رسالة في جواب بعض الاخوان من بلدة همدان
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۱ *»
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين الي يوم الدين.
و بعــد يقول العبد الاثيم كريمبنابراهيم انه قدسألني بعض الاخوان في بلدة همدان صانه الله و اياها من طوارق الحدثان عن مسائل معضلة مع ان البال مع البلبال لاختلال الاحوال و اضطراب الخيال و الاهتمام بتهيئة اسباب الارتحال ولكني احببت انارسم جوابه و انكان يمكنه الاستنباط بالسؤال و المقال لينتفع به غيره ايضاً ان لميكن امعة للقيل و القال فاذكر سؤاله كما هو عادتنا كالمتن و اذكر جوابي له كالمتن(كالشرح ظ) و لاقوة الا بالله العلي العظيم.
قـال سلمه الله: بعد الحمد و الصلوة المرجو من جنابكم انتتلطفوا علي بجواب مسألتي و انشدكم بالله و بمحمد و آله9 ان لاتسامحوا في الجواب و تبينوا لي طريق الصواب الاولي جل العلماء علي ان المفتي و العامل بالجهل المركب في الاحكام مأجور و مدار علمهم و عملهم علي ذلك اذ طريق الواقع عندهم مسدود أليس هو من جنود الجهل الكلي و متابعته و العمل بما علم به متابعة الشيطان و مخالفة الرحمن فيلزم من هذا انيكون العلماء من المتأخرين و القدماء علي الخطاء و ان لايكون واحد من اعمالهم و افعالهم و فتاويهم مقبولة عند الله حاشاهم عن ذلك.
اقـول: اعلم ان الله عزوجل خلق الخلق و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل فقال الله تبارك و تعالي خلقتك خلقاً عظيماً و كرمتك علي جميع خلقي ما خلقت خلقاً احب الي منك و لا اكملتك الا في من احب اما اني اياك آمر و اياك انهي و اياك اعاقب و اياك اثيب و كان ذلك العقل حين خلق جوهراً دراكاً محيطاً بالاشياء من جميع جهاتها
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۲ *»
عارفاً بالشئ قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب و هذا العقل هو العقل الكلي الذي له رؤس بعدد العقلاء و يظهر منه في كل عاقل وجه من وجوهه ليس له هيمنة العقل الكلي و احاطته بالاشياء بل هو جزئي مخصص بذلك العاقل فلايدرك ما يدركه عاقل آخر الاتري ان الحيوان مثلاً كلي و له رؤس و وجوه بعدد انواعه فالوجه الخاص منه بالفرس لايطلع علي ما يطلع عليه الغنم و لايدرك مدركه ابداً و انكان الفرس حيواناً و الغنم حيواناً و ليس للغنم انيقول للفرس انا حيوان و انت حيوان و في موجود ما يكون فيك موجوداً فلايخفي علي شئ مما هو ظاهر لك و ان ما انكرته فيك هو منكر و ان ما عرفته فيك هو معروف ثابت اذ وجه من وجوه الحيوان تخصص في مرآة قابلية الفرس و انصبغ بصبغها و تهيأ بهيأتها و تحدد بحده فلايتجاوزه فاني لحيوانية الفرس انيحيط بجميع مصالح افراد الحيوان و جزئياتها و كذلك حال النوع في الاصناف و حال الصنف في الاشخاص فلزيد وجه خاص من العقل قدتهيأ بهيئته و انصبغ بصبغه و تخصص به فلس له انيدرك ما عمرو عليه و بكر و خالد فليس له انيدرك ما يصلح عمراً و ما يفسده و ما ينبغي له و ما لاينبغي ابداً ابداً و ليس لزيد انيحتج علي عمرو ان في عقلاً و العقل يدرك حقايق الاشياء و انت شئ فانا ادرك خيرك و شرك و صلاحك و فسادك و صلاح ساير العباد و فسادهم الغيب منهم و الشهود فانه عقله جزئي مخصص به و انما ذلك شأن العقل الكلي المحيط بالاشياء من جميع جهاتها العالم بكل شئ قبل كونه فكما انه محيط بالكل عالم بالكل فهو يعلم صلاح الكل من فساده حسب و يدل علي ان العقل بكله ليس في رجل بعد العيان ما عن العلل عن علي بن ابيطالب7 ان النبي9 سئل مم خلق الله العقل قال خلقه ملكاً له رؤس بعدد الخلايق من خلق و من لميخلق الي يوم القيمة و لكل رأس وجه و لكل ادمي رأس من رؤس العقل و اسم ذلك الانسان علي وجه ذلك الرأس مكتوب و علي كل وجه ستر ملقي لايكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتي يولد هذا المولود و يبلغ حد الرجال او حد النساء فاذا بلغ كشف ذلك الستر
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۳ *»
فيقع في قلب هذا الانسان نور فيفهم الفريضة و السنة و الجيد و الردي الا و مثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت انتهي. و اسم ذلك الانسان هو تعينه المثبت علي ذلك الرأس و ذلك الرأس مخصص به و الذي اختلفوا فيه ان الحسن و القبح هل هما عقليان ام شرعيان و غرضهم انه هل يكون للشئ من حيث نفسه حسن او قبح فيدركه العقل المدرك للحقايق او ليس له من حيث نفسه في الخارج حسن و لا قبح و انما الحسن ما امر به الشارع و القبيح ما نهي عنه الشارع في غاية السخافة و الوهن من جميع وجوهه فان الشارع لايرجح من غير مرجح و العقل الجزئي لايدرك حقائق جميع الاشياء فلايجديهم نفعاً و انما المدرك لجميع الاشياء هو العقل الكلي و كلما حكم به العقل الكلي لما رأي من ذاتيات الاشياء عند اقترانها حكم به الشرع فان الشرع المأموربه هو صفات العقل الكلي و جنوده و ما نهي عنه فانما هو اضدادها التي هي جنود الجهل و كون الحسن و القبح لذوات الاشياء من حيث اقترانها بالمكلفين من بديهيات مذهب محمد و آل محمد: و علل شرايعهم مأثورة منهم معلومة فقدقال الرضا7 في حديث انا وجدنا كل ما احل الله تبارك و تعالي ففيه صلاح العباد و بقاؤهم و لهم اليه الحاجة التي لايستغنون عنها و وجدنا المحرم من الاشياء لاحاجة للعباد اليه و وجدناه مفسداً داعياً الي الفناء و الهلاك ثم رأيناه تبارك و تعالي قداحل بعض ما حرم في وقت الحاجة لما فيه من الصلاح في ذلك ا لوقت نظير ما احل من الميتة و الدم و لحم الخنزير اذا اضطر اليه المضطر لما في ذلك الوقت من الصلاح و العصمة و دفع الموت فيكفي الدليل علي انه لميحل الا لما فيه من المصلحة للابدان و حرم ما حرم لما فيه من الفساد الخبر. و ليس ذوات الاشياء من حيث هيهي فيها حسن و قبح و لميحرم شئ و لميحلل لذاته و انما حللت و حرمت من حيث الاقتران كما قال علي7 في حديث انما حرم الاشياء لمصلحة الخلق لا للخلق التي فيها الخبر. فاختلافهم متهافت من جميع وجوهه و انما ذلك لاستبدادهم بعقولهم الناقصة هذا و ان العقل ان ادرك الشئ
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۴ *»
فانما يدركه من حيث هو لا من حيث الاعراض الملحقة به و انما الشرع يحلل و يحرم الاشياء من حيث الاقتران مع اعراضها و اني للعقول المحاطة درك الاعراض التي تعتري من جهات شتي و لو تنبهت بذلك ليئست عن الادلة التي زعموها عقلية و عرفت ان العقول الجزئية لاتدرك الجزئيات لاسيما في دار الاعراض و اقترانها بها.
و اما ماكان يقال ان العقل حجة لقول الامام7 ان لله علي الناس حجتين حجة ظاهرة و حجة باطنة اما الحجة الظاهرة فالانبياء و الرسل و اما الحجة الباطنة فالعقول فقدغفلوا عن معني الحديث فان الله سبحانه قداعطي عباده من العقل بقدر انيعرفوا به وجود صانع و رسول له الي الخلق و لولا العقل لميكن لهم سبيل الي معرفة ذلك ثم بعد ما عرفوا رسوله استوجبوا الرجوع اليه و طاعته في جميع ما يقول و ترك الاستبداد بآرائهم المنافي لكون الانسان عبداً مطيعاً لغيره و انقال بعد ثبوت نبوته خلاف ما تعرفه العقول و ليس علي العقول درك التكاليف و جزئيات مرضات الله و مساخط الله و لو جاز ذلك لكانوا كلهم انبياء و استغنوا عن الرسل هذا و العقول محدثة ضعيفة تزداد من وقت مولدها شيئاً فشيئاً و تجرب الاشياء و تعاينها و تنتقل من الضعف الي القوة شيئاً فشيئاً و تزداد حبرة قليلاً قليلاً و كل يوم تعلم جهلها في اليوم السابق و نقصانها هذا و هي مشوبة بالجهل و العادات و النواميس و الطبايع و الشهوات و التنافر و امثال ذلك و علي عيونها اغشية لاتكاد تقدر علي كشفها و الشاهد علي حجية العقل في معرفة الحجة الظاهرة حسب انه سئل ابوالحسن7 في حديث فما الحجة علي الخلق اليوم؟ فقال7 العقل يعرف به الصادق علي الله فيصدقه و الكاذب علي الله فيكذبه فللعقل معرفة الصادق و تصديقه و علي الصادق بيان الاحكام و علي العقل تصديقه و التسليم له و قول ابيعبدالله7 حجة الله علي العباد النبي و الحجة فيما بين العباد و بين الله العقل انتهي. فالله سبحانه احتج علي العباد بان اعطاهم عقلاً يعرفون به ان لهم رباً و ان ذلك الرب ارسل اليهم هذا الرسول و اوجب طاعته
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۵ *»
فاذا عرفوا ذلك استراحوا من معاناة العقل و استخدامه في معرفة الاشياء فان النبي يكفيهم ذلك و هو حجة الله علي العقول فاذا عرفت هذه المقدمة السديدة التي يشهد بها الكتاب و السنة و العقول المستنيرة فاعلم ان الانسان قديجهل شيئاً بالكلية فلايعلم منه شيئاً و يعرف عجز نفسه عن دركه و قديشتبه عليه الامر فيزعم انه يعلمه و ليس يعلمه و هذا الجهل يجتمع مع ظن المعرفة و اما مع العلم بالمعرفة فلايكاد يجتمع و ذلك ان اليقين بالشئ لايكاد يخطي واقعه و لايحتمل ظهور خطائه و ان الله جل و عز لميخلق الانسان خلقة تستيقن بالباطل انه حق او تستيقن بالحق انه باطل و لو كان ذلك كذلك لميبق لله جل و عز علي احد من اهل الباطل حجة ولكنه يحول بين المرء و قلبه انيستيقن ان الباطل حق او الحق باطل كما قال ابوعبدالله7 في معني الاية يحول بينه و بين انيعلم ان الباطل حق و قال7 ما معناه لايستيقن القلب ان الحق باطل ابداً و لايستيقن القلب ان الباطل حق ابداً انتهي. فلاجل ذلك كل مقيم علي باطل يقوم عليه بالظن و ليس يستيقن انه حق و الا لميكن لله عليه حجةابداً هذا و كيف يستيقن بان الباطل حق و الانسان يصل الي شئ اما بالاتحاد معه او بدليل يدل عليه و الدليل علي الشئ اما مؤثره فيكشف عن حقه و حقيقته و اما اثره فينبئ عنه من غير كشف و ليس لباطل مؤثر حق و لااثر حق فالباطل ليس عليه دليل يكون مؤداه الحق و العقل لايستيقن بغير دليل و لميخلق الله لباطل دليلاً يكون مؤداه الحق و الا لكان مغرياً بالباطل لاعباً بالخلق و جل الاله الحكيم عن ذلك فكل مقيم علي باطل ظان و ليس له علم و انتطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله انيتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون فليس يمكن انيكون الانسان جاهلاً بشئ واقعاً و هو يعلم انه يعلم فلايتركب الجهل مع العلم و انما يتركب مع الظن فالمفتي بالجهل المركب مع الظن عامل بالظن فانتقل المسألة الي ان العامل بالظن مأجور ام لا و قدقال ابوعبدالله7 من شك او ظن فاقام علي احدهما فقدحبط عمله ان حجة الله هي الحجة
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۶ *»
الواضحة و قال النبي9 دع ما يريبك الي ما لايريبك فان الصدق طمأنينة و الكذب ريبة انتهي. و الظن ريب بلاريب و قال اياكم و الظن فان الظن اكذب الكذب و قال اميرالمؤمنين7 من عمي نسي الذكر و اتبع الظن و بارز خالقه الي انقال و من نجا من ذلك فمن فضل اليقين و قال ابوعبدالله7 الحكم حكمان حكم الله عزوجل و حكم اهل الجاهلية فمن اخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية و قال القضاة اربعة ثلثة في النار و واحد في الجنة رجل قضي بجور و هو يعلم فهو في النار و رجل قضي بجور و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بالحق و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بالحق و هو يعلم فهو في الجنة و قال ابوجعفر7 من حكم في درهمين فاخطأ كفر و قال ابوعبدالله7: اي قاض قضي بين اثنين فاخطأ سقط ابعد من السماء و قال ابوجعفر7 من افتي الناس بغير علم و لاهدي من الله لعنته ملئكة الرحمة و ملئكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه و قال ابوابرهيم7 قال رسولالله9 اتقوا تكذيب الله قيل يا رسول الله و كيف ذاك؟ قال يقول احدكم قال الله فيقول الله عزوجل كذبت لماقله و يقول لميقل الله فيقول الله عزوجل كذبت قدقلته الي غير ذلك من الاخبار المتواترة التي رويناها في فصل الخطاب فمن حكم في شئ بالظن غير المستند الي كتاب الله و سنة نبيه و آثار حججه: ولكن يستند الي الهوي و الرأي رأي عقله و نظره و استحسانه و استصلاحه و براهينه فذلك مذموم مأخوذ غير مأجور مأثوم غير مبرور.
و اما من استند الي الكتاب و السنة و ما علم منهما بالعلم العادي المعروف الذي عليه المدار فذلك مثاب و ما نال منهما و اصاب فهو تكليفه لايكلف الله نفساً الا ما اتاها اي ما عرفها و هذا المعلوم ان كان خطأ فيكون خطأ بالنسبة الي الحكم الواقعي الاولي لميكلف به فانه فوق طاقته و لايكلف الله نفساً الا وسعها و اما بالنسبة الي الحكم النفس الامري الثانوي فليس بخطأ و ليس ذلك تصويباً فان المصوبة يقولون انه
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۷ *»
ليس لله عزوجل حكم واقعي و انما حكم الله ما انتهي اليه ظن المجتهد و هذا خطأ محض و نحن نقول ان لله تعالي حكمين حكماً واقعياً اولياً للاشياء اذ ازال عنها الموانع و حكماً ثانوياً بعد طروء الموانع و ان المكلف اليوم مكلف بالحكم الثاني فاذا جاهد جهده يهديه الله الي حكمه الثانوي كماقال الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فحكم الفقيه اليوم الرجوع الي الكتاب بعد جميع ما في الباب و الرجوع الي السنة بعد وقوع كل هذه المحنة فما عرف منهما هو تكليفه من عند الله عزوجل و انكان اخطأ الواقع و انما مثل ذلك ان الصحيح له اكل هو صالح له و المريض له اكل هو صالح له فاذا مرض الانسان ينبغي انيطلب مأكله و ما عليه انطابق مأكل الصحيح ام لميطابق و ليس عليه انيطلبه حتييحصله بظن او علم و انما عليه انيحصل ما يناسب مزاجه و انما ارتحل النبي و ذهب الاولياء و غاب عنا الحجة و تركوا فينا هذه الاخبار بلااضطرار و عن علم و اختيار فلايريدون منا غير ما تركوا فينا فنحن اذا رجعنا الي ما تركوا و خلفوا و جاهدنا جهدنا فيها فليس نطيق غير ذلك و لايسعنا سواه فنعمل بما فهمنا منهما ثلج الفؤاد بارد القلب فلو ارادوا منا غير ذلك لدلونا عليه فهذا الطريق لايخطي و الطريق الذي يخطي فيه ليس من مذهب آلمحمد: و علماؤنا رضوان الله عليهم مستندون الي الكتاب و السنة في جميع اصولهم و فروعهم فما وجدوا عليه نصاً خاصاً عملوا به و ما لميجدوه بالخصوص عملوا بعام منهما و ذلك ليس يضرهم شيئاً اذ الناطق بالعام هو الناطق بالخاص و هو معصوم مطهر و الشيعي لايفتي بشئ الا اذا كان من احد هذين القسمين لامحة فاعمالهم و فتاويهم كلها مقبولة عند الله و حاشاهم انيفتوا بهوي انفسهم من غير استناد الي خاص او عام فلاتغفل و لاتظنن بهم سوءاً.
قـال سلمه الله: و ايضاً كل ما علم من الاصول و الفروع يحتمل كونه منه و حينئذ فلاوثوق لنا بمعلوماتنا و مسموعاتنا فلاوثوق بصحة اعمالنا و لايمكننا اثبات صحة ديننا و مذهبنا علي الخصم اذ حين نقول عليه علمك بصحة دينك او مذهبك غير مطابق للواقع يقول انك ايضاً كذلك فما الميزان حينئذ في ذلك حتي
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۸ *»
نعلم ان هذا علم و ذاك جهل مركب و الكتاب لاتكفي اذ الخصم ايضاً تمسك في مطلوبه بهما مثل بعض الايات التي ظاهرها الجبر و بعض الاخبار التي ظاهرها التفويض و مثل بيان بعضهم ان معني لاجبر و لاتفويض نفي الاثنينية و ان الجبر عين التفويض و بالعكس.
اقـول: قد عرفت ان ما علم من الاصول و الفروع لايحتمل انيكون من الجهل المركب و انما الجهل يتركب مع الظن و قدعرفت ان الظن لايعول عليه في الاصول و الفروع فان ظننت فلامعول و انعلمت فلايتركب مع الجهل فاذا يجب الوثوق بالمعلوم كماقال7 ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لمتعلموا فردوه الينا فاذا وثقنا بالعلم وثقنا بالعمل بمقتضاه.
و اما اثبات صحة الدين علي الخصم فبالبينات اليقينية و تلك لاتنكر و لايتركب اليقين مع الجهل و اما الظنون فلاتقوم حجة لنفسك فضلاً عن خصمك فالميزان هو الضروريات او الكتاب المحكم المستجمع علي تأويله او السنة الجامعة غير المتفرقة فمن اتي علي مطلبه بحجة منها فهي المتبعة و من لميأت بها فانما يقول بالظن و ان الظن لايغني من الحق شيئاً و اما اهل الباطل فلايقدرون علي التمسك بشئ من هذه الثلثة فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و مايعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم فلاكل من قرأ آية محتجاً بها هي حجة له بل الحجة الاية المحكمة المجمع علي تأويلها فهؤلاء اهل الزيغ يتمسكون بالمتشابهات و يفسرونها بارائهم و من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار و لو تدبرت في ما ذكرنا لعرفت انا قدجمعنا لك كل شيء تريد.
قـال سلمه الله: الثانية بيان ما رواه ابوالاسود عن اميرالمؤمنين7 الاسم ما انبأ عن المسمي الي آخره و تطبيقه علي مراتب الوجود و بيان ان الحرف منبئ عن اي شيء.
اقـول: اعلم ان لكل شيء عند مؤثره جهتين جهة فعلية و جهة مفعولية و ذلك
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۸۹ *»
ان كل شيء عند مؤثره القريب مخلوق بنفسه كماحقق في محله كماقال7 خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت اما الجهة الفعلية فهي جهة اضمحلال الشيء عند مؤثره و اما الجهة المفعولية فهي جهة استقلاله اما جهته الفعلية فلها اعتبارات بحسب القوابل بها تكون ماضية و مستقبلة و امراً و نهياً و استفهاماً و نفياً و اما جهته المفعولية فلها اعتبارات من حيث اول صدورها و بعد صدورها و حكايتها للمبدأ و حجبها له فبها تكون مصدراً و فاعلاً و مفعولاً و مشتقاً و جامداً و غير ذلك و قدحققنا ذلك في ساير رسائلنا مفصلاً فان شئت فاطلبها و بين هاتين الجهتين رابط يربط الفعل بالمفعول و يوصل اثره اليه فذلك مبدأ اقسام الكلمات الكونية و اللفظية في كل لسان فما دل من الالفاظ علي الجهة الاولي التي هي حركة المسمي يسمي فعلاً ينبئ عن حركة المسمي و ما دل منها علي الجهة الثانية يسمي اسماً لانه سمة و علامة تنبئ اما عن ظهور ذات المسمي من حيث هي و اما عن ظهوره من حيث هو فماكان مشتقاً يحكي مبدأ اشتقاق يكون صفة تنبئ عن ظهور الذات من حيث هو و ما كان جامداً او غير ملحوظ المبدأ فيحكي ظهور الذات من حيث هي بالوضع الذي وضعه الله عليه بصرف كينونته فيكون اسماً ينبئ عن المسمي به و هو ظهور الذات للاسم بالاسم و اما صرف الذات من حيث هي فلااسم له و لارسم فان الاسم فيالحقيقة صفة لموصوف كما قال الرضا7 و كل صفة يشهد باقترانه بالموصوف و الموصوف هو المسمي فهو مقترن مع الاسم و يشهد الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل و الازل هنا مقام الذات و اما الحرف فهو ما انبأ عن معني ليس باسم و لافعل اي ليس الحرف يدل علي مسمي و لا علي حركته بل يدل علي معني رابطي يربط بين الاسم و الفعل فله مقام الملئكة في الكون فانهم نفوس رابطية بين الفعل و المفعول يأخذون الامداد عن الفعل و يوصلونها الي المفعول و ليسوا بنفوس مستقلة و ليسوا مضمحلين عند الذات فيكونوا كالفعل و لابمستقلين بانفسهم فيكونوا كالاسم و هم مبنيون علي ما خلقوا عليه لاينصرفون و لايتغيرون عما وضعوا عليه فمنهم ركوع لايسجدون و منهم سجود لاينتصبون
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۹۰ *»
و لكل منا مقام معلوم و انا لنحن الصافون لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون فافهم فان حقايق هذه المسائل بعيدة عن الاذهان و انا في حال تفرق القلب بهم السفر و لايمكنني تفصيل ذلك و العاقل يكفيه الاشارة.
قـال: و بيان ان الاشياء ثلثة ظاهر و مضمر و شيء ليس بظاهر و لامضمر ظاهراً او باطناً و بيان كيفية تفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر و لا مضمر الي آخر سؤاله.
اقـول: ان البيان الظاهر للحديث ان الاشياء علي ثلثة اقسام ظاهر كزيد فانه لفظ واضح ظاهر يعين المسمي علي وجه الخصوصية و مضمر لالفظ له ولكن يعرف الانسان وجوده كالضمير في «ضرب» في جواب قولك ما فعل زيد فانت تعرف من قولي «ضرب» الاشارة الي زيد و ارادته من غير لفظ فهو مضمر لالفظ له و شيء لاظاهر و لامضمر و هو ذات المسمي التي يشار اليها بالالفاظ الظاهرة و المضمرات و يعبر عنهما بهما و انما قلنا ان الثالث هو الذات فانه7 لميقل ان الالفاظ ثلثة حتينلتزم كون الثالث ايضاً من الالفاظ هذا و ليطابق الظاهر التأويل و الباطن و اما تأويله فهو انه حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما اما الحق فهو احد لاكثرة في ذاته و لاتعدد و اما الخلق فينقسم قسمين كماقال عالم الغيب و الشهادة فالشهادة هي الظاهر و الغيب هو المضمر و شيء لاظاهر و لامضمر فهو الحق جل و علا فانه ظاهر في بطونه و باطن في ظهوره و انما يتفاضل العلماء في معرفة الحق جل و عز او الظاهر هو عالم الصورة و الباطن هو عالم المعني و الثالث عالم الفؤاد و الحقيقة فهو ليس بظاهر و لامضمر او الظاهر هو الشهادة و المضمر هو الغيب و الثالث عالم الامر فانه فوق العالمين او الظاهر هو الوجود المقيد و المضمر هو الوجود المطلق و الثالث هو الوجود الحق و باطنه ان الظاهر هو الولي و المضمر هو النبي و الثالث هو الحق جل جلاله او الظاهر هو الشيعة و المضمر هو الولي و الثالث هو النبي9 و في جميع ذلك انما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر و لامضمر و لك انتقول علي وجه
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۹۱ *»
ان الظاهر هو الله جل جلاله فانه اكبر شيء شهادة و المضمر هو الخلق الفاني عند سطوع نوره و اما الشيء الذي ليس بظاهر و لامضمر فهو ما في الامكان و هو بحر عميق تحته شمس تضيء لايطلع عليها الا الفرد الصمد و انما يتفاضل العلماء في معرفة ذلك العلم الامكاني و اعلم ان مولانا اميرالمؤمنين7 قال في هذا الحديث الشريف اعلم يا اباالاسود ان الاشياء ثلثة و لميقل ان الالفاظ ثلثة و هذا لحن يعرف منه النقاد للكلام ان التقسيم في الاكوان و ليس في الخبر انه قاله لعلم النحو و الظاهر انه قاله علي وجه كلي و لماكان الفاظ النحو من الاشياء فانما يجري التقسيم فيه ايضاً و الا فبناء الكلام علي انيقال ان الالفاظ اذا كان مورد الخبر علم النحو فافهم.
قـال سلمه الله: الثالثة دلت الروايات المتضافرة علي ان الارض لاتخلو من حجة في وقت من الاوقات و زمان من الازمنة و الا لساخت باهله فامام العصر عجل الله فرجه علي هذا لابد انيكون و في الارض فما معني الغيبة و الظهور و اين مكانه في هذا الارض و لو لميره احد و لميسأل عنه كما في ساير الائمة و ما معني قول السيد المرحوم انه مات و ما معني الموت و لو مات بقي الارض بلاحجة و كونه في عالم المثال و البرزخ الذي هو من الدنيا لايجدي اذ حال الاموات باجمعها كذلك.
اقـول: ما دلت الروايات عليه حق لامرية فيه و ما نسبته الي السيد المرحوم خبط عظيم و سهو جسيم و معاذ الله العظيم انيكون هذا مذهب السيد و استغفر الله من نسبتك هذا القول اليه انسمعته فقدافتري الذاكر و انرأيته في كتاب فقدحرفه المبدلون و حاشا انيكون ذلك قوله او قريباً الي قوله و الحجة اليوم حي موجود في بدنه الجسماني في هذه الدنيا يجيء و يذهب و يحج و يحضر المشاهد ولكن لايعرفه احد و لايراه احد رؤية معرفة و هو يحفظ الدين و يجبر كسره و يزيد ناقصه و ينقص زايده و يقوم عوجه و يشيد بنيانه و يعطي كل ذيحق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امر
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۹۲ *»
دينهم و ليس شرطاً في التربية رؤية المربي بالفتح المربي و انما يشترط رؤية المربي بالكسر كما انه لايشترط في الاغواء رؤية المغوي بالفتح المغوي و انما يشترط رؤية المغوي بالكسر و هو حاصل في الطرفين و ماكان الله ليضع المغوي يغوي و لايضع هادياً يهدي و ليس المغوي في اغوائه اشد استيلاء من الهادي في هدايته و حزب الله هم الغالبون و ان كيد الشيطان كان ضعيفاً فغيبة الامام غيرمضر و لامناف بهدايته و ليس غيبته باخفي من غيبة الامام في المحبس سنين و لا لمن في اقاصي البلاد باستر من كون الامام في بلد ناء و هو في بلد بعيد عنه بمراحل و امكان سؤال واحد و اثنين لميكن يجدي نفعاً بالغائبين و كذلك الان ليس بثلثين من وحشة و ساير الناس لايرونه و لاضير و انما علمه و آدابه في قلوب المؤمنين منبثة و هم بها عاملون.
قـال سلمه الله: الرابع ان ظهور اميرالمؤمنين7 في الامكنة المتعددة ليس بحقيقته ضرورة انها لمتتعدد و لمتتحصص و بالقاء مثله في المرايا القوابل لايجدي اذ هو غيره ضرورة ان المظهر غير الظاهر و ان العرض غير الجوهر و ان الاثر غير المؤثر افيدونا طول الله عمركم.
اقـول: لاشك ان الجثة الواحدة الشخصية في آن واحد لايتعقل انيوجد في مكانين و ان احداً لميدع ذلك ولكن الواجب عليك انتعرف ان علياً7 حقيقته هي هذه الجثة الواحدة المرئية لاغير او هذه الجثة ظهور منه و حقيقته كانت قبل العالم و آدم فان كنت ظننت ان حقيقة علي7 هو هذا المحسوس المؤلف من العناصر فقد قصرت في حقه و لايمكنك بعد معرفة ما روي انه خلق قبل خلق الخلق بالف الف دهر و امثال ذلك من الروايات و انكنت تعرفها انها قبل خلق السماوات و الارض بالف الف دهر فهذا المحسوس ظهور من ظهوراتها و لباس من البستها قدظهرت به في هذه الدنيا و اذا جاز انتظهر بلباس جاز انتظهر بالبسة متعددة و هيهي الظاهرة في كل لباس المفنية كل لباس عن نفسها و مبقيته بنورها و كون الظاهر غير المظهر غير ضاير في ما
«* مكارم الابرار عربي جلد ۳۲ صفحه ۳۹۳ *»
قلنا فان بدنك غير روحك بالبداهة و انما يتكلم روحك ببدنك و يقول بلسانه انا قلت و فعلت و يقول بكل عضو ما يقول و ينسب القول اليه فكما يفعل الروح في البدن ما يريد و ينسب اليه كذلك الولي يفعل في ابدان متعددة ما يريد و ينسب اليه و لاغرو فالاشتباه في معرفة حقيقة علي7 و ليس هذا البدن الظاهر كله و لا بعضه و انما حقيقته في المحل الارفع و هذا البدن ظهور من ظهوراته علي حسب مقتضي الزمان فلنقبض العنان فقدكسل عن الجولان و فيما ذكرنا و اشرنا اليه كفاية لذي عينين.
قدتمت علي يد مصنفها كريم بن ابرهيم في بلدة المؤمنين همدان في الثالث و العشرين من شهر صفر من شهور سنة ثلث و ثمانين من المأة الثالثة عشرة من الهجرة النبوية علي مهاجرها الف صلوة و تحية حامداً مصلياً مستغفراً تمت.