شرح العرشية الجزء الثانی – القسم الثانی
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
قال } الاصل الرابع ان الصور المقداريّة و الاشكال و هيْئاتها كما تحصل من الفاعل لاجل استعداد المواۤد و مشاركة القوابل فهي قد تحصل ايضا بالابداع بمجرّد تصورات الفاعل و جهات الفاعلية من غير مشاركة قابلٍ و وضعه و استعداده و من هذا القبيل وجود الافلاك و الكواكب من تصوّرات المبادي و الجهات الفاعليّة و علمه تعالي بالنِظام الاتمّ من غير سابقة قابلية و استحقاق و من هذا القبيل ايضا انشاۤء الصور الخياليّة القاۤئمة لا في محلٍ بمحض الارادة من القوة الخيالية التي قد علمت انها مجردة من هذا العالم و انّ تلك الصور ليست قائمة بالجرم الدماغي و لا في الاجرام الفلكية كما زعمه قوم و لا في عالم مثالي شبَحِيّ غير قاۤئم بهذه النفس { .
اقول انه ذكر في هذا الاصل ما ليس له اصل لانه قال ان الصور المقداريّة و الاشكال و هيئاتها كما تحصل من الفاعل لاجل استعداد المواۤدّ و مشاركة القوابل هذا الكلام في كون صنع الله سبحانه واقعا علي الصور المقداريّة المشتملة علي الخطوط و الابعاد و علي الاشكال كذلك بمقتضي استعداد المواۤدّ الذي هو القابلية اي قابليّة مواۤد الصور للتصوير و الاشكال للتّشكيل صحيح و امّا مغايرة الاستعداد للقابليّة في نفس الامر فليس بصحيح و ليس هذا ما اصّله بل هذا ما بني عليه اصله و هو قوله فهي قد تحصل اَيْضاً بالابداع بمجرّد تصوّرات الفاعل و جهات الفاعلية من غير مشاركةِ قابلٍ و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 448 *»
وضعه و استعداده و هذا ليس بصحيح بمعني عدم وقوعه لا بمعني امتناعه بل هو ممكن للفاعل لكنه لايفعله اذ لو فعله لماتعددت الصور و لماتعدّدت حدودها بل مايحصل منه الّا نقطة واحدة امّا علي قاعدته فلما قرّر ان الواحد البسيط لايصدر عنه الّا واحد و الصورة ليست واحدة بل هي من خطوط متعددة بل الخط ايضا ليس واحداً بل هو نقط كثيرة فينبغي له ان ما قرّره هناك يبني عليه هنا و امّا عندنا فلان فعله تعالي تام في الفعليّة فلايتوقف في الايجاد علي شيء فلو حكمنا بوقوعه عَلي شيءٍ من الاشكال قلنا لم تعلق بالمثلّث دون المربع ان كان لا لمرجّحٍ لزم العبث لتساوي نسبة فعله الي جميع الاشياۤء علي السواۤء و ان كان لمرجح فان كان من المفعول بطلت دعوي الاختراع المحض و ان كان من الفاعل رجع علي العبث و اِنْ ادّعَي انَّ التّرجيح من العناية فان اريد من التخصيص العلمي ما تعلّق بحقيقة ما هو اهله فهو ما نقول من القابليّة و الا فممنوع فان قلت انّ الاختراع لا معني له الّا المحض اذ لايكون شيء من قابليّة اَوْ مقبول الا من صنع الصانع تعالي فيرجع الامر علي عدم توقفه علي القابلية اصْلاً قُلْتُ نعم كل شيء من صنعه و عطيته عز و جل و لكنه اذا اقتضي المصنوع القابليّة اعطاه ايّاها ابتداۤءً و تفضلا فان قلتَ كيف يقتضي المصنوع القابلية و لميكن شيئا قبل القابلية و انّما كان شيئا بها قلتُ ان القابلية و المقبول يتحققان في التكوين دفعة علي جهة التساوق فالمقبول حين قبوله بقبوله يكون شيئا لان قبوله صفته و لاتوجد الصفة قبل الموصوف و اذا كانت الصفة شرطاً لكون الموصوف ساوقته في الكون كالكسر و الانكسار فان الكسر هو الموصوف و هو المقبول و الانكسار هو الصفة و هو القابلية و لايتحقق احدهما قبل الاخر و لا بعده و انما يكونان معا متساوِقَيْن في الكون و التحقق فتفهّم الكسر و الانكسار فانهما آية ما نحن فيه و الفاعل المتصور اذا تصوّر صورة فاخبرني هل تصوّرها فتصورت ام تكون الصورة بدون قبولها لتصوّر المتصوّر فان قلتَ تكون بدون قبولها للتصور خالفتَ البديهة و ان قلتَ انّما تكون اذا قبلت تصوّره المعبر عنه بقولي تصورها فتصوّرت فهو ما قلتُ لك لانه اذا تصوّرها فلمتتصوّر لميقع منه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 449 *»
تصوّر كما تقول خلقها فانخلقت فانها اذا لمينخلق لميقع خلقه ايّاها و فيه تصريح لكل ذي فهم صحيح انها انخلقت باختيارها اي قبلت الخلق حين خلقها باختيارها لانّ انخلقت من افعال المطاوعة و المطاوِع مختار كان قبول الفعل منه باختياره و لو كانت القابلية سابقة لماقيل خلقه فانخلق فاتي بالفاۤء التي هي للتعقيب لتدل علي عدم تقدّم القابليّة و بالفاۤء لا بثم لتدلّ علي عدم التراخي الذي هو هنا بمعني المساوقة قطعاً كما في كسرته فانكسر و قد قال تعالي مريداً لمعني ما ذكرناه اَن يقول له كن فيكون و كن عبارة عن القول و المراد به الحركة الايجاديّة و هي عبارة عن المشيّة و الاختراع و عن الارادة و الابداع و بالجملة اذا تصوّر الفاعل شيئا ان لميقبل تصوره لميكن و هذا ظاهر و قوله من غير مشاركة قابلٍ و وضعه و استعداده يشير به مع ما ارادَ الَي تغاير الثلاثة و قد بيّنّا مراراً انه من اركان القابليّة يعني الوضع و انّ الاستعداد اول القبول بل هو القبول و قوله و من هذا القبيل وجود الافلاك و الكواكب قد مضي فيما ذكرنا ما فيه كفاية لبيان كون استدارة الافلاك و الكواكب لانّ الفاعل انما خلقها علي ما هي عليه في حاۤق امكاناتها لا علي ما فعله و قدرته عليه و الّا لماتعدّدت و ما هي عليه كونها مستديرة متحركة مثلا و كونها افلاكا و كواكب و ليس ما هي عليه انّها صنع مطلق و الّا لتجرّدت عن الصور التي هي عليه و ليس انه اخترع لها صوراً لاتقتضيها مواۤدها لانها خلقت من الماۤدة و الصورة فهل خلق للمادة صورة تقتضيها لكونها صفة لها اي هيئة قبولها للايجاد ام لاتقتضيها لكونها غير هيئة قبولها للايجاد فان فرض انها غير هيْئة القبول فهيئة القبول خلقها ام لميخلقها فانْ خلقها فاين هي غير الصورة و الانْفعال لان مرادنا بالهيئة هي الصورة و هي القابلية و هي الانفعال و ان لميخلقها لمتنخلق الافلاكُ و الكواكب و ايضا وجودها من تصورات المبادي صريح في حدوث وجودها و ان المحدِثَ لها هو المتصوِّرُ لها و هي المبادي اي العقول المفارقات و الارواح القادسة و الجهات الفاعلية و هي الافعال و عندنا المحدِث لكونها اي وجودها هو المشية اي احدثه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 450 *»
الله تعالي بمشيته و احدث عينَها باِرادته و احدث حدودها بقَدرِه و اتمَّها بقَضاۤئِه۪ فاعترف المصنف بحدوث وجودها و اختراعه من المبادي و الجهات الفاعلية من حيث لايشعر اذ لا شيء من الوجود عنده بمخترع و قد ذكر في كتابه الكبير انّ الوجودات العرضيّة و الانتزاعية من الوجود بنسبتها
و قوله و علمه تعالي بالنظام الاتم من غير سابقة قابليّةٍ و استحقاقٍ فيه ايضا ان العلم بالنظام الاتم هو العلم بسبق القابليّة و الاستحقاق و المراد بالسبق المساوقة فان العلم كما احاط بالمتقوِّم احاط بالمقوِّم مع ما اثبتنا سَابقاً في هذا الشرح و في غيره خصوصا في شرح رسالة العلم للملّا محسِن من تحقّق علمه تعالي في الازل الّذي هو ذاته و لا معلوم و ان العلم بالمعلومات في الامكان اي تعلّقه بها و وقوعه عليها و ان التعلق و الوقوع حادثان بحدوث المعلوم و انّ العلم بها اشراقي و انّه عين المعلوم و انّ العلم ليس فعلاً و لا منشأ للايجاد و لا مؤثرا في الاشياۤء و ان صدرتْ بالفعل من القدرة عن العلم و قوله و من هذا القب۪يل ايضاً انشاۤء الصُّوَر الخياليّة القاۤئمة لا في محلّ بمَحْضِ الارادة من القوة الخياليّة التي قد علمت انها مجرّدة عن هذا العالم يريد به ان من جملة كون الصور حاصلة من جهة الفاعل من دون قابلية او استعدادٍ انشاۤء الصور الخياليّة بمحض ارادة القوة الخياليّة و ميلها فانها قاۤئمة لا في محلٍّ فلا سبب لها و لا قابليةَ لها و هذا مثل الّذي قبله لانّ الصّور الخياليّة قاۤئمة بنور الخيال لان الخيال اذا كان في نفسه قوة نفسانيّة من عالم الملكوت كان ما ينتزعه من الصور من نوعه و هي صور منتزعة من الامور الخارجيّة و انّما القوّة الخياليّة كالمرءاة تقابل الشيء فتنطبع صورته فيها فان كان الشيء ملكوتيّا فظاهر و ان كان من الملك انتزعت صورته الحواس فالقتها الي الحس المشترك و هو يوصلها الي الخيال و كل واحدٍ يترجم ما وصل اليه بلغته يعني من نوعه و ان كان غاۤئِبا عن الحواۤس اخذ الخيٰال صورته الملكوتية اِمّا من دَلالة اللفظِ المسموع او من علم سابق علي وقت الاخذ او غير ذٰلك فالصور الخيالية ليست من انشاۤء الخيال و انما هي من انشاۤءِ خالق الخيال عز و جل لانّه تعالي اذا خلق
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 451 *»
شيئا وضعه في المحل المناسب له فان كان نورا وضعه في شيء كثيفٍ لانه لايتقوّم في مثل الهواۤء الصّافي اللطيفِ و ان كان صورة وضعها في محلٍّ صقيلٍ كالمرءاةِ و الماۤء فان كانٰا من غير عالم الملك وضعهما فيما يليق لهما من عالمهما فالصورة الخياليَّة ليست من عالم الملك فوضعها في صقيلٍ من نوع عالمها و الله تعالي قال في كتابه و اسرّوا قولكم او اجهروا به انّه عليم بذات الصدور الايعلم مَنْ خلق و الصور الخيالية من جملة ما يسرّ في الصدور و اخبر تعالي انه عالم بذلك لانَّهُ خلقه و كذا قوله تعالي و انْ من شيء الّا عندنا خزاۤئنُه و مانُنَزله الّا بقدرٍ معلوم و الصُّوَر من جملة تِلْكَ الاشياۤء و قد اخبر انّه ينزّله من الخزاۤئن بقدر معلوم و يَضعه في المحل اللّاۤئقِ به و قوله لَا في محلّ اي جسماني لانه يتوهّم انّ مَن ادّعي ذلك قال بان الخيال في الدِّماغ و هم لايريدون انّ القوي النفسانيّة تحلّ في الاجسام و انما يريدون انّها تتعلق بها تعلّقَ تدبيرٍ و اذا ظهر لك هذا ظهر لك انّها من عالم الملكوت كالقوّة الخياليّة فتكون قاۤئمة بمرءاة الخيالِ مَاۤدّتها من اشراق صورة المتخيّل بفتح الياۤء المشدّدة و صورتها هيئة مرءاة الخيال من كبرٍ و صَفاۤءٍ و بياضٍ و استقامةٍ و مقابلها و قد ذكرنا سابقا كما ذكروه ان في السّماۤء الثانية فلك عطارد ثلاثة ملاۤئكة سيمون و شمعون و زيتون موكّلين باظهار الصور الخيالية و تحت كل ملك ملاۤئكة يخدمونه لايحصي عددهم الّا اللّه علي ما ذكره علماۤء الس۪يمياۤء و علي كل فرض فالصور الخيالية خالقها و منشئها اللّه تعالي و لكنه سبحانه لمّا اجري عادته في صنعه بالاسباب جعل القوّة الخياليّة مرءاة تنتزع الصور بنوع الانطباع كما مر فافهم و قوله و لا في الاجرام الفلكيّة كما زعمه قوم الخ ، يريد به ان قوماً زعموا ان الصور الخيالية منطبعة في اجرام فلك عطارد و فلك الزهرة قاۤئمة بها قيام عروض و بعضهم ذهب الي انّها اشباح ثابتة في عالم الامكان لا في عالم الاكوان و بعضهم ذهب الي انها من عالم المثال فيكون قاۤئمة في عالم مثالي شَبَحي من نوعها قيامَ عروضٍ و هذا العالم بين الملك و الملكوت فيشاهدها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 452 *»
الخيال في ذلك العالم كما يشاهد البصر النجوم في السماۤء و قوله غير قاۤئم بالنفس لحظ به معنيينِ احدهما انّهم يجعلونه بين العالمَينِ تحت عالم النفس و فوق عالم الجسم و هو عالم المثال علي ما نعنيه نحن و ثانيهما ان المصنّف كما تقدّم جعل القوّة الخيالية جوهراً مجرّدا عن هذا العالم اعني عالم الاكوان الطبيعية و المواۤدّ المستحيلة و الحركات و حيث جعل هؤلاۤء عالم البرزخ شبَحيّاً و لميجعلوه جوهراً مجرداً كما جعله هو قاۤئما بالنفس نفاه كما يأتي بعد هذا و نحنُ قد ذكرنا سابقا مٰا يرد عليه .
قال } بل هي قاۤئمة بالنفس موجودة في صقعٍ نفساني لكن الأن ضعيفة الوجود و من شأنها ان تصير اعيانا موجودة بوجودٍ اقوي من وجود الصور الماۤدّيّة و ليس من شرط حصول الشيء لشَيءٍ قيامه به و حلوله فيه فان صور اعلم ان للاجسام صوراً فعلية تخلع صورة و تلبس اخري فاذا رأيت الي الصور و ترتب بعضها علي بعض و شرطية بعضها لبعض و علية بعضها لبعض و سببية بعضها لبعض فهي في هذا النظر زمانية كترتب الابن علي الاب و الاحتراق علي النار و الاشراق علي الضوء و اللين علي الماء مثلا و هكذا و الصانع رتب الفعليات علي ترتيب حكمية فالكثايف في محل و اللطائف في المحل و العلل في محلل (كذا) و المعلولات في محل و الغلايظ في محل و الرقايق في محل و ما يناسب البعد في محل و ما يناسب القرب في محل و دعي النفس بعد نزولها الي غاية الادبار اليه فهي في تلك الفعليات صاعدة مقبلة الي المبدء و بهذا السير تنتقل في تلك الفعليات و امتداد هذا الانتقال زمان و كذلك الامر في الدهر و انتقالها في الفعليات الدهرية دهر فالصور المخلوعة تسمي عرصة الزمان و لوح الزمان اذا راعيت نسبة صورة الي صورة و الا فهي عرصة دهر و اما الزمان الظاهر فهو الان الحاضر و نسبة الصورة الملبوسة الي القبل و البعد فاذا محي صورة عن عرصة الزمان الظاهر كتبت في عرصة الدهر فجميع الصور المخلوعة في عرصة الدهر و اما غير الملبوسة فهي زمانا غير مخلوقة و دهراً مخلوقة في محالها و سبب كونها غير مدركة للناقصين مع كونها مخلوقة و كون خيالهم معها مخلوقاً ان نفوس الناقصين لماتفارق اجسادها و هي منهمكة في الاجساد مجسدة مخصصة بالازمنة فنفسك في الدنيا لمتصر دهريةً و لمتصر مفارقةً و هي مخصصة باوقاتك فهي لاتدرك ما سيأتي و لمتحصل كمال العلم بما هو آت و لتخصصها تنسي اكثر ما مر و لاتحفظ منها الا قليلاً حتي ان الحيوٰان لاتحاد نفسه بالجسم لايدرك الا الحاضر فتخصص ادراكه بالحواس الخمسة و اما النفس الناطقة فهي بالنسبة مفارقة فتدرك ما حفظته و حصل لها دون ما لمتحفظ و اما العقل فهو الذي يدرك الشيء قبل كونه و صاحب العقل نفسه مفارقة بالكلية اي صاحب العقل الكلي بالجملة نفسك الموجودة الان تدرك بخيالها و حسها و عينها ما قابل عينها و بشبح خيالها و شبح حسها و شبح عينها ما قابل شبح عينها من الاشباح الماضية و ذلك ان حسها ايضا يخلع صوراً و يلبس اخري كالجسم و خيالها الظاهر في افلاك حسها المشترك ايضا يخلع صوراً و يلبس اخري و اما نفس الخيال الصادرة من النفس الدهرية فهي لاتخلع صوراً و لاتلبس اخري كالزمانيات و الحسيات لانها دهرية و هي فلك زهرة عالم النفس و افلاك عالم النفس و عناصرها شديدة التشاكل قريبة الاتحاد ففي اوائل صعود النفس هي زمانية لاتحس الا المقابل كالحيوانية و اذا ترقت قليلا تكون برزخية كالحسية و يجري عليها ما يجري علي الحس من الاحوال فان فارقت و هي في الاخرة تكون متحدة علي ما يناسب النفس المجردة و الحين ليست مجردة عن الاعراض الدنياوية و البرزخية فلاتدرك ما هو آت و انما تدرك ما حصلته لانها برزخية الحين و الانسان في البرزخ لاتدرك حاضراً الا ما يقارن حاله فيري سماء و ارضا و ما بينهما مثل ما يري في الدنيا و اذا اراد درك ما مضي يدركه بمثله المخلوعة اي نفسه تدرك ما مضي بمثله المخلوعة كتصوراتك غير ما يحضرك في المنام فانك في المنام تدرك ما يحضرك في المنام و تدرك ما مضي بتخيلك و انت في المنام تشاهد سماء و ارضا و تعاشر من تلقي و لاتدرك معها ما مضي البتة و متي ما شئت تخيلت فافهم فقد كشفت كثيراً من مرادات هذا الامين الجَليل اعلي الله مقامه . كريم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 453 *»
الموجودات حاصلة لذاته تعالي قاۤئمة به من غير حلولها فيه بل حصولها لقابلها قال بعض المحققين كل انسانٍ يخلق بالوهم ما لا وجود له في الخارج محلّ همّته و لكن لاتزال الهمة تحفظه و لايؤده حفظه ايّاها فمتي طرأه غفلة عليه عدم ذلك المخلوق انتهي { .
اقول قوله بل هي قاۤئمة بالنفس موجودة في صقع نفساني صحته عندنا انها قاۤئمة بالخيال موجودة فيه قيام عروضٍ وَ الصقع بالضم الناحية و هو هنا الخيال لانه جهة من جهاتِ النفس و قوّة من قواها و التخيّل للصور وجه الخيال و هو قوته المنتزعة للصور فاذا انتزعَها بتلك القوة انطبعَتْ فيه و هو في العالم الكبير نفس فلك الزهرة و هذه النفس علي ما يشير اليه اهل العلم المكتوم تُمِدّها نفس فلك الشمس من صفة الطبيعة النورانية التي هي الركن الاحمر من اركان العرش و هو الركن الاسفل الايسر و الموكّل بالاستمداد منه جبرئل عليه السلام و قوله لكن الأن ضعيفة الوجود يعني انّها في الدنيا او في الشهادة او بالنسبة الي الشهادة ضعيفة الوجود لانّها صُوَرٌ شبَحِيَّةٌ تحققُ وجودِها بتبعيّةِ وجود ذي الصورة فنِسْبَةُ وجودها في الضّعْف الي وجوده نسبة الواحد الي السبعين و مِن شأنها اي لها قوّة التّرقي الي رتبة من مراتب الوجود فتصير اعياناً موجودة بوجود اقوي من وجود الصور الماديّة مع انها كانت حين الانتزاع تابعة في الوجود للصور المادّية المنتزعة منها و لعَلّ المصنّف لحظ انها صور علميّة و حقاۤئق الاشياۤء صور علميّة للحقِّ تعالي و هي اعيان موجودة في علمه او ثابتة في علمه تعالي لا موجودة و لا معدومة بل ثابتةٌ فوجودها اقوي من وجود الصور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 454 *»
المادّية لان الماۤدّية اعراض للماديات الفانية و هذه اعراض النفوس الباقية و الاعراض تابعة للمعروضات في البقاۤء و الفناۤء فهذه الصور الخياليّة تكون اعياناً اي ماهيّات للاشياۤء فانّ بعض الصوفيَّة ذهب الي انّ عالم الخيال اصل العالم و ان الصورة الخَياليّة اصل للخارجي و الحقّ في هذه المسئلة انّ الوجود الذّهني في شأن غير علة الموجودات انتزاعي من الخارجي ظلّيّ و في علة الموجودات اصل للخارجي فلو فرض فناۤء ما في ذهن العِلّةِ و المعاذ بالله فني المعلول فالعلة كالسراج و المعلولات كالاشعّة الواقعة علي الجدار و ما في ذهن العلّة كوجوه الاشعّة من شعلة السّراج فلو ذهب السراج ذهبت الاشعّة و وجوهها و لو ذهبت الوجوه ذهبت الاشعة كذلك لو ذهبت علة الاشياۤء و العياذ بالله ذهبت الاشياۤء و وجوهها و هي صورها الّتي في ذهن علة الاشياۤء عليه السلام و لو ذهبت صورها و العياذ بالله ذهبت الاشياۤء
و قوله و ليس من شرط حصول الشيء لشيء قيامه به و حلوله فيه تقرير لقوله قبل هذا انشاۤء الصور الخياليّة القاۤئمة لا في محل يعني انها و ان كانت حاصلة للخيال ليسَتْ قاۤئمةً به و لا حاۤلّةً فيه و ان كانت موجودة في صقعٍ من اَصقاع النفس لانّها قاۤئمة في الملكوت بنفسها كالجواهر المجردة لا في محل و هذا ليس بصحيح لانهم توهّموا فيما تصوّروا لامثالِ ما عاينوا و ذلك اذا رأوا زيداً يصلّي في المسجد يوم الجمعة كانوا كلّ ما ذكروا حالة زيدِ الاولي رأوه في المسجد يوم الجمعة يصلي و يوم الجمعة قد مضي و ذهب و المسجد ليس فيه شيء مشاهد مع انهم يتصورون ذلك فلميكن الّا ان المدرك صورة زيد المتخيّلة في الملكوت و ليست في مكان لان المسجد لَيْس فيه شيء و يَوْم الجُمُعة قَدْ مَضَي و نحْنُ نقولُ اِنَّ زَيْداً لمَّا صَلّي في المَسْجدِ يوم الجمعة كَتَبَتِ الحَفظَة مثالَهُ في غيب المَسْجد و في غيبِ يوم الجمعة لان الظواهر تدور علي بواطنها و نحن نسير الي الاخرة و ظواهر الاوقات و الامكنة تسير معنا و بواطنها راسبة في مَحاۤلِّها حتي تعود نهاياتها علي مَباد۪يها اَيْ تجتمع بها كقاب قوسين و الخَيٰال يلتفت اليها يعني اِذا اردتَ اَنْ تذكر زيداً الْتفتَ بمرءاةِ خيالِك الي المسجد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 455 *»
الغيْب و الي يوم الجمعة الغَيْب لانّ الخيالَ معَهما في عالم واحدٍ و مثال زَيْدٍ الّذي كتبته الحفظة فيهما فيقابل ذلك المثال القاۤئم في المسجد يوم الجمعة يُصَلّي بتلك الصلوة الذي رأيت زيدا يصليها لان هذا المثال هو هيئة زيدٍ في تلك الصَّلوة قد خلعها هناك بمعني ان الحافظَيْن انتزعاها منه فكتباها هناك فتبقي باقية في ذلك المكان و ذلك الزمان الي يوم القيمة فان كان مثال طاۤئع كان لايفارقه في قبرِه و يخرج يوم القيمة و هو معه يؤنسه حتي يدخله الجنّة و انْ كان مثَال عاصٍ و لميتب عنه فكذلك حتي يدخله النار و اذا اتاك في الدنيا صاحب المثال الطاۤئع رأيته منتسباً اليه مستنيراً به يؤنسك قربه لان الطاعة انس من الوحشة و ان اتاك صاحب المثال العاصي رأيته منتسِباً اليه مظلما به يوحشك قربه لان المعصية داعية الوحشة و النفرة و الانكار قال عليه السلام هيهات مَاتَناكَرْتم اِلّا لما بينكم من الذنوب ه ، وَ اِنْ تَابَ صَاحب المثال العَاصي عن فعله ذلك و اتاك اعلم ان هذا الامين الجليل كلماته اصعب من كلمات جميع العلماء و سهل ممتنع يزعم الناظر انه فهمه كما قال و لميفهمه بحال و شرح هذا الكلام اي لوح الارتسام ان الانسان في هذه الدنيا صُوَرُه صور انفعالية و لا بد لها من مصور و هي قائمة بفعل المصور ظاهرة علي بدنه في هذه الدنيا يعني ان المصور يخرج بفعله من مواد الدنيا صورة بعد صورة و كذلك لجميع هذه السموات و الارض في كل آن صورة قائمة بمصورها ظاهرة علي هذه الاجسام المتصورة المنفعلة فجميع صور السماوات و الارض و ما بينهما قائمة بمباديها و مبدؤ الكل النفس الكلية التي هي محل المشية و مظهرها و الجميع قائمة بتصورات تلك النفس التي هي مبادي هذه الصور كالسراج للانوار فاذا خرج عن المادة فعلية جديدة نزع عنها فعلية كانت عليها موجودة لعدم امكان اجتماعهما عليها و وجه سيرنا في الفعليات صعود انفسنا الي المبدء بنداء اقبل علي الاستمرار و كون المبدء دائم الجذب و كونه علي صفة واحدة فالمبدء يطلب الاقبال و النفوس تقبل عن غاية البعد فتخلع صورة و تلبس اخري و تخلف درجة و تستقبل اخري فهي سايرة بهذا المعني فتري خلعا و لبساً و الا ففي الواقع كل شيء ثابت في محله و لا سير و لا خلع و لا لبس بالجملة تخلع هذه المواد دائما صورة و تلبس اخري و يخلع عنها صورها الملكان الكاتبان للاعمال فيرسمانها في محلها من اللوح فاذا سار المادة و لبست صورة اخري يسمي الصورة الاولي غيب فهي في محل وجودها في عالم المثل فالمسجد يخلع صورة و من فيه يخلع صورة في صورته و الناظر اليه يخلع صورة ناظراً اليه دائما و كذلك جميع من معه في ذلك الان و تلك الصورة قائمة بمؤثرها و نفس الناظر متي ما شاءت ذكر ما رأي في المسجد استعمل الخيال المنفعل من مقابلة تلك الصورة حين رأيها في المسجد و تلبست بذلك الخيال و نظرت من عينها الي ذلك المثال و الصورة فرأي الصورة بعينها و لاجل ذلك الذي يغيب عن صورة لايقدر علي دركها و تذكرها و لكن النفس الكلية الشاهدة للكل يري الكل لان وجه الكل عندها فهي اذا ارادت ربما تفيض علي نفس غائبة عن شيء صوره و تفيض هي الي الخيال فتصوره بصورة و تقابل بها المادة الامكانية فيتخيل صورة لميرها و يكون صادقا في خياله البتة و اما من غير تلك الافاضة فلاتقدر النفس الا علي تصور ما رأته و انطبع في خيالها و اما النفس بذاتها في ذاتها ليس شيء من تلك الصور الجزئية و انما فيها الكمال و الملكة الحاصلة من درك الصور بالجملة الاعمال اذا كانت حسنة كتبها الملكان في لوح عليين و اينما رسمت هو عليون و لايرسم في جانب المبدء و اليمين و ان كانت سيئة كتبت في سجين جانب اليسار و المنتهي فاذا لميتب النفس من العمل القبيح كتبت في الالواح الزمانية و البرزخية و جاءت في الاخرة ايضا منسوبة اليه لان الاخرة عرصة النفوس و نفسه لمتتب عنها و ان تابت كانت عرصة اخرته و ذاته منقاة عن تلك الاعمال و ان كتبت في الزمان و البرزخ و لكنها تكتب في الاخرة في لوح نفس شقية فانها اولي بها و هي التي حصل منها لطخ مع ذلك العاصي فترد الي مبدئها و لا ظلم و معني محوها عن الالواح محوها عن الالواح الاخروية المنسوبة الي التائب و لكنها تكتب في لوح مبدئها و هو صاحب اللطخ فافهم فان كلماته صعبة جداً جداً . كريم
رأيته
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 456 *»
ليس فيه وحشة المعصية و رأيتَ ذلك المثال غير منتسب اليه و هو غير لابسٍ له و اذا التفتَ بمرءاة خيالك الي ذلك المثال العاصي وجدته قائما في ذلك المكان و ذلك الوقت بتلك الهيئة لكنه مفصول من صاحبه و انما هو متقوِّم باصله من كتاب الفجار سجّين فان استمر علي التوبة عنه بقي الي نفخة الصور الاولي ثم يمحوه الله سبحانه بعفوه و مغفرته الواسعة من الارض و الزمان و يمحوه من كتب الحفظة الّتي فيها غيب المكان و الزمان و شهادتهما منها و ما في نفوسهم و ما في نفوس الخلق حتّي يأتي يومَ القيمة و لميذكر معصيته احد بل يسترها الله سبحانه بستره الجميل فالصور الخيالية قاۤئمة بمرءاة الخيال كقيام صورتك في المرءاة اذا قابلتها لانها مقابلة للمثال القاۤئم بغيب المكان و الزمان كما مثّلنا و انما قالوا انها قاۤئمة لا في محلٍ لانهم ماعرفوا اصلها و لا فرعها فلميعرفوا محلّها و قد اخبرتك به فاحمد الله علي نعمته و امّا قوله ليس من شرط حصول الشيء لشيء قيامه به و حلوله فيه فنقول نعم و ليس من شرطه عدم قيامه و عدم حلوله فيه بل منه ما هو قاۤئم به قيام صدورٍ كالاشعة من السراج و منه ما هو قائم به قيام ظهور كقيام الوجود بالماهية و كقيام الكسر بالانكسار و منه ما هو قاۤئم به قيام تحقّق كقيام الماهية بالوجود و كقيام الانكسار بالكسر و منه ما هو قاۤئم به قياما ركنيّا كقيام السرير بالخشب و منه ما هو قاۤئم به قيام عروض كقيام الصورة بالمرءاة علي اعتبار و كقيام الحمرة بالثوب و قيام الصور الخياليّة بالخيال كقيام الصورة بالمرءاة فافهم و قوله فان صور الموجودات حاصلة لذاته تعالي قاۤئمة به من غير حلولها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 457 *»
فيه بل حصولها لقابلها فيه ان صور الموجودات عنده ان عني بها الوجودات فهي عنده جهات للحق تعالي ربّي و تطوّراته فعلي هذا تكون قاۤئمة بذاته قيام صدور كقيام الاشراق بالمشرِق و علي هذا فهي حاصلة له في ملكه في الامكان و هو و ان لميقل به لكنه يلزمه و يلزمه انّ ما ليس في الازل يكون من الازل كما هو مقتضي الحصول الجمعي الوحداني كما يدّعيه هو و اتباعه و هو يلتزم بذلك و لايراه نقصا بل يراه كمالا و ان عني بها ماهيات الاشياۤء فهي عندهم صور في علمه الذي هو ذاته و يلزمه انها حاصلة فيه و دعوي انها ليست بموجودة و لا بمعدومةٍ بل هي ثابتة و انّها هو ليست من حيث هي بل انها هو من حيث هو و يلزمه ان نفي الوجود اثبات العدم فليست شيئا فلايكون علي قوله عالما بها و نفي العدم اثبات الوجود فلايكون واحداً و لا بسيطاً و الواسطة بين العدم و الوجود منفيّة و كونها ثابتة دليل وجودها فهي غيره فيكون محلّا لغيره و ان جعلوها صوراً علمية غير مجعولة خارجة عن الذات معلقة بها كتعلّق الظل بالشاخص فقد اثبتوا قديما في الامكان و اثبتوا له معها الاقتران و لزمهم اثبات حادثٍ في الازل لحصول الاقتران و قديمٍ في الامكان لعدم كونه مجعولا و قوله بل حصولها لقابلها اقول عليه ماادري هذا الفاضل المحقّق كيف يقول فانا اسأله قابلها ما هو هل هو الذات الذي حصولها له مع حكمه بازليّتها كيف خفي حصولها الّا لقابلها لانه جعل حصولها له هو حصولها لقابلها فهذا القابل هو الذات الحق تعالي فلم قال من غير حلولها فيه بل حصولها لقابلها يعني انها حالة في قابلها و الّا فلا معني للاضراب فيكون قابلها غيره فتكون القديمة حاۤلة في حادث ثم كيف يقول حاصلة لذاته تعالي قاۤئمة به من غير حلولها فيه يعني قاۤئمة به قيام صدور ثم يقول بل حصولها لقابلها ان لميعن حلولها في قابلِها و ان عناه كانت حالةً في غيره و غيره الذي تكون صور علمه فيه ممتنع ان كان قديماً او حادثا الّا اَن يقول بقولنا بان المراد بصور العلم الحادث فانها حادثة و قابلها حادث كاللوح المحفوظ و امّا اذا جعلها صور العلم الذي هو ذاته فقد اجاد ( تعريض ذم لا مدح ) في علمه و اعتقاده حيث جعل الذات القديم ظرفا و متكثرا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 458 *»
و الصور القديمة مظروفا و متكثرة او ان القديمة في غيره و ان العلم القديم صوراً متعددة مختلفة ام القابل غير الذات فتكون في الحادث كما قلنا و قوله قال بعض المحقّقين كل انسانٍ يخلق بالوهم ما لا وجود له في خارج محلّ همّتِه۪ و لكن لاتزال الهمّة تحفظه و لايؤدُها حفظهُ ايّاها فمتي طرأتْ غفلة عليه عدم ذلك المخلوق انتهي ، يريدون ان كل شخصٍ تقدِرُ نفسه علي اخْتراعِ ما يريد من الصور الخيٰالية من غير اَنْ ينتزعها من شخصٍ خارجٍ عن محلِّ باعثِه۪ و داعيه اعني همّته و ذاكرته و هو يشعر بانّ مَبْدءَ اِنْشاۤئِها باعث نفسه لميسبق له ذكر قبله فكان مبدؤه منها و قوامُه بها و لهذا ما دامت ذاكرة له فهو باق و متي طرأت علي ذاكرتها غفلة او نسيان او سهو عدم ذلك المخلوق اي الصورة و قولهم عدم ذلك المخلوق فيه اشعار بان ذلك المتصوّر حقيقة الشيء ما عَدا عوارضه الخارجيّة لا ان المتصوّر ظلّي انتزاعيّ و هذا رأي الاكثر و الحقّ ان اللّه عز و جل اجري حكمته في الايجاد علي الاسباب فجعَل الذّهن مرءاة يحدث بها الصور الّتي مكّنَها بقدرتِه علي انتزاعها فيحدث سبحانه الصورة الانتزاعيّة بفعله بواسطة قابليّة تلك المِرءاة للانتزاع بتمكينه ايّاها من الانتزاع فهو المعطي الصورة باسباب ايجادها و هو الواضع لها في مرءاة الذّهن بما جعلها قابلة قال تعالي قل الله خالق كلّ شيءٍ و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله اِلَّا بقدرٍ معلوم و قال تعالي هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الّذين من دونه ، و امّا كون الهمّة اي المتخيّلة و الذاكرة و الحافظة حافظة لها فلان صورة الصورة الخياليّة من هيئتها اي هيئة مرءاة الخيال و مادّتها من اشراق الخارجي كما انّ صورة الصورة التي في المرءاة من هيئة المرءاة و ماۤدّتها من اشراق صورة المقابل و ليس ما في الذهن من الصور من اختراع نفسه بل من صنع الله سبحانه الذي يقول و اسروا قولكم او اجهروا به انّه عليم بذات الصدور الايعلم من خلق فان مما اسرّوا التخيلات و التصورات و قال الصّادق عليه السلام كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادَقِّ معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم ( اليكم خ ) و ممّا يدلّ علي ان الذهن ينتزع الصورة من شيء خارج يقابله في محلّه بمرءاته فتنطبع فيه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 459 *»
صورته ما رواه الصدوق (ره) في اوّل عللالشرائع بسنده الي الحسن بن فضّال عن ابيالحسن الرضا عليه السلام قال قلتُ له لم خلقَ الله الخلق علي انواع شتّي و لميخلقه نوعاً واحداً فقال لئلّايقع في الاوهام علي انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احدٍ الّا و قد خلق الله عز و جل عليها خلقاً لئلايقول قاۤئل هل يقدر الله عز و جل علي ان يخلق صورةً كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الّا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انّه علي كُلِّ شيءٍ قدير ه ، لانّ حجة اولٰۤئِك انهم يقولون انا نتصوّر رجلاً له الف رأسٍ و نتصوّر بحراً من الزيبق و لميوجد في الخارج من ذلكَ شيء و نحن قد ذكرنا في هذا الشرح و غيره ان الشخص لايذكر الشيء حتّي يلتفت بمرءاة خياله الي وقت الادراك الاول و مكانه فيجد مثاله فيه في الحالة الاولي فتنطبع صورة المثال و هيئته و لايمكن التذكر الذي هو دليلنا علي ان الخيال و النفس لايحدث شيئا و انما المحدث هو اللّه تعالي الّا علي نحو ما قلنا من الالتفات فاذا التفت احدثَ اللّه سبحانه الصورة الخيالية باسبابها كما انه تعالي يحدث الصورة في المرءاة باسبابها فافهم .
قال } الاصل الخامس ان القوّة الخياليّة من الانسان اعني مرتبة نفسه الخياليّة جوهر منفصل الوجود ذاتا و فعلاً عن هذا البدن المحسوس و الهيكل الملموس كما مر ذكره فهي عند تلاشي هذا القالب باقية لايتطرق الدثور و الخلل الي ذاتها و ادراكاتها و عند الموت تصل اليها سكرات الموت و مرارته لاستغراقها في هذا البدن و بعد الموت تتصوّر ذاتها انسانا مقدرا مشكّلاً علي هيئته التي كانت عليها في الدنيا و تتصوّر بدنَها ميتا مقبوراً { .
اقول القوة الخيالية في الانسان جوهر منفصل الوجود اي منفصل الحقيقة عن هذا البدن المحسوس ذاتاً لانه جوهرٌ آلِّيٌّ للنفس اي آلَةٌ لها كيدِك منك و فعلاً لانّها لاتدرك المحسوساتِ الّا بٰالاتها لانّها من عالم الملكوت لانها من النفس كنفس فلك الزّهرة من نفس فلك البروج و
قوله عن هذا البدن فمختصر تفصيله علي طريقتنا ان زيداً له جَسَدَانِ و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 460 *»
جسمانِ فالجسد الاول هو الظاهر المؤلّف من العناصر الاربعة السفليّة و فيه يشارك الشجر و هذا بعد الموت يتلاشي في قبره شيئا فشيئا و كل ما تحلّل منه شيء لحق باصله فيمتزج به فتلحق ترابيته بالتراب فيمتزج به و تلحق ماۤئيته بالماۤءِ فتمتزج به و تلحق هواۤئيته بالهواۤء فتمتزج به و تلحق ناريّته بالنار فتمتزج بها و الجسد الثاني في غيب الاول و هو من هورقليا نزل منه و كل ما انفصل منه و تفرّق قرَّ في قبره في استدارة محلّه و بُنْيَتِه۪ حتي تتفرق جميع اجزاۤئه فيكون في قبره مستديراً و هو الطينة التي عناها الصادق عليه السلام بقوله تبقي طينته التي خلق منها في قبره مستديرة و معني استدارتها ان تكون اجزاۤء رأسه مما يلي رأس قبره و تليها اجزاۤء رقبته و تلي اجزاۤءَ رقبته اجزاۤءُ صدرِه و تليها اجزاۤء بطنه و تليها اجزاۤء رجليه حتي لو اكله السمك او السباع او قُطِّعَ و وضع في مواضع مختلفة او خولف ترتيب اعضاۤئه المقطعة في قبره اذا تفككت اجزاۤء هذا الجسد من الاجزاۤء العنصريّة و خلصت ترتّبت في قبره علي هذا الترتيب و لو لميقبر ترتّبت في قبره اذِ المراد بالقبر الموضع الذي اُخِذتْ منه تُرْبتُهُ الّتي مَاثَها الملَكُ في نطفتي ابيه و امّه و ما لميتخلص منها يجمعه الماۤء النازل من بحر عند قرب نفخة الصور الثانية نفخة الفزع و هذا الجسد تلبسه الروح يوم القيمة فان قلتَ ظاهر كلامك هذا انّ الجسد الاول لايُعٰاد و يلزم منه القول بنفي المعاد الجسماني قلتُ ليس حيثُ تذْهب لانا نريد بالجسد الثاني المُعٰاد هو هذا الجسد المرئي الملموس بعينه و هو جسد الاخرة و لكنه يكسر و يُصَاغ صيغة لاتحتمل الفساد و الخراب و هذه الصيغة الدنياويّة تفسد فاذا كُسِرتْ ذهبت الصورة الاولي المعبّر عنها بالعناصر التي اشار اليها اميرالمؤمنين عليه السلام كما تقدّم في حديث النفوس قال عليه السلام في النفس النباتية في الانسان فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدِئت عودَ ممازجةٍ لا عود مجاورة و الحاصل نريد بالجسد الاول العنصري الاعراض الدنياوية فان الجسد الثاني الذي يحشر فيه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 461 *»
لمّا نزل الي الدنيا لحِقتْه اعراضٌ عنصريّة كالثوب اذا لبِسْتَهُ لحقه وَسَخٌ عَارِضٌ ليس منه فاذا غسلته ذهبت اعراضه و لميذهب منه شيء ابداً فتأمّل و افهم مذهبَ ائمتِك و هداتك عليهم السلام و الجسم الاول تخرج به الروح اذا قبضها ملك الموت و تبقي فيه الي نفخة الصور الاولي نفخة الصعق و هو المؤلف لقواها في عالم البرزخ فاذا نفخ اسرافيل عليه السلام في الصور نفخة الصعق خلعَتْهُ و بطلت و هو ايضا كالجسد الاول عارض من جملة اعراض البرزخ لانه صورة كما مثل الصادق عليه السلام كما تقدم باللِّبنة تكسرها فاذا جعلتها ترابا ذهبت صورتها الاولي فاذا صُغتها في قالبها الاوّل خرجت هي بعينها و باعتبارٍ هي غيرها كما قال تعالي كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و لايجوز في العدل ان يؤتي لهم بجلود غير جلودهم فتكون معذّبة من غير ذنبٍ منها بل بذنبِ غيرها و انّما هي الاولي بعينها لكنها لمّا احترقت ذهَبت صورتها الاولي و هي عرض فلما اُع۪يدَتْ صدق عليها انّها غيرها باعتبار تغيّر الصورة و تجددها مع انها هي هي من حيث الماۤدة فالجسد الاول هو الصورة العنصرية و الجسم الاول هو الصورة البرزخيّة و مثاله اذا كسرتَ خاتمك ثم صغته خاتما كالاول فانه لميذهب منه شيء فهو هو و انما خلع عرضاً و لبِسَ عرضاً فالعرض الاول هو الجسد الاول في الدنيا و العرض الثاني هو الجسم الاوّل في البرزخ فالنفس مغايرة للجسد الاول الفاني و للجسد الثاني الباقي و للجسم الاول الفاني
و امّا الجسم الثاني فهي هو و هو هي علي تفصيل في مراتب يطول ذكرها لكني اذكر لك شيئا تعرف به اشياۤء و هو انا قلنا لك ان الروح التي يقبضها الملك اذا خلعَتِ الجسم الاول بَطلَتْ و هو ما بين النّفختين و نريد ببطلانها انّ ملك الموت حين قبضها من جسدها الدنياوي خرجت مؤلّفة بتأليفها الابتداۤئي و تبقي ساهرة لاتنامُ اِلَي نفخة الصُّور كما قَال الصَّادق عليه السلام في تفسير قوله فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة فاذا نفخ في الصور نفخة الصعق و هي نفخة جَذْبٍ انجذبَتِ الارواح الي الصور فدخلت كلّ روح في الثقب الذي يختصُّ بها و هو الّذي خرجَت منه الي ان نزلت الي الاجسام و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 462 *»
دخَلَتْ فيها فاذا دَخلَتْ في ثقبها و فيه ستة بيوتٍ القت مثالها في البيتِ الاوّل و هباۤءها الجوهريّة في البيت الثاني و طبيعتها النورانية النارية في البيت الثّالثِ و نفسها الماۤئيّة في البيت الرّابع و روحها الهواۤئية في البيت الخامس و عقلها الجوهري في البيت السَّادس فهذا التفريق و التفكيك هو معني بطلانها لانّها حينئذٍ لاتشعر و لاتحسّ و اَجْزاۤؤها الستة ليست ممازجة لانواعها بل مجاورة لها فاذا اراد الله سبحانه تجديد الخلق و اعادته للجزاۤء بعث اسرافيل عليه السلام و امره بالنفخ في الصور نفخةَ الفزع و هي نفخة دفعٍ فتقع النفخة في البيت السادس فتدفع العقل الي الروح في الخامس فتدفع العقل و الروح الي النفس في الرابع فتدفع الثلاثة الي الطبيعة في الثالث فتدفع الاربعة الي جوهر الهباۤء في الثاني فتدفع الخمسة الي المثال في الاول فتتألّف و تنتَبِهُ و يظهر شعورها و احساسها و كان قبل النفخ قد نزل الماۤء من بحر صاد من تحت العرش و امطر علي وجه الارض و تركّب الجسد الثاني بالعرض الثاني من عناصر الاخرة و تمت خلقته فتلجُه روحه فينشق قبره من عند رأسه فيقوم الشخص ينفض التراب عن رأسه كما بدأكم تعودون فهذه الاشارة الي تفصيل البدن و تقسيمه الي جسدين عرضي و ذاتي و الي جسمين عرضي و ذاتي و قوله فهي عند تلاشي هذا القالب باقية لايتطرق الدثور و الخلل الي ذاتها و ادراكاتها اقول بيان الامر الواقع لاينطبق علي كل ما قال فانّ كلامه مجمل و ظاهره بقاۤؤها داۤئما حتي ما بين النفختين كما هو مذهب كثير من الحكماۤء و ليس كذلك لانها لمتنزل من بعد تذوّتها في التكليف الاول و شعورها الي هذه الابدان علي حالها الاول من شعورها و ادراكاتها بل كسرت بعد التكليف الاول و ذهب شعورها و بطل تركيبها ثم تدرّجت في التأليف في الاجسام بغير شعور و لا ادراكٍ الي الولادة الدنياوية او الولادة الجسمانية ثم بعد ظهورها تدرّجت في تحصيل اشعارها و ادراكها شيئا فشيئا فكذلك تعود كما قال عز من قاۤئل صادق و جلّ من عالم خالق كما بدأكم تعودون و آية ذلك و دليله في الكتاب الكبير ان حبّة الحنطة هي حبّة حنطة بالفعل كالنفس في عالم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 463 *»
الذر نفس بالفعل فلمّا بذرت الحبّة و زرعت انشقت شجرة و عودا اخضر قد كسرت الحبّة و ذهب تركيبها الفعلي و جرت في العود الاخضر ماۤء هو حبّة بالقوّة الي ان تكون السنبلة فيكون الماۤء فيها فينعقد في السنبلة بالتدريج حتي يكون حبّةً بالفعل ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و الله انبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها و يخرجكم اخراجاً كما بدأكم تعودون و لهذا عبّر عليه السلام في بيان البعث بالنبات فقال ما معناه انه يمطر الله تعالي مَطراً من بحرِ صاد حتي يكون وجه الارض بحراً واحداً فتنبت به اللحوم و الاوصال في القبور و ايضا الارواح بعد خروجها من ابدانها ثلاثة انواع نوع روح من محض الايمان محضا فهؤلاۤء يخرجون من الابدان و بعد الفراغ من الحساب يروحون الي جنان الدنيا يتنعمون فيها كما اشرنا اليه سابقا و نوع روح من محض النفاق و الكفر محضاً فهؤلاۤء يخرجون من الابدان و بعد الفراغ من الحساب يُقَادون الي نيران الدنيا يعذّبون فيها و نوع لميمحض اصحابها الايمان و لا النفاق و الكفر فهؤلاۤء بعد الموت لايحاسبون في قبورهم و تبقي ارواحهم في قبورهم مع ابدانها الي يوم القيمة فاما هؤلاء فيلهي عنهم و تبقي ارواحهم لا شعور لها و لا ادراك حتي اذا بعثوا يوم القيمة يقول امثلهم طريقة ان لبثتم الّا يوما لعدم شعورهم بالمدة الطويلة لانهم كالحجر الملقي و امّا النوعان الاوّلان فذكر احوالهم مما يطول و لكن نذكر كثيرا منه مفرقا انشاۤء اللّه تعالي و منه ما رواه ابن ابيعمير عن زيد النرسي عن ابيعبدالله عليه السلام قال سمعته يقول اذا كان يوم الجمعة و يوما العيدين امر الله رضوان خازن الجنان ان ينادي في ارواح المؤمنين و هم في عرصات الجنان ان اللّه قد اذن لكم بالزيارة الي اهاليكم و احبابكم من اهل الدنيا ثم يأمر الله رضوان ان يأتي لكل روحٍ بناقةٍ من نوق الجنة عليها قبّة من زبرجدةٍ خضراۤء غشاۤؤها من ياقوتة رطبةٍ صفراۤء و علي النوق جِلال و براقع من سندس الجنان و استبرقها فيركبون تلك النوق عليهم حلل الجنان متوّجون بتيجان الدرّ الرطب تضيۤء كما تضيۤء الكواكب الدريّة في جو السماۤء من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 464 *»
قرب الناظر اليها لا من البعد فيجتمعون في العرصة ثم يأمر الله جبرءيل ان ينادي في اهل السموات ان يستقبلوهم فتستقبلهم مَلائكة كل سماۤءٍ و تشيعهم ملاۤئكة كل سماۤءٍ الي السماۤء الاخري فينزلون بوادي السلام و هو وادٍ بظهر الكوفة ثم يتفرقون في البلدان حتي يزوروا اهاليهم الذين كانوا معهم في دار الدنيا و معهم ملاۤئكة يصرفون وجوههم عما يكرهون النظر اليه الي ما يحبون و يزورون حفر الابدان حتي اذا ما صلي الناس و راح اهل الدنيا الي منازلهم من مُصلّاهم نادي فيهم جبرءيل بالرحيل الي غرفات الجنان فيرحلون قال فبكي رجل في المجلس فقال جعلتُ فداۤءك هذا للمؤمن فما حال الكافر فقال ابوعبدالله عليه السلام ابدان ملعونة تحت الثري في بقاع النار و ارواح خبيثة تجري بوادي برهوت في بئر الكبريت في مركّباتٍ خبيثات ملعونات تؤدي ذلك الفزع و الاهوال الي الابدان الملعونة الخبيثة تحت الثري في بقاع النار فهي بمنزلة الناۤئم اذا رأي الاهوال فلاتزال تلك الابدان فزعة ذعِرةً و تلك الارواح معذّبة بانواع العذاب في انواع المركّبات المسخوطات الملعونات المضعّفات مسجوناتٍ فيها لاتري رَوْحاً و لا راحةً الي مبعث قاۤئمنا فيحشرها الله من تلك المركبات فتردّ الي الابدان و ذلك عند النشرات فتضرب اعناقهم ثم تصير الي النار ابد الٰابدين و دهر الداهرين انتهي ، و هذا حال هذين النوعين في البرزخ الي نفخة الصور الاولي نفخة الصعق و بين النفختين و هو اربعمائة سنة تكسر الارواح عند صعودها بما سمعت من تفكّكِ اجزاۤئها في البيوت الستة كما مر في هذه المدّة كما كسرت بعد التكليف الاول في نزولها في الطبيعة في مدة الاربعمائة سنة لانها هي المقابلة لما بين النفختين فافهم و احمد الله سبحانه علي ما اوقفك عليه بتوفيقه من هذه الاسرار و تنعّم ايها العالم بحكمة محمد و اله الاطهار صلّي الله عليه و اله ما اختلف اللّيل و النهار مما لمتسمعه و لاتسمعه الّا ممّا امليه عليك و ليس من خلق اللّهِ نفسٌ لايتطرّق اليها الخلل في ادراكاتها بين النفختين الّا من استثناه اللّه تعالي في غيب ارادته في قوله و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الارض الّا من شاۤء اللّه فان الله سبحانه استثني
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 465 *»
من خلقه اشخاصاً لايصعقون لان الله سبحانه يقول كل من عليها فان و يبقي وجه ربّك ذو الجلال و الاكرام و وجه الله ذو الجلال و الاكرام اربعةعشر شخصاً صلي الله علي محمد و اله لان جميع افاعيل الله عز و جل جارية علي ترتيب النظم الطبيعي فمن كان في رتبة نفخة الصعق من الكون او تحتها لا بدّ ان يصعق و من كان رتبته في الكون قبل نفخة الصعق لايصعق فلو اراد المصنف بالنفس الخياليّة خصوص نفوس هؤلاۤء الاشخاص الاربعةعشر صلي الله عليهم اجمعين اصاب و لكنّه يريد بها نفوس البوادي و العلوج و الصوفيّة و المشاۤئين و اشباههم فلذا اخطأ الحقّ و قوله و عند الموت تصل اليها سكرات الموت و مراراته لاستغراقها في هذا البدن جواب عن سؤال مقدر و هو انك اذا حكمت عليها بانها لذاتها منفصلة عن هذا البدن و هي لايجري عليها الموت و انما يموت البدن و هي علي حالها لاتتغير فكيف تلحقها سكرات الموت و مراراته و هذا دليل علي عدم انفصالها عنه و اجاب بانها لما كانت مستغرقة في هذا البدن لحقتْها سكرات الموت و مراراته و جوابه هذا علي الظاهر صحيح و امّا في الحقيقة فزيد هو تلك النفس اللطيفة و هذا البدن الكثيف فهو شيء واحد منه ذاۤئب و منه جامد و البَرْزَخُ المذكور لَيْسَ بَرْزَخَ فَصْلٍ بان يكون اجنبيّاً من الذاۤئب و الجامد بَلْ هُوَ برْزَخُ وصلٍ لانّه منهما فتألّمها بالفصل الحقيقي و لو كان الامر كما قال لتألَّمَ حال الموت ثم لاتتألّم بعد الموت و لكنه يتألّم بعد الموت بل البدن ايضاً يتألّم بعد الموت لما فيه من الحيوة الّتي هي من النفس و الي هذا اشار الصادق عليه السلام في الحديث السابق في قوله فلاتزال تلك الابدان فزعة ذَعِرَةً و تلك الارواح معذّبةً بانواع العذاب فافهم و قوله و بعد الموت تتصوّر ذاتَها انسانا مقدّرا مشكّلاً الي اخره يريد انها اذَا خرجَتْ من هذا البَدَن تتصوّر ذاتها اي تتخيّل ذاتها انسانا كما هو في الدنيا و تتخيّل بَدنها مقبوراً و اقول امّا تخيّل بدنها مقبوراً فظاهر و هو كما قال و امّا تخيّل ذاتها فظاهر كلامه ان كونها انسانا مقدّراً مشكّلاً انّما هو في تصوّرها و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 466 *»
اَمَّا هي في نفْسها فلَيْست كذلك و هو خطَأٌ بل هي حين تخرج منْ بَدَنِهَا تخرج بصورتها المثاليّة و هي التي كٰانَتْ فيْها في الدّنيا بين النفس و الجسد فهي انسان مقدّر مشكّل لانّه هو الانسان الّذي في الدُّنيا و لمّا خرج منها القي جسده في هذا العالم لانَّهُ هو من هذا العَالم فهي علي هيئتها في الدّنيا بنفسها لا بتخيّلها و تصوّرها و هو قوله عليه السلام جعلت في قالبٍ كقالبها في الدنيا و هو المثالي و هو الأن في هذا البدن قد لبِسَتْه النفس عند دخولها في الجسد و تخرج به فافهم .
قال } الاصل السادس ان جميع ما يتصور الانسان بالحقيقة و يدركه بادراكٍ كان عقليا او حسِّيّاً في الدنيا او في الاخرة ليست بامور منفصلة عن ذاته مباينة لهويّته بل المدرك بالذات له انما هو موجود في ذاته لا في غيره و قد مرّ ان المبصر بالذات من السموات و الارض و غيرهما ليست هي الصور الخارجيّة الموجودة في المواۤد الهيولانيّة الموجودة في جهات هذا العالم { .
اقول كلامه هذا تقدّم ما يدل علي معناه و تقدّم الكلام عليه و ذكْره هنا استطراداً اولي و ان جعله اصلاً و مراده هنا ان جميع الامور الّتي يدركها الانسان من المعقولات و المعلومات و المحسوسات في الدنيا و الاخرة يدركها بقويً غير منفصلةٍ عن ذٰاته بَلْ من ذاته بل هي ذاته عنده و المعقولات و المعلومات و المحسوسات عنده موجودات فيها و عندنا المعقولات و هي المعاني المجرّدة عن الماۤدة العنْصريّة و المدة الزمانيّة و الصورة الجوهريّة و المثاليّة يدركها العقل في مرءاةِ تَعَقُّلِه۪ و المعلومات و هي الصور الجوهريّة المجردة عن المادة العنصريّة و المدّة الزمانيّة تدركها النفس و قواها التخيّليّة و التفكريّة في مرءاة تخيّلها و تفكّرِها و المحسوسات و هي الصور و الاصوات و الالوان و الطعوم الجسمانية يُدْركُها القُوَي الحسِّيّة كما تقدم وَ لٰاتدركها النفس الّا بادراكِ آلٰاتها الَّتي هي القوي الحسّيّة علي نحو ما تقدّم ذكره و كذلك العَقْل لايدرك شيئا غير المعاني الَّا بتوسط آلٰاتِ ادراكه كالنَّفْسِ و كَقُواها و كالقُوَي الحسّيّة و قد اشرنا الي ذلك فيما تقدّم و انّ هذا احكام الدنيا و امّا احكام الاخرة فليست كاحكام الدنيا لان اهل الجنّة فيما يريدون من المدارك و الشهوات و في كل شيء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 467 *»
لايحتاجون الي الٰالٰاتِ الّا علي نحو التعزز و التكرّم و اليه الاشارة بقوله تعالي في الحديث القدسي يا عبدي انا اقول للشيء كن فيكون اطعني اَجعلْك مثلي تقول للشيءِ كن فيكون الحديث ، فالاجسام تدرك المعاني و العقول يدرك المحسوسات بغير توسط شيء و كذا ادراك الاجسام و برهان هٰذا مذكور في علم الطبيعي المكتوم فان العقول بنفسها تتجسّد و الاجساد تتروّح و كلامنا مع المصنف فيما هو في الدنيا و قد بيّنّا سابقاً اَنّ المَدارِكَ الباطنة العقول و النفوس و كلّ منهما يدرك ما هو في عالمه و ما نزل عن عالمه يدركه بالوَساۤئط و الظاهرة تُدرِك الامور الظاهرة و ان كانت قوّتها المدركة من النّفس كما انّ حركة اليد من عالم الاَجْسَام و ان كانت من شعاع حركة النفس فانها ليست من عالم النفوس عالم الملكوت و علي كل حالٍ فالعقول تدرك المعاني بتعقُّلها و تعقّلُها فعل لها ليس ذاتها فانّها قد تتوجّه فتعقل و قد تغفَلُ فلاتعقِل و لو كان هو ذاتها لَمازالَتْ عاقلةً لما تتعقّله لان الذّاتيات لاتفارق الذّات بل لاتوجد الذات بدونها و كذلك النفوس فانّ تخيّلها فعلٌ منها و الّا لماانْفَكّ عنها نعم المعاني المعقولة تنتزعُها مرءاة تعقّله الذي هو فعل منه و الصور الملكوتيّة تنتزعها مرءاة تخيُّلِ النفس و الفعل يحضر باثره عند الذّات
و اذا قلنا انّ العقل عبارة عن مجموع المعاني المعقولة فنريد به العقل الاكتسابي لا الطبعاني و اثار المعاني الوجوديّة اي التي توجد من المعاني في العقل الاكتسابي كصورة السرير في خشب السرير فان الخشب بها يكون سريراً و كان قبل الصورة خشباً كما كان الاكتسابي قبل الاثار الوجوديّة طبعانيّا و معني هذا انّه يأخذ الله سبحانه بكلمته يعني تأخذ كلمةُ اللّهِ بامر اللّه حصّة طبعانيّة و تلبسها باذنِ اللهِ سبحانه صورة اكتسابها من المعاني و ينفخ فيها من روحه الامدادية ان كانت المعاني مرضية له و الّا فمن روحه المَدِّيَّةِ اي التخلية و الخذلان و منه قوله تعالي اولۤئك كتب في قلوبهم الايمان يعني بايمانهم و افاض علي ماۤدة الطبعاني و صورة الاكتساب روحاً منه ايّدهم بها فكانت قلوبهم التكليفيّة بتلك الصورة و بتلك الروح قلوباً شرعيةً يعني ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و علي عكسه قوله تعالي و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 468 *»
قالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ، و قوله ليست بامورٍ منفصلةٍ عَنْ ذاته ان اراد بها الافعال و بمعني عدم انفصالها قيامَها بالذات قيامَ صدورٍ و مبادي هذه الادراكات اي الصادرة عنها من الذات كيدك منك فحسن و الّا فغلط و قوله بل المدرك بالذات له انما هو موجود في ذاته ليس بصحيح بل هو موجود حين يوجد في مرءاة فعله و يحضر الفعل بما في مرءاته عنده خارجَ الذات و تُوجِدُ كلمةُ اللّهِ سبحانه للذات من صورة الاكتساب و ماۤدة الباعث علي الفعل و من الروح المنفوخ في مجموعهما صفةً تكون بها الذات منيرة او مظلمةً و قوله و قد مرّ ان المبصَر بالذات من السموات و الارضِ و غيرهما ليست هي الصور الخارجيّة الي اخره قد تقدم الكلام هناك و ان المبصر منها ليس صورةً ملكوتية مماثلةً للخارجيّةِ بل المدرَك صورةُ الصورةِ الخارجيّة المنطبعةُ في العين و اَنَّ المدرِك لها قوّةٌ بُخاريّةٌ في تقاطع القصبتين و انّها ليست من الملكوت الذي هو من الغيب و مقابل للظاهرة الحسيّة و الّا لكانت الحواۤس الظاهرة هي الحواۤس الباطنة مع اتفاق العقلاۤء علي المغايَرة و التّعدد .
قال } و انما الحاجة لادراكها الي مشاركة المواۤدّ و نسبها الوضعية في اول الامر من الانسان امراً بالقوّة في كونه حاۤسّاً فاحتاج الي موضع خاۤصٍّ و شراۤئطَ مخصوصةٍ للٰالةِ الاِدراكيةِ بالنسبة الي ماۤدّة ما هو المدرك بالعرض و هو الصورة الخارجيّة المماثلة لما هو الحاضر عند النفس المدرك بالذات فاذا وقع الادراك علي هذا الوجه مرةً و مراتٍ فكثيراً ما تشاهد النفس صورة من الشيء في عالمها من غير توسط مادّةٍ خارجيّة كما في المُبَرْسَم و الناۤئم و غيرهما ففي حالة الموت لا مانع من اَن تُدرِكَ النفس جميعَ ما تدركه و تُحِسُّهُ من غير مشاركة ماۤدّةٍ خارجيّة اَوْ آلةٍ بدنيّةٍ منفصلةٍ عن عالم النّفس و حقيقتها { .
اقول قوله و انما الحاجة جواب عن سؤال مقدرٍ تقديره لو صحّ انّ النفس الملكوتيّة النّاطقة هي المدرِكة للالوان المبصَرة و الاشكال المحسوسة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 469 *»
لمااحتيج في الابصار الي العين الصحيحة و الضوء في المرْئيِّ و عدم القرب و البعدِ المفرِطَيْنِ اجاب بانّها لذاتها لاتحتاج الي ذلك و انّما الحاجَةُ لادراك النفس الي مشاركةِ المواۤد كالعين في المبصر و الاذن في المسموع و نسبها الوضعية كالقرب و البعد الغير المفرِطَيْن في اوّل الامر من الانسان عند اوّل حصول الشعور فانّه شيء بالقوة اي الادراك ح بالقوة لا بالفعل فانّ الانسان في كونه حاۤسّا يحتاج الي آلةٍ يدرك بها الصور الخارجيّة التي لاتدرك الّا بالعرض اي بتبعيّة ادْراكِ مماثِلها من عالم الملكوت و اقول ان الاعتراض وارد عليه لاتردّه هذه التخريجات فان اكثرها مصادرة كدعوي ان الحاجة انما هي في اول الامر و ان الصور الخارجيّة انما تدرك بالعرض حتّي لو حلف انه لايري صورة زيد بذاتها ثم نظر اليه بعينه عمداً لميحنث لان المنظور اليه في الحقيقة انما هو الصورة المماثلة للصورة الخارجيّة و لا شكّ في بطلان ذلك و قد تقدّم و قوله فاذا وقع الادراك علي هذا الوجه مرّة او مرّاتٍ فكثيراً ما تشاهِد النفس الي اخره فيه انّ مشاهدة النفس صورة الشيء من غير توسّط مادة خارجيّة مع الاعتياد لايمكن الّا بالالتفات الي مثال الماۤدّة الخارجيّة في مكان المشاهدة الخارجيّة و وقتها كما تقدم فهذه المشاهدة التي بعد الاعتياد هي بعينها التي قبل الاعتياد في اوّلِ مشاهدةٍ فالحاجة الي التوسّط في الاوّل هو بعينه في الثاني و قد تقدّم بيانه فلاتدرك النفس صورة من الصّور الخارجيّة بنفسها لانّها اذَا توجّه اليها نور النفس انمحقت الصورة و احترقَتْ و لا بصورة غيرهَا مماثلة لها لمتكن مدرِكة لها اِلّا اِنْ اراد بالصُّورة المماثلة صورة الصورة الخارجيّة فانها تكون بادراكها مدركةً لها و لكن صحّة ذلك اَن تكون صورة الصورة الخارجيّة منطبعة في العين و القوة الحاۤسة الباصرة التي في تقاطُعِ الصَّل۪يبَيْنِ تدرك المنطبعة في العين بانطباع صورتها في مِرْءَاة القوة الحاۤسة اِذْ هي في مَقامِ الحس المشترك فتُؤَدِّي ما فيها الي الخيال الّذي هو من النفسِ كَيدِك منك فالّتي في الخيال صورة للّتي في القوة الباصرة و التي في الباصرة صورة للّتي في الجليديّة من العين و التي في الجليديّة صورة للخارجية القاۤئمة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 470 *»
بالماۤدة و كل واحدة رتبتها في الكون رتبة ما انطبعت فيه و مادّتها ظلّ ما قبلها و صورتهٰا مما انطبعت فيه
و قوله كما في المبرسم و الناۤئم المبرسم الذي به داۤء البرسام و هو علة يهذي صاحبها لانه ورم يعرض للحجاب الذي بين الكبد و المعدة و يتصل بالحجاب بين القلب و المعدة و يتصاعد الي الحجاب الذي علي قحف الدماغ فيحصل منه وسواس كثير لكثرة ارتفاع ابخرة حارة الي الدماغ فتتشكّل مجاري تصاعدها علي حسب مقتضي تصاعدها باشكال مختلفة بنمطٍ اتفاقيٍّ صحيح او فاسد فتنطبع تلك الصور في تلك المرايا التي اشرنا اليها كل مرءاة تعطي ما فوقها صورة ما فيها و حيث كان تأليف تلك الصور من خطوطٍ غير متناسبة بالطبع و الذات بل قد تتناسب بالاتفاق و قد لاتتناسب كان ما تدركه النفس بخيالها منها مخالفا و مطابقا و لهذا كان ما ينطق به هَذَياناً و تشبيه المصنف بالمبرسم جارٍ علي غير مراده لانّه يتوهم ان النفس تحدث صوراً من غير مشاركة المواۤدّ و مثّل به بما يحصل للمبرسم من الصور من غيْر مُشَاركةِ المَواۤدّ و هو غلط لان المُبَرسم انّما تحصل له الصّور بمشاركة المواۤدّ و هي الْاَبْخرة الحارة المُتَصاعدة فانها اجسام ماۤديّةٌ متشكّلة بصورٍ مستقيمة او معوجّة و كذلك النائم فانه انّما يري صور ما كانت في الخارج كما اشار اليه الرّضا عليه السلام كما تقدّم و قوله ففي حالة الموت لا مانعَ مِنْ اَنْ تدركَ النفس جميع ما تدركه و تُحِسُّه من غير مشاركةِ ماۤدة فيه انّ تفريعَهُ علي غير اصلٍ ثابتٍ كما بيّنّا من توهّمه في المبرسم و الناۤئم و كذلك الانسان حال الموت فانّه انّما يري صوراً منْتزعة من امورٍ خارجيّةٍ
كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام انّ العبد اذا كان في آخر يوم من ايّامِ الدنيا و اول يوم من ايّام الاخرة مُثِّل له ماله و ولده و عمله فيلتفت الي ماله فيقول واللهِ انّي كنتُ عليك حريصا شح۪يحاً فما لي عندك فيقول خذ منّي كفنك قال فيلتفت الي ولده فيقول واللهِ انّي كنتُ لكم مُحِبّاً و انّي كنتُ عليكم محامياً فما لي عندكم فيقولون نؤدّيك الي حفرتك فنواريك فيها قال فيلتفت الي عمله فيقول والله اني كنتُ فيك زاهداً و ان كنتَ عليّ ثقيلا فما لي عندك فيقول انا قرينك في قبرك و يوم نشرك حتي اعرض انا و انت علي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 471 *»
ربّك الحديث ، فهذا و مثله هو ما يراه الانسان حال الموت و انّه صور ممثّلة له و هي مثل صورة ماله و صورة ولده و صورة عمله انتزعت منها فيراها كما يري الجدار بخياله او ببصره لانّها صور قاۤئمة بمواۤدها اذ لايمكن وجود صورة لا ماۤدة لها في نفس الامر لانها مقادير لاتوجد الّا في مقدّر الّا ان مادتها بنسبة كونها كالصورة الموجودة في المرءاةِ فانّ ماۤدّتها عرَضيّة لِانَّ ماۤدّتها ظلّ صورة الشّاخص المشرق علَي وَجْهِ المرءاة و صورتها هيئة زُجَاجة المِرْءاةِ و صفاۤؤها و لَوْنها و ليس مُرَادنا بالماۤدة خصوص الجسمانيّة العنصريّة بل مرادنا ما هو محلّ الصورة الذي تتقدر فيه سواۤء كانت عنصريّة جسمانية ام طبيعيّة نورانية ام نفسانيّة ام عقليّة نورانية جوهريّة ام عرضيّة من اي عرض كان فلايدرك شيء من عالم الغيب شيئا من عالم الشهادة الّا بمشاركة ما هو من عالم الشهادة و ان كان بالتدريج في اللطافة فان الطف الاشياۤء من الذوات المقيّدة عقل الكل و اكثفها الارض و ما بينهما بالنسبة فالالطف يدرك الاكثف بتعاطي الوساۤئط بان يعطي الكثيف ما يليه مما هو الطف منه و هذا الالطف يعطي ما فوقه و هكذا و بعكس التعبير فالالطف ينتزع مما دونه و هذا ينتزع مما دونه حتي ينتزع عقل الكل معني الجماد بتناولِ الوساۤئط و لايكون في الدنيا شيء الّا هكذا و امّا في الاخرة فيكون كل ما يفرض كما تقدّم فافهم .
قال } الاصل السابع ان التصورات و الاخلاق و الملكات النّفسانيّة مما تستتبع آثاراً خارجيّة و هذا كثير الوقوع كحمرة الخجل و صفرة الوجل و انتشار آلة الوقاع عند تصور الجماع و انزال المني في النوم و قد يحدث المرض الشديد من التوهم فينصبّ الخلط الرديّ الفاسد في البدن من غير سبب خارجيّ و قد جزت هذا و امثاله و من شواهد هذا الرجل الغضبان عند حدوث غضبه و هو كيفيّة نفسانيّة كيف ينتشر الدم في عروقه و تشتدّ حمرة وجهه ثم يسودّ و تتحرك اوداجه و تضطرب اعضاۤؤه و قد تطلع علي قلبه نار تحرق اخلاط بدنه و تفني رطوباتِه و قد يعمي بصره من ذلك لامتلاۤءِ كهف دماغه من سواد الادخنة المتولّدة فيه و ربّما يموت تغيّظاً لفساد مزاج الروح و انقطاع مادّة حياته من الدم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 472 *»
الصّالح لتكوّنِ روحِه البخاري { .
اقول انّ التصورات الواقعة في الفكر و الخيال و العلم و الوهم بل و الحس المشترك و الاخلاق الّتي هي دواعي الفطرة و من دواعيها و الملكات الّتي هي الفطْرة الثانية القاۤرّة و تقييده بالنفسانيّة امّا لبيان ما هو الواقع او احترازاً عن الملكات الجسمانية فان الملكة كما تكون في النفس تكون في الجسم و ان لمتجر العادة بتسمية تلك القوة ملكة كما لو عوّد جسمه او بعض اعضاۤئه علي حالٍ كحمل ثقيل او سرعة حركة حتي استقرّت له تلك الحالة فانّها ملكة يصدق تعريفها عليها قد تترتّب عليها اي علي الملكات و الاخلاق و التصورات آثارٌ خارجيّة عنها بل تظهر علي الجسم كحمرة الخجل فان الشخص اذا تصوّر ظهور عورة من عورات احواله او بدنه تَستّرَتْ نفسه بظاهرها كما يتستّر الشخص بثوبه و ظاهر النفس هو الدم لما قرّرنا من تقوّمه بالعَلَق التي في القلب المتقوّمة بالدم الاصفر المتقوم بالابخرة التي هي متعلّق النفس الفلكية التي هي متعلق النفس الانسانية فتدفع الدم الي ظاهر الجسم لتستتر به فتظهر الحمرة و كصفرة الوجل لانّها اذا اشتدّ بها الخوف حاولت الفرار و اشتغلت بنفسها و ضعفت القوي الممدّة بالغذاۤء الدموي فاذا تحلّل و جَفَّ من البشرة ضعف بَدَل المتحلّل و قَلَّ فاصفرّت البشرة او انبسطت المرّة السّوداۤء لضعْف مقابلها و وجود مقوّيها و كذلك الاِنعاض باَنْ تدفع الروح البخاري الرّيح الّتي تملأ عروق القضيب عند تصور الجماع فينتشر و قد يري في المَنام انه يجامع او بعض مقدّماته فينزل منه المني لانّ مبدء الشهوة من النفس الحيوانية الحسّيّة الفلكيّة و هي متقوِّمةٌ بالرُّوح البُخَاري فاذا مالت الحسّيّة مالَتْ بالرُّوح البخاري وَ مالت بالمني لانّه من البخاري كالثّمرة من الشجرة فاذا تحركت النفس فانما تتحرك بمتعلّقها و متعلّقها الذي هو الروح البخاري سارٍ في جميع العروق و العروق كلها مجتمعة الاطراف في البيضة اليسري و ارسطوطاليس يري ان البيضتين لا منفعة بهما في توليد المني و انّما تولّده العروق و الشرايين المتّصلة بالبيضتين و جالينوس يري انّ هذه العروق و الشرايين يقرب فيها الدم من طبيعة المني و لذلك كثرت
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 473 *»
تعاريجها و لفٰاۤئفها لكن انما يكمل منيا بالفعل في البيضتين اقول و كلام جالينوس اقرب الي الصواب و الحاصل اذا تحركت الروح بحركة النفس حرّكت العروق فافرغت اليسري في اليمنَي و اجرته في القضيب فخرج المنيّ من تحريك الحيوانية لا الانسانية و قوله و قد يحدث المرض الشديد من التوهم فينصبّ الخلط الفاسد في البدن من غير سبب خارجي وهم فان ما اشرنا اليه سابقا كما سمعتَ كلّه بالاسباب الخارجيّة و كذا حدوث المرض الشديد بالتوهم فان الطبايع الاربع ما دامَتْ متقاومة لميحدث مرض و لكنه اذا توهّمت نفسه مرضاً ربّما مالت نفسه علي طبيعة ذلك المرض خوفا كما تلقي الفريسة نفسها علي السبع خوفاً منه فاذا مالت الي طبيعته تأخّرت الطبيعة المقابلة لها لعدم توجّه النفس اليها فتقوي طبيعة ذلك المرض كما لو طغت و زادَتْ علي مقابلتها فيحدث ذلك المرض بموجبه كما يحدث من دون توهّم و قوله و قد جزتُ هذا و امثاله هذه من جملة عبارات الصوفية و معناها يقول اني في عروجي الي الحق ليلةَ اُسرِي بي مررتُ بهذه المعاني المذكورة و تجاوزتُ عنها صاعداً و يقول احدهم اني في معراجي الي اللّه مررتُ بعلوم العربيّة و تجاوزتها صاعداً و مررت بالعلوم المكتومة من السحر كالسيمياۤء و الليمياۤء و الريمياۤء و الهيمياۤء و كالكيمياۤء و علم الجفر و الرمل و علم الكتف و زجر الطير و ما اشبهها و تجاوزتها و يريدون انه صعِدَ اليها و تعلّمها و جازَها صاعداً و المصنف يقول كما قالوا و يريد ما ارادوا و قوله و من شواهدِ هذا الرّجل الغضبان عند حدوثِ غضبه و هو كيفيّة نفسانيّة انما قال و هو كيفيّة نفسانيّة اشعاراً بان النّفس تحدث آثاراً من غير مشاركة من المواد و هو غفلة عمّا اتفقوا عليه من ان النفس و ان كانت مفارقة في ذاتها لكنها مقارنة في افعالها بمعني ان افعالها مقارنة للاجسام لايقع منها شيء الّا بمشاركة المواۤد حتّي ادراكها للصور العلمية فانه بمشاركة الحواۤس الظاهرة بمعني ان الحس المشترك المتوسط بين الظاهرة و الباطنة يأخذ منها و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 474 *»
يؤدّي الي الخيال و الخيٰال يؤدّي اليها و فيما نحن فيه انّ النفس لو فرض غضبها بنفسها من غير مشاركة شيء من المواۤدّ لميظهر لغضبها اثر مع ان غضبها اذا حصل لها موجبه انما تغضب بواسطة غليان دم القلب لان هذه التي يقع منها الغضب ليست هي النّاطقة و انّما هي الفلكيّة الحيوانية الحسّيّة التي اذا فارقتْ عادَتْ الي ما منه بُدئَتْ عود ممازجة و هي التي من خَواۤصّها الرضا و الغضب و متعلّقها الذي لاتتحقق بدونه هو النفس النباتيّة اي الروح البخاري المتقوّم بالدّم فاصل غضبها انما يتحقق بغليان دم القلب كما انّ الضّارب انما يتحقّق اَثر ضَرْبِه۪ بالسوط او باليد او ما اشبههما فلايتحقق الاثر بل و لا التأثير بل و لا الباعث عليهما الّا بمشاركة الوساۤئط الجسمانيّة اذِ الغضب انما يتحقق من النفس الحيوانيّة الحسيّة الفلكيّة بمشاركة غليان دم القلب لانه هو المهيج للنفس علي الغضب و ان كانت هي الباعثة علي الغليان لان غضبها انما هو بالغليانِ لا انّه لازم لغضبه كما توهّم فينتشر الدم في عروقه و تشتدّ حمرة وجهه اذ بغليان الدم و دفعه الي ظاهر البشرة يغضب لانّ النفس تكاد تَثِبُ علي المغضوب عليه و تسطو به فتدفع نفسها الي جهة الخارج بدفع الدم اليه فيحمرّ الوجه و قد يتكاثف فيسودّ و يتحرّك اوداجه التي هي مجاري النفس بسرعة النبض و قوّته و تضطرب اعضاۤؤه لاختلاف البواعث و اختلاف جهاتها و قد تطلع علي قلبه نار من حرارة الارادة و قوّتها و تواترها تحرق اخلاط بدنه و هي برودته و رطوبته و تفني رطوباته لشدة حرارة الارادة و قد يعمي بصره من ذلكَ بحيث ينزل فيه الماۤء الاسود لامتلاۤء كهف دماغه من سواد الادخنة المتولدة فيه لقوة اليبوسة و ربّما يموت تغيّظا لفساد مزاج الروح لجفاف رطوبة القلب الماۤئية فتتعفن فيه الرطوبة الدّموية و انقطاع مادة حياته من الدم الصالح لتكوّنِ روحه البخاري كما يجري في كثير من احوال الزِّبرق و هو حيوان في طرف ذنبه كالمغرفة يبول فيها فيرش به ما يَراهُ فايّ شيءٍ اصابَتْه قطرة احترق في الحال و هو بقدر الكلب و يهرب منه كلّ شيء فاذا طلب شيئاً ربما يثِبُ عليه و وثبته قدر ثلاثين ذراعاً فان لميدرك ما طلبه ربّما صرَخ و ماتَ في مكانه لشدّة غضبه و حرارة مزاجه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 475 *»
فيحترق بنفسه و الحاصل ليس الامر كما ظنّه من ان النفس تدرك المحسوسات و تصدر عنها اثار محسوسة ايضاً من غير مشاركة شيء من الاجسام او الجسمانيات بل لاتدرك شيئا و لاتصدر عنها اثار محسوسة الّا بمشاركة المواۤدّ .
قال } فبعد تمهيد هذه الاصول نقول ان شاۤء اللّه تعالي قاعدة ان المُعَاد في يوم المَعادِ هذا الشخص الانساني المحسوس الملموس المركب من الاضداد الممتزج من الاعضاۤء و الاجزاۤء الكاۤئِنة من المواۤد مع انه يتبدّل عليه في كل وقتٍ اعضاۤؤه و اجزاۤؤه و جواهره و اعراضه حتّي قلبه و دماغه سيما روحه البخاري الذي هو اقرب جسم طبيعي الي ذاته و اوّل منزلٍ من مَنازل نفسه في هذا العالم و هو كرسيّ ذاته و عرش استواۤئه و معسكر قواه و جنوده و هو مع ذلك داۤئم الاستحالة و التبدّل و الحدوث و الانقطاع فانّ العبرة في بقاۤء البدن بما هو بدن شخصي انما هي بوحدة النفس فما دامت نفس زيد هذه النفس كان بدنه هذا البدن لان نفس الشخص تمام حقيقته و هويته { .
اقول اخذ في بيان ما يعاد يوم القيمة علي نحوٍ مبني علي ما قدّم من الاصول فقال انّ المعاد بضم الميم يريد به الذي يعاد من الاجسامِ في يوم المعاد بفتح الميم يوم القيمة و هو الّذي تعاد فيه كلّ ما وجد في الدنيا ممّا نزل اليها من الخزاۤئن في قوله تعالي و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدر معلوم فانه يعود الي اصله و الكلام في خصوص اعادة الانسان ما المعاد منه امّا نفسه فاتفق المتشرعون من الاوّلين و الاخرين علي عودها يوم القيمة بالدليل العقلي و النقلي و امّا الجسم فالقاۤئلون باحكام الشراۤئع قاۤئلون باعادته بالدليل النّقلي تسليماً لاخبارات الكتب السّماوية و لحمَلتِها حيث لميجدوا في عقولهم ما يدل عليه و نحنُ قَدْ اَشَرْنَا فيما تَقَدَّمَ اِلَي ما يدلّ عليه عقلاً و القاۤئلُونَ باعادة الجسم اختلفوا في المعاد ما هو هل هو ما انتسب الي نفسه و ان تغير في ماۤدته و تبدّل ام المعاد هو الموجود في الدنيا بمادته و ان تبدّلت صورته ام هو الموجود في الدنيا بماۤدته و صورته من غير تبديل و لا تغيير ام هو الموجود بصورته في الدنيا لا بمادته و اوّل ذكر المصنف فيما سبق يشير الي الاخير من ان المعاد هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 476 *»
الانسان بصورته حتّي لو فرض تجرّد صورته عن مادته لكان هو بعينه باقيا عند ذلك التجرد كما ذكره في الاصل الاول و ثاني ذكره يشير الي الاوّل كما هنا و المعني فيهما واحد حتي ربّما قيل انهما عبارتان عن معني واحد و يمكن ارادة الفرق بان المنتسب ما انضاف الي النفس و ان تغيّرت الصورة بتبدّل بعض حدودها و الحاصل الاوّل و الرابع ان اريد منهما التعدّد يلزم منهما عدم فاۤئدة التكليف و عدم فاۤئدة البعث لعدم بقاۤء مقتضي الثواب و العقاب فلو اعيد الشخص لميكن عليه عقاب لعدم وجود المعصية و لا ثواب لعدم وجود الطاعة لانهما ذهبا بذهاب متعلّقهما فالشخص علي قولهم في كل آنٍ جديد و لايخفي علي كل عاقلٍ مُؤْمِن بالشريعة بطلان هذا القول مع ما يشهد العقل ببطلانه و الاصل في كلامهم انّهم وجدوا انّ كل حادث محتاج في بقاۤئه الي المدد و مدده متصل به اتِّصالاً سيَّالاً فهو كالنهر الجاري و لا ريب اَنّ النّهر انّما هو نهر بماۤئه و ماۤؤه كل آنٍ جديد غير الاوّل و كما انّ النهر الجٰاري اذا وضعتَ فيه طيباً او نجٰاسة ثمّ اخذتَ ماۤء من المكان الذي القيتَ فيه طيباً او نجٰاسة لمتجد فيه من الذي اَلْقيتَ شيئاً لانّه تَجاوَزَ مَعَ ما حَلَّ فيه من الماۤء وَ اتَي في مكانه ماۤء جَد۪يدٌ لميكُنْ فيه شَيْءٌ من الطَّيّبِ او الخبث كَذٰلكَ هذا الشخص اذا قلنا بان الشخص انما هو بدن هذه النفس سواۤء تغيّرت اجْزاۤء هذا البدن اَمْ تَبدّلَتْ بغيرها مع ان المصنّف نصّ علي خصوص تبدّلها فقال مع انّه تتبدّل عليه في كلّ وقتٍ اعضاۤؤهُ و اجزاۤؤه و جواهرهُ و اعراضه حتي قلبه و دماغه سيّما روحه البُخاري الذي هو اقرب جسمٍ طبيعي الي ذاته الخ ، لزم من ذلك ان الشخص في كل انٍ يكون جديداً فلو كان الامر كذلك كان المعاد جديداً لميخلق الّا حال عوده و لميجر عليه التكليف بل لميكن ايجاده عوداً بل هو بَدؤٌ و يلزم من هذا كون الايجاد و الصنع عبثا و التكليف في الدنيا مشقّة بلا عوض و الخطابات الشرعية في الكتاب و السنة لغواً و اقرب المذاهب و اشبهه بهذا القول مذهب الدهريّة و المعطّلة فان قلتَ هذا انما يلزم لو قلنا بعدم تعيّن النفس و امّا اذا قلنا بتعيّنها فلايلزم ذلك قلتُ هذا لازم علي كل حالٍ لان الجسم اذا جاز عليه التبدّل فانما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 477 *»
هو لاجل حدوثه و عدم استقلاله بدون المدد لحقيقة افتقاره الي ما يتقوّم به و النفس ايضا محدثة و كلّ محدث لا قوام له بدون المدد و كل جزؤ من الحادث ككلّه فما يجوز علي الجسم يجوز علي النفس بعين ما جاز علي الجسم فيلزم ما قلنا و امّا القول الثالث فهو ايضا باطل لما دلّ عليه النقل و الاتّفاق من المتشرعين من تغيّر صور كثير من المعادين فمنهم من يحشر قرداً او خنزيراً او غير ذلك و يحشر المتكبرون يوم القيمة علي قدر الذرّ و منهم من ضرسه قدر جبل احد و دلّ عليه العقل علي ما هو مبرهن عليه في محلّه من ان هذه الماۤدة و الصورة و التركيب يقتضي عدم الدوام ابد الابدين و ان الخلق المعادين يعادون كما بُدِئوا و نزلوا الي الدنيا و لمينزلوا الي الدنيا من عالم الغيب بهذا التركيب الكثيف و انما لحقتهم هذه الكثافات و الاعراض من هذه الدنيا و لايخرجون منها بنفس اعراضها و كثافاتها و ان لحقتهم احكامها في اعمالهم و امّا القول الثاني فهو الحق الذي يشهد بحقّيّته العقل و النقل و قد تقدّم له ذكر مصحّح من العقل و النّقل فان المعاد اذا كان بعينه هو المكلف و العامل بعمله في الدنيا صحّ ايجاده لوجود الغاية و تكليفه و عمله و بعثهم لعرض اعمالهم و هم يحملون اوْزارهم علي ظهورهم الا ساۤء ما يزرون و صحّ ثوابهم و عقابهم و امّا الصورة فهي عرض ليست هي المعادة كما توهّمه المصنف لانها هيئة الماۤدة فالمعاد حقيقة هو الماۤدة بهيئة عمل الشخص و ان كانت المادة في نوعها تتبدل من نوع الي نوع بصور الاعمال لكن المعاد هو اللابس للصورة لا نفس الصورة كما زعمه المصنف فان زيداً خلق بصورة الانسان في الظاهر بمجرّد اجابته ظاهراً حين قال تعالي له الستُ بربّك فان وافَي و عمل بما عاهَد عليه الله خلق الله تعالي باطنه بعمله انسانا فيموت انسانا و يحشر انسانا لان مادته حينئذ بعمله من نوع مادة الانسان و ان عصي و اتّبع شهوة نفسه تقدّرت مادته بصورة الحيوان لانها صورة عمله و بقيت عليه الصورة الانسانية في الظاهر ستراً من الله سبحانه و اِبلاۤءً للمكلفين من قوله عز و جل ان الساعة اتية اكاد اخفيها لِتجزي كل نفس بما تسعي فاذا مات و اضمحلت منه الصورة الانسانية في قبره و لحقت
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 478 *»
بالكرسي ظهرت عليه الصورة الحيوانية صورة عمله لان مادته تقدّرت بها و يحشر حيوانا لانّ مادته حينئذ بعمله من نوع ماۤدة الحيوان فالماۤدة هي الجوهر المباشر للعمل و يتصوّر بصورة عمله لانه كان في عالم الذر اجاب ظاهرا بقوله بلي و اضمر شهوة نفسه و كان في عالم الذر مختاراً بالاختيار الصلوحي فلمّا سُئِل اَجاب بقوله بلي لان اختياره و ان كان كافيا في التكليف لكن المحضر تترجّح فيه الاجابة فاجاب بلسانه و اضمر الخلاف فلمّا نزل في هذه الدار و اعيد عليه التكليف ثانيا تثبّت في شبهته فانزل الله و ماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل فكان اضماره الخلاف منشأً للعمل بشهوة نفسه فهو اي ذلك الاضمار طينته التي خلق بعمله منها فيحشر بها لانه حين اضمر الخلاف قُلِبَتْ به طينته و ماۤدته من نوع ماۤدَّة الحيوان في تكليف الذرّ فلمّا نزل في هذه الدّار و تقرّرَ فيه الاختيار و كمل بالتكرار و كلِّف بما كُلِّف به في عالم الذر اظهر ما اضمر و عمل بالطبيعة الحيوانيّة فيحشر حيواناً لانّ مادّته انقلبت باعماله من نوع ماۤدة الحيوان و الصورة في الحقيقة هيئة الماۤدة فهي هيئة الشيء المعاد وَ ليست هي الشيء و لهذا مثّل الصادق صلوات اللّه عليه جلودَ اهل النار في اعادتها باللّبنَة تكسر و تصاغ في قالَبِها ثانياً و قال هي هي و هي غيرها يعني هي هي بمادتها و هي غيرها بصورتها كاللبنة و لان الماۤدة هي المباشرة لما يترتب عليه الثواب او العقاب فان قلتَ انّك قاۤئل باَنَّ الممكن غير قاۤر الذات لنفسه بل يحتاج في بقاۤئه الي المدد و المدد متّصلٌ اتِّصالاً سَيَّالاً فيكون قولك كقول المصنّف فيكون الشخص علي قولك في كل آنٍ جديداً فيلزمك ما الزمته في كلامِه۪ منْ بطلان فاۤئدة التكليف و بطلان الثواب و العقاب و بطلان فائدة المعاد قلت انا نقول بان كل ممكن غير قار الذات لذاته و انه محتاج في بقاۤئه الي المدد و لكن بغير طريقة المصنف بل نقول انّ الممكن ليس في تبدّله و تغيّره كالنهر الجاري الممتدّ الذي لايلتقي طرفاه ليلزمنا ما لزمهم و انما نقول انه كالنهر المستدير ادراك ما بينه اعلي الله مقامه من النهر المستدير في المدد امر عسير و لمن لميعرف العلم المكتوم غير يسير ، اعلم ان الفيض النازل الي العبد المستمد الذي به بقاؤه هو المدد فاذا عمل به العبد الطاعة و حله في هاضمة الاعمال الصالحة و كسره تكسيرا نعم و رق و لطف فالرقيق حيزه بنفسه اعلي من حيز الكثيف فهو حين كونه كثيفا اي قبل العمل كان في الرتبة الدنيا و هو حين كونه لطيفا اي بعد العمل كان من الرتبة العليا فهو دائما ينكسر في هاضمة الاعمال و ينعقد بصورة الطف فالذي في الرتبة العليا هي المدد الواصل من اعلي ما كان فيه فالذاهب المتحلل هو المنكسر المنحل في هاضمة الاعمال و الجائي هو نفس الذاهب و كذلك تقدير العزيز العليم و انما يمد الشيء بذاتياته و اما الاعراض فاذا ذهبت لايجب ان تعود هي بعينها و اما قوله اعلي الله مقامه الاجزاء الاولي المتحللة الفانية بعينها لانها حين تحللت خرجت عن رتبة التركيب و التأليف يريد الاعراض الملقاة التي هي كانت صور المادة اول مرة فتحلل تلك الصور و بتحللها تتحل (كذا) المادة ثم تصاغ بصيغة الطف كاللبنة و لكن هذا التحلل و الصوغ متصل غير متفرق منفصل . كريم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 479 *»
الذي يصبّ اخره في اوّله لايذهب منه شيء الّا عاد اليه بنفسه و لكن اجزاۤءه المتحلّلة الفانية تعود اليه فهو يُمَدّ منها كلّما فني شيء اُع۪يد فهو يكسر و يصٰاغ بما منهُ و بما لَهُ و ليس انه يصٰاغ بشيء جديدٍ لميكن منه حتي يكون ما ذهب منه ذهب بخيره و شرّه بل يصاغ بشيء جَديد كان قد بَلِي و اضمحلّ و اعادَهُ المبدئ له اوّل مرة سبحانه و تعالي يعيده بخيره و شرّه جديداً بل ما ذهب يعود فيكون الشخص في كل آنٍ طريّا جديداً من حيث الكسر و الاعادة و الصوغ لَا مِن حيث تبديل اجزاۤئه بغيرها بل الجديدة التي هي المدد هي الاجزاۤء الاولي المتحلّلة الفانية بعَيْنِها لانها حين تحلّلَتْ خرجت عن رتبة التركيب و التّأليف الي رتبة الامكان او الي رتبة الهباۤء و البخار او الي رتبة جوهر الهباۤء الذي هو اخر المجردات و اسفلها او لحقت بالصور النفسيّة او الرقاۤئق الروحية او المعاني العقليّة ثم اعادها المبدئ عز و جل الي الشخص من الطريق الذي بدأها فيه جديدة الكون او النزول او التأليف طريّة الحصول و اقامَهُ بها كما اقامه بها اوّل مرّة فلمتتبدل اجزاۤؤه و انّما تعاد و تجدّد و بها كان المدد فقد امدّه منه فالمعاد هو الاول العامل لاعماله الصالحة او الطالحة بعينه و بكثرة كسرها و صَوغهٰا و كسرها و صوغها يتناهي الصاعد في علوّه الي اعلي الدرجات و النازل في سفله الي اسفل الدركات فتمّت كلمته و بلغت حجّته و ما ربّك بظلّامٍ للعبيد فافهم و قوله الملموس المركب من الاضداد صدر عن الطبيعة الاولي الفطريّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 480 *»
و لهذا كان مخالفا لما يعتقده و لما قرّره سَابِقاً من انّ الملموس لَيْسَ هو الخارجي و انّما هو من عالم الملكوت مماثل للخارجي لكنه لمّا غَفَل عن تطبّعِه۪ جري علي لسانِهِ الصَّواب بمقتضي فطرته الاولي لانه يريد به المحسوس الظاهر و قوله حتّي قلبه و دماغه يريد بالقلب الجسم الصنوبَري و بالدماغ مخ الرأس لانّه يريد الاجسام اذ هي عنده هي المتغيرة المتبدلة و امّا القلب الذي هو العقل فانه عنده ثابت لايتغير و لايتبدّل و كذلك النفس و لهذا ذكر المتبدّلات كالجسم و اعضاۤئه و اجزاۤئه و جواهره و اعراضه و قلبهِ و دماغِه و روحِه البخاري اعني نفسه النباتيّة و قد بيّنّا ان كل ممكن ليس بثابتٍ ثبوتا حقيقيا و ان صدق عليه الثبات العرفي و الاضافي بالنسبة الي ظاهر التغير و التبدل و كثيرهما و سريعهما لاشتراك الكل في الحاجة و الافتقار في بقاۤئه الي مدد اللّه سبحانه فلا فرق في الافتقارِ في البقاۤء الي المدد و في التغير و في التبدّل بالمعني الّذي ذكرناه بين عقل الكل و بين الجماد و النبات الّا انّ المتكلمين و طاۤئفة من الحكماۤء اختلفوا في هذه المسئلة فقال قوم كل ممكن متغيّر متبدّل محتاج في بقاۤئه الي المدد و قال قوم و منهم المصنّف الاشياۤء المركبة متغيرة متبدّلة محتاجة في بقاۤئها الي المدد و الاشياۤء المجرّدة البسيطة لاتحتاج في بقاۤئها الي المدد و انَّما تحتاج في بقاۤئها الي بقاۤئه تعالي لَا الي ابقاۤئه و قال قومٌ الحيوانات الجسمانيّة و النباتات متغيّرة متبدّلة و الجمادات قاۤرّة و قال قوم كلّ الاشياۤء لاتحتاج في بقاۤئها الي المدد و ان كانت محتاجة في اصل تكوّنها الي المدد و قال قوم و منهم السيد المرتضي علم الهدي ان الجواهر المركبات محتاجة في بقاۤئها الي المدد و الجوهر الفرد و الاعراض غير محتاجة حتي ان السيد المرتضي قال في بعض مساۤئله و هذا لفظه و يوصف بالٰه بمعني ان العبادة تحقُّ له و انما تحق له العبادة لانه القادر علٰي خلق الاجسام و احياۤئها و الاِنعام عليها بالنعم التي يستحق بها العبادة عليها و هو تعالي كذلك فيما لميزل و لايجوز ان يكون اِلٰهاً للاعراض و لا للجوهر الواحد لاستحالة ان ينعم عليها بما يستحق به
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 481 *»
العبادة و انما هو الٰهٌ للاجسام الحيوان منها و الجماد لانه تعالي قادر علي ان ينعم علي كل جسم بما معه يستحقّ العبادة انتهي ، اقول و كلّ هذه الاقوال و امثالها غير مستقيمة بل هي منحرفة عن طريق الحق و الحق ان كل ما سوي اللّه سبحانه محتاجة في كونها و وجودها و في بقاۤئها الي المدد و ان جميعها متغيّر متبدّل تبدّل كسر و صَوْغ و انها تمدّ بما ذهب عنها و تحلّل منها بعد اعادته علي نحو ما ذكرنا قبل هذا فراجع و ارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرّتين و قوله الذي هو اقرب جسم طبيعي الي ذاته يريد به الروح البخاري مع كونه اقرب الاجسام الطبيعيّة الماۤدّية الي ذاته التي لاتتغير و لاتتبدّل يعني نفسه يتغيّر و يتبدّل و هو اي الروح البخاري اوّل منزل من منازل نفسه عند تنزّلها في هذا العالم و قد بيّنا نحن ان هذه النفس التي عناها هي الانسانية الناطقة و بيّنّا انّ اوّل منازلها الطبيعة النورانية ثم جوهر الهباۤء الّذي اخر المجردات ثم المثال ثم النفس الحيوانية الحسّيّة الفلكيّة ثم الروح البخاري فالروح البخاري كما تقدم اوّل منزل من منازل الفلكية الحسّيّة لا الانسانية و بيّنّا ايضا انّ الناطقة كالاجسام في التغير و في التبدل بمعني الكسر و الصوغ و قوله و هو اي البخاري كرسيّ ذاته و الكرسي هو محل صور النفس و عرش استواۤئه اي انه استوي علي البخاري و انه محل عسكر قواه اي قوي نفسه و جنوده اما عطف تفسيري او ان الجنود هي الملائكة الموكّلة بتلك القوي و عندنا ان الشخص كرسي ذاته هي النفس الانسانية التي هي محلّ صوره و الجنود هي الملاۤئكة الموكّلين بالقوي و عرش استواۤئه هو عقله و معسكر جنوده هو عقله و نفسه و خياله و فكره و قوله فان العبرة في بقاۤء البدن بما هو بدن شخصي انما هي بوحدة النفس فما دامت نفسُ زيدٍ هذه النفس كان بدنه هذا البدن لانّ نفس الشخص تمام حقيقته و هويّته يريد انّ وحدة البدن و تعينه انّما هو بوحدة النفس كالنّهر الجاري فانّك كلّما رأيته قلتَ هذا الماۤء هو الّذي شرِبْنا منه العام الماضي مَعَ اَنّ الماۤء يتبدّل كلَّ آنٍ لكنّ مكانه لميتغيّر فكانت وحدة الماۤء و تعيّنه باعتبار وحدة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 482 *»
مكانه لان بدن المشخص عند المصنّف كماۤء النّهر فانه بما هو هو انما هو بوحدة مكانه و قد بيّنّا بطلانه كما سمعتَ لما يلزم عليه من المفاسدِ و تعليله بان النفس تمام حقيقته لايفيده لان الاجزاۤء المتبدّلة ايضاً تمام حقيقته لان الحقيقة تتغيّر بتبدل بعض اجزاۤئها او تنقص بل لو جعلت يد زيد لعمروٍ تغيّرت حقيقة عمرو بزيادة او نقصانٍ مع انّها يد مكان يدٍ فكيف مع تبدّل اجزاۤء قلبه و دماغه و روحه البخاري او وضع له رأس غير رأسه و قد ذكر الفقهاۤء مسئلة حكم اكثرهم بها و هم لايعرفون سرّها و هي ان القارئ في الصلوة لا بدّ و ان يعيّن البسملة للسورة بعد الحمد فلو شرع في السورة بعد ان بَسْمَل من غير قَصْدٍ بها للسورة اَعادَها و لميعتدّ بتلك السورة و انْ كانت التّوحيد او الجحد ما لمتكن مقصودة عند الدخول في الصلوة او معتادة و السِّرُّ فيه انّ الشيء لاتثبت حقيقته بذهابِ شيء منه و ان وضع مثله مكانه لانّ الشيء شيء به اي بنفسه لا بغيره و لان تبديل الذرّة من الشيء تبديل في الهويّة و امّا صدق الاسم مع التبديل فحكم مجازي صناعي لا حقيقي اذ كل ذرّة لها حصّة من التعيّن .
قال } و هذا كما يقال انّ الطفل ممن يشبّ او هذا الرجل الشاۤئب كان طفلا و عند الشيب قد زال عنه جميع ما كان له عند الطّفولية من الاجزاۤء و الاعضاۤءِ بل اصبعه هذا صدق انه الاصبع الذي كان له عند الطفولية مع انه قد عدم في ذاته مادةً و صورة و لميبق بما هو جسم معيّن في ذاته من نوع معيّن و انما بقي بما هو اصبع لهذا الانسان لبقاۤء نفسه فهذا ذاك بعينه من وجهٍ و هذا ليس بذاك بعينه من وجه و كلا الوجهين صحيحانِ فالانسان الشخصي المعاد بعد الموت هو هذا الانسان بعينه { .
اقول كلامه هذا هو ما تقدّم بمعناه لانه اتي بهذا تمثيلاً لما ذكر اوّلاً لانه يريد ان هذا اذا قيل انه ممن يشبّ و ينمو فانما ذلك بزيادته و تبديل اجزاۤئه بغيرها ممّا يغتذي به فان جميع اجزاۤئه الاولي قد اضمحلّت لانها تتحلّل تحلُّلاً سَيّالاً و ذبولا متّصِلاً حتي لميبق من الذي كان به طفلاً حين كان كبيراً شيء و بدّل مكانها بما يشابهُهَا و كذلك قال الرجل الشاۤئب كان طفلا و بعد ما شاب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 483 *»
زال عنه جميع ما كان له عنْد الطفولية من الاجزاۤء و الاعضاۤء يعني الجزئيّة و الكليّة فهو جديد طري علي كلامه مع انه يصدق عليه انه هو الاوّل من حيث ان نفسه هي النفس الاولي و يعني به كما مثّلنا به كالنهر الجاري و لهذا قال بل اصبعه هذا صدق انه الاصبع الذي كان له عند الطفوليّة مع انه قد عدم في ذاته ماۤدة و صورة و يريد بهذا الصدق مثل صدق اسم الماۤء الذي شرب منه في العام الماضي علي هذا الماۤء الموجود في النهر الٰانَ و لذا قال و لميبق بما هو جسم معيّن في ذاته من نوع معيّن و انما بقي بما هو اصبع لهذا الانسانِ لبقاۤءِ نفسه الي اخر كلامه و انت قد سمعتَ ما يلزمه في كلامه هذا فان هذا الشخص اذا باشر باصبعه معصية لميتب عنها ثم مات بعد سنين غير تاۤئب عن تلك المعصية و لا نادم علي فعلها فان اصبعه الموجود غير الاصبع العاصي كما قال المصنف انه ليس بذاك بعينه من وجه يعني في حقيقته و هو ذاك من وجهٍ يعني من جهة وحدة نفسه فان عذّب هذا الاصبع و هو في الحقيقة غير الاصبع العاصي كان ظلماً و هذا مثل ما اذا كان ثوبك نجساً ثم ذهب و جدّدتَ ثوباً اخر و لبسته حتي صدق عليه انه ثوبك كان نجساً لانه ثوبك و ثوبك نجس و اذا تغيّر ماۤء البئر بالنّجاسة ثم غار ثم نبع فانه علي قاعدة المصنّف نجس و الفقهاۤء اجمعوا علي طهارة النابع الّا من بعضٍ غير مستقيم و ان لميعذّب لزم بطلان الثواب و العِقَاب و المُصَنِّف علي مذهبه هذا غير قاۤئل باعادة الاجسام عند اهْل البيت عليهم السلام و ان قال باعادة الصور لانّ المعاد عنده هو الصور و المعاد عندهم عليهم السلام هو المَواۤدّ و امّا الصور فهي هَيْئات المواۤد و كيفيات اعمالها الّتي تتّصف المواۤد التي هي العَامِلُونَ بها و قوله و كلا الوجهين صحيحان يريد بالوجهين انّ هذا العائد هو الذي في الدنيا بعينه بمعني بقاۤء نفسه و ان تبدّلت مادته و صورته فانه هو الاوّل من هذا الوجه و انّ هذا العاۤئد ليس هو الاوّل لانّ الاوّل قد عدم في ذاته ماۤدةً و صورةً و لميبق بما هو جسم معيّن في ذاته من نوع معيّن بان يكون طينة بشريّة من مادة انسانيّة مخصوصة و انّما بقي في العاۤئد الثاني انه اصبع سواۤء كانت
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 484 *»
مادته من حجر او خشبٍ مثلاً ام غير ذلك فانه غير الاول من هذا الوجه و قال انّ هذَيْنِ الوجهين باعتبارين لايَلْزم بهما تناقضٌ و معني كلامه هذا كالاول في الفَسادِ لان المطلوب ليس مجرّد حصول صدق اسم الاصبع خاۤصّة اذ بهذا اللحاظ لاتترتب عليه فاۤئدة الاعادة و البعث يوم القيمة و الّا لجاز ان يحدث تعالي لروح زيد جسداً من حديد او من ذهبٍ علي صورته في الدنيا و توضع الروح فيها فانه علي قوله يصدق عليه انه جسد زيدٍ و لكن لايصدق علي ان جسد زيدٍ اعيد يوم القيمة و انّما اعيدَتْ نفسه و روحه في جسد ذهب و هذا هو معني قولي انه علي مذهبه هذا عند ائمة الهدي عليهم السلام انّه غير قاۤئلٍ باعادة الاجسام فعلي مذهب اهل الحقّ عليهم السلام الوجهانِ باطلان و كذلك قوله فالانسان الشخصي المُعاد بعد الموت هو هذا الانسان بعينه فان هذا الكلام ايضاً باطل لانه يريد ان المعاد يوم القيمة هو هذا الموجود في الدنيا الذي هو زيد بنفسه و ان كانت ماۤدته و صورته فَنِيَتَا و لميعودا و انما عاد مع نفس زيدٍ غيرهما و هذا ظاهرٌ لمن له ادْني فهم ان المصنف يلزمه انّه لميقل بالمعاد الجسماني بل قائل بنفيه و باعادة بدلِه۪ بَل بايجاد بدله اذ البَدلُ لميَكُنْ مُعَاداً و الّا لميكن بدلاً و انّما يوجد حين البعث بل في البعثِ في طول يوم القيمة و في الجنة او في النار داۤئماً هو طريّ في كل آنٍ لان هذا هو مقتضي الافتقار الي المدد في البقاۤء و لايختص هذا الحكم بالدنيا كما توهّمه المصنّف و يأتي الكلام فيه بعد هذا .
قال } و لايقدح في ذلك ان هذا البدن الدنيوي مضمحلّ فانٍ فاسدٌ مركب من الاضداد و الاخلاط الكث۪يفة العفنيّة و ان البدن الاخروي لاهل الجنّة نوراني باقٍ شريف حيّ لذاته غير قابل للفناۤء و الموت و المرض و الهرم و انّ بدن الكافر ضرسه كجبل اُحدٍ و صورته صورة الكلب و الخنزير او غير ذلك يذوب في النار الّتي تطّلع علي الافئدة ثم تتبدل عليهم جلودهم و اعضاۤؤهم كما قال تعالي كلّما نضجت جلودهم الاية ، و قد روي انه يكلّف بالصعود الي عقبةٍ في النار في سبعين خريفا كلّما وضع يده عليها ذابت فاذا رفعها عادت و كذا رجله
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 485 *»
اذا وضعها ذابت فاذا رفعها عادت فقد علم ان هذا البدن محشور في القيمة مع انه بحسب المادة غير هذا البدن و ذلك بحكم الاول و الثاني و هو ان الشيء بصورته هو ما هو لا بمادته و انّ بقاۤء الموجود بشخصه لاينافيه تبدل العوارض و نفسِ المادة من حيث خصوصها من العوارض { .
اقول يريد ان كون الانسان الشخصي المعاد بعد الموت هو هذا الانسان بعينه لايقدح فيه اي في صحته انّ هذا البدن الدنيوي مضمحلّ فانٍ فاسدٌ مركّب من الاضداد و الاخلاط الكثيفة التي لا بقاۤء لها مع ان البدن البدن الاخروي ثابتٌ باقٍ بسيط شريف حيّ لذاته لايقبل الفناۤء و المرض و الهرم و التبدّل و يريد ان بدن الكافر ضرسه كجبل اُحْدٍ مع اَنَّ ماۤدَّته في الدنيا صغيرة و لو كانت مادته في الاخرة هي ماۤدّته التي في الدنيا لكان صغيراً في الاخرة علي حسب مادته و صورته صورة الكلب و الخنزير و لو كانت هي صورته في الدنيا لكان في صورة انسان و بدنه يذوب في النار التي هي الحطمة التي تطّلع علي الافئدة تعذب البواطن كما تعذّب الظواهر و كلما فني بدنه و ذاب و اضمحلّ اعيد مثله بحيث يصدق عليه انّه هو و هو غيره و كلّما نضجت جلودهم بدّلت جلوداً غيرها و يقول و قد روي ان الكافر يكلّف بالصعود الي عَقَبةٍ في النار في سبعين خريفا و الخريف سبعون سنة كما رواه في معانيالاخبار و الخريف كناية عن السنة لان العرب كانوا يورخون اعوامهم بالخريف لانه كان اوان جذاذهم و قطافهم و ادراك غلّاتهم و كان الامر علي ذلك معني حتي ارّخ عمر بن الخطاب سنة الهجرة قاله في مجمعالبحرين فيكون ما تفسيره بالسبعين السنة خريف الاخرة كلّما وضع الكافر يده علي ذلك الجبل ذابَتْ الي كتفه فاذا رفعها عادَتْ و كذا رجله اذا وضعها ذابَتْ فاذا رفعها عادَتْ ثم قال تفريعاً علي ما قرَّرهُ ممّا ذهَب اليه فقد علم انّ هذا البَدن محشور في القيمة مع انه بحسب الماۤدة غير هذا البدن و ذلك الحكم بحكم الاصل الاول الماضي و هو ان الشيء بصورته هو ما هو لا بماۤدّته و بحكم الاصل الثاني و هو ان الموجود بشخْصه لاينافيه تبدّل العوارض و نفس الماۤدة من حيث خصوصها من العوارض لان كون تشخّص
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 486 *»
الشيء نحواً من وجوده قد قدّمنا هناك بطلان هذا الاصل علي انّ الماۤدّة ليْست من العوارض بل هي اقوي اركان تقوّمه و ليست من المشخصات العارضية مع انها من المقوّمات لانّها ( اي المشخصات ) هي الفصل المقوّم للجنس و ايضا اذا جعل المادة من حيث خصوصها من العوارض اللازمة مع انها من حيث خصوصها هي حصّة الجنس المتقوّمة بالفصل فما المتقوم بالفصل غيرها و ما المعروض الملزوم غيرها فلعلّه يريد به الوجود الخارج عن حقيقة المحدود الّا اذا اريد به المادة كما اذا قلتَ الانسان حيوان ناطق فان الحد الحقيقي الجامع لذاتيات المحدود الحيوان الذي هو المادة و الناطق الذي هو الصورة و اين ذهب الوجود الا اذا اريد به المعني الوصفي العام المسمي بالفارسيّة بهستي فيكون هو من العوارض الخارجة لا الماۤدة و اقول قد تقدّم ما ينقض هذا كلّه و يأتي ايضا فان البدن الدنيوي اذا فسد و اضمحلّ ان قال انه يعود بنفس مادته المتّصفة بصورة عمله فحسن و امّا اذا حكم بان العاۤئد غيره من حيث خصوص الماۤدة كما ذكر فلا شك انه قول بعدم اعادة الاجسام و ان البدن الذي تعود فيه النفس ليس مُعاداً و انما اُحْدِث ابتداۤءً فان حكمه علي بدن الدنيا بالفناۤء و الاضمحلال و التركيب من الاخلاط الكثيفة العفنيّة و حكمه علي البدن الاخروي الذي تعود اليه الروح و تحشر فيه انه اذا كان لاهل الجنّة نوراني باقٍ شريف حيّ لذاته غير قابلٍ للفناۤء و الموت و المرض و الهرم دليل علي انّ حكم ابدان اهل الدنيا متقضٍّ في الدنيا عنده و ان ابدان اهل النار فيها التركيب و تجري عليها احكام ابدان اهل الدنيا من الفناۤء و العدم و اعادة امثالها من غيرها و ان ابدان اهل الجنة بسيطة غير مركبة كابدان اهل الدنيا بل هي نورانيّة باقية لذاتها حيّة لذاتها غير محتاجة في بقاۤئها الي المدد و غير محتاجة الي ابقاۤء الله سبحانه لها و انّما تحتاج الي بقاۤئه كما صرّح به في الارواح القادسة و هو ظاهر قوله هنا حيّ لذاته و انت اذا تأملتَ في معاني كلامه رأيت خبط عشواۤء من غير معرفة ما فيه من التناقض و الاضطراب لما اشرنا سابقاً اليه من تساوي جميع الممكناتِ في الحاجة و ان احكام الابدان واحدة لا فرق بين اهل الدنيا و اهل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 487 *»
الاخرة و لا بين اهل الجنّة و اهل النّار و انّ تهافت ابدان اهل الدّنيا من الاعراض و الغراۤئب الاجنبيّة و انّ تماسُك اَبْدانِ اهلِ الجنّة مِنْ ثمراتِ تصفيةِ اعمالهم و ان تفريق ابدان اهل النار من غراۤئب خلط اعمالهم كلما اجتمعت اعضاۤؤهم بمقتضي قابلية طبيعةِ مواۤدِهم المقتضية لاعادة ما افنته النار من المتفرق فرّقتها النار بسبب اختلاط الغراۤئب بها لانّ النار تفرّق المتفرّق و تجمع المجتمع كما هو مبرهن عليه في العلم الطبيعي المكتوم
و امّا انه يحشر المتكبرون يوم القيمة كهيئة الذرّ فلان المتكبّر مستنكِفٌ عن قبول المدد الذي لايقبل الّا بالخضوع و الخشوع المطابقَينِ لامر الله سبحانه و امّا اَنّ ضِرْسَهُ كجبل اُحْدٍ فلما في نَفْسِه۪ وَ طبيعته من الحرص و الطَّمع فعظم ضرسه مع قِلَّة ماۤدّتِه۪ و صغرها لكثرةِ ما يكتَسِبُه من الغراۤئب الْعٰارِضة كما تري زيداً ربّما عفن و سمن فكان بقدر حاله الاولي مرّتين او ثلاثاً و ربّما ضعف و نحِف فكان اقلّ من ربعه حالة السمن مع انه هو لمتزِد ماۤدّته الاصلية حال السمن و لمتنقص و الاجزاۤء الاصليّة تقبضُها قدرة الفاعل القادر فتلزّزها فيَصْغر حجم الشيء كما فعل بعصيّ السحرة و حبالهم في عصي موسي عليه السلام و كما فعل في صورة السبع المنقوشة علي مسند المتوكّل حين اكل الساحر الهندي بامر علي بن محمد الهادي عليهما السلام و رجع صورةً فكذلك فعل ببدن المتكبر و تبسطها قدرة الفاعل القادر و تنشرُها فيعظم حجم الشيء كما تعظم اجساد اهل الجنّة للتنعيم و اجساد اهل النار لازدياد التأليم و الاصل واحدٌ لايزيد و لاينقص و امّا اية تبديل جلود الكفار بغيرها فقد اشرنا قبل الَي ان ذلك لايجوز لئلّاتَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ اخري و تكون مظلومة فيجب العدول عن الحقيقة و يجب ارتكاب التأويل و قد بيّنه جعفر بن محمد عليهما السلام بانها هي هي و ذلك من حيث الماۤدة و هي غيرها من حيث الصورة و مثّلها باللبنة تكسر و تكون ترابا ثم تعاد في قالبها فتكون لبنة فهي هي و هي غيرها وَ ما بَعد تأويل الصادق عليه السلام الّا تأويل الكاذب و كذا اذا كلّف الكافر لعنه الله بالصعود الي عقبة الجبل المسمي صَعُوداً كما قال تعالي سارهقه صَعُوداً اذا وضع يده عليها ذَابَتْ الي كتفه فاذا رفعَها عادَتْ و كذا رجله
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 488 *»
فاذا اعترف المصنف بانها تعود ثبت ما قلنا و اذا اوّل العود بالابتداۤء كما هو خلاف الظاهر المعروف لزمه ما قلنا و قوله فقد علم ان هذا البدن محشور في القيمة مع انه بحسب المادة غير هذا البدن خطأ لانه اذا كان الثاني غير الاوّل بحسب الماۤدة و بحسب الصورة بطل حكم الاشارة في قوله هذا البدن و ان كانت النفس عنده لمتتبدّل فانها علي تقريره كالمحل و المحل لايغيّر الحال عن حقيقته فاذا كان في اناۤء ماۤء ثم افرغ و وضع في ذلك الاناۤء دهن لميصدق عليه انه هو الاوّل الذي هو الماۤء و كالمزاج فانه لايوجب اتّحاد ما مزج به و لو في الصدق فان النفس كالماۤء اذا مزج به التراب كان طينا و اذا مزج به الطحين لميكن طينا بل يكون عجينا و قوله و ذلك بحكم الاول اي الاصل الاول الذي ذكره من الاصول السّبعة و الثاني اي الاصل الثاني منها اما الاول فلان الشيء بصورته هو هو لا بماۤدته انما يصدق في كون الشيء بصورته انه هو الاوّل فيما عادَ منه من نفسه بان يقال هذه نفسه و لايقال هذا جسمه الّا اذا عاد جسمه و امّا اذا عاد غيره فلا لان الجسم هو الماۤدة و اَمّا الصورة فانما هي هيئة الجسم فهي من المميزات و ان كانَتْ جُزءَ ماهيّة الشيء لكنها ليست جزؤ ماهيّة الماۤدّة و امّا الثاني من اصوله فلان بقاۤء وجود الشيء بشخصه انما يتحقق اذا بقيت الماۤدة و ان ذهبت الصورة و امّا اذا ذهبت الماۤدة فانه لميتحقّق الوجود الذاتي الّذي كان تحقّق و تعيّن بالذّاهب و انما الوجود المتحقّق مع عدم المادة لذلك الشيء هو الوجود بمعني هستي في اللغة الفارسيّة فانه هو المُتَحقِّق في كلّ ما وُجد و ثبَتَ و ان كان في جديدٍ مخترع و لكنّه غير المنسوب للذّاهب الذي لميعد فما اعجب هذه العبارات مِنَ المصنف و ما الذي حداه علي هذا التكلّف و قوله و نفسِ المادة من حيث خصوصها بكسر نفس عطف علي العوارض يعني انّ الماۤدة المخصوصة و ان لمتعد فانّ مطلق الحصول و مطلق هستي حاصل بحصول مطلق الماۤدة فاذا عدمت الماۤدة الاولي الانسانيّة يحصل مطلق الماۤدة و لو من الحجارة او الحديد انّ هذا لهو العجب العجيب .
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 489 *»
قال } ثم انّ كلّ ما يشاهده الانسان في الاخرة و يراه من انواع النعيم من الحور و القصور و الجنان و الاشجار و الانهار و اضداد هذه من انواع العذاب التي في النار ليست بامورٍ خارجةٍ عن ذات النفس مباينةٍ لوجودها و انها اقوي تجوهراً و اكد تقرّرا و ادوم حقيقة من الصور المادّية المتجددة المستحيلة بحكم الاصل الرابع فليس لاحدٍ ان يسئل عن مكانها و وضعها و جهتها هل هي في داخل هذا العالم او خارجه او هل هي فوق محدّد الجهات او فيما بين اطباق السّموات او داخل تحتها لما علمتَ انها نشأة اخري لا نسْبة بينها و بين هذا العالم من جهة الوضع و المقدار { .
اقول ثم هنا اتي بها عاطفة علي ما قبلها لِتَلَافي ما فاته من الابحاث او التفريعَات و يريد بهذا الكلام اَن كُلّ ما يدركه الانسان من جميع مدركاته بجميع ادراكاته موجودة بوجود نفسه اي بتبعيّة وجوده كالاظلّة و الاشعّة و الصّفات و ذلك كانواع النّعيم الّتي يتمتع بها المؤمن في الجنان في الاخرة من الحور العين و القصور و ما اعدّ فيها من الاواني و الفرش و الاراۤئِك و الغرف و الاسرّة و غير ذلك و من الجنانِ و ما فيها من النخيل و الاعناب و سائر الاشجار و ما فيها من الثمار الدانية و من الانهار الجارية من الماۤء و اللبن و العسل و الخمر و اشباه ذلك مما وعد اللّه به عباده المؤمنين في الدار الاخرة في جواره من الجنان التي هي دٰار رضاه و من اضداد ما ذكر و اشير اليه من انواع العذاب الّتي اعدّهَا في الاخرة للكافرين و المشركين و المنافقين من المجرمين و اتباعهم في النار التي هي دار سخطه و ليست بامور خارجةٍ عن ذات النفس مباينةٍ بوجودها لوجود النفس و انّما هي صفاتٌ لها و اوصاف لازمةٌ لذاتها اي النفس كما قال تعالي سيجزيهم وصفهم و قال تعالي و لكم الويل مما تصفون ، و قال الصادق عليه السلام كلّما ميّزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم اي فهو وصف لكم مثلكم و قال ايضا انّها اقوي تجوهراً اي اَنَّ جوهريّتها اقوي من جوهريّة الاشياۤء الماۤدّية العنصرية و الطبيعية الجسميّة و آكَدُ تقرّرا و ادوم تحققا من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 490 *»
الصّور الماۤدّية المتجدّدة المتبدّلة و هذا بمقتضي حكم الاصل الرابع كما تقدّم مثل قوله هناك الصور الخيالية القاۤئمة لا في محلّ بل بمحض الارادة من القوة الخياليّة التي قد علمتَ انها مجردة من هذا العالم و انّ تلك الصور ليست قاۤئمة بالجرم الدماغي و لا في الاجرام الفلكيّة كما زعمه قوم و لا في عالم مثالي شبحي غير قاۤئم بهذه النفس بل هي قاۤئمة بالنفس موجودة في صقعٍ نفساني لكن الٰان ضعيفة الوجود و من شأنها اَن تصير اعيانا موجودة بوجودٍ اقوي من وجود الصُّور الماديّة انتهي ، و هذا الكلام من هذا الاصل مبني علي ما قرّره هو قبل هذا في ذكر الحواۤسّ الظّاهرة و انّ المحسوس منها ليس هو هذه الامور الظاهرة و لا الحاۤس لها هذه الحواس الظاهرة بل المحسوس منها صورة من عالم الملكوت مماثلة لها و الحاۤس لها هو النفس الانسانيّة لان تلك الصورة المماثلة في صقع النفس و ذكر في هذا الاصل الرابع ان تلك الصور الخيالية من شأنها ان تكون اعيانا موجودة بوجود اقوي من وجود الصور الخيالية و اغلب ذلك في الجنة فان جميع ما وعد الله تعالي به المؤمنين من هذا القبيل و هذه هي الجنان و ما فيها عند المصنّف و معني هذا عنده انّ هذه الامور الظاهرة المحسوسة ابدان المكلفين من الانس و الجنّ و الشياطين و من الحيوانات و غيرها بل كل ما في الدنيا باقية فيها لميترقّ منها شيء الي الاخرة و لهذا حكم بانها فانية و في الاخرة تكون للمكلّفين اَبْدانٌ بصور ابدانهم بحيث يصدق عليها انّها هي الاولي لانّ هذه الاَبْدان الجديدة كانت علي صور الاولي و تشخّصها لنفسِها اذ تلك فانية متبدّلة متغيّرة لانها من صقع الدنيا الفانية المتبدلة المتغيّرة لمتخلق للبقاۤء و هذه نورانيّة باقية لاتقبل التغيير فلمّا تخلّفت الامور الدنيويّة عن اللحوق بالامور الاخرويّة بقيت صورها الخياليّة في النفس فوردت النّفس محضر الاخرة بما فيها من صور المحسوسات و لو كانت اي ما في النفس صور المحسوسات نفسها الظاهرة لماصحبت النفس الي الاخرة و لكنها صور ملكوتية عند النفس في الدنيا مماثلة للمحسوسات فلذا كانت باقية ببقاۤء النفس و هذه الصور تكون اعيانا ثابتة في النفس و لهذا كٰانت ادوم و ابقي و اقوي تجوهراً و اشدّ تحقّقا و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 491 *»
احق تذوّتا من الامور الدنيويّة و اقول مجاري مراداته في عباراته تشعر بان الدار الاخرة بجميع ما فيها عند المصنف امور عقلية و ليس فيها شيء من الاجسام و لا من الامور الظاهرة بل و لا شيء من عالم الشهادة و لقد تبّت ايديهم و خسرت صفقتهم و ما اشبه هذا الرأي بقول الصابئة الاولي الّذين يقولون بغاذيمون و هرمس يعنون بهما شيث و ادريس عليهما السلام و لميقولوا بغيرهما من الانبياۤء علي محمد و اله و عليهم السّلام فانّهم اعني الصابئة الاولي اقتصروا علي المعْقول من قولهما و تركوا المحسوس و الكلّ قد تجنّبوا طريق الرشاد و تركوا سنّة المنذر و منهاج الهاد عليهما و آلهما السلام و الحق فيما ذكره ان البدن المعاد يوم القيمة هو بعينه و بماۤدّته و بصورة عمله هو هذا البدن الموجود المحسوس في الدنيا لانه هو العامل للطاعات و المعاصي و المحاسب عنها في قبره و هو المعاد يوم القيمة للجزاۤء و انّ احوال الدنيا و ما فيها هي بعينها احوال الاخرة كما نطق به الكتاب و السنة و شهدتْ له العقول المستنيرة بنور اللّهِ من كتابه و سنة نبيه و اهل بيته صلي الله عليه و اهل بيته الطاهرين فانّ الدنيا اعلم ان هذه المسئلة اي مسئلة الثواب و العقاب من مشكلات المسائل و لميحلها احد مثل ما حلها الشيخ الاستاد اعلي الله مقامه و شرحها علي نهج الاختصار اللايق بالحواشي ان الله سبحانه خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا بمعصيتهم و انما خلقهم ليعبدوه و يعرفوه حتي يصلوا بذلك الي النعيم الابدي و وصولهم الي ذلك لميكن لهم الا بدلالتهم الي جواذب الامداد المبقية لهم الموصلة لهم الي البقاء الابدي فخلقهم اولا اكوانا مختارة قابلة للاستمداد لتلك الامداد و غيرها ثم كلفهم و دلهم الي اسبابها و اقتضي اللطف بهم ان يعرفهم ذلك بالامر و النهي و الترغيب و الترهيب بذكر ثمرات الاعمال التي هي صور تلك الثمرات و ابدانها و قوابلها الجاذبة المخصصة فكلفهم و امرهم و نهاهم فصدر عن تلك الاوامر نور و هو الامر المفعولي اي المصدر تأكيدا لفعل المفعول المطلق و هو المأمور به و ذلك المأمور به يحتاج في ظهوره و تخصصه بكل شخص من امتثال كل مكلف فالامتثال للمأمور به كالمرآة لشعاع الشمس فالامتثال المشرق بنور المأمور به هو العمل و هو صفة العامل كما انك اذا قلت لزيد اضرب فضرب فضرب فعل زيد و الضرب اثره الذي اوجده بفعله و الضارب صفة زيد فالضرب له مادة و هي حركة زيد المطلقة و صورة و هي هيئتها الخاصة و هذا هو الخلق الاول للضرب و اما في الخلق الثاني فمادته حصة من الضرب و صورته من خصوص المحل الواقع عليه فهذا الضرب هو عمل زيد و هو صورة الثواب و العقاب فمادة الثواب هي النور الصادر عن الامر و هو الضرب الصادر عن قوله اضرب فالامر يقول اضرب ضرباً فكل من امتثل و ضرب ضرباً فهو المختص بالنور الصادر عن اضرب فيختص و لو امتثل غيره هو اختص به دونه كما ان الامر يقول كن كونا فكل من امتثل و كان كونا فهو الكائن المختص بنور كن الموجود به و قوله كن و اضرب امر واحد لقوله تعالي و ما امرنا الا واحدة الا ان امره الظاهر في الكون يكون كن و الامر الكوني و امره الظاهر في الصفة امر شرعي و قول صل و صم و امثالهما و الكون من حيث الاضمحلال امر الله سبحانه الكوني لان كل شيء مخلوق بنفسه فكذلك الصفة من حيث الاضمحلال امر شرعي فالامر الشرعي صفة الامر الكوني كما ان المأمور به في الشرعي صفة المأمور به في الكون فافهم . كريم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 492 *»
مزرعة الاخرة و لذا قال تعالي و ماتجزون الّا ما كنتم تعملون ان الّذين يأكلون اموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم ناراً يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوَي بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ذق انك انت العزيز الكريم ان هذا ما كنتم به تمترون لو تعلمون علم اليقين لترونّ الجحيم يصلونها يوم الدين و ما هم عنها بغاۤئبين يستعجلونك بالعذاب و انّ جهنم لمحيطة بالكافرين ، و بالجملة القرءان مشحون بذلك و السنة كذلك و قال عليه السلام انما هي اعمالكم تردّ اليكم و ورد ان الاعمال صور الثواب و العقاب و لمّا كانت الايات و الروايات مع صراحتها في المدعي لاهل الدرايات قد تشتبه دلالتها علي الذين ادلّتهم مقصورة علي مفاهيم الالفاظ وجبت الاشارة الي ذلك في كلمات قليلة ينتفع بها اهل الاشارة و هي ان كل شيء في الدنيا فان الله سبحانه انزله من الخزاۤئن كما قال و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدر معلوم و كل شيء يعود الي ما منه بُدئ فكل ما في الدنيا نزل من خزاۤئن الغيب و يعود في الاخرة الي ما منه بُدِئ الّا الكثافات و الاعراض الدنيوية فان خزاۤئنها الدنيا فلاتعود الي غيرها و لاتخرج منها و لمّا اقتضي اللطف في التكليف الترغيب و الترهيب بذكر ثمرات الاعمال الّتي الاعمال صورها و فهّموا في التكليف بتحصيل الثمرات بوجوداتها الذهنيّةِ المنتزعة منها و كانت تلك الثمرات في نفسها ثابتة قبل هذا العالم الدنيوي احوالاً نسْبيّةً جعل الله سبحانه نسبتها قبل اضافتها في نفسها و مع اضافتها نسبتها الي من تضاف اليه كالحروف ليس لها معني الّا انفسها مثل ج ل ع ز ق و ل ه و ما اشبه ذلك فاذا الّفت ظهر بها المعني و دلّت عليه و احوال الاخرة من الجنة و ما فيها و النار و ما فيها ذوات و حقائق نسبية بمعني انها شيء ليست لنفسها بل لغيرها خلقت و تحصيل نسبتها اليك مثلا بالكسب و العمل فان عملت ما تستحقّ به القصر المعيّن و الحوريّة المخصوصة كانا لك و ان لمتعمل ذلك و عمله زيد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 493 *»
كانٰا له و مثاله الفواكه الموضوعة في السوق مَن ادّي الثمن كان هو المالك المستحق لنسبة تلك الفاكهة اليه لانها بعد اداۤء الثمن ملكه يتصرّف فيها و لو لميؤد الثمن و ادّي غيره كان هو المالك فتحصيل الانتساب بالاكتساب فالرّابطة بين النعيم الخاۤص و بين المؤمن مع سبق وجود ذلك النعيم علي عمل ذلك المؤمن العمل لانّه صورة النّعيم فاذا عمل المؤمن اتّصف بذلك العمل الذي هو صورة ذلك النّعيم فكان ذلك النّعيم الجوهري تابعاً لذلك المؤمن منسوباً اليه و بيانه انّ التكليف اذا توجّه الي الشخص تصوّر من الامر صورة المأمور به ينتزعها ذهنه من المأمور به بواسطة الوصف التكليفي و هذه الصورة وجود ذهنيّ لذلك المطلوب و ذلك المطلوب اعني المأمور به صورة خاۤصة لذلك النعيم و ذلك النعيم كان موجوداً قبل الصورة الخاۤصّة الّتي هي العمل بوجود نوعي و صورة نوعيّة فاذا عمل الشخص العملَ المأمور به صُوّر ذلك النعيم بالصورة الشّخصيّة الخاۤصّة و هي صورة عمل الشخص و حصة النّعيم النوعي ماۤدة للنّعيم الخاۤصّ الشخصي و هذا التحصيص ليس اَخْذاً لحصّةٍ من نوع مشتملٍ عليها و علي مثلها لمتكن في نفسِها متميّزة الّا بالاخذ بل المراد بالتحصيص هنا تحصيص التّخصيص لانها كانت في نفسها متميزةً الّا انّها غير متعينةٍ لشخصٍ مخصوص فاذا عمل صيغت بصورة الخصوص بعد ان كانت بصورةِ العموم و ذلك عَلَي نحو ما مثّلنا بالفاكهة في السوق فكلّ ما في الاخرة من الاجسام و الاعراض و المعاني هو ما كان في الدّنيا من الاجسام و من الاعراض ما لميكن من اعراض الدنيا و من المعاني ما لميكن من مَعاني الدّنيا ايضاً كالمحرّمات علي تفصيل يطول ذكره و الزمان موجود في الاخرة لوجود الاجسام في ساۤئر الجنان و الزمان و المكان من مقوّمات الاجسامِ كما اشرنا اليه سَابقا و لو لميكن في الجنان الّا النفوس و صورها و العقول و معانيها لميوجد بها زمان و لا مكانٌ و قد ذكرنا سابقاً مكرّرا انّ الله سبحانه قال سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انّه الحقّ و قال و في انفسكم افلاتبصرون و اجمع العقلاۤء من اهل العلم ان الانسان نسخة ما في العالم و قال علي عليه السلام :
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 494 *»
اتحسب انّك جرم صغير ** * ** و فيكَ انْطَوي العالمُ الاكبَرُ
فاذا عرفت ان الانسان الصغير فيه جميع ما هناك و انه الدليل الشاهد علي كل غاۤئب كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام فيما نقل عنه الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غاۤئب و هي الحجة علي كلّ جاحدٍ و هي الصراط المستقيم الي كلّ خير و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار ه ، و عرفتَ انّ جسمك الأن هو جسم الدنيا و هو جسم البرزخ و هو جسم الاخرة بعينه و انّما ينقل من دارٍ دانية الي دار عاليةٍ لانه نزل من العالية الي الدانية و يرجع الي محلّ بدئه عرفتَ اَنَّ ما في الجنّة و اوضاعها و سمواتها و اَرَضيها و جميع ما فيها من الاجسام فهو ممّا كان في الدّنيا علي نحو جسدك هذا في الاخرة و قال تعالي و قالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده و اورثنا الارض نتبوء من الجنة حيث نشاۤء و قال تعالي خالدين فيها ما دامت السموات و الارض الا ما شاء ربك و من هذا جنة الدنيا هي جنّة الاخرة قال تعالي لايسمعون فيها لغوا الا سلاما و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيّا تلك الجنّة الّتي نورث من عبادِنا فبكرةً و عشيّا في جنّة الدنيا و قال تلك التي في الدنيا هي التي نورث في الاخرة من عبادنا مَن كان تقيا و نار الدنيا هي نار الاخرة قال تعالي و حاق بٰال فرعونَ سوۤء العذاب النار يعرضون عليها غدوّا و عشيا يعني في الدنيا و يوم تقوم الساعة يعني في الاخرة و امّا كون ما في الدنيا فانياً و ما في الاخرة باقيا لاينافي ما قلنا لانّ ما في الدنيا مخلوط بالاعراض الغريبة الموجبة للتفكيك و التهافت لحكمة الابتلاۤء و الاختبار في التكليف و لُطفاً بالمكلّفين ليتبين لهم انها دار فناۤء فلايركنون اليها و ما في الاخرة قد صُفِّي من الغراۤئب لئلّايجري عليها التغيير و حكم الدارين واحد في احتياج كل ما فيهما في البقاۤء الي المدد الّا ان ما في الدنيا مدده بالمخلوط بالغراۤئب و مدد ما في الاخرة بما صُفّي من المنافيات اذ مدد البقاۤء من نوع مدد الابتداۤء و الاخرة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 495 *»
خير و ابقي في الافئدة و العقول و الارواح و النفوس و الطباۤئع و الاشباح و الاجسام و الاعراض و الشهوات من المطاعم و المشارب و المناكح و الملابس و اشدّ تحققا في الظاهر اشدّ ظهوراً و بطونا و في الباطن اشدّ بطوناً و ظهوراً و الاخرة كالدنيا و للٰاخرة اكبر درجات و اكبر تفضيلا الّا انها صورة للاخرة كل ما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اُتوا به متشابها و قوله فليس لاحد ان يسئل عن مكانها و وضعها و جهتها الي اخره بلي للعارفين ان يسئلوا و لهم اَن يُجابوا امّا مكانها الصوري فهي ثمان جنان بعدد ابواب الانسان الصغير الي الخيرات و هي جسمه و حياته و فكره و خياله و وهمه و علمه و نفسه ( و هي الباب الاعظم الجامع لجميع ما سبق . المراد بهذه النفس فلك زحل فانه حكاية اعلي مراتب النفس ) فانّ هذه السبعة تصلح للخيرات اعلم ان هذه ابواب الجنان و النيران التي منها يصل الانسان الي الجنان او النيران و اما نفس الجنان ففي السموات فوق كل سماء و في خلال العالية و الثامنة فوق الكرسي في خلال العرش و النيران في الارضين السبع التي بازاء الافلاك فابوابهما غيرهما و ابوابهما ما يتوصل به اليهما و في هذا الاعتبار لميلاحظ المناسبة بين الباب و ذي الباب ظاهراً . كريم
و تصلح للشرور فاذا استعملت للخيرات كانت ابوابا للجنان السبع كل جنّة فوق محدّب سماۤء من السموات السبع و الثامنة جنّة عدنٍ فوق محدب الكرسي ( و ذلك ان فوق محدب الكرسي من تفاصيل العقل و شؤنه ) اعني فلك البروج و باب هذه الجنّة عقله و لايصلح هذا الباب لاستعمال الشرور فلذا كانت الجنان ثماني و اذا استعملت السبعة للشرور كانت ابوابا للنيران السبع كل نارٍ تحت ارض من الارضين السبع و الدار الاخرة هي الحيوان فكل ما فيها حيّ حيوة حيوانية و حيوة تحقق و تأكّد و ثبات و حيوة معرفة و حيوة علم و حيوة بقاۤء و حيوة ملكٍ و سلطنة و حيوة شهوة لاتنقضي و حيوة جدّةٍ لاتخلق و حيوة شباب يتجدّد و هكذا و تنعّم الجنّة للمؤمن في فؤاده بانوار معرفة لاتتناهي و لا كيف لها و في قلبه بانوار اليقين المتجدّد كل حين و في صَدْره بانْوار العلم و في لمسه و شمه و ذوقه و سمعه و بصره بانوار ادراكات لا غاية لها في الشدّة و الكثرة حتي يدرك الغيب بشهادته و بغيبه و بشهادته و غيبه و يدرك الشهادة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 496 *»
بغيبه و بشهادته و بغيبه و شهادته و اهل النار في الفقدان كاهل الجنة في الوجدانِ فمكان الجنّة الصوريّة ما سمعت و الجنّة المعنويّة مكانها مكان المدارك المعنويّة و ليس علي الاختصاص بل كل نور يدرك ساۤئرها بمعني ان نعيمها تدركه المدارك المعنوية و الحسّيّة و امّا وضعها فعلي ترتيب وجوه ولاية الولي صلوات اللّه عليه علي وضعٍ لايمليه لسان القلم الّا بالتلويح و اما جهتها فالجهة العليا ظاهراً و هو معلوم و باطنا و هو البطون الغير المتناهي في الامكان في جهتي الخفاۤء و الظهور و الحاصل جهتها وجه اللّهِ عز و جل و امّا انها هل هي في داخل هذا العالم او خارجه فلانّ الجنّة انما يصل اليها اهلها يوم القيمة و الأن ساۤئرون اليها بل ابتداۤء سيرهم اليها منذ كانوا في بطون امّهاتهم عَلقاً فكما لايصلون الي اجسادهم بمعني انّهم لايشاهدون حقيقتها كما تظهر لهم الأن بشريّتها الّا يوم القيمة فكذلك لايصلون الي الجنّةِ بالعَيانِ و الحِسّ الّا يوم القيمة و ذلك لانّها في صقعٍ فيه اجسادُهُم الّتي يحشرون فيها و هي الأن فيهم في اجسادِهم الظّاهرة في غيبها بالفعل لا بالقوّة و كذلك الجنّة فانّها موجودة في مكانها بالفعلِ الأن في صقع المجرّدات عن المواۤدّ العنصريّة و لكن وجودها بالنسبة اليك في هذه الدنيا كوجود الصين بالنسبة الي اهل الشام فانّهم يتصوّرون الصين في اذهانهم بصورة ظلّيةٍ مع ان الصين موجودة معهم في عالم واحد فاذا سافروا اليها و وصلوا اليها عرفوا ان هذه هي التي كنا نتصوّرها فتنطبق الصورة الذّهنية علي الصورة الحسّية فهي في حال غيبتهم عنها من عالم الغيب بالنسبة الي ما في اذهانهم من صورتها و الّا فمن حيث الكون هي معهم في عالم الشهادة فكذلك الجنّة هي موجودة بالوجود الخارجي معنا لانّا نزلنا منها انشاۤء الله تعالي و لو لمتكن موجودة في الخارج لماوُجدنا منها في الخارج و نحن ساۤئرون اليها انشاۤء الله تعالي فاذا وصلناها انشاۤء الله تعالي رأيناها اذ كل غاۤئب عنك فهو بالنسبة الي صورته في ذهنك في عالم الغيب لان صورتك في عالم الغيب و ذو الصورة معك في كونك في عالم الشهادة فالجنّة موجودة الأن فوق محدّبات اجرام السموات و جرم فلك الثوابت المستورة باجرامها الظاهرة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 497 *»
كجسمك الاخروي الذي تدخلها به الموجود الأن في المستور بجسدك الظاهري وَ نريد بجسدك الظّاهري السّاتر لجسمك الذي تحشر فيه خصوص الاعراض الغريبة و مثاله خاتمك قد صغته من مثقال فضةٍ فهذه الصيغة و الصورة هي الجسد الاول الساتر لجسم الخاتم الباقي كما اذا كسرته بعينه و صغت فضته التي وزنها مثقال خاتما كصورته الاولي فان صورة خاتمك الاولي في فضّته هي جسده العرضي الفاني الساتر لجسمه الباقي اعني الذي صغته ثانيا مع ان المادة واحدة لمتزد و لمْتنقص فهذه الاعراض الفانية الدنياويّة هي الجسد الفاني الساتر للجسم الباقي و بهذه النسبة غيبوبة الجنّة عن البشر في هذه الدنيا بالاعراض الدنيوية و من هنا قال تعالي لو تعلمون علم اليقين لترونّ الجح۪يم علي تأويل الاية كما روي عن سيد الساجدين عليه السلام فالجنة في اماكنها المذكورة موجودة بالفعل لا بالقوّة كما ان جسمك الاخروي موجود في جسدك هذا لكنها مستورة بالاعراض الدنيوية كما ستر جسمك بالاعراض الدنيوية فان قلتَ كيف تسمي الجسد الساتر عرضاً فانه ان كان عرضا ليس جسداً قلت اريد بالعرض ما هو اعم من العرض و الجسد العارض لانّي اريد به ما ليس منك اذ كل ما تعلق بك و هو اجنبي فتعلّقه عرض مثل ثوبك الابيض اذا لحقه وسخ غيّر بياضه فانك اذا غسلته زال عنه الوسخ و رجع الي اصله لميذهب منه شيء و انما ذهب منه العارض الاجنبي و قوله لما علمت انّها نشأة اخري اخذه من قوله تعالي و انّ عليه النشأة الاخري الّا ان مراده غير المراد من الاية لان المراد من الاية بعث الاموات و اعادة ما فات من الاعظم الرفات و المصنف يريد انّ ايجاد الجنّة طور اخر مغاير للصنع الاول و يردّه قوله تعالي كما بدءكم تعودون و قوله تعالي و لقد علمتم النشأة الاولي فلولاتذكرون فانه تعالي لامَهُمْ علي عدم التذكر بالنشأة الاولي للنشأة الاولي و ليس ذلك الّا لاتّحاد هيئة النشأتين و امّا عدم النسبة بينهما في الوضع فليس في الحقيقة بشيء لان الظاهر اما تنزل الباطن او صفته او معلوله و لا بدّ في اعتبار كل واحدٍ من الثلاثة من اعتبار الوضع لانّ وجه المظهر و الصفة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 498 *»
المعلول اذا لميكن الي جهة التنزل في المظهر و جهة الاتّصاف في الصفة و جهة الوجه في المعلول لميتحقّق ذلك من كلٍّ منها و هو ظاهر كما هو مبرهن عليه في محلِّه و امّا النسبة في المقدار فلاتعتبر بين ما هو من الغيب و بين ما هو من عالم الشهادة اذ لا تزاحم بينها سواۤء كان ما هو من عالم الغيب في داخل ما هو من عالم الشهادة ام في خارجه فليس عدم النسبة بينهما في المقْدار من جهة الجهل به بل لعدم التزاحم بين ما اتّصف بصفات التجرّد و بين ما اتّصف بصفات الماۤدّيات .
قال } و ما ورد في الحديث ان اَرْض الجنة الكرسي و سقفها عرش الرحمن ليس المراد الفضاۤء المكاني الذي لجهات هذا العالم بين ذلك و فلك الثوابت بل المراد ما هو بحسب مرتبة باطنهما و غيبهما فان الجنّة من داخل غيب السماۤء و كذا ما ورد من انّ الجنّة في السماۤء السّابعة و النار في الارض السفلي ليس المراد الّا ما هو داخل حجب هذا العالم و انّ الدار الاخرة مخلّدة و نعيمها غير زاۤئلة و فواكهها غير مقطوعة و لا ممنوعة بحكم الاصل الخامس { .
اقول يريد ان المراد من الحديث الوارد انّ ارض الجنة الكرسي الذي هو فلك الثوابت و سقفها عرش الرحمن الذي هو الفلك الاطلس هو انّ الجنّة رتبتها في اللطافة و التخلص من المواۤدّ المتغيرة المتبدلة و الاعراض المغيّرة و البقاۤء و الشرف و الحيوة و التأثير متوسطة بين غيب الكرسي و باطنِه الذي هو النفس الكلّية و اللوح المحفوظ و بين باطن عرش الرحمن و غيبه الذي هُوَ عقْلُ الكلّ و القلم و يريد اوّلا انّه ليس المراد به الفضاۤء المكاني الذي تشغله الاجسام بالحصول فيه و هو الذي لجهات هذا العالم الجسماني بل الجنّة من داخل غيب السماۤء فامّا الارادة الاولي اعني بيان رتبتها فهو صحيح في الظاهر بمعني ان هذا وجه من ذلك صحيح و له وجه اخر هو ان الجنّة و ما فيها بين الظاهر المعبر عنه بالكرسي بمعني ان اسفل صفاتها المعبر عنه بالارض انّ فيها طعاماً مأكولاً و بيتا مسكوناً و حوريّة منكوحة و ذلك من ارضها و كونها فوق الكرسي انّها علوم كما قال عليه السلام اسفله طعام وَ اَعْلَاه علم و بين الباطن المعبر عنه بعرش
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 499 *»
الرَّحْمٰنِ بمعني انّ اعلي صفاتها المعبّر عنه بالسَّقْفِ انّ فيها معارف لمّيّة و مدارك قدسية و افاعيل جبروتيّة سرمديّة و اقتدارات مليكية و هي الاستواۤء علي العرش المضاف الي الرحمن للاشارة الي القيام بامدادات من ينسب اليه بما به قوامهم و ابلاغهم اعالي مقاماتهم من الولدان و الحور و الجنات و القصور و المطاعم و المشارب و ما تشتهيه الانفس و تلذ الاعين و ممن الحق بهم من ذرّياتهم و اتباعهم و اخوانهم فان الله عز و جل يكسوهم بكسوة ربوبيّته و يحلّيهم بحلية طاعته كما اشار تعالي اليه بقوله يا عَبدي انا اقول للشيء كن فيكون اطعني اَجْعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون الحديث ، لان الاستواۤء بالرحمانية علي العرش اعطاۤء كل حقٍّ حقّه و السَّوق الي كل مخلوقٍ رزقه و امّا ارادة انه ليس المراد به الفضاۤء المكاني فليس بصحيح لانه كما ان المكانة و الشرف و الرفعة و الاحاطة بالظاهر و الباطن و التسلط علي غاية المراد و التجرد في المتجرد و المتجسّم و التجسّم في المتجسّم و المتجرد و غير ذلك مما اشرنا اليه مرادة من نسبة بينيّة الكرسي و العرش من حيث المعني و الغيب و البطون كذلك الفضاۤء المكاني مراد ايضاً كما سمعتَ من معراج النبي صلي الله عليه و اله في السماۤء مع ان المقصود سبحانه ليس في خصوص السموات لان رفعة المكان الحسّي من مقتضيات طبيعة الشرف و التشريف و لاجل هذا كانت الجنان السبع كل واحدة فوق سماۤء من السموات السّبع و الثامن جنّة عدن فوق الكرسي و هي التي يسكنها محمد و اله و النبيون و شيعتهم صلي الله علي محمد و اله و علي النبيين و علي شيعتهم فان قلتَ ان السموات و الارضين يكشط و تفني فكيف تكون الجنان فوقها و الارضين تكون النيران تحتها قلت انها تبدّل كما قال تعالي يوم تبدّل الارض غير الارض و السموات يعني تبدل السموات غير السموات و المراد بالتبدّل هنا هو الكسر و التصفية و الصوغ علي حدّ ما قرّرنا في جسمك في فناۤئه و اعادته بعين مادته و صورة قالَب تصويره و تسويته و تعديله و ليطابق الباطن الظاهر و الظاهر الباطن كما هو حكم الايجاد الطبيعي التعريفي يعني ليبيّن لكم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 500 *»
و قوله و كذا ما ورد من ان الجنة في السماۤء السابعة و النار في الارض السفلي فان الحقّ في المراد من الحديث خصوص الجنّة السابعة او انّ الجنّة تحصيلها من اعمال العقل الذي هو نفس فلك زحل و كذا القول في النار لان الارض السابعة نفسها ارض الشقاوة اذ كل نار في ارضٍ فالجحيم تحت الارض الدنيا و لظي تحت الارض الثانية ارض العادات و سقر تحت الارض الثالثة ارض الطبع و الحطمة تحت الارض الرابعة ارض الشهوة و الهاوية تحت الارض الخامسة ارض الطغيان و السعير تحت الارض السادسة ارض الالحاد و جهنم تحت الارض السابعة ارض الشقاوة و قوله ليس المراد الّا ما هو داخل حجب هذا العالم معناه في نفس الامر ما ذكرنا لك و قوله و ان الدار الاخرة داۤئمة مخلّدة و نعيمها غير زاۤئل و فواكهها غير مقطوعةٍ و لا ممنوعة بحكم الاصل الخامس يعني بالاصل الخامس ما مر من قوله ان القوّة الخياليّة من الانسان اعني نفسه الخياليّة جوهر منفصل الوجود ذاتاً و فعلا عن هذا البدن المحسوس و الهيكل الملموس كما مر ذكره فهي عند تلاشي هذا القالب باقية لايتطرّق الدثور و الخلل الي ذاتها و ادراكاتها انتهي ، و قد تقدّم الكلام عليه بانّه يري ان الجنّة و ما فيها عبارة عن الصور الخياليّة و انها عقلية باقية غير متغيرة بالمدد و الزيادة و انّما هي ثابتة قاۤرّة مستغنية في بقاۤئها عن المدد و انها ليست بجسمانيّة و بيّنّا بطلان هذه كلّها و بني هنا حكم بقاۤئها و ان نعيمها غير زاۤئل و انّ فواكهها غير مقطوعة و لا ممنوعة علي هذا الاصل و هو بناۤء علي اَساسٍ لا ثباتَ له بل علي شفا جُرفٍ هارٍ بل الجنّة و ما فيها عبارة عما في الدنيا و ما فيها من الاجسام و المطاعم و المشارب و الفواكه و الشهوات و المناكح و غير ذلك بعد تصفيته و تقويته و امداده و تشديده و ظهوره و احساسه و ادراكه و غير ذلك بحيث تكون كلّ شيء في الدنيا اذا كان في الجنّة او المكاره كلها اذا كانت في النار تتضاعف قوته و بقاۤؤه و حسن ما كان في الجنّة و قبح ما كان في النار و دوام لذّات الجنة و نعيمها و مكاره النار و اَليمها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 501 *»
اربعةٰالافِ ضعفٍ و تسعمائة ضعفٍ و كل ذلك ممّا لولا المدد لتلاشي و اضمحلّ كما كان في الدنيا و لكنه هنا لقربه من المبدءِ الفيّاض الداۤئم الامداد كلّما اُخِذ شيء او اُكِل وجد بدله مكانه باحسن من الاول و ابقي نعيما و شهوة و لذّة من غير فصلٍ بين ما اُخِذَ و بدلِه۪ لعموم العلة المفيضة و اقربيّة البدل من المبدء و لهذا قال تعالي لا مقطوعة يعني انّها لولا دوام الامداد و اتّصاله لقبلت القطع و قال تعالي كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها و قال تعالي زدناهم عذاباً فوق العذاب ، فبقاؤها في الاخرة بعين ما به بقاۤؤها في الدنيا لاشتراك جميع الممكنات في الاحتياج في البقاۤء الي المدد اذ مدد كل شيءٍ لابقاۤئه ممّا منه ابتداۤؤه و كلّ ما له ابتداۤء فمحتاج في تكوّنه الي الماۤدّة و كل محتاج في تكوّنه الي الماۤدة مفتقر في بقاۤئه الي ما هو من نوعها و المصنف يلزمه من كلامه انه غير قاۤئل بالمعاد الجسماني و ان قال به لفظاً و انّه غير قاۤئل بجنّة المسلمين الّتي اثبتها صاحب شريعتهم و انه قاۤئل بما يُشْبِهُ قول الصَّابئة الاولي القاۤئلين باتّباع غاديمون و هرمس دون ساۤئر الانبياۤء عليهم السلام في بعض قولهما عليهما السلام و هو اثبات الامور الباطنة دون الظاهرة و الحاصل ليس علّة الخلود الغير المتناهي ما توهّمه من كون المجرّدات القادسة باقيةً ببقاۤءِ اللّه لا بابقاۤئه و هنا شبهة ذكرناها في شرحالمشاعر و اشرنا اليها فيما سبق من هذا الشرح و اجبنا عنها و هي اَنَّ الحكماۤء بل جميع العقلاۤء من اهل العلم اتفقوا علي صحة قاعدتين احدهما ان كلّ ما له اوّل له اخر و الثانية ان كل ما سبقه العدم لحقه العَدم و مقتضي هاتين القاعدتين عدم خلود الجنّة و النار و ما فيهما و هو خلاف ما عليه المسلمون من جميع الملل و نطقت به شراۤئعهم و اخبرت به انبياۤؤهم عليهم السلام و اكثر العلماۤء يحكمون بسبق العدم علي الجنة و النّار و ما فيهما و القاۤئل منهم بفناۤئهما و لحوق العدم لهما بعد تطاول الدهور من القاۤئلين بوجودهما قليل بل ربّما انقرضوا و الاكثر قاۤئلون بالخلود غير المنقطع و هؤلاۤء منهم مَن اطلق الانقطاع في الاول و عدم الانقطاع في الاخر تسليما للشراۤئع و منهم من جعل القاعدتين في المعقول و هذه المسئلة لا دخل للعقول فيها و انّما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 502 *»
هي قضيّة نقلية شرعيّة و منهم من جعلهما هما و ما فيهما من الملكوت الذي من شأنه انْ يترقّي من رتبة الفناۤء الي حضرة البقاۤء و اثبت الحركة الجوهرية كالمصنف و من هؤلاۤء من جعل اصلها غير مجعول و انما المجعول تنزّلها فترجع بالحركة الجوهريّة الي ما منه تنزّلت و هو علة بقاۤئها و بعض الحكماۤء قال بقدمها في البدء فيخرجها من القاعدتين و غير ذلك من الاقوال الخارجة عن الاستقامة المنحرفة عن الطريق القويم و انهم عن الصراط لناكبون و قدْ بَيَّنَّا انّ تلك الامور المشار اليها حادثة مسبوقة بالعدم بمعني انّها لمتكن موجودة في رتبة ما فوقها و حادثة ايضا بمعني انّها مسبوقة بالغير وَ اَنّ لَها اوّلاً و مقتضي القَاعدَيْنِ صحيح الّا انّ علة بقاۤئها تجدّد المَدد بنَحوين احدهما ظاهر و ثانيهما باطن فالنحو الاول انه سبحانه يُبْقيها بالمدَدِ بمعني انّ كلّ مَا فني منها اعادَهُ وعداً عليه انّه كان فاعلاً و هو علي كلّ شيء قدير فقال تعالي و فاكهة كثيرة لا مقطوعة و لا ممنوعة و قال عطاۤءً غير مجذوذٍ و قال تعالي كلما نَضجت جلودهم بَدّلنٰهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و هذا ظاهر و النّحو الثاني و هو ما اشرتُ اليه في شرحالمشاعر و هو انه قد ثبت بدليل الحكمة ان كل شيء لايتجاوز مبدئَهُ فما مِن الاجسام لايدرك المثال و ما من المثال لايدرك الطبايع و ما من الطباۤئع لايدرك النفوس و ما من النفوس لايدرك العقول و هكذا فما بقي من مبدئه الي غاية نزوله مثلاً عشر سنين لايصعد من غاية نزوله الي جهة مبدئه اكثر من عشر سنين بيوم واحدٍ فلاتبقي الاشياۤء في عودها اطول من وقت بدئها الي اخر نزولها لان القوس النزولي قدر القوس الصعودي و هذا مفاد القاعدتين و الجواب انّه كلّما صَعِدَ رتبة من قوسه الصعودي المساوي لقوسه النزولي و اتاه المدد من المبدءِ الفيّاض الدّاۤئم الفيض و ذلك المدد ممّا لميَصل اليه لانه قبل مبدئه رتبةً نزل علي مبدئه لان المدد من القوس النزولي فاذا اتّصل بمبدئه كُسِرَ الشيءُ و ص۪يْغَ بالمَدد من مبدءِ المدد فكان حينئذٍ مبدؤه قبل مبدئه الاوّل فيكون عودُه بقدرِ مبدئه الثاني و هكذا كلّما جاۤء مَدَدٌ من اعلي ص۪يغَ الشيء من رتبته فيطول بقاۤء عوده و مثاله اذا كان في كيسك عشرة دراهم كانت نفقةً لك
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 503 *»
لعشرة ايام لاتزيد لكنّك بعد ان انفقتَ منها خمسةً في خمسة ايّام وضعتَ في الكيس عشرة دراهم فيكون ما في الكيس نفقة خمسةعشر يوماً لانّ ما في الكيس خمسةعشر درهما لا عشرة فلمّا انفقتَ خمسة في خمسة ايام زدتَ علي ما في الكيس عشرين كان ما في الك۪يْسِ ثلاثون لا عشرة فتكون نفقةً لثلاثين يوماً و هكذا كل ما زدتَ الدراهم حصل عدد اكثر من الاول و اعلي رتبةً فيطول بقاۤؤها و تكثر ايام اِنفاقها فكذلك ما نحن فيه من الجنّة و ما فيها و النّار و ما فيها فبكلِّ مددٍ متجدّد يعلو المبدأ و يترقّي و يطول العَود بنسبته و هذا التّرقي بالحركة الجوهرية علي ما ذكرنا لا كما ذكره المصنف من ثبوت حركة الجوهر بنفسه فانّه غلط فيكون الدوام و الخلود للدار الاخرة و ما فيها بالمدد علي طبق مقتضي القاعدتين بالنحو الظاهر و الباطن لا بحكم اصله الخامس كما نبّهناك عليه .
قال } و ان كان ما يشتاق اليه الانسان و يشتهيه يحضر عنده دفعة بل نفس تصوّره نفس حضور ذلك و انّما اللّذات و التنعمات بقدر الشهوات و هذا بحكم الاصل السادس { .
اقول يريد ان كلّ ما يشتهيه الانسان حين تميل اليه نفسه يحضر عنده بنسبة ذكره و ميله بشهوته و محبّة حصوله فلو ذكر اشياۤء متعدّدة بميلٍ و شهوة متعدّدة حضرت مترتّبة بنسبة ذكرها و لو فرض ذكرها دفعة حضرت دفعة لانّ ميله لها علّة حصولها له بل نفس تصوره و ذكره لها نفس حضورها عنده لانّه بني حكمه هذا علي قاعدة اصْله السادس و هو ان جميع ما يتصوّرُهُ الانسان بالحقيقة و يدركه بادراك كان عقليّاً او حِسِّيّا في الدنيا او في الاخرة ليست بامورٍ منفَصِلةٍ عن ذاته مباينة لهويّته بل المدرك بالذات له انما هو موجود في ذاته لا في غيره انتهي ، لانّ الاشياۤء عنده في الاخرة لايُدْرِكُ منها الانسان الّا صوراً اخترعتها نفسه مماثلةً لَهُ و قد ذكرنا ما يلزمه هناك من عدم الاقرار بالجنّة الظّاهرة و ما فيها من الحور و القصور و انّ الامور الظاهرة معدّة مهيئة لذلك بل الحقّ ان تصوّره و ميله لذلك و شهوته له موجب لحضوره الذي هو كونه في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 504 *»
المكان الذي يريده فيه لا حضوره الخاص الّذي هو وجوده فان ذلك انما يكون بفعل اللّه سبحانه لانه عز و جل خلق الاشياۤء للمؤمن و اخذ عليها الميثاق بالطاعة فاذا اراد كانت له كما اراد باذن اللّه تعالي فلايكون نفس تصوره نفسَ حضوره الّا اذا كانت حقيقته نفس ذلك التّصور و هذا هو معني كون الجنّة و ما فيها عقليّةً و المصنف يلتزم بذلك كله و لهذا قال و انما اللذات و التنعمات بقدر الشهوات و انت اذا تفهّمتَ قوله تعالي فلاتعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة اعين و فهمتَ المراد منها عرفت ان الامر علي عكس ما ذهب اليه المصنف في اصله و فرعه بل الاشياۤء المدركة و المتنعّم بها في الدنيا و الاخرة مباينة لذات الانسان و ليست الحوريّة صورة خياله لانّه لاينكح الّا المباين لنفسه و لاينكح صورة خياله و لايأكلها و لايشربها .
قال } و انّ مَنْشَأ ما يصل الي الانسان و يجازي به الانْسٰان في الاخرة من خير او شرّ او جنّة او نارٍ انما يكون في ذاته من باب النيات و القابلات و الاعتقادات و الاخلاق و ليست مبادي تلك الامور باشياۤء مباينة الوجود و الوضع له بحكم الاصل السّابع { .
اقول يريد انّ مبدأ ما يصل الي الانسان في الاخرة من الجنان و الحور و الولدان و جميع انواع النّعيم و من النيران و انواع العذاب الاليم و منشأَهَا من احوال ذاته و شؤنها و صفاتها و افعالها و الحاصل جميع ما يجازي به في الاخرة من خير او شرّ او جنة او نار اصله في ذاته من شؤنه و صفاته من باب النّيات فانّها افعال القلوب و القابلات فانها افعال الوجودات و الاعتقادات فانها صفات القلوب و الاخلاق فانّها صفات النّفوس و الطباۤئع و ليست مبادي هذه الاشياۤء المذكورة من انواع النعيم و العذاب الاليم مباينة الوجود بان تكون وجوداتها مغايرة لوجود الانسان لان وجود الذات عنده هو وجود الصفات و الاحوال و لا مباينة الوضع له بان يكون النعيم نعيماً و العذاب عذاباً بغير بكونه صِفةً لذلك المستحقّ و اثراً لافعال و انما كان كذلك بكونه منسوباً الي صفاته و افعاله و اخلاقه و اقول قد بيّنّا فيما سبق ان هذه الامور في انفسها حقاۤئق مباينة للانسان و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 505 *»
انما تنسب اليه و يستحقها لانّها قد صوّرت تلك المواۤدّ بصور اعماله الصورة الخاۤصّة اي المتميزة بها تصح نسبته الي غيره كما مثّلنا بالفواكه المجلوبة في السّوق فانّها متميّزة في انفُسِها الّا انّها صالحة لكلِّ من اشتراهَا و ادّي ثمنَها فاذا ادّي زيد ثمنها كانَتْ له قد صوِّرت بصورة ملكه بحيث صارت من جملة اَمْوَاله فهي في نفس الامر من عمله و منسوبة اليه لانها كسبه و عمله و يصدق ان تقول يا زيد ليس لك الّا مالك و لاتأكل الّا من مالك الّذي كسبته بيدك فاذا اكلتَ تلكَ الفاكهة لمتكن كذَّبْتَ مَن حكم عليك بانّك لاتأكل الّا ما كان من مالك فافهم المثل فانه كما قلنا انّ ثوابك و عقابك صورته صورة عملك يعني انّ عملك هو صورة ثوابك و عقابك و ذلك انّ الامر التكليفي ماۤدة نوعيّة و عمل المكلّف به صورة نوعيّة و المصنوع منهما صورة الثواب و العقاب صورته المصنوع من عمل المكلّف بخلاف الامر و هذه الصُّورة الثانية للثّواب اَوْ للعِقاب يصاغ عليها و هي كالثمن للفاكهة الّتي في السوق كما في المثل المشار اليه اذ بها الاختصاص بالعامل و اتّصافه بذلك الثواب او العقاب و ما ورد ممّا معناه انه اذا دخل اهل الجنّة الجنّةَ و اهلُ النارِ النار كشف للمؤمن مقعد من مقاعدِ اهلِ النار و يقال له هذا مقعدك لو انّك عصيتَ اللّهَ و كشف للكافر مسكن من مساكن اهل الجنّة و يقال هذا مسكنك لو انّكَ اطعتَ اللّه و هذا لايكون علي ما ذهب اليه المصنّف من ان جميع انواع النعيم و جميع انواع العذاب الاليم من باب النيّات و الاعتقادات فافهم و تنبّه فان الاخبار التي بعضها ما نقلناه بالمعني صريحة في ان تلك مباينة للانسان في الوجود الاصلي و في الصفتي الّا ما ذكرنا و اشرنا اليه من التصوير له بصورة عمله اذ صورة عمله هي صورة اكتسابه و انتسابها اليه و كذا في الوضع فانها قاۤئمة قياماً ركنيّا بنور الولي و هيئات اعماله و احواله فيكون وجهها الي مباديها منه عليه السلام نعم لها وضع له في جهة الاتصافِ و الاختصاص لا غير و اراد المصنف بالاصل السابع ما قرره من ان التّصورات و الاخلاق و الملكات النفسانية ممّا تستتبع آثاراً خارجيّة و قد تقدم عليه الكلام فراجعه ان احتجتَ الي ذلك .
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 506 *»
قال } و ان بعض افراد البشر في كمال ذاته بحيث يصير من الملاۤئكة المقرّبين الذين لايلتفتون الي ما سواه و الي شيء من لذّاتِ الجنّة و طبقات نعيمها و ذلك بحكم الاصل الثالث { .
اقول يريد بكلامِه انّ بعض افراد البشر في الاخرة يترقّي بذاته عن مراتب ابناۤء نوعه فتكون نفسه بحركتها الجوهريّة مثل نفوس الملاۤئكة غذاۤؤهم التسبيح و الذكر و الفكر و نعيمهم و لذتهم مناجاته و سماع كلامه و لايلتفتون الي شيء سوي اللّه تعالي و لا الي الجنّة و لذاتها و شهوات ما فيها من المناكح و المطاعم و المشارب و الملابس فجنّتُهمْ و جميع شهواتهم و لَذّاتِهم مقصورة علي معرفة الله و مناجاته و استماع كلامه كما قال عز و جل في الحديث القدسي حديث الاسرار في حق اصحاب الجوع و الصمت في هذه الدنيا و اذا تَلذّذ اهل الجنّة بمأٰكِلِهم و مشاربهم تلذّذوا بكلامي و بمناجاتي ه ، و يريد انّهم يترقّون عن درجات ابناۤء نوعهم بذواتهم لا باعمالهم و لا بالامدادات الالهيّة بل بحركات ذواتهم الجوهريّة و هو قوله و ذلك بحكم الاصل الثالث يعني به الاصل الثالث من الاصول السبعة الّتي جعلها قواعد لما قدّم من الاحكام و نحن قد تكلّمنا عليه و ابطلنا تلك الاصول السّبعة عند ذكرِها و انّ الحركة الجوهرية ثابتة بشرطين الاوّل ان يكون يتحرّك الجوهر هذه الحركة بشرطِ حُصُولِ المَدَدِ و صحّة القبول لا انّه يتحرّك الجوهر بنفسه لان الشيء لذاته لايصح ان يتجاوزَ مبدءَهُ كما ذكرناه في الفواۤئد و شرحها و فيما تقدم ايضا و ذلك من قوله تعالي و ما منّا الّا له مقام معلوم ، و الثاني ان يكون ترقّيه في مراتب افراد نوعه و لايتعدّي جميع مراتب افراد النوع و ان جاز ان يكون في اعلاها ما دام بتلك الحقيقة فلايكون احد من المؤمنين نبيّا بعمله و تعلّمه اِلّا اِذَا اَرَادَ القادر سبحانه ان يجعله نبيّا بان يقلب حقيقته فانه علي كل شيء قدير كما قال تعالي وَ لَو نشاۤء لجعلنا منكم ملاۤئكة في الارض يخلُفُونَ ، و نقول ايضاً ان هذه الحال الّتي اَشَار اليهَا مشكِّكةٌ بعض مراتبها ينالها بعض المؤمنين و لو في بعض احواله في الجنّة و بعض مراتبها لايصل اليها الّا اصحاب النفوس المعصومة و علي كل حال
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 507 *»
فلايكون الّا بالشرطين و امّا احتمال الوصول بمجردِ الحركةِ الجوهريّة فلا لعدم تحقّقها بدون الشرطَين المذكورين فافهم .
قال } قاعدة في وجوه الفرق بين الاجساد و الابدان الدنياويّة و الاخروية في نحو الوجود الجسماني و هي كثيرة منها ان كل جسد في الاخرة ذو روح بل حيّ بالذات و لايتصوّر هناك بدن لا حيوة له بخلاف الدنيا فانها يوجد فيها اجسام غير ذوات حيوة و شعور و الذي فيه الحيوة فان حياته عارضة له زاۤئِدة عليه { .
اقول قوله في وجوه الفرق بين الاجساد و الابدان الدّنياويّة يصح علي الظاهر و جري لذلك قوله عزّ و جل و ان الدار الاخرة لهي الحيوان ، و امّا في الحقيقة فليس شيء في الموجودات ليس فيه حيوة بل جميع الاشياۤء من الجمادات و المعادن و النباتات و الحيوانات و الاعراض و النفوس و العقول من الوجود و كلها وجود و الوجود حيوة لا موت في شيء منه بل الموت حيّ و لهذا ورد انه يؤتي به في صورة كبش املح فيذبح بين الجنّة و النّار و يُناد۪ي منادٍ يا اهل الجنة خلود و لا موت يا اهل النار خلود و لا موت و هنا كلام يطول ذكره ليس هذا محلّه و الحاصل ان كلّ شيء فهو مكلّف و ان من شيء الّا يسبّح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم و كل مكلّفٍ فانه مكلّف في حياته بل كل شيء له شعور و اختيار و قد تقدم بعض البيان لذلك و هذا انشاۤء اللّه تعالي ظاهر لان كونها حيّة مختارة تسبّح بحمد اللّه سبحانه في دار الدنيا قد نطق به الكتاب و السنة و العقل و قد ذكر ذلك المصنف في مواضع من كتبه منها ما ذكره في شرح الايات من اوّل سورة الحديد فيحتمل انّ قوله هنا بخلاف الدنيا فانها توجد فيها اجسام غير ذوات حيوة و شعور جارٍ علي الظاهر او انّه اراد بالحيوة الّتي في اجسام الاخرة الحيوة الحيوانيّة الظاهرة بان يتحرك الجماد في الاخرة الحركة الاراديّة الظاهرة المحسوسة و قوله بل حيٌّ بالذات يريد به انّ ما في الاخرة من الاجساد حيّ بحيوة هي ذاته لانّ ما هناك ليس الّا صور علم الله تعالي و هي حيّة بحياته لانها شؤنه و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 508 *»
ليْسَتْ هي الّا عبارة عن شؤن حياته و شؤن حياته من لوازم حياته الّتي غير متصوّرة الانفكاك عنْهٰا فهي باقية ببقاۤئها لا باِبقاۤئها كما ذكره في كثير من كتبه خصوصاً الكِتاب الكبير اذ معني قوله حيّ بالذات مع قوله بعد في الحي من الاجساد في الدنيا فانّ حياته عارضة له زاۤئدة عليه ان حيوة الاجساد الاخرويّة هي ذاتها ليست غيرها و لا من غيرها و لايمكن معقولية هذا الكلام الّا بجعلِ الاجسادِ قديمةً و لاتكون عنده قديمة الّا اذا ارادَ منها انها صور علمية او معانٍ عقلية فانّها حينئذٍ تصح علي مذهبه او يريد منها عين الوجودات فانّها من حيث ذاتها غير حادثة و لا مجعولة و اِنْ لَحِقَها شيء من النقاۤئص فانّما ذلِك بتبعية مراتب تنزّلاتها فهي عارضة من المراتب و الوجودات بريۤئة في ذواتها عَنْ نقاۤئص الحدوث و لوازمها و بالجملة طريق الرجل في جميع اعتقاداته معلوم و اما طريقنا في هذه و امثالها قد سمعته و هنا هو ان الاخرة و ما فيها حيّة كما في الدنيا الّا انّ ما في الاخرة من الجمادات و الاجساد باقية بابقاۤء الله سبحانه بما يفيض عليها من الامدادات و باِعَادةِ ما تهافتَ بلا مهلة و لا فصل بين الذاهب و اعادته اَوْ بدله بحيث لايحصل فقدانٌ بحالٍ من الاحوال و ان حيوة جماداتها و اشجارها و ان كانت كحيوة جمادات الدنيا و اشجارها الّا انها لطهارتها و شدّة صفاۤئها و تخليصها من الاعراض الغريبة و تحلية المؤمن بحلية الولاية و الملك الكبير و الربوبيّة اذا شاۤء المؤمن ظهور حياتها بحيوة الحيوان بل بحيوة الانسان ظهرت و كالمته باللسان العربي المبين امّا بان يشاۤء ذلك او يقتضي النعيم و الملك الكبير ذلك و ذلك لشدّة صفاۤئها و خلوصها و كثرة فاضل انوار المؤمن المتمّمة لكل نقص و انّما قلتُ و لا فصل بين الذاهب و اعادته او بدله لاني اريد اَنّ ما اكله المؤمن او اخذه من ثمرة الشجرة مثلا ان كان اكله اُع۪يدَ و ان اخذه قبل الاكل وُجدَ مَكانه مثله كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اتوا به متشابهاً و اعلم انّ كل شيء في الدنيا و الاخرة من الجمادات و النباتات و المعادن و الحيَوانات ففيه حيوة بنسبة رتبته من الوجود الكوني و هي في كلّ حيّ علي نمطٍ واحدٍ ليس في الموجودات الامكانيّة شيء حياته ذاتيّة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 509 *»
شيء حَياته عرضيّة بل كلّها بنمطٍ وَاحدٍ في كلِّ الاشياۤء في الدّنيا و الاخرة الّا انّ بعضها اقوي من بعضٍ حيوة و اظهر و ما كان في الاخرة اشدّ و اَتمّ و كلّ ذلك لقربه من المبدء الفيّاض لانّ الاخرة اقرب من الدّنيا اليه .
قال } و منها ان اجسام هذا العالم قابلة لنفوسها علي سبيل الاستعداد و نفوس الاخرة فاعلة لابدانها علي وجه الايجاب فهيهنا ترتقي الابدان و المواۤدّ بحسب استعداداتها و استحالاتها الي ان تبلغ الي حدود النفوس و في الاخرة بين الامر من النفوس الي الابدان { .
اقول من جملة الفروق التي ذكرها بين اجساد الدنيا و اجساد الٰاخرة انّ اجسام الدنيا قابلة لنفوسها يعني ان الاجسام تترقي بحسب استعداداتها بحركتها الجوهريّة حتّي تكون صالحة لقبول نفوسها يريد انها تكون مبدءاً للنفوس بان تتلطّف حتّي تكون رُوحاً بُخَاريّاً ثم تكون نفساً انسانيّاً ثمّ تكون عقلاً فالاجسام تكون قابلةً لِاَنْ تكون نفوساً و في الاخرة يلزمها احداث اَبدانِها اي المنسوبة اليها من جميع الجنّة و ما فيها لان ذلك بمنزلة الخواطر و النيات منها و اقول كلامه متفرّع علي ما تقدم و قد ذكرنا انّه لا فرق بين اجسام الدنيا و اجسام الاخرة في شيء و لا بين النفوس في الدارين الّا بالشدة و الضّعف و الصفاۤء و الكثافة و قوّة القبول و ضعفه و قوّة التأثير و ضعفه و امثال ذلك و ليس ذلك علي شيء مما ذكر و انّما هي كَاَشِعَّة السراج كلّ ما قرب من السراج اشتدّت قوته في تلك الاثار و الامور المذكورة و كل ما بعد ضعفت قوته .
قال } و منها ان القوّة هيهنا مقدّمة علي الفعل زمانا و الفعل مقدّم عليه ذاتاً و هناك القوّة متقدّمة علي الفعل ذاتاً و وجوداً { .
اقول امّا ان القوّة في الدنيا مقدّمة علي الفعل زماناً و الفعل مقدم عليها ذاتاً فظاهر صحيح لان الافاعيل و الاثار نزلت في هذا العالم بِواسطَةِ اَسْبَابها فبطنت مباديها في امكان الفاعلين فكانت بالفعل قبل البطون من مباديها الاصليّة فكان الفعل سابقا في الذات و في الدهر لان وجودها و ظهورها من الخزاۤئن بالفعْل من المبدء الفياض فلمّا كمنَتْ اسبابها و دواعيها في قوي الفاعِلينَ و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 510 *»
امكاناتهم كانَتْ بالقوة موجودة في الدار الاولي فيهم قبل ظهور اثارها بالفعل زمانا فاذا فعلوا بما امكن فيهم من الاستطاعة الامكانية شيئاً بالاستطاعة الفعليّة كانت تلك الافعال و ما ترتّب عليها من الاثار بالفعل فيكون الفعل متأخّرا عن القوّة زماناً و ذلك كالحبّة حين زرعتها فانّها حين كونها عوداً اخضر حبّة بالقوة قبل كونها في السنبلة حبّةً بالفعْل زمانا و بعد كونها حبّة بالفعل ذاتاً فما بالقوّة سابق علي ما بالفعل في الزمان و هذا في القوس الصعودي ظاهر لتفرّعه في الظهور علي القوس النزولي في البطون و امّا انّ القوة في الاخرة مقدّمة علي الفِعْل ذاتاً و وجوداً فمبنيّ علي حصر النّظر علي خصُوص الكون في عالم الشهادة في الدّنيا فان القوّة فيهما اي في عالم الشهادة في الدنيا و في الاخرة متقدّمة علي الفعل كما قال الّا في شيء و هو قوله و الفعل مقدّم عليه ذاتا فان الفعل متأخر عنها ايضا كما في الاخرة لانّه ان لميرد بالفعل ما في الشهادة لمتكن القوة متقدّمة عليه الّا بلحاظ الامكان لا الاكوان و انه من القوة لا من الفعل و الّا فان اوّل صادر من مَراتب الشيء في الاكوان الفعل فلمّا بعد عن المبدء و انْتقل الَي نشأةٍ اخري كان ما بالفعل بالقوة و في هذه النشأة الاخري تكون القوة متقدّمة علي الفعل زماناً اذا كان تحت الفلك و الفعل مقدّم عليها ذاتاً بلحاظ ما قبل هذه النشأة و في الاخرة ايضا تكون القوّة متقدّمة علي الفعل ذاتا و وجودا بلحاظ القوس الصعودي بخلاف لحاظ القوس النزولي و لو في النزولي الاخروي فافهم .
قال } و منها ان الفعل هيهنا اشرف من القوة لانّه غاية لها و هنالك القوة اشرف من الفعل لانها فاعلة له { .
اقول القوة فاعلة له في الدارين في لحاظ القوس الصعودي و هو فاعل لها في الدارين في القوْس النزولي لان القوة في اصل الكون فعل قد كمن في نزوله في القوي المتّصفة به ثم يخرج بعد الكمون باثاره كما تري حبّة الحنطة فانها حبّة بالفعل فاذا زرعتها و كانت عُوداً اخضر كانت حبّة بالقوّة فاذا بلغت السنبلة و صحت كانت حبة بالفعل هذا في القَوس النزولي فان المتقدم الفاعل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 511 *»
هو الفعل سواۤء كان في الدنيا ام في الاخرة في القوس النزولي في الامدادات و امّا في القوس الصّعودي فالمتقدّم الفاعل في الدارين هو القوّة و امّا في الشرف فالفعل اشرف من القوة لانه في حال تأخره غاية لها و في حال تقدمه فاعل لها اذ هي عبارة عن الفعل الكامن الغاۤئب فهي امّا حال له او اثر له فهو اشرف في الدارين .
قال } و منها ان ابدان الاخرة و اجرامها غير متناهيةٍ علي حسب اعدادِ تصورات النفوس و ادراكاتها لان براهين تناهي الابعاد غير جارية فيها بل في جهاتٍ و احيازٍ ماديّتين و ليس ايضا فيها تزاحم و تضايق و لا بعضها من بعض في جهة خارجة و لا داخلةٍ و لكل انسانٍ من سعيد او شقيٍ عالَمٌ برأسه اعظم من هذا العالم لاينتظم مع عالم اخر في سلك واحدٍ و لكلٍ من اهل السعادة ما يريده من الملك باي فسحةٍ يريدها و الي هذا المعني اشار ابويزيد بقوله لو ان العرش و مَا حواه دخل في زاويةٍ من زوايا قلب ابييزيد لَمااحَسَّ به { .
اقول يريد ان ابدان الدنيا متناهية كما هو مبرهن عليه في علم الحكمة و علم الكلام و امّا ابدان الاخرة فانّها غير متناهية لانها جارية علي حسب اَعْداد تصوّرات النفوس لانها هي مصادرها و التصورات غير متناهية و قد قدّم انّ تلك الادراكات و التّصورات النفسانيّة هي منشأ هذه الصور الباقية و هي لاتدخلها الابعاد و انما حكم علي ابدان الدنيا بالتناهي لانّها محيطة بها و هي متناهية كما ذكر في برهان التّرسي و السلّمي و غيرهما و الترسي انه اذا فُرِض شيء مستدير كالترسِ و الداۤئرة و قسمت داۤئرته باقسام ستة متساوية بان تتقاطع علي نقطة قطبها ثلاثة اقطارٍ فانه يحدث فيها ستّ قطع ما بين كل نصفي قطرٍ قطعة يحيطانِ بها فاذا جمع بين طرفيهما بخطّ مستقيم حدث منها مثلّث متساوي الاضلاع فاذا كان كلّ من نصْفي القطرين ذراعا كان ما بين طرفيهما ذراعا فاذا ذهبا الي غير النهاية كان بُعد ما بين طرفيهما بقدر كل منهما و هو متناهٍ لوقوعه بين حاصرين فيكون ما لايتناهي بقدر ما يتناهي فيكون متناهِياً و شرطه اَن يكون بعد ما بين الساقَيْنِ بقدر كلٍّ منهما في كلّ امتدادٍ فهذا هو البرهان الترسي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 512 *»
و امّا البرهان السُّلَّم۪ي فهو ان يفرض خطان اجتمع طرفان منهما و انفرج الاخران و تنحفظ فيهما نسبة الانفراج بان يكونا مستقيمين لان المستقيمين لاتختلف بينهما نسبة الانفراج و هي مثلا اذا ذهبا ذراعا كان بينهما ذراع و اذا ذهبا ذراعين كان بينهما ذراعانِ كما في الترسي و هكذا او اذا ذهبا عشرة كان بينهما ذراع فاذا ذهَبا عشرين ذراعا كان بينهما ذراعين فاذا ذهبا ثلاثين ذراعا كان بينهما ثلاثة اذرُع فتراعي بينهمَا النسبة فهذا شرطه و ان كانت لاتفقد في المستقيمَيْنِ فاذا ذَهَبا الي غير النهاية كان الانْفراج الي غير النهاية بالنسبة المعلومة فيكون الانفراج متناهياً لوقوعه بين حَاصِرَيْنِ و يكون امتدادهما متناهياً لكونه معلوماً بنسبةِ المتناهي و هو ما بينهما و هذانِ و امثالهما مما يدلّ علي تناهي الابعاد يدلّ علي تناهي ابدان الدنيا لتناهيها بالابعاد و امّا اجسام الٰاخرة فلمّا كان يذهب الي انها صور خياليّة من عالم المجردات الملكوتيات قال بعدم تناهيها و لِذَا علّلها بان براهين تناهي الابعاد غير جارية فيها اي في ابدان الاخرة بل في جهاتٍ و احيازٍ ماۤدّيّتين كابدان الدنيا و ايضا ليس في اجساد الاخرة تزاحم و لا تضاۤئق و ليس بين بعضها و بعض نسبة جهة خارجةٍ او داخلة بان يكون هذا الي جهة يمين ذاك دون شماله او فوقه دون تحته لانها بساۤئط مجردة عنده و المجرّدة لا تحاجُبَ فيها و لا تمانع و اقول امّا اجسام الاخرة فلها كثير من احوال المجردات بمعني انّها تدرك الاجسام المعاني و الصور كالعقول و النفوس و كذلك عقولهم تدرك المحسوسات كالاجسام فاجساد اهل الجنة لطُهرِهَا و صفاۤئها و انقياد كل شيء لما تشتهيه هي و نفوسها كانت تحيط بما تحيط به العقول و لقد روي عن النبي صلي الله عليه و اله ما معناه انّ المؤمن اذا ادّي زكوة ماله في الدنيا تكون في الاخرة له جواداً كاحسن جوادٍ يكون في الدنيا فيقال له اركب و اركض في ارض الجنّةِ سنة و ما بلغ جوادُك فهو لك و انه ليقطع في كل طرفة عينٍ بقدر الدنيا سبع مرات ه ، و هذا لايكاد يعقل في الاجساد ما دامت في ثقلها و كثافتها فاذا طهرت خفّت و ان الدنيا كلها خطوة مؤمن و لقد روي صفوان بن مهران الجمال قال امرني سيدي ابوعبدالله عليه السلام يوماً ان اقدّم ناقته الي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 513 *»
باب الدار فجئتُ بها فخرج ابوالحسن موسي عليه السلام مسرعا و هو ابن ستّ سنين فاستوي علي ظهر الناقة و اثارها و غاب عن بصري قال فقلتُ اِنّا لِلّهِ و ما اقول لمولاي اذا خرج يريد ناقته قال فلما مضي من النهار ساعة اذا الناقة قد انقضّت كأنها شهاب و هو ترفضّ عرقا فنزل عنها و دخل الدار فخرج الخادم و قال اَعدِ الناقة مكانها و اَجِب مولاكَ قال ففعلتُ ما امرني به و دخلتُ عليه فقال يا صفوان انما امرتُك باحضار الناقة ليركبها موسي فقلتَ في نفسك كذا و كذا فهل علمتَ يا صفوان اين بلغ عليها في هذه الساعة انه بلغ ما بلغه ذوالقرنين و جاوزه اضعافاً مضاعفة و ابلغ سلامي كل مؤمن و مؤمنة ه ، فانظر الي فعله عليه السلام لطهارة جسده الشريف و اجساد المؤمنين في الجنّة من شعاع هذا الجسد الطاهر عليه السلام الّا ان اجسادهم مع هذا و اعظم منه متناهية الاتسمع الي قوله صلي الله عليه و اله و اركض في ارض الجنّة سنة و قوله عليه السلام في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات فان ذلك كله حدود التناهي ان كنت تفهم بل العقول و النفوس في الجنّة متناهية بل كل مخلوق متناهٍ بنسبَتِه مستندٍ في بقاۤئه الي تلقّي المدد الذي به بقاۤؤهُ الي علّته و قوله و لكل انسانٍ من سعيد او شقي عالم برأسه صحيح بمعني حصوله له في الدنيا في مرءاة خياله من صور معلوماته المنتزعة من الخارجيّة فهي متعدّدة كتعدّد الصور في المرايَا المتعددة من مقابلة شخص واحدٍ و هي صور ظلّيّة و اشباح مثاليّة خياليّة فاذا دخل صاحب تلك الصور الجنّة ثبت له منها كلّ ما هو حقّ و اثرٌ مِن ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام فيحدث الله سبحانه من المُثُل التي في خزاۤئن غيبه الامكاني و الكوني التي انتزع خياله منها الصور له ما شاۤء مثاله اذا تصوّر الف رجل كل منهم مركوباً له جناح من ذهب و جناح من فضّة يطير عليه الي ما شاۤء و اتّفقت تصوراتهم بشكل واحد من غير اختلاف فانهم كلهم انتزعوا تلك الالف الصورة من مثالٍ واحدٍ من الخزاۤئن الامكانية او الكونية و ذلك المثال اصل لها كان قد احدثه الله سبحانه اصلاً كلّيّا لاينتهي ما امكن فيه ابداً فاذا اشتهوا ذلك خلق اللّٰه من ذلك المثال لكل واحدٍ منهم مركوبا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 514 *»
كما تصوّره لان ذلك المثال قالب للمدد الذي يحدثه بفعله فالمدد مواۤدّ لتلك المركوبات و قالب صورها هيئة ذلك المثال و هكذا في كل شيء و ليس كما توهمه المصنف من ان تلك الصور الخياليّة هي بنفسها تقوي و تشتد حتّي تكون جواهر لا من مدد جديدٍ بل لانها صور النفوس المتحركة بنفسها بالحركة الجوهريّة حتي تقوي بل بالمدد الجديد الذي اشار اليه سبحانه بقوله عطاۤء غير مجذوذ و قال كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اُتوا به متشابها و قال كلّا نمد هؤلاۤء و هؤلاۤء من عطاۤء ربّك و ماكان عطاۤء ربّك محظوراً و قال ان المتقين في جناتٍ و عيونٍ آخِذ۪ين ما آتيٰهم ربُّهم و قال في اهل النار زدناهم عذابا فوق العذاب ،
و قوله و الي هذا المعني اشار ابويزيد الخ ، هذا ابويزيد البسطامي من الصوفيّة و هذه من شَطْحِهم الشطح عبارة عن كون الكلمة عليها راۤئحة رعونة اي حماقة او دعوي و هو في اصطلاحهم من زلّات السالكين ، منه ( اعلي الله مقامه ) .
في عِباراتهم و هو مما اشرنا اليه فانه يزعم انّ الصور الّتي في خياله هي حقيقة الاشياۤء و اذا تصوّر شيئا ممّا فهم من معني العرش علي حسب معرفتِه۪ ظنّ انه احاط به حتي لو تصوّر انّه دكّان فيه اسباب بقّالٍ حكم بانّ العرش الذي استوي عليه الرحمن برحمانيته حقيقته ما تصوّر منه و لا شكّ انّ خياله يسع اشياۤء غيره كتَصوّر الاكل و الشّرب و الهند و الصين و السماۤء و الارض و غير ذلك فيقول ان قلبه لايحسّ بالعرش و لو علم ان جميع ما في وجدانه هو و ساۤئر الصوفية و وجوداتهم جهة حقيرة من جهات العرش بحيث لو نسبوا باجمعهم و ما وجدوا الي احد اركان العرش لكان كنسبة حبة رمل الي ما لايتناهي فيا لهم الويلات اماعلموا انّ الوجود من كل ما سوي اللّه يدور علي اربعة اشياۤء الخلق و الرزق و الحيوة و الموت و كلّها و جميع ما فيها من المعاني و الاعيان و الجواهر و الاعراض المجردات و المادّيات الكلّيّات و الجزئِيات ممّا حوته الاذهان و مما في خارجها و مما في نفس الامر من الامور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 515 *»
المحقّقة و من الامور الاعتبارية علي زعمهم كلها قد حوته اركان العرش لميخرج منه شيء الّا الذات البحت عز و جل الذي لايحيط به شيء و هو بكل شيء محيط فان فيه خزاۤئن كل شيء التي اشار اليها سبحانه بقوله و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و المصنف قد قبِلَ ذلك منه و اعتقده لانه احَدُ ائمتِه۪ فاذا كان كل شيء في زاوية من زوايا قلبه لايحسّ به فما الذي يحسّ به فماادري هل علم المصنف ما رَمزه البسطامي ام لا يريد انّ قلبه هو الذي وَسِعَ الحقّ عز و جل لانه سمع الحديث القدسي قوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلب عبدي المؤمن فعني بالمؤمن نفسَهُ فجري فيه ما قيل من المثل ان الخنفس رأت الخيل يحذونها فمَدَّتْ يَدَها ،
فلاتَلُمْها و لُمْ زَن۪يماً ** * ** يزعُم انّ ابنَها اِمَامُ .
قال } و منها ان اجساد الاخرة و عظامها من الجنّات و الانهار و الغرفات و البيوت و القصور و الازواج المطهّرة و الحور و كل ما لاهل الجنة من الخدم و الحشم و العبيد و الغلمان و غيرها موجودة بوجود واحدٍ هو وجود انسانٍ واحدٍ من اهل السعادة لانه محيط بها تأييداً من اللّهِ و نزلاً من غفور رحيم و ليس كذلك حال الشقيّ الجهنميّ بالنسبة الي ما يصل اليه من النيرانِ و الاغلال و السلاسل و الحيات و غيرها لانه مُحٰاط بها كما قال تعالي احاط بهم سرادقها و قوله و ان جهنم لمحيطة بالكافرين انّ في هذا لبلاغا لقومٍ عابدين { .
اقول من الفروق التي ذكرها بين اجساد الدنيا و اجساد الاخرة ان اجساد الاخرة و حطامها و ما فيها لاهل السعادة من الجنات و الانهار و الغرفات و البيوت و القصور و الازواج المطهرة الحور العين و الخيرات الحسان و كل ما لاهل الجنّة من الخدم و الحشم و هم العيال و القرابة و العبيد و الغلمان و غيرها موجودة عند المصنف و مَن قال بمقالته بوجود واحدٍ هو وجودُ انسان واحدٍ لانّ كل ما ذكر و امثاله عنده صور خياليّة له قويَتْ بتبعيّة قوة المتخيّل التي ترقي الي اعلي درجاتها بحركته الجوهريّة الذّاتيّة فترقّي بهذه الامور المذكورة لانّها شؤنه و انت قد سمعتَ ما ذكرناه من كون هذه الاشياۤء و امثالها موجودة بوجود خارجيّ مغاير للانسان المنسوبة اليه و انما اختصاصها به من جهة انّ مواۤدّها الّتي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 516 *»
هي وجوداتها و صورها النوعية التي هي ماهياتها صيغت بصور اعماله اي اُلْبِسَت صور اعماله كما ذكرنا في مثال الفاكهة التي في السوق فانّها متحققة الوجود و الماهية قبل اَنْ يملكها المشتري فاذا دفع الثمن اُلْبِسَتْ صورة تملّكه بحيث يكون اولي بها من غيره و لوْ انّ الغير اشتراها كانَ اَوْلَي بهَا و ليس المراد انّ هذه الاشياۤء من الانسان كالورق من الشجرة كما توهمه علي ان الورق ليس وجود الشجرة وجودَهُ و ليست هي و ورقها موجودين بوجودٍ وَاحدٍ و لا كالشعاع من الشمس كما يتوهّمه و ليس وجود الشعاع وجود الشمس لانّ الشجرة وجدت من وجودٍ لمتوجد الورق منه و انما وجد من فاضل وجود الشجرة بايجادٍ ثانٍ غير ايجاد الشجرة و كذلك الشمس اوجدت بايجادٍ من وجود لميوجد الشعاع منه و انما اُوجِدَ مِنْ فاضل وجود الشمس بايجادٍ ثان و ان كان مترتبا علي الاول كما نطقت به الاخْبار عن الائمة الاطهار صلي الله عليهم لاولي الابصار و كيف يفرق بين اهل الجنّة و اهل النار كما ذكره في اخر كلامه و الصانع سبحانه واحد و الصنع واحد و المصنوع واحد لان الايجاد جارٍ علي وتيرة واحدة و كيف يفرق بين اهل الدنيا و ما فيها و اهل الاخرة و ما فيها و انّ ما في الاخرة هو بعينه ما في الدنيا و انما الفرق ان ما في الدنيا صيغ صيغةً مناسبة للتكليف و الاختبار و الابتلاۤء ليهلك من هلك عن بينة و يحيي مَن حيّ عن بينة و ليست الدار دار خلودٍ و مَقَرٍّ و انما هي دار متاعٍ و مَمرٍّ و الاخرة دار الجزاۤء و القرار و الخلود فصيغت الدنيا و ما فيها صيغةً متغيّرة متبدّلة و الاخرة صيغت صيغة الثبات لانها دار الخلود علي انّ الدنيا مزرعة الاخرة و قد قال الرّضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب انّ الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الّا بما هيهنا ه ، و قال الصادق عليه السلام العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة الحديث ، و قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق فمن قَبِل عن الله عز و جل و عن اولياۤئه عليهم السلام لايقول بقول المصنّف الذي منه ان زوجة المؤمن في الجنّة التي ينكحها و حشمه الّذين هم عياله و قرابته صورُهُ الخياليّة و كذا قوله لانه محيط بها تأييداً من اللّه و نُزلاً من غفورٍ رحيم فانه اذا كانت فيه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 517 *»
لميدخل الجنّة و لميكن فيها و هذا خلاف المنقول و المعقول لانه خلق من الجنّة و اليها يعود فاهل الجنة كاهل النار في كون كلٍّ في الدار التي خلق منها و اليها يعود فان كان المصنف سمع قوله و انّ جهنم لمحيطة بالكافرين فهَلَّاسمِع قوله تعالي يدخلون الجنة و هم فيها خالدون حتي اذا جاۤؤها و فتحت ابوابها و امثال ذلك من الايات مما هو صريح في مساواتهم لاهل النار في كونهم في الجنة محيطة بهم و هذا انشاۤء الله تعالي ظاهر ليس عليه غبار انّ في هذا لبلاغاً لقوم عابد۪ين .
قال } قاعدة في دفع شُبَهِ الجاحدين للمعاد و المنكرين لحشر الاجسادِ و هي اشكالات احدها طلب المكان و الجهة و للجنّة و النار بان الاخرة في اي جهة من العالم و مكانهما اين هو منه حتّي يلزم امّا التداخل او الخلاۤء و هو منفسخ الاصل كما اشرنا اليه لان عالم الاخرة عالم تامّ في نفسه كما ان السُّؤال باين عن مجموع هذا العالم باطل لانه ليس فوق فوقه شيء و لا تحْتَ تحتِه شيء و المجموع لا فوق له و لا تحت و انما يطلب المكان لاجزاۤء عالمٍ واحدٍ لا لمجموعه { .
اقول اورد هنا اشكالاتٍ لمنكري حشر الاجساد احدها قالوا ان كان العالم منتظماً بعضه ملتصق ببعضٍ فاين توجد الجنّة و النّار لانهما اذا وجدا لزم تداخل الاجسام و كون الجسمين في محلٍّ واحدٍ و ذلك محال كما برهن عليه و ان كان غير ملتصقٍ بعضه ببعض فقبل ايجادهما يلزم الخلاۤء و هو ايضا محال و اجاب المصنف بان العالم اصله واسع مشتمل علي عوالم متعدّدة و هذا العالم واحد منها و عالم الاخرة عالم اخر تام في نفسه و لايلزم التداخل الّا فيما كان في عالمٍ واحدٍ و كذلك الخلاۤء انّما يلزم بين الاجسام في محل واحد فالسؤال عن مكان الجنّة و النار و جهتهما باطل اذا اريد بهما من هذا العالم كما ان السؤال باين عن مجموع هذا العالم باطل لانه ليس فوق فوقه شيء اي ليس وراۤء فوقيّته او محدّب اعلاه شيء و لا تحتَ تحته شيء اي ليس وراۤء تحته شيء اقول امّا اوّل جوابه و هو ان الاخرة عالم تام فصحيح و امّا انه لايسئل عنه باين فليس
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 518 *»
بصحيح اوْ انّه بٰاۤئن من هذا العالم بينونة عزلةٍ فكذلك اي باطل لان عالم الاخرة موجود في غيب عالم الدنيا كما انّ جسدك الذي هو من عالم الاخرة و يبعث من قبرك و تدخله روحك و يدخل الجنّة هو في جسدك هذا المرئي فكذلك الجنّة في الاخرة و في الدّنيا امّا في الدنيا فهي في هذه السموات كل جنةٍ فوق سماۤء و جنّة عدن فوْق الكرسي و قد قال تعالي خالدين فيها ما دامت السموات و الارض الّا ما شاۤء ربّك و قال تعالي و قالوا الحمد للّه الذي صدقنا وعدَهُ و اورثنا الارض نتبوّءُا من الجنّة حيث نشاۤء فخاطب العباد بما يعرفون و بما هو الواقع كما روي عنه عليه السلام انما خلقتم للبقاۤء و في روايةٍ اما انّ ابدانكم خُلِقَتْ للجنّة فلاتبيعوها الّا بالجنّة و هو يعني هذه ابدان الدنيا فمن عرف ما اشرنا اليه و مثّلنا به من انّ هذه الابدان التي هي في الدنيا بعينها هي ابدان الاخرة و ان الاقرار بحشر الابدان لايصح و لايثبت الّا باعتقادِ انّ هذه الابدان هي بعينها ابدان الاخرة و استند في معرفته هذه الي قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم و الي قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايكون الا بما هيهنا ه ، لئلّايدخله الريب عرف ان الاخرة الان و ما فيها موجودة في غيب الدنيا و انّه يصحّ ان يقال هذه الابدان هي ابدان الاخرة و هذه السموات هي سموات الاخرة و هذه الارض هي ارض الاخرة و ان كانت تكسر و تُصَفّي و تصاغ في قالبها الاول و انّ المراد من تبديل الارض غير الارض و السموات محض الكسر و التصفية و الاعادة كما قال تعالي كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها لا كما توهّمه المصنّف من انّ المعاد هو النفس و الصورة و امّا الماۤدّة فانّها تفني و تضمحلّ و لاتعود الماۤدّة التي في الدنيا كما تقدّم بل المعاد يوم القيمة من ابدان الحيوانات و من الاوقات و الامكنة و الارض و السموات و الاشجار و النباتات و المعادن هو الموجود منها في الدّنيا بعين ماۤدّته في الدنيا الّا ان تركيبه في الدنيا من هيئات الدنيا لايَصْلح للبقاۤء فكسر ليُصفّي من اسباب التغيير و ص۪يغَ الصيغة الّتي لاتحتمل الفساد فمن فهم ما ذكرنا صحّ عنده السؤال عن الجنّة و النار الٰان باين و صحّ منه الجواب بمعني ما ذكرنا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 519 *»
و امّا السؤال عن مجموع العالم فهو باطل و ليس السؤال عن بعضه كما نحن بصدَدِه۪ كالسؤال عن مجموع العالم و قوله لانه ليس فوقَ فوقِه شيء و لا تحتَ تحتِه۪ شيء هو صحيح المعني دون اللفظ لان معني لفظه ان لفوقِه فوقاً لكنه خالٍ و لتحته تحت الّا انه خالٍ و هو لايريد هذا المعني و انّما يريد ان فوقه ليس له فوق و تحته ليس له تحت و اعلم ان مجموع العالم فوقه الظاهري الجسمي محدّد الجهات و الباطني التقييدي عقل الكل و الاطلاقي الحقيقة المحمدية صلي اللّه عليْه و اله و تحته الظاهري الارض السابعة السفلي و الغيبي ما تحت الثري ففَوقُه اعلي جزءٍ منه و تحته اسْفل جزء منه و لا بد ان يحمل قوله شيء علي الممكن لان القديم لاينتفي بهذه العبارة و لايثبت و انما انتفي بنفي الشيء الشيء الممكن سواۤء كان صفة او موصوفاً اي محلّا ام حاۤلّا .
قال } و قد قلنا عالم الاخرة عالم تاۤمّ بل كلٌّ من الجنّة و النار عالم تام برأسه بل لكل انسانٍ سعيد عالم تام كما اومأنا اليه كيف و لو لمتكن الدنيا و الاخرة عالمين تامّين فليس لله سبحانه عالمانِ و ايضا فان الاخرة نشأة باقية لا موت فيها و لا دثور و لا فناۤء و هي دار قربٍ من الله و الانسان متكلّم فيها مع اللّه و الوجوه الناظرة ناظرةٌ اليه فيْها و الدنيا بائرَة فانيةٌ مطرودة من جهةِ القدس ورد في الحديث انَّ الدنيا ملعونة ملعون ما فيها و اختلاف اللوازم دالّ علي اختلاف الملزومات قال تعالي و ننشئكم فيما لاتعلمون { .
اقول يريد من كلامه هذا ان الاخرة عالم تام مسْتقل برأسه لميكن جزءاً من عالم اخر فلايلزم الخلاۤء و لا التداخل بل الجنة و النار كل واحدٍ عالم مستقل برأسه و ان كانا معاً من عالم الاخرة لانّهما متناقِضان بل لكل انسانٍ سعيدٍ عالم تام مستقل غير الانسانِ السعيد الٰاخر لما تقدم في قوله من كلّ ما لانسانٍ سعيد من الجنان و ما فيها من انواع النّعيم و الحور و الخدم و الحشم و الولدان كل ذلك موجود بوجود الانسان المنسوبة اليه لانها منه كالنيات و الاعتقادات منه بل هي من باب الاعتقادات و النيات و قد تقدّم علي قوله هناك ما به كفاية و ذكر هنا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 520 *»
كما ذكر هناك فاما عالم الاخرة فهو عالم مستقل كما مر و امّا ان الجنّة وَ النّار متغايرانِ كلّ واحدٍ مستقلّ بنفسه فلاجل كونهما متناقضَيْنِ و الّا فهما من عالم واحدٍ بل ربّما لقاۤئل يقول انهما ليس كل واحدٍ منهُمٰا مستقلّاً لانهما من الفعل كالنور الذي اشرق علي وجه الجدار من الشمس و الظلّ الذي ظهر خلف الجدار بالشمس كما لوّحنا اليه في رَساۤئِلنا الموضوعة في بيان القدر و القضاۤء في افعال العباد و اما انّ كل انسانٍ سعيدٍ فله عالم برأسه تام فقد تقدّم الكلام فيه و انّ هذا العالم عالم صوري خياليّ ظلي و ليس هو مٰا يتمتع به المؤمن في الجنّة و ان كان منه ما يحدث اللّه بصورة ما اشتهاه المؤمن من تلك الصور ما اشتهاه من الخير و امّا انّ كل انسان فله عالم تام اذا كان سعيداً فليس للتقييد وجه اذ لا فرق بين السعيد و الشقي في حصول عالم تاۤمٍّ له خيالي و انه يخلق علي صورة ما فيه مما تقتضيه الحكمة و العدل له ما تصوره من خير او شرّ فتخصيصه بالسعيد غير سديدٍ و قوله و لمتكن الدنيا و الاخرة عالمَين تاۤمّين فليس لله سبحانه عالمانِ لاتنهض به حجّة عقليّة و اثبات الشيء لاينفي ما عداه و قوله و ايضا فان الاخرة نشأَة باقية لا موت فيها و لا دثور و لا فناۤء مصادرة فان منكر الحشر منكر هذا و منكر خصوص حشر الاجساد يثبت ذلك للارواح و قوله و هي دار قربٍ من اللهِ و الانسان متكلم فيها مع اللّه و الوجوه الناضرة ناظرة اليه فكونها دار قرب كالاول و كذا باقي كلامه و امّا كلام الانسان مع الله فمن نوع كلامه معه تعالي في الدنيا فان اراد غير هذا باعتبار الشدة و الضعف فلا بأس و الّا فبٰاطل و كذا نظر الوجوه الناضرة اليه و قوله و الدنيا بائرة فانية مطرودة من جهة القدس الخ ، قياس مع الفارق و حكم بغير دليل لان الباۤئرة الفانية هي ما لاينزل الي الدنيا من اعراضها اللاحقة للمحل و الوقت و الابدان نازلة اليها من الخزاۤئن كما مر فتعود بعينها الي ما منه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 521 *»
بدئت و الملعونة هي حالة النشأة الاولي التي يراد بها نفس النشأة الاولي مما نهي الشارع عنه و كذا ما فيها من الملعون و ليس كل ما فيها ملعوناً فان فيها العبادات و الاعمال الصالحات و الكتب الالهيّة و القوّام بها عليهم السلام بل فيها من لولاه لماخلق اللّه الجنّة و النار و اختلاف اللوازم يدل علي اختلاف الملزومات ليس في كل شيء فانّ مختلفي اللوازم كلها موجودة و الجنّة و النار مختلفا اللوازم و لميختلفا في البقاۤء فالدنيا و الاخرة و ان اختلفا في انفسهما لميختلف ما فيهما كيف و الدنيا مزرعة الاخرة و آية الاخرة و طريق الاخرة لان من في الدنيا ساۤئرون الي الاخرة فاذا كان ما فيها لايعود فاين البعث المأمور باعتقاده فان لميعد ما فني في الدنيا لميكن في الاخرة معاد بل يكون ما فيها بَدْءٌ جديد لا عود و امّا الاية و ننشئكم فيما لاتعلمون فداۤلّةٌ علي اعادة المخاطبين في الدنيا اذا اعادهم في نشأةٍ لايعلمون كيفيتها .
قال } و عن ابنعبّاسٍ ان الدنيا و الاخرة مختلفتان في جوهر الوجود و لو كانت الاخرة من جوهر الدنيا لميصحّ ان الدنيا تخرب البتّةَ و تضمحل و لكان القول بالاخرة قولاً بالتناسخ و لكان المعاد عبارة عن عمارة الدنيا بعد خرابها و الاتفاق من جميع الملل علي ان الدنيا تضمحلّ و تفني ثم لاتعمر ابداً { .
اقول ما نقله عن ابنعباس علي فرض صحته ليس فيه ما ينافي ما نقوله امّا ان الدنيا و الاخرة في انفسهما مختلفتان فالقرءان و الاخبار ناطقان به و امّا انّ اختلافهما في جوهر الوجود فعلي الظاهر ظاهر بل هو المراد من كلام ابنعباس لان المعني انهما مختلفتان في التركيب و الاعراض مثل كثافة الاجسام و عدم احكام ما في الدنيا في الصنعة و التّأليف لا انّهما مختلفَتانِ بالنسبة الي ما فيهما في الماۤدة لان ذلك موجب لانكار المعاد المتفق علي ان انكاره كفر في جميع الملل و قوله و لو كانت الاخرة من جوهر الدنيا لميصح انّ الدنيا تخرب البتّة يدلّ علي ما قلنا لانه لميقل ما في الدنيا لانّ الكلام فيه لا في نفس الدّنيا كما هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 522 *»
ظاهر كلام ابنعبّاس فانها هي الّتي تضمحلّ لا ما فيها و قوله و لكان القول بالاخرة قولا بالتناسخ فيه انه لو كانت الاجسام التي في الاخرة غير الاجسام التي في الدنيا لكان القول بالاخرة اي بان تعود النفوس الي اجسامٍ غير اجسامها قولاً بالتناسخ المتفق علي بطلانه و علي كفر القاۤئل به و امّا اذا قلنا بان اجساد الاخرة هي اجساد الدنيا و ان الارواح تعود الي اجسادها التي خرجت منها في الدنيا فهو قول المسلمين و هو الدين القويم و قوله و لكان المعاد عبارة عن عمارة الدنيا بعد خرابها و الاتّفاق من جميع الملل علي ان الدنيا تضمحلّ و تفني ثم لاتعمر ابداً يدلّ علي انّ المراد بالدّنيا هنا الحالة التي قبل الموت لا اهلها و ما فيها لان هذه الحالة هي المتفق علي فناۤئها و عدم عودها بالنّسبة لا ارض الدنيا و سماۤؤها فانهما انما يفنيانِ بالنسبة الي سكّانهما لا في انفسهما فانهما لايفنيان في انفسهما لانهما الأن في ملكِ اللّهِ فاين يذهبان ايخرجانِ عن ملك اللّٰهِ تعالي اللّه عن ذلك كيف و روي الصدوق في اخر الخصال بسنده عن جابر بن يزيد قال سألتُ اباجعفر عليه السلام عن قول الله عز و جل افعَيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فقال يا جابر تأويل ذلك ان الله عز و جل اذا افني هذا الخلق و هذا العالم و اسكن اهل الجنّةِ الجنّة و اهل النار النار جدّد الله عز و جل عالما من غير فحولةٍ و لا اناثٍ يعبدونه و يوحّدونه و خلق لهم ارضاً غير هذه الارض تحملهم و سماۤء غير هذه السّماۤء تظلّهم لعلّك تري انّ اللّه عز و جل انما خلق هذا العالم الواحد و تري ان اللّه عز و جل لميخلق بشراً غيركم بل واللّهِ لقد خلق اللّه تبارك و تعالي الفَالفِ عالمٍ و الفَالفِ آدم انت في اخر تلك العوالم و اولٰۤئك الٰادميّين ه ، فان قلتَ هذا الحديث داۤلّ علي فناۤءِ الارضِ و ايجاد غيرها لهذا الخلق الجديد بخلاف ما اشرتَ اليه قلتُ قد تقدّم ان الغير يراد منه تغيير الصورة كما تقدّم في قوله بدّلناهم جلودا غيرها و ارضنا هذه ظاهر و باطن فاذا نفخ في الصور نفخة النشور ميّز ظاهرها من باطنها فباطنها ارض القيامة و ظاهرها ارض الخلق الجديد علي ما افهم و الله سبحانه اعلم لما دلّ الدليل العقلي القطعي عليه من انّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 523 *»
ما دخل في ملك اللهِ لايخرج عنه و من ان الاشياۤء تتنقّل في اطوار اكوان الممكنات لانّها مشابهة للانسان و الانسان لاتحصي اطوار تنزّلاته و لا اطوار ترقِّياته و قد قال الله تعالي سنريهم اياتنا في الافاقِ و في انفسهم حتّي يتبين لهم انه الحقّ و في ما نسب الي علي عليه السلام :
اتحسب انّك جرم صغير ** * ** و فيك انطوي العالم الاكبر
فهذه الالفالف عالم و الالفالف ادم هل مررتَ عليها الي ان وصلتَ الي هنا ام لا بلي قد مررتَ عليها في تنزّلاتِك من خزاۤئنِك كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام في خطبته اقسم بربّ العرش العظيم لو شئتُ لاخبرتكم بابٰاۤئكم و اَسلافكم اين كانوا و ممّن كانوا و اين هم الأن و ما صاروا اليه فكم من آكلٍ لحم اخيه و شاربٍ برأس اَبيه و هو يشتاقه و يرتجيه هيهات اذا كشِف المستور و حصِّل ما في الصدور و علم واردات الضمير و ايم اللهِ لقد كوِّرتم كَوراتٍ و كُرِرتم كرّاتٍ و كم بين كرّة و كرّةٍ من آيةٍ و آياتٍ الخ ، ه ، و اعلم اني ربّما ذكرتُ الحديث او بعض الالفاظ مستشهداً بها و اعرض عن بيانها و عن وجه الاستشهاد خوفا من التّطويل و كثرة القال و الق۪يل علي انّ مَن وُفّق له يفهمه بتوفيق الله سبحانه و من لميكتب من اهله لايفهمه و اِنْ بَيّنتُه و اللّه سبحانه وليّ التوفيق .
قال } و ثانيها ان الاعادة لو كانت حقّة يلزم التناسخ و اجيب في المشهور بان هذا القسم من التناسخ مما جوّزه الشرع و يسمي بالحشر و لميتأملوا في اَنَّ طبيعة المحال لايصير فردٌ منها ممكنا بتجوّز الشارع و تبديل الاسم و محاليّة التناسخ امر مبرهن عليه { .
اقول الثاني من الاشكالات و الاعتراضات الّتي اوردها القاۤئلون بعدم حشر الاجساد هو انّ الاعادة لو كانت حقّةً يلزم القول بالتناسخ قال المصنف بان المشهور اجابوا عن هذا الاشكال بانّ هذا القسم من التناسخ ممّا جوّزه الشارع
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 524 *»
فلايكون ممتنعاً و لا القول به كفراً و الشارع سمّاه حشراً لا تناسخاً و اعترض المصنّف علي المشهور بانّهم لميتأملوا في معني جوابهم لان حقيقة التناسخ محال فتكون جميع اَفْرادِهَا محالاً فلايصحّ انْ يكون حشر الاجساد فرداً من تلك الحقيقة الممتنعة ممكناً بمجرّد كون الشارع جوّزه لان الشارع لايجوّز الامر المحال و التناسخ امر مبرهن علي محاليّته بجميع افراده اقول و الاقوال الثلاثة كلها باطلة قول المعترض و قول المشهور في جوابهم و اعتراض المصنف علي جواب المشهور امّا قول المعترض فباطل بنحو ما ذكرنا قبل هذا من انّ التناسخ انما يلزم لو كانت النفوس انتقلت يوم القيمة الي ابدانٍ غير الابدان التي خرجَتْ منها في الدنيا كما يذهب اليه المصنف و اتباعه فانّه لازم علي مذهبه كما بيَّنّاه فيما تقدّم مكرّرا و امّا نحن فنقول بانّ الابدان الّتي تنتقل اليها النفوس يوم القيمة هي بعينها ابدانها التي خرجت منها في الدّنيا فلايلزمنا القول بالتناسخ لان التناسخ عند القاۤئلين به هو انه اذا خرجت نفس زيد من بدنه بالموت دخلَتْ في بدَنِ عمروٍ فلو فرض عندهم انها دخلت فيما خرجت منه لميسموه تناسخاً و انما يكون حيوة ثانية و لا عيب فيه عند الكلّ و امّا قول المشهور في جوابهم فبٰاطل لجعلهم المعاد فرداً من افراد التناسخ و انما صح اعتقاده لان الشارع جوّزه و هذا باطل لانه لو كان من جملة التناسخ لماجوَّزه الشارع وَ لَوْ جوّزَهُ لَجوّزَ التّناسخ بل و التّماسخ و التراسخ و التفاسخ اذ لا فرق بينها و لكن الشارع منع منه لا لاسمه حتّي يمنع ممّا يسمي تناسخاً و يجوّز ما يسمّي حشراً و انّما منع منه لانّ الشيء شيء بظاهره و باطنه معاً فلو قيل بالتناسخ لكان شيئاً بباطنه دون ظاهره او بالعكس فلايكون الشيء بما هو شيء شيئاً و هذه البِماهيّة هي علّة البقاۤء فاذا تبعّضتِ البماهيّة بطل البقاۤء المتّفق عليه من اهل الملَل و امّا قول المصنّف فباطل حيث جعل الممكن محالاً لان التناسخ ليس محالاً عقلِيّاً و انما امتنع من جهة الحكمة فهو في نفسه ممكن فلو جوّز الشارع فرداً منه لميكن محالاً و جاز وقوعه علي ان المصنف فيما سبق جوّزه و حكم به و ان لميشعر بذلك لانّه حكم فيما قبل بان النفس في القيمة تكون في جسدٍ غير جَسدِها في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 525 *»
الدّنيا لانّ جسد الدنيا قد فني و اضمحلّ فيلزمه التناسخ في احدي الدارَيْن و امّا ان محاليّة التناسخ مبرهن عليها فالمحاليّة في الحكمة لما اشرنا اليه من البماهيّة لانّ البقاۤء علي مقتضي الحكمة لايكون بدون البِماهية اي بقاۤء الشيء بما هو به شيء و هو خصوص نفسه و بدنه لانهما شيء واحد ممتدّ للاحاطة بالغيب و الشهادة فجمد ما بعد منه عن المبدءِ و هو طرفه الاسفل المسمي بالبدن و بقي الطرف الاعلي علي حالة ظهوره من مبدئه و هي الذّوَبٰان و ذلك هو النفس و اما محالية التناسخ في الظرف العقلي بان لايكون ممكنا فامر باطل لايقوم عليه برهان عقلي و لا نقلي .
قال } و لبعض الاعلام رسالة في المعاد اجابَ عن هذا الاشكال بان للنفسِ الناطقة ضربَيْنِ من التعلّق بهذا البدن اوّلهما اوَّليٌّ و هو تعلقها بالروح الحيواني الساري في الشرايين و اخرهما ثانويّ بالاعضاۤء الكثيفة فاذا فسد مزاج الروح و كاد ان يخرج عن صلاحيّة تعلّق النفس اشتدّ التعلّق الثانوي من النفس بالاعضاء و بهذا التعيّن يتعيّن الاجزاۤء تعيّناً ما ثمّ عند الحشر اذا جمعت و تمّت هيئة البدن ثانياً و حصل الروح البخاري مرّة اخري عاد تعلّق النفس بها كالمرّة الاولي فذلك التعلق الثانوي يمنع من حدوث نفسٍ اخري علي مزاج الاجزاۤء فالمُعٰاد هي النفس الباقية لنيل الجزاۤء انتهي ما ذكره { .
اقول صاحب الرسالة اجاب عن شبهة التناسخ بان للنفس الناطقة ضربين من التعلّق بهذا البدن الدنيوي اوّليّ و ثانوي في الدنيا و في الاخرة ايضا فالتعلق الاوّلي في الدنيا انها تعلّقت بالروح الحيواني و الظاهر من كلامه هذا ان المراد بالحيواني النفس الحسّيّة الفلكيّة لانها هي الحيَوانيّة و الظاهر من قوله الساري في الشرايين اي العروق و من قوله بعد و حصل الروح البخاري ان المراد بها النفس النباتيّة و قد قدّمنا ان الناطقة لاتتعلق بالنباتية الّا بواسطة الطبيعية و الهباۤئية و المثاليّة و الفلكية و انّ النباتية لاتسمّي بالحيوانية الّا مجازاً و لكن لعلّه لمّا كان بصدد تعلّق النفس بالبدن و البدن اعلي مراتبه النفس النباتية ذكرها و لميذكر الوساۤئط و علي هذا الاحتمال لا عيبَ في كلامه هذا و التعلق الثانوي الذي في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 526 *»
الدنيا تعلقها اي الناطقة بالاعضاۤء الكثيفة و ظاهر كلامه حيث جعل تعلّقها بالاعضاۤء قسيماً لتعلقها بالروح البخاري انه بدون توسّط تعلقها بالروح البخاري و هو غلط و الّا لزم الطفرَة في الوجود و يظهر من كلامه ايضا ان تعلّقها بالبخاري قَوِيٌّ و بالاعضاۤء ضعيف فاذا فسد مزاج الروح و لميصلح لتعلّق النفس به قوِيَ تعلّقها الثانوي الدنيوي و هذا لايصحّ لانه اذا فسد المزاج البُخاري و لميصلح لتعلّق النفس به بطل تعلّقها بالاعضاۤء اصلا اذ لاتتعلّق بالاعضاۤء الّا بواسطة المزاج البخاري فلايكون للاجزاۤء بدون البخاري اتّصال بالنفس منها و الصواب ان يقول ان النفس تعلقت بالبخاري في الدنيا و بالاعضاۤء بواسطة البخاري فعند الحشر اذا جمعت و تمّت هيئة البدن ثانيا و حصل الروح البخاري مرّة اخري كالاولي عاد تعلّق النفس بالبدن لما بينهما من المشاكلة الطبيعية و الرابطة الذاتيّة لا كما توهمه من ان ذلك التّعلق الثانوي يمنع من حدوث نفسٍ اخري علي مزاج الاجزاۤء لان حصول مانع لحدوث نفسٍ اخري يدفع التناسخ فان الدافع للتناسخ هو انّ النفس لمتتعلّق ببدنٍ غير بدنها الذي خرجَتْ منه و ليس المانع من تعلّق نفسٍ اخري شغل البدن بنفسه و الّا لاَتَتْه نفس تتعلّق به لان ذلك لو صحّ جاز التناسخ و انما المانع من ذلك ان النفس لاتتعلق الّا ببدنٍ هي به هي لا غيرها فان نفس زيدٍ انّما كانت نفس زيد لا عمروٍ لارتباطها ببدن زيد لا بدن عمرو كما انّ بدن زيد انما هو بدن زيد لا عمروٍ بارتباطِ نفس زيد به لا نفس عمرو و سرّ ما اشرنا اليه مبرهنٌ عليه في علم الصناعة المكتومة المسمّي بمرءاة الحكماۤء لانّهم يرون المعقولات فيه محسوسات و الغاۤئبات مشاهدات علي وجهٍ لايصحّ الّا اذا انطبق علي الواقع في نفس الامر و ما ذكره المصنف في اعتراضه عليه يأتي الكلام عليه و هو هذا .
قال } و هو من سخيفِ القول و اسقط من الجواب الاول لاشتماله علي وجوهٍ من الخلل منها ان معني التعلق الثانوي في هذا المقام ان يكون بالعرض بمعني ان يكون هناك تعلّق واحد نسبته الي الارواح بالذات و الي الاعضاۤء بالتبع { .
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 527 *»
اقول ليس هذا الظاهر من كلام صاحب الرسالة لان الظاهر من كلامه ان يكون التعلق اثنين الّا ان التعلق الثانويّ مترتب علي التعلق الاوّليّ بمعني ان يكون التعلق الاولي اقوي من الثانوي لقربه من النفس بدليل انه اذا فسد الاولي قوي الثانوي و لو كان الثانوي تبعا للاوّليّ لكان اذا فسد الاولي فسد الثانوي و لكنه عنده اقوي لقربه و هذا القرب هو معني كونه مترتبا عليه حتي يكادَ يكون حاجباً لَهُ عن التّعلق به لا ان التعلّق به حاصِلٌ بالتّبع كما ظَنّه المصنف فاذا كانَ لها تعلّقٌ بالبخاري و بالاَعْضاۤء فاذا فسد البخاري تمحّضَ التّعلق بالاعضاۤء فقَوِيَ التعلق بالاعضاۤء و هذا الكلام و ان كان غير مراد و لا جارياً علي نمطٍ يفيد الجواب عن اشكال التناسخ لانّ ظاهر مفهومه انّه لولا التّعلّق الثانوي لااقتضي مزاج الاعضاۤء تعلّق نفسٍ اخري يلزم من هذا التعلّق المفروض ثبوت التناسخ و هو ليس جارياً مجري الجواب الّا ان اعتراض المصنف عليه اسخف منه و اَسْقَط و اي خللٍ في كون تعلّقها واحد تتعلّق بالذات و بالبخاري و بالعرض بالاعضاۤء مع انّه اثبت نظيره في شأن الحق سبحانه مع انه لايجوز هناك و يجوّز كما قال فيما تقدّم و في غير هذا في مسألة اتحاد المعقول بالعاقل انه تعالي يعقل المجردات و يدركها و هي صور ادراكيّة فتتّحِدُ به و لاتتّحد الماديات به لان وجوداتها ليست ادراكيّة فقيل عليه انه اذَنْ لايعلمها فاجاب عن هذا الاعتراض المفروض انّه يعلمها بالتبع مع انّه علمه تعالي واحِد احديّ التعلق بالمعلوم و تعلّقه بالمجردات ذاتيّ بحيث كانت متّحدة به و تعلّقه بالماديات بالتّبع فجوّز هذا مع عدم صحته في حقّ الواجب تعالي لان نسبة ذاته المقدسة و علمه خصوصا العلم القديم الذي هو ذاته الي جميع الاشياۤء علي السّواۤء و لميجوّزه في تعلّق النفس مع كونه هو الواقع و ليس الردّ علي صاحب الرسالة الّا فيما سمعتَ .
قال } و منها ان تعلّق النفس بالبدن ليس بقصد وَ اختيار حتّي اذا استشعرَتْ بفساد مزاج الروح انعطف تعلّقه منه الي الاعضاۤء { .
اقول يريد ان من الخلل الحاصل في عبارة صاحب الرسالة ان تعلّق
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 528 *»
النفس وقع منها علي البدن من دون قصدٍ و اختيار و لو كان باختيارٍ صحّ انها اذا اشعرت بفساد مزاج الروح انعطف تعلّقه من الروح البخاري الي الاعضاۤء و بحث المصنف راجع الي لفظ عبارة صاحب الرسالة يقول ان كلامه يدلّ علي اَنَّ تعلّقها بالبخاري و الاَعْضاۤء عن شعورٍ و لهذا اذا فسد مزاج البخاري و اشعرَتْ به انْعطَفَ تعلّقها بالاعضاۤءِ و الامرُ علي خلافِ ذلك و انّما تعلّقُها طَبيعيّ و اقول لا فاۤئدة في البحث و المبحوث عليه فيما نحنُ بصَددِه۪ .
قال } و منها ان هذا القاۤئل لميتفطّن بانّه اذا فسد البدن لمتبق الاعضاۤءُ علي مزاجها و اعتدالها و تتشبّث النفس بذيل التعلّق بها و مدار الرابطة بين النفسِ و البدن بواسطة جهة الوحدة و الاعتدال و هي انما تكون في الالطف فالالطف الي ان تنتهي الي الاكثف فالاكثف و لميتأمل قليلاً في انه اي مقصودٍ يحصل للنفس من التعلّق بمواۤدٍّ فاسدة المزاج و التعلق الطبيعي و كل فعل طبيعي لايكون الّا لغايةٍ ذاتيّة طبيعيةٍ { .
اقول اعتراض المصنف علي كلام صاحب الرسالة بان ما جعله مقدّمة لجوابه او بياناً له ليس بصحيح لان قوله اذا فسد مزاج الروح و كاد ان يخرج عن صلاحيّة تعلّق النفس اشتدّ التعلق الثانوي من النفسِ بالاعضاۤءِ يدلّ علي انه اذا فسد مزاج الروح قوي التعلّق بالاعضاۤء و المعلوم انه اذا فسد مزاج الروح بطل تعلقها بالبدن كله لفساد الاعضاۤء و غيرها لفساد الواسطة اقول و بحث المصنف عليه وارد في محله و قوله و مدار الرابطة بين النفس الخ ، صحيح كما ذكره من تدرّج التعلق من الالطف الي ما دونه و هكذا الي الكثيف فالاكثف الّا ان عبارته ليست فصيحة لان قوله في الالطف فالالطف انما تكون هذه العبارة في الترقي لا في التنزّل و كذا قوله في اي مقصودٍ يحصل للنّفسِ من التعلق الي اخرِه فانّه ايضاً صحيح واردٌ علي ذلك القاۤئل .
قال } و منها انّ الارواح و الاعضاۤء البسيطة و المركّبة كلّها فاۤئضة من جهة النّفس حدوثا و بقاۤءً علي التركيب الاشرف فالاشرف فاذا فسد الروح السّاري
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 529 *»
في العضو لميبق العضو عضواً و ايضا ليست الاعضاۤء مما يعيّن وجود النفس حتي انها اذا بَطل مزاج البدن و اضمحلّ تركيبه و انقطع تعلّق النفس الهاربة عن البدن لفساده مرّة اُخري بواسطة اجتماع تلك الاجزاۤء المبثوثة علي التشكل { .
اقول فيضان تلك الارواح و الاعضاۤء و القوي كلّها بفعل اللّه عز و جل من جهة النفس في حدوث تلك الامور من تنزلاتها و بقاۤئها بمددٍ هو فاضل مدد النّفس جارياً علي النّظم المتقن الذي لَايكون اكمل منه بتلك الاجزاۤء فاذا فسد الروح الساري في ايّ عضوٍ او قوّة ممّا تحت رتبته التي تكون رتبة الروح اقرب الي النفس من رتبته فسد ذلك العضو و القوّة لفساد الواسطة في حدوثه و بقاۤئه و ايراد هذا ايضا وارد علي عبارة ذلك القائل حيث جعل شدّة تعلّق النفس بالعضو تكون اذا فسد الروح البخاري الذي هو الواسطة في حدوثه و بقاۤئه و قوله و ايضا ليست الاعضاۤء مما يعيّن الي اخره يريد ان القاۤئل اراد بقوله و بهذا التعين تتعيّن الاجزاۤء تعيّناً ما ان مطلق تألّف الاجزاۤء و اجتماعها ثانيا ممّا يُعيّن وجود النفس لها اي للاجزاۤء بحيث يكون مانعا من تعلّقِ نفسٍ اخري فلايتحقّق التناسخ و ردّه المصنف بان اجتماع الاعضاۤء لايستلزم عود النفس الي البدن التي هربت منه لفساده و في كلام المصنف شيء يرد عليه فيه شيئان احدهما ان ظاهر عبارة القاۤئل انّ النفس في تعلّقها الثانوي الاخروي بسببه تتعين الاجزاۤء و تتشخص تعيّناً ما تتأهّل به لتعلّق الرّوح بها و ثانيهما لو اريد من عبارته ما اشار اليه المصنف من ان المراد من عبارة القاۤئل ان الاجزاۤء اذا تألّفت و انتظمت علي نظم النشأة الاولي تكون معيّنة لكون النفس توجد لها دون غيرها من الاجزاۤء المألّفة و ذلك ليس بصحيح لان النفس انما هربَتْ عن البدن لفساده مرة اخري بفساد الاعضاۤء بعد فساد الروح و اقول ان اراد القاۤئل بكلامه في قوله و بهذا التعيّن ما ذكره المصنف فهو صحيح مطابق للواقع لان الاعضاۤء اذا انتظمت و اجتمعت علي النظم المتقن الموافق للنشأة الاولي كانت مقتضيةً لتعيّن النفس و تعلقها بها ثانيا كما تعلّقت به اوّلا عند الولادة الجسمانية الّا انّ القاۤئل لميقل و بهذا التعين تكون معيّنة بل قال و بهذا التعين تتعين الاجزاۤء و هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 530 *»
تعيّن عاۤئد الي نفسها لا انه تعيّن يرجع الي النفس .
قال } و ايضا من الذي جمع الاجزاۤء التي لا جامع لها الّا صور طبيعيّة او قوّة نفسانيّة تعلّقت بماۤدة طبيعيّة هي كالاصل ثم تضيف الاجزاۤء الغذاۤئيّة اليها بل التحقيق ان الحافظ للاجزاۤء و الجامع لاجزاۤء الغذاۤء للشخص انّما يكون نفس المواۤدّ علي حسب درجاتها و مقاماتها السابقة علي صيرورتها نفساً كاملةً و بالجملة النفس ابداً تعيّن البدن و اجزاۤءه لا البدن يعيّن النفس في شيء من المراتب فما اشدّ سخافة قولِ مَن جعل المواۤدّ الاخيرة و القشور الكثيفة الخارجة عن جهة الوحدة الاعتداليّة مما يدعو النفس الي التعلق بالبدن بالطبع { .
اقول الجامع للاجزاۤء بعد تفرّقها هي صور طبيعيّة اذا تفكّكت الاجزاۤء من الاعراض الحابسة لاجزاۤء الاجساد في اماكن التفريق و تخلّصَتْ من الموانع اجتمعت في قبره مستديرةً و بيان هذا بالعبارة الظاهرة ان الاجساد الثانية اعْني الّتي خلقت من عناصر هُورقليا هي الباقية و هي التي تعاد يوم القيمة و هي هذه الاجساد المحسوسة المرئيّة و هي ليس شيء منها من هذه العناصر و انّما هي لمّا نزلَتْ من الخزاۤئِن الي هذه الدار لحقتها اعراض و كثافات عارضة من هذه العناصر و ليست بجزءٍ من هذا الجسد و ان لحِقَتْه منها كدورة و هذه الاعراض الكدرة الاجنبيّة هي المانعة للاجساد من التشبّه بالمجردات فانّ اجساد اهل العصمة عليهم السلام لمّا طهرت من هذه الاعراض الكثيفة كانت مشابهة للنفوس فيصل احدهم اذا شاۤء من المشرق الي المغرب في لحظة و ما بين المشرق و المغرب خطوة مؤمنٍ فاذا مات الرجل من ساۤئر الناس و تفرقت اعضاۤؤه او اكلته الوحوش او حيتان البحر كان جسده الاصلي متفرِّقاً في بطون الحيوانات ما دامت اجزاۤؤه ممازجة للاعراض الاجنبيّة لانّها تحْبسها عن التشبه بالمجردات و الحيوانات تغتذي بتلك الاعراض و لاتغتذي بشيء من الاجساد الاصلية فاذا اضمحلّت جميع الاجزاۤء العرضيّة و تخلّصَتْ الاصليّة من الاعراض اجتمعتْ في قبره اي في الموضع الذي اخذت منه التربة التي مَاثَها الملَك في نُطفتَيْ ابويه و تكون فيه بعد ما كانت متفرّقةً مستديرةً اي منتظمة علي نظم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 531 *»
صورته الطَّبيعيّة التي ظهر بها في الوجود بان تجتمع اجزاۤء الرّأس مترتبة كما هي في الانسان و تحتها اجزاۤء الرقبة و تحتها اجزاۤء الصدر و تحتها اجزاۤء البطن و تحتها اجزاۤء الرجلين و انتظامها علي الترتيب الطبيعي لعدم المانع و الحاجب كما اري الله تعالي نبيّه ابراه۪يم عليه السلام كيفية اِحْياۤءِ الموتي و تلك الصور الطبيعيّة الجامعة لتلك الاجزاۤء المتفرقة هي مجاورة بعضها لبعضٍ في امكنة مبادي اكوانها و اوقاتها و مشاكلة بعضها لبعضٍ بامتزاجِ طبيعةٍ واحدة في كلّ متجاوِرَيْنِ بها تتعاطف و يَأتلف بعضها ببعضٍ و هذه الطّبيعة الواحدة الجامعة لكل متجاوريْنِ قوّة نفسانيّة ففي الاجزاۤء الجماديّة قوّة من نفس الجماد و في الاجزاۤء المعدنيّة قوّة من نفس المعدن و في الاجزاۤء النباتيّة قوّة من نفس النبات و في الاجزاۤء الطّبيعية قوّة من نفس الفلك و في اجزاۤء الصور كابعاض الخطوط و المقادير قوة من نفس المثال و في ذرات الهباۤء قوة من نفس الهباۤء و في قَطْر الطّبيعة قوة منْ نفس الطبيعة النورانية و في الجواهر النفسانيّة قوة من ذات النفس و في الرّقاۤئق الرّوحانية قوّة من ذات الروح و في المعاني العقليّة قوة من ذات العقل فكلّ ممكن له نفس و نفسه هي وجهه من علّته و قول المصنّف او قوّة نفسانيّة تعلّقت بمادة طبيعية يصحّ في بعض الاجزاۤء المجتمعة يريد به قوّة من النفس النّاطقة و هذه تجمع الجواهر النفسانية لا غير لان المراد بالقوّة الجامعة طبيعة المجتمع و هي قوّة وصفيّة بها يتحقّق كونه مثل ثقل الحجر فانّه ينزل به الي جهة السّفل و خفّة النّار تصعَد بها الي جهة العُلوّ و ليس المنزل للحجر و الصاعد بالنار قوّة من النّفس و بَيانُ ما ذكرنا ان اجزاۤء البدن تجتمع في القبر بطبيعتها القريبة و ينبت لحمُه بالقوّة النباتيّة حتّي يكون كيوم ماتَ في الدنيا و كل ذلك قبل اَن تلجه الروح و قبل ان تتّصل به قوّة نفسانية و بعد تمامه ينفخ اسرافيل في الصور و تلجه النفس و لميكن في البدن شيء من قواها قبل ان تلجه و قوله ثم تضيف الاجزاۤء الغذاۤئية اليها يعني ان القوّة النفسانيّة الجامعة تضيف الاجزاۤء الغذاۤئيّة الي الماۤدة الطبيعية التي تعلّقت بها تلك القوة و التحقيق
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 532 *»
ما قدمنا لك و قوله بل التحقيق ان الحافظ للاجزاۤء و الجامع لاجزاۤء الغِذَاء للشخص انما يكون نفس المواۤدّ علي حسب درجاتها و مقاماتها السابقة علي صيرورتها نفساً كاملة صحيح الي قوله و مقاماتها و امّا قوله السابقة علي صيرورتها نفساً كاملة فليس بصحيح و قد قدّمنا انّ الاجزاۤء العنصريّة لاتكون بنفسها نفسا ناطقة و ان الحركة الجوهريّة هنا باطلة فانها لاتكون بنفس الجوهر من غير صورته و لا بالصورة من غير مددٍ جديدٍ و اذا حَصَل له المدَدُ و قَبِلَهُ ترقّي بالحركة الجوهريّة في اعلي مراتب نوعه بنسبة قابليته للْمَدد و الاجزاۤء العنصريّة لاتكون جواهر ملكوتيّة و امّا اضافة الاجزاۤء الغذاۤئيّة فمن النفس النباتيّة لا غير فافهم و قوله و بالجملة النفس ابداً تعيّن البدن و اجزاۤءه لا البدن يعيّن النفس في شيء من المراتب ليس بشيء بل قد اشرنا الي بعض الكلمات سابقا تدلّ الفاهم علي شيء من احوال النشأة الاولي و بها تعرف النشأة الاخري كما لوّح سبحانه الي هذا في قوله و لقد علمتم النشأة الاولي فلولاتذكّرون ، و معني ما ذكرنا انّ في الكافي عن ابيعبدالله عليه السلام قال انّ في الجنّة لشجرة تسمّي المزن فاذا اراد الله ان يخلق مؤمناً اقطر منها قطرة فلاتصيب بقلةً و لا تمرة اكل منها مؤمن او كافر الّا اخرج اللّه تعالي من صلبه مؤمناً ه ، اقول و هذه القطرة هي النطفة و هي النفس الانسانية الناطقة فاذا اكل الرجل البقلة او التمرة التي في غيبها تلك النطفة من المزن تكوّنت من تلك التمرة نطفة المني و نطفة المزن في غيبها فاذا نزلت نطفة المني في الرحم و التقت بها نطفة المرأة كان من نطفة الرجل جزء ناري و جزء هواۤئي و كان من نطفة المرأة جزءانِ مائيّان و وضع الملك بين ما من الرجل و بين ما من المرأة جزءاً من ترابٍ من الموضع الذي يدفن فيه اذا مات اجراه باذن الله في حيضها الذي يكون به غذاۤء النطفتين فتكمّلت خمسة اجزاۤء طبخيّة ناري و هواۤئي و ترابي و مائيّان هي اربعة اجزاۤء طبيعيّة فحُمَّتِ المرأة لزيادة الحرارة لاجل تعفين النطفتَيْن فبِكَرِّ الافلاك
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 533 *»
بكواكبها و طرح اشعّتها و بحرارة الرحم من الحمّي و من الحرارة الغريزيّة طبخت تلك الاجزاۤء و تعفّنت و نعمت و تلطّفت فنشأت النفس النباتيّة الموصلة للاجزاۤء الغذاۤئيّة الي المواۤدّ الطبيعيّة العنصريّة هذا و النفس الانسانيّة في ملابسها الاربعة كما تقدّم في غيب النطفتين في النباتيّة فاذا تمت الاربعة الاشهر و تمت خلقة الجسم كانت الولادة الجسمانية و ظهر لباس النفس الرابع اعني النّفس الحسّيّة الحيوانية الفلكيّة من غيب المواۤدّ الجسمانيّة لان تمام آلٰاتها مقتضٍ لتنزّلها كما ان الجدار اذا بنيتَهُ من الحجارة و الطين الكثيفين كانت كثافته مقتضيةً لظهور اشراق نور الشمس عليه اذ لو كان الجدار لطيفاً كالهواۤء لماظهر اشراق نور الشمس عليه فاذا تمّت التسعة الاشهر كانت الولادة الدنياوية و ظهرت النفس الانسانية بملابسها لان بلوغ الٰالات و قوّة نضجها مقتضٍ لظهور اشراق انوار الملكوت عليها فالنفس متعيّنة بقوابل طبيعتها و البدن ببلوغه نحو ما سمعت مُعَيِّن لتعلّق النفس الانسانيّة به و ظهورها فيه بتوسّط ظهور ملابسها كما عيّن الجدار بواسطة كثافته تعلق نور الشمس به و ظهوره علي وجهه و ليس الامر كما توهمه المصنّف و لا علي نحو ما اراده ذلك القاۤئل و قول المصنّف فما اشدّ سخافةَ قولِ منْ جَعلَ المواۤدّ الاخيرة و القشور الكثيفة الخارجة عن جهة الاعتِداليّة مما يدعو النفس الي التعلق بالبدن بالطبع اقول عليه و كذا سخافة قول مَن انكر ذلك التعلق و هو يري انّ الداعي الي تعلّق نور الشمس بالجدار هو كثافته و لو كان لطيفاً كالهواۤء لَماتعلّق به الاشراق و السّر في تعلّقها بالطبع هو انّها جوهر مقداريّ يدرك ما في صقعه من الملكوت بنفسه فاذا اراد ادراك ما هو خارج عن صقعه منحطّ عن الملكوت الذي هو مقامه لايجده الّا في الاجسام لانها هي الجامعة للذوات ذوات الحدود و المقادير التي هي علي هيئة مقاديرها فجذبتها نسبة المشاكلة بواسطة الملابس الاربعة الطبيعة النورانية و الهباۤئية الجوهريّة و الصور المثاليّة الشبَحيّة و الحسيّة الحيوانية الفلكيّة فكما لمتكن الشمس داعية للجدار علي قبوله اشراقها وَ تعيّنه لها بل الجدار هو الداعي بكثافته لقبول اشراقها و المعيّن له
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 534 *»
كذلك لمتكن النفس داعيةً الي تأليفِ كثيفٍ لتتعلق به بل لمّا تألّف الكثيف علي هيئة و استعدادٍ بطبيعته التي خلق عليها كانت تلك الهيئة و الاستعداد الطبيعيّانِ مقتضيَيْن لتعين النفس له و تعلّقها به فافهم و تدبّر لتظهر لك سخافة القول في جانب مَن تكون .
قال } و هذا القاۤئل و امثاله من فضلاۤء الاعصار لفي غفلةٍ عريضةٍ عن احوال النفس و مقامٰاتها و درجاتها و كيفيّة انبعاث البدن عنها في العالمَيْنِ و الفرق بين الانبعاثينِ و مَن احكم هذه المتقدّمة و علم تقدّم النفس علي البدن يعلم ان هذا القاۤئل و امثاله عن تحقيق علم المعاد بُعَداۤءُ بمراحل و لعلّ هذا القاۤئل توهم ان البدن عند الموت بمنزلةِ خرابةٍ عاش فيها رجل ايّاماً كانت معمورة فهاجر عنها مدّة ثم اتفق له الرجوع اليها فاشتدّ اشتياقه اليها لتذكّر احواله السابقة و لذّاتها الماضية فيها فجعل يعتكف فيها ابدا مقصوراً عليها عن البلاد المعمورة و المساكن البهجة المتنزّهة و من ذاق المشرب الحكمي يعلم انّ هذه الهوسات و الخرافات لايمكن في الامور الطبيعية { .
اقول كيفيّة انبعاث البدن عنها مثل كيفيّة انبعاث العود الاخضر عن حبّة الحنطة و ظهورها من البدن كظهور حبّة الحنطة من العود الاخضر في السنبلة فان العود الاخضر و ان كان اصله الحبّة الّا انّه قشرها و طبيعة الحبّة و حقيقتها كامنة في غيب العود الي ان تكمل آلات الحبّة فاذا كملت الٰالٰات و تمّ الاستعداد ظهر ما كان منها بالقوّة بالفعل و ليس انّ العود تتكون منه الحبّة او من لطيف العود بالحركة الجوهريّة و انّما تتكون الحبّة من طبيعة الحبّة الاصلية التي كانت سارية في العَوْد فالعود لَيْسَت حقيقته من نفس الحبّة فكما انّ نور الشمس الواقع علي الجدار ليس من جرم الشمس و انما هو ظهورها الذي هو صفة فعليّة كذلك العود الاخضر ليس نفس الحبّة و انّما هو قشر الحبّة و ظاهرها و حامل طبيعتها و انْبِعَاث البدن من النفس كانبعاث العود الاخْضر من الحبّة و ظهور النفس من البدن بعد كمونِها فيه كظهور الحبّة بعد كمونها من العود و قوله في العالمَينِ و الفرق بين الانبعاثَيْنِ المراد بالعالمين عالم الدنيا و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 535 *»
عالم الاخرة و الفرق بين انبعاث البدَن عن النفس في الدنيا و انبعاثه عنها في الاخرة اما عندنا فلا فرق بين البدءِ و العَود كما قال تعالي كما بدءكم تعودون ، و امّا عنده فلانّه يذهب كما تقدّم انّها اي النفس في اوّل نشأتها جوهر جسماني ثم يتدرّج شيئا فشيئا في الاشتداد و هذا و امثاله من كلماته انّها في النشأة الاولي منبعثة عن البدن و في النشأة الاخري بالعكس و الحقّ ما قلنا بتساوي الانبعاث في العالمين لقوله تعالي و لقد علمتم النشأة الاولي فلولاتذكرون فحيث حثّهم علي الاستدلال علي النشأة الاخري بالنشأة الاولي و لقوله تعالي كما بَدأكم تعودون و ايضا مَنْ نظر بدليل الحكمة عرف انّ الحال في النّشأتين واحدةٌ و قوله يعلم ان هذا القاۤئل و امثاله عن تحقيق علم المعاد بُعَدَاۤءُ بمراحل صحيح في الجملة اذا اَرادَ به هذا النّمط الذي ذكره الّا انه ايضا في اكثر اموره كذلك و الاصل في هذا ان الباحث عن هذه الدّقاۤئق اذا كان جاريا في تحقيقه علي طريقة صاحب الشريعة صلي الله علي محمد و اله لايكاد يخرج عن سمت الطريق و ان اتّبع الٰاراۤء فلايكاد يصيب شيئاً من الحق انظر الي هذا الرجل اعني المصنف الفيْلسوف المتوغّل المحقّق فانّه لمّا كان استناد انظاره الي رأيه و الي ما يستحسنه من كلام الحكماۤء و الصوفيّة و لميسلك في هذه المسالك الوعرة المظلمة بمصباح هداة الخلق الي الحق صلي الله عليهم اجمعين قلّ ما يصيب الطريق الحقّ و قوله في تمثيله البدن بعد الموت او يوم القيمة بخرابة عاش فيها رجل ايّاما كانت معمورة كما كانت الابدان في الدنيا معمورة فهاجرت النفس عنها مدة الدنيا ثم اتّفق لها يوم البعث الرجوع الي البدن الخراب فاشتد اشتياقها اليه لتذكّر عمارته و لذّاتها الماضية فيه فجعلت تعتكف في البدن الخراب اَبداً يعني مدّة بقاۤئها في الاخرة فحبست ذاتها عليه و تركت البدن النوراني الاخروي الذي لميكن من نوع البدن الفاني ليس بصحيح لان البدن الدنيوي لميكسره صانعه عز و جل الّا ليصوغه الصيغة الّتي لاتحتمل الفساد كما قال ارسطوطاليس للرجل الدهري فانها مارجعت الي خرابٍ و انما رجعت الي منزلٍ معمور قد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 536 *»
احكم عمارته صانعه العليم الحكيم القاهر القادر لانها انما فارقته لخرابه في الدنيا بسبب ما فيه من الاعراض الضعيفة و الاغيار الكثيفة فلمّا صفّاه و خلّصه منها صاغه لها علي اكمل وجهٍ تشتهيه صيغةً محكمة تصلح للبقاۤء لانها لاتحتمل الفساد لان هذا البدن ليس من نوع الدنيا و انما هو من الاخرة فانزل في الدنيا دار التكليف ليأخذ منها متاعا لذلك السّفر الطويل فخرج منها كما دخل فيها و ليس فيما سمعت هوسات و لا خرافات و انما هي امور طبيعية حقيّة .
قال } و ثالثها انه يلزم اعادة المعدوم و قد علمتَ انه غير لازم و اُجيب في المشهور بانّ الماۤدة باقية و الاعضاۤء الاصليّة باقيةٌ و هذا فاسد لان المادة مبهمةٌ غاية الابهام و حقيقة كل شيء و تعيّنه بصورته لا بمادته كما مرّ { .
اقول الاشكال الثالث من الاشكالات التي اوردها منكروا حشر الاجساد هو انهم قالوا ان الاجساد من العناصر الاربعة و هي تبطل و تكون عدماً و لو قيل باعادتها لزم اعادة المعدوم و هو محال لان من عدمت هويّته لايصح الحكم عليه و الّا لميكن معدوماً و ايضا لو صح اعادة المعدوم صح اعادة مثله و لو اعيد معه مثله لزم عدم التمييز بينهما و هو محال و ايضا لو صح اعادة المعدوم بعينه صحّ اعادة الوقت الذي كان فيه في الابتداۤء لانه من مشخّصاته و يكون وقت اعادته وقت ابتداۤئه و اجاب مجوزوا اعادة المعدوم عن الاوّل بان قولكم لايصح الحكم عليه متناقض لان قولكم لايصح الحكم عليه ان كان غير صادق كان نقيضه و هو المعدوم يصح الحكم عليه صادقا فيثبت المطلوب و ان كان صادقا لزم صحة الحكم عليه لان قولكم لايصح الحكم عليه حكم عليه بانه لايصح الحكم عليه و عن الثاني بانا لانسلّم انه لو صح اعادته بعينه لصحّ اعادته مع مثله و انما يصدق ذلك لو امكن ان يكون له مثل مساوٍ من كل جهة و لكنه محال و لو سلمنا فلزوم عدم التمييز لم كان محالا بل لو كان بالنسبة الي عقولنا و اذهاننا لميكن محالاً في نفس الامر اذ لا دليل علي امتناعه و عن الثالث لانسلم لزوم اعادة وقت الابتداۤء للاكتفاۤء في التعيّن بوقت الاعادة كما لو كسرتَ خاتمك ثم صغته كالاول فانّك تكتفي بالوقت الثاني في التشخّصِ و بالصورة الثانية مع فناۤء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 537 *»
الاولي علي ان الوقتَ لو اعيد لكان في وقت فيكون للزمان زَمانٌ و قوله و اجيب في المشهور الخ ، يعني ان قول المشهور ليس بصحيح لقوله و اجيب لان البناۤء هنا للمفعول للتحقير اجابوا بانّ الماۤدة باقية و الاعضاۤء باجزاۤئها باقية فلمتكن معدومة لانّ الاعادة صدقها علي موجود الماۤدة اولي فلانحتاج الي الجواب عن لزوم اعادة المعدوم قال المصنف و هذا يعني جواب المشهور فاسد لان الماۤدة مبهمة غاية الابهام فلايتحقق بها من خصوص نفسها تعيّن و انّما التّعيّن للشيء و حقيقته بصورته لا بمادته كما مرّ اقول ليس في كلامه ردّ لاعتراض المنكرين و انّما هو ردّ لجواب المشهور و بقي الاشكال علي حاله لانه اذا ردّ جواب الاشكال قرّر الاشكال لكنه لمّا اتي بصورته و انّها معادة دار كلامه بين امرين احدهما احتمال ارادة اعادة نفس الصورة الاولي في الدنيا و انّها معدومة فيكون معارضاً للمنكرين بغير دليل اوْ انّها لمتعدم فيكون معارضا للمنكرين بعين ما عارض به المشهور للمنكرين و معارضا للمشهور بان المعاد انما هو الصورة لانها هي المشخّصة المعيّنة لا الماۤدة المبهمة و ثانيهما احتمال ارادة معارضة المشهور و لميتعرّض لمعارضة المنكرين اصلاً و انت خبير بانّه ذكر سابقاً ان المُعادَ من الانسان هو صورته اي ماهيّته التي بها هو لا بماۤدته بمعني انّ زيداً هو نفسه الناطقة مع ما انْضَمّ اليها من ايّ مادة كانت حتّي لو اخذت ماۤدة الحمار و صوّر منها صورة زيد فهي المعاد يعني الماۤدة الّتي تصوّر فيها صورة زيد يوم القيمة فتكون حقيقة العَود انما هو لنفسه و صورته و امّا ماۤدّته الدنياويّة فانها قد فنِيَتْ و اضمحلت و شبهة هؤلاۤء اَنَّ زيداً لوْ اكله عمروٌ و اغتذَي به حتي كان ما اكله من لحم زيدٍ جزءاً منه و حكمنا باعادة الماۤدة الدنْيويّة لماامكن اعادة زيد و عمروٍ معاً لانه اذا اعيد زيد نقص عمروٌ و اذا اُع۪يدَ عمرو نقص زيدٌ و قد دلّ الدليل علي اعادتهما معاً فيجب ان يكون المُعاد غير الماۤدّة وَ هُو الصورة و النفس لانّ النفس باقية لاتفني و الصورة تحفظها النفس في خيالها و هذه الشّبهة عجزوا عن حَلِّها لانّهم انّما يردّون امرهم الي اللّهِ و الي رسوله و الي اهل بيت رسوله صلي الله عليه و عليهم بالقول و اللفظ باَلْسنتِهم ما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 538 *»
ليس في قلوبهم و انّما في قلوبهم اعتمادهم علي افهامهم فلذا كان منهم ما سمعتَ و مثله لانهم انما اخذوا هذه العلوم من العاۤمّة و تتبّع كتبهم الاصوليّة من الكلام و الحكمة و تأمّل فيها يظهر لك صدق قولي و فكّ الشبهة هو انّ اجزاۤء بدن زيد الاصليّة التي تتعلق بها نفسه في الدنيا و الاخرة ليست من هذه الدنيا و انما هي من عناصر هُورقليا اهبطها اللّه عز و جل بحكمته الي هذه الدنيا التي هي دار التكليف فلحقتها من هذه الدار اعْراض غريبة اجنبيّة فاذا اكله عمرو اغتذي عمروٌ بالغريبة الاجنبيّة و امّا الاصليّة فلايغتذي بشيء منها و لايستحيل منها غذاۤءً بوجه من الوجوه لانّها ليست منْ هذا العَالم فلو اكلها الف حيوان و حرقَتْ مع ما تعلّق بها من الاعراض الغريبة في الدنيا بجميع النيران ماذهب منها قدر ذرّة و هي التي خلق منها اوّل مرّة و هيَ الطينة التي تبقي في قبره مستديرة و اضرب لك مثلها لو انّك اخذتَ مثقالاً من الذهب و مزجته بمثقال من النحاس حتي كانا سبيكة ثم وضعتها في النار ما شاۤء اللّه احترقت كل الاجزاۤء النحاسيّة و لمينقص مثقال الذهب قدر ذرّة و كذا لو بردتَ السّبيكة بالمبرد حتي جعلتها سحالة و القيت السحالة في الارض و بقيت في الارض مائة سنةٍ ثم صفّيت التّراب لمتجد من النحاس شيئا و وجدت اجزاۤء الذهب تامّة لمتنقص شيئا فكذلك طينة زيد الاصلية فانها اذا اكله الحيوان فانما يغتذي بالاعراض الدنياويّة التي نسمّيها بالجسد الاوّل لانه من هذه الدنيا و مثال ما يريد المصنّف من انّ البدن بَدن زيدٍ الدنيوي اذا مات فني و اضمحل و يوم القيمة انّما زيد المعاد نفسه بصورته في الدنيا و مادّته نورانيّة من الاخرة لا مادته الدنيويّة مثل ما اِذَا عملتَ صورة فرسٍ من النحاسِ ثم كسرتها ثم عملتَ تلك الفرس علي تلك الصورة بعينها من الذهب فان المصنف يقول هذه الثانية هي الاولي بعينها و ان اختلفت ماۤدّتها و المستفاد من فحوي كلام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ان الثانية ليست هي الاولي و لو انك عملتها من النحاس الذي هو ماۤدّتها في الحالة كانت الثانية هي الاولي في ذاتها و يصدق عليها من جهة الصورة انها غير الاولي لان الصورة بعينها ذهبت و اتيتَ بصورة مثلها كما قال تعالي كلما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 539 *»
نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، و المصنف يقول هذه الصورة الثانية هي بعينها الاولي حفظتها القوّة الخياليّة الداۤئمة الباقية فاختر لنَفْسِك ما يحلو و قوله لانّ المادة مبهمة غاية الابهام و حقيقة كل شيء و تعيّنه بصورته لا بماۤدّته فيه انّ الماۤدة لو كانت بدون الصورة كانت مبهمة بل كانت مجرّدة لانّها ماتنزل الي عالم الاجسام الّا اذا اقترنت بها الصورة و لكن ليست الّا انفعال الماۤدة بطبيعتها عند تعلق الفعْل بها لانّها هي قابليّة الماۤدّة للصنع و تعيّنها فالصورة في الحقيقة صفة للماۤدة و هيئة قبولها و حكاية مقتضي طبيعتها فالشيء له حقيقتان حقيقة من ربّه اي اثر فعل ربّه و هي المسماة بالوجود و بالفؤاد و بالنفس التي من عرفها فقد عرف ربّه و بالماۤدّة و بالنور اي نور الله الذي ينظر به المؤمن المتوسّم اي المتفرِّسُ كما دلّ عليه خبر الصادق عليه السلام المتقدّم الذي هو ان الله خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته و هذه الحقيقة هي المخلوقة اوّلاً و بالذاتِ و حقيقة منْ نفسه و هي المسمّاة بالماهيّة و هذه لايعرف بها ربّه لانها انيّته و بالصورة و بصبغ الرحمة في كون المؤمن و بصبغ الغضب في كون الكافر و هي مخلوقة ثانيا و بالعرض و المادة الموجودة في الانسان كزيد حصّة من النوع الانساني و هي مركّبة من ماۤدّة و صورة نوعيين كحصّة من الخشب تكون سريراً بالصورة الشخصيّة كما تكون تلك الحصّة زيداً بالصورة الشخصيّة فالحقيقة الثانية خلقت من نفس الحقيقة الاولي كما تفهم مِنْ خَلَقهُ فانخلقَ ان كنتَ تفهم فاذا كانت مخلوقة من نفس الماۤدّة كما ذكرناه سابقاً كانت الصورة الّتي يحشر فيها زيدٌ لاتخلو امّا ان تكون هي صورته التي هو بها هو في الدّنيا فيجب ان تكون مخلوقة من ماۤدّته الَّتي في الدنيا فلاتحشر في غيرها لان الصورة صفتها و انفعالها و الصفة لاتكون صفة لغير موصوفها و الّا لمتكن صفةً له و امّا ان تكون هي غيرها فان كانت مِنْ قالَبها فهي مخلوقة من نفس المادة الّتي خلِقَتْ منها الاُولَي فهي غير الاولي و لكن لاتكون في غير قالَبِها و لاتحشر في غير ماۤدّتها كما هو الواقع الكاۤئن لانّ قالَبَها هو المادة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 540 *»
الّتي خلقت الصورة من نفسِها و ان كانت من غير قالَبِها لمتكن صورةَ زَيْدٍ و قد تقدّم ان الماۤدة بصورتها التي خلقت منها هي المقتضية لتعلّق النفس بها لا العكس فكون الماۤدة مبهمة غاية الابهام لا معني له الّا اذا اريد بالماۤدّة الهيولي اي المادة الجنسية او النوعيّة لان الاصطلاح جري علي تسمية الاصل الصالح لتعلق جميع الصور به هيولي و علي ما تعلّقت به الصورة ماۤدة لعدم صلوحها حينئذٍ لغير صورتها فلو اراد به الهيولي فهي مبهمة حتّي تتعلق بها الصّورة فتتعين و لكن ليس مما نحن بصدده و فيما نحن بصدده يراد بالماۤدّة ما تعلّقت به الصورة و في هذه الحال لاتصلح فان قال انها بعد الموت تخلع الصورة حين كانت تراباً فتكون مبهمة قلنا اذا خلعت صورتها الظاهرة لَبِسَتْ صورتها الطبيعيّة التي اشار اليها الصادق عليه السلام بقوله تبقي طينته التي خلق منها في قبره مستديرةً و قد بيّنّا في ما سبق معني استدارتها فاشرب صافيا و دع عنك العيون الكدرة التي يُفْرِغ بعضها في بعض .
قال } و رابعها ان الاعادة لا لغرَضٍ عبثٌ لايليق بالحكيم و الغرض ان كان عاۤئدا اليه كان نقصاً له فيجبُ تنزيهه عن ذلك و ان كان عاۤئدا الي العباد فهو ان كان ا۪يلاماً فهو غير لاۤئق به و ان كان ايصال لذّة فاللّذات سيّما الحسّيّات انما هي دفع الٰامٍ كما بَيّنه الحكماۤء و الاطبّاۤء في كتبهم فيلزم ان يُؤلِمَهُ اوّلاً حتي يوصلَ اليه لذة حسّيّةً فهل يليق هذا بالحكيم مثل من يقطع عضواً ثم يضع عليه المراهم ليلتذّ و قوم اجابوا عن هذا بانّ الله لايُسئل عمّا يفعل و ليس لاحدٍ اَنْ يَعْترض علي مالكٍ فيما يفعل في ملكه { .
اقول هذا الاعتراض الرابع لمنكري حشر الاجساد و اجاب قوم بان اللّه لايُسئل عما يفعل و يرد علي الاعتراض ما هو جوابٌ كافٍ و ان كان يحصل غيره و هو انّا نقول بموجب انّ الاعادة لا لغرضٍ عبث لايليق بالحكيم و ان الغرضَ ان كان عائدا اليه كان نقصاً يَلزم منه احتياج الغني عز و جل و يجب تنزيهه عن ذلك و لكنّا نقول الاعادة لغرضٍ يعود الي العباد و ليس الغرض محض ايلامٍ خاۤصّة لان ذلك لايليق بالغني الحكيم الرؤف الرحيم بل الغرض امّا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 541 *»
لذّة عظيمة جليلة يلزم منها ايلام قليل حقير بالنسبة الي تلك اللّذّة فان نفوس العقلاۤء تتحمّل تلك الالام المنقطعة لطلب اللّذة الدّاۤئمة اذا كانت متوقّفةً علي تلك الالام و الحكماۤء و العلماۤء و الانبياۤء عليهم السلام يأمرون بها كالحجامة و الفصد و اسقاۤء الدّواۤء المرّ لطلب العافية و كالكي بالنار في المواضع الّتي تتوقّف السلامة عليه مثل من نكحه الفار المخصوص و هو ما نقل المؤرّخون ان في بعض الجزاۤئر نوعاً من الفار اذا كان وقت هيجانه للنكاح و رأي انساناً ضربه بقضيبه في ايّ موضعٍ كان من جَسده فان بادرَ ذلك الانسان الي موضع الضربة و كواه بالنار سلم و الّا بقي يظهر من ذلك الموضع كل يوم فارٌ يتولّد من لحمه حتي يفني جميع لحمه و يموت لا علاج له الا بالكي في الابتداۤء فهذا يأمره بالكي العاقل و العالم و الجاهل و الحكيم و تلتذّ نفسه بالم الكي المنقطع طلبا للسلامة و كقطع العضو لمن لدغته بنتطبق و هي حيّة صفراۤء قصيرة نقلوا ان السُّلَحفاة لها فرجانِ و لذكرِها ذَكَرانِ و انها تبيض مائة بيضةٍ تنشق منها تسع و تسعون بيضةً عن سلاحِفَ كامّها و بيضة منها تنشقّ عن حيّة صفراۤء قصيرة و من طبعها انها تغيب في الارض في كل اسبوع ستّةَ ايّام و تخرج علي وجه الارض في اليوم السابع فمن لدغته لا علاج له عن الموت الّا اَن يبادر و يقطع العضو الذي لدَغتْه فيه و الّا هلك فهو يبادر الي قطع يده مثلا و يطلبه و يلتذّ بالم القطع طلباً للحيوة و آلام التكليف و الموت و البعث و اهوال يوم القيمة من هذا القبيل اكثرها و اما ان تكون تلك الالام كفّارة لذنوب المكلّف الموجبة لدخول النّار في العذاب الداۤئم لانه لازم من لوازم الذنوب و امّا لرفع درجة المتألم فان عند الله درجات من النعيم يوم القيمة لاتنال الّا بالمكاره وَ ان لمتكن عن ذنوب و انّما تكون لشدّة التخليص و تطهير الطاهر زيادة لبياضه و نضارته و كل هذا لاحق بالاوّل و امّا بمقتضي العدلِ فانه تعالي خلقهم للسعادة التي هي مقتضي الفضل اذا سلك طريق السعادة و اَتيها من بابها و هو ما امر به الشارع عليه السلام و دلّ عليه و من لميسلك الطريق كما هُدِيَ اليه وقع في المهلكة التي هي مقتضي العدل و لميخلقهم لذلك اوّلاً و بالذات و انما خلقهم كما خلقهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 542 *»
للسعادة اوّلا و بالذات و انما خلقهم للشقاوة ثانيا و بالعرض و مثال الحالين مثال رجل اعمي اخذ بيده لهدايته رجل مبصر و الاعمي يعلم علي جهة القطع ان المبصر صادق امين ناصح لايغش و لايجهل و لايغفل كل ذلك علمه الاعمي علي جهة القطع و اليقين بتفهيم المبصر و تعليمه فاخذ بيد الاعمي يسير به في الطريق فمرّا علي بئر عميقٍ في الطريق و كانَا بمرءيً من قومٍ عند البئر فلما قربا من البئر جذبه المبصر عن البئر و قال امَامك بئر عميق مَن وقع فيه هلك فمِل معي لئلّاتقع في البئر فتهلك فلمّا احسّ الاعمي بالحاضرين عند البئر و انهم سمعوا كلامَ المبصر له اَنِفَتْ نفسه ان يكون تابعاً لغيره فاخذ يده من يد المبصر فوقع في البئر فهلك فاَيُّ تقصيرٍ من المبصر و ايّ عذرٍ للاعمي ليقال انّه كان سبباً لانفة نفس الاعمي لان الاعمي طلب من المبصر الناصح الامين العالم بمنافع الاعمي و مَضاۤرّه و قد تيقن الاعمي بذلك كله فلذلك طلب من المبصر ان يدلّه علي اهله و يوصله اليهم لينقلب الي اهله مسروراً كما اوصل شخصاً اخر الي اهله مسروراً فاعتبروا يا اولي الابصار و قولهم فاللذات سيّما الحسّيّات انما هي دفع آلامٍ غلط منهم فان العلماۤء و الاطبّاۤء انّما نبّهوا علي لذات الدنيا انّها دفع الٰام و لانها منقطعة مع انّ فيه كلاماً فان الالام المشار اليها بانّ لذّات الدُّنيا دفع لها لمتحصل للانسان الّا لفقد اللذات لانّها سابقة فاذا فقد اللّذة التي انما خلق عليها و بها تألّم فتجدّد العطيّة الذاهبة باعادتها فيندفع الالم فاللّذّة سابقة و الالم طارٍ لفقدانها و انما لمتجعل اللّذات في الدنيا قاۤرةً لانها اي الدنيا ليست دار قرار و لو قرّت لذّاتها لرَكَنتِ النفوس اليها فاعانهم علي ما فيه نجاتهم و ايصالهم الي اللذّات التي لاتحيط الاوهام بجلالتها و شرفها بكون لذّات الدنيا غير باقية لاهلها و ليست هي دفعاً لٰالامٍ سابقة عليها و قولهم فهل يليق هذا بالحكيم مثل من يقطع عضواً ثم يضع عليه المراهم ليلتذّ ليس بصحيح لان تمثيلهم غير مطابق و انما المثال المطابق كما مثّلنا ان بنتطَبَقٍ اذا لدغَتْه في ذلك العضو فان الحكيم الماهر الطالب لسلامة الملدوغ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 543 *»
يليق به اَن يقطع العضو ثم يضع عليه المراهم ليلتذّ بالسلامة و يرد علي جواب القوم المجيبين بانه تعالي لايسئل عما يفعل و لكنه انما لايسئل عما يفعل لانه تعالي عليم لايجهل و حكيم لايلهو و ذاكر لايسهو و نحن لانسئله عن فعله و لكنه اجري حكمته في جميع افعاله انه يبيّن لهم حكم الصنع و اتْقانِه۪ ليعرفوه باثار صنعه المحكم المتقن فنحنُ لانسئله لم فعلتَ كذا و لكن بعضنا يسئل بعضاً عن سرّ مصنوعاته الّتي تعرّف لنا بها و نسأله ان يفتح لنا باب الفهم و يفجّر لنا ينبوع الحكمة و العلم كما سئل نبينا محمد صلي الله عليه و اله ربّه فقال اللّهم اَرِني الاشياۤء كما هي و قال ربّ زدني علما و قال (ص) اللهم زدني فيك تحيّراً و كما سئل ابراهيم الخليل علي محمد و اله و عليه الصلوة و السلام ربّه فقال ربّ ارني كيف تحيي الموتي و لنا بهم عليهم السلام اسوة و ليس تفهّمنا لما اراد منا فهمه من اياته و اسرار صناۤئعه اعتراضاً عليه فجوابهم ليس في محله و لكن الواجب علي مَن جهل اَن يسئل و لايستنكف مِن السؤال مَن يطلب العلم و هو يسمع قول الله تعالي و مااوتيتم من العلم الّا قليلا و قال تعالي فسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون .
قال } و تحقيق الجواب علي وجه الحَلِّ انه قد ثبت في مباحث الغايات انّ لكلّ فعلٍ و حركةٍ غاية ذاتيّةٌ و ان لكلّ عملٍ جزاۤءً لازِماً و لكلّ امْرِءٍ ما نوي جزاۤء بما كانوا يكسبون و الٰهُ الدنيا و الاخرة واحد لا شريك له و لنتجد لسنّة الله تبديلاً و ليس فعله الخاۤص الّا الرحمة و العناية و ايصال كلِّ حقٍّ الي مستحقّه و انما المثوبات و العقوبات نتائج و ثمرات لفعل الحسنات و السيّئات و لذات الاخرة سواۤء كانت عقلية او حسّيّة ليست كلذّات الدنيا اموراً باطلةً كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمئان ماۤءً بل لذّاتٌ حقيقيّة واصلة الي جوهر النفس كما علمتَ { .
اقول قوله علي وجه الحَلِّ يعني حلّ الاشكال و هو كما قال عند القاۤئلين بقوله من انه تعالي فاعل بالعِنَاية و هو الّذي يتبع فعلُه علمَهُ بوجه الخير فيه لا نفس الامر و يكون علمه بوجهِ الخير كافياً لصدوره عنه من غير قصدٍ زاۤئدٍ علي العلم او انه فاعل بالرضي و هو الذي يكون علمه بذاته الذي هو عين ذاته سبباً
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 544 *»
لوجود الاشياۤء و نفس معلوميّة الاشياۤء له نفس وجودها عنه بلا اختلافٍ و اضافة عالميّته بالاشياۤء هي بعينه۪ اضافة فاعليّته لها بِلا تفاوت مبدءٍ و معادٍ ه ، فالعناية علي تفسيرهم يكون فعله تابعاً لعلمه بوجه الخير في الفعل و ان كان لٰا خير فيه في نفس الامر و ذلك العلم كافٍ في صدور الفعلِ من غير قصد زاۤئد علي العلم و يكون الفعل بالطّبيعة او بالقسرِ و الايجاب من غير اختيارٍ لان الفعل اذا كان تابعاً للعلم بوجه الخير في الفعل لا نفس الامر قد يكون لمصلحة الفاعل و ان كان فيه فساد المفعول او بالعكس لعدم اشتراط الخير في نفس الامر و بالايجاب من غير اختيار لعدم القصد الزاۤئد علي العلم و الفعل بالرضي ما يكون علم الفاعل بذاته الذي هو عين ذاته سبباً لوجود مفعوله و يلزم علي هذا انّ العلم سبب تاۤمّ لوجود الاشياۤء و احاطته بها علي السّواۤء فلايكون معلوم ليس بموجود فالّذي اثبته المصنّف في مباحث الغايات مبني علي كون الفاعل فاعلاً بالعناية او بالرضي و انّ الاشياۤء تجري الي غاياتها بمقتضي ذواتها و كذلك الحركات و الافعال لا اَنّ لها مُغَايياً يوصل كل منها الي غايته و انه جعل لكلّ شيء حدّاً محدوداً و امداً ممدوداً و اللازم مما ذكره المصنّف انه تعالي لميحشر الخلق للجزاۤء و انّما الاشياۤء تسير الي ما اقتضته ذواتها من الغايات و ليس ذلك بصنعِ صانع و لا بتقديرِ مقدّر و حينئذٍ يكون جوابه مقرّراً لنوع الاشكال لا انّه راۤدّ له اذ معني كلام المعترض ان اعادة الاجساد عبث لعدم الفائدة و كلام المصنّف معناه انّ للاشياۤء غايات ذاتيّة فكل شيء يطلب غايته فيكون جوابه و ان كان وقع شيء ينافي الحكمة من الفاعل الّا انّ الاشياۤء تسير بطباۤئعها الي غاياتها من الثواب و العقاب و الطبيعة لاتغلط فاذا سلّم المعترض سير الاشياۤء بطباۤئعها الي غاياتها لايلزم ان يكون ذلك بفعل فاعلٍ و لا ان ذلك اعادة لانّها اذا ذهبت لو كانت ساۤئرة بطباۤئِعها لمترجع الي عودٍ لان رجوعها الي عود خلاف ذهابها بطباۤئعها و فناۤؤها في الدنيا ان كان بطبيعتها فهو سَيْر الي غايتها و ان كان عَنْ قسرٍ علي خلاف طبيعتها فما المانع منه في العود ان يكون كذلك فكلّ هذه الفروض و ما اشبهَهَا تنافي الصُّنْع بالعناية كما سمعتَ من معني فعل الفاعل بالعناية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 545 *»
و قوله و ان لكل عمل جزاۤء لازِماً ان اريد به انّ الجزاۤء لازم لانّه غاية ذاتيّة للعمل كان من الاوّل اعني سير الاشياۤء بطباۤئعها الي غاياتِها و ان اُرِيْدَ انّه لازم في الحكمة علي الفاعل المعيد فحقّ و لكنه ينافي كون الصنع بالعناية و قوله صلّي الله عليه و اله و لكل امرئٍ ما نوي و قوله تعالي جزاۤء بما كانوا يعملون منافٍ لكون الصنع بالعناية و كل هذا غير مطابق لحلّ الاشكال و اين هذه المعاني من مُراد المعترض بل ربّما تكون مقرِّرةً للاعتراض كما مر لان المعترض يقرّر انّ العود منافٍ لفعل الحكيم و المصنف يقرّر انه يفعل بالعناية بان يكون فعله تابعاً لعلمه بوجه الخير في الفعل لا في نفس الامر حتّي لو كان الخير في الفعل بان يتشفّي المالك من عبده و انْ كان فيه هلاك عبده فكيف يكون هذا جواباً لمن يقول ان هذا الفعل من المالك اذا لميكن فيه نفع العبد ماحسن من المالك لانه عبث او نقص او كيف يكون جوابه انّ فعل المالك له غاية ذاتية يعني طبيعة يستقرّ عليها و يؤل اليها و قوله وَ اِلهُ الدنيا و الاخرة واحد لا شريك له و لنتجد لسنة اللّه تبديلاً يشير به الي ان فعله تعالي علي نمطٍ واحد لايختلف في الدنيا و الاخرة و يستشهد به علي ما ذكر سابقاً و يذكر و لو اراد انّ لكلّ شيءٍ غايةً ذاتيّةً و انّ اللّه تعالي يجري فعله في الاشياۤء علي قوابلها لانه هو اعطاۤءُ كلِّ ذي حقٍّ حَقّه لكان صحيحاً و ان لميكن جواباً للاعتراضِ و امّا الاستشهاد بالاية و الحديث فهو موقوف علي تسليم الخصم لخصمه حكم احدي النشأتين ليسوّي بينهما بدليل الاية و نحن لانسلم للمصنف ان الفاعل فاعل بالعناية لما سمعتَ مما يلزم من ذلك من المفاسد و المصنف لايسلّم لنا ان الفاعل فاعل بالقصد لظنِّه۪ انا نريد به التفات الفاعل و توجهه الي المفعول لايجاده فيلزم تغيّر احوال القديم الموجبة للحدوث لان من اختلفت احواله حادث و هو الذي فهم مِن قصْدِ الحقِ تعالي و هو كما قال في حق القاۤئلين بانّه فاعل بالقصد لانهم لايفهمون مِن معناه الّا تَوجّه الفاعل الي ايجاد المفعول و التفاته اليه و لا شكّ انه علي المعني يلزم منه كلّ قالَهُ المصنّف و زيادة و لكنّا نقول انه تعالي فاعل بالقصد و لانريد بالقصد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 546 *»
الّا المشيّة و الارادة و لانريد بالمشية و الارادة الّا الفعل و الايجاد لا غير ذلك لانا نعتقد انه ليس للّه مشيّة و ارادة الّا الفعل لا غير ذٰلِك كما هو دين موالينا محمد و اهل بيته الطاهرين صلّي اللّه عليه و عليهم اجمعين روي الصدوق في كتابه التوحيد بسنده الي الرضا عليه السلام قال المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان اللّه لميزل مريداً شاۤئياً فليس بموحّدٍ ه ، و قد اجمعوا عليهم السلام انه ليس للّه مشيّة و لا ارادة الّا فعله و ان العلم غير الارادة تقول افعل ذلك ان شاۤء الله و لاتقول ان علم اللّه و يكون مرادنا انه تعالي فاعل بالقصد انّه يشاۤء الشيء اي يفعله لانّ الشيء لميكن مذكورا بالايجاد قبل المشية و ان كان مذكوراً في العلم و لذلك قال الرضا عليه السلام ليونس بن عبدالرحمن تعلم ما المشية قال لا قال المشية هي الذكر الاول تعلم ما الارادة قال لا قال العزيمة علي ما يشاۤء الحديث ، و لانريد بالقصد انه تعالي اذا اراد فعل شيء توجّه اليه و التفت نحوه كما هو حال الحوادث في مقاصدهم لانه عز و جل لايعزب عنه شيء و لايتجدّد عنده حال لميكن له باحداث ما احدث و لا غاب شيء عن مكانه و وقته عنده فاذا اراد احداثه عند نفس الشيء و عند غيره اوجده في وقت وجوده و مكان حدوده و هذه الارادة هي احداثه من غير تصوّر مغايرة بين الارادة و الاحداث لا في الوجود و لا في المفهوم و الارادَة التي مفهومها و معناها غير الفعل و الاحداث فالله سبحانه بريۤء منها و منزّهٌ عنها في مرتبة الذات و في مرتبة الصفات و في مرتبة الاسماۤء و في مرتبة الافعال و نريد باذَا في قولنا اذا اراد امراً ان يقول له كن فيكون وقت تعلّق الفعل بالمفعول و هو وقت ايجاد المفعول و تكوينه و قوله له كن هو عين فعله و صنعه له فظهر وجوده اي مادته بكن و ماهيته اي صورته بيكون لان يكون صورة القبول و هو سبحانه لميكُنْ فاقداً قبل الخلق لشيءٍ و لا وَاجداً لشيء بعْدَ الخلقِ لميكن واجداً له قبل الخلق بل حاله في كلّ شيء حالٌ واحد لايحتمل الزيادة و النقصان و علمه تعالي بالاشياۤء علي اقسام اعلاه علمه بها عين ايجاده لها و له تعالي علم بوجوداتها هو نفس تلك الوجودات و له علم بماهيّاتها هو نفس تلك الماهيات و له علم باحوالها هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 547 *»
نفس تلك الاحوال و له علم بوجوهها و وجوه صفاتها هو نفس تلك الوجوه و هي العلل القاۤئمة في الكتب الالهية و له علم باشباحها و اشباح اشباحها و هي العلوم الانطباعيّة و هي نفس تلك الاشباح فلايعزب عنه علم شيء و هو بكل شيء عليم فذاته تعالي علم بحت و لا معلوم فكان في الازل عالما بها في الحدث في اماكنها و اوقاتها و ايّاك اَن تقول انه تعالي عالم بها في الازل لانها ليست في الازل و انما هو تعالي عالم في الازل بها في الامكان في اماكنها و اوقاتها فلايفقد شيئا منها في ملكه و لايجد شيئا منها في ذاته و كما لميفقد شيئا منها في ملكه لايفقد شيئا ممّا يُناط بها في ملكه من علم او ذكر او نسبة او امكانٍ و كما لايجد شيئا منها في ذاته لايجد في ذاته شيئا مما يُنَاط بها من علم او ذكر او نسبة او امكانٍ لان ذاته المقدّسةَ تقدسَتْ عن الحوادث و عما ينسب الي الحوادث و علمه بها اشراقي لايعزب عنه شيء في الارض و لا في السماۤء و كيف لايعلم كل شيء منها و كل شيء انّما هو شيء بفِعلِه۪ الايعلم من خلق و هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام في خطبته يوم الغدير و الجمعة كما رواه الشيخ في مصباحالمتهجّد و هو قوله عليه السلام و هو منشئ الشيء حين لا شيء اذ كان الشيء من مشيّته ه ، و انما ذكرتُ هذا الكلام استطراداً للمعني المراد الحقّ من العناية لا لمراد المصنف من العناية حيث فسّرها هو و اتباعه بكون الفعل تابعاً للعلم بوجه الخير لا نفس الامر و ذلك العلم بوجه الخير كافٍ لصدور الشيء عنه من غير قصدٍ زاۤئدٍ علي العلم فانه يعني بهذا العلم الازليّ و انه هو المتعلق بالاشياۤء و ان اختلفوا في مَعْني التعلّق و قوله و ايصال كلّ حقٍ الي مستحقّه يريد به كون الشيء مستحقّاً لما علمه بالعلم الذي هو ذاته تعالي انّه حقّ لذلك الشيء و هذا المعني هو ما فهموه من معني العناية و هو المطابق لافهامهم و امّا المطابق لما في نفس الامر هو انّ الاستحقاق بمقتضي قابليّة الشيء لفعل الفاعل الذي هو علم اللّه الاشراقي بايجاد الشيء و بما يقتضيه بقابليته للايجاد لكن المصنف لايقول بهذا و قوله و انما المثوبات و العقوبات نتائج و ثمرات لفعل الحسنات و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 548 *»
السيئات اذا اريد من كونها نتاۤئج ان الاعمال صور المثوبات و العقوبات علي نحو ما اشرنا اليه سابقا لا انّها صور خياليّة للعاملين كما هو رأي المصنّف تبعاً لمَنْ قولهم قول منكري المَعاد الجسْمَاني وَ قَدْ تواتَر من الخاۤصّة و العاۤمة معني انّ رسول اللّه صلّي اللّٰه عليه و اله لَيْلةَ المِعْرَاج دَخَلَ الجنّة و النّار فَرأي ما فيهما منْ انْواع النّعيم وَ انواع العذابِ الاليم و اخبر بذلِك و هو الصّٰادق النّاطق عن اللّه تعالي فكونها نتاۤئج و ثمرات للاعمال انما هو علي نحو ما مثّلنا من الفواكه في السوق كما تقدّم فانها تصوّر بصورة العمل كما تصوّر الفاكهة التي في السّوق بصورةِ مُلكيّتك اذا ادّيْتَ ثمنَها و قوله وَ لذّاتُ الاخرة سواۤء كَانَتْ عقليّةً او حسّيّةً ليْسَت كَلَذّاتِ الدّنيا اُموراً باطلةً كسَرابٍ بقيعة يحسبه الظَّمْآنُ ماۤءً ليس بمستقيمٍ عَلَي ما ينبغي و انْ كَانَ مُلَايِماً في الظاهر لانّ قوله انّ لَذات الدّنيا امورٌ باطِلةٌ ليس بصحيح لانّ لذّاتِ الدنيا امور صحيحة و نعم جليلة متّع اللّه بها عبادَهُ في الدنيا ليشكروا نعمه و لتكون دليلاً علي لذّات الاخرة و ليختبرَ بها المكلّفين و اسباباً لدوام النظام كما في لذّة النكاحِ و الطعام و الشراب و هي من نعم اللّه الجليلة و الٰاۤئه الجميلة نعم هي بالنسبة الي لذات الاخرة حقيرة قليلة لانها متقضّيَة و ضعيفة فان نسبتها الي لذاتِ الاخرة جزء من اربعةالٰافِ جزءٍ و تسعمائة جزءٍ لان نسبتها الي لذات البرزخ نسبة الواحد الي السبعين و نسبة لذات البرزخ الي لذات الاخرة نسبة الواحد الي السّبعين و الحاصل هو نسبة لذات الدنيا الي لذات الاخرة و كون لذات الدنيا كالسراب انما هو باعتبار تَقَضّ۪يها و قلّتها لا انها باطلة كما توهّم مَن قال انها دفع آلٰامٍ و قوله بل لذّات حقيقيّة واصلة الي جوهرِ النفس كما علمت صحيح انها لذّات حقيقيّة و لكنها لايَصل الي جوهر النفس منها الّا اللّذّات النفسانية خاۤصة اذ العقليّة تصل الي العقل و الجسمانية تصل الي الجسم .
قال } و خامسها انه اذا صار انسان معيَّن غذاۤء بتمامه لانسانٍ آخر فالمحشور لايكون الّا احدهما ثم لو فرض الٰاكلُ كافراً و المأكول مؤمنا يلزم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 549 *»
امّا تعذيب المؤمن او تنعيم الكافر او كون الٰاكلِ كافرا معذّباً و المأكول مؤمنا منعّما مع كونهما جسما واحداً و الجواب الحق يعلم بسند ما اسلفناه و لبعض الناس كلمات عجيبة في هذا المقام حرام علي كل عاقل طالبٍ الاشتغالُ بامثالها بعد عدم الاستبصار بانوار الايمان عن مجرد التقليد لصاحب الشريعة و الاكتفاۤء بدين العجائز الذي فيه ضرب من النجاة { .
اقول خامس الاعتراضات انّه لو اكل شخص شخصاً حتّي كان المأكول غذاۤء للٰاكل و جزءاً من بدنه فالمحشور لايكون الّا احدهما و الجواب علي قولهم انّهما يحشرانِ معاً و الجزء الذي كان غذاۤءً هو اَصْليّ من المأكول و فاضل من الٰاكل فردّه الي المأكول لانه اصله اولي من ردّه الي الٰاكِل لانه فاضل فيه لان الٰاكِلَ كان شخصا تاۤمّا قبل الاكْل فيعاد باصله من دون ما عرض له فيُعادَا معاً و علي قولِنا كما مرّ ان الشخص بحقيقته و طينته الاصلية نزل بتمامه من عالم هُورقليا و هو عالم البرزخ الذي فيه جنان الدنيا و نيران الدنيا و فيه جنّة ابينا ادم عليه السلام و جميع من كان من ذرّيّة ادم عليه السلام فجسده خلق من عناصر هذا العالم اعني عالم هورقليا و عالم البرزخ فلما نزل الي هذه الدنيا لحِقَتْه اعراض عَرضَتْ له من دار الدنيا و بها كانت الاجساد كثيفة و ثقيلةً و محجوبة فاذا اكله شخص اخر اغتذي الٰاكِلُ بتلك العوارض لانّ الاجزاۤء الاصليّة هي الشخص المأكول و هذه العوارض في الاصلية كالوسخ في الثوب فان الثوب اذا لحقه الوسخ و غسل رجع الي اصله من غير ان يذهب منه شيء و انما ذهبَ الوسخ العارض و الاجزاۤء الاصلية لاتتسلّط عليها المعدة و لاتهضمها القوة الهاضمة بل لو حرقَ في نار هذه الدنيا الف مرّة لمتحترق منها ذرّة و لمتتسلّط عليها النار فلميكن شيء من المأكول جزءاً من الٰاكِلِ فهما يعادانِ معاً و قول المعترض ثم لو فرض الٰاكِل كافرا و المأكول مؤمنا يلزم امّا تعذيب المؤمن او تنعيم الكافر جوابه لو لمنقل بما سمعتَ لانا اذا قلنا به بطل اصل كلامه فيبطل تفريعه عليه نقول انّ الله سبحانه اشار الي هذا و نحوه بقوله يخرج الحيّ من الميت و يخرج الميتَ من الحيّ فيخرج كلّ ما للمؤمن من الكافر و يحشرهما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 550 *»
اليه جميعاً و مثله اشار بل صرّح في كتابه في الردّ علي من انكر الحشر متمسّكا بانهم يكونون ترابا من جملة الارض فقالوا اءذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد فقال في جوابهم و ردّ كلامهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ فيعذّب الكافِرَ و ينعّم المؤمن لانه يفرّق بينهما فلايلحق المؤمن شيء من التعذيب اذ لميبق في الكافر المعذّب منه شيء و لايلحق الكافر شيء من التنعيم كذلك لانهما لميكونا جسما واحداً بل جسمين و قول المصنّف و الحقّ يعلم الخ ، يشير به الي ما تقدّم من ان كل شيء يسير الي غايَتِه۪ و قوله و الاكتفاۤء بدين العجاۤئز الذي فيه ضرب من النجاة صحيح في حقّ دين العجايز و يا ليته دان بدينهِنّ و لميكن قال بان المعاد انما هو الشخص بصورته لا بمادته و ان كلماتِ البعض التي عجب منها و ان كانت قشريّة و هم اصحاب الكلام احسن استقامةً من كلماته لانهم قلّدوا صاحب الشريعة عليه السلام و هو قلّد الحكماۤء لا حول و لا قوّة الّا بالله العلي العظيم .
قال } و سادسها ان جرم الارض مقدار ممسوح بالفراسخ و الاميال و عدد النفوس غير متناهٍ فلايفي جرمها بحصول الابدان الغير المتناهية و الجواب كما علمتَ من الاصول ثم بعد تسليم ما ذكره ان الهيولي قوّة قابلةٌ لا مقدارَ لها في ذاتها و يمكن لها مقادير و انقسامات غير متناهية و اعدادٌ كذلك و لو متعاقبةٌ و زمان الاخرة ليس كزمان الدّنيا فانّ يوماً واحداً منها كخمسينالف سنة من ايّام الدنيا و انّ هذه الارض ليست محشورة علي هذه الصفة و انما المحشورة صورة هذه الارض اذا مدّت و القت ما فيها و تخلّت و اذنت لربّها و حقّت و هي تسَعُ الابدان كلّها كما دلّ عليه قوله تعالي قل انّ الاولين و الاخرين لمجموعون الي ميقات يوم معلوم في جواب من قال ائنّا لمبعوثون اوَ آباۤؤنا الاوّلون { .
اقول هذا الاعتراض السّادس لمنكري حشر الاجساد و هو انّ جرم الارض و هو مجموع كرتها مقدار محصور ممسوح بالفراسخ و الاميال و لا شكّ في كونها محصورةً و عدد النفوس غير متناهٍ و هي و ان كانت لا تزاحم بينها الّا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 551 *»
انّ لكلِ نفسٍ بَدناً فتكون الابدان غير متناهية فلايفي جرمها المتناهي بالابدان الغير المتناهية و جواب اعتراضهم هذا انّ النفوس المحشورة متناهية ذوات الاَبْدان متناهية و الارض اعظم منها و اوسع و انما يحشرون في صعيدٍ واحدٍ منها كيف و قد اخبر الله سبحانه في كتابه في قوله لخلق السموات و الارض اكبر من خلق الناس و ليس المراد بذلك المجموع بل كلّ واحدٍ اكبر من خلق الناس علي انّ احوال الاخرة ليست كاحوال الدنيا لان الابدان في الدنيا منعَتْها الاعراض و كثّفَتْها الغراۤئب فعظم بينها التزاحم بخلاف الاخرة فان الابدان بعد تَصْفيتِها و مفارقتها للاعراض و الغراۤئب كانت كالمجرّدات مع ما هي عليه من الثقل و الصحّة و الثخن خفيفة لطيفة جامعة لصفتي الماۤدّي و المجرّد فلا تزاحم بينها كما كان بينها في الدنيا اذ الموجب للتزاحم بينها الذنوب التي هي الغراۤئب و قد قدّمنا بعض الاشارة الي ذلك و نحن لانريد بهذا انّها ليست باجسام ماۤدّية بل هي اجسام ماۤدّية مؤلفة مركّبة من الطباۤئع الاربع و العناصر الاربعة الّا انها من طبائع و عناصر غير هذه الطبايع و العناصر الدنيويّة و هي الأن في الدنيا كذلك الّا انّها مزجتها عناصر هذه الدنيا و طبائعها فلمّا تخلّصَتْ منها في القبور خرجت صافيةً نقيّةً فهي مع جِسْمِيّتِها لا تزاحم فيها بمعني انّ الجسم الواحد منها اذا شاۤء ملأ البيت و اذا شاۤء مرّ من سمّ الخياط فهي كاجسام الملاۤئكة حال تجسُّدِها و قول المصنّف و الجواب كما علمتَ من الاصول يشير به الي ما ذكره في الاصول السبعة المتقدّمة من ان اجساد الاخرة نورانية ليست هي التي في الدّنيا و انّما هي من باب النيّات و الاعتقادات لانها في الاصل صور خياليّة اشتدّت و قويت و ترقّت بالحركة الجوهرية حتّي كانت ملكاتٍ نفسانيّة و النفوس علي مقتضي معني كلامه و ان كانَتْ غير متناهيةٍ الّا انها لكونها منخلعةً عن الصّفات الجسمانيّة لايقع فيها تزاحم اذ التزاحم من صفات الاجسام الماۤدّية و لوازمها اقول و قد تقدّم علي نقض كلامه كلّه و ان الجنّة و ما فيها من القصور و الحور و الولدان ليست اموراً عقليّة كما يشير اليه كلامه بل هي جسميّة حسّيّة في عالم الزمان و المكان و الاجسام لا دهريّة محضة بدليل بقاۤئها فانها جسمانية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 552 *»
زمانية نعم لمّا كان تركيب تلك الاجسام بعد كمال تخليصها و صفاۤئها عن العوارض و الغراۤئب تركيبَ بقاۤءٍ و دوامٍ اتّحدت مجرّداتها بماۤدياتها و دهرها بزمانها كما هو مقتضي ما يستحقّ البقاۤء باتّحادِه۪ فلكونِ اجزاۤئه المتباينة في الصورة متّحدة في الكنه ظهرت فيها طبيعة الوحدة الحقيقيّة بامداد الوحدة الحقّيّة سبحان المنعم المتفضّل و قوله ثم بعد تسليم ما ذكره ان الهيولي قوّة قابلةٌ لا مقدار لها في ذاتها و يمكن لها مقادير و انقساماتٌ غير متناهيةٍ و اعداد كذلك و لو متعاقبة يشير به الي انه كما ان النفوس غير متناهية و ابدانها تبعاً لها كذلك اي غير متناهية كذلك الهيولي يعني بها اصل الاجسام قبل تعلّق الصور بها فانها قوّة قابلة و يعني بهذا ان اصل الاجسام قوّة نفسانية بناۤء علي اصوله لا مقدار لها في ذاتها لانها كالماۤء الذاۤئب الّا انّها يمكن لها مقادير و انقساماتٌ غيرُ متناهية لانها تقبل كل صورةٍ و لهذا يعبّر عنها بالماۤء و لها ايضا اعداد غيرُ متناهيةٍ باعتبارِ ما يمكن لها من الصور و لو متعاقبة يريد ان الارض باعتبار كونها هيولي تكون لذاتها غير متناهية فبهذا اللحاظ تسعُ الابدان كلها و فيه علي ما يفهم من اشارته انّ هيولي الارضِ تحشر يوم القيمة ليصحّ انها تكون غير متناهية فيكون نقضا للاعتراض مع انّه لايري اعادة المواۤد و انما تعاد الصور لكنه لو قرّر هنا اعادة الارض بخصوص الصورة لكان المعترض يغلب عليه و يقول ان الصورة متناهية فلايسع المتناهي غير المتناهي فذكر الهيولي اما لخوف الالزام في الحجة او مجاراة للمعترض لان المعترض انما يعترض بالاجسام الماۤديّة و لايثبت النورانية المجردة كما يقول المصنف لانه لاينكر ما يذهب اليه المصنف اذ هو قاۤئل باعادة النفوس فان الفلاسفة و جمعاً من المسلمين و النصاري قاۤئلون ان المعاد ليس الّا للنفس الناطقة نقله في المفصل شرح المحصل لفخرالدين الرازي و هذه الاعتراضات من هؤلاۤء و فحوي كلام المصنف و صريحه ان المعاد هو النفس و الصّورة و امّا المواۤد فانها فانية باۤئرة لاتعود و انما الانسٰان بصورته و نفسه لا بماۤدته و بعد هذا بلا فصلٍ حكم بان المحشورة صورة الارض و الصورة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 553 *»
متناهية و لكن لايسعه الردّ للمعارض الّا بالهيولي و الهيولي هي المواۤدّ قبل تعلّق الصور بها و قوله و زمان الاخرة ليس كزمان الدنيا انما قال و زمان الاخرة مع ان كلّ ما فيها من عالم الملكوت عنده و ليس فيْها شيء من عالم الملك و عالم الملكوت وقته الدهر لا الزمان لانه يري انّ كل ما سوي الله سبحانه من جميع الخلق في الزمان لميتقدّم علي الزمٰان الا الله عز و جل و ينبغي علي قوله تَسَاوِي وقت النشأتين لان الزمان المعروف ظرف عنده لجميع عالم الغيب و الشهادة و قوله فانّ يوماً واحداً منها كخمسينالف سنة يعني من ايام الاخرة فاذا كان زمانها في هذا المقدار تكون ارضها بنسبة زمانها فتسع جميع الابدان و اعلم ان الروايات مختلفة في مقدار اوقات الاخرة ففي الكتاب المجيد و ان يوما عند ربّك كالف سنة مما تعدون و فيه في يوم كان مقداره خمسينالف سنة فاصبر صبراً جميلا و ورد عنهم عليهم السلام الجمع بين الايتين ان في القيمة او علي الصراط خمسين موقفا يقف الناس في كل موقف الف سنة و في بعض الروايات لماقف علي سندها من طرقنا ان السنة من سني الاخرة ثمانون شهراً كل شهر ثمانون جمعةً كل جمعةٍ ثمانون يوما كل يوم ثمانون ساعةً كل ساعةٍ كالف سنة ممّا تعدّون و عن النبي صلّي اللّه عليه و اله لايخرج احد من النار حتّي يمكث فيها احقابا و الحقب بضع و ستون سنة و السنة ثلثمائة و ستون يوماً كل يوم كالف سنة مما تعدّون فلايتّكِلنّ احد علي ان يخْرج من النار ه ، و يريد المصنّف انه كما انّ زمان الاخرة واسِعٌ طويلٌ ليس كزمان الدنيا في القِصَر و الضيق كذلك مكان الاخرة يكون واسعاً طويلا عريضاً ليس كمكان الدنيا و قوله و انّ هذه الارض ليست محشورةً علي هذه الصفة و انما المحشورة صورة هذه الارض اذا مُدَّت و القت ما فيها و تخلّت و اذنَتْ لربّها و حقّت صرّح فيه بمذهبه و هو انّ الماۤدة الدنيوية مضمحلّة و المعاد انّما هو صورة الشخص لا ماۤدّته و الصورة لاتمدّ و انّما تمدّ الماۤدّة و حيث انه يري انّ الماۤدّة الدنيويّة اضمحلّت حكم بان الصورة المعادة تكون في ماۤدّة نورانيّة من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 554 *»
نوع الاخرة تصلح للبقاۤءِ لانّها مجرّدة بخلاف الماۤدة الدّنيويّة و انتَ خبيرٌ بما فيه ممّا ذكرنا سَابقاً و قوله و هي تسَعُ الابدان كلّها كما دلّ عليه قوله تعالي قل انّ الاوّلين و الاخرين لمجموعون الي اخره و هذا ظاهر لا اشكالَ فيه .
قال } السَّابعة ان المعلوم من الكتاب و السنة انّ الجنّة و النّار مخلوقتان اليوم فلمّا كانتا جسمانيّتين يلزم من ذلك امّا تداخل الاجسام او عدم كون محدّد الجهات محدِّداً لها و الجواب قد مرّ مستقصيً من انّهما في داخل حجب السَّموات و الارض و امّا الّذين لايأتون البيوت من ابوابها فيجيبون عن الاشكال تارة بنفي كون الجنّة و النار مخلوقتين بعدُ و تارة بتجويز الخلاۤء و تارة بِاِنْفاق النفق محركة الطريق و السرداب ، ١٢ .
السموات بقدر ما يسعها و تارة بتجويز التّداخل بين الاجسام و ليتهم اعترفوا بالعجز و اكتفوا بالتقليد و قالوا لاندري اللّه و رسوله اعلم { .
اقول هذا الاعتراض السابع لمنكري حشر الاجساد و تقريره انّ المعلوم من الكتاب و السّنة انّ الجنّة و النار مخلوقتان اليوم فلمّا كانتا جسمانيّتين يلزم من ذلك امّا تداخل الاجسام لانهما اذا كانتا في السَّموات و هي اجسام لزم تداخل الاجسام كأنْ يكون جسمانِ في مكانٍ واحد لايسع الّا احدهما و ذلك محال كما هو مقرّر في مَحلّه و اقول قد ذكرنا مراراً كثيرة انّ اللّه سبحانه قال سنريهم آياتِنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحقّ ، و قال الصّادق عليه السلام العبوديّة جوهرة كنهها الربوبية فما فُقِد في العبوديّة وُجد في الربوبيّة و ما خفي في الربوبيّة اُصيب في العبوديّة الحديث ، و قال الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايكون الّا بما هيهنا و فيما نسب الي اميرالمؤمنين عليه السلام :
اتحسب انّك جرم صغير ** * ** و فيك انطوي العالم الاكبر
فاذا ثبت بالكتاب و السّنّة انّ الانسان الصغير طبق الانسان الكبير و انّ جميع
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 555 *»
ما يراد منك معرفته و الاستدلال عليه فقد اثبته تعالي بصنعه المتقن فيك حيث جعلك المستدلّ و العارف الزَمك دليلك حتي لاتحتاج في تحصيل دليل ما يراد منك الي طلبٍ فَف۪يك السموات السبع سماۤء الحيوة فلك القمر و سماۤء الفكر فلك عطارد الكاتب و سماۤء الخيال فلك الزهرة و سماۤء الوجود الثاني فلك الشمس و سماۤء الوهم فلك المريخ و سماۤء العلم فلك المشتري و سماۤء التعقل فلك زحل و عظام جسدك هي الجبال فان كنت تظنّ بالسموات ما نقل عن بليناس من ان الافلاك في صلابة الياقوت فاين نظيرها فيك اذا كان اصلب ما فيك عظامك فاين سمواتك التي هي علي ظنك اصلب من الجبال و مع هذا انت تقرء قوله تعالي ثم استوي الي السماۤء و هي دخان فان اعتقدت ان السموات دخان كما قال خالقها العالم بما خلق امكنك المطابقة بينك و بين العالم فان افلاك تلك الكواكب التي فيك ابخرة كالدخان تعلّقت بها نجومها كالحيوة و الفكر و الخيال و غيرها و ان توهّمت دعوي بليناس الحكيم مع اعتقادك انك نسخة من العالم الكبير و انموذج منه فاين افلاكك و امامُكَ الرضا عليه السلام يقول قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايكون الّا بما هيهنا فعلي هذا و امثاله من الاَدلّةِ تكون الجنان في السّموات كما تكون انت في الهواۤء الذي هو اكثف من السماۤء في هذه الدّنيا و ايضا بمقتضي الادلّة القطعيّة من الكتاب و السّنة و العقول ان اهل الجنّة اجسام مركّبة لانّهم هم الذين في الدنيٰا الأن المشاهَدون المحسوسون الذين يأكلون و يشربون و ينكحون و تركيبهم في هذه الدنيا انّهم اجساد فيها ارواح و بعين هذا التركيب يكونون في الجنّة و من ذلك انّهم يتنفّسون كما في هذه الدنيا و لايكون ذلك الّا في فضاۤء فيه هواۤء يصلح للتنفّس فيه و اذا كان هذا الهواۤء في الدنيا صالحاً للتنفّس و هو اكثف من السموات الأن لانّها ابخرة لطيفة كان فيها بعد تصفيتها بالطريق الاَولي و هذا لمن وفّق له اظهر من الشمس في رابعة النهٰار و انما يتوحّش منه مَن امتلأ قلبه من الكلام الذي ليس له مستند الّا الاوهام فاين تداخل الاجسام فان الجنّة و النار مخلوقتان الأن و ما في الجنّة من القصور و الولدان و الحور و كل ما فيها من الذوات و الصفات و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 556 *»
الهيئات مثله ما في الدنيا و كذا الكلام في النار بل لايكاد يوجد شيء هناك لايكون نوعه او جنسه هنا و ان تفاوتا في الفضل كما قال تعالي انظر كيف فضّلنا بعضهم علي بعض و للٰاخرة اكبر درجات و اكبر تفضيلا ، فان اشتبه عليك ان الجنّة و ما فيها اذا كانت اجساماً فكيف يحصل لها و لمن فيها قرار اذا كانت في السموات و الكرسي و السموات و الكرسي ابخرة دخانيّة فانظر الي الملائكة و النفوس فانها اجسام و هي في السموات و الجن و الشياطين اجسام و هي في خلال الارضين و ما بينها و الحوت في البحار و هي اجسام و سكّان النار و الهواۤء اولميروا الي الطير مسخّرات في جوّ السماۤء مايمسكهنّ الا اللّٰه و الحاصل المتعلم انّ اللّه علي كل شيء قدير ثم علي كلّ حال ما معني المنع من تداخل الاجسام و المنع من الخرق و الالتيام و الملاۤئكة و الشياطين تخترق السموات و سيدنا رسول الله صلي اللّه عليه و اله صعِد الي السماۤء بجسمه الشريف بثيابه و عمامته و نعليه و ادريس عليه السلام رفعه اللّه بجسمه الي السماۤء و عيسي عليه السلام رفعه الله اليه بجسمه و عصيّ السحرة و حبالهم قدر سبعين حِمْلَ بغلٍ او اكثر تلقفَتْها عصي موسي عليه السلام و اخذها فكانت علي هيئتها لمتعظم قدر ذرّة و صورتا السَّبُعَيْن اللتان في مسند المأمون لما امرهما الرضا عليه السلام قاما سَبُعَيْن فافْترَسا خادم المأمون لعنهما الله لمّا شتم الرضا عليه السلام ثم امر الاسدَيْنِ فرجعا صورتين في مسند المأمون كما كانا اوّلاً و صورة السبع التي كانت في مسند المتوكل لمّا امرها الهادي عليه السلام قامت سَبُعاً فافترست الهندي الساحر فامرها عليه السلام فرجعت صورة كما كانت من غير زيادة في مسند المتوكّل فقال له المتوكل لو رجعته من الصورة فقال عليه السلام لو رجعت عصيّ السحرة من عصي موسي عليه السلام لرجع و الشمس ردّت ليوشع بن نون في قتاله الجبّارين بعد غروبها و ردّت لعلي بن ابيطالب عليه السلام في مرض رسول الله صلّي اللّه عليه و اله بعد الغروب و ردّتْ له ايضا عند الحلّة و الأن مكانه عليه السلام حين ردّت له قد بُنيت فيه منارة و هو معروف و انشق القمر لرسول الله صلي اللّه عليه و اله فاين امتناع تداخل الاجسام و اين
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 557 *»
امتناع الخرق و الالتئام و قول المعترض او عدم كون محدّد الجهات محدِّداً لها فيه انّ الجهات محدثة و المحدّد لها حادث ايضاً و لميخلق الله تعالي شيئا خارج المحدّد و انّما خلق ما خلق في جوفه و من ذلك الجهات فانها في جوفه و الذي شقّ العمق الذي اوجد فيه المحدّد و ما في جوفه قادر علي ان يخلق مثله و ليس حيث لميخلقه لايكون ممتنعاً لانه تعالي لميخلق كل ممكن و انما خلق من الممكنات ما اقتضته الحكمة لصلاح النظام و من قال بانّه لولا ذلك لميكن المحدّد محدّداً لها فانه لميتدبّر كلامه لانا اذا قلنا بوجود الجنّة الجسمانية لانريد بانها خارجة عن المحدّد علي انّ المحدِّد انما يحدّد ما في جوفه و لو قيل مثلا بانّ الجنّة خارج المحدِّد لميلزمه امتناع و انما انه شيء ماكان لا انه يمتنع من قدرة القادر تعالي لان هذا شيء يمكن تصوّره و الممتنع لايمكن تصوّره كما ذكرنا مرارا في شرحنا هذا و غيره و برهنّا عليه و الذي يزعم انه يتصوّر شريك البارئ تعالي فتصوّره حقّ لانه تصوّر ممكنا و هو هُبَل و اللات و العزّي و قد تقدّم حديث علل الشراۤئع عن الرضا عليه السلام انه لاتقع صورة شيء في وهم احد من الخلق الّا و هو موجود في خلق اللّهِ و بالجملة انت اذا رأيتَ ان وجود محدّد اخر غير هذا الموجود ممتنع فانما هو ممتنع بحكم عقلك و عقلك ممكن لايصحّ ان تقدِّر بالممكن قدرة القديم عزّ و جلّ فان كفاك كلامي هذا و الّا فاسئل الله تعالي و تضرّع اليه ان يصلح وجدانك و السلام و قول المصنف و الجواب قد مَرَّ مستقصي من انهما في داخل حجب السموات و الارض غلط و قد تقدّم هناك بيان غلطه لانه يريد انّهما عقليّتان لا جسميتان و لكنه جمع بين ظاهر الشريعة و بين ما توهمه بان المُعاد يوم المَعاد صور الاشخاص و الاشياۤء لا مواۤدّها و انما تكون لها مواۤدُّ نورانية اي مجردة و لو اراد انهما في داخل حجب السموات و الارض الجسمانية لميكن قوله غلطا و قوله و اما الذين لميأتوا البيوت من ابوابها فيجيبون عند الاشكال تارة بنفي كون الجنّة و النار مخلوقتين بعدُ يريد بالذين لميأتوا البيوت من ابوابها مَن لميقل بقول الفلاسفة و لا بقول مميتالدين و البسطامي و ابنعطاۤء العازمي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 558 *»
و هذه العبارة من الاية الشريفة مقتبسة و يعني تعالي بالبيوت بيوت النبوة و العلم صلي الله عليهم اجمعين و هو اوَّلَها علي ما سمعتَ و لكن هذا هو الذي ينبغي من المتسمّي بالشيعي و من حاوَل في رد الاشكال بانهما الأن غير مخلوقتين فراراً من لزوم تداخل الاجسام كيف يصنع بهما يوم القيمة فكلامه لايخلّصه من الاشكال الّا بانكار وجودهما في الدنيا و الاخرة فانه حينئذٍ يسلم من لزوم تداخل الاجسام و قوله و تارة بتجويز الخلاۤء قد اشرنا الي ان امتناع الخلاۤء يرجع الي انه ماكان لا انه يمتنع في قدرة الله تعالي ان يكون ان اللّه علي كل ما يتصوّر عبده قدير و كيف يتصوّر العبد صورة لاتكون في علم الله سبحانه و كيف يكون شيء غير اللّه في علم الله لايمكن ان تكوِّنه قدرة اللّهِ اذاً تبايَن العلم و القدرة لا اله الّا الله و قوله و تارة بانفاق السموات بقدر ما يسعها اي يجعل فيها طريقا فارغاً من الاجسام لتوجد الجنّة فيه و هذا القول و قول من جوّز التداخل بين الاجسام قد اشرنا الي عدم امتناع شيء من ذلك و ان كان الجواب بهما و بالنّفق ليس بسديد و الحقّ ما سمعتَ فانه مذهب ائمة الهدي عليهم السلام لا كما قالوا باجمعهم فانهم ان يتّبعون الّا الظن و ان هم الّا يخرصون و قوله و ليتهم اعترفوا بالعجز و اكتفوا بالتقليد الخ ، و اقول ليت المصنّف اعترف بالعجز و اكتفي بتقليد ائمة الهدي عليهم السلام فانهم و ان صدق المصنّف في حقهم فيما قال و لكنه واللّهِ اَولي بما قال منهم و انهم مع اعوجاجهم اقوم طريقاً منه .
قال } قاعدة في الامر الباقي من اجزاۤء الانسان و الاشارة الي عذاب القبر اعلم ان الروح اذا فارقت البدن العنصري يبقي معه شيء ضعيف الوجود قد عبّر عنه في الحديث بعَجْبِ الذّنَبِ و قد اختلفوا في معناه فقيل هو الاجزاۤء الاصلية و قيل هو العقل الهيولاني و قيل بل هو الهيولي و قال ابوحامدٍ الغزّالي انما هو النفس و عليها منشأ الاخرة و قال ابويزيد الوقواقي هو جوهر فرد يبقي في هذه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 559 *»
النشأة و عند صاحب الفتوحات انه الاعيان الجواهر الثابتة و لكلٍ وجهٌ { .
اقول قوله في الامر الباقي يعني في بيان ما يبقي منْ اجزاۤء الانسان الظاهرة او الباطنة فانّه قَدْ دَلَّ الحديث المقبول علي بقاۤءِ شيءٍ من الانسان و انّه عجب الذّنَبِ روي من طرقهم مستفيضاً و اما من طرقنا روي في البحار عن تفسير الامام عليه السلام قال عليه السلام في قصة ذبح البقرة فاخذوا قطعة و هي عجب الذنب الذي منه خلق ابن ادم و عليه يركب اذا اريد خلقا جديداً فضربوه بها فهذا من طرقنا و لمينفه الشيخ اعلي الله مقامه و قال فالذي يحضرني و وقفت عليه . كريم
فالذي يحضرني و وقفتُ عليه ما رواه في الكافي عن ابيعبدالله عليه السلام قال اي عمار الساباطي سُئل عن الميت يبلي جسده قال عليه السلام نعم حتي لايبقي لحْمٌ و لا عظم الّا الطينة الّتي خلق منها فانها لاتبلي بل تبقي في القبر مستديرةً حتي يخلق منها كما خُلِق اوّل مرّة ه ، و قد بيّنّا كيفيّة تلك الطينة في استدارتها و من اين هي بما معناه انها هي جسد الانسان حقيقة و انها ليست من عناصر الدنيا و انّما هي من عناصر هورقليا اي العالم الذي فيه جنان الدنيا و نيرانها و اليه تأوي ارواح من محض الايمان محضا و محض النفاق محضاً و هو المسمي بعالم البرزخ و هذا الجسد هو الطينة التي تبقي في قبره مستديرةً و هو الذي نسمّيه بالجسد الثاني و معني كونها مستديرة ان تلك الاجزاۤء و ان تفرّقت في بطون السباع او الطير اوْ حيتان البحر فانها بعد تخلّصها من الموانع و هي الاعراض و الاجزاۤء الغريبة تستدير في قبرها اعني الموضع الذي اخذت منْه تربته التي مزجت بنطفتي ابيه و امّه عند تخلّقِه و كيفية استدارتها ان تترتب في ذلك الموضع بوضع ترتّبها في خلقته الاولي في الدنيا فتكون اجزاۤء الرّأس فوق اجزاۤء الرقبة مترتبة و اجزاۤء الرقبة فوق اجزاۤء الصدر و هكذا و ان صح ما نقلوه من انه صلي الله عليه و اله قال ان الجسد يبلي الّا عجب الذَّنَب فانّه لايبلي حتي يخلق منه كما خلق اوّل مرة فهو كناية عن هذه الطّينة و رووا ايضا عنه صلي الله عليه و اله انه قال آخر ما يبلي عجب الذَّنَبِ ه ، و هذه الرواية تدل علي فناۤء عجب الذنب و الحاصل انك عرفتَ المراد فعلي قولهم بتلك الرواية اختلفوا في تأويلها مع اتّفاقهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 560 *»
معناها اللغوي من ان المراد به العظم الناتي عند المقعدة المسمي بالعصعص فقال بعضهم ان المراد بعجب الذنب هذا العظم الظاهر و انه لايبلي لانه للجسد اصل تركب الجسد عليه كجؤجؤ السفينة تبني عليه السفينة و هو لايبلي حتي يخلق الجسد منه كما خلق اوّل مرة و قيل كذلك الّا انه يبلي عملاً بالظاهر من الرواية الثانية الّا انه اخر ما يبلي لانه اوّل ما خُلِق و قول المصنف يبقي معه اي البدن العنصري شيء ضَعيف الوجود لايصح علي قول انه العقل الهيولاني فانه و ان كان بالنسبة الي ما فوقه من العقول ضعيف الّا انّه لاينسبك مع كوْنه مع البدن العنصري فانه اقوي منه و لا علي قول الغزّالي و لا علي قول ابنعربي بل و لا علي قول المصنّف لانه يري ان النفس الناطقة اصلها المواد الطبيعيّة فتترقي بالحركة الجوهريّة حتي تكون عقلا هيولانيا ثم بالاكتساب ثم بالفعل ثم مستفاداً و قوله و قد اختلفوا في معناه ايضا فيه ان معناه لميختلفوا فيه لان معناه انه هو العصعص و انما اختلفوا في تأويله فقيل هو الاجزاۤء الاصليّة و علي فرض صحة الحديث فهذا القول اصح وجوه التأويل و انما قلت اصحّ وجوه التأويل لان الذي ينبغي ان تكون هذا تفسيره لا تأويله لكن هذه الاجزاۤء لايطلق عليها عَجْبُ الذّنَب اذ لو صحّ لكانت فيه اشارة الي ان الشخص من حقيقته اشياۤء غير ما يسمي عجب الذّنب تبني عليه تتم حقيقته منهما فلمّا اريد به كل ما يبقي امتنع ان يراد به بعض الحقيقة و اذا اريد به كل الحقيقة ماحسن اطلاق عجب الذنب عليه و قيل هو العقل الهيولاني و هذا ليس بصحيح عندنا لان العقل الهيولاني من الجبروت و ما من الجبروت لايبقي مع ما هو من عالم الملك نعم يمكن صحته علي رأي المصنف من ان النفس الناطقة اصلها من المواۤدّ الطّبيعيّة و قيل بل هو الهيولي و هذا القول عند اهل البيت عليهم السلام صحيح و هو مذهبهم و اخبارهم مشحونة بذلك لانها هي الطيْنة الّتي تبقي في قبره مستديرة و لايصح ان يحمل الباقي مع البدن علي النفس لانها ليست ضعيفة الوجود و المصنف قد ذكر انّ الباقي مع البدن ضعيف الوجود و قال ابوحامدٍ الغَزّالي انّما هو النفس و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 561 *»
عليها منشأ الاخرة و علي هذا القول لايكون الباقي مع البدن هو النفس لان النفس لاتكون مع البدن في القبر و لاتكون ضعيفة الوجود نعم عَلي قولنا مِنْ انّ مَن لميمحض الايمان او النّفاق محضاً لايسئل في قبره و انّ روحه تبقي ف۪ي قبره الي يوم القيمة تكون بعض النفوس مع ابدانها في قبورها و لكن وجودها اقوي من وجود ابدانها و قول الغزّالي و عليها اي النفوس منشأ الاخرة يشعر بموافقة المصنف في كون الاعادة في الاخرة انّما هي للنّفس و ما سواها فبالتّبع و قال ابويزيدٍ الوقواقي هو جوهر فرْد يبقي في هذه النشأة و يعني انه ينتقل الي مقامٍ اعلي من مقامه الاول و اذا اراد بالجوهر الفرد بالمعني المتعٰارف يعني انّه لايقبل القسْمة لايراد منه الجسم و انما يريد منه النفس اذ لا محصّل لما هو جسم و عند صاحب الفتوحات انه الاعيان الجواهر الثابتة و هو ابعد مما قبله عن الصواب و وجهه علي مَا افهم انّه يأوّلُهُ علي معني انّ العجب و الذنب هو اللاحق للشيء و وجه الشيء من الوجود هو الباقي بعده مع البدن و بعد البدن و الاعيان هي شؤن الذات الحقّ تعالي و لوازم الذات و هي صور علميّة ليست موجودة فيتعدّد القديم و ليست معدومة فيكون فاقداً لعلمه و انّما هي ثابتة و الباقي مع البدَن ليس الّا ما كان من نوعه و الاعيان اي الجواهر الثابتة عندهم صور علمه الذي هو ذاته تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيرا و قوله و لكلٍّ وجهٌ ، صحيح و لكن امّا الي الحق و امّا الي الباطل بل هذا هو المتحقق و الحقّ ان الانسان له جسدانِ و جسمان الجسد الاول و الجسم الاول عارضانِ له من مراتب تنزلاته و ليسا من حقيقته فهما داخلان بلا حاجة و خارجانِ من غير فقدانٍ و تفصيل الاربعة قد تقدم له ذكر و هو ان الانسان له جسدانِ الاول لاحق له من عوارض الدنيا الغريبة و نسبة هذا الي الانسان كنسبة الوسخ الي الثوب لانه ليس منه و لا اليه و الثاني جسده الاصلي الذي هو منه و اليه و هذا الجسد هو الباقي لانه نزل به الي الدنيا و يرحل به منها و هو البدن نفسه و هو المحشور و المُعَاد و هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 562 *»
الطينة التي تبقي في قبره مستديرة فان صحّ حديث عجب الذنَب فالمراد منه هذا الجسد و سُمِّي بذلك لانه متأخر عن الانسان كما ان ذنب الحيوان متأخر عنه و الجسم الاول من عوارض البرزخ الاجنبيّة لحِقَتْه في نزوله الي الدنيا و ليس منه و لا اليه و الجسم الثاني الاصلي فهو جسمه الاصلي و هو من جوهر الهباۤء و الطبيعة النورانية فالجسد الثاني يبقي في قبره في الارض حتي يتخلّص من الاعراض الغراۤئب و الجسم تخرج به الرّوح يدور معها حيثما دارت فاذا نفخ في الصور نفخة الصعق بطلت صورتها و اضمحَلّ تركيبها و خلصت من الاعراض البَرزخيّة كما تخلّص الجسَد فاذا نفخ في الصور نفخة النشور اجتمعا و ربطت بينهما الروح ربْطَ اشتياقٍ و وَفاقٍ لانهما ثوبان لها يتقوّم كلٌّ منهما بالاخر بحيث لايحصل بينهُمٰا انفكاكٌ اَبداً .
قال } لكن البرهان دلّ علي بقاۤء القوّة الخياليّة التي هي منفصلة الذات عن هذا البدن و هي اخر هذه النشأة الاولي و اوّل النشأة الاخرة فالنفس متي فارقت البدن و حملت الصورة المدركة معها فلها اَنْ تُدرِكَ اُموراً جسمانيّة محسوسة و تشاهدُها بحسِّها الباطن الجامع لانواع المحسوسات الّذي هو اصل الحواۤس كما علمت فتتصوّر بدنها الشخصي الذي كانت فيه في الدنيا وَ مَات عليها فتتصوّر ذاتها لقرب اتّصالِها بالبدن عين الانسان المقبور الذي مات علي صورته فيجد بدنه مقبوراً و يدرك الٰالامَ الواصلة اليه علي سبيل المعقولات الحسيّة علي ما وردت به الشريعة الحقّة فهذا عذاب القبرِ و ان تتصور ذاتها علي صورة ملايمةٍ و تصادف الامور الموعودة فهذا ثواب القبر و اليه الاشارة بقوله صلي الله عليه و اله القبر روضة من رياض الجنّة او حفرة من حُفَر النيران { .
اقول قوله لكن البرهان دلّ علي بقاۤء القوّة الخياليّة مبني علي ما قدّم في الاصل الرابع و قد ذكرنا انّه غير صحيح فيكون حمله الباقي مع البدن عليها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 563 *»
غير صحيح لما قلنا و لانه علي رواية انه اخر ما يبلي يلزم ان تكون الصور الخياليّة تبلي و ايضا اذا كانت منفصلة الذات عن البدن و انّما هي في صقعٍ نفساني كيف تبقي مع البدن و ايضا اذا كانت اول النشأة الاولي كيف تكون في صقعٍ نفساني و انها قاۤئمة بالنفس فجعل الباقي مَع البدن هو القول الاول اعني الاجزاۤء الاصليّة اولي لانه هو المروي عن الائمة عليهم السلام و هم اعلم بقول جدّهم صلّي الله عليه و عليهم و قوله فالنفس متي فارقت البدن و حملت الصورة المدركة معها فلها ان تدرك امورا محسوسةً و تشاهدها بحسّها الباطن تفريع علي ما قدّم من قوله في مباحث الحواۤسّ الظاهرة بانّ النفس في ملكوتها تدرك صوراً ملكوتية مشابهة لهذه الصور المحسوسة فادراكها للمحسوسات انّما هو بادراك صورٍ ملكوتية تشابهها لانّها تشاهدها بحسها الباطن يعني بذاتها لانها جامعة لانواع المحسوسات اذ هي اصل الحواۤس و انت خبير بانها انّما تدرك المحسوسات بواسطة الحواۤس الظاهرة لان الاحساس منسوب اليها و ان كان من النفس كما انّ حركة اليد حركة ظاهرة من عالم الملك و ان كانت من النفس من عالم الملكوت و قوله فتتصوّر بدنها الشخصي الذي كانت فيه في الدنيا وَ مَاتَ عليها يريد انّها اي النفس تتصوّر في حال انفرادِها عن البدن بالموت البدن الذي كانت فيه في الدنيا و مات عليها بخروجها منه و هذا التصوّر عنده علَي رأيه اذا فرضنا كونها حاضرة معه باَنْ تدرك صورة ملكوتية تشابه ذلك البدن و امّا اذا فرضنا انها غاۤئبةٌ عن البدن فكذلك عِنْدَهُ و عندنا في حال الحضور كما مر انّها تدركه بواسطة الرّوح البخاري و في حال الغيبة كذلك بمعني انّها تقابل مثال البدن بمرءاة خيالها فتنطبع فيها صورته فتدرك ما في خيالها من الصور و تلك الخياليّة صور ظلّيّة شبَحيّة في الدنيا و الاخرة الّا انها في الاخرة اذا شاۤءت اخرجَتْ ما تريد من تلك الصور بحقيقة ذي الصورة بان تخرج ماۤدته من امكانه۪ و تلبسه تلك الصورة الخياليّة اي بدَلَها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 564 *»
و قوله فتتصور ذاتها لقرب اتصالها بالبدن عينَ الانسان المقبور يعني به ان النفس تتصوّر انّها هي الانسان المقبور الذي مات تتصور ذاتها علي صورته و ذلك لقرب اتّصالها بالبدن فيجد ذلك الانسان التصوّريُّ بدنه مقبوراً و يدرك الٰالٰامَ الواصلةَ اليه بان تتصوّر انّها هي المقبور و انّ الٰالٰامَ وصلَتْ اليه و حلَّتْ عليه و هذا الادراك و التصور علي سبيل ما ذكره من تعقّل المعقولات الحسّية و وصول تلك الالام علي الطريقة التي وردت بها الشريعة الحقّة فهذا عذاب القبر عنده و هذا الكلام اشبه الاشياۤء بالوساوس التوهميّة بل هي كذلك حتّي لو ان مستحق العذاب في الواقع تصوّر حاله و نفسه بنحو ما يتصوّر به مستحق الثواب كان منعّما في قبره و يكون قبره بتصوره و فرضه ذلك روضة من رياض الجنّة كما استشهد به من الحديث و في قوله علي ما وردت به الشريعة الحقّة اشارة خفيّة تظهر لمن له معرفة بمراداته و هي ان ما سمعتَ ممّا حقّقنا به عذاب القبر و ثوابه انه مأخوذ من الشريعة الحقة و لايصح ذلك الّا اذا اراد بالشريعة الحقّة شريعة الصوفية من الاباحيّة و الفلسفيّة التي يقولون فيها اصحابها ان النعيم بجميع انواعه و العذاب بجميع انواعه راجع الي النفوس و انها امور عقليّة كما يظهر من كلام المصنف و ان اسباب السعادة منحصرة في حصول علم الحكمة النظرية لانها هي سعادة النفوس و الجهل به هو شقاوة النفوس و كل ما ذكره هو و اولۤئك خلاف الشريعة الحقّة بل الشريعة الحقّة مصرّحة بان تلك الاعمال هي صور الثواب و العِقاب فتتّصف النفوس بصور اعمالها فتلزمها تلك الصور كلزوم الظل للشاخص فحيث كانت الاعمال هي صور الثواب و العقاب و هي صفات العَاملين اللّازمة لهم بملزوماتها من الثواب و العقاب فتنعّمت بها في جنان الدنيا عند المغرب او تألّمت بها في نيران الدنيا عند المشرق لان ارواح اهل النار تحجّرت و مسخت كالحديد من امر الله في قوله تعالي قل كونوا حجارة او حديداً لانها لمّا عصَتْ رَبّها خرّت من سماۤء قربه و قد كانت في اوجاتِ الدرجات العاليات الي اسفل السّافِلينَ فجمدَتْ بعد ذوَبانها و امتزجت بنباتِيّاتِها المرّة المالحة فجرَتْ ف۪ي طباۤئع معادن النيران و بقاعها فتألّمَتْ بتفريق
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 565 *»
اجزاۤئها و باعادتها كارهة للاعادة لعدم حصول المُلَايم من بعضها لبعضٍ و لقرب حقاۤئقها و جمودها من ابدانها اتّصلَتْ بها فادَّتْ صور تلك الٰالٰام الّتي حصلت لها من اعمالها الموجبة لتفريق اجزاۤئها و جَمْعِها و تفريقها و جمعها الي تلك الابدان فلحق الابدان من صور تفريق اجزاۤء الارواح تفريق اجزاۤئها و جمعها من جهة التنافي و تفريقها من جهة الملايمة فتألّمت بتبعيّة تألّم نفوسها و تفرقت اجزاۤؤها بتبعيّة تفرق اجزاۤء نفوسها لان نفوسها لجمودها و كثافتها بالمعاصي و تحجّرها بالشقاق قبلت التفريق و التقسيم كالجماد فكانت كنفوس الحشرات كالخنفس و السامابرص و غيرهما فان الخنفس و السامابرص و الجراد و غيرها اذا قطع عضو منها بقي مدة طويلة يتحرك لان نفسه لجمودها و كثافتها تقبل التجزية و القِسمة و تقبل الفصل فلما قطع عضو من جسدها انقطع جزؤ من نفسه في العضو و الي معني ما ذكرنا اشار الصادق عليه السلام بل صرّح كما ذكر في الحديث الذي تقدّم في حال الكفار بعد موتهم قال ابوعبداللّه الصادق عليه السلام ابدان ملعونة تحت الثري في بقاع النار و ارواح خبيثة تجري بوادي برهوت في بئر الكبريت في مركّبات خبيثات ملعونات تؤدّي ذلك الفزع و الاهوال الي الابدان الملعونة الخبيثة تحت الثري في بقاع النار فهي بمنزلة الناۤئم اذا رأي الاهوال فلاتزال تلك الابدان فزعة ذعرة و تلك الارواح معذّبة بانواع العذاب في انواع المركبات المسخوطات الملعونات المضعّفات مسجونات فيها لاتري رَوْحاً و لا راحة الي مبعث قاۤئمنا فيحشرها اللّه من تلك المركبات فتردّ في الابدان و ذلك عند النشرات فتضرب اعناقهم ثم تصير الي النار ابد الابدين و دهر الداهرين ه ، فهذا عذاب القبر و ثوابه لا ما توهمه المصنف مما هو كالوساوس الوهميّة و الي معني ما ذكرنا لا الي ما ذكره المصنّف الاشارةُ بقوله صلي الله عليه و اله القبر روضة من رياض الجنّة او حفرة من حُفَر النيران ه .
قال } ثم اذا جاۤء وقت البعث و الحشر تركّب النفس علي بدنٍ يصلح للجنّة و لذّاتها ان كانت من السعداۤء او يصلح للنار و آلامِها ان كانت من الاشقياۤء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 566 *»
المجرمين و اياك و ان تعتقد ما يراه الانسان بعد موته من اهوال القبر و احوال البعث امورٌ موهومة لا وجود لها في العين كما زعمه بعض الاسلاميين المتشبثين باذيال الفلاسفة فان من اعتقد ذلك فهو ( كافر ظ ) في الشريعة ضاۤل في الحكمة بل امور القيمة و احوال الاخرة اقوي وجوداً و اشدّ تحصّلا من هذه الصور الموجودة في الهيولي التي هي الموضوعات بوسيلة الحركة و الزمان و الصور الاخروية اما معلّقة بذواتها او قاۤئمة في موضوع النفس و هي الطف الهَيُولَيَات { .
اقول قوله تركبت النفس علي بدن يصلح للجنّة و لذاتها ان كان من السعداۤء او يصلح للنار و آلٰامها ان كان من الاشقياۤء المجرمين صريح في عدم اعادة مواۤد ابدان الخلق و انّما المعاد نفوسهم و صورهم و قد قلنا سابقا ان المصنف عند اهل البيت عليهم السلام ممّن ينكر المعاد الجسماني و لانه يري انّ الذي تحشر فيه النفس ليس مُعَاداً و انما هو نوراني يصلح و ان جميع الابدان الدنيوية فانية باۤئرة مضمحلّة لا عودَ لها لانها لحقت بالعدم لانه قال ان النفس تركّب علي بدنٍ يصلح للجنّة ان كانت اي النفس من السعداۤء و امّا الابدان الدنيوية فلا ذكر لها عنده لانه لايري ان شيئا من ابدان الدنيا صالح للبقاۤء لانه يتوهّم ان جميع الابدان الدنيوية اصلها من هذه العناصر الفانية المنعدمة و ذلك لانه ماقرأ قوله تعالي و لاسمعه و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم و هذه الابدان اشياۤء و كلّ شيءٍ فهو عند اللّٰهِ خزاۤئنه و ينزّله الي الدنيا من تلك الخزاۤئن و الانسان شيء نزل من تلك الخزاۤئن الي هذا العالم ليأخُذَ منها متاعاً لهذا السَّفَر الطويل فاذا كان شيئا كان ممّا انزله الله الي هذه الدنيا و ليس منها ليكون فانياً فيما بعدَها بل اذا رجع كل شيء الي اَصْله انتقل الي ما منه خلق و انتقل ذلك الاصل الذي خلق هذا الجسد منه به اي بالجسد الي ما منه خلق فتتصاعد الاشياۤءُ الي اصولها و كذلك كلّ ما في عالم الدنيا من الذوات و امّا الاعراض فكذلك الّا ان عودَها الي المراتب نفسها فلاتحملها المعروضات معها لانّها لمتكن منها بل تلزم مباديها و مباديها هي المراتب و المراتب لازمة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 567 *»
لمقاماتها و لو ترقّت لمتترقّ الذّوات مثلا الدنيا لو ترقّت لمتخرج الذوات التي فيها عنها بل تترقي الدنيا بتلك الدنيا دنيا ابداً لاتكون اخرة فلمتترقّ الدنيا اذ لاتترقي الّا بتجاوزها عن الدّنيا فاذا كان كل شيء يعود الي اصله لا بدّ ان يعود هذا البدن الانساني الي الخزاۤئن الّتي نزل منها و لو انه لميعد كما ذكره المصنف و من قال بقوله بطل حكم القاعدة المتّفق عليها ان كل شيء يعود الي اصله المؤيدة بقوله كما بدأكم تعودون ، و قوله و ايّاك و ان تعتقد ما يراه الانسان بعد موته من اهوال القبر و احوال البعث امور موهومة لا وجود لها في العين كما زعمه بعض الاسلاميّين المتشبثين باذيال الفلاسفة فانّ من اعتقد ذلك فهو كافر في الشريعة و ضاۤلّ في الحكمة و هذا الكلام صحيح و ان كان يلزمه في بعض ما ذهب اليه مثل قول هؤلاءِ و قوله بل امور القيمة و احوال الاخرة اقوي وجوداً و هذا يقارب قول اولۤئك فانهم يقولون انها امور موهومة و هو يقول امور متخيّلة و ما اقرب الخيال من الوهم و قوله اقوي وجوداً و اشدّ تحصّلا من هذه الصور الموجودة في الهيولي التي هي الموضوعات بوسيلة الحركة و الزمان و اولۤئك يزعمون ان الموهومة اشدّ و اقوي وجوداً و تحصّلا من المتخيّلة و كلامهم لو كان الحقّ منحصراً فيهما اقرب من كلام المصنّف
لان الوهم و الخيال كلاهما من فيض الطبيعة النورانية الّا ان الوهم من فيض نفسها و الخيال من فيض صِفَتِها و فيض النفس اقوي من فيض الصّفة و ان كان قول الكل خطأ بل الذوات اقوي من الصور و اهوال القبر و احوال البعث ذوات و دعواه و دعويٰهم ان ذلك صور خيالية او وهميّة باطلة و انما حكم بان الصور الخيالية اقوي من الصور الموجودة في الهيولي بناۤء علي مذهبه من ان الهيولي و الماۤدة لاتعاد بل تفني و انّما تعاد الصور و النفوس و قد بيّنّا فيما سبق فساد مذهبه بل الحق ان الهيولي و الماۤدة هي التي تعاد لانّها هي المباشرة للخير و الشرّ و كون الهيولي انما هي موضوعات بواسطة الحركة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 568 *»
الزمان لاينافي تحقق موضوعيتها اذ كل محدث لايتقوّم الّا بواسطة حركته و وقته و ليس المقابلة بين الخياليّة و بين الصور الحاۤلّة في الماۤدة بل المقابلة بين الخيالية و بين الذوات المتركبة من المواۤدّ و الصور الشخصيّة فاذا نظرنا الي الخياليّة وجدناها اظلّة منتزعة من الصور الخارجيّة القاۤئمة بالمواۤدّ و لا شكّ انّ الصور الخارجيّة ذوات و اربابٌ للصور الخياليّةِ و الصور الخيالية اشباح و اظلّة قاۤئمة من جهة مواۤدّها التي هي الحصص النوعيّة بالصور الخارجيّة التي هي قاۤئمة بالمواۤدّ نعم الخياليّة من حيث الصور قاۤئمة بالخيال و القيام من حيث المواۤدّ اقوي من القيام من حيث كما ان القيام للصورة التي في المرءاة بالشاخص اقوي منه بالمرءاة و هذا ظاهر لمن عرف الاشياۤء و اسرار تكوناتها و كونها قاۤئمة بمرءاة النفس التي هي الخيال و ان كانت النَّفْس الطف من الهيولي لايلزم منه كونها اقوي من الصور الخارجيّة القاۤئمة بالمواۤدّ مع ان المقابلة بينها و بين المواۤدّ انفسها و لا شك انها اقوي من مطلق الصور بكلّ نوع ماخلا العلل اعني ما في نفس علة الكون و هذا ظاهر .
قال } الاشراق الثالث في احوالٍ تعرض في الاخرة و فيه قواعد قاعدة في ان الموت حقّ يجب ان يعلم ان عروض الموت امر طبيعي منشاؤه كما اشرنا اليه حركة النفس عن عالم الطبيعة الي نشأة باقية و اعراضها عن هذا البدن و خروجها عن غبار هذه الهيئات البدنية و اقبالها الي الدار الاخرة و ليس الامر كما زعمه الاطباۤء و علماۤء الطبيعة ان سبب عروضه تناهي القوي الطبيعيّة او نفاد الحرارة الغريزيّة او زيادة الرطوبة الفضلية او غير ذلك من تَأثيرات الكواكب بحسب خطوطها عند طالع المولود او ما اشبهها لما بيّن بطلانها في موضعه بل سببه قوة تجوهر النفس و اشتدادها في الوجود و رجوعها بحركتها الذاتيّة الي جاعلها الذي منه بدؤها و اليه منتهاها امّا مسرورة منعّمة و اما معذّبة منكوسة { .
اقول الواجب اعتقاد حقيّة الموت بمعنَي انّ وقوعه علي كل مَن علي الارض و السّموات كاۤئِنٌ لا بد من وقوعه كما اَخْبَرَ به الحق سبحانه في كلامه الحق في قوله كل نفس ذاۤئقة الموت و بمعني ان وقوعه بهم حقّ لما فيه من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 569 *»
المصالح و المنافع العظيمة التي لاتُعَدُّ و لانّه به يصل كلّ عاملٍ الي ثمرة عمله و به يتحقّق صدق الوعد و الوعيد و به يظهر تمام الفضل و العدل و قول المصنّف و يجب اَنْ يعلم انّ عروض الموت اَمْر طبيعي هذا الوجوب لايصح حمله علي المعني الشّرعي اذ لايجب علي اَحَدٍ معرفة كيفيّةِ الموت و انّما يحمل الوجوب علي ثبوته في العلم و الحكمة و مراد المصنف البحْث عن كنه الموت و حقيقته و اكثر العلماۤء جعلوه امراً اعتباريّا و انه ليس بشيء مخلوق و كأنهم ماسمعوا كلام اللّه ينطق عليهم في بيوتهم الّذي خلق الموت و الحيوة اَوْ سمعوا وَ ماوَعَوْا اوْ وعَوا وَ ماحَفِظُوا و كأنهم ماسمعوا الاخبار المتواترة مَعْنيً بين الفريقين انه اذا دخل اهل الجنّة الجنّةَ و اهل النّارِ النارَ اُتي بالموت في صورة كبشٍ املح فيذبح بين الجنّة و النار و ينادي منادٍ يا اهلَ الجنّةِ خلود و لا موتَ يا اهلَ النار خلودٌ و لا موت الحديث ، فلو كان ليس بشيء لماقال تعالي الذي خلق الموتَ و الحيوة و لمااُتِي به و ذُبِحَ و قول المصنّف ان عروض الموت امر طبيعي منشاؤه كما اشرنا اليه حركة النفس عن عالم الطبيعة الي نشأة باقية الي قوله الي الدار الاخرة يريد بالاشارة ما ذكره قبل في الاشارة الي حدوث العالم في هذه الرسالة و في المشاعر من اثبات الحركة الجوهرية للشيء لذاته و قد ذكرنا في الموضعين ان الحركة الجوهريّة تثبت للشيء بواسطة المدد و الصورة و ان ذلك ليس شيئا من ذات الشيء بل من الله سبحانه بواسطة قوابل الاشياۤء للايجاد و الامداد لما اشرنا اليه مرارا انه تعالي لايفعل بخصوص مقتضي قدرته و ارادته بل علي حسب قابليات المَفْعولات للايجاد و الامداد و ما ربّك بظلّام للعباد و ليس لشيء من الاشياۤء كون بما يمدّه و لا قبول لما يفعله فيه و لا حركة و لا سكون الّا بفعل اللّه فاذا سبّب للشيء جميع ما يتوقّف عليه كونه بقي الشيء واقفاً عن الانفعال و الاسباب واقفة عن الفعل حتي يأذنَ لها فاذا اذن و اجري بفعله تلك الدواعي من الاسباب و المسبّبات جرَتْ بفعله و حفظِه۪ و مِن هنا وردت الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام انه لايكون شيء في الارض و لا في السماۤء الّا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 570 *»
بسبعة بمشيّةٍ و ارادة و قدرٍ و قَضاۤءٍ و اذنٍ و اجلٍ و كتابٍ فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر و روي فقد اشرك و رُوِي نقض بالضاد المعجمة
لكن اكثر العلماۤء تبعوا كثيرا من الفلاسفة في نسبة الافْعال الي الاسباب و بنوا اعتقاداتهم علي ذلك حتّي انست نفوسهم بذلك فكانوا يعزلون اللّه تعالي عن سلطانه حتي انه اشتهر بينهم اَنّ القول بما اشرنا اليه مذهب الاشاعرة و غلطوا علينا كما غلطت الاشاعرة علي الحقّ فان الاشاعرة يقولون اللّه سبحانه هو الذي يحرق الحطب اذا وضعته في النار و النار ليست محرقة اصلاً و انّما اللّه يحْرق عندها و يغرّق عند الماۤء و ليس للنار اثر في الاحْراق و لا للماۤء في التغريق اصلاً بوجه من الوجوه و هؤلاۤء يقولون خلق اللّه النار و جعلها محرقة فهي تحرق بالاستقلال فالاوّل عين الجبر و الثاني عين التفويض و الحق غير الاثنين و هو ان الله سبحانه خلق النار و جعلها محرقةً و اودع قوّة الاحراق فيها و حفِظها و حفِظ ما جعلها و اودع فيها فهي بقيوميّة جعله و ايداعِه قوة الاحراق القاۤئمين بحفظِه۪ تحرق فلا شيء الّا بالله سبحانه و المصنّف جارٍ في كل اموره علي متابعة مَن تقدّمه فاعتماده علي احد اقوالهم مما يرجّحه بنفسه ليس له مستند غير هذا فلهذا قال ان الموت امر طبيعي و هو ان النفس تصل الي رتبةٍ من رُتَب كمالاتها من اليمين او الشمال و تنتقل بحركتها الجوهريّة الذاتيّةِ عن هذا البدن و تعرض عنه وَ تخرج من غبار الهيئات البدنية و تقبل الي الدار الاخرة و هي النّشأة الاخري الباقية و هذا علي ظاهره مذهبُ القدريّة
فان قلت انما يتكلّم علي نمط كلام القوم و الّا فهو يعتقد ان كل شيء باللّه كما انّك كثيرا ما تتكلّم بعباراتهم قلتُ نعم هو اذا اخذ في كون كلّ شيء انما هو باللّه يقول بذلك علي جهة الاجمال و لايذكر شيئا من ذلك في التفصيل و ذلك لانس نفسه بكلام القوم و لا كذلك نحن لانا لكثرة ما نذكر من ان كلّ شيء لايكون الّا باللّه في اغلب الاماكن و المساۤئل اذا اتيتُ بلفظ يشابه قول المفوّضة اختصاراً مايتوهم احدٌ عليّ بذلك لكثرة ما اصرّح بذلك و انهي عن الجبر و التفويض و ادلّ علي اماكن كثيرة يلزم منها الجبر و التفويض من قول من ينفيهما و قد بيّنّا مراراً فيما تقدّم انّ الشيء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 571 *»
الممكن لاتكون من ذاته الحركة الجوهريّة الذاتية علي مرادهم من انه لذاته يترقّي و انّما يَقع من ذاته ميل الافتقار و هو غير ناقلٍ للماۤئل عن رتبته الدنيا الي العليا الّا بالمدد الجديد الّذي لميكن معه و به اي بقبوله الذي هو عبارة عن الصورة يترقّي و مرادي انّ الله سبحانه يرقّيه بقبوله المدد و انفعاله به لانّ الاشياۤء كلّها واقفة علي ساق العبودية لاتملك لنفسها ضرا و لا نفعا و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً و مرادي بوقوفها انها لاتوجِد شيئا من نفسها فاذا اوجدها تعالي لاتقدر علي بقاۤئها و لا علي عدم بقاۤئها و لا علي زيادة شيء منها و لا علي نقصانه و اذا اذن لها بالعدم لاتقدر الّا باعدامه او بالبقاۤء لاتبقي الّا بابقاۤئه فَبِه۪ تتحرّك النفس عن عالم الطبيعة و به تتوجّه الي النّشأة الباقية و به تُعرِض عن هذا البدن و به تخرج عن غبار هذه الهيئات البدنيّة و به تقبل الي الدار الاخرة و مرادي بقولي به تتحرك الي اخر الكلام انه وكّل بها ملاۤئكة ينقلونها بامره تعالي الي كل حركةٍ و سكون حسّيّ او عقلي كلّي او جزئي و تلك الملاۤئكة في ذواتهم و افعالهم بالنسبة الي امره الفعلي اي مشيته و الي امره المفعولي اي النور المحمدي صلي الله عليه و اله بمنزلة الشعاع من السراج و بمنزلة الصورة في المرءاة من الشاخص فالملائكة المدبرة متقوِّمون في ذواتهم بامره الفعلي تقوّم صدورٍ و بامره المفعولي تقوّم تحقّقٍ ركنيّ و ذلك كالنور من السّراج و كالصورةِ من الشاخص فالملاۤئكة بامره يعملون و هو قول الصادق عليه السلام في الدعاۤء كل شيءٍ سواك قامَ بامرك ، فهم بامره علي نحو القيوميّة المذكورة يحرّكون النفس و يصرفونها عن عالم الطبيعة و هي كارهة الي اخر ما ذكر و لو كان الامر كما ذكر المصنّف لماكرهت الموت و قوله و ليس الامر كما زعمته الاطباۤء و علماۤء الطبيعة ان سبب عروضِه۪ تناهي القوي الطبيعيّة او نفاد الحرارة الغريزيّة او زيادة الرطوبة الفضليّة و اقول اذا جرينا علي العبارة المبنية علي ظاهر الامر كان كلامهم اصح من كلامه لان النفس انما وضعت في هذا المكان الضيّق و حبست فيه علي خلاف محبّتها و لكنها لاتوضع الّا في مكان تامّ تتأدّي به شؤنها فاذا تناهت القوي الطبيعية التي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 572 *»
هي المصلحة لمسكنها و المُع۪ينة لها علي مطالبها و لمتقدر علي اصلاح المسكن خرب المسكن بلفح الرياح الاربع ريح الجنوب من الكبد و ريح الصبا من الرية و ريح الشمال من الطّحال و ريح الدبور من المرة الصفراۤء و لميبق لها قرار لخراب الديار و كذلك اذا نفدت الحرارة الغريزية التي هي الحافظة للروح البخاري الحامل للنفس الفلكية الحاملة للنفس الناطقة فاذا ذهب ما تتعلّق به ذهبت كاشراق الشمس اذا ذهب الجدار الذي يتعلّق به ذهب الاشراق و كذا الرطوبة الفضلية و يؤيّد هذا ما رواه كميل ابن زياد من حديث الاعرابي عن اميرالمؤمنين عليه السلام و قد تقدم بتمامه و منه قال اي الاعرابي و ما النفس الحيوانية قال عليه السلام قوة فلكيّة و حرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانيّة فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرّها القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدئت عَود ممازجةٍ لا عود مجاورة فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يضمحلّ تركيبها فقال يا مولاي و ما النفس الناطقة قال قوّة لاهوتيّة بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرّها العلوم الحقيقيّة الدينيّة مواۤدّها التأييدات العقلية فعلها المعارف الرّبانية فراقها عند تحلّل الٰالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدِئت عَود مجاورة لا عَود ممازجةٍ الحديث ، فذكر عليه السلام ان النفس الحسّية الحيوانية سبب فراقها اختلاف المتولدات فيختلف عليها المَدَد فيختلف عليها الاستمداد لعروض ما ينافيها فلايستقيم متعلّقها فيبطل فيخرج و ذكر عليه السلام ان الناطقة القدسيّة سبب فراقها تحلّل الالات الجسمانيّة التي هي متعلّق مركبها فاذا خربت آلٰاتها الجسمانيّة لميكن له تعلّق باصلاح محلّ متعلّقها اذ لاتتمكن من ذلك الّا بِالٰالٰاتِ بواسطة الحيوانية و كلامه عليه السلام مؤيّد لكلام الاطباۤء و الطّبيعيّين شاهد بصحة قولهم و ببطلان قول المصنّف و قوله او غير ذلك من تأثيرات الكواكب بحسب خطوطها عند طالع المولود لِانّها اذا اختلفت علي طالعه الخارج من المشرق عند سقوط المولود
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 573 *»
الي الدنيا من بطن امّه بما ينافيه اختلّ تركيب بُنْيَتِه اذِ استقامتها بنظر طالعه بطبعه و تأثيره فاذا عارضه مؤثر منافٍ له بطلت استقامة البُنْيَةِ لاختلاف المتولّدات و كلّ هذه اسباب جعل الله سبحانه لها تأثيراً و في تفسير العياشي بسنده عن ابيعبداللّه عليه السلام قال ان الله تبارك و تعالي خلق روح القدس و لميخلق خلقا اقرب اليه منها و ليست باكرم خلقه عليه فاذا اراد امراً القاه اليها فالقاه الي النجوم فجرت به ه ، و روي علي بن عيسي الاربلي في كشفالغمّة بسنده الي علي بن الحسين عليهما السلام في كلامه في ذم الدنيا في قوله الذي جمع فيه متفرق العلوم قال عليه السلام و ما عسيتُ اَن اَصِفَ مِحن الدنيا و اَبلُغَ من كشف الغطاۤء عمّا وُكِّلَ به دَور الفلكِ من علوم الغيوب الحديث ، مما يحدث من تأثيراتها من الكسوف و الخسوف و القاۤء اشعّتها من الحر و البرد و ما يتألّف من ذلك و ما يحدث بذلك من الاسباب او مع المطاعم و المشارب كالحمّي فقد قال صلي الله عليه و اله الحمّي راۤئد الموت و حرّها من فيح جهنّم و هي حَظّ كل مؤمن و مؤمنة من النار ه ، و ما وردت به الاخبار من ذكر الاسباب الموجبة للموت كثيرة جدّاً من الامراض و السموم و القتل و التردي و الغرق و ما اشبه ذلك مما يشهد للاطباۤء و يشهد علي المصنّف و قوله لما بيّن بطلانها في موضعه لا شك ان الباطل ذلك البيان المشار اليه لانه مبني علي اختياراته و هي كما سمعت ماتجد منها شيئا واحداً صحيحاً و ذلك مثل قوله بل سببه قوة تجوهر النفس و اشتدادها في الوجود و رجوعها بحركتها الذاتية الي جاعلها الذي منه بدؤها و اليه منتهاها الخ ، ماادري هل عنده ان نفس النبي صلّي الله عليه و اله ماقوِي تجوهرُهَا و لااشتدّت في وجودها الي ان عرج الي السماۤء و نزل و عاش بعده المدة الطويلة الي ان بلغ عمره ثلاثاً و ستين سنة و بعد هذه المدّة اشتدّت و لكن كلّ بياناته من نوع هذه الكلمات التي لايجد العارف فيها كلمة صحيحةً فبمثلِ هذه اَبْطَل حجّة الاطباۤء و الطبيعيّين و كلام الائمة الطّاهرين صلي الله عليهم اجمعين .
قال } قاعدة في الحشر حشر الخلاۤئق علي انحاۤءٍ مختلفةٍ حسب اعمالهم و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 574 *»
نياتهم فلقومٍ علي سبيلِ الوَفْد يوم نحشر المتقين الي الرحمن وفداً و لقومٍ علي سبيل التعذيب و يوم يحشر اعداۤء الله الي النار فهم يوزعون لاختلاف انواع الملكات السيئة فيهم الموجبة لاختلاف صورهم الحيوانية فلقومٍ منهم قوله تعالي و نحشره يوم القيمة اعمي و لقومٍ اذِ الاغلال في اعناقهم و السلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون و لقوم يوم يسحبون فی النار علی وجوههم و لقوم و نحشر المجرمين يومئذ زرقا و لقوم لهم فيها زفير و شهيق و لقوم اخسئوا فيها و لا تکلمون و لقوم فطمسنا اعينهم و بالجملة يحشر کل واحد علی صورة باطنه و يساق الی غاية سعيه و عمله کما قال تعالی قل کل يعمل علی شاکلته فربکم اعلم بمن هو اهدی سبيلا و فی حديث يحشر المرأ مع من احبه حتی انه لو احب احدکم حجراً لحشر معه ».
اقول : حشر الخلق علي انحاء مختلفة و ذلك علي حسب اعمالهم و نياتهم لان الاعمال هي صور الثواب و العقاب و هيئات تلك الاعمال و اوضاعها هيئات الثواب و العقاب و اوضاعهم و لهذا لا ينكر احد من الفريقين ما يثاب به او يعاقب به انه هو عمله و لذا قال تعالي و ما تجزون الا ما كنتم تعملون و قال تعالي ذق انك انت العزيز الحكيم ان هذا ما كنتم به تمترون و قد قال الله تعالي و لكل درجات مما عملوا , فمن قال تعالي فيهم و نحشره يوم القيمة اعمي يعني اعمي عن طريق الجنة لانه عمي في الدنيا عن ولاية اميرالمؤمنين عليهالسلام ففي الكافي عن الصادق عليهالسلام في قوله تعالي و من اعرض عن ذكري قال ولاية اميرالمؤمنين عليهالسلام اعمي البصر في الآخرة اعمي القلب في الدنيا عن ولاية اميرالمؤمنين عليهالسلام و هو متحير في القيمة يقول لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي قال الآيات الائمة عليهمالسلام و من قال تعالي فيهم اذ الاغلال في اعناقهم و السلاسل الآيات , عن الباقر عليهالسلام فاما النصاب من اهل القبلة فانهم يخد لهم خدا الي النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب و الشرر و الدخان و فورة الحميم الي يوم القيمة ثم مصيرهم الي الحميم ثم في النار
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 575 *»
يسجرون و لقومٍ يوم يسحبون في النار علي وجوههم و لقومٍ و نحشر المجرمين يومئذ زرقا و لقومٍ لهم فيها زفير و شهيق و لقومٍ اخْسئوا فيها و لاتكلمونِ و لقومٍ فطمسنا اعينهم و بالجملة يحشر كل واحدٍ علي صورة باطنِه۪ و يساق الي غاية سعيه و عمله كما قال تعالي قل كل يعمل علي شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدي سبيلاً و في الحديث يحشر المرء مع من احبَّه حتّي انه لو احبّ احدكم حجراً لَحُشِر معه { .
اقولُ حشر الخلاۤئق علي انحاۤءٍ مختلفة و ذلك علي حسب اعمالهم وَ نِيَّاتهم لان الاعمال هي صور الثواب و العقاب و هيئات تلك الاعمال و اَوْضَاعها هيئات الثواب و العقاب و اوضاعهم و لهذا لاينكر احد من الفريقين ما يثاب به او يعاقب به انّه هو عمله و لذا قال تعالي و ماتجزون الّا ما كنتم تعملون و قال تعالي ذق انك انت العزيز الكريم انّ هذا ما كنتم به تمترون و قد قال الله تعالي و لكلٍّ درجات مما عملوا ، فمن قال تعالي فيهم و نحشره يوم القيمة اعمي يعني اعمي عن طريق الجنّة لانه عمي في الدنيا عن ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام ففي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي و من اعرض عن ذكري قال ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام اعمي البصر في الاخرة اعمي القلب في الدنيا عن ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام و هو متحيّر في القيمة يقول لم حشرتني اعمي و قد كنتُ بصيراً قال كذلك اتتك اياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي قال الايات الائمة عليهم السلام و من قال تعالي فيهم اذ الاغلال في اعناقهم و السلاسل الايات ، عن الباقر عليه السلام فامّا النصّاب من اهل القبْلة فانهم يخدّ لهم خدّاً الي النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب و الشرر و الدخان و فَورة الحميم الي يوم القيمة ثم مصيرهم الي الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم اينما كنتم تشركون من دون الله اي اين امامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس اماماً و في البصاۤئر عنه عليه السلام قال كنتُ خلف ابي و هو علي بغلته فنفرت بغلته فاذا هو شيخ في عنقه سلسلة و رجل يتبعه فقال يا علي بن الحسين اسقني فقال الرجل لاتسقه لاسقاه اللّه و كان الشيخ معوية اقول و هذه السلسلة فيها ثلاثون من بنياميّة و اربعون من بنيالعبّاس و ذرعها سبعون ذراعا بذراع ابليس و من قال فيهم و نحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً فهم ممّن اعرضوا عن الولاية يحشرون زرق العيون لشدّة العطش او كناية عن العمي او لانّ زرقة العين تبغضها العرب و من قال تعالي فيهم لهم فيها زفيرٌ و شَه۪يقٌ فهم من الاوّلين المعرضين عن ذكر اللّه و منهم قتلة الحسين عليه السلام و الزفير اخراج النفس بفتح الفاۤءِ و الشهيق ردّه الي الجوف و من قال فيهم اخسئوا فيها و لاتكلّمونِ ، روي انهم اذا قالوا ربّنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون تُرِكوا مائة سنة ثم اتاهم الجواب اخسئوا فيها و لاتكلّمونِ و هؤلاۤء من المذكورين قبل و مَن قال فيهم فطمسنا اَعْيُنَهم فهم قوم لوط و من عمِلَ عمَلهم و بالجملة كل احدٍ يحشر عَلَي صورة ما استقرّ عليه عمله في باطنِه۪ وَ تخلّقَ من الأَعمال سواۤء تمحّضَ عمله عليه اوْ غلبَ و يُسَاق الي غاية سَعْيه۪ و عملِه لان اللّه عز و جل اقام في ساۤئر عالمه مَن يقوم بما يحتاجون اليه مما تبعثهم دواعيهم و مُيُولهم عليه و جعل له خلفاۤء اَعْضَاداً قاۤئِدين ساۤئقين يسوقون باذن الله كلّ عاملٍ الي ما يُسِّرَ له من عمله الذي خلق له بتمييز العلم القيّومي و في حديث ابيالطفيل عامر بن واثلة قال قلتُ يا اميرالمؤمنين اخبرني عن حوض النبي صلي الله عليه و اله في الدنيا ام في الاخرة قال بل في الدنيا قلتُ فمن الذاۤئد عليه قال انا بيدي فليَرِدَنّه اولياۤئي و ليُصْرَفنَّ عنه اعداۤئي و في رواية و لاُورِدنَّهُ اولياۤئي و لاَصرفنّ عنه اعداۤئي الحديث ، و ذلك كما قال تعالي قل كل يعمل علي شاكلته فربّكم اعلم بمن هو اهدي سبيلاً ، و كلّ من الخلاۤئق يكون مع من يعمل مثل عمله و هو قوله تعالي احشروا الذين ظلموا و ازواجهم اي اشباههم في اعمالهم الظاهرة و الباطنة و من انطوت سريرته علي ميلٍ ذاتي او
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 576 *»
تطبّعي الي شيءٍ فهو معه في رتبته و يحشر معه و في الحديث يحشر المرء مع مَنْ اَحبَّهُ حتّي لو احبّ احدُكم حَجراً لَحُشِرَ معَهُ لانّ المحبّة يظهر من اعْلي اكوانِ المُحِبّ فتكون من كنه حقيقته فيكون ميله الَي نوعهِ المشابه فيشاركه فيما يتّصف به من ثوابٍ و عقاب و من هنا قال تعالي احشروا الذين ظلموا و ازواجهم .
قال } فان تكرّر الافاعيل يوجب حدوث الملكات و الملكات النفسانيّة تؤدّي الي تغير الصورة و الاشكال فكل ملكةٍ تغلبُ علي الانسان في الدنيا يتصوّر في الاخرة بصورة تُنَاسِبُهَا و هذا امر محقق عند اهل اليقين حتّي ان الله سبحانه انما خلق الابدان الحيوانية علي طبق دواعيها و اغراضها النفسانيّة و خلق الاعضاۤء البدنيّة كالقلب و الدماغ و الكبد و الطحال و الانثيين و ساۤئر الاعضاۤء و الجوارح علي حسب مَأٰرِبِ النفس و هيئاتها الذاتية و كذا خلق لكل نوع من انواع الحيوانات آلاتٍ مناسبة لصفات نفوسها كالقرن للثور و المخلب للسبع و الظلف للفرَس و الجناح للطير و الناب للحيّة و الحمة للعقرب { .
اقول انّ تكرّر الافاعيل بحيث تقع بغير توجّه جد۪يد و قصد خاۤصّ يوجب حدوث الملكات لان الذوات تتّصف باثار افعالها فتلك الصفة ان قرّت بكثرة تكرر تلك الافعال حتّي كانت كالطبيعة الثانية بل طبيعة ثانية سمّيت ملكةً اي قوّة و قدرة و ان لمتستقر لعدم دوام الفعل بل يقع غيره سمّي حالا و الملكات النّفسانية تؤدي الي تغير الصورة و الاشكال و لكن لاتنسي ما ذكرناه لك سابقا من انّ الملكات النفسانية التي تغيّر الصورة حتي يحشر الرجل يوم القيمة سَبُعاً اوْ خنزيراً ليست من ملكات الناطقة القدسيّة لان الناطقة لاتلبس شيئا من صور الحيوانات بل الناطقة كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام مقرّها العلوم الحقيقيّة الدينيّة مواۤدّها التأييدات العقليّة فعلها المعارف الربّانية و قال عليه السلام في حديث كميل بن زياد لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياۤء بالنفوس الملكيّة و لها خاۤصيّتان النزاهة و الحكمة و نقل عنه عليه السلام انه قال الصورة الانسانيّة هي اكبر حجة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 577 *»
الله علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غاۤئب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الصراط المستقيم الي كل خير و هي الصراط الممدود بين الجنّة و النار ه ، و انّما هذه الملَكات الّتي تؤدّي الي تغير الصورة من النفس التي هي الامّارَة بالسوۤء التي هي ضدّ العقل و من النفس الحيوانيّة الحسّيّة الفلكية التي قال فيها اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث الاعرابي المتقدّم فعلها الحيوة و الحركة و الظّلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيويّة و التي قال فيها في حديث كميل ابن زياد لها قوي خمس سمع و بصر و شم و ذوق و لمس و لها خاصيتان الرضا و الغضب فان هاتين النّفسين هما الباعثتانِ للافعال التي تنشأ عنها الملكات المغيّرة للصورة الانسانية الي صور الشياطين و الحيوانات فالملكات المغيّرة بكسر الياۤء تنسب اليهما لا الي النفس الناطقة لانّها لاتصدر عنها الّا الملكات المقرّرة للصُّورة الانسانية الّتي هي صورة الاجابة و صورة الاجابة هي صورة الفِطْرة التي فطر اللّهُ الناسَ عليها لانها من هيْئة فعله فالملكات المغيّرة من الحيوانية و الامّارة و الصورة المغيّرة بفتح الياۤء هي صورة النفس الناطقة و ليس معني تغيرها انّها بنفسها تنقلب الي صور الحيواناتِ او الشياطين و انما هي كانت متعلقةً بالبدن ما دام تحت سلطنة الناطقة فاذا استولت عليه الامارة و الحيوانية ذهبت الصورة الناطقية و لحِقَتْ بالكرسي و صوّر البدن بما غلب عليه من الصورة الحيوانية او الصورة الامارة لانّ النّاطقية نور و النور لاينقلب الي الظلمة و انما يلحق بالمنير فتنبسط الظلمة في محلّ النّور اذا ذهب و الصورة الانسانية قد ورد في الاخبار انها نور و سماها الرضا عليه السلام بذلك و انها ترجع الي العرش و الراجع منها الي الكرسي عاۤئدٌ الي العرش لانّه من تأييداته فالمتغيّرة انّما هي الحيوانيّة و الاَمّارة و قوله فكل ملكةٍ تغلب علي الانسان في الدنيا يتصوّر في الاخرة بصورةٍ تناسبها و هذا امر محقق عند اهل اليقين هذا صحيح الّا انه ليس علي نمط
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 578 *»
الحكمة بحيث يقال انّ هذا سرّ الخليقة و امّا تحقيق ذلك و بيان مأخذه هو ان يقال انّما غلبت لان الحصّة الحيوانية التي في الانسان لميكن لها فصل مخصوص لانها في نفسها صالحة لان تلبس كلّ صورة فيصلح لها فصل الصاهل و الناهق و النابح و الناعق و ما اشبه ذلك و النفس الناطقة ماۤدّتها اشراق العقل و فصلها الناطق فالانسان فيه الحصّة الاشراقية مع فصلها الناطق و فيه حصّة من الحيوانيّة و حصّة من الامارة غير مفصولة بفصلٍ معيّن بل ما دامت النفس الاَمَّارة لمتطمئن فتدخل تحت فصل العقل لاتزالانِ تلبسانِ صور الحيوانات و الشياطين فقبلَ ان يتكرر الفعل من هاتين او من احديهما حتي كان اثره ملكة هما داخلتان تحت فصل الحصة الانسانية بالتبعية اي ليس لاحديهما فصل قاۤرّ فيها لازم لها بل الفصل القار للانسانية هو الناطق و الشخص من حيث وحدته لايقبل الفصول المتعدّدة الا علي جهة التعاقب فاذا لبست واحدة منهما فصْلاً من فصول جنسها ارتفع فصل الناطق حال حصول فصل لاحديهما حيواني او شيطاني فاذا لميستقر بان يكون اثره ملكة و ارتفع نزل فصل الناطق و هكذا كلما لبس صورة من صور الحيوانية او الشيطانية ارتفعت الصورة الانسانية فاذا ارتفعت كل الصورة نزلت الانسانية لايزني الزاني و هو مؤمن فاذا زنَي خرجَتْ منه روح الايمان و بقيت فيه روح الاسلام فاذا تاب عادت اليه روح الايمان فاذا تكرر الفعل من احدي الصورتين حتي كان اثره ملكةً خرجَتْ منه الانسانيّةُ بحيوانيتها اي بمادتها من التأييدات العقلية و بفصلها الناطق اي بصورتها الناطقية و ظهرت الصورة الحيوانية عليه اذا كان الفعْل المتكرر من الحيوانية الحسيّة الفلكية او الصورة الشيطانية عليه اذا كان الفعل المتكرّر من الامّارة بالسوۤء فالملكة الحيوانية او الشيطانيّة انّما تغلب اذا خرجت عليها الانسانية بماۤدّتها و صورتها فيكون المحشور حيواناً او شيطاناً ليس هو انساناً انقلب حيوانا لان الماۤدة الانسانية و الصورة الانسانية خرجَا من الشخص فهو حيوان كما قال تعالي ان هم الّا كالانعام بل هم اضلّ او شيطان كما قال تعالي شياطين الانس و الجن لا كما توهّمه المصنف من انقلاب الانسانية حيوانية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 579 *»
فقولنا انّ قوله فكل ملكةٍ تغلب علي الانسان في الدنيا يتصور في الاخرة بصورة تناسبها صحيح في الظاهر لانّ تبدّل الصور ليس علي الظاهر منافيا لما نقول لان هذا الشخص خرجت منه الانسانية و صار الٰان حيوانا لان الانسان كما مر فيه الحيوانية و الانسانية و لكن الحيوانية لمتكن مفصولة اكتفاۤءً بفصل الانسان فلما تقرّر فيهٰا فصلها خرجت الانسانية لانها ما دامت موجودة لميكن للحيوانية فصل خاۤص فالصُّوَر تتعاقب علي الشخص و لاتجتمع فيه فاذا اطمأنت الامّارة كانت اخت العقل لاستيلاۤء العقل عليها حتي نسيت اعتبارها من نفسها فيَضمحل اعتبار الحيوانية لنفسها و قوله حتي ان الله سبحانه انما خلق الابدان الحيوانية علي طبق دواعيها و اغراضها النفسانية صحيح لكن في الحيوان لا في الانسان اي انما خلق الابدان الحيوانية في الحيوان لا في الانسان لان الصورة الناطقيّة لاتكون دواعيها الّا بما يحب الله و يرضي كما اشرنا اليه من كلام علي صلوات اللّه عليه و اله و كذا باقي كلامه يعني انه صحيح بمعني انّ الله سبحانه خلق آلٰات كل شيء بحسب دواعيه لا بحسب دواعي غيره فالصورة الحيوانية مخلوقة بحسب دواعي الحيوان لا الانسان فكلّ ما ذكر و مثّل مِنْ مناسبة الٰالات لصفات نفوسها كالقرن للثور و المخلب للسَّبُع الي اخره مؤيّد لما ذكرناه .
قال } و من نظر الي اصناف الناس من كل صنعةٍ و عمل الكاتب و الشاعر و المنجّم و الطّبيب و الزارع و غيرهم تجد هيئات ابدانهم مناسبة لدَواعي نفوسهم فانّ الهيئات ترد من النفوس الي الابدانِ اوّلا كما ترتقي من الابدان الي النفوس ثانيا فيتصوّر في الاخرة بصورتها و اليه الاشارة بقوله تعالي و المبتّكين اذان الانعام و المغيّرين خلق اللّهِ قال بعض اصحاب القلوب كل مَن شاهَد بنور البصيرة باطنه في الدنيا رءاه مشحونا بانواع المؤذيات من الشهوة و الغضب و المكر و الحسد و التكبّر و العجب و الرّيا و غيرها الّا ان اكثر الناس محجوب العين عن مشاهدتها فاذا انكشف الغطاۤءُ بالموتِ عاينها و قد تمثّلت بصورها و اشكالها المحسوسة الموافقة لمعاينها فيري بعينه ان النفسَ قد تشكّلت بصور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 580 *»
السباع و البهاۤئم و قد احدقت به العقارب و الحيّات تلدغها و تلسعها و النار قد احاطت به و احرقته و انما هي ملكاته و صفاته الحاضرة الّا ان تساعده الرحمة و تنجيها من العذاب لاجل الايمان و العمل الصّالح { .
اقول قوله و من نظر الخ ، يعني انّ من نظر بعين البصيرة و كانت له بصيرة و نور من عند الله بسبب قابليته الظاهرة كالخلقة الصالحة و كالباطنة كالعمل و القلب المجتمع الي كلّ عاملٍ لعملٍ و صانعٍ لصنعةٍ كالكاتب و الشاعر و المنجّم و الطبيب و الزارع و غيرهم يجد هيئات ابدانهم و تراكيب طباۤئعهم مناسبة لدواعي نفوسهم و هذا صحيح لا شبهة فيه فان الشاعر مثلا طبيعته و هيئات مشاعره موزونة اَلَاتري انه اذا اتي ببيتِ شعرٍ و فيه زحاف غير مقبول لمتقبله طبيعته و عرف صحته و فساده لانّه يزنه بطبعه فلاينطبق عليه شيء من الشعر المعوجّ و الا فليس بشاعرٍ لانّ طبع الشاعر موزون بوزن البحور التي جري عليها طبعه او تطبعه و ما لميكن كذلك لميتأتَّ له الشعر حتي لو كان بحرٌ لميكن طبعه موزوناً به و لا تطبّعه لميصدر منه فان العرب مع فصاحتهم و بلاغتهم ديوانهم الشعر و به يفتخرون و لميقل منهم احد شعراً من بحر كان و كان مثل قول الشاعر :
مَن لاتري الشمس عينُهْ ** * ** و لاتري البدرَ مقلته
و لا الصباحُ المشرق ** * ** ايش ينفعه قنديل
فانتَ ذا في اعتقادك ** * ** تشرب علي هذا الظّما
ماۤءَ البحار السبعة ** * ** و لاتبلّ غل۪يل
و الحاصل ان هذا شيء ظاهر ليس فيه علي ظاهره اشكال و ان كان لو نظرنا في حقيقة هذه المناسبة ظهر خلافه ( اي فيه اشكال ) و هو انه هل باعثها ( الملكة ) في البدن تصوّر النفس بتلك الملكة و تصوّر البدن علي ذلك تابع ام الباعث ( للملكة ) في النفس تصوّر البدن بتلك الهيئة لانَّ صورته ( اي صورة البدن ) علي تلك الهيئة مقتضية لفعل النفس ما يناسب تلك الصورة
كما قال العلماۤء في قصّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 581 *»
السامري حيث صنع الذهب بصورة العجل فلمّا وضع في فمه التراب الذي قبضَهُ من اثر حيزوم فرس الحيوة خار و لو انّه صنعه انسانا و وضع في فمه التراب تكلّم و لو صنعه كلبا نبحَ او فرساً صَهَلَ و ليس ذلك الا لانّ الروح تابعة في تشخّصِها لتشخُّصِ الجسَدِ و قد يستفاد مما تقدم من كلامنا رجحان الوجه الثاني و في قوله عليه السلام السعيد من سعد في بطن امّه و الشقي من شقي في بطن امّه اشارة او تصريح بذلك و كذا فيما روي عنه عليه السلام ما معناه ان النطفة اذا وقعت في الرحم امر تعالي ملكين خلّاقين فاقتحما بطن المرأةِ من فمها فيقولان يا ربنا نخلقه ذكرا ام انثي فيأمرهم بما اراد ثم يقولان يا ربّنا نخلقه سعيداً ام شقيا فيأمرهم بما اراد و من عرف هذا و عرف ان البدن تكوّن قبل الروح كما هو مذهب المحقّقين و انها كالماۤء و الهواۤء تتقدّر و تتصوّر بهيئة الاناۤء ظهر له صحة الوجه الثاني و قولنا ان البدن تكوّن قبل الروح علي ما هو اختيار المحقّقين لاينافي ما دلّ علي كونها قبل الابدان باربعةالاف سنة لان تقدّم الارواح علي الابدان تقدّم دهري و تقدّم الابدان علي الارواح تقدّم زماني و مثاله في الشاهد ما مثّلنا به قبل ذلك بحبّة الحنطة التي هي آية الروح فانها قبل العُود الاخضر و السنبلة و ليس المنَمّي للعود الاخضر هو الحبّة ليعترض المعترض و انما المنمّي له هو النفس النباتية و ان الحبة عدمت صورتها في العود الاخضر و بطل تركيبها و كمنت طبيعتها في غيب العود الاخضر حتي تلقح السنبلة فتظهر الحبّة من غيب العود الاخضر علي حسب قوّة العود و السنبلة و ضعفهما في القوة و الضعف فافهم و اقبل ما كشفتُ لك من الاسرار المكتومة عن الاغيار و قوله فان الهيئات ترد من النفوس الي الابدان اوّلاً كما ترتقي من الابدان الي النفوس ثانيا فيه ان الهيئات الواردة من النفوس عبارة عن مظاهرها و هي صفة النفوس الظاهرة من اثارها من حيث هي ظاهرة و هي مواۤدّ الابدان فانها و ان كانت اعراضاً بالنفوس الّا انها جواهر بالبدن كما هو شأن المعلولات بالنسبة الي عِلَلِها الحقيقيّة فهيئتُها الواردة منها الي البدن هيئة فعليّة لا ذاتيّة لان افعالها منوطة بالاجسام و مثال ذلك حبّة الحنطة المَزْروعة فان هيئتها الواردة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 582 *»
علي العود الاخضر يريد اعلي الله مقامه ان الحبة بمنزلة النفس و العود الاخضر بمنزلة البدن و السنبلة بمنزلة النفس ثانياً في العود فالحبة لها مادة و هيئة فعلية في نفسها ذاتية و هيئتها الذاتية ليس ترد علي العود الاتري ان هيئة العود غير هيئة الحبة فذات هيئة الحبة لاترد علي العود و انما الوارد فعلها و يتقدر بحسب قابلية العود و ذلك الفعل يجري في قوابل السنبلة فيتقدر بقدرها فالعاملة في العود هي النفس النباتية الحاملة لفعل الحبة و ذلك ان النفس النباتية التي في الحبة متهيئة بهيئة الحبة الذاتية و النفس النباتية التي في العود متهيئة بهيئة الحبة الفعلية فالعاملة في العود النفس النباتية التي في العود فانها تحمل ما جري اليها من فعل الحبة . كريم
هيئة فعلية و العاملة فيه ( في العود ) هي الحامِلةُ لِفِعْلها و هي النفس النّباتِيّة ( التي هي مادة العود ) فانّها هي الحاملة لتلك الهيئة الفعليّة كما انّ النفس النّباتيّة في العُود الاخضر و السّنبلة هي الحاملة لهيئة الحبّة الفعلية و الهيئات الفعلية انّما تنشأ من قوابل المفعولات لان الافعال تجري في المفاعيل عَلَي حسب قابليّتها فاذَا تقدّرَتْ صورة فعل النّباتيّة علي هيئة قابلية البدن و تَحقّقَتْ ( القابلية و هيئتها او صورة فعل النباتية جميعها محتمل ) كانت مطرحاً و متعلّقا لافعال النفس بمعني ان النفس تجري في افعالها علي حسب مقتضي هيئةِ ذلك البدن فان كانت تلك الهيئة مطابقة للفطرة الانسانية كانت لايجري علي مقتضَيها من الافعال الّا ما يكون مطابقا لامر اللّه و محبّتِه فتكون الملكات الناشية عن تلك الافعال مقرّرة و مؤكدة لتلك الهيئة البدنية و ان كانت مخالفةً للفطرة الانسانيّة كانت الافعال المطابقة لامر اللّه و محبّته لاتجري علي مقتضيٰهَا و انّما تجري علي مقتضاها ( صورة البدن ) و يتعلّق بها من الافعال ما يخَالف امر الله و محبّته و النفس الناطقة القدسيّة لايصدر عنها فعل يخالف امر الله و محبّته لان ماۤدّتها التأييدات العقْلية و العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان بل تكون مرفوعة التصرّف بحيلولة افعال النفس الحيوانية الحسيّة الفلكية لانها هي التي يكون فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيويّة كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام و بحيلولة افعال النفس الامّارة بالسوۤء و افعالها موافقة لمقتضي الهيئة المخالفة لامر الله و محبّته فيلبس البدن بملكات افعالهما صورة ما غلب من ملكات افعالهما فهاتان النفسان هما المتصورتان بصور الشياطين و الحيوانات و امّا الناطقة اذا كُفّت عن التصرف
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 583 *»
فانها تلحق بالكرسي و لاتلبس شيئا من صور الشياطين و الحيوانات و ليس شيء من هَيئات ذات الناطقة يرد علي البدن و لا شيء من هيئاته يرتقي الي ذات الناطقة و ان كان في الهيئات الموافقة لامر اللّه و محبّته و انما الوارد النازل اثر افعالها كاشراق الشمس علي الجدار علي نحو ما قرّرنا و شاهد هذا بعد العقل من النفس
قول اميرالمؤمنين عليه السلام فيما روي عنه ان بعض اليهود اجتازَ به عليه السلام و هو يتكلّم مع جماعة فقال يا ابن ابيطالب لو انّك تعلّمتَ الفلسفة لكان يَكون منك شأن من الشأن فقال عليه السلام و ما تعني بالفلسفة اليس من اعتدل طباعه صفا مِزاجه و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقد تخلّق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجوداً بما هو انسان دون ان يكون موجوداً بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغيّر فقال اليهودي الله اكبر يا ابن ابيطالب فقد نطقتَ بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي الله عنك ه ، فافهم كلامه عليه السلام في قوله قوي اثر النفس فيه فان اثر الشيء يراد منه ما احدثه بفعله و في قوله فقد تخلّق بالاخلاق النفسانيّة فانه كما تخلّق الجدار بالاخلاق الشمسيّة اي استنار باثرها الذي هو اشراقها و قوله ( قول المصنف ) فيتصوّر في الاخرة بصورتها يعني بصورة ذاتها و الحقّ انه يتصوّر بصورة اثرها اي اثر فعلها كما في الجدار و الفعل يعطي هيئته علي حسب قابليته و الّا لكان العبد مظلوماً و اذا كانت الصورة يخالف مقتضاها امر اللّه و محبّته كانت الملكة المؤثرة ناشية من افعال النفس الحيوانية اوِ الامّارة و ليس للناطقة في شيء من ذلك مدخل لا بفعل و لا بمحبّةٍ و كل ذلك بخلاف ما يقوله المصنف و يريده و قوله و اليه اي الي ما يدّعيه من ان الملكات المغيّرة للصور من الصورة الانسانية الي الصور الشيطانية و الحيوانية تكوّنت من افعال الناطقة القدسيّة الاشارةُ بقوله تعالي و المبتّكينَ آذان الانعام و المغيّرين خلق اللّهِ و المبتّكون الشاۤقّون اذان الانعام علامةً علي كونها لاتؤكل لحومها و لاتركب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 584 *»
ظهورها و هي التي اشار سبحانه اليها بقوله ماجعل اللّه من بحيرةٍ وَ لا سَاۤئبةٍ و لا وَصيلةٍ و لَا حٰامٍ روي ان البحيرة الناقة اذا انتجت خمسة ابطُنٍ فان كان الخامس ذكراً نحروه و اكله الرجال و النساۤء و ان كان الخامس انثي بَحَرُوا اذُنها اي شقّوه و كانت حراماً علي النساۤء لحمُهٰا و لبنُها فاذا ماتت حَلَّتْ للنساۤء و الساۤئبة البعير يسيّب بنذرٍ و يكون علي الرجل ان سلّمه الله عز و جل من مرضه او بلّغه منزلَهُ ان يفعل ذلك و الوصيلة من الغنم كانوا اذا ولدت الشاة سبعة ابطن فان كان السابع ذكراً ذبح و اكل منه الرجال و النساۤء و ان كان انثي تركت في الغنم و ان كان ذكراً و انثي قالوا وصلت اخاها فلمتذبح و كان لحمها حراما علي النساۤء الا ان يموت منها شيء فيحلّ اكلها للرجال و النساۤء و الحام الفحل اذا ركب ولَدُ ولدِه۪ قالوا قد حمي ظهره و يروي الحام من الابل اذا انتج عشرة ابطن قالوا قد حمي ظهره فلايركب و لايمنع من كلاۤءٍ و لا ماۤءٍ فالفاعلون مثل ما ذكرهم المبتّكون آذانَ الانعام اي الشاۤقّون فقد وسموا الانعام لاجل علامات تناسب اغراضهم فيما لميؤمروا به و المغيّرون خلق الله ظاهراً بمعني المبتّكين لانهم بشَقِّهم آذانها بغير امرٍ من اللّه و انما افتروا الكذب عليه تعالي فقد غيّروا خلق اللّٰهِ في الكون و في الحكم و في التأويل انّهم استولوا علي ضعفاۤء و وسموهم و استخدموهم في شهوات انفسهم فهم رعاياهم و انعامهم و شقّوا آذان قلوبهم بما صرفوها الي شؤنهم في معاصي اللّه و غيّروا خلق الله فانّ الله سبحانه انما خلق الناس لاولياۤئه عليهم السلام و خلق لهم قلوباً يتّبعون بها اولياۤئه في طاعته و لكن الذين كفَرُوا يفترون علي الله الكذب حيث سمّوا انفسهم باسماۤئهم التي هي اسماۤؤه فهم الذين يلحدون في اسماۤئه لانهم سمّوا انفسهم باسماۤءِ اولياۤئه عليهم السلام و وسموا رعيّة الاولياۤء و انعامهم بِم۪يسم طاعتِهم و الله سبحانه خلقهم علي فطرة طاعته فغيّروا خلق اللّهِ الي فطرة طاعتهم و صورة فطرة طاعة اللّه و طاعة اولياۤئه عليهم السلام هي الصورة الانسانيّة و صورة فطرةِ طاعةِ المفترين علي اللّه الكذِبَ هي الصور الشيطانية و الحيوانيّة و هي من النفسِ الامّارة و النفس الحيوانية لا من الناطقة القدسيّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 585 *»
و قول اصحاب القلوب و يعني بهم بعض الصوفيّة و اشباههم من الحكماۤء كلّ من شاهدَ بنور البصيرة باطنَهُ في الدنيا رءاه مشحونا بالمؤذيات يريدون به انّه يجد باطنه مشحوناً من الامور القبيحة من الشهوة التي هي منشأ الملكات النفسانية الحيوانية و الغضب الذي هو منشأ الملكة النفسانية السبعيّة و المكر و الحسد و التكبر و العجب و الرياۤء التي هي منشأ الملكات النفسانية الشيطانيّة و هي التي تتصوّر بها النفس الحيوانية و الشيطانيّة و صور هذه الصور تنتقش في ارض البرزخ بل و صور اسبابها فاذا وضع في قبره
اوّل مَن يأتيه رُومان فَتّان القبور فيولج الروح فيه الي صدره ثم يأمره فيكتب جميع اعماله في قطعة من كفنه ثم يطوّقه بها في عنقه فتكون اثقل عليه من جبل احُد و هو قوله و كل انسان الزمناه طاۤئره في عنقه الاية ، ثم يأتيه منكر و نكير فيحاسبانه باعماله ثم يفتحان له من عند رأسه باباً الي واد مَدّ بصره كلّه مشحون من صور تلك الافعال و الملكات التي انتقشت في تلك الارض ارض البرزخ و هو كلاب و خنازير و سباع و قردة و حيات و عقارب و خيل و بغال و حمير و ساۤئر انواع الحيوانات و ساۤئر انواع الشياطين و ساۤئر انواع الجان كل منها علي صور مختلفة و كلّ منها مقبل عليه و قاصِدٌ له بالاذِيّة و لا ملجأ له عنها لانها لازمة له كلزوم الظل للشاخص و تلك هي هول المطلع و هذه الامور يشاهدها من كشف الغطاء عن بصيرته لا خصوص تلك الطائفة و عبارة المصنف لاتفيد بظاهرها ارادة الخصوص و لكن المعروف من طريقته ان ما سوي اولئك محجوبون و ان رأوا شيئا رأوا غير ما هو الواقع فلذا قلت لا خصوص تلك الطائفة و لذا قال او قالوا الا ان اكثر الناس محجوب العين عن مشاهدتها فاذا انكشف الغطاء بالموت عاينها و قد تمثلت بصورها و اشكالها المحسوسة الموافقة لمعاينها فيري بعينه ان النفس قد تشكلت بصور البهائم و السباع و قد اشرنا لك مرارا ان النفس المتشكلة هي الحيوانية الحسية الفلكية و الشيطانية اعني الامارة و انه يري ان العقارب و الحيات قد احاطت به تلدغها اي تلدغ النفس و تلسعها و النار قد احدقت به و احاط به سرادقها قال المصنف و انما هي ملكاته و صفاته
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 586 *»
الحاضرة الا ان تساعده الرحمة اي الانسان و تنجي نفسه من العقارب لاجل الايمان و العمل الصالح و قد سمعت ما قلنا في رد قوله ان كل ما في الاخرة من نوع الاعتقادات و النيات .
)٣٣٤(
بالجملة النفس بالفعل مقدمة علي الجسد الزماني تقدما دهرياً يعني هي قائمة فوق الجسد في الدهر و الجسد تحتها في الزمان و قد تنزلت الي الزمان مبهمة و غاصت في الجسد ثم خرجت عنها معينة و هي هي في مقامها قبل النزول و بعد الخروج و يقال خرجت بالنسبة الي الزمان و بعبارة اخري من جهة اخري هي في محلها و الجسد ماكان يحكيها لكثافته فاذا لطف حكيها فهي هي في مقامها مادتها من الاعلي و نزلت و صورتها من الاسفل و صعدت و ذلك ان الناطقة مرتبطة بالحسية و متعينة بها كونا و الحسية مرتبطة بالنباتية متعينة بها كونا فتشخصها و تعينها صاعد من الاسفل