04-01-02 جواهر الحکم المجلد الرابع ـ شرح حديث عمران الصابي ـ چاپ – الجزء الثانی

شرح حديث عمران الصابي – الجزء الثانی

 

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحكيم الصمداني

الحاج السيد محمد كاظم الحسيني الرشتي

اعلي الله مقامه

 

قال7:

والعبارات كلّها من اللّه عزّ و جلّ علّمها خلقه و هي ثلثة و ثلثون حرفاً فمنها ثمانية و عشرون حرفاً تدلّ علي لغات العربيّة و من الثمانية والعشرين اثنان و عشرون تدلّ علي لغات العبرانيّة والسريانيّة و منها خمسة احرف متحرّفة في ساير اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلّها و هي خمسة احرف تحرّفت من الثمانية و العشرين حرفاً من اللغات فصارت الحروف ثلثة و ثلثين حرفاً فامّا الخمسة المختلفة فتخجج لايجوز ذكرها اكثر ممّا ذكرنا.

قوله7 و العبارات كلّها من اللّه عزّ و جلّ علّمها خلقه فيه دلالة صريحة علي انّ الواضع للالفاظ كلّها هواللّه سبحانه حيث اتي7 بالجمع المحلّي باللام المفيد للعموم و اتي بلفظ العبارات لبيان انّ المراد ليس نفس الحروف و انّما هي العبارات المؤلّفة منها المعبّر بها عن المقصود فاذن لا فرق بين لفظ و لفظ بل الحكم لكلّ الالفاظ من الحقايق و المجازات و المنقولات و المرتجلات و الاعلام الشخصيّة كلّها علي النهج الذي شرحنا و فصّلنا في مباحثاتنا في علم‏الاصول و اصل هذه العبارات كلّها ثلثة و ثلثون حرفاً.

و اعلم انّ الروايات في عدد الحروف التي هي الاصل في العبارات مختلفة ففي بعضها انّها ثمانية و عشرون كما في جدول اميرالمؤمنين7

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 157 *»

و جدول ادريس علي محمّد واله و7 في ترتيب طبايع الحروف و هذا العدد هو المشهور المعروف عند اهل الشرع و العرف و الفن و كلّ اعمالهم ينطبق علي هذا و في بعضها كما عن ابي‏ذرّ عن النبي9 انّها تسعة و عشرون بعدّ «لا» حرفاً واحداً و في بعضها كما في هذا الحديث الشريف انّها ثلثة و ثلثون و الذي لم‏يقف علي حدّ الواقع يريها مختلفة و يحكم عليها باحكام متضادّة و امّا في الواقع فليس فيها اختلاف اصلاً.

امّا الثمانية و العشرون فهي الاصل في الحروف الوجوديّة المتحقّقة التي يترتّب عليها الاحكام‏المختلفة المتشخّصة فهي بازاءالوجودات المقيّدة صعوداً و نزولاً كما اومأنا اليه و انّما كانت ثمانية و عشرين لوجوه كثيرة نقتصر علي بعض منها و هو انّ الاصل في الموجودات و العلّة في احداثها و ابرازها ظهور الاسم الاعظم الظاهر في الاركان الاربعة التي هي حدود بسم اللّه الرحمن الرحيم كما قال مولينا موسي‏بن‏جعفر8 انّ الاسم الاعظم اربعة احرف الحرف الاوّل لااله الاّ اللّه والحرف الثاني محمّد رسول‏اللّه9 و الحرف الثالث نحن والحرف الرابع شيعتنا و لمّا كانت الاشياء بنيت علي الكمال و حدّ الكمال في الاعداد سبعة لجمعها المبدئين الذين اليهما انتهت الكمالات العدديّة و هما مبدأ الفرد اي الثلثة و مبدأ الزوج اي الاربعة فكانت مراتب الاشياء سبعة و لكلّ من هذه الاربعة يجب ان‏يكون ظهور في كلّ من هذه السبعة فكان تمام الوجود كماله بثمانية و عشرين مرتبة و كلّ مرتبة حرف من حروف الكلمة التامّة الكونيّة الوجوديّة التي تعلّق بها الكلمة التامّة الفعليّة و الحروف اللفظيّة صفة للحروف الكونيّة المعنويّة فوجب ان‏تطابقها و لاتخالفها و هذا الوجه هو اعلي الوجوه.

و الوجه الاخر هو انّ الاصل في الموجودات كلّها الطبايع الاربع كما سبق القول فيه مجملاً و فصّلنا القول في اجوبة المسسائل التي فيها اثبات النبوّة الخاصّة و الولاية الخاصّة بدليل العقل و لمّا انّ اللّه سبحانه خلق السموات و الارض علي المعني الاعمّ في ستّة ايّام و اكملها في اليوم السابع و وجد في كلّ يوم مرتبة من

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 158 *»

المراتب الكونيّة الوجوديّة و هذه المراتب مختلفة في العلوّ و السفل بحسب القرب والبُعد لبطلان حكم الطفرة ظهرت هذه الطبايع في هذه المراتب علي حسَبها في الشدّة و الضعف فصارت لكلّ طبيعة سبع‏طبقات في قوّتها و ضعفها فكان تمام الامر في ثمانية و عشرين و الحروف اللفظيّة ظهرت علي طبقها ولذا قسمت الحروف علي اربعة اقسام ناريّة و هوائيّة و مائيّة و ترابيّة و قسّم كل قسم علي سبعة اقسام فسبعة ناريّة مترتّبة في القوّة و الضعف فالاولي اسمها المرتبة و الثانية الدرجة و الثالثة الدقيقة و الرابعة الثانية و الخامسة الثالثة و السادسة الرابعة و السابعة الخامسة اليها انتهت مراتب القوّة و الضعف في الناريّة فللاولي الالف و للثانية الهاء و للثالثة الطاء و للرابعة الميم و للخامسة الفاء و للسادسة الشين و للسابعة الذال في الناريّة و سبعة هوائيّة و هي « ب و ي ن ص ت ض » و سبعة مائيّة و هي « ج ز ك س ق ث ظ» و سبعة ترابيّة و هي « د ح ل ع ر خ غ » و الترتيب كما في الناريّة و ذلك علي احد الاقوال في ترتيب طبايع الحروف و فيه اقوال كثيرة مختلفة و يجمعها كلام واحد لايسعني الان ذكر الاقوال و رسم الجداول و الاختلافات و تحقيق القول الجامع و هذه الثمانية و العشرون هي الحروف المحدودة المقيّدة المقترنة بالمادّة و الصورة المتولّدة من اب واحدٍ و هو المادّة و امّهات كثيرة و هي الصورة الشخصيّة و كلّ حرف لها امّ غيرالاخر والاب في الكلّ واحد فاذا لوحظت الاولاد فهي ثمانية و عشرون كما سمعت.

و اذا لوحظ الاب معها كانت تسعة و عشرون فانّ المادّة التي هي الالف اللينيّة هي الاصل في الحروف و كلّ هذه الحروف انّما حصَلت بظهورها في الصور الكثيرة فلمّا ظهرت بالاستقامة كانت الهمزة و لمّا ظهرت بالانبساط كانت الباء و هكذا فالالف هي المادّة في الحروف كلّها و اذا جمعت بين الاصل و الفروع و الوالد و الاولاد فيكون ماذكرنا فوجب ان‏تذكر مع اللام لانّها الحاملة لظهوراتها و الحاوية لاثارها فلاتظهر الاّ باللام فاللام حاملة حافظة و الالف هي الظاهرة بالسكون و اللين و هي حرف العلّة و الاصل فيها و امّا الواو و الياء فهما حرفا علّةٍ اذاسلمتا

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 159 *»

من شرك المخرج فشابهتا الالف فاعطتهما اسمها ثمّ غاب فيهما و ظهر عنهما و لذا كانت الالف المقلوبة من الواو و الياء و العكس حرف علّة و سرّ الجميع في الواو فانّها تستنطق من زبرها و بيّناتها الاحد والاحد هو عدد الالف اللينيّة التي هي حرف العلّة و اذا اضيفت الواو علي الاحد كان الواحد و هو عدد الالف القائمة المتحرّكة فافهم فما ورد في الحديث النبوي انّ الحروف تسعة و عشرون يشير الي ما ذكرنا من ملاحظة الاصل مع الفرع كما عدّ محمّد9 مع ساير الائمّة فيقال اربعه‏عشر مع انّه الاصل و الباقي فروع و درجات و اغصان لتلك الشجرة الطيّبة كما في زيارة اميرالمؤمنين7 السلام علي الاصل القديم والفرع الكريم.

و امّا الثلثة و الثلثون فبملاحظة الاصل اي العلّة الفاعليّة مع معلولاتها لانّ النقطة التي كانت عنها الالف التي كانت بحدودها و قيودها الحروف و ان كانت واحدة لاتقبل القسمة بالاضافة الي الاعداد و الحروف الاّ انّها اثر و صفة للكلمة الايجاديّة كلمة «كن» التي بها تحقّقت الحروف الكونيّة الباطنيّة و الظاهريّة و النقطة اثرها و حاملها و الحاكية لها فتكون فيها ظهور اطوار العلّة و كليّاتها اربعة النقطة الاوّليّة التي هي الباطن و الالف التي هي انبساطها في الوجود المطلق التي هي الباطن من حيث هو باطن و الحروف التي تقطع الالف بتعدّد الوجوه و الالتفاتات التي هي الظاهر و الكلمة التامّة المقترنة المتّصلة بالاثر الذي هو النقطة التي هي مبدأ انبساط الحروف التي هي الظاهر من حيث هو ظاهر و نفس الاثر الذي هي النقطة الثانية التي هي الدلالة لتلك الكلمة المباركة الاصليّة و هي الظهور و هذه الخمسة غيب و كامن في النقطة الظاهرة بالالف و هي مقامات ظهور المبدأ و علاماته و اياته فاذا لوحظت هذه الاصول التي هي ظهورات الاصل الواحد مع الثمانية و العشرين كانت كما قال سيّدي و مولاي الرضا7 في هذا الحديث الشريف ثلثة و ثلثين و هذا العدد جامع جميع مراتب الحروف و الاعداد و مقاماتها علي الاطلاق و ان كانت خمسة منها لاتظهر الاّ متحرّفة كما سيأتي و انّما اشار7 الي تلك

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 160 *»

الخمسة لانّه7 في صدد بيان توصيف اللّه سبحانه نفسه لخلقه بخلقه و اصل التوصيف و البيان انّما هي بتلك الحروف العاليات و امّا الاسماء الاضافيّة و الخلقيّة فهي لمّا كانت باعتبار التعلّق بالحدود الخلقيّة و الرسوم الامكانيّة ذكر باقي الثمانية و العشرين تتميماً للوصف و تكميلاً للرسم.

قوله7 فمنها ثمانية و عشرون حرفاً تدلّ علي لغات العربيّة و ذلك لانّ اللغة لمّا كانت تابعة للذات و الكينونة و العربيّة هي الصورة الانسانيّة التي خلقت من الجنّة و تعود اليها و اللغة العربيّة هي لغات اهل الجنّة و هم يجب ان‏يكونوا بجميع مراتبها و مقاماتها في القوس الصعوديّة و النزوليّة مقبلة و متوجّهة الي اللّه تعالي لتؤدّي كلّ مرتبة حقّها في مقام العبوديّة و التوجّه الي الحضرة الربوبيّة فكانت كلّ مرتبة منها مُعرَبة معرِبة مُعلنة بالثناء علي اللّه تعالي و مؤدّية حقّها من العبوديّة و الاعراب بمعني الاظهار و الافصاح فكانت اهل الجنّة من العرب اي من اهل اظهار عظمة اللّه و قدرته و اظهار المعارف و العلوم و الاسرار و كانت كلّ مرتبة منها عربيّة اي فصيحة ظاهرة مُعلنة لما اراد اللّه سبحانه و لذا قلنا في شرح الخطبة الطتنجية عند قوله7 و ارسله في العرب العرباء العرب هو الفصيح الكامل البالغ في الفصاحة الواصل كمال درجة التوحيد المحدود بحدود الايمان المصوّر بصورة الانسان البعيد عن جهة الطغيان و مقتضيات الشيطان و لذا نزل القرءان بالعربيّة و لذا كانت لغة اهل الجنّة العربيّة و قد قال الامام الصادق7 انّ شيعتنا العرب و اعداءنا العجم قال اللّه تعالي قرءاناً عربيّاً غير ذي‏عوج لعلّكم تذكّرون و في الحديث علي مارواه في المجمع انّ من ولد في الاسلام فهو عربي و فيه الناس ثلثة عربي و مولي و علج فامّا العرب فنحن و امّا المولي فمن والانا و امّا العلج فمن تبرّء منّا و ناصَبنا و في حديث اخر نحن قريش و شيعتنا العرب و عدوّنا العجم و قد سمعت عن بعض المشايخ انّه قال انّ امرءالقيس لمّا حضرته الوفاة كان يتكلّم بالفارسيّة و يؤيّده ما في البحار عن اميرالمؤمنين7 انّه اخرج رجلاً من قبره بعد موته حيّاً و كان‏يتكلّم بالفارسيّة فسأله7 عن

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 161 *»

‏ذلك مع كونه قد مات عربيّاً قال لمّا مت علي غيرموالاتك انقلب لساني الي ماتري و قد ورد عنه7 علي ما في العيون انّ اهل الجنّة يتكلّمون باللغة العربيّة و اهل‏النار يتكلّمون باللغة المجوسيّة و بالجملة فالعرب هو الصفوة المختار في كلّ عالم و هو المؤمن الحقيقي الطيّب الطاهر المحدود بالصورة الانسانيّة و العجم ضدّ ذلك كلّه.

و الاصل في ذلك انّ اللّه سبحانه لمّا اقام الخلق في العوالم الاول في الذرات و كلّفهم الست بربّكم فمنهم من قال بلي و منهم من قال نعم فالاوّلون هم العرب و الاخرون هم العجم امّا الاوّل فمن جهة اللفظ و المعني. امّا الاوّل فلانّ العرب هو الظهور و الفصاحة و المعرفة و هذا شأن المقرّبين فانّ الاسم الاعظم الظاهر بالاركان الاربعة قد ظهر فيهم في المراتب السبعة كما اشرنا اليه سابقاً ففي كلّ مرتبة من المراتب الثمانية و العشرين ظهر فيها سرّ الاسم الاعظم و لانّ اللّه سبحانه هو الظاهر المعروف الذي لا خفاء فيه و لانكارة بوجه من الوجوه فكلّ من تخلّق باخلاقه و سلك سبيله ذللاً اجري  عليه حكمه فكان عرباً ظاهراً معروفاً و لمّا كانت الحروف التدوينيّة صفات و حكايات للحروف التكوينيّة و قد ظهرت الذوات الطيّبة بالاسم الاعظم بجميع مراتبه و تلك المراتب هي الاصل فيهم وجب ان‏يجعل اللّه سبحانه لهم ثمانية و عشرين حرفاً في عالم الحدود و الظهور بالقيود في عالم الوجود المقيّد فوجب ان‏تكون الحروف في اللغة العربيّة في مقام التطوّر باطوار الحروف و الكلمات و الالفاظ و العبارات ثمانية و عشرين و حرف واحد التي هي الالف اللينيّة الظاهرة باللام يجب ان‏تكون غائبة فيها و مستجنّة فيها استجنان المداد في الكتابة و سارية فيها سريان البحر في الامواج و الحروف الخمسة التي هي تمام الثلثة و الثلثين موجودة و كامنة فيها كمون صفة الربوبيّة في حقيقة العبوديّة و هي الحقيقة التي تظهر بعد كشف السبحات و ازالة الحجب و الانيّات و هي واحدة في الوجدان عندنا لكنّها خمسة في الوجود عند من هو اعلي منّا بل في الواقع العلمي دون الواقع

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 162 *»

العملي و العلم و العمل و ان كانا متوافقين لكنّهما متخالفان في هذا المقام فافهم فلنرجع الي ماذكرنا في شرح الخطبة.

و العجم عدم الفصاحة و البكم في مقابلة العرب فيجب في‏المعني ايضاً كذلك لحكم المناسبة بين اللفظ و المعني مع انّ الذين اعرضوا عن نور الحق خرس صمّ بكم و ذلك واضح ظاهر لمن كان له عينان و لسان يذكراللّه في السرّ و الاعلان و امّا الثاني فلما ذكرنا من الاخبار الدالّة علي انّ المؤمن هو العرب فلمّا اجابوا في العالم الاوّل فامدّ اللّه سبحانه المقرّين المطيعين بطينة العلّيين و من الماء النازل من شجرة المزن المغروسة تحت بحرالصاد و امدّ المنكرين الكافرين بطينة السجين و من الدخان المتصاعد من شجرة الزقّوم طلعها كأنّه رءوس الشياطين المغروسة فوق بحرالطمطام قعر السجّين اسفل السافلين نعوذ باللّه من ذلك ثمّ كسرهم اللّه تعالي تحت الحجاب الاحمر و رجعهم الي الطين و مزج بين الطينتين و انزلهم الي هذا العالم الجسماني حصل لطخ و خلط فيهما فصارت طينة سجّين اختلطت لطخاً لا اصلاً بطينة علّيين و بالعكس فظهر مقتضي ذلك اللطخ و الخلط في الطينتين علي مقدارهما في اللطخ فمن طيّب في الذات طاهر في الطويّة و الجبلّة ظهرت عليه باللطخ اثار العجميّة كالمعاصي و الشرور و السيّئات في الاعمال التشريعية و التكوينيّة فظهر في التكوين علي صور معوجّة و هيئات منقلبة غيرمستقيمة و من ذلك اللسان و اللغة الغيرالعربيّة فانّها منبئة عن اعوجاج الفطرة امّا ذاتاً او لطخاً و خلطاً و من خبيث في الذات و باطل في الطويّة قد ظهر فيه بمقتضي اللطخ الاثار العربيّة من الصورة الانسانيّة و حسنها و جودة تركيبها و كونه علي اللغة العربيّة فانّها منبئة عن حسن الفطرة و الطويّة امّا باللطخ او بالذات فتبقي احكام هذا اللطخ علي مقدار قوّته و ضعفه الي ان‏تصفو الطين بفتح الياء امّا بالموت الظاهري او الباطني فيرجع كلّ الي اصله من العربيّة و العجميّة فرجوع العرب الي الجنّة و رجوع العجم الي النار فاذن لايفتخر الذي عنده اللغة العربيّة او نسبته اليها علي الذي عنده اللغة العجميّة اذ قد تكونان عرضيّتين في الاثنين و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 163 *»

الفخر في الفقر الي اللّه والتوكل عليه و ملازمة التقوي و العمل و الورع فانّ اللّه سبحانه قطع حجّة كلّ محتجّ بقوله الحق انّ اكرمكم عنداللّه اتقيكم و قوله تعالي فاذا نفخ في‏الصور فلاانساب بينكم يومئذ و لايتسائلون و قال رسول‏اللّه9  كلّ نسب ينقطع يوم القيمة الاّ نسبي ه و انّما ذكرت هذه الكلمات لغاية عندي.

فثبت ممّا اوضحنا انّه يجب ان‏يكون الحروف التي جعلها اللّه سبحانه للبيان و الافادة و الاستفادة كلّها في اللغة العربيّة لانّها الاصل الثابت الباقي الذي لم‏يزل و لايزول و كلّ ما سواها مجتثّ علي وجه الارض مالها من قرار و لذا تمّت الحروف فيها دون ماسواها بل نقصت من كلّ لغة من اللغات حروف كثيرة حسب بُعد تلك اللغة من عالم النور و ذكر تفاصيل القول في اللغات و نسبتها بالحروف و ما نقص من الحروف في كلّ لغة ليس في وسعنا و قدرتنا و انّما هو لمن احاط بها و جعلها و شهدها باشهاداللّه عزّ و جلّ.

قوله7 و منها خمسة احرف متحرّفة في ساير اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلّها قالوا انّ هذه الخمسة المتحرّفة هي الپاء و الچيم والگاف والژاء و التاء عند اهل الهند و هي التي تحرّفت من الثمانية و العشرين في اللغة العجميّة و هي ماليس بعربي مطلقاً لقوله7 لاقاليم اللغات و انحراف هذه الحروف معلوم.

و قوله7 فامّا الخمسة المختلفة فتخجج لايجوز ذكرها اكثر ممّا ذكرنا يحتمل ان‏تكون تخجج مضارعاً ثلثيّاً من الخجج بالخاء المعجمة والجيم بمعني الالتواء و الدفع و النسف في التراب و يكون حاصل معناه انّ هذه الخمسة ينبغي ان‏تدفع و تنسف في التراب و لايجوز ذكرها اكثر ممّا ذكرناه مجملاً لانّ التلفّظ بها في لغة العرب مستهجن قبيح و يحتمل ان‏يكون من باب التفعيل بالخاء المعجمة ايضاً بمعني الاخفاء في النفس اي هذه الخمسة ينبغي ان‏تخفي في النفس لاستهجان التلفّظ بها و لايجوز ذكرها اكثر ممّا ذكرناه مجملاً هكذا قالوا و هو الظاهر من كلامه الشريف7 الاّ انّ

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 164 *»

الذي وجدناه بالتتبع في الحروف المتحرّفة في اللغات وجدناها اكثر من هذه الخمسة بكثير خصوصاً في لغة الهند و الفرنك و غيرهما و القول بانّ ماسوي هذه الخمسة محدثات او انّ الاصل في المتحرّفات هذه الخمسة بعيد جدّاً اذ لايجوز احداث اللغة و اختراع الحرف من غير ان‏يجعلها اللّه سبحانه بعد القول بانّ الواضع هواللّه تعالي و العبارات كلّها من اللّه تعالي فان كانت تلك الحروف منه سبحانه و ان كان قد اظهرها في الصدر الاخر فهي اصليّة حقيقيّة.

و قد ذكرنا انّ هذه الحروف الخمسة اشارة في الباطن الي حروف الكلمة التامّة التي تولّد عنها النقطة التي هي مبدأ الالف اللينيّة التي بها الحروف الثمانية و العشرون و تلك الحروف نوريّة ليست من سنخ هذه الحروف و انّما هي غيب و مخفيّة فيها لايجوز ذكرها اكثر ممّا ذكره7 لانّها ليست بالحروف مصوّت و لا باللفظ منطق و لا بالشخص مجسّد و لا باللون مصبوغ و لا بالتشبيه موصوف فانّي تذكر بحقيقة البيان الاّ علي نحو الاجمال و الاهمال كما الامر عليه في الواقع او انّ الحروف الخمسة اشارة الي عالم المشيّة و الارادة و الجبروت و الملكوت و الملك و بيان هذه اللطايف و مناسباتها ممّا يطول به الكلام فالاعراض عنه اولي و السلام.

قال7:

ثمّ جعل الحروف بعد احصائها و احكام عدّتها فعلاً منه كقوله عزّ و جلّ كن فيكون و «كن» منه صنع و ما يكون به المصنوع فالخلق الاوّل من اللّه عزّ و جلّ الابداع لا وزن له و لا حركة و لا سمع و لا لون و لا حسّ و الخلق الثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غير منظور اليها و الخلق الثالث ماكان من الانواع كلّها محسوساً ملموساً ذاذوق منظور اليها و اللّه تبارك و تعالي سابق الابداع لانّه ليس قبله شي‏ء و لا كان معه شي‏ء و الابداع سابق الحروف.

اقول لمّا كان كلّ شي‏ء من الاشياء حامل اسم من اسماء اللّه تعالي به يصل الفيض اليه عنه تعالي و اليه الاشارة بقوله7 في دعاء كميل و باسمائك التي ملأت اركان كل شي‏ء و ذلك الاسم هو سرّ الفعل الظاهر بالمفعول و ذلك

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 165 *»

محلّ نظراللّه تعالي و محلّ فعله و جاز اطلاق الفعل عليه توسّعاً اذ اثار الفعل كلّه من ذلك الاسم يظهر باللّه عزّ و جلّ او من باب اطلاق المحلّ باسم الحالّ فانّ الاسم هو الفعل المتعلّق بالمفعول بوجه من وجوهه و ذلك الاسم انّما يتحقّق و يوجد مع المفعول مساوقاً له و تظهر اثاره و انفعال الاشياء له بعد تمام المفعول و اكمال قوسي الصعودي و النزولي.

فلمّا اشارالامام7 الي انّ الحرف اوّل مخترع و مبتدع بالابتداع و انّه المفعول الاوّل و انّه الاصل في المفعولات كلّها و قد قلنا انّ مراده7 بالحروف اعمّ من الكونيّة المعنويّة و اللفظيّة التدوينيّة و ذكر7 عدّتها و عللها الفاعليّة و المادّيّة و الصوريّة و الغائيّة و غيرها من الاحوال التي تقتضيها المفاعيل من حيث نفسها اراد7 ان‏يشير الي نسبة الحروف من الجهة العليا اي جهتها الي ربّها لظهور اسمه فيها كما قال اميرالمؤمنين7 فالقي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث. و ذلك المثال هوالصفة و هي الاسم و هوالفعل الظاهر بالمفعول المتعلّق به و هو مقام الحديدة المحماة بالنار و تلك الجهة هي فعل منه تعالي في المفعولات يؤثّر فيها و تنفعل الاشياء لها و منها تظهر المعجزات و الكرامات و خوارق العادات و منها تكون الامدادات الواردة علي جهات الاشياء و مراتبها و كينوناتها و هي لمّا كانت محلاً للفعل اطلق عليها الفعل لما قلنا انفاً او انّه هو الفعل الذي هو الامر المفعولي و ذلك الفعل تأكيد للفعل الاوّل الذي هو الابداع و الاختراع فانّ قولك اضرب ضرباً في قوّة قولك اضرب اضرب و قولك كن كوناً في قوّة قولك كن كن و الثاني فرع و صفة و تأكيد للاوّل و تظهر اثارالاوّل كلّها منه و هو مثاله الملقي في هويّة نفس المصدر من حيث المفعول المطلق و لمّا كانت هذه المراتب كلّها انّما تحصل بعد الصعود كما قال اميرالمؤمنين7 خلق الانسان ذانفس ناطقة ان زكّيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها و اذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد. قال7 ثمّ جعل الحروف بعد احصائها و احكام عدتها فعلاً منه يقول كن فيكون فان جعلها فعلاً و ان كان مقدّماً الاّ انّ ظهوره متأخّر كما ذكرنا و لمّا كان كلّ شي‏ء له ثلث

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 166 *»

جهات جهة عليا و هي جهته الي ربّه و هي جهة العلّيّة و الفعليّة و جهة سفلي و هي جهته الي نفسه و هي جهة البعد و الحرمان و الخذلان و جهة وسطي و هي الجهة الجامعة بين‏الجهتين و ملتقي البحرين و البرزخ بين العالمين و بها تكثّرت الاشياء و اختلفت ولطفت و غلظت و رقّت و كثفت و استدارت و استقامت و اعوجّت الي غيرذلك من الاحوال و الاوضاع صارت الحروف علي ثلثة وجوه و كل وجه ثمانية و عشرون.

الوجه الاوّل الاعلي و هوالذي قال7 جعلها فعلاً منه و هذا الوجه هو الظاهر المثال للاعلي الملقي في هويّة الوجهين الاخرين و هو الاسم المشتقّ من المصدر و ذلك في هذا المقام ثمانية و عشرون اسماً و كلّ اسم حرف من الحروف الفعليّة فاوّلها الحرف الاوّل و هو البديع و بازائها الالف القائمة و الثاني الباعث و بازائة الباء و الثالث الباطن و حرفه الجيم و الرابع الاخر و حرفه الدال و الخامس الظاهر و حرفه الهاء والسادس الحكيم و حرفه الواو و السابع المحيط و حرفه الزاء و الثامن الشكور و حرفه الحاء و التاسع غني‏الدهر و حرفه الطاء و العاشر المقتدر و حرفه الياء و الحادي عشر الربّ و حرفه الكاف و الثاني عشر العليم و حرفه اللام و الثالث عشر القاهر و حرفه الميم و الرابع عشر النور و حرفه النون و الخامس عشر المصوّر و حرفه السين و السادس عشر المحصي و حرفه العين و السابع عشر المبين و حرفه الفاء والثامن عشر القابض و حرفه الصاد و التاسع عشر الحي و حرفه القاف و العشرون المحيي و حرفه الراء و الحادي والعشرون المميت و حرفه الشين و الثاني والعشرون العزيز و حرفه التاء و الثالث والعشرون الرازق و حرفه الثاء و الرابع والعشرون المذلّ و حرفه الخاء و الخامس والعشرون القوي و حرفه الذال و السادس والعشرون اللطيف و حرفه الضاد و السابع والعشرون الجامع و حرفه الظاء و الثامن والعشرون رفيع‏الدرجات و حرفه الغين و هذه الثمانية و العشرون هي الحروف التي جعلها فعلا منه و بها يقول للشي‏ء كن فيكون.

و الوجه الثاني الاوسط هوالحروف الثمانية و العشرون التي قدّمنا

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 167 *»

ذكرها من حرف العقل و حرف النفس و حرف الطبيعة و حرف المادّة و حرف المثال و حرف الجسم الي اخر الحروف كما ذكرنا سابقاً و هذه الحروف حاملة لتلك الحروف و ظاهرة باسمائها و هذا الالف حامل لتلك الالف حمل الدهن للنار في السراج و الحديدة المحماة بالنار و التأثير و الفعل للحروف الاوّليّة خاصّة كما انّ التأثير للنار في السراج و الحديدة.

و امّا الوجه الاسفل فذلك ايضاً ثمانية و عشرون و هي مقابلات الحروف الاوّليّة في الاسماء و الحروف و الذوات فالحرف الاوّل جهل الكلّ و الاسم الذي يحمله الشيطان الظاهر منه اثار الطغيان المرتاب و الالف المعكوس بازائه في التدوين و الثاني الثري و الاسم المربّي له من بحرالغضب و اصل الظلمة المتوهّم و حرفه الباء المنكوسة و الثالث الطمطام و الاسم المجتثّ و الحرف الجيم المنكوسة و الرابع النيران و الاسم الاسفل و الحرف الدال المنكوسة و الخامس الريح العقيم و الاسم المخيّل و الحرف الهاء المنكوسة السادس البحر المالح الاجاج و الاسم العابث و الحرف الواو المنكوسة و السابع الحوت و الاسم المختال و الحرف الزاء المنكوسة الثامن الثور و الاسم الكفور الحاء المنكوسة التاسع الصخرة و الاسم فقرالزمان و الحرف الطاء المنكوسة و العاشر الملك الحامل و الاسم العاجز و الحرف الياء المنكوسة و الحادي‏عشر ارض الشقاوة و الاسم المفسد و الحرف الكاف المنكوسة و الثاني‏عشر ارض الالحاد و الاسم الجهول و الحرف اللام المنكوسة و الثالث عشر ارض الطغيان و الاسم المهين و الحرف الميم المنكوسة و الرابع عشر ارض الشهوة و الاسم الظلمة و الحرف النون المنكوسة و الخامس عشر ارض الطبع و الاسم المهمل و الحرف السين المنكوسة و السادس عشر ارض العادات و الاسم الناسي و الحرف العين المنكوسة و السابع عشر ارض الممات و الاسم المنكر و الحرف الفاء المنكوسة الثامن عشر كمثل الكلب و الاسم المسوّل و الحرف الصاد المنكوسة و التاسع عشر السموم

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 168 *»

و الاسم المميت و الحرف القاف المنكوسة و العشرون الماء الاجاج و الاسم المبطل و الحرف الراء المنكوسة و الحادي والعشرون الارض السبخة و الاسم المنكد و الحرف الشين المنكوسة و الثاني والعشرون الحجارة و الحديد و الاسم الذليل و الحرف التاء المنكوسة و الثالث والعشرون النبات المرّ والاسم الحارم و الحرف الثاء المنكوسة و الرابع والعشرون المسوخ و الاسم الفاسق و الحرف الخاء المنكوسة و الخامس والعشرون الشياطين و الاسم الضعيف و الحرف الذال المنكوسة والسادس والعشرون شياطين الجنّ و الاسم الغليظ و الحرف الضاد المنكوسة والسابع والعشرون شياطين الانس و الاسم الناقص و الحرف الظاء المنكوسة و الثامن والعشرون ابليس و الاسم اسفل السافلين و الحرف الغين المنكوسة و هذه الحروف السفليّة الباطلة المجتثّة و جميع الشرور و القبايح و الافعال الباطلة و الاثار القبيحة انّما تصدر و تتحقّق بقران هذه الظلمات بعضها ببعض فهذه افعال تظهر بها اثار الغضب و تتحقّق بها مهاوي دركات النيران و مراتب طبقات جهنم اعاذنااللّه منها.

و لمّا كانت الحروف اللفظيّة علي طبق الحروف المعنويّة الباطنيّة كانت الافعال تصدر منها كما تصدر من الذوات و الحقايق حرفاً بحرف و لمّا كانت الافعال انّما تصدر من الجهة العليا من الحروف اللاهوتيّة الثمانية و العشرين التي ذكرناها و هي غائبة في غيب هذه الثمانية و العشرين فلابدّ من اظهارها من ترتيب و وضع و كسر و صوغ كالاكسير فانّه الفعّال الغايب في كلّ فلزّ و عقار و عرضته عوارض منعتها عن اظهار افعالها فيحتاج الحكيم لاظهار ذلك السرّ الذي هو فعل اللّه اي امراللّه المفعولي الي انحاء التعفينات و التقطيرات و التشميعات و التشبيبات و الحلّ و العقد و السقي و القلع و الضمّ و التوليد و الجمع و اذهاب الاوساخ و ازالة الغرايب و اخراج المياه الالهيّة المكنونة و الاصول الحقيقيّة و الجسد الجديد و القريب (و خ‏ل) البعيد و الارض المقدّسة و النار المحرقة والشمس المشرقة و الوسايط و الانفخة و العناصر المنضدة والافلاك المحيطة المشيّدة ثمّ يجمع بين هذه

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 169 *»

المراتب و يزوّج الاباء بالامّهات فيتولّد منها الولد العزيز البالغ الذي يهزم الصفوف و لايكترث بالالوف محلّ فعل اللّه و حامل نظراللّه و مهبط عناية اللّه و مظهر جوداللّه و كرمه فهو الفعّال لمايشاء بماشاءاللّه كما شاءاللّه و ذلك ايضاً حينئذ فعل من افعاله تعالي يقول للشي‏ء من المعادن و الفلزّات كن اصفي ما في جوهرك فيكون الاّ انّه جزء خاصّ و لاعموم فيه و امّا الحروف اللفظيّة فلمّا كانت علي طبق الذوات المعنويّة في جميع المراتب و المقامات كان لها التأثير والفعل و الاحداث في كلّ ذرّة من الذرّات الوجوديّة في الغيبيّة و الشهوديّة.

و لمّا كانت الحروف الفعليّة غايبة في الحروف المفعوليّة غيبوبة الاحد و الواحد في الواو التي هي حرف الكثرة فلابدّ في اظهار تلك الحقايق و الاسرار من انحاء المعالجات لازالة الاوساخ و اخراج الحق الصرف البات الذي هو فعل اللّه تعالي و به يقول للشي‏ء مطلقاً كن فيكون و تلك المعالجات و التدبيرات كما هو مذكور في كتب اهل الجفر و اهل الاوفاق و اهل البسط و التكسير و اهل العدد و اصحاب روحانيّات الحروف و اهل التسخير و غيرهم من اخذ الطبايع اي طبايع الحروف و عناصرها و محلّها من المرتبة و الدرجة و الدقيقة و هكذا و افلاكها و كواكبها و اعداد الجميع و بروجها و الطالع و الغارب و العاشر و الرابع (السابع خ‏ل) و مبدؤها و اصلها و فرعها و نبّيها و رعّيتها و الخليفة و حروف الطالب و المطلوب و اليوم و الليلة و الساعة و ربّ الساعة و اعداد حروفها و حروف اعدادها و مزجها و بسطها بانحاء البسط من بسط الحرفي و البسط العددي و بسط التضارب و بسط الترفّع الحرفي و العددي و الطبيعي و البسط الطبيعي والبسط الغريزي و بسط التجامع و بسط التضاعف و بسط التمازج الصغير و الكبير و الوسيط و بسط التكسير و بسط التجميع و بسط التواخي و بسط التقوي و غيرها من انحاء البسط الي ستّين قسماً و كذا تكسير الحروف بتكسير الكبير و الصغير و الوسيط و اخذ روحانيّاتها و ملائكتها و علويها و سفليها و اخذ الخدّام و الاعوان و استخراج الخليفة علي الكلّ و استخراج السلطان المهيمن علي الجميع و ترتيب العزائم و حرق البخور

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 170 *»

و غيرها من الامور المعلومة عند اهلها و لو اردنا شرح تلك الاحوال لطال بنا المقال فلترجع الي كتب القوم و امّا تصاريف الحروف و تأثيرها في الاكوان فذلك في كلّ شي‏ء لايختصّ بشي‏ء دون شي‏ء و قد ذكر العلماء بمعونة الادلّة العقليّة لكلّ حرف من الحروف الثمانية و العشرين تصاريف و تأثيرات عجيبة لا نطول الكلام بذكرها الاّ انّا نذكر بعض تصاريف حروف الطبايع من حيث المجموع و فعلها في الاشياء حتّي تعرف نوع المسألة و نوع التأثير و الفعل المذكور في الحديث الشريف.

قال الحكيم افلاطون اعلم انّ الحروف ثمانية و عشرون يقسمون علي اربعة عناصر كلّ عنصر بسبعة احرف فاوّلها عنصر النار و له وفق سبعة في سبعة و له ملك من عالم الملك و الملكوت و له شرح و تصريف و هو يصلح لقهر الملوك و الجبابرة و لقهر كلّ خصم و المحبّة و القبول و الصلح بين الاخ و اخيه و الزوج و الزوجة و لجلب القلوب و قهر النفوس و جلب الغائب و عمارة الديار الخالية والدكاكين فمن كتب هذا العنصر بالقلم اليوناني في مسبّع و درّجه ماله من الاسماء و ماله من الملائكة و توكّل ملك ذلك اليوم الروحاني العلوي و السفلي و تكتب بالمداد المعيّن وبخّر بالبخور كذلك او تكتب اسم من اردت و اسم امّه او ما اراد و حمله علي رأسه يري عجباً من الاقبال و المحبّة و تسخير القلوب و عظم الجاه عند الملوك و الحكّام و جلب الارزاق و اذا اردت ان‏تعمل محبّة او اقبالاً او طلب حاجة من ملك فتوضع الجدول علي هذه الصورة و تنزل حرف من اردت في الجدول كلّ حرف من اسم المطلوب في بيت و كلّما كمّلتها كرّرها في البيوت حتّي يكمل الجدول ثمّ توكّل صاحب اليوم العلوي و السفلي فاعرف قدر ماوصل اليك و اكتم هذه الاسرار تبلغ منازل الاخيار و هذه صورة عنصر النار «ا ه ط م ف ش ذ» و تكتبه في خاتم مسبّع بالقلم اليوناني و تكسره حتّي تملأ الخاتم بالتكسير.

و امّا عنصر التراب فهو عنصر جليل القدر له ملائكة غلاظ شداد متسلّطين علي بني‏ادم لجلب الامراض و الاسقام و الحمّي و الرمد و ارسال الهواتف و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 171 *»

منع الاكل و الشرب و نزف الدم و التهييج و نزول الملوك من اعلي كرسيها تكتبه بالقلم اليوناني في مسبّع و تنزل معه ماله من الملائكة علي الجناح الايمن و ماله من الاسماء علي الجناح الايسر و توكّل عليه الملائكة بما اردته من خير او شرّ و تجعل روحانيّته فوق الجدول و السفليّة تحته و ملك اليوم السفلي من وسطه و توكّل الجميع كما وصفنا و اذا اردت التسليط و التزيف و القي فتكتبه بالمداد الذي للعنصر في لوح من نحاس احمر و بخّره و اقسم علي ملوكه بماللحروف من الملائكة في يوم العنصر و ادفنه في نار حامية و اقسم عليه سبع مرّات و اضمم مااردت تري عجباً فلاتعمل الاّ لمن ظلمك و اتّق اللّه و اذا اردت ان‏تعزل احداً او تخرب مكاناً او تمنع مطراً من ارض او تغيير ماء بئر او عين فخذ تراباً مخصوصاً و اعمل فيه مايناسب الحروف الترابيّة علي النهج المعهود عندهم ثمّ تأخذ التراب و تذريه في اي مكان شئت يخرب و ينهدم و لايعمر ابداً و ان عملت ذلك التراب في بئر او عين تغور و ان عملت منه في بلاد منع عنها المطر بقدرة اللّه تعالي و ان رميت منه في منزل قوم افترقوا ولايجتمعوا ابداً و ان عملت في دكان تقفل و تعطّل بيعها و ان ذريت منه في طريق عسكر و جاز عليه انهزم او معزم بطلت حركته و حار امره و هربت ملوكه و بطل طلسمه و صاحب الصنعة يتلف صنعته و يكره شغله انظر في هذا الفعل العجيب لهذه الحروف و هذا وجه واحد من الف من وجوه فعل هذه الحروف و تصاريفها و تأثيراتها.

و امّا عنصر الهواء يصلح لركوب البحر و للاخفاء عن اعين الاعداء و طي الارض فمن كتبه و مزج اسمه مع حروفه في كلّ بيت بالقلم اليوناني و حروف اسمه بالعربيّة و رتبه بماله من الملوك و الاسماء و توكّل عليه ملك اليوم السفلي و الروحاني و تكتبه علي قلنسوة من جلد النمر او رقّ شاة اسود و بخّره ببخوره و تقسم علي الملوك بما لحروفه من اسماء اللّه سبعاً و سبعين مرّة و هو علي موضع خال و يعمل القلنسوة علي رأسه و يقف في الشمس فيختفي ظلّك باذن اللّه تعالي و يمشي حيث اراد فلايراه احد و هو من العجايب و انّ هذا العنصر يجلب به الريح و الظلام حتّي لاتري صاحبك في وسط النهار و من نقش هذا

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 172 *»

العنصر في لوح من نحاس اصفر علي شروطه و وكّل به ملوكه و بخره ببخوره وقت الحاجة فاذا اراد جلب الريح و الظلام فيمحي اللوح في ماء و يرشّ به الارض التي تريد فانّ الارياح تخرب ذلك المكان و تتلف اشجاره و نباته و لاينبت فيه نباتاً و ان ضربت بذلك الماء علي وجه مسحور او مربوط انحلّ من وقته و ان كتب جدول عنصر الهواء في كاغذ و علّقه في السفينة اتته الريح السليمة و ان جعلت اللوح علي رأسك تجوز علي عدوّك و لايراك.

و امّا عنصر الماء فهو ضدّ عنصر النار يفعل بخلافه فمن كتبه في اناء مزجّج و محاه بماء بئر لاتراه شمس و لا قمر و اسقاه المجنون شفاه اللّه تعالي و ان كان جذام او برص شفاه اللّه تعالي.

ثمّ انّهم قالوا انّك اذا عرفت طبايع الحروف و مراتبها و تعارفها و تناكرها فانّك تتصرّف بها في جميع الموجودات و في تبطيل موانع الكنوز و تبطيل جميع الموانع بمقابلة ضدّها من الطبايع فانّها مركّبة فيها فاذا لم‏تبطل بمقابلة ضدّها من الطبايع فانّها مركّبة من الاقليدسيّات الهندسية فاحتل بالعقل علي مواضع اصولها و احفرها و افسدها و ان كانت من الطلاسم الطبيعيّة فركب لها من الحروف مضادها و تفسدها فاذا دخلت الي المكان فانظر الي المانع ان كان مركّباً من النار فابطله بالحروف المائيّة و ان كان ترابيّاً فبالحروف الهوائيّة و ان كان مائيّاً فبالحروف الناريّة و ان كان هوائيّاً فبالحروف الترابيّة و ان كان مركّباً من النار و الهواء فبالحروف المائيّة و الترابيّة و ان كان من الماء و التراب فبالحروف الناريّة و الهوائيّة مثاله اذا دخلت الي مكان و وجدت فيه عروساً لابسة اخضر فانّها مركبّة من الماء و التراب فاكتب الاحرف الهوائيّة فانّها تقع فتجدها غاية يابسة فاجعل ماتكتبه عليها فانّها لاتقوم حتّي تقيمها و ان كان في المكان ماء يفيض فاكتب له الاحرف الترابيّة و الهوائيّة فانّه يذهب و ان كان الماء ازرق فاكتب له الاحرف الهوائيّة و الناريّة في شفقة و ارمها فانّه يذهب و ان كان رملاً فاكتب له الهوائيّة و المائيّة فانّه يذهب و ان كان رخّاً او عقاباً او نسراً او شيئاً من الطيور فاكتب له الاحرف الترابيّة و المائيّة و الناريّة فانّه

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 173 *»

يذهب و السيف و الطبر و الدبّوس و غيرذلك يبطل بالاحرف الترابيّة و الهوائية و الناريّة و الرهبان و ماشاكل ذلك يبطل بالمائيّة والحيّة تبطل بالهوائيّة و الديك و الدجاج يبطل بالناريّة و الهوائيّة والقوس والمنجنيق اذالم‏يكونا هندسيّة يبطل بالترابيّة و الناريّة و العاقل يتدبرّ بعقله جميع ذلك و يبطله.

و بالجملة لمّا كانت الاشياء كلّها انّما تركّبت و تألّفت من العناصر الاربعة فتؤثّر في كلّ شي‏ء تريد بضدّه من حروف العناصر او بمثله بزيادة و نقيصة و حذف و اسقاط او غير ذلك فتنفعل ذلك الشي‏ء و يجي‏ء علي ماتحبّ و اذا كان ذلك الشي‏ء معتدل الطبيعة تام البنية و لم‏تكن فيه جهة غالبة فتؤلّف من الحروف مايتمّ به الاسم الاعظم اللفظي الاعتدالي كما يؤلّفه الامام7 من الحروف النورانيّة فتفعل فيه ماتريده فالحروف علي قول مطلق فعل للّه سبحانه تتصرّف في كلّ شي‏ء خلقه اللّه تعالي يقول للشي‏ء بالسنته تبارك و تعالي «كن» بتلك الحروف علي ترتيباته و اوضاعه كما اشرنا الي نوعها في‏الجملة فيكون ذلك الشي‏ء في وقته و ساعته و هذا الذي ذكرنا بعض الاشارة الي بعض المراد بقوله7 ثمّ جعل الحروف بعد احصائها و احكام عدّتها فعلاً منه يقول كن فيكون فافهم الاشارة في صريح العبارة فكم من خبايا في زوايا.

و لمّا كان مراده7 من الحروف ما هو اعم من الحروف التكوينيّة و التدوينيّة و مراده بـ «كن» اعمّ من الامر الفعلي و المفعولي اراد7 ان ينبّه علي حقيقة الامر في الامر الذي هو الخطاب الي جهة الشي‏ء و قد تحيّر العلماء في هذا الخطاب اي خطاب «كن» لما عندهم من القاعدة المقرّرة انّ المخاطب يجب ان‏يكون قبل الخطاب حتّي يقع عليه الخطاب والاّ (لا خ‏ل) يكون خطاباً للمعدوم و ذلك عندهم محال فقوله تعالي «كن» ان كان المخاطب موجوداً يلزم قدم الاشياء و ان لم‏يكن موجوداً لافايدة في الخطاب اذا لم‏يكن شي‏ء يقبله و يتعلّق به و قد اشكل عليهم ذلك و تحيّروا حتّي قال محقّقوهم بالاعيان الثابتة في الازل المعدومة الكون و هي قديمة ليست بمجعولة و لا موجودة بل شي‏ء ثابت

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 174 *»

ذكري و بذلك الذكر و الشيئيّة استأهلت لخطاب «كن» فتكوّنت في الوجود الخارجي التفصيلي بعد ماكانت مذكورة ثابتة في الوجود الازلي الجمعي الاجمالي و هذا المعني لمّا كان عند اهل البيت: شرك محض و كفر بحت اراد7 ان‏يشير الي حقيقة الامر في هذه‏المسألة.

فقال7 و كن منه صنع و مايكون به المصنوع حاصله انّ الخطاب لايستدعي ان‏يكون المخاطب مقدّماً كيف و المخاطب والمخاطب بالكسر والفتح مشتقّان من الخطاب و هو مبدء اشتقاقهما فكيف يعقل ان‏يكون المشتقّ الذي هو الفرع اتّفاقاً مقدّماً علي المبدء الذي هو الاصل فالخطاب مادّة تتقيّد بالحدود و يتولّد منه المخاطب بالفتح و المخاطب بالكسر و لمّا كان في الحادث الممكن جهتان متضادّتان هما علّة الاختيار و التكليف و هاتان الجهتان تحققتا معاً لايسبق احديهما الاخري في الظهور و الوجود الكوني الاّ في المرتبة و الذات و كان ما من اللّه تعالي جهة اجمال و وحدة و بساطة تتعيّن علي حسب الصورة القابلة و الحدود المشخّصة عبّر سبحانه عن الجهة التي منه و اليه بالخطاب الواقع علي جهة الاختيار حيث تتحدّد تلك الجهة علي حسب قابليّتة الصورة فكن عبارة عن نفس الصنع و هو الامر المفعولي و هو الوجود الهيولي الاولي و هو تأكيد و صفة لِكُن الذي هو الامر الفعلي و هذا الامر الثاني اي الفعلي كقرص الشمس و الامر المفعولي كالنور الواحد المنبث المنبعث عن الشمس الحاكي لها من حيث هي و هو خطاب الشمس و يكون عبارة عن ذلك الامر و النور من حيث تحدّده و تقيّده بالحدود الستّة من الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكمّ و الكيف فهو بالجهة العليا خطاب و بالجهتين المتّصلتين المقترنين مخاطب مصنوع فالمخاطب انّما يتحقّق حين الخطاب بالخطاب لا قبله و لا بعده كما يدلّ عليه لفظه كما اشرنا اليه و هذا الحكم يجري في كلّ المتضايفات و المتساوقات من الكلّ و الجزء و الشرط و المشروط و الموصوف و الصفة و القابل و المقبول و الفاعل و المفعول و الامر و المأمور و الخالق و المخلوق و غيرها من الامور التي في مفهوم كلّ واحد منها يعتبر

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 175 *»

الاقتران و الارتباط بالاخر و كذلك يجري هذا الحكم اي «كن فيكون» في الحروف التكوينيّة و التدوينيّة فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم قال الشاعر:

فان كنت ذافهم تشاهد ماقلنا و ان‏لم‏يكن فهم فتأخذه عنّا
فما ثمّ الاّ ماذكرناه فاعتمد عليه و كن في الحال فيه كما كنّا

ثمّ اراد الامام7 ان يقسم انواع الممكن بالقسمة الظاهريّة الي ثلثة اقسام القسم الاوّل ماهو مجرّد عن كلّ الحدود مبعّد عن كلّ القيود موجود مطلق في تحقّقه و انصداره من مبدئه لايحتاج الي كيف و كمّ و جهة و اقتران و اضافة بل به خلقت تلك الحدود و هو السابق لها فلايجري حكم المسبوق علي السابق من حيث هو كذلك بالضرورة و البداهة و هذا القسم الاوّل هو الخلق الاوّل و المراد به الفعل الكلّي الشجرة الكليّة و فلك الولاية المطلقة و الازليّة الثانية و الابداع و الاختراع و هو الذي قال7 لا وزن لها و لا لون و لا حركة و لا سمع و لا حسّ فانّها كلّها خلقت بالفعل الذي هو الخلق الاوّل و ذكر هذه الجمله للاشارة الي نوع الحدود و الجهات والامور الاقترانيّة كلّها و ما ذكره7 من باب المثال و كيف يتصوّر في الابداع هذه الجهات مع انّ الحقيقة التي قال اميرالمؤمنين7 انّها تظهر بعد كشف سبحات الجلال من غيراشارة و تصحو بعد محو الموهومات و تنكشف بعد هتك الحجب و الاستار و جميع الاضافات و القرانات تلك الحقيقة المجرّدة عن الحدود مطلقاً مخلوقة بالاختراع و المشيّة لقوله7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره و لابدّ ان‏يكون الاثر يحكي الجهة السفلي من صفة المؤثّر فاذا كانت الجهة السفلي من المشيّة في تلك الرتبة من التجرّد عن الاقتران بالحدود فماظنّك بالجهة العليا منها و امّا نفي الحركة عنها مع انّها عين الحركة فلبيان انّ تلك الحركة ليست مثل الحركات المحسوسة او المعقولة بل هي نوع اخر لانّها شجرة علي سواء الجبل لاشرقيّة و لاغربيّة يكاد زيتها يضي‏ء ولولم‏تمسسه نار او انّ الحركة المنفيّة هي الحركة المغايرة لذاتها كما يشير اليها

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 176 *»

قوله7 ليس لها وزن الي ان قال و لا حركة  و انّما حركتها هي ذاتها و حقيقتها لاشي‏ء اخر يعني ذاتها هي عين الحركة كما سيأتي بيانه ان‏شاءاللّه تعالي و امّا الحسّ المنفي فالمراد به الحواسّ و المدارك المتمايزة المحدودة المحاطة والاّ فحقيقتها عين العلم و الادراك و المعرفة و الاحاطة بل هي عين علم اللّه السابق كما روي الكليني رحمه اللّه‏ عنهم: انّ علم‏اللّه السابق المشيّة.

و القسم الثاني هو الحقيقة المجرّدة عن كلّ الحدود و الجهات و هي المفعول المطلق بذلك الفعل الاوّل و هي لمّا كانت جهة تجلّي اللّه تعالي لخلقه و خطابه لقول «كن» و لابدّ للخطاب من استماع المخاطب ايّاه لانّ ذلك هو المعتبر في الخطاب و به خاطب اللّه سبحانه انبياءه و رسله و حججه و اولياءه فيجب ان‏يكون مسموعاً و لمّا كان ذلك الخطاب هوالمثال الملقي في هويّات الاشياء فيكون صالحاً للاقتران و الاتّصال و الاتّصاف فيكون موصوفاً بذلك و امّا هو في نفسه لكونه مشابهاً لصفة مؤثّره منزّهاً عن الحدود و الرسوم و امّا الخلق الاوّل فليس بمسموع و لا موصوف لانّه الاسم المستقرّ في ظلّه و لايخرج منه الي غيره فلايسمع ذلك الخطاب الذي هو «كن» الامر الفعلي نعم يقع (يصحّ خ‏ل) السماع في الامر الثاني المفعولي و لذا وصف الثاني بالمسموعيّة دون الاوّل فافهم و لذا قال7 و الخلق الثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غيرمنظور اليها و لمّا كانت الحروف اللفظيّة علي طبق الحروف المعنويّة الحقيقيّة جرت فيها هذه الاوصاف فليست بموزونة من الاوزان والمكائيل المعروفة و لها اوزان طبيعية اعتداليّة كما هو المعروف عند اهل الفنّ في ميزان الحروف ميزان النار و ميزان الهواء و ميزان الماء و ميزان التراب و كلّ ميزان له عمل مخصوص ولكن لايخفي عليك ان هذه الموازين يحتاج اليها للتعديل في الحروف المفعوليّة التي هي عين القشر و الحجاب للحروف الفعليّة الغائبة فيها غيبة الانسان الكامل في النطفة و العلقة و هي الحروف التي بازاء الاسماء الالهيّة كما ذكرنا سابقاً و عدّينا و تلك الحروف

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 177 *»

لايحتاج الي وزن و تعديل من حيث المبدء لانّ كلّ واحد جامع لسرّ الجميع و مثاله التقريبي كالاكسير فافهم و لهذه العلّة اختلفت افهام اهل الحروف و اراؤهم في طبايع الحروف و موازينها و اتّفقوا في الالف بانّها حارّة و وقع الخلاف فيماسواه فذهب كلّ طائفة الي حكم مثلاً الباء قيل انّها حارّة يابسة و قيل انّها باردة يابسه و قيل انّها حارّة رطبة و قيل انّها باردة رطبة و لمّا بلغ الكلام الي هنا فلابأس علينا ان ننبّه الي بعض اختلافاتهم و نشير الي سرّها:

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 178 *»

جدول اميرالمؤمنين7:

ناريه هوائية مائية ترابية
ا ب ت ث
ج ح خ د
ذ ر ز س
ش ص ض ط
ظ ع غ ف
ق ك ل م
ن و هـ ي

جدول ادريس7:

نارية هوائية مائية ترابية
ا ب ج د
هـ و ز ح
ط ي ك ل
م ن س ع
ف ص ق ر
ش ا ث خ
ذ ض ظ غ

و بعض الهنود و المشارقة رتبوا المفردة و المزدوجة هكذا:

نارية هوائية مائية ترابية
ا ح س ت
ب ط ع ث
ج ي ف خ
د ك ص ذ
هـ ل ق ض
و م ر ظ
ز ن ش غ

 

نارية هوائية مائية ترابية
ا د ض ك
ب ذ ط ل
ت ر ظ م
ث ز ع ن
ج س غ هـ
ح ش ف و
خ ص ق ي

و بعض المغاربة ترتيبهم في المزدوجة هكذا:

نارية هوائية مائية ترابية
ا ب ت ث
ج ح خ د
ذ ر ز ط
ظ ك ل م
ن ص ض ع
غ ف ق س
ش هـ و ي

بقية المغاربة في المفردة و المزدوجة هكذا:

نارية هوائية مائية ترابية نارية هوائية مائية ترابية
ا ح ص ت ا د ل ف
ب ط ع ث ب ذ م و
ج ي ف خ ت ر ن س
د ك ض ذ ث ز ص ش
هـ ل ق ظ ج ط ض هـ
و م ر غ ح ظ ع ق
ز ن س ش خ ك غ ي

مذهب اهل الطبيعة هكذا:

نارية ترابية هوائية مائية
ا ب ج د
هـ و ز ح
ط ي ك ل
م ن س ع
ف ص ق ر
ش ت ث خ
ذ ض ظ غ

مذهب ابن‌عربي هكذا:

نارية مائية ترابية هوائية
ا ب ج د
هـ و ز ح
ط ي ك ل
م ن ص ع
ف ض ق ر
ش ت ث خ
ذ ظ غ س

مذهب ابي‌العباس البوني صاحب شمس المعارف:

نارية هوائية ترابية مائية
ا ب ج د
هـ و ز ح
ط ي ك ل
م ن ص ع
ف ض ق ر
س ت ث خ
ز ظ غ ش

مذهب الجزلي و ابن‌سبعين:

نارية هوائية مائية ترابية
ا ق س ج
ع ي ل م
هـ ص ر ز
ط غ ث ب
ح ظ ن خ
ف ك و ت
ش ص د ذ

و هذه الترتيبات التي وقفنا عليها لاهل هذا الشأن غير ماذكروا في الدواير و النظاير و ماذكره غيرهم كاهل المخارج ثمّ انّهم يستعملون تلك الحروف علي

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 179 *»

حسب مايعتقدون فيها من الطبايع في اعمالهم و علاجاتهم والكلّ يصحّ العمل به مثلاً الباء فالذي يعتقد انّها ترابيّة يستعملها في البارد اليابس و الذي يعتقد انّها هوائيّة يستعملها في الحار الرطب و هما ضدّان و كلا العملين يصحّان و هذا من العجائب و الاصل فيه انّ الحروف الاوّلية الفعليّة الغائبة في هذه الحروف لمّا كانت معتدلة منزّهة عن الحدود فكلّ واحد منها يعمل عمل الكلّ لاتّحادها في اصل الرتبة فكلّ منها في حدّ ذاتها يعمل في الحارّ و البارد و اليابس و الرطب فاذا اعتقد جهة منها رجّح ذلك الاعتقاد ظهور تلك الجهة فيظهر اثارها و يتوهّم الناظر العامل ان فيها تلك الطبيعة خاصّة دون غيرها فيقتصر عليها و الاخر ينظر في ضدّه مثل نظره فتظهر اثارها (اثاره خ‏ل) فيحكم عليها بتلك الطبيعة دون غيرها و مثالهم مثال العميان و الفيل و امّا في الواقع الحقيقي فليست لها جهة خاصّة و طبيعة خاصّة دون الاخري و انّما هي علي حدّ ماقال الشاعر:

و محمومة طبعاً عدلت مزاجها الي ضدّها لمّا علت زفراتها
بجنّية انسيّة ملكيّة هوائيّة ناريّة نفحاتها
جنوبيّة شرقيّة مغربيّة شماليّة كلّ الجهات جهاتها

فالحروف الفعليّة التي بها يقول اللّه للشي‏ء كن فيكون بحجبه و وسايطه لا وزن لها لانّها كاملة معتدلة تامّة لاتحتاج الي وزن و تقدير و امّا الحروف المفعوليّة فلها وزن و تقدير و تعديل و ضمّ و توليد كما هو المقرّر في علم الحروف في كتب القوم المبسوطة و غيرها.

و القسم الثالث هو المفعولات من الموجودات المقيّدة و هي محدودة موصوفة موزونة مصوّرة بالصور المختلفة من النوعيّة و الشخصيّة و الجوهريّة و العرضيّة و مقترنة بالمواد الجسمانيّة و هكذا غيرها من الحدود و التعيّنات و الصور و القرانات و القيود و الاضافات و لذا قال7 و الخلق الثالث ماكان من الانواع كلّها محسوساً ملموساً ذاذوق منظوراً اليها و ماذكره7 من باب المثال لاجل الكثرة والاّ فهو اكثر من ذلك كما هو المعلوم ثمّ قال7 واللّه تبارك و تعالي سابق الابداع لانّه لا شي‏ء قبله ليكون

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 180 *»

سابقاً عليه تعالي و لمّا كان مجرّدالسبق يقتضي اقتران السابق بالمسبوق و لو في المفهوم الاضافي اذ السابق يستلزم المسبوق ازال7 هذه الشبهة و رفع هذه الواهمة بقوله الشريف و لاكان معه شي‏ء حتّي يكون فرقاً بين الاوّل و الاخر و يستلزم ذلك الاقتران و الاتّصال فسابقيّته تعالي علي الخلق ليست بالمعني المعقول المدرك عند الخلق و انّما سابقيّته سابقيّة الهيّة ازليّة لايحيط بها سواه نعم ليس قبله شي‏ء و لايقال له قبل فانّ ذلك يستلزم الوقت و لما كان معه شي‏ء فبطل الاقتران و الاتصال فامتنع ذكر الممكن الحادث عند الواجب القديم مطلقاً فسقط بذلك جميع الاعتراضات و المناقضات و ثبت التوحيد لخالق السموات و باري‏ء المسموكات.

قوله والابداع سابق الحروف يريد بالابداع – كما ذكرنا غير مرّة – المشيّة و الارادة و هما في مقام الفعل و الحروف في مقام المصدر المفعول المطلق و لاشكّ انّ الفعل سابق علي المصدر و هو مشتق منه و صادر عنه و الدليل علي انّ المراد بالحروف المصدر اطلاق الفعل عليه سابقاً بقوله7 ثمّ جعلها بعد احصائها فعلاً منه و المفعول الذي يقوم مقام الفعل و يكون محلاّ له في الحقيقة الاوّليّة لايكون الاّ المصدر و لشرح هذه المسألة مقام اخر فافهم فهّمك اللّه.

قال7:

والحروف لا تدلّ علي معني غير نفسها قال المأمون و كيف لاتدلّ علي غيرنفسها قال الرضا7 لانّ اللّه تبارك و تعالي لايجمع منها شيئاً لغير معني ابداً فاذا الّف منها احرفاً اربعة او خمسة او ستّة او اكثر من ذلك او اقلّ لم‏يؤلّفها لغير معني و لم‏يك الاّ امر محدث لم‏يكن قبل ذلك شيئاً قال عمران فكيف لنا بمعرفة ذلك قال الرضا7 امّا المعرفة فوجه ذلك و بابه انّك تذكر الحروف اذا لم‏ترد بها غيرنفسها ذكرتها فرداً فرداً فقلت ا ب ت ث ج ح خ حتّي تأتي علي اخرها فلم‏تجد لها معني غيرانفسها فاذا الّفتها و جمعتها و جمعت منها احرفاً و جعلتها اسماً و صفة لمعني ما طلبت و وجه ماعنيت كانت دليلة علي معانيها داعية الي الموصوف بها افهمته قال نعم.

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 181 *»

لمّا فرغ7 من ذكر البسايط و الاصول الاوّليّة اخذ في بيان كيفيّة تفريع الفروع عليها و تركيب تلك البسايط و تأليفها و استخراج الحقائق الغيرالمتناهية في التدوينيّة والتكوينيّة فقال7 والحروف لاتدلّ علي غيرانفسها و قد ذكرنا سابقاً انّ الحادث المخلوق من حيث هو مع قطع النظر عن جميع القرانات لاتدلّ الاّ علي نفسها و نفسها ان اردت بها النفس التي من عرفها فقد عرف اللّه فتدلّ كلّ حرف اذن علي ظهور من ظهورات اللّه سبحانه الظاهرة فيها و قد وردت الروايات بذلك عن سادة البريّات:.

منها مارواه الصدوق في التوحيد والعيون باسناده عن ابي‏الحسن علي بن‏موسي‏الرضا7 قال انّ اوّل ماخلق اللّه عزّ و جلّ ليعرّف به خلقه الكتابة حروف المعجم و انّ الرجل اذا ضرب علي رأسه بعصا فزعم انّه لايفصح منها ببعض الكتاب فالحكم فيه ان‏يعرض عليه حروف المعجم ثمّ يعطي الدية بقدر مالم‏يفصح منها ولقد حدّثني ابي عن ابيه عن جدّه عن اميرالمؤمنين7 في ا ب ت ث قال الالف الاء اللّه والباء بهجة اللّه والتاء تمام الامر بقائم ال‏محمّد9 والثاء ثواب المؤمنين علي اعمالهم الحسنة ج ح خ فالجيم جمال‏اللّه و جلاله والحاء حلم اللّه عن المذنبين، الخاء خمول ذكر اهل المعاصي عنداللّه عزّ و جلّ د ذ فالدال دين اللّه الذي ارتضي لعباده والذال من ذي‏الجلال ر ز فالراء من الرءوف الرحيم والزاء زلازل يوم القيمة س ش فالسين سناءاللّه و الشين شاءاللّه ماشاء و اراد مااراد و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه ص ض فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس علي الصراط و حبس الظالمين عند المرصاد و الضاد ضلّ من خالف محمّداً و ال‏محمّد9 ط ظ فالطاء طوبي للمؤمنين و حسن مئاب.الظاء ظنّ المؤمنين باللّه خيراً و ظنّ الكافرين به شرّاً ع غ فالعين من العالم والغين من الغني الذي لايجوز عليه الحاجة علي الاطلاق ف ق فالفاء فالق الحبّ والنوي و فوج من افواج النار و القاف القرءان علي اللّه جمعه و قرءانه ك ل فالكاف من الكافي واللام لعن اللّه الكافرين في افترائهم علي اللّه الكذب م ن الميم ملك اللّه يوم لا مالك غيره و يقول عزّ و جلّ

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 182 *»

لمن الملك اليوم ثمّ ينطق ارواح انبيائه و رسله و حججه فيقولون للّه الواحد القهّار فيقول اللّه جلّ جلاله اليوم تجزي كلّ نفس بما كسبت لاظلم اليوم انّ اللّه سريع الحساب و النون نوال اللّه للمؤمنين و نكاله للكافرين و ه فالواو ويل لمن عصي اللّه من عذاب يوم عظيم و الهاء هان علي اللّه من عصاه لا ي و لام الف لا اله الاّ اللّه و هي كلمة الاخلاص مامن عبد قالها مخلصاً الاّ وجبت له الجنّة و الياء يداللّه فوق خلقه باسط بالرزق سبحانه و تعالي عمّايشركون ثمّ قال7 انّ‏اللّه تبارك و تعالي انزل هذا القرءان بهذه الاحرف التي يتداولها جميع العرب ثمّ قال لئن اجتمعت الانس و الجنّ علي ان‏يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

و منها ما في التوحيد ايضاً عن علي7 قال7 ما من حرف الاّ و هو اسم من اسماءاللّه تعالي امّا الالف فاللّه لا اله الاّ هوالحي القيّوم و امّا الباء فباقٍ بعد فناء خلقه و امّا التاء فتواب يقبل التوبة عن عباده و امّا الثاء فالثابت الكائن يثبت اللّه الذين امنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا الاية و امّا الجيم فجلّ ثناؤه و تقدّست اسماؤه و امّا الحاء فحق حي حليم و امّا الخاء فخبير بمايعمل العباد و امّاالدال فديّان الدين و امّاالذال فذوالجلال والاكرام و امّا الراء فرءوف بعباده و امّا الزاء فزين العابدين و امّا السين فالسميع البصير و امّا الشين فالشاكر لعباده المؤمنين وامّا الصاد فصادق في وعده و وعيده و امّا الضاد فالضار و النافع و امّا الطاء فالطاهر المطهّر و امّا الظاء فالظاهر المظهر لاياته و امّاالعين فعالم بعباده و امّاالغين فغياث المستغيثين من جميع خلقه و امّا الفاء ففالق الحبّ و النوي و امّا القاف فقادر علي جميع خلقه و امّا الكاف فالكافي الذي لم‏يكن له كفواً احد و لم‏يولد و امّااللام فلطيف بعباده و امّا الميم فمالك الملك و امّا النون فنور السموات و الارض من نور عرشه و امّا الواو فواحد صمد لم‏يلد و لم‏يولد و امّا الهاء فهادٍ لخلقه و امّا لام الف فلااله الاّ اللّه وحده لاشريك له و امّا الياء فيداللّه باسطة علي خلقه الحديث.

و منها ما روي عنهم: في التعقيب اللّهمّ بالف الابتداء بباء

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 183 *»

البهاء بتاء التأليف بثاء الثناء بجيم الجلال بحاء الحمد بخاء الخفاء بدال الدوام بذال الذكر براء الربوبيّة بزاء الزيادة بسين السلامة بشين الشكر بصاد الصبر بضاد الضوء بطاء الطهر بظاء الظلام بعين العلم بغين الغفران بفاء الفردانيّة بقاف القدرة بكاف الكلمة التامّة بلام اللوح بميم الملك بنون النور بواو الوحدانيّة بهاء الهيبة بلام الف لااله الاّ انت بياء ياذالجلال والاكرام الدعاء.

و منها ما في التوحيد ايضاً باسناده عن الجارود بن زياد بن المنذر عن ابي‏جعفر محمّدبن علي الباقر8 قال لمّا ولد عيسي بن مريم7 كان ابن يوم كانه ابن شهر فلمّا كان ابن سبعة اشهر اخذت والدته بيده و جاءت به الي الكتاب و اقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب قل بسم‏اللّه الرحمن الرحيم فقال عيسي علي محمّد واله و7 بسم‏اللّه الرحمن الرحيم فقال له المؤدّب قل ابجد فرفع عيسي7 رأسه فقال هل تدري ماابجد فعلاه بالدَرَّة ليضربه فقال يامؤدّب لاتضربني ان كنت تدري والاّ فسلني حتّي افسّر لك قال فسّر لي فقال عيسي علي نبيّنا و اله و7 الالف الاءاللّه و الباء بهجة اللّه و الجيم جمال اللّه و الدال دين اللّه هوز الهاء هول جهنّم و الواو ويل لاهل النار والزاء زفير جهنّم حطي حطّت الخطايا من المستغفرين كلمن كلام اللّه لامبدّل لكلماته سعفص صاع بصاع و الجزاء بالجزاء قرشت قرشهم فحشرهم فقال المؤدّب ايّتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم و لا حاجة له في المؤدّب.

و منها فيه ايضاً باسناده عن الاصبغ بن نباته قال قال اميرالمؤمنين7 سأل عثمان بن عفّان رسول‏اللّه9 عن تفسير ابجد فقال رسول‏اللّه9 تعلّموا تفسير ابجد فانّ فيه الاعاجيب كلّها ويل لعالم جهل تفسيره فقيل يا رسول‏اللّه ماتفسير ابجد فقال9 امّا الالف فالاء اللّه حرف من اسمائه و امّا الباء فبهجة اللّه و امّا الجيم فجنّة اللّه و جلال اللّه و جمال اللّه و امّا الدال فدين اللّه و امّا هوز فالهاء هاء الهاوية فويل لمن هوي في النار و امّا الواو فويل لاهل‏النار و امّا الزاء فزاوية في

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 184 *»

‏النار نعوذباللّه مما في‏الزاوية و امّا حطي فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر و مانزل به جبرئيل مع الملائكة الي مطلع الفجر و امّا الطاء فطوبي لهم و حسن مئاب و هي شجرة غرسها اللّه عزّ و جلّ و نفخ فيها من روحه و انّ اغصانها لتري من وراء سور الجنّة تنبت بالحلي و الحلل متدليّة علي افواههم و امّا الياء فيداللّه فوق خلقه سبحانه و تعالي عمّا يشركون و امّا كلمن فالكاف كلام‏اللّه لاتبديل لكلمات اللّه و لن‏تجد من دونه ملتحداً و امّا اللام فالمام اهل الجنّة بينهم في الزيارة و التحيّة و السلام و تلازم اهل النار فيما بينهم و امّا الميم فملك اللّه الذي لايزول و دوام اللّه الذي لايفني و امّا النون ف  ن و القلم و مايسطرون فالقلم قلم من نور و كتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقرّبون و كفي باللّه شهيداً و امّا سعفص فالصاد صاع بصاع و فص بفص يعني الجزاء بالجزاء و كما تدين تدان انّ اللّه لايريد ظلماً للعباد و امّا قرشت يعني قرشهم فحشرهم و نشرهم الي يوم‏القيمة فقضي بينهم بالحق و هم لايظلمون انتهي و قد ذكرت الروايات بطولها لمافيها من الاسرار الغريبة.

فظهر لك من هذه الاحاديث صدق ماذكرنا انّ هذه الحروف في انفسها مع قطع النظر عن القرانات و الاضافات التي هي الحجب و الاستار لاتدلّ الاّ علي نفسها التي هي تجلّ من ربّها فتدلّ علي حسب ظهور ذلك التجلّي في ذلك الحروف من غيراشارة و كلّ اسم و صفة الهيّة و فعل و حادثة ربّانيّة مبدوّة بهذه الاحرف او مناسبة لها باتمّ المناسبة فهي دالّة عليها و اسم لها كما يظهر ذلك من تضاعيف الاخبار الواردة في تفسيرها و اختلافها فيه و مردّ الجميع الي الاسماء و الصفات و الافعال الالهيّة هذا اذا اردنا بالنفس في قوله7 لاتدلّ علي غيرنفسها هي النفس التي من عرفها فقد عرف اللّه و هي الحقيقة الواردة في حديث كميل لما سأل عن الحقيقة فقال7 كشف سبحات الجلال من غيراشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ الحديث. و امّا اذا اردنا بالنفس حقيقتها من حيث هي مع قطع النظر عن القرانات و الاضافات الخارجيّة

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 185 *»

فلها معاني عجيبة و اسرار غريبة تدلّ تلك الحروف عليها و هي معاني انفسها بل هي انفسها كما قال7 و روحي له الفداء و ها انا اشير الي بعض تلك المعاني و انموذج منها اذ بالتفصيل يطول الكلام اقتداء لاهل الفنّ و اقتفاء لاثارهم.

امّا الالف فقالوا انّها من حيث الحقايق غيب لايدرك و محيط لايملك و من حيث اللطايف جوهر بسيط و من حيث الاشارة وحدة مطلقة و من حيث العبارة انوار مشرقة و هو حرف نوراني و سرّ ربّاني روحاني جمالي صامت مفرد و هو اسم للقائم الاعلي الذي منه اسم اللّه ثمّ لكلّ مستخلف في القيام كآدم و الكعبة و اعلم انّ الالف سرّ الاسرار و نورالانوار و مفتاح الغيوب و مصباح القلوب فالباء بهاء الالف و التاء تاج الالف و الثاء ثناء الالف و الجيم جمال الالف و الحاء حياء الالف و الخاء خلق الالف و الدال دوام الالف و الذال ذات الالف و الراء روح‏الالف و الزاء زين‏الالف و السين سناءالالف و الشين شرف‏الالف و الصاد صفاءالالف و الضاد ضياءالالف و الطاء طيف‏الالف و الظاء ظاهرالالف و العين عالم‏الالف و الغين غاية الالف و الفاء فهم‏الالف و القاف قلب الالف و الكاف كمال‏الالف و اللام لطف‏الالف و الميم ملك‏الالف و النون نورالالف و الهاء هداية الالف و الواو ولاية الالف و الياء يقين‏الالف و هو حارّ يابس في الدرجة الاولي علي الجملة و من حيث التفصيل فيه برودة و هو في الدرجة الثالثة و حرارة في الدرجة الخامسة و هو اوّل مخلوق في الحروف و قد جعل اللّه فيه سرّ مراتب الحروف و مقام الالف مقام الجمع و مخرجه من الصدر و هو اوّل الاسم الاعظم و له من الملائكة جبرائيل و من الايّام يوم‏الاحد و من الساعات ساعة الشمس و من العلويّة اسرافيل و من المنازل الشرطين و من البروج الاسد و من السفليّة الذهب و من الهوائيّة همطائيل و من‏البخور العود و لبان ذكر و من خواصّه الالفة و المحبّة و غيرهما مما لسنا بصدد ذكره.

و امّا الباء فمن حيث الحقايق مظهر جليل و من حيث اللطايف قلم تفصيل

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 186 *»

و من حيث الاشارة مبدء و دليل و من حيث العبارة سبب و سبيل و تعليل و هو حرف هوائي ظلماني سفلي جسماني جمالي ناطق متواخي ينصرف في خاصّة الخاصّة و معناه انّه السبب الظاهر و منه مبدأ الاسم العلي و هو حرف من حروف الاسم الاعظم و هو حرف اشارة من قبيل الذات و فيه ايضاً سرّ مضمر حيث قال كنت كنزاً مخفيّاً الخ. فهي متصرّفة في الخلق علويّة و سفليّة و هي من الحروف الباقية الي يوم‏القيمة و هي من باطن الالف و مدّة بلانقطة لانّه عين ذلك كما انّ عين الموجودات جميعها النقطة و فيها سرّالاعداد و فيها معرفة الكون و الفساد و بها كان حقايق الاكوان و حرف الباء حارّ رطب في الدرجة الاولي علي نسبة التفصيل و هو سرّالعالم الاختراعي و فيه سرّ الالف المبسوط الذي هو مقام النفس الكليّة و له من الايّام يوم الاثنين و من الساعات الساعة الاولي منه و من الملائكة اسرافيل و من الارواح السفليّة ابيض و من الكواكب القمر و من المنازل البطين و من البروج السرطان و من الملوك الهوائيّة بنيائيل  و من الاسماء الحسني كلّ اسم يكون اوّله حرف الباء مثل باسط و بديع.

و امّا الجيم و هو حرف عالم الملكوت مشترك فيه جميع العالم العلوي و من حيث الحقائق من حروف الجسم و هو مظهر جمالي و من حيث اللطايف لوح اتصال و من حيث الاشارة جمع جمال و من حيث العبارة عقل فعّال و هو حرف مائي ظلماني سفلي جمالي جلالي متواخي يتميّز في العامة و معناه انّه اسم للجمع العلي الذي تظهر به جميع الاسماء و ينطق به الاسم الجامع و هو حرف جليل القدر ظهر فيه اسم الاحديّة و هذا الحرف ينصرف في الخير و الشرّ و هو في الاصل ينطق بثلاث جيمات فاوّل ذلك جيم الجمال فكانت مظهر الجمالات كلّها وهي الجنّة و جيم الجلال فكانت منها جهنّم و جيم الجبروت و هي المعبّر عنها بجيم القهر و يجمع الجميع مظهر الرحموتيّة و هو بارد رطب له من الايّام يوم الجمعة و من الساعات الزهرة و من البروج الثور و من المنازل الجبهة و من الملائكة العلويّة عنائيل و من السفليّة ذوبعة و من الهوائيّة جهطائيل و من الاسماء جامع جليل جواد و كل اسم يكون اوّله الجيم.

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 187 *»

و امّا الدال فهو من حيث الحقايق حضرة كمال و من حيث اللطايف مقام اعتدال و من حيث الاشارة دوام و استقلال و من حيث العبارة تكوّن اقبال و هو حرف ظلماني ترابي سفلي و هو بارد يابس في الدرجة الاولي و برودته في الدرجة الثانية و به كمل اللّه الطبايع في عالم التفصيل و التركيب و ظهر هذا الحرف في اسمه الدائم خصوصاً و في اسمه الودود عموماً و نطق في الاسمين الشريفين الذين هما احمد و محمّد و له من الايّام يوم الاربعاء و من الكواكب عطارد و من البروج برج الجوزا و من المنازل الدبران و من الملوك العلويّة دردائيل و من السفليّة برقان و من الهوائيّة دمطائيل و من الاسماء دائم و من البخور دارفلفل.

و امّا الهاء فهو من حيث الحقايق وجوب وجوده و من حيث اللطايف علم شهوده و من حيث الاشارة احاطة غيب كلّ ظاهر و من حيث العبارة سرور الارواح و هو حرف ناري هوائي من حروف الصدر روحاني جلالي صامت مفرد متميّز في خاصّ الخاصّ و هو حرف قائم بنفسه (بنفس خ‏ل) ذاته من بواطن التوحيد و له من الايّام يوم الجمعة و من البروج الثور و من الكواكب الزهرة و من العلويّة همطائيل و من السفليّة ذوبعة و من الهوائيّة هعشمائيل و من المنازل هنعه و من الاسماء هو الهادي و من الايات هواللّه الذي لااله الاّ هو.

و امّا الواو فهو حرف من حروف العرش و هو من حيث الحقايق وجود مطلق و من حيث اللطايف شهود مغلق و من حيث الاسرار رفع باطنه هو حرف هوائي ظلماني جمالي صامت منفرد متميّز في خاصّة الخاصّة و له من الايّام يوم الثلثاء و من الكواكب المرّيخ و من البروج العقرب و من المنازل العوا و من العلويّة طغيائيل و من السفليّة الاحمر و من الاسماء الحسني كلّ اسم اولّه الواو.

و امّا الزاء فهو من حيث الحقايق عظمة بلاتقدير و من حيث اللطايف مرتبة التصوير و من حيث الاشارة قوّة مرام و من حيث العبارة نيل ادب و هو حرف مائي ظلماني و له من الايّام الاربعاء و من الكواكب عطارد و من البروج

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 188 *»

الجوزا و من المنازل الزبانا و من الخدّام ميكائيل و من السفليّة برقان و من الهوائيّة همطائيل و من الاسماء الحسني كلّ اسم اوّله الزاء.

و امّا الحاء فهو حرف نوراني و هو من حيث الحقايق جرم لاضدّ فيه و من حيث اللطايف جبّ لاسبيل للوصول اليه و من حيث الاشارة بكامل صورة غيبيّة و من حيث العبارة خروج من ضيق و عسر و هو حرف ترابي نوراني علوي روحاني جمالي صامت متواخي يتميّز في صفاء عين الخلاصة و معناه انّه اسم للكمال العلي الظاهر الذي منه اسمه الحي و هو حرف عظيم القدر و قوّته الظاهر فيه ثمانية تشير الي ابواب الجنّة و هو حرف بارد في الدرجة الثانية في الجملة و علي التفصيل حرف حارّ في الدرجة الاولي من نسبة الحيوة و له من الايّام يوم الخميس و من الكواكب المشتري و من البروج القوس و من المنازل الفرع المؤخّر و من الملائكة العلوية حرفيائيل و من السفليّة شمهورش و من الهوائيّة حطائيل و من الاسماء كلّ اسم اوّله الحاء مثل الحي الحكيم.

و امّا الطاء فهو من حيث الحقائق علم احاطة و من حيث اللطايف تجريد باماطة و من حيث الاشارة تخلّص تامّ و من حيث العبارة انتقال و هو حرف من حروف الاستعلاء و هو سرّ في المبادي و له سرّ في العوالم العلويّة و هو اصل في اللطايف السفليّة و اصل في التركيب البسطي و له من الايّام السبت و من الكواكب زحل و من البروج الدلو و من المنازل طرفة و من البخور الصندل و من الملوك العلويّة شمخائيل و من السفليّة ميمون و من الهوائيّة مهطائيل.

و امّاالياء فهو من حيث الحقايق عزّ لايرام و من حيث اللطايف قوّة انعام و من حيث الاشارة مسند كلي و من حيث العبارة حصول معلوم و هو حرف من حروف الكرسي و هو نور خلقه اللّه في الكرسي به تشكّلت الاشياء في عالم الابداع الاوّل و به يتصرّف في عالم الابداع الثاني و هو حرف حارّ رطب اصله الرطوبة في الدرجة الثانية و الحرارة في الدرجة الاولي و للياء اسناد كلّي و الاسم منه مخفي و له من الايّام يوم الجمعة و من الكواكب الزهرة و من البروج الثور و من المنازل الحرمان و من الارواح العلويّة عنائيل و من السفليّة ذوبعة و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 189 *»

من الهوائيّة هطمهطائيل و من الاسماء ياه يه يهيه.

و امّا الكاف فهو من حيث الحقايق كمال ظهور و من حيث الاشارة رتق و فتق و من حيث المعني رق منشور و نسبته نسبة الالف سواء و له من الايّام يوم الخميس و من الكواكب المشتري و من البروج القوس و من المنازل البطين و من الملوك العلويّة سمسمائيل و من السفليّة شمهورش و من الهوائيّة قهطهائيل (قههطائيل خ‏ل) و من الاسماء الحسني كلّ اسم اوّله الكاف مثل الكافي الكريم الكبير و اعلم انّ الكاف هو باطن الامر و باطن العلم و باطن العرش و باطن الكرسي و باطن السور و باطن الاملاك فباطن العوالم جميعاً و الكاف سرّ العقل و النون سرّ الروح و الكاف و النون هما خزاين‏اللّه من قوله كن فيكون و الكاف سرّ الامر و النون سرّ المأمور.

و امّا اللام  فهو اصل بدو و تمام و هو من حروف التعريف و هو من حروف الاسم الاعظم و هو من الحروف الازليّة و بها قوّة الفيّة و هو من الحروف العوالي و هو من الحقائق نسبة الامر و من حيث الاشارة مظهر الجمال و الجلال و من حيث اللطايف ذات اللطف و له من الايّام يوم الاثنين و من الكواكب القمر و من البروج السرطان و من المنازل سعدالسعود و من العلويّة صلصائيل و من السفليّة الحارث و من الهوائيّة شمطائيل و من البخور مصطكي و من الاسماء كلّ اسم اوّله اللام مثل اللطيف.

و امّا الميم فهو من حيث الحقايق نفس كليّة لانّه لاشكل له في ذاته و لا نطق له في صفاته و هو من حروف اللوح و هو حرف حارّ علي الجملة و علي التفصيل جمع بين رطوبتين و له من الايّام يوم الخميس و من الكواكب المشتري و من البروج الميزان و من المنازل نعايم و من السفليّة شمهورش و من العلويّات طههائيل و من الهوائيّة هطمائيل (هطهائيل خ‏ل) و من الاسماء كلّ اسم اوّله الميم.

و امّا النون فهو من حيث الحقايق حرف نور و احاطة و من حيث الاشارة نور محض و هو حرف بارد رطب من حيث الجملة و علي التفصيل حارّ رطب في الدرجة الرابعة و هو من صور العرش و حقيقة الامر العلي لانّه هو باطن

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 190 *»

العلم و القلم و ظاهر العرش و سرّالامداد و له من الايّام يوم الثلثاء و من الكواكب و الساعات المرّيخ و من البروج الحمل و من المنازل الغفر و من الملوك العلويّة نوريائيل و من السفليّة الاحمر و من الهوائيّة همطائيل و من الاسماء كلّ اسم اوّله النون.

و امّا الصاد فهو من حيث الحقائق صفاء محض و من حيث الاشارة حرف صمدانيّة و من حيث اللطايف فيه سرّ الصفات و هو حرف بارد في الدرجة الرابعة علي الجملة و امّا التفصيل حرارة وسطيّة و هو حرف من حروف الملكوت و هو صور المعلوم و هو الحامل للارواح العلويّة و السفليّة و هو المكان اللطيف و زمان التصريف و هو حرف قائم بنفسه.

و امّا العين فهو من حيث الحقايق سرّ الحجب الملكوتيّة و من حيث الاشارة فيها قوّة علميّة و من حيث اللطايف غيب لايدرك و هو حرف بارد رطب في الدرجة الرابعة من حيث الجملة و من حيث التفصيل فيها رطوبتان و هو اوّل صور العرش و اوّل حروفه و اوّل عوالمه و اوّل عوالم اختراعه و له من الايّام يوم الاحد و قد تقدّم ذكر الاحد و ماله من البروج و المنازل.

و امّا الفاء فهو من حيث الحقايق حرف ينطق بالفرديّة و من حيث النسبة حرف مجوّف و ينطق عن عالم الملك و الملكوت و هي حرف ناري حارّ في الدرجة الرابعة و للفاء من الايّام يوم الاثنين و قد تقدّم ماله من البروج و المنازل فلانعيده.

و امّا السين فهو حرف عظيم القدر من عالم الامر و هو اوّل حرف القي من الباء و هو اصل ايجاده و معطي حقيقته و هو اوّل سرّ قامت به السموات و الارض و هو من حروف الاسم الاعظم و له شكل في العرش و له ظاهر و باطن فظاهره صامت و به قامت السموات و بباطنه امسكت العلويّات من الكرسي و العرش و ماهو من نسبتها من ملائكة العلوي.

و امّا القاف فهو حرف احاطة و قهر و هو نورالانوار و هو حقيقة ما اظهره القلم و هو حرف بارد من حيث الجملة و هو حرف ممتزج في الدرجة الخامسة

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 191 *»

و هو حرف احاطي و نسبته في الاسماء التسعة و التسعين و هي داخلة تحت الاسم الاعظم بكماله لانّه تمام المأة.

و امّا الراء فهو حرف عالم الاختراع و فيه سرّ بعث الارواح و هي دايرة الهاء التوحيديّة في الدائرة النبويّة و هو بارد في الدرجة الخامسة و اوّل حرف كتبه القلم و اوّل حرف انتقش في العرش.

و امّا الشين فهو مبدأ الوجود الثاني و اصل الاختراع الثاني و مبدأ المثلّث الظاهر بالحروف المعجم و هو سرّ ظهوره في العالم الاسفل في العالم الاعلي و هو حرف ناري حارّ يابس في الدرجة الرابعة في الجملة و من حيث التفصيل في المرتبة الرابعة التي تحت الثالثة التي تحت الثانية التي تحت الدقيقة.

و امّا التاء فهو مجمع كلّ تفصيل من حيث الامر و من حيث الاشارة ثبوت الالهيّة و نفي الاغيار و هو حرف عظيم القدر و نطق باسمه توّاب و له من الايّام يوم السبت و قد مضي ما هو المخصوص بهذا اليوم من العوالم و الاحوال و الملوك.

و امّا الثاء فهو حرف ثبوت كالجبل العظيم و رتبته اقوي الرتب و له من الايّام يوم الخميس و مايختصّ به من البروج و المنازل و من الاسماء كلّ اسم ينطق بالثاء مثل ثابت و مغيث و غياث و باعث و من ادرك سرّ هذا الحرف نال الكشف علي سرّالحكمة الالهيّة.

و امّا الخاء و هو حرف خيرة و خيرة و هو حرف مائي من حيث الجملة و من حيث التفصيل حرف ترابي و له من الاسماء كلّ اسم ينطق به اوّله الخاء مثل الخبير و له من الايّام يوم الخميس و ما يختصّ به.

و امّاالذال فهو من حيث الحقائق حكيم و من حيث اللطايف فهيم و هو حرف قوي الطبع يعطي حامله قوّة قهريّة و هو حرف ناري حارّ يابس في الجملة و علي التفصيل في الدرجة الخامسة و له من الايّام يوم الثلثاء و مايناسبه من البروج و المنازل و الملوك.

و امّا الضاد فهو من حيث الحقائق مظهر انتقام و من حيث الاشارة ظهور

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 192 *»

كون و اكوان و هو حرف حارّ رطب من حيث الجملة و من حيث التفصيل هو حرف بارد يابس و له من الايّام يوم السبت و من البروج السنبلة و من الكواكب زحل الي اخر مابيّناه.

و امّا الظاء فهو حرف ضياء و ظهور و فيه ظهرت الكرامات العظيمة في التلفّظ و النطق من الاسماء العظام و هو من الحروف العلويّة و هو حرف هوائي حارّ رطب في الدرجة الرابعة في الاجمال و في الدرجة الخامسة في التفصيل.

و امّا الغين فهو غَناء مطلق و غياث لمن استغاث و هو حرف مائي في الدرجة الرابعة علي الاجمال و في الخامسة علي التفصيل و في السابعة علي تفصيل التفصيل و هو نوراني باطني سرّي في انواع اختصاصه بامر الهي و له من الايّام يوم السبت و جميع مايختص بذلك اليوم من البروج و المنازل و الملوك.

و هذا الذي ذكرنا قليل من كثير ما ذكر علماء الفنّ من معاني الحروف في نفسها فاذا اطلق كلّ حرف مفرداً مفرداً يراد به نفس معناها او معني نفسها و معني نفسها هوالذي اشرنا الي مجملها و امّا التفصيل فلايناسب المقام فليطلب في الكتب المفصّلة في هذا الشأن و هذا هوالمراد بقوله7 و الحروف لاتدلّ علي غير نفسها و نفسها هي الامور و الاحوال المذكورة التي ذكرناها فافهم.

و لمّا كانت هذه الدقايق اموراً خفيّة لايهتدي اليها الاّ الاقلّون الذين كشف اللّه عن نور ابصارهم و بصايرهم تحيّر المأمون في معني هذا الكلام و قال كيف لاتدلّ علي غير انفسها اي اي شي‏ء نفسها و اي شي‏ء دلالتها علي نفسها و ماكيفيّة هذه الدلالة و لمّا كان المأمون و من حضر لم‏يكونوا ممن يشرح لهم تلك الاحوال و يبيّن لهم تصاريف الحروف و معانيها الالهيّة التي جعلها اللّه تعالي لها من الاسرار الخفيّة و انحاء التأثيرات و التصريفات امّا لقلّة ادراكهم و تفطّنهم لدقايق الامور او لطلبهم كيفيّة ظهور تلك المعاني و التأثيرات و التصريفات و كان يترتّب علي اظهارها فساد كلّي اعرض7 عن بيانها و نظر الي ما قال اللّه عزّ و جلّ و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 193 *»

 جعل اللّه لكم قياماً فارزقوهم منها واكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفاً فاشار7 الي كيفيّة تأليف الحروف للمعاني و تحصيلها من الهيئة التركيبيّة و لاشكّ انّ اللفظ لايحصل قبل التأليف (الحروف خ ل) و لايحصل المعني المخصوص قبل تحقّق اللفظ فاختلاف المعاني باعتبار الهيئات و الصور المختلفة علي تلك الحروف التي هي بمنزلة المادّة و الهيولي لها و لاريب انّ تلك الحروف لاتدلّ علي تلك المعاني الحاصلة بالهيئة التأليفيّة فقبل التأليف لاتدلّ الاّ علي نفسها فاذا قلت ا ب ت ث لاتريد بها معني غير نفس هذه الاحرف و مااودع اللّه سبحانه في سرّها من الحقايق و اللطايف و الاشارات و امّا المعاني المحدثة فلاتدلّ الحروف عليها.

و لمّا ذكر7 سابقاً انّ الالفاظ و العبارات كلّها من اللّه سبحانه و بيّن انّ الواضع هو اللّه تعالي اراد7 في ضمن البيان تشييد تلك الدعوي و تأسيس ذلك البناء فقال7  لانّ اللّه تعالي لايجمع شيئاً منها لغير معني ابداً فبيّن7 انّ دلالة اللفظ علي المعني بوضعه له و الوضع انّما هو جمع الحروف و تأليفها و صوغها علي هيئة المعني المقصود للدلالة علي المعني المقصود لاغير و الجامع لتلك الحروف بتلك الهيئات هواللّه تعالي فيكون سبحانه هوالواضع لها علي جهة العموم و خالقها و مودعها في الخزائن الغيبيّة ثمّ انزلها الينا شيئاً فشيئاً بواسطة خلق علم ضروري فينا لئلاّ نحتاج لادراكها الي وسايط ليلزم الدور او تعسّر الوصول و تعذّر بالاشارات و الترديد بالقراين و لذا قال7 فاذا الف منها احرفاً اربعة او خمسة او ستّة او اكثر من ذلك او اقلّ لم‏يؤلفها لغير معني ابداً و لم‏يك الاّ امر محدث لم‏يكن قبل ذلك و نبّه7 بل صرّح بقوله هذا انّ الدلالة لاتكون الاّ بالوضع مطلقاً لانّها انّما حصلت بعد التأليف و هو امر حادث و ذلك لايخلو امّا ان‏يؤلّفه مؤلف عبثاً و هباء ثمّ يأتي الاخرون و يضعون تلك الجمل المؤلّفة للمعاني من دون ملاحظة المناسبة او تكون لكلّ جملة مجتمعة مناسبة لمعني من المعاني فتدلّ عليه بلاحاجة الي وضع و جعل و تخصيص ابداً.

و لمّا كان ماينسبون الي اهل القول بالمناسبة الذاتيّة بين الدالّ و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 194 *»

المدلول انكار القول بالواضع مطلقاً لايتمّ و لايتحقّق الاّ بهذا القول نفي7 ذلك و قال انّ الجامع المؤلف هو اللّه تبارك و تعالي فكيف يتصوّر ان‏يجمع اللّه سبحانه حروفاً لا لاجل معني ثمّ تدلّ عليه بالمناسبة او بالوضع بل اللّه سبحانه الّفها و جمعها رباعيّة او خماسيّة او سداسيّة او ثلثيّة او ثنائيّة لاجل معني لامحالة والاّ كان سبحانه عابثاً تعالي ربّي عن ذلك علوّاً كبيرا فلم‏يكن التأليف الاّ لمعني فلاتنفك الدلالة عن الوضع ابداً و امّا القول بالمناسبة فمن جهة تأليف تلك الحروف و جمعها علي هيئة و ترتيب مناسبة للمعني المراد لا عدم الوضع مطلقاً كما هو الحق الذي لا مناص عنه و قد شرحت تفصيل القول في ذلك في الرسالة الموضوعة لتحقيق المناسبة بين اللفظ و المعني و تحقيق الحق في الواضع.

و نبّه7 ايضا علي انّ المعني المدلول عليه من اللفظ متأخّر او مساوق لللفظ فيكون اللفظ قبل المعني مع انّ المشهور المعروف الذي ملأ الاصقاع و خرق الاسماع انّ المعني مقدّم علي اللفظ و انّ اللفظ فرع اتي به مقدّمة لافادة المعني و استفادتها فكيف يكون الفرع مقدّماً علي الاصل و الجواب انّ المعني قد يطلق و يراد به الامر الخارجي الموضوع له المقصود للافادة و الاستفادة و هذا لاشكّ انّه مقدّم علي اللفظ و انّه انّما يصاغ علي هيئة نسبته و لافادته و استفادته و هو الموضوع له فلو لم‏يكن موجوداً متحقّقاً ثابتاً لمايعقل ماذكرنا و مرّة يطلق المعني و يراد به المعني الحاصل المفهوم من اللفظ الواقع في النفس بواسطة قرع اللفظ بتوسّط تصادم اجزاء الهواء طبل الاذن فينتقش صورته في الحسّ المشترك علي حسبه من الصفاء و الكدورة و السعة و الضيق ثمّ من الحسّ المشترك ينتقش في الخيال ثمّ منه ينتقش في النفس فتدرك المراد و تفهم و لاشكّ انّ المعني المدرك امر انتزاعي من اللفظ و انّما هو شبح له و صفة استدلال عليه فان المعني علي ما هو التحقيق هو الدلالة الحاصلة من اللفظ الواقعة علي قلب المخاطب المحدودة بحدود القلب و الدلالة شعاع اللفظ و لذا كانت صفة له لا صفة المعني و انّما هي نفس المعني من الجهة العليا فالذي احتمل ان‏تكون

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 195 *»

الدلالة صفة للمعني فقد اخطأ و لايستريب عاقل انّ المعني المفهوم من اللفظ من حيث هو كذلك ليس هو العين الخارجي ضرورة وقوع الاختلاف في المعني المدرك المفهوم من اللفظ و وحدة الامر الخارجي و عدم تغيّره ولكن لما كان المعني المدرك صفة استدلال للعين الخارجي تبطل المغايرة في النظر والوجدان.

و مثال ذلك المرءاة و المقابل فانّك اذا اردت ان‏تظهر امراً لست مقابلاً له اخذت لاجل اظهاره مرءاة فانطبعت صورة المقابل فيها فعرفتها بالصورة و الشبح لا بالحقيقة و الذات والاّ لمااحتجت الي المرءاة فهناك ثلثة اشياء ظاهرة عين خارجي متأصّل هو المقصود بالذات و المتوجّه اليه بالحقيقة و شبح منفصل عنه في المرءاة مساوق للمرءاة و متأخر عنها في الوجود اذا جعلت المرءاة عبارة عن الزجاجة او متأخّر عنها في الظهور و التحقّق لا في الوجود و التكوّن اذا جعلتها عبارة عن نفس الصورة من حيث حكايتها و دلالتها علي المقابل الخارجي و شبح منفصل عن المرءاة في العين علي ما هو التحقيق في الابصار بانّه بالانطباع لابخروج الشعاع و هذا بحسب الظاهر و امّا في الحقيقة هناك اربع اشياء المقابل و الشبح المنفصل عن الشبح المتّصل به في وقت بروزه و مكان ظهوره و الشبح المنفصل عن الشبح المنفصل عن الشبح المتّصل في العين فالمعني الحقيقي الذي وضع اللفظ بازائه هو المقابل و اللفظ مرءاة تقابل ذلك المعني بذاته او بشبحه المنفصل و قلب المخاطب مرءاة تقابل اللفظ فما في القلب من المعني شبح و شعاع لما في اللفظ و ما في اللفظ شبح و شعاع للعين الخارجي و لاشكّ انّ هذه الاشباح و الاشعّة متأخّرة عن وضع اللفظ و هي امر محدث لم‏يكن قبل ذلك كما انّ صورتك امر محدث لم‏تكن قبل المرءاة علي المعني الاعم فاذن لامنافاة بين قوله7 و لم‏يك الاّ امر محدث لم‏يكن قبل ذلك و بين ماهو المحقّق المعلوم انّ المعني اصل اللفظ و اللفظ فرع اتي به للافادة و الاستفادة بل في كلامه7 اشارة الي تلك الحقايق التي تبتني عليها العلوم و الاسرار

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 196 *»

خصوصاً في التوحيد فانّ كلّ ذلك شرح كلام جدّه اميرالمؤمنين8 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قوله تعالي و ما منّا الاّ له مقام معلوم و انّا لنحن الصافّون فافهم الاشارة بصريح العبارة.

و نبّه ايضاً7 بل صرّح انّ المعاني المتحصّلة بعد التأليف و التركيب لم‏يكن قبل التأليف في الاجزاء الحرفيّة و علي هذا المعني يحمل قوله7 ماوصل اليكم من فضلنا الاّ الف غيرمعطوفة ه فانّ المعاني المختلفة المتجدّدة لاتحصل الاّ بتأليف الحروف و تركيبها و نظمها علي وجه يليق و التأليف لايكون الاّ بعد وجود الحروف و الحروف لاتوجد الاّ بانعطاف الالف اللينيّة و ميولاتها الي جهة الحدود و القيود فعدم الانعطاف دليل علي عدم الحروف الذي هو دليل علي عدم التأليف الذي هو دليل علي عدم افادة المعني اصلاً فحاصل مراده7 انّه ليس عندكم شي‏ء من فضايلنا بوجه من الوجوه و انّما عبّر بالالف الغيرالمعطوفة و لم‏يعبّر بالحروف الغيرالمؤلّفة لافادة المعني لانّ الحروف مبادي الحروف المتمايزة التي قوّتها القريبة التأليف و امّا الالف الغيرالمعطوفة فليس هناك شي‏ء لا اجمال و لا تفصيل فالمبالغة و التأكيد في عدم وصول شي‏ء من فضايلهم صلّي‏اللّه عليهم الي شيعتهم ابداً في الالف الغيرالمعطوفة آكد و اكثر كما لايخفي فظهر انّ في كلامه7 التنبيه الي ثلثة اشياء و كلّها مراده كما اشرنا اليه فافهم و تفطّن و المراد من باقي الفقرات في قوله7 جواباً لعمران رحمه اللّه‏ لمّا قال فكيف لنا بمعرفة ذلك قال امّاالمعرفة فوجه ذلك الخ يظهر ممّا ذكرنا لانّها توضيح و تكرير لما ادّعاه و تكرير لما ادّعاه سابقاً و اوضحه مشروحاً فلايحتاج الي شرح زايد عمّا ذكرنا.

و قوله7 و جمعت منها احرفاً و جعلتها اسماً و صفةً لمعني ماطلبت و وجه ماعنيت كانت دليلة علي معناه صريح في لزوم المناسبة الذاتيّة بين اللفظ و المعني لانّه7 بيّن انّ اللفظ صفة للمعني و الصفة اذا لم‏تكن مناسبة مشابهة لم‏تكن صفة و بينهما اقتران و اتّصال لم‏يظهر اثارهما الاّ بذلك الاقتران و ذلك يستلزم المناسبة بين الصفة و الموصوف و انّ الصفة من

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 197 *»

حيث الصفتيّة لاتخالف الموصوف و تكون علي هيئته و شكله فوجب ان‏يكون الالفاظ علي هيئة المعني و صفته و ذلك مانعني من المناسبة فانّ الاصل في الصفة المشابهة و المناسبة كما دريت و لاريب انّ الصفة المناسبة اولي و اكمل في النظام و احسن في مدارك الافهام واللّه سبحانه هو القادر علي ذلك و لايترك سبحانه الراجح الاكمل البتة كما دلّت عليه ادلّة التوحيد فاذا ثبت انّ الواضع هواللّه سبحانه ثبتت المناسبة لانّ اللّه عزّ و جلّ لايهملها البتّة و الامام7 نصّ علي الامرين اي بالمناسبة و بكون الواضع هواللّه عزّ و جلّ بمالايحتمل الانكار و المنع.

قال7 و اعلم انّه لاتكون صفة لغير موصوف و لا اسم لغير معني و لا حدّ لغير محدود و الصفات و الاسماء كلّها تدلّ علي الكمال و الوجود و لا تدلّ علي الاحاطة كما تدلّ علي الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس لانّ اللّه جلّ و عزّ عن ان تدرك معرفته بالصفات و الاسماء و لا تدرك بالتحديد بالطول و العرض و القلّة و الكثرة و اللون و الوزن و مااشبه ذلك و ليس يحلّ باللّه عز و جلّ و تقدّس شي‏ء من ذلك حتّي يعرفه خلقه بمعرفتهم انفسهم بالضرورة التي ذكرناها ولكن يدلّ علي اللّه عز و جلّ بصفاته و يدرك باسمائه و يستدلّ عليه بخلقه حتّي لايحتاج في ذلك الطالب المرتاد الي رؤية عين و لا استماع اذن و لا لمس كف و لا احاطة بقلب فلوكانت صفاته جلّ ثناؤه لاتدلّ عليه و اسماؤه لاتدعو اليه و المعلمة من الخلق لاتدركه لمعناه كانت العبارة من الخلق لاسمائه و صفاته دون معناه فلولا انّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحّد غيراللّه تعالي لانّ صفاته و اسماءه غيره افهمت قال نعم ياسيّدي زدني.

لمّا بيّن7 بانّ الحروف هي الاصل في الاشياء كلّها و عليها اجتمعت الامور و بها تفريق كلّ اسم حق و باطل و ذكر7 بسايط الحروف و انّها هي الاصل الذي تدور عليه اللغات التكوينيّة و التدوينيّة كلّها و انّ تلك العبارات و الكلمات الحاصلة من تأليف تلك الحروف صفات و اسماء تدلّ علي المعني المقصود الحقيقي بمافيها من المعني المحدث الذي لم‏يكن

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 198 *»

قبل ذلك و ذكرنا من كلامه7 انّ ذلك المحدث هو الدليل علي المعني الحقيقي المقصود الغير المقترن و انّ كلّ اسم و صفة تدلاّن علي ذلك المعني الاقتراني التحديدي من حيث الوضع و الجمع و التأليف اراد7 ان‏يزيل شبهة و يرفع واهمة و هي انّ الحروف لمّا كانت حادثة باصولها و فروعها كما نصّ عليه7 و الاسماء و الصفات مؤلّفة و حاصلة من تلك الحروف فكيف تكون اسماء و صفات للقديم تبارك و تعالي الذي ليس فيه اقتران و لا ارتباط و كيف يعرف اللّه القديم بالحادث مع انّ الشي‏ء لايعرف الاّ بماهو عليه و ما هو عليه الحادث ان‏يكون باطلاً فقيراً فانياً مركّباً محدوداً مختلفاً ذامعاني كثيرة و كلّ ذلك خلاف ما عليه القديم فكيف يعرف احدهما بالاخر.

فقال7 و اعلم انّه لايكون صفة لغير موصوف و لا اسم لغير معني و لا حدّ لغير محدود حاصل الجواب انّ الصفة لاشكّ انّها غيرالموصوف لكنّها مستلزمة للموصوف مقترنة به مغايرة معه و كذلك الاسم غيرالمسمّي لكنّه مقارن له و متّصل به و كذلك الحدّ و المحدود (الحدّ غيرالمحدود خ‏ل) و بين هذه‏الامور استلزام و تضايف لايكون كلّ واحد منها من حيث هو كذلك بدون الاخر كما قال اميرالمؤمنين7 لشهادة كلّ صفة علي انّها غيرالموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انّه غيرالصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فموصوف تلك الصفات و مدلول تلك العبارات و مسمي تلك المسمّيات حينئذ لايجوز ان‏تكون هي الذات القديم تبارك و تعالي لكونه منزّهاً عن الاقتران و الارتباط فيكون مسمّي الاسماء و موصوف الصفات حينئذ هي الافعال و الظهورات الفعليّة المتعلّقة بالمفعولات و المحدودة المقترنة بوجه من وجوهها بها فانّ الذات البحت من حيث هي لا اسم لها و لا رسم فلمّا ظهرت بالقدرة سمّي قادراً و لمّا ظهر بالعلم سمّي عالماً و لمّا ظهر بالخلق سمّي خالقاً و لمّا ظهر بالرزق سمّي رازقاً و هكذا ساير الاسماء كلّها لجهة من جهات الظهورات الفعليّة و هي المسمّاة لها و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 199 *»

الموصوفة بها من حيث الاقتران و الارتباط و هي الموضوعة لها الاسماء و الصفات لاغير ولكن لمّا كانت تلك الموصوفات و المسمّيات و المدلولات كلّها جهة من الجهات الفعليّة و الفعل بجهاته و شئوناته مضمحلّ باطل فانّ الفعل غيرمذكور عند الفاعل و الذات فاذا رأيت الصفة دلّتك علي وجود الذات من غيرالتفات الي فعل او الي حركة او الي ظهور او غيرذلك فلاتنظر اليها الاّ و تتوجّه الي صرف الذات البحت مثلاً اذا قلت ياقائم فان القائم اسم لجهة ظهور الشخص بالقيام بالهيئة المعروفة و تلك الجهة الظاهرة بالهيئة الخاصّة هي المعتبرة في مدلول القائم ولكنّك اذا خاطبت به احداً و قلت ياقائم لاتذكر تلك الجهة و لاتلتفت اليها و لاتخطر بخاطرك ذلك و انّما قصدك يتمحّض في ارادة الذات البحت غيرملتفت الي شي‏ء غيرها فموصوف تلك الصفات و مسمّي تلك الاسماء بهذا الاعتبار هو الذات لا غير اي المقصود من الاسم و المراد من العبارة لا ماتقع عليه العبارة و تتّصل به الاشارة و لذا قال الصادق7 من عبَد الاسم دون المسمّي فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبَد الاسم و المسمّي معاً فقد اشرك و من عبَد المسمي بايقاع الاسماء عليه فذلك هو التوحيد و في رواية و من عبَد المسمّي دون الاسم فذلك التوحيد ه. و لاشكّ انّ المعبود لايصحّ ان‏يكون لغيرالذات سبحانه و تعالي فالمسمّي في هذا الحديث هو الذات لكن علي الوجه الذي ذكرت لك بان‏تلتفت بالاسم الي الذات و لاتلتفت الي الجهة المغايرة و لا الي الظهورات الفعليّة فبهذا الاعتبار جاز لك ان‏تجعل تلك الاسماء و الصفات دالاّت علي الذات.

و الدليل علي انّ الموضوع له للاسماء هي الجهات الفعليّة لا الذات انّ كلّ اسم لايدلّ الاّ علي الجهة الخاصّة فيه و لايدلّ علي غيره مثل الاسم القائم لايدلّ علي القاعد و الاكل والشارب و غيرذلك فلو كان اسماً للذات فاذا دلّ علي الذات دلّ علي جميع الصفات لانّها كلّها قائمة بها فالدليل علي الاصل دليل علي الفرع بالطريق الاولي و ثانياً انّ الاسم لوكان للذات لما جاز ان‏توصف بضدّه الاّ بعد انقلاب الذات الي حقيقة اخري و ثالثاً انّه لو كان اسماً للذات لزم تغيير الذات باثره

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 200 *»

فانّها قبل القيام مثلاً لم‏يكن قائماً و لم‏يثبت لها هذا الاسم الاّ بعد القيام فلوكان الاسم للذات لحدث فيها مالم‏يكن عندها قبل و هذا هو التغيير ثمّ انّ هذا التغيير انّما كان باثره و من المستحيل ان‏يكون الشي‏ء متغيّراً باثره و منفعلاً عنه و قد ذكرت تفصيل القول في هذا المقام في اجوبة بعض المسائل و قد اشبعنا الكلام هناك بمالامزيد عليه و مرادنا هنا الاشارة الي نوع البيان لاغير و امّا انّه اذا اطلق لايراد به الاّ الذات فممّا لاشكّ فيه و قد اجمع المسلمون بل جميع المليّين علي انّ الصفات و الاسماء للّه يدعي بها و قال اللّه تبارك و تعالي و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمائه فاذا كانت الاسماء للّه تعالي فيكون هو المسمّي لها و المراد منها و امّاالمسمّي بمعني المقترن فهو منزّه عنه فالصفة اذا اطلقت يراد بها معنيان احدهما ملاحظة اقترانها بالموصوف و ارتباطها و اتّصالها به و بهذا المعني لاتدلّ علي الكمال و الوجود و انّما تدلّ علي الحدود و الهيئات من التربيع و التثليث و التسديس فانّ الحدود لاتخلو عن الكمّيات و الكيفيّات فاذا قلت القائم و نظرت الي جهة الاقتران بالهيئة الخاصّة يدلّك علي هيئة القيام من شكل المثلّث و اذا قلت قاعداً و اردت الهيئة الاقترانيّة بالجهة الخاصّة دلّك علي هيئة القعود من شكل المربّع الا تري انّك اذا نظرت الي الكاتب من حيث تعلّق فعله بالكتابة مادلّك الاّ علي الهيئات المعوجّة و المستقيمة و الحدود كلّها التي فيها التثليث و التربيع و التسديس و غيرها من الحدود و ليس في الذات شي‏ء من هذه الحدود و لايجوز توصيف اللّه سبحانه و تعالي بتلك الصفات و ليست هي صفات له و انّما هي صفات لخلقه و ثانيهما ملاحظة الذات ماحية لجميع القرانات و الروابط فالمدلولات و الاضافات كلّها تحترق عند سطوع شعاع نور الذات فاذا اطلقت الصفة لاتريد بها الاّ الذات البحت فهي بهذا الاعتبار تدلّ علي الكمال و الوجود و لاتدلّ علي الاحاطة.

امّا دلالته علي الكمال فلأنّ الكمال كلّه في الاستقلال و الوحدة كما انّ النقص كلّه في الفقر و الكثرة فاذا توجّهت

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 201 *»

بالاسم الي حقيقة ثابتة ماحية بظهورها جميع الاغيار منفيّة عندها جميع الكثرات فقد وصفتها بكلّ الكمالات و الصفات و الاسماء و ان كانت من حيث التعلّقات مختلفة لكنّ الناظر الي الذات لاينظر الي التعلّقات و لايلتفت الاّ الي الحق الثابت البات فالناظر دائماً ينظر الي وحدة مستقلّة ثابتة و هو الكمال المطلق و امّا عدم دلالته علي الاحاطة فلأنّ الشي‏ء اذا عرف بالصفة يعرف بوجه من وجوه فعله لا بعين ذاته مثلاً اذا عرفت القائم عرفت ذاتاً مستقلّة ثابتة ظاهرة بالقيام و لم‏تعرف انّ تلك الذات ذكر او انثي صغير او كبير ابيض او احمر او اصفر او اخضر جنّي او انسي مختار او مجبور عالم او جاهل له صفة غيرها ام لا عالي ام داني مجرّد ام مادّي بسيط ام مركّب لطيف ام غليظ طويل ام قصير سخي ام بخيل عادل ام فاسق مستوي الخلقة ام لا و غيرها من الاحوال و الصفات الذاتيّة و الفعليّة فلو دلّتك الصفة علي كنه الذات دلّتك علي هذه الامور و غيرها فانّها اعراض و الدالّ علي الذات دالّ علي الشئون و الاحوال فلاتدلّ الصفة علي الاحاطة ابداً و هو قول اميرالمؤمنين7 صفة استدلال عليه لا صفة تكشّف له و لذا قال7 فلاتدلّ علي الاحاطة الكشفيّة كما تدلّ علي الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس يعني انّ الصفات من جهة الاقتران و الارتباط تدلّ علي الحدود التي هي الشئون الخلقيّة و بهذا النظر و الاعتبار لايجوز توصيف اللّه تعالي بها لانّ اللّه عزّ و جلّ لايدرك بالتحديد و التشبيه و يحتمل ان‏يكون المراد من قوله7 و الاسماء و الصفات كلّها تدلّ علي الكمال و الوجود و لاتدلّ علي الاحاطة كما تدلّ علي الحدود الفرق بين معرفة الشي‏ء باسمائه و صفاته و بين معرفته بحدوده فانّ المعرفة الاولي تدلّ علي الكمال و الوجود لانّ اسم الشي‏ء جهة من جهات فعله فيدلّ علي ذلك الكمال الفعلي و وجود الفاعل والاّ لماصدر عنه الفعل و لايدلّ علي الاحاطة لانّ الصفات ليست اعراضاً حالّة بالموصوفات قائمة بها قيام عروض بل الصفات الكماليّة كلّها اعراض قائمة بفعل الموصوف قيام صدور و قائمة بالمفعول قيام ظهور بل قيام تحقّق. مثاله الصورة الظاهرة في المرءاة صفة حاكية

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 202 *»

للمقابل دالّة عليه و ليست محيطة به مكتنفة عليه فانّ له الف الف الف صورة و مثال غيرها و امّا الحدود فلمّا كانت هي التي عزلت تلك الحصّة من المادّة عن غيرها من الحصص فكانت محيطة بها مكتنفة عليها من جميع جهاتها فانّ هيئة التربيع التي حددت المربع جزء مقوّم محدّد لذات ذلك الشي‏ء من حيث هو كذلك و من هذه الجهة تري المنطقيّين يسمّون الذي يبيّن الشي‏ء بجميع ذاتيّاته حدّاً تامّاً و الذي يبيّن الشي‏ء و يعرّفه بعوارضه و بعض جهاته رسماً و الرسم هو الاسم و الاسم هو الصفة فمن هذه الجهة قال7 لانّ اللّه جلّ و عزّ عن ان‏تدرك معرفته بالاسماء و الصفات و لاتدرك بالتحديد بالطول و العرض و القلّة و الكثرة و اللون و الوزن و ما اشبه ذلك فانّ هذه الحدود نهايات الشي‏ء و هو محاط متناه بها و هو سبحانه ليس يحلّ به شي‏ء من ذلك حتّي يعرفه خلقه بمعرفتهم انفسهم بالضرورة التي ذكرناها فنفي7 ان‏يعرف الخلق بانفسهم ربّهم لانّهم حوادث مجبولة علي الفقر و الضعف و الاختلاف و الكثرة و النقص فكيف يعرف بها ماهو منزّه عنها.

و اعلم انّ الروايات في هذا الباب مختلفة ففي بعضها مايدلّ علي انّ اللّه تعالي لايعرف بخلقه و الخلق حجاب عن معرفته فمن عرف اللّه بالخلق فقد كفر فممّا يدلّ علي ذلك ما روي الكليني رحمه الله عن الصادق7 انّ اللّه اجلّ من ان‏يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به و من ذلك ما روي عن اميرالمؤمنين7  لو عرفت اللّه بمحمّد لكفرت ولو عرفت محمّداً باللّه لحدّدت ذكرت معني الحديث علي مااخبرني به بعض الثقات و من ذلك هذا الحديث الشريف في قوله7 حتّي يعرفه خلقه بمعرفتهم انفسهم و من ذلك مايدلّ علي انّ اللّه يعرف به و لايعرف بغيره كما في قوله7 اعرفوا اللّه باللّه و في الدعاء يا من دلّ علي ذاته بذاته و فيه ايضاً عن سيّدالساجدين بك عرفتك و انت دللتني عليك و لولا انت لم‏ادر ما انت و امثالها من الروايات الدالّة علي انّ اللّه تعالي لايعرف بغيره و انّما يعرف به مع ما دلّ من الدليل القطعي القائم علي انّ الشي‏ء لايعرف الاّ بما هو

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 203 *»

عليه فلايعرف الطويل بالقصر و لا الابيض بالاحمر و هكذا فيما عدا ذلك.

و في بعض الروايات الاخر مايدلّ علي انّ اللّه تعالي لايعرف الاّ بخلقه و لايعرف بذاته فمن ذلك الحديث القدسي المشهور كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و من ذلك الحديث النبوي اعرفكم بنفسه اعرفكم بربّه و من ذلك الحديث العلوي من عرف نفسه فقد عرف ربّه و منه عنه7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و من ذلك قولهم سلام‏اللّه عليهم بنا عرف اللّه و بنا عُبد اللّه و لولانا ماعرف اللّه و لا عُبد اللّه و من ذلك هذاالحديث الشريف في الفقرة المتقدمة لما سأله عمران باي شي‏ء نعرفه قال الرضا7 بخلقه بمشيّته و اسمه و صفته و من ذلك ماروي عن موليناالحسين7 في الدعاء الهي امرت بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها الدعاء و امثالها من الروايات لاتعدّ و لاتحصي و الاجماع من كلّ صاحب دين و مذهب واقع علي انّ ذات اللّه سبحانه لايعرف بذاته و لايعرف الاّ من جهة خلقه و يعرف بخلقه و ذلك فكيف التوفيق.

الجواب لاشكّ و لاريب انّ الادوات انّما تحدّ انفسها و الالات انّما تشير الي نظايرها و كلّ شي‏ء لم‏يخرج عن رتبته (حدّه خ‏ل) و لم‏يتعدّ مقامه و لم‏يتجاوز عن مقام ذاته و حقيقته اذ لا ذكر له و لا وجود وراءها فكلّ ما يعرفه و يدركه فهو عنده و هذا معلوم واضح و الاثر لمّا كان فيه فعل و انفعال و قابل و مقبول كانت فيه جهتان جهة تحكي المؤثّر و تصفه بخلاف الجهة الاخري فانّها تخالف المؤثّر و تعاكسه و تحجبه و الكلام الظاهري هو ان‏نقول انّ الاثر لمّا كان كذلك و اراد اللّه سبحانه ان‏يعرفه نفسه لانّه تعالي خلقه لاجلها و المعرفة الذاتيّة مستحيلة فوجبت التوصيفيّة فقد وصف اللّه سبحانه نفسه لخلقه ليعرفوه بها و لمّا كان الوصف علي قسمين وصف حالي و وصف مقالي و لاشكّ انّ الاوّل اجلي (اعلي خ‏ل) و ادلّ علي المراد و اكمل في افادة المقصود و امراللّه سبحانه يجب ان‏يكون احسن مايكون و وصف اللّه لابدّ ان‏يكون اجلي مايعقل و يتصوّر فوجب عليه

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 204 *»

سبحانه في الحكمة ان‏يصف نفسه بالوصف الحالي و لمّا كان الوصف كلّما كان اقرب الي من وصف له كان اوضح و ادلّ و اكمل و لا شي‏ء اقرب الي الشي‏ء من نفسه اليه فجعل سبحانه ذلك الوصف في انفسهم و اودعه فيهم و ذلك هو المثال الملقي في هويّاتهم كما عن اميرالمؤمنين7 في وصف الملأ الاعلي فالقي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله و هو قوله عزّ و جلّ سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق.

و ذلك الوصف هو وصف معرفته و هيكل توحيده كما انّ الاسماء اللفظيّة و الصفات النقشيّة الرقميّة اجسام محدودة مركّبة مؤلّفة حادثة قد اوجدها اللّه سبحانه و الّفها علي هيئة تدلّ علي اللّه سبحانه بكماله من غير التفات الي جهة حدوث تلك الالفاظ و تأليفها و تركيبها و زيادتها و نقصانها كذلك خلق حقايق الاشياء و ذوات الموجودات و الّفها علي هيئة و تركيب تدلّ علي توحيده و صفاته و نعوته الجلاليّة و الجماليّة و تلك الصفة المخلوقة هي ذات‏اللّه الظاهرة للخلق يعني انّها ذات خلقها سبحانه و نسبها الي نفسه تشرّفاً و تكرّماً و جعلها دليلاً عليه و سبيلاً الي توحيده و معرفته فمن عرفها فقد عرف اللّه و من جهلها فقد جهل اللّه فلولا ما منّ اللّه علي خلقه بايجاد تلك الصفة فيهم ماعرف اللّه احد و هو قوله7 يامن دلّ علي ذاته بذاته اي دلّ علي ذاته القديمة بذاته المخلوقة الحادثة التي هي صفة الكينونة و نورها و ظلّها و وجهها و دليلها علي احد الوجوه و قوله7 بك عرفتك و انت دللتني عليك و لولا انت لم‏ادر ما انت و لاشكّ انّه لولا تلك الصفة التي جعلها اللّه سبحانه في الخلق لم‏يعرف اللّه احد من الخلق فهو سبحانه هو الذي عرّف نفسه و دلّ الخلق عليها و لولا جعله سبحانه تلك الصفة لم‏يعرف الصانع من المصنوع و الخالق من المخلوق و قوله7 اعرفوا اللّه باللّه اي بما جعله اللّه سبحانه لكم من وصفه فاعرفوه بوصفه و لاتعرفوه بوصف المخلوقين فانّ اللّه سبحانه لمّا كان بخلاف المخلوقين بالضرورة كان وصفه ايضاً بخلاف وصفهم فوجب ان‏يعرف اللّه سبحانه بوصفه لا بوصف خلقه و قوله7 انّ اللّه اجلّ ان‏يعرف بخلقه

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 205 *»

 اي بصفات الحدوث و الفقر و التركيب و الضعف و امثالها من الحدود الناقصة و انّما يعرف بصفته و تدعي باسمه اختاره لكم لان‏تعرفوه بها و تدعوه بها و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و امّا كون الخلق يعرفون به فمن جهة انّ اللّه سبحانه هوالذي جعلهم و جعل مداركهم و قواهم و مشاعرهم و جعل صفاتهم و مابه يمتازون بعضهم عن بعض فهو سبحانه عرّفهم نفسه و عرّفهم انفسهم و الوصفان كلّ واحد منهما يجب ان‏يكون مغايراً للاخر والاّ لكان كلّ منهما يوصف بصفات الاخر و ذلك كفر محض و زندقة محضة صرفة.

و لمّا كان وصف الحق سبحانه منزّهاً عن وصف الخلق و هيئاتهم و احوالهم و ذواتهم و صفاتهم و ماعليه كينوناتهم وجب ان‏تقطع نظرك حين النظر و الالتفات الي وصف الربّ عن كلّ احوال الخلق ذواتهم و صفاتهم و جواهرهم و اعراضهم الي غير ذلك فاذا غمضت هذه العين تنفتح لك عين الحق فتري بها صفته و رسمه و لذا قال اميرالمؤمنين7 لمّا سأله كميل عن الحقيقة اي حقيقة التوحيد الظاهرة للخلق من صفة ربوبيّة الرب عزّ و جلّ علي ما اودعها اللّه سبحانه فينا قال7 في الجواب كشف سبحات الجلال من غير اشارة يعني بالسبحات الحجب المانعة و هي نفوس الخلايق و ذلك من غير اشارة لانّ الاشارة من حدود الخلق و احوالهم التي يجب كشفها و هو قول مولينا الحسين7 الهي امرت بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار الي ان قال حتّي ارجع اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها انّك علي كلّ شي‏ء قدير ه. فشرح هذا الكلام الشريف جميع الاحوال و جميع الاقوال فان الخلق ينظر في مقامه الي اللّه سبحانه في توحيده و معرفته بتلك الصفة و هي لاتظهر الاّ بعد صون السرّ عن النظر اليها من حيث الخلقيّة و اجراء احكامها عليها كما في الاسماء اللفظيّة فانّك اذا نطقت بقولك يا اللّه فلاشكّ انّك لاتلتفت الي كون هذه الكلمة مخلوقة مركّبة مؤلّفة حادثة بل انّما تنظر الي محض القديم تبارك و تعالي بتلك الكلمة مصوناً سرّك عن النظر اليها و الي (عن خ ل) حدودها و اوضاعها

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 206 *»

و مرفوعاً همّتك عن الاعتماد عليها و تلك الصفة هي الربوبيّة التي هي كنه العبوديّة و هي الروح المنفوخة في ادم في قوله تعالي  و نفخت فيه من روحي  و في الحديث القدسي يا ادم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي.

فحاصل الكلام انّ الروايات الدالّة علي انّ اللّه سبحانه لايعرف بخلقه فالمراد بها حدود خلقه و احوالهم من الجنسيّة و الفصليّة و الجوهريّة و العرضيّة و الاشتراك و الافتراق و الجمع و الاعتزال و الحركة و السكون و ما اشبه ذلك بل انّما يعرف اللّه سبحانه بصفة نفسه التي خلقها للخلق لان‏يعرفوه بها و هي بخلاف صفة المخلوقين فليس فيها اقتران و انتساب و حركة و سكون و بساطة و تركيب و ضدّ و نقيض و جمع و فرق و ربط و بينونة وغيرها من صفات النقص فاذن لايعرف اللّه سبحانه بصفات الخلق والاّ لكان سبحانه و تعالي محدوداً مختلفاً اذ الشي‏ء يعرف بصفته و الروايات التي دلّت علي انّه سبحانه و تعالي يعرف بخلقه اي بصفات مخلوقة حادثة خلقها للخلق ليعرفوه بها لانّ الادوات لاتحدّ الاّ انفسها و الالات لاتشير الاّ الي نظايرها فلاتناقض في الاخبار و لا في كلمات العلماء الابرار و لذا تري الامام7 نزّه اللّه سبحانه عن حدود خلقه و ان‏يعرفوه الخلق بانفسهم كما اشار اليه7 بقوله و ليس يحلّ باللّه شي‏ء من ذلك حتي يعرفه خلقه بمعرفتهم انفسهم اي من حيث انفسهم و جهة انّيتهم.

و امّا حديث  من عرف نفسه فقد عرف ربّه فهي النفس التي جعلها اللّه في الخلق ليعرفوه بها كما ذكرنا ثمّ اشار7 الي الجهة العليا التي هي صفة تجلّيه سبحانه التي جعلها في الخلق ليعرفوه بها بقوله ولكن يدلّ علي اللّه عزّ و جلّ بصفاته و يدرك باسمائه و يستدلّ عليه بخلقه اي الصفات و الاسماء التي خلقها اللّه سبحانه و كتبها في الواح الافاق و انفس الخلايق و لولا انّ الخلق فيهم فقر و فاقة و اضطرار يضطرّون الي غيرهم غني مطلق يسدّ فاقتهم ماعرفوا انّ لهم خالقاً و لولا تلك الصفات التي جعلها سبحانه فيهم لماعرفوا توحيده و عظمته و قدرته و قيّوميّته فجعل سبحانه تينك الخصلتين ليعرف حق المعرفة الامكانيّة

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 207 *»

و لايحتاج في ذلك اي في معرفته و ادراكه الطالب المرتاد الي رؤية عين للحقيقة الالوهيّة كما ذهبت اليه الاشاعرة فانّ الرؤية من صفات الاجسام و لا استماع اذن و لا لمس كفّ و لا احاطة بقلب لانّ هذه الخصال و الاحوال من احوال الاجسام و الجسمانيّات و الاخير من صفات العالي المؤثّر لاالسافل الاثر.

ثمّ اشار7 الي انّ الاسماء و ان كانت في مرتبة الحدوث و الخلق لكنّها تدلّ علي القديم بالالتزام لا علي اللزوم المعروف بين الناس و ان كان مايصف بتلك الصفات لايقع الاّ في الحدوث لكنّ المراد بها القديم بل لايراد غيره و لايري نور غير نوره و لايسمع صوت غير صوته كالناظر في المرءاة فانّه يستدلّ بها علي المقابل يقيناً و ان كانت معرفته لاتقع الاّ علي ما في المرءاة من صفة كينونة المقابل علي ماالمرءاة عليه لا علي ما المقابل في الواقع عليه كما ذكرنا سابقاً فقال7 و روحي فداه فلوكانت صفاته جلّ جلاله لاتدلّ عليه لحدوثها و امكانها و اسماؤه لاتدعو اليه و المعلمة اي الوجدان من الخلق لاتدركه تعالي بمعناه بل كان ادراك الصفة و الاسم ادراكين لهما فقط و لم‏يكن ادراكاً للموصوف و المسمّي بوجه اصلاً كانت العبارة من الخلق لاسمائه و صفاته دون معناه و لو كان ذلك كذلك لكان المعبود الموحّد غيراللّه سبحانه لان اسماءه و صفاته غيره و لذا قال مولينا الصادق7 من عبد الاسم دون المعني فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المعني معاً فقد اشرك و من عبد المعني بايقاع الاسماء عليه فذاك هو التوحيد ه  فالتوجّه الي اللّه سبحانه باسمائه و صفاته و هي تدلّ علي الكمال و الوجود و لاتدلّ علي الاحاطة و الشهود فبالاسم يعرف رسم المسمّي و بذلك يتوجّه اليه و يعبد و يعرف و يلتمس منه الحوائج و المطالب من غير ان‏يكون هو سبحانه و تعالي في الخلق و لا الخلق فيه و لا بحلول و لا باتّحاد و لا برؤية قلب و عين و استماع اذن و لمس كفّ و غير ذلك من الاحوال التي ذهب اليها من لم‏ينوّر اللّه قلبه و يكشف عن سرّه و لبّه.

فعند ذلك تمّ جواب سؤال عمران رحمه‏اللّه حيث قال هل يوجد اللّه بحقيقة او يوجد بوصف و قد

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 208 *»

علم بذلك انّه تعالي يوجد بحقيقته بسبب ادراكه باسمائه و صفته فماعرف رسم يدلّ علي وجود الحقيقة و كمالها لا علي الاحاطة بها او يوجد و يوجد بوصف لا بحقيقة فانّها لاتنال الاّ بظهور الصفة الاّ انّ المطلوب و المقصود هي الحقيقة في الرسم لا الاسم و الصفة من حيث هما فافهم.

فلمّا عرف الجواب و ظهر له الصدق و الصواب استزاد البيان للارتساخ في النفس و زيادة البصيرة فقال ياسيّدي زدني.

فقال الرضا7 ايّاك و قول الجهّال اهل العمي و الضلال الذين يزعمون انّ اللّه جلّ و تقدّس موجود في الاخرة للحساب و في الثواب و العقاب و ليس بموجود في الدنيا للطاعة و الرجاء و لو كان في الوجود للّه سبحانه نقص و اهتضام لم‏يوجد في الاخرة ابداً ولكنّ القوم تاهوا و عموا و صمّوا عن الحق من حيث لايعلمون و ذلك قوله عزّ و جلّ و من كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي و اضلّ سبيلاً يعني اعمي عن الحقائق الموجودة و قد علم ذوواالالباب انّ الاستدلال علي ماهناك لايكون الاّ بماهيهنا و من اخذ علم ذلك برأيه و طلب وجوده و ادراكه عن نفسه دون غيرها لم‏يزدد من ذلك الاّ بُعداً لانّ اللّه عزّ و جلّ جعل علم ذلك خاصّة عند قوم يعقلون و يعلمون و يفهمون.

اخذ7 لزيادة بصيرة عمران و تأكيد مانبّه7 انّ اللّه عزّ و جلّ يوجد بصفته و يدرك باياته و يوحّد بعلاماته و يظهر لكلّ من طلبه في كلّ وقت و اوان و مكان و طور و حالٍ من احوال الانسان و انّ الراحل اليه قريب المسافة و انّه لايحتجب عن خلقه و انّما تحجبهم الامال و الاعمال دونه فقال7 و ايّاك و قول الجهّال اهل العمي و الضلال الذين جهلوا عظمة اللّه و قدرته الظاهرة في اوليائه التي تكشف عن حقيقة معرفته لخلقه و عمي ابصار قلوبهم باغشية الانّيّة و حجبها فضلّوا عن الطريق و زعموا انّ اللّه عزّ و جلّ و تقدّس موجود في الاخرة للحساب و ليس بموجود في الدنيا الم‏يعلموا ـ اعماهم‏اللّه انّ وجود الشي‏ء عند الشي‏ء بحقيقته دلّ علي اتّحادهما في الرتبة و علي كون الواجد اعلي رتبة من الموجود فكيف يتصوّر هذا المعني بالنسبة الي الواجب

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 209 *»

القديم الذي فنيت الاشياء عند ظهوره و اضمحلّت عند سطوع نوره و قد ظهر و تجلّي لموسي بن عمران7 بمقدار سمّ الابرة من نور شعاع من اشعّة عظمته المخلوقة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و مات بنواسرائيل فكيف كان الامر لو ظهر لهم بنور عظمته المخلوقة فضلاً عن نور ذاته و الاثر لا ذكر له عند المؤثّر فكيف يوجد المؤثّر بذاته عند الاثر فاذن يكون المؤثّر اثراً و الاثر مؤثّراً فلايفرق اذن بين الخالق و المخلوق و المنشئ و المنشأ فعلي هذا فلايمكن فرض وجوده اي ظهوره للاثر بذاته حتي يدركه بحدود انّيته و قواه و مشاعره من رؤية عين و لمس كفّ و احاطة قلب تعالي ربّي عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

و امّا وجوده تعالي بحقيقته الظاهرة باسمائه و صفاته فهو في كلّ اوان و مكان لايختصّ بالدنيا و الاخرة ولو كان في وجوده سبحانه و تعالي نقص و اهتضام لم‏يوجد في الاخرة ابداً لانّ النقص لم‏يزل و ان لم‏يكن هناك نقص في ظهوره و وجوده فلامعني لوجوده في الاخرة لا الدنيا و كذلك لوثبت انّ وجود الذات عند الاثار نقص و اهتضام للذات لاستلزام ذلك اتّحاد الصقع و الاقتران لم‏يزل ذلك النقص ثابتاً في جميع الاحوال و كلّ الاوقات فلايمكن وجوده في الاخرة ايضاً ولكنّا لمّا اثبتنا النقص في الظهور بذاته و الوجود بكنهه عند الاثر فبطل وجوده و رؤيته في الاخرة ايضاً كما كان في الدنيا و امّا وجوده سبحانه باسمائه و صفاته و تجلّيات ظهوراته فذلك لم‏يفقده شي‏ء في حال من الاحوال و وقت من الاوقات في الدنيا و الاخرة بل لايري نور سوي نوره و لايشاهد ظهور غير ظهوره و في الدعاء لايري نور الاّ نورك و لايسمع صوت الاّ صوتك كما قال مولينا الحسين7 في دعاء عرفة ايكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتّي يكون هو المظهر لك متي غبت حتّي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتّي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبّك نصيباً و قال7 تعرّفت الي في كلّ شي‏ء فرأيتك ظاهراً في كلّ شي‏ء فانت الظاهر لكلّ شي‏ء بكلّ شي‏ء ه نعم هو سبحانه هو اظهر من كلّ

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 210 *»

ظاهر و ابطن من كلّ باطن لانّه اظهر من كلّ ظاهر و انّما خفي لشدّة ظهوره و استتر لعظم نوره فاذا كان كذلك فكيف يمكن ظهوره في الاخرة لا الدنيا و اذا كان الوجدان الذاتي فكيف يكون في الاخرة و الدنيا ولكنّ القوم كما قال7 تاهوا و عموا و صمّوا عن الحق من حيث لايعلمون طريق الانتقال و العبرة من الخلق الي الخالق و من الابداع الي المبدع لكي‏يتّضح لهم الامر في الدنيا كما يتّضح لهم في الاخرة و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ و من كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي و اضلّ سبيلاً يعني اعمي عن الحقائق الموجودة فلايبصرها و لايعقلها.

ثمّ اراد7 ان‏يبيّن اصلاً من الاصول الحقيقيّة التي يلقون الي شيعتهم من قولهم:  علينا ان‏نلقي اليكم الاصول و عليكم ان‏تفرّعوا او عليكم التفريع و باباً من الابواب التي ينفتح منها الف باب من الحق و الصواب فقال7 و روحي فداؤه  قد علم ذوواالالباب انّ الاستدلال علي ماهناك لايكون الاّ بماهيهنا و ذلك هو قول مولينا الصادق7 العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فما فقد في العبوديّة وجد في الربوبيّة و ما خفي في الربوبيّة اصيب في العبوديّة و ذلك قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق الحديث و الاشارة الي مجمل مراده7 انّ العالم الاسفل دليل علي العالم الاعلي و ذلك انّ اللّه تعالي لمّا انزل الخلق من الخزاين الي الخزاين اوقفهم في المقامات العديدة و العوالم الكثيرة لقوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم فلمّا اوقفهم في المقام الاسفل و هم مكلّفون باقرار العالم الاعلي و اعتقاد وجوده و احواله مادام هم في العالم الاسفل فلمّا نزلوا احتجبوا عن الاعلي فلايلتفتون اليه الاّ ببيان جديد من نوع مقامهم و رتبتهم والاّ لم‏ينتفعوا كما قال عزّ و جلّ ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و لمّا كان البيان من اللّه عزّ و جلّ دون غيره كما قال تعالي  و علي اللّه قصد السبيل و قال تعالي لاتحرّك به لسانك لتعجل به انّ علينا جمعه و قرءانه فاذا قرأناه فاتّبع قرءانه ثمّ انّ علينا بيانه و لمّا كان بيانه تعالي لبلاغ حجّته و اكمال نعمته يجب ان

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 211 *»

‏يكون اجلي البيانات و اظهرها و اعليها حتّي لايدانيه بيان و لاتعتريه زيادة و لانقصان و كان ذلك هو البيان الحالي دون المقالي فوجب عليه تعالي في الحكمة ان‏يجعل العالم الاسفل علي هيكل العالم الاعلي و هيئته و مثاله ليدلّ عليه كمال الدلالة علي حسب مقامه و مرتبته في السفليّة لينظر الناظر اليه و يتوجّه الي العالم الاعلي و لايتوقّف بالنظر اليه قاصراً نظره اليه ليكون واقفاً عن السير و منقطعاً عن الترقي و يكون دائم النظر الي الاعلي ليصل الي المقام المعدّ لسالكين السايرين انّ اللّه اعدّ لعباده المتّقين ما لاعين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و لذا تريه سبحانه جعل مراتب خلقه و مقامات محدثاته مع كثرتها و اختلافاتها و تباين احوالها و اوضاعها و حركاتها و سكناتها متطابقة متناسبة ينبئ احدهما عن الاخر ذلك تقدير العزيز العليم سبحان الذي اتقن كلّ شي‏ء.

ثمّ لمّا علم سبحانه جمود الخلق و ركودهم و انّهم لايلتفتون الي ما هو الاصلح و لايتوعّون لدقائق الحكم قارن البيان الحالي بالبيان المقالي اتماماً للحجّة و اكمالاً للنعمة ثمّ ارشدهم و نبّههم بتطابق العوالم و توافق المراتب ليسهل لهم طريق الطلب و لايعسر عليهم نيل المطلب فقال في كتابه العزيز ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور اي انقطاع و تخالف و تباين ثمّ ارجع البصر كرّتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير و قال عزّ و جلّ ماخلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون. و كأيّن من اية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون. قل انظروا ماذا في السموات و الارض و ما تغني الايات و النذر عن قوم لايعلمون و امثالها من الايات كثيرة و كذلك الروايات كقوله7 لمّا سئل عن الدليل علي وحدة الصانع قال7 اتّصال التدبير و تمام الصنع و غيرها و لو اردنا ذكر الروايات لطال بنا الكلام و خرجنا عن المقام فاذا كان كذلك فيكون الدنيا التي هي العالم الاسفل دليلاً علي الاخرة التي هي العالم الاعلي بالنسبة اليها و اللّه سبحانه و تعالي يقول كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اتوا به

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 212 *»

 متشابهاً فلو كان اللّه تعالي يوجد في القيمة و في الاخرة لوجب انّ‏يوجد ايضاً في الدنيا لحكم التطابق و التوافق الاّ انّ نحو الوجود يختلف في‏الشدة و الضعف كنعيم الاخرة و اليمها كلّها موجوده في الدنيا بنحو اضعف مع انّ الامر ليس كذلك و اللّه سبحانه منزّه عن الرؤية و المشاهدة كيف و هو سبحانه و تعالي نصّ علي ذلك بقوله لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و امّا قوله تعالي وجوه يومئذ ناضرة الي ربّها ناظرة فالمراد بها النظر الي الذين نظرهم نظر اللّه و النظر اليهم هو النظر الي اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه قال تعالي الذين يبايعونك انّما يبايعون اللّه. من اطاع الرسول فقد اطاع اللّه و غير ذلك فزيارته9 زيارة اللّه و النظر اليه هو النظر الي اللّه و هكذا يأوّل الايات الدالّة علي بعض التشبيهات و الدليل علي التأويل قوله تعالي ليس كمثله شي‏ء و هو السميع البصير و لاشكّ انّ الرؤية و المشاهدة من صفات المخلوقين و من صفات الاجسام ايضاً تعالي ربّي عمّا يقولون.

ثمّ لمّا كان القاعدة التي قرّرها7 و الاصل الذي اصّله و ان كان عامّاً شاملاً لجميع المراتب و المقامات و الاحوال الاّ انّ ذلك لمن عرف نوع الاستدلال و يفرق بين المقال و الحال و يعرف جهة الدلالة و لاينظر الي الاسفل من حيث نفسه و انّما ينظر اليه من حيث الاعلي و لمّا كان الناس قد انسدّت عليهم هذا الباب و اشتغلوا بالملاهي و فاتتهم معرفة الاشياء كما هي فلا رخصة لهم ان‏ينظروا الي هذا الدليل الذي هو من نوع دليل الحكمة الذي هو اعلي الادلّة و ارفعها و ادقّها و اغمضها الاّ بهداية و ارشاد العالم الذي لايجهل و الناظر الذي لايغفل و الحكيم الذي لايغفل و لايخطي و لايسهو ليحصل له اليقين انّه اصاب وجه الدلالة و عرف الاستدلال و هو قوله تعالي و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون اي العالمون بالامثال و وجه كونها مثلاً و جهة المناسبة و طريق الانتقال من المثل الي الممثّل و امّا غيرالمعصومين سلام‏اللّه عليهم اجمعين فلاقطع و لايقين في كونه عالماً في الحقيقة و الواقع و لايحصل

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 213 *»

اليقين الاّ ببيان المعصوم7 و تعليمه لشيعته لنوع الاستدلال فانّهم سلام‏اللّه عليهم قالوا نحن العلماء و شيعتنا المتعلّمون و سايرالناس غثاء فلايجوز لاحد الاستدلال بتلك الادلّة الغامضة الدقيقة التي لايهتدي اليها الاّ الاقلّون برأيه و ادراك نفسه فانّ رأيه منقطع دون هذا المقام و سرّ هذا الاستدلال اصله عند العقل المستوي و المرتفع و هكذا صاعداً الي اعلي مراتب الفؤاد و انّي للواقفين مقام الجسم و الطبيعة و النفس نيل ذلك المقام و الوصول الي حقيقة المرام الاّ بتسديد خبير مطّلع و بصير هادي و لذا قال7  قد علم ذوواالالباب اشارة الي اهل القلوب و اصحاب العقول الناظرين اليها و العاملين بمقتضاها لا كلّ احد من اهل العلوم و اصحاب الرسوم و لذا نبّه7 الي شرط الاستدلال حتّي لايوقع الخلق في الشبهة.

فقال روحي فداه و من اخذ علم ذلك برأيه و طلب وجوده و ادراكه عن نفسه دون غيرها لم‏يزدد من ذلك الاّ بُعداً و هو كما قال7 لانّ مقام الخلق دون مقام هذا الدليل فليس لهم التوغل فيه من حيث انفسهم بل يجب عليهم متابعة من عنده هذا الدليل فانّ اللّه تعالي جعل علم ذلك عند قوم يعقلون و يعلمون و يفهمون و ليس اولئك الاّ ال‏محمّد: الطيّبون الطاهرون المعصومون لانّهم خزّان علم اللّه و مهابط فيض اللّه و حملة وحي اللّه و احصي اللّه فيهم علم ماكان و مايكون و هو قوله تعالي و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين و هم الكتاب الناطق عن اللّه تعالي و هو تعالي يقول و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً  و  فيه تبيان كلّ شي‏ء  و  فيه تفصيل كلّ شي‏ء و  ما فرّطنا في الكتاب من شي‏ء و امثالها من الايات و ان عندهم علم الكتاب كما قال الصادق7 و علم الكتاب كلّه هنا و اشار الي صدره الشريف في تأويل قوله تعالي قل كفي باللّه شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب فاذا كان كذلك فلامحيص و لامعدل عنهم فكلّ من سواهم يجوز فيه الغلط و السهو و الخلط فاذن لايعبؤ بقوله و لا اعتناء في استدلاله من نحو هذا الاستدلال كما وقع لبعض القاصرين حيث تنبّهوا الي صحّة الاستدلال و ماتنبّهوا و مااهتدوا الي نوع الاستدلال و شرطه فعموا و صمّوا

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 214 *»

و تاهوا مثل قولهم انّ الاعيان الثابتة مستجنّة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة و مثل قولهم انّ اللّه تعالي كالمداد و الخلق كالصور الطارية علي المداد و انّه تعالي كالبحر و الخلق كالامواج و هكذا من الامثال الباطلة و الادلّة الواهية و ذلك من عدم مراعاتهم للشرط.

و ليس المراد انّه يأخذ علم ذلك من الامام7 علي جهة التقليد بل المراد انّه ينظر بصافي فطرته الي الامثال المضروبة و البيانات الحالية فاذا عرف حكما من تلك الامثال لايعتمد علي مافهمه حتّي يزنه بالميزان الذي جعل اللّه سبحانه للخلق حتّي يزنوا به عقولهم و افكارهم و اراءهم (ادراكاتهم خ‏ل) و جميع احوال معاشهم و معادهم كما قال عزّ و جلّ و زنوا بالقسطاس المستقيم و لاتبخسوا الناس اشياءهم و لاتعثوا في الارض مفسدين بقيّة اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين و قال ايضاً عزّ و جلّ و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان و امثال ذلك من الايات و الروايات في هذا المعني كثيرة.

فاذا عرفت هذا عرفت انّ الذي لم‏يقم عليه اجماع المسلمين او اجماع الفرقة المحقّة او اجماع العقلاء الكاشفة لايجوز لاحد ان‏ينظر اليه برأيه لانّ الرأي لم‏يجعل اللّه الاّ لنبيّه9 و ذلك ايضاً حسب تسديد اللّه تعالي حيث قال سبحانه خطاباً لنبيّه9 فاحكم بينهم بما اريك اللّه فاذن لايجوز القول الاّ بعد القطع بان فيه رضاء اللّه تعالي بالقطع الحقيقي الواقعي فكلّ من يجوز عليه السهو و الغلط و الخطاء لم‏يحصل القطع بان مافهمه فيه رضاه سبحانه فوجب الوزن بالرجوع الي الذي عصمه اللّه تعالي من الخطاء و الزلل في القول و العمل رزقنا اللّه متابعتهم و التمسّك بحبلهم.

قال عمران ياسيّدي الاتخبرني عن الابداع خلق ام هو غيرخلق قال الرضا7 بل خلق ساكن لايدرك بالسكون و انّما صار خلقاً لانّه شي‏ء محدث و اللّه الذي احدثه فصار خلقاً له و انّما هواللّه و خلقه لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما فما خلق اللّه عزّ و جلّ لم‏يعد ان‏يكون خلقه و قد يكون الخلق ساكناً و متحرّكاً و مختلفاً و مؤتلفاً و معلوماً و متشابهاً و كلّ ما وقع عليه حدّ فهو خلق اللّه

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 215 *»

 عزّ و جلّ و اعلم ان كلّ مااوجدتك الحواس فهو معني مدرك للحواس و كلّ حاسّة تدلّ علي ماجعل اللّه عز و جلّ لها في ادراكها و الفهم من القلب بجميع ذلك كلّه.

ثمّ انّ عمران رحمه‏اللّه لمّا علم انّ الابداع و المشيّة و النور و التأثير و الارادة و الفاعليّة بل الفاعل او غير ذلك من الاسماء امر متوسط بين الخالق و المخلوق عرض له سؤال في حقّ هذا المتوسّط هل هو خلق ام غيرخلق و غرضه انّه لايجوز ان‏لايكون خلقاً لانّه ينافي التوحيد و ادلّة التوحيد يبطله و اذا كان خلقاً كان محتاجاً الي متوسّط اخر بناء علي عدم جواز الاستثناء في القواعد العقليّة و كما يحتاج المخلوق الي الواسطة كذلك الواسطة من حيث المخلوقيّة اذ العلّة في الكلّ واحد مشتركة فيلزم حينئذ الدور او التسلسل و ايضاً هذا المتوسّط مرتبط بذاته بمبدئه الذي هو وجود الخالق و بمنتهاه الذي هو وجود المخلوق فيوهم وحدة هذا المتوسّط بين الطرفين سراية لوازم المخلوقيّة من المحدوديّة و التقدير و غيرهما من صفات المخلوقين الي وجود الخالق تعالي اللّه و ايضاً يلزم انقلاب المخلوق الي الخالق و الخالق الي المخلوق فيعدم التأثير و الايجاد ضرورة اتّحاد المقترنين الملتقيين في الرتبة و اتّحاد الرتبة يفسد العلّية و المعلوليّة و ايضاً يلزم انفعال الخالق بتلك الرابطة لاجل الاقتران و التحديد و التركيب و غيرذلك فلمّا سأله7 فقال ياسيّدي الاتخبرني عن الابداع خلق ام هو غيرخلق فانّ علي كلاالتقديرين يلزم المحذور المذكور فاجابه7 فقال انّه خلق ساكن لايدرك بالسكون.

و حاصل الجواب انّ الابداع هي الحركة الايجاديّة و الحركة في ذاتها لم‏تنته الي الذات لانّ بين المنتهي و المنتهي‏اليه لابدّ من نسبة و اقتران فليست في الذات حركة حتّي تنتهي اليها فانتهاؤها حينئذ الي نفسها و قد قال مولينا الصادق7 في المشيّة انّ اللّه تعالي خلق الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها ففاعليّة الذات انّما هي بنفس الفعل ففيه جهتان جهة فاعليّة و جهة مفعوليّة و كلاهما حادثان وقعا في رتبة الحدوث و لذا قال اميرالمؤمنين7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 216 *»

 الالات الي نظائرها لان الاثر ينسب الي ظهور الذات او الذات الظاهرة و لذا تريه لايدلّ الاّ عليها كالكاتب فانّه يدلّ علي الذات الظاهرة بالكتابة فنسبة الاشياء الي ذلك الظهور و ذلك الظهور لايحتاج الي ظهور اخر بل الظهور ظهور بنفسه و المظاهر مظاهر بالظهور فينقطع الدور و التسلسل كما قالوا في الوجود بانّه لوكان متحقّقاً في الخارج لكان موجوداً و الموجود هو من له الوجود فننقل الكلام الي ذلك الوجود فيدور او يتسلسل و اجابوا بانّ موجوديّة الوجود بنفس الوجود لا بامر اخر فاوجده اللّه بنفسه لا من شي‏ء ثمّ اوجد الاشياء به و كذلك حكم النيّة فانّ العمل لايتحقّق بدونها و هي لاشك انّها عمل لابدّ لها من نيّة فيلزم الدور و التسلسل فاجابوا بان النيّة في تحقّقها لايحتاج الي نيّة و هي بنفسها نيّة يعني نيّة النيّة نفسها و لهذا امثال كثيرة غير هذا لايجد الجاهل فيها مقالاً.

فان قلت فاذا كان كذلك فاي حاجة الي توسّط هذا الخلق اذا صحّ ان‏توجد الاشياء بنفسها قلت قد ورد عنهم: انّ‏اللّه تعالي اقام الاشياء باظلّتها اي بحقايقها و هو قول اميرالمؤمنين7 بل تجلّي لها بها فكلّ شي‏ء فيه اسم يشتقّ من نفس ذلك الشي‏ء الحادث الاّ انّ الاشياء في سلسلة الجعل و الاحداث و بطلان الطفرة فيها العالي و السافل و وجود العالي من تمام قابليّة السافل للوجود فصارت الاشياء يترتّب بعضها علي بعض و يقترن بعضها ببعض و ينبعث بعضها عن بعض و يصدر بعضها عن بعض و هكذا و لمّا كان اللّه سبحانه كاملاً في الوحدة المطلقة البسيطة فوجب ان‏يكون اوّل خلقه كاملاً مطلقاً مهيمناً علي جميع من بعده من الخلق حتّي يكون دليلاً عليه تعالي و لمّا ثبت انّ الكمال كلّه في الوحدة و النقص كلّه في الكثرة وجب ان‏يكون ذلك الخلق الاوّل واحداً منطوياً فيه الكثرات و هي لا وجود لها و لاتحقّق الاّ بالذكر في ضمن تعلّق ذلك الواحد فكلّ‏ما سواه كلّه دائماً يبرز من ذلك الذكر الي عالم الكون و لا نفاد له و لا انقطاع و هو قوله تعالي كلّ يوم هو في شأن و قول الصادق

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 217 *»

شؤون يبديها لايبتديها و ذلك الواحد الذي في رتبة اسفله ذكر الامكانات و الحوادث كلّها هو الابداع و الاختراع و المشيّة و الارادة و ادم الاوّل و فلك الولاية المطلقة و عالم فاحببت ان اعرف و الرحمة الواسعة الكليّة و الشجرة الكليّة و الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و الازليّة الثانية و المحبّة الحقيقية و صبح الازل و مبدء المبادي و غاية الغايات التي تنتهي اليه التعلّقات و غير ذلك من الاسماء التي ذكرتها مشروحة مفصّلة في اللوامع الحسينيّة.

و قد عرّفه الامام7 بانّه خلق ساكن لايدرك بالسكون اما كونه خلقاً فبمعني خَلَقَ الذي هو الفعل لا الخلق الذي هو المصدر فاذا كان الابداع قد سبق كلّ شي‏ء لايجوز ان‏يكون مصدراً فانّه مسبوق بالفعل علي ما هو الحق في المذهب من كون المصدر مشتقّاً من الفعل و كونه عاملاً في المصدر و وقوع المصدر تأكيداً و صفة للفعل و كون المصدر مفعولاً مطلقاً الذي قد تعلّق به الفعل و كون المصدر اسماً و الاشياء كلّها مجعولة مخلوقة بالفعل كما قال الصادق7 في الحديث المتقدّم خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها و كون الفعل حركة بسيطة و المصدر حاصلاً من الحركة و هو الاثر الواقع بالمفعول الي غيرذلك من الاحوال و الامور المقتضية لاشتقاق المصدر و فرعيته للفعل فاذا كان كذلك وجب ان‏يكون المراد من الخلق هو خَلَقَ الذي هو الفعل و هو ساكن اي ثابت مستقل اصل تدور عليه جميع الكاينات بقول مطلق و لذا عبّروا عنه بالكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و ركدت لها البحار و خمدت لها النيران الي غيرها ممّا هو مذكور في الادعية متفرّقة فيكون هو الساكن الثابت المستقل الغير المضمحل الذي اذا نسبته الي ماتحته من المراتب لايتغيّر و لايتبدّل و لايختلف باختلافها و لايتغيّر بتغيّرها و لاينفعل بحركاتها و تأثيراتها و انقلاباتها كالشمس فانّها بالنسبة الي القمر و ساير الكواكب ثابتة مستقلّة لايختلف باختلافها و الكواكب تختلف باختلافها و تنفعل بانفعالها و هكذا فالابداع هو الاصل الذي هو القطب الذي كلّ الممكنات له بمنزلة الكرات و الدواير كلّها علي اختلافها

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 218 *»

تتحرّك و تدور حول القطب و هو ساكن لايتحرّك بحركة الكرات و الدواير و ذلك واضح معلوم ان‏شاءاللّه تعالي.

و لمّا كان في قوله7 خلق ساكن افادة امرين احدهما السكون بمعني الاستقلال كما فسّرنا و هو المراد و ثانيهما هو السكون الذي ضدّ الحركة و ليس بمراد و الاوّل ايضاً علي اطلاقه ليس بمراد لان السكون بمعني الاستقلال المطلق و حركة الاشياء عليه و استمدادها منه يورث التفويض بمعني العزلة و التعطيل و لم‏يكن ذلك من مذهب اهل البيت سلام‏اللّه عليهم اشار7 الي نفي المعنيين و اثبت المراد المطابق للواقع المقرون بالصدق و السداد بقوله7 لايدرك بالسكون يعني لاتتوهّم انّ الساكن المذكور في قولي خلق ساكن هو علي معني السكون بمعني الوقوف و الركود حاشا و كلاّ لانّ السكون مسبوق بالحركة اذ لاشكّ انّهما موجودان و الحركة اشرف من السكون لانّها حياة و السكون موت و انّها نور و انّه ظلمة و انّها تورث الذوبان و رفع الاوساخ و التلطيف و دفع الفضولات و احراق الاخلاط الفاسدة و انّه يورث اضداد ماذكرنا كلّه و الطفرة في الوجود باطلة فوجب ان‏تكون الحركة مقدّمة علي السكون و يكون السكون منتهي اليه الحركة في التعلّق فلو جعلنا السكون في هذا المقام عبارة عمّا هو ضدّ للحركة كان الابداع مسبوقاً بامر اخر هذا خلف. فليس المراد به السكون المذكور حيث لم‏يسبقه شي‏ء و لمّا لم‏تكن منزلة بين الحركة و السكون كان الابداع هو نفس الحركة الايجاديّة التكوينيّة و قد قال مولينا اميرالمؤمنين7 في الفعل انّه ما انبأ عن حركة المسمّي فالفعل هو نفس الحركة الايجاديّة و هي لاتحقّق و لا وجود لها اصلاً الاّ حين صدورها و بقاؤها هو ايجادها هي عين الفقر و الاحتياج بحيث لاتذوّت لها في انين و مفتقرة دائماً ابداً سرمداً الي حافظ و مقوّم و موجد و مصدر و محدث لها اذ لاشي‏ء في التصرّم و التقضّي والتجدّد باعظم من الحركة فلولا المتحرّك لم‏تكن شيئاً فاذا ثبت انّ الفعل نفس الحركة فارتفعت شبهة الاستقلال و واهمة التعطيل و الاعتزال و ظهر انّ

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 219 *»

الابداع هو الخلق المستقل الثابت بالنسبة الي من دونه من ساير الخلق و امّا بالنسبة الي المبدء الحق سبحانه و تعالي فانّه (فانٍ خ‏ل) مضمحل فقير محتاج ان وجوده و ان بقائه فيحتاج الي المدد الجديد اناً فاناً و شيئاً فشيئاً و هذا هو القدرة الكاملة و العظمة البالغة حيث اقام الذوات و الصفات و الجواهر و الاعراض و المفارقات و المقارنات و العرش و الكرسي و اللوح و القلم و السموات السبع و الارضين السبع و مافيهما و مابينهما و مافوقهما و ماتحتهما كلّ ذلك بحركة فانية مضمحلّة متجدّدة متصرّمة متقضّية ذلك تقدير العزيز العليم.

و لمّا كان عالم الالفاظ و الحروف كما ذكرنا سابقاً علي طبق عالم الذوات حرفاً بحرف عرّفوا الفعل اللفظي بانّه كلمة مستقلّة مقترنة باحد الازمنة الثلثة فكلمة مستقلّة تشير الي قوله7 خلق ساكن و مقترنة تدلّ علي التجدّد و التصرّم فانّ الزمان متجدّد متصرّم متقضّي كالحركة و لذا كانت الحركة مشروطة بالزمان و لمّا كانت الاوضاع اللفظيّة علي طبق الحقايق المعنويّة جعل الفعل متحرّكاً غيرساكن للبيان و الاشارة الي انّه هو الحركة الكونيّة الايجاديّة و امّا الاستقلال فيظهر من معلوميّة اصالة الفعل في العمل فلايحتاج الي اشارة في اللفظ فانّ علم النحو و اللغة لايتمّ الاّ بانّ الفعل هو الاصل في العمل و التأثير و انّه المبني الذي لايؤثّر فيه العوامل و كلّ عامل انّما يعمل بتبعية الفعل و مشابهته و الفعل لايقع معمولاً الاّ بمشابهة الاسم و هذا القدر يكفي في دلالته علي الاستقلال فلوكان مع هذا ساكناً يوهم الاستقلال و لذا حرّكوه لتحقيق هذه الدقيقة و الاشارة الي هذه اللطيفة.

و امّا المصدر فلمّا كان اوّل متعلّق للفعل و اوّل حامل لاثره و هو المفعول الاوّل المطلق بل هو المفعول في الحقيقة دون ماسواه علي ماصرّح به النحاة و المفعول طبعه البرودة و السكون و الخضوع و هو منتهي اليه الحركة فوجب ان‏يكون ساكناً و انّما خصّ السكون بالوسط لانّه هو الاصل و القلب الذي تدور عليه باقي الحروف و الاطراف فروع متمّمة كالقلب و ساير الاعضاء و الجوارح

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 220 *»

و كالفلك الخارج المركز و المتمّمين الحاوي و المحوي ففي سكون الوسط اشارة الي انّ المصدر حقيقته المفعوليّة و الوقوف و محلّ تعلّق الفعل و مهبط الفيض فهو ساكن يحفظ فيض الفعل اذا ورد عليه فاذا تحرّك ما انحفظ الفيض و بطل المفعول و هذا السكون لاينافي الحركة الذاتيّة الجوهريّة فوجب سكون الوسط و امّا الاخر فيطرء عليه الاحوال بحسب القرانات الخارجيّة من العوارض الذاتيّة الطارية عليه فقد يظهر له مقام الفؤاد و هو مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء كن فيكون و تقول للشي‏ء كن فيكون فيرتفع حينئذ عن المقام الاسفل الي المقام الاعلي فيشابه اوائل جواهر علله فيكون مرفوعاً علي غيره من المقامات و المراتب او يكون مرفوعاً عن مقام المدارك و القوي و الحواسّ و المشاعر لانّه في مقام لايقع عليه اسم و لا صفة و الكلّ مراد في كلّ مقام و لانطول الكلام بشرحه و قد يظهر له مقام العقل المرتفع و المستوي و اعلي المنخفض و هو مقام العبادة و الطاعة و الانقياد فينتصب لذلك و يكون منتصباً للهداية و الارشاد و علماً للحق و الصواب و اعرابه النصب و قد يظهر له مقام النفس علي مراتبها السبعة فيحتجب عن المشاهدة و اللقاء و يشتغل بالنفس و الهوي و ماتقتضيه الانيّة و غيرذلك فلايلي الفعل حينئذ فينكسر و ينخفض و ينجرّ و هذه احوال تطرء علي اخره في الظهورات التعلّقيّة بحسب اعماله و اقباله و اقترانه بغيره و امّا هو بنفسه ساكن فانٍ مضمحلّ مثاله الهواء فانّه بالطبع حارّ رطب يقيناً لكن ريح الدبور حارّ يابس و ريح الصبا بارد رطب و ريح الجنوب حارّ رطب و ريح الشمال بارد يابس و هذه الاحوال كلّها تطرء عليه بالقرانات الخارجيّة و كذلك المصدر اسكنوا وسطه لبيان مفعوليّته و حرّكوا اخره لبيان ترقّياته و تنزّلاته بالاعمال و انّه بالترقّي و التنزّل هو ساكن الوسط لايخرج عن مقامه و لايتنزّل عن حدّه و لايتعدّي مبدأه و هو قوله تعالي و ما منّا الاّ له مقام معلوم و انّا لنحن الصافّون فافهم فقد اطلعتك علي باب من‏السرّ ينفتح منه الف باب فاشرب صافياً و افهم راشداً.

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 221 *»

ثمّ انّ الابداع في تحقّقه له مراتب و هي كما ذكرنا سابقاً من حكم الحلّين و العقدين و اجزاء الرطوبة و اليبوسة و ترتيبهما و غيرذلك ممّا هو مشروح في ساير رسائلنا و مباحثاتنا و له مراتب باعتبار التعلّق و هذا الاعتبار في مقامين:

احدهما مقام تعلّقاته لاتمام الشي‏ء من مادّته و صورته و نسبة المادّة الي الصورة و نسبة الصورة الي المادّة و اوّل الاقتران الذي هو مقام الايلاج فتمام القران الذي هو مقام الغشيان و كمال الشي‏ء و ظهوره مشروح العلل مبيّن الاسباب و منه تحقّقت الايّام السبعة في الاسبوع فالاحد للاوّل و الاثنين للثاني و الثلثاء للثالث و الاربعاء للرابع و الخميس للخامس و الجمعة للسادس و السبت للسابع و ذلك هي المراتب المذكورة في الروايات الدالّة علي انّ الشي‏ء لايتمّ و لايكون الاّ بسبعة بمشيّة و ارادة و قدر و قضاء و امضاء و اذن و اجل و كتاب و الستّة الاولي هي الايّام الستّة التي خلق فيها الشي‏ء و هي ايّام الفعل و جهات تعلّقاته و قد قال اللّه عزّ و جلّ و ذكّرهم بايّام اللّه.

و ثانيهما مقام ظهور الابداع الذي هو الفعل بحسب التعلّق و عدمه و صلوحه للتعلّق مع فقد الشرايط و هو بهذا الاعتبار ينقسم الي سبعة اقسام لانّ الفعل اي الابداع لمّا اوجده اللّه سبحانه بنفسه بقي متعلّقاً بالامكان و مظهراً للعظمة البالغة و الرحمة الواسعة للقادر السبحان فاوجد اللّه سبحانه به الامكانات و الاذكار علي جهة العموم فلمّا انّ اللّه سبحانه بني امره في ايجاده للاشياء علي الاختيار و نفي الجبر و الاضطرار صار يتعلّق الابداع بايجاد الاشياء حسب اتمام شرايطه و قابليّته للوجود فالذي تمّت شرايطه و كملت قابليّته و تعلّق به الفعل هو المسمّي بالماضي و الذي ماتمّت شرايطه و ماتحقّقت ولكنّها تتحقّق فيما بعد و يوجد محتوماً فذلك هو المضارع بمعني الحال و الاستقبال و الذي تمّت شرايطه و كملت و حصل القران و التعلّق قبل الالزام و الامضاء فذلك هو الامر حيث انّ الابداع الكلّي يؤمر بالتعلّق لما تمّت الاسباب الموجبة للتعلّق والذي ماتمّت شرايطه و لم‏يتعلّق لاجل ذلك هو الجحد و الذي

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 222 *»

لايجوز تعلّق الفعل به و احداثه لعدم اقتضاء المصلحة في النظام فذلك هو النفي و الاغلب انّ العدم هنا محتوم و الذي لاينبغي التعلّق و لايجوز بمنع الابداع عن التعلّق و الاقتران فذلك هو النهي و هذا اعمّ من ان‏يستمر العدم الي ان‏يبلغ حد المحتوميّة او ينقلب الاسباب و الشرايط فتوجب التعلّق ليكون امراً و الذي تمّت الشرايط و بقي واقفاً بباب الاذن هل يؤذن له في‏التعلّق ام لا لامكان او لمانع اقوي و بسبب للمنع اعظم فذلك هو الاستفهام.

و لمّا كانت هده السبعة جهات الابداع و حدودها قد تشعّبت منه تشعّب الاعضاء و الجوارح من القلب و تشعّب الاغصان من الشجرة و الاولاد من الوالد سمّيت هذه المراتب فعلاً كما هو الواقع لكنّها جزئيّة اضافيّة و اشتقّت من الفعل الكلّي اوّلاً و بالذات فالفعل الماضي هو الاصل لكونه مقام جفّ القلم بماهو كائن و ساير الافعال كلّها مشتقّة منه او قل انّ المضارع اي المستقبل و الحال مشتقّ من الماضي و باقي الافعال كلّها مشتقّة من المضارع و الاصل في هذه السبعة فعلان الماضي و المضارع و الماضي هو الثابت الدائم المستمر الغير المتغيّر و الغير المتكثّر و حكمه حكم العرش الذي هو الثابت الغير المختلف و لذا يسمّونه بالفلك الاطلس و المضارع هو المتكثّر المختلف  المتعدّد الظاهر بالحكم التفصيلي و حكمه حكم الكرسي الظاهر بالكواكب و البروج و المنازل و لمّا كان الكرسي مقام المفعول و هو اغلظ و اكثف من مقام الفعل المتعلّق به كانت التفاصيل الظاهرة في الكرسي اثني‏عشر و التفاصيل الظاهرة للفعل ستّة و هي اذا فصّلت و كرّرت و ثنّيت يكون اثني‏عشر و الفعل الماضي اذا كرّر و ثني يكون اثنين فيكون المجموع اربعة عشر و بها يظهر يداللّه و وجه‏اللّه و الوهّاب و الجواد فوجب اربعه‏عشر في المفعول ليكون كلّ واحد حامل وجه من الاربعة عشر الذي في الفعل و امّا المصدر فانّه مشتقّ من الفعل الماضي لا كاشتقاق المضارع منه من اشتقاق الاغصان من الشجرة و اشتقاق الاعضاء من القلب بل اشتقاقه منه اشتقاق الشعاع من المنير و الاثر من المؤثّر و لذا كان المصدر اسماً مبايناً للفعل بينونة

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 223 *»

الصفة عند وقوعه المفعول المطلق التأكيدي و المضارع فعلاً منه مترتّباً عليه ترتّب البدل مع المبدل منه فثبت انّ اشتقاق المضارع من اصل الحقيقة و اشتقاق المصدر من رسم الصفة و الاسم‏الفاعل و الاسم‏المفعول او اسماء الفاعل و المفعول اشتقّا من المصدر اشتقاق الفعل المضارع من الماضي و لذا كان المصدر مبدء اشتقاقهما و الذي يقول هما مشتقّان من الفعل اما لم‏يظهر له سرّ الحقيقة في ذلك او مراده بالفعل هو المصدر في مقام التأكيد و بينونة الصفة في مقام لافرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فافهم و لنا ان‏نقول انّ المصدر مشتقّ من الفعل المضارع في الحقيقة ولكن لمّا كان الفعل المضارع مشتقّاً من الفعل الماضي قلنا انّ المصدر مشتقّ منه بطي الوسايط.

ثمّ لمّا ذهبت بعض الاوهام الي انّ الاعيان الثابتة اشياء غيرموجودة و غيرمكوّنة ولكنّها ثابتة في غيب الذات قديمة غيرمجعولة كما قال صاحب الكلمات المكنونة و الاعيان الثابتة مستجنّة في غيب الذات و مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات و قال ايضاً و الاعيان الثابتة عينه الغيرالمجعولة و قال في سرّ سرّالقدر انّ تلك الاعيان ليست اموراً خارجة عن ذات الحق بل هي ذاتيّات و انّيات للحق و ذاتيّات الحق لاتقبل الجعل و التغيّر و الزيادة و النقصان. فعندهم الاشياء ثلثة ذات الحق سبحانه من حيث هو و ذات الخلق و الاعيان الثابتة الغيرالمجعولة و قال صاحب الاسفار تبعاً لغيره من الحكماء انّ الوجودات ثلثة الوجود الحق و هوالوجود بشرط لا و الوجود المطلق و هو الوجود لابشرط و الوجود المقيّد و هو الوجود بشرط شي‏ء فالاوّل وجود الواجب تعالي والثالث وجود الحادث الممكن و الثاني المتوسّط هوالوجود المنبسط و هو مع‏الواجب واجب و مع‏الممكن ممكن و مع‏الشي‏ء شي‏ء و مع‏اللاشي‏ء لاشي‏ء و مع‏الموجود موجود و مع‏المعدوم معدوم و هو الرابطة بين الحادث و القديم فاثبتوا ثالثاً ليس بخالق و لامخلوق و لاموجود و لامعدوم و لاحادث و لاقديم.

و المتكلّمون قالوا انّ المفاهيم خمسة واجب الوجود لذاته و واجب الوجود لغيره و ممتنع الوجود لذاته و ممتنع الوجود لغيره و ممكن

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 224 *»

الوجود لذاته قالوا لايجوز ممكن الوجود لغيره والاّ لزم انقلاب الواجب و الممتنع ممكناً و هذا لايصحّ و لم‏يتحاشوا عن قلب الممكن واجباً و ممتنعاً و اثبتوا لهذا التقسيم احكاماً و فروعاً حتّي قسم المنطقيّون الكليّات الي ستّة اقسام و جعلوا واجب الوجود قسماً من الكلّي الذي له افراد كثيرة لكنّها منحصرة في الفرد كالشمس فانّه ايضاً كلّي منحصر في الفرد الاّ انّ الفرق بين الشمس و ذات‏اللّه سبحانه هو انّ ساير افراد الشمس ممكنة غيرموجودة و ساير افراد الواجب ممتنعة و امّا في كونهما فردين لكلي فهما سواء و جعلوا ممتنع الوجود ايضاً قسماً من الكلّي الذي له افراد غيرمتناهية الاّ انّها ماوجدت ولو في فرد كالعنقاء فانّه ايضاً كلّي افراده غيرمتناهية لكنّها ماوجدت اصلاً و الفرق بين العنقاء و الممتنع الذي يمثّلون له بالشريك للّه تعالي انّ افراد العنقاء ممكنة لم‏توجد و افراد شريك‏الباري ممتنعة لم‏توجد و غيرذلك من‏الخرافات التي قد بسطنا القول في كثير من رسائلنا و اجوبتنا للمسائل و مباحثاتنا في ابطالها و تزييفها و انّها لايوافق مذهب اهل‏البيت:.

و قال بعضهم و هو القول المشهور بينهم انّ الوجود مشترك بين الواجب و الممكن بالاشتراك المعنوي و انّ اسماء اللّه سبحانه المشتقّة كالعالم و القادر و غيرهما من مشتقّات الاسماء بل اسماءاللّه تعالي كلّها مشتقّة و ليس فيها اسم جامد ابداً لانّ الجمود لايكون الاّ عن برودة و يبوسة و الاسم المنتسب الي اللّه سبحانه فيه حرارة و رطوبة فاين الجمود من الذوبان و اين الموت من الحيوة فالقول بانّ لفظ الجلالة جامد من اسخف الاقوال و قد صدر ذلك عن جمود القريحة و خمود الطبيعة و قالوا انّ الاسماء المشتقّة كلّها كليّات صدقها علي الافراد بالاشتراك المعنوي فالواجب سبحانه و تعالي فرد من ذلك الكلّي و الممكن ايضاً فرد منه و الكلّي لاشكّ انّه من حيث هو غيرهما و مقوّمهما و ثالثهما تعالي ربّي عمّا يقولون علوّاً كبيراً و غيرذلك من الاقوال التي تئول الي الواسطة و المنزلة بين الواجب و الممكن و اثبات اقسام اخر غير الواجب و الممكن.

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 225 *»

و هذه الاوهام لمّا كانت مخالفة لمذهب اهل الحق: و قد شاعت و ذاعت بينهم بحيث لايرون الفضل لمن لم‏يعرف تلك الاقوال الفاسدة و المذاهب السخيفة الكاسدة اراد7 ـ بابي هو و امّي ـ ابطال هذه الاقوال الكاذبة الباطلة فقال روحي فداه و انّما هواللّه و خلقه لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما اتي7 بانّما كلمة الحصر تأكيداً للامر و انّه ليس الاّ هذا و غيره باطل و ليس الاّ اللّه و خلقه سبحانه و تعالي و لم‏يذكره بطريق القسمة بان‏يقول7 الموجودات منحصرة في قسمين حقّ و خلق ارشاداً الي انّ القسمة تستلزم وجود مانفاه7 من الثالث بينهما فان المقسم هو الثالث غيرهما و يلزم التقسيم التحديد و بينونة العزلة فانّ المقسم شي‏ء واحد تطرء عليه الحدود و العوارض و تجعله اقساماً مختلفة و تثبت له احكاماً متضادّة و هي المقصود من بينونة العزلة و يكون كلّ قسم مركّباً من حصّة من ذلك المقسم و من تلك الحدود و العوارض المشخّصة و يكون بين الاقسام تضادّ و هو المقصود من القسيم اي الضد و يكون في كلّ من الافراد المركّبة فعل و انفعال و اقتران و تأثير و تأثّر و ضمّ و توليد و غيرها من الاحوال الامكانيّة و يكون وجود الافراد زايداً علي ذاتها لانّ لها وجود في المقسم مستقلاً و يكون الافراد متولّداً من اب و هو المقسم و من امّ و هي الاعراض و الحدود المشخّصة و هكذا من ساير الاحوال الناقصة الثابتة لاهل النقصان.

فمن جعل اللّه سبحانه و تعالي فرداً من كلّي او قسماً من مقسم كما فعلوا في تقسيم الموجود الي الواجب و الممكن و المفهوم الي واجب و ممتنع و ممكن و غيرذلك ممّا اشرنا الي بعض منها فقد اثبت له تعالي كلّ تلك الامور التي قد قلنا انّها من لوازم الافراد فيثبت للّه تعالي التركيب و الولادة و الضديّة و الانفعال و الاقتران و ان‏يكون له وجود زايد تعالي ربّي عمّا يقولون علوّاً كبيراً فمن اثبت القسمة اثبت هذه الاحوال الامكانيّة و قولهم بانّ هذا التقسيم من حيث المفهوم لا من حيث المصداق غلط فاحش فانّ المفهوم ان اخذ من حيث كونه الة للتوجّه الي اللّه القديم سبحانه و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 226 *»

تعالي فلايجوز ان يثبت له حينئذ ماينافي القدم و ان لم‏يصل اليه كما انّك في العبادة تتوجّه الي اللّه تعالي و لاشكّ انّ الذي ادركته من المعبود جلّ جلاله غيرالذات البحت و الذي ادركته حادث من الحوادث كما قال مولينا الصادق7 كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و مع‏ذلك لااريك تثبت للذي ادركته و توجّهت اليه احوال الحدوث و الامكان و ماذلك الاّ لانّك جعلته وجهاً له تعالي و الةً تتوجّه بها اليه فالوجه لايخالف ذا الوجه فلايجوز حينئذ اثبات القسمة و الاقتران و الانفعال و غيرذلك و ان اخذ المفهوم لا من حيث كونه وجهاً للتوجّه الي المعبود الحق جلّ جلاله بل من حيث كونه حادثاً من الحوادث و خلقاً من المخلوقات فلايجوز ان‏تجعل القديم المقابل للامكان قسماً من هذا المفهوم الاّ ان‏تسمّي الحادث قديماً و الوجود عدماً اذن لا قسمة الاّ بين الامكان و الممكنات و هل يجوز تسمية الحادث بالقديم ام لا مبني علي القول بتوقيفيّة اسماءاللّه تعالي و عدمها ثمّ لوكان مرادهم الاصطلاح ماجاز الاختلاف و القول بجواز الاشتراك و عدمه و القول بصحّة القسمة و عدمها لضرورة صحّة الاشتراك و القسمة في الامكان كما هو المعلوم بالعيان و لايخفي علي الانسان.

فمن هذه الجهة عدل7 عن التعبير بصورة القسمة و اتي بصورة الحصر و قال انّما هواللّه وحده و لاشكّ انّ القادر الفيّاض المطلق لابدّ له من الفيض و النور و الاثر و هو عبارة عن الخلق فاذا ثبت وحدة الصانع الواجب سبحانه و تعالي فكلّ ما سواه خلقه و الخلق لايذكر مع الذات البحت ليشملهما مقسم واحد فبطل الاشتراك و الاقتران و الانفعال و غيرذلك لانّه كلّه فرع الذكر و الوجود في الرتبة فاذا ثبت الاثريّة امتنع الذكر في رتبة المؤثّر فاذا امتنع الذكر امتنع الاقتران و الاشتراك و الانفعال و غيرها فاذا امتنعت هذه الامور امتنعت القسمة و امتنع ايضاً قولهم بالوجود المنبسط و الاعيان الثابتة و غيرها و لو اردنا تفصيل المقال في هذه الاحوال لطال بنا الكلام و خرجنا عمّا نحن فيه و قد ابطلنا هذه العقايد الفاسدة بما لامزيد عليه في كثير من مباحثاتنا بحيث صار من ضروريّات مطالبنا عند

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 227 *»

الناظر في كلماتنا.

و في كلام الامام نفي صريح لها بحيث لايحتمل الانكار فازال شبهة عمران في الابداع الذي هو المتوسّط بين الخالق و المخلوق بانّه لامنزلة بينهما و كلّ ما سوي اللّه تعالي خلقه و لايحتاج المجعول الاوّل في احداثه و ايجاده الي اخر كما ذكرنا و ازال ايضاً عن قلب عمران جميع ماكان يعتقده المتكلّمون من الامور التي اشرنا الي بعض منها بنفي ان‏يكون شي‏ء غير اللّه و غير خلقه ثمّ قال7 تأكيداً و تثبيتاً للحق الواقع فما خلق اللّه عزّ و جلّ لم‏يعد ان‏يكون خلقه يعني كلّ ما خلق الله عزّ و جلّ لايتعدّي عن رتبة المخلوقيّة و لايعدو مقامه و مرتبته الي مقام اعلي فيكون المخلوق خالقاً و الممكن واجباً كما يظهر من كلمات القوم و السنة حالهم من القول بالاقتران والاشتراك و القسمة فانّ اثبات كلّ هذه الاحوال اخراج للممكن عن حدّ الامكان و رفع الي حدّ القدم سبحانه و تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

ثمّ اشار7 الي حدود الخلق و اطوارهم بقول مجمل حتّي يعرف عمران انّ كون الشي‏ء مستقلاّ ثابتاً يتقوّم به غيره لايدلّ علي انّه ليس بمخلوق و انّما هو قديم بل هو خلق للقديم سبحانه و تعالي اقامه بنفسه و اقام غيره به فمن نظر اليه بعين الاستقلال فقد صغّر عظمة القديم الخالق و لذا قال7 و قد يكون الخلق ساكناً و متحرّكاً و مختلفاً و مؤتلفاً و معلوماً و متشابهاً و الخلق الساكن هو القطب و هوالذي قوام غيره به فكلّ جوهر بالنسبة الي عرضه ساكن و كلّ عرض بالنسبة الي جوهره متحرّك و كلّ شي‏ء جوهر و عرض فكلّ شي‏ء متحرّك و ساكن و لمّا كانت الجواهر كلّها تنتهي الي جوهر الجواهر و مبدء المبادي الذي قال الشاعر في حقّه:

يا جوهراً قام الوجود به والناس بعدك كلّهم عرض

فيكون هو الساكن في الحقيقة دون غيره و لمّا كان لكلّ احد سكون و حركة استدرك القول هنا و اجمل7 بقوله و قد يكون الخلق ساكناً و متحرّكاً بعد ماقال في المشيّة انّها  خلق ساكن لايدرك بالسكون و كذلك السكون الثابت

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 228 *»

للخلق ايضاً لايدرك بالسكون كالمشيّة حرفاً بحرف و العرض علي اقسام لانّا قلنا انّ العرض مايقوم بالغير و القيام علي اربعة اقسام قيام صدوري كقيام الكلام بالمتكلم و الصورة بالشاخص المقابل و الاشعّة بالمنير و هكذا كلّ اثر بالنسبة الي مؤثّره و قيام عضدي ركني تحقّقي و هو قيام المركّب باجزائه و قيام الاجزاء من حيث التركيب بعضها بالاخر و قيام عروضي و هو قيام الصفات اي الهيئات من الالوان و الكيفيّات و الكمّيات من الطول و العرض و العمق و غيرها من الاعراض بمحالها و موضوعاتها من الاجسام و غيرها و قيام ظهوري و هو قيام ظهور العالي بنفس السافل الذي هو نفس السافل الذي هو نفس العالي الذي هو ظهور العالي و الاعراض لاتخلو بجميع مراتبها و احوالها و اوضاعها و احكامها عن هذه الاربعة و هي متقوّمة بجواهرها متجوهرة بها و منتهية اليها و لذا لايصحّ ان‏يطلق علي اللّه الجوهر لعدم انتهاء شي‏ء اليه تعالي كما ذكرناه مراراً فاذا ثبت انّ الجوهر هوالقطب الساكن فيكون الاعراض هي المتحرّكات فالمتحرّك هو العرض فمن قال انّ الحركة انّما تقع في العرض و لاتقع في الجوهر و اراد هذا المعني من حكم الدايرة و القطبيّة و سكونها بمعني استقلالها بالاضافة فحقّ لاشك فيه و لاريب يعتريه اذ الحركة لابدّ لها من منتهي تنتهي اليه و ذلك المنتهي اليه يجب ان‏يكون ساكناً عند المتحرّك حتّي تقع الحركة اليها و لما كانت الاشياء لاتنتهي الي القديم انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و لمّا كان اهل كلّ مرتبة يستمدّون مما هو من نوع تلك الرتبة فتكون الاقطاب متعدّدة و كلّ قطب من حيث هو قطب ساكن و من حيث هو دايرة متحرّك فلم‏تزل الاشياء في الحركة و السكون و الابتداء و الانتهاء الي مالانهاية له من المدي.

فظهر لك من هذا البيان المكرّر انّ المتحرّك هو السافل و الساكن هو العالي و قد نعكس الامر و نقول انّ المتحرّك هو العالي لانّ الحركة دليل الحيوة و السكون دليل الموت فيكون الحي هو القريب من المبدء و الميّت هو البعيد و وجه اخر انّ العالي معطي مقبل مفيض فهو المتحرّك

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 229 *»

الي جهة السافل و السافل هو القابل الحافظ لمايرد عليه من فيض العالي فهو اذن ساكن راكد واقف ثابت و المتحرّك هو النار و الساكن هو الماء و المتحرّك هو االهواء و الساكن هو الارض فباعتبار الحركة و السكون يجري في كلّ شي‏ء و كلّ ذرّة من ذرّات الوجود بكل جهة فافهم الاشارة و لاتقتصر علي العبارة.

و المختلف هو الاجزاء المتباينة المتضادّة في الجعل الاوّل من الوجود و مقتضاه الذي هو العقل و النفس المطمئنّة و اثارها و صفاتها و كلّياتها هي الملائكة الخمسة و السبعون المذكورة في جنود العقل و الماهيّة و مقتضاها الذي هو الجهل و النفس الامّارة بالسوء و صفاتها و كلّياتها هي الشياطين الخمسة و السبعون المذكورة في جنود الجهل فظهرت من غلبة كلّ واحد منهما علي الاخر الذوات الطيّبة و الخبيثة و قد ذكرنا عند ذكر الحروف الثمانية و العشرين المستوية الذوات الطيّبة من العقل و النفس الي اخر المراتب و عند ذكر الحروف المعكوسة الذوات الخبيثة الملعونة من الجهل و تحت الثري و الطمطام و جهنّم الي اخر المراتب و جميع الاختلافات انّما نشأت من هذين الاصلين الذين هما خليجان من بحر واحد في الاختلاف بين الحق و الباطل و امّا الاختلاف في جهات الحق فبالاطوار الستّة التي هي المشخّصات من الكمّ و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان و كذلك الاختلاف في جهات الباطل من هذه الستّة فاذا نظرت الي الشي‏ء من حيث طبايعه و اجزائه و جرئيّاته و مراتبه و احواله و حدوده و اوضاعه و شئونه تراه مختلفاً غاية الاختلاف و اذا نظرت الي الجانب الجمعي الذي قد طوي كلّ تلك الحدود والاوضاع بحيث اضمحلّت ملاحظة تلك التفاصيل معه فكان شيئاً واحداً جامعاً مملّكاً يشاراليه باشارة واحدة تراه مؤتلفاً غاية الايتلاف و الايتلاف دليل اعتدال المزاج و الاختلاف دليل فساده و لذا ورد عنهم: ماتناكرتم الاّ لمابينكم من الذنوب و تري في دولة الباطل كمال التناكر و الاختلاف بين الموجودات و ينعكس الامر في دولة الحق حتّي يرعي الذئب و الغنم في مكان واحد و لايتعرّض الذئب للغنم و الصقر و الحمامة يعيشون في عُشّ واحد و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 230 *»

وكر غيرمتعدّد فانّ محبّة اللّه تعالي تجمع القلوب المختلفة و هو قوله تعالي و اذكروا اذ كنتم اعداء فالّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخواناً و كنتم علي شفاحفرة من النار فانقذكم منها و قوله تعالي لو انفقت ما في الارض جميعاً ماالّفت بينهم ولكنّ اللّه الّف بينهم فالتأليف وجه الواحد و التنكير و الاختلاف وجوه متعدّدة في البطلان و الطغيان و هو قوله تعالي و ضرب اللّه مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً و التأليف تمام الشي‏ء و كماله و الاختلاف من جانب النقصان و عدم التمام و التأليف شفاء من كلّ داء و الاختلاف سمّ قاتل و هو قوله تعالي ولو كان من عند غيراللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و في الدعاء يامن اسمه دواء و ذكره شفاء و ذكره و اسمه كلّ شي‏ء ينسب اليه تعالي و مالاينسب اليه تعالي فليس فيه اسمه و ذكره فليس فيه شفاء بل سمّ قاتل و قد نفي اللّه سبحانه الاختلاف عن نفسه و الاختلاف شكل المثلّث و لذا كان شكل الخراب و الدثور و البوار و الهلاك و هو ابوالاشكال الغالب عليه الوحدة العادّة لكلّ الكثرات التي بها يحصل التأليف و الايتلاف شكل المربّع الذي به الاجتماع و التأليف و الاقتران و الازدواج فانّ المربّع يحصل من الاثنين المؤتلفين المرتبطين و هو قوله تعالي و من اياته ان جعل لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودّة و رحمة و قوله تعالي و من كلّ شي‏ء خلقنا زوجين لبيان التربيع و لم‏يقل فردين فانّ الواحد الفرد و الاثنين من غير الاربعة قد دلّ علي استحالتهما العقل و النقل و الوجدان و الاختلاف حكم الصورة و اصله و منبعه العلّة الصورية و هو فصل‏الخطاب و هو قوله تعالي عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قوله تعالي  قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون و قول النبي9 مااختلف في اللّه و لا في و انّما الاختلاف فيك يا علي و قد قال سبحانه في القمر و قدّرناه منازل لتعلموا به عدد السنين و الحساب و الايتلاف حكم المادّة و هي المقترنة بالصورة و المتمّمة لها و اصله و ينبوعه في العلّة الماديّة و لذا قال تعالي ترجي من تشاء منهنّ و تؤوي اليك من تشاء و من ابتغيت ممن عزلت فلاجناح عليك و جاز له

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 231 *»

9 ان‏يأخذ ماشاء و ينكح مااراد من الزوجات من غيرعدد و لم‏يجز لعلي7 مع فاطمة3 سواها و هكذا حكم الاختلاف و الايتلاف يجري في الاشياء كلّها و كلّ شي‏ء فيه اختلاف و ايتلاف كما انّ كلّ شي‏ء ساكن و متحرّك و جوهر و عرض و قد اشرت الي نوع المراد و عليك باستخراج الكنز من الرمز.

و امّا المعلوم فالمراد به المحكم الظاهر الدلالة واضح المحجّة بحيث ليس فيه شبهة و ارتياب و هو النص الجلي الواضح العلي الذي لايحتمل الخلاف مطلقاً او في اصطلاح يقع به التخاطب و القوم جعلوا المحكم اعمّ من الظاهر و النصّ و لايبعد ذلك لانّ النص هو الحجّة البالغة الذي ليس لاحد فيه مهمز و لا لقائل فيه مغمز و هو المحكم المتقن الذي خلقت طينته من عليّين و هي الطينة التي ليس لاحد فيها نصيب قد ازال و ابطل نور تلك الطينة الالهيّة كلّ ظلمة و شبهة و نكارة و جهل و دناءة و رذالة فلم‏يبق الاّ المعروفيّة المطلقة و المعلوميّة التامّة لانّه حينئذ صفة المعلوم المطلق و المعروف الذي ليس فيه نكارة و الظاهر الذي ليس فيه خفاء فبقي معلوماً لاجهالة و لا جهل فيه ولذا صار كما في‏الزيارة الجامعة حتّي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لاصدّيق و لاشهيد و لاعالم و لاجاهل و لادني و لافاضل و لامؤمن صالح و لافاجر طالح و لاجبّار عنيد و لاشيطان مريد و لاخلق فيما بين‏ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كبر شأنكم و تمام نوركم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلّكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه و قرب منزلتكم منه الزيارة فلوكان في تلك الحقيقة نوع خفاء و جهة شبهة و ظلمة لم‏يظهر هذا الظهور لكلّ احد.

و امّا الظاهر فهم جماعة خلقت قلوبهم اي افئدتهم من تلك الطينة بحيث لافرق بينهم و بينها الاّ انّهم اثارها و اشعّة انوارها و عبدها رقّاً و طاعة و خلقت اجسامهم اي مقام تعيّنهم و انّيتهم الذي هو مقام صورهم و حدودهم المشخّصة من دون تلك الطينة فبذلك سرت فيهم جهة ظلمة و بتلك الجهة اختفوا و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 232 *»

لم‏يظهروا بالكليّة الاّ انّ جهة نورانيّتهم لمّا كانت غالبة بقوا في مقام الظهور الذي يستفاد منه الظنّ بخلاف الاوّلين فانّهم النصوص القاطعة و البراهين الواضحة و الانوار اللامعة و الحجج البالغة فالناظر اليهم لايزال علي بصيرة و هداية و رشاد قاطع متيقّن بالمراد و امّا شيعتهم المخلصون و ان‏كانوا نورانيّين الاّ انّهم ليسوا بتلك المثابة فلايستفاد منهم من الطمأنينة و السكون مثل مايستفاد من المعصوم الطيّب الطاهر فافهم.

و امّا المتشابه فهو الذي تتعارض فيه الجهات المتضادّة فلايدري الناظر اي الجهات مراده فيسلك بذلك سبيل الباطل سيّما اذا توغّل فيها و ذلك لايكون الاّ عند وقوفه مقام الاختلاف و التضاد و ان‏يكون له فطرتان فطرة اصليّة الهيّة و فطرة عرضيّة معوجّة فمرّة ينظر الي الاولي الاصليّة و مرّة ينظر الي الثانية السفليّة فيشتبه عليه النظران و من تعارض النظرين و تعاكسهما يحصل الظنّ و الوهم و الشكّ و الوسوسة و الريب و الزيغ و العناد و الجهل و الحمق و امثالها من الملكات الرديّة و قد ذكرنا تفاصيل هذه الاحوال في مسألة العلم و حقيقته و منشأ تحقّقه و من اراد ذلك فليراجعها.

او المتشابه ضدّ المحكم بمعني النصّ و الظاهر الذي ذكرنا فانّ اهل الباطل و الائمّة الذين يدعون الي النار عندهم من الباطل مايشابه الحقّ فيلقون علي الضعفاء و يضلّونهم عن السبيل و هو قوله تعالي فامّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و مايعلم تأويله الاّ اللّه و الراسخون في العلم و هم الذين يطّلعون علي سرايرهم الخبيثة و بواطنهم القبيحة فلاتحجبهم ظواهرهم عن مشاهدة بواطنهم.

و قد يكون الشي‏ء الواحد محكماً من وجه و متشابهاً من وجه اخر كما في الساكن المتحرّك والمختلف المؤتلف و هذه الامور الستّة التي ذكرها7 كلّها يجري في الشي‏ء الواحد بحسب المقامات.

ثمّ لمّا ذكر7 حدود الخلق من حيث الاستقلال و عدمه و من حيث الوحدة و عدمها و من حيث المعلوميّة و عدمها و ظهر من تلويح كلامه7 انّ المعلوميّة هي علّة الايتلاف و التشابه علّة الاختلاف او بالعكس

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 233 *»

اي الايتلاف و الوحدة و الاجمال علّة المعلوميّة و الاختلاف و التضاد و الكثرة علّة التشابه و المعلوميّة علّة السكون و التشابه علّة الحركة اراد ان‏يبيّن7 بطلان ماذهب اليه بعض الاوهام الفاسدة انّها تدرك الاعدام والممتنعات و شريك الباري و انّها تدرك مفهوم واجب الوجود و ينتزع منه الصفات و انّ المصادر السيّالة لا وجود لها كالفوقيّة و التحتيّة و امثالهما حتّي قال بعضهم بعدميّة مفهوم القدم و الحدوث و الوجوب و الامكان و امثالها فقال7 و كلّ ماوقع عليه حدّ فهو خلق اللّه عزّ و جلّ معناه كما قال مولينا الصادق7 كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فكلّ شي‏ء يقع عليه حدّ و تمييز سواء كان في الذهن او في الخارج باي نحو من الانحاء يكون فهو مخلوق لقوله7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشيرالالات الي نظائرها فالممكن المخلوق لايدرك الاّ ماكان ممكناً مخلوقاً فلايسعه ادراك الواجب و الممتنع لانّه ليس بواجب و لاممتنع و فرض المحال محال لانّ الفارض ممكن و ما نسميه محالاً و ممتنعاً كلّ ذلك لجهة امكانه والاّ فكلّ ماليس عندنا لانقدر عليه فلو فتح هذا الباب جاز ادراك الواجب سبحانه و تعالي و قد اجمع المسلمون علي استحالته و لمّا نصّ اللّه عزّ و جلّ علي انّ كلّ شي‏ء له خزائن عديدة يتنزّل من الاعلي الي الاسفل فماندركه في مداركنا و مشاعرنا و قوانا و حواسّنا كلّ ذلك قد نزل من عالم اخر الينا فهو من الخارج مع انّ كلّ ما يأتينا امّا من كتاب الابرار في عليّين او من كتاب الفجّار في سجّين و لايمكن ان‏يدرك مالم‏يكن مكتوباً في احد الكتابين و هو قوله تعالي ام حسب الذين اجترحوا السيّئات ان‏يسبقونا ساء مايحكمون فاذن بطل ماحكموا بعدميّته و انّ الذهن يدرك ماليس بموجود في الخارج.

ثمّ اراد7 ان‏يفصّل المدارك و المشاعر و مايخصّ كلّ مشعر بادراكه و انّ كلّ ماتفهمه الحواسّ و تدركه فهو (فهو ما خ‏ل) في رتبة تلك الحاسّة اي صفة الامر الخارجي و صورته قد انتقشت في مرءاة تلك الحاسّة فهي تنظر الي الخارج بمافيها و تحكم عليه بماعندها و هذا باب واسع في العلم فقال روحي

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 234 *»

فداه واعلم انّ كلّ مااوجدتك الحواسّ فهو معني مدرك للحواسّ و هذا هو الاشارة الي الشق الثاني من الكلام من انّ ماتؤدّي اليك الحواسّ هو المعني المدرك لها الموجود في رتبتها الاخذة شبح الامر الخارجي علي حسب ماعندها من الاستقامة و الاعوجاج و الاختلاف و الايتلاف و غيرذلك و لذا تختلف الافهام و الاوهام في الشي‏ء الواحد فيحكم كلّ بخلاف ماحكم به الاخر بل يختلف فهم الشخص الواحد في الشي‏ء الواحد فلو كان ما في‏الذهن هو الذات و الحقيقة لمااختلفت فلمّا اختلفت الحواسّ في ادراك الشي‏ء الواحد علمنا انّ ماعندها الرسم و الشبح لا الذات و الحقيقة فابطل7 بذلك مذهب القائلين بانّ الاشياء انّما تدخل في الذهن بحقايقها لا باشباحها و بيّن7 انّ الادراك باحداث الشبح لاغيرذلك و لذا قيّده بقوله روحي فداه فهو معني مدرك للحواسّ فافهم.

و اشار الي‏الشق الاوّل من الكلام بقوله7 و كلّ حاسّة تدلّ علي ماجعل اللّه عزّ و جلّ لها في ادراكها و اعلم انّ اختلاف المشاعر دليل علي اختلاف الادراكات و اختلافها دليل علي اختلاف المدركات و اختلاف القوي باختلاف المدركات دليل علي انّ بين الادراك و المدرك لابدّ من مناسبة ذاتيّة تصحّح تخصيص الادراك و لذا جعل اللّه سبحانه للاجسام اي لادراكها الحواسّ الظاهرة الجسمانيّة من السامعة و الباصرة و اللامسة و الذائقة و الشامّة و كلّ قوّة جعلها اللّه سبحانه لادراك جهة من الجهات الجسمانيّة فالسامعة للاصوات و الباصرة للالوان و اللامسة للخشونة و اللين و الذائقة للطعوم و الشامّة للروايح و هذه الخمسة هي العمدة في عالم الاجسام.

و تأخذ تلك القوي شبحاً من كلّ سنخ بهذه الالات و تؤدّي الي بنطاسيا و هي الحسّ المشترك العالم البرزخ بين عالم الاجسام و الارواح و تدرك الصور الغيبيّة بمعونة الصور الخارجيّة مثل استدارة الشعلة الجوّالة و غيرذلك و هذه القوة تؤدّي الي الخيال و هو في البطن المؤخّر من التجويف الاوّل للدماغ كما انّ الحسّ المشترك في البطن الاوّل من التجويف الاوّل و قالوا انّ الخيال هو خزانة الحسّ المشترك و ليس له ادراك غيرالحامليّة و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 235 *»

الخازنيّة و ليس بصحيح بل الخيال قوّة مدركة للصور الغيبيّة المنتزعة من الصور الشهوديّة او ما من شأنه ذلك و هي يستمدّ ظاهرها من جسم فلك الزهرة و باطنها من باطن فلك الزهرة اي من روحها و لايبعد ان‏يكون المفكّرة مقدّمة علي المخيّلة لانّ بابها فلك عطارد بغيبه و شهادته و باب الخيال الزهرة بغيبها و شهادتها و لاشكّ انّ فلك عطارد اقرب الي عالم الشهادة من الزهرة و وجبت مطابقة الفرع مع الاصل قالوا في وجه التخلّف انّ المفكّرة هي قوّة يجمع بين المختلفات و يفرق بين المؤتلفات و يضمّ المعني بالصورة و يضمّ الصورة بالمعني فاذا كان كذلك وجب ان‏يكون محلّها الوسط و هو البطن الاوّل للتجويف الثاني فانّ الوهم الذي يدرك الصور الغيبيّة في البطن الثاني للتجويف الثاني و الخيال الذي يدرك الصور الشهوديّة في البطن الثاني للتجويف الاوّل فالفكر يتوسّط بينهما و يأخذ عنهما و قالوا ايضاً انّ الصورة باردة رطبة و المعني بارد يابس و المثلّث الذي للدماغ قاعدته الي جهة الجلد و الحواس الظاهرة و رأسه الي الباطن فكلّ ما هو اقرب الي القاعدة اكثر برودة و رطوبة فلذا صار الحسّ المشترك في البطن الاوّل من التجويف الاوّل ثمّ بعده الخيال لانّه صورة محضة ثمّ الفكر لانّه صورة و معني و ضمّ و تأليف و جمع و تفريق و غيرذلك ثمّ الواهمة و هي التي تدرك الصور الغيبيّة المعنويّة ثمّ الحافظة فانّها خزانة للمعاني الغيبيّة ثمّ العاقلة و هي في‏البطن الثاني من التجويف الثالث و قال بعضهم ان فيه المحرّكه و الاوّل هو الاولي فانّ العاقلة تأخذ و تستمدّ من فلك زحل و هو اعلي الافلاك و اقصاها و الحافظة و هي مخزن العلم تأخذ و تستمدّ من ذلك المشتري و هو تحت فلك زحل و الواهمة محلّ المعاني الي الصور المنتزعة من عالم الغيب مثل عداوة زيد و محبّته و صداقته و هكذا من الامور الغيبيّة التي لاتظهر في الحسّ الجسماني و هي تستمدّ من المرّيخ الذي تحت المشتري و المتخيّلة محلّ الصور و الهيئات المنتزعة من عالم الشهود تستمدّ و تأخذ من فلك الزهرة و هو تحت المريّخ و المفكّرة محلّ ترتيب و جمع و صوغ و هدم تستمدّ من فلك عطارد و هو تحت الزهرة و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 236 *»

الحسّ المشترك محلّ الصور البرزخيّة و هي تستمدّ علي ما افهم من باطن جوزهر القمر و هو تحت عطارد فاقترنت الاسباب بالمسبّبات و العلل بالمعلولات و لي كلام طويل عجيب في هذه القوي و ترتيبها و مداركها و صورها و هيئاتها و في تصحيح ما قال القوم و تزييفه تركت ذكره للتطويل و صوناً عن اصحاب القال و القيل و هذه القوي كلّ قوّة تدلّ علي ماجعله اللّه فيه فالحسّ المشترك تدلّ علي الصور البرزخيّة و الخيال علي الصور الغيبيّة علي التفصيل الذي ذكرنا.

ثمّ اراد7 ان‏يبيّن انّ هذه الحواسّ و القوي و المدارك ليست بمتأصّلة مستقلّة بل لها اصل نشأت كلّها منه و تعود اليه و هي الاته يستعملها في مهمّاته ممّايحتاج اليها في عالم التفصيل و ذلك الاصل هو القلب و لذا قال7 والفهم من القلب بجميع ذلك كلّه و القلب و ان كان له اطلاقات كثيرة الاّ انّ المراد في هذا المقام هو العقل الكلّي الخاصّ بالشخص و هو وجه من روح‏القدس و نسبته الي بدن الانسان و قواه و مشاعره نسبة روح‏القدس اي العقل الكلي الي هذا العالم فانّه قد خلقه اللّه تعالي من اقباله و ادباره و شؤنات اطواره و كذلك العالم الانساني خلقه اللّه سبحانه من شعاع ذلك العقل فخلق باقباله و ادباره الجزئي جميع مراتب كل شخصٍ من الاشخاص الجزئيّة فهوالاصل في جميع المراتب و هي كلّها عنه تصدر و اليه ترد و الحكم للّه العلي الكبير.

و القلب جوهرة نورانيّة الهيّة بدت من الاختراع الاوّل مجرّدة عن المادّة الملكوتيّة و الجسمانيّة و الشبحيّة البرزخيّة و عن المدّة المقداريّة المثاليّة والمدّة الزمانيّة و اوّل نور مشرق من صبح الازل و ادم الثالث و اوّل ولد تولّد من ادم الثاني الذي هو الوجود المقيّد اعني الماء النازل من سحاب المشيّة الذي به كلّ شي‏ء حي و من حوّاء ارض الجُرُز و ارض القابليّات اي الماهيّة الاولي خلقه اللّه سبحانه من اربعة اجزاء من رطوبة ماء بحرالصاد اوّل المداد و جزء واحد من يبوسة ارض القابليّة الاولي الارض الطيبة ثمّ مزج بينهما باسمه الحي ثمّ عقدهما باسمه القابض ثمّ اخذ من هذا المجموع جزئين و مزجهما مع جزء

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 237 *»

واحد من ارض الجرز و الارض المقدّسة ثم عركهما بحرارة اسمه النور مع الرطوبة اي رطوبة اسم‏اللّه المبين ثمّ عقدهما بذلك مع قوّة اليبوسة اي يبوسة اسم اللّه القابض فتمّت خلقته و كملت صنعته ثمّ سجد للّه تحت عرش ربّه فركع مسبّحاً بحمد ربّه و قام قائماً معلناً بالثناء عليه تعالي.

و ذلك هو العقل و هو القلب و هو اوّل غصنٍ اخذ من شجرة الخلد و هوالقلم في قوله تعالي ن و القلم و مايسطرون و هو عبد من عباد اللّه قائم في طاعة اللّه صورته هيكل التوحيد و صفته الرضا و التسليم و مقامه الركوع و طبيعته البرودة و اليبوسة في ظاهر ذاته و البرودة و الرطوبة في ظاهر فعله و الحرارة و اليبوسة في اصل ذاته و ادراكه المعاني الكليّة و مخزنه كلّ الوجود بالذكر كالانسان المذكور عنده جميع الافراد و الجزئيّات الغير المتميّزة في رتبة مقامه و دليله الموعظة الحسنة و سبيله اليقين و طريقته التقوي و علم الطريقة و صفته الاستقامة و ذكره سبّوح قدّوس ربّنا و ربّ الملائكة و الروح و معرفته اسماء اللّه الحسني و صفاته العليا و نفي الاضداد و الانداد و معرفة الصفات الثبوتيّة و السلبيّة و شغله العبادة فلايتوجّه الاّ الي المعبود بالحق وحده لاشريك له و ثمرته العصمة عن الخطاء فطوبي لمن لاحظ حرمته و اقتطف ثمرته و قوله لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه9 و ان كلّ ما جاء به محمّد9 حقّ لاشكّ فيه و حكمه الاحتياط لتحصيل اليقين و مكانه كلّ الممكن لانّ العقل اوّل شي‏ء برز في الوجود بمشيّة اللّه سبحانه و مادّة امره الكوني و خطابه الشفاهي فلم‏يبق في الامكان الكوني مكان الاّ و قد وسع نوره و ظهر ظهوره و الاشياء كلّها خفيت و اضمحلّت عند سطوة جبروته و لذا سمّي عالم الجبروت و وقته الدهر و هو الوقت الثابت المستمر الذي يجمع المختلفات و يفرق المجتمعات الزمانيّة و لونه البياض في صفته و السواد في ظاهر ذاته و الحمرة في باطن حقيقته مقبل علي‏اللّه عزّ و جلّ مطيع لامره و نهيه اذ لايجد في مقام ذاته مايصرف نظره عن اللّه تعالي اذ ماعداه كلّه باطل و ذكره لايقاوم تأصّل الذات فلايمكن التوجّه الاّ اليه تعالي فلمّا كان كذلك احبّه اللّه و اكرمه و ملّكه هذا العالم و سخّر له كلّ

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 238 *»

شي‏ء فالاشياء الات و قوي له يصرفها فيمايشاء كما يشاء بمايشاء و القلب حقيقة وحدانيّة اجماليّة والصدر تفصيل ذلك الاجمال و تمييز ذلك الابهام و به تظهر الجهات و الحيثيّات فتفاصيل القلب في الصدر و تفاصيل الصدر في الدماغ فالصدر جامع للجهات المتشتّتة المختلفة في الدماغ من (عن خ‏ل) القوي المذكورة و القلب جامع ما في الصدر فقوله7 و الفهم من القلب يجمع ذلك كلّه ينظر الي طي الواسطة و رجوع الاشياء الي مباديها و القلب هو اصل العوالم و ترجع الملائكة بالاخبار اليه في ليلة القدر و ليلة الجمعة و كلّ ان و وقت و هو الجامع لتشتّتات اخبار الملائكة كما تخبرالحواسّ القلب في كلّ ان و وقت و دقيقة اخبار ماترد علي كلّ حاسّة و تجتمع الاخبار كلّها عند العقل و القلب و هكذا تعرض الملائكة اعمال الخلايق و اطوارهم و حركاتهم و سكناتهم و اصولهم و فروعهم و اكوارهم و ادوارهم كلّها علي قلب العالم فهو الحافظ للعالم عن الاندراس كما انّ كلّ ما يصل الي البدن بالقلب و كلّ ما يرد عليه باطلاع القلب و يستخبر عند الورود و قبل الورود لايعزب عن علمه مثقال ذرّة في ارض جسده من حركات الشرائين و سكون الاوردة و لا في السماء سماء الارواح و الغيوب فافهم ضرب المثل و تلويح الامام7 في لحن الخطاب فقد قالوا: نحن لانعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتّي يلحن له  فيعرف اللحن فقد اثبت بابي هو و امّي في هذا الكلام الموجز المختصر مالاتسعه العبارة و تضيق به الاشارة الاّ انّي في كتمانها لفي واسع العذر فانّ اهل هذا الزمان حرّموا علي انفسهم خيراً ما له عوض و امراً ما له ثمن حفظنا اللّه و ايّاكم عن شرور انفسنا و سيّئات اعمالنا.

قال7:

و اعلم انّ الواحد الذي قائم بغير تقدير و لاتحديد خلق خلقاً مقدّراً بتحديد و تقدير و كان الذي خلق خلق اثنين التقدير والمقدّر و ليس في واحد منهما لون و لا وزن و لا ذوق فجعل احدهما يدرك بالاخر و جعلهما مدركين بنفسهما و لم‏يخلق خلقاً شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده فاللّه تبارك و تعالي فرد واحد لا ثاني

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 239 *»

 معه يقيمه و لايعضده و لايكنّه و الخلق يمسك بعضه بعضاً باذن‏اللّه و مشيّته و انّما اختلف الناس في هذا الباب حتّي تاهوا و تحيّروا و طلبوا الخلاص من الظلمة في وصفهم اللّه بصفة انفسهم فازدادوا من الحق بعداً ولو وصفوا اللّه عزّ و جلّ بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لمااختلفوا فلمّا طلبوا من ذلك ماتحيّروا فيه ارتبكوا و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم قال عمران ياسيّدي اشهد انّه كما وصفت ولكن بقيت لي مسألة.

لمّا بيّن7 خلق عالم الوجود المطلق و اشار الي العلل الاربع من حيث هي و معلولاتها بقوله ساكن و هو العلّة الفاعليّة و مؤتلف و هو العلّة المادّية و مختلف و هوالعلّة الصوريّة و معلوم و مجهول و هوالعلّة الغائيّة علي احد الوجوه و المتحرّك اشارة الي نفس المعلول من حيث هو معلول اراد7 ان‏نفصّل مراتب المعلول و ان‏يشرح حاله و نسبته الي العلّة و لمّا اتّفقت كلمة العقلاء انّ بين العلّة و المعلول لابدّ من مناسبة و مرابطة بها يصحّ تخصيص كلّ مفعول بالجعل دون الاخر و لم‏يتّضح المراد من هذه المناسبة و العلّة توهّموا انّ العلّة هي ذات اللّه تعالي فاضطربوا لوجه مناسبته بمخلوقاته و معلولاته مع كونه هو الواحد الاحد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و هو قولهم بالربط بين الحادث و القديم.

فقال بعضهم و هم الصوفيّة القائلون بوحدة الوجود انّ ذات العلّة واحدة من غير تكثّر و اختلاف لكنّه يتطوّر بالاطوار و يتعيّن بالحدود و التعيّنات اظهاراً لكماله و اثباتاً لاسماء جلاله و جماله و اراءة نفسه في مرايا القوابل و الاستعدادات لانّ الجميل يبتهج بجماله اذا رءاه في المرءاة فصحّ الربط بل الخلق ليس شي‏ء سواه كالمداد الظاهر بالحروف و البحر الظاهر بالامواج و قالوا انّ هذا لاتستلزم النقص كما انّ الشمس تشرق علي النجاسات و القاذورات و لاتتكيّف الشمس بكيفيّاتها و لاتتنجّس بها.

و لمّا راي الاخرون انّ هذا المذهب هو الخروج عن مذهب اهل الاسلام بل عن جميع المذاهب و الملل كما قال الشيخ علاءالدولة السمناني في حاشيته علي الفتوحات عند قول ابن‏عربي سبحان من اظهر الاشياء و هو عينها

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 240 *»

قال ياشيخ انّ اللّه لايستحيي من الحق ياشيخ لوقيل انّ فضلة الشيخ عين وجود الشيخ لاتسامحه بل تغضب عليه فكيف يجوز لك ان‏تنسب هذا الهذيان الي الملك الديّان تب الي اللّه تعالي لتنجو من هذه الورطة الوعرة التي تستنكف عنها الطبيعيّون و الدهريّون.

و قال بعضهم في الربط باثبات الاعيان الثابتة لذلك و لاثبات علمه بالاشياء قبل خلق الاشياء فان كون علم اللّه عين ذاته تعالي ضروري و انّ العلم يستدعي المعلوم لانّه من قبيل الاضافة لاشكّ فيه و حدوث الاشياء ممّا لاخلاف لاحد فيه فلو جعلنا المعلومات هي المحدثات انتفي العلم في القديم للاصل الذي عندهم من حكم الاضافة و لو جعلنا عين الذات و قلنا بقدم الاشياء فلايسعنا ذلك لضرورة الحدوث فاحتاجوا لان‏يثبتوا للاشياء تحصّلاً ذكريّاً في الازل في ذات الحق سبحانه حتّي تكون معلومة له تعالي قبل خلقه الخلق ثمّ يكون تلك الاذكار علّة الربط فاختصاص كلّ مجعول بجعل خاصّ حسب معلوميّته في العلم الازلي سبحانه و تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

و قال الاخرون في حقيقة الربط بانّ معطي الشي‏ء لايجوز ان‏يكون فاقداً له والاّ لزم المحال فيجب ان‏تكون الاشياء كلّها في ذاته بوجه اشرف و ان‏لايسلب عن ذاته تعالي امر وجودي والاّ لزم التركيب فيكون بسيط الحقيقة كلّ الاشياء.

و قال الاخرون بانّ الاشياء لاتحقّق لها و لا ثبات و لا وجود و انّما هي اوهام و خيالات يتوهّمها و يتخيّلها الانسان فالوجود هو اللّه و الاشياء موجود بالانتساب اليه و قالوا انّ وجود زيد اله زيد كما تقول ماء مشمّس بالشمس هي الاصل و الحرارة انّما حصلت بالانتساب و قال الاخرون بالتوقّف و التحيّر و قد طرق سمع عمران هذه الاقوال الفاسدة و العقايد الباطلة اراد7 ان‏يبطل هذه الاقوال و يبطل هذا المحال و يزيل تلك الكدورات.

فقال روحي فداؤه و اعلم انّ الواحد الذي قائم بغير تقدير و لاتحديد خلق خلقاً مقدّراً بتحديد فالواحد هوالذي لا كثرة فيه لانّهما متناقضان لايجتمع احدهما مع الاخر و امّا الواحد الذي فيه الكثرة فاطلاق الواحد عليه من باب المجاز و التوسّع و كلّ ما فيه الاثنينيّة و المغايرة كثرة يجب سلبها و نفيها عن الواحد الحقيقي فاذن لا ذكر

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 241 *»

للكثرة فيه بوجه من الوجوه فاين النسبة و اين الربط و اين الاعيان الثابتة فان كانت لها جهة غير جهة الذات ينفع اثباتها للغرض الذي عندهم فان لم‏يكن لها الاّ جهة الذات و هي عبارة اخري للذات لم‏ينفع اثباتها ابداً لانّ الربط لم‏يحصل و المناسبة ماتحقّقت ضرورة انّها بين الامرين و النسبة تستدعي المنتسبين فاذا امتنع الذكر امتنع النسبة فامتنع بذلك التعيّن الذي ذكره الملاحدة الصوفيّة فانّ التعيّن و المتعيّن مقترنان و الاقتران ينافي الوحدة الحقيقيّة فان كان معطي‏الشي‏ء يعطي عمّا في ذاته اذن لنفد ذاته و لنقص و ان كان يعطي عمّا في قدرته و احداثه و ملكه فهو فاقد المعطي في ذاته و تمثيلهم بالسراج و الاشعّة علي مايفهمون لايتمّ الاّ في الفاعل الموجب و الفاعل بالطبع كما يزعمون و امّا الفاعل المختار فلايجري شي‏ء من ذلك نعم المعطي لايجوز ان‏يكون فاقداً للشي‏ء في ملكه و في قدرته و علمه و امّا علمه فيجب ان‏يكون فاقداً لها لا علي نحو يلزم التحديد علي مازعموا كما قال7 انّ اللّه خلو من خلقه و خلقه خلو منه و كلّ ما يصدق عليه اسم شي‏ء ما خلا اللّه باطل فقوله7 واحد ابطل جميع ماذكروا و هدم كلّ ما اسّسوا و شيّدوا.

ثمّ اردف قوله7 اتماماً للحجّة و اكمالاً للنعمة بالتقييد بقوله7 الواحد الذي قائم بغير تقدير فهو تفصيل لما اجمله بقوله الواحد ثمّ اردف7 هذا التنزيه عند الخلق لبيان انّه تعالي حين ايجاد الخلق منزّه عن كلّ القرانات و النسب و الاوضاع فهو تعالي منزّه عن التقدير و التحديد و قد خلق خلقاً محدوداً مقدّراً فابطل بذلك قول المشّائين و اصحاب العقول العشرة من القول بانّ الواحد من حيث هو واحد لم‏يصدر منه الاّ الواحد فقد ذكر7 انّ الواحد من حيث كونه واحداً منزّهاً عن التقدير و التحديد خلق مقدّراً محدوداً و لاشكّ انّه متكثّر و في‏الدعاء لايشغله خلق شي‏ء عن خلق شي‏ء و لا علم شي‏ء عن علم شي‏ء و لايفوته شي‏ء و لايئوده حفظ شي‏ء نعم المناسبة بين العلّة و المعلول ثابتة و هي في الظاهر بين المعلول و صفة العلّة و فعلها الا تري الكتابة فانّها معلولة لك و هي لاتدلّ الاّ علي استقامة حركة

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 242 *»

يدك او اعوجاجها و امّا علي ذاتك فلاتدلّ عليها ابداً و لذا لايستدلّ بحسن الخط علي حسن ذات الكاتب و بقبح الخط علي قبح ذات الكاتب نعم يستدلّ بهما علي استقامة حركة يده و اعوجاجها كما اشرنا اليه فالمناسبة بين الاثر و صفة المؤثّر لا بين الذات و الاثار تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

و امّا في الواقع فالعلّة هي الفاعل و الخالق و هما صفتان للفعل لاصفتان للذات و قد اجمع عليه الشيعة المخلصون المقتفون لاثار ائمّتهم الهداة المعصومين سلام‏اللّه عليهم اجمعين فاذن فالمناسبة بين الفعل و المفعول لا بين الذات و المفعول فالذات تحدث الفعل بنفسه بلاكيف و لا اقتران و لا ربط ثمّ يحدث المفعولات به بعد مااحدث ذكرها فيه فيناسبه كلّ مفعول بمافيه من ذكره و اسمه و لايصحّ السؤال عن كيفية احداث الفعل اذ لاكيف هنا لانّ الكيف مخلوق به و لايجري عليه ماهو اجراه و هو السابق علي الكيف و الكمّ و الزمان و المكان و الاوّليّة و الاخريّة و الابتداء و الانتهاء و غيرها فلايوصف بها و قد نصّ مولينا الرضا7 بذلك في حديث الارادة لما سئل7 عن الفرق بين ارادة اللّه و ارادة المخلوقين قال7 الي ان قال و امّا ارادة اللّه‏ فاحداثه لاغير فانّه لايروي و لايهمّ و لايفكّر و انّما يقول للشي‏ء كن فيكون بلالفظ و لاكيف لذلك كما انّه لاكيف له ه. فاذن بطل السؤال عن كيفيّة ايجاد الفعل كما بطل السؤال عن كيفيّة حقيقة كنه الفاعل الخالق سبحانه و تعالي فاللّه هو المنزّه عن التقدير و التحديد خلق خلقاً مقدّراً بتحديد و تقدير اخذ في احداث الوجودات المقيّدة و كليّاتها و اوّل خلق دخل في الوجود بالتقدير و التحديد اي بالحدود و الهيئات المتميّزة المتشخّصة سواء كانت معنويّة او شخصيّة فاوّل الوجودات المقيّدة هوالعقل الاوّل و هو الذي قال النبي9 اوّل ماخلق اللّه عقلي و اوّل ماخلق اللّه القلم و اوّل ماخلق اللّه روحي و الكلّ بمعني واحد و هو اوّل الوجودات المقيّدة لا مطلق الوجود فانّ المشيّة سابقة عليه.

ثمّ اراد7 ذكر كيفيّة احداث العقل و غيره من الوجودات المقيّدة فقال7 و كان الذي خلق خلقين اثنين التقدير و المقدّر و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 243 *»

 ليس في واحد منهما لون و لا وزن و لا ذوق التقدير يراد به الحدود و الهيئات و الاوضاع و الهندسة و المقدّر يراد به المادّة المطلقة و الهيولي الاولي و هو الوجود الذي هو اثر المشيّة و هو المصدر الذي تشير اليه دائماً فاللّه سبحانه خلق اوّلاً الوجود الذي هو المقدّر فانّ الحدود و الهيئات انّما ترد و تطرء عليه فهو المقدّر فخلقه اللّه سبحانه بجعل مستقلّ اوّلاً و بالذات ثمّ خلق التقدير و هو الصورة و هو الماهيّة و الانّية بتبعية جعل الوجود الذي هو المقدّر ثانياً بجعل علي حدة ثمّ الّف بينهما و خلق النسبة الارتباطيّة ثالثاً ثمّ الزم بينهما اي الزم الماهيّة الوجود و مزج بينهما و جعلهما شيئاً واحداً حتّي صدق عليه خلقاً واحداً مقدّراً بتحديد و تقدير رابعاً فتمّ بذلك العقل فكلّ شي‏ء علي هذا المجري و هو صنع اللّه تعالي في كلّ شي‏ء الاّ انّ الاشياء تختلف بالهيوليات فالهيولي الاولي للعقل و الثانية للنفس و الثالثة للطبيعة و الرابعة للمادّة الجسمانيّة و الخامسة للصورة المثاليّة و السادسة للجسم و هكذا و كلّ واحد منها يصدق عليه انّه مخلوق مقدّر بتحديد و تقدير.

فابطل7 بقوله خلق اثنين التقدير و المقدّر قول الحكماء القائلين بعدم مجعوليّة الماهيّات التي هي التقدير و التحديد في هذا المقام فانّه7 صرّح بانّه مخلوق ثمّ اشار بقوله اثنين انّ له جعلاً اخر كجعل الوجود لا كما يقولون انّه جعل واحد تعلّق بالوجود ثمّ انجعلت الماهيّة به من غيرحاجة الي جعل اخر غيره كما قالوا في الاربعة و الزوجيّة فانّ الزوجيّة في تحقّقها و تكوّنها عندهم لاتحتاج الي جعل اخر غيره و يكفيها جعل الاربعة و هذا القول خروج للّه سبحانه عن السلطنة و الحكمة و تكذيب له تعالي في قوله الم تر الي ربّك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثمّ جعلنا الشمس عليه دليلاً و لاشي‏ء في التابعيّة باعظم من الظل و هو سبحانه جعل جعله منسوباً الي نفسه من غير جعل الشمس التي هي الوجود و تمام الكلام في ذلك في شرح الفوائد لشيخي و استادي ادام‏اللّه حراسته و لانطول الكلام بذكره و مرادنا الاشارة الي اشارات كلام الامام7 ليتفطّن الناظر و يستبصر الطالب.

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 244 *»

و قوله7 و ليس في واحد منهما لون و لا وزن و لا ذوق يحتمل معنيين احدهما ماذكرنا من انّ المراد بالمقدّر هو الوجود و التقدير هو الماهيّة و علي هذا امّا الوجود فلاشكّ انّه ليس فيه لون و لا وزن و لا ذوق لانّه مجرّد عن الحدود و الاوضاع و امّا الماهيّة فهي خطوط و حدود اذا تعلّقت بالمقدّر المحدود يتولّد بذلك اللون و الذوق و الوزن والاّ فهي من حيث هي ليس لها لون مرئي و لا وزن موزون مقدّر و لا ذوق لانّها محض الهيئة فلاتظهر اثارها الاّ بالتعلّق فاللون و الذوق و الطعم انّما تحصل من اقتران الوجود بالماهيّة لا بكلّ واحد منهما كما لايخفي.

و ثانيهما ان‏يكون المراد من التقدير هو الفعل الخاصّ المتعلّق بالشي‏ء حين ايجاده و بعبارة اخري هي الرأس المختصّ بالشي‏ء عن المشيّة الكليّة و لاشكّ انّه ليس له وزن و لا لون و لا ذوق و ذلك معلوم و كونه مخلوقاً ايضاً معلوم لايحتاج الي البيان.

و لمّا كان الوجود و الماهيّة لاينفك احدهما عن الاخر و لاينفك خلق حادث عنهما لما ثبت انّ كل شي‏ء حادث مركّب من جزئين فربّما يرد علي هذا القول اعتراض و هو انّ كلّ واحد من الجزئين حادث فيجب ان‏يكون مركّباً من جزئين الوجود و الماهيّة و هما ايضاً حادثان فيحتاجان الي جزئين اخرين و هكذا فيتسلسل و لايتمّ خلق مخلوق لانّه موقوف بوجود اجزائه و كلّ جزء موقوف وجوده علي اجزاء فلاتناهي في مبدء الاجزاء فلاوجود للاجزاء فلاوجود للمركّب فيجب انتهاء الاجزاء المركّبة الي جزء واحد بسيط و الادلّة العقليّة و النقليّة تبطل كلّ مفرد بسيط غير الذات البحت سبحانه و تعالي فاراد7 دفع هذا الاعتراض و قال و جعل احدهما يدرك بالاخر و جعلهما مدركين بنفسهما يعني انّه تعالي جعل كلّ واحد منهما شرطاً لوجود الاخر فلايتحقّق احدهما الاّ بالاخر فادراك احدهما بالاخر و الادراك بمعني الوجود و الوصول فاحدهما لايوجد الاّ بالاخر فليس لاحدهما وجود مستقلّ

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 245 *»

بدون الاخر فالوجود تحقّقه و ظهوره بالماهيّة و الماهيّة تحقّقها و تأصّلها بالوجود فوجود الوجود نفسه و ماهيّته ربطه بالماهيّة و وجود الماهيّة نفسها و ماهيّتها ربطها بالوجود فلاوجود لاحدهما الاّ بالاخر و لايحتاج كلّ واحد منهما الي اخر منفصل بل قوام احدهما بالاخر و قوام الاخر به علي حدّ الدور المعي و الاحكام المتضايفة و المتساوقة مثل اللبنتين المعتمدة احديهما بالاخري فادراك كلّ واحد منهما بالاخر و ادراك الاخر به كما قال الصادق7 خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها فانقطع التسلسل فالماهيّة وجودها لايكون الاّ بالوجود المقترن بها و الوجود لايكون الاّ بالماهيّة المقترنة به فاذا انفصل احدهما عن الاخر بطلا و انعدما فاذا اجتمعا تحقّقا و ائتلفا ذلك تقدير العزيز العليم.

ثمّ قال7 تأكيداً و تثبيتاً لما ذكره7 و جعلهما مدركين بنفسهما اشار الي محلّ التمايز و قال7 و ان كان احدهما يقوم بالاخر الاّ انّ لكلّ واحد منهما ادراك غير الاخر و ذلك الادراك منسوب الي نفس كلّ واحد منهما لابشي‏ء اخر اذ لا شي‏ء غيرهما في الوجود المقيّد و لاينزل الوجود المطلق اليه و لايصعد المقيّد الي المطلق فصار ادراك كلّ من الوجود و الماهيّة بنفسهما لانّ كلّ واحد منهما متخالفان في الذات و الصفات و الافعال و الاثار فكيف يكون ادراك احدهما بالاخر فالوجود نور محض و ادراكه النور و الخير و الرشد و الهداية و الحقّ و الصواب و الماهيّة ادراكها اضداد ذلك فهي اصل الظلمة و الشرور و القبايح و الوجود مقام الوحدة و الماهيّة رتبة الكثرة و الوجود مقام الاجمال و الماهيّة مقام التفصيل و الوجود مقام الايتلاف و الماهيّة مقام الاختلاف و الوجود المقبل علي اللّه و الماهيّة هي المعرضة عنه الاّ اذا اسملت و الوجود وزيره العقل صاحب الجنود الخمسة و السبعين من الملائكة و الماهيّة وزيرها النفس الامّارة بالسوء صاحب الجنود الخمسة و السبعين من الشياطين فاذا كان كذلك فلايكون ادراك كلّ واحد منهما بالاخر لانّ الادوات انّما تحدّ انفسها و الالات تشير الي نظايرها و انّما يكون ادراك كلّ واحد منهما

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 246 *»

بنفسه دون الاخر و هذا دليل علي انّ المراد بقوله7 في الفقرة الاولي فجعل احدهما يدرك بالاخر انّه تعالي جعل احدهما يقوم بالاخر لانّ الوجود فعل و الماهيّة انفعال و لايقوم الفعل الاّ بالانفعال و لا الانفعال الاّ بالفعل فلمّا اقترنا و وجدا و تأصّلا استقلّ كلّ واحد منهما بادراك نفسه و مقتضياته و احواله و لايشارك الاخر نعم قد يتّفق لكل واحد منهما حركة عرضيّة بتبعيّة الاخر فاشار صلوات‏اللّه عليه و علي ابائه و ابنائه الطاهرين الي كيفيّة قوامهما و تحقّقهما و وحدتهما و اجتماعهما و كثرتهما و افتراقهما و اختلافهما و اتّفاقهما و تباينهما في هاتين العبارتين المختصرتين و لو اردنا شرح حقيقة الحال بمقتضي المقال لاحتاج الي كلام مبسوط طويل لايسعني الان ذكره و تفصيله فاقتصرت بالاشارة بحذف العبارة.

ثمّ اراد7 ان‏يبيّن قاعدة كليّة مطّردة يشمل جميع احوال الامكانات و المكوّنات فقال7 و لم‏يخلق خلقاً شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده و هذا معلوم واضح فلذا اتّفقت كلمة الكلّ علي انّ كلّ ممكن زوج تركيبي و ذلك لانّ الحادث لابدّ له من جهة يشير بها الي نفسه و جهة يشير بها الي ربّه و صانعه لانّا نجد بالضرورة اذا رأينا اثراً انتقلنا به الي وجود مؤثّره و تلك الدلالة شي‏ء موجود في ذاته و نقش فحواني في حقيقته و لولا ذلك لما دلّ عليه ولو جاز ان‏يدلّ شي‏ء علي شي‏ء بدون وجود جهة ذلك الشي‏ء فيه لدلّ كلّ شي‏ء علي كلّ شي‏ء و هو في‏البطلان بمكان فوجب ان‏يكون في الاثر امراً وجوديّاً يدلّ علي مؤثّره و قد ننظر الي الاثر و نشتغل بحدوده و اوضاعه و احكامه فنغفل حينئذ عن مؤثّره فيكون الحاجب جهة اخري بالضروره و لايخلو حادث و اثر عن هاتين الجهتين و هما علّة التركيب فالجهة الاولي التي هي دليل المبدء هو المسمّي بالوجود و الجهة الثانية الحاجبة هي الماهيّة و هو قول اميرالمؤمنين7 تجلّي لها بها و بها امتنع عنها و قول السجّاد7 و انت لاتحتجب عن خلقك الاّ ان‏تحجبهم الامال دونك و كلّ شي‏ء قابل لاثر المؤثّر ففيه شيئان قابليّة و اثر المؤثّر و في

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 247 *»

كلّ شي‏ء جهة رفع و انخفاض و هكذا فاذا وجد شيئان وجدت اربعة و اذا وجدت اربعة وجدت ستّه‏عشر و هكذا الي مالانهاية له من الاطوار و كلّ جهة تقتضي حكماً غير ماتقتضي الجهة الاخري فيكون كلّ شي‏ء جامع مملّك جميع ما في العالم كلّه من القرانات و الاوضاع فانّ الاعداد الغير المتناهية في البدو و العود اصلها الثلثة و كلّ تلك الاعداد جهات ظهورات الثلثة و اطوار تعيّناته في صورة التربيع و التكعيب و الجذر و غير ذلك و لمّا كان كلّ شي‏ء اصله الجهتان كانت فيه تلك الاحوال كلّها الاّ انّ بعضها ظاهر و بعضها كامن يحتاج لاظهارها الي مرجّحات و متمّمات و مكمّلات و غيرذلك والاّ فكل شي‏ء جامع لكلّ شي‏ء لانّ كلّ شي‏ء مركّب من شيئين فافهم.

و قوله7 لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته يبطل قول اهل الاعداد انّ الواحد ليس من الاعداد و الاعداد كلّها تحصّلت منه فيكون اوّل الاعداد عندهم اثنين و قال بعضهم و هو فيثاغورس الحكيم انّ اوّل الاعداد ثلثة لا اثنان لانّ الاثنين زوج و الفرد اشرف من الزوج و لايجوز ان‏يكون المبدء زوجاً لبطلان الطفرة فوجب ان‏يكون ثلثة و لم‏يتفطّنوا الي قول مولينا و امامنا7 انّ اللّه سبحانه لم‏يخلق فرداً قائماً بنفسه و كيف يكون الواحد موجوداً في عالم الحدوث و الحادث مخلوق و هو سبحانه ماخلق فرداً بل خلق ماخلق زوجاً فاين الواحد اذن حتّي لايكون من الاعداد و لم‏يعرفوا انّ الواحد هوالثلثة التي قد غلبت عليها جهة الوحدة فخفيت المراتب الاخر عند ظهور سلطان الوحدة كما تسمّي الرجل بالخلط الغالب عليه فتقول صفراوي او سوداوي او بلغمي او دموي مع انّه لايخلو من شي‏ء من هذه الاخلاط و كذلك الوحدة العدديّة فانّ اصلها ثلثة غالبة عليها المبدء الذي هو ظهور الوحدة ولذا كان الفاعل مرفوعاً و انّما قلنا ثلثة لانّها اوّل مايظهر من مبادي مراتب الشي‏ء لانّ الشي‏ء في اوّل ماتعلّق به الجعل و خلقه اللّه سبحانه كانت له جهة الي ربّه و جهة الي نفسه و الحقيقة المتوسّطة الجامعة للجهتين الجاري عليهما حكم خلط الطتنجين و التقاء العالمين فهذا اوّل النظر للشي‏ء و النظر الثاني للشي‏ء نظر اجتماع القابل و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 248 *»

المقبول و تفصيل النسبة الارتباطيّة بينهما فيكون بهذا النظر اربعة فالاثنان اربعة و الواحد ثلثة و هما الاصلان كالعرش و الكرسي و ساير الاعداد كالافلاك السبعة و العناصر و المتولّدات و غيرها فروع و تفاصيل لهما منهما تشعّبت و بهما تأصّلت و تقوّمت و اليهما عادت اذا كملت فبيّن7 انّ الواحد الذي لاثاني له و لاتكثّر فيه بوجهٍ ابداً ليس في عالم الامكان والاّ لكان خلق اللّه سبحانه فرداً قائماً بنفسه و هذا مع انّ الادلّة القطعيّة من العقليّة والنقليّة تبطله لايعقل و لايتصوّر و امّا قولهم بانّ الاشياء علي قسمين مركّبات و بسايط فالمراد بها بسايط المركّبات لا مطلقاً و لو اريدت مطلقاً فالمراد بها الاضافيّات و كلّ ما هو تركيبه اقلّ بالنسبة الي مادونه قالوا انّه بسيط و لذا قالوا في الافلاك انّها بسايط و المجرّدات كذلك مع مافي كلّ منهما من التركيب و التأليف علي مابيّنا و شرحنا في ساير المباحث و اجوبة المسائل.

و امّا الاية التي في النفس التي لاتظهر الاّ بكشف السبحات و ازالة الانّيات و قطع الاضافات  فهي قد غلبت عليها جهة الوحدة بحيث اشغلت الناظر عن مشاهدة الكثرات و هو قوله7 جذب الاحديّة لصفة التوحيد لا انّها في الواقع بسيطة مع انّ البساطة و عدم التركيب ايضاً سبحة من السبحات التي يجب كشفها كيف و انّ حقيقتنا التي هي محلّ تلك الاية خلقت من شعاع نور الانبياء: و لاشكّ انّ الشعاع يحكي الجهة السفلي من المنير ففيه ظهور و تركيب المنير و زيادة و قد يكون المنير ايضاً شعاعاً لمن هو اعلي منه فتكون التركيبات متراكمة متكثّرة الاّ انّ الناظر لايراها و لايلتفت اليها لا انّه يري عدمها و مثاله نور السراج لا ظهور له عند الشمس و الكواكب لا ظهور لها عند طلوع النيّر الاعظم و مثل كلمة التوحيد قولك لااله الاّاللّه فانّها حروف مؤلّفة محدودة حادثة مركّبة اذا اطلقتها لاتتوجّه منها الاّ الي الواحد الاحد الذي لم‏يلد ولم‏يولد ولم‏يكن له كفواً احد و كذلك الاسماء الالهيّة المؤلّفة المركّبة من الالفاظ و الحروف المصوغة بهيئات و اوضاع مع انّ المتوجّه اليه بهذه الاسماء و المقصود منها ليس الاّ الذات البحت

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 249 *»

القديم الازلي الذي لايقترن بشي‏ء و لايتّصل بشي‏ء و هذا لايدلّ علي بساطة حادث و انفراده بل يدلّ علي قهر العظيم الجبّار القهّار الذي بظهوره يبطل ماسواه و بنوره يحترق ماعداه سبحانه من عظيم مااعظمه و من عزيز مااعزّه لااله الاّ هو له الحكم و اليه ترجعون فثبت لك انّ الوحدة المحضة خاصّة له تبارك و تعالي لاتدخل في عالم الامكان.

وامّا قوله7 في الصحيفة السجّاديّة لك ياالهي وحدانيّة العدد فالمراد به انّ وحدة العدد ملك و خاصّة بك لانّ اللام للاختصاص والتمليك لا انّها لك في ذاتك فافهم.

ثمّ اراد7 ان‏يبيّن انّ التركيب و الكثرة من علامة الحدوث و من خواصّه لايكون الاّ فيه و امّا القديم فلايجري فيه التركيب لانّ مبني التركيب وجود الجهتين في الشي‏ء جهة الممبدء و جهة نفسه و امّا الذي لايستند الي شي‏ء اصلاً و هو المستقلّ الثابت الذي وجوده لذاته بذاته في ذاته فلايكون فيه جهة الغير اصلاً فيكون واحداً و لذا قال7 للّذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده لانّ التركيب لايكون الاّ بمزج شيئين متضادّين لا متوافقين من كلّ جهة فانّ المائين اذا اختلطا لايتحقّق التركيب و انّما هما شي‏ء واحد و امّا الماء مع التراب فهناك يكون التركيب فانّ التراب من جهة اليبوسة ضدّ للماء من جهة الرطوبة و ان كانا متلائمين متوافقين من جهة البرودة فبتلك الجهة تحقّق التركيب و هكذا القول في كلّ شي‏ء مركّب فانّ جهة التركيب جهة التضاد و التخالف فاذا كان كذلك فكلّ مركّب تدلّ علي انّ له صانعاً ركّبه و مزجه لانّ الاجزاء من حيث هي بينها تضاد و لاشكّ انّ المتنافيين كلّ واحد اذا خلّيا و طبعهما يميل الي جهة خلاف الاخر و لايتوافقان ابداً بوجه من الوجوه سواء قلنا باختيار الاشياء و ادراكها او قلنا بعدم الاختيار فانّ الطبيعتين المتضادتين من حيث هما تنفر احديهما عن الاخري فالمزج و الامتزاج و الاختلاط اقوي دليل علي انّ ثالثاً قهرهما و مزج بينهما كما قال النبي9 في الردّ علي الثنويّة التي قالوا بالهين يزدان و اهرمن من جهة التضاد الواقع في الاشياء فابطل9 قولهم و اثبت الهاً واحداً خالق الضدين و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 250 *»

الجامع بينهما بالتركيب و التأليف و هو قوله تعالي و اذكروا اذ كنتم اعداء فالّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخواناً الاية فالتركيب المفتقر الي الاجزاء و الهيئات مضافاً الي ماذكرنا دليل علي الحدوث و كلّ حادث دليل علي محدث و خالق فلمّا اراد اللّه سبحانه اظهار قدمه و حدوث ماسواه و ذلك لايكون من قبل ذاته فيكون باثاره فجعل الاثار انفسها مؤلّفة مركّبة لتدلّ علي مؤثّر قديم بسيط ليس بمركّب و لا مختلف.

ثمّ بيّن7 نتيجة المقدّمات السابقة و قال فاللّه تبارك و تعالي فرد لا ثاني معه يقيمه و لايعضده و لايكنّه فانّ الحاجة الي الغير امّا من جهة الصدور او من جهة التحقّق و الوجود او من جهة العروض و الوقوف و المحلّ و اللّه سبحانه ليس بمخلوق حتّي يحتاج الي غيره ليصدر عنه و يقيمه ذلك الغير و لا مركّب حتّي يحتاج في تحقّقه الي اجزاء و هيئة تأليفيّة و لا ضعيف الذات و ضعيف البنية حتّي يحتاج في تحقّقه الي حافظ يكنّه و يحفظه و يستره فالفقرة الاولي اشارة الي القيام الصدوري و الثانية الي القيام العضدي الركني و الثالثة الي القيام العروضي و امّا القيام الظهوري فلاريب انّ ظهور العالي بالسافل.

ثم قال7 و الخلق يمسك بعضه بعضاً باذن اللّه و مشيّته و هو قوله تعالي ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع الاية و قال اميرالمؤمنين7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قال الصادق7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و قال الحسين7 و روحي فداه يامن استوي برحمانيّته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيّته كما كانت العوالم غيباً في عرشه محقت الاثار بالاثار و محوت الاعيان بمحيطات افلاك الانوار و قد تقدّم الكلام في معني امساك الخلق بعضه ببعض.

وامّا قوله7 باذن اللّه و مشيّته فليس هذا الاذن اذن السلطان لوزيره في فعل الاشياء و تدبير الامور و لا كاذن السيد لعبده في فعل شي‏ء من الاشياء و لا كاذن الموكّل لوكيله بل هذا الاذن هو امداد وجودي و اعطاء

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 251 *»

غيبي و شهودي به قوام الاشياء و تحقّقه و ذلك هو اذن النار للشعلة في الاضاءة و اذن الذات لليد في الكتابة و لذا تري الفعل منسوباً الي الذات و اسناد الفعل الي المأذون مجاز كما اذا قلت اليد كتبت فهذا مجاز و امّا اذا قلت زيد هو الكاتب فهو حقيقة مع انّ الكتابة اقامها زيدٌ بالحركة و الحركة اقامها باليد و اليد اقامها بنفسها قال7 خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها و قال تعالي اللّه‏ يتوفّي الانفس حين موتها فهذا حقيقة و قال تعالي قل يتوفّيكم ملك‏الموت الذي وكّل بكم و هذا مجاز مع انّ اللّه سبحانه لايتوفّي بذاته و انّما هو بالملك و هكذا قال تعالي قل اللّه خالق كلّ شي‏ء و هو الحقيقة و قال ايضاً هو الذي خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عمّا يشركون و هذا هو الحقيقة و قوله تعالي و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون طيراً باذني و هذا هوالمجاز و قوله تعالي و اللّه خيرالرازقين و تبارك اللّه احسن الخالقين و هذا هو المجاز و المعني في الجميع واحد فاللّه سبحانه هو الذي يمسك الاشياء بعضها ببعض و هوالممسك لها حقيقة و نسب الامساك الي الخلق بقوله7 و الخلق يمسك بعضه بعضاً مجازاً و اتي بالاذن و المشيّة لبيان سرّ غامض كتمانه في الصدور خير من اظهاره في السطور و لانطوّل الكلام بذكره لعدم احتمال الناس الذين يوسوس في صدورهم الخنّاس.

فالمشيّة مشيّة تكوينيّة و هي امراللّه الفعلي الذي اشتقّ منه امراللّه المفعولي فبالفعلي قام السموات و الارض قيام صدور و بالمفعولي قام قيام تحقّق قال تعالي و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره قال تعالي قل الروح من امر ربّي و لقد اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و قال تعالي ينزّل الملائكة بالروح من امره علي من يشاء من عباده قال اميرالمؤمنين7 انا الروح من امر ربّي و قال مولينا الصادق7  من قال نحن خالقون بامراللّه فقد كفر فالامر ثلثة امر فعلي و امر مفعولي و امر عرفي قال تعالي و ما امرنا الاّ واحدة فافهم الاشارة بلطيف العبارة و كم من خبايا في زوايا و تعيها اذن واعية.

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 252 *»

ثمّ لمّا ابان الحق و كشف الصدق فاظهر7 مستسرّات الغيوب و اوضح عن سرّ باطن باطن القران بقوله7 والخلق يمسك بعضه بعضاً و ازاح العلل و الطغيان من افهام اشباه الانسان بقوله باذن اللّه و مشيّته و دلّ7 علي حقيقة السرّ اراد7 ان‏يبيّن وجه احتجاب الخلق عن هذه الحقايق و عدم اطّلاعهم بهذه الدقايق فقال روحي له الفداء و انّما اختلف الناس في هذا الباب حتّي تاهوا و تحيّروا و طلبوا الخلاص من الظلمة في وصفهم اللّه سبحانه بصفة انفسهم فنظروا الي جهة ماهيّاتهم المدبرة و انّياتهم المعرضة فالتفتوا الي الحدود و سلكوا سبيل الجحود فوصفوا اللّه سبحانه بصفات المخلوقين و هو سبحانه و ان كان‏يعرف بالخلق ولكن كما ذكرنا سابقاً بصفته التي جعلها عارية عندهم و هي صفته تعالي فاذا نظروا اليها نظروا اليه تعالي بوصفه الذي اراد من الخلق و اذا نظروا الي جهات انفسهم و حدود ذواتهم من دون كشف سبحاتهم وقعوا في الضلالة و الجهالة و لذا قالوا انّ واجب الوجود كلّي و انّ الوجود مشترك معنوي او انّه تعالي جزئي حقيقي يجامع الجزئي الاضافي او انّه جزئي لايجامع او انّه كلّ الاشياء او انّ الاعيان الثابتة مستجنّة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة او انّها مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات او انّ اللّه سبحانه هو الواحد المتعيّن باطوار التعيّنات او انّه معطي الاشياء و ليس فاقداً لها او انّ اللّه تعالي هو الفاعل بذاته المباشر للاشياء كذلك او انّه تعالي عين مشيّته و ارادته او انّه تعالي معزول عن خلقه و وكّل امر الخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة علي الامام و فوّض الامر اليه7 و امثالها من العقايد الفاسدة و الاقوال الباطلة التي نشأت كلّها من مشاهدة انفسهم و وصف اللّه سبحانه بصفات انفسهم الملعونة فنسوا تلك النفس التي من عرفها فقد عرف اللّه كما قال اميرالمؤمنين7 من عرف نفسه فقد عرف ربّه و لمّا كانت النفس المنكوسة هي علّة الكثرة و الاختلاف و الاضطراب جعل7 الاختلاف منسوباً اليها.

ثمّ اشار7 الي النفس العليا التي هي نفس اللّه تعالي فقال

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 253 *»

ولو وصفوا اللّه عزّ و جلّ بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين لانّ اللّه تعالي جعل عندهم مشعرين مشعر لاجل معرفته تعالي و لان‏يصفوه بما عرّفهم اللّه تعالي بذلك المشعر و هو وصف‏اللّه تعالي لخلقه بخلقه و تجلّيه لهم بهم كما قال7 بل تجلّي لها بها و مشعر لاجل معرفتهم انفسهم بحدود انّياتهم و ماهيّاتهم و حقايقهم فلو استعملوا المشعرين لظهر لهم الحق من البين فوصفوا اللّه بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم و استراحوا عن الاختلاف و وضعوا كلّ شي‏ء في موضعه و جعلوا كلّ شي‏ء في مستقرّه لكنّهم زاغوا فازاغ اللّه قلوبهم فهم ناكسوا رؤسهم عند ربّهم.

ثمّ قال7 واللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و الصراط المستقيم هو الامام7 لدلالة الاخبار المتواترة و العقول المستنيرة كما فصّلنا في شرح الخطبة فمن وفقه‏اللّه و هداه الي متابعة الامام7 فقد بلغ الامر و تمّ الكلام و نجا من الاختلاف و وقف علي حقيقة النجاة و هذا التوفيق لايكون الاّ بالاقتداء بهم و الاقتفاء بسنّتهم و سلوك سبيلهم ذللاً و هو قوله تعالي و انّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لاتتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله و قال تعالي  و انّ هذا صراط علي مستقيم لانّ المعصوم7 ناظر الي الواحد و العاصي ينظر الي الكثير و الاختلاف من جانب الكثرة لا من جانب الوحدة كما قال عزّ و جلّ رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلما لرجل هل يستويان مثلاً و هذا معلوم لايحتاج الي الاطناب و البيان.

فلمّا عرف عمران ما ذكره7 و انّه جري علي كمال المعرفة البالغة و الحكمة الكاملة التي جري عليها النظام و التكوين و ابتني عليها حقيقة الدين صدّق و سلّم و قال اشهد انّه كما وصفت ولكن بقيت لي مسألة.

قال7 سل عمّا اردت قال اسألك عن الحكيم في اي شي‏ء هو و هل يحيط به شي‏ء و هل يتحوّل من شي‏ء الي شي‏ء او به حاجة الي شي‏ء قال الرضا7 اخبرك ياعمران فاعقل ماسألت عنه فانّه من اغمض مايرد علي المخلوقين في مسائلهم و ليس يفهمه المتفاوت عقله العازب حلمه و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 254 *»

 لايعجز عن فهمه اولوا العقل المنصفون امّا اوّل ذلك فلوكان خلق ماخلق لحاجة منه لجاز لقائل ان‏يقول يتحوّل الي ماخلق لحاجته الي ذلك و لكنّه عزّ و جلّ لم‏يخلق شيئاً لحاجة و لم‏يزل ثابتاً لا في شي‏ء و لا علي شي‏ء الاّ انّ الخلق يمسك بعضه بعضاً و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه واللّه جلّ و تقدّس بقدرته يمسك ذلك كلّه و ليس يدخل في شي‏ء و لايخرج منه و لايئوده حفظه و لايعجز عن امساكه و لايعرف احد من الخلق كيف ذلك الاّاللّه عزّ و جلّ و من اطّلعه عليه من رسله و اهل سرّه و المستحفظين لامره و خزانه القائمين بشريعته و انّما امره كلمح البصر او هو اقرب اذا شاء شيئاً فانّما يقول له كن فيكون بمشيّته و ارادته و ليس شي‏ء من خلقه اقرب اليه من شي‏ء و لا شي‏ء ابعد منه من شي‏ء افهمت ياعمران قال نعم ياسيّدي فهمت و اشهد انّ‏اللّه علي ماوصفت و وحّدت و انّ محمّداً9 عبده المبعوث بالهدي و دين الحق ثمّ خرّ ساجداً نحو القبلة و اسلم.

حاصل سؤال عمران رحمه‏اللّه انّي علمت بما استفدته من كلماتك الشريفة و حججك البالغة انّ علّة حدوث كلّ حادث انّما هي حدوث ارادته و مشيّته و ابداعه من الفاعل الاوّل و انّ هذه العلّة خلق متوسّط بينه و بين مفاعيله ثمّ لاشكّ في انّ الداعي الي توسيط هذه الواسطة انّما هو حكمة الفاعل و كونه مراعياً لصلاح حال مفاعيله لانّه سبحانه و تعالي غيرمحدود الذات و غيرمحصور القدرة و القوّة فلوتجلّي لكلّ مخلوق بتمام قدرته و قوّته و سطع عليه بتمام انوار ذاته لادّي ذلك الي افناء ذلك الشي‏ء و اعدامه فكان يكون حينئذ ايجاده للشي‏ء اعداماً له فلذلك جعل الحكيم تعالي شأنه بحكمته بينه و بين كلّ مخلوق واسطة خاصّة من فعله هي ارادته المختصّة به الموجهة نحو تكوينه و جعل برحمته لتلك الواسطة طرفين طرف عال متعلّق بكينونته تعالي علي سبيل الاستمداد و سافل طالع من افق وجود المراد علي سبيل الامداد و هكذا جعل ملاك وجود كلّ ذي‏سبب سببه و قدّم المتقدّم و اخّر المتأخّر و رتّب المراتب المترتّبة بالطبع من افاعيله كما يشعر اليه قوله تعالي  و ان من شي‏ء الاّ عندنا

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 255 *»

 خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم و قوله تعالي انّا خلقنا الانسان من سلالة من طين ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين ثمّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثمّ انشأناه خلقاً اخر.

فمن ملاحظة هذه الحكمة و الترتيب ينقدح لي هناك شكّ اخر و هو انّ هذا الحكيم الذي يتوسّل بخلق الارادة الي خلق المراد و يتسبّب بوجود السبب الي وجود ذي‏السبب و يتحوّل من شأن الي شأن و ينتقل من فعل الي فعل هل يجوز ان‏يقال انّه يتنزّل من مرتبة ذاته الي مرتبة شئوناته و ينتقل من مرتبة الي مرتبة اخري و كيف يحيط به شأن بعد شأن او كيف يجوز ان‏يكون به حاجة في خلق المتأخّر الي خلق المتقدّم او في ايجاد المسبّب الي ايجاد سببه او في انشاء المراد الي انشاء ارادته و جواز هذه الظنون في حقّه تعالي يؤدّي الي مايقوله الوجوديّة من طائفة الصوفيّة القائلين بالتنزّلات و التطوّرات و تطوّر الخالق باطوار المخلوقات فانّ المريد اذا تنزّل الي مرتبة ارادته المتطوّرة بطور مراده لزم ان‏يتطوّر المريد ايضاً بطور مراده و هذا قول يشمئزّ عنه قلوب اهل التوحيد و من هذه الجهة سأل ماسأل انّما عدل عن طور الاعتراض الي طور السؤال اظهاراً لكمال الادب و مراعاة لحق التعظيم اذ لاينبغي الاعتراض و التشكيك مع الامام7 و ليس معه الاّ السؤال و السكوت و الصمت و لذا قال تعالي خطاباً لاميرالمؤمنين7 فلا و ربّك لايؤمنون حتّي يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لايجدوا في انفسهم حرجاً ممّا قضيت و يسلّموا تسليما و لذا قال رحمه اللّه‏ اسألك عن الحكيم في اي شي‏ء هو و هل يحيط به شي‏ء كما يزعمون انّه يتطوّر بالاطوار و يتعيّن بالتعيّنات و لاشكّ انّ الحدود محيطة بالذات و الصور مكتنفة للمادّة و هل يتحوّل من شي‏ء الي شي‏ء بجعل الاسباب و اجراء الحكم و المسبّبات علي نحوها مرّة يسخّن و مرّة يبرّد و مرّة يرطّب و مرّة يبيّس و مرّة يظهر و مرّة يخفي و كلّ يوم هو في شأن هل في الانتقال الي هذه الشئون و الاطوار له حاجة يستكمل بها او لسرّ و مصلحة اخري.

و امّا تفسير جوابه7 فهو انّ ملاك جواز القول بتنزّل الفاعل و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 256 *»

تحوّله في مراتب شئوناته و اطواره في افعاله انّما هو احتياجه الي فعله اي كون الفاعل في جوهر ذاته او في كمال ذاته مقتضياً لان‏يفعل فيكون مثل هذا الفاعل فاعلاً موجباً غيرمختار و يكون ارادة الفعل جزء من ذاته او لازماً لذاته و علي كلّ تقدير يكون الارادة من صفات ذاته لامتناع انفكاكه عنه فمثل هذا الفاعل يكون مستكملاً بفعله لانّ حاله فيما يقتضيه بارادته كحال النطفة فيمايقتضيه بطبيعته من الصورة الانسانيّة او كحال طبيعة المريض فيمايقتضيه من كمال الصحّة و هذا المريد لكونه قبل نيل مراده ناقصاً و يصير بنيل مراده تامّاً متي نال مراده هوي و انحدر اليه و تنزّل من طوره السابق علي نيل المراد الي الطور اللاحق به بعده فجوهر ذات هذا الفاعل يتذوّت بفاعليّته او يستكمل به علي نحو تذوّت المادّة بالصورة او بكمالاتها فهذا الفاعل يكون فاعلاً من وجه و منفعلاً من وجه اخر و يكون احتياجه و تحوّله و تنزّله من الجهة الثانية لا من الجهة الاولي و ايضاً لوكان الفعل بالتنزّل كان له حالتان حالة قبل التنزّل و حالة بعد التنزّل و يلزم ان‏يكون متكثّراً لذكر صلوح التعيّنات فيه و يلزم ان‏يكون محلاّ اما للحوادث او لغيرها و يلزم منه الانفعال و القبول و غيرذلك من النقايص.

وامّا الكامل الفاعل الاحدي الذي لايفعل الاّ بغيره و لايقصد الاّ بارادته و فعله و لايريد الاّ تكميل غيره فارادته و مراده خارجان عن ذاته و غرضه من فعله غير عائد الي ذاته اصلاً فلايجرّ بفعله لنفسه نفعاً و لايدفع به عنه ضرراً و انّما يفعل الفعل و يوجب علي نفسه الفاعليّة من اجل رحمانيّته و بالجملة فاللّه عزّ و جلّ لم‏يخلق شيئاً لحاجة منه الي ذلك لانّه في ذاته ليس في محلّ محتاج الي الاستكمال بالصورة و لا علي صورة ناقصة مقتضية له فهو لم‏يزل قائماً بوحدانيّته لا في شي‏ء و لا علي شي‏ء و ليس اقتضاؤه لفاعلية اقتضاء ضروريّاً ناشياً من احتياج ذاته الي فعله بل هو اقتضاء رحماني اختياري ناش من احتياج الخلق بعضه الي بعض و كون بعضه ممسكاً لبعض فيدخل بعض الخلق في بعض و يخرج بعض الخلق من بعض فيمسك الداخل بالخارج و يمسك الخارج بالداخل و اللّه جلّ جلاله يمسكهما جميعاً من غيردخول فيهما و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 257 *»

لا خروج عنهما و لايئوده حفظهما و لايعجز عن امساكهما و لايعرف احد من الخلق ذلك الامساك من غيردخول و لا خروج الاّاللّه جلّ جلاله و من اطلعه عليه من اهل سرّه.

و لمّا كان هذه المسألة و هي كيفيّة نظام الصنع و تدبير الايجاد و كون كلّ حادث ممكن متقوّم و متحقّق باللّه عزّ و جلّ غيرمستغن عنه ابداً في حال من الاحوال و لا استقلال لاحد من الخلق دونه تعالي و ذلك كلّه باللّه سبحانه من غير ربط و لانسبة و لا اتّصال و لا انفصال و لا توافق و لا تخالف و لا تساو و لا بينونة و لا تغيّر و لا انتقال و لا غيرذلك من الاحوال و لمّا كان فهم هذه المسألة من الامور الصعبة المستصعبة الدقيقة نبّه7 عمران اوّلاً من دقّتها و غموضها حتّي يتوجّه اليها بكلّه و يفرغ لها قلبه و لايتوهّم انّها من المسائل السهلة ليتساهل في فهمها و التوجّه اليها فيفوته المقصود.

و لذا قال7 و روحي فداؤه اخبرك ياعمران فاعقل ماسألت عنه فانّه من اغمض مايرد علي المخلوقين في مسائلهم انّما وصفها7 بالاغمضيّة لابتنائها علي سرّالخليقة و نسبة المخلوقات الي اسبابها و مباديها و نسبة الجميع الي اللّه سبحانه و تعالي و لاشكّ انّ اللّه سبحانه لاكيف له و لا اشارة اليه و هو سبحانه خلق الكيف بمشيّته و ارادته فهما اذن لاكيف لهما لانّهما قد سبقا الكيف و الاين و الاوّليّة و الاخريّة فلايجري عليهما مااجريا و لماكان الكيف من الاعراض فخلق الجوهر مقدّم عليه فلاكيف له في ذاته و الاّ لكان الكيف جوهراً مع انّه عرض بلا اشكال فاذا اراد الانسان ان‏يعرف هذه الحقايق و سرّ الايجاد و كيفيّة احداث الحق سبحانه و تعالي الخلق وجب ان‏يصعد عن عالم الكيف و الصعود عن عالم الكيف يقتضي قطع النظر عن جميع القوي و المشاعر و الحواسّ من القوي العقليّة و الروحيّة و النفسيّة و الخياليّة و الفكريّة و الوهميّة و غيرها من الالات و الادوات و الاحوال و ينظر بعين لايحجبها حدّ عن حدّ و نازل عن صاعد و عال عن سافل و سافل عن عال و مجرّد عن مادّي و قريب عن بعيد و اصل عن فرع و مجتمع عن متفرّق و متفرّق عن مجتمع و عدم عن وجود و وجود عن عدم و جهة عن جهة و مشعر عن مشعر و يري و يسمع من

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 258 *»

كلّ الجهات و يتوجّه بكلّ الحيثيّات.

اما سمعت كلام مولينا الباقر7 لم‏يكن خلواً من الملك قبل انشائه فاثبت للملك الوجود قبل وجوده حين عدمه و كلام مولينا الصادق7 مامعناه انّ ابالهب لم‏يكن كافراً قبل ان‏يعرض عليه التكليف فلمّا كفر كان في ارادة اللّه ان‏يكفر فاثبت القبل في البعد و البعد في القبل لانّ المقام مقام ليس فيه قبل و لا بعد فمعرفة كيفيّة الصنع و الايجاد و سرّ الامر بين‏الامرين و كيفيّة علم اللّه تعالي بالاشياء قبل وجود الاشياء لايعرف الاّ بهذا البصر الحديد الذي هو الان مغطّي عليه لانّ الشي‏ء لايعرف الاّ بماهو عليه فيعرف ذوالكيف بالكيف و الذي لاكيف له يعرف بانّه لاكيف له فاذا عرفت المكيّف بعدم التكييف و الغير المكيّف بالكيف لماعرفت شيئاً منهما و لذا قالوا: امرنا سرّ لايفيده الاّ سرّ و سرّ مقنّع بالسرّ فمن حاول معرفة هذه الدقايق يجب ان‏ينظر بعين تنكشف عندها الحقايق و الاّ فلايزداده كثرة التعمّق الاّ ضلالاً و زيادة السير الاّ بعداً فلمّا كان النظر بتلك العين لتغطيتها بالحجب و الاستار و لايتيسّر الاّ للاوحديين و بدونها لاتحصل البصيرة و اليقين وصف7 هذه المسألة بالاغمضيّة و اخذ يبيّن لعمران مابه يثبت الحق الواقعي لا ان‏يعرّفه فانّ بين الاثبات و التعريف فرق واضح لايستلزم احدهما الاخر الاتري انّه يمكنك ان‏تثبت للاعمي وجود النهار و طلوع الشمس و لايمكنك ان‏تعرّفه و تريه النهار و تعرّف ايّاه الشمس و لذا تري الشيعة يجيئون بالادلّة القطعيّة الي نفي الجبر و التفويض و القول بالامر بين الامرين و امّا دون معرفة هذه المنزلة خرط القتاد و هكذا الكلام في كثير من المسائل فظهر انّ الاثبات لايستلزم التفهيم.

فلمّا بيّن7 غموض هذه المسألة و دقّتها اراد7 ان‏يبيّن صفات الذين يفهمون و الذين لايفهمون ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة و لينبّه الغافل و يوقظ النائم و يرشد المسترشد و يتمّ الحجّة علي الجاحد المعاند فقال7 و ليس يفهمه المتفاوت عقله العازب حلمه و لايعجز عن فهمه اولواالعقل المنصفون. المراد بالعقل مطلق الفهم و الادراك و التعقّل لا العقل

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 259 *»

الذي في مقابلة النفس. المتفاوت العقل هو الذي نظره الي الحدود و القيود و التعيّنات التي هي محلّ الاختلاف و الاضطراب و النظر الي القياسات و البرهانيّات و الجدليّات و المغالطات و الشعريّات و المقدّمات و النتايج و اللوازم و الملزومات و ساير الاختلافات فانّ الذي واقف في هذه المقامات يتفاوت عقله و ادراكه فيثبت و ينفي ما اثبت ثم يثبت ماينفي و هكذا من الامور التي يلزمها الاشكال والاقيسة و النظر الي اللوازم القريبة و البعيدة و امثالها من مقتضيات دليل المجادلة بالتي هي احسن فالذي لايتفاوت عقله هو الذي نظره الي الفؤاد يري كلّ شي‏ء بنفس ذلك الشي‏ء فلايحتاج الي تقديم مقدّمات و تحصيل نتيجة حتّي يشتبه عليه ترتيب المقدّمات فيختلف و يتفاوت ادراكه و امّا اولوا الافئدة فنظرهم مقصور الي اللّه سبحانه و تعالي و عملهم كما قال مولينا الصادق7 انّ‏اللّه اجلّ ان‏يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فاذا عرفوا اللّه باللّه و عرفوا الخلق باللّه فمن اين يأتي الاختلاف لانّه من عند غيراللّه كما قال عزّ و جلّ ولو كان من عند غيراللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فليس الاختلاف عند اللّه فليس عندهم لانّهم عنداللّه قال تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون.

و امّا العازب حلمه فهو الذي بلغ مقام الفؤاد و اتّصل بالمراد فشاهد مقام لاكيف و لاكمّ و لااشارة و لاعبارة و لاجهة و لاقبل و لابعد و هذه الاوصاف هي التي كان يسمعها انّها للّه تعالي و وجدها في نفسه فغاب عنه حلمه و سكونه و تأمّله في نفسه و فقره و احتياجه واستعجل و قال انّ الوجود هو ذات‏اللّه سبحانه و الحدود اعراض عرضت الوجود و تكثّرت كالماء المنجمد والبحر المتموّج كما قال شاعرهم:

و ما الخلق في التمثال الاّ كثلجة و انت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه و يوضع حكم الماء والامر واقع

و قال ايضاً:

البحر بحر علي ماكان في القدم انّ ‏الحوادث امواج و انهار

 

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 260 *»

فلمّا وصل الي ذلك المقام مقام الفناء فقال انّي انااللّه و انااللّه بلا انا و سبحان من اظهر الاشياء و هو عينها و سبحاني مااعظم شأني و امثالها من الكلمات التي كلّها كفر و زندقة نعوذباللّه و هؤلاء هم الذين عزب حلمهم فاستعجلوا و تعدّوا عن الطور و قالوا هذا معني داخل في الاشياء لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خارج عنها لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء فاللّه سبحانه رفع لهم العلم حتّي بلغوا هذه الدرجة القصوي و لم‏يضع لهم الحلم حتّي تاهوا و وقعوا في اسفل درك من الجحيم و قد قال تعالي في الحديث القدسي كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية و كأنّ كلامه7 اشارة الي هذا الحديث الشريف و هو لعمري تمام الكلام في هذاالمقام فانّ الناظر في مقام الحدود و الصور و الاختلافات و النسب و القرانات و ساير الكيفيّات لاينال فهم هذا المطلب الذي هو خارج عن الحدود و الاوهام و اليه الاشارة بقوله المتفاوت عقله و لا كلّ من وصل مقام الفؤاد و لم‏يعرف مقام الفؤاد و لم‏يعرف مقام نفسه فيصغّر عظمة ربّه و ينسب الذليل الحقير المهان و يجعله الرب القاهر العظيم المنّان و هو العازب حلمه.

ثمّ اشار7 الي الناظرين العارفين الذين يفهمون و يعرفون فقال7 و روحي فداؤه و لايعجز عن فهمه اولواالعقل المنصفون و العقل هو العقل المرتفع لاالمستوي و لاالمنخفض بل الاعلي من المرتفع الذي هو مقام الفؤاد و باب المراد و رتبة الوداد و محلّ الاتّحاد و المنصفون هم الذين انصفوا من نفسهم و عرفوها بانّها مخلوقة مدبّرة مرزوقة و لم‏يتعدّوا طورهم و لم‏يستعجلوا بل عرفوا انّ هذا الوصف الذي شاهدناه هو وصف معرفته تعالي جعله عندنا لنعرفه به و ليس هو ذات الحق تبارك و تعالي فانّه اجلّ و اعزّ و اكرم من ان‏يقترن بشي‏ء او يتّصل به حدّ سبحانه سبحانه سبحانه و تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيراً و هؤلاء هم الذين فتح اللّه عن ابصارهم و بصائرهم فعرفوا الحيث و الكيف و اللم فعرفوا مفصولهم و موصولهم و مايئول اليه امورهم و هم اهل العلم و معدنه و خزنته و ورثة العلماء و هم النقباء النجباء بهم يدفع اللّه البلاء و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 261 *»

القضاء.

ثمّ اخذ7 في البيان للاشارة الي نوع المراد و اثبات الحق الواقعي الحقيقي و ان‏لم‏يعرفوا بالفؤاد فاذا ثبت الحق عند احد و اقرّ به و اعتقده فيوشك ان‏يفتح له باب فهمه علي جهة القطع و اليقين و قد مرّ الفرق بين اثبات الشي‏ء و تفهّمه و انّ احدهما لايستلزم الاخر فقال7 امّا اوّل ذلك فلوكان خلق ماخلق لحاجة منه لجاز لقائل ان‏يقول يتحوّل الي ماخلق لحاجته الي ذلك فجعل7 اخر سؤاله اوّلاً لكون الكلام عليه قليلاً و ليس معتدّاً به كثيراً حتّي يفرغ منه سريعاً و يشتغل بالجواب عمّا هو اهمّ و اعظم و قد شرحنا هذه الفقرة في اوّل الحديث لانّه ذكر7 هذا الكلام هناك.

و مراده7 انّه تعالي لوخلق ماخلق لحاجة لجاز ان‏يقال انّه يتحوّل الي ماخلق لحاجته الي ذلك و يتغيّر من حال الي حال و من نقصان الي زيادة و من زيادة الي نقصان مثل الافعال الطبيعيّة كالنطفة فانّها تتحوّل الي المضغة لحاجتها اليها و كذلك المضغة تتحوّل الي العظام و هكذا و امّا الذي لايتحوّل من حال الي حال فليس فعله لحاجة منه الي ذلك الفعل كالسراج الذي يصدر منه الاشعّة مثلاً اذ فعل السراج للشعاع ليس لحاجة منه اليه و لذا لاينقلب و لايتحوّل و انّما هو لمحض الجود و امّا المحتاج فهو بنفسه يتحوّل من حال الي حال لسدّ حاجته و غناء فقره و ذلك واضح معلوم و التحوّل و الانتقال و الحاجة دليل النقصان و ماكان كذلك لايجوز ان‏يكون وجوده عين ذاته لذاته بذاته في ذاته من غير انتظار امر اخر فانّ ذاتي الشي‏ء لايتخلّف فلوكان الوجود و التحقّق الذي يحصل بعد بفعل ذلك الشي‏ء لتخلّف ذلك الوجود عنه فلم‏يكن الوجود من حيث هو ذاتي له لمكان التخلّف فالذي وجوده ذاته لذاته بذاته لايتخلّف و لايتحوّل و لايتغيّر و لايتبدّل و لايطرء عليه حالة و لم‏تختلف عليه الحالات و لم‏يتغيّر بالزيادة و النقصان و لم‏يتركّب و لم‏يتجزّء و لم‏يتقسّم و لم‏يتّصل و لم‏ينفصل و لاتجري عليه الاحوال و الاوصاف و الكثرة و التضاد و التناقض و النفي و الاثبات و ساير احوال الامكان و ذلك كلّه لانّ الوجود ذاته لذاته بذاته لا

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 262 *»

غيرذلك و قد كتبت رسالة لقرّة العين بلامين الولي الحبيب العلي الآميرزا محمّدعلي في هذا المعني و ذكرت انّ عينية وجوده تعالي يقتضي سلب جميع احوال الامكان عنه بالدليل القطعي و من اراد معرفة ذلك مفصّلاً فليراجع تلك الرسالة فانّ فيها مايشفي العليل و يبرّد الغليل.

ثم قال7 اشارة الي الجواب عن سؤاله الاوّل و لم‏يزل ثابتاً لا في شي‏ء و لا علي شي‏ء الاّ انّ‏الخلق يمسك بعضه بعضاً يعني هو سبحانه لم‏يزل ثابتاً كائناً متحقّقاً لا في شي‏ء والاّ لكان محاطاً و ذلك الشي‏ء محيطاً و المحيط اعلي من المحاط و هو محدود متناه فيكون مركّباً و مفتقراً و لا علي شي‏ء ليكون محلاّ له و مقرّاً فيكون محمولاً و الحامل اقوي من المحمول و اعظم.

ثمّ اراد7 ان‏ينزّه اللّه سبحانه عن الاقتران و مباشرة الاشياء فقال الا انّ الخلق يمسك بعضه بعضاً و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه يعني انّ النسبة و الارتباط حاصلة في الاشياء بعضها مع بعض و لمّا كانت الطفرة في الوجود باطلة و وصول السافل الي رتبة العالي كذلك جعل الاشياء بحيث يجري افعاله تعالي فيها بها فيخلق سبحانه بفعله و مفعوله فامسك سبحانه الارض بالسماء و امسك السماء بالنجوم و النجوم بالعناصر النوريّة و العناصر بالقوي المقارنة و القوي بالارواح و الطبايع بالنفوس و النفوس بالارواح و هي الرقايق و الرقايق بالعقول و العقول بجزئيها و هما المادّة و الصورة و الصورة بالمادّة و المادّة التي هي الهيولي الاولي و الوجود و الفؤاد بالمشيّة و الفعل و الفعل بنفسه فانتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و امسك سبحانه الجماد بالنبات و النبات بالحيوان و الحيوان بالملك و الملك بالجنّ و الجنّ بالانسان و الانسان بالانبياء و الانبياء بال‏محمّد سلام‏اللّه عليهم و ال‏محمّد بمحمّد9 و محمّداً بالمشيّة و المشيّة بنفسها و امسك سبحانه المركّبات بالاجزاء و الاجزاء بالمركّبات و الاعراض بالجواهر و اظهر الجواهر بالاعراض و هكذا ترتيب الوجود و نظام كافّة الخلق كلّها مرتبطة بعضها ببعض و هو قوله تعالي ولولا دفع‏اللّه الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 263 *»

 صلوات و مساجد يذكر فيها اسم اللّه و تفصيل المقال في شرح هذه الاحوال يؤدّي الي الاطناب المؤدّي الي الملال.

ثمّ اراد7 ان‏يبيّن انّ‏الخلق في هذا الامساك ليسوا مستقلّين و لا الامر مفوّض و موكول اليهم و لا هم معزولون عن الخالق سبحانه و تعالي كيف ولو كان كذلك لفسدوا و بطلوا و اضمحلّوا و انعدموا بل لا قوام لهم و لا تذوّت و لا تحقّق الاّ باللّه العلي العظيم فقال7 و اللّه جلّ و تقدّس بقدرته يمسك ذلك كلّه امّا القدرة الذاتيّة فانقطع دونها الكلام لانّها ذات اللّه عزّ و جلّ فلاسبيل لاحد من المخلوقين اليها و امّا القدرة الفعليّة التي استطال بها علي كل شي‏ء فهي في مقام الفعل بل هي نفس الفعل و لا كيف لها حتّي تعرف و تبيّن بالكيف فاذن فهو سبحانه يمسك الاشياء فيمدّها بامداد جديد لاتفقد الاشياء طرفة عين والاّ لانعدموا و بطلوا فالاشياء كلّها واقفة بباب اذنه سبحانه لاتجري اللوازم علي الملزومات الاّ باذن منه سبحانه جديد و لايقع الشرط علي المشروط الاّ باذن جديد و لا يؤثّر فاعل في مفعوله الاّ باذن منه جديد فاذا جعلت القطن اليابس مثلاً علي النار بلامانع لاتحرقه النار الاّ باذن جديد و قد قال مولينا الصادق7 لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشيّة و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انّه يقدر علي نقص (نقض خ‏ل) واحدة منها فقد كفر و في رواية فقد اشرك سبحان من قهر الاشياء بقدرته فلايتحقّق في عالم الامكان شي‏ء حقيراً كان ام جليلاً صغيراً كان ام كبيراً الاّ بمشيته تعالي و قدرته و كلّ شي‏ء خاضع له و كلّ شي‏ء خاشع له و كلّ شي‏ء محتاج اليه و هو الغني المتفرّد و فقر الاشياء في كلّ حال و كلّ آن و كلّ وقت الاّ انّه سبحانه و تعالي يسدّ حاجة كلّ محتاج و يمد كلّ فقير بمدده من غير ان‏يدخل في الاشياء او ان‏يخرج منها او يقترن بها و اليه الاشارة بقوله7 و ليس يدخل في شي‏ء و لايخرج منه و لايئوده حفظه.

و لمّا كان هذا المعني ممّا لايعرف و لايدرك الاّ بسرّالفؤاد الذي هو عين اللّه تعالي اعارها خلقه ليعرفوه تعالي بها و يعرفوا اثاره و افعاله و خلقه من حيث

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 264 *»

صدورها عن فعله و هي كما ذكرنا مجرّدة عن النسب و الاشارات و الحدود و التعيّنات و النظر بتلك العين علي الحقيقة خاصّة اهل الخصوص الذين جاء في حقّهم النصوص جعل7 فهم هذا المعني ممّا يختصّ باولئك الاطهار الابرار فقال7 و لايعرف احد من الخلق كيف ذلك الاّ اللّه عزّ و جلّ و من اطلعه عليه من رسله و اهل سرّه و المستحفظين لامره و خزانه القائمين بشريعته و هذا الدخول هو عين الخروج من جهة الدخول من جهة الخروج و القرب هو عين البعد و البعد عين القرب من جهة البعد من جهة القرب و الظهور عين الخفاء و الخفاء عين الظهور من جهة الخفاء من جهة الظهور و انّي للواقفين مقام الحدود و الرسوم ادراك هذه العينيّة و جمع هذه الاضداد و النقايض و لايكون ذلك الاّ لمن خرج عن عالم الحدود و دخل في عالم الشهود ممن اشهدهم اللّه خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و نظروا الي نور العظمة بقدر سمّ الابرة فطوت لهم الجهات و الحيثيّات فرأوا البعد في عين القرب و الدخول في عين الخروج و الظهور في عين الخفاء و ليس اولئك الاّ من اطلعه اللّه علي غيبه كما قال عزّ و جلّ و ما كان اللّه ليطلعكم علي الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء و قال ايضاً عزّ و جلّ عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و الغيب عن الابصار و البصاير ذلك النور الباهر الذي قال اميرالمؤمنين7 لكميل اطفي‏ء السراج فقد طلع الصبح فالصبح غيب لايظهر الاّ بعد كشف ظلمات الليل و هو شئونات الكثرة و الرسل علي سبيل الحقيقة اهل المجاز و علي سبيل المجاز هو الحقيقة كما روي في تفسير قوله تعالي فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً فعن النبي9 امّا النبيّون فانا و امّا الصدّيقون فاخي علي‏بن‏ابي‏طالب و امّا الشهداء فعمّي حمزة و في رواية اخري هو الحسين‏بن علي‏بن‏ابي‏طالب8 و امّا الصالحون فابنتي فاطمة و ذرّيتها الطيبون و في رواية اخري و حسن اولئك رفيقاً هو القائم المنتظر عجّل‏اللّه فرجه و سهّل مخرجه و جعلنا من اعوانه و انصاره. انّما قلنا

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 265 *»

علي سبيل المجاز لانّ اطلاق الجمع علي المفرد عندهم مجاز و انّما قلنا علي سبيل الحقيقة اهل المجاز فمرادنا ان‏نجعل الجمع علي عمومه فالمراد بالرسل كافّة الانبياء بل الملائكة: انّما قلنا لهم اهل المجاز لانّهم التابعون المخلوقون من شعاع انوار ال‏محمّد صلّي‏اللّه عليه و عليهم اجمعين و التابع مجاز للمتبوع و المراد بالرسل ماهو اعم من التوسّط في الوحي التكويني و التشريعي و هم اهل السرّ و قد جعل اللّه سبحانه سرّ توحيده الذي هو سرّ الاسم الاعظم عندهم و بذلك فضّلوا علي العالمين كما في الدعاء و بالاسم الذي جعلته عندهم و به ابنتهم و ابنت فضلهم من فضل العالمين حتّي فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً فبذلك السرّ نالوا من التوحيد مالم‏تنله ايدي احد من الخلق كما قال النبي9 ياعلي ماعرف اللّه الاّ انا و انت و هم المستحفظون لامره و هو الامر الفعلي و المفعولي و قد قال عزّ و جلّ في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن فكلّ ما سوي الذات وسعه القلب المطهّر لانّ الذات الازل سبحانه و تعالي لايسعه شي‏ء و كلّ السوي داخل في عموم حيطة قول «كن» الذي هو الامر الفعلي و تأكيده و صفته التي هي الامر المفعولي و هم محل لذلك الامر كالحديدة المحماة بالنار فانها محلّ لاثار النار و ظهوراتها و النار هي الفعل فهم محل للفعل و قد قالوا سلام‏اللّه عليهم نحن محالّ مشيّة اللّه و السنة ارادته.

فاذا عرفت هذا فاللّه سبحانه يقول انّما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و قال تعالي و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و غيرهما من الايات و لايمكنني اتكلّم في هذا المقام اكثر من هذا الكلام لمااري في قلوب الناس من وسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنّة و الناس و الحكم للّه العلي الكبير و هم: خزانه القائمون بشريعته في الشرعين اي الشرع الوجودي و الوجود الشرعي و معني الخزّان انّهم امّ الكتاب او انّ عندهم امّ الكتاب و علم الكتاب و مافرّطنا في الكتاب من شي‏ء فكلّ خير و حقّ و مدد وجودي و امدادي و استمدادي كلّه مخزون عندهم ثمّ منهم ينتشر في العباد و البلاد كما في الزيارة و اشهد انّ الحق لكم و معكم و

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 266 *»

 فيكم و بكم و فيها ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه فافهم راشداً و اشرب صافياً.

و هؤلاء هم الذين عرّفهم اللّه سرّ هذه المسألة اي الدخول و الخروج و القرب و البعد من غير اقتران و انتساب و ارتباط و عقل كل احد عاجز عن فهمه و هم المختصّون به دون سواهم و هذا من الاحاديث التي قالوا: انّ حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد حتّي الملك المقرّب او النبي المرسل او المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال7 نحن نحتمله و هذا الحديث اي حديث اميرالمؤمنين7 داخل لا بالممازجة و خارج لا بالمباينة و في اخر داخل لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خارج لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء خاصّ فهمه و ادراكه بهم سلام‏اللّه عليهم يخاطب به بعضهم بعضاً كما صرّح به الامام الرضا7 في هذا الكلام الشريف.

و امّا البيان الظاهري لاهل الرسوم في تحقيق هذا الدخول و الخروج فهو انّه سبحانه و تعالي داخل في الاشياء باثار فعله و اسمائه و صفاته بحيث كانت الاشياء كلّها مظاهر اسمائه و صفاته و كلّ حادث من الحوادث دالّ علي اسم من اسمائه داخل في حقيقته بل هو عين حقيقته فيعرف اللّه به و هو سبحانه و تعالي خارج عنها بذاته و حقيقته فانّ الاشياء كلّها لا ذكر لها عنده كما صرّح به قول مولينا الباقر7 كما في الكافي انّ اللّه خلو من خلقه و خلقه خلوّ منه و هذا في الذات لا انّ هذه النسبة اي نسبة البينونة موجودة في الذات كلاّ و حاشا و انّما اردت التعبير عن نفسي بل الاشياء لا ذكر لها هناك حتّي تسلب و تنفي او تثبت و توجد فالنفي و الاثبات و السلب و الايجاب كلاهما منتفيان في رتبة الذات و لذا قال7 خارج لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء اذ لاتجد شيئاً ينفي عن الاخر الاّ و ذلك الاخر مذكور في الشي‏ء الخارج غيرالحق القديم تبارك و تعالي اذ لا ذكر لغيره عنده و غيوره تحديد لماسواه و هذا هو البيان الرسمي لهذا الكلام الشريف.

و امّا البيان الحقيقي فكما قال7 و روحي له الفداء لقد كلّت

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 267 *»

دونه البصاير و الابصار انّ في ذلك لذكري لاولي الابصار و يجوز ان‏تقول انّ شيعتهم المخلصين و اولياءهم المقرّبين يدخلون معهم بالتبعيّة لانّهم منهم لقوله تعالي فمن تبعني فانّه منّي فيشملهم الاعلام و المعرفة و لو بحسب مقامهم و رتبتهم فيعرفون رشحاً من قطرات بحار تلك الانوار لانّهم ممّن جاسوا خلال تلك الديار و ذلك بعد ان‏يظهر لهم سرّ من نور العظمة و يكشف عنهم حجب الانّية و اولئك الاقلّون اعزّ من الكبريت الاحمر و ذلك البيان لايكتب في السطور و انّما يكتم في الضماير و الصدور.

ثمّ قال7 تأكيداً للبيان و زيادة للتبيان انّما امره كلمح البصر او هو اقرب اذا شاء شيئاً فانّما يقول له كن فيكون بمشيّته و ارادته يعني ان تراه من تحقّق الاسباب و اجراء احكام المسبّبات و الفور و التراخي في الازمنة و الساعات و التقديم و التأخير في الحالات ليس لاجل انّ اللّه عزّ و جلّ لايقدر علي الفعل الاّ بالتدريج كلاّ بل امر اللّه واحد و تحقّقه كلمح البصر او هو اقرب اي بل اقرب بقرب لانهاية له فانّ اصف بن برخيا اتي بعرش ملكة سبا من اليمن الي الشام في اقلّ من لمح البصر بسرّ حرف من حروف الاسم الاعظم الذي نسبته الي هذا الامر الفعلي الذي ذكره7 نسبة جزء من مأة الف الف الف الف الف الف الف جزء من رأس الشعير و استغفر اللّه عن التحديد بالقليل فكيف اذا نسبة الامر الاوّل الايجادي الذي كلّ الاشياء انّما تحقّقت به و انّما ذكره لمح البصر اقتداء بكتاب اللّه و انّما ذكره اللّه عزّ و جلّ لكون هذا اقرب الاشياء عند الناس فيما يفهمون و يعقلون و بالجملة فامراللّه تعالي واحد جاري اوجده اللّه تعالي لا من شي‏ء.

و لمّا اراد في الحكمة ان‏يخلق الاشياء بالاختيار و بترتّب الاسباب جعل لظهور ذلك الامر اسباباً تظهر شئون ذلك الامر الموجود المتحقّق و لذا قال7 في تفسير قوله تعالي كلّ يوم هو في شأن قال7 شئون يبديها لايبتديها و مثاله نور الشمس فانّه موجود اذا وجد الشمس الاّ انّ لظهوره اسباباً من الاجسام الكثيفة كالجدار و الارض و غيرهما و امّا النور فموجود واحد متحقّق كلمح البصر او هو اقرب فنور الشمس

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 268 *»

هو مثال الامر الفعلي في مقام و المفعولي في مقام اخر و ظهوره بحسب وجدان الجسم الكثيف يتراخي و يتقدّم و يتأخّر كذلك الموجودات فاصل الفيض التكويني الذي منه سبحانه قد تحقّق و وجد و امّا القابليّات و الماهيّات التي تحصل بقرانات الصور و الطبايع و الهيئات و الاوضاع و الاسباب و المسبّبات التي تحقّقها به تعالي لا منه فهي التي تتقدّم و تتأخّر فيظهر ذلك النور الامري فيها علي حسبها متقدّماً و متأخّراً فامره واحد جاري مستمرّ بلاانقطاع ابدالابد و دهر السرمد و التغييرات بالقابليّات و هو احد معاني قوله7 جفّ القلم بما هو كائن. او نقول امراللّه سبحانه في ايجاد الكائنات و المكوّنات من الازل الي الابد الي يوم‏القيمة و ماوراها الي مالانهاية له كلّ ذلك عنداللّه سبحانه موجود قد تعلّق به الامر الايجادي و التكويني بدون تراخي زمان و انّما هو كلمح البصر او هو اقرب لانّ اللّه سبحانه لايستقبل و لاينتظر و لايتجدّد عنده شي‏ء لم‏يكن قبل و لايجري عليه المضي و الحال و الاستقبال فكلّ شي‏ء عنده موجود حين وجوده قبل وجوده ولكنا نحن لمّا كان ليس لنا تلك الاحاطة فنتقلب في الاحوال و نشاهد الماضي و الاستقبال و الحال و لا كذلك القادرالحي القديم المتعال و هذا احد معاني قوله7 جفّ القلم بماهو كائن.

و لاتتوهّم انّه كما يقولون انّ اللّه قد فرغ من الامر لانّه قد احدث ما احدث سبحانه سبحانه سبحانه و تعالي عمّا يقولون لاتعطيل لفيضه و لا نفاد لمدده و لاانقطاع لجوده و ليس هنا مضي و لا حال و لا استقبال فكيف يتصوّر فرغ و مضي هذا قول اليهود يداللّه مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بماقالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فهو سبحانه اذا نسبت الاشياء اليه تعالي فهي عند فعله و قدرته منقطعة محدودة و امّا هي في نفسها فلاانقطاع لها و لا لتجدّدها و هو قوله تعالي عطاء غيرمجذوذ و كلّ هذه الاحوال الغيرالمتناهية كلّها احوال الامر الذي بين الكاف و النون في قول «كن» و هو نهر يجري من هذين البحرين بحر الكاف و النون و العرش علي ذلك الماء و يجري كالفلك علي ذلك البحر الذي هو النهر و لانهاية لذلك النهر و لانفاد لذلك السير و هو

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 269 *»

يسير و هذايجري من بين الجبلين جبل الكاف و جبل النون و هما حرفان قد تكلّم بهما متكلّم القدرة فلنقبض العنان فللحيطان اذان و تعيها اذن واعية و هذا الامر المؤلّف من الحرفين عنده تعالي اقرب من لمح البصر بل هو اقرب بمالانهاية له سبحانه من عظيم مااعظمه و من قدير مااقدره كذلك اللّه ربّنا لااله الاّ هو له الحكم و اليه ترجعون.

ثمّ بعد ما اوضح7 الحق و بيّن الصدق و ابان عن اضمحلال الحوادث و استقلال الحق القادر بمالامزيد عليه اراد ان‏يزيل ماربّما يتوهّم انّ هذه الترتيبات الكائنة في الوجود من العلل و الاسباب بعضها اقرب الي اللّه تعالي من الاخر حتّي تعلّق الجعل به دون غيره قال7 و ليس شي‏ء من خلقه اقرب اليه من شي‏ء و لا شي‏ء ابعد منه من شي‏ء لما ذكره7 سابقاً انّ الاشياء لا نسبة لها مع الذات و الروابط كلّها منقطعة عنده فاين نسبة القرب و البعد ثمّ انّ نسبة الحوادث و المفعولات كلّها الي قدرة الفاعل و هيمنته و استيلائه نسبة واحدة ليس شي‏ء اقرب منه الي شي‏ء و لا ابعد منه كذلك و هو القادر المهيمن المستولي علي الكلّ بنسبة واحدة و القادر علي تقديم ماقدّم و تأخير مااخّر لكنّه سبحانه لمّا خلق الاشياء علي جهة الاختيار و التكليف و جعل لها قوابل و استعدادات و تمكينات و تمكّنات و اسباباً لينالوا بها تلك القابليّات فمن مقدّم بقابليّته و مؤخّر بها و تابع بقابليّته و متبوع بها و سافل بها و عال بها و هكذا فنسب الاشياء بعضها ببعض متفاوتة وامّا بالنسبة اليه تعالي و قدرته و هيمنته و استيلائه نسبة واحدة و حكم واحد لا اختلاف فيه كما قال عزّ من قائل ماتري في خلق الرحمن من تفاوت ولو كان من عند غيراللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و غيرهما من الايات و في الحديث في تفسير الرحمن علي العرش استوي قال7 استوي علي العرش فليس شي‏ء اقرب منه تعالي الي شي‏ء و هذا معلوم واضح و امّا سرّ اختلاف القابليّات و تفاوت الاستعدادات و وجه التقديم و التأخير فهو من اصعب مايرد علي العلماء و قد شرحت هذه المسألة بمايمكن ان‏يبيّن و يقال في اجوبة المسائل التي فيها اثبات النبوّة الخاصّة و الولاية الخاصّة بدليل

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 270 *»

‏العقل.

فلمّا ابان7 عن حقيقة التوحيد بماليس عليه مزيد قال افهمت يا عمران ما ارشدتك اليه من نور الحق و حقيقة الصدق و لمّا عرف عمران ذلك و وجد البيان بياناً لايمكن لغيره7 ان‏يأتي بمثله و اتي بمخّ الصدق و محض الحق و اشار الي عجايب من الاسرار و لوّح الي غرايب من العلوم و الانوار و رأي الحق واضحاً كالشمس في رابعة النهار و ادركته عناية اللّه الواحد القهّار فصدّق و سلّم و قال نعم ياسيّدي فهمت واشهد انّ اللّه علي ما وصفت و وحّدت و انّ محمّداً9 عبده المبعوث بالهدي و دين الحق ثمّ خرّ ساجداً نحوالقبلة و اسلم.

الي هنا انتهي مااردنا شرحه من هذا الحديث الشريف الذي هو من معضلات الاخبار ولكنّا نذكر تمام الحديث تيمّناً و تبرّكاً و ان كان ليس فيه مايحتاج ظاهراً الي الشرح و ان كان كلامهم: كلّه منطوياً لاسرار لاتحتملها اولواالافئدة و الابصار فلنذكر الحديث.

قال الحسن بن محمّد النوفلي فلمّا نظر المتكلّمون الي كلام عمران الصابي و كان جَدِلاً لم‏يقطعه عن حجّته احد قط لم‏يدن من الرضا7 احد منهم و لم‏يسألوه عن شي‏ء و امسينا فنهض المأمون و الرضا7 فدخلا و انصرف الناس و كنت مع جماعة من اصحابنا اذ بعث الي محمّدبن‏جعفر فاتيته فقال لي يانوفلي امارأيت ماجاء به صديقك لا واللّه ماظننت انّ علي‏بن‏موسي خاض في شي‏ء من هذا قط و لا عرفناه به انّه كان يتكلّم بالمدينة او يجتمع اليه اصحاب الكلام قلت قد كان الحاجّ يأتونه فيسألونه عن اشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم و ربما كلم من يأتيه يحاجّه فقال محمّدبن‏جعفر يابامحمّد انّي اخاف عليه ان‏يحسده هذا الرجل فيسمّه او يفعل به بليّة فاشر عليه بالامساك عن هذه الاشياء قلت اذن لايقبل منّي و ما اراد الرجل الاّ امتحانه ليعلم هل عنده شي‏ء من علوم ابائه: فقال لي قل له انّ عمّك قد كره هذا الباب فاحبّ ان‏تمسك عن هذه الاشياء لخصال شتّي.

فلمّا انقلبت الي منزل الرضا7 اخبرته بما كان من عمّه محمّدبن‏جعفر7

 

«* جواهر الحكم جلد 4 صفحه 271 *»

فتبسّم7 ثمّ قال حفظ اللّه عمّي مااعرفني به لم‏كره ذلك ياغلام صر الي عمران الصابي فأتني به فقلت جعلت فداك انا اعرف موضعه و هو عند بعض اخواننا من الشيعة قال فلابأس قرّبوا اليه دابّة فصرت الي عمران فأتيته به فرحّب به و دعا بكسوة فجعلها عليه و جمّله و دعا بعشرة الاف درهم فوصله بها فقلت جعلت فداك حكيت فعل جدّك اميرالمؤمنين7 قال7 هكذا يجب ثمّ دعا7 بالعشاء فاجلسني عن يمينه و اجلس عمران عن يساره حتّي اذا فرغنا قال لعمران انصرف بصاحبنا و بكر علينا نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع اليه المتكلّمون من اصحاب المقالات فيبطل امرهم حتّي اجتنبوه و وصله المأمون بعشرة الاف درهم و اعطاه الفضل مالاً و حمله و ولاّه الرضا7 صدقات بلخ فاصاب الرغايب. هذا اخر الحديث و الحمدللّه اوّلاً و اخراً و ظاهراً و باطناً و قد فرغ من تسويد هذه الاوراق منشيها و مؤلّفها عصر يوم الاثنين السابع من شهر شوّال المكرّم في سنة 1241 حامداً مصلّياً مسلّماً مستغفراً.

 

بسمه تعالي

فهرس فقرات الحديث الشريف و شرحها([1])

قال الرضا7 يا قوم ان كان فيكم احد يخالف الاسلام (4) و اراد ان يسأل فليسأل (6) غير محتشم (6) فقام اليه عمران الصابي و كان واحداً من المتكلّمين (9) فقال يا عالم الناس (13) لولا انّك دعوت الي مسألتك لم اقدم عليك بالمسائل (13) فقد دخلت الكوفة و البصرة و الشّام و الجزيرة و لقيت المتكلّمين فلم اقع علي احدٍ يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته (15) أفتأذن لي ان اسألك؟ (18) قال الرضا7 ان كان في الجماعة عمران الصابي فانت هو. قال انا هو (18) قال سل يا عمران (19) و عليك بالنّصفة و ايّاك و الخطل (الختل خ ل) و الجور (20) قال واللّه يا سيّدي ما اريد الاّ ان تثبت لي شيئاً اتعلّق به فلااجوزه (21).

قال7 سل عمّا بدا لك (21) فازدحم الناس و انضمّ بعضهم الي بعض فقال عمران الصابي اخبرني عن الكائن الاوّل (21) و عمّا خلق (25).

فقال7 سألت فافهم اما الواحد فلم‏يزل واحداً كائناً (29) لا شي‏ء معه (32) بلاحدود و لااعراض (33) و لايزال كذلك (34).

ثمّ خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً باعراض و حدود مختلفة (43) لا في شي‏ء اقامه (45) و لا في شي‏ء حدّه (45) و لا علي شي‏ء حذاه و مثله له(46).

فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة و غير صفوة (47) و اختلافاً و ايتلافاً (51) و الواناً و ذوقاً و طعماً (53).

لا لحاجة كانت منه الي ذلك و لا لفضل منزلة لم‏يبلغها الاّ به (59) و لا رأي لنفسه فيما خلق زيادةً و لا نقصاناً تعقل هذا ياعمران قال نعم واللّه يا سيّدي (62). قال و اعلم ياعمران انّه لو كان خلق ما خلق لحاجةٍ لم‏يخلق الاّ مايستعين به علي حاجته و لكان ينبغي ان‏يخلق اضعاف ماخلق لانّ الاعوان كلّما كثروا كان صاحبهم اقوي و الحاجة ياعمران لاتسعها لانّه لم‏يحدث من الخلق شيئاً الاّ حدثت فيه حاجة اخري (62) و لذلك اقول لم‏يخلق الخلق لحاجة ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم الي بعضٍ (64) و فضّل بعضهم علي بعضٍ (68) بلاحاجة منه الي من فضّل و لانقمة منه علي من اذلّ (69) فلهذا خلق (71).

قال عمران ياسيّدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه (72) قال الرضا7 انّما تكون المعلمة لنفي خلافه (73) و ليكون الشي‏ء نفسه بما نفي عنه موجوداً (73) و لم‏يكن هناك شي‏ء يخالفه فتدعوه الحاجة الي نفي ذلك الشي‏ء عن نفسه بتحديد ما علم منها افهمت ياعمران قال نعم واللّه ياسيّدي (73).

فاخبرني ياسيّدي باي شي‏ء علم ما علم ابضمير ام بغير ذلك (76) قال الرضا7 ارأيت اذا علم بضمير هل تجد بدّا من ان‏تجعل لذلك الضمير حدّاً ينتهي اليه المعرفة (78) قال عمران لابدّ من ذلك قال الرضا7 فما ذلك الضمير (78) فانقطع و لم‏يحر جواباً (78).

قال الرضا7 لابأس ان سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير اخر (79) فقلت نعم افسدت عليك قولك و دعويك ياعمران (81).

اليس ينبغي ان‏تعلم انّ‏الواحد ليس يوصف بضمير و ليس يقال له اكثر من فعل و عمل و صنع و ليس يتوهّم فيه مذاهب و تجزية كمذاهب المخلوقين و تجزيتهم (93).

فاعقل ذلك و ابن عليه ما علمت صواباً (94).

فقال عمران يا سيّدي الا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي و مامعانيها و علي كم نوع تكون ؟ (94) قال7 قد سألت فافهم انّ حدود خلقه علي ستّة انواع (114) ملموس (115) و موزون (115) و منظوراليه (116) و مالاذوق له و هو الروح (116) و منها منظوراليه و ليس له وزن و لا لمس و لا حسّ (113) و لا لون و لا ذوق (116) و التقدير و الاعراض و الصور و العرض و الطول (118) و منها العمل و الحركات التي تصنع الاشياء و تعملها و تغيّرها من حال الي حال و تزيدها و تنقصها (119) فامّا الاعمال و الحركات فانّها تنطلق (120) لانّه لا وقت لها اكثر من قدر ما تحتاج اليه فاذا فرغ من الشي‏ء انطلق بالحركة و بقي الاثر (121) و يجري مجري الكلام الذي يذهب و يبقي اثره.

قال عمران يا سيّدي الا تخبرني عن الخالق اذا كان واحداً لا شي‏ء غيره و لا شي‏ء معه اليس قد تغيّر بخلقه الخلق ؟ (122) قال الرضا7 قديم لم‏يتغيّر عزّ و جلّ بخلقه الخلق (124) ولكّن الخلق يتغيّر بتغييره (128) قال عمران فبأي شي‏ء عرفناه ؟ قال7 بغيره (128) قال فأي شي‏ء غيره ؟ قال الرضا7 مشيّته و اسمه و صفته (129) و مااشبه ذلك و كلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر (130) قال عمران يا سيدي فأي شي‏ء هو ؟ قال7 هو نور (130)بمعني انّه هادٍ لخلقه من اهل السماء و اهل الارض (130) و ليس لك علي اكثر من توحيدي ايّاه (131).

قال عمران يا سيّدي اليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لاينطق ثمّ نطق قال الرضا7 لايكون السكوت الاّ عن نطق قبله و المثل في ذلك انّه لايقال للسراج هو ساكت لاينطق (134) و لا يقال انّ السراج ليضي‏ء فيما يريد ان‏يفعل بنا (134)لانّ الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون و انّما هو ليس شي‏ء غيره (135) فلمّا استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتّي استضأنا به فبهذا تستبصر امرك (135).

قال عمران يا سيدي فانّ الذي كان عندي انّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق (136) قال الرضا7 احلت ياعمران في قولك ان الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتّي يصيب الذات منه مايغيّره (137) ياعمران هل تجد النار يغيرها تغيّر نفسها (138) او هل تجد الحرارة تحرق نفسها (138) او هل رأيت بصراً قطّ رأي بصره قال عمران لم‏ار هذا(138).

فقال عمران الاتخبرني يا سيّدي اهو في الخلق ام الخلق فيه (141) قال الرضا7 جلّ ياعمران عن ذلك ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه تعالي عن ذلك (141) و ساعلمك ماتعرفه به (143) و لاقوّة الاّ باللّه (143) اخبرني عن المرءاة انت فيها ام هي فيك (143) فان كان ليس واحد منكما في صاحبه فباي شي‏ء استدللت بها علي نفسك يا عمران (144) قال عمران بضوء بيني و بينها (145) قال الرضا7 هل تري من ذلك الضوء في المرءاة اكثر ممّا تريه في عينيك (146) قال نعم (146) قال7فارناه (146) فلم‏يحر جواباً (147) قال الرضا7 فلااري النور الاّ و قد دلّك و دلّ المرءاة علي انفسكما (150) من غير ان‏يكون في واحد منكما (150) و لهذا امثال كثيرة غير هذا لايجد الجاهل فيها مقالاً (157) و للّه المثل الاعلي (161) ثمّ التفت7 الي المأمون فقال الصلوة قد حضرت فقال عمران ياسيّدي لاتقطع علي مسألتي فقد رقّ قلبي قال الرضا7نصلّي و نعود فنهض7 و نهض المأمون فصلّي الرضا7 داخلاً و صلّي الناس خارجاً خلف محمد بن جعفر ثمّ خرجا فعاد الرضا7 الي مجلسه و دعا بعمران فقال سل ياعمران (165).

قال ياسيّدي الاتخبرني عن اللّه تعالي هل يوحّد بحقيقة او يوحّد بوصف (166)قال الرضا7 انّ المبدء الواحد الكائن الاوّل لم‏يزل واحداً لاشي‏ء معه (168) فرداً لا ثاني معه (168) لا معلوماً و لا مجهولاً و لا محكماً و لا متشابهاً (168) و لا مذكوراً (169) و لا منسيّاً (169) و لا شي‏ء يقع عليه اسم شي‏ء من الاشياء غيره (170) و لا من وقت كان و لا الي وقت يكون (171) و لا بشي‏ء قام (171) و لا الي شي‏ء يقوم (172) و لا الي شي‏ء استند (172) و لا في شي‏ء استكن (172) و ذلك كلّه قبل الخلق (173) اذ لا شي‏ء غيره (173) و ما اوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة (173). و ترجمة (174) يفهم بها من فهم (174).

و اعلم انّ الابداع و المشيّة و الارادة معناها واحد و اسماؤها ثلثة (176) و كان اوّل ابداعه و ارادته و مشيّته الحروف التي جعلها اصلاً لكلّ شي‏ء ( 182) و دليلاً علي كلّ مُدرك و فاصلاً لكل مشكل (187) و بتلك الحروف تفريق كلّ شي‏ء من اسم حق او باطل او فعل او مفعول او معني او غيرمعني (187) و عليها اجتمعت الامور كلّها (189) و لم‏يجعل للحروف في ابداعه لها معني غير انفسها يتناهي (191) و لا وجود لها لانّها مبدعة بالابداع (192) و النور في هذا الموضع اوّل فعل اللّه تعالي الذي هو نور السموات و الارض و الحروف هو المفعول بذلك الفعل (193) و هي الحروف التي عليها الكلام (194).

و العبارات كلّها من اللّه عزّ و جلّ علّمها خلقه (196) و هي ثلثة و ثلثون حرفاً (199) فمنها ثمانية و عشرون حرفاً تدلّ علي لغات العربيّة (200) و من الثمانية و العشرين اثنان و عشرون حرفاً تدلّ علي لغات العبرانيّة و السريانيّة و منها خمسة احرف متحرّفة في ساير اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلّها (205).

و هي خمسة احرف تحرّفت من الثمانية و العشرين حرفاً من اللغات فصارت الحروف ثلثة و ثلثين حرفاً فامّا الخمسة المختلفة فتخجج لايجوز ذكرها اكثر ممّا ذكرنا (205). ثمّ جعل الحروف بعد احصائها و احكام عدّتها فعلاً منه كقوله عزّ و جلّ كن فيكون (206) و «كن» منه صنع و ما يكون به المصنوع (219) فالخلق الاوّل من اللّه عزّ و جلّ الابداع لا وزن له و لا حركة و لا سمع و لا لون و لا حسّ (221) و الخلق الثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غير منظور اليها (223) و الخلق الثالث ماكان من الانواع كلّها محسوساً ملموساً ذاذوق منظور اليها (230) و اللّه تبارك و تعالي سابق الابداع لانّه ليس قبله شي‏ء و لا كان معه شي‏ء و الابداع سابق الحروف (230).

والحروف لا تدلّ علي معني غير نفسها (232) قال المأمون و كيف لاتدلّ علي غيرنفسها (247) قال الرضا7 لانّ اللّه تبارك و تعالي لايجمع منها شيئاً لغير معني ابداً (247) فاذا الّف منها احرفاً اربعة او خمسة او ستّة او اكثر من ذلك او اقلّ لم‏يؤلّفها لغير معني و لم‏يك الاّ امر (لمعني خ‏ل) محدث لم‏يكن قبل ذلك شيئاً (248) قال عمران فكيف لنا بمعرفة ذلك؟ (252) قال الرضا7 امّا المعرفة فوجه ذلك و بابه انّك تذكر الحروف اذا لم‏ترد بها غيرنفسها ذكرتها فرداً فرداً فقلت     ا     ب     ت     ث     ج     ح     خ     حتّي تأتي علي اخرها فلم‏تجد لها معني غير انفسها (252) فاذا الّفتها و جمعت منها احرفاً و جعلتها اسماً و صفة لمعني ما طلبت و وجه ماعنيت كانت دليلة علي معانيها داعية الي الموصوف بها افهمته قال نعم (253).

قال7 و اعلم انّه لاتكون صفة لغير موصوف و لا اسم لغير معني و لا حدّ لغير محدود (255) و الصفات و الاسماء كلّها تدلّ علي الكمال و الوجود و لا تدلّ علي الاحاطة (258) كما تدلّ علي الحدود التي هي التربيع و التثليث و التسديس (259) لانّ اللّه جلّ و عزّ عن ان تدرك معرفته بالصفات و الاسماء و لا تدرك بالتحديد بالطول و العرض و القلّة و الكثرة و اللون و الوزن و مااشبه ذلك (260) و ليس يحلّ باللّه عز و جلّ و تقدّس شي‏ء من ذلك حتّي يعرفه خلقه بمعرفتهم انفسهم (266) بالضرورة التي ذكرناها ولكن يدلّ علي اللّه عز و جلّ بصفاته و يدرك باسمائه و يستدلّ عليه بخلقه حتّي لايحتاج في ذلك الطالب المرتاد الي رؤية عين و لا استماع اذن و لا لمس كف و لا احاطة بقلب (267) فلوكانت صفاته جلّ ثناؤه لاتدلّ عليه (267) و اسماؤه لاتدعو اليه و المعلمة من الخلق لاتدركه لمعناه كانت العبارة (العبادة خ‏ل) من الخلق لاسمائه و صفاته دون معناه فلولا انّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحّد غير اللّه تعالي لانّ صفاته و اسماءه غيره (267) افهمت قال نعم ياسيّدي زدني (268).

فقال الرضا7 ايّاك و قول الجهّال اهل العمي و الضلال الذين يزعمون انّ اللّه جلّ و تقدّس موجود في الاخرة للحساب و في الثواب و العقاب و ليس بموجود في الدنيا للطاعة و الرجاء (269) و لو كان في الوجود للّه سبحانه نقص و اهتضام لم‏يوجد في الاخرة ابداً (270) ولكنّ القوم تاهوا و عموا و صمّوا عن الحق من حيث لايعلمون (271) و ذلك قوله عزّ و جلّ و من كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي و اضلّ سبيلاً يعني اعمي عن الحقائق الموجودة (271)و قد علم ذووا الالباب انّ الاستدلال علي ماهناك لايكون الاّ بماهيهنا (271) و من اخذ علم ذلك برأيه و طلب وجوده و ادراكه عن نفسه دون غيرها لم‏يزدد من (من علم خ‏ل) ذلك الاّ بُعداً (275) لانّ اللّه عزّ و جلّ جعل علم ذلك خاصّة عند قوم يعقلون و يعلمون و يفهمون (276).

قال عمران ياسيّدي الاتخبرني عن الابداع خلق ام هو غيرخلق (279) قال الرضا7 بل خلق ساكن لايدرك بالسكون (281) و انّما صار خلقاً لانّه شي‏ء محدث و اللّه الذي احدثه فصار خلقاً له (281) و انّما هو اللّه و خلقه لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما (291) فما خلق اللّه عزّ و جلّ لم‏يعد ان‏يكون خلقه (294) و قد يكون الخلق ساكناً و متحرّكاً (295) و مختلفاً و مؤتلفاً (297) و معلوماً (299) و متشابهاً (300) و كلّ ما وقع عليه حدّ فهو خلق اللّه عزّ و جلّ (302) و اعلم ان كلّ مااوجدتك الحواس فهو معني مدرك للحواس (303) و كلّ حاسّة تدلّ علي ماجعل اللّه عز و جلّ لها في ادراكها (303) و الفهم من القلب بجميع ذلك كلّه (306).

و اعلم انّ الواحد الذي قائم بغير تقدير و لاتحديد خلق خلقاً مقدّراً بتحديد و تقدير (313) و كان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدّر (316) و ليس في واحد منهما لون و لا وزن و لا ذوق (317) فجعل احدهما يدرك بالاخر و جعلهما مدركين بنفسهما (318) و لم‏يخلق خلقاً شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره (320) للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده (324) فاللّه تبارك و تعالي فرد واحد لا ثاني معه يقيمه و لايعضده و لايكنّه (325) و الخلق يمسك بعضه بعضاً (326) باذن‏اللّه و مشيّته (328) و انّما اختلف الناس في هذا الباب حتّي تاهوا و تحيّروا و طلبوا الخلاص من الظلمة (من الظلمة بالظلمة خ‏ل) في وصفهم اللّه بصفة انفسهم فازدادوا من الحق بعداً ولو وصفوا اللّه عزّ و جلّ بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لمااختلفوا فلمّا طلبوا من ذلك ماتحيّروا فيه ارتبكوا (ارتبكوا فيه خ‏ل) (329) و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم (329) قال عمران ياسيّدي اشهد انّه كما وصفت ولكن بقيت لي مسألة (330).

قال7 سل عمّا اردت قال اسألك عن الحكيم في اي شي‏ء هو و هل يحيط به شي‏ء و هل يتحوّل من شي‏ء الي شي‏ء او به حاجة الي شي‏ء (332) قال الرضا7 اخبرك ياعمران فاعقل ماسألت عنه فانّه من اغمض مايرد علي المخلوقين في مسائلهم (335) و ليس يفهمه المتفاوت عقله (337) العازب حلمه (338) و لايعجز عن فهمه اولوا العقل المنصفون (340) امّا اوّل ذلك فلوكان خلق ماخلق لحاجة منه لجاز لقائل ان‏يقول يتحوّل الي ماخلق لحاجته الي ذلك ولكنّه عزّ و جلّ لم‏يخلق شيئاً لحاجة (340) و لم‏يزل ثابتاً لا في شي‏ء و لا علي شي‏ء الاّ انّ الخلق يمسك بعضه بعضاً و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه ( 342) واللّه جلّ و تقدّس بقدرته يمسك ذلك كلّه (343) و ليس يدخل في شي‏ء و لايخرج منه و لايئوده حفظه و لايعجز عن امساكه (344) و لايعرف احد من الخلق كيف ذلك الاّاللّه عزّ و جلّ و من اطّلعه عليه من رسله و اهل سرّه و المستحفظين لامره و خزانه القائمين بشريعته (344) و انّما امره كلمح البصر او هو اقرب اذا شاء شيئاً فانّما يقول له كن فيكون بمشيّته و ارادته (349) و ليس شي‏ء من خلقه اقرب اليه من شي‏ء و لا شي‏ء ابعد منه من شي‏ء (351) افهمت ياعمران (352) قال نعم ياسيّدي فهمت و اشهد انّ‏اللّه علي ماوصفت و وحّدت و انّ محمّداً9 عبده المبعوث بالهدي و دين الحق ثمّ خرّ ساجداً نحو القبلة و اسلم (353).

قال الحسن بن محمّد النوفلي فلمّا نظر المتكلّمون الي كلام عمران الصابي و كان جَدِلاً لم‏يقطعه عن حجّته احد قط لم‏يدن من الرضا7احد منهم و لم‏يسألوه عن شي‏ء و امسينا فنهض المأمون و الرضا7فدخلا و انصرف الناس و كنت مع جماعة من اصحابنا اذ بعث الي محمّدبن‏جعفر فاتيته فقال لي يانوفلي امارأيت ماجاء به صديقك لا واللّه ماظننت انّ علي‏بن‏موسي خاض في شي‏ء من هذا قط و لا عرفناه به انّه كان يتكلّم بالمدينة او يجتمع اليه اصحاب الكلام قلت قد كان الحاجّ يأتونه فيسألونه عن اشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم و ربما كلم من يأتيه يحاجّه فقال محمّدبن‏جعفر يابامحمّد انّي اخاف عليه ان‏يحسده هذا الرجل فيسمّه او يفعل به بليّة فاشر عليه بالامساك عن هذه الاشياء قلت اذن لايقبل منّي و ما اراد الرجل الاّ امتحانه ليعلم هل عنده شي‏ء من علوم ابائه: فقال لي قل له انّ عمّك قد كره هذا الباب و احبّ ان‏تمسك عن هذه الاشياء لخصال شتّي. فلمّا انقلبت الي منزل الرضا7 اخبرته بما كان من عمّه محمّدبن‏جعفر فتبسّم7 ثمّ قال حفظ اللّه عمّي مااعرفني به لم‏كره ذلك ياغلام صر الي عمران الصابي فأتني به فقلت جعلت فداك انا اعرف موضعه و هو عند بعض اخواننا من الشيعة قال فلابأس قرّبوا اليه دابّة فصرت الي عمران فأتيته به فرحّب به و دعا بكسوة فجعلها عليه و جمّله و دعا بعشرة الاف درهم فوصله بها فقلت جعلت فداك حكيت فعل جدّك اميرالمؤمنين7 قال7 هكذا يجب ثمّ دعا7 بالعشاء فاجلسني عن يمينه و اجلس عمران عن يساره حتّي اذا فرغنا قال لعمران انصرف بصاحبنا و بكر علينا نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع اليه المتكلّمون من اصحاب المقالات فيبطل امرهم حتّي اجتنبوه و وصله المأمون بعشرة الاف درهم و اعطاه الفضل مالاً و حمله و ولاّه الرضا7 صدقات بلخ فاصاب الرغايب (355).

([1]) الارقام تشير الي شرح الفقرات و موارد الاختلاف، منقولة من بحارالانوار ج10 ص 318 ـ 310