31-12 مکارم الابرار المجلد الواحد والثلاثون ـ رسالة في جواب الملامحمد النجف آبادي ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب الملامحمد النجف آبادي

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 497 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و سلام علي عباده الذين اصطفي و لعنة الله علي اهل الضلالة و الغوي.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قدسألني جناب المكرم الممجد المسدد المؤيد جناب الملا محمد النجف‌آبادي الاصفهاني عن مسائل غريبة عجيبة و انا في غاية تبلبل البال للعزم علي الارتحال الي مشهد الرضا عليه صلوات‌الله المتعال فلايمكنني الاستقصاء في جوابه و اكتفي بقدر ما يفهم منه جوابه و لااذكر فيه دليلا الا علي نحو الاشارة اذا احتاج الي دليل و الا اكتفي بصرف بيان المطلب ليمكنني استيفاء اجوبة مسائله فاذكر سؤالاته كالمتن مصدرة بقال و اجوبتي عنها كالشرح مصدرة باقول.

قال سلمه الله قوله تعالي لانفرق بين احد من رسله و قال تعالي تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض ما وجه الجمع بين الآيتين.

اقول قوله لانفرق بين احد من رسله اي بان‌نؤمن ببعض و نكفر ببعض كما قال يريدون ان‌يفرقوا بين الله و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و اما تفضيل الله لهم فليس ينافي عدم تفريق الرعية بينهم بالايمان و الكفر.

قال سلمه الله و كذلك بين الآية و الحديث و ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير عن ابي عبد الله عليه السلام قال قال اميرالمؤمنين عليه السلام علي المنبر لايجد احد طعم الايمان حتي يعلم ان ما اصابه لم‌يكن ليخطئه و ان ما اخطاه لم‌يكن ليصيبه و ان الضار النافع هو الله.

اقول قوله عليه السلام ما اصابه لم‌يكن ليخطئه فان الله سبحانه كان في علمه

 

* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 498 *»

الازلي ان زيدا مثلا يكتسب ذنبا و جزاؤه هذا و يصيبه فلما خلق زيدا يكتسب ذلك الذنب لامحة و يناله جزاؤه لامحة لان علمه جل شأنه موافق للواقع غير مخالف فليعلم زيدا ان ما اصابه من جزاء ذنبه لم‌يكن ليخطئه لانه لم‌يكن يترك ذلك الذنب مع انه كان مختارا فان المختار اذا عمل يعمل باحد شقي اختياره و الله يعلم انه يختار اي شق من شقي اختياره و علمه لايخالف الواقع فاذا علم منه ذلك قدر له جزاءه و يناله لامحة و الله هو الضار اي خالق الضرر للعاصين و النافع اي خالق النفع للمطيعين فلااشكال.

قال سلمه الله و اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ما معني الامر في هذه الآية.

اقول قوله امرنا اي كثرنا كما عن القمي و عن اهل البيت: امرنا علي التفعيل بمعني كثرنا و لك ان‌تقول بظاهره ايضا اي امرنا مترفيها باوامرنا و كلفناهم باحكامنا ففسقوا فيها كما يشهد به سابق الآية و ما كنا معذبين حتي‌نبعث رسولا و انما يبعث الرسول ليأمرهم بامر الله فاذا تم عليهم الحجة و عصوا استحقوا العذاب و كذلك قال اذا اردنا ان‌نهلك قرية امرنا منعمي تلك القرية باوامرنا بواسطة الرسل ففسقوا عن امر ربهم كما امر ابليس بالسجود ففسق عن امر ربه فاستحق العذاب.

قال سلمه الله قوله تعالي ان الله لايغفر ان‌يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و قال ان الله يغفر الذنوب جميعا و قال تعالي بلي من كسب سيئة و احاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار خالدين فيها ما وجه الجمع بين الآيات.

اقول ان الشرك ليس بذنب و انما الذنب مخالفة امر الله في الاعمال و الاخلاق و الشرك هو فوق الذنوب كالكفر و لايقال للمشرك و الكافر العاصي اذ اتيا بما هو اعظم و ان الله لايغفر ان‌يشرك به و يغفر الذنوب جميعا للمؤمنين و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 499 *»

الذي احاطت به خطيئته هو الذي ادته كثرة الخطاء الي حد التهاون و الاستخفاف بدين الله و اخذت بمجامع قلبه فطبع عليه بكفره و هو الكفر الذي هو سبب خلود النار فلامنافاة.

قال سلمه الله قوله تعالي فمنها قائم و حصيد العياشي قرأ الصادق: قائما و حصيدا بالنصب قال لايكون الحصيد الا بالحديد.

اقول الآية ذلك من انباء القري نقصه عليك منها قائم و حصيد فالذي يختلج ببالي و ان لم‌ار تصريحا في ذلك من اهل العربية و المفسرين انهما علي النصب حالان من القري في مقام حال واحد و معني ذلك ان الحال يجب مطابقته مع ذي  الحال في التذكير و التأنيث و الافراد و الجمع و ذلك لاشك فيه ولكن ذا الحال الجمع اذا كان جميع افراده مشتركين في الهيئة يجب المطابقة بان‌يكون الحال ايضا جمعا او ما يقوم مقامه نحو دابر هؤلاء مقطوع مصبحين فانهم مشتركون في الاصباح فاتي بالحال جمعا و اما ان كانوا مختلفين في الهيئة كأن‌يجيء قوم و واحد منهم راكب و واحد راجل و واحد منهم صحيح و واحد منهم عليل فلايمكن ان‌تقول جاء القوم راكبين راجلين اصحاء عليلين فان ذلك يدل علي انهم كلهم كانوا راكبين فينبغي ان‌تقول جاء القوم راكبا و راجلا و صحيحا و عليلا و يكون المجموع بمنزلة حال واحد للقوم فيقوم المجموع مقام الجميع و يحصل التوافق و تلك القرائة من هذا القبيل و قائما و حصيدا كلاهما معا حال عن القري و كل واحد جنس و لفظه منها متعلقه [متعلقة ظ] بالمحذوف و حال من ضمير نقصّه اي نقصه حالكونه منها و ضمير منها راجع الي الانباء و قائما و حصيدا حال من القري اي من القري قائم و منها حصيد و شبه القري بالزرع منها قائم علي ساقه اي آثاره باقية و منها حصيد اي قتلوا و الحصيد لايكون الا بالحديد اي بالسيف و لعله اشارة في الباطن الي الائمة: فان القري رجال كما يظهر من الاخبار اي من الائمة قائم و هو القائم7 و منها حصيد شهيد بالسيف و يمكن ان‌يقال قائما و حصيدا خبران ليكون محذوفا اي منها يكون قائما و منها يكون حصيدا.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 500 *»

قال سلمه الله قوله تعالي افرأيت من اتخذ الهه هواه ما معني الهوي مع عدم اتيان المحرمات.

اقول ان الآية فيمن يتبع الهوي و يأتي بالمحرمات و اما من اتبع المولي فليس هو ممن اتخذ الهه هواه و انما هو متخذ المولي الها.

قال سلمه الله فاطمة خير نساء امتي الا ما ولدته مريم.

اقول ان صح الخبر المراد بالامة جميع بني آدم فان فاطمة خير نساء العالمين لا نساء هذه الامة حسب. فالمراد فاطمة خير نساء امتي الا بنت مريم و ليس لمريم بنت فهي خير نساء العالمين فاستثناء المعدوم دليل كون جميع الموجودين مستثني منه و ليس المراد بما ولدته مريم عيسي فان لقب فاطمة خير النساء و ان كانت في الواقع خيرا من جميع الانبياء ما خلا محمد و آل محمد:.

قال سلمه الله قال بعضهم في كتب الله كانوا اذا طالت بهم العافية حزنوا و وجدوا في انفسهم فاذا اصابهم البلاء فرحوا و قالوا عاتبكم ربكم فعاتبوه.

اقول يعني مكتوب في كتب الله المنزلة نعت رجال كانوا اذا طالت بهم العافية حزنوا خوف الاستدراج و وجدوا في انفسهم اي غضبوا و سخطوا علي العافية و اذا اصابهم البلاء فرحوا و قالوا عاتبكم ربكم اي لامكم لانكم لاتخلون عن معصية و المولي يعاتب عبده اذا كان له به حاجة و احبه و عليه عناية و انكان لايحبه يخذله و يمله كقوله لايحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم و عتاب المولي عبده تنبيه له لأن يرتدع عن صنيعه القبيح و قوله فعاتبوه اي عاتبوا طول العافية و العتاب بمعني وصف الموجدة و الغضب و بمعني الملامة فعاتبكم ربكم اي لامكم و عاتبوه اي وصفوا موجدتهم لطول العافية و حكي بعضهم لبعض.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 501 *»

قال سلمه الله سعيد بن جبير من الاغترار بالله المقام في الذنوب و رجاء المغفرة تقدر المقدر و القضاء يضحك.

اقول علامة صدق الرجاء الطلب. فالمقام في الذنوب مع رجاء المغفرة لايجتمعان و يكذبه الاصرار علي الذنوب. و تقدر المقدر اي تدبر انت ما قدره الله و قضاه والقضاء يضحك علي تدبيرك فان العبد يدبر و الله يقدر و لايكون الا ما يقدر الله و تدبيرك لغو محض فتقدر و تدبر انت و تقول افعل كذا و كذا و اعطي كذا و امنع كذا و قدقدر الله ما قدر و انت لاتعلم فتدبر بخيالك مع جهلك بالمقدر من عند الله فالقضاء يضحك عليك حيث زعمت ان تدبيرك ينجح و لاينجح و لايغني عنك من الله من شيء.

قال سلمه الله ادني الرياء الشرك و احب العباد الي الله الاتقياء الاخفياء اذا غابوا لم‌يفقدوا و ان‌شهدوا لم‌يعرفوا.

اقول اي الرياء و ان‌كان قليلا شرك بالله لانه اشرك من راءاه بالله شرك عبادة و احب العباد الي الله الاتقياء عن الرياء و الشرك. الاخفياء الذين لايحبون الشهرة فيراؤن و هم الذين اذا غابوا لم‌يفقدوا اي لايقال لهم فقدوا فان الموجود المعروف اذا غاب فقد و اما غير المعروف فلايقال له مفقود فان المفقود فرع الموجود الاتري انك لاتقول لشيء لم‌يكن عندك ضاع عني و انما يضيع الذي كان في يدك و اذا شهدوا لم‌يعرفوا فلذلك اذا غابوا لايقال فقدوا.

قال سلمه الله حب علي حسنة لاتضرها سيئة ما معناه مع الكباير و عدم التوبة.

اقول المعروف لاتضر معها سيئة و حب علي7 هو التوبة الحقيقية فلايموت المحب لعلي7 من غير توبة و التوبة رجوع الي الله و ندامة عن الذنب و المحب راجع متوجه الي المحبوب معرض عن اعداء محبوبه و صفاتهم بقلبه فهو تائب نادم علي الحقيقة ان صدق في حبه.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 502 *»

قال سلمه الله في الزيارة السلام علي ابي الائمة و معدن النبوة ما معني معدن النبوة في شأن اميرالمؤمنين عليه السلام.

اقول المعدن من عدن بالمكان اذا اقام و يسمي المعدن بالمعدن لاقامة اهله فيه و معدن النبوة يعني مقام النبوة فنبوة النبي9 اقامت فيه حيث استودعه جميع علمه و اودعه جميع ما اودعه ربه من العلم و الحكمة امتثالا لامر ربه ان الله يأمركم ان‌تأدوا الامانات الي اهلها.

قال سلمه الله و قال في هذه الزيارة السلام علي الزناد القادح ما حسن هذا التوصيف في هذه العبارة.

اقول الزناد القادح وصف عجيب و نعت غريب له لان هيهنا مقامات: الاول مقام الموري و الثاني مقام الزناد و الثالث مقام القدّاح و الرابع مقام النار و الخامس الورية فالورية مظهر النار و النار ولد الزناد و القداح فالزناد ابو النار و القداح امها و هما سببان لايجاد الموري النار فاذا فهمت ذلك فاعلم ان اول النيران في ملك الله هو نار اثر مشية الله المشار اليها بقوله يكاد زيتها يضيء و لو ‌لم‌تمسسه نار فتلك النار تحتاج الي ورية و وريتها الزيت و الي زناد و قداح و مور فالموري هو الله سبحانه لقوله افرأيتم النار التي تورون ءانتم انشأتم شجرتها ام نحن المنشؤن فالموري الحقيقي هو الله تعالي و ان‌ظهر ايراؤه بمحمد صلي الله عليه و آله و بالزناد و القداح و اليهما الخطاب و الزناد هو علي7 في مقام الكلية و القداح هو فاطمة عليها السلام فالموري يعني محمد صلي الله عليه و آله قدح بالزناد القداح اي زوج عليا فاطمة فخرج من بينهما نار الائمة الطاهرين و هم نار الله الموقدة و ما جعلنا اصحاب النار الا ملئكة اي اصحاب القائم و هو نار تخرج من قعر عدن و تحرق بيوت بني‌امية و بني‌العباس و الورية الحافظة للنار هي شيعتهم المسحفظون لعلومهم و انوارهم فعلي هو الزناد القادح و هو باطن قوله و اذا استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 503 *»

 بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتي‌عشرة عينا قدعلم كل اناس مشربهم فموسي هو الموري و العصا الزناد و الحجر القداح و العيون النار و مجاريها الورية و العصا و الزناد مقام الولي الكلي و الاثني عشر افراده بالجملة النار هي الماء من حيث الاحيا‌ء و الماء هو النار من حيث الاضاءة و الهداية.

قال سلمه الله و فيها السلام علي نفس الله القائمة فيه بالسنن ما معناها.

اقول النفس هي الروح و لذلك يطلق احدهما علي الآخر الا تري ان ملك الموت يقبض الارواح و تقول يتوفاكم ملك الموت و الله يتوفي الانفس و نفس الله يعني روح الله و الاضافة تخصيصية اي نفس خالصة لله سبحانه و هي القائمة في الله و لله خالصة لوجه الله بالسنن و الشرايع و الباء للتعدية اي هي مقيمة السنن و الشرايع خالصة لله.

قال سلمه الله ان‌استقامت امتي فلها يوم و ان لم‌تستقم فلها نصف يوم.

اقول ما رأيت هذا الخبر فان صح فمعناه ان استقامت امتي علي الطريقة المثلي التي اتيت بها فلها يوم تام اي دولة تامة كاملة يقهرون بها من سواهم و ان لم‌تستقم علي الطريقة فلها نصف دولة و ان‌كانوا يستحقون ان لايكون لهم دولة ابدا الا انه لما حكم الله بان يظهر الاسلام علي الدين كله و لو كره المشركون فلهم دولة ناقصة حتي يظهر الحق و يقيم الناس علي الطريقة فيأتي يومهم اي دولتهم و اطلاق اليوم علي الدولة شايعة كما يقال اليوم يومك يا فلان و جاء يوم فلان و ذهب يوم فلان السلطان.

قال سلمه الله قوله تعالي و اما الجدار فكان لغلامين يتيمين قال في الغوالي اوحي الله الي موسي عليه‌السلام اني مجازي الابناء بسعي الاباء ما تقصير الابناء.

اقول ان الله يجازي الابناء بسعي الآباء اذا كانوا راضين بفعال آبائهم مفتخرين بها محبيهم مع علمهم بعصيانهم لله و لرسوله و اما ان‌كانوا برءاء مما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 504 *»

يفعلون ساخطين عليهم عائبين عليهم فالله اعدل من ان‌يؤاخذهم بسعي الآباء و قدحكم الله في عدله ان‌لاتزر وازرة وزر اخري و في الانساب الاخروية ليس البريء من فعل الاب الدنياوي ابنا له فالابن الحقيقي يجازي بفعل الاب ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا.

قال سلمه الله و ما سبب اعلمية الخضر من موسي8.

اقول لم‌يكن الخضر اعلم من موسي كلية فان موسي من اولي العزم و الخضر لم‌يكن من اولي العزم و لكن له جهة علم باطني و كان موسي مأمورا بالعلم الظاهر مشتغلا مهتما به و لم‌يكن احد من الانبياء مستجمعا لجميع العلوم الا محمد صلي الله عليه و آله فانه الكلي المحيط بجميع ما كان و ما يكون و غيره من الانبياء كان كل واحد موكلا بجهة عليما باشياء قال الله سبحانه و كتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة و لم‌يعطه جميع العلوم.

قال سلمه الله ان‌كان المعاد في المعاد هو الانسان بمجموع النفس و البدن و ان هذا البدن المعين الشخصي يعاد في الآخرة مع النفس دون بدن آخر ما معني قوله تعالي او ليس الذي خلق السماوات و الارض بقادر علي ان‌يخلق مثلهم بلي و هو الخلاق العليم.

اقول المثلية في الصورة و العينية في المادة و مثال ذلك انك تصنع لبنة ثم تكسرها و تردها الي الطين ثم تعيده في الملبنة و تصنع لبنة اخري من تلك الحصة من الطين بعينها فاللبنة الثانية هي البنة الاولي في المادة و الصورة النوعيتين و المادة الشخصية و هي غيرها في الصورة الشخصية فمن حيث الغيرية يصدق ان اللبنة الثانية مثل البنة الاولي الاتري انك لو صنعت الثانية مثلثة لم‌تكن مثل الاولي فالمعاد في المعاد مثل الشخص في الدنيا بهذا المعني فهو هو و هو غيره كما قال كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها فافهم.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 505 *»

قال سلمه الله ان الله سبحانه قدعلم قبل خلق الشيطان ايش يصدر منه فلم خلقه و ما الحكمة في خلقه و ساير الكفار.

اقول ان القوم كونا ساجدون لله عابدون و ان من شيء الا يسبح بحمده فان كان الفائدة عندكم العبادة فكل قد علم صلوته و تسبيحه و له اسلم من افي السموات و الارض طوعا و كرها و انما كفر من كفر في التشريع و يناله جزاء عمله و اذا كفر كافر فلايخرج عن الطاعة الكونية للمكون و اعلم ان الخلقة لنيل السعادة و هو لايحصل الا بالطاعة و الطاعة لاتتحقق الا بالاختيار و الاختيار لايتحقق الا بالتمكن من المعصية و لايمكن صدورهما عن الانسان الا باسباب ممكنة مكملة فخلق الخلق مختارين فمنهم من آمن و منهم من كفر و لولا الاختيار لما اطاع مطيع و لكان الخلق لغوا فافهم.

قال سلمه الله اذ خلقه علي مقتضي ارادته و مشيته فلم كلفه بمعرفته و طاعته و ما الحكمة في التكليف مع انه لاينتفع بطاعة و لايتضرر بمعصية و كل ما يعود الي المكلفين فهو قادر علي تحصيله لهم من غير واسطة.

اقول اعلم ان الله سبحانه حكيم لايفعل العبث و خلق الخلق لفائدة و هي نيل السعادة الابدية و لها اسباب من عمل بها نالها و من عمل باضدادها حرمها و التكليف هو الدلالة علي الاسباب الموصلة و المحرمة و دلهم ليختبرهم و يستحقوا منه اياها بتلك الاسباب و هو سبحانه لاينتفع بطاعة من اطاعه و هم ينتفعون و لايتضرر بمعصية من عصاه و هم يتضررون و هو قادر علي ان‌يعطيهم السعادة الابدية من غير عمل و لكن لو فرق بينهم من غير مميز لكان لهم الحجة و لو سوي بينهم لكان ظلما و اعلم ان الله سبحانه لا اقتضاء من ذاته لشيء من الاشياء فيعطي علي حسب طباعه و يجب ان‌يطعي ما يعطي بحسب القوابل فكلفهم حتي يظهر قوابلهم و استحقاقهم لما يستحقون فيا عباد الله سلموا لامر الله و لاتتعرضوا لحكم الله و لقدره و قضائه فانه عدل حكم حكيم عليم خبير بعباده لايفعل الا ما يوافق العدل و الاصلح.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 506 *»

قال سلمه الله اذ خلقه و كلفه فالتزم تكليفه بالمعرفة و الطاعة فاطاع و عرف فلم كلفه بطاعة آدم و السجود له و ما الحكمة في هذا التكليف علي الخصوص.

اقول اعلم ان ذلك تكليف عام في المكلفين ان‌يطيع كل الاعلي منه بدرجة و الشيطان كان من الجن و كان يجب عليه ان‌يخضع لآدم و يسجد له كما سجد له الملئكة لانه كان من الانس. و الانس اشرف من الجن و اقرب الي المبدء و واسطة بينه و بينه. و كما كان يجب ان‌يطيع كل امة رسولهم و كل شيعة امامهم و كل جاهل الاعلم منه و كل من هو ادني بدرجة الاعلي منه وجب ان‌يسجد ابليس لآدم.

قال سلمه الله ثم لما فعل ذلك، فلم مكنه من الدخول في الجنة و من وسوسة آدم بعد ان لو منعه من دخول الجنة استراح منه آدم و بقي خالدا في الجنة.

اقول يا عباد الله ليس لنا التعرض علي الله و ليس يمكننا فهم جميع حكم الحكيم و نحن لانفهم جميع حكم صنعة صانع خلقي هو احكم منا. فكيف يسعنا فهم حكمة خالق السموات و الارض فالاولي لنا ترك الفكر فيما لايعنينا و فيما هو ادق من فهمنا حفظا علي ديننا فمن خالف ذلك و لم يفهم و تردد في الريب فلايلومن الا نفسه. بالجملة ان الله تعالي ليس لذاته اقتضاء لشيء و هو حكيم خلق خلقا مختارا في جهات لله تسعه و كلفه في تلك الجهات باوامر و نواهي و مكنه من الفعل و الترك ليستحق الثواب و لولا ذلك ما استحق ثوابا. و من خلقه الشيطان ابليس لعنه الله خلقه عبدا مختارا و كلفه فترك امر الله و كفر و خلقه خلق يسعه دخول الجنة و في بدن الانسان و يجري مجري الدم لانه روحاني لطيف يصعد و ينزل و يطير كان كذا قبل كفره و بعد كفره و يسعه الوسوسة في النفس لانه روح يمازج الروح الحيواني و يسير في المشاعر و يخيل للانسان امورا و هو في اصل خلقته كذا كان، اي روحانيا لطيفا فلما كفر صار روحا كافرا و الروح الكافر يعصي بما يقدر عليه كما ان الانسان الكافر يعصي بما يقدر عليه كل علي حسب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 507 *»

قوته و هو من اسباب الملك كالعقاقير و الدواب و و الهوام و ذوات السموم و ساير الخلق و لم‌يسلط علي الانسان بان‌يفعل ما يشاء حاشا انه روح كافر يدعو الي الشر و يزينه فمن شاء ذهب اليه و من شاء لم‌يذهب و ان مثله الا كالداعين في السوق الي متاعهم فكل يدعو الي متاعه و ينعته و يمدحه و يزينه فكل من شاء ذهب الي داع و اشتري منه ما شاء و ليس له حبل علي عنق احد و فائدة خلقته لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالآخرة و ليرضوه و ليقترفو ما هم مقترفون و ليستخرج كوامن القلوب.

قال سلمه الله اذ خلقه و كلفه عموما و خصوصا و لعنه ثم طرقه الي الجنة و كانت الخصومة بينه و بين آدم فلم سلطه علي اولاده حتي يريهم من حيث لايرونه و لايؤثر فيهم وسوسته و لايؤثر في حولهم و قوتهم و ما الحكمة في ذلك بعد ان لو خلقهم علي الفطرة و ابقاهم علي ذلك فبعثوا طاهرين سامعين طائعين مطيعين كان احري بالحكمة.

اقول قد مر جواب هذه الفقرة آنفا و نؤكده انه لم‌يسلط علي آدم و لا علي ولده و انما هو داع الي شره و طريقه فمن شاء اتبعه و من شاء خالفه. و اما تأثير وسوسته في النفوس فلايؤثر الا في قلب فيه مرض و شقاوة و انما سلطانه علي الذين يتولونه و اعلم انه لاثواب الا للطاعة و لاطاعة الا مع التمكن من المعصية و لاتمكن الا بعد وجود اسباب المعصية و الشيطان من اسباب المعصية فلولا الشيطان لم‌يدخل احد جنة و لااستحق ثوابا فاشكر الله علي خلق الشيطان.

قال سلمه الله اذا استمهله امهله و ما الحكمة في ذلك بعد ان لو اهلكه استراح الخلق منه و ما بقي في العالم شر اليس بقاء العالم علي نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشر.

اقول قد عرف جوابه مما سبق و نزيد هنا ان الله سبحانه حكيم و الحكيم يفعل الفعل لفائدة و الفائدة ترجع الي الخلق لانه غني و الخلق لايصلون الي تلك

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 508 *»

الفائدة الا باكتساب الطاعات لانها الدعوات المقتضيات قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم لانه لا اقتضاء منه لشيء و لاطاعة الا مع التمكن من المعصية و لاتمكن الا بعد وجود اسبابها و الشيطان اعظم اسبابها فلولا الشيطان لاتمكن و لولا التمكن لاطاعة و لولا الطاعة لا اقتضاء و لولا الاقتضاء لافائدة و لولا الفائدة لا خلقة فانها لغو فلولا ابليس و جنوده لماخلق الله خلقا و لماجاز الخلق فاحمد الله علي وجودهم و اشكره فانك لاتنال خيرا في الدنيا و الآخرة الا بعد وجود ابليس و نظام الخير الامتزاج بالشر فان الاختيار يحصل بالامتزاج و لاطاعة الا بالامتزاج و المضطر ليس بمطيع اتري ان الخصي في عدم زناه مطيع ام الذي له آلة الزناء في برية لافاجرة فيها في عدم زناه مطيع حاشا فتدبر فيما ذكرت تجد ما يسكن به الفؤاد.

قال سلمه الله كتب ابوسعيد الهمي الي ابي علي‌سينا دلي علي الدليل فقال في الرسالة علي طريق الجواب الدخول في الكفر الحقيقي و الخروج عن الاسلام المجازي و الاتلتفت الا بماوراء الشخوص الثلثة حتي تكون مسلما و كافرا و ان كنت وراء هذا فلست مؤمنا و لاكافرا و ان كنت تحت هذا فانت مسلم كافر و ان كنت جاهلا من جميع هذا فانك تعلم ان لاقيمة لك و لانقد لك من جملة الموجودين فاورده ابوسعيد في كتابه المصابيح و قال اوصلني هذه الكلمات علي مالايوصل اليه عمر مائة سنة.

اقول هذه العبارة سهلة و ليس فيها اشكال فقوله دلني علي الدليل اي علي الله و الهادي الي طريق الرشاد فاجاب الدخول في الكفر الحقيقي باالطاغوت كما قال الله سبحانه فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله و الخروج عن الاسلام المجاز الذي يسمونه الناس اسلاما و ليس به و يكتفون بالشهادتين و يؤمنون باعداء الدين فهو اسلام لفظي مجازي غير حقيقي و ان لاتلتفت الا بماوراء الشخوص الثلثة اي الطواغيت الثلثة لعنهم الله و هم جبتا قريش و نعثل لعنهم الله و ما ورائهم هو شمس الهداية و اول الائمة عليهم السلام فلاتلتفت الي الثلثة بل التفت الي ما ورائهم رابع الثلثة حتي تكون مسلما حقيقيا لله و لرسوله و لحججه عليهم السلام و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 509 *»

ان الدين عند الله الاسلام و كافرا بالطاغوت و ان كنت وراء هذا اي علي غير هذا المذهب فلست مؤمنا بالله و لاكافرا بالطاغوت كما قال الله سبحانه فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها و الله سميع عليم و ان كنت تحت هذا اللواء متدينا بما قلت فانت مسلم حقيقي لله و لرسوله و لحججه عليهم السلام كافر بالطاغوت و ان كنت جاهلا غير عارف بمن تكفر به و بمن تسلم له و تؤمن به فانك تعلم ان لاقيمة لك فانك من المستضعفين و لانقد لك من جملة الموجودين فان قيمة كل امرء ما يحسنه.

قال سلمه الله قال بعضهم الكفر عندي واجب و عند المسلمين قبيح.

اقول اي الكفر بالجوابيت و الطواغيت عندي واجب و عند المسلمين اي المدعين للاسلام و هم اتباع الجوابيت قبيح و هو مثل ما مر اقتباس من قوله فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله.

قال سلمه الله في كلام بعض الحكماء في كل قهوة سكاري و لكل بحر مغرقون كم بين حاير في الظلمات زحزح عن نور الشمس و بين حاير اغرقه ضوؤها في قربها الاقرب.

اقول القهوة الخمر كما في القاموس و المراد ان لكل خمر سكاري اي لكل من خمر الباطن او الظاهر المحرمة و خمر المعرفة المخمرة للعقل المصحية للفؤاد و لكل بحر مغرقون اي لكل بحر من ابحر الفتن و الظاهر و ابحار المعارف و الحكم و العلوم و غيرها مغرقون كم بين حاير في ظلمات الشرك و الكفر و الجهالات زحزح اي بوعد عن نور شمس الايمان و المعرفة و العلوم و بين حاير اغرقه ضوؤها كقوله صلي الله عليه و آله رب زدني فيك تحيرا و هو في قرب الشمس الاقرب اي شتان بين الحاير في بوادي الضلالة و الحاير في بحر المعرفة و الحكمة و الاحدية و غيرها اي بينهما فرق كثير.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 510 *»

قال سلمه الله و قال اسلك سبيل الله ايها الفكور بقلب يقظان وقف موقف التعظيم لاتتعطل بما توانيت ايها المتخلق ولكن تبقي عريا عن الفضائل مد عينيك مدا و ابسطها بسطا ادرك الشاغلات من بنات الظلمة لذي القيوم قائما بالقهر علي رأس الوجود كله بالمرصاد.

اقول الذي افهم هذه العبارة محرفة و ايها المتخلق صوابه ايها المتخلف ولكن صوابه لكيلا و لما كانت محرفة علي حسب ظني لم اشتغل بمعناه و لاافهم معني ادرك الشاغلات الي آخرها و لا اتكلف اذ الظاهر انها محرفة وصدرها واضح.

قال سلمه الله و قال لايترك لاهل السيف الجاهلين ان‌يدنو و لا المرأة المشهوية الملقية بالطريق ان‌تشبث بذيلك و طوائف من النيران التي قل ضوؤها و كثر دخانها طفقت ينطفي لهبوب ريح زعزع ان عبدة البطن و الفرج في الدارين لعنوا لعنا يقطع ادبارهم و يردهم الي سواء البرزخ المشحون بالعذاب.

اقول ان طريقة القدماء تعمية العبارات لتعظيم المطالب و تحثيث الراغب و ليس تحتها شيء و الظاهر ان هذه العبارة ايضا محرفة و الصواب لاتترك بالجملة المراد من اهل السيف القوة الغضبية و المرأة المشهوية الظاهر انها محرفة و الصواب الشهوية و الملقية صوابها الملقاة و المراد منها القوة الشهوية و النيران التي قل ضوؤها و كثر دخانها كناية عن ايمان الضعفاء و تنطفي بهبوب الريح لانهم مستضعفون لايطيقون الفتن و الباقي ظاهر.

قال سلمه الله و عصي آدم ربه فغوي و قتل موسي و حكاية داود مع عصمة الانبياء ما تأويلها.

اقول هذه المسائل مفصلة في الفطرة السليمة راجعوها.

قال سلمه الله السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 511 *»

 كيف يجمع مع عدل الله سبحانه.

اقول الام هي الولي و الشقي يشقي في بطن الولاية اذا لم‌يقبلها و السعيد يسعد في بطنها اذ قبلها و لاجل ذلك صار صاحبها محل الاختلاف عم يتساءلون عن النبي الذي هم فيه مختلفون و ليس الاختلاف في الله و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و هو قسيم الجنة و النار و رحمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار و الام هي الشريعة و الشقي يشقي فيها اذا عصي و السعيد يسعد فيها اذا اطاع و هي محل الصورة و تمييز الابرار عن الفجار و الام هي عالم الذر لانه في مقام النفس التي هي الام فهناك سعد من سعد و شقي من شقي و ماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل فلااشكال و الحمد لله.

قال سلمه الله معراج النبي ان كان جسمانيا ما معني و عرجت بروحه الي السماء في دعاء الندبة و هذه آخرة مسائله.

اقول اعلم ان النبي صلي الله عليه و آله عرج الي السماء مائة و عشرين مرة كما رواه في الخصال عن ابي عبدالله7 و مرة منه او مرتان كان بجسمه الشريف جمعا بين اخبار المرتين و مائة و عشرين و لم‌يقم اجماع علي البواقي انها كانت بجسمه الشريف فلعله ذهب مرتين بجسمه و البواقي بروحه و لامنافاة و تفصيل المعراج مكتوب في ارشاد العوام فراجعوه.

فاختم الرسالة هنا لضيق المجال لهم الارتحال الي مشهد الرضا عليه سلام الله المتعال. ففرغ من هذه الاجوبة كريم بن ابرهيم في يوم الخميس السادس و العشرين من شهر جمادي الثانية من سنة اربع و سبعين بعد المأتين و الالف. حامدا مصليا مستغفرا تمت.