شرح العرشية الجزء الاول – القسم الثانی
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
قال { ثم ما اشدَّ في السخافة قول مَن زعم انّ هذه الصُّوَرَ الماۤدّية مع انغمارها في المواۤدّ و امتزاجها بالاعدام و الاغشية و الظلمات اللازمة للامكنة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 155 *»
الازمنة و الاوضاع صُوَراً علميّة حاضرة عنده تعالي حُضوراً عِلميّاً و البرهان قاۤئم علي ان هذا النحو من الوجود الماۤدّيّ وجود ظلماني محتجب بنفسه عن نفسه و هو بحسب هذا النحو حضوره لذاته عينُ غيبة ذاته عن ذاته و جمعيّته عين افتراقه و وحدته عين قوّة كثرته و اتّصاله عين قبول انقسامه .}
اقول ما اشدَّ سخافةَ قولِ المصنّف في الردّ علي هؤلاۤء فانه بعد اعترافه بانه تعالي بكلّ شيءٍ عليمٌ و انّه خالقُ كلِّ شيءٍ و انه يعلم مَنْ خلق فما يقول في هذه الصور المادّية مع ما هي عليه من انغمارها في المواۤدّ و امتزاجها بالاعدام و الاغشية و الظُلمات اللازمة للامكنة و الازمنة و الاوضاع فان قال كَانت شيئاً فاللّه سبحانه خلقها و الخالق يعلم خلقه و لاتكون ماۤدّيتها و كثافتها مانعة من كونها معلومةً كما انها لاتمنع من ان تكون محدثة و ان كان الفعل ما في الامكان ما يساوي تجرّده و لطافته فكما ان فعل الله الذي هو مشيّة الله سبحانه و ابداعه يتعلّق بالمادّيات بواسطة اسبابها من الغيب و الشهادة علي الترتيب الطبيعي كذلك يتعلّق بها العلم الامكاني بواسطة تلك الاسباب هذا علي قول غيرنا و اما علي قولنا من انّ العلم عين المعلوم فبالطريق الاولي و كلّ شيء من تلك الاسباب المتوسطة علم بنفسه و كلّها اشراقي فعلي و ترتّب وضع الاشراقات فيها كترتب الاشعة المتعددة المراتب بالنسبة الي منيرها فان الشمس مشرقة علي الجدار و علي مقابله بواسطة اشراقها علي الجدار و علي مقابل مقابله بواسطة المقابل الاوّل و هكذا و كلها اشراقات لِلشمس و ان كان بعضها بواسطة بعضٍ فكذلك العلوم الاشراقية فان العلم بعقل الكلّ مثلاً اشراق بواسطة الحقيقة المحمديّة و هي مع الفعل و بالنفس الكلية بواسطة عقل الكل و بطبيعة الكل بواسطة نفس الكل و بجوهر الهباۤء بواسطة طبيعة الكل و هكذا نزولاً مترتّباً الَي الثّري كلّ واحدٍ علم و معلوم بتوسطه علّته في العِلميّة و المعلوميّة و كلّها اشراقي بواسطةِ اشْراقيٍ فانبساط العلمِ بها عليها نفسُ انبساط الايجاد عندهم و بانبساط الايجاد عندنا و الاعدام و الاغشية و الظلمات ربما صُوِّرَتْ و كوّنت به كالمجرّدات حاضرة عنده سبحانه حضوراً علميّاً و معلومِيّاً كلّ في مكان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 156 *»
حدوده و زمان وجوده حاضر عنده تعالي بما هو به هو من كونه في تكوينه فايْن سخافة هذا القول و البرهان القاۤئم يقعد و يقوم البرهان الحقّ و ذلك انّ البرهان الذي ادّعي قيامه علي انّ هذا النحو من الوجود الماۤدّي يعني الصور الماۤدّية و الاجسام العنصريّة وجود ظلماني الخ ، يقعد قعود انقطاع و تهافتٍ و يقوم البرهان الحقّ علي خلاف لازم القاعدِ بان العلم امّا صورة المعلوم او ذات المعلوم فان فرض انه صورة المعلوم و صفته لميكن في كون صفة الكثيف و صورته كثيفةً بأس بوجه اذِ الحكمة الالهيّة تقتضي كون الصفة وصف الموصوف و اتّصافه بما هو عليه في نفسه من لطافةٍ او كثافةٍ فلو فرض كون صفة الموصوف الكثيف لطيفةً او الموصوف الطويل عريضةً او بالعكس فيهما او الابيض سوداۤء او بالعكس لمتكن تلك الصفة صفة و لا الموصوف موصوفا بها و لو كانت صورة العلم بالابيض سوداۤء لمتكن علما به من هذه الحيثيّة و لو كانت صورة العلم باللطيف كثيفةً او بالعكس لمتكن علماً به كذلك بل يجب ان يكون العلم مطابقاً للمعلوم في جميع ما هو عليه و الّا لميكن علماً بذلك المعلوم و اذا كان الحكم علي الصور العلميّة بانها خارجة عن الذات فلا بد من كون صورة العلم بالطويل طويلة و بالقصير قصيرة و باللطيف لطيفةً و بالكثيف كث۪يفةً و امّا انّ المناسب للعلم ان يكون مجردا او لطيفا فانه يجري في المناسبة و في التعلق و غيرهما مجري الفعل كما قلنا سابقا فكما ان الجسم الكثيف صدر عن فعلِ اللّه الذي ليس في الامكان الطف منه و لا اشدّ تجرّدا كذلك يتعلّق العلم به الذي هو فرع علي الفعل في جميع احواله فيكون مثل الفعل في التعلق بالوساۤئط و عدمها فكما ان الجسم الذي هو ابعد الماديات قاۤئم بالفعل قيام صدور هو و جميع اسبابه كذلك يكون تعلّق العلم به اي علي نحو تعلّق الفعل به هذا اذا لمنقل بكون العلم عين المعلوم اما اذا قلنا به كما هو الحق فلا شبهة في صحة كون الماۤدّية منه مطلقا و الّا لمتكن معلومةً اذِ العلم به حضوره بما هو به هو و انّما هو حضورُه بما هو به هو و ما هو به هو هو ما هو عليه من الكثافة و الظلمة و ما اشبههما
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 157 *»
و قوله وجود ظلماني محتجب بنفسه عن نفسه لاينافي صحة كونه علماً فان كونه وجودا ظلمانيّا هو ما هو عليه في ذاته و لايعلم الشيء بغيره لانّ غير كونِه ظلمانيّاً غير حقيقته و لاتعلم حقيقة الشيء بغير حقيقته فلو كان محتجباً بنفسه عن نفسه لماعلم الّا بانه محتجِب بنفسه عن نفسه و لو علم بغير كونه محتجبا بنفسه عن نفسه لكان المعلومُ غيره علي انا لو لمنقل ان العلم عين المعلوم بل هو صورته لكانت صورة الماۤدّي المظلم المحتجب بنفسه عن نفسه اي الصورة البسيطة المجرّدة هي صورته التي هو عليها من غير زيادة و لا نقص اذ لو كان فيها زيادة لماكانت صورته البسيطة المجردة عن الغير بل هي صورته التي هو عليها و زيادة فصورة الشيء البسيطة صورته لا غير و قوله و هو بهذا النحو حضوره لذاته عين غيبة ذاته عن ذاته غلط بل هو بهذا النحو من التركيب و الظلمة و الكثافة هو لا غيره فحضوره لذاته عين حضور ذاته لذاته فانا اسألك عمّا تعقل من فهمك و وجدانك اذا حضر عندك الحجر حضوره لك الذي به علمته هو حضوره لذاته ام لا بمعني انه حين حضر لك بذاته لمتحضر ذاته لانه لو كان كذلك لماحضر لك شيء اذا لميحضر بذاته فحضوره لذاته اي حضوره الذاتي عين حضور ذاته لذاته لا عين غيبة ذاته عن ذاته اذ لو غابت ذاته عن ذاته لميحضر شيء و المصنف اراد عدم شعور ذاته بذاته و هذا لو سلمناه لماكان شرطاً لعلم العالم به اذ شرط علم العالم ان يكون العالم مشعراً بالمعلوم حاضراً عنده بما هو به هُوَ لٰا اَنّ المعلوم يكون مشعِراً بنفسه عند نفسه او بكونه معلوماً عند العالم و اين هذا من ذاك بل المعني الحق ان الشيء لايكون حضوره لذاته عين غيبة ذاته عن ذاته بل حضوره لذاته عين حضور ذاته لذاته و الّا لميحضر شيء اصلا و العلم حضور المعلوم للعالم لا للمعلوم مع ان حضور المعلوم بما هو به هو للعالم هو عين المعلوم فاذا كان حضوره عينه لميكن حضوره غيبة عين ذاته عن ذاته بل هو حضور عين ذاته لذاته كما ذكرنا مكرّرا و قوله جمعيته عين افتراقه ليس كذلك لان الممكن لايكون اجتماعه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 158 *»
عين افْتراقه الّا باعتبارين و كذا وحدته عين قوّة كثرته و اتصاله عين قبول انقسامه اذ جميع الممكنات مشتركة في هذه اي في ان اجتماعها لايكون عين افتراقها الّا بلحاظين فان زيداً المركب من وجود و ماهيّة كان اجتماعه من جهة وحدة زيد و افتراقه من تغاير الوجود للماهية و كذا الباقي علي انا نقول هذه الاشياۤء المظلمة الغاسقة الماۤدّية كيف لاتصلح ان تكون علما حادثا اشراقيا بانْ يكون العلم الحادث البسيط المجرد عن المواۤدّ كلّها و ذاتها او كلّ صفاتها و يصلح ان يكون الحق عز و جل كلها لانّها من الاشياۤء و بسيط الحقيقة كلّ الاشياۤء و عينها ان هذا الّا اختلاق .
قال { و قل لي ايّها الرجل العلمي اذا كان بما هو الوجود بالذات للبارئ حاضراً عنده بصورته المغمورة في المادة الوضعيّة التي لاينالها الحسّ فضلاً عن الخيال او تعقل فكيف يكون المعقول بما هو معقول بالفعل صورة ماۤدّيّة و قابلاً للقسمة المقدارية و الاشارة الوضعيّة و الوجود العقلي نحو من الوجود مخالف و مباين للوجود الوضعي فمحال ان يكون التّعقل تجسّما و المجسّم معقولاً .}
اقول يريد انّ علم الله سبحانه بها حضورُها عنده بما هي وجود بالذات فلو قلنا بانّ صورتها الماديّة المغمورة في الماۤدّة التي لها وضع من ترتيب اجزاۤئها بعضها علي بعضٍ او ترتيب اجزاۤئها علي اجزاۤءٍ خارجةٍ عَنْها الَّتي يتعالي الحسُّ مع انحطاطه عن مقام التجرّد عن ملايمتها فضلاً عن الخيال او تلايمها المتعقِّلات التي لاتلايم الّا المجردات عن المواۤدّ كالمعاني بل لاتكاد تدرك الصور المجرّدة عن المَواۤدّ الّا بتوسُّطِ النفوس لكُنَّا قائلين بملايمة الماديّات للمجرّدات و مجانستِها لهَا لان هذا شيء لايكون و كيف يكون المعقول بما هو معقول بالفعل لا بالقوّة صورة ماۤدّيةً و يكون قابلاً للقسمة المقداريّة مع تجرّده المنافي للقسمة و المقدار و قابلاً للاشارة الوضعيّة كذلك لكونها من لوازم الحيّز المنافي للتجرّد و اقول و في هذا كله ما ذكرنا من صحة ذلك مع الوساۤئط كلّ شيء بحسبه فان حضور كل شيء عين ما هو عليه مما به هو هو و ما به الشيء هو وجوده بما تعيّن به و تحقّق في مكانه و زمانه من مراتب الوجود و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 159 *»
هذا هو ما عليه كل شيء من الاشياۤء و كل شيء من الاشياۤء لايكون معلوما الّا بما هو عليه و لايعلمه العالم الّا بما هو عليه و تحققات هذه الاشياۤء و تميّزاتها بما به متعيّنة هي التي علمها الله تعالي بها و هي صور علمه بها و مجموعها كتابه المحفوظ فعلي ما اخترناه تكون كلّ صورةٍ علمه تعالي بها و كلّ جسمٍ علمه تعالي به فاذا تعقّلتَ صورة زيدٍ فانّ المدرك لها من مشاعرك العقل لكنّه بنفسه لايدرك الّا معني زيدٍ المجرَّد عن الصورة و يدرِكُ الصورة بواسطةِ النفس و يدرِك جسم زيد بواسطة النفس و النَّفس بوَاسطة البصر فالعقل يدرك الجسم بواسطتين فعلي رأينا علمك بالجسم نفس الجسم الحاضر في الخارج و بالصورة نفسُها الحاضرةُ في خيالك و بمعني زيد نفسُ معني زيدٍ في العقل و علي القول بالمغايرة علمك بمعناه عقلك المدرك له و بصورته عقلك بواسطة النفس و بجسمه عقلك بواسطة النفس و البصر فعلمه تعالي بهذه الاجسام المادّية عندنا نفسها و عينها الحاضرة عنده تعالي فيما اقامها به من المكان و الزمان و عند اولٰۤئِك علمه تعالي بها حضورها عنده تعالي بوساۤئط ايجادِها من فعله فكما ان فعله الذي هو اشرف الممكنات و اشرف من علمه بها لانّه احدثه تعالي بفعله انّما تعلّق بها بتوسط عللِها كذلك علمه بها يتعلّق بها بواسط علل ايجادها فلا محذورَ في ان يكون المعقول بما هو معقول بالفعل لا بالقوّة صورة ماۤدّية الي اخر ما قال اذ معقوليتها حضرت لعاقلها في رتبة كونِها بوساۤئط ايجادها و انوجادها اذ حُضورها بما اَحْدثه به عليه فافهم و المصنّف لو انه التفتَ الي وساۤئط تكوينها و تكوّنها لماانكر ما قلنا و قوله و الوجود العقلي نحو من الوجود مخالف و مباين للوجود الوضعي فيه انه ليس مخالفاً اذ لو كان مخالفا لماصدر عنه ما هو مخالف له و انما هو الطف منه و الارتباط بين المجردات و الماۤديات ان لميتحقق بالوساۤئط لمتوجد الماديات اصلاً و ان تحقق بالوساۤئط ثبت المطلوب فقوله فمحال ان يكون التعقل تجسّما و المجسّم معقولا ليس بشيء لانه اذا لميكن التعقّل تجسّما و المجسّم معقولا بالوساۤئط لمتكن معلومة و لا محدثة امّا انها لاتكون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 160 *»
معلومة فلان العلم لايكون الا بالوجود العقلي و الوجود العقلي مخالف للاشياۤء الماۤدّية مباين لها فلاتكون معلومة به فتبقي في وجودها مجهولةً لايحاط بها علماً و امّا انها لاتكون محدثة فلان الاحداث لايكون الا بالفعل البسيط المجرّد عن جميع المواۤدّ و الماۤديّات لان المواۤد و الماۤديات اذا فرض وجودها انما توجد بالفعل و اذا كان المجرد مخالفاً للماۤدّي مباينا له و لو بالوساۤئط الملايمة للطرفين لميتعلق بالمواۤد و الماۤدّيات و بقيت في امكانها غير محدثة هف .
قال { و لاتصغِ الي قول من يقول هذه المكونات الجسمانية و ان كانت في حدود انفسها جسمانية متغيّرة لكنها بالاضافة الي ما فوقها من المبدء الاوّل و عالم ملكوته معقولات ثابتة غير متغيّرة و ذلك لان نحو وجود الشيء لايتبدّل بعروض الاضافة و كون الشيء ماۤدّيّا عبارة عن خصوصيّات وجوده و ماۤدة الشيء و تجرّده عنها ليسا صفتين خارجتين عن ذات الشيء كما ان جوهرية الشيء الجوهر و وجوده الخاۤص شيء واحد و كذا عرضية العرض و وجوده فكما ان وجوداً واحداً لايكون جوهراً و عرضا باعتبارين كذلك لايكون مجرّداً و ماۤدّيا باعتبارين نعم لو قيل هذه الصورة الماۤدّية حاضرة عنده تعالي بصورها المفارقة بالذات و بتبعيّتها هي ايضا معلومة بالعرض لكان وجهاً و قد مرّ ان ما عند اللّه هي الحقاۤئق المتأصّلة من الاشياۤء و نسبتها الي ما عند الله كنسبة الظلّ الي الاصل .}
اقول يريد انك لاتلتفت الي قول مَن قال ان هذه الاشياۤء الماۤدّية الجسمانية و ان كانت في نفسها متغيّرة متبدّلةً لاتصلح ان تكون من حيث كونها متغيّرة معقولة لان تعقّله تعالي ليس متغيّراً الّا انها بالنسبة الي المبدء الاوّل سبحانه و الي ملكوته اي عالم ادراكاته للاشياۤء تكون هذه الجسمانية و امثالها معقولاتٍ ثابتةً غير متغيرةٍ لكونها حاضرة عنده بما هي به هي و اقول لك يا طالب الهداية لاتصغ الي نهي المصنف عن الالتفات الي قول هذا القاۤئل فان قول هذا القاۤئل متّجهٌ لان العالم عز و جل نسبته الي جميع الاشياۤء علي السواۤء فلايكون العقول المجردة و الارواح القادسة عنده حاضرة قبل حضور الماديات
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 161 *»
عنده و الّا لكان في حالٍ غير حالِ ذاته المقدّسة فاقداً لشيء من علمه و منتظراً لشيء من ملكه و محتاجا في حصول بعض ملكه و بعض علمه الي المفارقات تعالي الله عن الحاجة و الفقدان و الانتظار لما يأتي و عن ان يكون فيما له امكانٌ او استكمال و تعالي عن هذه العبارات و تعالي عن هذه العبارات التي يقولها المصنف مثل كونه تعالي عاقلا و متعقّلا لشيء الّا ان يكون ذلك من باب الحكاية كما انا نحكي عباراته و نوردها علي لفظه لا علي معناه فقول القاۤئل انها عنده ثابتة غير متغيّرة صحيح لانه تعالي هو المغيّر لها و المبدِّل لاوضاعها فلاتخرج بما يفعل بها عما هي عليه عنده و لا شيء من ذلك خارج عما وضعه فيه من ملكه و لميتجدّد فيها ما ليس عنده فالحقّ في هذا الكلام انّ هذه الماديات الجسمانيات معلومة له تعالي بما هي حاضرة لديه في اماكن حدودها و اوقات وجودها بما هي عليه في ذوٰاتها في حالتيها حالة تبدُّلِها و تغيّرها و حالة انحفاظها بما هي به هي في كتابه الحفيظ و هذا الحضور الَّذي لديه هو هي بكنه ظاهرها و باطنها و تبدّلها و انحفاظها لميكن منها غير ما حَضَر و لميحضر منها غير ما لميكن فهي معلومةٌ لديه مع معلومية مباديها و ملكوتِها جميعاً بالذّاتِ و انّما تتوقف علي اُصُولها و مباديها بالنسبة الي انفسها لا الي علمه بها الذي هو نفس حضورِها نعم تتوقف بالنسبة اليها في انفسها و الي العالم بها من عللها و مباديها كما مثلنا قبل هذا لانّ كلامنا هنالك في العلم الحادث و في محلّه الّذي هو الفعل و ما دُونَهُ فهذه الماديّاتُ معقولةٌ بما هي به هي و حاضرة كذلك و معقوليّتها بما هي عليه في حالتي تَبدُّلِها و ثباتِها و مَع هذا فليست بتبعيّةِ اصولها و عالم ملكوتها لما قلنا من اَنَّ مباديها و اصولَها لمتحضر لديه سبحانه قبلَ حضور هذه الماديّات و الفروع و قوله و ذلك لان نحو وجود الشيء في نفسه لايتبدّل بعروض الاضافة فاقول ان كانت الاضافية اليه فَلاتتبدّل و ان كانت الاضافة اضافته الي غيره فلا ريب في انه يتبدّل و قوله و كون الشيء ماۤدّيّا عبارة عن خصوصيات وجوده يعني ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 162 *»
ماۤدّيّته هي خصوص وجوده اي تحقّقه و تحصّله لانها جزء هويّته بان تريد بهذا الوجود الماۤدّة بالمعني الاول من الوجود كما تقدم و هو ان الوجود هو الماۤدة و الماهيّة هي الصورة و كونه ماۤدّيّا عبارة عن الماهية بالمعني الثاني كما تقدم و هو ان الوجود هو انه صنع الله و نور الله و اثر فعل الله و الماهية هي انه هو و كونه ماۤدِّيّاً هُويّته بحسب نفسه و انّيّته و لكن المصنف مايفهم من الوجود اِلّا مٰا يُريده من كونِه من سنخ الحقِّ و يُرِيدُ من كونه ماۤدّيّا هُوَ مَا تَركّبَ من الْعَناصِر اذ المجرّدات عندَهُ لا ماۤدّة لها اصْلاً حتي انّه صرّح في كثير من كتبه بان العقل بسيط الحقيقة بمعني انه لا ماۤدّة له و وجه غَلَطِهمْ ان الحكماۤء المتقدّمين قالوا ان عالم العقول و عالم النّفوس وَ عَالم الطباۤئع و الملاۤئكة العقليون و النفسيّون و الطبيعيون مجرّدة عن الماۤدة و المدة و يريدون انها مجردة عن الماۤدة العنصريّة و المدّة الزمانيّة و اتي مَن بعدهم و لميفهموا مرادهم و حكموا بان تلك مجرّدة عن مطلق الماۤدّة و الوقت حتّي انّ بعضهم كصاحب البحار الاخوند الملّا محمدباقر المجلسي رحمه اللّه ذكر في اوّل كتابه البحار تفريعاً علي هذا الفهم انّ مَن قال بانّ شيئا سوي اللّه سبحانه مجردٌ فهو كافر لعدم ورودِ ذلك في الاخبارِ لانه قال علي ما فهم من كلام المتأخرين الذين غلِطُوا علي مراد المتقدمين و فهموا ان معني كونه مجرّدا انه لا مادة له اصلاً و لا وقت وَ هذا لايصحّ الّا في الحق المتعال سبحانه و حكم الاخوند علي كلام المتأخّرين و نحن نريد بالمجرّد الحادث ما كان مجرّدا عن العناصر و الزمان و له ماۤدّة نورانيّة جوهريّة و مدّة دهريّة كالعقول و ما دونها من المجردات علي ان تعليل صاحب البحار غفلة لانه علّل ذلك التكفير بعدم ورود المجرّد لغير الله سبحانه في الاخبار و قد روي هو في كتاب الغرر و الدّرر للكراجكي قول اميرالمؤمنين عليه السلام و قد سُئِل عن العالم العلويّ قال عليه السلام صورٌ عاليةٌ عن المواۤدّ عاريةٌ عن القوّة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأَتْ و الْقَي ف۪ي هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث ، و لانعني بالمجرّد الا كون الشيء عاليا عن المَواۤدّ عارِياً عن القوّة و الاستعداد وَ في بعضِ الحديث عارية عن المَواۤدّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 163 *»
عالية عن القوّة و الاستعداد و الحاصل الظاهر ان المصنف علي رأي المتأخّرين من ان المجرّد هو العاري عن مطلق الماۤدّة و مطلق الوقت بدليل حكمه بكون العقل الكلّي كل الاشياۤء لانه بسيط الحقيقة كما صرّح به في اوّل المشاعر و قوله و مادة الشيء و تجرُّدُه ليسا صفتين خارجتين عَن ذات الشيء يعني به ان كون الشيء ماۤدّياً اي مركّبا من العناصر و مجرّداً اي عارياً عن الماۤدّة او العناصر ليسا عارضين للشيء بل ذاتيّين له و يجب عند اعتبار كونه صورة علميّة او معلوما بالذات ان يكون مجرّدا عن العناصر ليمكن اَنْ يُلَايم ذاتَ الحق سبحانه او ملكوته كما اشار اليه سابقا و كونه مادّيّا مخالفاً و منافِياً لمٰا يعتبر في كونه علماً او معلوماً بالذّات و الشيء لايكون مجرّداً و ماۤدّيّا و ان كان باعتبارين لانهما صفتان ذاتيتان هذا مراد المصنّف و هو غير صحيح من وجوهٍ منها انه لايشترط في المعلوم بالذات التجرّد و الّا لماصحّ ان يكون الماۤدّيّ لذاته معلوما و منها انه قد ثبت بالبرهان القطعي انّ العِلم عينُ المعلوم فلايشترط في كون الشيء علماً به كونه مجرّداً و الّا لماكان المركبات و المادّيات علماً بها بالذاتِ مع قيام الدليل عقلاً و نقلاً عَلي ذلك و منها انه انما ذهب الي هذا لتكون الصور المجردة علماً له و علمه عيْن ذاته و لاتكون العينيّة الّا بالاتِّحاد و العاقل عنده يتّحد بالمعقول اذا كان صورة مجردة لا اِن كان ماۤدّية كما ذكره في سَاۤئِر كتبه وَ قَدْ ذكرنا في شرحالمشاعِر بطلان اتّحادِ العاقل بالمعقول و الّا لاتحد العَاقل بضدّه و لكانت الماۤديّة غير معقولةٍ و منها انه لا مانع من كون الشيء بَس۪يطاً و مركّباً باعتبارَيْنِ كما قالوا في عبداللّهِ فَانّه باعتبارِ عَلَمِيّته بسيط و باعتبار جزئيْه مركّب و لهذا كانت صورة اعرابه بصورة اعراب المركّب و كالاجرام السّماويّة و بساۤئط العناصر كالماۤء و الهواۤء و النار و التراب فانها بسيطة باعتبار و مركّبة باعتبارٍ و كالمجرّد الاضافي و مثل ذلك قوله كما ان جوهريّة الشيء الجوهر و وجوده الخاص شيءٌ واحدٌ و كذَا عرضيّة العَرض و وجوده فكما انّ وجوداً واحداً لايكون جوهراً و عرضاً باعتبارين كذلك لايكون مجرّدا و ماۤدّيّاً باعتبارين انتهي ، اقول ان الشيء قد يكون جوهراً و عرضا باعتبارين فانّه يجوز
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 164 *»
فانّهم يذهبون الي هذا فيما يرون انهم مختصّون به فان الشيء المتحرّك عرض لعلّته و هو جوهر للحركة و هي عرض له بل كل شيء جوهرٌ لحركاته و اثاره و هو عرض لعلته و هذا مما لا اشكال فيه بل الاخبار مصرّحة بان الشيعة انمّا سموا شيعة لانهم من شعاع الائمة عليهم السلام فذوات الشيعة شعاع ذواتهم و وجوداتهم شعاع وجوداتهم و ماهياتهم ذوات ماهيّاتهم الي الأن يعني انهم الان مع كونهم رجالاً شعاع الائمة عليهم السلام فمن لميدرك ان ذوات الشيعة و ما هم عليه الأن في كون الدنيا اعراض لائمتهم حقيقة فانّه ماذاق طعمَ العلْمِ و لا شرِبَ من الكوثر قطرةً فاذا كانوا اَعْرَاضاً باعتبار كونهم و تكوّنهم في ذواتهم و احوالهم لائمتهم عليهم السلام مع انهم رجال و ذواتٌ باعتبار النظر الي هويّٰاتهم و ما هم عليه فقد كان الشيء جوهراً باعتبارٍ و عرضاً باعتبارٍ و لقد قال الشاعر في مدح اميرالمؤمنين عليه السلام و نعم ما قال :
يَا جَوْهَراً قام الوجودُ به ** * ** الناسُ بعدك كلّهم عرضُ
و الدّليل علي هذا لمن يفهم قوله تعالي و من اياتِه اَن تقومَ السَّماۤء و الاَرْض باَمْرِه۪ ، و قال الصادق عليه السلام في الدعاۤء كلّ شيءٍ سواك قام باَمْرِك ه ، و ليس معني قيام الاشياۤء التي هي بالنظر الي ذواتها جواهر بامر اللّهِ الّا قيامَ الاعْرَاضِ بالجوهر فقيامُها بامر اللّهِ الذي هو فعله قيامُ صدور و قيامُها بامر اللّه الذي هو اثر فعله اي مفعوله الاول اعني الحقيقة المحمدية قيام تحقّقٍ اعني قياماً ركنيّا و قوله لايكون مجرّداً و ماۤدّيّا باعتبارَيْن ان اريد بالمجرّد ما فهموه من انه عدم الماۤدّة فشيء ممتنِع في غير الواجب عز و جلّ اذ الممكن لا بد له من المادة و الصورة و هو قول الحكماۤء كلّ ممكن زوج تركيبي و انْ اُرِيد به انه مجرد عن الماۤدّة العنصريّة و المدّة الزَّمانيّة كالعقول و النّفوس و الطباۤئع و جوهر الهباۤء فالتجرّد بهذا المعني متحقّق في الممكن الّا انه ليس شرطاً في المعلوميّة و ليس ممتنِعاً اَنْ يسمّي الشيء المجرّد بهذا المعني ماديّاً بهذا المعني
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 165 *»
باعتبارين و اِنْ كان لا فاۤئدة كليّة في صحّة التّسمية و عدمها بل لو نقول لايكون الشيء مجرّداً و ماۤدّيّاً باعتبارَيْنِ و اذا لميكن كذلك فما المحذور اللازم منه فان كان لايكون المعلوم بالذات الّا مجرّداً كان الماديّ غير معلومٍ بذاته لزم ان يتعلّق العلم القديم بالمجرّد قبل المادي فيكون في حالٍ غير عالم بشيءٍ ثم يعلم به فعلي قولنا ان العلم المذكور حادث اشراقي يحدث بحدوث المعلوم يكون الفرض صحيحاً و علي قولهم انّ العلم المذكور هنا هو القديم الذي هو الذّات البحت يلزم حدوثه لاختلاف نسبه في التقدم و التأخّر و هو صفة الحادث و قوله نعم لو قيل هذه الصورة المادّية حاضرة عنده تعالي بصُوَرِها المفارقة الي قوله لكان موجّها فيه ما تقدّم من انّه غير موجّه و الّا لزم ما قُلْنَا مِنْ تقدّم حالةٍ للقديم عَلَي حَالةٍ اُخْرَي له و ذلك موجب للحدوث اَوْ انّ المراد بالعلم هنا العلْم الحَادِث و قوله و قد مرّ انّ ما عند اللّهِ هي الحقاۤئق المُتأَصِّلَةُ مِنَ الْاَشياۤء الخ ، فيه ما تقدّم ممّا اشرنا اليه من ان هذا العند ان كان في الذّات لزم كون اصول الاشياۤء مع تغايرها و تباينها و تكثرها في ذاته فيلزم كونه محلّا لغيره او مركّبا منها و لزم من كونه عالما بها ما يتفرع منها افتقاره الي غيره و ان كان هذا العند خارج الذات فان فرض انه تعالي في قربه اليها و الي فروعها علي السواۤء بطل كلام المصنف كله في جميع شقوقه و ان كان هو اقرب الي الاصول منه تعالي الي فروعها لزِم كونه حادثاً تعالي عن ذلك لاختلاف نسبة ذاته الي الاشياۤء فاذا كانت نسبة ذاته تعالي الي القريب و البعيد علي السّواۤء كان عالماً بها اصولها و فروعها مجرّدها و ماۤدِّيّها علي السواۤء و امّا تفاوتُ قربها و بعدها اليه بالنسبة الي قوّة القبول و ضعفِه فليس موجباً لاختلاف علمه تعالي بها و معلوميتها له كما لايخفي علي مَن له ادني معرفة .
قال { قاعدة في كلامه سبحانه الكلام ليس كما قالته الاشاعرة صفة نفسيّةً و معاني قاۤئمةً بذاته تعالي سمّوها الكلام النفسي لانه غير معقولٍ و الّا لكان عِلْماً
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 166 *»
لا كلاماً و ليس عبارةً عن مجرّد خلق الاصوات و الحروف الدّاۤلّة علي المعاني و الّا لكان كلّ كلامٍ كلام الله تعالي و لايفيد التقييد بكونه علي قصد اعلام الغير من قبلِ اللّه او علي قصد الالقاۤء مِن قِبَلِه۪ اذِ الكلُّ من عنده و لو اريد بلا واسطةٍ فهو غير جائز ايضاً و الّا لميكن اَصْواتاً و حروفا .}
اقول ذكر الكلام بعد العلم لجَعْلِه۪ ايّاهُ من الصّفاتِ الثبوتيّة و المستفاد من فحوي كلامه و كلام اتباعه مثل الملّا محسن انه قديم الّا انه ليس علي ما ذهب اليه الاشاعرة الذين يجعلونه كلاماً نفسانيا بل لانّه بعض شؤنه الذاتيّة و شؤن الذّات لاتتغيّر قال الملا محسن في الكلمات المكنونة في ان شؤنه تعالي الذاتية لاتتغير لانها هي عين ذاته قال في ذكر الاعيان الثابتة كما نقلنا عنه فيما سبق بل هي نسبٌ و شئون ذاتيّة فلايمكن ان تتغير عن حقاۤئقها فانها حقاۤئق ذاتياتٌ و ذاتيات الحق سبحانه لاتقبل الجعل و التغيير و التبديل و المزيد و النّقصان اقول و قد صرّح في كتابه اَنْوَارالحكمة و التكلّم فينا ملكة قاۤئمة بِذَواتنا نمكّن بها من افاضة مخزوناتِنَا العلميّة علي غيرنا و فيه سبحانه عين ذاته الا انّه باعتبارِ كونه من صفات الافعال متأخر عن ذاته قال مولينا الصادق عليه السلام ان الكلام صفة محدثة ليست بازليّةٍ كانَ اللّهُ عز و جلَّ و لا متكلّم انتهي ، فانظر بعقلك هَلْ قول الاشاعرة بقدم الكلام اصرح من قوله هذا في كون الكلام قديماً لانّه قال انّه عينُ ذاتِ اللّهِ ثم صرفَ كلام الامام الصادق عليه السلام عن ظاهره و باطنِه۪ مع صراحةِ كلامه عليه السلام بالحدوث بما لايحتمل ضِدَّهُ قوله الكلام ليس كما قالَتْهُ الاَشاعِرَةُ اصحاب علي بن اسمعيل بن ابيبشر ابيالحسن الاشعري منسوب الي جده ابيموسي الاشعري او الي اشعر بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان و كان علي طريقة المعتزلة يقول بحدوث القرءان ثم خطب و هو قاضٍ بالبصرة و عدل الي مذهب محمد بن عبدالوهاب القطّان فقال بقوله من هذه العظاۤئم التي احدها القول بقدم كلام اللّه سبحانه لانه صفة القديم و حيث لزمهم بذلك امور شنيعة ذهبوا الي ان الكلام حقيقته كلام النفس و امّا هذه الالفاظ و الاصوات فانها ترجمة لذلك الذي في نفس المتكلّم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 167 *»
كما قال الشاعر :
ان الكلام لفي الفؤادِ و انما ** * ** جُعِل اللسانُ علي الفؤادِ دَليلَا
فلمّا قيل لهم ما هو قالوا هو صفة نفسيّةٌ و معانٍ قاۤئمة بذاته تعالي سموها الكَلام النفسي فقال مخالفوهم من المعتزلة هذا المعني الَّذي تشيرون اليه غير معقولٍ لان المتبادر الي افهام العقلاۤءِ عند اطلاق لفظ الكلام انما هو الحروف و الاصْوات و امّا المعني الذي ذكره الاشاعرة ليس هو الّا القدرة التي تصدر عنها الحروف و الاصوات مِن المتكلم اوْ انّه هو الارادة و ان اطلق لفظ الكلام علي ذلك فانما هو مجاز لا حقيقة و اقول الذي يظهر لي انّ الاشاعرة اشاروا الي معني لو كان ذلك في حق الحادث لكان صحيحاً و لكن بطلان قولهم لا من حيث انه غير معقول بل هو معقول معروف الّا انهم عجزوا عن التعبير في بيان ما ارادوا بعبارةٍ تدلّ علي مطلوبهم فلمّا نظر مخالفوهم الي المفهوم من خصوص تعبيرهم عنه وجدوا شيئاً لايعرف العقل استقامته لا ان المراد ان العقل لايدرك معناه فانّهم قالوا انه معني قاۤئم بالنفس يعبّر عنه بالعبارات المختلفة المتغيّرة المتغايرة و ليس هو بحرفٍ و لا صوتٍ و لا امرٍ و لا نهيٍ و لا خبر و لا استخبارٍ و لَا شيءٍ من اساليبِ الكلام فقيل لهم هذا غير معقولٍ لانهم وصفوه بانه صفة نفسيّة و مَعنيً قاۤئم بذاته الي اخر ما وصفوه و الله سبحانه يقول حتي يسمع كلام اللّه و لايصح ان يكون المعني و الصفة مسموعاً و لعلّ مرادهم انه مسموع بعد ترجمته بالالفاظ او مسموع بالاذن النفسيّة الّا انه خلاف الظاهر و المراد اَنّ عباراتهم في جوابهم عن سؤال الخَصْم لاتدلّ علي مرادهم فلمّا اراد الخصم ان يجمع بين مدلول اللَّفْظِ و بين مرادهم حصل التّنافي بينهما في العقل فلذا قالوا ان ما ذهب اليه الاشعري غير معقول و السبب في ذلك عجز الاشعري عن التعبير عمّا اراد بما يدلّ عليه لغةً و اصْطِلَاحاً و العبارة الدالّة علي مرادهم هو ان النفس لها كلامٌ مثل كلام اللسان بحروفٍ و اصواتٍ الّا انها نفسيّة فالنفس تخاطب مثال غيرها و تأمره و تنهاه و تطلب منه و كذلك مثالها و هو قولهم مثل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 168 *»
حديث النّفس لانّ النفس قد تحدّث نفسَها و تُحَدِّثُ غيرها بكلامٍ مشتملٍ علي كلماتٍ لفظيةٍ و حروفٍ صَوْتيّةٍ مثل الكلام المسموع بالاذان الّا انّه نفسي لا جِسْمَاني فَاِنّ الجسْماني يظهر باللسان اللحمي و النفسي يظهر باللسانِ النفسي
فالكلام النفسي مثل الكلام اللّفظي في جميع ما يعتبر فيه من الترتيب و الاعراب و الوقوف و الوصل و الادغام و الاظهار و الجهر و الاخفات و الجهر و الهمس و جميع ما يعتبر في اللفظي علي جهة الوجوب و الندب و ما هو عليه من الامر و النهي و من اساليب الكلام و لمّا عجزوا عن التعبير عن الكلام بما هو عليه نفوا من الكلام النفسي ما لايتحقق الكلام الّا به فقالوا هو ليس هو بحرفٍ و لا صوت و لا امرٍ و لا نهي و لا خبرٍ و لا استخبار و لا شيء من اساليب الكلام و لكنه معني قاۤئم بالنفس يعبّر عنه بالعبارات المختلفة المتغيّرة المتغايرة و لا شك انّ ما وصفوه به ليس بكلام كما هو المعروف الذي يتبادر اليه اسمه عند الاطلاق فقال الخصم هذا شيء غير معقول من مطلق مسمي الكلام و لو اجابوا حين سئلوا عنه بما ذكرنا من صفة الكلام النفسي لكان صحيحا و كان معقولا و انّما نمنعه في حقّ الواجب عز و جل لانه سبحانه لايكون محلاً لشيء و لايلجه شيء لصمديّته و لايشابهه شيء لاحديّته و لايفكّر و لايُروِّي و لايُهمُّ و لايوصف بشيء يصلح ان يوصف به خلقه فيكون كلامه مفعولاته و تكلّمه احداثه لكلامه فيما شاۤء كيف شاۤء و كلماته منها ذوات و صفات و منها معاني و اعيان و منها معاني و الفاظ و كلٌّ منها تام و غير تام و تأتي الاشارة الي بيان بعض ذلك و قول المصنف و الّا لكان علماً لا كلاماً وقع من غير علم بمرادِهم لانه يريد انّ الذي تشيرون اليه هو العلم لا الكلام اذ الصور التي في النفس هي العلم و هو ما عنيتم و ليس كذلك لانّهم يعنون حديث النفس و هو كلام و امر و نهي و ايجاب و نفي و اضراب و استثناۤء و ما اشبه ذلك فانه مثلا يتصوّر زيداً و هذه الصورة من العلم ثم يقول له هل مضيتَ السوق امسِ فتقول صورة زيد بلي فيقول له هل اشتريتَ الثوبَ الفلاني لعمروٍ فيقول لا فيقول له لم تركتَ و قد امرتُك اذهب عني فانك قد عصيتني و خالفتَ امري فيقول مثال زيد اعفُ عني
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 169 *»
و انا امتثل امرك بعد هذا و لااعصي لك امراً فيغضب و لايعفو حتّي تظهر علي الجسد صورة الغضب من احمرار الوجه و الرعديدة لشدّة العزم علي الانتقام او يرضي و يعفو حتي تظهر علي ظاهره صورة الرضا و السكون و الطمأنينة فيظهر اثره علي ظاهر الشّخص المتكلّم في نفسه مع صورة زيد و مثاله كما يظهر اثر الكلام اللفظي المعروف علي ظاهر المتكلّم و ليس شيء من هذا بعلمٍ و انما هو كلام و هذا ظاهر لمن فهم ما قلته و لكن الاشاعرة ماقدروا علي التعبير عمّا ارادوا كما سمعت فانه شيء معقول صحيح الاتسمعهم يقولون انه تعالي يخاطب المعدوم و يأمره و ينهاه لانه تعالي عن ذلك يستحضر صورته و يخاطبُها لكن هذا لايصح نسبتُه الي الحق عز و جل فقد افتروا علي الله و خالفوا كتاب الله حيث يقول مايأتيهم من ذكر من ربهم محدثٍ الّا استمعوه و هم يلعبون ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث الّا كانوا عنه معرضين ، فالحق ان كلامه عز و جل ليس كما قالته الاشاعرة
و قوله و ليس عبارة عن مجرّد خلق الاصوات و الحروف الداۤلّة علي المعاني يشير به الي ما ذهب اليه المعتزلة و لكنهم يقولون كلام الله هو الاصوات المخلوقة الدّالة علي معانيها لا انه خلق الاصوات لان هذا هو التكلّم لا الكلام فالاوفق ان يقول و لا عبارة عن مجرّد الاصوات و الحروف المخلوقة الخ ، و الّا لكان كلّ كلامٍ كلامَ اللّه تعالي و مراده ان اللّه سبحانه هو الّذي خلق كلامَ زيدٍ فلو كان كلّ كَلَامٍ خلَقَهُ كلامه لكان كلام جميع المخلوقات كلامه تعالي و ليس كذلك اتّفاقا او يريد اَنَّ كلامَ زيدٍ مخلوق احدثه زيد فلو كان كل كلامٍ محدثٍ كلامه تعالي لكان جميع كلام الخلق كلامه فعلي فرض الارادة الاولي لايكون نقضاً علي المعتزلة لانّهم لايرون ان اللّه خلق كلامَ زيدٍ و انّما يري ذلك الاشاعرة فلايستقيم الرَّدُّ عليهم الّا ان يكون المراد بان الله سبحانه خلق كلامَ زيدٍ بزيدٍ فيستقيم الردّ علي قول بعضِ مَنْ يُقال انّهم من العدليّة و ربّما قيد بعضهم الالفاظ الْمَخْلوقة بكونِها صَادرةً علي قصدِ اعْلام الغير من قبل اللّه او علي قصد الالقاۤء من اللّهِ تعالي لدَفْعِ ما يَرِدُ علي قولهم من كون كلّ كَلامٍ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 170 *»
كَلَاماً لِلّهِ سُبْحانه و انت خبير بانّ هذا التّقييد يفيد التخصيص لانه اذا قيل الاصوات و الحروف المخلوقة الصادرة لاِعلام اللّه سبحانه لمن سواه اَوْ لالقاۤئه كذلك لميكن شيء مِنْها كلاماً لغير اللّه سبحانه في الظاهر لكن لَوْ لُوحظ كلام المبلّغ عن الله و الٰامر بالمعروف و الناهي عن المنكر او كلام مَن خاطب بعض عباده علي لسانِه۪ صدق عليه التقييد مع انّه ليس كلام اللّه الّا اذا كان ذلك المتكلّم محلاً لِمشيّة اللّٰهِ تعالي و امّا حديث مَن استمع الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد الله و ان كان ينطق عن الشَّيْطَان فقد عبد الشيطان ه ، فعلي طريق المجاز و مقام المعرفة مقام الحقيقة فالتقييد بما ذكر لايكفي في دفع ما يرد علي تلك العبارة كما ينبغي و علي كل حالٍ فالظاهر انّ المصنف لميرد خصوص المخلوقيّة و انّما يريد خصوص الحروف و الاصوات اللفظيّة و يكون وجه نفيه ان المعتزلة قاۤئلون بان كلام اللّه سبحانه ليس الّا هذه الحروف و الاصوات الحٰادثة و ليس كما قالوا و لكن يرد علي المصنّف كما يرد علي المعتزلة مع انّ الظّاهر معهم و ذلك لانّهم قالوا لا معني للكلام الّا ما كان اَصْوَاتاً و حروفاً لفظيّة و هو الظّاهر من اطلاق اسم الكلام و المصنّف قالَ ليس المراد من كلام اللّه حيث يطلق اسمه الّا انشاۤء كلماتٍ تاۤمّاتٍ الي اخر ما ذكره فليس كلام اللّه تعالي مَحْصوراً في انشاۤءِ كلماتٍ بل منه كلمات تاۤمّات و منه حروفٌ وَ اَصْواتٌ فورد عليه مَا ورد علي المعتزلة مع انّه لاينكر ان من كلام اللّه تعالي ما هو اصواتٌ و حروف كيف و قد قال تعالي و ان احد من المشركين استجارَك فاجره حتّي يسمع كلام اللّه و لا ريْبَ ان غير الاصوات و الحروف الملفوظة لاتكون مسموعة خصوصاً للمشركين فالحق انّ كلام اللّه سبحانه منه كما قال المصنّف و منه كما قالت المعتزلة و من حصر منهما فقد حسِر و خَسِرَ لوُرودِ المعنوي و اللفظي في صريح الايات و الروايات و الحاصر راۤدّ لكلام اللّهِ فقد قال تعالي في عيسي و كلمته القاها الي مريم و قال مصدِّقا بكلمة من اللّٰهِ و قال تعالي يسمعون كلام اللّه ثم يحرّفونه و الاصل في الاستعمال الحقيقة و قد انعقد الاجماع من المسلمين علي ارادة هذين المعنيين من الٰايتين و الحاصر من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 171 *»
المصنف و المعتزلة منكر لمحكم الكتاب و راۤدّ له و قوله اذِ الكلّ من عنده يريد انّ المقيد و غيره من عنْد اللّٰهِ و هذا مبني علي اصله من انّ معطي الشيء ليس فاقداً له في ذاته و قد سمعتَ فيما تقدّم بطلانه و قوله و لو اريد بلا واسطةٍ فهو غير جاۤئز ايضاً و الّا لميكن اصواتا و حروفا يريد به انه لو فرض ارادة عدم الواسطة من التقييد ليخرج ما ليس بكلام اللّه لميصحّ ايضا لانه كان اصواتا و حروفا لميصح صدورها من البَسيط الحق تعالي بغير واسطة بل لا بد من توسّط العلل الفاعليّة و الماديّة و الصوريّة لان الكلام بالصوت و الحروف من عالم الاجسام و الزمانيات فلايمكن صدوره من بسيط الحقيقة لامتناع الطفرة في الوجود و ان صحّ صدوره منه تعالي بلا واسطة ثبت انه ليس باصوات و حروف هكذا يريد بناۤء علي اصوله من ان المجردات الصرفة نشأت من ذاته تعالي و الماۤديّات يستحيل صدورها منه تعالي ربي اَن يَلدَ فان ذاته اذا كانت محلّاً للصور العلميّة و الاعيان الثابتة بمعني انه سبحانه كلّ الاشياۤء المجردة و انّ ما يظهر من تلك التي هي ذاته بمعني انه كلها كانت مناسبة له في الذات و هذا بعينه قول الصابئة و المشركين ان الملاۤئكة بنات الله لان الملاۤئكة ذواتٌ منفعلة فهي اناثٌ و صدَرت عنه فهي بناتُه فانزل الله في الردّ علي اهل هذه المقالة و تصدق علي مقالة المصنف و جعلوا بينه و بين الجنّة نسَبا اي مناسبة ذاتية بدليل قوله تعالي في هذا المعني و جعلوا له من عباده جزءاً ان الانسان لكفور مبين و انما قلنا انها تصدق علي قوله لانه يقول اَنّ حقاۤئقَ الاشياۤءِ الْمتَأصّلة من الاَشيٰاۤءِ عندَ اللّٰهِ و انّ الموجودةَ في عالمِ الكونِ اَظِلَّتُهَا و اَشْباحُها وَ اَنَّ ما عِنْدَ اللّٰهِ هي الاَعْيَان الغير المجعولة و اَنّها شُؤنه الذاتيّة التي هي عين ذاته و في الكلمات المكنونة لملّا محسن ما يَدُلّ علَي اَنّ هذه الاعيان الغير المجعولة هي الّتي اَحْدثَتْ اظلّتها و اشباحها الكونيّة باللّٰهِ تعالي اَو بالحقّ المخلوق به فاذا كانت هي عين ذات اللّهِ تعالي و الاشياۤء نَزلَتْ منها الَي عالمِ الكونِ فقد كانَتْ كامِنةً في ذاتِه تعالي ثُمَّ برزت منه الي عالم الاكوانِ فايّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 172 *»
معنيً للولادةِ غير هذا .
قال { بل هو عبارة عن انشاۤء كلماتٍ تاۤمّاتٍ و انزال آيات محكماتٍ و اخر متشابهاتٍ في كسوة الفاظٍ و عبارات و الكلام قرءانٌ و فرقان باعتبارين و هو غير الكتاب لانه من عالم الخلق و ماكنتَ تتلو من قبله من كتاب و لاتخطّهُ بيمينك اذاً لارتاب المبطلون و الكلام من عالم الامرِ و منزله القلوب و الصّدور لقوله نزل به الروح الامين علي قلبك باذن الله و قوله بل هو ايات بيّنات في صدور الذين اوتوا العلمَ و الكتَابُ يدركه كل احدٍ و كتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة و الكلام لايمسّه الّا المطهّرون من ادناسِ عالم البشريّة .}
اقول قوله ان كلام اللّه عبارة عن انشاۤء كلمات الخ ، و الانشاۤء هو الايجاد و الاحداث و الكلام ان اراد به التكلّم صحّ له انه انشاۤء كلماتٍ و ان اراد المفعول وجب ان يقول هو عبارة عن كلماتٍ تاۤمّاتٍ منشَئاتٍ و هذه هي عبارته في ساۤئر كتبه فيشكل كونه غافلاً في كل عباراته و المقام الذي فيه البحثُ ليس هو التّكلم بل هو الذي تكلّم به المتكلّم و لو رضينا بارتكاب المجاز في جميع عباراته و انه لايريد احداث الكلام و انما يريد الكلام المحدث فما فائدة تخصيص الكلمات التّامات و هل الكلمات الناقصات احدثها غيره و ان اراد ان الناقصات احدثها بواسطة التّاۤمّات قلنا و التّامات احدثها بواسطة فعله و قد قال سبحانه قل الله خالق كلِّ شيء و هو الواحد القهار فاخبر باحداثه لكل شيء علي حدٍ واحدٍ و ان كان بعض الاشياۤء يتوقّف علي بعضٍ بان يكون عضداً للاخر كما اذا اخذت مادته من العضد او الصورة و مراد المصنف ينافي ما تدلّ عليه الاية اذ ظاهر عباراته ان الكلمات الناقصات لاتكون كلاماً و كذلك الالفاظ التي هي كسوة لتلك المعاني مَع انّه عز و جلّ انشأ الكلمات التّامات و الايات المحكمات و المتشابهات وَ مَا خلق لَها من كسوة الالفاظ و لكن المصنف اسند الانشاۤء الذي هو الاحداث الي الكلمات التامات يريد انّها هي الاصول و اسند الانزال الذي هو عنده الاهباط من العالي الي السافل الي الايات المحكمات و المتشابهات يريد انّها نزلت من تلك الاصول لانّها حدثت بتبعيّة ايجادِ اصولها وَ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 173 *»
لميكن لها ايجاد مستقلّ فلذا نسب الانزال اي الاهباط من العلو الي السفل اِلَيْها و ظاهر عبارته انّ كلامه تعالي عبارة عن انشاۤء الاصول و انزال فروعها في كسوة الالفاظ و هذا معني قشري و لبّ المعني و حقيقته انه عز و جل خلق تلك الاصول و خلق منها فروعها فكلّ مخلوق علي الحقيقة علي حدّ قوله تعالي خلقكم من نفسٍ واحدة و هي ادم عليه السلام و خلق منها زوجها اي خلق من ادم حوّاۤء فكما ان خلق حواۤء مستقل و ان كان مترتبا علي خلق آدم كذلك خلق الايات المحكمات و المتشابهات مستقلّ و ان كان مترتّبا علي خلق الكلمات التّامات و كذلك الالفاظ و في اللغة الحقّية قد يطلق الانزال من الشيء الي رتبةٍ دونه علي خلقه منه الّا ان المصنف لايريد هذا المعني و الّا لَماوَرَدَ عليه اعتراضٌ في تعبيره لان ذلك هو المعروف من مذهبه فكلامه تعالي في الحقيقة معاني اي ذوات و صفات و الفاظ و تكلّمُه بها ايجادُها و قبولها الايجاد متوقّف علي وضع كلّ منها في مكانه و وقته المناسب له فالكلمات التّامات خلقها في البرزخ بين السرمد و الامكان الراجح و بين الدهر و الامكان الجاۤئز وجهها الي السرمد و خلفها الي اوّل الدهر و هذه هي التامات حقيقة و هم ذوات محمد و اهل بيته الطيبين صلَّي الله عليه و عليهم اجمعين و الكلمات التّامات الاضافية خلقها في الدهر منها ذاتيات كلّية اضافية و هي ذوات الانبياۤء عليهم السلام و هي اعراض للتامات الحقيقيّة و منها ذوات جزئيّة و هي ذوات المؤمنين و هي اعراض للتاۤمّات الاضافية و هذه الاضافية كلّيّها و جزئيها جواهر عقلية و روحيّة و نفسيّة و طبيعيّة و هيولانية و منها اشباح مثاليّة و هي ابدان نورانية لا ارواح لها بل هي محض مقادير هندسيّة و هذه الاشباح اظلّة لما قبلها و ما بعدهما فهي برزخيّة بين الدهر و الزمان و بين المجرد و الماۤدّيّ و بَيْن الكلية الاضافية و الجزئيّة الحقيقية و الكلمات الناقِصَة منها ذوات كلية كالافلاك و منها ذوات جزئيّة كزيد و الشجر و كالفرس و الجدار و منها اعراض و كلٌّ منها بنسبة معروضه و اما الكلمات اللفظية فنسبتها من الكلمات المعنوية نسبة العرض مِن المعروض و هي عالم تاۤم بعرضيته مطابق لعالم الذوات في كل شيء بمعني ان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 174 *»
فيه الكلمات التامات الحقيقية و التامات الاضافية كليّها و جزئيّها و البرزخيّة و الكلمات الناقصة كلّيّها و جزئيّها معروضها و عرضها فما من شيء مما سوي الله عز و جل الّا و له اسم نسبته اليه نسبة الظّاهر الي باطنِه و لقد لوّح علي عليه السلام الي ذلك بقوله الروح في الجسد كالمعني في اللفظ و الاخبار يشير الي ذلك باطوارٍ عجيبة غريبة تكشف لمن عثر عليها عن كنوزٍ مستورة بالرموز و المصنف يحوم حول الحمَي فمرّة يعثر علي شيء و مرّة يخطئ و العلّة في صوابه ما اخذه بفطرته و في خطائه مَا جَمد فيه عَلي قاعدته فتخصيصه الكلام بالكلمات التامات من جموده علي قاعدته و جعله الاشياۤء فيما اقيمت فيه كتابا بعد تفريقه بين الكلام بانه القاۤئم بفاعله قيام الفعل بالفاعل و بين الكتاب بانه القاۤئم في محله من فطرته الّا انّ الكلام علي ذلك فيه تفصيل تأتي الاشارة اليه في قوله و الكلام قرءان و فرقان باعتبارين الخ ، يشير الي ان الكلام باعتبار انّه معانٍ مجملة غير متمايزةٍ بل هي في القلب لانه محل المعاني المجردة عن الماۤدة العنصريّة و المدّة الزمانية و الصورة الجوهريّة و الشبَحيّة و القلب هو العقل الجوهري عندنا و العقل الفعلي الذي هو تعقّل المعاني المذكورة و الكلام بهذا اللحاظ قرءان و باعتبار انه صور مجردة عن المادة العنصريّة و المدة الزمانية متمايزة بمشخّصاتها في النفس التي هي الصدر اي صدر القلبِ و مقدّمُهُ و مركبه بفتح الميم و سكون الراۤء فرقان و المروي انّ القرءان كل الكلام المعجز و الفرقان ما كان فارقاً منه بين الحق و الباطلِ فالكلام قرءان في القلب و فرقان في الصدر فاذا تنزل بمعنييه الي اللفظ و النقش كان كتابا و الحق انّ الكلام منه ما يقرأ و يتكلّم به في النفس كما وجّهنا مَا اشار اليه الاشاعرة من حديث النفس و منه ما يقرأ بالالفاظ و الفرقان هو ما من ذلك في المحلَّيْن فارقاً بين الحقّ و الباطل فعموم القرءان في الكلمات التامات كنبيّنا محمد صلي الله عليه و اله و خصوص الفرقان في الكلمات التامات كاِمامِنا اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب عليه السلام قال عليه السلام انا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 175 *»
كتاب اللّه الناطق فالناطق بالكلام و الحافظ بالكتاب قال تعالي و عندنا كتاب حفيظ ، و قول المصنّف و هو غير الكتاب يعني القرءان و الفرقان او الكلام لانه اي الكتاب من عالم الخلق و الخلق هو الكتاب المسطور في رقّ منشور يعني انه مبثوث باحرفه و كلماته التي هي اعيان الموجودات في الكون في الاعيان او في جعله لها كذلك لانها قاۤئمة بجعله قيام صدور فهي في قيامها الصدوري كتاب مسطور كلّ في مكان حدوده و وقت وجوده و ما منا الّا له مقام معلوم ثم استشهد علي كون الكتاب من عالم الخلق و انه مدرك للخلق بقوله و ماكنتَ تتلو من قبله من كتابٍ و لاتخطّه بيمينك اذاً لارتاب المبطلون فالكتاب الاشياۤء القاۤئمة في امكنة تحققها و اوقات بقاۤئها و اعلم انّي مزجتُ بيان عبارته ببعض رأيي و التمييز بين الرأيين يعرف من الكلامين و قوله و الكلام من عالم الامر و يريد بعالم الخلق و عالم الامر المقتبَسَيْن من قوله تعالي اَلا له الخلق و الامر ان عالم الخلق عالم المواۤدّ فكل الاشياۤء الماۤدّية و صفاتها عنده من عالم الخلق و عالم الامر عنده هو الاشياۤء المجردة كالعقول و النفوس و الطباۤئع بل و جوهر الهباۤء من عالم الامر لان المجرّدات هي الفعّالة و الماديات هي المنفعلات و عندنا عالم الامر هو عالم الفعل بجميع اصنافه كالمشية و الاختراع و الارادة و الابداع و الجعل و التقدير و القضاۤء و الامضاۤء و الاذن و عالم الخلق سائر المفعولات من جميع الاشياۤء و قد يطلق عالم الامر علي ما كان مَحلّاً لفعْلِ اللّهِ من ساۤئر الاشياۤء و هي في انفسها مختلفة باعتبار قربها من المبدء و عظمها فما كان لايتحقق الفعل الّا به صدق عليه الامر و يقال انه من عالم الامر لكونه محلّا للامر كالحقيقة المحمديّة لانها محل مشيّة اللّه و لاتتقوّم المشيّة الّا بها و ان كانت بالمشية كانت فيتحقّق فيهما التساوق و التضاۤئف كالكسر و الانكسار فالفعل عالم الامر الذي قام كل شيء من الممكنات قيامَ صدورٍ و النور المحمدي صلي الله علي محمد و اله عالم الامر الذي قام به كل شيء من الممكنات قيام تحقّقٍ فالفعل كحركة يد الكاتب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 176 *»
قامت بها ساۤئر الكتابة قيام صدور و النور المحمدي صلي الله عليه و اله كالمداد قامت به ساۤئر الكتابة قيام تحققٍ لكن لتعلم ان الذي قامت به الاشياۤء كلها من الحقيقة المحمدية هو شعاعها لا ذاتها هذا ما نذهب اليه تبعاً لائمّتنا عليهم السلام و اما المصنف و اتباعه و الاكثر يذهبون الي ان الاشياۤء حصص من ذاتها و ما كان وجها لها كالعقل الكلي اعني عقل الكلي فهو بها اي بواسطتها يكون محلا للفعل و قول اميرالمؤمنين عليه السلام في شأن الملأ الاعلي و القي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله صريح في ان الله سبحانه لما كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و حيث كان لاتقدر الاشياۤء علي التلقي منه تعالي جعل بعضها اسباباً لِبَعْضٍ ففعَل بهٰا ما شاۤءَ من مُسبّباتها و قوله و منزله القلوب و الصّدور لقوله تعالي نزل به الروح الامين علي قلبك باذن اللهِ و قولِه بل هو آيات بيّناتٌ في صدور الذين اوتوا العلم يشير بهذا الي ما ذهب اليه من ان الكلام من عالم الامر و هو علي قسمين قسم منزله القلوب و هو ما كان من الكلمات التّاۤمّات لانّ القلوب اعلي من الصدور الّتي هي منزل الايات المحكمات و المتشابهات لِانَّهَا اَنْزَلُ من الكلمات التّاۤمات و ليس هذا امراً مقرّراً لايتبدّل لانه ذكر في الكتاب الكبير في القاب القرءان انّه الذكر و اللّه سبحانه يقول انّ الّذين كفروا بالذكر لمّا جاۤءهم و انّه لكتاب عزيزٌ فسمّي القرءان كتاباً فتفصيل المصنّف بان القرءان غير الكتاب انّما هو لمناسبةٍ لبعض الايات و ما ذكر في الايات من تسمية القرءان و الكتاب ليس لان القرءان من عالم الامر و الكتاب من عالم الخلق كما توهّمه بل باعتبار القراءة و التلاوة يسمّي قرءاناً و باعتبار نقشه في القراطيس و في القلوب و في الصدور يسمي كتابا و هو شيء واحد تختلف تسميته باختلاف اعتبار احواله امّا نقشه في القراطيس و الصدور فظاهر فكونُهُ كتاباً فيها ظاهر و امّا كونهُ في القُلُوب كتاباً في القلوب باعتِبارِ كونه فيها فهو اَيْضاً كذلك لانّ القلوب لاتحلّها الصُّوَر و انّما تحلّها المَعاني و كونُها فيها هو نقشُهَا لانّ المعاني مجرّدة و تمايزها بمميّزات معنويّة توجد بملاحظة العَقْل لهٰا من غير تحديدٍ وجوداً محقَّقاً لا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 177 *»
اعتباريّاً كما توهّمه بعضهم فالحقّ انّ الكلام عبارة عن كلماتٍ صادرة عن المتكلّم باِحْدَاثِه لها اوْ تِلاوته لها سواۤء كانت ذوات ام صفاتٍ امْ الفاظٍ اذا لُوحِظَتْ قاۤئمة بالمتكلّم اي المحدِثِ لها قيامَ صُدُورٍ فليس بين الحقائق النوريّة التي هي الكلمات التّاۤمّات و بين الالفاظ التي هي اَسْماۤءُ اسماۤئِها فرق في قرب اللّٰهِ سبحانه بفعله اليها و ان كانت الكلمات التّاۤمّات في انفسها اقربَ الي الله سبحانه و الي فعله من اسماۤئها الّتي هي النذر و الرُّسُل عليهم السلام و هم اقربُ اليه تعالي و الي فعله من اسماۤئهم التي هي المؤمنون و هم اقرب الي الله سبحانه و الي فعله۪ من اَسْماۤئِهم الّتي يُعْرَفُونَ بهَا اعني سيماهم وَ الْحانُ حقاۤئقهم و احوالهم و هي اقرب اليه تعالي و الي فعلِه۪ منْ اَسْماۤئِهم اللفظيّة فذاته عز و جل نسبتها الي كل شيء في كل شيء سواۤء لانه عز و جل لايَنتظِرُ و لايَستقبل و لايستكمل و الاشياۤء مختلفة في انفسها في القرب اليه و البعدِ منه فالكلمات التامات كلامُه الذي احدثه و اقامه في مقامه من الكون منها في السرمد و العمق الاكبر الراجح و منها في الدهر و الممكن و الامكان المتساوي و الالفاظ كلامه الذي احدثه في بعض خلقه حيث كان هو مقامه من الكون كالكلام الذي ظهر لموسي عليه السلام في الشجرة و منه القرءان الذي نطقَ به نبيّنا محمد صلّي الله عليه و اله مما يترجم به ما اوجده الحق عز و جل في قلبه و علي لسانه بواسطة جبريل عليه السلام فانّ جبرئل عليه السلام يتلقّي من ميكايل و ميكائيل (ع) من اسرافيل (ع) و اسرافيل (ع) من اللوح و اللوحُ عليه السلام من القلم و القلم عليه السلام من الدواةِ و الدواةُ صلي الله عليه و اله من اللهِ عز و جل بواسطةِ مشيته و اختراعه و ارادته و ابداعه و قدره و قضاۤئه و اذنه و اجله و امضاۤئه فالملاۤئكة النازلة عليه بالوحي هي منه صلي الله عليه و اله بمنزلة الخواطر الواردة عليك من قلبك فانّك ربّما تُسْئل عن الشيء ثم تنساه او لاتعرفه ثم تعرفه فتقول جاۤء علي خاطري اوْ ورَدَ علي قلبي و بالي كذا و كذا فان هذا الوارد علي قلبك و بَالِك خاطرٌ ورد من قلبك اي من المعاني المخزونة فيه علي قلبك اي علي وجه قلبك الذي هو صدرهُ و هو نفسك و خيالك بصورة ذلك المخزون فجبريل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 178 *»
الامين عليه السلام نزل علي قلبه صلي الله عليه و اله من قلبه اي نزل بما تلقّي من صورة معني قلبه الذي هو القلم يعني تلقّي صورة ذلك المعني من نفسه الكلية التي هي اللوح المحفوظ علي علمه الذي هو روح المشتري الي خياله الذي هو روح الزهرة و التلقّي بالوساۤئط الٰات۪ي ذكرها علي روايةٍ فالملاۤئكة النازلة بكلّ شيء من الوحي من قبَلِ الله عز و جل كلهم بمنزلة الخواطر الواردة من القلب علي الخيال و القرءان قبل الكتاب من جهة ان ما يقرأ يكتب و بالاعتبار قد يكون الكتاب قبل القرءان بمعني ان ما قرئ كان مكتوباً قبل قراۤءته كما اذا اعتبرتَ ان القلم الذي هو اللوح الكلّي استمدّ من النور الذي تَنوّرتْ منه الانوار و هو الدواة و هو عندهم عليهم السلام هو الحقيقة المحمديّة فان الوحي و ساۤئر الفيوضات الكونية الالهية تكلّم بها فعل اللهِ لها و قرأها عليها فكانت اي الحقيقة المحمدية (ص) هي الكتاب الثاني لانها اوّل الكتب الكونية و قبلها كتاب الامكانات فالقلم استمدّ منها فكان كتابا ثالِثا و قرأه قرءاناً علي اللوح المحفوظ فكان اللوح هو الكتاب الرابع و قرأ ما استُحفِظ قرءانا علي اسرافيل عليه السلام فكان اسرافيل كتاباً خامساً و قرأ اسرافيل ما بلغه قرءاناً علي ميكاۤئيل عليه السلام فكان ميكاۤئيل كتابا سادساً و قرأ ميكاۤئيل ما بلغه قرءانا علي جبرئل عليه السلام فكان جبرئل كتابا سابعاً و قرأ ما بلغه جبرئل عليه السلام قرءاناً علي محمد صلي الله عليه و اله فكان صلي الله عليه و اله بظاهره كتاباً و كان بباطنه ام الكتاب و انّما كان بظاهره هو الكتاب لان ما وقع في صدره هو الكتاب قال تعالي و ماكنتَ تتلو من قبله اي من قبل الكتاب الذي في صدرك و لاتخطه بيمينك يعني ان هذا الكتاب الذي تتلوه قرءانا عليهم ماكنتَ تخطّه بيمينك بل نحن كتبناه في صدرك بوحينا اذاً لارتاب المبطلون بل هو اياتٌ بيِّناتٌ في صدور الّذين اوتوا العلم و هي صدره و ما في صدور اهل بيته الطاهرين صلي الله عليه و عليهم اجمعين مما كان تلاه عليهم فكان الايجاد كلاماً و القرءانُ هو المتلوّ من الموجود في الكتب و الثابت في الالواح سواۤء كان اللوح ماۤء ام عقلاً ام روحاً امْ نفساً ام طبيعة ام شبحاً ام جسماً ام جسمانيا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 179 *»
جوهراً او عرضاً فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه ظهر لك بطلان تقسيم المصنف من ان الكتاب من عالم الخلق و انه يدركه كلّ احد كيف يدركه كل احدٍ و العلم بجميع انواعه من الكتاب لان العلم ليس هو انشاۤء للمعلوم و الله سبحانه يقول و لايحيطون بشيء من علمِه۪ الّا بما شاۤء و لا جاۤئز اَنْ يكُونَ هذا العلم الذي لايحيطون بشيء منه قديماً لانّ قوله الّا بما شاء معناه انهم يحيطون بما شاۤء من علمه و لايجوز ان يكون ما لايحيطونَ بشيء منه قديماً لانّ القديم هو ذاته فيلزم اذا كان الَّذي لايحيطُونَ بشيءٍ منه ذاته ان يكون المستثني الذي يحيطون به جزءَ ذاتِه۪ و لايجوز ان يكون شيءٌ من ذاته مُحاطاً به۪ و مدرَكاً لغيره سبحانه فاذا ثبت انّ العلم من الكتاب لا من القرءان كما قال تعالي قال علمُها عند رَبّي في كتَابٍ لايضلّ ربّي و لاينسي و قال تعالي قد علمنا ما تنقص الْاَرْضُ مِنْهُمْ و عندنا كتابٌ حفيظٌ لميصحّ قوله و الكتابُ يُدْرِكهُ كلّ اَحَدٍ و هذا ظاهِرٌ لايحتاجُ بَعْدَ ما سمِعتَ من آيٰاتِ القرءان الي ذكر برهانٍ و قوله و كتبنا له في الالواح لايصلح دليلاً علي كون الكتاب يدركه كلُّ اَحَدٍ و انه من عالم الخلق و انت تعلم انّ اللوح المحفوظ كتاب و لايمسّه الّا المطهّرون و نفُوسُ الكروبيّين و نفوس من فوقهم من العَال۪ينَ كما اشرنا اليه سَابقاً كُتبٌ و لايدركها كلّ احدٍ بل قد يكون القرءان و الكلام متأخِّراً عن الكتاب رتبةً كما سمعتَ و كذا قوله و الكلام لايمسّه الّا المطهّرون فانا قد اشرنا الي انّ من الكلام ما يسمعه المشركون كما قال تعالي و ان احد من المشركين استجاركَ فَاَجِرْهُ حتَّي يسمع كَلَام اللّٰهِ فَقدْ اَخْبرَ انّه عزّ و جل بجواز سَماعِ كلامِه۪ تعالي للمشركِ المُنْغَمس في ظلمات اَدْنَاسِ عَالَمِ البَشرِيّة فلايصلح استشهاد المصنّف بهذه الٰايَة علي تعريف مطلق الكلام بانه لايدركه كل اَحَدٍ و اللّه سبحانه يقول في شأن المشرك حتّي يسمعَ كلامَ اللّه .
قال { و القرءان كان خلق النبيّ صلي الله عليه و اله دون الكتاب و الفرق بينهما كالفرق بين ادم و عيسي عليهما السلام ان مثل عيسي عند الله كمثل ادم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون و ادم كتاب اللّه المكتوب بيَدَي قدرته ،
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 180 *»
و انت الكتاب المبين الذي ** * ** باحرُفِه يظهرُ المُضْمَرُ
و عيسي قوله الحاصلُ بامرِهِ و كلمتُه اَلْقاها الي مريم و روحٌ منه و المخلوق باليدَيْنِ في باب التّشريف ليس كالموجود بحرفين و من زعم خلاف ذلك اخْطأ .}
اقول يريد اَنَّ القرءان احدثه الله سبحانه شرحَ طبيعة النبي صلي اللّه عليه و اله و خُلُقه بضم الخاۤء و اللَّام و هو الطبيعة و هي ما ركّب في الشيء من اَحَدِ ركنَيْه مادّته او صورته او منهما او من متمّماتِ قابليّته كالكم و الكيف و الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و الوضع او من الكل كما قال في شأنه صلّي اللّه عليه و اله المشار اليه في قوله تعالي و انّك لعلي خلق عظيم و ذلك من صفاۤء جوهريّة ماۤدّته و اخذها من اعلي مراتب الامكان و حسن تصويره و كمال تعديل مزاجه علي حدٍّ لايحتمل الامكان فوقه في تقدير الاجزاۤء و الاركان و في غاية نضخها ( نضجها ظ ) و عدل وزنِها و كمال وضعها في اَحْسنِ تقويم يحتمله الامكان فخلقه عز و جلّ بمبلغ علمه الكوني و ادّخر له بمبلغ علمه الامكاني من الامداد المعدّلة في المراتب المعتدلة المستقيمة ممّا لايحتمل الامكان ابدع منه حتّي ظهر صلي الله عليه و اله بكسوةٍ من الوجود لو لميرد عليه امر و لا نهي من الله لكان بجوهريّة ذلك المكمّل و استقامة ذلك التصوير المعدّل لايقع منه الّا ما هو عينُ مرادِ اللّهِ عز و جلّ وَ ذلكَ مقتضي طبيعته و تعديل فِطْرَته۪ المشار الَيْه في قوله تعالي يكاد زيتها يُض۪يۤء و لو لمتمسسه نار اي يكاد يكون قبل التكوين يكاد يعلم قبل التعليم يكاد ينطق بالوحي قبل اَن يوحَي اليه و هكذا سَاۤئر جهات الكمالات الكونيّة و القرءان الشريف شرح ما اشرنا اليه علي جهة الاجمال لان الرّوح الذي هو من امر الله هو القلم الذي كتب في اللوح باذن الله كل ما كان و ما يكون و ما هو كاۤئن و هو عقله صلي اللّه عليه و اله و هو القرءان قال تعالي مشيراً الي ذلك لاهل التّعرف منه و كذلك اوحينا اليْكَ رُوحاً من امرنا ماكنتَ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 181 *»
تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاۤء من عبادنا و انك لتهدي الي صراطٍ مستقيمٍ فاخبر سبحانه انه اوحي الي نبيه صلي اللّه عليه و اله روحاً من امره و هو القلم و هو الملك اي العقل الكلّي و ماكان يعلم ما الكتاب و لا الايمان قبله اي قبل القرءان كما قال تعالي ماكنتَ تعلمها انت و لا قومُك من قبل هذا اي القرءان و هو الملك اي الروح من امر الله يعني العقل فالعقل هو الروح الذي هو من امر اللهِ و هو عقل النبي صلي اللّه عليه و اله و هو القرءان فالقرءان طبعه و خلقه لانه نور واحد يسمّي بكلِّ مَا ذكرنا و بغير ما ذكرنا و يظهر بكل طورٍ من اَطْوَاره فالقرءان شرح خلقه و طبيعته عليه السلام و قوله دونَ الكتاب ليس بصحيح لان الكتاب هو القرءان و انّما يفرق بينهما بالاعتبار فمن حيث كون الكلمات محدثة هو كلام و من حيث كون المحدث متلُوّاً هو قرءانٌ و من حيث كونه محفوظاً في شيء هو كتاب كما قال تعالي انه لقرءان كريم في كتاب مكنون لايمسّه الا المطهّرون ،
و قوله و الفرق بينهما اي بين القرءان و الكتاب كالفرق بين ادم و عيسي عليهما السلام يريد انّ القرءان لايتعيّن و لايتشخّص بخلاف الكتاب فانه متشخّص ظاهر يدركه كل احد و قد قدّمنا انّ الحقّ انهما شيء واحد تختلف اسماۤؤه باختلاف احواله و يريد ان الفرق بينهما كالفرق بين ادم و عيسي عليهما السلام و التشبيه في الفرق يقتضي ان يكون ادم اشرف من عيسي عليهما السلام علي فرض ارادته من ضمير خلقه يعود الي عيسي عليه السلام لكون خلق ادم عليه السلام من ترابٍ معلوماً و لقوله تعالي في حق عيسي عليه السلام اذا قضي امراً فانّما يقول له كن فيكون و يعلّمه الكتاب و الحكمة الاية ، و يشهد لهذا ظاهر قوله و المخلوق باليدين يعني يدي قدرته في باب التشريف بمعني انه شرّفه اي ادم حتي انه خلقه بيدَيْه ليس كالموجود بحرفين اللّذَيْنِ هما بمنزلة اصبعين اقلّ من اليدين فيستفاد من هذا و نحوه انّ ادم كالقرءان و عيسي كالكتاب و قد ذكر اشرفيّة القرءانِ علي الكتاب فيكون ادم اشرف من عيسي و يؤيّد هذا قوله و من زعم خلاف ذلك اي خلاف انّ المخلوق باليدين كٰادم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 182 *»
اشرف من الموجود بحرفين كعيسي فقد اخطأ لانّ المسلمين متّفقون علي ان عيسي افضل من ادم بلا خلاف بين احد من الفريقين و لميوجد لاحدٍ من المسلمين و لا غيرهم قول بان ادم افضل لتصرف قوله فقد اخطأ اليه و اذا نظرنا الي قوله و ادم كتاب الله المكتوب بيدي قدرته و استشهاده بما ينسب لامير المؤمنين عليه السلام من قوله :
و انت الكتاب المبين الذي ** * ** باحرفه يظهر المضمَرُ
و الي قوله في عيسي عليه السلام و عيسي قوله الحاصل بامره و كلمته القاها الي مريم و روح منه دلّ علي عكس المعني السابق فانّ القول و القرءان اشرف من الكتاب فيكون عيسي اشرف من ادم الّا انّ فهم هذا المعني من كلامه مرجوح لان احداً لميقل بانّ آدمَ اشرف من عيسي ليصح قوله و من زعم خلاف ذلك فقد اخطأ و يؤيّد الثاني قوله في حق ادم المخلوق باليدين فان ما ينسب اليه الخلق خصوصاً علي طريقة المصنف فانه مفضول مرجوح و قوله في حق عيسي عليه السلام الموجود بحرفين فانه فاضل راجح لانّه نسب اليه الوجود فعبارته و ان كانَتْ ظاهرة في المعني الاوّل الّا انّها محتملة للثاني فيكون كلامُهُ مضطرباً و مأخذ دليله علي الاحتمالين مدخول فانّ توهم الشمول في ادم لايستلزم الاشرفيّة و معارض بمحمد صلّي اللّه عليه و اله و عيسي من اولي العزم و في ادم نزلت و لمنجد له عزماً و لارادة الكاف و النون من اليدين و ضمير خلقه عاۤئد الي ادم الذي هو اقرب فيكون هو الموجود بالامر فكما يجوز ان يكون بالحرفين عيسي يجوز ان يكون ادم و كما يحتمل الحرفان كن يحتمل اليدان كن .
قال { قاعدة مشرقيّة المتكلّم مَن قام به الكلام و الكاتب مَن اوجد الكلام اي الكتاب و لكل منهما مراتب فكلّ كتابٍ كلام من وجهٍ و كل كلامٍ ايضاً كتاب من وجهٍ آخر اذ كل متكلم كاتب بوجه و كل كاتب متكلّم ايضاً بوجهٍ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 183 *»
مثال ذلك في الشاهد الانسان اذا تكلّم بكلامٍ في المعهود و قد صدرَتْ عن نفسه في الواحِ صدره و منازل اصواته و مخارج حروفِه صورٌ و اشكال حرفيّة و هيئات فنفسه ممّن اوجد الكلام فيكون كاتبا بقلم قدرته في لوح نفَسِه۪ بفتح الفاۤء ثم في منازِل اصواته و شخصُهُ ممّن قامبه به الکلام فيگون متکلما فاجعل ذلک مقياسا لما فوقه و کن من الناصحين المصلحين و لاتکن من المتخاصمين».
اقول: قوله المتکلم «من قام به الکلام» مايريد به فان القيام يراد به اذا اطلق احد معان اربعة:
احدها قيام الصدور کقيام نور الشمس بالشمس و معناه قيام الشيء بايجاد موجوده بحيث لايتحقق في مدة اکثر من مدة ايجاده و ذلک کنور الشمس و کصورة في المرءاة.
و الثانيها قيام ظهوره کقيام کسر بالانکسار فان الکسر سابق بالذات ولکنه لايمکن ظهوره في الاعيان الا بالانکسار لان الانکسار هو قبول الکسر للايجاد و لهذا قيل الکسر وجد اولا و بالذات و الانکسار وجد الثانياً و بالعرض.
و ثالثها قيام التحقق کقيام الانکسار بالکسر بمعني انه لايتحقق لا في الخارج و لا في الذهن الا مسبوقا بالکسر لانه الانفعال الکسر لفعل الفاعل اذ لاتعقل الصفة قبل الموصوف و قد نطلق علي هذا اعني القيام الثالث القيام رکني بمعني بالحقيقة مادته من نفس الکسر من حيث هو هو لا من حيث فعل الکاسر و ذلک کقيام السرير بالخشب قياما رکنيا لان الخشب هو رکنه الاعظم الذي تقوم به و رکن الثاني الاسفل الايسر هو صورة فلک ان تقول انه تقوم بالخشب تقوم رکني و ان تقول انه تقوم بالخشب تقوم التحقق.
و رابعها تقوم عروض کتقوم السبق بالسوق و هذا تقوم الذي ذکره المصنف ايها و الظاهر من سياق الکلامه حيث جعل الکاتب من اوجد الکلام ان مراده بهذا ان تقوم في قوله المتکلم من قام به الکلام هو قيام عروض المسمي بالحلول في قولهم العرض هو الحال في المتحيز لانه ان المتکلم من قام.
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 184 *»
به الكلام فيكون متكلّما فاجعل ذلك مقياساً لما فوقه و كن من الناصحين المصلحين و لاتكن من المتخاصمين .}
اقول قوله المتكلم من قامَ به الكلام ما يريد به فان القيام يراد به اذا اُطلِق احد معانٍ اربعةٍ احدها قيام الصدورِ كقيام نور الشمس بالشمس و معناه قيام الشيء بايجاد موجدِه بحيث لايتحقّق في مدةٍ اكثر من مدّة ايجادِه۪ و ذلك كنور الشمس و كالصورة في المرءاة و ثانيها قيام الظهور كقيام الكسر بالانكسار فان الكسر سابق بالذات و لكنه لايمكن ظهورُهُ في الاعيان الّا بالانكسار لان الانكسار هو قبول الكسر للايجاد و لهذا قيل الكسر وجِد اوّلاً و بالذات و الانكسار وُجِدَ ثانياً و بالعَرض و ثالثها قيام التحقّق كقيام الانكسار بالكسر بمعني انه لايتحقّق لا في الخارج و لا في الذهن الّا مسبوقاً بالكسر لانّه انفعال الكسر لفعل الفاعِل اذ لاتعقل الصفة قبل الموصوف و قد نطلق عَلَي هٰذَا اَعْنِي الْقيامَ الثّالث القِيٰام الركني بمعني انّ الانكسار في الحقيقة ماۤدّته من نفس الكسر من حَيْثُ هُوَ هو لا من حيث فعل الكاسر و ذلك كقيام السرير بالخشب قياماً ركنيّاً لان الخشب هو ركنه الاعظم الذي تقوّم به و الركن الثاني الاسفل الاَيسر هو الصورة فلَكَ ان تقول انه تَقوّم بالخشب التقومَ الركني و ان تقول انه تقوّم بالخشب تَقَوّمَ التحقّق و رابعها تقوّم عروضٍ كتقوّم الصبغ بالثوب فهذا التقوّم الذي ذكره المصنّف ايُّها و الظاهر من سياق كلامه حيث جعل الكاتب مَن اوجد الكلام ان مراده بهذا التقوّم في قوله المتكلم مَن قامَ به الكلام هو قيام العروض المسمّي بالحلول في قولهم العرض هو الحاۤلّ في المتحيّز لانّه لو اراد ان المتكلم من قام به الكلام قيام صدور لكان معناه مَن اوجد الكلام فلايكون فرق بين المتكلم و الكاتب فعلي تفسيره يكون اللّه قد قام به كلامه اي حلّ في ذاته فيكون محلّاً لغيره لان كلامه غيره اذ لاير۪يد انّ المتكلم مَن حَلّ به المتكلِّم علي ان المسلمين اجمعوا علي انّه متكلّم عزّ و جل من قوله تعالي و كلّم اللّٰهُ موسٰي تكل۪يماً فسُمِّي متكلماً بما اوجد من كلامه لموسَي في الشجرة اي بما انطَقها به من كلامه و يلزم علي مراده ان يكون الله سبحانه كتاباً لانّ الكتاب هو الذي يقوم به الكلام و المعاني و النقوش كما تقدم و لو اراد هو او غيره ان اللّه سبحانه هو الذي احْدَث الكلام بالشجرة لموسي عليه السلام كانت الشجرة كتاباً لما اقام فيها من كلامه فالمُكلِّم موسي من الشجرة من هو فان كان المتكلّم من قام به الكلام فالشجرة هي المتكلّم و ان كان المتكلّم هو مَن احدث الكَلامَ فالمتكلّم هو الله سبحانه لانّه خلق ما نطقت به الشجرة و انطقها بما خلق فيها من كلامه و بذلك وصَف نفسه بكونه متكلماً لانه احدث الكلام و عن ابيبصير قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول لميزل الله جل اسمه عالماً بذاته و لا معلوم و لميزل قادراً بذاته و لا مقدور قلتُ جعِلتُ فداۤءك فلميزل متكلّماً قال الكلام محدث كان الله عز و جل و ليس بمتكلمٍ ثم احدث الكلام ه ، اقول سمّاهُ متكلّما بما احدث من الكلام و هذا ظاهر.
و قوله و الكاتب من اوجد الكلام اي الكتاب يرد عليه مثل ما ورد علي ما قبله فان الكاتب مَن اثبت شيئا في شيء فيصدق علي من اثبت المعاني في العقول و الرقاۤئق في الارواح و الصُّوَر الجوهرية في النفوس و الصور الشّبَحِيّة في الاجسام و الاجسام في المكان و الزمان و الالفاظ في الهواۤءِ و النقوش في الاجسام و الجسمانيات فاذا اردنا تصحيح كلامه فلا بدّ اِمّا من تقدير مضافٍ مثل الكاتب مَن اوجَد صور الكلام في شيء مع تضمين اوجد معني وضع و نقش او ارادة المتكلم من الكاتب و هذا لايصح في مقام التقسيم و امّا اذا قال مَن اوجد الكلام فهو المتكلم فكلامه اذا عكِس صحّ في المتكلم فانّه هو من اوجد الكلام و اما من قام به الكلام لايصح ان يكون متكلّما و لا كاتبا و انّما يصحّ ان يكون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 185 *»
كِتاباً لان الكتاب هو الذي قام به الكلام امّا بصورته كالهواۤء و القوّة السامعة و امّا بصورته و نقشه كالقراطيس و الالواح و قوله و لكلٍّ منهما مراتب اي لكلِ واحدٍ من الكلام و الكتاب مراتب يسمي كل واحدٍ باعتبار مرتبته باسمٍ مع اتّحاد اصلِهما فبلحاظ الفَيَضانِ يسمي كلاماً و بلحاظ قيام الفاۤئض بشيء يسمي كتاباً فكل كتاب باعتبار تقوّمه بافاضةِ فاعله تقوُّمَ صدورٍ كلام و كلّ كلامٍ باعتبار تقوّمه في مكانه تقوّم عروضٍ كتاب فيكون كلّ محدِثٍ من حيث هو مفيضٌ متكلِّما و من حيث هو واضع ذلك المفاضِ في محلٍّ كاتباً و هذا علي ما اعتبرناه لا علَي ما اعتبره المصنف كما بيّنا قبل و يأتي في مثاله من انّ الكاتب هو من اوجد الكلام و قد بيّنا لك انّ مَن قام به الكلام قيام صدور هو المتكلّم و هو الذي اوجد الكلام و لهذا ورد في شأن القلم انه كتب في اللوح ما كان و ما يكون فسمّي كاتبا باعتبار ما اثبت في اللوح وَ ورد ثم ختم علي فمه فلاينطق ابداً و الختم علي الفم و عدم النطق للمتكلم لا للكاتب و ذلك باعتبارِ اِفاضتِه۪ لما كتب في اللوح و قد قال في حق نبيه صلّي الله عليه و اله و ماينطق عن الهوي ان هو الّا وحي يوحٰي فنسب اليه لوازم التكلم دون الكتابة و ما ذكره المصنِّف تمثيل يوجّهه علي اعتباره و مع ذلك لاينافي ما ذكرناه فقوله و قد صدرت عن نفسه الي اخره باعتبار كون الصادر واقعاً بصُوَرِه۪ في الواح صدره تكون تلك الالواح كتاباً و اثبات تلك الصور فيها كتابة و كذلك تلك الاصوات المقطعة في مراتب اصواته باعتبار كونها منْقوشة فيها كالتي في الحلق و الفم و الخارج القاۤئم في الهواۤء علي نحو ما ذكر فنفسُه بسكون الفاۤء ممّن اوجَد الكلام باعتبار كونه فاۤئِضاً يكون متكلّماً لايجاده الكلام و نطقه به و باعتبارِ اثباته في لوح نفسه بفتحِ الفاۤء اي الهواۤء الممتد من جوفه الي الهواۤء الخارجي في منازل صوته يكون كاتبا و قوله و شخْصه ممن قامَ به الكلام الخ ، فيه ما قلنا من ان المراد بالقيام هو الحُلول فيكون الشخص كتاباً لا كاتباً و لا متكلّما و قوله فاجعل ذلك مقياساً لما فوقه فيه ما قلنا من انه اذا قسنا عليه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 186 *»
الواجب لزم مع التشبيه بالخلق انّه انّما سُمّيَ سبحانه بمتكلّمٍ لانّه ممن قامَ به الكلام و الكلام عند هؤلاۤء الجماعة اصحاب وحدة الوجود هو ذاته كما ذكره الملا محسن في انوارالحكمة و يسمّي ايضاً كاتباً لانّه اوجد الكلام و امّا عندنا فقد عافانا اللّه سبحانه و له الحمد ممّا ابتلَي به هؤلاۤء فنقول لايكون شيء من الخلق مقياساً لشيء من الحقّ تعالي و ما يوجد في خلقه فهو آية معرفته و الكلام حادثٌ و المتكلّم مَنْ اوجدَ الكلام و هو تعالي متكلّم لانّه احدثَ كلامَهُ في ما شاۤء و كلّم به مَن شاۤء كيف شاۤء فلاتجعل للشاهد مقياساً للواجب في شيء و اَمّا ما اري الخلق من آياته في الافاق و في انفسهم فهو آياتُ معرفته و لا كذلك قياس المصنّف لانه يقيس ذات العبد فيما ينسب اليها و يطلب نظيره فيما ينسبه الي ذات الربّ سبحانه عما يشركون .
قال { قاعدة عرشيّة كل معقول الوجود فهو عاقل ايضاً بل كل صورةٍ ادراكيةٍ سواۤء كانت معقولةً او محسوسة فهي متّحدة الوجود مع مدركها و برهانه الفاۤئض من عند اللهِ هو ان كل صورة ادراكيّة لها ضرب من التجرد عن الماۤدة و ان كانت حسّيّة مثلاً فوجودُها في نفسه و كونها محسوسة شيء واحد لا تغاير فيه اصلاً و لايمكن اَنْ يفرض لتلك الصورة المخصوصة نحو من الوجود لمتكن هي بحسبه محسوسة .}
اقول يريد في هذه القاعدة يقرر مسئلةً قد ملأ كتبه منها و هي اتّحاد العاقل بالمعقول و تجري في اتّحاد الحاۤس بالمحسوس و الفاعل التّام بالمفعول و هي مسئلة عويصة علي اذهانهم و الشبهة دخلت عليهم من دعوي انّ وجودها ادراكي و لهذه اذا سُلِّمت انما يلزم منها اتّحاد العقل بالمعقول علي توجيهٍ نذكره و الباب الذي دخلت عليهم منه الشبهة توهّم انّ العاقل يعقل غيره بنفس ذاته كما يسمع بذاته و يري بذاته و قد بيّنّا فيما تقدّم ان الادراك معني فعلي لان السمع الذي هو الذات و كذا البصر و العلم المعبر عنه بالعقل هو الذات فسمّه باسمه الحَقّ و هو الذات ثم انظر هل تقدر ان تنسب اليه ادراك مسموع او مرئي او معلوم لانّه تعالي انما هو هو فلا مَسْمُوع و لا مبصر و لا مدرك فاذَا وجد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 187 *»
المسموع و المبصر وَ المُدْرَك حَصَل الاِشْراقي بها و هو الوجُودُ الادراكيّ النِّسبي و هو ظهورُ المدرِك بكسر الراۤء بالمدرك بفتح الراۤء و الظهور اثر الظاهر فالاتّحاد في الظهور اذ ليس للمدرك بفتح الراۤء حقيقة غير الظهور اذ هو الظهورُ به۪ لانّ ماۤدّته ذلك الطارئ المتجدّد الذي هو تأكيد الفعل و صورته ظلّ هيئة الفعل كما ان صورة الكتابة ظل هيئة حركة يد الكاتب و كما اَنّ هيئة حركة يد الكاتب ليست هي يد الكاتب و لا ذات الكاتب و انّما يُحدثها الكاتب عند ارادة الكتابة بنفسها كذلك الوجود الادراكي ليس هو نفس الفعل و لا ذات الفاعل و كلام المصنف يلزم منه ان تكون هيئة الكتابة القاۤئمة في القرطاس التي هي بمنزلة الصورة المعقولة هي نفس حركة يد الكاتب و نفس يد الكاتب بل نفس الكاتب و مع هذا كله يدّعي انّ برهان ما ذكره فاۤئض عن اللّه سبحانه اخذه من الاياتِ الافاقية و الانفسيّة فانظر ماذا تري و قوله كل معقول الوجود فهو عاقل ايضاً يدخل فيه كل معلومٍ ليصح للمصنف قوله بسيط الحقيقة كلّ الاشياۤء لانه اذا خصّص المعقول بالمجرد عن الموادّ لَمْيبق عنده شيء اذ كلُّ مخلوق فمن ماۤدّة خلقه خالقه تعالي و انّما مَعْني انّه خلقها لٰا من شيء اي لٰا مِن شيءٍ مَعه قديمٍ لا انّ معناه انّه خلقه لا من ماۤدّةٍ و لو سكتنا عن هذا لزِمَهُ انّ بسيط الحقيقة بعض الاشياۤءِ لان الماۤدّيّات من الاشياۤء مع انّه اخرجها من الاتّحاد و لو سكتنا عنه ايضاً لزمه ان الاشياۤء المجرّدة هي الَّتي معه في صقعِه۪ في ازله فهو كلها لِبَسٰاطَتِهَا و لَايلزم التّركيب و التّغيير بالمتبايناتِ لانها في انفسِها مجرّدةً و امّا الماۤدّيّات فلكونها خارجة عن صقعه و واقعة في الامكان لميصح اتّحادُها به فلاتكونُ معلومةً له لان المعلوم الحادث بجميع اقسامه يجب ان يكون وجودهُ اِدراكيّاً لانه غاية الفعل فلاينقص في تحقّقه بالفعل عن كون تحقّقه ادراكيا فاذا لمتكن بذاتها معلومةً له لمتكن مفعولةً له قال الملّا محسن في رسالة العلم التي وضعَها لابنه علمالهدي اعلم ان العالمية و المعلوميّة هما عين الفاعلية و المفعوليّة او لازمتانِ لهُما لانّ العلم عبارة عن حصول المعلوم للعَالم و ليست الفاعلية ايضاً الّا حصول المفعول
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 188 *»
للفاعل او تحصيل الفاعل للمفعول فانك اذا تصورتَ صورة في نفسك فعين تصوّرك ايّاها عين حصولها لكَ و عَين علمِك بها و تصوُّركَ ايّاها ليس الّا انشاۤؤك لَها في ذاتِك و ابداۤؤها ايّاها مع انّك لستَ مستقِلّاً لها في هذا الانشاۤءِ و الابداۤء بل انت محلّ لها و انّما يفيض عليك مما فوقك حين حصول شراۤئطِها فيك و استعدادك لها فلو كان الانشاۤء منك بالاستقلال لكان اولي بان يكون علماً لكَ بها انتهي ، فاذا كان عندهم ان العالمية عين الفاعليّة و المعلومية عين المفعوليّة دارت المعلوميّة مدار المفعوليّة وجوداً و عَدماً فيلزم امّا معقوليّة الماديّات او عدم مفعوليّتها و اعتبار الوساۤئط في الماديّات في المعلوميّة و المفعوليّة دون المجردات يلزم منه اختلاف نسبة الذات الحق تعالي الَي بَعْضِ الاشياۤء و هذه صفة الخلق علي ان المصنّف لايفرق بين الوجودات فكيف جعل هنا بعضها معقولاً كالمجردات و بعضها غير معقولٍ كالمادّياتِ فيلزمه ان يكون بعض الوجودات مجردة و بعضها ماۤدّيّة فلايصح قوله بكونِ الوجود صادِقاً علي جميع افراده بالاشتراك المعنوي فمرّة قال هكذا و مرّة قال انّ الحقّ وجودات الاشياۤء ممّا شابها من النقاۤئص و الاعدام ليس لذاتها و انّما هي عوارض مراتب تنزلاته و ذاته بريۤئةٌ من هذه الاعدام و النقائص و مرة قال انّ ما كان منها معقول الوجود فهو متّحد بالعاقل المعبود تعالي و ما كان ماديّا فلا و مرّة قال تفريعاً علي هذه القواعد القاعدات انَّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياۤء و الّا لزم تركّبه من وجود و عدم و مرّة قال الّا ما كان من النقاۤئص و الاعدام يعني ان بسيط الحقيقة لايُسلب عنه شيء الّا ما كان من نحو النقاۤئص و الاعدام و كل هذه المناقضات و الاضطرابات منشاؤها القول بوحدة الوجود و انا اقول للمصنّف لايتعب نفسه فانه ان صعِدَ السماۤء او نزل الارض او قتل نفسه او غير ذلك لايكون ربّاً و لايكون قديماً و لا اصل له في الازل ابداً و لايقبل منه الّا من كان يريد هذه المرتبة و هم معه مثل ما قيل في ذم ابيالحسين الجزّار :
اِنْ تاهَ جزّارُكم عليكم ** * ** بفِطنةٍ في الوري و كَيْسِ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 189 *»
فليس يرجوهُ غير كلبٍ ** * ** و ليس يخشاه غير تَيْسِ
و ايضاً قوله فهو عاقل ايضا يشير به الي دليل الاتحاد من انا اذا لمنقل بالاتحاد لزم امر محالٌ فقال في بيان لزوم المحال في كتابه المشاعر لانا اذا نظرنا الي الصورة العقليّة و لاحظناها و قطعنا النظر فهل هي في تلك الملاحظة معقولة و الّا لميكن نحو وجودِها بعينها معقوليتها بل كانت معقولة بالقوة لا بالفعل و المقدّر خلاف هذا و هو انّ وجودها بعينه معقوليتها و ان كانت تلك الملاحظة ايّاها الّتي هي تكون مع قطع النظر الي ما سواه معقولة فهي لا محالة في تلك الملاحظة عاقلةٌ ايضاً اذِ المعقولية لايتصوّر حصولها بدون العاقليّة كما هو شأن المتضاۤئفين و حيث فرضنا وجودها مجرّدةً عما عداها فتكون معقولةً لذاتها ثمّ المفروض اوّلاً انّ هنا ذاتاً تعقل الاشياۤء المعقولة له و لزم من البرهان ان معقولاتها متحدة مع من يعقلها و ليس الّا الذي فرضناه انتهي ، و يريد انا اذا نظرنا الي الصورة المعقولة لمنجد منها الّا كونها معقولةً لعاقِلها لانها هي حظها من التحقق فتكون هي بذلك عاقلة اذ كونها معقولة لاينفك عن عاقلٍ لها كما هو شأن ساۤئر المتضايفات و هذا في حال قطع النظر عن عاقلها و انّما فهمنا العاقلية من المعقوليّة فلولا تحقق الاتحاد لمافهمنا العاقليّة من المعقوليّة مع قطع النظر عن عاقلية عاقلها و اقول اذا تأمّلتَ هذا الكلام وجدته مغالطةً خفي التخلّص منها علي المصنّف و علي اهل الاتحاد و بيان التخلص منها هو انّ فهمك العاقلية انّما هو لاجل مأخذ الاشتقاق بمعني ان تحقق المعقولية مَأخوذ فيه لحاظ العاقلية كالابوّة و البنوّة فان تحقّق كل منهما مأخوذ فيه لحاظ الاخر و لكن كما لاتتّحد الابوّة بالبنوّة مع اخذ لحاظ احدهما في تسمية الاخر بل الابوة منسوبة للاب و البنوّة منسوبة للابنِ ليس بينهما اتّحاد و انّما اعتبر لحاظ الجهة الملايمة يعني انّ جهة الاب الي الابن دون غيرها من جهات الاب جعلت صفةً لجهة الابن الي الاب في اخذها لجهة الابن و جعلت جهة الابن الي الاب صفةً لجهة الاب في اخذِها لجهة الابِ فالابوة صفة الاب الموصوفة بجهة الابن و البنوّة صفة الابن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 190 *»
الموصوفة بجهة الاب كالضارب صفة لزيد باعتبار فعله الموصوف بالضرب و ليس صفة لذات زيد فالابوة مركبة من صفة هي جهة الابن و موصوف هي جهة الاب و البنوّة مركّبة من صفةٍ هي جهة الاب و موصوف هو جهة الابن و ليس بينهما اتّحاد بل الابوة غير البنوّة كذلك المعقوليّة و العاقليّة فان المعقولية التي هي صفة الصورة المعقولة لحظ في الاتّصاف بها تعقّل عاقلها و هو فعل العاقل و العاقلية التي هي صفة فعليّة للعاقل كذلك فالصورة في نفسها هيئة المحدث و المتصوّر لها امّا بان انتزعها من صاحبها او اخترعها لصَاحِبها و علي كل حالٍ هي صفة غير العاقل لها امّا في التّسمية فاخذ فيها هيئة تعقل عاقلها كما قلنا في المتضايفين بل هذانِ متضايفان و امّا في الذات فلان الصورة لميكن لها تحقّق في التقدير الّا هيئة تعقّلِ عاقلها لانها عبارة عن ظهوره بها اي عبارة عن تعقّله لها فحيث قام الدّليل القطعي علي انّها ممكنة و كلّ ممكنٍ زوجٌ تركيبي وجب ان تكون الصورة المعقولة مركبة من ماۤدة هي هيئة صاحِبها سواۤء كانت منتزعة من موجودٍ امْ مخترعة لما يوجد و من صورةٍ هي هيئة محلّها الذي هو الخيال او النفس او ما يشابه ذلك لان الصورة المعقولة لا بدّ لها من محلٍ تقوم فيه كالصورة في المرءاة فان محلّها زجاجة المرءاة بما هي عليه من بياض و صفاۤء و كبَرٍ و استقامةٍ و اضدادِهَا فالمصنف فيما هو فيه لا بدّ له ان يجعل للصورة التي فرض ان عاقلها هو الحق سبحانه محلّاً امّا ذاته او علمه انْ فرضه غيرَ ذاته او شيئا خارجَ ذاتِه و الحاصل لا بد للصورة المعقولة من محلٍ تقوم به و هيئته كما قلنا في زجاجة المرءاة هي صورتها فلا بد للصورة المعقولة ان كانت ممكنة من ماۤدة و صورة فماۤدّتها نفس ظهوره بها و هو تعقله لها و صورتها محلها منه و كلّ هذه المراتب لمتكن نفس العاقل اذ غاية ما يسامح فيه اَن يقال هي ظهوره بها و ليس ظهوره بها ذاته لانه كان قبل اَنْ يتعقّلها فلمّا تعقّلها اتّحدَتْ به كيف يكون و قبل ذلك تكون حاله مغايرة لحال الاتّحاد و ايضا اذا تعددت الصور المعقولات و هي لا شك انها لمتعددةٍ من الحوادث متغايرة وجب ان تكون كل صورة معقولةً بما هي به هي من التعدّد و التمايز و اعتبار التعدّد و التغاير ينافي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 191 *»
الاتّحاد و اعتبار الاتّحاد ينافي ما هي عليه اذ لايتعقل المختلف بغير الاختلاف و الّا كان المتعقل غيره اَلَاتري ان نور الشمس الواقع علي الزجاجات المختلفة الالوان لايكون ما في الزجاجات و ما انعكسَ عن كلٍّ منها متّحداً بنور الشمس الواقع عليها لا في لونه و لا وحدته و لا في اوضاعِ ما فيها و لا المنعكس عنها و ان كان نور الشمس واحداً و باشراقٍ واحدٍ بل وجب التعدد و الاختلاف لاختلاف القوابل و الاوضاعِ علي ان نور الشمس الذي هو بمنزلة تعقّل العاقل للصورة و ان جوّزنا كونه في ظاهر النظر متّحداً بالواقع عَلَي الزجاجات او بالمنعكس عنه لايكون متّحدا بالشمس و كيف يتّحد ما في السّماۤء الرابعة بما في الاَرْض وَ اِنْ عوَّلَ الي مفاهيم الالفاظ الاشتقاقيّة فليس في معرفتها معرفة الحقّ و لا صفاته لانه عز و جل هو و صفاته ليس من الالفاظ و لا مفاهيمها و انّما نتكلّم في الموجود في الخارج المتحقق في نفسه قبل ان نتكلّم و قبل اَن نفهم الاتري المصنّف كيف استدلّ علي كون الصورة المعقولَةِ عاقلةً انّك اذا لحظْتَها مع قطع النظر عن عاقلها انها تكون عاقلةً اذ لايتصور معقول بدون تصوّر عَاقلٍ له فلاجل انّ ملاحظتها من حيثُ هي معقولةً تستلزم حُضور عَاقلٍ لَهٰا في ذِهْنِ مُلاحظِها تكون عاقلةً لحضور عاقلٍ لَها و لاجل فهمِ كونِها عَاقلةً يكون وجود عاقلها وجودها و الّا لمافهم من نفس وجودها العاقلية فانظر كيف هذا الاستدلال الذي يزعم انه فاۤئض من اللّٰهِ تعالي و لاادري هل يريد انه فاۤئض من الذات البحت ام من فعله و هذا البرهان الذي ذكره هو قوله ان كل صورة ادراكية لها ضرب من التجرّد عن الماۤدّة و ان كانت حسّيّة مثلا فوجودها في نفسه و كونها محسوسة شيء واحد لا تغاير فيه اصلاً اقول امّا كون وجودها من حيث هي مدركة و كونها معقولة و كذلك المحسوسة من حيث الاحساس شيئا واحداً فظاهر من حيث ان وجودها ظهور المدرِك لها بها و اَمّا انّ ظهور الشيء بشيء هو نفس ذلكَ الظاهر فشيء لايوجد في الاذهان و لا في نفس الامر و لا في الخارج بل الموجود فيها خلاف ذلك و الله الحق سبحانه لايفيض عنه الّا الحق و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 192 *»
و قوله و لايمكن ان يفرض لتلك الصورة المخصوصة نحوٌ من الوجود لمتكن هي بحسبه محسوسة فيه انه لايقول به الّا فيما فيه نحو من التجرّد و امّا الماديات فانه يقول انّ لها نحواً من الوجود لمتكن هي به محسوسة و نحن نمنع التفاوت في خلق الرحمن فانَّ الماۤدّيات انْ كانَ لها نحو من الوجود غير ما هي به معلومة كان للمجردات و الّا فلا لان الصانع واحد و الصنع واحد و المصنوع واحد و هذا الكلام محكم قطعي كلّ من له معرفة بدليل الحكمة يقطع به و لايخفي الا علي اهل الظواهر و قد دلّ علي هذا ادلّة العقل و ادلّة النقل بانّ الاشياۤء انّما تختلف في نسبها الي انفسها فتقرب منه تعالي بنسبة قوابلها و تبعد بنسبة قوابلها و كل ذلك نسبُها الي ذواتها و امّا هو تعالي فليس عنده قريب و لا بعيد لا في علمه بها و لا في ايجادها و لا في قيّوميّتِه۪ لها و لا غير ذلكَ علي انّه ذكر في قاعدة حدوث العالم ان الوجود كما جاز ان يكون كيفا اَوْ غيره من الاعراض فجاز ان يكون جوهراً صُوريّاً مادّيا متجدّد الذات و الهويّة انتهي ، و نقول كما جاز ان يكون الوجود جوهرا صورِيّاً ماۤدّيّا متجدّد الذّات و الهويّة جاز ان يكون للصورة المعقولة و المحسوسة نحو من الوجود ماۤدّي لمتكن به مدركةً لان التّعقل عنْده لايجريه في الماديات و انّما يجريه في المجرّدات و المعقولة و المحسوسة لا بد لها من نحو وجودٍ مادي امّا في محلّها او في شيء من اركان ما تتقوم به اذ لايمكن ان تعقل الصورة لا في محلٍّ و لا لمتصوّر و لا علي نوع التّأليف لان الممكن المصنوع لايكون الّا هكذا خصوصاً الصّور التي لاتتقوّم بدون الحدود و الهندسة و الي هذا النحو قلتُ انّا نمنع التفاوت في خلق الرَّحْمن فارجع البصر هل تري من فطورٍ.
قال { لان وجودها وجود ادراكيّ لا كوجود السماۤء و الارض و غيرهما في الخارج فان وجودها ليس وجوداً ادراكيا و لاينالها الحس و لا العقل الّا بالعرض و تبعيّة صورة ادراكية مطابقة لها فاذا كان الامر كذلك فنقول تلك الصورة المحسوسة التي وجودها نفس محسوسيتها لايمكن ان يكون وجودها مبايناً لوجود الجوهر الحاۤس بها حتي يكون لها وجود و للجوهر الحاۤسِّ وجود
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 193 *»
آخر قد لحقتهما اضافة الحاسّية و المحسوسيّة كما للاب و الابن اللذين هما ذاتانِ و وجوب كلٍ منهما غير عارض الاضافة و قد يعقلان لا من جهة الابوّة و البنوّة لان ذلك ممتنع مثله فيما نحن فيه لان هذه الصورة الحسّية ليست ممّا يتصوّر ان يكون لها وجود لاتكون هي بحسبه محسوسة فتكون ذاتها بذاتها غير محسوسة كالانسان الذي ليس في وجود ذاته بذاته اَباً و لكن صار بالعرض حالة اضافيّة تعرض لوجود ذاته بل ذات الصورة الحسيّة بذاتها محسوسة .}
اقول قوله لان وجودها ادراكي هو ما ذكرناه مِنْ اَنّ وجود الصورة المعقولة ليس شيئا غير ما هي به مدركةٌ و معناه ان نفس وجودها ظهورَ عاقلِها بها و ظهور عاقلها بها هو نفس تعقله لها و هذا ظاهر و قوله لا كوجود السماۤء و الارض و غيرهما يعني به ان وجود الماۤدّيات بماۤدّياتها و يرد علي هذا انّه يلزمه انّ تكونَ وجودات الاشياۤء قديمةً غير مخلوقة و انما صنعه تعالي لها كصنع البنّاۤء للجدار فان الحجارة و الطين لمتكن من صُنعه و انّما احدث الهيئة و المصنف هو و اتباعه قاۤئلون بذلك كما ذكره في ساۤئر كتبه من ان وجودات الاشياۤء و ماهياتها ليست محدثة و انّما الحادث افاضة الوجود عليها و قد تقدّم ما نقلنا عن صهره الملا محسن من الكلمات المكنونة و
منه قوله و سرّ سرّ القَدر اَنَّ هذه الاعيان الناشية ليست اموراً خارجيّة عن الحقّ بل هي نسبٌ و شؤن ذاتيّة فلايمكن ان تتغير عن حقاۤئِقها فانها حقاۤئق ذاتياتٌ و ذاتيات الحق سبحانه لاتقبل الجعل و التغيير و التبديل و المزيد و النقصان فبهذا علم انّ الحق لايعيّن من نفسه شيئا لشيء اصلاً صفةً كان او فعلا او حالاً او غير ذلك لان امره واحد كما انه واحد و امره الواحد عبارة عن تأثيره الذاتي الوحداني بافاضةِ الوجود الواحد المنبسط علي الممكنات القابلة له الظاهرة به المظهرة ايّاه متعدِّدا و متنوّعاً مختلف الاحوال و الصفات بحسب ما اقتضته حقاۤئقها الغير المجعولة المعيّنة في عالم الازل انتهي ، و انما اكرّر كلماتهم لتتأمّل ايها الناظر فيها في كل موضع و ان استلزم التطويل فاذا كانت حقائق كل شيء ذاتياته تعالي و هي غير مجعولة لاتقبل التغيير و التبديل و هو تعالي لميعيِّن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 194 *»
من نفسه شيئا لشيء اصلاً بل هي متعيِّنَةٌ في نفسِها بنفسِها و وجوداتها من وجوده و هي غير مجعولة بل هي باقية علي تقدّسها في ذواتِها عن رَذاۤئل النقاۤئص و الاعدام و الطباۤئع فما الّذي صنع سبحانه و اي شيء احدث الّا افاضة الوجود و ارساله علي تلك الاعيان الثابتة فاذاً كان حاله تعالي عندهم هكذا فالسموات و الارضون و غيرهما لميُحدث منها شيئاً الّا كما يُحْدِثُ البنّاۤء فلاتكون وجوداتها ادراكيّة فلاتَتّحد بوجود مدركها و ينبغي ان تكون الصور المعقولة ايضاً كذلك لانها ايضاً بموجب كلامهم ليست وجوداتها ادراكيّة فلاتتّحد وجودها بوجود مدركها الاتسمع كلام الملا محسن ان الحق لايعيّن من نفسه شيئا لشيء اصلاً صفة كان او فعلاً او حالاً او غير ذلك لانهم اذا حكموا بكون ماهيّات الاشياۤء و حقاۤئقها كلها ذاتيّاتٍ له غير مجعولة و لا فرق بين الذوات و الصفات و الافعال و الاحوال و وجوداتها من وجوده و هي غير مجعولة فالصور المعقولة من الاشياۤء لانها امّا ذوات او صفات او افعال او احوال فان قالوا بان وجوداتها ادراكية كان قولهم انه لايعيّن من نفسه شيئا لشيءٍ اصلاً باطلاً لانّه ان لميعيّن لها شيئا كان لها نحو بل انحاۤء من الوجود لمتكن بها معقولة و ان كانت بها معقولة لان تلك الاعيان و الحقاۤئق صور علمية له تعالي كما قاله في الوافي في باب السعادة و الشقاوة فلا فرق بينها و بين السماۤء و الارض فعليه ان يجعل وجودها متحدا بوجود عاقلها العالم بها علَي ان الذي قام عليه الدليل القطعي من العقل و النقل و الاجماع من المسلمين ان كل ما سوي الله حادث و كل حادث فهو بجميع اجزاۤئه و ما ينسب اليه او يتقوّم به فهو حادث ليس فيه شيء لميكن بمخترعٍ لا من شيء و كل شيء منها فهو قاۤئم بامره الفعلي قيام صدورٍ و بامره المفعولي قيام تحقّق فايّ شيء من السواۤء مستثني و ايّ شيء ليس بسوي الله تعالي لَايكون معْقولا له فنحو السّماۤءِ و الارض اِذَا جعله غير ادراكي لزمه انه غير مصنوعٍ لهُ و كونه غير مصنوع له تعالي يلتزمه و لايبالي و لكن حكم الصور المعقولة حكمه في النّفي و الاثبات كما ذكرنا
و قوله و لاينالها الحس و لا العقل الّا بالعرض و تبعيّة صورةٍ ادراكية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 195 *»
مطابقةٍ لها قد ذكرنا سابقاً اتّحاد العلم و المعلوم و اشرنا الي دليله و لكن المصنف ذهب فيه الي رأي المشاۤئين من حصر العلم في الصور و جعل الذوات معلومةً بالعرض و هو قوله و تبعيّة صورة ادراكيّة مطابقةٍ لها و قد بيّنّا ان العلم اذا كان هو الصورة فالصّورة العلميّة معلومة للعالم بنفسها ام بصورة اخري فان كانت بصورة اخري لزم التسلسل او الدور و ان كانت معلومةً بنفسِهَا فما الفرق بينها و بين زيد الذي هو ذو الصورة مع انّهم يفسّرون علمه تعالي بالاشياۤء انّه عبارة عن حضور الاشياۤء و انكشافها فلاادري هل يرون انّ الصور المعقولة حاضرة لديه دُون الذّوات الماۤدّيات ام المادّيات غاۤئبة عنه الّا بصورة ادراكية مطابقة لها فكيف قال تعالي لايعزب عنه مثقال ذرة في الارض و لا في السماۤء ام جميع الاشياۤء المجردة و الماديّة كلّها لديه علي حد واحدٍ في الحضور فان رأوا الوجه الاوّل جهّلوه تعالي باكثر الاشياۤء لجعلِهم المجردات حاضرة لدَيْه دون غيرها و ما علمه بالاشياۤء الّا حضورها لديه و ان رأوا الوجه الثاني جعلوه تعالي في علمه بالماديّات محتاجاً الي الصور الادراكية المطابقة لها و اِنْ رأوا الوجْهَ الثّالثَ و هو انّ جميع الاشياۤءِ مجرّدها و ماۤدّيّها حاضرة لديه علي حدٍّ واحدٍ كل في مكان حدودِه و زمانِ وجوده وجب عليهم التّسوية بينها كما ذكره سبحانه في قوله و ما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الارض و لا في السماۤء و قوله اَلٰايعلم مَن خلق لان الجميع حاضر لديه و عندنا انّما نعلم بصورة زيدٍ التي في خيالنا حالة حضوره لانه حالة حضوره لمتكن عندنا صورة خياليّة الّا نفس حضوره فانه علمنا به فاذا غاب عنا انتزع خيالُنا صورة حضوره المنفصلة كما في المرءاة و لانعلم منه شيئا في غيبته الا صورة الحضور فلو تحرّك في غيبته عنا اوْ سكن او قام او قعد او ماتَ لمنعلم به و لو كانت الصورة التي في خيالنا هي علمُنا به مطلقاً لَماجهِلْنَا في غيبته حالاً من احواله فلمّا لمنعلم من احواله شيئا غير حالة حضوره عندنا دَلّ بانّ الصُّورة لانعلم بها احْوَالَ زيدٍ امّا في غيبته فلانعلم بها الّا هيئة حضوره لانها هي هيئة حضوره و امّا في حضوره فلا صورة عندنا غير حضوره المدرك بابصارنا و الواجب عز و جل لميغب عنه شيء و لم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 196 *»
تكن عنده صورة في ذاته و لا خيال له كما في خلقه و كلّ شيء يعلمه بنفس حضوره فالصور التي في ساۤئر كتبه كالكتب العَقْليّة و الرّوحيّة و النفسية و الطبيعيّة و الماۤدّية و المثالية و الجسمانية و الجسميّة معلومة بانفسها و هي علمه تعالي بتلك الاعيان لان تلك الاعيان لاتغيب عنه و لكن لمّا كانت تغيب عنا و قال الكافر ائذا كنا ترابا ذلك رجع بعيد قال سبحانه في جوابهم قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ فخاطبهم بنمط ما يعرفون من ان الشّيء اذَا غَابَ عنهم من مكان و طورٍ و كان في موضع اخر محفوظاً يكون معلوماً بحكم الحاضر و الّا فانّ الاشياۤء اذا تغيّرت عن اماكنها و اوقاتها و اطوارها لمتتغيّر عنده تعالي عما هي عليه اذ لاتغيب عنه تعالي حالتها عما هي عليه قبل التغيّر ليكون انما يعلمها بما في كتب اطوارها بل اذا تغيّرت عندنا و عند انفسها لمتتغيّر عنده اذ كل شيء عنده فيما اقامه فيه لان كلّ ما دخل في ملكه و سلطانه لايخرج عنه بل هو فيما اقامه عنده و الّا لفاتَه شيء او حال وَ قوله فاذا كان الامر كذلك فنقول تلك الصورة المحسوسة الّتي وجودها نفس محسوسيَّتها لايمكن ان يكون وجودها مبايناً لوجود الجوهر الحاۤسّ بها فيه ما قلنا من انّا انّما نثبت انّ ادراكه لها هو نفس وجودها بناۤء علي ان الادراك لها هو ظهور الحاۤس بها و تجلّيه صفة فعليّة و ظهوره بها نفس تجلّيه لها و ذلك علي تسامحٍ منّا و لو سلكنا الحقيقة قلنا للمصنف هذه الصورة الادراكية و المحسوسة هي نفس فعل المدرك و الحاۤس الذي هو الحركة الايجاديّة ام هي اثر الحركة فان قلتَ انّها هي الحركة نفسها كابرتَ عقلك ان كنتَ تفهم و ان قلتَ هي اثر الحركة فمرحباً بالوفاق ثم اسألك الاثر عين المؤثّر ام غيره فان قلتَ الاثر عين المؤثر كابرتَ مقتضي عقلك و ان قلتَ الاثر غير المؤثر فهو حقّ و لكن الادراك فعل المدرك و هو غير الفاعل و الصورة اثر الفعل و هو غير المؤثر فمن اين طَفَرتِ الصُّورة حتّي اتّحدَتْ بالْفَاعِلِ بل لا شكّ انّ لها وجوداً و للحاۤسّ وجوداً آخر و لو كان وجودهُ وُجودها لَمافقدَها و لكانت موجودة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 197 *»
قديمة بقدمه و المصنف لمّا جعل الصورة المحسوسة علماً للحاس و العلم عين العالم قال بقدمها و انه تعالي مافقدها مع انه لميحصر هذا الحكم في القديم لقوله الجوهر الحاۤس فنقول انت بعد اَن مضي من عمرك خمسين سنة تخيّلْتَ صورة فلمّا تخيّلتها كانت موجودة بوجودك لمتفقدها من اوّل كونِك ام كانت كامنة في ذاتك ثم تولّدَتْ منك فكانت لك حالتان فانت اذا اختلفت احوالك فانت مختلف الاحوال و امّا اذا قستَ هذا في شأن الحق كان مختلف الاحوال تعالي عن اختلاف الاحوال و عن هذه الاقوال و قوله قد لحقتهما اضافة الحاسّية و المحسوسيّة الي قوله من جهة الابوة و البنوّة يريد به ان ما يدّعيْه لايكون بينهما الاضافة المشار اليها مدركةً بل يكون فيهما الاتّحاد الذاتي بمعني انه شيء واحد لا تعدّد فيه الّا بحسب المفهوم لان الصورة هي العلم و العلم هو العالم علي قاعدته و قد بيّنّا بطلان ما ذكر بانّ الصورة الادراكية يراد منهما صورة موجود محدث او صورة لما يوجد و هي بعينها هي العلم و هي المعلوم لانها حقيقةً هي هيئة حضور صاحبها عند العالم و هو علم اشراقي يوجد بوجود المعلوم و ينتفي بانتفاۤئه فكيف تكون هيئة حضور زيدٍ عندك التي هي الصورة نفسَك و وجودها وجودك و نحن قلنا لك انّ هذه الصورة حقيقتها ظهور فاعلها و نعني بالظهور الاثري اي الذي هو اثر فعل الفاعل و هذا الاثر ظل الفعل المنفَصِل و نعني بالمنفصل انه هو الهيئة المشرقة من المتجلي علي القابل و ليس نريد بالمنفصل انه مقطوع عنه و مثاله الصورة الموجودة في المرءاة فانها هيئة الشخص المنفصلة المشرقة علي المرءاةِ لا الهيئة المتّصلة التي هي القاۤئمة بالشخص العارضة فيه و انما نعني بالمنفصلة التي في المرءاة و هي قاۤئمة بالشخص قيام صدورٍ و هذه المنفصلة المشرقة علي المرءاة هي ماۤدة الصورة التي في المرءاة و صورتها هيئة المرءاة من صفاۤء و بياض و كبر و استقامةٍ او اضدادِها و قد ذكرنا هذا مراراً و نذكره كما يذكر الله سبحانه قصة موسي عليه السلام مثلا في القران في مواضع متعددة و اعلم انا قد نقول ظهور الشيء و نريد به فعله اعني الحركة الايجاديّة و قد نقول ظهور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 198 *»
الشيء و ( يريد كذا ) به اثر فعله و هو الذي احدثه بفعله و الصورة الادراكيّة من الظهور الثاني فكما ان القيام الذي هو اثر زيد القاۤئم لايكون وجوده وجود زيد و لايتّحد به بل فعل زيدٍ الذي حدث القيام به لايكون وجوده وجود زيدٍ كذلك الصورة الادراكية الّتي هي اثر فعل المدرك لايكون وجودها وجود فعله فضلاً عن ان يكون وجودها وجود الفاعل و اين وجودها من وجوده و قولنا سابقاً انّ الصورة هي ظهور الظّاهر بهَا بعينه نريد بالظهور الظهور الثاني الذي هو اثر فعله فراجع حتّي لايلتبس عليك المراد و قوله لان ذلك ممتنع فيما نحن فيه يريد ان كون الصورة المحسوسة هي و وجود الحاۤس لها متغايرين انما يكون لو كانا شيئين متغايرين في ذاتيهما و انما لحقتهما الاضافة كما في الاب و الابن لكن الصورة ليس كذلك اذ ليس لها وجود تحسّ به غير ما هي به محسوسة فلذا قلنا انّ المغايرة ممتنعة و اقول قد بيّنّا في نقض كلامه ما سمعتَ من ان الصورة انما يمكن فرض اتّحادها بنفسها اذ لايتّحد شيء بغيره و الحاۤسّ غيرها قطعاً و انما تتّحد بظهورها الثاني اعني الاثر الذي ظهر به الحاۤسّ لانه في الحقيقة هو الصورة و امّا المصوِّر فهو غير الصورة لان الشيء لايُصَوِّرُ نفسه و لا ما يكون نفسه و كذلك المتصوّر فَلَاتتوهم فرقاً اذ الصورة في العبارتين محدثة بهما و الشيء لايحدث نفسه و باقي كلامه كاوّله لايحتاج الي كلامٍ اكثر مما ذكرنا بل بعض ما ذكرنا كافٍ في بيان فساده و انّما اكرّر للبيان .
قال { فاذا كانت نفس وجودها محسوسة الذّات سَواۤء وجد في العالم جوهر حاۤس مباين لها ام لا حتي انّه لو قطع النظر عن غيرها او فرض ليس في العالم جوهر حَسّاسٌ مباينٌ كانت هي في تلك الحالة و في ذلك الفرض محسوسة الذات فتكون ذاتُها محسوسةً لذاتها فتكون ذاتها بذاتها حِسّا و حاۤسّة و محسوسةً لان احد المتضايفَيْن بما هو مضاف لاينفكّ عن صاحبه في الوجود و لا في مرتبة من مراتب ذلك الوجود و علي قياس حكم الصورة المتخيّلة و المعقولة في كونهما عين المتخيّل و العاقل .}
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 199 *»
اقول قوله فاذا كانَتْ نفسُ وجودها محسوسةً الي اخره تفريع علي ما ذكر قبل و المعني في الكلّ واحدٌ فانّ مُلَاحظة الصورة مع قطع النظر عن ملاحظة الحاۤسّ انّما يلزم منه حضور الحاۤس في الذهن لا انّ الصورة حاۤسة كما توهّمه كما اذا تصورتَ البصر حضر العمي و اذا تصورتَ الاب حضر الابن و بالعكس و لايلزم من حضور اللازم في الذهن من ملاحظة ملزومه او ذكره كونُه ايّاهُ و ما اشبه هذا الوهم بما نقل عن بعض الاشاعرة حيث قال القرءان قديم و جلده قديم لانّه تعلّقَ به و كيسه قديم لاحاطته به و خيطه قديم لانه يربط الكيس عليه فقوله فتكون ذاتها محسوسةً لذاتها غلط بل انما لزم من كون المحسوس له حاۤس و هو مقتضٍ للمغَايرة و امّا انه يلزم من كونها محسوسة كونها حاۤسّةً فانما يلزم عند مَن ليس له حاۤسّة و لا شعور و تعليلهُ عليل فانّ احد المتضايفَينِ بما هو مضاف لاينفك عن صاحبه في التضايف و التلازم و في الوجود الذي هو التحقق و الثبوت لكن لا مع الاتحاد في الذات بل مع المغايرة في الذات و قوله و لا في مرتبة من مراتب الوجود غير صحيح لانّه لو اريد بالمراتب اطوار الملزوم لميلزم وجود اللّازم في جميع ذلك الّا اذا لازم الماهيّة بان يكون جزءها اذ قد يكون لازما خارجاً عنها فيكون من المعقولات الثانية كالزوجيّة للاربعة و هي مع هذا التلازم الشديد لمتتّحد مع الاربعة بل جزؤ الماهيّة كالحيوان و الناطق اللذين منهما يكون انسان واحد لايكونان متّحدَيْن لانّ الاتّحاد الذي يريده المصنّف و ان صحّ في شيء من الخلق لميصح في الخالق تعالي و ما يدّعونه اصحاب وحدة الوجود لايصحّ لهم و لايوصلهم الي شيء من العلم الّا نفي التوحيد و انكار الصانع لانهم يقولون مثلا هو واحد باعتبارٍ و كثير باعتبارٍ و لذا يقولون هو واحد في كثرةٍ و هو الكل في وحدته فيا سبحن اللّٰهِ كيف طاوعتهم انفسهم حتّي جعلوه من مفاهيم متعدّدة و هو واحد لان هذه بوجُودٍ واحدٍ و قد قبلوا هذا التوحيد و جعلوه غير منافٍ للبساطة الحقيّة مع ان المفاهيم انما تتعدّد و تختلف ليس لان الاختلاف اعتباري فلايضرّ بل اذا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 200 *»
كانت مفاهيم متعددة و وجودها واحد بيان هذا انّ مادتها واحدة كالباب و السرير و الصندوق فان وجودها الذي هو الخشب واحد و لكن صورها متعدّدة و لولا تعدّد الصور و اختلافها لمااختلفَتْ كذلك ما ذهبوا اليه حرف بحرفٍ .
قال { و قول بعض المتقدّمين من الحكماۤء باتّحاد العاقل و المعقول لعلّه رامَ بذلك ما قرّرناه و من قدح علي مذهبه و طعن فيه من الاتحاد بين العاقل و المعقول و هم اكثر المتأخرين فلميدرك غوره و لمينل طوره و لميصل الي شأوِه و الذي اُقيمَ البرهان علي نفيه من الاتّحاد بين امرين هو ان يكون هناك امران موجودان بالفعل متعددانِ ثم صار موجوداً واحداً و هذا ممّا لا شبهة في استحالته و اما صيرورة ذاتٍ واحدة بحيث يستكمل و تقوي في ذاتها و تشتدّ في طورِها الي ان تصير بذاتها مصداقاً له من قبل و تنشأ منها امور لمتنشأ منها سابقا فذلك غير مستحيل لسعة داۤئرة وجودها .}
اقول انتصاره لمن اقتدي به من الحكماۤء حيث وافق رأيه زعماً منه انه من البرهان الفاۤئض عن اللّه تعالي و قد اشرنا و نشير الي ان كلّ برهانٍ لله تعالي اظهره من كتم الامكان لعباده من الانبياۤء و المرسلين و الاولياۤء الصالحين و الحكماۤء المتقنين و العارفين من المؤمنين و العلماۤء الراسخين و ساۤئر عباده اجمعين فقد اظهره علي اكمل وجه و اتمّ بيان لايمكن ازيد منه في الاحكام و الاتقان في ما اراهم من اياته في الافاق و في الانفس و بيّنّا في عدة مواضع و نبيّن انّ ما ذكره المصنف مخالف لما اراه الله عباده من اياته في الافاق و في انفسهم الّا انه جعل ما فاض من نفسه فاۤئضاً عن اللّه و تعالي و تقدّس عن نسبة ما صدر عن الظنون و التخمينات و ما تهوي الانفس الّا ان انتصاره علي نحو ما ذكر و يذكر هنا و في ساۤئر كتبه ، فكلّ اناۤءٍ بالذي فيه ينضح ، و اعلم ايها الناظر انّي ماافرطتُ في ردّي عليه فاني واللّهِ ليس بيني و بينه شيء الّا انّي واللّٰهِ مارأيتُ له اعتقاداً و لا دليلاً يوافق ما عليه ائمة الهدي عليهم السلام و لايطابق دليل عقلي لان عقلي يحكي عنهم عليهم السلام و كلّ ما اقول فقليل في حق من لايقول كلمة علي ما ينبغي مع ما هو عليه من العلم و دقّة النظر و حصر همّه في علم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 201 *»
واحد و افتتان الناس بكتبه و امّا قوله و امّا صيرورة ذاتٍ واحدةٍ بحيث تستكمل و تقوي في ذاتها الي اخره فان صحّ في الجملة في الظاهر في الذات الحادثة كالشاة الضعيفة ترعي و تسمن و اجريناه له علي ظاهره لميصح في شأن الحق تبارك و تعالي لانه عز و جل لاتختلف احْوال ذاته لا في الذهن و لا في الخارج و لا في نفس الامر و قوله لسعة داۤئرة وجودها يعني به انّها بسعته تتناول اشياۤء تحيلها اليها و هذا في الذوات الناقصة التي تستكمل تدريجا و امّا في الذات الكاملة التي لاتحتمل الزيادة و النقصان فدون اثباته خرط القتاد .
قال { و ليس اتحاد النفس بالعقل الفعّال الا صيرورتها في ذاتها عقلا فعّالاً للصور و ( وحدة ظ ) العقل ليس يمكن تكثّرها بالعدد بل له وحدة اخري جمعيّة لا كوحدة عدديّة لشخص من اشخاصِ نوعٍ واحد بالعموم فالعقل الفعّال مع كونه فاعلاً لهذه النفوس المتعلقة بالابدان فهو ايضاً غايةٌ كماليّة مترتبة عليها و صورة عقلية لها محيطةٌ بها هذه النفوس كأنها دقائق منشعبة عنه الي الابدان ثم راجعة اليه عند استكمالها و تجردها و تحقيق هذه المباحث تستدعي كلاما مبسوطا لاتسعه هذه الرسالة .}
اقول ذكر هنا العقل و انه يتّحد بالنفوس المنشعبة عنه استشهاداً للصورة العلميّة بالعالم و الحسّيّة بالحاۤس بانّ العقل الفَعّال و هو العقل الكلّي اعني عقل الكل و تسميته بالفعّال غير ما يقصدون اصحاب العقول العشرة فان العقل الفعّال هو العقل العاشر عقل العناصر لان مطمح نظرهم الاجسام و طبايعها و عقل الكل هو الاول من العشرة و هو عقل الفلك الاطلس و امّا غيرهم فينكرون العشرة و يثبتون واحدا و هو عقل الكل و هو اول ما خلق الله من الوجود المقيّد و الحق في هذه المسئلة مع هؤلاۤء بدليل ان الانسان يوجد فيه جميع ما يوجد في العالم الكبير لانه انموذج منه و آيةٌ له و ليس للانسان الّا عقل واحدٌ و هؤلاۤء يقولون هذا الفعّال امره الله سبحانه فقال له اَدْبِر فادبر فنزل فكوّن باذن الله ما شاۤء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 202 *»
تكوينه ثم قال له اقبل فاقبل الي مقامه من الكَون فكان ممّا كوّن النفوس قال المصنف في الاستدلال علي مطلبه ان العقل الفعّال كوّن النفس فلمّا كملت بنظره كانت عقلاً فعّالاً للصور و استدلاله غير مسلّم امّا اوَّلاً فلان العقل الكلي الفعّال هو المشار اليه بالالف القاۤئم كنايةً عن بَساطته و عدم تعدده بالصور الجوهرية و المثالية و انّما هو معنيً و لايكون فيه الّا ما كان معني مجرّداً عن الماۤدة العنصريّة و المدّة الزمانية و الصور الجوهريّة و المثاليّة فلاتكون ذاتُه صورة و لا محلّاً للصور فتنزّل من رتبته المعنويّة بفعله لا بذاته فاحدث باذن الله النفس و هي الجوهر المجرد عن الماۤدة العنصريّة و المدّة الزمانية و عن الصور المثالية بذاته و هي الالف المبسوط لانها الكتاب المسطور و لايكون فيها الا ما كان صورة مجردة مثلها و به تكون متخيّلةً للصور فالعقل هو الطور و الالف القاۤئم فليس فيه كثرة صوريّة و انما كثرته معنوية لا تعدّد فيها بالتمايز المقداري الهندسي و النفسُ هي الكتاب المسطور في رقٍ منشور و هي الالف المبسوط كناية عن الكثرة و التعدّد ففيها كثرة صوريّة و تمايز هندسي لانها كتاب مجموع من الصور المختلفة حسّا كالكتاب المجموع من الخطوط و الحروف و الكلمات المختلفة حسّا و لايكون المتكثر في ذاته بسيطاً و بالعكس و امّا ثانياً فلان النفس انما هي تتصوّر الصور المقداريّة الهندسيّة فاذا كملت في فعلها فانما يصدر عنها ذلك او ما يرتبط به و لهذا تسمعهم يقولون العقل مفارق لا تعلق له بالاجسام و الجسمانيات لا في ذاته و لا في فعله و امّا النفس فهي في ذاتها مفارقة كالعقل لا في فعلها بل فعلها مقترن بالاجسام و الجسمانيات فبكونِ احداثها للصور بامداد العقل و اذنه لاتكون عقلا كما ان العقل بكونه محدثا باذنِ اللهِ تعالي لايكون هو الله تعالي و انّما تشبهه في مطلق الفعل لا انها تكون مفارقةً في افعٰالها كما ان العقل مفارق في افعاله و اين هذا من ذاك و كما قال ايضا وحدة العقل ليس يمكن تكثّرها بالعدد يعني الصوري بل له وحدة اخري بسيطة جمعيّة يعني لا تعدّد فيها الا بالمعني لا كوحدة عدديّة يكون لها تعدّد صوريّ مثل ما لِشخص من اشخاص نوع واحدٍ كزيد و عمرو فان لهما تعدّد
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 203 *»
صوري و تمايز بالهيئات الحسّية و ان جمعهما الانسان و العقل اذا اعتبر السكني من معني البيت و الزينة من معني الخاتم لميكن فيه بين السكني و بين الزينة تمايز حسّي صوري بل تمايز معنوي و امّا النفس اذا اعتبرت صورة البيت و الخاتم كان فيها بينهما تمايز حسي صوري لان صورة البيت تنتقش فيها بهيئته بما فيه من الصور وَ الحجر و المنازل و صورة الخاتم تنتقش فيها بهيئته من كونه ذا حلقة واسعة او ضيّقةٍ و ذا فصّ ياقوتٍ او عقيق كبير او صغير فتمايزهما صوري و العقل لايكون نفساً صورية و الّا لماكان معنويا مفارقاً و النفس لاتكون عقلاً معنوياً و الّا لماكانت صوريّة مقارنَة في افعالها و قوله فالعقل الفعّال مع كونه فاعلاً لهذه النفوس المتعلقة بالابدانِ الخ ، يريدُ ان كونه فاعلاً لها غاية كماليّة له تترتب علي فعلها و هذا كمال اكتسابي استكمالي اذا صلح للحادث لايصلح للقديم و قوله و صورة عقلية فيه تناقض فان الصورة لاتكون عقلية اذ ليس في العقل الّا معانٍ لانّها من نوعه و الصّورة نفسيّة فلاتكون العقلية التي هي مجردة عن الصورة مطلقا صورة و لاحظ ما ذكرنا قبل هذا من المعني من العقل و النفس و ادلة امثال هذه الامور يطول ذكرها خصوصا عند من ليس له انسٌ بطريقتِنا و قوله مُح۪يطةٌ بها هذه النّفوس يعني به كما تحيط الاشعة بالمنير و قد بيّنّا نحن فيما سبق و في ساۤئر كتبنا و نُبيّن ان الاشعة لاتحيط بنفس النار التي هي الفاعلة و هي مثال العقل الذي هو الفاعل و انما تحيط بما تستمدّ منه و هي الشعلة و قد بيّنّا انها دخان احالته النار بحرارة فعلها من الدهن فاستنار الدخان بمس النار و فعلها و الاشعة خلقت منه و تستمد منه اي من هذه الشعلة المرئيّة و لا تعلّق لها بغير الشعلة التي هي الدخان المستنير بمسّ النار كما قال ابنسيناۤء في الاشارات قال اعلم ان استضاۤءة النار السّاۤئرة لما وراۤءها انما تكون اذا عُلِفت شيئا اَرضيّا ينفعل بالضوء عنها انتهي ، فالعلف المشار اليه في السراج هو الدهن فانه بمس النار يكون دخاناً ينفعل بالضوء عن النار و هذا مما لا اشكال فيه و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 204 *»
الاشعة التي هي مثل النفوس المتعلقة بالابدان محيطة بالشعلة التي هي من الدهن استنار من فعل النار فالاشعة لمتحط بالفاعل الذي هو النار التي هي مثال العقل الذي هو فاعل النفوس فالنفوس محيطة باثر فعل العقل لانّها انما تستمد منه لا من النار فكما لاتكون الاشعّة باستكمالها و استمدادها من الشعلة هي الشعلة فضلاً عن ان تكون هي النار الفاعلة كذلك لاتكون النفوس التي هي متقوّمة باثر فعل العقل باستكمالها و استمدادها هي ذلك الاثر فضلا عن ان تكون هي العقل و لكن اكثرهم لايعقلون و كونها كأنها دقاۤئق منشعبة عنه الي الابدان ثم هي راجعة اليه عند استكمالها لايكون ما اراد بل هي مثل الاشعة فانها منشعبة عن اثر فعل النار كما بيّنّا الي الجدار مثلا فاذا استكملت فانّما استكمالها بصفاۤءِ قابليتها كالجدار اذا صقل حتي كان كالزجاج فان الاشعّة تستنير كمال استنارتها و لاتخرج عن كونها اشعة و ان حكت صورة السراج كالمرءاة لاتكون هي السراج المحرق و المنير و ليس رجوعها اليه الّا الي حيث بدئت و مابُدئت من ذاته و انّما بُدئت و صُنِعت بفعله من اثر فعله فافهم ان كنت تفهم و الّا فاَمْسِك .
قال { قاعدة في اسماۤئه تعالي قال و علم ادم الاسماۤء كلها الٰاية ، و قال اللّه و للّه الاسماۤء الحسني فادعوه بها الاية ، اعلم ان عالم الاسماۤء الالهيّة عالم عظيم الفسحة فيه جميع الحقاۤئق متّصلة و هي مفاتح الغيب و مناط علمه تعالي التفصيلي بجم۪يع الموجودات لقوله و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الّا هو اذ ما من شيء الّا و يوجد في اسماۤئه تعالي الموجودة اعيانها بوجود ذاته علي وجهٍ اشرف و اعلي الواجبة بوجوب ذاته .}
اقول لمّا فرغ من ذكر الذات و ذكر الصفات شرع في ذكر الاسماۤء و هي علي اقسامٍ فعلية و صوريّة و لفظية و الفعلية عين افعاله و اثارُها معاني افعاله و هي اسماۤء افعاله اي اسماۤء اسماۤئه و الصوريّة هيئات افعاله منها هيئات متّصلة و هي هيئاته في تقلُّبَاته في تأثيراته و هيئات منفصلة و هي ما تتصوّر آثارُهَا به كتصوّر الحروف بهيئات حركة يد الكاتب و اللفظية اسماۤء للنوعَيْنِ من الاَسْماۤء
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 205 *»
الفعلية و الصوريّة ثم ذكر ان عالم الاسماۤء عالم عظيم الفسحة و ذلك لانّه طبق الامكان الراجح الوجود اعني العمق الاكبر و ما ن۪يط به من فعله الذي هو المشيّة و الاختراع و الارادة و الابداع لصدق الاسماۤء علي كل ما يصدق عليه اسم الشيء من الذوات و الصفات و الافعال و الاقوال و الاحوال و الاعمال الامكانية و الكونية ممّا تسمّي بها عز و جل صريحا و ضمنا في قوله تعالي و له كل شيء منها اسماۤء حيث يحبّ و اسماۤء حيث يكره فاسماۤؤه التي حيث يحبّ فروع اولياۤئه و اهل طاعته و صفاتهم و اسماۤؤه التي حيث يكره فروع اعداۤئه و اهل معصيته و صفاتهم و مرجع النوعَيْنِ الي افعاله امّا الاولي الحسني العليا فبامتثال اوامره و اجتناب نواهيه علي وفق محبّته تكون و لا غاية لها و لا نهاية و امّا الثانية السوۤءي السفلي فبمخالفة اوامره و نواهيه علي وفق كراهته تكون و لا غاية لها و لا نهاية و الكل من الامكان الراجح الغير المتناهي فلذا كان اهل الجنة خالدين و نعيمهم داۤئما و اصحاب النار خالدين و تألمهم داۤئماً و الكل قسمان اسماۤء و تجلّيات اسماۤء و المكوناتُ منها تخرج من بابٍ باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و ذلك الباب معاني افعاله و هو صفة الرّحمن التي تجلّي بها الرحمن عَلي عرشه باركان الوجود الاربعة و هي الخلق و الرزق و الممات و الحيوة التي ذكرها تعالي في كتابه فقال اللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركاۤئِكم مَن يفعل من ذلكم من شيء سبحانه و تعالي عمّا يشركون فاعطي كلّ ذي حقٍ حقّه و سَاقَ الي كل مخلوقٍ رزقه و قول المصنّف و علم ادم كلّها في هذا المقام غلط عند اهل البيت عليهم السلام لانّ الاسماۤء التي علّمها آدم هي اسماۤء الكاۤئنات في رتبته حين التعليم و هي رتبة اسماۤء الاسماۤء سواۤء اريد منها المعنويّة ام اللَّفْظيّة اِذْ ليس كلّ اسمٍ له سبحانه علّمه ادم و ليس كلّ مسمّي عرضه علي الملاۤئكة و انّما علّمه ما كَان منها رتبة كونه تحت جوهر الهباۤء ممّا في عالم المثال فما دونه ممّا كان في وقت التَّعْليم لا مطلقاً فانّه لميعرض ما في اللّوح عليه و لايعلم كل ما في اللوح الذي هو النّفْسُ الالهيّة التي قال فيها عيسي عليه السلام تعلم ما في نفسي و لا اعلم ما في نفسِك و عيسي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 206 *»
اعْلَمُ من آدَمَ و اذا كان عيسي من اولي العزم و اعترف بعدم علمه بما في النّفس الكلّيّة فٰادمُ لايعلم ذلك بالطريق الاَوْلَي فكيف بما في الروح الكلية و كيف بما في العقل الكلّي و هو غصْن من نور الانوار و الحقيقة المحمديّة و الي ما ذكرنا يشير قوله تعالي مَاوَسعَني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلبُ عَبْدِي المؤمن ه ، يعني ان الارض و السماۤء و هو كناية عن الكلِّ ماوَسِعَتْ ما اُر۪يدُ من اَحْكامِ تكاليف عبادي و اَسْرار افعالي و ما يتعلّق باركان الوجود الاربعة الخلق و الرزق و الممات و الحيوة و انّما يسعه قلب محمد و قلوب اهل بيته الطاهرين صلّي اللّه عليه و اله اجمعين و اين ادم ممّا ذكر المصنف من مراده نعم هو تعالي علّم ادم ما يحتمله و قولنا اي كل ما يحتمله مما هو قد كان حين التعليم و الكلّيّة عرفيّة
و امّا قوله و للّه الاسماۤء الحسني فادعوه بها فلها اطلاقان اطلاق عاۤمّ يصلح لاستشهاده لانها ح في مقابلة السوۤءي الّا ان مراد المصنّف كلّ اسمٍ و ربّما انه لايعلم ان الاسماۤء السوۤءي له من حيث يكره لانّ المراد بالاسماۤء الفعليّة اذِ الذات ليس لها اسم و لايكون بازاۤئها شيء غيرها فاذا كان المراد بالاسماۤء الفعلية صحّ نسبتها اليه كما في الحديث القدسي المشير الي ذلك قوله تعالي انّي انا الله لا اله الّا انا خلقت الخير فطوبي لمن اجريته علي يديه و انا اللّه لا اله الّا انا خلقتُ الشّر فويل لمن اجريته علي يديه و احٰاديث انه تعالي خلق الايمان و الكفر و خلق الخير و الشر لانّ الشر و السوۤء و كل شيء فالله خالقه الّا ان الشّر غير محبٍّ له و لا راضٍ به و لكنه خلقه بمقتضي فعل العاصي ما يوجبه فانه لايحب ان يضع الزاني نطفته في رحم الاجنبيّة و قد نهاه فاذا خالف الزاني امره تعالي و زني و القي نطفته في رحم الاجنبيّة خلق الله منها ولد الزنا و ان كان لايحبّه و اذا غصب الظالم الذي نهاه اللّه عن الظلم حنطة زيدٍ المؤمن عدوانا و زرعها في ارض عمروٍ ظلما و سقاها بالماۤء المغصوب ايضا فان اللّه يزرعه و ينبت ما زرع لانه تعالي اعطي الحنطة و الارض و الماۤء ذلك الموجب و المقتضي تفضّلا و لايكون تعالي مانعا لما اعطي من فضله و ليس معيناً للزاني و لا للظالم و لكنه تكرّم علي خلقه فجعل لما خلق مقتضيات و جعل بعضها اسباباً
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 207 *»
فاذا فعل العاصي ما يقتضي شرا و اتي بسببه و ان كان منهيّا عنه وجب في الحكمة ان يحدث ما اوجبه ذلك السبب و ذلك المقتضي كما قال تعالي و قالوا قلوبُنا غلف يعني انه تعالي خلقها فردّ عليهم فقال بل طبع الله عليها بكفرهم و ماظلمهم و لكنهم فعلوا ما يقتضي الطبع بعد ما نهاهم عنه و بيّن لهم كما قال تعالي و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتّي يبيّن لهم ما يتّقون فتمّت كلمته و بلغَتْ حجّته و ما ربّك بظلّامٍ للعبيد فحيث خلق الشر بمقتضي فعل العاصي نسب اسمه الي فعله من حيث يكره فجعل الاسماۤء الحسني اسماۤءً لاهل محبّته و طاعته و نسبها اليه و سمّي نفسه بها ترغيبا لاهل طاعته لمحبّته و كونها بامره و جعل الاسماۤء السوۤءي اسماۤءً لاهل كراهته و معصيته و نسبها اليهم لعدم محبّتها و لكراهته لها و نسبها الي فاعلي موجبها قال تعالي للذين لايؤمنون بالاخرة مثل السَّوءِ و للهِ المثل الاَعْلَي و قال و لله الاسماۤء الحسني فادعوه بها و ذروا الّذين يلحدون في اسماۤئِهِ باَنْ يسمّوا غيره باَسْمَاۤئه ظاهراً و باطنا اما ظاهرا فتسمية اللات و العُزّي الهة و امّا باَنْ يتوالوا غير ما امر الله بولايته و اسماۤء الولي هي الحسني و اسماۤء اعداۤئه هي السُّوۤءي رَوَي الطبرسي باسناده الي داود بن كثير قال قلتُ لابيعبدالله عليه السلام انتم الصلوة في كتاب الله عز و جل و انتم الزكوة و انتم الحج فقال يا داود نحن الصلوة في كتاب الله عز و جل و نحن الزكوة و نحن الصيام و نحن الحج و نحن الشهر الحرام و نحن البلد الحرام و نحن كعبة الله و نحن قبلة الله و نحن وجه الله قال الله تعالي فاينما تولوا فثم وجه الله و نحن الايات و نحن البينات و عدونا في كتاب الله عز و جل الفحشاء و المنكر و البغي و الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام و الاصنام و الاوثان و الجبت و الطاغوت و الميتة و الدم و لحم الخنزير يا داود ان الله خلقنا فاكرم خلقنا و فضلنا و جعلنا امناءه و حفظته و خزّانه علي ما في السموات و ما في الارض و جعل لنا اضداداً و اعداۤءً فسمّانَا في كتابه و كنّي عن اسماۤئنا باحسن الاسماۤء و احبّها اليه تكنيةً عن العَدُوِّ و سمَّي اضدادَنا و اعداۤءنا في كتابه و كنّي عن اسماۤئهم و ضرب لهم الامثال في كتابه في ابغض الاسماۤء اليه و الي عباده
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 208 *»
المتّقين ه ،
و اعلم ان اسماۤءهم مشتقّة من اسماۤءِ الله
و هي اسماۤء الله الحسني و اسماۤء اعداۤئهم الاسماۤء السوۤءي كما سمعتَ في هذا الحديث الشّريف و امثاله و هي من عكس الاسماۤء الحسني اي اسماۤء المعاني المعاكسة لمعاني الاسماۤء الحسني كالنور عكسه الظلمة و الخير عكسه الشرّ و الشجاعة عكسُهَا الجُبن و العقل عكسه الجهل و هكذا فاذا لاحظتَ ما ذكرنا ظهر لك انّ مراده من الاسماۤء كل ما في علم الله و ما في علم الله سبحانه حقاۤئق الحسني و حقاۤئق السوۤءي و ما يريده المصنف من الاسماۤء هي الحسني فاستشهاده علي الكل بالبعض كما تري لانه لايري الاسماۤء السوۤءي مع انها في العلم نعم اذا اراد المصنف من العام ما نسبه الي نفسه تعالي منها و هي الاسماء الحسني بالمعني العام صح له كون المراد من قوله و لله الاسماء الحسني فادعوه بها جميع الاسماء الحسني خاصة و الاطلاق الثاني الخاص و المراد منها التسعة و التسعون الاسم و عليه لايكون فيه له شاهد فالتفضيل في الاطلاق الاول صوري بلحاظ الاسماء السوءي و ان لميكن فيها حسن فيكون التفضيل صوريا و معناه الاسماء الحسنة و في الثاني التفصيل يكون حقيقيا و في قوله قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسني و المراد ان هذين الاسمين جامعان للاسماء و لذا كانا اخص بالله لعمومها و الله اخص من الرحمن و يكون ازيد من الرحمن بالرحمن فانه يقع صفة لله و لا عكس لما قلنا من ان الله هو المتصف بصفات القدس و صفات الاضافة و صفات الخلق و الرحمن متّصف بصفات الاضافة و صفات الخلق فيكون لله من الاسماۤء ثمانية و تسعون و للرحمن منها سبعة و تسعون و هذان الاسمان باعتبار صفتيهما علي التفسير الباطن هما الاسمان الاعليانِ اللذان اذا وصفا اجتمعا فقيل نبي ولي و اذا سمّيا افترقا فقيل محمد علي فصفة الله في الباطن محمد و الالف القاۤئم بعد اللام الثانية عقله و صفة الرحمن في الباطن علي و الالف المبسوط بعد الميم نفسه قال صلي الله عليه و اله يا عليّ نفسُك اَوْسَعُ مِنَ الدّنيا و قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي و للّه الاسماۤء الحسني
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 209 *»
فادعوه بها نحن الاسماۤء الحسني التي امر اللّه ان يُدعَي بها فان اريد بها التسعة و التسعون فظاهر و ان اريد بها ما في قوله قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايّا ما تدعوا فله الاسماۤء الحسني فالاسماء الحسني فاطمة عليها السلام و الحسن و الحسين و التسعة من ذريّة الحسين عليهم السلام فانّهم لمحمدٍ نبيّهم و لامير المؤمنين سيّدهم و وليّهم صلي الله علي محمد و عليهم اجمعين هذا بعض التلويح فيما يليق بالاسماۤء الحسني في الباطن و امّا ما يناسب كلام المصنّف فهو يريد بها الاعيان الثابِتَة في علمه تعالي و هي شؤن ذاتيات للذات غير مجعولة لا مغايرة بينها و بين ذاته الّا بالمفاهيم و باستعدادها الغير المجعول للقبول لتنزّل صورها منها و اشباحها التي هي حقاۤئقه عند توجّه امر كن اليها قال الملا محسن في الكلمات المكنونة و لمّا اَمرَ تعلقت ارادة الموجد بذلك و اتّصل في رأي العين امره به ظهر الكون الكامن فيه بالقوة الي الفعل فالمظهر لكونه الحق و الكاۤئن ذاته القابل للكون فلولا قبوله و استعداده للكون لماكان فماكوّنه الّا عينه الثابتة في العلم لاستعداده الذاتي الغير المجعول و قابليته للكون و صلاحيّته لسماع قول كن و اهليته لقبول الامتثال فمااوجده الّا هو و لكن بالحق و فيه انتهي كلامه الذي اردتُ نقله و هو يعني العالم كلّه و هو الشؤن الذاتية المشار اليها و لاادري اذا كان الشيء كامناً بالقوة ثم ظهر بالفعل و قابلاً للكون و مستعدّاً للكون و صلوحه لسماع قول كن و اهليته لقبول الامتثال للامر و ما اشبه ذلك كيف يكون في القديم و يكون غير مجعول و لايضرّ كونه في الذات و في العلم الذي هو الذات و لايقال له حادث و مجعول مع ما فيه من اختلاف الاحوال ماادري ما يعنون بالحادث و بالذي يضرّ كونَهُ في ذاته تعالي هل يريدون به اذا كان جداراً خاصة مبنيا من الطين و الحجارة الكثيفة امّا لو كانت الحجارة لطيفة صافية ربما يقولون لايضر كونها في الذات بل هذا المراد فان من تلك الشؤن الكاۤئنة في العلم الذي هو الذات الحقّ تعالي الجدار مع ما هو عليه من التأليف و التركيب و الكثافة الّا انه بنحوٍ اشرف و اعلي و ماادري ايّ شيء يعنون من القدم و من الوحدة البسيطة حتي في العقول من هذا المعجون
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 210 *»
المركب من اشياۤء متمايزة و الّا لمتصلح ان تكون صوراً علميّة لانها غير مطابقة للمعلوم فاذا كان معجونا من اجزاۤء لاتتناهي كثرة و اختلافا و تمايزاً كيف مثل هذا يكون بسيطا و واحداً و حقِّ معبودي الواحد الذي لا كثرة فيه كما اقول تبعاً لساداتي و موالي ائمة الهدي عليهم السلام انّي ابسط و اقل اختلافا من هذا الذي يشيرون اليه و انه الكل في وحدةٍ و يعبدونه فاني ابرأ الي معبودي من معبودهم الذي يصفونه بمثل ما سمعتَ و اعظم
و الحاصل ان المصنف يعني بالاسماۤء حقاۤئق كلّ شيء و هي التي في ذات الحق تعالي ربّي موجودة بوجوده يعنون تبعية وجوده الذاتي بمعني انه وجود واحد الكلّ و الاختلاف و الكثرة في المفاهيم و تلك الشؤن عند هؤلاۤء هي مفاتح الغيب و لهذا قال و عنده و يعنون في علمه الذي هو ذاته و قد يعبّرون عنها بالصور العلميّة و شاهدُ ما قلنا عليهم قول المصنف في تعليله بانها هي مفاتح الغيب قال اذ ما من شيء الّا و يوجد في اسماۤئه تعالي الموجودة اعيانُها بوجود ذاته علي وجهٍ اشرف و اعلي الواجبة بوجوب ذاته الخ ، فاذا كان كل شيء يوجد في اسماۤئه و اسماۤؤه اعيانها موجودة بوجود ذاته اي مع وجوب وجود ذاته فلا فرق بينها و بينه بل ظاهر كلامه انها هي ماهية الحق تعالي او بمنزلة ماهيته لانه عند المصنف لا ماهيّة له و هو في قوله كما انّ ماهيّة الممكن موجودة بوجود ذلك الممكن الخ ، فاذا كان كذلك مع تعدّدها و اختلافها و تأليفها و تركيبها فقد انتفي التوحيد و انتفت البساطة الحقيّة التي هي الوجوب و لكني ايّها الناظر انصحك للّهِ فلاتتبع اهواۤء قوم قد ضلّوا من قبل و اضلّوا كثيرا و ضلّوا عن سواۤء السبيل و انا ارشدك علي طريقة ائمتك ائمة الهدي عليهم السلام و هي انّ اللّه عز و جل كان واحداً في ذاته لا كثرة فيه بكل فرض و اعتبار ثم خلق المشيّة بنفسها و هي فعله و امكن به الامكانات و الممكنات علي وجهٍ كلّي و هذه هي المشيّة الامكانيّة و محلها و متعلقها الامكانات و وقتها السرمد و هذه الثلاثة هي الوجود الراجح ثم كوّن من الامكانات بمشيته ما شاۤء و هذه المشية هي الاولي الّا انها تسمّي بالمشية الكونية كما ان الاولي تسمي بالمشيّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 211 *»
الامكانية لان التسمية باعتبار المتعلق و خلق من المشية و المشاۤء مثالَهُ المسمي عند اهل البيت عليهم السلام بالمقامات كما قال الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكانٍ يعرفُك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادُك و خلقك الدعاۤء ، و يسمونه الحكماۤء بالعنوان و هو الذي يعرف الله به لانه عبارة عن وصف نفسه لمحمد و اله صلي اللّه عليه و اله و اظهر هيئة هياكله للانبياۤء عليهم السلام و اظهر اثار تلك الهيئات علي هيئتها للعارفين من المؤمنين و هكذا فيه عرف اللّه من عرفه لا غير ذلك و هو بمنزلة قاۤئم من زيد و كما ان قاۤئم يدل علي فاعل القيام لانه اسمه مع انه مركب من فعله و اثر فعله كذلك المثال فانه يدل علي الصانع لانه الاسم الاكبر الذي استقر في ظله فلايخرج منه الي غيره و هو من الفعل اعني المشية و اثره اعني الحقيقة المحمدية و كل ما صدر عن مشيته من ذاتٍ او صفة جوهر او عرض عين او معني فعل او اثر لفظ او معني مفهوم او مصداق ذهني او خارجي في الغيب او الشهادة او نفس الامر فهو اسم من اسمائه عز و جل الّا ان اعلاها و اقربها الاسم الاكبر و هو المثال اي المثل الاعلي ثم ابدال الاسم الاكبر و هي منه بمنزلة القيام من القاۤئم و هو التوحيد و هي المعاني اربعةعشر معني ثم الابواب و اعلاها العقل الكلي و هكذا و كل اثرٍ اسم لمؤثره الي الالفاظ و هي عالم برأسه مطابق لعالم الاعيان و فيه جميع ما يوجد في عالم الاعيان و افراده مختلفة في المراتب و الشرف بحسب مسمّياتها و الاسماۤء رتبتها من المسميات رتبة الصفات من الموصوفات و الظواهر من البواطن و كل الاسماۤء من جميع ما ذكرنا من المعنوية و اللفظية اعلاها و ادناها حادثة مخلوقة بفعله تعالي و فعله مخلوق بنفسه و وجوداتها كلها لمتكن شيئا ثم اخترعها اي وجوداتها لا من شيء لا اله الا هو خالق كل شيء و قول المصنف علي وجهٍ اشرف و اعلي يشير به الي ان كل شيء فحقيقته في ذات اللّه تعالي ربي بنحو اشرف و اعلي من نفس الشيء و تلك الحقاۤئق موجودة بوجوده اي مع وجوده و ليست مجعولة و الاشياۤء الظاهرة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 212 *»
نزلت كنزول الاشعة من المنير و كنزول الاظلة من الشواخص و قد صرّح به في هذا الكتاب و في المشاعر و في سائر كتبه و الملا محسن ذكر كما نقلنا عنه فلاحظه ان المكوّن لهذه الظاهرة تلك الحقاۤئق الغير المجعولة و لكن باللّه و فيه و هذا في الكلمات المكنونة و قد تقدم ذكره و انما قالوا هذا لانهم يرون انهم متّحدون بذاته و صفاتهم عين صفاته الذاتيّة و ذلك انهم يعتقدون ان شيئا واحداً اذا نسب اليهم كان عبداً حادثا و اذا نسب اليه كان ربّا قديماً قال الملا محسن في الكلمات المكنونة كما انّ وجودنا بعينه هو وجوده تعالي الّا انه بالنسبة الينا محدث و بالنسبة اليه عز و جل قديم كذلك صفاتنا من الحيوة و العلم و القدرة و الارادة و غيرها فانها بعينها صفاته سبحانه الّا انها بالنسبة الينا محدثة و بالنسبة اليه قديمة لانها بالنسبة الينا صفة لنا ملحقة بنا و الحدوث اللازم لنا لازم لوصفِنا و بالنسبة اليه سبحانه قديمة لان صفاته لازمة لذاته القديمة و ان شئت ان تتعقل ذلك فانظر الي حياتك و تقيّدها بك فانك لاتجد الّا روحاً تختصّ بك و ذلك هو المحدث و متي رفعتَ النظر من اختصاصها بك و ذقتَ من حيث الشهود انّ كل حَيٍّ في حياته كما انت فيها و شهدتَ سريان تلك الحيوة في جميع الموجودات علمت انها بعينها هي الحيوة التي قامت بالحيّ الذي قام به العالم و هي الحيوة الالهية و كذلك ساۤئر الصفات الّا ان الخلاۤئق متفاوتون فيها بحسب تفاوت قابلياتها كما نبّهنا عليه غير مرّة و هذا احد معاني قول اميرالمؤمنين عليه السلام حيث قال كل شيء خاضع له و كل شيء قاۤئم به غني كل فقير وَ عز كل ذليل و قوّة كل ضعيف و مفزع كل ملهوف انتهي ، فتأمل في كلام هذا الذي يصفونه بالفيض هل هو من كلام اهل ملّة الاسلام و قال في الوافي فان قيل الاعيان و استعداداتها فاۤئضة من الحقّ سبحانه فهو جعلها كذلك قلتُ الاعيان ليست مجعولة بل هي صور علمية للاسماۤء الالهية لا تأخّر لها عن الحق سبحانه الّا بالذات لا بالزمان فهي ازليّة ابديّة غير متغيّرة و لا متبدلةٍ و المراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا غير انتهي ، و قوله و المراد بالافاضة جواب عن سؤال مقدر و هو اذا كانت
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 213 *»
فاۤئضة عن الحقّ كانت حادثةً اجاب بان المراد بالافاضة التأخر بحسب الذات لا بالزمان فهي ازلية ابديّة الخ ، و لايفهم ان المتأخر عن الذات لايكون هو الذات اذ الذات لاتتأخر عن نفسها و لا نعني بالحادث الّا المسبوق بالغير مع انه يلزمه انها اذا تأخرت غايرت الذات فاذا كانت قديمة تعدّدت القدماۤء ثم يكون هو منها فكيف مات القديم و ان جعل حياته باقية لانها هي حيوة الله تعالي و انما نسبت اليه بالتخصيص الّذي هو الحدود الموهومة او المتحققة في الامكان فقد جعل القديم يتجزأ و تتحدّد ابعاضه او كله لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم .
قال { كما انّ ماهيّة الممكن موجودة بوجود ذلك الممكن مجعولة بجعل الوجود بالعرض الّا ان الواجب بالذات لا ماهيّة له لانه محض حقيقة الوجود بلا شوب مرتبةٍ لميكن هو بحسبها غير موجودٍ و هذا من الحكمة المضنونةِ بها علي غير اهلها المختصّ بدركها الكمّل من اهل الكشف و العرفان و هذه الاسماۤء ليست الفاظا و حروفا مسموعة و هذه المسموعات اللفظية هي اسماۤء الاسماۤء .}
اقول يريد انّ هذه الاسماۤء التي هي حقاۤئق الاشياۤء و الصور العلمية في الذات المقدسة بمنزلة الماهيّة للممكن فكما ان ماهية الممكن موجودة بوجود ذلك الممكن و مجعولة بجعل الوجود بالعرض لان الوجود موجود بنفسه و الماهية موجودة بالوجود الّا انّ الوجود مجعول اوّلاً و بالذّاتِ و الماهية غير مجعولة بنفسها و انما انجعلَتْ بجعل الوجود كذلك هذه الحقاۤئق موجودة بوجود الواجب تعالي و حصلت بتبعية حصوله الواجب لكن الواجب لا ماهيّة له و الّا لكانت هذه الحقاۤئق ماهيّته لكنه محض حقيقة الوجود و كلامه كما تقدم محض حقيقة الغلط و البطلان كما ذكرنا امّا اوّلا فلان الماهية هي الانّيّة و الهويّة التي بها يكون الشيء شيئا و ما لا ماهيّة له لا شيئيّة له و الله سبحانه شيء بحقيقة الشيئيّة فلا ماهية لشيء الّا آيةً لماهيته تعالي الّا ان ماهيّته هي وجوده بلا مغايرة بحالٍ من الاحوال وَ امّا ثانيا فلان هذه الحقاۤئق اذا كانت موجودة بوجوده و لاجل انها موجودة بتبعية وجوده كانت متأخرة عنه بالذات و ما هو موجود
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 214 *»
بالتّبعية غير ما هو موجود بالذات فلايكون هو ذاته بل هو مغاير له و امّا ثالِثا فلان قوله بجعل الوجود يدل بظاهره علي انه مصنوع و هو لايرضي به الّا ان يكون اراد بالجعل تعليقه بماهيته فيلزمه مع ما بيّنّا من حدوثه ان يكون قوله بان الماهيّة مجعولة بجعل الوجود بالعرض انّ تعليقها بالعرض فتكون خارجة عن الذات و ليس خارج الذات الّا الامكان و اما رابعاً فانا قد بيّنّا ان الوجود الممكن لايكون الّا حادثا لانّه مشوب بغيره و المشوب لايكون قديما و لو قالوا انه تنزّل من الذات لكان التنزّل ولادة و هو تعالي لميلد و لكان المتنزل حادثا لتغيّر احواله و امكنته و اوقاته و لو قالوا هو لميتنزل و انّما تنزّلت اشباحهُ قلنا بينه و بين اشباحه افتراق او اجتماع فيكون حادثا و لو قالوا ليس بينهما افتراق و لا اجتماع قلنا اقتران و اثنينيّة فيكون حادثاً فان قالوا ليس ذلك قلنا يقولون هو ام يقولون هما فان قلتم هما لزم ما قلنا و ان قلتم هو قلنا فانتم تلك الحقاۤئق التي في الذات بلا مغايرة فانتم باعراضكم في الذات و ان اعترفتم بحدوث الممكن وجب حدوث ماهيته التي هي العين الثابتة في الذات عندكم فيكون محلّا للحوادث و امّا خامساً فاذا قلتم ان ماهية الممكن مجعولة بجعل الوجود ليس لها جعل بنفسها و هو باطل ايضا لانها مخالفة للوجود بل ضدّ له و لايمكن ان يكون جعل خاۤصّ بشيء ان يكون جعلاً لغيره كما لاتكون الحركة الخاۤصة باحداث الالف صالحة لاحداثِ الباۤء فلا بدّ لها من جعلٍ غير جعل الوجود الّا انّه مترتّب عليه بل ماكان الوجود و الماهيّة الّا باربعةِ جَعَلاتٍ جعل الوجود و جعل الماهيّة من جعل الوجود جزؤ من سبعين جزءاً و جعل التّلازم بينهما و جعل الالزام بينهما فهذه اربعة جَعَلات مترتّبة علي ترتيب الذكر كل لاحق جزء من سبعين جزءاً من سابقه و بين كل واحدٍ وَ بين الاخر سبعون سنة في الدهر و تظهر الاربعة في الزمان دفعة و امّا المجردات فبين كلِّ واحد من الاربعة سبعون سنة مقدرة من السرمد في الجعلات و تظهر المجردات في الدّهر دفعة فمعني قولهم انّ الوجود جعل اوّلا و بالذات و الماهيّة جعلت ثانيا و بالعرض انّ الوجود هو المقصود بالايجاد اذ به التذوّت لكنه لمّا لميمكن تحققه و ظهوره بنفسه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 215 *»
لانه بسيط و ما سوي الله سبحانه لايكون بسيطا كما قال الرضا عليه السلام ان الله عز و جل لميخلق شيئا فرداً قاۤئماً بذاته للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده ثم قرأ عليه السلام و من كل شيء خلقنا زوجين فلمّا تعذر خروج الوجود بدون الماهية خلق تعالي الماهيّة لاجل الوجود فلذا قيل جعلت ثانيا و بالعرض لانها غير مقصودة لذاتها لا انها ليست مجعولة بل مجعولة بجعلٍ خاۤصٍّ بها غيرِ جعل الوجود و مثال ذلك انت تشتري فرساً لك فاذا اشتريت الفرس احتجتَ لشراۤء جُلٍّ لها فتشتري الجُلَّ لاجل الفرس فالفرسُ شراۤؤها لك اولاً و بالذات و الجُلّ شراۤؤه ثانياً و بالعرض فهو مقصود بالشراۤء الثاني الّا انه مترتب علي شراۤء الفرس فافهم فقوله ان الماهيّة انجعلت بجعل الوجود و لا جعل لها و ربّما قالوا انّها ماشَمّت رَاۤئحة الوجود فماادري ما معني كلامهم شيء من جملة الاشياۤء وضع له اسم لفظيٌ بازاۤئه و لاشَمَّ راۤئحة الوجود فان ارادوا تلك الاعيان الثّابتة فقد قالوا انها ليست اموراً خارجة عن الحق تعالي بل هي ذاتيات الحق تعالي و ان ارادوا انها اذا اخذت من حيث مغايرتها للوجود فهي غير موجودةٍ فان لمتكن مغايرة للوجود فمن اين جاۤءَتْ سيّئاتُ المكلّف و هذه المعاصي اشياۤء كيف تكون من لاشيء و الحاصل ان كلامهم طويل عريض و لااقدر علي ذكره كله و اذا ذكرتُ منه شيئاً لو استقصيتُ في الرّد خرج عن الحد و لكن قد اذكر شيئا من كلامهم و اذكر قليلاً علي قليلٍ منه تنبيهاً للغافلين و
من له في الكون حظّ ** * ** لميمت حتّي يناله
و قوله لانه محض حقيقة الوجود بلا شوب مرتبةٍ لميكن هو بحسبها غير موجود نقول عليه اذا قال تلك الاعيان في علمه الذي هو ذاته و قال الاعيان الثابتة في ذاته و قال صهره في الكلمات المكنونة في كلمة يجمع بها بين نسبة المجعوليّة الي الماهية و نسبتها الي الوجود و نفيها عنها الي ان قال فالوجود وجود ازلاً و ابداً و الماهية ماهيّة ازلاً و ابداً غير موجودة و لا معدومة ازلاً و ابداً و ليست هي في منزلة بين الوجود و العدم بل انما وجوداتها بالعرض و تبعيّة الوجود لا بالذات و لهذا لايسمي وجودا بل ثبوتا و من هنا يعلم ان الماهيات
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 216 *»
عين الوجود و الحقيقة و ان كانت غيره بالاعتبار انتهي ، فهذه الماهيات التي يشيرون اليها مرّة انّها عين الوجود و مرة ليست موجودة و لا معدومة و انها ثابتة لا موجودة هل هي في الذات لانها في العلم الذي هو الذات فقد حصل في الذات شوب مرتبةٍ لميكن هو بحسبها موجوداً بمحض الوجود لانها ليست موجودة ام هي خارجة عن الذات و قد تقرر ان كل خارج عن الذات فهو ممكن لان القديم هو الازل و الازل ذاته تعالي و ليس كما يتوهمه الجهّال من انّ الازل ظرف مكاني او زماني و الواجب تعالي في بعضه و لهذا يفرضون تعدّد القدماۤء و عندهم ليس المانع من التعدّد الّا دليل التّمانع او دليل الحكماۤء المستلزم للتركيب او دليل الفرجة المروي عن الصّادق عليه السلام حيث خاطبهم بما يفهمون و الّا فلايشكّون في انه لولا مثل دليل التمانع المستلزم لفساد العالم و دليل الحكماۤء المستلزم للتركيب ممّا به الاشتراك و ممّا به الامْتياز و دليل الفرجة المستلزم للكثرة لا الي نهاية لَجازَ التعدّد في القدماۤء لانّ الاَزل عندهم واسع لايتناهي فيَسَعُ كلّ ما يفرض كَوْنُهُ فيه بلَا نهايةٍ و يتوهّمونه مكاناً مرةً و تارة وَقْتاً فيقولون هو في الازل و يريدون المكان و ربّما يستدلّ من قرأ خطبة النبي صلي الله عليه و اله يوم الغدير في قوله عليه السلام و احاط بكل شيء علما و هو في مكانه و قد يقولون الازل سابق للدّهر و هو الازلي يعنون قبل كل شيء و الابدي يعنون بعد كل شيء و كل ذلك لعدم معرفتهم بالازل و بما يقولون و ما يلزمهم من قولهم فانه اذا كان في الازل و الازل ظرف له وقتيّ او مكاني تعدّدت القدماۤء لانه تعالي قديم و الازل قديم و ربّما ذهب بعضهم و منهم المصنف الي انه اعتباريّ لا تحقّق له و لا ثبوت له في الخارج كما قالوا في القدم و الوجوب و الامكان محتجّين بانه لو كان القدم و الازل موجودَين لكان القدم قديما فيكون له قدم و يكون للازل ازل و للامكان امكان و ما اشبهها من الامور الاعتباريّة عندهم و يلزم الدَّور او التّسلسل و كلّ ذلك لعدم معرفتهم و عدم معرفتهم نشأ من اخذهِمْ معارفَهم و علومَهم من غير اهل الحقّ ائمة الهدي عليهم السلام لانّ النبي و اهل بيته صلي الله عليه و اله اقرّوا الناس علي ظاهر
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 217 *»
المعرفة و وعدوا من امن منهم و عمل من الصالحات بالجنّة كما قال تعالي فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و انّا له كاتبون فاصابة الحق لايكون الّا لرجلين رجل نظر و روي اخبارهم عليهم السلام و عرف الحق من عندهم بالتسليم لهم و الردّ اليهم فعرّفوه بالالهام حقّهم و معاني اخبارهم و مراداتهم صلّي الله عليهم و رجل لميخرج في معرفته عمّا عليه ظاهر المؤمنين و ترك كلّ ما خالفه من كلام الحكماۤء و الصوفيّة و رموزاتهم و ترك توغّلاتهم مما يخالف ما عليه عاۤمّة المؤمنين و المسلمين و امّا من اتّبع اولۤئك و دخل معهم في توغّلاتهم و تلوّناتِهم فانه لايصيب الحق و لقد رويتُ بطرقي المتصلة الي هرون بن موسي التلعكبري عن محمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيي عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن ابيعمير عن زيد الزرّاد قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلام يقول اطلبوا العلم من معدن العلم و ايّاكم و الولاۤئج فهم الصّاۤدّون عن الله ثم قال عليه السلام ذهب العلم و بَقِيت غبَراتُ العلمِ في اوعية سُوۤءٍ و احذروا باطنها فانّ في باطنها الهلاك و عليكم بظاهرِها فانّ في ظاهرها النجاة ه ، و المراد باوعية السّوۤء الناسُ غير الشيعة كما قال عليه السلام ان لنا اوعية نملؤها علما و حكما و ليست لها باهلٍ و مانملؤها الّا لتنقل الي شيعتِنا فانظروا الي ما في الاوعية فخذوها ثم صَفّوها من الكدورة تأخذونها بيضاۤء نقيّة صافية و ايّاكم و الاوعية فانها وعاۤء سوۤءٍ فتنكّبوها ه ، رويته بالطريق المذكور الي زيد قال حدّثنا جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت اباجعفر عليهما السلام يقول الحديث ، و العجب العجيب كيف يتركون مذهب ائمتهم عليهم السلام و يتّبعون مذهب مخالفيهم و يأوّلُونَ ما ورد عن ائمتهم عليهم السلام الموافق لما عليه عاۤمّة المسلمين الي مراد مخالفيهم المخالف لما عليه عاۤمة المسلمين و يقولون مع ذلك كله هذا مراد الائمة عليهم السلام حتّي انّهم يقولون ليس للّهِ تعالي ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك و ليس لله لو شاۤء ان يهدي النّاسَ هدايتهم و ليس له في جميع افعاله الّا وجه واحد كما ذكره الملّا محسن في الوافي و من ذلك اتفاق ائمتنا عليهم السلام علي ان مشيّة اللهِ و ارادته حادثة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 218 *»
لميرد عنهم خبر يوهم خِلافَ ذلك و هؤلاۤء اتّفقوا علي ان ارادة الله تعالي قديمة و انها عين ذاته تعالي و انّ هذا مذهب الائمة عليهم السلام حتّي ان المصنف ذكر الارادة في كتابه الكبير الاسفار و انها قديمة و هي عين ذاته و اطال في ذلك الكلام جدّاً و هو يستدلّ علي قدمها من العقل و النقل الي ان قال فعُلِم من هذه الايات و نظاۤئرها ان ارادته تعالي للاشياۤء علمه بها وَ هُمٰا عين ذاته تعالي و امّا الحديث فمن الاحَاديث المروية عن ائمتنا و ساداتنا عليهم السلام في الكافي و غيره في باب الارادة ما ذكر في الصحيح عن صفوان بن يحيي قال قلت لابيالحسن عليه السلام اخبرني عن الارادة من اللّه و من الخلق فقال الارادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل و امّا من اللّهِ فارادته احداثه لا غير ذلك لانه لايروّي و لايهم و لايفكّر و هذه الصفات منفيّة عنه و هي صفات الخلق فارادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسانٍ و لا همّةٍ و لا تفكّر و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له ه ، و لعلّ المراد من الضمير تصوّر الفعل و ما يبدو بعد ذلك و اعتقاد النفع فيه ثم انبعاث الشوق من القوّة الشوقيّة ثم تأكّده و اشتداده الي حيث يحصل الاجماع المسمي بالارادة فتلك مبادي الافعال الارادية القصديّة فينا و الله سبحانه مقدّس عن ذلك كله انتهي ما اردتُ نقله من كلامه و هو طويل فبالله عليك تأمّل حال هذا هو و اتباعه في زعمهم ان الارادة قديمة و هي عين ذات الله سبحانه و يستدلون علي دعويٰهم بمثل هذا الحديث الصحيح الصريح في خلاف دعويهم فانه عليه السلام قال و اما من الله فارادته احداثه لا غير ذلك و قال فارادة الله الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون و المصنف يقول مراد الامام عليه السلام انها قديمة و انها عين ذاته تعالي تأو۪يلاً لكلامه عليه السلام علي كلام ائمته الصوفيّة الّذين هم و اتباعهم الولاۤئج الصّاۤدّون عن اللّهِ و الامام عليه السلام ايّاهُمْ عَني و انت ايّها النّاظر اذا كشف اللّه لك عن بصيرتك و نظرتَ في كتبهم وجدتَ انّهم ماادركوا من الاقبال معشار عشيرٍ من الادبار و قوله و هذا من الحكمة المضنونة بها علي غير اهلها المضنونة قياسه ان يقول المضنون لان الوصف جارٍ علي غير مَن هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 219 *»
له و هو بالضاد المعجمة بمعني المبخول بها كما في قوله تعالي و ما هو علي الغيب بضنين اي ببخيل علي قراۤءة الضاد و علي قراۤءة الظاۤء المؤلّفة بمعني مُتَّهَمٍ و يريد به المصنّف انّ ما ذكره من الاسرار التي بخل بها كبار الصوفيّة و اتباعهم من الحكماۤء عن غير امثالهم لانّ غيرهم لايقبلها و هو كما قال و ذلك لان غيرهم احد الرجلين اما رجل وفّقه اللّه لاقتفاۤء اثر ائمة الهدي عليهم السلام فبصّره اللّه ببركة اتّباعهم الهدي و الضلالة فلميقبل كلام المصنف و الصوفيّة هداية من الله سبحانه و اِمّا رجل اخذ بظاهر ما عليه عاۤمّة المسلمين و ترك ما خالفه فلميقبل كلامهم لانّه مخالف لما عليه عاۤمّة المسلمين و مراده من الكمّل كبار الصوفيّة و مَن وافقهم كابنعربي و الغزاليّ و البسطامي و ابنعطاۤءالله و عبدالكريم الجيلاني و امثالهم و ابينصر الفارابي و قوله و هذه الاسماۤء ليست الفاظاً قد تقدّم الكلام عليه .
قال { و المعتنون بهذا العلم حقّقوا و دوّنوا مساۤئل كثيرة فيه علي النظم الحكمي علي ترتيب الحكمة الرسميّة المبتني علي مبادي و موضوعات و اقسام اصليّة و فرعيّة و مطالب و غايات لانقسام اسماۤئه العظام الي جواهر و اعراض و اعراضها الي مقولاتٍ تسعةٍ من كمّ و كيفٍ و اينٍ و وضعٍ و متي و اضافة و جِدَةٍ و فعل و انفعال علي انّ الجميع بساۤئط عقلية موجودة بوجود واحدٍ واجِبٍ لذاته و هذا من عجاۤئب اسرار عظمة الله .}
اقول قوله بهذا العلم الظاهر ان المراد من هذا العلم علم الحكمة النظرية التي هي علم باحوال اعيان الموجودات علي ما هي عليه بحسب الطاقة البشريّة و يحتمل اَن يراد منه العلم الجفري المتعلق باحوال الاسماۤء اللفظية للتصرف في الاسماۤء المعنويّة و علي الاول لايشار به الي كل ما يتضمنه حدّ الحكمة بل الي ما يتعلّق بالصّفات لانها هي الاسماۤء و يبحثون فيها فيما يتعلق بموضوعاتها و علل اكوانها و مباديها و غاياتها و ما يتبع ذلك من كونها اصلية او فرعيّة لانها تنقسم الي جواهر و اعراض و الجواهر الي مفارقات و برازخ و ماۤدّيّات و الي علويات و سفليّات و الي ثابتة و متغيّرة و الاعراض الي لازمة و غير لازمة و الي قاۤرّة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 220 *»
غير قاۤرة و الي صدوريّة و ظهورية و تحققية و عروضيّة و كلها الي المقولات التسع كمّ و كيف و اينٍ و متي و وضعٍ و اضافةٍ و مُلْكٍ و فعلٍ و انفعال عند الحكماۤء او الي اثنين و عشرين عند المتكلّمين عشرة مشروطة بالحيوة و هي القدرة و الاعتقاد وَ الظن و النظر و الارادة و الكراهة و النفرة و الشهوة و الالم و الادراك و اثناعشر غير مشروطةٍ بها و هي الحيوة و الاكوان و الالوان و الطعوم و الرواۤئح و الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الاصوات و الاعتماد و التأليف و زاد بعضهم البقاۤء و زاد بعض الفناۤء عرضاً لا في مَحلٍّ فهذه اربعة و عشرون عرضاً علي اختلاف الحكماۤء و المتكلّمين في الاعراض و المتكفّل به علم المَبْدء لان كل ما يتضمّن حدّ الحكمة يبحثون فيه ايضا عن المسمي بل عن ذاته تعالي عن ذلك و الصوفية قد يطلقون الاسم علي الذات المتّصفة بالصفات كَمُسمَّي اللّٰهِ و نحن نقول اعلي ما يصدق عليه الاسم العنوان الذي يسمونه الائمة عليهم السلام بالمقامات و العلامات ثم الفعل ثم المعاني ثم الابواب و هكذا و قد بيّنّا سابقاً ان المقامات مثل القاۤئم لزيد و هو الفعل و محلّه الحامل له كالحديدة المحميّة بالنار و انّ الفعل كالحركة التي بها اَحْدَثَ زيدٌ القِيٰام و الفعل تتعدد اسماۤؤه باعتبار متعلقه كالمشية و الاختراع و كالارادة و الابداع و كالقدر و القضاۤء و الامضاۤء و الاذن و انّ المعاني اثر فعله كالقيام و هي معاني افعاله كالحقيقة المحمديّة و انّ الابواب هم الملاۤئكة العالون كعقل الكل و روح الكل و نفس الكل و طبيعة الكل وَ عَلَي الثاني ما يبحثون فيها علي حسب مطالبهِمْ و يقولُونَ ان اللفظية محلّ المعنويّة و متعلّقها و صفتُها و ظاهرها كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام الروح في الجسد كالمعني في اللّفظِ ه ، فكما ان الجسد محلّ الروح و متعلّقها و صفتها و ظاهرها و كل ما يراد اَنْ يتوصّل به الي الروح فانما هو بواسطة الجسد فكذلك اللفظ الذي هو للمعني بمنزلة الجسدِ للرّوح و يتصرفون فيها بحسب مطالبهم عند ارادة اتّصال الطالب بالمطلوب بمزج اسم الطالب باسم المطلوب و يوسّطون بين الاسمين اسم المالك المطلوب منه الحاجة و هو الله سبحانه و تعالي و يمزجون بين حروفها بالتكسير
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 221 *»
الكبير او المتوسط او الصغير او بالتبديل الحاۤر بالبارد و الرطب باليابس او العكس او بالتعديل بزيادة الحروف المعدّلة او بالتبديل كبسط الطبيعي و بسط الغريزي و بسط الترفعي بالترقي بالاحاد الي العشرات و بها الي المأت و هكذا او بالتوليد كالتضارب و اخذ المناسب او المواخي او المعادي او المحابب او المباغض او بالظلمانية بالنورانية او بالعكس او بتعديل القوي بالتكسير المتوسط او بالوفق او بمراعاة المسرودة و الملفوظة و المكتوبة و ما اشبه ذلك ممّا هو مذكور في علم اله۪يمياۤء و يجذبون بها معانيها اي الاسماۤء المعنويّة و ينزّلونها الي مطالبهم فيسخّرون بها الملاۤئكة و الجن و الخلق و الكواكب و العناصر و المعادن و النباتات و ساۤئر الحيوانات و كلّ ذلك بما اودعَ في اسماۤئه تعالي من ازِمّة امور الاشياۤء كلها ذلك تقدير العزيز العليم و قول المصنّف علي ان الجميع بساۤئط عقلية يشير به الي ان كلّ الاسماۤء مجردات و ليس كما قال بل منها مجردات كالتي عناها من الصور العلميّة و منها ماۤدّيّات و منها اعراض جسمانية و منها برازخ و منها الفاظ و كيف لاتكون اَسْماۤء الْاَسْماۤء اَسْماۤءً و تكون اعراض الاعراض اعراضاً فان صفة الصفة صفة كما هو مقرّر مما لا اشتباه فيه و الفقهاۤء من علماۤئنا رضوان الله عليهم اجمعوا علي تحريم مسّ نقش اسم الله للمحدِث مع انه ظرف للّفظيّ و يطلقون علي النقش الاسم حقيقة و لكن جعل اللفظي او النقش الدال عليه ليس باسمٍ للّهِ تعالي جهْلٌ و غباوة و قوله موجودة بوجودٍ واحدٍ واجبٍ لذاته يشير به الي انّها موجودة بوجود الله تعالي و قد قلنا سابقاً هل هي في ذاتِه ام خارج ذاته و علي الاوّل هل هي غيره بان يعلم بان في ذاته شيئا غيرها ام لا و علي الفرض الاول من الاول هل هو محيط بها ام هي محيطة به ام متمازجانِ و علي الثاني من الاوّل هل مفهومه مغاير لمفهومها ام لا فعلي كونه في ذاته مغايرة له ان كان محيطا بها كان ظرفاً لغيره و ان كانت محيطة به كان محصوراً و ان كانا متمازجين لميكن صمداً لانه ايضا ظرف و للغير فيه مدخل و علي كونها عين ذاته و غيرها
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 222 *»
بالمفهوم كما يقوله هؤلاۤء يكون بسيطاً باعتبارٍ و مركّباً باعتبارٍ و هم يقولون آيَةُ ذلك اَنَّ الصُّور المتعدّدة في الْمرايا لشخصٍ واحدٍ وُجُودُهَا نَفْسُ وُجُودِ ذلك الشَّخْص و لهذا اذا تحرّكَ تحرّكَتْ بحركته لان وجودها نفس وجودهِ و ليس الاَمْر كَما يُظَنُّ لِانَّ الصُّور في المرايا لَيْس وجودها نفسَ وُجودِ المقابل و الّا لَمافقدَتْها ذاتُه في حَالٍ وَ اِنّمَا وُجُودُهَا هيئة صورتهِ المنفصلةُ لان صورته المتّصِلَة ليسَتْ هي الّتي في المرءاة و انّما التي في المرءاة هَيْئَتُهَا الاشراقيّة و هي كالشعاع الواقع عَلي الجدار من الشَّمْسِ و الشعاع وجوده من اشراق الشَّمْسِ و كثافة الجدار ماهيته يتوقّف ظهورهُ عليها و كذا الصُّوَر الّتي في المرايا فَاِنّهٰا هَيْئاتُ صورة المقابلِ و هي الهَيْئاتُ المنفصلة بمعني اَنَّهٰا لَيْسَتْ هي العَارِضَة عَلي الشخص لا بمعني انّها منقطعةٌ عن الهيئة العارضة بل تستمدّ منها وجودُها مَدَداً سيّالاً و هذا المدد هو وجودها و مَاهيتها هَيْئة المِرءاةِ كما تقدَّمَ فوجودُ هذه الصور من اِشْرَاقِ الهيئة العارضة و هو في فَيْضِه۪ واحِدٌ من الهيئةِ العَارضةِ و لكنّه منبسطٌ علي المرايا فهو متكثّر في المَرايَا و ليس هو وجودَ العَارضة علي الشخص لانَّهُ منْ اِشْراقِهَا فضلاً عَنْ اَنْ يكونَ هو وجودَ الشاخِص و اين هذا من ذاك و انما اكرّر هذا و مثله ليستقرّ في اذهانِ النّاظرين اذ بدون الترديد و التّكرير لايكاد يستقرّ لعدم انسهم بمثل هذه الحكمة .
قال { قاعدة فاعلية كل فاعلٍ امّا بالطّبع او بالقسر او بالتّسخير اَوْ بالقصد او بالرّضا او بالعناية او بالتّجلّي و ما سوي الثلاثة الاُوَل اِرَاديٌّ البتّة و القسمان الاولان خاليان عن الارادة البتّة و امّا الثالث فيحتمل الامرين و صانع العالم فاعل بالطبع عند الدّهريّة و الطباعيّة و بالقصد مع الداعي عند بعض المتكلّمين و بالقصد الخالي عنه عند الاكثر منهم و بالرّضا عند الاشراقيّين و بالعناية عند المشّاۤئينَ و بالتَّجَلّي عند الصُّوفيّين و لكلٍّ وجهةٌ هو مُوَلّيها فاسْتبقوا الخيرات .}
اَقُولُ قال المصنّف في الكتاب الكبير و اذا علمتَ اقسام الفاعل فاعلم انه ذهب جمع من الطباعيّة و الدّهريّة خذلهم الله الي ان مبدء الكلّ فاعل بالطبع و جمهور المتكلمين الي انّه فاعل بالقصدِ و الشيخ الرّئيس وفاقاً لجمهور
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 223 *»
المشّاۤئينَ الي ان فاعليته للاشياۤءِ الخارجيّة بالعِنايةِ و الصورِ العلميّة الحاصلة في ذاته علي رأيهم بالرِّضا و صاحب الاشراق تبعاً لحكماۤء الفرسِ و الرّواقيين الي انه فاعل الكلّ بالمعني الاخير و سنحقق لك في مستأنف الكلام في الاصول الاتية ان شاۤء اللّٰهُ تعالي ان فاعل الكل لايجوز اتّصافه بالفاعلية باحد الوجوه الثلاثة الاُوَل و ان ذاته ارفع من ان تكون فاعلاً بالمعني الرابع لاستلزامِه۪ مع قطع النّظر عن الاضطرار التكثر بل التجسم ، تعالي عن ذلك علوا كبيراً فهو امّا فاعل بالعناية او بالرضا و علي ايّ الوجهين فهو فاعل بالاختيار بمعني ان شاۤء فعل و ان لميشأ لميفعل لا بالايجاب كما توهمه الجماهيْر من الناسِ فان صحّة الشرطيّة غير متعلقةٍ بصدق شيءٍ من مقدّمها و تاليها بل وجوبه او كذبه بل امتناعه الّا ان الحق هو الاول منهما فان فاعل الكل كما سيجيۤء يعلم الكلّ قبل الوجود بعلمٍ هو عين ذاتِه۪ فيكون علمه بالاشياۤء الذي هو عين ذاته منشأ لوجودها فيكون فاعلاً بالعناية انتهي كلامه و قد فسّروا الفاعل بالطبع فقالوا الفاعل بالطبع مَن يصدر عنه الفعل بمقتضي طبيعته بلا شعورٍ منه بما فَعَلَ و لا ارادةٍ و يكون فعله ملاۤئِماً لطبعِه۪ و الفاعل بالقسر هو الذي يصدر عنه الفعل بغير ارادته سواۤء كان عن شعور ام لا و يكون علي خلاف محبته و الفاعل بالتسخير هو الذي يصدر عنه الفعل بمقتضي ارادة المسخِّر و داعيه و يكون ذلك منه اعم من شعوره و ارادته و رضاه و الفاعل بالجبر هو ان يفعل المختار بغير اختياره بل بارادة مجبره و الفاعل بالقَصْدِ هو الذي يفعل بارادتِه۪ لغرضه المقصود بفعلِه سواۤء كان بسبب معونة حصول الدَّواعي و انتفاۤء الموانع ام بنفس ارادته و الفاعل بالرضا و هو الذي يكون علمه الذاتي علةً لوجود مفاعيله و عين معلوميّتها له عين وجودها عنهُ و علمه بها عين فعلِه لها بلا اختلافٍ في شيءٍ من ذلك و الفاعل بالعناية و هو الذي يكون فعله تابعاً لعلمه بوجه الخبر في ذلك الفعل في نفس الامر فيفعل عن ذلك العلم من غير قَصْدٍ زاۤئدٍ علي ذلك العلم و الفاعل بالتَّجلّي هو ان يلقي مثاله في هويّاتِ الاشياۤء بحسب قوابلها اقول و هذه التعاريف لهذه المعاني و كلّ من قال بواحدٍ من هذه الثمانية اراد منه ما ذكرنا و فيها كلها مناقشات منهم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 224 *»
فكلّ واحدٍ من اهل هذه الاقوال يناقش فيما سوي ما اختاره و المصنف هنا و في ساۤئر كتبه قال ما سوي الثلاثة الاُوَل اراديّ البتّة و القسمان الاوّلان خاليان عن الارادة البتّة و امّا الثّالث فيحتمل الامرين و اقول اَمّا ما كان بالطَّبع فلاينافي الارادة بل قد يكون مع الارادة اذ قد يريد مقتضي طبيعته فيقع الفعل بالداعيَيْنِ و ما قيل من انه ما لايكون له داعٍ غير ميل الطّبيعة لاينافي مشاركة الارادة لما قرّرنا في كثيرٍ ممّا كتبنا من ان كلّ حادث فهو من الوجود و لَيْسَ بعد اللّهِ عز و جل غير الوجود و هو شعور و اختيار و ارادة و تمييز و فهم و حيوة فكل شيء فيه هذه الصفات بحسبه فما كان قريباً من المبدء كانت فيه هذه الاوصاف اقوي و ما بعد كانت اضعف فالاقوي كنوع الانسان و الاضعف كالجمادات و ما بينهما بنسبة مرتبته من الوجود فالحجر ينزل بطبعه هذا في الظاهر و امّا في الواقع فكما قرّرنا في الفواۤئد و شرحها انّ الحجر خلقه اللّه من اسفل مراتب الوجود و فيه ما في الانسان بنسبة وجوده و لهذا يسبّح اللّه فقال تعالي و ان من شيء الّا يسبّح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم و قال تعالي و خلق الليل و النهار و الشمس و القمر كلّ في فلك يسبحون فقال تسبيحهم و يسبحون و لميقل تسبيحها و يسبحن بل ذكرهم تعالي بضمير العقلاۤء و كذلك قوله تعالي فقال لها اي للسماۤء و للاَرْضِ ائتِيا طوعاً اوْ كرهاً قالتا اتينا طائعين و لميقل طاۤئعَاتٍ و الاخْبار الداۤلّة علي تكليف الجماد و النّبات اكثر من ان تذكر و كلّ ذلك لايكون الّا مع الشعور و الاختيار و الارادة و امّا الحجر في نزوله بطبعه فهو مختار و مريدٌ للنزول لان الله سبحانه وكَّلَ به ملكا ينزل به الي ما يريد سبحانه و ركز في طبيعته شهوة طاعة الملك فهو ينزل ظاهراً بطبعه و باطنا باختياره و ارادته و اذا دفعه دافع الي الهواۤء صعِد حتّي تنتهي قوّة الدافع و حقيقته ان عضو الدافع وكّل اللّه به ملكا اقوي من الملك المنزل للحجر و ركز في الملك المنزل محبة طاعة الملك المصعِد و شهوتها فيرفع الحجر بشهوته و ارادته تبعا لشهوة الملك المنزل و ارادته حتي تنتهي قوّة الدافع التي هي طبق قوّة الملك المصعِد فينزل بالحجر كذلك فهو في نزوله بطبعه و مختار و مريد و كذا في صعوده بالدفع الّا ان ارادته للصعود لذاته
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 225 *»
ناقصة و الدافع متمّم لها و اعلم ان ما ذكرته و ان كان بعيداً عن افهام الناس الّا انّه مذهب ائمة الهُدَي عليهم السلام و ما ذكرته لك فهو معقوله و الكتاب و السنة ناطقانِ بذلك و بادلّته و لكن يطول الكلام بذكرها فقول المصنف بان ما كان بالطبع فهو خال عن الارادة البتّة جارٍ علي مذاق العوام و امّا الخواۤص فعندهم ان ليس في العالم شيء بالقسر بل كله اختيار و لكن هذه الثمانية التي ذكر كلّها مختارة مريدة الّا انّ الاختيار في سبعةٍ منها ناقص و هي ما سوي ما بالقصدِ فانه يقع بارادة و اختيار تاۤمّين اما الثلاثة الاُوَل فهو يوافقنا علي عدم وجود اختيار تام فيها فلاتصلح لفاعلية المختار و امّا ما كان بالرضا فانه اذا قال علمه الذاتي علّة لوجود مفاعيله فان اراد بالعلة علّة الكون فالعلم من حيث هو علم لايكون علة الكون و انما علّة الكون الذات اذ العلم من حيث هو لايكون مؤثرا و ان اراد علّة التكوين فلاتكون الّا للفعل لانّ العلم ليس هو المكوّن به و لا المكوِن فلايصلح الفعل بالرضا خاۤصة من القادر المختار الّا كونه مصاحباً للفعل بالقصدِ و امّا الفاعل بالعناية فيلزم منه اِمّا الجبر في الافعال الاختياريّة و اِمّا كون الاشياۤء قديمة غير مجعولة و الكلّ باطل لعدم القصد الزاۤئدِ علي العلم و لمساواته للايجاب لان الموجب هو الذي لايتخلّف عنه مفعوله و الفاعل بالعناية اذا كان علمه الذي هو ذاته هو العلة لا غيره و هو علّة تاۤمّة فقد كان فاعلاً بالايجاب و هٰذا ظاهر و امّا ما كان بالتجلّي كما تقوله الصوفية و هو ان يلقي الفاعل مثاله في هويّات الاشياۤء بحسب قوابلها فاذا ارادوا به انّ الهويّات هي الصور العلميّة الغير المجعولة سواۤء قيل انّها في علمه الذي هو ذاته ام مُعَلّقة به كالظلّ بذي الظلّ فهذا باطل لاستلزامه اثباتَ اشياۤء غير اللّه سبحانه لميكن محدِثاً لها و ان ارادوا به انّ الهويّات الملقي فيها هي نفس القوابل و انما قيل بحسب قوابلها ان الملقَي و هو المثال قد تختلف جهاته و كمّيّاته و كيفيّاته و رُتَبُهُ و امكِنتُه و اوقاته و اوضاعه و ما اشبه ذلك من المشخّصات و هذه هي حدود القابلية و الانفعال المسمي بالصورة و بالماهية بالمعني الاول كما مرَّ و هي من نفسِ المثال الملقي من حيث نفسه و هو متقدم بالذات مساوِقٌ لَهٰا في الظهور كالكسر و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 226 *»
الانكسارِ و انّ المراد بالالقاۤء تحقّق المثال و ظهوره بشراۤئط الظهور و التّحقّق الّتي هي المذكورة و انّ المراد بالمثال هو وصف اللّهِ نفسه الفَهْوانيّ لعبده و هو الوصف المُحْدث الّذي ظهر به لعبده و هو حقيقة عبده منه تعالي و هو المسمي بنور اللّه في قوله عليه السلام فانه ينْظر بنور اللّهِ و هو الفؤاد لعبده و هو المسمي بالوجود عندهم و هو الماۤدّة عندنا فاِنْ اَرادُوا هذا كما ذكرنا فهو حَقٌّ و قد اشارَ اميرالمؤمنين عليه السَّلام الي ما ذكرنا بقوله لاتحيط به الْاَوْهَامُ بَلْ تجلي لها بهَا و بها امتنعَ منها و اليها حَاكمها و كلّ جزئيّ مما ذكرنا ان ارادوا غيره فهو باطل و كل ما ذكرنا قد ذكرنا ما يدلّ عليه دلالة قطعيّة و نذكر فيما بعد و ان ارادوا بالمثال شيئا ليس بمجعولٍ فهو باطل لان الالقاۤء لايتعلّق الّا بالحادث لانه انزاله من رتبته الي غيرها و ان جعلوه حادثا و جعلوا الهويّات الملقي فيها ليست مجعولة فهو باطل لانّ الحادث مجعول و لايحلّ مجعول في غير مجعولٍ و ان جعلوها مجعولة و هي لمتكن صورة المثال المجعول كان الحاصل منهما مركّبا و ليس ذاتا واحدة فهو باطل و ان جعلوا المثال هو الفعل فهو باطل لان المثال هو الملقي و الفعل هو الالقاۤء و الحاصل انه تعالي انّما خلق الماۤدة للمخلوق و المخلوق لايقدر علي الظهور بدون ضميمة هي هويّته و هي الماهيّة بالمعني الاوّل كما تقدم و الصورة فخلق له ثانياً و بالعرض الماهيّة علي تفصيل ما مر فراجِعْ و قول المصنّف في كتابه الكبير كما نقلنا و ان ذاته ارفع من ان تكون فاعلاً بالمعني الرابع لاستلزامه مع قطع النظر عن الاضطرارِ التكثرَ بل التجسمَ تعالي عن ذلك علوّا كبيراً يريد بالرابع ان يكون فاعلاً بالقصدِ غلطٌ دخل عليه من قواعده التي منها انه يفعل بذاته و تعالي عن ذلك علوا كبيراً لانّه يلزم منه ما يذهب اليه من ان الخلق تنتهي الي ذاته و معلوم انّ مَن انتهي غيره اليه فهما حادثان لما يلزم بينهما من الاتصال او الانفصال و الافتراق او الاجتماع و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الَي مثله وَ اَلْجأَهُ الطلبُ الي شكله ه ، و انما هو فاعل بفعله و فعله مشيته و ارادته كما تقدم في حديث الكاظم عليه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 227 *»
السلام و فعله تعالي واحد الي كل شيء كما قال تعالي و ما امرنا الّا واحدة و قال ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفسٍ واحدةٍ الّا انه له رؤسٌ بعدد جميع الخلق كلّ رأسٍ يتعلّق بممكنٍ يحدثه لايصلح لاحداث غيره و الفعلُ خلقه اللّه بنفسه اي نفس الفعل و اقامه بنفسه قيام صُدورٍ و تحقّق و لا كيف له لانّ الكيف انما حدث به فالقصد التخصيصي التّشخصي منسوبٌ الي خُصُوص الرّأس المختص بالمقصود لما بينهما من التوافق و ان كان باللّه تعالي هذا وصفٌ في الغاۤئب و نظيرهُ في الشاهد انه اذا حلّت الشمس برج الحمل سخن العالم السفلي بحرارة الشمس لقربها من اُفْقِنَا و كان موافقاً لوجود الرطوبة من فصل الشتاۤء فاجتمعت الحرارة و الرطوبة اللتانِ جعلهما الله علة الكون فينبت النبات و كل شجرة بل كل ورقة لها حصّة من علّة الكون لاتصلح لغيرها فتنبسط علة الكون و هي واحدة علي جميع الاشجار و النبات و الورق و الثمر و كلّ شيء له حصّة منها تختصُّ به لاتصلح لغيره و المخصّص الذي عنه القصد ارادة الله تعالي و هي فعله فقال تعالي يسقي بماۤءٍ واحدٍ و نفضّل بعضها علي بعضٍ في الاكل فالتفضيل لبعضٍ علي بعضٍ لايكون بالاهمال و الاتّفاق بدون قصدٍ كما تقوله الدهرية و لا بنفس الذات البحت تعالي لما يلزم من المفسدة فلميبق الّا برؤس الارادة و اما الاضطرار فانّما يلزم علي القول بالرضا او بالعناية كما ينطق به تعريفهما لمن يطلبُ صريح الحقّ القول بالايجاب و امّا التكثر و التجسم فانما يلزم بانه تعالي فاعل بذاته و ان الخلق ينتهي الي ذاته تعالي لاختلاف احوال ذاته فانه قبل الفعل وحده و بعد الفعل كان معه غيره و قبل الفعل غير فاعل و بعد الفعل فاعل فاذا نسبت الحالتان الي ذاته جاۤء المحذور و لايجيۤء شيء منه اذا قلنا انه تعالي قبل الفعل انما هو هو و بعد الفعل كان الفعل ليس في الازل الذي هو الذات الحق تعالي بل هو في رتبة الوجود الراجح و هو نفس الفعل و المشية و الارادة الاسماۤء متعددة و المعني واحدٌ كما قال الرضا عليه السلام لعمران الصابي المشية و الارادة و الابداع اسماۤؤها ثلاثة و معناها واحد و كان الفعل دون الازل في السرمد الّذي هو الوجود الراجح و محلّه الامكان المسمّي بالعُمقِ الاكبر
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 228 *»
كما في دعاۤء السِّمات و كان المفعول دون الفعل في الدهر و عالم الكون فما دونه في الزمان فلمتتغيّر حالة ذات الحق تعالي بل كان و لميكن معه غيره و هو الأن علي ما كان و تغيير الاحوال انّما هو في الفعل باعتبار متعلّقه فالفعل و الامكان و السّرمد خلقها اللّه و هي الوجود الراجح لميظهر شيء منها قبل الاخر و هو عندنا هو الوجود المطلق و العقل الكلّي و الدهر و الممكن هي الوجود المقيد بالقيود و الشراۤئط و ان كان بعضها اَبْسَطَ من بعضٍ بمعني اقلّ تركيبا و شراۤئط و محدّد الجهات و الزمان و المكان هي عالم الاجسام علي تفصيل ربّما نذكره و الحاصل القول الحقّ انّ فاعل العالم فاعل بالقصدِ و الاختيار كما قاله المتكلمون و ان كان علي غير ما فهموا و قول المصنف و علي ايّ الوجهين فهو فاعل بالاختيار الي اخره يعني بالوجهين بالعناية او بالرضا لانه في بعض كتبه رجّح انه فاعل بالرضا و في بعضها رجّح انه فاعل بالعناية و من عرف معني ما ارادوا منهما قطع بانَّ الفاعِلَ باحدِهما لايكون مختاراً و لكن المصنّف لمّا نسب الفعل الي نفس الذات و حكم بانتهاۤء الخلق الي الحق تعالي فحكم بربط الحادث بالقديم لايسعه تفريعاً علي ذينِك الاصلين الا القول بالوجهين و لميجسر علي انكار الاختيار قال و علي ايّ الوجهين فهو فاعل بالاختيار و الاختيار الذي فسّره صاحب الشريعة صلّي الله عليه و اله و معناه انّه ان شاۤء فعل و ان شاۤء ترك لانّ هذا هو المعني الّذي تفهمه ساۤئر المكلّفين و حيث امره الله عز و جل بالتبليغ اوحي اليه و ماارسلنا من رسول الّا بلسان قومه ليبيّن لهم و قومه صلي اللّه عليه و اله لميفهموا من معني الاختيار الّا هذا فان كان معناه غير هذا فمابلّغ رسالة ربه و انا و المؤمنون نشهد ان لا اله الّا الله وحده لا شريك له و ان محمدا صلي الله عليه و اله عبده و رسوله و انه قد بلّغ عن اللّه جميع ما امره كما امره فصدق الله و صدق رسوله و بلّغ المرسلون ما امروا به و انّ اله الذين هم خلفاۤؤه ادّوا ما ادّي اليهم كما امرهم و حفظوا ما استحفظهم اللهم صل علي محمد و اهل بيته الطيبين و علي جميع الانبياۤء و المرسَلين و المصنّف لاجل التطبيق علي القول باحد الوجهين اي الرضا او العناية فسّر الاختيار بما يلزَمُ منه الاضطرار فانّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 229 *»
تَفْسيره انّما يخفي علي من لميسلك طريق اهل العصمة عليهم السلام و امّا من اقتصَر علي سلوكِ طريقهم صَلّي اللّه عليهم فلايكاد يخفي عليه شيء من الحق فقال فاعل بالاختيار بمعني ان شاۤء فعل و ان لميشأ لميفعل لا بالايجاب و انا اقول هذا التفسير عين الايجاب و ذلك لان المشية عنده هي الذات فيكون معني ان شاۤء فعل انّ الذات فعلت و قوله و ان لميشأ لميفعل معناه الذات مافعلت و يكون المعني انّه ليس كل ممكن في العقل خلقه نعم لو قال كما نقول بان المشية هي الفعل صح له نصف كلامه و هو ان شاۤء فعل لانّ هذا مما لا ريبَ فيه و امّا المغالطة في التعبير فشيء لايحتاج الي بيانه هنا لان المعني ظاهر انه اذا اراد ان يفعل فعل و امّا النصف الاخر فانه و ان قال بحدوث المشية لميكن لقوله و ان لميشأ لميفعل معني غير انّه اذا لميفعل لميفعل و ان فرضها مغايرة للفعل صحّ له ظاهراً الثاني و لكن ليس هذا معني الاختيار الكامل لان المختار الكامل يفعل بارادته و يترك بارادته لا انّه اذا لميرد لميفعل لان هذا معلوم ضرورة و لو تنزّلنا قلنا ان قال بحدوث المشيّة و الارادة صح ان قوله ينفي الايجاب و لكن الاشكال توجّه عليه من جهة قوله بان المشيّة هي الذات تعالي فان المعني يكون الذات فعل و الذات لميفعل فان هذا لاينافي الايجاب فان القاۤئلين بالايجاب لايقولون بان كل ما يمكن كوّنه تكويناً متّصِلاً بالازل لانهم لاينكرون تجدّد ما تحت فلك القمر آناً فٰاناً و ان قالوا بانه تعالي علة تاۤمّة و العلّة لايتخلّف عنها معلولها كما نقل عن ثاليس الحكيم الملطي لانهم يريدون انه تعالي علّة تاۤمة في الفاعلية و جملة العالم من حيث المجموع وجد بلا فصلٍ و لكنهم لاينكرون الشؤن المتجدّدة بانّها لمتكن قبل هذا التجدّد المحسوس و لاينكرون امكان ايجاد شخصٍ يمشي في اصفهان فمن انكره بناۤء علي ما يذهبون اليه من انه ليس له تعالي الّا وجه واحد في الاشياۤء فلايعلم شخصا كذلك و الّا لوجب ايجاده فانّا به مؤمنون و بالجملة الفاعل المختار الذي يفعل بارادته و يترك الفعل بارادته لا انّه هو الذي اذا لميرد لميفعل لان هذا معلوم عندنا و ليس من معني الاختيار و انما هو من المضحكات
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 230 *»
و قوله و لكلٍّ وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات يريد به هو و اهل ملّته من كبار الصوفيّة ما اشرنا اليه في شرح المشاعر من زعمهم انّ اللّه تعالي ربّي سلك بكلِّ مَن طلب معرفته طريقا و الطّرق و ان كانت متباينة مختلفة و ربّما استشهد بعضهم علي ان جميع هذه المتناقضة تؤدّي الي اللّه تعالي بالسفن الجارية بريح واحدةٍ سفينة تغرّب و سفينة تشرّق و سفينةٌ تسير جنوباً و اخري شمالا و الريح واحدة فالاختلاف في معارفهم من اللّه سبحانه و اقول امّا الصوفيّة فهذا ينطبق علي مذهبهم من ان الهادي و المضل و فاعل الخير و فاعل الشّر هو اللّه سبحانه وحده لا شريك له و ليس لشيءٍ من خلقه من المكلّفين و غيرهم فعل و انما الافعال افعاله لايسئل عما يفعل و هم يسئلون و امّا مثل المصنف الذي يثبِتُ الاختيار للعبدِ فكيف يقول بهذا تبعاً لغيره كأنه له اهلُ ملّةٍ .
قال { قاعدة مشرقيّة في حدوث العالم ، العالَم كلّه حادث زماني اذ كلّ ما فيه مسبوق الوجود بعَدمٍ زماني متجدّدٍ بمعني الّا هويّة من الهويّات و لا شخصٌ من الاشخاص فلكاً او عنصراً بسيطاً كان او مركّبا جوهرا كان اوْ عرضاً الّا و قد سبق عدمُه وجودَه و وجودُه عدمَه سبقاً زمانِيّاً و بالجملة كلّ جسمٍ و جسماني متعلق الوجود بالماۤدّة بوجه من الوجوه فهو متجدّد الهوية غير ثابت الوجود و الشخصيّة .}
اقول قوله العالم كلّه حادث زماني ما يريد به من العالم ظاهر كلامه انّه يريد به كل ما سوي اللّه تعالي فانّه صرّح في الكتاب الكبير الاسفار انَّ الزمان لميسبقه شيء الّا الباري عز و جلّ و كلامه هنا مشعر بذلك و كلامه في ما يأتي يشعر بانكار المجردات الجزئيّة و انّ الكلية ليست من ما سوي الله تعالي و يأتي كلامه و الكلام عليه و ايضا هو مصرّح بانّ الزمان سابق علي العالم كله و البارئ تعالي متقدم عليه فاذا كان الزمان ظرفا ماجاز اَن يكون سابقا لانه ح ليْس بظرف لانّ الظّرف لايكون بدون المظروف و هو مدّة و المدّة لايّ شيء هي اهي لنفسها ام لا لشيء لا جاۤئز منهما شيء و الشّيء الموجود لايوجد الّا بوجود
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 231 *»
و ماهيّة و مرادنا من الوجود الماۤدّة و هي في كلِّ شيءٍ بحسبه و من الماهيّة الصورة تتركّب من حدودٍ هَنْدسيّةٍ يتشخّص بها الموجود و تتمايز باختلافها الموجودات و هي الكم و هو هُنا مقدار حصّة الماۤدة للموجود و الكيف من بياض او سواد او غيرهما و الرتبة و هي مقام الموجود بالنسبة الي مبدئه في القرب اَوِ البعد و الجهة من كونه اَمام شيءٍ او خلفه او يمينا او شمالا او اعلي او اسفل و المكان الذي يحلّ فيه و الوقت الذي يوجد فيه و الوضع في ترتيب بعض اجزاۤئه بالنسبة الي البعض الاخر او الي الامور الخارجة و هذا الاخير هو السادس من الحدود الصوريّة ان جعلنا الكم نوعيّا في الحصة الماۤدّية و الّا فهو اعني الوضع من اللواحق للستة لانها هي الايام التي يوجد فيها المحدث كالانسان مثلا اُحْدِثَ و خُلِقَ في ستةِ اَيَّامٍ يوم النطفة و يوم العلقة و يوم المضغة و يوم العظام و يوم يكسي لحما و يوم ينشأ خلقاً آخر يعني تنفخ فيه الروح و كَالسّتة الايام للسموات و الارض يوم العقل و يوم النفس و يوم الطبيعة و يوم جوهر الهباۤء و يوم المثال و يوم الجسم او الماۤدة و الصورة و الفصول الاربعة و قد ثبت بالدليل النقلي و الوجداني انّ النفوس ليست زمانيّة اذ لو كانت زمانيّة لمانظرَتْ ما مضي من الزمان و ما يأتي منه في الزمان الحاضر فتجمع ما بَيْنَ امْسِ و اليوم وَ غَدٍ و لايمكن للاجسام العنصريّة ذلك فدلّ بانها ليست بزمانيّةٍ نعم نحن لانقول بما يذهبون اليه من انّ المراد بالتّجرّد عدم الماۤدة و الصورة اصلا اذ هذا التجرّد مختصّ بالحق عز و جل لانه محض التحقّق و الثبوت الذاتي الذي لايتناهي بذاته في التحقّق و الثبوت الذاتيَيْنِ و انّما نقول انها مجردة عن الماۤدة العنصريّة و المدّة الزمانيّة نعم هي اجسام غير عنصريّة و الاجسام الّتي وضع لها هذا اللفظ تصدق علي اربعة اجسام جسمٍ عنصري و هو المعروف و جسم فلكي و هو اجسام الافلاك التّسعة و ما فيها من اجرام الكواكب السيّارة و غيرها و جسم برزخي و هو جسم مقداري له طول و عرض و عمق بلا مادة و هو الجسم المثالي الظلي الشّبَحِيُّ و هو الّذي يسمونه التّعليمي و هو الذي يسمون عالمه العلوي بهُورقِلْيَا يعني ملكا اخر و عالمه السفلي بجابلقا و جابَرْسَا الشرقيّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 232 *»
و الغربيّة و جسم مجرّد عنها مُفارق بذاته مقارِنٌ بفعله و هو النفس و هي اعلي مراتب الاجسام و الملاۤئكة النفسانيّة كذلك و هي مرتبة اطراف الارض و نهاياتها حتّي انه يصدق ان يقال ان النفس و ما فيها من الصور العلمية اعْلي الاجسام الارضيّة لقوله تعالي افلايرون انّا نأتي الارض ننقصها من اَطرافها قال عليه السلام يعني بموت العلماۤء و المراد ان الصور العلمية و محاۤلّها و هي نفوس العلماۤء اطراف الارض و الطرف النهاية و الي هذا الاشارة بقوله تعالي و الارض وضعها للانام فيها فاكهة اي نفس الامام عليه السلام و مَا انبتَ فيها من العلوم و قال تعالي فلينظر الانسان الي طعامه اي الي علمه من اين يأخذه انّا صببنا الماۤء صبّا اي العلم ثمّ شققنا الارض شَقّا يعني قلب الامام عليه السلام كما روي عنهم عليهم السلام فانبتنا فيها حبّا اي الحُبّ و العلم به و عِنَباً سكر المعرفة و قضباً ما ظهر من الاعتقادات و العواۤمّ الذين هم انعام العلماۤءِ و زيتوناً و هو الكرم الشرعي و نخلاً و هو الايمان الاية ، فالنفس ارض و العقل سماۤء و السّماۤء رفعها صلّي الله عليه و اله فالجسمانِ الاولان في الزمان و الثالث اَسْفله في الزمان و اعلاه في الدّهر لان الزمان لايتجاوز الاجسام العنصرية و الفلكية فاوّل الزمان مساوق لمحدّب محدّد الجهات و لمكانه فالثلاثة متساوقة في الوجود اعني الظهور و الكون في الاعيان و الاوّل و الثالث نُطلِق عليهما الجَسدَ في اصطلاحنا كما ذكرناه في اجوبة مساۤئل الشاه و الرابع في وسط الدهر كما ان السموات السبع في وسط الزمان و قول المصنّف اذ كلُّ ما فيه مسبوق الوجود بعدم زماني مصادرة علي مراده من دخول النفوس في الزمان بذواتها مع انه لاينكر كونها مفارقةً بذواتها و ان قارنت بافعالها بل هي اعلي رتبةً من الطبيعة و هي خارجة عن الزمان اعني طبيعة الكل و ما تناسل منها و ان اقترنت بافعالها كالنفس و الطبيعة اعلي رتبةً من جوهر الهباۤء و هو خارج عن الزمان بذاته و هو الحِصَص النّوعيّة قبل تعلّق الفُصول بها من عالم البَرْزخ الّذ۪ي هو عالم المثال فانّها آخر المجرّدات فاذا تعلّقت بها الفصول خرجت الانواع المادّية لتنزّلها من عالم الغيب الٰي عَالمِ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 233 *»
الشهادةِ و قد قال عز و جلّ و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الَّا بقَدرٍ معلومٍ ، و علي قول علماۤء العلم الطَّبيعيّ انّ اوّل ما خلق اللّه طبيعة الحرارة و اصلها من الحركة الكونية التي هي قدرة الله تعالي و علّة العلل في الاشياۤء المتحرّكات ثم خلق الله تعالي طبيعة البرودة و اصلها من السكون الكوني الذي هو قدرة اللّهِ تعالي و علة العلل في الاشياۤء الساكنات فهذا اول زوجين خلقهما الله تعالي مما قال اللّه تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون ثم تحرّك الحاۤرّ علي البارد بسرّ ما اودع اللّه فيه من الحركة المذكورة فامتزجَا فتولّد من الحرارة اليبوسة و تولّد من البرودة الرطوبة فكانت طباۤئع اربع مفردات في جسمٍ واحدٍ روحاني و هو اوّل مزاجٍ بسيطٍ ثم صعِدَتِ الحرارةُ بالرطوبة فخلق اللّه منها الحيوة و الافلاك العلويّات و هبطت البرودة مع اليبوسة الي اسفل فخلق اللّه منها طبيعة الموت و الافلاك السفليات ثم افتقرت الاجسام الموات الي اَرْوَاحِها الّتي صعدت عنها فادار الله سبحانه و تعالي الفلك الاعلي علي الاسفل دورة ثانية فامتزجت الحرارة بالبرودة و الرطوبة باليبوسة فتولّدت العناصر الاربعة و ذلك انه حصل من مزاج الحرارة مع اليبوسة عنصر النار و حصل من مزاج الحرارة مع الرطوبة عنصر الهواۤء و حصل من مزاج البرودة مع الرطوبة عنصر الماۤء و حصل من مزاج البُرودةِ و اليبوسة عنصر الارض فهذا مزاج العناصر و هو مركب لازدواج الطباۤئع مرّتين فخلق الله منه العوالم العلوية الي آخر كلام الحكيم محمد بْن ابراهيم الصّنبري في كتاب الرحمة في الطّبِّ فصرّح انّ الاربع قبل ازدواج بعضها ببعض كانت في جسم واحد روحانيّ و ذلك لان البساۤئط قبل تركيبها اجسام جوهريّة مجردة فوق الزمان كما ذكروا في جوهر الهباۤء و كذلك الحيوان الذي هو الجنس فانه قبل تعلّق حصص الفصول بحِصَصِه۪ من عالم الغيب و هو جوهر مجرّد عن العَناصر و الزمان فاذا تركبت الحصص بفصولِها نزلَتْ الي عالم المادّيات بتركّبها لانّ الحيوان قبل تعلق حصص الفصول بحصصه مؤلّف من طبيعتين جوهريتَيْن روحانيّتَيْنِ الحرارة و الرطوبة كما اشار اليه الصنبري في الكلام السابق و بالجملة فالزّمان ظرف للاجسام المركبة من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 234 *»
الطباۤئع العلويّة منها البَساۤئط المؤلّفة من طبيعتين و السفليّة المركبة من اربع طباۤئع و اَمّا مَا كان عَالِياً عن التركيب و التّأليف فهو قبل الزمان لما اشرنا اليه من دليل الحكمة القاطِع من انّ النفس لو كانت في الزمان لكانت مقارنةً بذاتها و لَمَاخرجَتْ عنه حين جمعت بين ماضي الزمان و حاله و مستقبله لانّ الزمان غير قاۤرّ الذات فلاتجتمع اجزاۤؤه فيه و انّما تجتمع في روحه و نفسه الذي هو الدهر لان الزمان نقطة في الدّهر فانّ النفس التي هي في الدهر في الجسد الذي هو في الزمان كالدهر في الزمان لانه نفس الزمان و روحه فافهم و لقد اشار ابنسيناۤء في ابياته الّتي نظمها في الروح الي ما قلنا في قوله :
فكأنّها برقٌ تألَّقَ بالحمَي ** * ** ثم انطوَي فكأنّه لميلمَعِ
يشير الي قصر مدّة تعلّقِها بالجسد فانها كالبرق لمعت من عالمها من الدّهر علي الجسد ثم انطوت و رجعت الي عالمها فكأنها لقصر مدة تعلّقِها لمتَلمعِ فليس وجوها بزمانيٍّ كما توهمه المصنّف بل هي فوق الزمان و فوقها العقل و فوق العقل الماۤء الذي جعل اللّه منه كلّ شيء حيّ حتّي العقل الذي اخرجه المصنف مما سوي اللّه عز و جل لانه ان كان عنده هو اللّه تعالي و النصوص المتفق عليها بانّ الله اوّل ما خلق العقل يطرحُها فهذا شيء اخر و ان كان عنده انه غير الله و صدّق بالاحاديث المتّفق عليها فهو شيء خلقه اللّه من الماۤء و الماۤء قبله و هو الوجود و هو اوّل فاۤئضٍ من فعل الله تعالي و هو الحقيقة المحمديّة و كلّ هذه قبل الزمان
و معني اوّل ما خلق العقل انه ما خلق من الوجود المقيّد لانّ ما يطلق عليه اسم الوجود ثلاثةٌ الوجود الحقّ هو اللّه سبحانه و الوجود المطلق و هو فعله و هو ذاتٌ متحققةٌ تذوّتَتْ بهيئة تذوُّتِها جميع الذوات لان جميع الذوات اَعْراضٌ و آثار لها خلقه اللّه بنفسه اي نفس الفعْل و اقامه به و الوجود المقيّد هو ساۤئر المفعولات اوّلها العقل و امّا نور الانوار اعني الحقيقة المحمديّة ففي الحاقها بالمطلق لانها سابقةٌ علي العقل و العقل اوّل ما خلق اللّه فيكون العقل بمنزلة الباۤء من بسملة الفاتحة من القرءان لانّه الكتاب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 235 *»
التدويني و هو طبق الكتاب التكويني الذي اوّله العقل و يكون نور الانْوار صلي الله عليه و اله بمنزلة المداد الذي كتب منه القرءان فانه كان مصنوعا قبل الكتابة اَو الحاقها بالمقيّد لانّها من المفعولات لا من الفعل و يكون اوليّة العقل اضافيةً وجهانِ و قد ذكر الشيخ علاۤءالدَّولة السّمناني في حواشيه المعلقة بالفتوحات علي قول ابنعربي ليس في نفس الامر الّا وجود الحق فكتب عليه بلي و لكن ظهر من فيض جوده بجوده۪ مظاهره فللفيض وجود مطلق و للمظاهر وجود مقيّد و للمفيض وجود حقّ و قال ابنعربي في موضع اخر منه اذ الحق هو الوجود ليس الّا فكتب المحشّي عليه بلي هو الوجود الحقّ و لفعله وجود مطلق و لاثره۪ وجود مقيّد اقول و لقد اَصَابَ الشيخ علاۤءالدَّوْلَةِ الحَقَّ في تقسيم ما يُطْلقُ عليه الوجود الَّا اَنَّه عند قول ابنعربي بعد تحقيق الوجود المستفاد و عدميّة الماهيّات الممكنة و لقد نبّهتُك علي امرٍ عظيمٍ ان تنبّهتَ له و عَقَلْتَه فهو عين كلّ شيءٍ في الظهور ما هو عين الاشياۤء في ذواتها سبحانه و تعالي بل هو هو و الاشياۤء اشياۤء كتبَ في حاشيته علي كلام ابنعربي هذا بل اصبتَ فكن ثابتاً علي هذا القول و اقول انّ هذا الشيخ انخدع بعبارة ابنعربي لانّ ابنعربي يريد بانه تعالي عينها في الظهور انه تعالي هو وجودها و امّا الاشياۤء من حيث هي هي فهي ماهيات معدومة و ليس مراده ما توهّمه هذا الشيخ المحشّي و لو عرف مراده لماقال له بل اصبتَ فكن ثابتاً علي هذا القول و الحاصل ان الفعل اعني الوجود المطلق و ما صدر عنه من نور الانوار صلّي الله عليه و اله و العقل الكلّي و ما تناسل منه و الروح الكلي و ما تناسل منه و النفس و الطبيعة الكليّتان و ما تناسل منهما و جوهر الهباۤء او الطباۤئع الاربع كما في العلم الطّبيعي كما مرّ قبل تزاوجها كلّها قبل الزمان و المُصَنّف صرّح انّه ليس قبل الزمانِ الّا الباري عزّ و جلّ و امّا المجردات كالعَقْل و الرُّوح الكلّيّيْنِ و عالم الامر فهذه اشياۤء ليست ممّا سوي اللّه تعالي عن ذلك فجوّز سبقها علي الزّمانِ لكونها عنده غير مكوّنة و الزمان ليس من الوجود المطلق بل هو من المقيّد و صاحب الشَّريعة صلّي الله
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 236 *»
عليه و اله اَخْبر انّ العَقل اوّلُ مَخْلوقٍ فهو قبل الزّمان فقوله اذ كلّ ما فيه مسبوق بعدمٍ زَماني لا اشكال فيه و انّما الاشكال في مثل النفوس فان كونها فيه ليس بصحيح و قوله مسبوق بعدمٍ ليس بصحيح علي مذهبه لان العدم عنده ليس بشيء و ما ليس بشيء لايكون سابقا نعم علي مذهبنا من ان العدم شيء مخلوق يصحّ لان المراد به عدم الكون و هو موجود بالوجود الامكاني بل الكوني و يؤيّده ما رواه في البحار بسنده الي علي بن يونس بن بهمن ( انه ظ ) قال للرضا عليه السلام جعلتُ فداۤءك ان اصحابنا اختلفوا فقال في ايّ شيء اختلفوا فتداخلني من ذلك شيء فلميحضرني الّا ما قلت جُعِلتُ فداۤءك من ذلك ما اختلف فيه زرارة و هشام بن الحكم فقال زرارة النفي ليس بشيءٍ و ليس بمخلوق و قال هشام شيء مخلوق فقال لي قل في هذا بقول هشام و لاتقل بقَول زرارة ه ، الّا اذا اوَّلَ المصنّف قوله علي معني ان كلّ شيءٍ ليس موجوداً في رتبة ما فوقه و يصح قوله الّا في اعلي الاشياۤء الزمانيّة فانه علي قوله مسبوق بعدمٍ ازليّ سواۤء فرض الاعلي شيئا مساوقاً للزمان ام اوّل جزءٍ من الزمان و ان فرض الزمان المقدّر فهو مخلوق و الّا فلا شيء و قوله الّا و قد سبق عدمُهُ وجودَهُ و وجودُهُ عدمَهُ امّا الفقرة الاُولي و هي سبق عدمُهُ وجودَهُ مراده منها ظاهر من كلامه و امّا الثانية فمرادُه انّ وجوده وجود اللّهِ تعالي و لكنه حين انحطّ في رتبة ارتباطه بالماهيّة نسب اليه الكون الزماني فبلحاظ المقتَرِن سبَق عدمُه اي عدمُ اقترانه وجودَه اي وجودَه مقترناً مربوطا بالماهيّة التي ماشمّت راۤئحة الوجود لذاتها و بلحاظ ذاته و تقدّسها سبق عدَمَ اقترانه حين تنزّل الي الزمان قبل الاقتران و كلّ هذه الامور التي يخبطون فيها خبط عشواۤء يكشف عنها قول اميرالمؤمنين عليه السلام ذهب مَن ذهبَ الي غيرنا الي عيونٍ كدرةٍ يفرغ بعضها في بعضٍ و ذهب مَن ذهبَ الينا الي عيونٍ صافيةٍ تجري بامر اللهِ لٰا نفادَ لها ه ، و قوله و بالجملة كل جسمٍ اَوْ جسماني متعلِّق الوجود بالماۤدّة الي آخره فيه اشارة الي انّ المجرّدات لا ماۤدّةَ لها كالعقلِ و الرّوح من امر الله
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 237 *»
الكلّيّين و الي كلّ ماۤديّ او كان وجوده متعلّقاً بالماۤدة بوجهٍ من الوُجوه متجدّد الهويّة غير ثابت الوجود و الشّخصيّة فهو ابداً في النُّموّ و الذّبُولِ سواۤء كان جسماً ام جسمانيّاً في كلّ شيء بِحَسبِه۪ يشير به الَي انّ المجردات المذكورة ثابتة الوجود غير متجدّدة الهويّة و هذا اعني ان المجردات لا ماۤدّة لها شيء نقلوه عن اواۤئل الحكماۤء و لميعرفوا مرادهم لانهم ارادوا اَلّا ماۤدّة لها عنصريّة و لا مدّة لها زمانيّة و لها ماۤدّة جَوْهريّة و مُدَدٌ دهريّة و اَنّ لها خَلْقاً و رزقاً و موتاً و حيوةً و اَنّ لها تجدُّداً و نقصاً بنموٍّ و ذبولٍ معنويّة من نوعها و كيف يريدون انّها ثابتة لا تجدّد لها و لا تَبدُّل و لَا تَغَيُّر يعتريها و هم يُشَرّكونها مع الاجسام العنصرية فيقولون كلّ ممكنٍ زوْجٌ تركيبي و يحكمون بانَّها مَخْلُوقة مفتقرةٌ لذاتها الي المدَد من فيض جودِ خالقِها في تكوّنها و في بقاۤئها و انّ كلّ ما فاض عن امر الله الفعلي الذي يعبّر عنه بكن فانه قاۤئم به قيامَ صدورٍ كقيام الكلام بحركة المتكلّم من حلقه و لهاته و لسانه و اسنانه و شفاته من قلع او قرع او ضغطٍ و المحتاج في بقاۤئه الي المدد لايكون الّا متجدّد الهويّة غير ثابت الوجود و الشخصيّة بل هي اشدّ و اسرع استدارة علي علّتِها الممدّة لها من الاجسام الماۤدّية بما لايكادُ ينضبط لكن لمّا كانت عظيمة واسعة عاۤمة كانَتْ لعِظَمِها كالسَّاكنةِ علي نَحْوِ ما قالَ تعالي وَ تَرَي الجبالَ تحسبها جامدةً و هي تمرّ مرّ السحاب ، نعم علي رأي المصنّف انّها ليست من الخلق و لا ممّا سوي اللّه تعالي بل هي موجودة بوجوده لكونِها لوازم ذاته ليست متجدّدة و ليس فيها ما بالقوّة بل كلّ ما لها بالفعل لانها قديمة ازليّة و امّا عند اهل الحقّ محمدٍ و اله صلّي الله عليه و اله فهي كغيرها من الخلق في الحاجة و الافتقار و التلقّي و التجدّد و كذلك عند الانبياۤء عليهم السلام و عند مَن اخذ عنهم من الحكماۤء .
قال { ببرهانٍ لاح لنا من عند الله لاجل التّدبر في بعض ايات كتابه العزيز مثل قوله تعالي بل هم في لبسٍ من خلقٍ جديدٍ و قولِه و ما نحن بمسبوقين علي ان نبدّلَ امثالكم و نُنشِئكم فيما لاتعلمون و قوله۪ و تري الجبال تحسَبُهَا جامِدةً و هي تمرّ مَرّ السّحاب و غير ذلك من الاياتِ المشيرة الي تجدّد هذا العالم و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 238 *»
دثوره و الدلالة علي زوال الدنيا و انقطاعِها كقولهِ كلّ من عليها فانٍ و يبقي وجه ربّك ذو الجلالِ و الاكرام و قوله و السمواتُ مطوياتٌ بيمينه و قولِه ان يشأ يذهبكم و يأت بخلقٍ جديدٍ و قولِه انا نحن نرث الارض و مَن عليها و الينا يرجعون و هذا البرهان مأخوذ من اثبات تجدّد الطبيعة الّتي هي صورة جوهريّة سارية في الجسم و هي مبدء لحركته و سكونه و ما من جسم الّا و فيه هذا الجوهري الصوري الساري في جميع اجزاۤئه و هو مبدء قريبٌ لميله سواۤء كان ذا مَيْل بالفِعْلِ او بالقوّة مستديرٍ او مستقيمٍ و المُستقيم الي المركز اَوْ مِن المركز و هو ابداً في التحوّل و التبدّل و السَّيلان بحسب جوهر ذاته .}
اقول ما ذكره من كونِ هٰذَا من برهانٍ لاح لنا الي اخره فهو صحيح بانّ الايات باعتبار تأويلها دلّ علي تغيير الاشياۤء في كلّ آنٍ و تبديلها بمعني صوغ ما انكسر منها لا بمعني الاتيان بغيرها المشابه لها او ببَدَلٍ منها فانّ قوله بل هم في لَبْسٍ من خلقٍ جديد ظاهر في اَنّ المرادَ بالتَّبْد۪يل انّما هو بالكسر بما يُغيّر وَ الصوغ له و الّا لماقال بل هم اذ لو كان اللبس لغيرهم من امثالهم من الخَلْق الجَديد لميقل بل هم و لميقل علي ان نبدّل امثالكم و ننشِئكم و انما المراد بالتبديل الكسر و الصوغ كما اذا كسرتَ الخاتم و صغته فقد بدّلْتَهُ فهو هو و هو بدله و غيره و الّا لكان الخلق الجديد لميفعل حسنات الخلق الاوّل و لا سيّئاتهم ثم مَن يحشر يوم القيمة هل هو الخلق الاول العامل ام الخَلْق الثّاني فان كان الاوّل كان الجديد عبثا و ان كان الثاني سقط الوعد و الوعيد و الثّواب و العقاب وَ الانشاۤءُ هُوَ الصَّوْغ في الاطْوار الكونيّة بما لهم ممّا لهم و مما تَحَلّلَ منهم ممَّا خرَجَ عن التّركيب الَي رتبة الْبُخٰارِ او الهباۤء او الي البرزخ من هورقليا اوْ الي الدّهر او الي الامكانِ فيُعَاد و يُصَاغ به في كلّ طورٍ في ايّ صورةٍ اقتضتها قابليّته من الاعتقادات و الاقوال و الاعمال و الاحوال في رجوعِه۪ الَي اللّه تعالي اي الي حكمه علي مقتَضي مَبْدَئِه و منتهاه و امّا كون الجبال تمرّ مرّ السحاب فلعظمها تسير سيْرَ السّحابِ و مع هذا يراها النّاظر اليها لكِبَرِها كالساكنة و الجبال و ساۤئر الجمادات و المعادن وَ النباتات كالحيوانات و الشهادة كالغيب فجميع العالم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 239 *»
عندنا المجرّد و الماۤدّيّ العنصري كُلّه مُتَجِّدد و مُتَبَدِّل علي نَحْوِ ما ذكرنا الّا اَنّ الجسم و الجسماني اكثر اَعْراضاً و اَشدّ تغيّراً فلِذا نسَبوهُ الي الدثور و المراد بهذا الدّثور علي ما اشرنا اليه لٰا ما يتوهّم من الفَناۤء و العَدم فانّ ما دَخل في ملك الله سبحانه لايخرج عنه و لان الاجسام و الجسمانيات لمّا نزلت الي الدنيا دار التكليف لحقتها الاعراض الدنياويّة الغريبة لفاۤئدة الابتلاۤء و الاختبار في التكليف و لتتغير الاجْسام فيكون سبباً داعياً الي الانتقال منها فاذا انتقلوا منْها صَاعِد۪ين الي ما خلقوا لاجله القوا الاعراض الغريبة في مباديها فكانت اظهر دثوراً و الافلاك اخفي دثوراً فَتُكْشَط و يبدّل و المجردات اشدّ خفاۤءً فاذا نظرتَ اليها حسبتها جامدة و هو تمرّ مَرّ السحاب كالجبال و هي دليل المجردات و في تفسير ظاهر الظّاهر الجبال جمع جبلَّة بمعني الطبيعة علي غير قياس الظاهر فافهم و قوله تعالي كل من عليها فانٍ اي متغيّر و منتقل لا بمعني منعدم و ذكر مَن علي الدنيا لاينفي مَنْ علي غيرها و قوله تعالي و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام المراد بالوجه ظاهراً علل الاشياۤء المتغيّرة و باطِنا مباديها و اعلاها و اجمعُها المقامات و اركانها عليهم السلام و هو باقٍ عند المصنّف ببقاۤءِ الله تعالي لا بابقاۤئِه۪ لانّه عنده قديمٌ و هو عنده من لوازم الذات سبحانه و عندنا انّه باقٍ بابقاۤءِ اللّه عز و جل و هو حقيقة محمد و اله و انوارهم صلّي الله عليه و اله و لَا شكّ في كونِه۪ مفتقراً الي امدادِ اللّه سبحانه في تكوّنه و في بقاۤئه كيف و هو مخلوق محدث كما اَخبر به صلي الله عليه و اله و قد قال عليه السلام اللّهم زدني فيك تحيّراً و هو كناية عن الامداد بما ليس عنده و قال تعالي و قل ربّ زدني علماً و هذا ظاهرٌ و قوله ان يشأ يذهبْكم و يأت بخلقٍ جديد من تأويله انّه يُذْهِب صُوَرَهم باَنْ يكسرهم بالكسر الاصغر في هذه الدّنيا بما يتحلّل منهم و يأتِ بخلقٍ جديد بان يصوغهم بما يتجدّد لهم من الامداد علي نحو ما تقدّم و بالكسر الاكبر في القبور كذلك و قوله انا نحن نرث الارض و من عليها و الَيْنا يرجعون يشيرُ به الي ما بين نفخة الصعق و نفخة الفزع فانه تعالي بعد فناۤء الخلق و انقطاع النفخة و موت المُسْتثنَيْنَ جبرءيل و ميكاۤئيل و اسرافيل و عزراۤئيل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 240 *»
ينادي عز و جل علي لسان وجهه الباقي بما معناه يا ارض اين ساكنوكِ اين المتكبّرون اين الذين اكلوا رزقي و عبدوا غيري لمن الملك اليوم فلايجيبه احد فيردّ علي نفسه و يقول للّه الواحد القهّار و في رواية ان المجيب هو الوجه الباقي فهذا معني نرث لانه اخبر بفناۤء الخلق فعادَتْ الارض الي امره خالية من ساكنيها كما بدأها منه و قوله و هذا البرهان مأخوذ من اثبات تجدّد الطبيعة الي قوله و سكونه يريد به ما ذهب اليه من ان علّة الربط بين الحادث و القديم انما هي الطبيعة و الحكماۤء ذهبوا الي ان العلّة هي الحركة و المصنّف جعل الطبيعة مبدأ للحركة عكس الحكماۤء و نحن قد بيّنا فيما مضي و في شرح المشاعر و في كل موضع من كتُبنا و رساۤئلنا ذكرنا هذا فيه اَنّهُ لا ربط بين الحادث و القديم فان ذلك مما يوجب الحدوث في المترابطَيْنِ و امّا الحكماۤء الاواۤئل الذين اخذوا الحكمة من الانبياۤء عليهم السلام فمرادهم بالربطِ الانْتساب الي فعله تعالي لا الي ذاته و ذلك لانهم يرون ان الفعل خلقه الله تعالي بنفسه و هو ذات استفادت ساۤئر الذوات ذاتيّاتها من فاضل ذاتها كما استفادت الكتابة هيئاتها من فاضل هيئة حركة يد الكاتب و ساۤئر الخلق تنتهي الي فعله و نسبته الي ذات الحق عز و جل نسبة الحركة من الشخص و هذه الحركة هي علّة الربط الانتسابي و الحكماۤء المشّاؤن و من حذا حذوهم يأخذون ظواهر الحكمة فذهبوا الي ان الحادث مرتبط بالقديم و علّة الرّبط حركة الحادث لانهم مايعرفون من الفعل الّا الامر الاعتباري و المصنف حذا حذوهم في اثباتِ الرَّبْط الحقيقي و اعتباريّة الفعل و خالفهم في علّة الربط و قال ان الحركة مسبوقة بالمتحرّك و المتحرك هو الطبيعة الّتي هي مبدء الحركة فبني جميع مسايل الربط في جميع كتبه علي هذا الرأي و نحن نقول لو اريد في علّةِ الرَّبْطِ عَلَي فَرْضِ القول بِه۪ حَركة الحادث كان قَوْل المُصَنِّف بالطَّبيعةِ اَوْلَي لانّ الحركة عَرض وَ العَرض تَمام قبوله للوجود وجود المعروض فتكونُ مسبوقةً بالجَوْهَرِ و هُنَا هو الطبيعة لانّها مَبْدَءُ المَيْلِ وَ هُو الحركَةُ لكن الاواۤئل يريدون بالرَّبْط الانتساب و بالحركة الفعل اذ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 241 *»
هي المفهوم من الفعل و نسبة الفعل اليه عز و جل نسبة الحركة و ان كان ذاتا بالنّسبة الي ما صدر عنه و ما صدر عنه اثره فهو في التّمثيل بمنزلةِ ضَرَب الفِعْل المَاضي وَ مَا صَدَرَ بمنزلةِ الاثر المؤكِّدِ مثل ضرَب ضَرْباً فاذا اردتَ ضرب الايات لمعرفة هذا فزيدٌ آيةٌ لمعرفة اللهِ تعالي و ضَرَبَ آيةٌ لفِعْلِه۪ و ضَرْباً آية لِاَوَّلِ صَادرٍ عن الفعْل و تلك الامثال نضربها للناس وَ مايَعْقِلُهٰا الّا العَالمون سَنُر۪يهم ايٰاتِنا في الٰافٰاقِ و في انفسهم و امّا كون الطبيعة صورة جوهريّة فصحيح في طبيعة الشَّيْء اِذَا اريد التّعبير عنها و هذه غير ما يراد من طبيعة الكل التي يشيرونَ بها الي ركنِ العرشِ الْاَحْمر الذي هو الملك المؤكل بملاۤئكة الحجب المُسَمَّيْنَ بالكَرُوبيّين و هو يستمدُّ منه جبريل عليه السلام و الي بعض ما ذكرنا من هذه الاوصاف اشار الاشراقيّون وَ بعض ذكره الصوفيّة و بعض ذكر في الاخبار عن الائمة عليهم السلام و ظاهره انه الكسر الاوّل بعد الصوغ الاول اذ كل شيء انما يتمّ بصَوْغينِ و كسرين و يكمل بثلاثة و ثلاثة كما يشير العلم الطبيعي المكتوم اليه مثلا اوّل صوغ الاشياۤء ايجاد معانيها في العقل و وسطه ايجادُ رَقائِقها في الروح و اخره و تمامه ايجاد صورها الجوهرية في النفس ثم اوّل كسرِها اذابةُ هذه الصُّور في مدة اربعمائة سنة من سني الزمان في الطّبيعةِ هذه و فيها هو الكسر الاوّل ثُمَّ الصوغ الثاني و اوّله التحْص۪يص المسمي في اصطلاحهم بجوهر الهباۤء و تمامه تعلّقُ الصّور المثالية بمواۤدّها و هو الذرّ الثاني الذي خرجوا به في الدّنيا و قد تمّ الشيء بكسرين و صوغَيْنِ فلذا كانوا مميّزين الّا اَنّ بنيتهم لمتبلغ الكمال في هذه الدّار لانّها ليست دار بقاۤءٍ فلمّا اراد سبحانه بقاۤءهم الدّاۤئم كسرهم “-٢” بعد اَنْ اَمٰاتَهم في “٢” القبور و هو الكسر الاكبر الذي يكون بعده الصوغ الكامل المقتضي للبقاۤء الدّاۤئم ثم كسر ارواحهم بين النفختين في مقابل كسرهم الاوّل في الطبيعة في مدّة اربعمائة سنةٍ ثم عند النفخة الثانية يصوغهم الصّوغ الذي يقتضي البقاۤء الدّاۤئم و لايحتمل الفناۤء و الفسَاد انّ اللّه لايخلف الميعاد و امّا باطنه فهو الملك الّذي علي ملاۤئكة الحجب ثم اعلم انّ المصنّف بني علمه علي الْمَساۤئل القشريّة و البسَها من الفاظ الحقيقيّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 242 *»
حتي توهّم الاكثر انّ ذوقه تجاوز الحدّ لعَدم معرفتهم بحقاۤئقِ الاشياۤء فقوله انَّ الطبيعة صورة جوهريّة يريد طبيعة الاَجْسام و هي كما قال و المراد انّ الماۤدة الجسميّة صوّرها بالصورة الجسميّة فهي سارية فيها و الصُّورة الظاهرة اثر الباطنة و لباسُهَا و هي دالّة عليها للعارف بها و اليه الاشارة بقوله تعالي و لتعرفنّهم في لحن القول و تلك الطبيعة هي افتقار الشيء الي المفيض له لانه قاۤئم بالمفيض له قيام صدور فتكون طبيعته قابليته للمدد الذي هو الماۤدة و بنفس المدد قياماً ركنيّاً و معني قولي ان مذاق المصنّف انه بعد هذا قال انّ هذا الميل اعني الحركة ذاتي للطبيعة ليس مجعولاً و انما المجعولة هي و يأتي و هي اي الطبيعة مبدأ لحركة ذي الطبيعة و سكونه و هذا ظاهري و قوله و ما من جسم الّا و فيه هذا الجوهري الصّوري الساري في جميع اجزاۤئه و هذا ظاهر لانّها صورة نوعيّة كالصورة النّوعيّة الخشبيّة و هذا الصوري مبدأ قريب لميله بل هو روح الميل بل هو الميل في نفس الامر فعلي ظاهر الحال تكون الطبيعة هي علّة التّجدد و لانسمّيها حركةً و من قال بالحركة التي تنشأ من الجسم هي علّة التجدّد و الدثور فبعضهم قال هي نفس الطبيعة لان مطلق الطبيعة قد لاتكون حركة و لا مبدأً للحركة لكن الحركة الذاتية للجسم لاتكون الّا طبيعة له و بعضهم قال الحركة تنشأ من الطّبيعة و هي العلة القريبة للتجدّد وَ الدثور و المصنف جعل العلة هي الطبيعة و علي كل فرض فكلّ جسمٍ او جسماني مما هو في الزمان كالاجسام المركّبة العنصرية او الطبيعية كالافلاك فانها مركبة عند اهل الطبيعي من الحرارة و الرطوبة كما تقدّم النقل عنهم او مما هو خارج عن الزمان بذاته داخل بافعاله كالنفوس عندنا فهي متجدّدة متبدّلة اما عند المصنف فلجعله ايّاها من ساۤئر الاجسام و امّا عندنا فلان كل ما دخل في سلطنة كن فهو متجددٌ متبَدّل سواۤء كان مجردا ام لا و امّا الدثور فاِنْ اريد به العدم فلايجري علي شيء و ذلك كما قال تعالي قد علمنا ما تنقصُ الاَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدنا كتاب حفيظ و ان اريد به التحلّل و التفكّك و التَّصْفية فهو جارٍ عندنا علي النفوس و ما تحتها و امّا العقول فكذلك لكنه تبدّلٌ معنوي و تحلّلها عبارة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 243 *»
عن تحلّل متعلقها هذا في ظاهر القول و امّا في حقيقته فجميع الخلق متساوية و انّما تختلف ظاهراً و هو مرادنا بقولنا و امّا الكسر و الصوغ فهو عندنا عام في ما سوي الذات البحت عز و جل و قوله سواۤء كان ذا ميلٍ بالفعل او بالقوة الي اخره اي سواۤء كان حركته محسوسة كالاجسام النامية من الحيوانات و النباتات ام لا كالتي بالقوة كالجمادات القاسية كالحجارة و الحديد و مَا اشْبهَهُمَا فالمراد بما بالفعل و بالقوة هذا المعني لا ان المراد به المعني المتعارف فيلزم انّ منها ما ليس الٰان بمتجدّد و داثر كما ذهب اليه بعض شاذ من المتكلمين من ان الاشياۤء لاتحتاج في بقاۤئها الي المدد و ان احتاجت اليه في صدورها و بعضٌ ذهب الي انّ المتجدّد المتبدّل حال وجوده انما هو الحيوانات و النباتات و ذهب السيد المرتضي الي هذا في الجوهر الفرد و في الاعراض فقال في رسالته ما معناه ان الالٰه هو المنعم فاللّه ليس الٰاهاً للجوهر الفرد و لا العرض لانهما لايحتاجانِ الي المدد و كل هذه اقوال منحرفة عن الحقّ و سير هذه الاشياۤء المتجددة منها علي نحو خطٍ مستقيم و هو اقصر الخطوط الواصلة بين نقطتَيْنِ و ذلك ما كان مقصده في جهةٍ كسير العناصر الثقيلة الي اَسْفَل و الخفيفة الي اَعْلَي اَوْ مستدير كالمتحركات بالحركة الوضعيّة كالاَفْلاكِ و الي المركز في العَوْد و من المركز في البَدْءِ و الممكن المخلوق هو ابداً في التحوّلِ من حالة الي اخري في اطواره بسبب اختلاف قابليّاتِه۪ اي قابليات عقله في الاقبال و الادبار و السير و الوقوف و قابليات روحه في التّلوُّنَاتِ بصور المعاصي في الطاعات و الطاعات في المَعاصي و قابليات نفسه في التّشكّلَات بصور طبائع اعماله و اقواله و احواله و في التّبدّلِ في صُوَرِه۪ بما اَعٰادَهُ ممّا تحلَّلَ مِنْهُ الَيْهِ و في السَّيَلانِ في احوال نُمُوِّه۪ وَ ذُبُوله۪ لانّ النازل اليه و النازل منه ليس مثلاً تاۤمّا و لا اجزاۤء متفاصلة بل مددٌ منحطّ سيّال و كمّ متّصل كالنهر الجاري المستدير الذي ينصَبُّ آخِرهُ في اوله و ظاهره في باطنه و خلفه في امامه و يساره في يمينه فهو كرة تدور علي مركزها في ذاتها لا الي جهة و ليس بداۤئرةٍ و لايَجْري علي الاستقامة كما توهّمه مَن لم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 244 *»
يعرفه و الّا لبطل الوعد و الوعيد و الثواب و العقاب و سرعة الميل و بُطؤه و تعدّده و توحّده بحسب جوهر ذاته و بحسب تَلَقّيه من مبدئه بنفسه او بواسطةٍ او وساۤئط كسَيرِ الحقيقة المحمديّة (ص) و ميلها علي مركزها و هو الفعل اي المشيّة في كونها و الارادة في عينها بنفسها بدون واسطة و هي اسرع المتحركات كلّها بعد الفعل و لها دورة واحدة ذاتية علي الفعل لا الي جهةٍ و للعقل استدارة ذاتيّةٌ علي الفعل و استدارة عرضيّة علي الحقيقة و انما كانت الثانية عرضيّة مع ان العقل متقوّم بالحقيقة تقوّم تحقّق اي تقوّماً ركنيّا لانّها تابعة للاولي لانه متقوّم بالفعْلِ تَقَوّمَ صدورٍ فذاته تأكيد للفعل و للروح استدارة ذاتية كذلك علي الفعل و عرضيّتان اصليّة اوليّة علي الحقيقة و فرعيّة اَوّليّة علي العقل و للنفس استدارات اربع ذاتية علي الفعل و عرضيّة اصليّة اَوّليّة علي الحقيقة و عرضيّة فرعيّة اوليّة علي العقل و عرضيّة فرعيّة ثانوية علي الروح و للطبيعة استدارات خمس ذاتية علي الفعل و عرضيّة اصلية اولية علي الحقيقة و فرعيّة اوليّة علي العقل و ثانويّة علي الروح و ثالثيّة علي النفس و هكذا الي اخر الممكنات كل ممكن يستدير بتَلقّي قابليته علي جميع علله و الذاتية منها واحدة و الباقي عرضيات و اعلي الممكنات اسرعُهَا استدارة و ابعدها ابطؤها و ما بينهما كلّ بنسبة رتبته فما قرب من المبدء اسرع و ما بعد ابطأ و حركته عندنا هي نفس طبيعته لانّ هذه الحركة المشار اليها ليست حركة فعليّة لتكون ناشية عن طبيعته بل هي حركة ذاتية و هي ميل ذاته بفقرها الي وجه مبدئها تطلب منه استغناۤءها و كونها ذاتية و عرضيّةً لاجل تعدّد تعلّقِها باسبابها المتعدّدة و نظرها المتعدّد الي ابواب امداد مبدئه .
قال { و حركته الذاتية الوجوديّة اصل جميع الحركات في الاعراض الاينيّة و الوضعيّة و الاستحالات الكميّة و الكيفيّة و بها يرتبطُ الحادثُ بالقديم لا بغيرها من الحركات العرضيّة لان تلك الطبيعيّة هويّتُهَا هويّة التجدّد و الانقضاۤء و الحدوث و الانصرام .}
اقول قوله و حركته الذاتية الي قوله و الانصرام يريد به ان حركته الذاتية
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 245 *»
و هي الناشية عنده من طبيعته و عندنا هي نفس طبيعته الْوجوديّة و هذا القيد من المصنف احتراز عمّا ينسب الي الماهيّة فانّها عنده لا وجود لها الّا ما ينسب اليها بالعرض و التبعية و لا ايجاد لها متعلق بها و انّما الايجاد للوجود و الحركة الطبيعيّة عنده منسوبة الي الوجود كما قال و حركته الذّاتيّة الوجوديّة و علي كلامه يتناقض كلامه لان الوجود لذاته واجب و انّما ينسب اليه النقص بالعرض لما لحقه من رتبة النزول و حدوثه عنده هو و اتباعه في الحقيقة عبارة عن نسبته الي الماهيّات و النقائص اللّاحقة بالعرض لا لذاته و اذا كان لذاته واجباً فلاتصِح نسبة الحركة اليه لانّ الحركة المشار اليها حركة الاحتياج و الفقر و الحركة التي يدّعيها ذاتيّة لا عارضة للنّسْبَةِ و اَمّا الماهيّة فانها عندنا موجودة بايجادٍ خاصٍ بها الّا انّه مترتّب علي ايجاد الوجود كما ذكرنا سابقاً من انّه هو المقصود بالايجاد و لكنّه لايتقوّم ظاهراً في الاكوان الخارجيّة الّا بمٰاهِيّةٍ فَاَوْجَد اللّٰهُ الماهيّة للوجود ثانياً و بالعرض فطبيعة الماهيّة الّتي هي هويّة الممكن اوْلي بميله و تحريكه الي فيض علّته علي قاعدة المصنف و امّا عندنا فالوجود و الماهية كلّ منهما يتحرّك بطبيعته الي المَبْدء لان طبيعة المحدث من وجودٍ او ماهيّة قابليّته للايجاد و انفعاله به و هي حركته آخِذاً و مُعْطِياً فاحتراز المصنّف بقوله و حركته الذاتيّة الوجوديّة لايمنعه الخطٰاۤء و الغلط بل يوقعه فيهما من حيث لايشعر و لايصغِ قلبك الي مثل ما حقّقه في كتابه الكبير فانها علوم و اعتبارات منطقيّة كانت محصّلةً من نتائج عقولهم و استنباطها من مدلولات الالفاظ من ظاهر اللغة التي يتخاطب بها اجلاف العرب و يفهمونها و هي و ان كانت صحيحة الّا انّها اسفل وجوه العربيّة التي وضعها الواضع عزّ و جل و هي سبعون وجهاً للكلمة الواحدة و كلّ السّبعين اسماۤء و صفات للخلق لايصدق منها شيء علي الخالق سبحانه كما لايصدق شيء من موصوفاتها و مسمَّياتها عليه تعالي في حالٍ فكيف يكون القضايا المنطقيّة كاشفةً بنتاۤئجها و مدلولاتها عن الحقيقة الالهيّة و انما تفيد في العلوم اللغويّة العربية و الاحكام الشرعية و العلوم الرياضيّة و بعض العلوم الطّبيعيّة و انّما لمابيّن بطلان ما ذكروا هناك لانّهم يبحثون في مساۤئل كثيرة من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 246 *»
الحكمة النظريّة التي هي مبنيّة علي حسب الطّاقة البشريّة و يطيلون الكلام في تصحيح الالفاظ و المفاهيم التي يفهمونها منها و لو اردتُ بيانها بنحو ما سلكوا لخرجتُ عمّا انا سالكه من دليل الحكمة الي دليل المجادلة بالتي هي احسن فصار بحثنا معهم في المفاهيم اللفظية و انا انهي عن ذلك لانه لايؤدّي الي النور بل ابيّن بطلان الكثير باقل قليل كما اذا قالوا علم الله و سمعه و بصره هي عين ذاته و مفاهيمها متغايرة و مغايرة لذات الله تعالي و انّما الاتّحاد في الوجود قلتُ لهم هي ذات اللّه تعالي فما معني مفهوم ذاته و هل تدرك الافهام منه شيئاً حتّي يكون مفهوماً و انما العلم و السمع و البصر التي تفهمون حادثة لانكم انما تفهمون علمكم و سمعكم و بصركم و تجعلونها عين ذاتِ اللّه تعالي عنكم و عنها و لو اردتم الصفات التي هي عين ذات اللّهِ تعالي لماقلتم انها متغايرة و مغايرة لذاته انا للّه و انّا اليه راجعون اذا كانت الحكمة النظريّة كما ينطق به حدّها علي حسب الطّاقة البشريّة كيف يفهم منها ما هو حقيقة الذات الاحديّة الصمديّة و قوله اصل جميع الحركات يعني ان الحركة الوجوديّة الطبيعيّة هي اصل جميع الحركات الحادثة في الاعراض الحاۤلّة في معروضاتها من الاينيّة المكانية و الاينيّة الوضعية في جهات الوضع الثلاث و في الاستحالات الكمّية نُمُوّاً و ذبولاً و في الاستحالات الكيفيّة من نحو بياض الي سواد و بالعكس او غير ذلك و هذا صحيح و قوله و بها اي بالطبيعة التي هي منشأ الحركة الاصليّة ربط الحادث بالقديم عنده و هو غلط بل الطبيعة هي الحركة الاصليّة الجوهريّة و هي و ذات ذي الطبيعة اثر فعل القديم عز و جلّ و لو جاز ربط حقيقي بينه تعالي و بين خلقه لكان الفعل احقّ بالربط من اثره لانه هو الواسطة بين الفاعل و المفعول و الفعل عندنا الارادة و المشيّة و الابداع و الاختراع و لكنه يستحيل الربط الحقيقي لاستلزامه الاقتران المستلزم للحدوث الّا اذا اريد به النسبة المفعولية الي الفاعل الذي هو المثال و نعني بالنسبة الانتساب المفعولي كما تقول ربّي و خالقي و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 247 *»
ينتهي المخلوق الي الوصف الفعلي و الي الفعل و المفعول المنتسب ينتسب بحركتين طبيعة الوجود و هي حركة انفعاله بماهيّتِه۪ و طبيعة الماهية و هي حركة انفعالها بوجودها و قوله لا بغيرها من الحركات العرضيّة الخ ، يعني ان الربط بالطبيعة لانّها تَحدث عنها الحركة الاصلية التي بها يسير الي الله سبحانه ذو الطبيعة لا بالحركات الحركة العرضيّة التي ذكرها الحكماۤء و اقول قد تقدم الكلام علي ذلك و ان المراد بالطبيعة هي الحركة الاصليّة الافتقاريّة الانفعاليّة لا مطلق الطبيعة كما لايخفي و علّل ذلك بان تلك الطبيعة هويّتها هويّة التجدّد و الانقضاۤء و الحدوث و الانصرام و قد اشرنا الي ان الشيء له طباۤئع منها الحركة و السكون و الحرارة و البرودة و ما اشبه ذلك و مطلوبنا هُنا هو الحركة لا الطّبيعة المطلقة كما يظهر من كلام المصنف و الّا لمانفي الحركة و جعلها شيئا معنويّا في الحادث سارياً فيه فافهم ثم اذا فهمتَ هذا فاعلم ان المصنّف جعل علة الربط المذكور هي الطبيعة كما مرّ و ان الحركة الاصلية التي ذكر الحكماۤء انها هي ناشئة عنها و ان الطبيعة غير المتحرّك و غير الحركة و قلنا بان الطبيعة المرادة هنا هي الخاۤصّة و ليس الّا الميل التكوّني اي القبول للمقبول لان التكوين الايجادي اذا القي هيئة ذاته مع هيئة صفته ظهر المقبول بانفعالِ تَيْنِك الْهيئتينِ و الانفعال هو القابليّة و المقبول الّذي هو نفس الهيئتَيْن المنفصلتين ظهر في الاكوان و الاعيان بانفعاله و هو قابليته اي حركة قبوله للايجاد و هي و ان كانت من المقبول فهو سابق عليها في الذات الّا انه مساوق لها في الظّهور وَ هي نَفْسُ طَبيعته الاصليّة اعني طبيعة المقبول فلاتغفل .
قال { و لا سبب لحدوثها و تجدّدِها لانّ الذاتي غير معلل بعلّة غير علّة الذات و الجاعل اذا جعلها جعل ذاتها المتجدّدة و امّا تجدّدها فليس جعلَ جاعلٍ و تأثير مؤثر فاعلٍ و هذا بعينه مثل ما قالته الفلاسفة في باب الزمان من انّ هويّته لذاتها متجدّدة مُتَقَضِّيَةٌ سيّالة لٰكِنّا نقول الزمان مقدار التجدّد و التبدُّل و الحركة معناها تجدّد حال الشيء و خروجه من القوّة الي الفعل تدريجا و هي امر نِسْبيٌّ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 248 *»
عقلي مصدريّ انتزاعي لانها نفس التجدّد و الخروج منها اليه .}
اقول قوله و لا سبب لحدوثها و تجدّدها يريد به انّ الحركة الطّبيعية الذاتيّة التي هي تجدّد الطَّبيعة غير معلّلٍ بعلّةٍ غير علّة الذّات و مرادُهُ انّ اللّه سبحانه خلق الشيء و لميخلق لوازمه بخلقٍ و ايجادٍ زاۤئد علي ايجاد الشيء بل بتبعيّة ايجاد الشيء و ذلك كما نقلوهُ عن شيخ الاشراق من قوله لما سئل عن مثل هذه المسئلة و كان بين يديه مشمش فقال ان الله سبحانه ماجَعل المشمش مشمشاً و انّما جَعَل المشمش و جري علي السنتهم كالمثل كلّ مَن سمعه قَبِلَهُ مِنْ غير تأمّل و لا نظرٍ مع انّه باطلٌ لان كون المشمش مشمشاً ان كان شيئا فالله سبحانه خالقه لميخلقه المشمش و لا نفسه و لا القاۤئلون بعدم مجعوليته و ان لميكن شيئا فنفيهم لا لثابتٍ باطل و دعوي انه امر اعتباريّ كما توهّموه باطلة فانّ الموهوم و الاعتباري و المفروض اشياۤء خلقها اللّه تعالي و سيدنا الصادق عليه السلام قال كلّما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم او عليكم ه ، و في دعاۤء السمات للحجة عليه السلام و خلقتَ بها الظلمة و جعلتها ليلاً و جعلتَ الليل سكنا و خلقتَ بها النور و جعلته نهاراً و جعلتَ النهار نشوراً مبصراً و خلقتَ بها الشمسَ و جعلتَ الشمس ضياۤء و خلقتَ بها القمر و جعلتَ القمر نوراً و خلقت بها الكواكب و جعلتها نجوماً و بروجاً و مصابيح و زينة و رُجوماً و جعلت لها مشارق و مغارب و كلّ هذه مثل جعل المشمش مشمشا لان قوله و خلقتَ الظلمة و جعلتها ليلاً و الظلمة المخلوقة هي الليل و جعل الظلمة التي هي اللّيل ليلاً و كذا جعلُه سكنا مثل جعل المشمش مشمشا و كذا باقي الكلام لكن القوم بذلوا جهدهم في جحود نصفِ العالم فجعلوه ليس شيئا و انّما هو امر اعتباري حتّي قالوا ان الوجوب و الامكان و القدم و الحدوث و الفوقيّة و التحتيّة و الظلمة و الموت بل كل الاشياۤء المفروضة او التي لايرونها باعينهم و لايلمسونها بايديهم كلها و امثالها امور اعتباريّة ليست بموجودة و لا مخلوقة و لا مجعولة مع اعترافهم بان اسماۤءها ليست مهملة و مع اعترافهم انّ اللفظ الذي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 249 *»
لميوضع بازاۤء معني فهو مهمل و بانها اشياۤء و يقرؤن قول الله سبحانه و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم و يزعمون تَفصِّياً من الجواب انّ الذِّهن تكون الاشياۤء فيه موجودة بحقاۤئقها لا باظلّتِها فاذا قيل لهم لم لاتحرقكم النار التي في اذهانكم قالوا الاحراق من العوارض الخارجيّة فنقول لهم الوجودات الذهنيّة هل هي من عالم الغيب ام من عالم الشهادة و في كلٍّ منهما تحرِق النّار و ايضا ان كان ما في اذهانكم لايكون الّا ظلّا و شبَحاً لِلْاُمورِ الخارجيّة كما نقوله نحن ثبت اَنّ كلّ ما تتصوّرونه فان اللّه سبحانه قد خلقه قبل ذلك كما صرّحَتْ به الاية في قوله تعالي و ان منْ شيءٍ الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم ، و كقول الرضا عليه السلام المتقدّم الذي رواه الصدوق في اوّل عللالشراۤئع و هو قوله عليه السلام و لاتقع صورة في وهم احدٍ الّا و قد خلق اللّه عز و جل عليها خلقاً لِئلّايقول قاۤئل هل يقدر اللّه عز و جلّ علي اَنْ يخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الّا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انّه علي كل شيءٍ قدير ه ، فيكون ما في الاذهان صُوَراً منتزعةً من الخارجي فكلّ ما يسمّونه اعتباريّاً فهو شيء خلقه اللّه و اقامه في مكانِ رُتْبَته من الوجود و ان كان ما في اذهانكم اشياۤء مستقلّة كما تزعمون بانّ النّفس لها قوّة اختراع ما شاۤءت من الصّور و الاعتبار لا من شيء انتزعَتْها منهُ فنريد منكم ان تذكروا كلامَ زيدٍ لكم في مكّة مثلاً في العام الماضي في هذا الأن من غير اَن تلتَفِت نفوسكم بمرءاة خيالها الي زيد المخاطبِ و لا الي كلامه و لا الي مكانه و لا الي وقته فان قدرتم علي ذكر كلامه من غير ان تلتفت نفوسكم اليه في وقته و مكانه فانتم صادقون و ان كنتم لاتقدرون علي الذكري بدون الالتفات المذكور فاعلموا ان الذي في اذهانكم كالصور التي في المرايا لاينتقش فيها شيء حتي تُقابلها ذوات الصور فتنتقش فيها اشباحها و اظلتها كذلك انتم لمّا خاطبكم زيد في مكّة في العام الماضي و تَفَارَقْتم و ذهب زيد بَقِيَ مثاله و مثالُ كَلامِه۪ في غيب ذلك المكان و في غيب وقته فاذا اردتم ذكر ذلك قابلَتْ نفوسُكُمْ بمراياها مثال زيد و مثال كلامه في
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 250 *»
غيب مكان الخطاب و وقته فانْتقش ذلك في نفوسكم لانّها انتزعَتْ من الامثلة القاۤئمةِ هناك صورها و اظلّتها و لو لمتلتفت لمتذكر و لو كانت تخترع لاخترعت صور ذلك من غير التفاتٍ و الحاصل ان كلام المصنّف في كونِ تجدّد الطبيعة او الحركة و الانقضاۤء و الحدوث و الانصرام و امثال ذلك اموراً اعتباريّةً لٰا وجودَ لها مبني علي قواعدَ قشريّةٍ منهدمةٍ لاتبني عليه قواعد الدين و لاتؤسّس علي مثلِها بنيانه
و قوله و هذا بعينه ما قالتْه الحكماۤء الفلاسفة في باب الزّمانِ مِنْ اَنّ هويّته لذاتِها متجدّدة متقضّية سيّالَةٌ يريد به قولهم لذاتها متجدّدة اي انّها متجدّدة منْ دونِ مجدِّدٍ جَعَلَهٰا متجدّدة بل تجدّدُها مِنْ نَفْسِها و انا اقول لعلّ مراد الفلاسفة انّها لذاتها اي ان الجاعل جعلها متجدّدة لذاتها لا انّ تجدّدها بالعرض او بتجدّد اعراضها و ليس مرادهم ان تجدّدها من نفسها من دون مجدِّدٍ جعلها متجدّدةً كما هو مراد الاواۤئل منهم الّذين قرأوا علي الانبياۤء عليهم السلام و اخذوا الحكمة منهم و لو فرضنا ان هؤلاۤء القاۤئلين بذلك ارادوا مَا اراد المصنّف ادخلناهم معه في الخطاۤءِ بل كثير من اَخْبار الائمة عليهم السلام داۤلّ بصريحه علي انّ هذا القول شرك و قوله لكنا نقول الزّمان مقدار التجدّد و التّبدل و الحركة معناها تجدّد حال الشيء الي اخره يريد به بعد قوله و هذا بعينه ان مرادي مجرّد التمثيل لَا التساوي الحقيقي اذ بين الزمان و بين ما نحن فيه فرق فان الزمان ذاته مقدار التجدد و التبدل اي نفسهما فهو نفس الحركة المتجددة و ما نحن فيه فحركته تجدّد حاله اي هيئته لا ذاته و كلامه ايضاً ظاهري قشري و في الحقيقة خطأ خلاف الصواب و الصواب ان الزمان و الحجر علي حدٍّ واحدٍ في التجدّد و التبدّد لا فرق بين الثابتة كالعقول المجردة و بين القاۤرّة المتماسكة كالحديد و بين المتهافتة كالنار و الهواۤء وَ الماۤء و بين الغير القارة كالزمان و الاصوات لان الجميع قاۤئم بفعلِ اللّهِ قيام صدور كقيام الصورة في المرءاة بالشخص المقابل لا كقيامها بهيئة الشخص المقابل فانّه قيام ركني فالزمان نفس الحركة من حيث
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 251 *»
قابليته للايجاد التي هي ماهيّته و هي جزء ماهيّته بالمعني الثاني كما ذكرنا اي جزء هويّته لا من حيث وجوده اذ من حيث وجوده حركته تبدّل احواله و هذا بعينه حال جميع الخلق فان العقول المجردة و الحديد من حيث قابليتها فهي نفس الحركة لان قابليتها للايجاد هي نفس الحركة و من حيث وجوداتها حركتها تجدّد اَحْوالها و تبدّلها لا تبدّل الذّوات الجوهرية و الّا بَطَل الوَعْدُ و الوعيد و الثواب و العقاب ثم عطف علي تجدّد حالها بالعطف التفسيري بقوله و خروجهُ من القوة اي من رتبة الثبوت الازلي الي الفعل اي الي الوجود الكوني هذا معني من القوة الي الفعل عند هؤلاۤء الجماعة المصنف و امثاله و عندنا تبعاً لساداتنا ائمة الهدي عليهم السلام معني من القوّة اي من الثبوت الامكاني و ان شئتَ قلتَ من الوجود الامكاني الي الوجود الكوني و مرادنا بالامكان ما ذكرناه سابقاً من كونه موجوداً محدثا خلقه الله و لميك شيئا مذكورا و لا معلوماً قبل جعله ثم خلقه علي نحوٍ كلّي لايتناهي في كلّ مثقال ذرة قبل ان يكوّن شيئا منها لانا نمنع كون الامكان امكانا لذاته بدون جعل جاعلٍ مخترع و الّا لكان قديما لا ممكِناً و قوله تدريجاً صحيح لكن نحن لانَخصّ التدريج بالماديات خاۤصة بل و المجردات اذ كلّها ايضاً ماۤدّية الّا انها من انوارٍ عاليةٍ ماخلا الفعل بجميع اصنافه الذي هو الوجود المطلق فانه لذاته ليس تدريجيّا بل كما قال تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفس واحدة فانه تعالي قال و ما امرنا الّا واحدة كلمح بالبصر و امّا ما قررناه في الفواۤئد و شرحها من تقسيم ذاته في التزييل الفؤادي الي اربعة مراتب الاولي مرتبة النقطة و هي الرحمة و الثانية مرتبة الالف و النفَس الرحماني الاوّلي بفتح الفاۤء و الثالثة مرتبة الحروف و السحاب المزجي و الرابعة الكلمة التّامة و السحاب الثقال و السحاب المتراكم فذلك التزييل و التقسيم باعتبار متعلقه لا في ذاته و قوله و هي امرٌ نسبي يعني ليس بذاتي بان يكون نفس الماهية او نفس جزئها و قد بيّنّا قبلُ اَن الحركة الذاتية جزء الماهيّة اي الهويّة و الحقيقة و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 252 *»
عقلي يعني انّه ليس وجوده خارجيّا و قد ذكرنا ان وجوده هو و غيره كله خارجي و ما في الاذهان فهي اظلّة و مصدري انتزاعي يعني به انه معنوي لا عيني و انتزاعي يعني به انه ظلّي و لايريد بالظّلّي انه منتزع من الخارجي اذ لا خارجيّ عنده ثم قال لانها اي الحركة الذاتيّة الوجوديّة نفس التجدّد و الخروج منها اي من القوة اليه اي الي الفعل و انت قد عرفتَ رأينا في هذه المساۤئل مما ذكرنا فلايحتاج الي اعادته لكثرة ما كرّرناه .
قال { و الفرق بينهما كالفرق بين الوجود بمعني الانتزاعي الذي هو من المعقولات الذهنيّة و بين الوجود بمعني ما به يوجد الشيء و يطرد العدم عنه و ما به الخروج من القوة الي الفعل التدريجي من المقولة كما جاز ان يكون كيفاً او غيره من الاعراض فجاز ان يكون جوهراً صوريّا مَاۤدِّيا متجدّد الذاتِ و الهُويّة مذكور في الاسفار الاربعة و في رسالةٍ علي حدةٍ علي وجهٍ مفصّل مشروح و نقلنَا اتّفاق الفلاسفة الاقدمين في هذا الباب من دثور العالم و زواله و تجدُّد كلّ من الهيولي و الصورة و ان كل شخص منَ الاجسام الطبيعية فلَكيّة كانت او عنصرية حادث زمانيّ .}
اقول قوله و الفرق بينهما اي بين تجدّد الحركة الذاتية و بين تجدّد الزمان من كون تجدّد الحركة تجدّد حال المتحرّك لا تجدّد هويّته و من تجدّد هويّة الزمان لا تجدّد حاله لان هويّته لذاتها متجدّدة بتبدّلِ الٰانٰات بخلاف الاجسام علي زعمه كالفرق بين الوجود الانتزاعي الظلّي فانّه منتزع من الوجود الخارجي انتزعه الذهن منه كانتزاع المرءاة صورة المقابل فانّ حركته حركة هويةٍ اي تجدّد ذاته و هويّته و بين الوجود الذاتي و هو ما به يوجد الشيء و يطرد عنه العدم فانّ تجدُّدَه بِحركته الذاتيّة تجدّد حاله كما زعم ثم اراد ان ينبّه علي صحة ما ذهب اليه علي نمط الاستدلال فقال و ما به الخروج من القوة الي الفعل التّدر۪يجي من المقولة اي ممّا يقال عليه ذلك كما جَازَ اَنْ يكون كيفاً او غيره بانْ يكون تجدّده تجدّد هُويّةٍ فجاز اَن يكون جوهراً صوريّا ماۤديّاً متجدِّد الذاتِ و الهويّة و مرادُهُ انه يكون متجدِّدَ حال الهويّة لا متجدّد نفس الهويّة
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 253 *»
بِدَليلِ قوله و الحركة معناها تجدُّد حَالِ الشيءِ و لاَنَّ رأيَهُ اَنّ الوجود من حيث ذاته واجِب و انّما ينسب اليه الحدوث من جهة اقترانه بالماهية نسبة عرضيّة و لما لحقه من عوارض مراتب تَنَزُّلِهِ و نحن قد بيّنّا قبل هذا المتن انّ تجدُّدَ الاجسام القارة و الجواهر الصوريّة و الوجود الذاتي اعني ما به يوجد الشيء و يطرد العدم منه كتجدّد الزمان و تجدّد الوجود الظلي العرضي اعني الظلي الذهني و الظلّي العرضي كنور الشمس القاۤئم بالجدار و كظلّ الجدار الظّاهر من خلفه لانّ علّة الاحتياج واحدة اذ ليس لشيءٍ ممّا سوي الله سبحانه ثبوت و لا تحقّق من نفسه و الّا لكان قديما و هو غير الله سبحانه لان كل ما يصدق عليه انّه غير اللّهِ سبحانه في حالٍ من الاحوال او في فرض او احتمالٍ كما لو فرض انّه من حيث المفهوم او الفرض و التَّجْويز فانه قاۤئم بفعل اللّه تعالي و ايجاده قيام صدور و بامر الله قيام تحقّقٍ فكونُ شَيْءٍ مِنَ الخَلْقِ يكون تَجدُّدُه تَجدُّدُ حالٍ لا تَجَدّدُ هويّة مستحيلٌ الّا علي القول بوجوب وجودِه۪ كَما يذهب اليه المصنّف الّا انّ الّذي افهم من حالهِ اَنّ جَعْلَهُ تجدّدَ الجواهر القاۤرّة تَجَدُّدَ حالٍ لا تجدُّدَ هويّةٍ ليس لكونها عنده غير مجعولة الذوات بل لكونها اجْسَاماً وَ جَوٰاهِر و حركاتها و مُيولاتُها ناشية عن طباۤئعها و حركاتها هي تجدّداتها فظاهر كلماته في سَاۤئِر كتبه تشعر بان نفس هويّاتها ساكنة ثابتة بخلاف الاعراض و هو كَلامٌ قشريّ ظلمانيّ و الحقّ انّ جميع خلق الله عز و جل بمنزلة الاعراض بل اعْرَاضٌ حقيقية لِعِللِها و ان كانت جواهرَ لمعلولاتِها فالفعل و ان كان بالنسبة الي الفاعِل عرض اقامه سبحانه بنفسه و هو ذات لاثره و هذا الاثر الاول عرَضٌ له و لكنّه ذاتٌ لشعاعِه۪ و عرضه و شعاعِه۪ و هو نورُ الانبياۤء عليهم السلام و هو ذاتٌ لشعاعه و عرضِه و هو نور المؤمنين و هكذا فكل علةٍ عرض لعلّتِها و ذاتٌ لمعلولها فهو عرضٌ لِعَلّتِه۪ و ذاتٌ لمعلوله و هكذا و الاعراض تَجدُّدُها تجدُّدُ هويّةٍ
و قوله و قد نقلنا اتّفاق الفلاسفة الاقدمين الي اخره انما قال فيه الاقدمين ليُخَصِّص به الّذين اخَذُوا الحكمة عن النبيّين عليهم السلام فانّهم هم القاۤئلون بحدوث العالم و اكثر مَن تأخّر عن هؤلاۤء خالفوهُمْ في كثيرٍ من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 254 *»
المَساۤئل و من المتأخرين من نقل عن غاديمون و قيل هو النبي شيث عليه السلام ان المبادي الاُوَل خمسةٌ البارئ تعالي و العقل و النفس و المكان و الخلاۤء و هذا النقل ليس بصحيح و ان صح النقل فالقول بان غاديمون القاۤئل بهذا ليس هو النّبي شيْث عليه السّلام و ان صحّ القول فمراده عليه السلام ان العقل و النفس و المكان و الخلاۤء اسباب للقابليّة لا انّها مَبادي فَعّالة علي الاستقلال بل القي فيها مثاله فاظهر عنها افعاله كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام و منهم من قال بقدم النفوس و ما فوقها و منهم من ذهب الي قدم العالم كلّه و امّا الاقدمون فظاهر كثير منهم القول بقدم بعض العالم كالمجردات بل كلّه كما نقله بعضهم من ثاليس الملطي و انه استدلّ علي القدم بثمانيةِ وجوهٍ الّا ان كلامه الذي نقله الشهرستاني في كتاب الملل و النّحل صريح في القول بحدوث العالم و كذلك كلام افلاطون فانّه يوهم قدم المثل الافلاطونية فقول المصنف انه نقل اتفاق الاقدمين علي الحدوث لا بدّ من حمله علي ما بعد توجيه ما يوهم ذلك من كلامهم و الحاصل انّ القول بانّ العالم جميعه من المجردات و غيرها اي من كلّ ما سوي الله سبحانه حادث صحيح ليس فيه شَكّ و باقي كلامه ظاهر و اعلم ان الهيولي في الاصطلاح المشهور بينهم ان الشيء باعتبار كونه قابلاً للصور الغير المعيّنة يسمّي هيولي و باعتبار كونه محلّا للصور المعيّنة بالفعل يسمّي ماۤدّة .
قال { و امّا الكلي الطبيعي فليس عندنا موجوداً خلافاً للمشهور من رأي الحكماۤء بل بالعرض خلافاً لجمهور المتكلّمين فالكلّي الطّبيعي اعني الماهيّة بلا شرطٍ ليس بقديم و لا حادث و حدوثهُ تٰابع لحدوث افراده و كذا قدمهُ لقدمها اذ ليس في حدّ ذاته واحداً شخصيّا محصّل الوجود فلا دوامَ له في ذاته و ان كانت الافراد كلها حادثة فلا دوام له بالذاتِ و لا بالعرض الّا في علم اللّٰه تعالي .}
اقول قوله و امّا الكلّي الطبيعي الخ ، يريد به انّ الكلّي الطّبيعي قد اختلف فيه هل هو موجود في الخارج في نفسه ام في ضمن افراده بالذات او بالعرض ام ليس موجوداً خارجيّا اصلاً و انما هو موجود ذهني فنقول امّا الكلي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 255 *»
الطبيعي فاعلم ان الماهيّة اذا اخذت من حيث هي لا غير كالانسان سمي طبيعيا و هذا يعطي ما تحته من كلّ فردٍ اسمه و حدّه و انّما نطلق عليه الكلي بالنّظر الي صدقه علي كل فردٍ من افراد تلْكَ المَاهيّة و اذا اخذت من حيث انّها صالحة لكلّ فرد فهذا هو الطّبيعي الحقيقي فهل يعطي هذا كل فردٍ اسمه و حدَّهُ ام لا فيه احتمالان فان قلنا انه يعطي ما تحته من الافراد فبلحاظ اتّحاد حقيقة الافراد و امّا تمايزها و تعدّدها فبهيئات مشخّصات خارجة عن نفس ما صدق عليه الاسم و الحدّ فمع قطع النظر عن هذه المشخصات كانت كل حِصّةٍ صالحة لما تصلح له الاخري و هذا الاعتبار لاينافيه الاخذ الاول و لا صحة الصدق فيه و ان قلنا بعدم اعطاۤئه فبلحاظ تمايز الافراد بمشخّصاتها و هي علي الاصحّ انّها وجوديّة خارجيّة لا عقلية وجوديّة او اعتباريّة و الاحتمال الاول اصحّ و الّا لمااعطي في الاخذ الاوّل ما تحته لوجود التمايز لانه في نفس الامر خارج عن الطبيعي من حيث هو سواۤء اخذ صالحاً ام لميؤخذ الصلوح و ان اخذ معروضاً للكلّي الصادق عَلَي كثيرين و هو الكلي المنطقي و حينئذٍ لايعطي ما تحته اسمَهُ و حدّه و اذا اخذ من حيث انهما المعروض اعني الطّبيعي و العارض اعني الكلي لميعط المجموع ما تحته اسمه و حده و هذا هو الكلي العقلي فهذه الاربعة اَمَّا الطّب۪يعي الكلّي اعني المَاهيّة بشرط لاشيء و بلاشرط و هو الّذي يُسميه اهل اصول الفقه بالمطلق و انّه جنس للخاصّ و العام و يدخل فيه ما اخذ من حيث انّه صالح للحمل علي كثيرين علي الاصح ففيه الاقوال المشار اليها قبل اعني انّه موجود في الخارج بذاته او موجود في افراده بذاته او موجود في الذهن بذاته و في الخارج في افراده بالعرض او هو غير موجود في الخارج لا بالذات و لا بالعرض بل هو موجود في الذّهن خاۤصة لانه من المعقولات الذِّهْنيّة و قد قدّمنا ما يدل علي الاوّل من كونه موجوداً بذاته و علي الثاني من كونه موجوداً في افراده و انّ ما في الذهن فانّه ظلّ منتزع من الخارجي و ممّا يدلّ علي الاوّل قوله تعالي و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم و قول الصادق و الرضا عليهما السلام المتقدّمين و ما ذكرنا من انّ ما شاهدتَهُ اذا غابَ عنك لاتذكره الّا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 256 *»
بان تلتفتَ بمرءاةِ خيالك الي مكانه و وقته فتنتقش فيها صورة مثاله في مكانه و وقته امّا الاول فانه و ان لميقل احد منهم به لقصور افهامهم عن الوصول الي ادراكه لكنه قال به ائمة الهدي عليهم السلام و ادركه العقل الذي يقتدي بهم و يهتدي بهداهم عن معاينةٍ لا عن تقليدٍ و امّا الثاني فهو قول اكثر الحكماۤء علي جهة البدلية ظاهراً و في نفس الامر علي نحو الكلّ و الجزء و امّا ما اتّفقُوا عليه من عدم وجود ما اُخِذَ بشرطِ لٰاشيء في الخَارِج لا بنفسه و لا في الافراد فهو اتّفاق منقول و لميثبت النّقل لقيام الدليل القاطع من الكتاب و السنة و من العقل كما اشرنا اليه في عدة مواضع في هذا الشرح و غيره علي وجوده في الخارج و انّ ما في الذهن لايكون الّا ظلّا منتزعاً من خارجي بواسطة المشاهدة او العلم او الاخبار او دلالة اللّفظ او توهّم الخارجي و ما اشبه ذلك و ان الخارجي المنتزع منه امّا في عالم الاكوان من الغيب او الشهادة و امّا في عالم الامكان و امّا في الواح الحقّ و امّا في الواح الباطل و انّ كلّ شيء من ذلك مما وقع في الواح الحق فقد خلقه اللّه اوّلاً و بالذات بمقتضي ما جعل من اسبابه و انّ كل شيء من ذلك مما وقع في الواح الباطل فقد خلقه الله تعالي ثانيا و بالعرض بمقتضي اعمال المبطلين و احوالهم و افعالهم وَ اقوالهم و ماينزّله الي ذهنِ مَن تصوره من الواح الحق او الواح الباطل الّا بقدر معلوم و قد دلّت الادلّةُ العقليّة و النقليّة القطعيّتانِ علي ان القول بالحق و الاعتقاد له و العمل به لايرتفع من الارض منذ هبط ادم الي الاَرْض الي ان ينفخ في الصور نفخة الصعق او قبلها باربعين يوما ثم يتفرّد بحمله وجه اللّه الذي لايفني الي نفخة الفزع فكيف تصح دعوي الاتّفاق ان هذا الّا اختلاق و امّا القول بان ما اخذ لابشرط موجود في الذهن بذاته و لايوجد في الخارج الّا بالعرض اي بتبعيّة افراده بمعني انّ افراده في الخارج معروض له بعكس ما في الذهن كما يذهب اليه المصنف لانّ مبْنَي علومه علي الاعتبارات و المفهومات الفرضيّة و قد صرّح في المشاعر و غيره بان الوجود معروض للماهية في الخارج عارض لها في الذّهن فهو مخالف للادلّة القطعيّة من النَّقليّة و العقليّة و مثل هذا في مخالفة الادلّةِ القول بانه غير موجودٍ في الخارج لا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 257 *»
بالذّات و لا بالعرض و امّا الكُلِّيّان الاخيرانِ المنطقي و العقلي فهما مما اتفقوا علي عدم وجودهما في الخارج لكنّه اتّفاق لايكشف عن قول المعصوم عليه السلام فيه بل قول جميع اهل العصمة من الاوّلين و الاخرين عليهم اجمعين السلام مقابل لقول اهل هذا الاتّفاق و مخالف و هما موجودانِ في الخارج و انا ادُلّك عليه ان فهمتَ دلالتي و قَبِلْتها هما موجودانِ في الصقعِ الذي فيه ما اُخِذ بشرط لاشيء و ما وُجِد فيه بحر الزيبق بما فيه من السفن الجارية و ما وجد فيه الرجل الذي له الف رأس و ما وجد فيه مثل الوجوب و القدم و الامكان و الحدوث و الفوقيّة و التحتيّة و امثال هذه مما انكروا وجودها و لكن كما قال اللّه سبحانه بل عجبت و يسخرون و اذا ذكّروا لايذكرون و اذا رأوا ايةً يستسخرون ، و قوله فالكليّ الطبيعي اعني الماهيّة بلاشرطٍ ليس بقديم و لا حادث الي اخره يريد به ان الشيء المأخوذ بدون شرطٍ لايضاف اليه حينئذ شرط لا قدم و لا حدوث لخروجهما عن نفس مفهوم الشيء فاذا نسب احدهما الي ذلك كانت نسبة خارجيّة و لمّا كان المصنّف يري انه غير موجود في افراده كانت نسبة احدهما اليه تابعةً لنسبة احدهما الي افراده فان كانت افراده حادثة نسِب اليه الحدوث بِتبعيّة حدوث افراده و ان كانت قديمة نسب اليه القدم بتبعيّة قدمها و هذا يشعر بانّه انتزاعي ظلّي و هذا كما قال في تبعيّة ما في الذهن لما في الخارج و لكن في كلامه شيئان احدهما اَنَّ ما في الذِّهْنِ ظل المحكوم عليه بشرط لا و بلاشرط و هما في الخارج كما قلنا وَ ثَانيهما ان قوله و كذا قدمُه لقِدَمِها لان هذا الكلام و ان كان تصويره مستقيماً في فرض الحدوث لكنه لايستقيم في شأن القديم الّا اذا اريد به القديم اللغويّ و الشرعي و هو من له ستّة اشهر فصاعداً و امّا علي ما يريد به اهل العرف الخاصّ فالقديم لايصحّ في شأنه فرض التعدّد لا خارجاً و لا ذهناً لان الفرض من الامكان و لايصحّ الّا في الممكنات و ايضا لايتصوّر الذهن و لا العقل للقديم ظلّا منتزعاً و لا عارضيّة و لا معروضيّة و لا تابعيّة و لا متبوعيّة لا فرضاً و لاتجوُّزاً و احْتِمالاً فاذا تصوّر شيئا فليس للقديم و لاينسب اليه الّا لفظاً كما ينسب المشركون و الكفّار الولد و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 258 *»
الصاحبة الي القديم فانّهم لايصيبون بنسبتهم الّا حادثاً و كذلك اللفظ لايصح علي القديم و لايقع الّا علي حادِثٍ الّا بما وصف نفسه القديم به و اثني به علي نفسه تعالي فانّهم اذا تَلفّظوا به و تعقّلوه قَبِلَهُ تعالي منهم و ان لميقع عليه و لايصل اليه انّ ربّنا لغفور شكور و المصنف لمّا جوّز وقوع مفهوم مغاۤئر للواجب تعالي متّحدٍ معه في المصداق قال ما قال و عندنا انّ مَن يصحّ في شأنه ذلك ليس هو الله معبودنا لانّا نعبد الٰهاً واحداً في الفؤاد و في العقل و في الذهن و في الفرض و الاحتمال و في كلّ حال كما هو في الخارج و في نفس الامر لا اله الّا هو وحده لا شريك له و قوله ليس في حدّ ذاته واحداً شخصيا محصَّلَ الوجود فلا دوامَ له في ذاته فيه انا قد بيّنّا انه اي الكلي الطبيعي واحد شخصيّ شخصيّةً اضافيّة و انّه محصّل الوجود خارجاً بنفسه و في افراده و مع هذا فلا دوام له في ذاته من ذاته و لا في حاله بل هو قاۤئم بفعل الله قيام صدور و بامر الله قيام تحقّق قياما ركنيا و ما في الاذهان من ظله المنتزع منه قاۤئم بفعل اللّهِ قيام صدور و بهيئةِ الخارجي الاشراقيّة قاۤئم قيام تحقّقٍ و بهيئة الذهن من صفاۤء و كبر و استقامة وَ اضدادِها قاۤئم قيام ظهورٍ و كونٍ فلا دوامَ لَهُ في ذاته و المصنف انّما قال في ذاته لانّه يريد به ما كانت افراده قديمة لانه من حيث كونه غير محصّل الوجود ليْسَ لَهُ دَوام من ذاته و لكنه من كونه تابعاً لافراده في القدم يكون له دوام عرضي لكونه في علم القديم تعالي و هذا مبني علي اصله و هو اصل عندنا بل عند اللّهِ مجتَثٌّ لما بيّنّا لك و اذا كانت الافراد كلها حادثة فلا دوام له لا بالذات لانه ظلّي متجدّد الذات و لا بالعرض لكونه تابعاً لِحادثٍ غير داۤئم و انما قال و اذا كانت الافراد كلها فاكّدها بكلّها للعموم لانّ الاَقْسَام عنده ثلاثة في اعتبار عقله الاوّل تكون افراد الطبيعي الكلي كلها حادثة و في هذا لٰا دَوَامَ لَهُ مطلقا الثاني تكونُ الافراد كلّها قديمة و في هذا يكون لا دوام له في الذات و لهُ دَوٰامٌ بالعَرض و ذلك لنزوله منزلة اشراق المشرق الداۤئم الثالث تكون الافراد بعضها قديم و بعضها حادث كما هو معتقده لقوله بان الوجود مقول علي الواجب و الممكن
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 259 *»
بالاشتراك المعنوي و هذا الثالث يفهم من قوله كلّها و قوله الّا في علم الله تعالي يعني ان الطبيعي الكلّي في علم اللّه تعالي و ما في علمه الذي هو ذاته لايفني كما قال تعالي ما عندكم ينفد و ما عند اللّهِ باقٍ و هذا صحيح الّا في قوله الّا في علم الله فانه يريد انّ الاشياۤء كلها في علم اللّهِ تعالي و ليس كذلك لانه يريد اَنّ حقاۤئق الاشياۤء في علمه الذي هو ذاته و قد قلنا لك انّ ذاته ليس فيها شيء غيرها بل العلم في الازل و المعلوم في الحدث حقيقته و صورته و كل شيء منه في الحدث و الوجوب مبرّءٌ منزّه عن كل شيء غير خالص ذاته لانه هو خالص ذاته تعالي لا غير و لو اراد ما اراد ائمة الهدي عليهم السلام بقوله الا في علم الله تعالي لمااعترضنا عليه لانا داۤئما نقول كلّ شيء في علم اللّه تعالي و نريد ان علمه الذي هو ذاته و معلومه الذي هو ذاته هو الاَزل و امّا معلومه الذي هو غير ذاته فهو في الحدث و التعلّق الاشراقي به في الحدث فافهم .
قال { و امّا النفوس بما هي نفوس فوجوداتها ايضا متبدّلة حادثةٌ اذ حكمها حكم ساۤئر المنطبعات في المواۤدّ اذ نحو وجودها تعلّقي و الوجود التعلّقي يتبدّل بتبدّلِ ما يتعلق به من الاجسام و النفس ما دامت نفساً متّحدة بالبدن بجنبها الايسر و جنبها السّفلي و هي الطبيعة و لها بالقوة جهة عقليّة و جَنْبَةٌ عالية اذا خرجت بحَسَبِها من القوة الي الفعل تصير عقلاً محضاً هو صورَة نوعها .}
اقول قوله و امّا النفوس اوّله يشعر بان المراد منها النفوس الحيوانية الحسيّة الّتي هي من الافْلاك و آخره يشعر بان المراد منها النفوس النّاطقة القدسيّة و اذا ضُمَّ اوّله الي آخره اشعر بمراده بان النفس واحدة جسمانيّة ماۤدّيّة متّحدة بالاجساد العنصريّة و فيها بالقوّة جهة عقليّة اذا عولجت بالرياضات و العلوم و الاعمال كان ما بالقوة فيها بالفعل فكانت عقلاً و ليس عقل غيرها و المعروف في العقول المستنيرة بنور هداية محمدٍ و اهل بيته صلّي اللّه عليه و اله انّ النفس الحسيّة من الافلاك و هي النفوس الحيوانيّة المتحركة بالارادة و هي و ان وجدت في الانسان الّا انها مغايرة للنفس الناطقة القدسيّة الّتي اصلها العقل و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 260 *»
النفس الحيوانية مَرْكَب الناطقة القدسيّة المجردة عن المواد العنصرية و المدد الزمانية و هي مَركب العقل و مَظْهَرُهُ
و المروي عن اميرالمؤمنين عليه السلام شاهد لما قلنا ففي الكافي عن كميل بن زياد قال سألتُ مولاي اميرالمؤمنين عليه السلام فقلتُ يا اميرالمؤمنين اُر۪يدُ اَنْ تعرِّفني نفسي فقال يا كميل و اَيَّ الانفسِ تريدُ اَن اعرّفك فقلتُ يا مولاي هل هِيَ الّا نفس واحدة قال يا كميل انما هي اربعة النامية النباتيّة و الحسّيّةُ الحيوانية و الناطقة القدسيّة و الكلّيّة الالٰهيّة و لكل واحدٍ من هذه خمس قوي و خاصيّتانِ فالنامية النباتيّة لها خمس قويً ماسكة و جاذبة و هاضمة و دافعة و مربّيَة و لها خاصيّتانِ الزيادة و النقصان و انبعاثها من الكَبِد و الحسّيّة الحيوانية لها خمس قوي سمع و بصر و شم و ذوْق و لمس و لها خاصيتانِ الرضا و الغضب و انبعاثها من القلب و الناطقة القدسيّة لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياۤءِ بالنفوس المَلَكِيّة و لها خاصيّتان النزاهة و الحكمة و الكلّية الالهيّة لها خمس قوي بقاۤء في فناۤء و نعيم في شقاۤء و عزّ في ذلٍّ و فقر في غنيً و صبر في بلاۤء و لها خاصيّتانِ الرّضا و التسليم و هذه الّتي مبدؤها من اللّهِ و اليه تعود قال الله تعالي و نفخت فيه من روحي و قال تعالي يا ايّتها النفس المطمئنّة ارجعي الي ربكِ راضيةً مرضيّة و العقل وسط الكلّ ه ،
و روي عنه ان اعرابيّا سئل اميرالمؤمنين عليه السلام عن النفس فقال عليه السلام عن ايّ الانفس تسئل فقال يا مولاي هل النفس انفس عديدة فقال عليه السلام نعم نفس نامية نباتيّة و نفس حيوانيّة حسِّيّة و نفس ناطقة قدسيّة و نفس الهيّة ملكوتية فقال يا مولاي مَا النباتيّة قال (ع) قوّة اصلها الطباۤئع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرّها الكبد ماۤدّتها من لَطاۤئف الاغذية فعلها النموّ و الزيادة و سبب فراقها اختلاف المتولّدات ( المولِّدات ظ ) فاذا فارقت عادَتْ الي ما منه بُدِئَتْ عودَ ممازجة لا عودَ مجاورةٍ فقال يا مولاي و ما النفس الحيوانيّة قال (ع) قوّة فلكيّة و حرارة غريزيّة اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانيّة فعلُها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيويّة مقرّها القلب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 261 *»
سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدِئت عَوْدَ ممازجةٍ لا عودَ مجاورةٍ فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودُها و يضمحلّ تركيبُها فقال يا مولاي و ما النفس الناطقة القدسيّة قال قوّة لاهوتيّة بدؤ ايجادِها عند الولادة الدنيوية مقرّها العلوم الحقيقية الدينيّة مواۤدّها التأييدات العقليّة فعلها المعارف الرّبّانيّة فراقها عند تحلّلِ الٰالات الجسمانية فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدئتْ عودَ مجاورة لا عَوْدَ ممازجةٍ فقال يا مولاي و ما النفس اللّاهوتيّة الملكيّة قال قوّة لاهوتيّة و جوهرة بسيطة حيّة بالذاتِ اصلها العقل منه بُدِئَتْ و عنه وعَتْ و اليه دلّتْ و اشارتْ و عودتها اليه اذا كملت و شابهَتْهُ و منها بُدِئَتْ الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي مَن عرفها لميشقَ و من جهلها ضلّ سعيهُ و غوي فقال الساۤئل يا مولاي و ما العقل قال العقل جوهر درّاك محيط بالاشياۤء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه فهو علّة الموجودات و نهاية المطالب ه ، اقول و قد ذكرتُ في شرحالمشاعر بعض بيان هذين الحَد۪يثينِ بما يَنْفَعُ هاهُنٰا الّا ان ذكره او مثله يطول و لكن ظاهر كلام المصنف حيث يقول انّ وجودها تعلقيّ و التَّعلُقيّ يتبدَّلُ بتبدّلِ ما يتعلّق به من الاجسام و النفس ما دامَتْ نفساً متّحدة بالْبَدنِ بجنبها الايسر و هذا ظاهره انما يصدق علي الحيوانيّة الحسّيّة اَوْ مَع النّامية النّباتيّة و هاتانِ النفسانِ لَيْس في واحدةٍ منهما وَ لَا فيهما معاً قوّة تحصل برِيَاضةٍ اَوْ باعمالٍ لان تكون عقلاً انسانيّا لا بالفعل و لا بالقوّة علي نحو الاستقلالِ و انّما قلتُ بالْاسْتِقْلَالِ لانّهما مع المتمم يمكن ذلك فيهما فان اللّه سبحانه لوْ اَرادَ ذٰلِكَ كمّلَهُمَا باِمْدَادَاتِه و تأييداتِه بِاَنْ يَقْلِبَها عقلاً اوْ عاقلاً و هُوَ علي كُلِّ شَيْءٍ قدير و امّا النفس الناطِقةُ القدسيّةُ التي توهّم المصنّف انّها هي التي عَناها بوَصْفِه۪ فهي في الانسان الجزئي كاللوح المحفوظ في الانسان الكلّي و هي النفس اللاهوتيّة الملكيّة التي ذكرها اميرالمؤمنين عليه السلام اَخ۪يراً بِانّها ذاتُ الله العليا يعني اللوح المحفوظ فان النفس القدسيّةَ كَلِمَةٌ من ذلك الكتاب و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 262 *»
شعاعٌ من اَشِعَّتِه۪ وَ قَدْ قال عليه السلام في الكليّة الملكيّة التي هي اللوح المحفوظ اصلها العقل منه بُدِئَتْ و عنه وعت و اليه دلّت و اشارت و عودتها اليه اذا كملت و شابَهته فقوله عليه السلام اذا كملت و شابهته يعني انّها اذا بلغت الرتبة السّابعة للنفس و هي الكمال الذي هو غاية مبلغِها شابهَتْهُ اي شابهت العقل و تكون اخته لاتفعل الّا ما يُريد منها و لاتحبّ الّا ما يُحِبُّ و هذا تأويل قوله تعالي فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة فاخوانكم في الدين لان العقول يعلّموهنّ ممّا علّمَهم اللّه من امتثال جميع اوامره و اجتناب جميع ما نهي عنه لٰا انّها تنقلب عقلا فيكون اللوح المحفوظ هو القلم و في الباطن ايضا لو صحّ ما ادّعاهُ كان عليٌّ عليه السلام هو رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله لانّ عليّا عليه السلام وصل مبلغ ما يمكن له بالفعل الّا ان العقل الذي هو القلم غير النفس التي هي اللوح المحفوظ و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله غير عليّ عليه السلام و النفس الناطقة القدسيّة في الجزئي كزيد اذا كملت فكان ما بالقوة فيها بالفعْل كانت اختَ عقله كالكلّيّة في الكلّي لا انّها هي عقله كما زعم المصنّف من ان العقل لا وجودَ له و انّما الموجود النفس اذا كملت كانت عقلا كما يأتي في كلامه فان من قال بهذا فهو صادق في حق نفسه و كيف لايكون العقل غير النفس و سيّد العٰارفين اميرالمؤمنين عليه السلام قال انّ النفس اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دَلَّتْ و اَشارَتْ وَ هٰذِه۪ الكٰاملة و لَمْيَجْعَلْهٰا هي العَقْل و قال اذا كملَتْ و شابهته و قال عليه السَّلٰام في روايةِ كميلٍ الاولي بعد ذكر جميع النّفوس و الْعَقْل وسط الكلّ يعني انّه لُبّ النُّفُوسِ الاربع و رُوحُهَا و هو صريح في انّه غيرُهَا و امّا قول المصنّف متّحدة بالبَدن الخ ، صريح في ان المراد منها الجسم العنصري و هي النباتيّة لا غير و ان اراد بالاتّحاد السريان احتمل تناول الحسّيّة لانها شعلة من نفوس الافلاك و قد ذكرنا ذلك و هو ان البدن سارٍ فيه الدَّمُ و الدّم متعلّق بالعلَق التي في تجاويف القلب اعني الجسم الصنوبري في الجانب الايسر منه اكثر كما يشير اليه المصنف بقوله بجنبها الايسر وَ العلق متقوّم بدمٍ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 263 *»
اصفر حاملٍ للحرارة الغريزيّة بابخرته لان الابخرة مركّبة من جزءٍ من الحرارة الناريّة و جزء من الرطوبة الهواۤئيّة و جزءين من البُرودةِ الماۤئيّة و جزء من اليبوسة التّرابيّة فامتزجت الاجزاۤء الخمسة من العناصر الاربعة بالطباۤئع الاَرْبَع و بكرّ الافلاك و القاۤء اشعّة الكواكب حتي نضجت الاجزاۤء نَضْجاً مُعْتدِلاً و تلَطّفَتْ بالطبخ حتّي سَاوَتِ الْاجزاۤء في اللطافة و الاعتدال فلك القمر فاشْرَقَتْ نفسُه عَلي تلك الاجزاۤء فتحركت بالحركة الاراديّة و لذا قال عليه السلام قوّة فلكيّة و حرارة غريزيّة اصلها الافلاك و هذه هي النفس الحيوانيّة الحسّيّة و لاتكون عقلاً لانها اذا فارقتْ تلك الاَبْخرة رجعت الي نفس الفَلَك فامتزجت به كامتزاج قطرة الماۤءِ بالبَحْر و هو قوله عليه السلام فاذا فارقَتْ عادَتْ الي ما منه بُدئت عَوْدَ ممازجة لا عَوْدَ مجاورةٍ فتنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودُها و يضمحلّ تركيبُها فَاِنْ كٰانَ يَعْتَقِدُ اَنَّ اميرالمؤمنين عليه السلام كان عارِفاً بالنّفس كان كلامه كله خطأ و قوله تصير عقلا محضاً هو صورةُ نوْعِها فيه ما قلنا فاِنَّ العقل لايكون صورةَ نوع الاَجْسام المتّحدة بالْعُنْصُرِيّات بل صورة نوع النّاطقة القدسيّة التي هي من المفارقات بذاتِها .
قال { و امّا المفارقاتُ المحضة و الصور المجرّدة ففيها كلام آخر يعرفه الموحّدون المكاشفون من اَنْ لا وجود لها بحسب انفُسِها و ذواتها مطموسة منغمسةٌ في بحر الاحَديّة و هي صور ما في علم اللّهِ و حُجُب الاِلهيّة و سرادقات عَظمَتِه۪ و لو لمتكن هذه الحجب النوريّة لاَحْرقت سُبُحَاتُ وجهه كلّ ما في السموات و الارضين كما وَرَدَ في الحَديث فله سبحانه شؤُنٌ الهيّةٌ وَ مراتبُ نُورِيّة ليْسَت هي من افراد العالَم و لا من جملةِ ما سوي اللّهِ لانها صور ما في القضاۤء و العالَم الربوبي .}
اقول و امّا المفارقاتُ المحضة يعني الخالصة احترازاً عمّا فيها اقترانٌ و لكنه يخرج النفوس و ان كانت مفارقةً بالذّات لانها مقارنة بالافعال و الافعال عنده تتّحد بالذات فتخرج النفوس عن المفارقات المحضة و القياس علي
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 264 *»
قاعدته انها تدخل في المفارقات المحضة لان الافعال اذا اتّحدت بالذات كانت بحكم الذات فتكون افعالُها مفارقةً بالذات كالذات و ان اقترنَتْ بالعرض فالحكم للذاتي لا للعرضي فاخراجها لايصحّ علي قاعدته و لا علي قاعدتنا و يريد بالصور المجردة الصور العلميّة و هي في علمه الذي هو ذاته و لايصح هذا الكلام سواۤء جعل الصور في علمه الذاتي لانها في ذاته ام خارجةً عن الذات لازمة له معلّقة بها تعلق الظل بالشاخص يعني ان هاتَيْن المفارقات المحضة و الصور المجردة فيها كلام اي لها توضيح لغامِضِ سرّها يعرفه من عرّفه الله سبحانه ذلك و لا شَكَّ ان ذلك من الاسرار الّا انه لايعرفه الّا المكاشفون و يعني بهم الصوفيّة فليس بصحيحٍ و انّما يعرفه مَن عرّفه اللّه و هم المعصومون عليهم السلام و مَن اقتصر علي الاَخْذ منهم ثمَّ انّه بيّن تلك الْاسْرار علَي ما عنده و عند اصحابه الصوفيّة فقال من ان لا وجودَ لها بحسب انفسها و ذواتُهَا مطموسةٌ منغمسةٌ في بحر الاحديّة و يريد ان الوجود المنسوب اليها ليس وجوداً لها و انّما هو وجود الحق سبحانه و تعالي فهي اللّه بلا هِيَ كما يقول هو و اتباعه و اصحابه انا الله بلَا انا لِانّه مبني عَلي القول بوحدة الوجود و انما قال وَ ذوٰاتها مطموسة لِاَنّ مُشَخِّصٰاتِها موهومةٌ مثل خط المهر في القرطاس فانّه ابيض لانه جزء من القرطاسِ و انما تميّز انّه خطّ بتحديد المداد من المهر فالخَطّ الابيض ذاته مطموسة في القرطاس و لا شكّ انّ هذا هو وحدة الوجود لانَّ القرطاس و الخطّ الابيض من المهر شيء واحد و المدَاد المحدّد للخطّ و لهذا قال منغمسة في بحر الاحَديّة قال في كتاب السير المرتبة الاحديّة هي المرتبة المستهلك فيها جميع الاسماۤء و الصفات و تسمّي جمع الجمع انتهي ، و قال عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل و الاحديّة عبارة عن مجليً ذاتيّ ليس للاسماۤء و لا للصفات و لا لشيء من مؤثّراتها فيه ظهور فهي اسم لصرافة الذات المجرّدة عن الاعتبارات الحقيّة و الخلقيّة انتهي ، و هذا تفسير الصوفيّة للاحديّة و المصنف الظاهر من كلامه هنا و غيره انّه يريد ما ارادوا من ان اوّل تَجَلٍّ للذاتِ البحتِ ما تجلّت بذاتِها فيه من غير فعلٍ و لا ارادةٍ و اعلي مظاهرها هو
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 265 *»
الالوهية و هي عندهم جميع حقاۤئق الوجود و حفظها في مراتبها قال في الانسان الكامل و اعني بحقاۤئق الوجود احكامَ المظاهر مع الظاهرِ فيها اعني الحق و الخلق انتهي ، و الاحديّة عندهم اعلي الاسماۤء التي تحت هيمنة الالوهية
فيريد المصنّف بانغماس تلك المجرّدات انّ ذلك المظهر الذاتي اي بالذات من غير فعل و لا ارادةٍ غير العلم الذاتي كما مثّلنا بالقرطاس و هو الاحديّة ان تلك المفارقات المحضة منغمسة فيه كانغماسِ الخط الابيض من المهر في القرطاسِ و الاحدية و ما فيها بعد رتبة الاُلوهيّة و هي بعد رتبة الذات و وجود الكل نفس وجود الذات اذ الكلّ ازليّ و الكل واجب بوجوب الذات و انَّ هذه المفارقات المحضة لمتدخل تحت كُن و هي صور ما في علم اللّٰهِ فتلزمه في كلماته مفاسدُ منها ما يلتزمها و يري انها مصالح لا مفاسد و انّها مذهب ائمّتنا عليهم السلام و منها تلزمه من غير شعور فمن الاوّل القول بوحدة الوجود و منها انها اشياۤء غير اللّه تعالي معه و انّها غير مجعولة بل هي لوازم الذات و شؤنه و منها انها متغايرة متمايزة غير مغايرةٍ لذاته و انها خارجة عن ذاته لان رتبتها بعد رتبة ذاته و انها صور علمه الذي هو ذاته و انها معلّقة بالذات تعلّق الظلّ بالشاخص و انّ وجوداتها من سنخ وجوده و امثال هذه المفاسد و كلها يلتزمها و ما يلزمه فيها و في امثالها ما ذكرنا فيما تقدم كثيراً من ذلك انّ القول بوحدة الوجود نقل علماۤء الشريعة الاجماع الكاشف عن دخول قول صاحب الشريعة عليه السلام علي كفر القاۤئل به مع ما دلّت الاخبار الصحيحة علي ذلك و مع بطلان الوعد و الوعيد و الثواب و العقاب بل اصل الجنة و النار و بطلان النظام و من ذلك تعدّد القدماۤء و انَّ الاشياۤء قديمة و هي لوازم الذات و اثبات اللوازم للذات موجب لحدوث الذات لما بينهما من الاقتران المستلزم للاجتماع او الافتراق و انّ شؤن الذات ليست مع الذات في رتبتها فاثبات القدم لها تناقض اذِ القديم هو الذي لايسبق بغيره و لايفقد في رتبةٍ قبله و كذا اذا كانت متمايزة غير مغايرةٍ للذات البسيطة الاحديّة المعني و كذلك كونها خارجة عن ذاته و كذا في كونها صور علمه الذي هو ذاته و انها معلقة بالذات و كذا ما بين هذه و بين كونها عين ذاته و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 266 *»
من سنخ وجوده اذ هذا كلّه هو المعروف من خطاب صاحب الشريعة عليه السلام الذي امره الله ان تبلّغ المكلّفين ما ارسله به فان كان قول هؤلاۤء حقّاً فمابلغ رسول اللهِ صلّي اللّه عليه و اله رِسَالَةَ ربِّه۪ لانه خاطبهم بغير ما اراد الله من امره و نهيه و ما اشرنا اليه من مراد المصنّف هو مثل قوله فله شؤن الهيّة و مراتب نوريّة ليست هي من افراد العالم و لا من جملة ما سوي اللّه فاذا ثبت شؤن و مراتب ليست من افراد العالم و لا من ما سوي اللّه و هي كثيرة متعدّدة متغايرة و ليست هي سواه كان هو تعالي متعدّدا متغايراً و قوله لانها صور ما في القضاۤء الالهي و العالم الرّبوبي يريد انّ المفارقات المحضة هي صور العلم و الحكم الالهي و يريد بالعلم القديم و الحكم بالرضا او العناية علي ما يريدون منهما و يرجع محصّل كلامه علي معني ما ذكرنا مما لا فاۤئدة في اعادته .
قال { و تلك الصور هم المُهَيَّمون الَّذين لمينظروا الي ذواتهم قطّ لفناۤئهم عن ذواتهم و اندكاك جَبَلِ انّيّاتهم مع كونهم اشعّة و اضواۤءً عقليّة للنور الاوّل باقيةً ببقاۤئِه لا بابقاۤئه و ليست هذه الرسالة ما يسع فيه بيان هذا المطلب الغامض الشريف و المقصود هيهنا الاشارة الي حدوث الاجسام و صورها و قواها و امّا العقل فلميثبت وجوده عندنا و المتكلمون انكروه فلا حاجة بنا الي ان نتكلّم في حدوثه .}
اقول يشير الي انّ تلك الصّور العلميّة ملاۤئكة هَيَّمتْهم انوار جمال الله و حبُّه حتّي انهم لمينظروا الي ذواتهم بل قصروا انظارهم علي النظر الي جماله فهيّمهم حبّه عن ذواتهم و فنوا عنها و هذا الي هنا كلّه صحيح و ظاهر كلامه الاول يخالف هذا حيث قال من ان لا وجود لها بحسب نفسها و ذواتها مطموسة منغمسة في بحر الاحديّة لانه يدل علي فناۤء وجودها بحسب نفسها بل هي ممتزجة بالانوار الاحدية و ليس كذلك و انّما فنِيَتْ في تلك الانوار فناۤء وجدانٍ لا فناۤء وجودٍ و ان اراد بقوله بحسب نفسها بمعني عند انفسها فحسن الّا ان العبارة انما تدلّ بمعونة باقي الكلام و انّما وجّهنا عبارته هذه فيما سبق علي غير
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 267 *»
ما تحتمله من الصحة لانه هو المعلوم من مذهبه فحملناها علي مذهبه لا علي ما تحتمله و قوله و اندكاك جبَل انّيّاتهم مع كونهم اشعة و اضْواۤءً عقليّةً ان اراد بالاندكاك الفناۤء اصلاً فهو غلط و كلّ من قال بالفناۤء من الصوفيّة فقد غلط لان الفناۤء الذي يتحقق به كمال وصول العبد هو ان يبقي من انّيّته ما يصلح به شعورٌ ما يكون به غير ناظرٍ الي نفسه و يكون به ناظراً الي ربّه و امّا الذي يريدونه فهو في الحقيقة عن نفسه فهو اغماۤء لايحسّ بشيءٍ لا بنفسه و لا بغيره و لا بربّه و لهذا حكم اكثر الفقهاۤء ببطلانِ وضوئه و لو كان ذلك وصولا لماانتقض وضوءه و روي ابنحمزة من علماۤئنا نقض الوضوء بالاغماۤء عنهم عليهم السلام و ذكر للصادق عليه السلام عن اهل هذه الطريقة و ان الرجل منهم ليصعق حتي يقع فقال عليه السلام ما بهذا اُمِروا و امّا الفناۤء المحمود فهو ان يشعر بربّه الّا انه كالذي في النار و كما قال الصادق عليه السلام في وصف الصادقين قال (ع) و مثل الموصوف بما ذكرنا ان يكون كمثل النازع روحه ان لمينزع فماذا يصنع ه ، و ما ذكره بعض منهم عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل انّ الوصول ليس هو الفناۤء في الله و انما هو البقاۤء باللّه و هو ردّ منه علي القاۤئلين بالفناۤء و لكنه لميرد ما نريد من انّ الواصل هو مَنْ وَجدَ الله لا غير و انّما يريد انّ الواجد و الموجود و الوجدان شيء واحد و لهذا يقولون هو و اصحابه انا اللّهُ بلا انا و كذبوا و انّما هم حمير من ساۤئر خلق اللّه الذين اصواتهم و كلامهم انكر الاصوات بل الواصل مَن لميجد بالوجدان الذاتي الّا اللّه و له جهة بها يجد عرضيّةٌ كالناظر في المرءاة ليري وجهه فانه يري الزجاجة بالعرض و اذا نظر الي صفاۤء زجاجة المرءاة فانه ينظر وجهه بالعرض و لميصل احد من حمير الصوفيّة و اتباعهم الرّعاع اتباع كل ناعقٍ مثل ما وصل رسول الله صلي الله عليه و اله ليلة المعراج من مقامِ اَوْ اَدْنَي و لافني احد كفناۤئه و بقي من انّيّته جهة عرضيّة بها سمع الخطاب و ردّ الجواب و قد اشار الصَّادق عليه السلام الي ما قلنا كما رواه في الكافي قال عليه السلام الي ان قال و كان كما قال الله تعالي قاب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 268 *»
قوسين اوْ ادني قيل ما قاب قوسين اوْ ادني قال ما بين س۪يتها الي رأسها قال فكان بينهما حجاب يتلألَأُ بخَفْقٍ و لااعلمه الّا و قد قال زبرجد الحديث ، و المراد بالحجاب و اللّه اعلم اِنِّيّتُه و قوله يتلألأ بخفقٍ اي باضطرابٍ يكاد يفني من سطواتِ الانوار و لميقل ليس بينهما اَوْ فني اصلاً بل قال باضطراب
وامّا التشبيه باندِكاك الجبل لموسي عليه السلام فهو تشبيه مطابِقٌ من جهة المعني فانّ جبل موسي عليه السلام لمّا تجلّي له النّور تَقطَّع فكَان ثلثه ذرّاً و هو الموجود في الهواۤء بين الارض و السّماۤء و ثلث منه سَاخَ في البحر و ثلث ساخ في الارض فهو يهوي الي السَّاعة كذلك الانيّة انْدَكَّ جَبَلُها فذهب ثلثه في هَواۤء الرّوحِ و ثلثه في بحر النفس و ثلثه في اَرْضِ الجَسَدِ و في الجهات الثلاث بقي منه ذرّ و هو بقيّة الشعور الذي اشرنا اليه و كونهم اشعّة اشارة الي استمدادهم و افْتقارهم و كونهم اضواۤء لانهم يمدّون مَن دونهم من فاضل انوارهم و كونهم اضواۤءً عقلية ظاهر و قوله للنور الاوّل يريد انهم انوار للحق تعالي اي لذاته كما هو المعروف من مذهبه و هو باطل لاستلزامه التشبيه بمثل الشمس و القمر و السراج و ما اشبهها تعالي الله عن ذلك و قد ورد النهي عنه عنهم عليهم السلام و انما المراد انهم انوار لفعله اي آثٰارٌ منيرَةٌ و قوله باقية ببقاۤئه لا بابقاۤئه هذا ايضا باطل لاستلزامها الاستغناۤء بانفسها و ان كانت بتبعيته اذا كانت غير مجعولة بل هي من اللوازم الذاتية و انّما هي جواهر منيرة احدثها اللّه بفعله و لمتك قبل احداثه مذكورة بذكرٍ ما و انما تبقي بابقاۤئه و امداده لا كما يقول العادلون باللّهِ لاستلزامه اسْتغناۤء غير الله عن اللّه تعالي و دعوي انهم ليْسُوا غير اللّه باطلة لما بَيّنّا سابقاً و قوله و ليست هذه الرّسالة ما يسعُ فيه بيان هٰذا المطلب الخ ، يشير به الي انّ بيان هذه الامور قد اَشْبعنا فيه البحث في كتابنا الكبير و الّذي ذكر في الكتاب الكبير لايزيد علي ما ذكر هنا في بيان كنه المفارقات المحضة و انّما اطال في ذكر صفات افعالها مثل انهم لايغفلون عن ذكر اللّه مستغرقون في انوار
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 269 *»
جماله مُسْتهترون بذكر آلاۤئه و افضاله و امثال هذه و ليس في هذه بيان زيادة مطلب علي ما هنا فراجع تجد و قوله و امّا العقل فلميثبت وجوده صحيح في حقه و حقّهم فانهم لو ثبتت لهم عقول لماقالوا ما قالوا و لماانكروا مَا اثبته اللّٰهُ و صاحب الشريعة عليهم السلام حيث الله يقول افلايعقلون و يقول انّ في ذلك لذكري لمن كان له قلب اي عقل او القي السمع و هو شهيد و ايات الكتاب و احاديث الائمة الاطياب عليهم السلام مثل ما في اوّل الكافي و البحارِ و غيرهما لاتكاد تحصي كلّها صريحة في اثبات العقول لجميع المكلّفين و ايضا كيفَ يثبت عقل الكل للانسان و انه غير نفسه نفس الكل و هما القلم و اللوح و يعترف بان الانسان الصّغير انموذج من الكبير و كل ما في الكبير يوجد مثاله و صورته الجزئيّة في الصغير و يستشهد علي مطالب كثيرة بقولِ علي عليه السلام علي قول كثير من العلماۤء ،
اتحسبُ انّك جرمٌ صغير ** * ** و فيك انطوي العالم الاكبرُ
و انت الكتاب المبينُ الذي ** * ** باحرفه يظهر المضمرُ
و لايثبت لغيره عقلاً فينبغي ان يثبت لغيره و ان لميثبت لنفسه امّا لغيره فالدليل الذي يعترف بصحّته و امّا هو فلاعترافه علي نفسه و ايضا اذا كان ينفي الطّفرة في الوجود و يقول انّ النفوس من النفس الكلّي و الارواح من الروح الكلي و النفس الكلي من الروح الكلي و الروح الكُلِّي مِنَ الْعَقْلِ الكلّي فَاِنْ كَانت النفوس الجزئيّة من العقول الجزئيّة ثبتت لنا عقول و ان كانت من النفس الكليّة لمتكن عقولاً كما لمتكن النفس الكلية عقلا بالطريق الاولي و ان كانت من العقل الكلّي ثبتت الطّفرة في الوجود و لميثبتها هو و قد دلّت الروايات علي ان الله سبحانه خلق الفالفِ عالم و الفَالفِ ادم نحن في اخر العوالم و اخر
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 270 *»
الٰادَميّين و كل ادم فَذُرِّيتُه من نوعه فالاول هو المشيّة الكليّة و اولاده المشيّات الجزئيّة كلّ مشيّة تتعلق بفردٍ من الخلق لاتصلح لغيره و الثاني النور المحمدي صلي الله عليه و الِه و ذريّتّه انوار الانبياۤء مائة و اربعة و عشرونالف نبي و الثالث ارض القابليات المسماة بالارض الجرز و بالبلدِ الميت و بالزيت الذي يكاد يضيۤء و لو لميمسسه نار و ذرّيّاته قابليات من هو دون محمد و اله صلي اللّه عليه و اله كالانبياۤء عليهم السلام و تطلق الدَّواةُ مرة علي الثاني و مرة علي الثالث و الرابع عقل الكلّ و هو النور الابيض و القلم و ذرّياته العقول الجزئيّة لا النفوس و الخامس الروح الكلية و هو النور الاصفر و ذرّيّته الارواح الجزئيّة و السادس النفس الكلية و هي نفس الكل و اللوح المحفوظ و هو النور الاخضر و ذرّيته النفوس و السابع طبيعة الكل و هو النور الاحمر و ذرّيّته الطباۤئع الجزئيّة و هكذا الي اخر العوالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوُتٍ و هذا من دليل الحكمة و هو الحجة القاطعة لاولي الافئدة فافهم .
قال { قاعدة الفاعل المباشر للتّحريك في جميع اقسام الحركة ليس الّا الطّبيعة و هي مبدأُ كل حركة بالذّاتِ سواۤء كانت باستخدام النفس ايّاها كما في الحركة الاراديّة او بقَسْرِ قاسرٍ كما في القسريّة كحركة الحجر الَي فوق اوْ بغيرهما كما في المسمّاة في الطّبيعة فالحركة بمنزلة شخصٍ روحُه الطبيعة .}
اقُول الفاعل المباشر للتحريك اِنْ اُر۪يدَ بالمباشرة الملامسة اي ملاصقة الفاعل بالمفعول فلو قلنا بانّ الطّبيعة غير الحركة فقوله متّجِهٌ و انْ قلنا انّ الطَّبيعة هنا هي الحركة فان معني ذلك انّ طبيعة المفعول هي الانفعال الذي هو قابليّته هو الحركة اي حركته لقبول تأثير الفاعل و انْ اريد بالمباشر المؤثّر للفعل لا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 271 *»
المؤثر للانفعال فالفاعل هو المؤثر القريب و هو الملك الخلّاق باذن اللّهِ تعالي كما هو ثابت في المذهب و دلّت عليه الاخبار كما رُوِي عن الصادق عليه السلام ما معناه ان النطفة اذا وقعت في الرحم ارسل الله مَلكين خَلّاقَيْن يقتحمانِ بطن الامرأة من فمِها فيقولان يا ربّنا نخلقه ذكراً ام انثي فيأمرهم ثم يقولان شقيا ام سعيداً فيأمرهم بما يريد و الي نحو هذا اشار بقوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون ، و لايصح اَن يكون الفاعل المباشر هو الطبيعة و لو علي فرض كونها غير الحركة الّا علي رأي الدهريّة او علي رأي هذه الجماعة من انّ الفاعل هو المفعول كما صرّح به في اتّحاد المعقول بالعاقل و المفعول بالفاعل قال الملّا محسن في الكلمات المكنونة كما تقدّم من قوله ذات اسم الباطن هو بعينه ذات الاسم الظاهر و القابل بعينه هو الفاعل فالعين الغير المجعولة عينه تعالي فالفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصحّ انّه مااوجد شيئاً الّا نفسه و ليس الّا ظهوره انتهي ، و اَمّا علي مذهب اهل البيت عليهم السلام فالفاعل ليس هو المفعول و الطبيعة التي نسبوا اليها الفاعليّة ليست في الفاعل و انّما هي في المفعول و المفعول لايخلق نفسه الّا علي رأي هذا الخلق المنكوس الّا ان اراد بالفاعل المباشر للتحريك فاعل القبول للايجاد فتصح نسبة الفاعلية الي القابليّة كما قال تعالي فيكون بعد قوله كن و قوله سواۤء كانت باستخدام النفس ايّاها كما في الحركة الاراديّة او بقسر قاسرٍ كما في القسريّة قد قدّمنا عليه انّ الطبيعة غير النفس فيكون ذرّات النفس في انفسها غير متحرّكة لان المتحرّك هو طبيعتها لا هي و هي غير طبيعتها فينتقض عليه حدوث النفس لانّ ذرّاتها قاۤرّة ساكنة لذاتها فيكون الكون غير متعلّق بها و انّما تعلق بمقاديرها و نظمها و هي حركات في اوضاعها لا في ذرّاتها فهو قول بقدم الاجزاۤء التي لاتتجزّأ و ثبوتها وَ قَدْ قدّمنا انّ القسر لايتحقق في الكون علي جهة الواقع و الحقيقة اصلاً كما حقّقناه في الفواۤئد و في شرحها و اِنّما وُجُوده في العالم كلّه صُوريّ اذ كان الفاعل مختاراً و الفعل اَحْدَثهُ اللّٰهُ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 272 *»
بنفسه اَيْ نفس الفعل بالاختيار و المفعولاتُ كلها آثار الفعل و تأكيداته كلّها يجب اَنْ تَكُونَ مختارةً بموجب دليل الحكمة و القسر ليس له مبدءٌ و الموجود ممّا يصدق عليه الاسم ظاهراً ما يرجع الي العسر و الحرج و الضّيق التي جرت احكام الملّة الحنيفية السَّهْلة علي نفيها لان اللّه سبحانه يريد بعباده اليسر و لايريد بهم العسر فقال ماجعل عليكم في الدين من حرج ، و استخدام النفس لصفتها في التّحرُّكِ موجب لتبدّل الحركة بل و المتحرّك اعني الطبيعة و هي صفة المستخدم و تجدّد الصفة لايستلزم تجدّد الموصوف ما لمتكن متّحدةً به و تحريك القاسر لو ثبت لايستلزم تجدّد المقسور و التشبيه بحركة الحجر الي فوق لدافعٍ قويٍّ لقسرِ القاسر مبني علي الامر المتعارف عند عواۤمّ النّاسِ و الّا فالحجر في صعوده مختار الّا اَنّ اختياره ناقص فتمّم نقصَه الدّافعُ لان الصعود ممكن في حقِّه۪ الّا انّ النّزول ارجح لان الله سبحانه وكّل به ملكاً ينزل به الي حيث امره الله عز و جل لحكمة حمل الانسان و جعل شهوة الحجر تابعة لميل الملك و اذا دفعه دافع الي فوق اعان قوّةَ العضو الملكُ الموكّل بعضو الدّافع و جعل شهوة ميل الملك المنزِلِ للحجر تابعة لميل الملك الموكّل بالعضو الدافع الي ان ينتهي ميله الي الصعود و هو مقدارُ ما امره اللّه عز و جل به فاذا انتهي ميله و ارتفع نزل الملك المؤكل بانزال الحجر الي اسفل فامكان الصعود من الحجر من نوع امكان النزول منه و انما ترجّح النزول لحكمة حمل الانسان و هذا الكلام الذي ذكرته في بيان هذا السّرّ الاعظم و الطّلسم المُبهم نبّهوا عليه ائمة الهدي عليهم السلام و عرفه اولوا الافئدة و ما اكثر من ينكره لقصور عقله عن نيله و قوله كما في المسمّاة في الطبيعة يعني غير الحركة الاراديّة و القسريّة الطّبيعيّة و قد سمعتَ الكلام في ان كلّ حركةٍ اراديّةٌ بمعني ان شاۤء فعل المتحرّك و ان شاۤء تَركَ الّا ان الارادة مختلفة بالنسبة الي افراد العالم في الشدّة و الضعف كلّ شيء ارادته و اختياره بنسبة مرتبته من الوجود و لاجل هذا انكر اكثر الافهام الاختيار و الارادة فيما سوي الحيوان لانّهم يطلبون من اختيار
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 273 *»
الجمادات و اراداتها مثل اختيار الانسان المكلف و ارادته و لمينظروا في كل شيء بحسبه فلذا فاتَهُمْ اكثر الاسرار و الحقاۤئق و قوله فالحركة بمنزلة شخصٍ رُوحُهُ الطبيعةُ هذا علي فرض مغايرة الطبيعة للحركة الذاتية صحيح.
قال { و الذي استشكله بهمنيٰار موافقاً لاستاده في النفسانية من انّه كيف استحالت الطبيعة محرّكة للاعضاۤء خلاف مقتضاها و لا رعشة عند تجاذب مقتضي النفس و مقتضي الطبيعة انّما ينحلّ اشكاله بانّ الطبيعة المسخّرة للنفس طوعاً التي هي قوّة من قواها تستخدمها و تفعل بتوسّطها افاعيل البدن غير الطبيعة الموجودة في عناصر البدن و اعضاۤئه بالعدد بل مرتبة من مقامات النفس و التي تبقي في البدن بعد انقطاع علاقة النفس غير ما ذكرنا و انما يقع الاعياۤء و الرعشة و المرض و الفساد و غير ذلك بسبب تعصّي الثانية عن النفس دون الاولي فللنفسِ طبيعتان مقهورتانِ احديها منبعثة عن ذاتها و الثّانية لعنصر البدن يستخدم احديهما لها طوعا و الثانية كرهاً .}
اقول انما ذكر اشكال بهمنيار لانه لمّا نسب الحركة الي الطبيعة ذكر الاشكال و هو انه كيف تكون الطبيعة تحرّك الاعضاۤء و مقتضي الاعضاۤء و ساۤئر الاجسام السكون فتحرّكها و مقتضاها السكون و لاتقع رعشة و هي المركّبة من حركة غير مستقرة تاۤمّة و من سكون غير مستقر تاۤمّ لان الذي ينبغي ان يحدث من مقتضي الطبيعة و هو الحركة و مقتضي النفس في محبّتها لسكون الاعضاۤء طلباً للرّاحة لان النفس مع تحرّك الاعضاۤء كحال الماشي و العامل تحتاج الي التبديل من الامزجة عند التحليل و يحصل لها تعبٌ بخلاف حالها في النوم و السكون رعشة اي تحدث رَعْشةٌ عند تجاذب مقتضي الطبيعة و مقتضي النفس و تصادمهما فقال المصنّف في حَلِّ الاشكال اَنّ الطبيعة المسخّرة للنفس طوعاً بمعني الباعثة لها علي تحريك الاعضاۤء لا علي نحو القَسر لانّها طبيعتها و طبيعة الشيء قوّة من قواهُ فهي قوّة من قوي النفس و قوّة الشيء لاتقسره لانّها عبارة عن ميله او عن باعثه الي الميل و هو محبّته للميل فهو باختياره فهي تستخدم
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 274 *»
النفس و تفعل الطبيعة بتوسّط النفس او بالعكس علي اختلاف المقامات و المراتب تفعل افاعيل البدن هي غير الطبيعة الموجودة في عناصر البدن و طباۤئعه سارية في اعضاۤئه فان تلك غير هذه بالعدد و ان كانت الثانية مَركباً للاولي و الاولي رُوحُها فان الاولي مرتبة من مقامات النفس و اوّل تنزلاتِها و امّا التي في الجسم اي البدن و هي التي تبقي في البدن بعد انقطاع علاقة النفس عنه لانّها طبيعة نباتيّة نامية و اختيارها ضعيفٌ لايحسّ في مقام اختيار الحيوان و الاولي حيوانيّة حسيّة فلكيّة شأنها الحركة و النفس شأنها الحركة فلاتكون بينها في التحريك و بين النفس تجاذُبٌ و تدافع فلاتقع بمقتضاهُمَا رعشةٌ لعدم التنافي و انّما يقع التنافي بين النفس في مقتضاها و بين الثانية و مقتضاها فيقع الاعياۤء في الاعضاۤء عند مصادمة الدافع للماسك و بالعكس و الرعشة لاجتماع الحركة و السكون و تداخل اجزاۤئهما و المرض لمصادمة الدّافعة للجاذبة و الماسكة للهاضمة و بالعكس بسبب تعصّي الثانية عن طاعة النفس لانّ النفس اذا استخدمت الجاذبة لتحصيل الغذاۤء و عارضتها الماسكة او الماسكة لحفظ المزاج و ثباته و عارضتها الجاذبة او الدافعة او الهاضمة لاصلاح الكيموس او الكيلوس و عارضتها الجاذبة او الماسكة حدث المرض و الفساد فللنفس طبيعتان مقهورتان تحت سلطنتها احديٰهما طبيعة ذاتيّة شأنها كشأن النفس منبعثة عنها لانهما معاً فلكيتانِ متحركتان بالذات و ثانيتهما لعنصر البدن نباتية نامية منبَعثة من الهاضمة تنسب الي النفس لكونها من القوي الحاملة لها فهي بيت من بيوت النفس فالنفس تستخدم الاولي طوعا من الاولي و اختياراً لما اختارت النفس لانّها صفتها الموافقة لها في المقتضي و تستخدم الثانية كرهاً علي الظاهر لكون شأنها السكون و هو غير شأن النفس و امّا علي الباطن فتستخدمها طوعاً الّا انّها لكثافة ذاتها و ضعف نورانيّتها تكون بطيئةً فتثقل علي النفس لسرعة حركة النفس فلذا قيل مكرهةً و هي مطيعة لكنها ليست من السابقين .
قال { تفريع فعلي هذا تظهر صحة كلام الفيلسوف الاوّل ان حركة الفلك طبيعية و ان نفسَهُ منطبعة وَ الّذي ظهر لنا بالبرهان الكاشف النيّر اَنّ ذات الفلك
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 275 *»
و طبيعته و نفسَهُ الحيوانيّةَ شيء واحدٌ بالوجود و التشخصِ متفاوتٌ في النشئاتِ الثلاثِ و ليست للفلكِ نفسٌ مجرّدةٌ بل له نفس حيوانية خياليّة حاكية لصورةٍ عقلية متشبهةٌ بها متّصِلة بها كاتّصال الشعاع بالنور كما ان طبيعة الفلك مُتّصلة بنفسه الخياليّة كاتّصال الظّل بالشاخص لكن طبيعة الفلك و نفسه الحيوانية بقوّتها العلميّة داثرتانِ هالكتانِ لتجدّدهما و سيلانهما و له كلمة باقية عند الله ثابِتةٌ في علمه لقوله ما عندكم ينفد و ما عند اللّٰهِ بَاقٍ .}
اقول مراد الفيلسوف يوهم ظاهره موافقة كلام المصنّف من انّ الطبيعة هي المحرّكة لذي الطّبيعة و هي الّتي تَنْشأ منها حركة ذي الطبيعة لا انّ الحركة هي نفس طبيعته كما رجّحناه بدليل الحكمة و ذلك ان قول الفيلسوف ان حركة الفلك طبيعية منسوبة الي طبيعة الفلك فهي ناشيَةٌ عنها و قوله ان نفسَه اي الفلك منطبعة فيكون لنفسِه طبيعةٌ و لطبيعته حركة و هذا موافق لرأي المصنّف و الذي اراه انّ كلام الفيلسوف كما يحتمل كلام المصنف يحتمل انه اراد بطبيعية معني ذاتيّة كما نقول و ذلك ان الفلك حركته هي حركةُ نفسِه و نفسُه حيوانيّة حسّيّة و الحيوان طبيعته هي الحركة و لهذا كان بفتح الياۤء اشعاراً بانّ وضعه لذي الحركة كما قيل في الطيَران و الغلَيان و النزَوان فالحركة ليست صفة للطبيعة و انما هي صفة لذي الحركة و المتحرك الّذي طبعه الحركة كالنفوس و الارواح يقال له تحرّك بطبيعته يعني من شأنه التّحرك و الّذي طبعه الحركة لايراد منه اَنّ فيه طبيعةً غيرَهُ و غيرَ حَركته بل الحركة هي طبعه و نفسه منطبِعَةٌ اي نفسه طبيعيّة يعني ليست ناطقة قدسيّة و انّما خلق الفلك بطبعه متحرِّكاً و لذا قال المصنّف و ليست للفلك نفسٌ مجرّدة يعني النّاطقة و قول المصنف و الذي يظهر لنا بالبرهان الكاشف النَّيِّر الخ ، مثل ساۤئر اقواله فيما يدّعيه فنقول اِنْ اَرَادَ ان الفلك نفسه هو طبيعته و هو نفسه فالحركة من الجرم انبعثت من غير تعدّدٍ لا في الخارج و لا في نفس الامر و ان كانت متعددة في الذهن لتعدّد المفهوم كما هو ظاهر كلامه ان ذات الفلك و طبيعته و نفسه الحيوانية شيء واحد بالوجود و التشخُصِ فيكون قوله متفاوت في النشئاتِ
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 276 *»
الثلاث انّ الفلك في نشأة النفوس تشخّص بنسبتها في اللطافة و في هذه النّشأة تشخّصَ بتشخص الاجرام و في النّشأة الطبيعية يتشخّص بالتشخّص الطبيعي اللطيف الذي هو بمنزلة اجسام الاخرة و الّا فليس الّا شيء واحدٌ يتطوّر في كُلِّ نشأةٍ بطوْرِها و هو باطل لما ذكرنا سابقاً من اَنَّ صُنْعَ الحكيم تعالي في كُلِّ شيء علي نمطٍ متشابهٍ و هو سرّ قوله تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفسٍ واحدةٍ و قوله تعالي ماتري في خلق الرحمن من تفاوت ، و قول الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب انّ الاستدلال علي ما هناك لايُعْلَمُ الّا بما هيهنا ه ، و نحن نجدُ انفسنا غير اجسادِنا و غير طباۤئعنا و نَجدُ لُبَّ اللوز دهنه غير ثفله و نجدُ الاشجار نفوسها النامية النباتيّة غير خشبها و اذا يبس الخشَب ذهبَتْ نفسه و بقي الخشب كالميتِ من الحيوانات و لمنجد شيئا في العالم الّا و لَهُ نفس قام بها و جرمٌ تقوّمَتْ به نَفسُهُ فلو صحّ اتّحاد الفلك و وحدته لوجد له مثلٌ سبحان من لا مثل له قال الرضا عليه السلام ان الله تعالي لميخلق شيئا فرداً قاۤئما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه و اثبات وجوده ه ، و ان اراد ان الثلاثة جرم الفلك و طبيعته و نفسه كلها من نوع واحدٍ او من جنسٍ واحدٍ فنفس الفلك و طبيعته و جرمه ليس منها شيء مما في الفرس و مما في النخلة و مما في الانسان و بالعكس بل من نوع الافلاك كما انها في الانسان من نوعه لا من نوع الشجر و لا من نوع الحيوان و هكذا فهذا في الظاهر صحيح لكن الفلك لايختص بهذا التخريج بل كل الاشياۤء هكذا فلا فاۤئدة في خصوص ذكره و ايضا لايحسن تعقيبه لو كان المراد هو الفرض الثاني بقوله متفاوتٌ في النَشئَاتِ الثلاث لانّه لاينطبق الّا علي الاوّل و قوله بل له نفس حيوانيّة خياليّة اي مدركة كما للحيوانات العجم و كلامه هذا بان له نفساً لاينافي اتّحادها فله ان يقول له نفس هي طبيعته و جرمه حاكية اي مشابهة لصورة عقليّة اي لنفس الانسان فانّها عنده صورة لعقل كما مرّ متشبِّهةٌ بها في صفاتها الّا انّها عرض لنفس الانْسان لقوله متشبّهة بها في تحريكها و في ادراكها للصُّوَر متّصلة بها كاتّصال الشّعاع بالنّور لانها مركب
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 277 *»
لنفس الانسان و اعلم انّ العارفين اتفقوا علي ان العالم الصغير اعني الانسان طبق العالم الكبير فيه جميع ما في الكبير ففي الكبير عرش و كرسي و سبع سموات فيجب ان يكون في الصغير كذلك فقابلوا بينهما فالعرش في الصغير هو قلبه و الكرسي فيه نفسُه و العقل فيه اي تعقّله فلك زُحل و العلم فيه فلك المشتري و الوهم فيه فلك المرّيخ و الخيال فيه فلك الزهرة و الفكر فيه فلك عُطارد و الحيوة فيه فلك القمر فالافلاك لها نفوس كنفوس القوي المذكورة من الانسانِ و ما في الانسان مثل لما في الافلاك لانها كلّيّة بالنّسبة الي الانسان و لان الانسانَ خلق من عشر قبضاتٍ من اشعّة الافلاك التسعة و القبضة العاشرة من العناصر فالاصل هو الافلاك و ما في الانسان فرع من اشعَّتِه۪ و ذلك لان اللّه تعالي امر كلمتَهُ فقبض من كلّ فلكٍ من الافلاك التسعة قبضة كما ذكر و القبضة العاشرة من العناصر الاربعة لماۤدّة جسده لكن لتعلم انّ كل قبضة من الافلاك يأخذها كلمتُه من نفس الفلك للروح و من جرمه للجسد مثلاً قبض من فلك المحدِّد القلب ظاهره من ظاهره و باطنه من باطنِه۪ فيكون مخّ الدماغ من جرم فلك زحل و التعقّل المتعلق به كاشراق نور الشمس علي الجدار من نفس زحل و هكذا الجميع و مثال القبض للنفوس من نفوس الافلاك مثل ما اذا وضعتَ المرءاة في نور الشمس فانه ينعكس عن المرءاة نور من دون ان ينقص النور الذي في الجدار او الارض و امّا قبض الاجسام فحيث دارت الافلاك و القت اشعّتها بواسطة الملاۤئكة الحاملة القَتْها مصحوبة لابخرةٍ ماۤئيّةٍ اَثارَتْها قدر اربعة اجزاۤء تقريباً و ترابيّةٍ من الهباۤء المنبثّ في الهواۤء الذي يلي الارض قدر جزءٍ تقريبا فانحلّت اليبوسة في الرطوبة بحرارة النزول و اشعّة الكواكب فوقعٰا ماۤءً عَلَي الارض فاختلط به نباتُ الارض باَنْ انْحَلَّ منه جُزءانِ في جزءٍ من الارض فكان منهما النبات فكان منه الطعام فكان منه النطفة فكان منها الجسد ذلك تقدير العزيز العليم و الحاصل اَنَّ جرم الفلك كجسَدِ الحيوانات لِانَّ الحيوانات منه كما اشرنا اليه فقوله حيوانيّة خياليّة صحيح حاكية لصورةٍ عقليّة ليس بصحيح و انّما تحكي لصورةٍ نَفْسِيَّةٍ متشبّهة بها لانّها ظاهرها متّصلة بها كاتصال الشعاع بالمنير لا بالنور لان
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 278 *»
النور هو الشعاع الّا ان يراد به كاتّصال شعاع الشعاع به او كان الشعاع في جرمٍ و الشعاع منه و من الشعاع الواقع عليه كالقمر و النور و ان كان يستعمل في المنير و لا عيب في اطلاقه لكن المصنّف لما كان لايلتفت الي هذا نبّهتُ عليه علي نحو التنبيه لا علي نحو الرّدّ لانّ الخطب في هذا سهل و قوله كما انّ طبيعة الفلك متّصلةٌ بنفسه الخياليّة كاتّصال الظلّ بالشّخص فيه ما تقدّم من الكلام فان طبيعة الشيء عنده ليْست بمجعولة كما انّ الظِلّ ليس بمجعولٍ لانه من اللوازم التي توجد بتبعيّة ملزوماتها و قد بيّنّا انّ هذه الامور كلّها انّما قالوا فيها بما سمعوا لا عن علمٍ بل كلّها مخلوقة موجودة بايجادٍ غير ايجاد ملزوماتها و ان كانت ملزوماتها ربّما يَكون وجودها من تمام قابلية اللوازم فاتّصال الطبيعة بالنفس علي المعني المتعارف عندهم كاتّصال النور بالمنير و في الحقيقة هي طبيعتان الاولي هي نزول ذي الطبيعة و كسره و مثاله للبيان اذا كان عندك دواۤء مركّب من حاۤر و بارد فانه يفعل بكلٍّ من الطبيعتين فاذا انحلّا حَلّاً تاۤمّا حتي كانا ماۤءً واحداً بذاتهِما لٰا بماۤء غيرهما ثم عُقِدَا كان دواء واحدٌ بطبيعةٍ واحدةٍ يفعل فعلاً واحداً و بهذا النحو تتّحد الاجزاۤء المختلفة الجسمانية و تكون طبيعة واحدة و تكمن نفوس الاجزاۤء المختلفة المجرّدة في غيب تلك الطبيعة الواحدة اذ لايمكن ظهورها مع اختلافها في محلّ واحدٍ فاذا استنبط الحكيم الاجزاۤء المنحلّة و اخرجها بالتّربيَة حتّي تمايزت ظهرت كل نفس في محلّها و هذه طبيعة ذاتيّة اي ذات الشيء و الثانية طبيعة فعليّة و هي انبعاثها الي الافاضة علي الاثار المفعولات فهذه تكون قائمة بنفس ذي الطبيعة قيام صدور و هي في اتصالها بنفس الشخص كاتّصال الكلام بالمتكلم مع قيامه بالهواۤء و كاتّصال الضرب بالضارب بخلاف الاولي فان انبعاثها للاستفاضة من المؤثر فَهذه هي مطلوبة المصنّف لوْ وَجَدها و امّا الثانية فتدلّ علي الحدوث اذا فرض عروضها لذي الطبيعة و الّا فلا و الاولي المطلوبة هي ماهيته و هي قابليته و هي انفعاله و نريد بالماهيّة هنا
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 279 *»
بالمعني الاول كما قدّمنا في ذكر الماهيّة و الوجود لا بالمعني الثاني و هي في الشّيء كالظّلمة في نور السّراج فان نور السّراج كلما قرب من السّراج كان اقوي نوراً و اضعف ظلمة و كلّما بعد قَوِيَت الظلمة و ضعف النّور كذلك حكم الشيء و طبيعته اذا نُسِبَ الي مَبْدَئِه۪ و قوله لكن طبيعة الفلك و نفسه الحيوانيّة بقوّتها العلميّة داثرتان هٰالِكَتان الخ ، هذا الكلام اذا اريد بالهلاك فيه و الدثور عَوْدُها الي ما بُدِئَتْ منه و امتزاجُها به كامتزاج قطرة الماۤء بماۤءِ النّهر اذَا وَقَعَتْ فيه فهو صحيح و ان اُر۪يدَ بالدّثور و الهلاك الفناۤء فليس بصحيح اذْ ما دخل في مُلْكِ اللّه تعالي لايخرج منه و انّما اسْتَدرك الدثور و الفناۤء بعد تشبيهه لها بالنفوس الناطقة للاشعار بانّ النّفس النّاطقة غير داثرة و لا هالكةٍ مع انّه ذكرها و وصَفَها بِمَا وصفَ به نفس الفَلكِ من الدثور و الهلاكِ فان لميرد ذلك كان استدراكه لا فاۤئدة فيه و امّا قوّة الْفَلكِ العلميّة ففي فلك المشتري و الخياليّة في فلك الزّهرة و الفكريّة في عطارد و الوهميّة في المريخ و التَّعَقُّلِيّة في زحل و الحيوة في فلك القمر و الوجود الثاني من الشمس كذا قاله بعض العارفين و انا اكتب هذا فيما كتبتُ حيث قرّبه قلبي استناداً الي اعتبارات منها قطعية و منها ظنّيّة متاخمة للعلم و المستند ما تشير اليه الاخْبار و ايضاً قد ذكرنا نحن فيما تقدم انّ الاشياۤء كلها من الذّوات و الصفات الماۤدّيّات و المجردات من عالم الغيب من كلّ ما سوي الله سبحانه لا فرق عندنا بين المفارقات المحضة و بين الجمادات كلها بنسبةٍ واحدةٍ في الافتقار الي الله سبحانه و في احتياجها في وجودها و بقاۤئها الي المدد فكُلّهٰا عندنا مشتركة في التجدّد و السَّيَلانِ و ان اخْتَلفَتْ في سرعة التجدّد و التَّبَدُّلِ و بُطْئِه۪ و طول البقاۤء و قصَرِه۪ و قولهُ و له كلمةٌ باقية عند اللّٰهِ ثابتةٌ في علمه معناه ظاهرٌ و ليس مختصّا بالفلك بل هو شاملٌ لكل شيءٍ .
قال { توضيح اكمالي اذا علمتَ انّ لكلِّ فَلَكٍ محرِّكاً مُزَاوِلاً وَ مُحَرِّكاً مفارقاً هو الغاية في الحركة و انّ مباشر التحريك السَّماوي متجدِّد الهويّة سيّال
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 280 *»
الذات ظهر لك ان الدنيا دار فناۤءٍ و زوال و انتقال و الاخرة دار قرار و ان هذه الدار و ما فيها منتقلة الي الدار الاخرة و ان السموات مطويّات و الكواكب ساقطة و حركاتها واقفة و انوارها مطموسة فاذا قامت القيمة كوّرت الشمس و انكدرت النجوم و وقف الفلك عن التّدوار و الكواكب عن التّسْيٰار و ذلك لا محالة كاۤئن لا ريب فيه و لكن علم السَّاعةِ عند اللهِ .}
اقول قوله توضيح اكمالي اي توضيح به يكمل البيان اذا علمتَ انّ لكلِّ فلكٍ محرّكاً مُزَاوِلاً و هو المباشر يعني به الطبيعة و هي عنده غير الفلك اي غير ماۤدته و صورته مَع انه حكم عليهما مع نفسه بالاتّحاد بالبرهان الكاشف لكنه لمّا كان فيه متكلّفاً من غير معاينة يعني انه نظر في ذلك بفهمِه۪ و الفهم لايدرك لا الغاۤئب و لا الحاضر الّا بمرشدٍ فان كان غاۤئبا كان مرشده مع الكتاب و السنّة مع معرفة ما ضرب اللّه من الامثال و هي آياته في الافاق و في الانفس و ان كان شاهداً كان مرشده مع ذلك كلّه ما رأي ببصره و بعض ما سمع و ما ادركه بشيء من حواۤسّه و لمّا كان المصنّف انّما يدرك ما تكلّفَه فهمُهُ خالفَ مقتضي فطرتهِ فهمه المتكلِّف فكان بمقتضي فطرته ناطقاً بالتّعدّد فالمزاول هو المباشر و هو عنده هو الطّبيعة و عندنا المزاول هو الملك و الطبيعة آلَةٌ للملكِ و المحرِّك المفارق هو العقل عنده و عندنا هو الاسم البديع بالعقل او العقل بالاسم البديع
و قوله هو الغاية في الحركة يعني انه المطلوب بالحركة الناشية من الطبيعة عنده و عنده ايضاً ان غاية الغايات هو الذات الواجب الذي ينتهي اليه كل طالب و منه تنال المطالب عز و جل لان الخَلاۤئق عنده كلّها تنتهي الي الوجوب الحق تعالي و نحن قد بيّنّا ان هذا القول يلزم منه حدوث الواجب او وجوب الحادث علي رأيهم و امّا عندنا فلايلزم علي هذا الّا حدوث الواجب تعالي فالغاية عندنا امر اللّه و هو يطلق علي شيئين احدهما فعل الله تعالي اعني مشيته و ارادته و ابداعه و الاشياۤء تنتهي اليه في العلة الفاعلية فهي قاۤئمة به قيام صدور و نسمّيه امر اللّه الفعلي و ثانيهما نور الانوار اعني الحقيقة المحمديّة صلي الله عليه و اله و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 281 *»
الاشياۤء تنتهي اليه في العلّة الماۤدّية لان جميع مواۤدّ الاشياۤء من شعاع ذلك النور الانبياۤء عليهم السلام من شعاعه و المؤمنون من شعاع شعاعه و هكذا الي التّراب الطيب و الماۤء العذْب و الكافرون من عكس شعاعه و شيعتهم من عكس ظلمتهم و هكذا الي الارض السبخة و الماۤء الاجاج و في العلّة الصوريّة لان صور جميع الاشياۤء من هيئات هياكله لكلّ المُؤمنين الي الارض العذبة و الماۤء العذب و للكافرين من خلاف تلك الهيئاتِ الي الارض السَّبخة و الماۤء الاجاج فالاشياۤء كلها قاۤئمة به قياماً ركنيّا قيام تحقّقٍ و في العلّة الغاۤئيّة لان ذلك النور لاجله خلق تعالي ما خلق قال تعالي لولاك لماخلقتُ الافلاك و العلّة الفاعلية لاتتحقّق الّا بذلك النّور فيصاغ منهما المِثال الفاعل مثل قاۤئم المصاغ من الفعل و من اثره اعني القيام فكانت علل الاشياۤء كلها هذه العلل الاربع و كلّها في الحقيقة المحمديّة صلّي اللّه عليه و اله و نسمّيه امر اللّه المفعولي قال الصادق عليه السلام في الدعاۤء كلّ شيء سواك قام بامرك و امّا العقل فهو ينتهي اليها ايضاً و الي هذا الاشارة بقول الحسن العسكري عليه السلام كما في الدرةالفاخرة قال عليه السلام و روحُ القدسِ في جنان الصاقورة ذاق من حَداۤئِقنا الباكورَة و الباكورة اوّل الثمرة و الصاقورة هنا العرش يعني ان روح القدس اعني عقل الكل في الجنان التي سقفها عرش الرحمن و هي التي غرسوها بايديهم عليهم السلام اوّلُ مَنْ ذاق ثمرة الوجود فهو ينتهي الي ذلك النور و اليه تنتهي المخلوقات كلها لانه كما سمعتَ جميع العلل الاربع و لايصحّ ان يكون عقل الكل نهاية للاشياۤء الّا نهاية اضافيّة لانه مسبوق بالخلق الاوّل و العقل غصن من تلك الشجرة كما روي عنهم عليهم السلام انّ القلم اوّل غصنٍ اخذ من شجرة الخلد نقلته بالمعني فالقلم هو عقل الكل و شجرة الخلد هي ذلك النور الاكبر الاعز الاجل الاعظم و لايصح ان تكون ذات الحق تعالي نهاية للمخلوق و هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام انتهي المخلوق الي مثله و الْجأَه الطلبُ الي شكله الطريق مسدود و الطلب مَرْدُود ه ، و مراد المصنف غير مرادنا لانه يريد ان المحرك المباشر للافلاك و هو الطبيعة متجدّد الهويّة سيّال الذات فهو و ما حرّكه
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 282 *»
حادث و امّا المحرّك المفارق فهو الغاية و الغاية لايكون متجددةً و الّا لكان لها غاية و يلزم التسلسل و نحن نريد ان المنتهي و المنتهي اليه حادث و لايلزم التسلسل لانها تنتهي الي الفعل المحدث اعني المشيّة و المشيّة جعل نهايتها الي نفسها و اقامها بنفسها و قد نبّه عليه السلام علي ذلك الغافلين فقال خلق الله المشية بنفسها و خلق الخلق بالمشية فجعل الخلق منتهياً الي المشيّة و المشيّة منتهيةً الي نفسها لانها ظاهراً هي الحركة الايجاديّة و الحركة الايجاديّة لاتحتاج في ايجادها الّا الي حركة ايجاديّة و هي بنفسها حركة ايجاديّة فلاتحتاج الي ازيد من نفسها فخلقها تعالي بنفسها و انت في جميع حركاتك لاتحدثها الّا بنفسها و لكنّك ماتفطّنتَ في ذلك حتي ان الفقهاۤء اجمعوا علي ان المصلّي يحدث الصلوة بالنيّة و يحدِثُ النيّة بنفسها و الا لزم التسلسل فانتهت المخلوقات الي الفعل و الفعل الي نفسه و انقطعت سلسلة التسلسل فافْهم و قوله اذا علمتَ ذلك ظهر لك ان الدنيا دار فناۤء لانّها دار تكليف لا دار بقاۤء فلمّا انزل تعالي الخلق الي هذه الدار الزم بُنْيَتَهُمْ الاعراض و الاغراض و الدّواعي اذ لميجعلها دارَ قرارٍ بل ابتلاهم بالبلايا و امتحنَهم للاختبار فلحقهم من تلك الاعراض جميع الاسقام و الامراض و من تلك الاغراض الغني و الفقر و من تلك الدواعي طاعة الملك الجبار و معصية السلطان القهّار و جعلنا بعضكم لبعض فتنةً و قصرت اعمارهم و طالت امٰالهم و اختبروا في اعمالهم و امٰالِهم ليعلموا انها دار زوال و انتقالٍ و ضرب لهم الامثال و بيّن لهم انّ الاخرة هي دار القرار و من نظر الي تغيّر الاشياۤء في وقت و ثباتها في وقتٍ عرف ان الدنيا دار فناۤء حيث وجد التغيّر في الاشياۤء بالامور الغريبة منها و ان الاخرة دار بقاۤء حيث وجد ان الثبات للاشياۤء من نفسها اذا تخلّصت من الامور الغريبة فان فسادها من الغراۤئب فاماتهم سبحانه في هذه الدار و اقبرهم فيما خلقهم منه ليتخلّصوا من العوارض الغريبة التي هي علة الفساد في الاجساد و قوله و ان هذه الدار و ما فيها منتقلة الي الدار الاخرة لان هذه الدار طريق لاهل الاخرة ليأخذوا منها متاعاً لسفرهم الي دار قرارهم و لميخلقوا من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 283 *»
الدنيا و انّما مرّوا عليها لاجل المتاع فكل ما فيها من خير و شر منتقل الي الاخرة فهذه الابدان هي بعينها ابدان الاخرة كما قال صلي الله عليه و اله و انما تنقلون من دار الي دارٍ و كذلك جنّة الدنيا هي بعينها جنّة الاخرة و نار الدنيا بعينها نار الاخرة كما قال تعالي في جنّة الدنيا جنات عدنٍ التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيّا لايسمعون فيها لغواً الّا سلاماً و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا فهذه في الدنيا ثم قال في هذه بعينها تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا يعني في الاخرة اي اَنّ التي فيها بكرة و عشيّ في الدنيا هي التي نورث من عبادنا في الاخرة و قال في نار الدنيا النار يعرضون عليها غُدوّاً و عشيّا و يوم تقوم الساعة فالغدوّ و العشيّ في الدنيا و هم يعرضون عليها في الدنيا غدوّا و عشيّا و يعرضون عليها يوم تقوم الساعة فالمعروض عليه واحد في الدّارَيْنِ دار الدنيا و دار الاخرة و قال صلي اللّه عليه و اله الدنيا مزرعة الاخرة يعني الزرع في الدنيا و الحصاد في الاخرة قال صلي الله عليه و اله مَن يزرع خيراً يحصِد غِبْطةً و مَن يزرع شرّاً يحصِد ندامةً و قوله و ان السمواتِ مطويّات الخ ، اي يعرف بتجدد الاشياۤء وَ تبدّلها ان السموات مطويّات كطيّ السّجل اَيْ الدفتر او كما يطوي كاتب النبي صلي الله عليه و اله الكتب و اسمه السّجل او السّجلّ اسم مَلَكٍ و المراد من طيّها و من تبديلها كشط ظاهرها و الّا فهذه السمواتُ في الدنيا بعينها هي سموات الاخرة كما ان جسدك في الدنيا هو جسَدُ الاخرة و انّما تُصَفّي كما يُصَفّي جسدُكَ و الدليل عندك فانت الدليل لك علي كل شيء و في انفسكم افلاتبصرون سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحقّ و الكواكب ساقطة قال تعالي و اذا الكواكب انتثرت لان الكواكب منها معلق في سلاسل و منها مركّب كالفص في الخاتم كما قال علي عليه السلام و المراد بالمعلّق بالسلاسل ما كان له فلك تدوير مركوز في ثخن الفلك فانه معلّق بالنسبة الي مقعّر الفلك و محدّبه لانه في فلك التدوير معلّق بين سطحي الفلك و المركّب كالفصّ في الخاتم ما كان سطحه مُمَاۤسّاً لسطحي الفلك فاذا نفخ اسرافيل نفخة الصعق
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 284 *»
بطلت الحركاتُ و انتثرت اشعّتها التي هي صورها فاذا كان يوم القيمة كانت السموات ارضين للجنان و الذي يظهر لي انّ اجرام الكواكب تبقي في مراكزها فهي في ارضي الجنان اعني السموات كالجبال في ارضي الدّنيا و انوار الكواكب مطموسة لرجوع انوارها الي الشمس و نور الشمس الي الكرسي و وقف الفلك اي الافلاك لانه اراد بالمفرد الجنس عن التدوَار بفتح التاۤء اي عن الدّوران لفناۤء نفسه بنفخة اسرافيل النفخة الاولي نفخة الصعق و وقف الكواكب عن التّسيار بفتح التاۤء اي عن السّير لفناۤء نفوس افلاكها و نفوسها التي تسبَح بها في افلاكها اما نفوس تداويرها او نفوسها هي اذ كلّ فني و ذلك الفناۤء لا محالة كاۤئن امّا فناۤء الجزئيات فهو مقطوع به بالوجدان و امّا فناۤء العالم العلوي عالم الافلاك و نفوسُهَا فقد ذكر المصنّف دليله من التجدّد و السّيلان و امّا قيام القيمة و الساعة فعندهم انّ دليله نصّ الكتاب المجمع علي تأويله و السنة عن النبي صلي الله عليه و اله التي لا اختلاف فيها و امّا الدليل العقلي فلميقم لهم دليل عقلي علي قيام الساعة الكبري الّا من حيث قيامه علي حشر الاَرْواح للجزاۤء علي الاعمال و امّا علي نفس قيام الساعة و علي حشر الاجساد فلميقم لهم دليل عقلي علي هذا و انّما يُثبتُونه من جهة الدليل النَّقْليِ من الكتاب وَ السُّنَّة و اقول اَمَّا الكتاب و السُّنَّة فحجّة قاۤئمةٌ و ليس فوق الكتاب و السنة حجة و لا اوضح برهاناً منهما و امّا من جهة دليل العقل فيتوقّف علي ذكر مطالب يطول بذكرها الكلام و لكن اذكر قليلاً من ذلك ينْتفع به اولوا البصاۤئر و الافهام و ان كانوا مع كثرة توغّلهم ماعثروا عليه و لمتصل عقولهم اليه فنقول مبدء الاشياۤء اعلي من كل شيء فبدءهم تعالي منه ليصلوا بمعرفته و طاعته الي اعلي درجاتِ ما يُمكن لكلّ واحدٍ منهم و لايكون ذلك الّا بقبولهم باختيار منهم فخلقهم علي الاختيار و كلّفهم بما يوجب القيام به وصولهم الي اعلي الدرجات و لايمكن التكليف بالاختيار الّا بانزالهم الي هذه الدار التي هي دار البلاۤء و الاختبار فخلقهم ثم كلّفهم ثم انزلهم اليها حتي كان منهم ما خلقهم له بما يَسّرَهم له فلمّا قضوا ما يُسِّرُوا له مما خُلِقوا له من الاعمال نَقَلَهُمْ مِنْها الي ما هم صاۤئرون اليه من
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 285 *»
اعمالهم التي منها طينتهم فرجعوا الي ما بُدِؤُا منه صاعد۪ين اَوْ نازلين فلا بد اَنْ يَمُرُّوا بمحاذي نزولهم في كلّ رتبةٍ فمحاذي الاول يكون اخيراً و محاذي الاخير يكون اوّلا كما هو شأن العَوْد في كل شيء فاوَّل مقامٍ للتكليف في نزولهم مقام الخطاب بالستُ بربّكم و هم نفوس كالذّرّ يدبّون او يدرجون و هو يوم الجمع الاوّل في البَدْء و هو يوم حقّتِ الكلمة و عَضّ الانامل من الغيظ و يحاذيه في صعودهم يوم القيمة فالاول يوم القيمة الاوّل مقدارُه خمسونالف سنة و ذلك يوم النزول و يوم الدخول في قيود التكليف و الثاني يوم القيمة الثاني مقداره خمسونالف سنة و هو يوم الصّعود و يوم الخروج من قيود التكليف و ثاني مقامٍ كسرهم في الطين و امتزاجهم في النور الاحمر المسمي بالطبيعة الاولي مقداره اربعمائة سنة فكانوا في نزولهم طينا مصلصَلاً لا حسَّ و لا محسوس لاجلِ عَركهِمْ باعراض الدنيا التي هي دار التكليف و يحاذيه في صعودهم مقام ما بين النفختين مقداره اربعمائة سنةٍ فكانوا تراباً متفتِّتاً هامداً فالاوّل لاجل مزجهم بالاعراض و الاغراض و دواعي الامراض للابتلاۤء في التكليف و ايذاناً بالفناۤء و الانتقال و الثاني لاجل تخليصهم من الغراۤئب و الاعراض و ما لحقهم من دار الفناۤء و الزوال ايذاناً بالبقاۤء و عدم الارتحالِ فكٰانوا تراباً هَامِداً لا حِسّ و لا محسوس فاقتضت الحكمة ان تكون هيئة الدخول كهيئة الخروج و حيث كانت الاجسام و الاجساد اشياۤء و اخبر خالقها العالم بما خلق في قوله الحق و ان من شيء الّا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم و قد خوطبت النفوس بالستُ بربكم و هي في اجسامها و تسئل عن موافاة قولِها بلي في قبورها و هي في اجسامِها و في محاذاة يوم السؤال في البدء يوم الحشر فتعاد للجزاۤء و هي في اجسامها فهي في كل مقام هي هي بلا زيادة ذاتيّةٍ و لا نقصان و انّما كانت في البدءِ ذاۤئبةً لاجل تمكّنها من العرك في الكسر و الصّوغ في الوجود الشرعي فلمّا انتهي ذلك جمدت لاجل الثبات فكانت جامدة متماسكة في البقاۤء في حكم الذاۤئبَةِ و آية هذا ما هو مشاهدٌ عياناً في مرءاة الحكماۤء الذي هو عمل الاكسير علي الطريق فانّهم يَحُلّون الماۤدة مرّة بعد اخري و يعقدونها و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 286 *»
يَحُلُّونها و يعقدونها ثم يزوّجون الذكر بعد تطهيره و غسله عن سواد الاعراض بالانثي ثم يفصِّلونه الي العناصر الاربعة ثم يحلّونه و يعقدونه ثلاثا ثم يحلّونه و يعقدونه ستا علي تفصيلٍ عندهم و قد تَمّ و هو جَسدٌ صاف لَوْنُه لونُ الذهب و اشدّ و كذا ثِقَله و لكنه شفاف كالبلّور و هو كالماۤء في حكم الذوبان و الانتشار و الغوص و فعله روحاني و هو جسم و هو آية اجسام الاخرة فانها تدرك ما تدركه النفوس و ذلك لاعتيادها علي الكسر و الصوغ و الحل و العقد فقد حُلّت في العقل و عُقِدَتْ في النفس و حُلّت في الطبيعة و عُقِدت في المثال و حلّت في السحاب و الماۤء و التراب و النبات و النطفة حلّت فيها و عُقِدَتْ في العلقة و حلّت فيها و عقدت في المضغة و حُلّت فيها و عُقِدت في العظام و حلّت حين كسيت لحماً و عقدت في الدنيا و حُلّت في القبر و عقدت في الرجعة و حلّت بين النفختين و عقدت في القيٰمة فكانت الاجسام كالنفوس في ادراك الغيب و كانت النفوس كالاجسام في ادراك الشهادة فجري عليها الحشر بمقتضي حشر النفوس فافهم و ايضا الارواح و الاجساد كلها من شيء واحدٍ و هو الوجود الّا ان الوجود لمّا كان كله شعوراً و احساساً و عقْلا و ادراكا و اختياراً و حيوة كان ما خُلِق منه كلّه مثله كل شيء بنسبته فما كان اقرب الي المبدء كانت الصفات المذكورة فيه اقوي و ما كان ابعد كانت فيه اضعف فهي في الارواح اقوي منها في الاجسام و في الاجسام اقوي منها في الاجساد و هذه الصفات في كل شيءٍ حتّي في الجمادات فالدليل الداۤلّ علي اعادة الارواح داۤل علي اعادة الاجسام و الاجساد لانّها تحسّ و تتنعّم و تتلذّذ و تتألّم كالارواح الّا انّ ذلك ضعيف و لكنها مكلفة كالارواح و انظر الي الكتاب و السنة فانهما ناطقان و ليس هذا مكانا لهذا الكلام و انّما ذكرته استطراداً لينتفع به مَن كانَ طالباً له كما كنتُ افعل في الاشياۤء المجهولة فاني اُنَبِّه عليها تلويحاً و ان لميكن المقام يقتضيها
و قوله و لكن علم السّاعة عند الله يريد به انّ ذلك من الاشياۤء الخمسة الّتي تفرّد الله سبحانه بعلمها و لكن الكلام في ذلك كثير و انّ الساعة ما المراد بها فقيل المراد بها القيٰمةُ الكبرَي و قيل المراد بها قيام القاۤئم عليه السلام و قيل
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 287 *»
المراد بها حضور الاجل المحتوم و قيل المراد بها وقوع شأنٍ من شؤن اللّهِ تعالي و قيل المراد بها حضور الموت الارادي كما قال الحكيم مُتْ بالارادةِ تَحْيَ بالطَّب۪يعَةِ و اخْتِلاف الاقْوال من اختلاف المفسرين و الاخْبار حتي انّهم ربّما ذكروا وُجُوهاً من التأويل للٰاية كلّها و قال بعضهم ما قال الله سبحانه و ما ادريٰك فقد اخبر به و ما قالَ و ما يُدريك فانّه لميخبر به و السّاعة قال فيها و ما يدريك و قيام الساعة و ان كان من المحتوم الّا ان المجهول وقتُ القيام فانّ لله سبحانه البداۤء في التقديم و التأخير فمحمد و اهل بيته (ص) يعلمون قيام الساعة في نفسه و امّا التَّقْديم و التأخير فالي الله سبحانه فان اخبرهم بالوقت المحتوم و الّا فهو من المبهم المجهول و كلام علي عليه السلام لميثم التمّار انّ اللّه عز و جل تفرّد بخمس لميُطلع عليها احداً من خلقِه و تلا الٰاية و قال له لولا آية في كتاب اللهِ و هو قوله يمحو اللّه ما يشاۤء و يثبتُ لاخبرتكم بما كان و ما يكونُ الي يوم القيمة يدلّ عَلي انّ الجهل بها و بامثالها من جهة البداۤء لانّ ما لميكن فلِلّهِ عز و جل البَداۤء فيه .
تذنيب ذهب كثير و منهم المصنّف الي اَن الزمان عبارة عن حركة الفلك و لو كان حقّا لَماوُجد زمانٌ بين النفختين لاجماع المسلمين علي بطلان جميع الحركات اربعمائة سنة ليس في الارض و لا في السَّموات و لا بينهن و لا فوقهنّ و لا تحتهنّ متحرّك و لا ذو روح موجود الّا وجه اللّه البَاقي بعد فناۤء كل شيء و لانّه مقابل في الصعود لعالم الطبيعة الكلية اعني طبيعة الكلّ و مع هذا فاجرام السموات و الارضين و الجبال باقية و الزمان لايفارق الاجسام و لاتفارقه فلايوجد زمان لا جسم فيه و لا جسم لا زمان له الّا الاجسام الجوهريّة المجرّدة عن الماۤدّة العنصريّة و المدّة الزمانية و هي النفوس و الطبيعة الكلّية و جوهر الهباۤء اي الحصص الجنسيّة قبل تعلّق الحِصَصِ الفصْليّة بها و الزمان هو المُدَد بضم الميم جمع مدة و هو مقدار مكث الجسم في مكانٍ و امّا الحركات فهي آلٰاتُ تصوّرِه۪ كما اذا ابتدء ساۤئرٌ سريعٌ و متوسط و بطيۤء من اوّل مسافةٍ معينةٍ دفعة كما ذكروه فالزمان هو المكث الوقتي خلقه الله سبحانه مع المكان و
«* جوامع الکلم جلد 4 صفحه 288 *»
الجسم دفعةً في الظهور الوجوديّ و ان تقدم عليهما بالذات الّا انه لايَظْهرُ الّا في مكَانٍ و وقتٍ و الحمد للّه رب العالمين
تم الجزء الاوّل في المبدء من شرح العرشيّة و يتلوه الجزء الثّاني في المعاد بقلم مؤلفه احمد بن زينالدين الاحسائي في الليلة السادسة و العشرين من ذيالحجة الحرام سنة اربع و ثلاثين بعد المائتين و الالف حامدا مصليا مسلما مستغفرا .
(٣٣٣)
قوله اعلي الله مقامه و منها اي من المعاني التي يحتمل العبارة