية و الحيوانية كما ذكرنا ينصبغ ذلك الطبع الجبلي الاولي ايضا مثل انصباغها فيتعلق ذلك الطلب منه بغير ما ينبغي لما يتوهم فيه ما ينبغي علي حسب انصباغ نفسه فيطلب الاتصال بمن لاينبغي الاتصال به و ياوي الي ما لايجوز الاِواء اليه فيلجأ الي ضعيف محتاج مثله ظنا منه بانه يدفع عنه النوائب و يجلب اليه المحاب و هو الذي ينبغي الاستظلال بظله حتي انه ربما يقع ذلك الطلب علي العادة و الطبيعة و الشاهية و الغاضبة و الالحاد و الشقاوة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 30 *»

فكل يطلب في عالمه كبيرا ياوي اليه و يستظل بفنائه علي حسب ما هو عليه و يناسبه من الاعوجاجات و قديقع شعاع ذلك علي الحيوانات فيطلب كل نوع منها مفرا يفر اليه من ما يخاف منه و يلجا اليه عند غلبة العدو عليه حتي انه يظهر في النحل الاستظلال بظل يعسوب يجمعها و يحفظها و يدفع عنها المكاره و يسوق اليها المحاب و لااظن ان موجودا في مقامه يخلو من هذا الطلب الا ان كلا بحسبه فمنهم من صبغ الطلب باصباغ فطلب ما لاينبغي كالشاهية اذا انصبغت باخلاط ردية اشتهت الخزف و الفحم و امثالها و منهم من ردها الي الفطرة الاولية فطلب ماينبغي كما ينبغي كالشاهية المستقيمة فانها تطلب ما ينفع البدن لا غير.

و انت اذا عملت بوصيتي و صعدت من الاراضي الكدرة الكثيفة الي سماوات السذاجة و الاعتدال اعتدل طلبك البتة فطلب نفسك عزيزا لا ذل فيه و غنيا لا فقر فيه و قويا لا عجز فيه و عالما لا جهل فيه و كاملا لا نقص فيه و كريما لالؤم فيه و جوادا لا بخل فيه و هكذا فان غير ذلك من الملاجي لاينبغي الالتجاء اليه و الاعتداد به و كيف يسال محتاج محتاجا و كيف يستعز ذليل بذليل و كيف يرضي النفس المعتدلة ان‏تسال من يسال غيره و لاتسال بنفسها ذلك الغير و كيف ترضي ان‏تلتجي الي من يلتجي الي غيره و لاتلتجي بنفسها الي ذلك الغير و قدجبل في كل طبع الالتجاء الي الامنع و ترجيح الاحسن الاوثق الاكمل و ان رجّح احد يوماًما غير ذلك لغير علة فذلك من الانصباغات البتة فان العقل السليم يستقبحه اللهم الا ان‏يكون له مرجح خارجي.

فطلب الرب جل‏شانه و هو المربي للانسان و الاستظلال بظله و الاِواء الي ركنه و الاعتماد عليه و الالتجاء اليه امر جبلي طبيعي و ان من شي‏ء الا و فيه ذلك الطلب الا ان منهم من يطلب ما ينبغي لصحته و منهم من يطلب ما لاينبغي لمرضه و ان نظر ناظر بعين الانصاف عرف انه لاينبغي طلب غير الكامل الحق و من عرف توارد النوائب و تناوب الشدايد علي نفسه و الحاجة الدائمة منها الي دفعها و الي تحصيل المنافع استوجب طلب ركن وثيق ياوي اليه و ملجا منيع يتحصن به و معز يعزه و مغن يغنيه و رب يرزقه فوجوب طلب المعرفة وجوب عقلي لا شرعي اذ لاشرع قبل المعرفة و العقل كما عرفت يستوجب الاتصال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 31 *»

بممسك له لانه لايقدر علي امساك نفسه و لوجوبه عقلا وجوه اخر لسنا بصدد بيانها الان.

بالجملة هذا الاتصال له مراتب اعلاه الاتصال بالرب الخالق ثم الاتصال بالنبي ثم الاتصال بالولي ثم الاتصال بالعلماء الراسخين ثم الاخوان المساعدين و العقل يستوجب جميع ذلك لما يري في نفسه من الفاقة اليها و عدم امساك نفسه بدونها و هي بعضها من بعض و بعضها ظهور بعض فهو اتصال واحد يرجع بعضه الي بعض لان بعضه سبيل بعض و بعضه من تمام بعض فعلم من ذلك و مما ياتي انه قدجبل في طبع الانسان طلب هولاء و الفقر اليهم و لا غناء له عنهم ابدا و لايتماسك وجوده بدون هولاء سرمدا و كل من طلب اضداد هولاء و جعل لهم اندادا فذلك من طلبه المريض المنصبغ و ما تري من استمساك غيرالعارف بهم فذلك استمساك غيرصالح لا عاقبة له و يؤل الي الخيبة و الخسران لانه علي خلاف الحكمة كما هو ظاهر لكل ناظر من استمساك الشخص باكل الاشياء الردية الضارة بالبدن اياما عديدة لكنه يؤل عما قليل الي الهلاك و البوار.

بالجملة لايسوغ العقل في كل رتبة طلب غير الكامل و لا كامل في كل رتبة الا هولاء ان انصفت كما ياتي و قد جبل هذا الطلب في طبع كل احد اعظم من ساير الجبلات لانه الي ذلك احوج منه الي غيره من الاكل و الشرب و الباه و غير ذلك و هذا الانسان قدجبل علي نهج الحكمة و الصواب و قداوتي ما يجب فيه و منع عما لايجوز له فصف نفسك عن الاعراض و ازل عنها الامراض و اطلب ربك الحق بعين الانصاف و جانب الاعتساف و قف علي الاعراف لتكون من الفايزين في المصاف.

فصـل: في اثبات حدوث العالم اعلم انك بعد ما صفيت مداركك و قويك و مشاعرك و صدق فيك الطلب و رمت الفحص عن الحق ينبغي لك ان‏تتدبر اولا في الافاق و الانفس و عجايب ما فيها من التدبير الحكيم و التقدير القويم و كونها بحيث لايسع احدا من الحكماء و العلماء ان‏يقول فيها او في شي‏ء منها لو كان كذا لكان احسن و انما يكثر حسن كل صنعة من الصانعين اذا اشتد شباهته بشي‏ء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 32 *»

منها و قداستنبط كل ذي‏صنعة صنعته من شي‏ء منها مع ما يحتاج فيها من الاتها و ادواتها و هي مع ما فيها من احكام الصنعة و اتقان الامر توجد من غير الة معروفة و اداة ظاهرة و تكون اثار التدبير فيها ظاهرة و علائم التقدير عليها باهرة الا تري انها كلها متحركة بتحريك محرك و مستقرة بامساك ماسك الا تري كل جزء منها دائبا فيما وضع فيه و علي ما جعل عليه و حايزا لجميع ما يلزم في كونه هو هو و من زعم انه غيرمصنوع فليفسر المصنوع و عجزه عن اتيان تفسير له غير ذلك دليل علي كونها مصنوعة و هل‏يعقل او يدرك للمصنوع حقيقة غير ذلك و هل‏يقدر احد علي تفسير له غير ما يكون علي هذا الوضع المدبر المصور المنفعل اليس يري اتصاف الكل بصفاتها و اقتران الكل بقوارنها و اقتراب الكل بما اقترب منه و تباعد الكل عما تباعد عنه و تسافل الكل عما تسافل عنه و تعالي الكل علي ما تعالي عليه و تحرك ما يتحرك و توقف ما يتوقف و تصعد ما يتصعد و تنزل ما يتنزل و تغير مايتغير و هكذا من الانفعالات التي كلها من اثار الصنع و التدبير و ليس دليل عند اولي الالباب اوضح من تاثر هذا العالم و مصنوعيته و انفعاله المشهود و كفاك دليلا علي ذلك ان كلها قابل ما هو عليه لا فاعل و تعبر عن جميع حالاتها بالفاظ المطاوعة و المفاعيل اذا كنت علي الفطرة و ذلك حقيقة كاف لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

فصـل: فان ابيت الا اللسان العلمي الجدالي فاقول لابد اولا من معرفة معني الحدوث و اري اناسا كثيرين يتكلمون فيه و لمايعرفوا المقصود منه فيبرمون و ينقضون و لم‏ينقحوا موضع الكلام.

فاقول اعلم ان للحادث معاني منها الحادث الزماني و هو الذي لم‏يكن في زمان ثم وجد بعد ذلك في زمان اخر و ذلك يوصف به ما يكون من اجزاء عالم الاجسام و اما حدوث كل عالم الاجسام الذي منه الزمان فلايعقل ان‏يكون بهذا المعني لانه لم‏يكن قبله زمان لم‏يكن هو فيه ثم يكون في غيره فهو حادث دهري يعني هو وجود منفعل علي ما هو عليه مدبر مصنوع و ان كان دائما مستمرا لايقوضه وقت و لايقيضه اجل و نسمي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 33 *»

هذا الحدوث في اصطلاحنا بالحدوث الدهري و هو بالنسبة الي الزماني قديم لانه كائن مستمر في كل الازمان لا بدء له و لا منتهي و عندنا حدوث اخر و هو الحدوث الذاتي و المراد منه صِرف الافتقار الي الغير و لايلحظ فيه الوصفان السابقان اذ لايوجدان فيه و قدنسميه بالحدوث السرمدي و هو قديم دهري فالعالم الذي يعم الذوات لايعقل في حدوثه الا السرمدي فمن زعم انه يثبت فيه الحدوث الزماني او الدهري فقد زعم محالا و كذا العالم الذي يعتبر من الدهر فما دونه فحدوثه دهري فمن كان يزعم انه يقدر علي ان‏ياتي ببرهان يثبت في العالم بهذا المعني الحدوث الزماني فقد اخطا و رام محالا و اما الحدوث الزماني في اجزائه فهو مشاهد محسوس لايحتاج الي دليل في المركبات و اما البسايط فبعد ما نري انه يوجد امثالها حينا بعد حين و يفني ابعاضها شيئا بعد شي‏ء لانحتاج الي دليل و لو راوا الدهر رؤيتهم الزمان لاذعنوا بحدوثه اذعانهم بحدوث الزمانيات ولكن لما لم‏يعرفوه احتاجوا الي دليل يدلهم علي ذلك.

فنقول لا شك و لا ريب في ان العالم علي ما هو عليه موصوف و كل موصوف يشهد انه غير صفته و كل صفة تشهد انها غير موصوفها و هما يشهدان بالاقتران و الاقتران انفعال و الانفعال قبول فعل الفاعل و الفاعل غير المنفعل القابل فالعالم مصنوع بصنع صانع البتة و هو حادث اي مفعول مصنوع لا انه لم‏يكن في زمان ثم كان في زمان و يشهد بحدوثه ايضا صلاحية استحالته عما هو عليه الي غيره عقلا و لو لم‏يكن صالحا لذلك في الخارج لامتنع فرضه في الذهن الذي ليس شي‏ء عنده الا ما انتزع من الخارج و هو من اجزاء العالم فلايجب في الواقع ان‏يكون هو هو فهو ممكن ان‏يكون و ممكن ان‏لايكون فهو جائز الوجود غير قائم بنفسه اذ لو كان قائما بنفسه لكان واجبا فهو قائم بغيره و اما الذوات فيعرف حدوثها بان كل ما هو غير الاحد مركب مثني و الوجود الحاصل من اقتران الاجزاء تابع للاقتران و الاقتران انفعال كما عرفت فالوجود الحاصل من الاقتران مفتقر محتاج الي موجد يوجده بالبداهة و اما الاحد فهو القديم الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يحدث و لم‏يوجد و لا كلام فيه هنا فانت اذا وضعت كل شي‏ء موضعه فزت مع الفايزين و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 34 *»

العلم نقطة كثرها الجهال لخلطهم الاحوال.

فصـل: في اثبات الصانع و انت اذا عرفت حدوث العالم يسهل عليك الاستدلال به علي وجود الصانع مع ما تشاهد بالفطرة السليمة ان الخلق كلها مفاعيل كما تري من ان السماء مرفوعة لا رافعة و متحركة في نفسها لا محركة و مدورة بالفتح لا مدورة بالكسر و هكذا الارض موضوعة لا واضعة و محروثة لا حارثة و الاشياء كلها مركبة بالفتح لا مركبة بالكسر و كلها مجعولة علي ما هي عليه لا جاعلة و اريد في كل ذلك انها مفعولة في نفسها لا فاعلة فيها و لايقدر عاقل ان‏يتصور شيئا واحدا حقيقيا يفعل هو في نفسه و ما يري من حركة زيد او عمرو بنفسه فان له غيبا غير شهادته يحرك شهادته و ما يري من حركة النباتات مثلا فانما هو من نفسها النباتية لظاهرها العنصرية و ما يري من حركة الجمادات فانما هو بتحريك محرك اخر حتي البسايط المنتقلة الي احيازها فانما هي بجاذبة الافلاك ما يشاكل بقدر ما يشاكل و دافعة الافلاك ما ينافر بقدر ما ينافر او هي من صرف دافعة الفلك فانه يدفع المنافر الي اقصي ما يمكن و لا مانع فاذا وقع اخف ادني يمكن دفع الاعلي الي الادني فيدفع الاعلي فيصعد الادني بالمزاحمة.

بالجملة اذا شهد كلها علي انفسها بانها مفعولة فاية بينة اثبت منها و اوثق علي وجود صانع فاعل غاية الامر ان الكلام ينتقل الي وحدة ذلك الصانع و تعدده و لسنا بصدده فوجودات الاشياء كلها شاهدة بلسان واحد انها مصنوعة علي ما هي عليه و مجعولة و قابلة لما هي عليه لا مقبولة و شاهدة بان لها صانعا و موجدا فلاتحتاج الي تطويل مقال و ايراث كلال.

فصـل: اعلم ان غاية دلالة المصنوع لاتتجاوز عن وجود صانع له و هو صفة مقترنة و علة متصلة و نسبة متضايفة بها تقوم الدلالة و تثبت الرابطة فرجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجاه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 35 *»

الطلب الي شكله اذ الصفة علي مثلها تدل و في شكلها تحل فالحادث لايدل الا علي مثله و لايودي الا الي شكله فمن زعم انه يستدل بالحوادث علي القديم جل‏شانه و سماه دليل الان فقداخطا الطريق فانه جل‏شانه بذاته لايقع دليلا و لا مدلولا عليه و انما هو هو ليس شي‏ء اظهر منه حتي يكون مظهرا له ليس له دليل يدل عليه و لا برهان يكشف عنه الم‏تسمع قول الحكماء ما لا حد له لا برهان له([1]) ايكون لغيره من الظهور ما ليس له حتي يكون هو المظهر له متي غاب حتي يحتاج الي دليل يدل عليه و متي بعد حتي يكون الاثار هي التي توصل اليه فهنالك لا دليل و لا مدلول و لا موصول و لا مفصول و لايكشف عنه منقول و لا معقول كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم  لان الادوات لاتحد الا انفسها و الالات لاتشير الا الي نظائرها فكل مستدل عليه مصنوع و كل معروف بالاية مفعول و الدلالة و المعرفة تقعان علي ما يرتبط بهما و هو من المقامات و الاوصاف و اما الذات فهي اجل منه و اعلي فافهم ان كنت تفهم.

فصـل: في القديم جل‏شانه العظيم اعلم ان الدليل علي وجود شي‏ء يقام اذا كان يمكن ان‏يكون و يمكن ان لايكون اي يجوز العقل وجوده و عدمه فالعقل يحتاج الي دليل يدل علي انه علي اي شقي امكانه و اما الذي يجب وجوده في العقل و يمتنع عدمه فيه فلايحتاج الي دليل يقام علي وجوده و غاية ما يحصل للعقل من الدليل الحق القطع بوجود المدلول عليه مطلقا و القديم بنفسه ما يجب وجوده عقلا و يمتنع عدمه فهو يدل علي ذاته بذاته لا حاجة في اثباته الي غير معناه فكل من طلب الدليل فعلي غيره طلب و كل مستدل فعلي غيره استدل و اسأل من سال البرهان علي القديم هل يمتنع عندك وجوده او يمكن او يجب فان قال يجب فيمتنع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 36 *»

عدمه فاي دليل يبغي و ان قال يمتنع فكذلك مع كونه منقوضا و ان قال يمكن فقدنقض قوله فمعني القديم غني عن اقامة الدليل عليه هذا و الدليل ما لم‏يكن حاملا ركني النتيجة لاينتج و ما لم‏يكن منتجا لايدل فالدليل بمنزلة الوالدين للنتيجة ابوها الكبري الحاملة للمادة و امها الصغري الحاملة للصورة بلحاظ و بالعكس بلحاظ و علة اقتران صورة النتيجة بمادتها الاوسط فيهما فما لاحد له لا مادة له و لا صورة و ما لا مادة له و لا صورة لا برهان له و كذا بالعكس فافهم ان كنت تفهم ولكن لاوهام الجهلة اغبرة غفلة و جهالة لابد و ان‏تكنس بمكنسة بعض الحجج مداراة لافهامهم.

فنقول لهم لو لم‏يكن قديم([2]) فالكل حادث و الحادث من غير محدث اخر محال لانه لم‏يكن ثم كان او هو غيرقائم بنفسه مفتقر الي غيره في وجوده فان قلت انه محدثه نفسه يلزمك ان‏تقول انه حين كونه معدوما كان محدثا للوجود و كان حكيما عالما قادرا و هو قول محال لايتفوه به عاقل و اما بعد ان كان فكان و ليس يحتاج الي احداث جديد لماكان فاذا امتنع ان‏يكون هو بنفسه موجد نفسه فوجب ان‏يكون له موجد غيرُه فالموجد له ان كان قديما فهو المطلوب و ان كان حادثا فله محدث اخر و هذه الحوادث يجمعها وجود مشترك ام لا فان قيل لا فبعضها معدوم و الكلام في الموجود و ان قيل نعم فهي محصورة تحت ذلك الكلي اي الوجود و هو محيط بها و فوقها البتة و يحصيها فانها اشعته و ظهوراته و ان لم‏يقدر علي احصائها بعض الافراد فاذا كانت محصورة و كلها حادثة تحتاج الي غيرها فالغير هو القديم الحق جل‏شانه فتدبر و وجه اخر هذه الحوادث المفروضة معدودة ام لا و الثاني خلاف المدعي و الاول لابد من ان‏يتناهي فان المعدود قابل للزيادة و النقصان و كل قابل للزيادة و النقصان محدود و كل محدود متناه فالمحدث لها غيرها و قديم تعالي قدره العظيم عما يظنون علوا كبيرا و وجه اخر ان هذه الحوادث المتعددة يجمعها وجود واحد اطلاقي حقيقي فوقها كما ذكرنا البتة بالغة مابلغت في الكثرة و ذلك الوجود الواحد حادث كما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 37 *»

يظن البتة و هو ليس بمحدث نفسه و انما احدثه غيره و لم‏يبق مجال غير ان‏يكون ذلك الغير قديما فانه لو كان حادثا يجتمع مع الوجود الاول تحت اطلاق اخر و هو خلاف الفرض فان الوجود الاول كان مطلقا عن كل قيد و الشبهة بانها لعلها لايجمعها وجود واحد تدفع بان الكثرة يمكن ان‏لايجمعها وجود واحد صنفي او نوعي و اما الوجود الواحد الاطلاقي فلابد و ان‏يجمع الكل الست تشهد انها كلها حادثة ممكنة و انها شي‏ء و انها موجود و هكذا من المعاني المطلقة الصادقة عليها هذا و وجود المصنوعات و المفاعيل كما عرفت دال علي وجود الصانع و لابد و ان‏ينتهي الي الصانع الذي ليس بمصنوع لان الصانع المصنوع ليس بصانع حقيقي و انما هو الة متحركة للغير يجيلها و يقلبها كيف شاء فالصانع الحق هو المحرك الذي لايتحرك و الفاعل الذي لاينفعل من غيره و القول بتسلسل المتحركات و عدم المحرك للكل مع اقراره بان الكل يجمعها وصف المتحرك قول محال و ليس في محال القول حجة و لا في المسالة عنه جواب و هذا القدر كاف في المقام ان شاء الله و استغفره من سوء الفرض و القول بما لايليق.

فصـل: مثل سخافة قول من ينكر القديم سخافة قول من يقول بقدم الكل و هو يري حدوث الزمانيات راي العين و ليس شي‏ء اجلي منه حتي اجعله دليلا لذلك و اما جملة الزمانيات فنعم لم‏تحدث في وقت ولكنها حادثة لتركيبها و انقلاب اجزائها حالابعد حال و انفعالها البين باتصافها بوصفها و اقترانها بحدودها و اما الذوات فهي ايضا حادثة لتركيبها البين و كل مركب وجوده مفتقر الي من يركبه لانه فرع اقتران الاجزاء و اقترانها انفعالها عند فعل القارن لها بالجملة حدوث ما سوي الاحد لمكان التركيب البين و عدم استقلاله بنفسه المستلزم للحدوث فكيف يكون العالم قائما بنفسه و اما اطلاق القدم عليه بمعني القدم الزماني او الدهري فلا باس فان هذا القدم لاينافي الحدوث اي الافتقار الي الموجد و اما القدم الذاتي فلا فانه مخصوص بالازل غيرالمفتقر الي سويه.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 38 *»

المقصد الثاني

في معني التوحيد و اقسامه و فيه مقدمة و اربعة مطالب

المقدمة

في بيان معني وحدة الله سبحانه و فيها فصول

فصـل:  اري ان كل من ضل و غوي و اضل و اغوي في المعارف و العلم الالهي فانما هو بسبب جهله بمعرفة وحدة الازل جل‏شانه و خبطه فيها و انت اذا امعنت النظر في هذه المقدمة فحري ان‏لاتزل قدمك في شي‏ء من مسائل العلم الالهي فان جميع مسائله يرجع الي توحيده سبحانه فان اصلحت هذه المسالة صلح الكل و ان افسدت فسد الكل فشانك شانك لاتغفل عما اشرحه لك و لا قوة الا بالله المتعال و اعلم ان العلم نقطة كثرها الجهال.

و اعلم ان التوحيد في‏الله هو الاقرار بالوحدة و هو الانفراد كما روي و في الخلق جعله واحدا و اعلم ان الوحدة علي قسمين وحدة وصفية و وحدة ذاتية فالوحدة الوصفية هي التي تتعدد بالشخصية و الصنفية و النوعية و الجنسية و هلم جرا و المراد منها اتصال الحدود و ارتباطها فاتصال الحدود الشخصية يورث الوحدة الشخصية و الحدود النوعية النوعية و هكذا فاذا انفصلت الحدود بعضها عن بعض تكثرت فتجزّا ذلك الشخص او الصنف او النوع و هكذا و اما الوحدة الذاتية فليست بارتباك الحدود و التيامها فانه لا حدود فلا تعدد و لا تجزؤَ و لا تثني فاين الكثرات حتي تكون مركبة منها بل هي ذات واحدة وحدة حقيقية ليس فيها حيث و حيث و جهة و جهة و اعتبار و اعتبار و فرض و فرض و احتمال و احتمال ابدا ابدا فان كل ذلك يستدعي الامتياز المستدعي للحدود الممتنعة في رتبة الذات فليس الله جل‏شانه بواحد شخصي و لا واحد صنفي و لا واحد نوعي و لا واحد جنسي بل ليس كمثله شي‏ء و هو السميع البصير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 39 *»

و اوفق لفظ لهذه الوحدة لفظ الاحد الذي اختاره الله سبحانه في سورة النسبة فقال قل هو الله احد فتفطن.

فصـل: اعلم ان الفرق بين الواحد و الاحد كثير و قل من يفرق بينهما لما يُري من استعمال كل واحد في مقام الاخر ولكن بينهما بون بعيد نذكر ما سنح بالبال في هذه الحال.

اعلم ان الاحد هو الحقيقة المستعلية علي جميع الكثرات الواقعة في مقام العد من الواحد فما دونه و هو المهيمن علي ذلك كله و الكل من نوره و شعاعه و ظهوره و لاجل ذلك اعطي الكل اسمه و رسمه و ينتفي الكل بنفيه اذا نفي فاذا قلت مارايت احدا فلايحتمل ان‏يكون شي‏ء من مراتب الكثرة الواقعة في مراتب العد مرئيك بخلاف ان‏تقول مارايت واحدا فيحتمل حينئذ ان‏تكون رايت اثنين او ثلثة او غيرها و اذا قلت رايت احدا يحتمل كل فرد علي سبيل البدلية فانه يصدق علي كل معدود و علي كل نسبة حاصلة من قراناتها بخلاف ان‏تقول رايت واحدا فلايحتمل ان‏تكون رايت الا ذلك الواحد لا الاثنين و لا الثلثة و لا فرق بين قولك رايت واحدا مع قولك رايت اثنين في التخصيص بخلاف قولك رايت احدا فيحتمل جميع مراتب الكثرة و جميع قراناتها علي البدلية و ذلك فرق بين جلي بينهما.

و فرق اخر ان الواحد لاينافي الاجزاء الملتئمة و انما المعتبر في صدق الوصف الالتيام و ليس الاحد كذلك فانما المعتبر في صدقه البساطة عن جميع حدود ظهوراته و تركيباتها و لاجل ذلك يجوز ان‏تقول الف واحد و كر واحد مع كثرة اجزائهما و لايجوز ذلك في الاحد و يجوز الواحدية الشخصية و النوعية و لا احدية شخصية و لا نوعية و هذا ايضا فرق واضح جلي و الواحد صفة الاحد و احد تجلياته كالقائم بالنسبة الي زيد فالاحد اذا تجلي بظهوراته في اول مراتب العد يسمي بالواحد فلاجل ذلك لايستوعب الواحد جميع مراتب التوحيد بخلاف الاحد فالواحد بالرازقية غير الواحد في الخالقية و هو غير الواحد في المميتية و هكذا و اما الاحد فهو الرازق الخالق المميت الي غير ذلك من الصفات فالاحد لايتغير في ذاته ابدا كزيد فانه ابدا زيد و اما الواحد يتغير في مراتبه كالقائم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 40 *»

و القاعد و الكاتب و غير ذلك فان الخالق هو الواحد في الخلق و الرازق هو الواحد في الرزق و هكذا و الاحد ليس من العدد و الواحد من العدد لقوله7 واحد لا بتأويل عدد و اخراج اهل الحساب اياه من العدد اصطلاح منقوض عليهم بل هو من العدد عرفا و حقيقة و هو الاثنان لتركيبه و الواحد الحقيقي هو الاحد و ليس من العدد و الاحد يستوعب الكثرة بظهوره في وحدته و الواحد لايستوعب الكثرة في وحدته و الواحد غيره معه كثير و الاحد ليس من غيره معه شي‏ء.

و معني الاحد بسيط باصل الوضع و لذلك يصح اطلاقه علي الله سبحانه و معني الواحد مركب باصل الوضع و لذلك لايليق به سبحانه الا بزيادة تخصيص ارادة و نصب قرينة وهكذا غير ما ذكرنا من الفرق و هو كثير فان عرفت ما ذكرنا عرفت الفرق بين وحدته سبحانه و بين وحدة ساير خلقه و قل من يعرف ذلك.

فصـل: اعلم انه ليس الا الله و نوره فان ما سوي القائم بنفسه قائم بغيره و لايعني بالنور الا القائم بالغير في ذاته فما سوي الحق خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما اما ذاته فهي هي في احديتها و تنزهها من ان‏يحاط بها او تعرف و اما خلقه فقدتجلي له به في اربع مراتب و عرف نفسه له فان لها ذواتٍ قدعرف نفسه لها بها بالتوحيد الذاتي الحقي و لها البابا قدعرف نفسه لها بها بالتوحيد الحقيقي في الصفات بان ليس كمثله شي‏ء و لها ارواحا قد ايّدوا بها و قدعرف نفسه لها بها بالتوحيد الحقيقي الفعلي و لها نفوسا قدسية قدعرف نفسه لها بها بانه المعبود الواحد الحقيقي و كل معبود مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم فانه اعز و اجل من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته و هذه الوحدانية التي عرف نفسه بها لخلقه هي الوحدانية الوصفية و الظلية لاحديته جل‏شانه الذاتية و هذه الوحدانية هي مثاله الملقي في هوية الافئدة و الالباب و الارواح و النفوس و انصبغ في كل مراة علي حسبه فلذلك اختلفت مراتبها و لما كانت من مراتب الاوصاف يسع من وصفته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 41 *»

له ان‏يرقي في مراقيها و يصعد في مدارجها و نريد ان‏نشرح كل واحدة من هذه المراتب في مطلب علي حدته ليكون ما قصدنا تعليمه في هذه الرسالة واضحا بينا ان شاءالله.

المطلب الاول

في توحيد الذات و المراد الذات الواحدة لا الذات الاحدية جل‏شانها فانها لاتوحد و لاتعرف

لانه تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و انتهي المخلوق الي مثله

و الجأه الطلب الي شكله و كل معروف بنفسه مصنوع و كل قائم في سويه معلول

و في هذا المطلب فصول

فصـل: اوضح الادلة و اشرفها و ابينها علي وحدة الازل جل‏شانه الرسل و الانبياء الذين هم برهان الرب و الكتب المنزلة من السماء و لا دليل اوضح من ذلك و ابين عند اولي الالباب فانا بعد ما نظرنا في ان الانبياء قاموا بين ظهراني العباد قبال الرب القديم القادر القاهر المطلع الحكيم و ندبوا العباد الي وحدة الازل جل‏شانه و منعوا الناس عن الشرك و حكموا بكفر المشركين و نجاستهم و استحلوا قتلهم و نهبهم و سبوا شركاءهم و قالوا انهم و شركاءهم حصب جهنم و امروا الناس بقتالهم و اسرهم و نهبهم و قدقررهم الصانع الحكيم القادر القاهر علي ذلك و اجري افعاله علي ايديهم و اقواله علي السنتهم و صدقهم و اعلي كعبهم و اعلن امرهم و افلح اتباعهم و ابلج منهاجهم و اظهر حجتهم عرفنا انهم صلوات الله عليهم صادقون في دعوتهم محقون في نبوتهم و ان الصانع جل‏شانه واحد متوحد و لو كان لنا اله اخر لارسل الي عباده رسله و منع المفسدين في ملكه و الراجعين عباده عنه باعلان كلمته و اظهار حجته و ابلاغ دعوته و اعلاء امره و نصب بين عباده قواما بامره القائمين مقامه لابلاغ حجته و الحكم بين عباده و اظهار حكمته و لم‏يكن من الحكمة ترك الخلق مهملين بلا راع و السكوت عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 42 *»

المفسدين عليه امره الشاتمين اياه و ليس لاحد ان‏يقول انه لم‏يفعل ذلك لاجل انه غني فان الرب كما يكون غنيا يجب ان‏يكون حكيما فلما خلق الرعية يقتضي الحكمة ان‏يخلق فيهم راعيا و لما خلق الجهال يجب ان‏يخلق فيهم عالما و لما خلق خلقه مدنيا مع الاختلاف الكثير بينهم المؤدي الي فنائهم و بوارهم يجب ان‏يخلق من يجمع شملهم و يحكم بينهم و يجمع امرهم علي التوافق و التمدن حتي يعيشوا الي ان‏يبلغ الكتاب اجله فلما راينا ان الرب الواحد اله الانبياء و الرسل بعثهم لان‏يدعوا العباد اليه و ينزلوا العذاب علي من خالفهم فغرق الكل يوما و احرق بعضا و قلب الارض علي بعض و اهلك بالريح بعضا و بساير انواع العذاب و ينهوا عن اتخاذ الانداد و الشركاء فنهوا و سبّوا الالهة من دون الله و قتلوا اتباعهم و اسروهم و نهبوهم و لم‏ياتنا دعوة اخري و لم‏يقدر احد علي دفعهم عرفنا ان الهنا الواحد الحكيم القادر القاهر صادق و انه اجل عن الكذب و الجهل و عرفنا انه لو كان جماعة اخرون لماكانوا يسكتون و ان سكتوا تصديقا فصدق الصانع و الرسل و ان سكتوا خوفا و عجزا فكفي بهما ذلاً فهم ليسوا الا عبادا مقهورين مغلوبين و ان قيل انهم سكتوا استغناء قلنا انه لايوافق الحكمة بعد الخلق.

فتبين و ظهر انه لو كان لنا الهة اخري لارونا اثار ملكهم و اتتنا رسلهم و بلغتنا حججهم و لعرفونا انفسهم فاذا لم‏ياتنا غير براهين الرب و رسله المتصرفين في السموات و الارض و العباد و البلاد عرفنا انما الهنا اله واحد فلو كان بعد ذلك فيهما الهة الا الله لفسدتا لوقوع التنازع و الفساد بينهم بعد هذا الشتم و السب و الافساد عليهم و الصرف عنهم و اذا لذهب كل اله بما خلق و لعلا بعضهم علي بعض فدعوة الانبياء الي اله واحد مع تقرير الله سبحانه و تسديده اياهم اعظم دليل علي وحدة الحق بل لا دليل مثله في الاتقان و هو اولي بالاذعان من كل بيان و سياتي في باب معرفة الانبياء ما يزيدك بيانا و يقينا.

فصـل: ان الله سبحانه لما خلق عباده مختلفين في الطبايع و الافهام جعل علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 43 *»

نفسه ادلة مختلفة ليسكن عند كل دليل من يناسبه فلا كل احد يسكن الي كل دليل فلذلك احتاج العلماء الي ذكر ادلة عديدة علي المطالب لئلايبقي لذي‏حجة حجة فنذكر دليلا اخر للنفوس المرتاضة بالعلوم و شبهات الرسوم.

اعلم انه لايمكن فرض تعدد الالهة الا مع فرض اختلافهم في الحدود و اتصاف كل واحد بوصف لايتصف به الاخر اذ لولا ذلك لماتحقق التعدد و جاء التوحد فاذا كل واحد منهم فاقد ما يجده الاخر فما يجده الواجد ان كان كمالا فالفاقد فاقد للكمال فهو ناقص و ان كان نقصا فالواجد واجد للنقصان و الصفات المتصاقعة كلها من عرض واحد مشتركة في النقصان فالمتعددون المتفقون في الصقع كلهم عبيد ناقصون و الرب غيرهم و فوقهم لايعد معهم فالذين ينفون التعدد و يثبتون الربوبية لواحد من المتعددين علي خطاء عظيم او ذكروه  مداراة والحق ان المتصاقعين كلهم عبيد و الرب هو الكامل فوقهم و اما الدليل علي ان الناقص الفاقد لكمال لايكون ربا ان الناقص قابل للزيادة و كل قابل للزيادة قابل للنقصان و القابل لهما غير قائم بنفسه فيما هو عليه بل هو ممكن حادث منفعل فالمتعددون حوادث و الرب لايكون الا واحدا و الصفات المتصاقعة متجانسة و كمالاتها اضافية لاتجدي فخرا و علوا فافهم ان كنت تفهم.

فصـل: لو كانت اشخاص عديدة لكانت متميزة بالبداهة و لكان بينها ماتشترك فيه اذ لو لم‏يكن بينها جهة الاشتراك بالكلية لكان غير واحد منها معدوما بالكلية او حادثا و هو المدعي و المفروض انها اشخاص عديدة تشترك في الوجود و تختلف في الصفات فكل واحد منهم مركب مما به اشتراكها و ما به افتراقها بالبداهة و كل مركب حادث باتفاق الحكماء و العلماء لان المركب محتاج الي اجزائه و هو غيرها البتة كما تري ان الاكسير الحاصل من اجزائه غير اجزائه اذ كل واحد من اجزائه ليس باكسير و لايعمل عمله فالمركب غير الاجزاء بداهة و مفتقر الي الاجزاء بداهة فانه حاصل منها و قائم بها و المفتقر الي الغير غير قائم بنفسه البتة فليس بواجب ازلي فجميع المتعددين حوادث و الرب غيرها و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 44 *»

واحد فوقها و الشبهة المعروفة من ابن‏كمونة لاتتمشي علي مذهبنا لان الذهن لاتنتزع عن شي‏ء ما لايجده فيه و لولا ذلك لصح انتزاع كل شي‏ء عن كل شي‏ء و لايصححه احد فانتزاع الوجود منهما فرع كونه في الخارج فجاء التركيب عند اللبيب هذا و ان كان في الواقع لا وجود خارجا فالحقيقتان الفصليتان([3]) معدومتان في الخارج فارتفع النزاع و لا شبهة و ان كان وجود لهما مشارك بينهما فجاء التركيب المستلزم للحدوث.

فصـل: ان كانت اشخاص متعددة لكان كل واحد منها مركبا و لايعقل التركيب الا من جزئين فصاعدا فاقول الجزءان قديمان او حادثان او احدهما قديم و الاخر حادث فان كانا حادثين لايتولد منهما قديم و ان كان احدهما حادثا و الاخر قديما فكذلك و ان كانا قديمين تركبا بالممازجة و الاحالة و الاستحالة و كسر السورة ام لا فان تركبا كما ذكرت فجاء الحدوث و عرض كل واحد منهما الفناء و الزوال و لايتولد القديم من حادثين فانيين و ان لم‏يتركبا بالمزج و الاحالة و الاستحالة فهما شخصان مستقلان و هو خلاف الفرض الاول و ننقل الكلام اليهما اذا استدعي الخصم و لايقف علي حد و في كل درجة يبطل فرضه ثم نبطل تجويزه اللانهاية بالادلة السابقة.

فصـل: كل شي‏ء موجود في مكان وجوده و زمان شهوده و مقام حدوده و معدوم في غير ذلك الحد فزيد مثلا موجود في المشرق معدوم في المغرب او موجود في الارض معدوم في السماء او موجود في وقت معدوم في وقت و هكذا و هذا معني كونه موجودا و كونه معدوما و ليس وجوده بواجب يمتنع عدمه فان عدمه ايضا ممكن موجود و ليس عدمه بواجب لان وجوده ممكن موجود و انما صارت الممكنات ممكنة لامكان وجودها و عدمها و عدم امتناع واحد منها فلو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 45 *»

فرض فارض اشخاصا متعددين و سماهم قدماء نقول له اليس كل واحد من هذه المتعددين موجودا في حده معدوما في غير حده كما بينا و لو لم‏يكن معدوما في غير حده لكان الكل واحدا و هو خلاف الفرض فاذا فرضت التعدد و الامتياز فكل واحد منها موجود في حده معدوم في غير حده البتة فكل واحد يمكن ان‏يتصف بالوجود و يتصف بالعدم و ماكان كذلك فهو حادث و ليس حادث معدوما في حد هو موجود فيه و انما كل حادث موجود في حد معدوم في حد اخر و سبب حدوثه و امكانه اتصافه بالامرين و ان قال قائل ربما يجب ان‏يكون في حده موجودا و يجب ان‏يكون في غير حده معدوما نقل له كل ذي‏حد فوق حده مهيمن عليه لامحالة و ليس في صقع حده فهو نسبته الي حد وجوده كنسبته الي حد عدمه بلا تفاوت و لذلك يوصف بهما علي حد سواء فهو ممكن الاتصاف بهما و لايجب اتصافه بواحد دون الاخر و هذا معني الامكان لا غير.

فصـل: ان كانت اشخاص متعددة لكانت متميزة و المتميز موصوف بصفة لايتصف بها الاخر و الصفة غير الموصوف و الموصوف غير الصفة و الصفة و الموصوف مقترنان و الاقتران انفعال عند فعل القارن لهما هذا و الاقتران قائم بهما لا بنفسه بالبداهة فهو حادث لايحل بالازل الممتنع من الحدث فالمتعددون الذين عماد تعددهم الحدوث حادثون بالبداهة.

فصـل: ان كانت اشخاص متعددة لكانت متميزة موصوفة و الصفة ماخوذ في مفهومها القيام بالغير و التابعية للموصوف و لولا ذلك لكانت وجودا مستقلا كساير الذوات فاذا كانت قائمة به تابعة له فرعا لوجوده لاتكون ازلية واجبة قائمة بنفسها فكل صفة حادثة لامحالة فالتعدد الذي مناطه الصفة حادث و كذا الوجود المتصف المقترن بها حادث لانها جهة انفعاله و قبوله اثر فعل الفاعل فيه و من امكانات ذاته فكل موصوف كائنا ماكان بالغا مابلغ حادث هذا و مصنوعية كل موجود موصوف من البديهيات الفطرية لاتحتاج الي دليل و الحمد لله و لا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 46 *»

معني للمصنوع الا ما اخرج حد من حدود ذاته المستجنة فيها الي الخارج فمهما ادركت الصفة لم‏تتجاوز حد المخلوق و اني لك بالتجاوز عنه و قدقال علي7 رجع من الوصف الي الوصف و قال ابنه الصادق7 من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة نعم اذا بطل الامتياز و محق المجاز يمكن ان‏تصل الي ما شاء لك من تعريفه و تعرفه فترقب.

فصـل: اريد ان‏ادلك علي معرفة ربك و لم‏اكتبه الي الان في كتاب و لم‏اجره في خطاب ولكن اذكره هنا ابتغاء لوجه الله الوهاب و به المستعان و منه البدء و اليه الاياب تدبر في سكين و مسمار مثلا و تفكر هل هما من حديد ام لا و الحديد معدوم من ملك الله او موجود فيه و ان كان موجودا هل هو السكين فما المسمار او هو المسمار فما السكين او هما جميعا و هما اثنان يقينا او شي‏ء فوقهما احدي فان كان شيئا فوقهما احديا فتفكر فيه و في الذهب او ساير المعادن و تعرف المعدني فاذا عرفت المعدني مثلا تفكر فيه و في الجبل مثلا و تعرف الجسم الطبيعي فاذا وجدته تفكر فيه و في السماء و تعرف الجسم المطلق و هكذا تفكر في كل شي‏ء مع قسيمه و تعرف المطلق الظاهر بهما الي ان‏تصل الي اول المطلقات الذي هو الوجود المقيد بالاطلاق اي بشرط لا ثم تعرف اللابشرط اي الاية المعبر عنها بالوجود الحق و هو الاحد البسيط الظاهر به و باطلاقه و كل‏ما عرضك في نظرك و سيرك اضافة او ربط او صفة او اشارة خفية او توهم امحه بملاحظة الظاهر الاعلي حتي لم‏يبق لك شي‏ء مما يمكن ان‏يميز او يشار اليه و تجد مع ذلك طمطاما لايساحل و يما لايساجل و ذاتا احدية لاتثني و لاتجزا و لاتوصف و لايشار اليها و لاينسب اليها و لاتنسب الي شي‏ء و لايرتبط بها شي‏ء و لاترتبط بشي‏ء و لايشبهها شي‏ء و لاتشبه شيئا و هكذا تجده كما نعت لايخالفه حرفا فحينئذ ينكشف لك سبحات الجلال من غير اشارة و يمحي الموهوم و يصحي المعلوم و تجذب الاحدية صفة التوحيد و يهتك الستر لغلبة السر.

فان وصلت الي مقام لم‏تر شيئا غيره فقد وصلت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 47 *»

اليه و الا فانت مغمور في تلاطم امواج يم الاوصاف و تراكم سحائب مكفهرات الاتصاف محجوب بحجب الميز و الظهورات مطرود باسهم الحدود و الاشارات كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد يعني موجود في غيبتك و حضرتك الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتريك و لاتزال عليها رقيبا ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فسبحان من لا دليل سويه يدل عليه و لا ظهور لغيره يظهره لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته اعرفوا الله بالله و الرسول بالرسالة و اولي الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر فهذه الجملة كافية لمن كان له نور و من لم‏يجعل الله له نورا فماله من نور و هذه الشارعة التي شرعتها لك ان مشيت فيها باقدام النظر و الاعتبار وصلت الي صحو بلا غبار و تستغني عن هداية الاغيار لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار فتدبر و افتهم و ان فهمت فاغتنم.

فصـل: كل شي‏ء يجزأ يكون اجزاؤه مركبة من جزئين من مادة و صورة هي غير مادتها و مادتها ايضا غير صورتها فتعرضها الصورة فتخصصها و اما اذا كان الشي‏ء و ليس معه غيره بل ما سواه ممتنع فاني يحتمل فيه التثنية و التجزية و قد اريتك حيث اسريتك من حضيض الكثرة الي اوج الوحدة احدا قدطوي المحدود و الحدود و الذوات و الصفات و المواد و الصور و الحقيقة و المجاز و المعني و الصورة و الغيب و الشهادة و المجرد و المادي و العالي و الداني و كل تمييز و مميَز و مميز فاني يحتمل فيه التعدد و التجزؤ و التثني و هو موجود مستعل علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 48 *»

الكل ثابت دائم ازلي و كل متكثر او متوحد دونه فهو منه و اليه و له فبطل ماكانوا يؤفكون و تعالي ربي عما يشركون و سبحان ربك رب العزة عما يصفون و لايدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و ليس كمثله شي‏ء و هو السميع البصير و اريد ان‏انبهك علي ما لايتنبه عليه الا اولوا الالباب ولكن علي نحو ضرب الامثال.

اعلم ان كل شي‏ء يوصف بما هو عليه فان وصفت دارا وصفتها بان بناءَها كذا و بيوتها كذا و فيها عليات كذا و قصور كذا و ابواب و رواشن كذا و سطح كذا و حياض و جداول و بئر كذا و تصف الكل علي ما هو فيها و اما اذا وصفت ارضا قفرا تصفها بانها ليس فيها بناء و بيوت و عليات و قصور و فلان و فلان و تنفي عنها كل عمران و بناء يبني و ليس بانك جهلت الارض او لم‏ترها بل لاجل انك رايتها حق الرؤية و الصدق ما تقول فمن وصفها بوصف الدور فقد جهلها و لو وصفت متخيلا تصفه بانه لايدرك بالبصر و لو وصفت معني تصفه بانه لايحيط به الفكر و لو وصفت حقيقة تقول لاتدركها عقول البشر و ليس انك تجهل هذه المدركات بل وصفتها كما وجدتها فكذلك قدعرف الله نفسه بانه لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار الي ساير ما ورد من التنزيه في الاخبار و كذلك عرف نفسه بنفسه لنفسه و لايعلم ما هو الا هو بك عرفتك و انت دللتني عليك و لولا انت لم‏ادر ما انت، يا من دل علي ذاته بذاته، اعرفوا الله بالله فوصف الحق للحق حق و للخلق خلق فهو هو لايقال يعرف نفسه اذ المعرفة وجدان بعد فقدان و هو لايفقد نفسه و انت تعرف ايته سنريهم اياتنا الاية فبذلك اصفه بالاحدية و التنزيه و كذا اجد في نفسي و انزهه عما اثبت فيه الملحدون العادلون بالله تعالي عما يقولون علوا كبيرا.

فصـل: مااجهل من وصف ربه بانه كل الاشياء فان توجه الي احديته و محا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 49 *»

الاغيار و صحا عن الاحد بلا غبار و جذب الاحدية صفات التوحيد حتي عرف الاحد و توجه اليه و قصد فاين يجد وصف الكلية و كثرة الاشياء و قدطوي الكل و الكلية و الكثرة و الشيئية طي الامتناع و ان كان يجد وصف الكلية و كثرة الاشياء فمن اين يجد الاحدية و البساطة قدضلوا كثيرا و اضلوا كثيرا عن سواء السبيل.

بالجملة ان كان يمتنع مع ذاته غير ذاته فاين وصف الكلية و الاتصاف و الاقتران و ان كان يمكن مع ذاته غيره فقد بطل القدم و جاء الحدوث فاقول كما قال الرضا7 سبحانك ماعرفوك و لا وحدوك فمن اجل ذلك وصفوك سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك سبحانك كيف طاوعتهم انفسهم ان‏شبهوك بغيرك الهي لااصفك الا بما وصفت به نفسك و لااشبهك بخلقك انت اهل لكل خير فلاتجعلني من القوم الظالمين انتهي و ان قيل انه تعبير عما في النفوس بانه لاشي‏ء سواه و هو هو وحده ببساطته فمن اين جاء هذه الكثرات الخلقية و الاختلافات الواقعة فان قيل انها محض اعتبار فمم هذه الاثار بالجملة فقدخبطوا خبط عشواء و اتوا بشوهاء خرقاء.

فصـل: و كذا مااجهل من جعل الله ثالث ثلثة بل خامس خمسة([4]) مع ان المقسم في الاقسام معتبر و المميز فيها مستقر فقد جاء التركيب و بطل التوحيد تعالي عما يقولون علوا كبيرا و ان كانوا يجعلون المقسم من المعقولات الانتزاعية علي زعمهم فنقول ان كان الانتزاع بلامناسبة فانا انتزع من انسان انه حمار فلم‏تكذبني و ان كان مع مناسبة فقدحصل له في الخارج ما ينتزع عنه و هو سبب التركيب هذا و مع عدم منشا الانتزاع يلزم عدم الاقسام اذ ليس بين النفي و الاثبات منزلة.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 50 *»

فصـل: اعلم كلية لست تراها تخالف في موضع واحد بل هي جارية في جميع المواضع و هي من الابواب التي يفتح منها الف باب و هي ان الالفاظ الظاهرة تعبيرات عن صور نفسانية هي تجسمات المعاني العقلية التي هي تعرفات الحقايق الالهية و تلك هي خزائنها التي تنزلت منها ان كانت صدرت من شاعر متنبه اراد بها قصدا و الا فهي اجساد لا ارواح لها كهذيان المريض و النائم و لايعبؤ بها و لايصغي اليها و لايجاب عنها فكل ما اخبرك به مخبر فهو مما وصل اليه بنفسه او عقله او حقيقته و شاهده و اطلع عليه و الا لم‏يقدر علي التعبير عنه او كان هذيانا لايصغي اليه فلاياتيك آت الا بما عنده و لايعطيك الا ما وجده و كذلك كل‏ما طرق سمعك يمكنك الوصول اليه كائنا ماكان بالغامابلغ فان الطارق سمعك ليس الا من جنسك فما نزل الا من حيث نزلت و لايصعد الا الي حيث تصعد فكلما كلمت او كلمت به يصاقعك في مراتبه و منازله من حقيقته و معناه و صورته الذهنية و لفظه ثم مدلوله و مفهومه و مراده و مصداقه و ما ليس في حدك لايمكنك التوجه اليه و قصده و ارادته بل و لا الاشارة اليه بحضور و لا غياب و لا بنحو من انحاء الاشارة و لا بخائنة الاعين و ابهم الكنايات و اغمض العبارات و لو بالاشارات العقلية في ادق معانيه اذ من المحال ان‏تشير الي ما ليس في صقعك او تدرك ما ليس من جنسك فذو الجهة لايقدر ان‏يتوجه الي المنزه عن الجهة و ذوالرتبة يعجز ان‏يقصد او يريد الخارج عن الرتبة و لو بادق اراداته فهو من حيث ذاته هو هو لا حاجة له الي معرفة نفسه و اما خلقه فرجع من الوصف الي الوصف الا ان الغايب عن درك الحواس وصف نفسه لك بك بنحو ما تقول و فيك مصداق جميع ذلك و المراد منه ان كنت تفهم ما تقول و الكلام الحق ان كنه الذات القديمة لايعرفه بما هو الا هو و اما غيره فكل ما يقول فيه اوصاف و نعوت و تجليات و سبحات و مظاهر فمن عرف مواقع الصفة من غيره سبحانه بلغ قرار المعرفة و اما هو تعالي قدره فيعرف نفسه بنفسه لا بصفة و معرفة اخري و القول الفصل انه هو هو لا اله الا هو فان اردت التعبير الحق فاتبع ما وصف الله نفسه به في كتبه و سنن انبيائه و استشعر ما تقول و ان عدلت عنه وقعت في الهذيان و اكتسبت الخسران و القوم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 51 *»

ان ذاقوا حلاوة التعبيرات الالهية و مطابقتها للواقع لماعدلوا عنها الي تعبيرات منحرفة عن الحق الواقع ولكنهم عجزوا عن دركها و راقهم زبرج كلمات اليهود و النصاري فحسبوها ماء و ان هي الا كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء و خلاصة المقال كلام الولي المتعال انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فكلما حققناه او حققه المحققون فمما قراناه في حروف انفسنا و راينا في مراتب ذواتنا فلايتجاوز شي‏ء مبداه و لايقصد شيئا يمتنع هو فيه ولكن الناس ابعدهم عن درك الحق القياس و وقعوا بذلك في التباس فزعموا الباطن كالظاهر من كثرة الارتماس فحسبوا الباطن الاعلي كاعلاهم و الغايب كغايبهم و جوزوا الاشارة اليه كما جوزوا الاشارة في الظاهر و غفلوا عن ان لهم نفسا اعلي من ذلك الاعلي محيطة بذلك الغايب فلم‏يعبروا الا عن مشهودهم و لم‏يشيروا الا الي ما يصاقعهم فافهم ان كنت تفهم و الا فلاتفسدنها و اعط القوس باريها.

فصـل: الوحدة المرادة في توحيد الذات القديمة هي الوحدة الاحدية البسيطة الممتنع معها سويها عينا و كونا و امكانا و اثباتا و نفيا و حقيقة و اعتبارا علي متفاهم القوم و نجد ذلك كذلك بعين الله تعالي التي فينا ليس من حيث جرنا الدليل و الزمنا البرهان حتي يحتمل ان‏يخدش فيه و قداسمعتك تغريد الورقاء علي الافنان بفنون الالحان ان كنت ذا اذان و لان الاعتبار ان كان مما لا حقيقة له فليس به اعتبار و القول بانه لولا الاعتبارات لبطلت الحكمة جار في حكمتهم لا حكمة ال‏محمد: فهي بكلها حقايق واقعية خارجية فما لا واقع له لا اعتبار فيه و اما النفي فهو فرع الاثبات و هو شي‏ء لان النفي البات لا تعبير عنه و ما له تعبير موجود و الممتنع لفظ موجود لمعني موجود تصوره الافهام الناقصة و كانها سمت وجودا بالعدم ارتجالا و فراغ البيت شي‏ء و هو ليس وجود زيد فيه فالنفي شي‏ء و اما الامكان و الكون فقد حققنا وجود المعاني المصدرية في الخارج و الا فلا اختصاص لمعني بشي‏ء فالاحسان اذا اساءة و النصر خذلان و ان كان في الحقايق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 52 *»

ما يخص بها معني دون معني فهو المطلوب و هو المصداق و بطل ماكانوا يعملون فاذا جميع ما ذكر شي‏ء و يمتنع مع الواجب البسيط اذ لو تصاقعا لتمايزا و لتركبا و لحدثا و هو خلاف المفروض فاذ لم‏يكن معه شي‏ء و قدطوي الكل بالامتناع فهو احد حق و كل ما لم‏يمتنع فيه فرض نحو من انحاء الكثرة فهو حادث و اما القديم فانه لايفرض فيه شي‏ء من ذلك و يمتنع فهو احد قدطوي باحديته جميع الفروض و الحيوث و الجهات و الاعتبارات و الذوات و الصفات و المحدودات و الحدود و الاشارات و الاحتمالات و الافعال و الاثار و الاغيار طيا يمتنع معه ذكر شي‏ء منها اني و كلها ظهوره قائم بامره و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و ليس مرادي من عدم تجزيه صغره المانع عن التجزؤ بل هو واسع احاط بما سويه علما و قدرة بل علي معني عدم كون وصف معه يصير صفة تجزيه و انطواء كل وصف تحته فافهم فقد لاح الصباح و استغنيت عن المصباح.

 

فصـل: ماافحش خطاء الذين يقولون ان واجب الوجود كلي امتنعت افراده ماخلا الواحد اذ نسالهم ان هذا الواحد عين واجب الوجود من كل وجه فما الفارق او غيره فمركب مما هو به منه و ما هو به غيره و هو وصف الجزئية فهو حادث و الجزئيات ظهورات الكلي و الكلي كلي بصلوح تلك الظهورات فيه فان كانت تمتنع فبم عرف كليته و الواجب بسيط ام مركب فان كان بسيطا فكيف وصف بالكلية و ان كان مركبا فهو حادث و ثانيا هو فوق الواحد او معه او دونه فان كان دونه فالواحد ليس بظهوره و جزئه و ان كان معه و عينه فهو الواحد او غيره فبينونته عزلة و هو جزئي مثله و ان كان فوقه و هو شي‏ء خارجي فالواحد خلقه و ظهوره و حادث و لا اله الا الله و ان لم‏يكن امرا واقعيافالله ليس بواجب مالم‏يفرضه فارض و ليس اعتبار الوجوب اولي به من اعتبار الحدوث و ان كان له خصوصية فهو المصداق.

و افحش منه قول الزاعمين ان شريك الباري كلي ممتنعة الافراد ان كانوا يتكلمون هذيانا لايقصدون به شيئا فشانهم و جوابهم السكوت و ان يريدوا ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 53 *»

‏يكونوا من زمرة العقلاء فشريك الباري شي‏ء و لو في الذهن ام لا شي‏ء مطلقا فان كان لاشيئا مطلقافكيف يحكمون عليه بالكلية و العدم البحت البات لايصير كليا و لا جزئيا و ان كان شيئا ذهنيافهل هو حادث قائم بالغير و لو بك او قديم قائم بنفسه و لا ثالث فان كان قديما تعدد القدماء و لم‏يختص بذهنك و ان كان حادثا قائما بك فكل شي‏ء سواه قائم بامره و الله خلقكم و ما تعملون فهو حادث من خلق الله سبحانه الا ان امكنة الخلق مختلفة فمنها ما هو مخلوق في الغيب و منها ما هو مخلوق في الشهادة و منها في نفسك و منها في جسمك بل و لما لم‏يكن ذهنك اول خلق الله ليس ما فيه مخلوقابلاواسطة فما بينه و بين فعله سبحانه خزائن نزل عنها و كان فيها قبل ان‏يدخل ذهنك مخلوقا حادثا فاذا كان حادثا كيف يكون شريك الباري ثم علي زعمك لكل ماكنت تعتبره في ذهنك كان منشا انتزاع فهل لشريك الباري منشا انتزاع ثم الكلي مايكون الجزئيات من صلوحاته و ظهوراته فهل المعدوم له صلوحات و ظهورات و هل وجود شريك الباري في ذهنك واجب او ممكن او ممتنع لاسبيل لك الي الاول و الثالث فالوسط هو و ذهنك موضع عقايدك و هل‏تعتقد جواز وجود شريك الباري و ذهنك في العالم و من العالم و ان كان لايضر هذا الاعتقاد فلاينفع الاعتقاد الحق و ان قلت انه ليس باعتقاد فانه خلاف الواقع قطعا فهو كذب و ان قيل فرض المحال ليس بمحال فذلك قول محال فان الفرض هل يحتاج في صدقه الي تصور المفروض ام لا و هو محض لفظ لا معني له فالثاني هزل و الاول يكون تابعا لشاخص خارجي فان الذهن كالمراة لاينطبع فيه شي‏ء الا من شاخص خارجي بالفعل او بالقوة و هو ثابت في الامكان منبسطا و يتقدر بقدر الذهن و مالم‏يكن شي‏ء في الخارج يوخذ منه المادة لا شي‏ء يلبس عليه صورة ما في الذهن و لو لم‏يكن ممكنا لماتعلق ارادتك علي ما لاتتعلق به ارادة الله النافذة و لماقدرت علي خلق ما لم‏يخلقه الله و لذلك روي انه لايقع شي‏ء في ذهن احد الا و خلق الله مثله في الخارج لئلايقول احد هل‏يقدر الله ان‏يخلق مثل ذلك الا و خلق مثله بالجملة ففرض المحال محال و ايجاد ما لم‏يوجده الله ممتنع و شريك الباري

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 54 *»

ممتنع في الخارج و وجوده في الذهن ممتنع و كلية الممتنع ممتنع اخر نعوذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين.

فصـل: ان الله سبحانه اختار في الاستدلال علي واحديته لاهل القيل و القال استدلالين يناسب باطنهما اهل الحال احدهما لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا والثاني اذا لذهب كل اله بما خلق و لعلا بعضهم علي بعض فنشرح الاول في هذا الفصل و الثاني في فصل اخر.

فنقول اما في الظاهر ان الالهة المفروضة متعددة فمتميزة فمختلفة الطبع فمختلفة الاختيار فيمتنع امضاء الامر من احدها ففسدتا الا ان‏يغلب احدها الاخر و يكون المغلوب ساقطا و ينحصر الامر في الواحد و اما في الباطن فالاله ما يرجع اليه امر خلقه و يؤل اليه و لايكون الا بسيطا الا الي الله تصير الامور و اليه يرجع الامر كله و انا لله و انا اليه راجعون و قداسرينا بك سابقا في هذه الدرجات فلو كان لهذه الكثرات الهة متعددة بالشركة في الكل لكان يلزمها ان‏تدور علي اقطاب عديدة في كل ان بل تدور علي الوجود و العدم اذ المرجع بسيط فتكون موجودة معدومة في آن واحد و ان رضي الخصم بتركيبها فيلزم ان‏يدور الخلق في الآن الواحد علي الحالين المختلفين من كل حيث فيكون حارا و باردا من حيث واحد و جهة واحدة و في ذلك فسادها اي عدمها لان صلاحها بالكون و الوجود فافهم فانه مما لم‏يتنبه عليه احد الا من اخذ عن الله و عنهم سلام الله عليهم و قد كانت الاية تقرا دائمة و لم‏تفسر كذا الا من عندنا و الحمد لله.

فصـل: و اما الاية الثانية فهو فرض تعدد الالهة مع فرض تفرد كل اله ببعض الخلق فيلزم من ذلك ظاهرا ان‏يذهب كل اله بما خلق و يمنع خلق الاخر عن الانتفاع بخلقه حيث ينكره خلق ذلك و يعاديه و يسبه و ينكره الاله الاخر و ينكره انبياؤه و يوعدونهم بالنار فيقع التعاند بينهم و التنازع و التعالي و التمانع كما ظهر واما في الباطن فيقول اذا لدار كل خلق علي قطب امر خالقه لان مصير كل خلق الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 55 *»

خالقه فيحدث التفكك و عدم ارتباط الخلق بعضه ببعض الاتري انه لو دار بعضها علي الوجود و بعضها علي العدم لفني ان كان الاله بسيطا و ان رضي الخصم بتركيبه فيلزم ان‏يقوم كل خلق بامر خالقه فلايوثر خلق هذا في خلق ذاك كما لايوثر نور هذا السراج في نور هذا السراج و انت تري ان الخلق يوثر بعضها في بعض فالسفليات بعضها في بعض و العلويات في السفليات بل و بعض السفليات في العلويات و لايمكن ان‏يوثر اثر في اثر الا ان‏يكون موثر الاثر الثاني اثر موثر الاثر الاول و تحته فلو كان فيهما الهة متعددة لذهب كل اله بما خلق و دار كل خلق علي قطب امر خالقه مستقلا مامونا عن التفاعل عن غيره و لعلا بعضهم علي بعض اذا اراد تاثير خلقه في خلق الاخر و لتنازعا ظاهرا و اما باطنا لانه عند التمايز و الاختلاف يكون بعض الصفات اشرف من بعض و اعلي لامحالة مثلا اذا اختلفا في الجهة فالشرق اشرف من الغرب و الجنوب افضل من الشمال او في الرتبة فالعليا اشرف من السفلي او في الكم فالعظيم اشرف من الصغير او في الكيف فالحار اشرف من البارد و هكذا و انما ضربنا ذلك مثلا و الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الا بما هيهنا فاذا جاء الاختلاف جاء التعالي و انما يتعالي الناس لاختلاف امزجتهم و يلزم ذلك ان‏يكون بعضها ادني من بعض فيكون بعضها مقهور بعض مستفيدا منه و المقهور ليس باله مستقل لانه حادث قابل للزيادة و النقصان فافهم راشدا فان هذين الفصلين فصلان جديدان جديدان و الحمد لله.

فصـل: اعلم ان هنا مسئلة مهمة قدغفل عنها اكثر الخلق فحرموا عن ادراك اكثر المسائل احب ان‏انبّه عليها و هي ان الانسان انموذج هذا البنيان و فيه جميع ما في عالم الامكان و قدشهد بذلك جميع اهل الحكمة و العيان و كتبنا فيه رسالة اخري براسها و الغرض ان الخالق الحكيم لما خلق الانسان انموذج هذا البنيان و جعل فيه من كل ما فيه شيئا فجعل لكل نوع من انواع الخلق في الانسان مدركا يدركه به بحيث لولا ذلك المدرك فيه حسب ذلك النوع معدوما لم‏يدخل عرصة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 56 *»

الوجود مثلا جعل للانسان بصرا يناسب الاضواء فلايدرك الا الاضواء المنصبغة في بطون الكثيفات ذوات الاصباغ فلو لم‏يكن له عين لماادرك معني الضوء ابدا ابدا و كان عنده كالمعدوم و جعل له سمعا يناسب الاصوات فلو لم‏يكن له سمع لماادرك صوتا و كانت الاصوات عنده كالمعدوم و ان فتح عينه و امعن النظر و هكذا ساير الحواس فلو سد احد سمعه و فتح عينه و اراد تحاول مسائل الموسيقي و تمييز الاصوات و معرفة النغمات و الابعاد و اكثر البحث و الفحص و الرد و الجواب و الاعتراض و النقض لايكاد يدرك شيئا و لايزداد من الطريق الواقع الا بعدا فان النغمة لاتدرك بالعين ابدا و ذلك تكلف لايفيد له علما و لا عملا و كذلك لو فتح سمعه و اغمض عينه و اراد فهم مسائل الهندسة و النقوش فلايتعب الا نفسه و لايكاد يصل الي قليل و لا جليل من مسائله و كل ما يقوله كائنا ماكان باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و لو وافق بعض كلماته الحق لما اخذه تقليدا فلايكاد يفهم ما يقول و لا ما يقال له و هكذا للعالم انواع من الوجود غيبية لايدرك شي‏ء منها بالحواس الظاهرة و لو سعي في تحديدها فانها ليست من عالمها و لاينطبع فيها اشباحها ابدا فلو لم‏يكن للانسان مدارك غيبية لحسب ان ما سوي عالم الظاهر و ظاهر العالم معدوم و ماكان يزعم ان ما وراء ذلك شي‏ء فانعم الخالق الحكيم الرؤف الرحيم عليه بحواس باطنة و هي الخمسة المعروفة و الحس المشترك البرزخي حتي يدرك بكل واحد شيئا من تلك الانواع فانها كلها خلقت له و خلق لها فيدرك بالخيال صور الاشياء الغيبية الجزئية المقرونة بموادها و يدرك بالفكر صور النسب الحكمية و يدرك بالوهم بعض المعاني الجزئية المستنبطة من اقتران المتخيلات و يدرك بالعلم صور الاشياء المجردة الملكوتية و بالعقل معاني الاشياء الجبروتية الرقيقة و الحس المشترك يدرك الصور المثالية البرزخية بين الغيب و الشهادة و الرقائق و لولا احد هذه الحواس لحسب الانسان ذلك المحسوس معدوما مطلقا و ليس واحد منها يدرك بغير حاسته المخصوصة به ابدا ابدا فبما انعم الله عليه من تلك الحواس يدرك الانسان تلك الصور و المعاني الغيبية.

و قدانعم الله عليه بنفس يدرك بها حقايق الاشياء المجردة عن الكلية و الجزئية و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 57 *»

المعنوية و الصورية و لولاها لماعرف ان للاشياء حقايق و لو سعي الانسان و امعن الفكر و الخيال مدي عمره ان‏يدرك حقيقة من الحقايق مات في القال و القيل و مثله مثل العميان و الفيل و لايفوز من دركه بكثير و لا قليل فعلي من رام درك الحقايق ان‏يفتح عين تلك النفس القدسية و ينظر بها في عالم الحقايق و يريها بعين غير حسيرة و يصل اليها بباع غير قصيرة.

ثم انعم الله علي الانسان مدركا اخر و هو العقل المعنوي الكلي النسبي و هو مدرك يدرك الانسان به حقيقة الامر المتعلق بالحقايق الموجد لها الذي يقوم كل ما سوي الله به و به يدرك وجوهه و رؤسه و سر الامر بين الامرين و مواقع صفاته سبحانه و معاني اسمائه فلو عاش احد عمر الدنيا و امعن النظر بغيره من الاعين و ادق غيره من الاوهام و المشاعر في معرفة امره و مشيته سبحانه و ارادته و قدره و قضائه و امضائه و اختراعه و ابداعه و سر الامر بين الامرين لايكاد يدركها ابدا لانه شبه طلب ادراك الاصوات بالبصر و الاضواء بالسمع و ذلك محال و انما الناس يحرمون عن درك المسائل لانهم لايفتحون مدرك فهم المسالة و لاينظرون بعينها و لذلك تريهم يحصلون سنين عديدة و لايحصل لهم ضرس قاطع في المسالة و لايدركون كنهها و يتعلمون الفاظا بلا ارواح.

و فوق هذه المدارك كلها مقام الغيب المطلق و العماء الحق و ما لا اسم له و لا رسم و لا تعبير عنه و هو مقام اعرفوا اللّه باللّه به يعرف الله و لايعرفه غيره فلوعاش احد مدي ملك الله و طلب يمينا و شمالا و امعن انظاره و ادق افكاره و اغمض افهامه و ارق اوهامه و غاص في لجج فهمه مدي ملك الله لم‏يدركه و لم‏يعرف و رجع انظاره حسيرة و افكاره كليلة الاتري ان من مشي الي جهة المشرق مدي ملك الله لم‏يصل الي الله لان السير في الجهات و اليها و الله سبحانه فوق الجهات و لو دققت النظر الي اخر الابد لم‏تري الله فان النظر لايدرك الا اللون و الله ليس بلون و هكذا فلايعرف الله سبحانه الا به فمن رام معرفته بغيره لم‏يصل اليه و لم‏يدركه و ضل و غوي و هلك و هوي فان ما سويه حادث مدرك للحادث و هو غير الله سبحانه فيريد ان‏يثبت له القدم فالفطرة لاتقبل و يريد ان‏يثبت له

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 58 *»

البساطة فالفطرة تمتنع عن التسليم فلاجل ذلك يستمع كل دليل و لايسكن عند دليل و لو عجز عن رده و التزم به عنفا ولكن طبعه لايسلم ان ما تصوره بالخيال او ادركه بالفكر او الوهم او علمه او عقله او فهمه بحقيقته كذا يعني علي ما يسمع في الحق فلايكاد يسكن ابدا و يكون دائما متزلزلا حيرانا يتلجلج قلبه في صدره و يكاد يخرج من فيه و ان الله سبحانه لم‏يجعل الفطرة بحيث تتيقن ان الباطل حق و ما ادركه بمشاعره و تصوره حادث و لايسكن قلبه علي انه قديم و لذلك تري الحكيم النحرير يتكلم بجميع انحاء الكلام و لايقاومه احد في جداله و كلامه و يستدل بكل دليل و يجيب عن شبهة كل ضليل و مع‏ذلك لايدعوه معرفته بربه الي تقوي و عمل و حب و رجاء و خوف من الله و لايحب بها اولياء الله و لايعادي بها اعداء الله و لاتنبعث نفسه و لاتشتاق الي مناجاة الله و عبادته و لايسكن نفسه علي ما يقول و يستهزؤ به في نفسه فذلك من جهة انه تعلم الكلام و ما عرف المرام و انما استعمل في معرفة الحق غير مدركه فلم‏تصدقه نفسه علي ما يقول.

فاذا اردت يا اخي الوصول الي المعرفة الحقة و اردت ان‏تصدق الادلة بالايمان الصادق فاستعمل لكل مسئلة مدركها و اعرف الله بالله و الرسول بالرسالة و اولي‏الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و اعلم ان الله اجل من ان‏يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به و اذا دارينا الخلق في تصديقنا اياهم بانهم عارفون فانما ذلك كتصديقنا بعض الاطفال علي ما يقولون و نعللهم حتي يكبروا و معاذ الله ان‏ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده و يجزي عنهم اذ لايكلف الله نفسا الا وسعها و جل المفاسد الواقعة بين العلماء و الاختلافات و الرد و الاعتراضات و التعاديات و التبريات لاجل انهم لم‏يعرفوا مدارك المسائل و لم‏يستعملوها في محالها فلذلك كثر بينهم الشقاق و القال و العلم نقطة كثرها الجهال فتبصر.

فصـل: مااجهل قوما قالوا بالاشتراك المعنوي في الوجود بين الله و بين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 59 *»

خلقه و مااسخف قول من قال بالاشتراك اللفظي فيه بينهما و كلا القولين خارجان عن قصد السبيل و الامر علي نحو لم‏يروه في كتاب و لم‏يسمعوه في خطاب و انما علمه مخصوص بعلماء اهل‏البيت: و لعل تفصيله مخصوص بهذا الكتاب فان اعرتني لبك لعلك تفوز بما فزنا و الا فلاتخض فيه فانه من باطن الباطن و ليس حظ كل من نطق بالعلوم و ضبط الرسوم.

اما وجه بطلان الاشتراك المعنوي فان من البين ان المشترك المعنوي ان‏يكون اللفظ موضوعا علي حقيقة مطلقة من غير ملاحظة القيود الجزئية ثم يستعمل في كل فرد لاجل ما فيه من المثال الملقي فيه الغالب علي تلك القيود علي نهج الحقيقة و قدعلمت ان القديم جل‏شانه ليس فردا من مطلق و الا كان مركبا فبطل القول بالاشتراك المعنوي راسا و اما الاشتراك اللفظي فقدعلمت انه يتحقق اذا وضع لفظ لفرد خاص ثم وضع ذلك اللفظ علي فرد اخر لا بملاحظة مناسبة بينه و بين الفرد الاخر و المفروض هنا خلافه فان الذي يقول الله موجود ثم يقول زيد موجود يجد بينهما مناسبة لاجلها صح في حق كل واحد انه موجود و لو وجدت تلك النسبة في عمرو لقال في حقه ايضا انه موجود و يعلم انه ليس من محض اتفاق المشاركة في التسمية قطعا و كذلك ليس الوجود بين الله و بين خلقه من باب الحقيقة و المجاز لوجود علائم الحقيقة فيهما معا بلا شك و لا ارتياب و ليس علي احدهما من باب النقل لانه يصدق علي كل واحد باصل الوضع بالبداهة و بالسوية بلا قرينة و ليس صدقه من كثرة الاستعمال و الغلبة و ليس من باب الارتجال لملاحظة النسبة بالبداهة.

فتبين و ظهر ان اطلاق لفظ الوجود علي الله و علي الخلق ليس علي وجه من هذه الوجوه فمن ذلك تحير العلماء فيه و لم‏يعلموا المخلص منه و لنا في ذلك تحقيق شريف لايعرفه الا الخصّيصون و طال ما نطق به مشايخنا اجمالا و لم‏يعرفه احد من اصحابنا الا الاقلون و لما كان هذه المسالة من مباحث الالفاظ و غير هذا المقام اليق بها لان هذا الكتاب مقصور علي المعاني لايليق تفصيلها هنا و به نخرج

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 60 *»

عما نحن بصدده ولكن لا مانع من الاشارة بواضح العبارة.

فنقول و لا قوة الا بالله اعلم ان الذات حيث هي ليست الا هي و هي بنفسها في نفسها لنفسها ليست تحتاج الي ان‏تدعو نفسها او تطلبها فانها لاتفقدها و لاتحتاج ان‏تدعوها فهنالك لا اسم لها و لا رسم و اما عند غيرها فان كان اعلي منها فهي بما هي عليه احضر عنده من حضورها عند نفسها و هو اولي بها من نفسها و اقرب اليها منها فلايحتاج الي مميز لها ازيد منها و اما من هو دونها فيحتاج الي تمييزها و دعوتها و هي لاتظهر عند من هو دونها الا بصفاتها و اثارها و هو لايدرك منها الا اياها فتبين ان الاسم لتعيين الرسم عند الظهور للغير ممن هو دونه و المسمي بذلك الاسم هو ذلك الرسم المقترن به المميز به كما قال الصادق7 الخبز اسم للماكول و الماء اسم للمشروب و النار اسم للمحرق و لان  المسمي يلحظ فيه الاسم و هو مقترن به متضايف معه و الذات التي لاتوصف بالاقتران و لايلحظ معها غيرها لايجوز ان‏تكون مسماة للاسم انظر الي قول الرضا7 حتي تشاهد صدق ما اقول في حديث لو كان معه شي‏ء في بقائه لم‏يجز ان‏يكون خالقا له لانه لم‏يزل معه فكيف يكون خالقا لمن لم‏يزل معه و لو كان قبله شي‏ء كان الاول ذلك الشي‏ء لا هذا و كان الاول اولي بان‏يكون خالقا له ثم وصف نفسه تبارك و تعالي باسماء دعا الخلق اذ خلقهم و تعبدهم و ابتلاهم الي ان‏يدعوه بها فسمي نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما الحديث و سئل7 هل كان الله عزوجل عارفا بنفسه قبل ان‏يخلق الخلق قال نعم قال يريها و يسمعها قال ماكان محتاجا الي ذلك لانه لم‏يكن يسالها و لايطلب منها هو نفسه و نفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج الي ان‏يسمي نفسه ولكنه اختار لنفسه اسماء لغيره يدعوه بها لانه اذا لم‏يدع باسمه لم‏يعرف فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه اعلي الاشياء كلها فمعناه الله و اسمه العلي العظيم هو اول اسمائه علا علي كل شي‏ء انتهي و قدذكرنا هذه الاخبار قبل اثبات الامامة لانها برهانية مقبولة عند كل احد.

فاذا كان الاسم للشي‏ء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 61 *»

من حيث الظهور لا من حيث الذات فالمسمي بالاسم اي المعلم بتلك العلامة و الموصوف بذلك الوصف هو ذلك الظهور المميز المعروف المدعو بذلك الاسم فاذا متي عرف القديم جل‏شانه و متي وصف و سمي حتي يكون الوجود بينه و بين خلقه بالاشتراك المعنوي او اللفظي او الحقيقة و المجاز او غيرها من اقسام اللفظ و لايقع موضوعا حتي يحمل عليه غيره فيكون موصوفا مقترنا فبطل جميع ماكانوا يعملون و يستدلون و يبرمون و ينقضون فانتقل الكلام الي وجوه التعريف و الظواهر التي هي الحوادث و لا شك ان هذا الاستدلال الذي بيناه لايختص بالقديم و انما يجري ذلك في كل ذات متذوتة من حيث هي هي فان‏الذات ليس معها الصفات و ليس معها غيرها فلايطلق لفظ الوجود و لا غيره من الاسماء علي ذات شي‏ء من الحوادث ايضا و انما ذلك علي الظهورات و الصفات لاغير فتبين ان الامر رجع من الوصف الي الوصف و لا ربط و لا نسبة بين القديم و الحادث بل بين ذات و ذات و ان كانتا حادثتين فتبين و ظهر ان الوجود يطلق علي عنوان القديم و الحادث لا ذواتهما و عنوان القديم جل‏شانه ايضا حادث فالكلام في معرفة صدق لفظ الوجود علي عنوان الحق سبحانه و عنوان الحادث و ظهوره.

ثم ان نزلت الي هذا المقام فاعرف حقيقة المرام بان العنوان للحق جل‏شانه له مراتب فما كان منه فوق حقيقتك فليس لك ادراكه و انما له اهل يعرفون الله به و ما كان منه في رتبة ذاتك فهو هي و لايطلق عليه ما لايطلق عليها فلا اسم له و لا رسم و به عرف احديته اياك و ما كان منه في رتبة الصفات فهو الذي يطلق عليه الاسم و يقع عليه الرسم فليست الا الصفات و الظهورات فان نظرت اليها من حيث انها اية الله سبحانه اطلقت عليها الوجود الحق و ان نظرت اليها من حيث اضافتها اليك فتطلق عليها الوجود المقيد و الحادث فالوجود ظهور الشي‏ء في الخارج و تمثله كما قال السجاد7 في الدعاء لم‏يمثل فيكون موجودا و هذه الايات الظاهرة في الافاق و الانفس هي ظهور الحق سبحانه و وجوده به يكون موجودا اي ظاهرا كما ان كونك في الخارج هو وجودك و به تكون ممثلا موجودا و الوجود بهذا المعني هو المعروف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 62 *»

في العرف و الشرع يقال فلان موجود في الخارج و فلان معدوم يعنون به تمثل الذات في الخارج لا غير و اما اطلاق الوجود علي الذات المنزهة عن الظهور فذلك شي‏ء جرت عليه السنة الحكماء و نحن في حال المكالمة معهم ربما ننطق به جريا علي اصطلاحهم و اما عندنا في اصطلاحنا الخاص بنا فلانقصد بالوجود الا التمثل الخارجي و هذا هو المعروف عن ال‏محمد:و العرف ايضا لايقصد به غير ذلك فعلي ذلك انت و ظهورك ظهور الله الحق سبحانه و ايته تجلي لها بها و بها امتنع منها ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك و اما كنه الحق جل‏وعلا فتفريق بينه و بين خلقه و مباين معهم بينونة صفة و هي التي احد المتباينين صفة للاخر و ظهور له فالوجود الحق اي الظهور الحق علي اصطلاحنا هو جملة الخلق من حيث انه ظهور الخالق و ظاهره و اما الوجود المقيد اي الظهور المقيد هو كون بعض ظهور بعض و تمثله و هذا كان‏تقول ان الواحد ظهور الاحد و نصف الاثنين و زيد عبدالله و ابن عمرو و اخو بكر و هو شي‏ء واحد في الخارج له اعتباران و جهتان لكن كونه عبدالله من جهة ربه و كونه ابن‏عمرو من جهة نفسه و اما الوجود المطلق فهو ايضا جملة الخلق من حيث انه ظهور مشيته سبحانه و هياة ارادته كما ان الالف ظهور حركة يدك المتعلقة بها تحكي هيئتها و هي اثرك و ظهورك و هي اول الحروف و طويلة و قويها واحد فافهم فالذوات ليست ظهور الحق الا بالمعني الاعم و انما هي غيبه سبحانه و كنهه و كونه لا اسم له و لا رسم و كونه سبحانه عمايصفون و ليس كمثله شي‏ء و لايجوز لنا ازيد من ذلك هتك الاستار خوفا من الاغيار و كيد الفجار فلنقبض العنان فللحيطان اذان.

و اما ما يقوله مشايخنا رضوان الله عليهم من الحقيقة بعد الحقيقة و كون اللفظ من باب الوضع الخاص و الموضوع‏له العام فانما هو تعبير عما في الصدور و تعليل للغيور و الا فمتي اطلق علي العالي لفظ حتي يكون حقيقة او مجازا و انما طريق كلام مشايخنا معهم طريق المداراة و حاصله انكم ان ابيتم الا هكذا فليكن كذا و اما اذا خلوا و طبعهم فلايرضون بذا و لا بذا و قدغفل عن ذلك اكثر اصحابنا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 63 *»

و اغتروا بما سمعوها حتي زعموها منا و الينا و ليس منا و الينا الا ماكان عن ال‏محمد: فانا منهم و اليهم ان‏شاء الله فافهم ان كنت تفهم و علي هذه فقس ماسويها و ان قدرت علي تمشيته فانت انت.

فصـل: و لابد لنا ايضا ان‏نتكلم في الحقيقة بعد الحقيقة جريا مجري المشايخ حين تكلمهم مع القوم لان لكل مقام اهلا فنقول انت اذا تفكرت في لفظ الشمس او النور و اطلاقه علي القرص السماوي و الشعاع المنبث تجده في العرف علي الحقيقة في كليهما لوجود علامات الحقيقة فيهما معا من التبادر و عدم صحة السلب و تواتر الوضع و غيرها و ليس من باب الحقيقة و المجاز بالبداهة لعدم الحاجة الي القرينة في احدهما و عدم صحة السلب و ليس من باب النقل و الغلبة في العرف الخاص و لا العرف العام لاطلاقه علي الاول ايضا دائما بلا قرينة و ليس الاول بمهجور كما تري و ليس من باب الاشتراك اللفظي لوجود المناسبة المحسوسة و قصدها و ليس من باب الاشتراك المعنوي لعدم المشترك بينهما و مادة الشعاع و صورته مفاضتان محدثتان بالقرص و انما الشعاع شبح منفصل من الشبح المتصل بالقرص كما ينفصل عنك الشبح في المراة و ليست مادته من مادة جسمك و لا صورته من جنس صورة وجهك بل هو صورة ظلية انعكست من صورة وجهك و ليس من باب الارتجال لقصد المناسبة و ان القوم لايكادون يعرفون وجوه استعمال هذا اللفظ عليهما و لذلك وقعوا في ظلمات عمياء لايبصرون شيئا فمرة قالوا ان اطلاق الوجود علي الله و علي الخلق من باب الحقيقة و المجاز علي الاختلاف و مرة قالوا بالاشتراك اللفظي و مرة قالوا بالاشتراك المعنوي و مرة قالوا باتحادهما و لا شي‏ء الا الوجود الحق و الوجود المقيد محض اعتبار بالجملة وقعوا تحت كل كوكب.

و الحق في المسالة ان وجود الحق سبحانه بسيط لا جامع بينه و بين غيره فيكون الاطلاق من باب الاشتراك المعنوي بتة و ليس ان‏لايعقل حين الاستعمال غير الكون في الخارج و يكون الاستعمال بلامناسبة‏ما فانه يري في كل واحد منها ما يضاد العدم و لاجله يقال انه موجود و لو لم‏يلحظ هذه الجهة لايقال ذلك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 64 *»

و هو موجود بحقيقة الوجود لانه كائن قائم بنفسه و ليس اطلاقه مجازا و لايكون لكم الذكر و له الانثي و كذا يطلق عليكم علي الحقيقة بالبداهة و الاستعمال في الحق و الخلق كليهما شايع معروف بين فليس مفر من ان‏تقول في كل منهما علي الحقيقة و لا جامع بينهما و ليس من غير مناسبة مطلقا فلا مفر من ان‏تقر بانه من باب الحقيقة بعد الحقيقة لعدم تساوقهما في الوجود بتة و كون الخلق اثر فعله سبحانه و شبحه المنفصل فيطلق اللفظ علي الموثر اولا علي الحقيقة الاولية و هو اولي به ثم يطلق علي اثره الحاكي لفعله لاجل حكايته فعله و هيئته و هي المناسبة الملحوظة بينهما و الا فلا نسبة بينه و بين ذات الموثر ابدا.

و لو انصف منصف يجد جميع الفاظ العالم علي معانيها من هذا الباب لان كل موجود اثر موثره و ليس له الا ما اتاه الموثر من شبح هيئته المتصلة به فاللفظ الذي يطلق عليه موثره اولي به اولا و منه نزل الي اثره البتة فجميع الخيرات اثر مبدا الخير و جميع الشرور اثر مبدا الشر فافهم ان كنت تفهم و اذا رجعا الي الكون رجعا الي المكون و لا اختلاف و الحقيقة بعد الحقيقة تتحقق بالوضع الخاص لان الاثر لايلحظ مع موثره و طويه تحت احديته فليس حيث هو الا هو و يصير الموضوع‏له متعددا لتعدد التجليات و الظهورات و الصفات المنبثة منه فالوضع الخاص عند ملاحظة الموثر في ذاته و عموم الموضوع‏له في تكثره في صفاته فلم‏يقصد الا الواحد و لم‏يقع الا علي الكثيرين و في المثل الظاهر لم‏يضف الا السلطان فاكل العساكر و لم‏يطلع الا الشمس فطلعت الانوار و لايقال ائت بالسراج و الانوار لانهما لايعدان معا و ليس الا السراج وحده و لايكون السراج الا هكذا و اذا اتي السراج اتت الانوار لامحالة و من ذلك تبصر امرك.

فالوجود وضع علي عنوان الحق فوقع علي جميع المطلق و شؤنه ثم وقع علي جميع المقيدات و اما كنه الذات الغيبية فلا اسم له و لا رسم اما البيان فهذا البيان و اما حقه فهو موقوف بالعيان و قدوضعت الاشارة في خلال العبارة لاهلها ولا قوة الا بالله فان ادراك معني الحقيقة بعد الحقيقة حظ اهل باطن الباطن والحمدلله.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 65 *»

المطلب الثاني

في توحيد الصفات و فيه فصول

فصـل: اعلم ان معرفة الصفة من مشكلات المعارف التي لم‏يعرف كنهها الا العارف الرباني و الحكيم الصمداني و سنشير لك في هذا الفصل بقدر الوسع و الامكان و بالله المستعان.

اعلم ان الله سبحانه كان حيث كان اذ لاكان و ليس معه شي‏ء غيره مماكان او لم‏يكن و هو احد ممتنع عن الحد و لاتعقل الاحدية له الا بان‏يطوي جميع الحدود و المحدودات و يسع جميع مراتب الوجودات طي الامتناع و سعته حيث هو و طي الامكان و الكون و سعتهما حيث هي و صفته ظهوره و نوره مباينة مع الذات مغائرة لها و بينونتها و غيريتها تحديد لها اي للصفة فان الذات قدطوتها باحديتها و ذلك الظهور قديم دائم ازلي اي لم‏يسبقه عدم قائم بنفسه لغيره اعني انه مطوي بالظاهر فيه و لم‏يكن بعد زمان ممتد و لا في مكان ممهد و لا بالة سابقة و لا من مادة مهياة و لا من صورة لاحقة و لا لغاية مرجوة بل هو نور منير و قدرة قدير لم‏يكن بفعل سابق عليه بل هو كائن غيرمكوّن موجود ازلي غيرمحدث و ليس لاحد ان‏يقول فيه الا انه منطو تحت احدية الاحد و ليس بشي‏ء في نفسه لنفسه الا به و له فافهم ذلك ان كنت تفهم و لم‏اعط عبارة فيه اكثر من ذلك و ما اعطيته لايزيد فيه بالكثرة الا ستر و غموض و فيما لوحت كفاية و بلاغ و الحمد لله.

فصـل: من صدق بالاحدية استغني عن ان‏يعلم ان الصفة غيرها فدونها فبها و لها و اليها سبحان الله رب العرش عمايصفون فاذا كان عرش عالم الاجسام مبرءا منزها عن الكثرات الجسمانية و عرش ساير العوالم منزها عن كثراتها فسبحان ربه الذي خلقه و هو فوقه عما يصفون و عما يظهرون به من صفة فالصفة الذاتية كلام قشري يتكلم به لمن لايتحمل التنزيه و يزعم انه ليس بشي‏ء اذ كان الشي‏ء عنده ماكان مميزا محدودا فلابد من ان‏يعبر لهؤلاء بتعبيرات يتحملونها ثم يتدارك ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 66 *»

كان فيها من الضرر بكلام اخر و هذا هو احد البواعث علي اختلاف الاخبار فان قيل انه داخل في الاشياء يتدارك بقوله لا بمقارنة و بقوله و خارج عنها ثم يتدارك ذلك بقوله لا بمباينة و هكذا و الا فالصفة ان كانت عين الذات من كل جهة و لا جهة فلا شي‏ء الا الاحد المتذوت القائم بنفسه لنفسه و ان كانت غيرها و لو بوجه و اعتبار فكل ما هو غير الاحد ظهوره و نوره و دونه موجود به له فـ سبحان ربك رب العزة عما يصفون اذ كل صفة تابع للذات و غيرها قائم بها لها فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

فصـل: ليس التنزيه البحت الخالص المحض تعطيل الذات تعالي شانها بل تعطيل الذات ان‏لاتوصف بالصفات لا ان تنزه عن ان‏يكون معها غيرها و الصفات دائمة في محالها ازلية و لايسبقها العدم حتي يلزم نفيها و تعطيل الذات عنها فرع امكان وجودها فيها فالله سبحانه ابدا ازلا عالم اذ لامعلوم و ذات سبوح قدوس احد فرد صمد و لم‏يتخذ صاحبة حد و لا صفة حتي يتولد من بينهما اولاد الافعال الكامنة بالصلوح و الاستجنان و القوة في بطنها و كل من هو كذلك فكذلك.

فصـل: اذا عرفت ان الصفة متنزلة عن الذات فلايمكن اقتران الذات بها و اتصافها بها و هي تشهد انها غير الموصوف بها مقترنة به اقتران الشبح بالمراة و هو ليس بشي‏ء الا حقيقتها و اعلاها الذي هو مثال الذات الملقي في هويتها فالصفة هي الموصوف في الوجود الخارجي الا انها هي الموصوف اذا رايت الذات فيها و هي الصفة اذا رايتها لها اي للذات و هما جهتان متباينتان وجدتا متحدتين في الخارج و اريك المثال حتي تعلم الحال انت اذا وقع شبحك في المراة فليس شي‏ء الا انت و شبحك و المراة و شبحك غيرك و دونك و ظهورك للمراة و ذلك الظهور هو ما ظهر لها فيها فهو الظاهر لها فهو اسمك الظاهر لها و هو ظهورك لها فاتحد الظاهر و الظهور في الوجود الخارجي و اختلفا في الوجدان فالصفة علي مثلها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 67 *»

تدل و في شكلها تحل فتعالي الله عما يقول الواصفون علوا كبيرا.

فصـل: اذا عرفت مواقع الصفة ارجو ان‏تبلغ قرار المعرفة فلاحظ حينئذ وحدانيته سبحانه في جميع صفاته اذ ليس الظاهر بشي‏ء منها الا هو سبحانه كماتري من عدم ظهور شي‏ء في مراتب العدد الا الاحد فهو الظاهر بالواحد و الاثنين و الثلثة و الالف و الاكثر و الاقل و ظهور زيد في الكاتب و العالم و الصائغ و النجار و القائم و القاعد و غيرها و ظهور السراج في جميع انواره لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته فهو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و الالاء ليس كمثله شي‏ء و هو السميع البصير فمن زعم غيره ظاهرا بشي‏ء منه فقد اشرك ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فهو مظهر كل ظهور و الظاهر به و منير كل نور و المتجلي به قل الله خالق كل شي‏ء و هو الواحد القهار.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان جميع ما سوي الاحد جل‏شانه ظهوره و نوره و اسمه و صفته لاتذوت لشي‏ء دونه و لا استقلال لشي‏ء سويه فمن‏ذا يشاركه في صفاته و صفاته ليست بشي‏ء الا به و لا شي‏ء غيره الا صفاته فهو الواحد المتوحد في الاتصاف بصفاته لامتصف غيره و هذا هو ماكان يقال ليس الا الله و صفاته و اسماؤه فتفهم وفقك الله سبحانه.

فصـل: ان الصفة و الموصوف اضافيان فما لم‏يلحظ في الصفة تبعية للغير لم‏تكن صفة و ما لم‏يلحظ في الموصوف المتبوعية للصفة لم‏يكن موصوفا فكل واحد منهما مذكور في الاخر مركب من حيث هو هو و من حيث ذكر الاخر فيه الا ان الموصوف مركب من حيث هو هو و هو مادته و من فعلية الصفة له و هي صورته و الصفة مركبة من حيث هي هي و هو مادتها و من انفعالها بظهور الموصوف و هو صورتها هن لباس لكم و انتم لباس لهن فتعالي كنه القديم عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 68 *»

ان‏يكون موصوفا بصفة كائنة ماكانت و انما هوهو لا هو الا هو بل ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه و الهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب عن درك الحواس فهو صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه او تقترن به فعلي هذا كل موصوف بصفة غير الموصوف بصفة اخري فلو كان الموصوف هو الذات القديمة لتكثرت و تعددت و هي احد لايثني و لايجزّا و لايتكثر الاتري ان الخبز اسم للماكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس و النار اسم للمحرق و الاسم صفة لموصوف فلوكانت الاسماء و المسميات هي الذات لتعددت و تكثرت فيها الجهات و خرجت عن الاحدية فالصفات و الموصوفات كلها تجليات للذات المتعالية عن الكثرات قدتجلت لها بها و بها امتنع منها فليس لها تحقق في محالها الا بما هي مذكورة فيها و ليست الا ذكر الذات المذكورة لها بها فيها بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون فجميع الصفات ترجع الي موصوفاتها لانها فعلياتها و جميع الموصوفات ترجع الي الامر المتجلي بها و هو يرجع الي نفسه المتحقق بها و هي ترجع الي ربها في نفسها و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و كل شي‏ء سواك قائم بامرك الا الي الله تصير الامور و ان الي ربك المنتهي فـ انا لله و انا اليه راجعون.

و امثل لك مثالا و هو ان جميع الحروف التي تكتبها راجع الي الحركات الخاصة المتعلقة بها كل حرف راجع الي الحركة الخاصة به دون غيرها و تلك الحركات الخاصة ترجع الي الحركة المطلقة لك و هي ترجع الي نفسها الحاصلة بها التي هي ظهورك الاعظم و تجليك الاكرم و كينونتك الكائنة غيرالمكونة الدائمة الثابتة و ذاتك الظاهرة فالكل صفاتك و مجدك و سناؤك و بهاؤك لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك؛

ما في الديار سواه لابس مغفر و هو الحمي و الحي و الفلوات

الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط فانت انت القائم القاعد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 69 *»

الاكل الشارب اللابس الماشي لاسويك فافهم هذه الفقرات المتشتتات المجتمعات و المتفرقات المتفقات لتفوز مع الفائزين و تصير من الموحدين و قل الله خالق كل شي‏ء و هو الواحد القهار و قل افرايتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون و قدلاح الصباح لمن له عينان و لنقبض العنان فان للحيطان اذانا.

 

فصـل: لتوحيد الصفات معني اخر علي نحو اظهر و هو ان تنزه الله سبحانه ان‏يكون له ند في صفاته فتوصف بصفاته خلقه او توصفه بصفات خلقه فان القديم ممتنع عن الحدث و الحدث ممتنع عن القدم فلايوجد صفات الحادث في الازل سبحانه فيقترن القديم بالحادث فيصير مركبا و مشابها للحادث و محلا للحوادث و الفقر و لايوجد صفات القديم في الحوادث فيكون قدنزل عن حده و تغير و اقترن بالفقراء المعدمين و يشاكلهم و لايصح استحالة القديم الي الحادث و لا العكس فالعارف بتوحيد الصفات يوحد الله سبحانه في صفاته فلايجعل لاحد علما كعلمه و لا سمعا كسمعه و لا بصرا كبصره و هكذا و ان استعمل تلك الالفاظ في غيره ايضا فانه محض استعمال لفظ للدلالة علي معني مراد منه كما روي عن الرضا7 انما التشبيه في المعاني فاما في الاسماء فهي واحدة و هي دلالة علي المسمي و عنه7 في رواية طويلة يعد الاسماء و يفسرها و قدكرر قدجمعنا الاسم و اختلف المعني.

و لاتعتقد بان الالفاظ تستعمل عليه و علي خلقه علي الاشتراك المعنوي لاختلاف المعني و كون الخلق ممتنعا مع الخالق و امتناع القدم عن الحدوث و عدم ثالث يكون مقسما لهما و لزوم التركيب و زوال الاحدية و غير ذلك من المفاسد و لا علي الاشتراك اللفظي لملاحظة الصفة في الحادث و تسميته به لاجلها و فقد شروط الاشتراك اللفظي بالبداهة و لا علي الحقيقة في الله و المجاز في الخلق فان المجاز يناسب الحقيقة و يشاكلها في جهة النسبة و الله سبحانه لايناسبه شي‏ء و لايشاكله و المجاز ظل الحقيقة و شبحه مذكور فيها ذكر القيام في القائم و النور في المنير و الشبح في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 70 *»

ذيه فلايصح ان‏يكون الخلق مجاز الحق لعدم مذكوريته في كنه ذاته الاحدية تعالي قدرها و عدم كونه محل الحوادث اذ كل ذكر سواه و ما سواه حادث و تعدد القدماء محال فامتنع ان‏يكون الخلق مجاز الحق و لا العكس فيكون لكم الذكر و له الانثي و تكون متبوعا و اصلا و يكون تابعاو فرعا و لاتعتقد انه علي نهج الغلبة و النقل لعدم مهجورية احدهما فكل هذه الوجوه ينافي التوحيد في الصفات و الحق ان‏تعتقد انه المتوحد في صفاته وحده لا شريك له و ليس معه غيره فيصدق عليه الفاظها علي نحو من الانحاء و يمتنع كل شي‏ء عداه حيث هو و انه يطلق تلك الالفاظ علي غيره سبحانه حقيقة بعد اطلاقها عليه حقيقة لا مع اطلاقها عليه كما بينا و شرحنا سابقا فيقع الالفاظ عليه اولا علي الحقيقة الاولية و هو اولي بها ثم لما وضع الاسماء لنفسه لدلالة عباده عليه و حاجتهم ان‏يدعوه بها و تلك الاسماء المختلفة لها مسميات مقترنة بها متعددة و مصاديق مختلفة في الخلق صار يري من منظرة الجميع شي‏ء واحد و يقصد به واحد فالكل اسماء له يراد هو من كل واحد منها و ان الله سبحانه قدخلق كل مخلوق باسم له خاص به هو اثره و نوره و الاثر يطابق صفة موثره فتقع تلك الاسماء علي تلك الاثار المنحطة عن رتبة ذوات الموثرات غيرالمتحدة معها في المواد بسر المطابقة بين الاثر و صفة الموثر علي الحقيقة المطابقة للحقيقة الاولية و بعدها و ذلك بحر ضل فيه السوابح فلو كان الاثر لم‏يشابه صفة الموثر مطلقا لماصح عليه الاطلاق و ان كان يشابه من وجه و يخالف من وجوه و الفرق بينهما بالقوة و الضعف لكان حقيقة و مجازا و الاثر يشابه صفة موثره في جميع وجوه الاثرية و الموثرية لانّ الاثر هو الموثر الظاهر و ظاهر الموثر لا فرق بينه و بينه الا انه عبده و خلقه بل الاثر هو ركن اسم الموثر و الموثر موثر في اثره و مصداق و مراد فيه و الا فلايرمق اليه البصر و لايصل اليه الفكر فاسم الموثر و الاثر في الخارج كالظاهر و الظهور و تعددهما وجداني و كل اسم يطلق علي العالي فهو عند الداني فيتحدان في الوجود و يمتازان في الوجدان فيطلق علي العالي مرة في الداني علي الحقيقة و علي الداني عنده اخري فعند ذلك تصح الحقيقة بعد الحقيقة فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم فهذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 71 *»

هو توحيد الصفات الكامل الخالص و الا فاين التراب و رب الارباب و القشر من اللباب و الماء من السراب.

المطلب الثالث

في توحيد الافعال و فيه ايضاً فصول

فصـل: اعلم ان الفعل هو حركة المسمي و هي فينا انتقاله من حال الي حال بكله او بابعاضه بجوهره او باعراضه الذاتية او الخارجية فالاول هو الحركة عن الوضع و الثاني هو الحركة في الوضع و هما بالاعراض الذاتية و الحركة في الوضع قدتكون علي المحور فتحدث دواير فان كان من مشرق الامداد الي مغرب الاستمداد فهو علي خلاف توالي البروج المستمدة بحقيقة الاستمداد القائمة بحقيقة العبودية و ان كان من مغرب الاستمداد الي مشرق الامداد فهو علي توالي البروج و ترتبها و نسبها و قدتكون الحركة في الوضع علي القطب فتحدث كرة لان المتحرك يتوجه اليه بكله من كل جهة فالمتحرك علي القطب ساكن لايدرك بالسكون و هذه هي الحركة الجوهرية الحقيقية و اما الحركة بالاعراض الخارجية فهي حركة الموثر الي الاثر فانها ليست بذاته و انما هي باعراضه الخارجة عن ذاته التي هي تجليه و صفاته و لسنا الآن بصدد تقسيم هذه الاحوال و شرحها و الغرض ان الفعل هو الحركة و افعال الله سبحانه ليست بذاته و انما هي تجلياته و ظهوراته فافعال الله سبحانه هي امداده سبحانه ما سويه و لما كانت محيطة بمخلوقاته فهي تتحرك اليها بالامداد من كل وجه لكن علي خلاف التوالي لانها من مشرق الامداد الي مغرب الاستمداد و كل ما سوي فعله سبحانه مفعوله ساكن بنفسه فلاحركة له و لا فيه الا بالفاعل و لا فاعل في الوجود الا الله سبحانه فلا حركة الا منه و الاصل فيه ان الشي‏ء ان كان لكماله قوة يخرج بها من القوة الي الفعل بنفسه فيخرج من حد الامكان الي حد الوجوب و من الافتقار الي الاستقلال و ان لم‏يكن لكماله تلك القوة فلايخرج الي الفعلية الا بمكمل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 72 *»

له خارجي فيبقي في عدم تلك القوة الي ان‏يخرجه مكون من ذلك العدم الي وجود الفعلية فاذا لايظهر من المخلوق كمال وصف من الاوصاف و لا فعل من الافعال الا باخراج الله الكامل المكمل له فـ قل الله خالق كل شي‏ء سواء كان من الذوات او الصفات او الافعال و الله خلقكم و ما تعملون و خلق الموت و الحيوة و جعل الظلمات و النور، ان الله عليم بذات الصدور، الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير، قل كل من عند الله الي غير ذلك من الايات الصريحات و الدلالات البينات فلايتحرك متحرك في الامكان من الوضع و لا في الوضع علي المحور او علي القطب او علي اثاره الا بتحريكه سبحانه و لا محرك في الوجود الا الله سبحانه الا ان فعله سبحانه الجاري علي ايدي القوابل يظهر عليها و منها علي حسبها فمنها بطيئة لرطوبة العضلات و الاعصاب و برودتها و منها سريعة للينتها و حرارتها و منها معتدلة لاعتدالها و انفتاح مجاريها و منها مرتعشة للسدد السادة منافذها ما اصابك من حسنة فمن اللّه و ما اصابك من سيئة فمن نفسك فافهم ان كنت تفهم.

فصـل: الاثر الصادر عن الامر الواحد من الوجه الواحد ان صح استقلاله من جهة صح استقلاله من جميع الجهات و هو خلاف المفروض فامتنع استقلاله في شي‏ء من الاشياء و اذا كان بذاته نفس تجلي الازل قائما به و الازل المتجلي في رتبة الخلق بطل شركته مع الله سبحانه في احداث شي‏ء من الاشياء و اذا صح استغناء الحق المطلق عما اجراه و افاض و اوجده لا من شي‏ء و افتقار ما سواه اليه في كل حال و قيامه بامره بطل كون شي‏ء من الاشياء وكيلا له فاعلا باذنه منقطعا عنه لشي‏ء من الاشياء الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عما يشركون، قل ارايتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 73 *»

كل شي‏ء و هو الواحد القهار بل لايملكون لانفسهم ضرا و لا نفعا و لا موتا و لا حيوة و لا نشورا فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الله سبحانه خالق كل ما سويه من ذات او صفة او شبح او فعل لا شريك له في شي‏ء من ذلك و لا وكيل و لا ماذون عنه منقطعا بل هو بوحدته خالق كل شي‏ء لا اله الا هو و لاينافي ذلك اجراؤه سبحانه افعاله باسباب غيرمستقلة دونه فانه مسبب الاسباب من غير سبب.

فصـل: عجبا لمن ينتحل العلم و يدعي الفضل كيف طاوعته نفسه المسلمة ان‏يقسم الاشياء اثلاثا فمنها ما يقدر الله عليه دوننا كخلق السموات و الارض و منها ما نقدر عليه دون الله كالمعاصي و منها ما نقدر عليه معا كالطاعات فنساله هل انت مستقل قائم بنفسك ام انت مفتقر قائم بامره سبحانه فلا سبيل له الي الاول لانه مسلم فان كنت مفتقرا اليه قائما بامره بذاتك فلست بشي‏ء الا به و انت قائم دائم بحفظه و امره له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله فجميع ما لك و بك و منك قائم بامره مفتقر الي امداده و ابقائه الاتري ان السراج لما قام بالنار و افتقر اليها افتقر اليها و قام بها جميع انواره و ماذا قوله سبحانه و الله خلقكم و ماتعملون، قل كل من عند الله فما لهولاء القوم لايكادون يفقهون حديثا.

فصـل: و ما افضح قول من فكر و قدر و زعم ان الله سبحانه لم‏يجعل المشمش مشمشا بل جعله موجودا و زعم ان الماهيات ثابتة قبل الوجود لاتحتاج الي الجعل فان المشمش مشمش بالضرورة و انما هو موجود بالامكان فالممكن وجوده فاذا افاض الله عليه الوجود صار موجودا و الا فهو معدوم ثابت و انا نساله عن تلك الماهيات هل هي ممتازة بعضها عن بعض ام لا  لاسبيل له الي لا  لان كل واحدة هي هي بالضرورة فهي ممتازة في عالمها ففيه سماء و ارض و شمس و قمر و ليل و نهار و بر و بحر و جماد و نبات و حيوان و قرانات و اوضاع و افعال و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 74 *»

اعمال و ظلم و عدل و هكذا فان لكل موجود ماهية هي هي بالضرورة فاذا استقام عالم فيه اثار و موثرات و افعال و ارادات فما الفارق بينها و بين كونها موجودة وقدقال الامام7 لو ائتموا به ليس بين النفي و الاثبات منزلة فاذا جعلوا له شركاء قدماء قائمة بانفسها مستقلة غنية عنها نعوذ بالله و قد شرح الله حال ذلك العالم و قال خلق الموت و الحيوة ليبلوكم و قال خلق الليل و النهار و جعل الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون و قال خلق السموات و الارض في ستة ايام وقال قل الله خالق كل شي‏ء و انت تعلم ان علي زعمهم الليل ليل بالضرورة و النهار نهار بالضرورة و الظلمة ظلمة بالضرورة و النور نور بالضرورة و هكذا و لافرق بين مسمي باسم و المشمش الممثل به.

و افحش من ذلك اثباتهم هذه الكثرات في ذات الحق جل‏شانه مع حكمهم علي كل ماهية بانها هي هي بالضرورة فهل هي قديمة و تعددت القدماء ام حادثة و صار ذات الحق عيبة للحوادث و ما ليس بموجود و لا معدوم كيف ياوي في مكان حيث جعلوا ذات الله مكانه و الله موجود و ما ليس بموجود و لا معدوم كيف صار في صقع الموجود و انتم مدارككم موجودة ان صحت فكيف تدركون به ما ليس بموجود و لا معدوم و كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و حق و خلق لاثالث بينهما و لا ثالث غيرهما.

فصـل: و ماانكر قول من زعم ان الله سبحانه خلق الوجود و اما الماهية فهي ليست متعلقة جعل الله سبحانه و كذا اللوازم و الروابط و النسب و الاضافات و امثالها و تمسك بان الامر الواحد يقتضي المامور الواحد و هو الوجود و الباقي انما وجد بالتبع لا بجعله سبحانه فلو كان متعلق جعله سبحانه لكان وجودا مستقلا كالوجود فان متعلق الايجاد لايكون الا الوجود فياسبحان الله هل تلك النسب و الروابط و الماهيات موجودة في عالم الامكان ام لا ام بين النفي و الاثبات منزلة لاسبيل لهم الي الاخيرين فانهما خلاف البداهة و النص فبقي الاول فهل هي قديمة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 75 *»

ام حادثة لاسبيل لهم الي الاول فهل هي محدثة بلامحدث ام لا  لاسبيل لهم الي الاول فالمحدث لها انفسها ام غيرها ام خلقوا من غير شي‏ء ام هم الخالقون بل لا هذا و لا هذا و لهم خالق فهل الخالق لها قديم ام حادث و هل ينتهي الي القديم ام لا فاختر لنفسك ما يحلو بل الله خالق كل شي‏ء و جميع اللوازم و الماهيات و غيرها اشياء موجودة ثابتة و تعلق بها امر الله الا ان الله سبحانه يخلق الوجود بامره اولا و بالذات بلا واسطة و يخلق الماهية بامره ثانيا و بالعرض بواسطة ابي الله ان‏يجري الاشياء الا باسبابها و ان الله سبحانه جعل كل شي‏ء بشي‏ء و ان الخلق مترتب بعضه علي بعض و الامر مع‏ذلك واحد لقوله سبحانه و ماامرنا الا واحدة الاان نور الشمس الواحدة اذا اشرق علي زجاجة بيضاء يظهر من ورائها نور ابيض فاذا وقع علي زجاجة صفراء يظهر من ورائها نور اصفر فاذا وقع علي زجاجة زرقاء خرج اخضر و هكذا و الكل نور الشمس الا انه ينصبغ في بطون القوابل و يظهر له اثار مختلفة فاذا اشرق بطبعه حدث منه الوجود و اذا نفذ من الوجود نفسه تغير عما كان و احدثت به الماهية و اذا نفذ منهما تغير و خلق به نسبها و اضافاتها و لوازمها فالواحد ماصدر منه الا الواحد الا انه ظهر بصفات مختلفة و ظهر عنه فيها اثار مختلفة و سياتي تمام الكلام في محله فترقب.

فصـل: و اعجب من جميع ذلك قول من زعم انه يوجد ما لايوجده الله و ما لم‏يتعلق به جعل الله بل ما يستحيل تعلق جعل الله به و يستجيز تعلق جعله به و جعل نفسه اقدر من الله سبحانه فانه يقدر علي ما يقدر الله عليه و ما لايقدر و هم الذين زعموا ان الصور الذهنية مخلوقة لهم و قدخلقها نفسهم الفعالة فيزعمون انهم يقدرون علي تصور ما لم‏يصوره الله و العلم بما لم‏يعلمه الله فانهم يتصورون لله الشريك و العلم هو الصورة الحاصلة في الذهن و الله يقول ام تنبئونه بما لايعلم في الارض ام بظاهر من القول و هم يعلمون علي زعمهم ما لايعلمه الله و يتصورون الممتنع و لم‏يخلقه الله و يخلقون في اذهانهم من ساير انحاء الوجود علي زعمهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 76 *»

مما ليس في الخارج و يزعمون انها بقوة نفسهم الفعالة ليت شعري هل نفوسهم مستقلة دون الله سبحانه و هل اذهانهم في خارج عرصة الامكان و الاكوان و هل ما في اذهانهم من غير مواد امكانية فيكون قديما او ممتنعا و هل نفوسهم الا كمرايا ينطبع فيها صور الشواخص الخارجية ما لهم كيف يحكمون و اليس يدرون ان صور الشواخص في المرايا تظهر علي حسب المرايا في الكم و الكيف و الايدرون انه يمكن ان‏يصنع مراة يظهر فيها الواحد متعددا و غير المصبوغ مصبوغا و المستقيم معوجا و هكذا و اليس يدرون ان الاذهان مع ما لها من الكم و الكيف من خلق الله و يظهر فيها صور الاشياء الخارجية علي حسبها اي الاذهان لا علي حسبها اي الاشياء ولكن ما لم‏يكن شاخص لايكون مادة تتصور بصور الاذهان فلعمري من لم‏يجعل الله له نورا فما له من نور اولايرون عين الاحول و من في عينه خيالات ولكن من لم‏ياو الي ركن وثيق ليس منه ببعيد امثال هذه الاقوال و قدسئل الامام7 عن سبب خلق الله الخلق علي انحاء مختلفة فاجاب لئلايقع في نفس احد شي‏ء فيقول هل يقدر الله علي ان‏يخلق مثل ذلك الا و خلق مثله نقلته بالمعني قال الله سبحانه انه عليم بذات الصدور الايعلم من خلق فلولا ان ما في الصدور من خلقه لمااستدل بذلك فافهم ان كنت تفهم.

فصـل: قدذكر الصدوق; في التوحيد حديثا انه قال ابوعبدالله7 افعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين و قال معني ذلك ان الله تبارك و تعالي لم‏يزل عالما  بمقاديرها قبل كونها ثم استشهد بما رواه عن حمدان بن سليمن قال كتبت الي الرضا7اساله عن افعال العباد امخلوقة هي ام غيرمخلوقة فكتب7 افعال العباد مقدرة في علم الله تعالي قبل خلق العباد بالفي عام فزعم من هذين الحديثين ان افعال العباد معلومة لله سبحانه لا مخلوقة فيلزمه من القول بذلك ان‏يقول باستقلال العبد في خلق افعاله و هذا هو الشرك الصراح فارادوا ان‏يصفوا الله سبحانه بالعدل وصفوه بالشرك و لمايفهموا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 77 *»

معني الحديث و قدروي في القدسي انا الله الذي لا اله الا انا خلقت الخير فطوبي لمن اجريته علي يديه و انا الله الذي لا اله الا انا خلقت الشر فويل لمن اجريته علي يديه و روي في الكافي عن ابي‏جعفر7 في حديث طويل في القدسي لذلك خلقت الدنيا و الاخرة و الحيوة و الموت و الطاعة و المعصية و الجنة و النار و كذلك اردت في تقديري و تدبيري و بعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم و اجسامهم و الوانهم و اعمارهم و ارزاقهم و طاعتهم و معصيتهم فجعلت منهم الشقي و السعيد و البصير و الاعمي و القصير و الطويل و الجميل و الدميم و العالم و الجاهل و الغني و الفقير و المطيع و العاصي الي اخر الخبر و لما تتبعنا في الكتاب وجدناه يقول الله خلقكم و ماتعملون و يقول قل الله خالق كل شي‏ء فكل ما يصدق عليه شي‏ء فالله خالقه لاشريك له في خلقه و وجدناه يقول ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و هو يقول كل من عندالله فمالهولاء القوم لايكادون يفقهون حديثا فتبين و ظهر ان الاعمال مخلوقة لله سبحانه كما ان زيدا مخلوق له بلاتفاوت.

بقي معني الحديث الحق الصدق الشريف و هو ان الناس الجهلة لو قيل لهم ان الله سبحانه خلق الاعمال لزعموا انهم مجبورون علي اعمالهم ليس لهم فيها صنع و لا اختيار فلايستحقون ثوابا و لا عقابا فمرة لم‏يقروا بان‏يكون الاعمال مخلوقة من غير انكار له كما هو في حديث الصدوق الثاني و قالوا انها مقدرة في علم الله و مرة قالوا انها مخلوقة لكن قيدوه بانه خلق تقدير لا خلق تكوين و انت تعلم ان معني التقدير لو كان هو العلم لم‏يكن لخلق التقدير معني فان المعلوم ليس بمخلوق من حيث انه معلوم فقولهم خلق تقدير فانما هو شي‏ء اخر غير ما يعرفه هو و اشباهه و مرة اعترفوا بانها مخلوقة مطلقا كما في القدسيين و كما في ظاهر المصحف فيتبين من هذه الاختلافات في التعبير للحكيم ما لايتبين للصدوق و اضرابه من المتقشفين و هو ان الاعمال شي‏ء و قدروي في الكافي عن ابي‏عبدالله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 78 *»

7 ما من شي‏ء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن كان يزعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد اشرك و قدروي الصدوق هذا في التوحيد ان الله خلق المشية قبل الاشياء ثم خلق الاشياء بالمشية و الاعمال من الاشياء و حادثة و في الدعاء كل شي‏ء سواك قائم بامرك فلاشك ان الاعمال معلومة لله سبحانه قبل خلق الخلق بالفي عام و لا شك ان الاعمال مقدرة له سبحانه و لا شك ان الاعمال مخلوقة لله سبحانه الا انه ليس خلق حتم و الزام كخلق ساير المكونات و ليس بخلق تكوين قبل اختيار العبد يشاؤه و يريده و يقدره و يقضيه و يمضيه علي الحتم و الالزام كما خلق لزيد عينا و اذنا مثلا بل خلق الاعمال خلق تقدير قبل اختياره في هذه الدنيا و جعل مشيته مصاحبة اختياره فان اختار الخير خلقه و اجراه علي يديه و ان اختار الشر خلقه و اجراه علي يديه ليس انه يلزمه الاعمال من غير اختيار فالاعمال مشاءة مرادة مقدرة ما لم‏يختر العبد شيئا منها فاذا اختاره يقضي و يمضي حين اختياره لا قبله فتبين ان مراده7 ان الاعمال مخلوقة خلق تقدير يعني قبل اختيار العبد اياه فاذا اختار تقضي و تمضي علي يديه فانه ما من شي‏ء يوجد في الخارج الا بامضاء الله فالقدر في الاعمال كالروح في الجسد كما قال رجل لعلي بن الحسين8 جعلني الله فداك ابقدر يصيب الناس ما اصابهم ام بعمل فقال ان القدر و العمل بمنزلة الروح و الجسد فالروح بغير جسد لايحس و الجسد بغير روح صورة لاحراك بها فاذا اجتمعا قويا و صلحا كذلك العمل و القدر فلو لم‏يكن القدر واقعا علي العمل لم‏يعرف الخالق من المخلوق و كان القدر شيئا لايحس و لو لم‏يكن العمل بموافقة من القدر لم‏يمض و لم‏يتم ولكن باجتماعهما قويا و لله فيه العون لعباده الصالحين الخبر و لو لم‏يكن صنع الله في الاعمال لما نفع قولك اياك نستعين فافهم فالاعمال مخلوقة لله سبحانه الا انها ليست بخلق الزام و حتم و امضاء و كتب بل خلق واقف موقف اختيار العبد فيجري علي يديه ما اختار و يمضي بعد الاختيار علي حسب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 79 *»

اختياره تدبر في هذا الخبر الذي رواه في التوحيد عن اميرالمؤمنين7 الاعمال علي ثلثة احوال فرايض و فضائل و معاصي فاما الفرايض فبامرالله عزوجل و برضاء الله و قضاء الله و تقديره و مشيته و علمه و اما الفضائل فليست بامر الله ولكن برضاء الله و بقضاء الله و بمشية الله و بعلم الله و اما المعاصي فليست بامر الله و لا برضاء الله ولكن بقضاء الله و بقدر الله و بمشيته و بعلمه ثم يعاقب عليها انتهي و المراد بالامر الامر التشريعي فان الامر التكويني هو المشية فافهم فالاعمال كلها بمشية و ارادة و قدر و قضاء و امضاء مثل ساير الموجودات الا انها قبل اختيار العبد و ظهوره مخلوقة خلق تقدير موقوف مشروط باختيار العبد فان وقع الشرط وقع المشروط و الا فلا و سياتي تمام الكلام في مسئلة الجبر و التفويض ان شاءالله تعالي.

فصـل: ان الله سبحانه احد لايثني فلايتناهي فقدطوي الامكان و الاكوان و الاعيان و الذوات و الصفات و الاثار و الموثرات و الحدود و المحدودات باحديته و لو كان باينا عن شي‏ء من ذلك لزمه التحديد و خرج بذلك عن الاحدية تعالي شانه فاذا لا شي‏ء الا هو حيث هو و لا شي‏ء الا تجلياته حيث هي و هي هو ظاهرا و ليس هي هو قدسا و احدية فاذا لا فاعل في الوجود غيره و لا استقلال لشي‏ء دونه لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته كل شي‏ء سواه قائم بامره راجع الي حكمه فمن زعم غير ذلك فقداشرك بربه الاحد و انكر توحيده عرفه من عرفه و جحده من جحده فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

فصـل: الاحد جل‏شانه لايضاف اليه شي‏ء و لايضاف الي شي‏ء لان الاضافة صفة غير الذات و يلزم من اثباتها لها تركيبها و لاجل هذه العلة بعينها لايرتبط بشي‏ء و لايرتبط به شي‏ء و لايقترن بشي‏ء و لايقترن به شي‏ء و لايلحظ مع شي‏ء و لايلحظ معه شي‏ء و لايرجع اليه شي‏ء و لايرجع الي شي‏ء و لاينسب الي شي‏ء و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 80 *»

لاينسب اليه شي‏ء و لايقع علي شي‏ء و لايقع عليه شي‏ء و لايدرك حيث هو غيره و لايدرك هو حيث غيره يمتنع معه غيره و يمتنع هو مع غيره و الفعل كما عرفت حركة ايجادية و كمال ابداعي خرج من الكمون الي الظهور و من القوة الي الفعل و لابد لها من محل متحرك بها و جوهر يتصف بها ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و الحركة عرض قائم بمحل متحرك به و صفة قائمة بموصوف بها الاتري انه لايعقل من الحركة الا الانتقال من حيز الي حيز و الانتقال انفعال المنتقل و لايعقل حركة لا متحرك لها بها كما لايعقل صفة بلاموصوف فالحركة لاتوجد الا علي محل و المحل رتبته قبل الحال و لايعقل منها غير ذلك و الذات لاتقبل العرض لامتناعه معها و هي احد قديم و الحركة لاتقوم الا بمتحرك و الذات لاتتحرك بحركة فلايصح علي ذات انها فعلت و الفاعل هو المتحرك بالحركة الفعلية كما هو المعروف المعقول فالفاعل هو المبدا الذي يصح ان‏يتحرك و يقترن بما يحركه بحركته فاذا جميع الافعال راجع الي ذلك المبدا المتحرك و هو الكاتب الصانع القادر الاكل الشارب و ذاته منزهة عن الاقتران بشي‏ء من ذلك قدطوت باحديتها الحركة و المتحرك و المتحرك‏بها فممن و بمن و الي‏من و فيمن و اما المبدا فهو غير المنتهي و الفاعل غير المفعول و الفعل غيرهما فيتحرك الفاعل بحركته و تتعلق حركته بالمفعول فيحركه كيف يشاء الاتري الي يدك و كتابتها فويل لهم مما كتبت ايديهم و ويل لهم مما يكسبون و لم‏يؤذن لي في اكثر من ذلك و قدكشفت السر و هتكت الستر و استغفر الله ربي و اتوب اليه ففعله جل‏شانه و هو حركته الايجادية يظهر في المتحرك الاول و به يتحرك المتحرك الثاني و به يتحرك المتحرك الثالث و هكذاو ينصبغ حيث صبغ و يتشكل حيث شكل و ليس في ملكه الا ما يريد فيفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته لا راد لحكمه و لا مانع من قضائه لا اله الا هو العزيز الحكيم.

بالجملة كل شي‏ء سواه قائم بامره متصرف عن حكمه متحرك بحركته لا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 81 *»

حركة في ساير عوالمه الا به و ماتشاؤن الا ان‏يشاء الله قال الحسين7 في الدعاء اللهم منك البدء و لك المشية و لك الحول و لك القوة و انت الله الذي لااله الا انت جعلت قلوب اوليائك مسكنا لمشيتك و ممكنا([5]) لارادتك و جعلت عقولهم مناصب([6]) اوامرك و نواهيك فانت اذا شئت ما تشاء حركت من اسرارهم كوامنَ ما ابطنت فيهم و ابدأت([7]) من ارادتك علي السنتهم ما افهمتهم به([8]) عنك في عقودهم([9]) بعقول([10]) تدعوك و تدعو اليك بحقايق ما منحتهم و اني لاعلم مما علمتني مما انت المشكور علي ما([11]) منه اريتني و اليه اويتني اللهم واني مع ذلك كله عائذ بك لائذ([12]) بحولك و قوتك راض بحكمك الذي سقته الي في علمك جار بحيث اجريتني قاصد ما اممتني([13]) غيرضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني و لا قاصر بجهدي عما اليه ندبتني مسارع لما عرفتني شارع([14]) فيما اشرعتني([15]) مستبصر([16]) مابصرتني([17]) مراع([18]) ماارعيتني([19]) فلاتخلني من رعايتك و لاتخرجني من عنايتك([20]) و لاتقعدني([21]) عن حولك و لاتخرجني عن مقصد انال به ارادتك و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 82 *»

اجعل علي البصيرة مدرجي([22]) و علي الهداية محجتي([23]) و علي الرشاد مسلكي حتي تنيلني و تنيل([24]) بي امنيتي و تُحِلَ بي([25]) علي ما به اردتني و له خلقتني و اليه اويتني([26]) و اعذ اولياءك من الافتتان بي و فتنهم برحمتك لرحمتك في نقمتك تفتين الاجتباء و الاستخلاص بسلوك طريقتي و اتباع منهجي و الحقني بالصالحين من ابائي و ذوي لُحمتي([27]) انتهي.

ذكرته بتمامه و ان كان اواخره ظاهرا خارجا عن معني الاستشهاد الا اني لجلالة قدره و عظم خطره و عدم اشتهاره لم‏احب ذكر بعضه و اردت ان‏يشتهر بكله كساير ادعيتهم و هو مروي في بلدالامين و قوله فتنهم برحمتك لرحمتك في نقمتك يعني ابتلهم و اختبرهم برحمتك لرحمتك في حال نقمتك اذا استحقوا ذلك منك ابتلاء الاجتباء و الاستخلاص، بسلوك طريقتي متعلق بقوله فتنهم.  الحاصل لوتفكرت في هذا الدعاء لبلغت المني فتبين و ظهر انه لا محرك في العالم الا الله و لا فعل الا حركة الفاعل المتحرك في كل مقام بحسبه و لنقبض العنان و قد لاح الصباح لمن له عينان.

المطلب الرابع

في توحيد العبادة و فيه ايضا فصول

فصـل: اعلم ان العبادة هي العمل بمقتضي العبدية و العبد هو المنقاد لفعل الرب العالم به الباين عماسويه الداني منه فلاجل ذلك صار لفظ العبد من اعظم القاب الصالحين و الانبياء قال فوجدا عبدا من عبادنا و قال و اذكر عبدنا ايوب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 83 *»

وتبارك الذي نزل الفرقان علي عبده و ادخل قوما في كنف حراسته و قال ان عبادي ليس لك عليهم سلطان و وصفهم ليباينوا عماسويهم فقال و عباد الرحمن الذين يمشون علي الارض هونا الايات و لها مقامان تكويني و تشريعي اما التكوينية فهي العمل بمقتضي انقياد العبد لاوامر الله الكونية الصادرة عنه تعالي المتعلقة بذوات العباد كما ان التشريعية هي العمل بمقتضي انقياد العبيد لاوامر الله التشريعية الصادرة عنه تعالي المتعلقة بافعالهم ففي التكوين لا شي‏ء موجودا الا و هو عامل بمقتضي عبديته من امتثال الاوامر المتعلقة بتكونه اذ بها قد كون و عين و قوامه في ذاته و صفاته بها و ما لم‏يمتثل امر التكوين لم‏يخرج من العدم الي الوجود فجميع الكاينات عابدة لله سبحانه ساجدة له لايخالف شي‏ء منها محبته و لايتجاوز شي‏ء منها عن حكمه و تعالي الجبار عن ان‏يكون في ملكه ما لايريد فهنالك سجد له ظلمة الليل و بياض النهار و يعبده الكافر بكفره كما يعبده المومن بايمانه و يسبح له ما في السموات و ما في الارض و ان من شي‏ء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و كل قد علم صلوته و تسبيحه.

فصـل: ان الخلق من مبدا وجودهم الي منتهي شهودهم في عالم الحدوث فلايقع مداركهم الا علي ما هو من جنسهم و لايقترن ذواتهم الا بما هو من شكلهم و لايقع افعالهم الا علي ما هو مثلهم انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها قال اميرالمومنين7 رجع من الوصف الي الوصف و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجاه الطلب الي شكله و هجم به الفحص الي العجز و البيان علي الفقد و الجهد علي الياس و البلاغ علي القطع و السبيل مسدود و الطلب مردود الخطبة فاذا لايقع منهم شي‏ء الا علي جنسهم و ما يقارنهم و لايسمعون الا اصواتا تجانسهم و لاتصدر تلك الاصوات الا عن مصوت يماثلهم و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 84 *»

لايمتثلون الا تلك الدعوات و لايكلفون الا ما اتيهم و يمكنهم الاقتران به و الوقوع عليه و التصور بصورته و التكون علي نحوه لايكلف الله نفسا الا وسعها فهم يتبعون دعوة الداعي و يمتثلون امره و يجتنبون نهيه فلايتحقق منهم الامتثال الا للداعي المتعال فهم مطيعون له منقادون لحكمه لايسعهم الا ذلك قال الله سبحانه لايكلف الله نفسا الا ما اتيها قال7 الا ما عرفها و من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة خلقت الخلق لكي‏اعرف لا غاية له غير ذلك قال الله سبحانه ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون فالداعي هو تجلي الحق سبحانه لكل شي‏ء بحيث يراه و يسمعه اذ كل شي‏ء لايتجاوز ما وراء مبدئه و لايدرك الا ما هو من جنسه فطاعة الداعي هو طاعة الله الظاهر لهم به و لايطاع الله سبحانه بغير هذا النحو من يطع الرسول فقداطاع الله في الخطبة اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا الله الملك الجبار قال7 اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم و قال بنا عبد الله و لولانا ماعبد الله فمن اطاعهم فقد اطاع الله و من عصاهم فقد عصي الله فاذا لابد من اقامة الداعي في جميع المراتب الكونية حتي يروه و يسمعوا منه حتي يمتثلوا امره و يطيعوه فاقام الدعاة و اجري امره و حكمه علي السنتهم كما عرفت فبادروا الي طاعته مسرعين و سابقوا في امتثاله مهطعين و لم‏يكن في جميع عرصات الاكوان شي‏ء الا و جري عليه حكمه و نفذ فيه امره و وقعت عليه كلمته و من لم‏يجب لم‏يكن و لم‏يخرج من عرصة العدم الي الوجود حتي لايبقي ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مومن صالح و لا فاجر طالح و لا جبار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفهم جلالة قدركم و عظم خطركم و كبر شانكم و تمام نوركم و صدق مقاعدكم و شرف محلكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصتكم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 85 *»

لديه و قرب منزلتكم منه فاستعبد الله خلقه بطاعتهم و جعلهم جاهه و امرهم ان‏ياتوا البيوت من ابوابها و يطيعوه حيث يحب لا حيث يحبون.

بالجملة لم‏يبق مكون لم‏يلب دعوتهم و لم‏يمتثل امرهم و لم‏يقبل حكمهم و لم‏يؤمن بهم من جميع الذوات و الصفات و الافعال و الاثار التي لا غاية لها و لا نهاية فمتي سلب الدولة عنهم حتي ترجع اليهم طاطا كل شريف لشرفهم و بخع كل متكبر لطاعتهم و خضع كل جبار لفضلهم و ذل كل شي‏ء لهم فلا راد لحكمهم و لا مانع عن قضائهم فلا الذي عصي خرج بعصيانه عن طاعتهم و لا الذي طغي خرج بطغيانه عن تحت سلطانهم فـ ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم فكلهم موحدوا الله سبحانه في عبادته لايريدون الا وجهه و قائلون بان كل معبود مما دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهك الكريم فانه اعز و اكرم و اجل و اعظم من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته.

فصـل: اعلم انا قداثبتنا في مباحثاتنا و بعض كتبنا ان المشتقات التي اصولها واحدة لاتوجد الا في عرصة توجد تلك الاصول بعينها فيها فاذا لابد و ان‏يكون جميع الاوصاف في عرصة المصدر بل في عرصة الفعل و الا لماكان يوجد تلك الاصول فيها و لماكونت منها و بينا جملة ان الفاعل و المفعول مشتقان من المصدر قولا فصلا و لذلك ياتي المصدر بمعني الفاعل و المفعول و المصدر هو اثر الفعل و شعاعه من حيث موثريته له و لذلك يعمل المصدر عمل الفعل و يقع تاكيدا عنه و اسما له و المشتق فرع المشتق‏منه كائنا ماكان بالغا مابلغ فالفاعل و المفعول فرعان للمصدر و المصدر فرع الفعل و الاصل اسبق وجودا من الفرع و الا لما كان الاصل اصلا و الفرع فرعا فالفعل متاصل سابق لايحتاج في وجوده الي المصدر و ان‏احتاج في ظهوره اليه فانه محله و مظهره و المصدر لايحتاج في وجوده الي الفاعل و المفعول لانه متاصل بالنسبة اليهما سابق قائم بالفعل قيام الصدور و هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 86 *»

موجود و الوصف اي الفاعل و المفعول محتاج الي المصدر متاخر عنه لانه فرع له فاذا رتبة الوصف متاخرة ذاتا عن المصدر و الفاعل بنفسه ايضا مقدم علي المفعول لان الفاعل حكاية الذات و صفتها و المفعول حكاية نفس المصدر و صفتها فالفاعل كائنا ماكان بالغا مابلغ اعلي رتبة من المفعول الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض فخلق الله المشية بنفسها و هي الفعل اول ما يوجد ثم يظهر منه المصدر و هو الشبح المنفصل و هو الاثر من حيث انه اثر و هو علي هيئة حركة الموثر و صفته بلا تفاوت و لايحكي الا نفس الفعل و لذلك يقع تاكيدا عنه فاذا وقع الاثر و كرر الفعل و اكد به حصل الفاعل و المفعول لان الفاعل هو الظاهر بالاثر و الظاهر بالاثر هو الاثر الظاهر لا غير فلا ظاهر في عالم الظهور الا نفس الظهور لا من حيث هو هو بل من حيث ظهوره للغير و هذا الحيث وصفه تابع له متاخر عنه الاتري ان الضارب هو الظاهر بالضرب و الظاهر بالضرب هو الضرب الظاهر فانه لا ظاهر الا الضرب الا ان الضرب من حيث هو ضرب ليس بظاهر و انما هو محض فناء من نفسه و ظهور لضرب فان الاثر من حيث هو اثر ليس الا حكاية فعل الموثر فالضرب من حيث هو مصدر و اثر و حكاية و تاكيد ليس الا الفاني من نفسه الباقي بضرب الموجد له فالضرب من حيث نفسه ليس بظاهر و انما هو غايب خفي و ليس الا ضرب الفعلي فهو من حيث الظهور بالضربية ادون درجة من حيث الاثرية و المصدرية للفعل لان الضارب يري نفسه ما لايريه الضرب و الضرب اشد اضمحلالا عند ضرب من الضارب و اما المضروب اي المجعول ضربا فهو و ان كان الضرب من حيث نفسه الا انه من حيث نفسه الماهيي لا الائي الاثري و هذا الحيث منه متاخر من حيث كونه ظاهرا بانه ضرب و ضارب فاذا ظهر الذات بالضرب فبظهورها به جعلته ضربا و لولا ظهورها به لم‏يكن هو هو اذ ليس الا نفس ظاهريتها فالمفعول كائنا ماكان فرع الفاعل كما قال الرضا7 الفاعل مقدم علي المفعول و الفاعل كائنا ماكان فرع المصدر و المصدر كائنا ماكان فرع الفعل و الفعل كائنا ماكان فرع الذات الظاهرة به له فيه فاذا يدور علي نفسه من حيث ظاهريتها لربها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 87 *»

بالجملة الغرض من هذا التفصيل ان المشتقات من عرض واحد و بعضها مترتب علي البعض كما عرفت.

و ان قلت فما بالنا نري المقبول فوق القابل و امثال ذلك مما يكون الفاعل هو الادني و المفعول هو الاعلي فنقول لابد من شق هذا الشعر ليتبين الامر فنقول هل المقبول هو نفس الوجود من حيث هو وجود او وصف الوجود بل هو وصف الوجود و القابل هل هو نفس الماهية او وصفها بل هو وصفها فاذا ذات الوجود العليا ليست بمقبولة حتي يلزم النقض و انت لاتشك ان الماهية تقبل الوجود قبولا و لاتشك ان تقبل فعلها و اثرها و دونها و قبولا اثر صادر عن فعلها تقبل فهو دون تقبل يقينا و القابل هو الظاهر بالقبول فهو بعد تعين القبول بالقبولية لاحين اضمحلاله في جنب العالي فالقابل هو دون رتبة المصدر من حيث صدوره عن الفعل فالمفعول الذي هو المقبول اما يراد منه المفعول المطلق او المفعول‏به فان كان المراد المفعول المطلق فهو نفس قبوله الذي هو اثر فعله و ان كان المراد المفعول‏به فهو ايضا نفس القبول من حيث ارتباطه بالمفعول‏به فان المفعول‏به ايضا ليس نفس من يظهر عليه الفعل الا من حيث الشبح الواقع عليه فلما رايت عليه الشبح و رايته في الشبح سميت الشبح من حيث اقترانه به و ذكره فيه مفعولابه فالمفعول‏به هو الذي فعل المفعول عليه و جعل فيه فالمفعول هو الضرب و لابد له من مظهر يظهر به فظهر علي عمرو لا من حيث نفسه بل من حيث اقترانه بذلك الضرب فعمرو المفعول‏به هو عمرو الظاهر بقبول الضرب و ليس قبوله الضرب الا في الضرب فالمفعول‏به ايضا هو الضرب لكن من حيث اقترانه بمحل.

بالجملة الماهية قابلة لظهور الوجود لها بها في رتبة ظهورها الذي هو القبول و مقبولية الوجود بعد قبولها بقابليتها فالوصف القابل الذي بعد قبولها وصف الماهية و الوصف المقبول الذي هو بعد القابل وصف الوجود و القابل قابل هذا المقبول و المراد هو الوجود المقدم فالمقبول كائنا ماكان فرع القابل لانه لولا القبول لم‏يكن مقبولا ولكن القابل يظهر بالقبول من حيث الاعلي و المقبول يظهر في القبول من حيث نفسه فوصف المقبول تحت وصف القابل ولكن ذات المقبول اعلي من ذات القابل و لا غرو الاتري ان المصدر يحكي الفعل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 88 *»

و اسم الفاعل يحكي الذات و الفاعل دون الفعل و الذات فوق الفعل قال تعالي هن لباس لكم بحسب الذات و انتم لباس لهن بحسب الصفات و كذلك المتقدم في الوجود يتاخر في الظهور و لا عجب.

فان قلت فعلي ذلك كل مفعول متقدم علي كل فاعل ذاتا قلت لا شي‏ء متقدماعلي الذات القديمة فان ظهرت بالفاعل فالمفعول دونه و ان ظهرت بالمفعول فالفاعل دونه بالجملة الذي اردنا بيانه من هذا التفصيل ان‏تعرف ان المعبود الكوني ما يقع عليه وصف عبادة العابد كما ان المضروب من يقع عليه وصف ضرب الضارب و ما لم‏يصاقع المضروب الضارب لايقع عليه ضربه فلايكون مضروبا فما لم‏يصاقع الامر الذي يتوجه اليه الممتثلون و يسير اليه السائرون الاكوان الممتثلة لامره السائرة اليه لم‏يتحقق الامتثال و الانقياد له فعلم من ذلك ان الله سبحانه خلق كل موجود بِامر ظاهر في رتبته مصاقع له يمكنه الاتصال به و الاصغاء عنه و التوجه اليه الاتري ان‏ الله يموج البحار بالرياح و يثير الرياح بالبخار و يزجي البخار بالنار و يهيج النار باشعة الكواكب و هكذا ابي الله ان‏يجري الاشياء الا باسبابها و لايكلف الله نفسا الا ما اتيها اي عرفها و الظاهر لكل شي‏ء بالامرية هو العلامات و المقامات التي لاتعطيل لها في كل مكان و يرجع جميع ذلك الي السبب الاعظم و الامر المطلق الظاهر للكل بالكل الذي قال انا الذات انا الذات في الذوات للذات و قال انا الامل و المامول . فاشهد ان كل معبود مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم فانه اعز و اكرم و اجل و اعظم من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته فالله سبحانه الذي لا ظهور الا ظهوره و لا نور الا نوره و لا تعطيل لمقاماته و علاماته هو المعبود الحق و المطاع المطلق وحده لاشريك له ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك الدعاء فكل الاكوان موحدون في العبادة بلسان واحد يعبدون الله الواحد قل انما امرت ان اعبد الله و لااشرك به فمن كان يرجو لقاء ربه فلايشرك بعبادة ربه احدا  فهذااهو التوحيد العبادي الخالص التكويني فتبصر راشدا موفقا.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 89 *»

فصـل: و اما توحيد العبادة في التشريع فاعلم ان العبادة التشريعية هي العمل بمقتضي العبدية الشرعية كما كانت العبادة الكونية العمل بمقتضي العبدية الكونية و العبدية الكونية كانت الانقياد للاوامر الكونية فكل كائن عبد لله سبحانه لامتثاله الامر الكوني الذي هو قول كن فالعبدية الشرعية هي الانقياد للاوامر الشرعية التي هي قول قولوا لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله اوالي من والاه و اعادي من عاداه و ما يتفرع علي ذلك من الاوامر الجزئية فلما صدرت هذه الاوامر عن الامر فكل من امتثلها و قال بها فقد صار عبدا شرعيا حيا كائنا بالحيوة و الكون الشرعيين اللذين هما الايمان فكان مصونا عن الموت الشرعي الذي هو الكفر محروسا عن سبب الموت الذي هو الشيطان ان عبادي ليس لك عليهم سلطان كما كان العبيد الكائنون محروسين عن العدم و اسباب الفناء فالعبد هو المنقاد و العبدية الانقياد و العبادة العمل بمقتضي الانقياد فكما انقادوا هنالك للامر انقادوا هنا للامر الشارع لهم فالشارع تعالي‏شانه هو المعبود الشرعي كما ان المكون جلت عظمته هو المعبود الكوني و انما الفخر و النجاة و التعالي في الدرجات الشرعية بالعبادة الشرعية كما ان الفخر و النجاة الكونية من مهاوي العدم و الموت و التعالي في الدرجات الكونية بالعبادة الكونية و كما كانت منجاة الناس هناك درجات الاوامر الكونية فكل من سبق الي التكون كان اقرب الي الامر و كل من لحق كان ابعد كذلك منجاة الناس هنا درجات الاوامر الشرعية فكل من سبق الي الامتثال كان اقرب الي الامر و اشبه به و كل من لحق كان ابعد قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و سارعوا الي مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات و الارض.

فالناس في عالم التشريع و الانقياد اختلفوا في المعبود فمنهم من عبد الاصنام و الاحجار و تقرب اليها و سار باقدام الامتثال اليها فتخلق باخلاقها و لحق بها و هوي اليها و منهم من عبد الاشجار و تقرب اليها و تخلق باخلاقها فلحق بها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 90 *»

و هوي اليها و منهم من عبد الكواكب و النار و تقرب اليها و تخلق باخلاقها فلحق بها و هوي اليها و منهم من عبد الحيوانات و تقرب اليها و سار باقدام الامتثال اليها فتخلق باخلاقها فلحق بها و هوي اليها و انت تري عيانا ان نفس الانسان بنفسها اعلي من هولاء و اشرف و الطف و اصفي و اعلم و انقي فلما توجه الي ما يافك تنزل عن لطافته الذاتية و صفائه و هوي في مهاوي الجمود و الكثافة و الجهل فضلا عن ترقيه الي الدرجات و كل ممتثل متقرب الي الامر و كل عابد يتصل بجوار معبوده فهؤلاء هلكوا و ضلوا و اضلوا فامهم هاوية و ماادريك ماهيه نار حامية و منهم من عبد الاناسي فاتخذ مثله ربا يعبده و يمتثل امره و انما ثمرة العبادة الترقي شيئا بعد شي‏ء الي ان‏يصير صفة الرب يا ابن ادم انا رب اقول للشي‏ء كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشي‏ء كن فيكون و العبودية جوهرة كنهها الربوبية فالانقياد للمثل بقاء علي ما هو عليه من النقص و لايحصل له الترقي ابداو هل‏يسال محتاج محتاجا و هل‏يقوي ضعيف ضعيفا ان الذين تدعون من دون الله لن‏يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و ان يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ماقدروا الله حق قدره و الامثال لايقدرون لانفسهم و لا لك نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حيوة و لا نشورا.

و اما المتصوفة خذلهم الله الذين يسولون لمريديهم انا قدفنينا في الله و اتصلنا به حتي انه قال قائلهم انا الله بلا انا و ليس في جبتي سوي الله فاعبدونا و تقربوا الينا فان عبادتنا عبادة الله و التقرب الينا هو التقرب الي الله فلعنوا بما قالوا و كذبوا من جهات شتي منها ان العبد لايتصل بذات الحق القديم جل‏شانه و الثاني ان العبد الحادث لايستحيل قديما و القديم لايستحيل حادثا و الرب مباين عن خلقه و خلقه مباينون عنه كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه وقدبينا ذلك في موضعه مفصلا و الثالث ان الله سبحانه نهينا ان‏يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله و ذم قوما و قال اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله وذم قوما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 91 *»

اتخذوا الانبياء الها فضلا عن ساير الرعية و الرابع ان عبادتهم عبادة الشيطان فانهم يامرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و ياتون بمناكير علي خلاف دين رسول الله9 و قوله و فعله و سيرته فان كان ما يقولون من دين الله فهو انكار لرسول الله و ان كان ما جاء به الرسول من دين الله فهم علي دين الشيطان و دعويهم ان ما نقول به باطن الشرع يؤدي الي انكار جميع الشرع و الباطن الذي لايجتمع مع الظاهر ليس بباطن هذا الظاهر و حلال محمد حلال الي يوم القيمة و حرامه حرام الي يوم القيمة و والله لايريدون الا تسخير اشباه الناس لحمل اثقالهم الي بلد لم‏يكونوا بالغيه الا بشق الانفس و اني قلبتهم ظهرا لبطن و سرت فيهم زمانا من الدهر مختبرا ولكن و الحمد لله علي توق و حذر و ليس مااخبر عنهم كاخبار ساير العلماء و ليسوا والله الا طالبي دنيا دنية و لايريدون الا الرياسة الباطلة و لايتشرعون الا بالملاهي و المعاصي و الكفر و الزندقة فاحذروا عنهم حذاركم من الاسد الضاري و ان رايتهم يتجوعون و يركعون و يسجدون فاعلم والله انهم علموا ان لذة الرياسة و انثيال الناس حولهم و تقبيل العوام ايديهم و ارجلهم اعظم و ادهي من كسرة خبز غايتها العذرة و من راحة غايتها الكسالة فيتجوعون عمرا حتي يذبحوا للأكاف حمرا.

و لكل رايت منهم مقاما شرحه في الكلام ممايطول

و لما اقتضي المقام لوّثت الكاغذ باسمهم فالاعراض عنهم اولي فان الباطل يموت بترك ذكره.

و من الناس من اتخذ النبيين و الاوصياء اربابا يعبدونهم و انك لتعلم انهم و ان كانوا اعلي مقاما من الانسان و السير اليهم يكون سبب الترقي الا انهم يتبرؤن ممن ياخذهم الها من دون الله و يعبدهم و يطردونهم و يكفرونهم و قدافنوا انفسهم عند ربهم فلايظهرون الا ربهم فمن راهم و اتخذهم معبودا يتبرؤن منه و يستعيذون بالله منه و يتضرعون الي الله اظهارا لعدم الرضا بفعل هولاء علما منهم بقوله تعالي و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم و من الماولين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 92 *»

من ياول الايات لان الله سبحانه يقول في اكثر الايات لفظ من دونه و معناه ان‏يتخذ الغير الها يعبده و يترك الرب و نحن لسنا بتاركي الرب و نقول انهم قدوصلوا الي الله و اتصلوا به فعبادتهم عبادة الله و قدالحدوا في ايات الله لان العابد ليس له الا قلب واحد و ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه فاما يتوجه الانسان الي الرب الاحد الصمد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفوا احد ليس كمثله شي‏ء مكشوف السبحات بلا اشارة فلايجد غيره حتي يدرك الاتصال و الانفصال و الاغيار و ان كان يدرك غيره فهو غيره و خلقه اتخذه شريكا لله سبحانه و من خواص الاحد انه لايدرك مع غيره معا و من ادرك مع غيره فهو المثني و الاحد اذا عدل النظر عنه لم‏ير ابدا و ان نظر اليه لم‏ير غيره ابدا فمن راه و نظر اليه ليعبده و يتوجه اليه فهنالك يمتنع ذكر الغير فاين صورة المرشد او النبي او الوصي و ان نظر الي غيره فاين الرب فكل من اتخذ غيره الها يكون من دونه حين اتخاذه اياه الها فان اتخذه الها في الايمان الظاهر فقد كفر و ان قال برب معه في الظاهر فقداشرك و اما في الباطن فلايمكن الشرك في التوجه في ان واحد ابدا و كل هولاء العابدين كفار او مشركون بالله و تعالي الله الاحد عما يقول المشركون علوا كبيرا.

فالمعبود الذي يكون عبادته سبب الترقي الي ما لانهاية له هو الرب الاحد الذي لا غاية للسير اليه و لا نهاية و لا وصول و هو مدبر الكل و مقدره و المتصرف فيه الخالق الرازق المحيي المميت فمن عبده و سار اليه و امتثل اوامره الكاشفة عن صفاته و اخلاقه و اجتنب نواهيه الكاشفة عن صفات مبادي الكثرة و الاختلاف و العجز و الضعف و كل شر بلغ من عمله بهذه الامور مبلغا يتصف بصفات الله و يتخلق باخلاق الله فيصير محبوبا لله سبحانه لمكان المشاكلة و المماثلة مع صور محبته و مشيته ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فسوف ياتي الله بقوم يحبهم و يحبونه اذلة علي المؤمنين اعزة علي الكافرين لانهم قدبلغوا من الامتثال مشاكلة الحبيب و المحبوب فيحبهم الله سبحانه و يحبونه فيسيرون حتي يدنوا منه و يتلطفوا و ينعموا حتي يصيروا من اهل التوحيد فيتوحدوا و يوحدوا الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 93 *»

سبحانه فيجعلهم الله مثله و صفته يابن ادم انا رب اقول للشي‏ء كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشي‏ء كن فيكون فاذا صار مثل الله و صفته فيصير الله سبحانه سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و روحه التي يحيي بها و نفسه التي يعلم بها و عقله الذي يفهم به و نوره الذي يتحقق به ثم لاغاية لهذا السير و لا نهاية فكلما يصير اشد توحدا و تشاكلا يصير في هذه الامور و القوة و القدرة اشد و اقوي و مقامات الله عديدة لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه في كل مقام لا فرق بينه و بينها الا انها عبده و خلقه رتقها و فتقها بيده بدؤها منه و عودها اليه فكلما وضع لهم حلما رفع لهم علما ليس لمحبته غاية و لا نهاية.

و لاتزعمن من قولي ان الله سبحانه يصير سمعه الي اخر انه يتحد مع الله سبحانه و الحادث المخلوق لا من شي‏ء ينقلب قديما بل المراد ما اشرت اليه ان لله سبحانه في درجات العابدين مقامات و علامات و ايات و قداشار اليه في كتابه فقال هم درجات عند الله فتلك المقامات درجات الصاعدين اليه سبحانه يصعدون في تلك المدارج ففي كل درجة يتحدون مع ما لهم في تلك الدرجة منها و تلك ايات الله التي تليت عليهم فزادتهم ايمانا و هم يستبشرون و اعوذ بالله ان‏اكون من الجاهلين و اقول ان الحادث الذي لم‏يكن ثم كان لا من شي‏ء يصل في سلوكه الي ذات القديم جل‏شانه و يصير الها قديما تعالي الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان العبادة لاتحق الا لله الاحد الفرد الصمد فمن عبد غيره فاما ان‏نكس علي وجهه و تنزل عن مقام كان فيه و ذلك عمل الخاسرين و اما ان وقف في مقامه و لم‏يحصل له ترق و استكمال فعمل بلا اجر و لا ثواب و لايملك من يعبده له نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حيوة و لا نشورا فيخسر راس ماله و يكون من الخاسرين و المقام الذي هو فيه عين الجحيم و اما ان يتقرب الي من يلعنه و يطرده فيكون من الهالكين و من عبد الله سبحانه و انقطع عماسواه و هو الاحد القادر القاهر المتصرف الذي لا غاية للسير اليه فيكون من الفايزين و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 94 *»

لا غاية للنعيم و الاستقلال و الاستقرار و الخير النازلة اليه ابدالابدين فافهم هذه العبارات السهلة الممتنعة المحتوية علي دقايق الحكمة و حقايق الايمان فتكون من الفايزين.

فصـل: قدتبين من الفصل السابق انه لاتحق العبادة الا لله سبحانه و ان لنا في ذلك تحقيقات دقيقة و اشارات بالتلويح حقيقة و هي ان العبادة كما بينا و شرحنا هي العمل بمقتضي العبودية فالعبادة عمل العبد و العمل الصادر منه لابد و ان‏يكون له جهة يقع عليها فان العبد حادث ذوجهة و جميع ما يصدر منه الي جهة في كل مرتبة و مقام و لايسعه ان‏يعمل عملا لا الي جهة الا تراه انه لابد له ان‏يوقع افعاله علي ما يصاقعه كان‏يقتل رجلا في جهاده و يعين رجلا في زكوته و يكرم احدا في احسانه و يركع و يسجد الي الكعبة في صلوته و يفطر رجلا في صيامه و هكذا جميع ما يصدر منه لابد و ان‏يقع علي حادث مصاقع له في عمله و ان المعبود جل‏شانه لايقع عليه عمل عامل و لاينفعه طاعة من اطاعه و لاينقصه معصية من عصاه و انما ينفع طاعته اخوانه المصاقعين و نفسه و يضر عصيانه باخوانه المصاقعين و نفسه فلابد لكل عبادة من جهة عبادة كما انه يجب لكل خدمة جهة خدمة تقع عليها الاتري ان السلطان هو المخدوم ولكن جهة خدمة الفراش الارض يكنسها و الفرش يبسطها و جهة خدمة الرايض الفرس يحسها و يرحلها و يجللها و جهة خدمة الكاتب الكتب يكتبها و ليس شي‏ء من ذلك يقع علي جسد السلطان و انما تقع حركاتهم علي جهات خدماتهم و ينوي بالامتثال سلطانهم.

و كذلك الله جل جلاله امر الناس بخدمات تصل منافعها اليهم و تعمر بها ديارهم و تحرس بها نفوسهم و تزكو بها اموالهم و تزيد بها اولادهم و نهاهم عن اعمال تصل مضارها اليهم و تخرب ديارهم و تهلك نفوسهم و تتلف اموالهم و تنقص بها اولادهم مثلا فهم يعملون الاعمال و يواجهون بها جهاتها و يقصدون بالامتثال ربها و لو قصدوا تلك الجهات من حيث هي و فعلوها لها من حيث انفسها لكانوا بذلك كافرين او مشركين البتة فالواجب عليهم ان‏يلتفتوا الي ربهم اولا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 95 *»

بنفوسهم و يتذكروا امره و نهيه ثم يمتثلوهما علي جهاتهما المامور بها و يري العبد حين العمل شبح السلطان مثلا علي الفرس و يحسها لاجله لا لاجلها فلو نسي السلطان حين الحس و تمحض في الالتفات الي الفرس لاعرض عنه و من يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا لانه لم‏يعمل للسلطان و القول بان مبدا العمل كان لامتثال امر السلطان كلام قشري ظاهري فالموحد يري السلطان امام وجهه دائما و هو ممتثل بين يديه عالم بانه شاهد عليه مطلع عليه موجود في غيبته و حضرته عالم بعلانيته و سريرته اعبد الله كانك تراه فان لم‏تك تراه فانه يريك اولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد فاذا راي السلطان في الفرس و تحرك نحوه و عمل له و حس فرسه بل حسه لانه خدمه خالصا لوجهه فهو الخالص في خدمة السلطان الموحد في طاعته لم‏يقصد فيها غيره و كل من هو غير ذلك مشرك في طاعته البتة.

فكذلك الامر في طاعة الله سبحانه فان كنت ممن يعبد الله كانك تراه فتتحرك نحوه و تعاونه و تزوره و تقرضه و تنصره و تطيعه و تحبه فانت ممن حصل لهم توحيد العبادة و وحدوه فيها و لو قصدت بشي‏ء من ذلك غيره من حيث نفسه فانك في ذلك الوقت مشرك بالله عزوجل يقينا و لاينفعك القصد الكلي حيناما و انت ناسيه حين العمل و صرت ممن قال الله سبحانه فيهم و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيمة اعمي قال رب لم‏حشرتني اعمي و قد كنت بصيرا قال كذلك اتتك اياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي فالموحد من يري نور الله سبحانه و ظهوره علي كل شي‏ء فمهما امر بخدمة متعلقة بذلك الشي‏ء يقصد بها ذلك النور و ذلك الظهور وحده لا شريك له سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد قل اي شي‏ء اكبر شهادة قل الله الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 96 *»

فصـل: ان العلماء رضوان الله عليهم اختلفوا في نية القربة بعد اتفاقهم علي ان العبادة اذا اوقعت خالصة لوجه الله او اتي بها احد طالبا لرضاء الله و انه اهل لها او طالبا قربه له صحيحة و لا كلام في ذلك و انما الكلام في انه هل‏تصح العبادة اذا اوقعت طلبا للجنان و حذرا من النيران ام لا فالاكثر و المحققون ذهبوا الي بطلان العبادة حتي انه يتوهم من كثرتهم الاجماع و استدلوا علي ذلك بان الجنان غير الله و كذا النيران فالعبادة لاجلهما لاجل غير الله و قدقال الله سبحانه اعبد الله مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه و قال فاعبد الله مخلصا له الدين الي غير ذلك وفي الخبر عن اميرالمؤمنين7الدنيا كلها جهل الا مواضع العلم و العلم كله حجة الا ما عمل به و العمل كله رياء الا ما كان مخلصا و الاخلاص علي خطر حتي ينظر العبد بما يختم له الي غير ذلك من الايات و الاخبار.

و قال قوم من المتاخرين ان العمل بقصدهما صحيح نظرا الي ان القصد الخالص الذي لايشوبه غير وجه الله لايحصل الا من خواص الخواص و جل الخلق غيرمتمكنين من ذلك و الي ان الله سبحانه وعد عباده في كتابه و نبيه في سنته9 و طمعوا الناس في الاعمال الحسنة بذكر الاجور و خوفوهم عن الاعمال القبيحة بذكر العقاب و قال سبحانه يدعون ربهم خوفا و طمعا و يدعوننا رغبا و رهبا و امثال ذلك من الايات و حديث تقسيم العبادة الي ثلثة عبادة العبيد و الاجراء و الاحرار و هی  افضلهم و امثال ذلك و يؤيد هولاء قوله تعالي لمثل هذا فليعمل العاملون و ان ذكر الجنة تحريص للثواب بلا شك و ذكر النار تحذير بلا شك و يوقع ذكراهما في القلوب شيئا فلو كان ذلك شركا لمااغروا الناس بالشرك و هم يعلمون ان نفوسا لاتطيق الا ذلك و ان مقام ماعبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك مخصوص بالمعصومين و من شايعهم و يقدر علي ذلك من يطيع و ان علم ان الله يدخله النار بطاعته و هو ليس مقام العامة بل و لا الخاصة بلا شك و لا ريب فالدليلان قويان و يدل علي كل واحد منهما اخبار.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 97 *»

و الذي افهمه من الاخبار و صحيح الاعتبار ان للناس درجات و مراتب و للايمان كما روي درجات و الله سبحانه يقول لايكلف الله نفسا الا ما اتيها اي ماعرفها و يقول معاذ الله ان‏ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذا لظالمون فللناس درجات في مراتب الايمان فمنهم من هو اخذ بدوحة الايمان و سنخه و منهم من هو اخذ بفروع الايمان و اغصانه و منهم من هو اخذ باوراقه فمن بلغ في ايمانه مرتبة اهل الفؤاد و المحبة و عرف الله سبحانه كما ينبغي للانسان الكامل ان‏يعرفه و فاز بحقيقة التوحيد و سر التفريد فهو ناظر من مثل سم الابرة فلو حول نظره مثل ذلك عن ذلك السم وقع عن ابعد مابين السماء و الارض و هلك فلايجوز لهؤلاء الالتفات الي شي‏ء سواه و قصد شي‏ء دونه فانهم عارفون بالله وحده و يعرفون انه حق و خلق لا  ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فان كان توجههم الي الحق فهو للحق و الا فهو للشيطان و قدروي في القدسي انا خير شريك فمن عمل لي و لغيري فهو كمن عمل لغيري و في الاخر انا اغني الاغنياء عن الشريك فمن اشرك معي غيري في عمل لم‏اقبله الا ماكان لي خالصا و من بلغ في ايمانه مرتبة اهل العقول و لم‏يفز بمقام اهل المحبة و المصافاة فهو شانه الرجاء و ملاحظة الفضل و لايقدر علي محوه عن نظره لان مدركه ذلك و لايحمل علي ذلك المقام الاول و لايطلب منه ما ليس في وسعه و في مثل ذلك روي عن ابي‏جعفر7من بلغه ثواب من الله علي عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه و ان لم‏يكن الحديث كما بلغه و ذلك انهم يرون الله سبحانه و يريدونه من وراء حجاب الفضل فيقصدونه في فضله ليس لهم حقيقة غير ذلك و من لم‏يبلغ في ايمانه هذين المقامين بل هو واقف موقف النفس فهو شانه الحذر و الخوف و ملاحظة الله عزوجل و ارادته من وراء حجاب الخوف و يترك مخالفته حذرا من عقابه المدرك و يطيعه لئلايشمله عقابه فيهلك ليس له معني غير ذلك و في هذين الاخرين نزل قوله سبحانه يدعوننا رغبا و رهبا و يدعون ربهم خوفا و طمعا و في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 98 *»

الاخير اذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة و قدفصل في الصادقي الاصناف الثلثة نجوي العارفين تدور علي ثلثة اصول الخوف و الرجاء و الحب فالخوف فرع العلم و الرجاء فرع اليقين و الحب فرع المعرفة فاذا حصل العلم في الصدر خاف و اذا صح الخوف هرب و اذا هرب نجا و اذا وجد اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا شاهد الفضل رجا و اذا رجا طلب و اذا طلب وجد و اذا اشرق نور المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و استانس في ظلال المحبوب و اثر المحبوب علي ما سويه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه الخبر نقلته بالمعني و يؤيد ذلك ما روي عن الصادق7 ان الناس يعبدون الله عزوجل علي ثلثة اوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء و هو الطمع و اخرون يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد و هي رهبة ولكني اعبده حبا له عزوجل فتلك عبادة الكرام و هو الامن و عنه7 العبادة ثلثة قوم عبدوا الله عزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا الله تبارك و تعالي طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء و قوم عبدوا الله عزوجل حبا له فتلك عبادة الاحرار و هي افضل العبادة انظر كيف جعل العبادة ثلثة و جعل افضلها الثالث ويؤيد ذلك ان جميع الشيعة مقبول عنهم مغفور لهم و يدخلون الجنة و كلهم اهل توحيد الم‏تسمع ما رواه في معاني الاخبار انه سئل ابوعبدالله7 عن قول الله عزوجل الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الاية قال يا سليمن في هولاء المستضعفين من هو اثخن رقبة منك المستضعفون قوم يصومون و يصلون تعف بطونهم و فروجهم لايرون ان الحق في غيرنا اخذين باغصان الشجرة فاولئك عسي الله ان‏يعفو عنهم اذا كانوا اخذين بالاغصان و اذ لم‏يعرفوا اولئك فان عفا عنهم فبرحمته و ان عذبهم فبضلالتهم عما عرفهم.

بالجملة الاخبار في ذلك كثيرة ان امثال المنحطين عن درجة الايمان يثابون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 99 *»

باعمالهم و لا شك ان اولئك لايدركون حقيقة التوحيد و المعرفة و المحبة التي هي شان الكرام البالغين و كفي اولئك ان‏يعرفوا ان لهم ربا و يحبوه و انه يكون اخرة و جنة و نار و المطيع ينعم و العاصي يعذب و يعمل لله تصديقا لقول الله سبحانه و انجازا لعدته و انما بسطنا القول في ذلك لخفاء الامر فيه مع وجود الاختلاف فهؤلاء ايضا في ادني درجات توحيد العبادة فانهم يعبدون الله حقيقة لا غيره غاية الامر انهم يلاحظون غاية في ذلك و يكتفي عنهم بانهم يعبدون الله و معاذ الله ان‏يعدهم النعيم اذا عبدوه ثم اذا عبدوه طمعا في عدته يحرمهم نعم العبادة الكاملة ان لايكون لها غاية الا الله عزوجل ايضا و ما سويها ناقص يقينا منحط عن درجتها و درجة المقربين البتة و هل يتفاوت الدرجات الا بزيادة الخلوص و هل‏ ينقص الخلوص الا بشوب غايات و علل و اسباب و هذا معني مايقال حسنات الابرار سيئات المقربين فلو لم‏يقبل الا من الخالصين حقيقة لم‏يقبل الا من احاد الناس في جميع الدهور و الاعصار و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.

فصـل: اعلم ان الله سبحانه جعل للانسان مراتب فله جسد ظاهر ذوطول و عرض و عمق و وجه و ظهر و جهات و اوقات و امكنة و قرب و بعد و اوضاع لايقدر علي النفوذ من اقطار السموات و الارض له مشاعر ظلية بفعل النفس فله عين باصرة و اذن سامعة و لسان ناطق و حركات انتقالية ولكن لا حراك له الا بالنفس و لا ادراك فاذا توجهت النفس اليه ادرك و تحرك بفعلها الظاهر فيه المنطبع في مراته فاذا توفيت فان بقي شعاعها فيه يلقي نائما لايدرك شيئا لان مداركه لطيفة مدركة للدقايق و تحتاج الي فضل توجه من النفس ولكن حيوته و حركته الحيوانية التي هي القبض و البسط باقية و ان لم‏يبق شعاعها خر ميتا لا حيوة له و يصير كساير الجمادات و يلقي علي ما يلقي حيثما يلقي و له نفس مدركة للصور الظاهرة بالحواس الظاهرة و الباطنة بالحواس الباطنة و المجردة بنفسها الملكوتية ولكن بفضل احساس العقل و فعله فلو نزع عنها توجه العقل و بقي شعاعه فيها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 100 *»

تلقي كالنائم الحي الذي لايدرك شيئا ولكنها حية و ان رفع عنها الشعاع كما بين النفختين تلقي ميتة لا حيوة لها و له عقل يدرك به المعاني لكن بفضل احساس الفؤاد و فعله و ادراكه فلو رفع النظر عنه و بقي الشعاع يبقي نائما حيا لايحس بشي‏ء من المعاني و ان رفع الشعاع ايضا فيلقي ميتا لا حراك له و لا ادراك وله فؤاد و هو مدرك للحقايق لكن بفضل علم الامر و نوره و حركته فلو رفع النظر عنه مع بقاء الشعاع يلقي نائما لا ادراك له و لو رفع الشعاع ايضا يلقي ميتا لا حراك له و الامر عالم حي بعلم الله سبحانه و حيوته فلو رفع النظر عنه فهو لا شي‏ء محض و ليس بشي‏ء الا بنظره سبحانه و هو نفس نظره سبحانه اليه فانه خلق بنفسه و خلق ماسويه به فـ هو الحي لا اله الا هو قل الله خالق كل شي‏ء و الله خلقكم و ماتعملون قل افرايتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون و مارميت اذ رميت ولكن الله رمي لم‏تقتلوهم ولكن الله قتلهم الله يتوفي الانفس حين موتها مع انه يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم و يتوفيهم الملئكة فارزقوهم فيها و اكسوهم مع انه هو الرزاق ذوالقوة المتين و تخلق من الطين كهيئة الطير و تخلقون افكا و يكون ملكان خلاقان و الله خالق كل شي‏ء اذا دعاكم لما يحييكم و من احيي نفسا فكانما احيي الناس جميعا و الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم والله خير الرازقين و احسن الخالقين بالجملة لا موثر في الوجود الا الله و لا فاعل الا هو و مااصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و كل من عند الله ولتحقيق هذه المعاني مقام اخر و فصل الكلام استطرادا و لم‏يكن مقصودا في الباب.

فنقول كل من مراتبك له عبادة تخصه و يسعه العمل بها و هي من شانه و له جهة خدمة لاتقع الا اليها و لايمكنه غيرها اعتبر من جسدك فان له وجها لابد له ان‏يتوجه الي جهة و لايمكنه التوجه الي اللاجهة و الله سبحانه ليس في جهة البتة فوضع له اول البيوت و امر ان‏يتوجه اليه حيثما كان و لسانه لابد و ان يتفوه بكلمات و حروف و ليس الله سبحانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 101 *»

بكلمات و حروف تجري علي اللسان فقدر له كلمات و حروفا و امر بالتفوه بها و له يدان ترفعان و توضعان و ليس الله يلمس بالاخماس فامر بالرفع و الوضع لهما و له عينان تدركان الاضواء و الالوان و الاشكال و ليس الله بضوء و لا لون و لا شكل فينظر اليه بهما فامر بالنظر الي الكعبة و موضع السجود و النبي و الوصي و امثال ذلك و جعل لها عبادة و هكذا قدر لكل عضو منك عبادة يسعه ان‏ياتي بها الي جهتها و لو كلف الجسد بغير ذلك لكان تكليفا بما لايطيق و هو محال صدوره عن الحكيم تعالي شانه العظيم فكذلك للنفس خواص و اعمال و لاعمالها جهات لايسعها غيرها البتة فهي ايضا يجب عليها ان‏تاتي بما يسعها الي جهاتها الممكن لها التوجه اليها و لو كلفت بغير ذلك لكان شططا و تلك الجهات تساوقها و لايجوز لها التوجه الي الجهات الجسمانية و صرف النظر اليها فانها دون رتبتها و تصير به مكبة علي وجهها وجهها الي المنتهي و ظهرها الي المبدا قال اتعبدون ما تنحتون و الله خلقكم و ما تعملون و هذا هو الفرق بيننا و بين عبدة الاوثان في توجهنا الي البيت و توجههم الي الصنم فنحن نقيم مقاديم ابداننا الي البيت و نستقبله بها ثم تنصرف نفوسنا الي الخدمات النفسانية بل نقيم نفوسنا بمقاديمها الي الجاه النفساني ثم ينصرف عقولنا الي الخدمات العقلية في عالمها بل نقيم عقولنا بمقاديمها الي الجاه العقلاني و نتركها و ينصرف افئدتنا الي خدمتها و تتوجه الي جاهها لاداء الخدمة و ايقاعها موقعها و لسنا نقصد بكل رتبة عليا الرتبة الدنيا بل و تحسبنا ايقاظا و كل رتبة منا راقد الا الفؤاد فانه بعينه التي لاتنام و هو بالساهرة فكما انك تلقي جسدك علي الفراش و نفسك تسير في عالمها و تري اناسا و تجالسهم و تسافر اسفارا و جسدك ملقي علي ما القيته فكذلك تقيم جسدك مستقبلا الي جهة خدمته و كل رتبة منك الي جاهه و تتوجه بفؤادك الي وجه الله المضي‏ء و تخاطبه و تحفظ بفضل شعاع الفؤاد كل رتبة كما يتنفس جسد النائم و هو حي فنحن نعبد الله جل وجهه بكل رتبة منا علي ما يسعه و ينبغي له بخلاف عبدة الاوثان فانهم يتوجهون بانفسهم و عقولهم الي تحت ارجلهم و يقصدون بحقايقهم الاوثان المنحوتة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 102 *»

افمن يمشي مكبا علي وجهه اهدي امن يمشي سويا علي صراط مستقيم.

فتبين من هذا التحقيق الرشيق ان الصوفية خذلهم الله عبدة اوثان نحتوها لانفسهم فانهم يقصدون المرشد بحقيقتهم و هم ناكسوا رؤسهم عند ربهم و يعبدون من دون الله اوثانا مودة بينهم و يتخذون الذي ياكل و يشرب و يتغوط و يبول و في بطنه ما فيه الهايقصدونه بنفوسهم و عقولهم و افئدتهم فلايزيدهم عن الله سبحانه الا بعدا و ماامروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلوة و يؤتوا الزكوة و ذلك دين القيمة فافهم ان كنت تفهم.

فصـل: قال الله سبحانه سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال و في الارض ايات للموقنين و في انفسكم افلاتبصرون و قال الرضا7قدعلم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا  ولما كان الناس بعداء عن الحق سبحانه معرضين عنه قداشكل عليهم التوجه الي الحق سبحانه مع انه اسهل شي‏ء قدجبلوا عليه و لايكلف الله نفسا الا ما اتيها فانا اذكر ذلك لك علي سبيل المثل و الله خليفتي عليك و هو خير حافظا و هو ارحم الراحمين.

اعتبر من توجهاتك في الدنيا الي السماء و الارض و الجماد و النبات و الحيوان و الانسان و ابينها في الانسان ان زيدا مثلك صاحب حقيقة هو بها هو و صاحب ظاهر به ظهر في عالم الاجسام فانت اذا اردت ان‏تزور زيدا تقصد جهته حتي تلقاه فتقابل بجسدك جسده و تفتح عينك اليه و مسامعك الي صوته و تتركه و تتوجه بحقيقتك الي حقيقته فلاتدرك بحقيقتك شيئا غير حقيقته فحين توجهك اليه لاتدركه بانه ابن من و ابو من و اخو من و من اين و الي اين و فيم و مم و علي‏م و كيف و كم و لِمَ و هكذا ساير ما يضاف اليه و هو غيره او يوصف به و لاتدركه الا بانه هو هو لا غير بل لاتجد نفسك و ادراكها و احوالها و متمكن من هذا التوجه كل ذي‏شعور حتي الاطفال المرضعين لان الانسان جبل عليه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 103 *»

في اصل فطرته فاذا راي الطفل امه او اباه او غيرهما لايدرك منهم الا حقيقتهم مكشوفة السبحات مهتوكة الاستار منزهة عن الاغيار بالفطرة و لايري شيئا من صفاتهم الظاهرة و ان كان عينه مقابلة بهم الاتري انك ربما تتكلم مع رجل يوما فان سئلت هل كان عليه اثر خضاب تقول لم‏التفت او سئلت عن ثوبه علي اي لون كان تقول مانظرت لانك لم‏تلتفت الا اليه وحده و لو دخل كبير من الباب و نظرت اليه تدهش و تقوم و لست‏تري منه شيئا الا انه هو هو و من يريد الصفة لابد له ان‏يتعمد و يصرف نظره عمدا الي صفته بل اقول انك اذا نظرت الي ثوبه ايضا تدرك الثوب المجرد لا لونه و هيئته و ان تعمدت اللون تري الصفرة المطلقة لا الخاصة و ان تعمدت الصفرة الخاصة ايضا تدرك محض الصفرة الخاصة و لاتري زمانها و مكانها و هي صنع من و كم مقدار درجاتها و هكذا فالانسان كلما يدرك يدركه بحقيقته المطلقة عن جميع مظاهره فاذا كان الانسان مجبولا علي ذلك في جميع امور الدنيا فماباله لايقدر علي التوجه الي الله الذي لا ظهور الا ظهوره و لا نور الا نوره و لا صوت الا صوته بل ليس ذلك الا انه لايعرف ربه جل‏شانه و انا نري اناسا يقولون ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتريك و لاتزال عليها رقيبا و يقول احدهم لم‏اعبد ربا لم‏اره ويقول مارايت شيئا الا و رايت الله قبله صلي الله عليهم من ناطقين بالحق المطلعين عليه فالناس عاقهم عن ذلك عدم معرفتهم بالظهور فلو عرفوا الظهور عرفوا الظاهر الاتري انك لو لم‏تعرف ظاهر زيد لم‏تعرف حقيقته فاذا عرفته عرفتها بالفطرة و الجبلة و صار لك التوجه اليها امرا جبليا فطريا ولكن الناس يقولون نريد ان‏ناكل من بقلها و قثائها و فومها و عدسها و بصلها فنقول لهم اتستبدلون الذي هو ادني بالذي هو خير اهبطوا مصرا غاصا بالكثرات فتاسركم و يحصل فيكم شركاء مختلفون و ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل‏يستويان مثلا و اري الناس و اللاشي‏ء انفق في سوقهم من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 104 *»

شي‏ء و العدم عندهم اروج من الوجود و الجهل البحت ارضي لهم من العلم و الله لاشي‏ء عندهم سوي القشور ابدا و لايعبدون بحق العبادة احدا الا قليلا و قليل من عبادي الشكور يقيمون اجسادهم الي الجاه الظاهر ثم تتوجه نفوسهم و عقولهم و افئدتهم الي السرقة و الكيد و المكر و الخديعة و السفر و الحضر و ما لايقدرون اتيانه باجسادهم و يسمونه عبادة و يريدون ان‏يوحدوه في العبادة و هي علي ماتري ثم اجمعوا علي انا لانريد غير ذلك قل مكانكم انتم و شانكم و من نظر في مطاوي هذا الكتاب المستطاب فتح له الباب و الله المستعان و اليه الماب.

خـاتمـة: قال الله سبحانه و مايؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون و اكثر الناس عن هذا غافلون فيحسبون انهم موحدون و لايشعرون انهم مشركون من حيث لايحتسبون فمن اسباب الشرك ان‏يبتدع الانسان رايا فيقيم عليه و يحب عليه و يبغض فهو قداتخذ الهه هواه و اشرك بمولاه و يشهد بذلك قول الصادق7 و قدسئل عن ادني مايكون به الانسان مشركا فقال من ابتدع رايا فاحب عليه و ابغض عليه و منها الاعتقاد بخلاف الحق في شي‏ء من الاشياء و التدين به و شاهده قول الباقر 7 و قدسئل عن ادني الشرك فقال من قال للنواة حصاة و للحصاة نواة ثم دان به و منها كلية العصيان فانه طاعة الشيطان و الشاهد عليه قول ابي‏عبدالله7 في قوله تعالي و مايؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون قال يطيع الشيطان من حيث لايعلم فيشرك و قال ابوجعفر7 فيها ايضا شرك طاعة و ليس بشرك عبادة و  المعاصي التي يرتكبون مما اوجب الله عليه النار شرك طاعة اطاعوا الشيطان و اشركوا بالله في طاعته و لم‏يكن بشرك عبادة فيعبدون مع الله غيره

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 105 *»

ومنها ترك الرد الي ال‏محمد: في الصغير و الكبير و قدامر بالرد اليهم و الشاهد علي ذلك قول ابي‏عبدالله7امر الناس بمعرفتنا و الرد الينا و التسليم لنا ثم قال وان صاموا و صلوا و شهدوا ان لا اله الا الله و جعلوا في انفسهم ان‏لايردوا الينا كانوا بذلك مشركين و منها ان‏يزعم لشي‏ء صنعه النبي9 او صنعه الامام7 انه واقع علي خلاف الحكمة و كان غيره اولي منه و احسن و الشاهد عليه قول ابي‏عبدالله7 لو ان قوما عبدوا الله وحده لاشريك له و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة و حجوا البيت و صاموا شهر رمضان ثم قالوا لشي‏ء صنعه الله او صنعه النبي9الا صنع خلاف الذي صنع او وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الاية فلاوربك لايؤمنون الاية ثم قال فعليكم بالتسليم و منها طاعة العلماء الفجرة الذين يعرفهم بالفجور و اخذ الرشا و العصبية في الاحكام و كتمان الحق فان اطاعهم بعد معرفته بهم فهو مشرك و الشاهد عليه من الله و حججه انه سئل ابوعبدالله7 عن قول الله عزوجل اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله فقال اما والله مادعوهم الي عبادة انفسهم و لو دعوهم الي عبادة انفسهم لمااجابوا ولكن احلوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لايشعرون و في حديث اخر من اطاع رجلا في معصية الله فقد عبده و منها الاصغاء و القبول من المفترين علي الله و رسوله و الحجج: فان القبول منهم و هم مظاهر الشيطان قبول من الشيطان و الشاهد عليه قول الصادق7من اصغي الي ناطق فقدعبده ان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 106 *»

و منها الرد علي العلماء الحاملين لدين ال‏محمد: و اخبارهم و احكامهم فانه رد عليهم و هو رد علي رسول الله9 و هو رد علي الله و الشاهد علي ذلك قول الصادق7 في الحنظلية المقبولة ينظران من كان منكم قدروي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما فاني قدجعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم‏يقبله فانما استخف بحكم الله و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هما و في نسخة و هو علي حد الشرك بالله ومنها ادخال رضاء الغير في عمل من الاعمال فان العبد ينبغي ان‏يكون عمله بكله لربه و الشاهد عليه قول ابي‏جعفر7لو ان عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله و الدار الاخرة و ادخل فيه رضاء احد من الناس كان مشركا و منها الرياء و السمعة و ايقاع العمل للشهرة و الشاهد عليه قول ابي‏جعفر7كل رياء شرك و قدسئل رسول‏الله9عن تفسير قوله فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لايشرك بعبادة ربه احدا فقال من صلي مراءاة الناس فهو مشرك الي ان قال و من عمل عملا مما امر الله به مراءاة الناس فهو مشرك و لايقبل الله عمل مراءاة  ومنها الحلف بغير الله فانه لاينبغي للعبد ان‏يعظم غير الله بما ينبغي لله سبحانه و الشاهد عليه قول ابي‏جعفر7في قوله و مايؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون، من ذلك قول الرجل لا وحياتك و منها زعم ان النجوم تؤثر في العالم بنوع استقلال و الشاهد عليه قول الصادق7 في تلك الاية كانوايقولون نمطر بنوء([28]) كذا و منه انهم ياتون الكهان فيصدقونهم بما يقولون و منها  ان‏يزعم ان احدا يدفع عنه مع الله شرا او يجلب اليه خيرا و الشاهد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 107 *»

عليه ما روي في هذه الاية هو قول الرجل لولا الله و انت مافعل بي كذا و كذا و لولا الله و انت ماصرف عني كذا و كذا و اشباه ذلك و منها ان‏يزعم لاحد تصرفا في ملك الله و الشاهد عليه قول ابي‏عبدالله7في هذه الاية هو الرجل يقول لولا فلان لهلكت و لولا فلان لاصبت كذا و لولا فلان لضاع عيالي الاتري انه قدجعل لله شريكا في ملكه يرزقه و يدفع عنه و منها الالحاد في اسماء الله و وضعها في غير مواضعها و الشاهد عليه قول
ابي‏عبدالله7 في هذه الاية هم الذين يلحدون في اسمائه بغير علم فيضعونها بغير مواضعها و منها اتخاذ الانداد مع ال‏محمد: و الشاهد عليه قول ابي‏جعفر7 ان الله عزوجل نصب عليا علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا  و من انكره كان كافرا و من جهله كان ضالا و من نصب معه شيئا كان مشركا و من جاء بولايته دخل الجنة و منها القول بالتفويض و القدر فان القدرية مجوس هذه الامة و هم كالثنوية يزعمون ان اهريمن خالق مع الله سبحانه.

بالجملة القول الفصل فيه ان كل من عمل عملا او قال قولا او اعتقد اعتقادا يفهم منه اثبات احد مع الله في ذاته او صفاته او افعاله او عبادته و طاعته فهو مشرك غاية الامر ان بعض الشرك جلي و بعضه خفي و قدروي ان للشرك دبيبا في هذه الامة كدبيب النمل و لذلك قال الله سبحانه و مايؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون و لنكتف بما ذكرناه في مراتب التوحيد و فيه كفاية لصاحب الفهم السديد اذ كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 108 *»

المقصد الثالث

في بيان مقامات التوحيد بحسب المجالي و المظاهر

و فيه مقدمة و فصول

المقدمة

في تقسيم مقامات التوحيد بحسب المظاهر

اعلم انه من البديهيات التي لا ريب فيها ان الله الاحد القديم لايقترن بالحوادث و لايصاقعها و لم‏يخلق ما خلق من اصول ازلية فلايعرفه احد من حيث هو لا بالاحاطة عليه و لا بالاتحاد معه فاذا يمتنع معرفته لما سواه سواء كان ملكا مقربا او نبيا مرسلا و قدخلق الجن و الانس ليعبدوه و اولها معرفته كما قال خلقت الخلق لكي‏اعرف و المعرفة هي مشاهدة المعروف فكيف السبيل الي ذلك فوصف الله سبحانه نفسه بما يسعهم ان‏يعرفوه و معرفة تلك الصفة هي معرفته بل لم‏يؤمروا الا بمعرفتها و لم‏يخلقوا لمايمتنع صدوره منهم ثم يبدلوا بغيره اذ لا فائدة في ذلك و لايعقل جعل الممتنع غاية الامكان فـ من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة اذ رجع من الوصف الي الوصف،

منتهي الحظ ما تزود منه الــــــ ــلحظ و المدركون ذاك قليل

فليس الغاية الا معرفة الصفة حسب فمن عرفها عرف الله و من جهلها جهل الله ولكن ذلك كلام قديحمله الجاهل علي ان الوصف الذي نقول محمول علي ظاهره فيتحير ذهنه و يقول كيف يكون معرفة الحادث معرفة القديم و اذا عرفنا حادثا فقدعرفنا غيره و اذا عبدنا غيره فليس الله بمعروف و لا بمعبود و ذلك قصر في رايه فان كنت طالبا لفهم المسئول فاصغ لما اقول.

اعلم ان للوصف اصطلاحين فمرة يقال الوصف في مقابلة الموصوف ولكن قديقال الوصف و يعم الموصوف الاتري ان لفظ الموصوف ايضا وصف و عدم الاتصاف ايضا وصف و الخفاء ايضا وصف و التنزه ايضا وصف فالوصف المقابل للموصوف مقام اسفل من تلك المقامات و مرتبة ادني من تلك المراتب و انت‏تري عيانا ان لك خمس مراتب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 109 *»

احديها مرتبة الذات المعراة عن الصفات المنزهة عن السبحات و الاشارات و عن جميع الكيفيات و التعينات و تجد ذلك من نفسك حين تجدهابداهة انك لاتري معها مما سويها شيئا بقول مجمل فلاتدركها بانها علي ايش و من ايش و في ايش و مع ايش و لايش و بايش و كايش و الي‏ايش ابدا ابدا و لاتجدها الا بانها هي هي و لاتجدها الا بها ثـم لك مقام في مقام الصفات التي تتصف بها و لعلك علمت ان غبرة الصفات كلما تقرب من سماء الذوات ترق و تلطف الي ان‏تبلغ مبلغ الخفاء حتي تكاد ان‏تفني من نفسها و لاتكون الا الذات و كلما تقرب من ارض الانيات و القابليات تغلظ و تكثف الي ان‏تبلغ مبلغ الظهور حتي تكاد تخفي ما وراءها بالكلية و لاتري الا نفسها و ذلك مشاهد محسوس فكذلك غُبْرة الحدود و الصفات تختلف بحسب مراتب الصفات من القرب و البعد من الذوات ففي غاية القرب تكون بحيث لاتري نفسها ابدا بل تري الذات و هي مقام الهوية التي ليست الا الاشارة الي غايب عن درك الحواس و هو بمنزلة الاجسام الشفيفة التي لاتري نفسها ابدا و انماتري ماورائها الغائب عن حضورها و ذلك قوله7ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه الهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغايب عن درك الحواس و لذلك سمي بالضمير و صار حروفه مما ليس له مقطع و حد في الفم في اللغة المعتدلة الكاملة و لايعد ذلك وصفا في الظاهر لانه ليس بشي‏ء من حيث نفسه فهو عدم الوصف لا اثباته و اذا نزل من هذا المقام درجة و غلظت غبرة الانية في الجملة تاكد التعين و اشتد في الجملة لكن بقدر ان‏اخرجه من الاستتار الي الظهور و من الاضمار الي البروز لكن في غاية البساطة الامكانية و هو مقام الالوهية المتصفة بكل صفة و لايوصف به شي‏ء لان الصفة عبارة عن الحد و هو المحدود ثـم تحت ذلك اول مقام الظهور بالوصفية بالمعني الخاص و معلوم ان اول الاوصاف و لو بالمعني الخاص ابسطها فهو الاحدية ثـم تحت ذلك الاوصاف المتكثرة المركبة و هي مقام الواحدية و قدفصل الله هذه المقامات في سورة التوحيد فقال قل هو الله احد الله الصمد فالقائل هو الذات ثم هو مقام الهوية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 110 *»

ثم الله مقام الالوهية ثم الاحد مقام الاحدية ثم الصمد مقام الواحدية و لابد و ان‏نفصل هذه المراتب في تلو فصول.

فصـل: في مقام الذات و هو العالي عن الصفات المعري عن جميع النسب و الاضافات و الاوضاع و الكيفيات و الكميات و الرتب و الجهات و الامكنة و الاوقات و انما سميت بالذات لانها صاحبة الصفات و جميع الصفات دونها في الرتبة و معرفة الذات قدعسرت علي الجل لسهولتها و خفيت لشدة ظهورها و استترت لعظم نورها و لايزيد البيان في معرفتها الا خفاء و الشرح الا عماء و هي الحقيقة التي قدسال كميل عن معرفتها عليا7 حين اردفه علي ناقته فقال كميل ماالحقيقة قال7 ما لك و الحقيقة فقال اولست صاحب سرك قال بلي ولكن يرشح عليك مايطفح مني فقال كميل اومثلك يخيب سائلا قال اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة فقال كميل زدني بيانا قال7 محو الموهوم و صحو المعلوم فقال كميل زدني بيانا قال هتك الستر لغلبة السر فقال زدني بيانا قال7 جذب الاحدية لصفة التوحيد فقال زدني بيانا قال7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره فقال زدني بيانا قال7 اطفئ السراج فقدطلع الصبح و شرح ذلك علي طريق الاجمال ان المطلوب اي الحقيقة لايحصل لك معرفته الا بازالة جميع انوار الجلال اي الذات المطلوبة معرفتها و ذلك ان مشاعرك الظاهرية لاتدرك الا الاشباح المثالية الدنيا و الحدود الجسمانية و مشاعرك الخيالية الباطنة لاتدرك الا الاشباح المثالية العليا التي هي اسفل الدهر و مشاعرك النفسانية لاتدرك الا الصور المجردة الدهرية اي المجردة عن المادة الزمانية و مددها و المشاعر العقلية لاتدرك الا المعاني الكلية الجبروتية و الذات المطلوبة معرفتها فوق جميع ذلك و انك مادام فؤادك ناظرا من مناظر هذه المشاعر لايدرك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 111 *»

منها الا ما يشاكلها و يصاقعها و الذات غيرها بقضها و قضيضها([29]) و لايمكن ان‏تدرك هذه المشاعر اياها و لو بادق نظرها و ابسط فكرها و اشد تاملها و لاتبلغها بفرضها و اشارتها بحضور و لا غيبة فان اردت المعرفة فازل هذه السبحات من غير اشارة جسمانية و نفسانية و عقلانية فانها تقتضي تحديدا و تقتضي عدم كشف جميع السبحات و الانوار و الالاء فقوله7 كشف سبحات الجلال في مقام الجواب عن الحقيقة يعني به ان الحقيقة هي الكشف و الازالة و المصدر اما يكون بمعني الفاعل فيكون المراد ان الحقيقة هي الكاشفة لجميع السبحات من غير اشارة و هذا الامر لايتاتي من غيرها اذ الشي‏ء لايقدر علي ازالة نفسه فالحقيقة اذا قطعت النظر عن جميع الانوار وجدت نفسها بلا غبار و من غير اشارة حال يعني الحقيقة الكاشفة جميع السبحات لا باشارة عقلية و لا نفسية و لا جسمية بل باحراقها جميع انوارها عند اشتدادها في المحبة كما روي عن النبي9 ان لله تعالي سبعين الف حجاب من نور و ظلمة لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه و السبحات هنا الانوار الجلالية و في الحديث الاول الاعراض و الصفات و ان اخذ بمعني المفعول يكون المراد ان الحقيقة مكشوفة سبحات الجلال و الاضافة الي الفاعل فالسبحات كشفت عنها باحتراقها و خفائها عن الوجدان ولكن المحرق المخفي غيرمذكور و يمكن ان‏يكون تسمية الحقيقة بالكشف من باب المبالغة اي رفاعة ما يواريها و هتاكها فلاتبقي باقية اذا كشفت او بمعني الذات غيبت الصفات و هي اظهر من ظواهرها و مظاهرها و انما خفيت لشدة ظهورها او ناخذ الكشف بمعني الاظهار و بمعني الفاعل فالحقيقة هي المظهرة لانوار الجلال لانها الموثرة لها او بمعني المفعول فالحقيقة هي التي اظهرتها سبحات الجلال و دلت اليها من غير اشارة لان دلالتها بالاشارة تقع علي مثلها فالدلالة بلا اشارة منها بما فيها من مثال الحقيقة فهي المظهر بفتح الهاء لانوار

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 112 *»

الجلال لان الاثر يدل علي صفة موثره او للمبالغة بالاضافة الي الفاعل او المفعول بالجملة لسنا بصدد بيان الفاظ الخبر و قدتبين و ظهر ان المراد ان الحقيقة هي غير جميع السبحات اي الانوار او الالاء العقلية و النفسية و الجسمية و هذه المعرفة لاتمكن لاحد الا بعد التجاوز عن جميع ذاتياته و عرضياته وجدانا و هذا هو معني محو الموهوم و صحو المعلوم فالموهوم هو السبحات و هو انت من حيث انت و احوالك فكلها موهوم لا استقرار لك بنفسك و لست بشي‏ء الا به سبحانه و انت نقش فحواني و مثال و عرض قائم بمعروضك قيام الموهوم بالخيال اذ كل جوهر بالنسبة الي موثره عرض و اجاد الذي قال:

يا جوهرا قام الوجود به و الناس بعدك كلهم عرض

فالحقيقة هي محو الموهومات اي الاعراض و هو ابلغ من الكشف اذ المكشوف ربما يبقي و الممحو لايبقي و صحو المعلوم القائم بنفسه و ان كان لغيره الدائم الباقي فقدروي ان نبيا من انبياء الله قال يارب كيف الوصول اليك قال الق نفسك و تعال و يكون قضية المصدر هنا كما سبق و كذا هتك الستر لغلبة السر و المراد بالهتك هو ذلك الكشف و المحو والستر هو السبحات و الموهوم و السر هو الجلال و المعلوم الا ان البيان هنا ابلغ اذ بين ان الكشف و المحو و الهتك لايمكن الا بان يغلب السر و ليس ذلك بامر اختياري هوائي و انما هو امر جار باسباب لايتاتي الا منها و انما سببه غلبة السر الذي هو نور الله المعار عندك و مثاله الملقي فيك فاذا اشتد ذلك السر بالتخلص عن شوائب تلك السبحات و الانغماس فيها و الركون اليها و النظر اليها و مال الي موطنه الاصلي و اشتد فيه الاشتياق الي التلاق بعد الفراق و اشتعل فيه نار الحب فتحرك الي محبوبه من كل جانب بلا كيف و لا اشارة هتك الاستار و طرد الاغيار و ذرا الغبار شوقا الي لقاء الجبار و هذا البيان ابلغ في افادة العيان و بين فيه ان السبحات و الموهومات ساترة مانعة و ينبغي ان‏يكون كشفه و محوه علي نحو الهتك الدفعي بسبب غلبة السر و تركه الاستار و الخروج مكشوفا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 113 *»

و كذا قوله7 جذب الاحدية لصفة التوحيد فالجذب في مقابلة الكشف و المحو و الهتك و الاحدية هي الجلال و المعلوم و السر و صفات التوحيد هي السبحات و الموهومات و الاستار و التوحيد هي الاحدية التي وحد الاحد بها نفسه شهد الله انه لا اله الا هو و صفته اي صفة التوحيد الواحدية المقترنة بالنسب و الكثرات فبين في هذه الفقرة7 من المزيد ان الامر لايمكن الا بان يجذب الاحدية و هي وصف الاحد الذي عندك و به عرفك نفسه صفات التوحيد المدحية من تحت كعبتها و الانوار المنبثة من شمسها فكما بدءت منها تعود اليها و اين ترجع الانوار الا الي المنير فانا لله و انا اليه راجعون فجميع السبحات ترجع الي تلك الحقيقة بالغيبوبة عند تجليها و بخفاء كواكبها عند سطوع شمس ظهورها و انما ذلك بالجذب من الوِجدان الي الفقدان علي معني ان الذات غيبت الصفات تعرفت الي في كل شي‏ء حتي رايتك ظاهرا في كل شي‏ء عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيبا فبين هنا من زيادة البيان ان ذلك الكشف و المحو و الهتك ليس بالافناء و الاعدام الخارجي بل جميعها ينطوي تحت الاحدية  فلا شي‏ء الا الاحد و ان الجاذب هو الاحد و هذا الشرح يبين ان‏المصادر السابقة بمعني الفاعل او المبالغة و ان جميع تلك السبحات صفات الاحدية و مظاهرها تجلي الاحد لها بها و بها امتنع منها و هي كلها راجعة اليه صائرة الي حكمه ائلة الي امره،

فما في الديار سواه لابس مغفر و هو الحمي و الحي و الفلوات

فان كنت من اهل الاحدية فلا شي‏ء الا الاحد حيث هو فاقطع النظر عنها حيث هي تبلغ المراد و تصر من اهل السداد.

و اما نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره ففيه من مزيد البيان ما يورث العيان فقدذكر حد ما لا حد له باوضح تبيان بعد ان‏ازال السبحات و محا الموهومات و هتك الاستار و جذب الانوار و خلّاه عن الرذايل فاراد ان‏يحليه بالفضايل فقال الحقيقة المسئولة عنها هي نور اشرق من صبح ازل المشية اللايح من شمس الازل الغيبية المستورة عن درك الاوهام بنفسها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 114 *»

المكشوفة لاهل العيون بانوارها فيلوح علي سبيل الدوام و الاستمرار علي هياكل التوحيد التي هي تلك السبحات الموهومة الساترة الكائنة صفات الاحدية اثاره اي يظهر من وجنات تلك الهياكل اثار ذلك النور اي القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فكانت تلك الهياكل موارد انواره و مصادر افعاله فبين7 حقيقة تلك الحقيقة و مبداها و منتهاها بما لا بيان فوقه و هو الحد التام للحقيقة و ما سبق من البيان كان توطية لهذه الفقرات فتدبر.

و اما قوله7 اَطفئ السراج فقد طلع الصبح فهو بيان اخر للحقيقة لا كما زعمه الجهال و يمثلون به في مورد اسكت فقدانكشف الامر و ظهر بل المراد انك مادمت ناظرا بالاشتغال بالسراج اليه تكون غافلا عن رؤية الصبح فاطفئ سرج مشاعرك و حواسك التي اكتفيت بها في ظلماء حندس([30]) الكثرات و لاتشتغل بها و لاتكتف بضوئها و لاتزعم ان الاراءة و الاضاءة منحصرة فيها و لاتحسب ان كل مقام ينبغي ان‏يدرك بهذه المشاعر فتريد ان‏تتصور جميع المعاني و الحقايق مع انها منزهة عن ان‏تدرك بما ليس من جنسها فاطفئ هذه السرج فقدطلع الصبح و لا خفاء فيه و انما الناس مشغولون عنه بالسرج و الا فالصبح بين واضح و لاتدرك الصبح الا باطفاء السرج و الاعراض عنها فبين7 ان اللازم عليك في معرفة الحقيقة ان‏تغمض عينك عن كل المبصرات و تسد سمعك عن كل الاصوات و شمك عن الروايح و ذوقك عن الطعوم و لمسك عن الكيفيات و مشاعرك المثالية عن الصور المقدارية و نفسك عن الصور المجردة و عقلك عن المعاني الكلية و هذا هو اطفاء سرجها فاذا اطفأت السرج فلم‏تدرك شيئا بها صحا لك الادراك الحقيقي و شاهدت الحقيقة كما انك حين المنام لاتكاد تدرك عالم المثال الا ان‏تطفي سرج مشاعرك الظاهرة فاذا اعرض روحك عن الظاهر شاهد الباطن فكذلك ما لم‏تعرض عن مشاعرك الخيالية لم‏يصح لك عالم النفوس و ما لم‏تغمض مشاعرها و تعرض عنها لم‏يصح لك عالم العقول فكذلك ما لم‏تعرض عن العقل و ترقده في مرقده لم‏يصح لك عالم الحقيقة فاذا ارقدت العقل في مرقده و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 115 *»

امته في مقامه يحشر لك روح الحقيقة و يشاهد عالمها مكشوفا ظاهرا باهرا كما تري كفك و محال ان‏يصل احد الي هذا المقام الا بهذا النحو الذي ذكرت لك.

و في ترقيه7 عن قوله نور اشرق من صبح الازل الي قوله فقدطلع الصبح تحقيق انيق هو بالكتمان حقيق و بالاشارة يليق قال رسول‏الله9 اعرفوا الله بالله و الرسول بالرسالة و اولي‏الامر بالمعروف و العدل و الاحسان و ما لم‏يمت الانسان من الدنيا لم‏يحشر في البرزخ و لم‏يشاهده و لم‏ير الارواح و الملائكة و الجنة و النار الدنياويتين و ما لم‏ينفخ في الصور و يمت جميع من في السموات و الارض و يبقوا اربعمائة سنة حتي لايبقي حاس و لا محسوس لم‏يفتح عينه في عرصة القيمة و لم‏ير الصراط و الميزان و الجنة و النار و مجمع الكل و منبر الوسيلة و الحكم بين العباد قال نبي من الانبياء يا رب كيف الوصول اليك قال الق نفسك و تعال. الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لم‏تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت و يرسل الاخري الي اجل مسمي و لايسعني البيان هنا اوسع من ذلك ان علينا جمعه و قرانه ثم ان علينا بيانه فافهم ان كنت تفهم بالجملة قدطال بنا المقال بما يزيد علي مقتضي الحال.

فنقول ان تلك الحقيقة هي ذاتك التي قدتجلي الله لها بها و نفسك التي عرف نفسه لها بها ولكن ذلك في التعبير و البيان و اما في الوجدان فمادمت تجد نفسك مضافة اليك و تشعر باضافة و مضاف و مضاف اليه و خصوصية له لم‏تصل المرام الا ان‏تنظر اليه فاقدا نفسك واجدا ربك منزها عن جميع صفاته فضلا عن صفاتك بحيث يمتنع في نظرك معه ما سويه و شي‏ء فوقه كما روي في حديث المعراج انه9وصل مقاما قال ظننت ان جميع الخلايق قدماتوا و لم‏ار غيري احدا من خلقه فتركني ماشاءالله ثم رد علي روحي فافقت الخبر فحينئذ وصلت الي المراد و صرت من اهل الفؤاد و لاتزعمن ان ذلك محال ان‏يقع لاهل السداد فان الفؤاد ليس الا هكذا و انت تجد بالبداهة ان كلما تضيفه الي نفسك غيرك و كل حد سويك فانت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 116 *»

انت وحدك لا شريك لك فيما به انت انت و قداحتج الله عليك بان‏جعلك هكذا و عرف نفسه لك بك كذلك فهذا هو احد مقامات التوحيد التي عرف الله نفسه لها بها و بها يعرف فيها و لايعرفها فيها بما هو عليه فيها الا هي فاعرف الله بالله اذ دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته و ان اليه منتهاك و مصيرك ليس لك ذكر فوقه و لا مشعر اعلي منه و لاتدرك له فوقا و لو بادق الاشارات و الطف الانظار لا علما و لا وجدانا و لايسعنا البيان اكثر مما بان و علي اهل المعرفة السلام.

فصـل: في مقام الهوية اعلم ان الهوية هي اول مقام التعينات في عالم الغيب بعد مقام الذات التي هي مقام اللاتعين و المجهول المطلق و المفقود الحق و العماء البحت البات و المنزه عن شائبة انحاء الصفات فلما ان‏تجلي لخلقه فاول ماتجلي تجلي بالهوية الغائبة عن درك الحواس غيرالملموسة بالاخماس الفانية من حيث نفسها الباقية بربها المخفية نفسها المظهرة ربها بالاشارة الغيبية و التلويح بالتنزيه و هي مركبة بتركيب ابسط ما يمكن في الامكان فليس فيها الا جزءان و حرفان منزهان عن الحدود الحرفية اولهما الهاء التي هي اسم الهمزة و صفتها و الهمزة هي الالف الظاهرة بالحركة و الفرق بينهما ان الالف منزهة عن الحركة و السكون و الهمزة هي تلك الالف الا انها اتصفت بالحركة و اقترنت بوصف بسيط حقيقي و الهاء هي تاكد الهمزة و تعينها و لها جزء اخر و هو الواو و تكثرها اكثر من الهاء بواحد الا انها من عرضها و تشاركها في عدم التعين و هي من حروف العلة غيرالمتعينة بتعين المعلولات اذ لايجري عليها ما هي اجرته فهما حرفان ابسط ما يمكن من الحروف صفة من بعد الالف الدالة علي الواحد القديم جل‏شانه و الهمزة التي هي اول تجليه و ايته و عنوانه فلم‏يكن حرف انسب الي الاشارة الي الغائب عن درك الحواس من الهاء و الواو فجعل الهاء لتثبيت الثابت لانها اسم الهمز الثابت بثبوت الالف فلاجل ذلك صارت الحد المشترك بين الضماير لان في اصل الثبوت كلها مشتركة و انما الاختلاف في الصفات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 117 *»

و القرانات فجعل الحرف الثاني للتمييز و لما كان الواحد الغايب احكي شي‏ء للمبدا الواحد الغايب جل و علا اختير له الواو حرف العلة غير المتكية علي احد مقاطع الفم غيرالمصورة بصور ساير الحروف الدالة علي كليات الحدود المميزة التي هي اشباع الضم الدال علي الانضمام بالمبدا المرفوعة المتصلة بمبدئها فلاجل ذلك اختير لهذا المقام لفظ هو فعن الباقر7 هو اسم مكني مشار الي غائب فالهاء تنبيه علي معني ثابت و الواو اشارة الي الغائب عن الحواس كما ان قولك هذا اشارة الي الشاهد عند الحواس الخبر ففيه تعين غيبي لا كتعين ساير الحروف المتقطعة فكانه باق علي الانحلال و الذوب و تشاكل الاجزاء و الشفافة الحاكية لما وراءها كالهواء الحاكي جميع ما وراءه المحجوب في نفسه المكشوف بما وراءه * فكانما خمر و لا قدح * و لذلك وقع الهواء بعد النار الغيبية التي لاتنالها الايدي و الابصار فصار يدعو الي مولاه و يشير الي معناه و واسطة بينه و بين ساير الخلق ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي علمه شديد القوي قال نحن هو و هو نحن علي تفسير ظاهر الظاهر.

بالجملة هي اول ظهور تجلي به الذات في عالم الصفات الغيبية المعنوية الكلية التي هي اول ما خلق ليس شي‏ء اعلي منها و لا احب منها الي الذات الغيبية فهي الحجاب و هو المحتجب و هي الحبيبة و المحبوبة و هي قطب جميع الاسماء لله سبحانه الاتري ان اسم الله يحمل عليه كل اسم و لايحمل علي اسم ولكن يحمل علي هو لانه اغيب منه و اعلي قال علي7 بعد قل هو الله احد، يا هو يا من لا هو الا هو فسئل ما هذه  الكنايات فقال هو اسم الله الاعظم و عماد التوحيد لله لااله الا هو ثم قرا شهد الله انه لا اله الا هو و اخر الحشر اي هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب و الشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا اله الا هو الملك السورة انتهي قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت و اليه متاب و قل هو الله احد الله الصمد السورة و يستنبؤنك احق هو قل اي و ربي انه لحق فافهم و لو نشاء ان‏نفصل في هذه المطالب ليستدعي كل مطلب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 118 *»

منها كتابا مبسوطا و هذا هو ثاني المقامات و اول التعينات للذات و الركن الايمن الاعلي من عرش الصفات المستوي عليه الذات البحت البات فتدبر.

فصـل: في مقام الالوهية و هو المقام الثاني من مقامات الاوصاف و التعينات و التعين فيه اشد و اكد من مقام الهوية و اظهر حتي بلغ به مقام الظهور في عالم الغيب و الالوهية صفة الله المتصلة الذاتية و الله اسم موضوع للظهور الاعظم الاعظم الاعظم المهيمن علي جميع الظهورات و جميع ما سويه من الاسماء و الصفات فانما هي ظهوره و نوره و لذا يحمل عليه كل وصف و لايحمل علي شي‏ء مما سويه و ليس مصداقه الذات البحت البات للزوم وجود المناسبة بين الموضوع و الموضوع‏له و استلزامها التركيب المنافي للازل فامتنع ان‏يكون الذات مصداقا له البتة و اما مقام الهوية فلاجل انه مقام الغيب و الخفاء و الاسم عند ظهور الشي‏ء للناظر و احتياجه الي تمييزه عما سواه في اي مشعر من المشاعر كان لايصلح ان‏يكون مصداق الله فهو اشارة الي الغائب عن درك الحواس و الله موضوع للذات الظاهرة باكمل الظهورات و اول التجليات فلاجل ذلك اختص بالدرجة الثانية من ظهوراتها و هو اي الله لفظ مشتق من اله كفِعال بمعني المالوه ادخل عليه الالف و اللام ثم اسقط الهمزة من اله من كثرة الاستعمال و ادغم اللام في اللام و الاِله بمعني المعبود من اَلَهَ اَلْهَة و الوهية و الوهة علي وزن كتب اي عبد عبادة فالاله هو المالوه المعبود و يشهد بذلك انه سئل ابوعبدالله7 عن اسماء الله و اشتقاقها الله مما هو مشتق فقال الله مشتق من اِله و اله يقتضي مالوها و الاسم غير المسمي الخبر قوله و اله يقتضي مالوها اما يكون لفظ اله فيه مصدرا علي وزن كتب اي العبادة فقوله اله يقتضي مالوها يعني العبادة يقتضي مالوها اي معبودا و اما يكون علي وزن فعال و يقتضي مالوها يعني ان‏يكون مالوها و حاصله ان الفعال بمعني المفعول او يكون من اله كفرح بمعني التحير فالله اي الذي تحير فيه الخلايق فلم‏يعرفوه حق معرفته فهو المتحيرفيه و يقال اله كما يقال للمؤتم‏به امام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 119 *»

و قيل هو مشتق من لاه الشي‏ء اذا خفي كما قال الشاعر:

لاهت فماعرفت يوما بخارجة ياليتها خرجت حتي عرفناها

و قال الشاعر:

لاه ربي عن الخلايق طرا خالق الخلق لايُري و يرانا

و قيل هو من اله بالمكان اذا اقام به كما قال الشاعر:

الهنا بدار لاتدوم رسومها كان بقاياها وشام علي اليد

و قيل من لاه يلوه بمعني ارتفع و قيل من وله الفصيل بامه اذا ولع فالعباد مولوهون به اي مولعون بالتضرع اليه و قيل من اله اذا رجع و فزع و الخلق يفزعون اليه في حوائجهم و يرجعون و قيل من السكون يقال الهت اليه اذا سكنت و الناس يسكنون اليه و يمكن ان‏يكون من الهه اذا اجاره و امنه فهو يجير الخلايق و يؤمنهم في الشدايد الدنياوية و المؤمنين في الاخرة من عذابه.

بالجملة لما كان هذه المعاني ماكانت تنافي المروي عن الحجج: ذكرناها و لايبعد ان‏يكون لاسم معان عديدة هذا و ما روي عن اميرالمؤمنين7 ان الاله معناه المعبود الذي ياله فيه الخلق و يؤل اليه و المستور عن درك الابصار المحجوب عن درك الاوهام و الخطرات يؤيد بعضها و ما روي عن الباقر7 الله معناه المعبود الذي اله الخلق عن درك مائيته و الاحاطة بكيفيته و يقول العرب اله الرجل اذا تحير فلم‏يحط به علما و وله اذا فزع الي شي‏ء مما يحذره و يخافه فالاله هو المستور عن حواس الخلق يفيد بعض تلك المعاني و سئل موسي بن جعفر7 عن معني الله فقال استولي علي ما دق و جل و عن الهادي7 الله هو الذي يتاله اليه عند الحوايج و الشدايد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من دونه و تقطع الاسباب من جميع ما سويه بالجملة بسطنا القول في معني لفظ الله لخفائه و الا فهو خارج عن وضع الكتاب و لم‏نكن بصدد العلوم اللفظية فلنرجع الي ماكنا فيه.

فمصداق الله اول المظاهر لله سبحانه و الذات البحت البات منزهة عن الاسماء و الصفات الاتراه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 120 *»

قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون و قال وليه7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه و قال ولده  الاسم صفة لموصوف فالذات البحت البات لا اسم لها و لا رسم فان تجاوزت عن الذات لاتجد الا الصفات فالصفات ان لم‏تكن ظاهرة و لا مستجمعة للصفات بمعني تنزهها عن مذكورية الكل فيها علي نحو الهيمنة و المالكية فلاتحتاج الي اسم و لا رسم لفنائها البحت في جنب الذات حتي انه لا شي‏ء الا الذات فليس الا هي و لا هي الا الاشارة اليها فليست تحتاج الي اسم و لا رسم فاول مقام صحة اطلاق الاسم مقام التجلي الاعظم المهيمن علي جميع ما دق و جل كما قال موسي بن جعفر7 معني الله استولي علي ما دق و جل فما لم‏يكن الدقيق و الجليل مذكورا لم‏يصح الاستيلاء و الاستواء فلايصدق الاستيلاء في مقام يمتنع فيه ذكر ما سويه و في مقام الهوية لايذكر الا الذات فانحصر الامر ان‏يكون المصداق له اول التجليات و هو يكون مستجمعا لجميع الاسماء و الصفات المتعلقة بالوجود المطلق و المقيد و له الاحاطة التامة بالكل و لايطلق الا علي من يشتمل علي جميع الصفات فمن يقل من الذين لم‏يحيطوا بجميع الوجود المطلق و المقيد اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم و هو الحق الثابت الدائم الباقي و هو كل كائن ثابت مما سوي الله فلاتقولوا علي الله الا الحق فالمستجمع للكل يليق به و غيره لايليق فمن يقل تعلم ما في نفسي و لااعلم ما في نفسك ليس بمستجمع و من ليس بمستجمع لايكون الها و اما نفس الله القائمة فيه بالسنن هي المستجمعة للنفوس قاطبة قال الله سبحانه الله الذي خلق السموات و الارض و مابينهما في ستة ايام ثم استوي علي العرش ما لكم من دونه من ولي و لا شفيع الاية و قال النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و قال فالله هو الولي و هو يحيي الموتي و هو علي كل شي‏ء قدير و لاجل ان صار هذا الاسم المبارك اسم اول التجليات و اعظم الظهورات كما في الدعاء اللهم اني اسالك بالتجلي الاعظم في هذه الليلة من الشهر المعظم و المرسل المكرم خص بخواص لم‏يخص بها غيره

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 121 *»

فيوصف بجميع الاسماء و لايوصف به غيره و يتسمي بجميع الاسماء و لايتسمي به غيره و لايصح اطلاقه علي غير الله بخلاف ساير الصفات و يقع به الشهادة و يخص بكلمة التوحيد و لايحتاج في دلالته علي المسمي به الي غيره بخلاف ساير صفات الله و ان قسمت عرش الظهور ارباعا فهذا المقام  مقام الاسفل الايمن المحيط بما سويه و لنكتف بما ذكرناه لما فيه كفاية و بلاغ .

فصـل: في مقام الاحدية و الاحدية صفة الاحد و الاحد اول صفة من صفات الله سبحانه و ابسطها و الطفها و اعلاها و قدذكرنا سابقا معني الاحد و الفرق بينه و بين الواحد الا انا نقول هنا ان الاحد هنا وصفي و المراد مما ذكرناه هناك محض تعبير عن الذات القديمة جل‏شانها و لم‏نقصد به الوصف و الاسم و انما غرضنا هنا بيان محل الوصف و رتبته و لاتشك في انك تصف الله بالاحد و لاتصف الاحد بالله و المراد بالله هو الذات و بالاحد المعني و المعني ظهور الذات و صفتها المتاخرة عنها بالبداهة فالاحد متاخر عن الله اي مصداق الاحد يجب ان‏يكون دون مصداق الله بدرجة فهي في مقام ثالث مراتب التعين.

و ان قلت ان الاحد هو الذي لايتجزي و مراتب الصفات الحادثة و التجليات الظاهرة كلها مركبات فكيف يكون المركب مصداق الاحد قلت ان الاحد الذي عرف الله نفسه به لخلقه هو غير الذات القديمة البحت بلا شك فهو من مقام الحدوث فانه حق و خلق لا ثالث بينهما فالاحد الوصفي لله سبحانه لابد و ان‏يكون حادثا في رتبة الحوادث ولكن الحادث يختلف الاسماء التي يستعملها بحسب اختلاف المسميات فالاسم الذي يستعمله علي الشي‏ء المنفرد غير الذي يستعمله علي الشي‏ء المقترن و الاسم الذي يستعمله في الكثرات غير الاسم الذي يستعمله في الظاهر بالكثرات و الاحد من الاسماء التي يستعملها الانسان علي الظاهر في الكثرات المنزه عن جهاتها و حدودها و صفاتها و احوالها كالاحد الظاهر في الاعداد الطاوي لكلها تحته فليس الا هو اذ بنفيه ينتفي الكل و باثباته يحتمل الكل و قد مر شطر من شرح احواله فللانسان لفظ يستعمله في الظاهر في الكثرات لامحالة و انت تعلم ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 122 *»

مراتب الكثرات تختلف فان لاحظت الاجسام فالمهيمن عليها الظاهر في جميعها الجسم المطلق و ان لاحظت مطلق المقادير فالظاهر في جميعها النفس الكلية و ان لاحظت مطلق الموجودات من حيث الموجودية فالظاهر في الكل المنزه عن شوائب صفات الكل الطاوي للجميع هو الوجود بلا شك و هو الذي ليس لاحد من ساير الموجودات التي دونه ان يدرك فيه كثرة من سنخ كثرتها و لايدرك كثرة غير نحو كثرتها لان الالات تشير الي نظائرها فهو في نظر الحوادث احد لايدرك اوحد منه شيئا فانه لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه من التجزية و التكثر فهو الاحد الذي عرف الله نفسه له به لكن لا من حيث تعلقه بالكثرات و كون الكثرات فيه بقوة صلوح التعلق بل من حيث كونه صفة لله سبحانه فتبين ان الاحد صفة من الصفات و الاحدية صفته و الاحد صفة الله المستجمع لجميع صفات القدس و العزة و الاضافة و النسبة و الخلق و التربية و الاحد احد صفات القدس و العزة لله سبحانه فهو اخص من الله و احد صفات الله و لذا وقع في سورة النسبة صفة لله و هو من عرش التجليات الركن الايسر الاعلي لانه صفة محضة و ليست باسم متمحض له و لذلك يقع علي غير ايضا فتقول رايت احدا.

ثم الاحد و الواحد قديجتمعان و قديفترقان كما بيناه سابقا و فصلناه وقدروي عن الباقر7الاحد الفرد المتفرد و الاحد و الواحد بمعني واحد و هو المنفرد الذي لانظير له و التوحيد الاقرار بالوحدة و هو الانفراد و الواحد المتباين الذي لاينبعث من شي‏ء و لايتحد بشي‏ء و لذلك قالوا ان بناء العدد من الواحد و ليس الواحد من العدد لان العدد لايقع علي الواحد بل يقع علي الاثنين فمعني قوله الله احد اي المعبود الذي ياله الخلق عن ادراكه و الاحاطة بكيفيته فرد بالهيته متعال عن صفات خلقه انتهي و هذا الاتحاد بين الواحد و الاحد معني ليس باصل الوضع ولكن الاحد يطلق علي المتعالي عن صفات الخلق باصل الوضع و الواحد يحتاج الي قرينة كما بيناه سابقا و قال اميرالمؤمنين7ان القول في ان الله تعالي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 123 *»

واحد علي اربعة اقسام فوجهان منها لايجوزان علي الله و وجهان يثبتان فيه فاما اللذان لايجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الاعداد فهذا ما لايجوز لان ما لا ثاني له لايدخل في باب الاعداد الاتري انه كفر من قال ثالث ثلثة فقول القائل هو واحد من الناس يريد النوع من الجنس فهذا ما لايجوز لانه التشبيه و جل ربنا عن ذلك و تعالي و اما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الاشياء شبه كذلك ربنا و قول القائل انه تعالي احدي المعني يعني انه لاينقسم في وجود و لا في عقل و لا وهم كذلك ربنا تعالي انتهي فتبين ان الواحد يحتاج الي قرينة حتي يفهم منه الاحد و اما الاحد فليس كذلك بل يدل علي البسيط بلا قرينة و سياتي له مزيد بيان ان شاءالله.

فصـل: في مقام الواحدية اعلم ان الواحدية صفة الواحد و الموصوف كما عرفت مقترن بالصفة فالظاهر بالواحدية هو الواحد و هو الواحدية من حيث ائيتها للرب جل‏شانه و هو اول تجليات الاحد جل‏شانه و هو المبدا حقيقة و هو الواحد الذي يبني عليه بناء الاعداد و هو قطب دائرة الاعداد و مركزها عليه يدور رحاها و هو بمنزلة القلب في اعضاء الاعداد و الاحد بمنزلة الروح في القلب المتعالي عن صفات الاعضاء واحدها و اثنينها و ازيدها و اقلها و اما الواحد فهو بشر مثل الاعداد لا فرق بينه و بينها الا بقلة الكثرات و انه يوحي اليه من الاحد انما الهكم اله واحد بمعني الاحد لان الواحد هو الموحي اليه و هو الاسم الظاهر للاحد و معناه و ظاهره في الاعداد و القائم مقامه في ساير الاعداد في الاداء اذ كان لاتدركه ابصار الاعداد المتكثرة المنحرفة الكثيفة و انما تدرك الواحد لانه مبدؤها فلاحظ لها من درك الاحد الا ما وصفه لهم الاحد و عبر به لهم عنه و لذا اوحي اليه قل اي اظهر و اشرق علي ساير الاعداد و بين لهم من فضل ما بين لك و اشرق عليك هو الله احد و هو الله احد السورة مقول قول القائل و لقدوصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 124 *»

والمقول مفعول قال فالواحد يقول بقوله للاعداد ان الاحد فوقي و هو الذي بظهوره قوامكم و بتجليه حيوتكم و هو سيدكم المطاع و هو الذي يشهد بالحق و هو يعلم فهو الشفيع المشفع يهدي الي الحق و الي صراط مستقيم افمن يهدي الي الحق احق ان‏يتبع ام من لايهدي الا ان‏يهدي فما لكم كيف تحكمون فالواحد هو المركز الذي يدور عليه رحي الاعداد و يحدث من حركتها عليه الدواير فانه المحور حقيقة لتركيبه و الاحد هو القطب الذي يدور عليه كرة الاعداد و يحدث من حركتها عليه كرات فانها لا الي جهة و الواحد هو اول ما خلق الله من الاعداد و هو قوي الف الاختراع و له ابعاض و كسور بالقوة الي ماشاء الله و لا نهاية لها و له تكررات و ظهورات في المراتب الي ماشاء الله و لا نهاية لها و هو الحامل لاسرار الذات و الهوية و الالوهية و الاحدية جميعا عنه برز شهودها و فيه اخذ عهودها و امروا بالاخذ عنه و الرجوع اليه و هو الباب الذي قال الله سبحانه فاتوا البيوت من ابوابها و هو الباب الذي باطنه فيه رحمة البساطة و الخلد و البقاء و ظاهره من قبله عذاب الكثرة و الفناء و هو الباب الذي ابتلي به الناس من اتاه فقد نجا و من تخلف عنه هلك و هو اول حرف كتب بقلم الاختراع علي لوح الابداع و هو الاول لا اول قبله و هو غير الاخر و انما الاول الاخر هو الاحد و الواحد هو الاحد المتجلي في حدود الواو و يختلف مراياه بحسب الصفات فهو سبحانه واحد في رحمانيته و رحيميته و خالقيته و رازقيته و محيييته و مميتيته و هكذا جميع صفاته و افعاله و عبادته فانه المتجلي في كل واحد من هذه المرايا و هو واحد متوحد في جميع ذلك كما ان الاحد متجل في جميع مراتب العد و نكتفي بما ذكرنا ايضا هنا لماياتي بعد ذلك من زيادة البيان في جميع ذلك.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 125 *»

خاتمـة: اعلم جملة في هذه المقامات التي سمعتها علي ما سمعت ان كل شي‏ء لايتجاوز ما وراء مبدئه و لايدرك شيئا مما هو فوقه و لو بادق وهمه و منتهي جهده الا بما ظهر له به العالي فانه غاية وجده فليس للمخلوق من معرفته سبحانه حظ و لا نصيب الا بما عرفه من نفسه بنفسه في رتبته فالذي كان يقال معروف باياته فانما ذلك في الواقع عنده سبحانه و اما عندنا فانه معروف بنفسه لانا نري من انفسنا انا امرنا ان‏نعبد الله لا ان‏نعبد اياته و نعرفه و نتوجه اليه لا اياته و الي اياته و نري من انفسنا انا نصدق بقديم ازلي احدي ليس كمثله شي‏ء و يمتنع معه ماسويه و لانعلم الا ما علمنا فلو لم‏يصف لنا نفسه كذلك لماعرفنا فنحن نثبت ما نثبت من الذات بل ما يتنزه عن الاسماء و الصفات و ساير المقامات و العلامات علي ما بيناه و نبينه ان شاء الله بما عرفنا و ارانا لا غير فالذي القيه الان اليك في حجر محجور و ستر مستور ان المقام الذي لا اسم عنه و لا رسم و لا تعين و لا عبارة و لا اشارة هو ما لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و هو الباطن الغيب الممتنع الذي لايدرك فلا كلام عنه و لا اشارة و لا تلويح يؤديه و لا عبارة فهو العماء المطلق و الوجود الحق.

و اما مقام الذات فهو اول التعينات و لو بالذات و هو صاحبة الصفات و هو الذات في الذوات للذات فهو ذات الله العليا المستوية علي عرش جميع الصفات غيبيتها و شهاديتها و هو منتهي التعبيرات و غاية الاشارات و المهتدي عليه بالدلالات يعطي كل ذي‏حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه و هو المشاراليه بامر قل في سورة النسبة فهو مرسل الرسل و منزل الكتب و الامر بما في القران من لفظ قل فهذا المقام هو المقام الاول الا ان الاول غيب امتنع عن الاسماء و الصفات و الثاني استولي علي عرش الظهورات و هما اخوان متحدان لا امتياز لاحدهما عن الاخر بل هما واحد في المنظر يعبر عنهما باثنين في المخبر احدهما فوق الاخر و ايتهما الغيب و الشهادة و المعني و الصورة و الروح و الجسد فاذا جاوزت الذات فما دونها عرش الصفات و له اربعة اركان ركنان ايمنان هما غيبيان احدهما فوق الاخر و ركنان ايسران شهاديان تحت الاولين احدهما فوق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 126 *»

الاخر فهي اربعة اركان و اربعة انوار نور ابيض منه البياض و هو عدم اللون او ابسط الالوان علي اختلاف الروايتين و نور اصفر تعينه اكثر منه اصفرت الصفرة و نور اخضر منه اخضرت الخضرة و تعينه اكثر من الصفرة و نور احمر منه احمرت الحمرة و تعينه اكثر من الخضرة لانها الخضرة الزبرجدية و هذه الحمرة كبدية و فرفيرية فالنور الابيض هو مقام الهوية و الاشارة الغيبية برزخ بين عدم اللون و ابسط الالوان فهو عدم اللون من جهة الهاء و ابسط الالوان من جهة الواو و هو كلام الذات لقوله7 ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه و قوله قل هو الله احد وهو برهان الذات و ابسط الصفات و اما النور الاصفر فهو صاحب العصابة الصفراء و مستجمع الصفات و الاسماء و مقام انما وليكم الله و مقام فالله هو الولي و مقام اسم الله و المحمول الموضوع و العلم المرفوع و اسم الله الرضي و وجهه المضي‏ء و كاف الخطاب و الستر و الحجاب و الباب الذي منه البدء و اليه الاياب ثم النور الاخضر و هو الاحدية و الوصف المتمحض في الوصفية و الرحمن المستوي علي عرش صفات الواحدية و الاطلاق عن القيود الظاهر في جميع مقامات الشهود و وجه الله المعبود و المراد المفقود ثم النور الاحمر و هو الواحدية و مقام الاوصاف الظاهرة و النور الازهر و الوحي الذي اوحي الي البشر و منظر النظر و هذه الاركان هي قول القائل المخاطب بـ قل هو الله احد الله الصمد سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم و لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون و اذا وقع عليهم القول اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لايوقنون فتبين ان هذه السورة هي نسبة الرب تعالي قدره فالمخاطب هو الذات مرسل الرسل منزل الكتب و هو مقام الهوية و الله مقام الالوهية و الاحد مقام الاحدية و الصمد مقام الواحدية لانه السيد المطاع المقصود المتوجه اليه.

و اما سر تكرير الله في قوله الله احد الله الصمد و تنكير احد و تعريف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 127 *»

الصمد اما التكرير فلتعلم الترتب بين الاحد و الصمد و لاتزعمهما في صقع واحد بمنزلة مراتين تحت شمس واحدة بل تعلم ان الله الظاهر في احد هو بلا واسطة و اما الظاهر في الصمد هو اسم في الرتبة الثانية و هو ظل الاسم الاول كما تقول زيد متحرك و زيد مسرع مع ان السرعة صفة الحركة و الحركة صفة زيد و اما التنكير و التعريف فلاجل ان تعلم ان الاحد هو الخارج عن الحد فلايوصف بحد و لا تعين حتي يعرف به و مقامه مقام المجهول المنكر الذي لايعرفه احد بحد و تعريف الصمد فانه المقترن بحرف اللام حرف التعريف فانها المعرف علي المذهب الحق و اما الالف فهي سنادها و عمادها و هي حرف اثبات و ثابت و معروف اذا قدم الالف و ان اخرت فهي حرف نفي و معدوم فلاتَعرِف و لاتُعرَف و لا تُعَرِّف من غير حرف الالف فالصمد هو المعروف فهو الوجه و هو الدليل و القطب و القلب و الباب و السبيل و هو الصراط المستقيم الذي قال الله سبحانه و هذا صراط علي مستقيم و هو الباب الذي من اتاه فقدنجا و من لم‏ياته فقدهلك و هو القطب و القلب الذي عليه يدور رحي الكل و هو مظهر جميع ما تقدم من المقامات فالالف فيها اية الذات المعراة عن الصفات و فيها ست صفات من صفات الله سبحانه كما روي عن الصادق7 الابتداء و الاستواء و الانفراد و اتصال كل شي‏ء بها و انفصالها عن الكل و الالفة عليها تالفت الحروف و اللام هو مظهر مقام الهوية فلاجل ذلك غابت عن الادراك و ادغمت و الصاد مظهر مقام الالوهية المدغمة فيها لام الهوية فلم‏تظهر اللام الا في الصاد و هو يصد المشاعر و المدارك عن الوصول اليه و هو معني اله الخلق و تحيروا في فهم ماهيته و اما الميم فهي مقام الاحد و الدال مقام الواحد و الميم تدل علي الملك و الدال علي دوام الملك و امتداده كما روي فالملك ملك الاحدية الطاوية لجميع الكثرات و دوامه صفته الظاهرة في عالم الاعداد و الجزئيات فالصمد الذي هو القلب اجتمع فيه صفة جميع المراتب المتقدمة التي هي لها بمنزلة الفؤاد و العقل و الروح و النفس فلما حكي الصمد هذه المراتب صار سيدا مطاعا قدانتهي في السودد بين قومه و انت تعلم ان كلام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 128 *»

القائل اثره و نوره و شعاعه و له هذه المراتب من مبدئه الي منتهاه فالفؤاد و العقل هما غيبان اخوان احدهما اغيب من الاخر و الروح و النفس شهاديتان احديهما ابسط من الاخري و لم‏يؤذن لي بازيد من ذلك و الله خليفتي عليك.

اخاف عليه من غيري و مني و منك و من مكانك و الزمان
ولو اني جعلتك في عيوني الي يوم القيمة ماكفاني

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 129 *»

المقصد الرابع

في تفصيل مراتب الصفات علي الوجه الكلي و فيه فصول

فصـل: اعلم ان الصفات كلية لها ثلث مراتب لا رابعة لها لان الصفة هي الوجود المخلوق الثاني و بالعرض علي نحو التبعية للوجود الاول المسمي بالذات فلاجل ذلك تقع في الظاهر الكاشف عن الباطن علي نحو التبعية في الاعراب فهي من حدود الماهية و الانية المعينة للوجود المحدود بها فلاجل ذلك يوصف الوجود بها في الكلام كما يوصف الخشب بالمربع و المثلث و الاحمر و الاسود و الخفيف و الثقيل و امثال ذلك فهي تدور مدار الماهية كلما غلظت و كثفت غلظت اطرافها و اكنافها و كلما رقت رقت و لطفت الاتري ان الجسم كلما غلظ غلظ لونه و كمه و ساير صفاته و كلما رق رق لونه و كمه و ساير صفاته و نحن اذا نظرنا في الاثر وجدنا له اربع مراتب من مبدئه الي منتهاه منها مقام قربه من الموثر و حكايته له فانه هناك ليس بشي‏ء الا حكاية الموثر مع قطع النظر عن الحكاية لانه صفته بالمعني العام التي عرف بها نفسه لها و هو الوجود الحق و العماء المطلق ثم ما دون ذلك له ثلث مراتب من حيث نفسه اعلاها مقام الحقيقة و مقام التنزه عن كل ما هو دونه و هي مقام الائية لله سبحانه التي من عرفها عرف ربه و الثانية مقام اتصافه بالصفات الكمالية كالعلم و القدرة و الحيوة و السمع و البصر و امثال ذلك غيرالمتعلقة بما سويها ففيه ذكر الاوصاف الكمالية لكن علي نحو الاتحاد فهو هنا علم و قدرة و سمع و بصر و غير ذلك يدرك الصفات بالعين اليسري و اتحادها بالعين اليمني و الثالثة مقام تجليه لغير و تعلق تلك الصفات بالاثار و ظهوره للاغيار كالكاتب الظاهر بالكتابة و هي غيره و الخياط الظاهر بالخياطة و هي غيره و هكذا و ليس للشي‏ء مرتبة غير هذه المراتب الاربع فتبين ان حدود الانية تترامي صعودا الي مقام الحقيقة و نزولا الي مقام الافعال المتعلقة فالصفات الحقيقية تسمي بصفات القدس و التنزه و العزة و الصفات الكمالية الذاتية تسمي بصفات الاضافة و النسبة و الصفات الفعلية تسمي بصفات الخلق و التربية و هذه الصفات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 130 *»

هي اهبية جبل الانية المتدكدكة اثلاثا فثلث منها غاص في الارض و صار غذاء الحيوانات الارضية و ثلث منها غاص في البحر و صار غذاء الحيوانات المائية و ثلث منها صعد في الهواء و صار غذاء الحيوانات الهوائية فلنشرح كل واحدة من هذه الصفات في فصل ان شاءالله.

فصـل: في صفات القدس و العزة قدعلمت ان صفات القدس هي صفات الحقيقة المعراة عن جميع سبحات الجلال الممحوة الموهومات المهتوكة الاستار المجذوبة الصفات و هي كما عرفت اذا نظرت اليها بعينها و خفي عنك الاغيار ليست الا هي فهي حقيقة امر بسيط وجدانا ليس كمثله شي‏ء سبوح قدوس عن جميع ما سويها و هي بهذا اللحاظ وصف الله نفسه بالتنزيه عن مجانسة المخلوقات و مماثلة المذروءات و هي مقام البيان و محل العيان و اية السبحان و نفس المشية المخلوقة بها و مقام الفؤاد و غاية المراد الذي لم‏يظهر الا بعد هتك الاستار و محو الاغيار و لذلك وضع السبحان في الركوع و السجود لفناء العابد و ظهور المعبود و هذه الصفات في الحقيقة ليست بصفات الا في التعبير فان الحقيقة هي اللابشرط فلايلحظ فيها غيرها نفيا و اثباتا لانها طوت النفي و الاثبات و هي الذات البحت البات و لمعرفة هذا المقام اهل لاتتجاوزهم الي غيرهم فهم حقيقة جميع الخلق و الذات و الذات المذوتة بسريانها للذوات و هو مقام محمد9 في البيان الاعلي الاعلي و مقام محمد و ال‏محمد:في البيان الاعلي و يكون في غيرهم في البيان الاسفل و هولاء هم الذين قدشغلهم مشاهدة الظاهر عن الظهور و المنير عن النور قدكشفوا في وجدانهم السبحات و محوا الموهومات و شاهدوا باعين حقايقهم الذات المستجمعة للصفات و لم‏يكن ذلك منهم في حال او حالات بل كان مقامهم هناك في جميع الاوقات فيحق اولئك بهذه الصفات و اين هم و كم هم اولئك الاقلون عددا الاعظمون خطرا ولكن لاتخلو الارض منهم فان

لله تحت قباب العرش طائفة اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 131 *»

و انهم الاطناب لخيمة الايجاد بالجملة كان المقصود ان لله تعالي عبادا اعطيهم هذا المقام اسمه و رسمه فهم معروفون به لا بغيره.

فصـل: في صفات الاضافة و النسبة هي صفات متوسطة ماخوذ في مفاهيمها النسبة الي غير كالعلم فانه يتذكر فيه المعلوم و السمع فانه يتذكر فيه المسموع و القدرة فانها يتذكر فيها المقدور الا ان لامثال هذه الصفات مقامين مقاما في الذات الظاهرة التي لايلحظ معها غيرها من الايات و مقاما في مقام التجلي و الظهور الاول الذي لم‏يسبقه سابق و لم‏يلحقه لاحق ففي الاول تسمي بصفات الذات و في الثاني تسمي بصفات النسبة و الاضافة و السر في ذلك امر خفي علي اهل السراج الواضح و انما هو حظ اهل الصبح اللايح و ذلك انا قدبينا ان ماسوي الذات القديمة التي لا ذكر عنها و لا اسم و لا رسم كله في رتبة الخلق و لابد فيه من جهة الي ربه و جهة الي نفسه و الجهة الي نفسه هي تعينه و صفته و الجهة الي ربه هي وجوده و حقيقته و الاثر كلما يقرب من موثره يتقوي فيه جهة الوجود و يضعف فيه جهة الماهية حتي تكاد تفني بالكلية و ان بقي شي‏ء يكون بقاؤه بقاء علميا لا وجدانيا و اثريا و كلما يبعد عن المبدا يكون بعكس ذلك حتي يكاد يفني فيه جهة الوجود حتي انه كانه لا شي‏ء و ان‏يكن شيئا لم‏يكن في الوجدان و انما هو في العلم فتبين ان الاثر كلما قرب من موثره يضعف فيه جهة تماسكه و ترق و تنحل و تلطف حتي تكون اشد تشاكلا بالوجود و هكذا يقرب الي مقام اول الصدور فهناك يشتد تشاكلهما حتي انه يجري علي الماهية ما يجري علي الوجود و يجري علي الوجود ما يجري علي الماهية بل لم‏تكونا الا شيئا واحدا حقيقة لانه اثر الواحد بل يكون ذلك اية الاحد في هذه الرتبة فليس لاحد ان‏يميز هناك بين الوجود و الماهية و يميز بين جهات الماهية و اطرافها فيميز كما من كيف و جهة من رتبة و وقتا من مكان و وضعا من غيره اذ لم‏يكن الا شيئا واحدا حقيقة فهيهنا مقام صفات الذات فتثبت صفات و ذاتا و تقول ان الصفة عين الذات خذها اليك ما لاتجده الا عند اهله فهيهنا مقام قوله7 كان الله عزوجل ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 132 *»

و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و القدرة ذاته و لا مقدور فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور انظر في قوله فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه و احمل جميع ما تسمع من ائمتك: علي الحقيقة لتفوز بعلم باطن الباطن مع الفائزين فهنالك مقام صفات الذات فهذه الصفات مستغنية عن المتعلقات استغناء الذات عن المخلوقات لاتحادها مع الوجود غير المحتاج الا الي ربه فلايحتاج العلم الذاتي الي معلوم و سمعه الي مسموع و بصره الي مبصر و قدرته الي مقدور فان الشي‏ء كلما كثر جهاته افتقر الي غيره و هي اي الذات قدعدم فيها الجهات تدبر في كلام الشيخ الاوحد اعلي‏الله مقامه فانك لاتجد كلاما فوق كلامه الا كلام ساداته قال ان الله سبحانه علم المعلومات بعلمه الذي هو ذاته اذ لا شي‏ء غيره بما يمكن في ذواتها و ما يمتنع في رتبة الامكان و هو اذ ذاك عالم اذ لامعلوم الي اخر كلامه انظر الي قوله المعلومات و الي قوله لا شي‏ء غيره و قوله ما يمكن لها و يمتنع في رتبة الامكان و قوله عالم اذ لا معلوم تجد اشارات الي جليلات بالجملة هيهنا مقام الصفات الذاتية و الا ففي الاحد الحق لايعقل الصفات حتي تكون ذاتية او غير ذاتية و اني عبر عنها حتي يحكم عليها فالذات هي ذات الله العليا و حقيقة الخلق التي ليس له قبلها ذكر ابدا و قدعرفهم الله ذاته بها.

و اما اذا تنزلت من هذا المقام بدرجة يغلظ قليلا جانب الصفة و يقرب من تحقق لها في الوجود و يشعر بها في الوجدان فهنالك مقام صفات الاضافة فتُدرك هنالك انه علم لكن لا معلوم و سمع لكن لا مسموع و بصر لكن لا مبصر مثاله انك تدرك ان زيدا بصير و ان لم‏يكن مبصر فانه ذاته بصيرة و هو سميع و ان لم‏يكن مسموع و عليم و ان لم‏يكن معلوم و هكذا و ورد في بيان هذا المقام انه سئل ابوعبدالله7 لم‏يزل الله يعلم قال اني يكون يعلم و لا معلوم قيل فلم يزل الله يسمع قال اني يكون ذلك و لا مسموع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 133 *»

قيل فلم‏يزل يبصر قال اني يكون ذلك و لا مبصر ثم قال لم‏يزل الله عليما سميعا بصيرا ذات علامة سميعة بصيرة انتهي فهذا المقام هو مقام صفات الاضافة و لهذا المقام ايضا اهل ليس لاحد غيرهم فيه نصيب قال علي7 اما المعاني فنحن معانيه و جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه اذا شئنا شاءالله و يريد الله ما نريده و في الزيارة اذنه الواعية في الامم و عينه التي من عرفها يطمئن و امثال ذلك قال7 نحن والله الاسماء الحسني التي امر الله ان‏تدعوه بها و يكون ذلك في غيرهم من المعاني السفلي و هو حظ الخصيصين الاخيار و لا منال لنا الا اولئك الابرار عليهم صلوات‏الله الملك الجبّار.

فصـل: في صفات الخلق و التربية و التعلق و هي مقام تلك الصفات اذا تاكدت وجدانا و وجودا حتي نشا عنها الاثار و اشرقت منها الانوار و هي مقام فلما احدث الاشياء و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور فان الصفات ماكانت متلاشية تحت الذات محجوبة الانية فانية الكينونة معدومة الكيفوفة لاتصير منشا اثر و لا ظهور لها الا ظهور الذات بالتذوت البحت البات فاذا تبينت الصفات بخفاء نور الذات صارت الصفات منشا اثار الاتري ان الكواكب مضيئة مادامت الشمس غايبة فاذا بزغت الشمس خنست الكواكب و خفيت فلايظهر لها عين و لا اثر و اما بين الطلوعين فيظهر لها اعيان بلا اثار فمن ذلك تبصر امرك ففي المقام الاول شمس الذات بازغة لا عين لكواكب الصفات و لا اثر و الذات غيبت الصفات ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك والذات هناك غيبت الصفات و اما في مقام الاضافة فتستتر الذات شيئاتحت حجب الصفات الا انها تشف عما وراءها و هنالك يري لها عين بلا اثر و اما اذا غلظت الحجب و استتر تجرد الذات بدت كواكب الصفات و اثرت و اضاءت فهنالك بالنجم هم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 6 صفحه 134 *»

يهتدون فلااقسم بمواقع النجوم و انه لقسم لو تعلمون عظيم ويشهد بهذا المقام حديث مفضل الذي اخاف علي ذكره خوفا من فرعون و ملائه فكل اثر غير التذويت فهو من النجوم منها بُدِئَ و اليها يعود و الشمس المجردة عن كمودة زحل و صفرة المشتري و حمرة المريخ و بياض الزهرة و تلون عطارد و بياض القمر لايصدر عنها الكمودة و الصفرة و الحمرة و البياض و التلون الا في النجوم و بالنجوم اهتدي بها من اهتدي و ضل عنها من غوي فمن ابصر فلنفسه و من عمي فعليها فالمكمد زحل و المصفر المشتري و المحمر المريخ و المبيض الزهرة و الملون عطارد و المشرق هو الشمس فيها و بها و لديها القت في هويتها مثالها و اظهرت عنها افعالها بل لا معني للتاثير الا للنجوم فان التاثير حين يذكر الاثر بل ليس التاثير الا ذكر الاثر فحين هي الشمس ليس للحيطان فيها ذكر لانها احرقت بسبحات وجهها ما انتهي اليه بصرها فلا جدار و لا مراة فاذا جللها سحاب النجوم بدت الحيطان و الرسوم فلا تاثير الا للنجوم و اعذرني يا اخي عن الافصاح في البيان فاني

اخاف عليه من غيري و مني و منك و من مكانك و الزمان

فلا كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله و لا كل ما حضر اهله خلا عن المسترقين للسمع فلنقبض العنان اذ ثبت ان للحيطان اذانا.

و قدعرفت مما سبق ان هذه الصفات للذات في الخلق عند الخلق في حد الخلق و مكانه و وقته كما ان صفات الاضافة فيه اذا وَجَدت الكل حقيقة واحدة مطلقة لا تعين لشي‏ء من الكثرات فيها بوجه من الوجوه و صفات القدس ايضا فيها اذا وجدت الحق جل‏شانه بحيث لا عين لها و لا كون و لاـ‌امكان لا نفيا و لا اثباتا و انما ذلك لما نجد في انفسنا انه تعبدنا بالايمان بها و لم‏يتعبدنا الا بما عرفنا لايكلف الله نفسا الا ما اتيها فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

([1]) اعلم ان الحد التام ما يكون مركبا من جنس قريب و فصل و البرهان قياس يقيني ينتج يقينيا و هو مركب من صغري و كبري و حد وسط و الحد الاوسط محمول للاصغر و موضوع للاكبر و هو في الصغري حصة مما هو في الكبري في الشكل الاول فما في الكبري مادة نوعية و الاكبر صورة نوعية و ما في الصغري حصة من تلك المادة فهو مادة شخصية و الاصغر صورة شخصية و القياس يثمر اثبات الاكبر للاصغر اي الصورة النوعية في الصورة الشخصية فما لا حد له لا جنس له و لا فصل و ما لا جنس له و لا فصل لا برهان له فان البرهان مركب من الجنس و الفصل و كذا العكس.  منـه

([2]) لايخفي ان امثال هذه الاقوال اي لو لم‏يكن قديم سخيف عند اولي الالباب فان ما يفرض عدمه ليس بقديم و القديم لايفرض عدمه ولكن الضرورة تجر المرء الي ما  لايليق من القول. منـه

([3]) الحقيقة الفصلية ان كانت مركبة جاء الحدوث و ان كانت بسيطة قائمة بنفسها فهي الوجود و تسميتها بالحقيقة الفصلية محض اسم لاتفيد علما فالحقيقة الاخري التي هي غير الاولي من كل جهة معدومة اذ الاولي وجود كاين في الخارج فبطل التعدد. منـه

([4]) المراد من قولي ثالث ثلثة قولهم الشي‏ء اما واجب الوجود او ممكن الوجود او ممتنع الوجود و خامس خمسة قولهم الشي‏ء اما واجب الوجود لذاته او لغيره او ممكن الوجود لذاته او ممتنع الوجود لذاته او لغيره. يـم

([5]) الممكن موضع المكن و هو البيض و المراد الوكر. منـه

([6]) يعني ينصب فيها اوامرك ليهتدوا بها. منه

([7]) اي ابتدات.

([8]) افهمه به اشعره به و اطلعه عليه و اخبره به. منـه

([9]) اي عهودهم او ارائهم المعقودة. منـه

([10]) متعلق بقوله افهمتهم او ابدات. منـه

([11]) متعلق بمشكور.

([12]) محتصن. منـه

([13]) اي ماقصدتني.

([14]) داخل.

([15]) ادخلتني.

([16]) مستبين.

([17]) عرفتني.

([18]) ملاحظ.

([19]) ما امرتني برعايته.

([20]) اعتنائك و اهتمامك.

([21]) لاتمنعني.

([22]) مسلكي.

([23]) مقصدي.

([24]) غيري.

([25]) تنزلني.

([26]) في النسخة اويت بي و الظاهر ما في المتن. منـه

([27]) قرابتي.

([28]) النوء: غروب نجم و طلوع نجم.

([29]) قضها و قضيضها اي جميعها او صغيرها و كبيرها.

([30])  الحندس الليل المظلم.