رسالة في الفرق بين التکميل و التأثير
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۴۷۵ *»
و منه ادام الله بقاه:
اعلم ان مسألة الفرق بين التکميل و التأثير مسألة معضلة عويصة قد ضل فيها الاوهام و زل عليها الاقدام حتي آل امر بعضهم الي الالحاد و التشبيه فاحببت ان اکتب في ذلک ما يميز الغث من السمين و البخس من الثمين و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم.
فاعلم ان الممکن هو الذي لايأبي کينونته عن جميع الصفات الامکانية اي لايمتنع تصورها فيه بخلاف الواجب فانه يمتنع فرض غير ما هو عليه فيه اذ کل ما يفرض کونه علي غير ما هو عليه انما يفرض فيه بالامکان الذي فيه فلو امتنع فيه امتنع فرضه فيه لان الفرض و التصور اشباح ذهنية منتزعة عن الامکان فالممکن هو الذي يقبل جميع الصفات في نفسه فاي صفة حصلت مقتضيات وجودها و عدمت موانعها ظهرت فيه ثم من الاشياء ما لاتختلف مقتضياتها و موانعها بمر الدهور و الاعصار فمنها ما تختلف في بعض الاوقات فتختلف مقتضياتها مثلاً الحجر ممکن يمکن فيه في حد نفسه في امکانه ان يکون متحرکاً و ساکناً و لماغلب فيه مقتضيات السکون و عدمت موانعه و مقتضيات الحرکة ظهر ساکناً و ليس له ذلک الاختيار القوي ان يختار الحرکة حيناً ما فاذا حرکته قوي فيه مقتضي الحرکة و ضعف فيه المانع فظهر بالحرکة و ليس انه ليس فيه مقتضي الحرکة و تمتنع فيه فلو کان کذلک لامتنع فيه الحرکة ولکنه کالمريض الذي فيه امکان الحرکة و السکون و انما غلب عليه المرض الذي هو مقتضي السکون و ضعف فيه مقتضي الحرکة فاذا اعنته بفضل اقتضائک الحرکة غلب فيه مقتضي الحرکة فتحرک و مرض الحجر البرد و اليبس المقتضي للسکون و فيه الحرارة و اليبوسة المقتضيتان للحرکة الا انهما ضعيفتا و انما تعينهما بفضل ما فيک من مقتضي الحرکة و هو الحرارة و اليبوسة فيتقويان فيه فيتحرک فاذا رفعت اليد عنه غلب عليه
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۴۷۶ *»
ما کان غالباً فسکن و ربما کانت اعانتک کثيرة بقيت معهما مدة و ان رفعت اليد عنه کالحجر المرمي الي الفوق فانک ترفع اليد عنه و هو يصعد بفضل ما فيه من اعانتک کالبندقة المطردة عن الطوب فانه مادام فيها الحرارة المقتضية للحرکة تصعد فلما بردت قرت و هذه الاعانة تکميل و تقوية و ليس بتأثير ايجاد و اختراع فلو کان ايجاداً و اختراعاً لکان قائماً باقامة المکمل و باقياً بابقائه لان الموجود محتاج الي الموجد في کل آن و حين و لذا تري البناء موجوداً باقياً و البناء مفقوداً فانياً و تغرب الشمس و الهواء حارة فليس البناء اثر البناء و الا لعدم بعدمه و کذا هذه الحرارة اثر الشمس و الا لعدم بعدمها و الميزان في ذلک ان الشيئين المتصاقعين لايؤثران في صاحبهما و لايتأثران و انما يکمل احدهما صاحبه بفضل صافيه (ما فيه ظ) من القوة ثم لايخفي ان التکميل له مراتب لاتحصي و اول مراتبه التکميل العرضي يعني يظهر فضل مقتضي الاخير في ظاهر صاحبه بحيث اذا رفع المقتضي المقوي يده لکان الآخر علي ما کان و ذلک کالحرکة في المفتاح فانها تحتاج الي بقاء حرکة يدک عليه و تعدم بعدمها و کالکلام في الهواء و مثاله اذا غمست يدک في الماء فان اجزائه منفرجة مادام يدک فيه فاذا اخرجته التئمت و کذلک الکلام في الهواء و الحرکة في المفتاح و من هذا القبيل الضوء من السراج في الهواء و النور من الشمس فان الشعلة دخان مکلس و هو من سنخ الهواء و من صقعه فلايؤثر اثر ايجاد في الهواء و لايعرض اثر الشيء علي متصاقعه لانه لايصلح ان يکون عرضاً لمؤثره فکذلک متصاقع مؤثره و النور يعرض علي الهواء و الهواء متصاقع الدخان فلايجوز ان يکون النور المنبث اثر الشعلة المرئية و ايجادها لا من شيء لما ذکرنا و انما ذلک تکميل من الشعلة للهواء کتکميل حرکة يدک للمفتاح فان حرکة المفتاح تابعة لحرکة يدک وجوداً و عدماً مع انها ليست اثر ايجاد و انما هي اثر تکميل فکذلک النور المنبث عن الشمس و الشعلة اثر تکميل لا اثر ايجاد و ان کان تابعاً لها وجوداً و عدماً و انما ذلک من ضعف التکميل فلو ادامت الشمس التکميل و اقامت علي الاشياء لاورثت في الاشياء نوراً لايعدم بغروبها و ان شئت تصديق ذلک خذ بلورة علي الفحمة مقابلة للشمس حتي يقوي التکميل فتراها
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۴۷۷ *»
تشتعل و تتنور و يبقي نورها بعد غروب الشمس الا تري ان حرارة الشمس تبقي بالليل مع انها غربت و صدور الحرارة و النور عنها علي نهج واحد الا ان حرارتها اکثر من نورها فتکميلها في الحرارة اقوي من النور و دليل آخر انک تري الشعلة و النور بعين واحدة و هذه العين ان کانت من سنخ الاثر فکيف تري المؤثر و ان کانت من سنخ المؤثر فکيف تري الاثر بالانطباع و المقابلة و بالجملة کلما تدرکه بعين واحدة متصاقعة و المتصاقعات لايتفاعلن ابدا و انمايتعاونن بعضها بعضاً فاول مراتب التکميل ما يبقي ببقاء المکمل و يفني بفنائه و من هذا القبيل نور الشمس و السراج و الکلام و حرکة المفتاح و ما يشاکلها فاذا قوي التکميل بحيث اثر في المکمل يعني نقص من کينونة المکمل ما يخالفه فذلک يبقي بعد فناء المکمل زماناً فاذا کمله مکمل غير ذلک المکمل يبقي و اذا لحقه مکمل بخلاف الاول عاد الي ما کان کحرارة الشمس الباقية بالليل فانها تبقي بعد غروب الشمس لانها نقصت من برودة اصل الهواء و زاد في حرارتها فاذا غربت تبقي شيئاً ثم بتصفيق الرياح و نور القمر و النجوم تتقوي البرودة و تعود الي ما کانت او الي دونه کالصيف و مثال هذين کما اذا وزنت مناً من الحنطة و هي ثقيلة بثقل المن فمرة تخففها باصعادک اياها بيد آخر فلربما تبلغ خفة قيراط يعني لو وضعت في الکف الاخري قيراطاً ساواها فبمحض ما رفعت يدک بلغت ثقل من و مرة تخففها بنقصها فيلحقها النقص في اصل جوهرها فهي ناقصة بعدک زماناً ما لميضع غيرک عليها بقدر ما نقصت و کلاهما تکميل لا تأثير ايجاد و ان کان في الاول باقياً ببقائک فانياً بفنائک و مرة يصير التکميل بحيث يجعل المکمل بالفتح مثل المکمل بالکسر کالسراج المستضيء من سراج آخر فان السراج في الاول يشرق علي الدخان مثلاً فالدخان يتنور بنوره و يظلم بغيبوبته فاذا ادام الاشراق يتقوي بنور الدخان و حرارته حتي يتکلس و يصير شعلة کالسراج الاول فاذا اردت وضوح هذا المعني خذ مصباحين و اطف واحداً و قرب المنطفي من المستضيء فان دخانه يتنور اولاً کالهواء و الحايط ثم تشتد فيه الحرارة شيئاً فشيئاً حتي يتکلس و يشتعل فيکون شعلة کالمستضاء فلو انطفي المستضاء يبقي الدخان المشتعل بعده
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۴۷۸ *»
مثله و ليس تنوره اولاً اثراً و انما هو تکمل کحال تقوي التکميل فالاثر و المؤثر لايدرکان بمدرک واحد علي نهج واحد فحينئذ نذکر لک کيفية حصول النور عن السراج في الهواء حتي تعرف.
اعلم ان الدهن مرکب من العناصر الاربع فيه النار و الهواء و الماء و التراب و انما الغالب عليه الماء اللزج المختلط بالتراب و لذا غلب عليه البرد و السيلان و السکون و اللزوجة و النار اي الحرارة و اليبوسة کالجمرة مثلاً و جاورها انهزم عنه البرودة و الرطوبة لتنافرهما عن الحرارة و اليبوسة يعني تمازجهما الحرارة و اليبوسة و رققهما فبفضل الحرارة تصعدان بخارا فاذا غلبت عليهما فرقهما و اصعدهما و بقيت الارضية الخالصة و هي لونها السواد فصارت تصعد بمشايعة النار متکلسة فاذا اشتدت الحرارة تقوت الحرارة الکامنة في تلک الارضية فاحمر الدخان و احتمي کالجمرة و ذلک لان النار تقتضي الحمرة و هي حمراء الا انها لطيفة فاذا مازجها الارضية رايتکذا و لذا تنصبغ النار بصبغ تلک الارضية من حمرة و خضرة و صفرة و غيرها و ذلک کالهواء فانها صفراء ولکن للطافتها لاتدرک صفرتها الا اذا مازجها التراب في المرکبات فظهرت صفراء و لماکانت النار لطيفة کالصيقلية و ظهرت في الدخان المکلس ظهرت صيقلية و ليس النور الا ناراً صيقلياً و لذا ليس للجمرة ذلک النور لعدم صيقليتها و صفائها و يزداد النور بزيادة صفاء محلها و مظهرها فلمااشتدت النار علي الدخان المحمي اشتعل اي بدا متلألأ لظهور اللطيف المحض في الکثيف الصيقلي الذي لايمنع عن ظهور ذلک اللطيف فظهرت النار منصبغة بصبغ ذلک الدخان و لذا تري اسفل الشعلة اقرب الي الزرقة و السواد و اوساطها اقرب الي البياض و قريب اعلاها اقرب الي الصفرة و اعلاها اقرب الي الحمرة علي ترتيب العناصر فان الدخان الصاعد تقف عناصرها علي حسب مراتبها فتنصبغ النار في کل رتبة بصبغ تلک العنصر الغالب و کذلک اذا جعلت الفتيلة خرقة خضراء او حمراء او زرقاء تختلف لونها بحسب اختلاف الدخان فلما اشتعل الدخان ظهر و سر الظهور ان البرودة و اليبوسة تقتضيان الانقباض و التراکم و الکثافة و الحرارة و اليبوسة تقتضيان الانتشار و
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۴۷۹ *»
التفرق و الحمرة و ذلک مقتضي الانکشاف و البدو و الظهور و البرودة و الرطوبة تقتضيان الکثافة مع السيلان و اتحاد الاجزاء و الارتباط و الحرارة و الرطوبة تقتضيان اللطافة و الارتباط و نفس الارتباط يوجبان نوع خفاء للاجزاء و لذا صارت النار اظهر ثم الهواء ثم الماء و ان قلت ان الاشياء المحمرة لم ليست ظاهرة في نفسها قلت الغالب عليها في نفسها الترابية الموجبة للخفاء و انما حمرتها و ان کانت من الحرارة الا انها ليست بحيث تغلب علي سائر عناصرها و تبطل فعلها و هذه الحمرة المرئية ليست حمرة النار لان حمرة النار لاتري و انما صارت تري لاختلاطها بالترابية و ليس الغالب عليها النار بجميع شئونها و لذا تريها لاتصعد و لاتحرق و لاتتفرق بل حمرتها عرضية فاذا غلبت النار الذاتية صارت کالشعلة فظهور الشعلة هو لون النار الصيقلي فاذا ظهرت الشعلة صارت کاملة مکملة بالکسر فتکمل الهواء المجاور فتسخنه و هکذا يسخن الجزء الاقرب لاحقه الي آخر مرائي الحرارة و تکمل الشعلة الهواء الملاقي بالنور و يکمل الاقرب لاحقه الي آخر مرائي النور الا ان النور لماکان لون النار المحض الخالص و لميتکمل الهواء ذلک التکمل کان نورها باقياً ببقاء الشعلة و فانياً بفنائه کانفراج الماء بغمس اليد و التئامه باخراجها و اما الحرارة الضعيفة فتبقي بعدها قليلاً حتي تغلب البرودة فتبرد و هکذا الجدران و الارضون تستنير بتکميل الشعلة وتتسخن ولکن يفني النور بفناء الشعلة و تبقي الحرارة الضعيفة ثم تفني بغلبة البرودة و سبب سرعة فناء النور عدم تکمل الهواء و الجدران تکملاً جوهرياً و عدم تقوي النارية التي فيها بهذه المجاورة و اما اذا جاور الارض ناراً قوياً حتي تقوت النارية التي فيها اشتعلت و ظهرت مثلها کارض الکورة فانها اولاً تستنير ثم تتسخن ثم تحتمي ثم تصير کالجمرة الواضحة و الاستنارة و التسخن و الاحتماء و الوضوح مترتبة بعضها علي بعض و کلها مرتب بالشدة و الضعف و کلها من مقامات التکميل و اما سرعة نفوذ النور في الهواء بحيث اذا اشتعلت الشعلة اضائت الدار کلها فللطافة الهواء و عدم حجبها ماوراها و انفعالها سريعاً و کون هذا التکميل عرضها لايحتاج الي انقلاب جوهرها و لذا تظهر السخونة ببطئ و تأخر بعد ظهور النور
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۴۸۰ *»
کما ان النور يظهر من الشمس بمحض طلوعها و حرارتها تؤثر بعد زمان و تبقي بعده بزمان لان ظهور الحرارة يحتاج الي انقلاب جوهرها و تقوية ناريتها و ظهور النور لايحتاج الي انقلاب جوهرها فانه عرضها و انما هو محض لون واضح فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان هذا النور تکميل کحرکة المفتاح و لماکان التکميل تابعاً للمکمل کان النور المنبث تابعاً للشعلة من خضرة و صفرة و حمرة فلو وضعت السراج في بلورة حمراء صار نورها احمر و هکذا الصفراء و البيضاء و غيرها کل علي حسبه. الي هنا انتهي کلامه مد ظله.