رسالة في جواب الملامحمد النهبنداني
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 451 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين لاسيما بقية الله في الارضين و علي رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين ابد الآبدين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قدوفد الينا العالم العامل و الفاضل الكامل المولي الممجد الملا محمدبنالملا ابراهيم النهبنداني ايده الله و وفقه و سأل عن مسائل كثيرة اراد مني جوابها علي الاستعجال و انا في تراكم الاشغال و اختلال الحال و اشتغال البال بتصنيف رسائل اخر كانت في يدي و لما كان سلمه الله عازما علي الارتحال قدمت جوابه علي ساير الاشغال و اعتذر اليه من بسط المقال لكثرة السؤال و ضيق المجال و من الله الاستعانة في كل حال فاجعل فقرات سؤاله سلمه الله كالمتن و جوابي له كالشرح كما هو عادتنا في اجوبة المسائل و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم.
قال سلمه الله بعد عنوان كتابه السؤال الاول بينوا ان الائمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين هل امتثلوا امر الاله في آية لاتستوي الحسنة و لا السيئة ادفع بالتي هي احسن ام لا لاشك في الامتثال لان العصمة تشهد بذلك فعلي هذا لم لمتدفع السيئة عنهم و لميتفرع علي الامر جواب الامر و هو فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم.
اقول هذه الآية نزلت في العشرة مع المخالفين فبين اول انه لاتستوي الحسنة اي العشرة الحسنة و لا السيئة اي العشرة السيئة مع الناس فان مقتضي العشرة الحسنة اكتساب المودة من الناس فان كل طبع يحب من يوافقه و يبغض من يخالفه فاذا عاملت الناس بما يحبون من الموافقة احبوك في هذه الخصلة و اذا عاملتهم بما يبغضون من المخالفة ابغضوك في هذه الخصلة فالعشرة الحسنة علة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 452 *»
من علل اكتساب المودة و العشرة السيئة علة من علل اكتساب العداوة بلاشك و لكن لمودة الناس علل عديدة و لعداوتهم علل عديدة فاذا اجتمعت العلل حصل المعلول كملا و اذا اختلفت العلل حصل من كل علة اثر ثم يتعارض تلك الاثار و يغلب الغالب و الحكم للغالب الا تري الي ما يقول الطبيب ان الافيون مجفف من شربه جفف مزاجه و يقول ايضا ان الحمام مرطب للمزاج فمن شرب الافيون و لميواظب علي الحمام جفف مزاجه و لكن اذا واظب علي الحمام فما شرب من الافيون يجفف و ما واظب عليه من الحمام يرطب و الحكم للغالب فكذلك دفع السيئة بالتي هي احسن من اسباب اكتساب مودة الناس و لعداوة الناس ايضا اسباب اذا خلوا عن تلك الاسباب يؤثر دفع السيئة بالتي هي احسن اثرا تاما و اما اذا عارضه اسباب العداوة من حسدهم و شقاوتهم و تباينهم الذاتي و بخلهم و كبرهم و حبهم للرياسة فالغالب هو الظاهر حكمه و ليس ان المغلوب لااثر له حينئذ مطلقا بل له اثر ما و لولاه لاشتد عداوة العدو اكثر بالجملة مقتضي العشرة الحسنة بنفسها اكتساب المودة فلو كان العدو خذله الله يعادي لاسباب اخر فلا ذم عليك و لاحجة له عليك و اما اذا اسأت العشرة له حجة عليك و يشتد عداوته هذا و قدقال الله سبحانه كأنه ولي حميم يعني في عدم قدرته علي التشبث بحجة في عداوتك و لميحكم عليه بالولاية اذ تقية المؤمن لايجعل الكافر مسلما نعم تقطع حجته فاذا عاداك لخبثه الذاتي بلاحجة فلا عليك و هذا ظاهر.
قال سلمه الله الثاني في جواهر السنية عن ابيعبدالله7 قال ان الله عزوجل يقول من شغل بذكري عن مسئلتي اعطيته افضل ما اعطي من سألني و هذا الحديث بظاهره ينافي مفهوم آية ادعوني استجب لكم اي ان تدعوني استجب و مفهوم الشرط عدم الاستجابة حين عدم الدعاء و المسئلة فما التوفيق.
اقول ان الدعاء له اقسام منها كونية و منها الشرعية فالكونية محض افتقار الممكن الي ربه في ذاته و انقطاعه الي ربه و استجابة الله سبحانه له ايجاده اياه و هما مساوقان في الوجود و هو قوله سبحانه قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 453 *»
اما الشرعية فهي الادعية الوصفية و لها مراتب فمنها دعاء اعتقادي عقلي و منها دعاء علمي نفساني و منها دعاء مثالي تخيلي و منها دعاء عملي جسماني و هو اما قولي لساني و اما عملي اركاني و القول بعض ذلك العمل فكل هذه الاوصاف السنة داعية من الله سبحانه ما يناسبه فاذا دعا العبد بجميع هذه الدعوات ربه في شيء لايتخلف الاجابة عنه بوعد الله سبحانه الصادق و اما اذا دعا ببعضها لامر و دعا ببعضها لخلافه وقف الاجابة موقف الغالب و نزلت علي حسب الغالب فقطع الرحم يستدعي من الله قصر العمر و هو يقول بلسانه اللهم اطل عمري فايهما غلب يتبعه الاجابة و علي هذه فقس ما سواها فمن الادعية الكاملة اشتغال العبد بثناء الله سبحانه و تمجيده و تحميده و تهليله و تكبيره و تسبيحه فان العبد حال الذكر منقطع عما سوي الله اليه و حال الدعاء متوجه الي حاجاته و بينهما بون بعيد فاذا اشتغل العبد بالذكر عن الدعاء اللساني للحاجة اعطي افضل ما يسأله السائل بلسانه اذ هو حينئذ داع بافضل الدعوات و اجزلها الذي به يصلح امر الدنيا و الآخرة فلميستجب له بلادعاء اذ الذكر افضل الدعوات هذا و الداعي يعطي علي حسبه و الذاكر يعطي علي حسب المذكور و شتان بينهما اللهم نبهنا بذكرك في اوقات الغفلة و لاتتركنا مع الغافلين.
قال سلمه الله الثالث في الحديث ان الصلوة الواحدة في مسجد الكوفة حجة و في حديث آخر ان مطلق الصلوة عشرين حجة و هما متنافيان ظاهرا فما معناه.
اقول ان الصلوة لها في نفسها ثواب و في ايقاعها في الاماكن و الاوقات او مقترنة بمقارنات كالتطيب و التزوج او غير ذلك ثواب آخر فلاتنافي بين الحديثين و من هذا الباب المكروه من العبادات كالصلوة قبل طلوع الشمس مثلا فلاكراهة في نفس الامر الراجح و انما الكراهة في الايقاع في وقت خاص فلارجحان في فعل الراجح في ذلك الوقت دون غيره و كذلك يزداد الثواب بخصوصيات خارجة لاحقة بالصلوة.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 454 *»
قال سلمه الله الرابع كيف يتطابق هذان الحديثان احدهما يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل ان يغفر للعالم ذنب واحد و ثانيهما يغفر للعالم سبعمائة ذنب قبل ان يغفر للجاهل ذنب واحد.
اقول اعلم ان افضل العبادات العلم و هو اعظم اسباب المغفرة و الاحاديث في فضله اكثر من ان احصيها و هو بنفسه كفارة للذنوب و ان الحسنات يذهبن السيئات و لاحسنة افضل من العلم البتة المتسمع ان رسول الله9 قال فضل العالم علي العابد كفضلي علي ادناكم و ذلك فضل لاغاية له و لانهاية الا ان المعصية عن علم و المعصية عن جهل ليس حيث ذهبت اعلم ان العلم حضور المعلوم عند العالم فاذا غاب المعلوم عن العالم فهو ليس حينئذ بعالم فاذا الغافل و الساهي ليسا بعالمين و الذي غلب عليه الشهوة او الطبيعة او غيرهما حتي غطت عين قلبه فارتكب موبقا هو جاهل حين ارتكابه و ان كان عالما حين تذكره كما روي عن ابي عبد الله7 انه قال كل ذنب عمله العبد و ان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه فقدحكي الله سبحانه قول يوسف لاخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون فنسبهم الي الجهل لمخاطرتهم بانفسهم في معصية الله انتهي.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الناس علي قسمين عالم و جاهل و العالم افضل من العابد بما لايحصي و العلم بنفسه عبادة عظيمة مكفرة للذنوب و العالم قدعمل بالتعلم و مأخوذ بالعمل بعلمه و الجاهل مأخوذ بالتعلم و لاعمل له قبل العلم فالجاهل فاقد للامرين و العالم فاقد لامر واحد فالعالم ذنبه علي قسمين اما يذنب نعوذ بالله صبرا و عمدا مع التذكر و اما يذنب غفلة و سهوا و بشهوة غلبت و بطبيعة استولت او غير ذلك فالذنب الذي يشتد عليه امره و هو اشد من ذنب الجاهل هو الذنب الذي اذنبه صبرا نعوذ بالله فيغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل ان يغفر للعالم المتذكر المذنب صبرا ذنب واحد و اما ساير الذنوب فيغفر للعالم قبل الجاهل البتة لقوله سبحانه انما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 455 *»
قريب و لقوله سبحانه اذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم علي نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده و اصلح فانه غفور رحيم و العالم هو الذي يؤمن بآيات الله عن بصيرة و يتوب من بعده عن قريب و يصلح فعن ابيذر قال قال رسول الله9 يا اباذر من خرج من بيته يلتمس بابا من العلم كتب الله عزوجل له بكل قدم ثواب نبي من الانبياء و اعطاه الله بكل حرف يسمع او يكتب مدينة في الجنة و طالب العلم احبه الله و احبه الملئكة و احبه النبيون و لايحب العلم الا السعيد فطوبي لطالب العلم يوم القيمة و من خرج من بيته يلتمس بابا من العلم كتب الله له بكل قدم ثواب شهيد من شهداء بدر و طالب العلم حبيب الله و من احب العلم وجبت له الجنة و يصبح و يمسي في رضاء الله و لايخرج من الدنيا حتي يشرب من الكوثر و يأكل من ثمرة الجنة و يكون في الجنة رفيق خضر7 و هذه كله تحت هذه الآية يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات و عن علي7 كم من مؤمن يخرج من منزله في طلب العلم فلايرجع الا مغفورا و عن النبي9 من تعلم مسئلة واحدة قلده الله يوم القيمة الف قلائد من النور و غفر له الف ذنب و هييء له مدينة من ذهب و كتب له بكل شعرة علي جسده حجة و من تعلم بابا من العلم عمل به او لم يعمل كان افضل من ان يصلي الف ركعة تطوعا انتهي.
بالجملة العلم بنفسه عبادة مكفرة استغفر او لميستغفر و العلم بنفسه استغفار فالعالم اذا اذنب بجهالة كما شرحنا يغفر له قبل الجاهل فالعالم المشدد عليه الامر هو المذنب صبرا و عمدا و متذكرا نعوذ بالله فهو امره شديد.
قال سلمه الله الخامس الظاهر التنافي بين هذه الآيات و هي ان الحسنات يذهبن السيئات و ادفع بالتي هي احسن و اولئك يبدل الله سيئائهم حسنات و بين هذه الاحاديث التي تدل علي ان السيئة تمحو الحسنة و هي الحسد يأكل الحسنات
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 456 *»
كما تأكل النار الحطب و ذهب اعمالك باغتياب الناس و الحديث المشهور عن معاذ[بن] جبل ان الاملاك الحاجبين الموكلين في السماوات يردون اعمال العباد بمعاصيهم من الغيبة و الكبر و العجب و الريا و غير ذلك فما التوفيق بين هذه الاحاديث و تلك الآيات.
اقول كانه ذكره لآية ادفع بالتي وقع سهوا فانه لادخل له باحباط السيئات وا لحسنات و اما الجمع بين الآيات و الاخبار المذكورة فاعلم ان الله سبحانه قديم ازلي ثابت و مشيته ثابتة مخلوقة بنفسها و ان الله سبحانه خلق بمشيته تلك الوجود و هو مطابق لمشيته سبحانه في الاقتضا فمقتضاه الخير و النور و الطاعة و خلق الله بنفس الوجود الماهية و هي علي خلاف المشية تقتضي خلاف محبة الله سبحانه اي الشر و الظلمة و العصيان و هو قوله تعالي في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و هما النور و الظلمة الذين في قلب الانسان فاذا عمل الانسان بمقتضي وجوده صدر عنه الحسنات و هي قائمة بالوجود و ثابتة مادام الوجود المؤثر له ثابتا و اذا عمل الانسان بمقتضي ماهيته صدر عنه السيئات و هي ثابتة مادامت الماهية ثابتة و الوجود و الماهية ثابتان مادام الشخص ثابتا و هو ثابت ابدا لايفني بالكلية فالوجود و الماهية ثابتان ابدا و مقتضياهما ايضا ثابتان ابدا لايحبط هذه هذه و لا هذه هذه و ذلك قوله من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره و وجدوا ما عملوا حاضرا فلااحباط في الاعمال الاصلية الصادرة عن الانسان من وجوده و ماهيته الذاتيين نعم للانسان اعراض و لطخ و خلط يصدر عنها حسنات عرضية و سيئات عرضية فان عمل الانسان سيئات عرضية يحبطها الحسنات و يذهبن بها كما يدفع و يحبط البدن الصحيح القوي الاذي عن نفسه و يميط المرض من غير ازالة خارجية و علاج خارجي و قديغلب المعصية الذاتية الحسنة العرضية و تحبطها و قديحبط المعصية العرضية الحسنة العرضية لان الحسنة العرضية سيئة مثلها الذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئا فتنبه و اما الحسنة الذاتية فلايحبطها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 457 *»
السيئة و لاتغلب عليها ابدا و لميجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا و لايغلب ظلمة الشيطان نور الرب جل جلاله سرمدا نعم الحسنات العرضية الغير المستقرة و الغير الصادرة عن ذات الشخص الغير المتصلة بالمشية الثابتة لله القديم الدائم تحبط بواسطة السيئات الصادرة عن ذات الشخص و تمنعها من الصعود و اما اذا كانتا ذاتيتين فهما ثابتتان لايحبط هذه هذه و لا هذه هذه فلها ما كسبت و عليها ما اكتسبت فيقف في درجة يقتضيها اصعاد الحسنات و اهباط السيئات و من غفر له ذنب فهو منه عرضي و ازيل بطاعة او شفاعة او رحمة او غير ذلك و الذاتي لايغفر و الا لبلغ كل عاص مغفور له درجة من لميعص و حاشا من ذلك فافهم راشدا موفقا.
قال سلمه الله السادس في تفسير آية ان الحسنات يذهبن السيئات قال7 الصلوات الخمس تكفر ما بينهن من السيئات ما اجتنب الكباير و في حديث آخر ما عدا الكباير و هذا الحديث بظاهر[ه] لايستقيم لان اجتناب الكباير مكفرة للسيئات لقوله تعالي ان تجتنبوا كباير ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فالسيئات مكفرة باجتناب الكباير فكيف تكفر بالصلوة بينوا اجركم علي الله.
اقول ان من اجتناب الكباير عدم ترك الصلوة فمن اداها حق ادائها قداجتنب الكبيرة التي هي ترك الصلوة و يكفر عنه به السيئات فمن اجتنب هذه الكبيرة و عمل بساير السيئات يغفر له بصلوته ما سوي الكباير و الا لمتغفر.
قال سلمه الله السابع ما معني هذا الحديث لو علم الناس كيف خلق الله الخق لميلم احد احدا و كيف يتطابق مع وجوب النهي عن المنكر.
اقول ان المراد من هذا الخبر ان للايمان درجات و كل مؤمن في اصل خلقته في درجة يقدر علي عمل و علم يناسبان تلك الدرجة و يعجز عن عمل و علم يناسبان الدرجة العليا و ليسا في وسعه و لايكلف الله نفسا الا وسعها و لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذا لظالمون فلو علم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 458 *»
الناس درجات كل فرد فرد لميلم الاعلي الادني بدنوه و تسفله و لايكلفه شططا و لايحمله علي ما لايطيق كما لايأخذه الله بما لميجعل فيه و في وسعه فلايطالب الانبياء بعلم الخاتم7 و عمله و لايكلفهم بهما و لايلومهم بعدم اتيانهم بهما و كذلك لايكلف الناس بعمل الانبياء و لايطالبهم به و لايلومهم بتركه و كذلك الناس في درجاتهم لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لكفره و لميكلف ابوذر بتكليف سلمان و علمه و عمله و لايلام بتركه اياهما و كذا البواقي فمن علم كيفية الخلق و عرف درجات الناس لميلم احدا منهم اذا اتي بما هو في حده و اما اذا قصر عما هو في حده فيلام اشد لوم فما وجب فيه الامر و النهي فهو مما يمكن جميع الناس تركه و الا لما كلفوا به و لما لامهم الله في كتابه و لما لامهم الحجج القائلون هذا الحديث في احاديثهم و لو راجعت كتاب الكافي في باب هذا الخبر و الذي قبله لوجدت ما قلت ظاهرا و الحمد لله.
قال سلمه الله الثامن ما معني هذا الحديث عن النبي9 قال نزل علي جبرئيل فقال يا محمد ان الله يقرؤك السلام و يقول اشتققت للمؤمن اسما من اسمائي سميته مؤمنا فالمؤمن مني و انا منه من استهان مؤمنا فقد استقبلني بالمحاربة.
اقول الاشكال في الفقرتين فمن عرف الاولي عرف الثانية فان المراد بقوله المؤمن مني ليس انه جزء ذاتي او من جنس ذاتي قطعا فالمراد انه من نوري الذي خلقته كما روي في تفسير ان المؤمن ينظر بنور الله اي النور الذي خلق منه و ان الله خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته و ان الله خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه الي غير ذلك من الاخبار فالمراد ان مادة المؤمن من نوري او من جنس نوري و اما انا منه فالمراد بقوله انا هو ذلك النور الذي خلق منه و عرف به نفسه و وصف به نفسه له و تجلي به له كما في المنقول عن الانجيل يا ابن آدم اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفنا و باطنك انا و المراد بالباطن هو ذلك النور
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 459 *»
و هو تجلي الله سبحانه له بالانانية. العبودية جوهرة كنهها الربوبية و ليس كنهها ذات الله بالبداهة فهي الربوبية اذ مربوب و هي الانانية الظاهرة. فالمؤمن من ذلك النور و ذلك النور من المؤمن و كل الي كل مضاف و منسوب فلااشكال و الحمد لله.
قال سلمه الله التاسع في جواهر السنية عن ابي عبد الله7 قال لما اقام العالم7 الجدار اوحي الله الي موسي اني مجازي الابناء بسعي الآباء ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا الا لاتزنوا فتزني نساؤكم و ان وطيء فراش امرء مسلم وطيء فراشه كما تدين تدان و هذا الحديث بظاهره ينافي قوله تعالي و لاتزر وازرة وزر اخر و ان ليس للانسان الا ما سعي فما تقصير الابناء و النساء لان التالي موجود بوجود المقدم لامحة.
اقول اعلم ان العدل الربوبي يقتضي ان لاتزر وازرة وزر اخري و ان يكون لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و ذلك لاشك فيه و لاريب يعتريه و لكن اذا رضي احد بفعل فاعل فهو شريكه في فعله و ان لميفعل و عاقه عائق عن فعله و يعذب يوم القيمة عذاب الفاعل كما تقرؤ في الزيارة لعن الله امة قتلتك و لعن الله امة ظلمتك و لعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به و بذلك خاطب الله اليهود في عصر النبي9 و اذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها و عقر ناقة ثمود رجل واحد و قال الله سبحانه فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسويها فعن ابي عبد الله7 في قوله سبحانه فلم تقتلون انبياءالله من قبل ان كنتم مؤمنين انما انزل في قوم من اليهود كانوا علي عهد رسول الله9 لميقتلوا الانبياء بايديهم و الا كانوا في زمانهم و انما قتل الذين كانوا من قبل فجعلهم الله منهم و اضاف اليهم فعل اوايلهم بما تبعوهم و تولوهم و يشهد بما ذكرنا ما روي عن حلية الابرار بسنده عن عبد السلام بن صالح قال قلت لابي الحسن علي بي موسي الرضا7 ما تقول في حديث روي عن الصادق7 انه قال
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 460 *»
اذا قام القائم7 قتل ذراري قتلة الحسين7 بفعال آبائها فقال7 هو كذلك قلت فقول الله عزوجل و لاتزر وازرة وزر اخري ما معناه فقال صدق الله في جميع اقواله لكن ذراري قتلة الحسين7 يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها و من رضي شيئا كمن اتاه و لو ان رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عزوجل شريك القاتل و انما يقتلهم بالقائم7 اذ اخرج لرضاهم بفعل ابائهم الخبر. فاذا زني الزاني و تولته زوجته ابتلت به برضائها و اذا عصي العاصي و تولته ذريته و تبعته جوزيت بعصيانه البتة فاعتبر.
قال سلمه الله العاشر و فيه ايضا عن الصادق7 عن ابيه عن آبائه: قال قال رسول الله9 قال الله جلجلاله انا الله لااله الاانا خلقت الملوك و قلوبهم بيدي فايما قوم اطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة و ايما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة الا لاتتشغلوا بسبّ الملوك توبوا الي اعطف بقلوبهم عليكم, مولاي بينوا اذا كان سخطة قلوب الملوك بيدي الله سبحانه و جعله تعالي فما تقصير الملوك في الظلم و العدوان.
اقول اعلم انه لاشك و لاريب في ان ما سوي الله حادث و كل حادث مخلوق لله سبحانه و هو قوله سبحانه ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء و هو الواحد القهار و هو ما روي انه ما من شيء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن كان يزعم انه يقدر علي نقص واحدة فقداشرك ثم لاشك ان الله ابي انيجري الاشياء الا باسبابها و جعل لكل شيء سببا فيسخن بالشمس مثلا و يبرد بالقمر و ينبت بالمطر و يكسر بالحجر و يقتل بالسيف و هكذا و لاينافي وجود الاسباب صدور كل فعل عنه فرب فعل لله سبحانه يجري في العالم علي ايدي خلقه فلمتقتلوهم و لكن الله قتلهم و مارميت اذ رميت و لكن الله رمي قل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 461 *»
افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون بل هو الزارع جلجلاله و لكنه سبحانه يجري كل فعل بسبب مناسب مستعد لذلك و تلك الاسباب اختصت بآثارها باختيارها فصار كل شيء هوهو باختياره كما هو محقق في محله فكل سبب صار سبب مسبب باختياره فبعد ما خلق الاسباب باختيارها علي ما هي عليه اجري ما اراد علي يد سبب مناسب فلرب امر سببه المناسب الصالح مؤمن موحد و لرب امر سببه الصالح له رجل مشرك كافر و لرب امر سببه الصالح رجل فاسق و لرب امر سببه الصالح رجل و لرب امر سببه الصالح رجال فالامور العامة سببها الصالح اشخاص صالحون لتلك الامور العامة كالملوك المستولين علي العباد بتغلبهم و سوء اختيارهم فاذا تغلبوا علي العباد و البلاد و صلحوا لاجراء امور عامة اجري الله جلجلاله اياها علي ايديهم فاذا اطاع قوم و استحقوا من الله سبحانه رحمة شاملة استعمل الله جلجلاله لتلك الرحمة الشاملة الملوك المتغلبين المستولين الصالحين لحسن السيرة و اذا عصوا و استحقوا السخطة من الله سبحانه استعمل الله قلوب الملوك و المتغلبين المستولين الصالحين لسوء السيرة في الخلق فاذا لميصلح ملك لذلك عزله الله سبحانه او اماته و استبدل به ملك سيء السيرة حتي يعذب به العباد و ما كان الله ليظلمهم ولكن الناس انفسهم يظلمون و حاشا انيستعمل الله ملكا عادلا مؤمنا في الظلم علي العباد هذا في الملوك المتغلبين ظلما و اذا كان الملك عادلا جازي به المطيعين بالرحمة و الفضل و توفير العطايا و الهبات و الصلات و جازي به العاصين ما يستحقونه من العذاب فتثبت يرحمك الله.
قال سلمه الله الحادي عشر ما معني هذا الحديث المؤمن ليس بحقود و هذا باطلاقه يدل علي عدم جواز حقد المؤمن لاعداء الله مع ان البغض في الله و المعاداة لاعداء الله واجب فما الجواب و ما النسبة بين الحقد و العداوة من النسب الاربع.
اقول اعلم ان الحقد هو امساك العداوة في القلب و تربص الفرصة مأخوذ من حقد المطر اي احتبس و الحقود هو كثير الحقد فبين الحقد و العداوة عموم من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 462 *»
وجه فالمؤمن ليس بحقود بالطبع كثير الحقد قدغلب عليه الحقد طبعا فان الحقود بالطبع لايفرق بين ولي و عدو و المؤمن حبه باشارة ايمانه و حقده باشارة ايمانه لابطبعه فان الطبع اعمي لايراعي المحل و الايمان بصير يراعي المحل فان وجد محلا استعمله و الا امسك عنه فان ايمانه مسلط علي طبعه بخلاف غير المؤمن فان طبعه مسلط علي ايمانه فهو كثير الحقد علي المؤمنين و الكافرين.
قال سلمه الله الثاني عشر ما الدليل علي نجاسة ملاقي المتنجس بعد زوال العين عنه من الادلة الاربعة علي المشهور و ما رأي جناب مولاي فيه.
اقول اني ما وجدت لتنجيس المتنجس الجامد بعد زوال العين عنه وجها وجيها و ان كان مشهورا و القول بالعدم نادرا و الامر الثابت اليقيني تنجيس عين النجس و قدزال و الاصل طهارة الملاقي و عدم دليل صالح علي تنجيس المتنجس كافي في طهارة الملاقي هذا و بعض الاخبار مؤيدة للعدم و هو رحمة من الله سبحانه علي عباده و انسب الي الشريعة السهلة السمحة الحنيفية و من احتاط في دينه لايخيب.
قال سلمه الله الثالثعشر ما معني هذا الحديث مازال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا فعلي هذا ما كان ظاهرا هل هو علم ام لا.
اقول لازال العلم مكتوما منذ قتل قابيل هابيل و صارت الآفاق مايلة و دول الضلال غالبة و غاية الغلبة كان في زمن نوح7 حيث غرّق الله العالمين ولكنه مكتوم عن غير اهله و مبذول لاهله و هم قليلون و الحكم للغالب الاتري ان الله سبحانه ذم قوما كتموا العلم عن اهله فقال ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون و مدح الصادق7 قوما كتموا العلم عن غير اهله فقال نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همه لنا عبادة و كتمان سرنا جهاد في سبيل الله و فصل عيسي بن مريم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 463 *»
8 كما اخبر به النبي9 قال عيسي بن مريم قام في بني اسرائيل فقال يا بني اسرائيل لاتحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها و لاتمنعوها اهلها فتظلموهم و لاتعينوا الظالم علي ظلمه فيبطل فضلكم.
بالجملة لاشك ان العلم كان مكتوما عن غير اهله و لميك في ايديهم الا الجهل فانه ليس العلم الا ما خرج من عند آل محمد: و العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب و هم اهل الظلمة و يبغضهم الله سبحانه.
قال سلمه الله الرابععشر عد من تعقيب الصلوة الحمد لله الذي يفعل ما يشاء و لايفعل ما يشاء غيره فعلي هذا ما تقصير العبد لان المعصية بمشية الله و هو فعال لما يشاء و غيره لايفعل ما يشاء.
اقول من معاني هذا الدعاء ان يؤخذ لفظة ما للعموم فانها من ادواته فالله يفعل جميع ما يشاء و لايقدر علي فعل جميع ما يشاء غيره و لاشك في ذلك فانه لاكل ما يتمني المرء يدركه «تجري الرياح بما لاتشتهي السفن» و من معانيه انه يفعل الله ما يشاء بدون حاجة الي غيره و لايقدر احد غيره علي فعل ما يشاء بدون حاجة الي غيره فان القدر في اعمال العباد كالروح في الجسد و الجسد بلاروح لاحراك له و العبد بدون مصاحبة مشية الله و ارادته و قدره و قضائه لايقدر علي فعل البتة فالله يفعل ما يشاء مستقلا و لايفعل غيره ما يشاء مستقلا و لايلزم من ذلك ان لايكون للعبد تقصير في فعل المعصية فان العبد هو المختار بالله سبحانه و مصاحبة مشيته فان اختار الخير يقدر عليه و يفعله بمشية الله و ان اختار الشر يقدر عليه و يفعله بمشية الله و لولا مصاحبة مشية الله معه لميقدر علي شيء و اشبه شيء بذلك الشاقول الذي في يد البناء فان صعد الشاقول فبرفع البناء و هو اولي بالرفع و للشاقول مدح الارتفاع و قبول الرفع و انهبط الشاقول فبارخاء البنا و الشاقول اولي بالهبوط و له ذم الهبوط فما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 464 *»
يكادون يفقهون حديثا و يشرح ذلك كله ما رواه في الكافي بسنده عن احمد بن محمد بن ابي نصر قال قلت لابي الحسن الرضا7 ان بعض اصحابنا يقول بالجبر و بعضهم يقول بالاستطاعة قال فقال لي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال علي بن الحسين قال الله عزوجل يابن آدم بمشيتي كنت انت الذي تشاء و بقوتي اديت الي فرايضي و بنعمتي قويت علي معصيتي جعلتك سميعا بصيرا ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و ذلك اني اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك مني و ذلك اني لااسأل عما افعل و هم يسألون فقدنظمت لك كل شيء تريد انتهي فالله يفعل ما يشاء مستقلا و لايفعل غيره ما يشاء مستقلا فافهم.
قال سلمه الله الخامس عشر ما المراد من القسم لأن ق س م ليس بقسم و ما معني قسم الله بائمة الجور في آية و الليل اذا يغشيها كما في الصافي.
اقول اعلم ان القسم هو رعاية حرمة المقسم به و تفقده و يقسم بالله او بغيره للماضي او المستقبل اي يراعي حرمة الله او حرمة غيره عليه و يتفقده فيحضره بذكره فيصادقه مراعاة لحرمته الموجبة عليه المصادقة فان من يراعي له حرمة هو من له حق عليك و استعلاء و استيلاء حقيقة او يجعل بمنزلة غلطا و ليس به و من حق من له استعلاء عليك و استيلاء ان يصادقه شكرا لنعمته و حياء من عظمته لاطلاعه عليك فتذكر من هو هكذا و تحضره بين من تحلف له و بينك بالذكر و التسمية حتي يعلم من تحلف له انك ان كاذبته لاتكاد تكاذب من حلفت به مراعاة لحرمته فالمحلوف به اما يستحق ان يحلف به واقعا او لايستحق و يجعله في محله لغاية تعلقه به او تعظيمه له و امثال ذلك فجعل ادوات هذه الرعاية و الاحضار في اللغة الباء و الواو و التاء فيذكر المحلوف به بهذه الحروف فاذا قيل اقسم فلان بفلان يراد به تفقد فلان فلانا و راعي حرمته و كذلك الحلف و اليمين فكلها بمعني المعاهدة و التفقد و المراعاة للحرمة و اما معني قسم الله بائمة الجور فعن
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 465 *»
الصدوق ابن بابويه باسناده عن علي بن مهزيار قال قلت لابيجعفرالثاني7 جعلت فداك في قول الله عزوجل و الليل اذا يغشي و النهار اذا تجلي و قوله عزوجل و النجم اذا هوي و ما اشبه هذا فقال ان الله عزوجل يقسم من خلقه بما يشاء و ليس لخلقه ان يقسموا الا به عزوجل انتهي و سر ذلك ان للخلق مراتب عديدة و من مراتبه مرتبة الاسماء و الصفات و كمالات الله جل جلاله ففي ذلك اللحاظ قيل ليس الا الله و صفاته و اسماؤه و في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و في دعاء آخر ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك و في الكتاب او لميكف بربك انه علي كل شيء شهيد و هو اكبرشيء شهادة ففي هذا اللحاظ يحلف الله بما يشاء من خلقه و يراعي حرمة كل شيء و هي الحرمة التي جعلها له و اما في التشريع الذي فيه كفر و ايمان و نور و ظلمة و سعادة و شقاوة فلا و لاكرامة لاهل سجين و لاشرافة لهم عند ربهم و يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون و لاذمة لهم و لاعهد و لارعاية و لاحرمة و اما سر نفس اقسام الله فهو من جهة انزال نفسه بتداني رحمته منزلة من يصاقع الخلق و يجانسهم فيكلمهم علي حسب مقامهم و يؤكد كلامه بما يؤكدون به كلامهم تفخيما للامر و تعظيما للواقعة كما يفخمون امرهم و يعظمونه.
قال سلمه الله السادسعشر هل يجب علي المكلفين تعلم علم الاخلاق و العمل بمقتضاه ام لا و ان وجب فلم لميعدوه الفقهاء من الواجبات و لميبحثوا عنه مع دقة فهمه و باحثوا و اطنبوا القول في السبق و الرماية و غيره من الامور التي لااحتياج لنا و لهم اليها في العمر مرة.
اقول اعلم ان علم سياسة النفس علم له مراتب ثلث الاولي منها متعلقها الابدان و تسمي هي في اصطلاحات العرفاء بعلم الشريعة و الثانية متعلقها النفوس الناطقة و تسمي فيها بعلم الطريقة و الثالثة متعلقها العقول و الحقايق و تسمي فيها بعلم الحقيقة و لكل اهل و قدامر الله سبحانه نبيه (ص) انيدعو كلا منهم بلسانه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 466 *»
فقال ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فدعي اصحاب الحقايق بالحكمة و اصحاب الطريقة بالموعظة الحسنة و اصحاب الشريعة بالمجادلة و صدر عنه9 احاديث لكل نوع نوع و انزل الله سبحانه آياً في كتابه لكل نوع منهم و لكل درجة منها اهل و قوم و في كل قوم علماء فقهاء يدعون قومهم و ينذرونهم بلسانهم و ما يناسب مقامه فكتب الاخبار بجميع ذلك مشحونة الا ان الفقهاء في كتبهم الفقهية كتبوا مسايل الابدان و قليلا من مسائل النفوس في هذه الكتب المعروفة استطرادا و كتبوا مسائل علم النفوس في ساير كتبهم الاخلاقية فان لكل نوع من العلم كتابا و محلا مخصوصا و ليس انهم تركوها رأسا الا ان الناس لاخير فيهم و قدهجروا تلك الكتب و سكتوا عن ذلك العلم و لميعلموا و لميعملوا حتي صالحوا علي تركه بالكلية و هو مضبوط عند اهله و الحمد لله.
قال سلمه الله السابععشر ما معني هذه الآية لقدمن الله علي المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم و ما وجه الاختصاص بالمؤمنين اذ الرسول مبعوث علي المؤمن و الكافر ليهلك من هلك عن بينة.
اقول ان المنة المذكورة في هذه الآية متعلقها جعل الرسول من انفسهم فان قوله من انفسهم هو القيد الزايد الذي هو محل عناية المتكلم في كلامه و الرسول9 ليس من انفس الكافرين و لا من جنسهم و لا من طينتهم فان المؤمنين من عليين و النور و الرسول9 منهم و الكافرين من سجين و الظلمة و ليس النبي9 منهم قال تعالي من اتبعني فانه مني فالنبي من المؤمنين و هم منه لا الكافرين و ان كانوا ظاهرا في صورة البشر و كان النبي9 ايضا في صورة البشر و قال انا بشر مثلكم و لميخاطب الكافرين فيقول انا من انفسكم هذا و في الآية قيود زايدة اخري و هي يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و هذه التزكية و التعليم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 467 *»
حصل في المؤمنين دون الكافرين فالمنة في هذه القيود علي المؤمنين خاصة هذا و عن القمي عليهم اي علي آل محمد: و هو حقيقة الآية الاولي فان المؤمنين الذين يكون الرسول9 منهم علي الحقيقة و من كل جهة هم آله الذين هم منه و هو منهم كقوله9 حسين مني و انا من حسين و كقوله7 انا محمد و محمد انا و قوله7 كلنا محمد فالرسول من انفس آل محمد7 كما تشهد به و انفسنا و انفسكم و ذرية بعضها من بعض و اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض فهذا المعني هو الحقيقة الاولي للآية فالمنة بذلك علي آل محمد: خاصة دون ساير المؤمنين و هو دعوة ابيهم ابرهيم7 حيث دعا و قال ربنا و ابعث فيهم اي في ذريتي رسولا منهم يتلو عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم انك انت العزيز الحكيم فليس هذه المنة علي الكافرين و لمتتعلق بهم.
قال سلمه الله الثامنعشر هل يعتبر العدالة في مستحق الخمس و الزكوة ام لا و مع عدم الاعتبار كما هو المشهور تعاون علي الاثم و العدوان المنهي كما في القرآن.
اقول لو كان يشترط ذلك فيهم لما كان اهل الصدقات و الخمس الا قليلا بل اهل العدالة يجب رفعهم عن الصدقات و مواساتهم فانهم امس رحما من الآباء و الامهات و هم من آل محمد: و هم اجل قدرا من الزكوة و اما الخمس فلايشترط في اهله العدالة كما هو الحق و اما ما ذكرتم من ان اعطاء غير العادل تعاون علي الاثم فلاكل فاسق يفسق دائما و لايتوسل بكل مال علي فسقه و ليس عمله منحصرا في الفسق هذا و لست تعطيه لاجل ان يفسق و ان كان يفسق عند نفسه و انت تعاون في حفظ نفس موال لآل محمد: مؤمن و لاتعطيه ليستعين به علي الفسق و انما تعطيه ليستعين به علي بقاء نفسه ليطيع ربه قل كل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 468 *»
يعمل علي شاكلته و انما الاعمال بالنيات هذا و من الذي لايصدر عنه ما يعاتب به و لو صغيرة فاذا اعطاء العادل ايضا معاونة علي الاثم فانه لايخلو من اثم و انكان صغيرا.
قال سلمه الله التاسععشر بينوا ما الميزان لمعرفة الفقيه و الوارث لعلم الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار في هذه الاعصار و كذا بينوا ان السبب في تحصيل العلم ما هو لانا متحيرون لاندري اي شيء نفعل و اي طريقة نذهب و الدال علي الخير كفاعله و ارجو من الله ان يصير السالك ببيانكم علي البصيرة و الطالب بهدايتكم علي الطريقة.
اقول اما الجواب عن المسئلة الاولي فالعوام لايكادون يعرفون فقيها فانهم منحطون عن درجته و انما الواجب عليهم الرجوع الي اهل الخبرة كما هو شأن كل جاهل بشيء و اما اهل الخبرة فلايكادون يجهلون ذلك فان الصادق7 بين علامات من يجب القبول به فقال ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلميقبلبه فانما استخف بحكم الله و علينا رد الي ان سأل اختيارهما لحكمين و اختلافهما في الحديث قال الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما في الحديث و اورعهما الخبر. فهذا الخبر اثبت لنا شروطا الاول ان يكون مؤمنا اثني عشريا لقوله7 من كان منكم فلايجوز الرجوع الي غير الشيعي كيف و هو الطاغوت المشار اليه في اول الخبر و المؤمن الاثني عشري من ليس دينه بتقليد الآباء و الامهات و السماع من اهل البلد و العشيرة بل من كان دينه مأخوذا عن البرهان و الكتاب و السنة كما روي الكليني ايضا في اول كتابه عن العالم7 من دخل في الايمان بعلم ثبت فيه و نفعه ايمانه و من دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه و قال7 من اخذ دينه من كتاب الله و سنة نبيه صلوات الله عليه و آله زالت الجبال قبل ان يزول و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 469 *»
قال7 من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال انتهي فلابد و ان يكون فقيها في اصول دينه عالما به بالادلة القطعية من غير تقليد و دعوي انه ربما يكون علي يقين بدينه من غير تقليد و لابرهان فكلام يحتاج الي دليل و الثاني رواية الحديث لقوله7 ممن قد روي حديثنا فلو كان ممن لايراجع الحديث في علمه و لايرويه علي مطلبه و يقول بقول نفسه او بقول غيره ممن هو غيرهم من عالم آخر او جاهل فليس بفقيه و ليس بعالم و لايجوز الرجوع فالواجب ان يكون راويا ما يقوله عنهم لارائيا فان الحكم لله و لرسوله و لخلفائه: و لاحكم لغيرهم ايا كان و الثالث دراية الحديث لقوله7 ونظر في حلالنا و حرامنا فلرب حامل فقه و ليس بفقيه و يحتاج مع الرواية الي الدراية فينبغي له لاجل حصول هذا الشرط ان يفهم الحديث ففهم ظاهر الحديث اي الفاظه يحتاج الي علم العربية فلابد من ان يعلمه و فهم صحة صدوره و عدمها يحتاج الي علم الرجال و علم الدراية فلابد من ان يعلمهما و فهم مداليله يحتاج الي علم الاصول فلابد من ان يعلمه و فهم طريق جمع مختلفاته يحتاج الي علم الكتاب و مواقع الاجماع و موارد التقية و لحنها فلابد و ان يعلمه و ربما يستعان في ذلك بالادلة العقلية فلابد و ان يكون له بصيرة و ضرس فيها فاذا جمع هذه العلوم امكنه الدراية ان كان له الشرط الرابع و الرابع النفس القدسية التي بها يتمكن من فهم الحق من الباطل و لحن آل محمد: لقوله و عرف احكامنا فلاكل من مارس العلوم امكنه الفهم فانا نري الرجل يمارس الشعر و العروض و البديع عمرا و لايقدر علي وزن شعر واحد و يمارس العربية عمرا و لايفهم سطرا واحدا من القرآن او الحديث فان الفهم غير التعلم فان الببّغاء يتعلم الكلام و لكن لايفهم وكذلك ربما يمارس الاصول عمرا و لايقدر علي فهم مدلول حديث و لذا روي انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتي يلحن له فيعرف اللحن و روي حديث تدريه خير من الف ترويه فالنفس القدسية الدراكة للمعاني و الحقايق و اللحن و المعاريض امر موهوبي و ليس في كل طالب علم و لامحصل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 470 *»
و الخامس العدالة و الورع لما يفهم من قوله7 الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما في الحديث و اورعهما و ذلك ان الفاسق الجري لايؤمن علي الله و لايمكن الركون اليه و اضطرت النفوس علي عدم تصديقه علي الله و علي رسوله و علي اوليائه بل علي ساير الناس فلابد من ان يكون عادلا مجتنبا عن الكباير غير مصر علي الصغاير مهتم بدينه ساتر علي نفسه متعفف في امره زاهد في الدنيا راغب في الآخرة ورع عن القول بغير سند من الله و رسوله و اوليائه: صائن لنفسه حافظ لدينه مخالف لهواه مطيع لامر مولاه و اذا رأيتم العالم محبا للدنيا فاتهموه علي دينكم فان كل محب يحوط ما احب و حب الدنيا رأس كل خطيئة و اذا رأيتم العالم مراود ابواب السلاطين و الفسقة من غير ما تقية فلاتأمنوا منه علي دينكم بالجملة اذا تحقق هذه الشروط في رجل عرف انه فقيه وارث لعلم الائمة: في الشأن الذي هو بصدده و ذلك لايخفي علي اهل الخبرة المجربين الممتحنين للناس فليرجع العامي اليهم بعد علمه بانهم خالون عن الاغراض عارون عن الامراض لايكتمون الحق و يخافون ربهم من فوقهم و يفعلون ما يؤمرون.
و اما المسئلة الثانية فلها طريقان الاولي طريق التعلم كما هو المعروف و الاهتمام بالعلم و بذل النفس له ليلا و نهارا و الانقطاع اليه بحيث يأكل له و يشرب له و ينام له و يتنبه له و يمشي و يقوم و يقعد له فاذا قام بطلب العلم كذلك و له نفس قدسية دراكة فهمة ينال منه حظا كثيرا و ورد بذلك كثير من الاخبار لاهل هذه الديار كما قال علي7 اعلموا ان كمال الدين طلب العلم و العمل به و ان طلب العلم اوجب عليكم من طلب المال ان المال مقسوم بينكم مضمون لكم قدقسمه عادل بينكم و ضمنه و سيفي لكم و العلم مخزون عليكم عند اهله قدامرتم بطلبه منهم فاطلبوه و قال ابوعبد الله7 لست احب ان اري الشاب الا غاديا في حالين اما عالما او متعلما فان لميفعل فرّط فان فرط ضيع فان ضيع اثم و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 471 *»
ان اثم سكن النار و الذي بعث محمدا بالحق.
الي غير ذلك من الاخبار و يشترط ان يكون اخذه من عالم آل محمد: ان كان من شيعتهم كما روي انظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين
فدع عنك قول الشافعي و مالك | و احمد و المروي عن كعب الاحبار | |
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم | روي جدنا عن جبرئيل عن الباري |
هذا مجمل القول في هذا الباب و هذا التعلم انتقاش لوح الخاطر بصور العلم و قديمحمي فينسي و ينقش فيتعلم و الثانية هي طريق تزكية النفس و تجلية مرءاة القلب و التخلية عن الرذايل و التحلية بالفضائل و الانقطاع عن الخلايق و التقرب الي الخالق و استخلاص النفس عن الاكدار لمشاهدة الاسرار و هو كتجلية المرآة حتي ينطبع فيها كل ما واجهها و قابلها و هو قوله سبحانه ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا و قوله7 ان اولي الالباب هم الذين عملوا بالفكرة حتي ورثوا منه حب الله فان حب الله اذا ورثه القلب و استضاء به لاسرع اليه اللطف فاذا انزل منزلة اللطف صار من اهل الفوايد فاذا صار من اهل الفوايد تكلم بالحكمة فاذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة فاذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة فاذا عمل بها في القدرة عمل في الاطباق السبعة فاذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلب في لطف و حكمة و بيان فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته و محبته في خالقه فاذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبري فعاين ربه في قلبه و ورث الحكمة بغير ما ورثته الحكماء وورث العلم بغير ما ورثته العلماء و ورث الصدق بغير ما ورثته الصديقون ان الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت و ان العلماء ورثوا العلم بالطلب و ان الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع و طول العبادة فمن اخذها بهذه السيرة اما ان يسفل و اما ان يرفع و اكثر الذي يسفل و لايرفع اذا لميرع حق الله و لميعمل بما امره به فهذه صفة من لميعرف الله حق معرفته و لميحبه حق محبته الخبر. و قال في هذا الباب بلغة الفلاسفة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 472 *»
اميرالمؤمنين7 من اعتدل طباعه صفا مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقدتخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقدصار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان فقددخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغير انتهي. فهذا هو النوع الثاني من تحصيل العلم و لكن ليس ذلك في وسع احد الا باستاد قدسافر الاسفار و جاز الاخطار و شاهد العمران و القفار و رجع باذن الملك الجبار ليحمل المقتحمين في لجج هذه البحار و تراكم التيار و جعلوا باذن الله اولي الايدي و الابصار و صاروا بفضل نور ساداتهم اصحاب الانوار فاحرقت اشعة انوارهم الشياطين و جنود الكفار و نجوا من حملوه معهم عن جميع الاخطار فالحذار الحذار من اقتحام هذه المسالك و ايقاع النفس في المهالك ما لميكن لكم بدرقة من عارف سالك و نحن عاجزون من الوصول الي بلد لمنره و الطرق قائمة و العيون سليمة و الاعلام منصوبة و العلم السمعي بالطرق و المقاصد حاصل و البدن صحيح كامل فكيف يمكننا السلوك في طرق الغيب مع العمي و المرض و الضعف و عدم الدليل و الظلمة و القطاع
كيف الوصول الي سعاد ودونه | قلل الجبال و دونهن حتوف | |
خليلي قطاع الفيافي كثيرة | و لكن ارباب الوصول قليل |
و السلام علي من اتبع الهدي.
قال سلمه الله العشرون ما معني العدالة و لايستقيم ما عليه المشهور و هو ان يجتنب الكباير و لايصر علي الصغاير و الكبيرة ما اوعد الله عليه النار او العذاب لانه علي هذا كل معصية كبيرة لان المعصية ضلال عن سبيل الله و الضلال عن سبيل الله كبيرة و اعترف المشهور بالكبري لان الله تعالي قال الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد و اما الصغري فلقوله تعالي و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا و كذلك كل معصية اتباع غير سبيل المؤمنين و هو كبيرة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 473 *»
لان الله تعالي يقول و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و ساءت مصيرا و غير ذلك من الآيات الدالة علي ان كل معصية كبيرة ليس هنا موضع ذكره فما الجواب.
اقول اما العدالة فهي ما بينه الامام7 في حديث عبد ابن ابي يعفور و هو ان تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان و يعرف باجتناب الكباير التي وعد الله عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك و الدلالة علي ذلك كله انيكون ساترا لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين ماوراء ذلك من عثراته و تفتيش ما وراء ذلك و يجب عليهم تزكيته و اظهار عدالته في الناس و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس اذا واظب عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين و ان لايتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الا من علة فاذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوة الخمس فاذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا ما رأينا منه الا خيرا مواظبا علي الصلوة متعاهدا لاوقاتها في مصلاه الخبر. و مجمل ذلك كله الستر لعيوبه و مواظبة الصلوة و جماعة المسلمين و اما معني الكباير فقداختلف فيه الاخبار و كلمات العلماء الاخيار اختلافا لايرجي زواله الا من باب فتحناه و اوضحناه و قدكتبنا في ذلك رسالة مخصوصة مبسوطة انطلبتها وجدتها ان شاء الله و الذي اذكره هنا كلام مختصر يليق بهذه الرسالة مع استعجالكم و هو ان للانسان مراتب ثلثة طبيعة جسمانية و روح برزخية و نفس اخروية و لكل اعمال فما عمله الانسان بالطبيعة الجسمانية في الدنيا فجزاؤه يلحقه في الدنيا فان الزرع في ارض الدنيا حصاده في الدنيا و ما عمله بروحه البرزخي فجزاؤه يلحقه في البرزخ فان الزرع في ارض البرزخ حصاده في البرزخ و ما عمله بنفسه الاخروية فجزاؤه في الآخرة فان الزرع في ارض الآخرة حصاده في الآخرة و ان كان الانسان يزرع الكل في ايام حيوته الدنيا الا ان محل الزرع مختلف و اوقات
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 474 *»
حصاده مختلفة و لربما يأكل مما زرع في ارض النفس في البرزخ او في الدنيا اذا اشرق ظلها اي ظل النفس علي الروح و الطبع و كذا ربما اكل مما زرع في البرزخ في الدنيا ايضا اذا اشرق ظل الروح علي الطبع و لايعكس ذلك بفضل الله سبحانه و علامة ما زرعه في ارض النفس حبه لما زرعه و ركونه اليه و حب من مدحه عليه و بغض ما لامه به فما عمله الانسان من معصية كذلك فجزاؤه جهنم خالدا فيها نعوذ بالله فان نار الخلود نار الآخرة و علامة ما زرعه في البرزخ استعمال العزم فيه و اعمال الفكر و الخيال لاجله و الاستقلال في فعله الا انه بعد الفراغ او التنبه ساخط علي نفسه نادم علي ما فرط خجل مما ضيع معتذر عند المطلع قابل عمن ينهاه مصدق له كاره لمن يزين له ذلك فما عمله من معصية كذلك فجزاؤه نار البرزخ و برهوت و عين الشمس و عيون بقر و امثال ذلك و ليس ناره نار خلود و تنقطع بانقطاع البرزخ و علامة ما زرعه في الدنيا صدوره عنه عن شهوة غلبت او طبيعة استولت او عادة لزمت او غفلة عرضت او لتزيين مخالط او مصاحب او خليل او غير ذلك و لو خلي و نفسه لايكاد يفعله و بعد ما سكن فورتها تضرع و آب و تاب و اعتذر و سخط علي نفسه و علي من زين له و استغفر ربه و خر راكعا و اناب فالكباير التي اوعد الله عليها النار و هي ما يفعله الانسان بنفسه و قلبه مع الجرأة و سكون القلب و المحبة و كراهة من لامه عليه و عدم القبول منه نعوذ بالله اي معصية كان و اصحاب الكباير هم الذين يرتكبون الموبقات و المعاصي نعوذبالله كذلك اي معصية كانت فالعادل هو الذي لايرتكب معصية كذلك و لايصر علي النوعين الآخرين اي لايقيم عليهما و يهدمهما بالتوبة و الندم و ليس الاصرار بمعني التكرير بل الاصرار بمعني الاقامة من اصر علي المكان فصح انه لاكبيرة مع الاستغفار فان الاستغفار دليل عدم صدوره من القلب و لاصغيرة مع الاصرار فان المقيم علي المعصية الغير المعتذر الغير النادم الغير المبالي بما فعل يكون عمله عن قلبه و حبه نعوذ بالله فاغلب اصحاب الكباير من الموحدين المسلمين او من المتشيعين المنتحلين و الا الموالي الصادق في حب آل محمد: و اتباعه قل من يصدر منه الكبيرة اللهم الا واحد و واحد علي الندرة حب علي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 475 *»
حسنة لاتضر معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع معها حسنة آليت علي نفسي ان لاادخل النار من اطاع عليا و ان عصاني فافهم ذلك قليلا من كثير و من راجع كتابي ضياءالبصاير في تعيين الكباير عرف انه كتاب ما سمح الدهر بمثله و لميصنف في الاسلام مثله و الحمد لله.
قال وفقه الله الحادي و العشرون هل يجب رد الاحسان ام لا؟ لاشك في انه واجب لقوله تعالي هل جزاء الاحسان الا الاحسان و الاستفهام انكاري و لقوله تعالي اذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها فعلي هذا اذا حيينا احدا و احسنا اليه بالجاه و العز و المال و المقال باننقوم له او نتواضع بوروده في المجلس و نمدحه ونذكره بالخير و هو لايمدحنا و لايتواضع لنا في المجلس بان لايشير الينا في الصدر كما تواضعناه او ندعوه بالضيافة و هو لايجيء بضيافتنا او يجيء و لايرد الضيافة مع القدرة هل يصير بذلك عاصيا ام لا.
اقول قدروي عن القمي عن الصادق7 في قوله تعالي اذا حييتم بتحية ان المراد بالتحية في قوله فاذا حييتم بتحية السلام و غيره من البر و الاحسان و ليس في كتابه لفظ الاحسان و قال في القاموس التحية السلام و حياه تحية و البقاء و الملك و حياك الله ابقاك الله او ملكك و قال في كنز الدقايق التحية في الاصل مصدر حياك الله علي الاخبار من الحيوة ثم استعمل للحكم و الدعاء بذلك ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام و من كتاب المناقب لابن شهر اشوب و قال انس جاءت جارية للحسن7 بطاق ريحان فقال لها انت حرة لوجه الله فقيل له في ذلك فقال ادبنا الله تعالي و قال اذا حييتم بتحية الآية و كان احسن منها اعتاقها و من كتاب الخصال فيما علم اميرالمؤمنين7 اصحابه اذا عطس احدكم قولوا يرحمكم الله و يقول هو يغفر الله لكم و يرحمكم قال الله و اذا حييتم بتحية الآية و عن العياشي باسناده عن علي بن سالم قال سمعت ابا عبد الله7 يقول انه في كتاب الله قلت و ما هي قال قول الله هل جزاء الاحسان الا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 476 *»
الاحسان جرت في المؤمن و الكافر و البر و الفاجر و من صنع اليه معروفا فعليه انيكافي به و ليس المكافاة انيصنع كما صنع حتي تربي فان صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء و من الخصال عن ابي جعفر7 قال اربعة اسرع شيء عقوبة رجل احسنت اليه و كافاك بالاحسان اليه اساءة و من الفقيه قال الصادق7 لعن الله قاطعي سبيل المعروف قيل و ما قاطعي سبيل المعروف قال الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه ان يصنع ذلك الي غيره و في الوسائل في حديث الحقوق عن علي7 و اما حق ذي المعروف عليك فان تشكره و تذكر معروفه و تكسبه المقالة الحسنة و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين الله عزوجل فاذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا و علانية ثم ان قدرت علي مكافاته يوما كافيته و عنه7 من صنع بمثل ما صنع اليه فانما كافاه و من اضعفه كان شكورا و من شكر كان كريما و عن ابي عبد الله7 ما اقل من شكر المعروف و عن النبي9 من اتاكم معروفا فكافوه و ان لمتجدوا ما تكافونه فادعوا الله له حتي تظنوا انكم قدكافيتموه و عنه9 كفاك بثناك علي اخيك اذا اسدي اليك معروفا انتقول جزاك الله خيرا و اذا ذكر و ليس هو في المجلس انتقول جزاه الله خيرا فاذا انت قدكافيته و عن علي7 حق من انعم عليك ان يحسن مكافاة المنعم فان قصر عن ذلك وسعه فان عليه انيحسن معرفة المنعم و محبة المنعم بها فان قصر عن ذلك فليس للنعمة باهل و عن ابي عبد الله7 قال قال رسول الله9 من اتي اليه معروف فليكاف به فان عجز فليثن عليه فان لميفعل فقدكفر النعمة و عن علي بن الحسين يقول ان الله يحب كل قلب حزين و يحب كل عبد شكور يقول الله تبارك و تعالي لعبد من عبيده يوم القيمة اشكرت فلانا فيقول بل شكرتك يارب فيقول لمتشكرني ان لمتشكره ثم قال اشكركم لله اشكركم للناس و عن ابي عبد الله7 قال مكتوب في التورية اشكر من انعم عليك و انعم علي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 477 *»
من شكرك فانه لازوال للنعماء اذا شكرت و لابقاء لها اذا كفرت الشكر زيادة في النعم و امان من الغير و قال7 من قصرت يده بالمكافات فليطل لسانه بالشكر و قال7 من حق الشكر لله ان تشكر من اجري تلك النعمة علي يده و عن اميرالمؤمنين7 قال قال رسولالله9 ثلث من الذنوب تعجل عقوبتها و لاتؤخر الي الآخرة عقوق الوالدين و البغي علي الناس و كفر الاحسان و عنه9 اسرع الذنوب عقوبة كفران النعمة و عنه9 انه يقول الله في جواب يقول شكرتك يا رب صدقت عبدي الا انك لمتشكر من اجريت تلك النعمة علي يديه و اني قدآليت علي نفسي ان لااقبل شكر عبد لنعمة انعمتها عليه حتي يشكر من ساقها من خلقي اليه و عن النبي9 لايشكر الله من لايشكر الناس و عن الرضا7 من لميشكر المنعم من المخلوقين لميشكر الله عزوجل الي غير ذلك من الاخبار و لما لميكن هذه المسئلة مشروحة في مكان احب ان اشير اليها بفضل بيان و لو علي جهة التلويح اعلم ان حسن شكر المنعم من الامور التي اتفقت العقلاء عليه و كذا قبح كفرانه فشكر المنعم من شرايط الانسانية و واجب عقلا و بالكتاب في قوله سبحانه لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد و ان الله لايرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم الي غير ذلك من الآيات و بالسنة كما سمعت شطرا منها و باتفاق العقلاء فوجوب شكر النعمة و البر و الاحسان مما لاخلاف فيه و المنعم بكل نعمة هو الله سبحانه لاشريك له الا انه لاينعم بذاته حتي يكون ذاته فعله و انما ينعم بفعله و مشيته الظاهرة في اوكاره التي هي اسبابه سبحانه كما روي ابي الله ان يجري الاشياء الا باسبابها فجعل لكل شيء سببا و جعل ذلك السبب وكر مشيته و جعلها فيه كالروح في الجسد فالقت في هويته مثالها فاظهرت عنها افعالها فاشتق له سبحانه من ذلك السبب او من فعله اسم فالله سبحانه هو مموج البحار لكن بالرياح فاسم المموجية له سبحانه يشتق من حركة الرياح و هو مسخن
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 478 *»
الهواء لكن بارتفاع الشمس فيشتق له اسم المسخن من ارتفاع الشمس و هكذا فلله سبحانه مواقع لصفاته و اسمائه من عرفها بلغ قرار معرفته سبحانه و كما يعامل الله سبحانه خلقه بتلك المواقع يجب انيعامله خلقه بتلك المواقع فان الذات بدءا و عودا اجل من انتقترن بشيء او يقترن بها شيئ فالله سبحانه منعم بفعله الظاهر في الاسباب التي منها ايدي العباد فالله سبحانه منعم فيها و بها و المنعم اسم له اشتق من فعل تلك الايدي فهي موقعه فمن عرفه عرف المنعم و من جهله جهل المنعم و من شكره شكر المنعم و من كفره كفر المنعم الا تعتبر من اطلاق قوله سبحانه لئن شكرتم و لئن كفرتم و لميذكر المفعول فشكر المنعم واجب كل من كان و كفر المنعم حرام كل من كان ابهموا ما ابهمه الله و كذلك اطلاق لايرضي لعباده الكفر بالنسبة الي كل من كان و ان تشكروا اي من كان فلاجل ذلك من لميشكر العبد لميشكر الرب و من شكر المخلوق شكر الخالق بل لاشكر لله سبحانه الا شكر عباده من حيث انهم اسبابه سبحانه في اجراء النعمة كما عرفت من الاخبار السابقة و كذلك الامر في ساير الاسماء و الصفات الكلية و الجزئية و المعاملات معها كلا و طرا فان الله سبحانه اجل من انيتعلق بشيء او يتعلق به شيء و ذلك سر قدكشفته لمن كتب الله له و سبقت له من الله الحسني فان انتفعت به فكله و الا فذره في سنبله حتي يبلغ ابان اكلك له فاذا عرفت ذلك فمن النعم البر و الاحسان و الاكرام و الاعزاز و الاعانة و الامداد و حسن المعاملة و المخالقة و المجاورة و المجالسة و الصحبة و التحية و الدعاء و الصلة و الزيارة و الكفاية و الدفع و الهداية و التعليم و الحرف و الصناعات و غير ذلك فمن اسدي اليه شيء من ذلك من عبد هو نعمة من الله سبحانه ساقها اليه علي يد ذلك العبد و وجب شكره و الشكر له مراتب و انواع يدا و لسانا و قلبا و اعتقادا و يجب علي الانسان الشكر بقدر النعمة و الفضل في الزيارة فمن الشكر ان تحيي من حياك باحسن منه او ترد مثله و الذي عليه ضرورة الاسلام انه ليس بلازم انيكون الرد من جنس النعمة حتي انه اذا حياك بريحانة ترد اليه ريحانة او قال لك لفظا ترد عليه ذلك اللفظ بعينه او عمل لك عملا انتعمل له ذلك العمل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 479 *»
بعينه و تزيده من جنسه بل يجب المكافاة بجنسه او بغير جنسه و ذلك من ما قامت به الضرورة و دلت عليه بعض الاخبار الماضية و اطلاق الكتاب فاي كفاء امكنك تأتي به فلو اسدي اليك معروفا و كافيته بمعروف آخر فقدشكرته و الدعاء بالخير مكافاة من لايجد شيئا يكافي به و لربما يكون ذلك من اناس اعظم و اعظم و ادون منه الثناء عليه في المحافل و بث محاسنه و الدفع عنه بالقول اقلا و لربما يكون ذلك عند قوم اعظم كما دلت عليه الاخبار الماضية و اطلاق الآيات و لولا ذلك لعم الفسق جميع الامة ابرارها و فجارها فان لله سبحانه بكل رجل نعمة علي رجل و يجب شكره فلو كان يجب الاتيان بمثله لهلك الناس الا تري ان من النعم مثلا كنس الكناس و ليس يعهد في الاسلام انيكون مكافانه كنس مزبلته كما كنس مزبلة بيتك بل ربما المكافاة بالجنس غير مرضي للكرام و قبيح بين الانام فالواجب هو المكافاة بما يؤدي حق نعمته و بره بمثله او احسن و فيه الفضل و لكن قال الله سبحانه قليل من عبادي الشكور فاعملوا يا اخواني المؤمنين شكرا و لاتكونوا كفارا فتجبهوا نعم الله بالرد و استزيدوا الله سبحانه بشكر عباده و لو بالدعاء لهم و الثناء عليهم او خدمة اخري لهم و لرب من اكثر رضائه في الاتيان بالجنس فاسترضوهم به فان الله سبحانه يقول و لئن كفرتم ان عذابي لشديد و لميقيد الكفران بقيد و قدعرفتم ان كفران العبد كفران الرب فافهم فقدفتحت لك بابا من ابواب العلم و من هذا الباب استحباب السلام و وجوب الرد فاذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها.
قال سلمه الله الثاني و العشرون بينوا معني هذا الحديث في الكافي عن الرضا7 قال يا اباهاشم العقل حباء من الله و الادب كلفة فمن تكلف الادب قدر عليه و من تكلف العقل لميزدد بذلك الا جهلا فعلي هذا لايحصل العقل بالاهتمام و الكلفة لانه حبوة من الله و بدون العقل لايكتسب الجنان و لايعبد الرحمن فمن لميعبد الرحمن كالكافر لاعقل له لان العقل ما اكتسب به
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 480 *»
الجنان كما فسر في الحديث و هو لايقدر علي حصول العقل و انتكلف و بدون العقل لاتكليف له فلم يعاقب و يعذب بينوا توجروا.
اقول اعلم ان العقل عقلان عقل هو الجوهر الجبروتي الذي لايعبد الا الله سبحانه و لايتوجه الا اليه و ان توجه الي شيء آخر فهو له البتة و عقل هو شعور المشعور بها و احساس المحسوسات الفكرية و الخيالية و درك المعاني الكلية فالعقل الثاني هو مناط التكليف و هو عقل كوني حاصل لكل من لميكن مجنونا او سفيها او صبيا غير مميز سواء كان كافرا ام مؤمنا و لربما يكون في كافر اقوي من مؤمن و اما العقل الاول فهو العقل الشرعي الذي هو من نور محمد و آل محمد: و هو المشار اليه بقوله سبحانه كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه فهذا العقل مخصوص بالمؤمنين و هو روح الايمان فمن عمل بما كلفه الله سبحانه و طلبه منه بلسان نبيه9 بعقله الكوني حباه الله بالعقل الشرعي و كتب في قلبه الايمان و ايده بذلك العقل الذي هو ذلك الروح و هو قوله سبحانه يهديهم ربهم بايمانهم و من ترك العمل بما كلفه الله بعقله الكوني ضربه الله بالجهل و روح الكفر و هو قوله سبحانه «بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية» فالعمل بالتكاليف كاعداد الدهن و الفتيلة و التقرب من النار و اما الاشتعال فهو هبة من الشعلة المشتعلة و النار الخارجية كذلك الانسان اذا عمل بتكاليفه حصل منه التوجه الي الله سبحانه و الاستعداد لقبول نفخ روح الايمان فيه و النفخ هو حباء من الله سبحانه فان نفخ فيه من روح الايمان فهو من فضله و ان لميفعل فليس لاحد عليه حجة الاتري ان الطفل يوجد بدنه في الرحم مستكمل الاعضاء تام الجوارح و لاروح له فاننفخ الله فيه روحا فمن فضله و ان لمينفخ فليس لاحد عليه حق فمثل روح الايمان هو الروح المنفوخ في البدن و العمل بالتكاليف كاعداد البدن و اتمام اعضائه و جوارحه فالادب هو كلفة و هو العمل بالشرايع و الاحكام و التكليفات و ان لميكن عقل كوني لايقدر علي الادب و كلفته و لا كل من عمل بالتكليفات هو مؤمن فان النواصب اشد شيء تكلفا و اجتهادا كما قال الله
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 481 *»
سبحانه عاملة ناصبة تصلي نارا حامية و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا فالانسان سواء كان كافرا ام مؤمنا يقدر علي التكلف و التأدب و اما موهبة الايمان فهي حباء من الله سبحانه فان حبي فبفضله و ان منع فبعدله و ان الله لايظلم الناس شيئا و لكن الناس انفسهم يظلمون فمن لاعقل له شرعيا و هو روح الايمان يعذب بكفره كما قال «بكفرهم لعناهم» و عذب لانه قصر في استكمال الشرايع التي مكن منها و عرف حسنها و قبحها و اتم الحجة بها عليه و هو قادر عليها فبذلك يعذب و ليس الله بظلام للعبيد.
قال ايده الله الثالث و العشرون ما النسبة بين الاسلام و الدين و الايمان من النسب الاربع و ما كان علي المشهور من ان الاسلام اقرار باللسان و الايمان الاقرار مع الاعتقاد بالجنان و ان لميعمل بالاركان بدليل قوله تعالي قل لمتؤمنوا و لكن قولوا اسلمنا و لمايدخل الايمان في قلوبكم و قوله تعالي الذين آمنوا و عملوا الصالحات لظهور المغايرة بين المعطوف و المعطوفعليه لايطابق كثيرا من الآيات التي تدل علي ان العمل بالاركان شرط تحقق الايمان و علي ان الدين و الاسلام مترادفان كقوله تعالي ان الدين عند الله الاسلام و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و رضيت لكم الاسلام دينا و قوله تعالي انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله الآية و قوله فلا وربك لايؤمنون الآية لان هذه الآيات تدل علي ان من كان مؤمنا كان صالحا متوكلا علي الله في اموره وجلا و مع الوجل كيف يعصي و مع التوكل كيف يطغي و الله تعالي اقسم علي نفي ايمان من كان في نفسه ضيق و ملال من حكم النبي و لايسلم بقضائه و التسليم يلزم العمل و لفظة انما تدل علي الحصر و اما ما يقول المشهور ان المراد بهذه الآيات الايمان الكامل ما دليلهم و نحن نرد دليلهم ان العمل الصالح عطف بالايمان و هو دليل المغائرة لان المعطوف يحتمل انيكون اعم من المعطوف عليه فلامنافات بين الآيات بينوا الحق يا من هو بالحق مستحق.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 482 *»
اقول ان لهذه الالفاظ اطلاقات و مع ذلك قديقع بعضها موقع بعض فهي اذا اجتمعت افترقت و اذا افترقت اجتمعت و بذلك اختلط الامر علي الناظرين فزعموا ان في الاخبار و الآيات اختلافا و لا اختلاف و ان لهم في كلماتهم تصاريف و معاني توافق الحق كلها فمن اراد انيأخذ دينه من الالفاظ و مداليلها يري اختلافات و يحتاج الي رد بعض و قبول بعض و لكن من اخذ دينه من مشاهدة الحقيقة و وضع كل شيئ موضعه فلايري اختلافا فاقول اعلم ان الله سبحانه هو الرب القادر المهيمن المتمكن مما يشاء يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و هو الدائم الثابت القديم الذي لايزول و لايحول فمن تقرب اليه من عباده و توجه اليه اشرق عليه نور هذه الصفات و صار مظهرها و اتصف بمثلها و من اعرض منه من خلقه اتصف باضداد ذلك فصار مغلوبا مقهورا معرضا للتغيرات و التبدلات وزوال النعم و النقص و امثال ذلك فاولئك يتنعمون ابدا بتلك الكمالات لهم ما يشاؤن عند ربهم في القدسي اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون و هؤلاء يعذبون بالعجز و استيلاء كل منافر عليهم و زوال النعم و سلب كل خير و نور عنهم فاصل الايمان المنجي و حقيقته للانسان هو الاعتراف به سبحانه و الايمان بكله اي بجميع مراتب وجوده و اجزائه وتوجه كل مرتبة و كل جزء منه علي حسبه فاي جزء منه توجه اكتسب تلك الكمالات و ايها لميتوجه فقدها فالايمان الكامل هو المعرفة بالفؤاد و اليقين بالعقل و العلم بالنفس و تصور ما ينبغي و تصديقه بالمشاعر الباطنة و القيام بالخدمة باعضاء البدن و جوارحه فاذا فقد شيئا من ذلك انتقص الايمان بقدره الا ان المرتبة العليا اذا كانت محفوظة يرجي له النجاة في الآخر و ان عذب في الاوايل بما عرفت كما عرفت و انفقد العليا و وجد الدنيا يهلك في الآخر و انخفف من عذابه في الاوايل انظر هل تري فيه عوجا و امتا و ارجع البصر هل تجد فيه فطورا او اودا و حقيقة الكفر هي انكار الله سبحانه بعد المعرفة و الجحود له و الاعراض عنه فمن جحده و اعرض عنه بجميع تلك المراتب فهو الكافر الذي احاط به جهنم و انجحد بالعليا و لميجحد بالدنيا فهو المنافق الذي في الدرك الاسفل من النار و يخفف عنه العذاب في
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 483 *»
الاوائل اناظهر الايمان باداني مراتبه فهذا هو اصل حقيقة الايمان و اصل حقيقة الكفر ثم لماكان الله سبحانه لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار و لايتوجه اليه المحدود الا بحد ظهر فيه و لايعرفه الحادث الا بما وصف نفسه و محال لثاقبات الفطن انتعرفه و ممتنع لعميقات الفكر انتكيفه اقام محمدا9 مقامه في التعرف و الاداء و جعل معرفته معرفته و الايمان به الايمان به و الاقبال اليه اقبال اليه و الانكار له الانكار له و الاعراض عنه الاعراض عنه فمن آمن به في ظاهر القول و لميؤمن بمحمد9 انكشف عدم ايمانه بالله سبحانه و عدم توجهه اليه و كذبه في قوله اني مؤمن بالله موحد له فبذلك صار الاقرار به9 من شروط الايمان و شروط التوحيد و شاهد صدق للايمان بالله سبحانه فالجاحد له المنكر لنبوته جاحد بالله سبحانه منكر له البتة و ذلك لعموم دعوته و اقامة حجته و ظهور امره و اتيانه بمالايعذر بانكاره احد ممن وصل اليه دعوته و بلغ اليه امره و ماكنا معذبين حتي نبعث رسولا ثم بعد ثبوت امره وجب الاقرار به و بما جاء به من عند الله سبحانه و ثبت بسماع منه او بتواتر خبر او شياع او ضرورة او اخبار حصل العلم منها بانه اتي به فمن انكر بعد ذلك و جحد بجميع مراتبه او بالمراتب العلي كما مر فهو كافر بالله سبحانه فاقد للتوحيد معرض عن الله سبحانه واقع في الهلاك الذي اشرنا اليه و من آمن به بجميع مراتبه او بالمراتب العلي فهو مؤمن حقا بالله سبحانه مستحق للنعيم الذي اشرنا اليه فانه9 اصل كل نور و خير و كمال و دوام و ثبات و قوة وقدرة فالمقبل اليه واجد لما ذكر و المعرض عنه فاقد له ثم مما جاء به و سناده و عماده و قطبه و مركزه الولاية فاذا ثبتت عند احد و حصل العلم له بانه9 اتي بها و جعل الولي قائما مقامه و هو نفسه و روحه و رأسه و منه و لميؤمن به و جحده من بعد ما استيقن به نفسه بعد البينة فهو هالك معذب و ما كان الله ليضل قوما بعد ايمانهم بمحمد9
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 484 *»
حتي يبين لهم ما يتقون من امر الولي فالاقرار به بعد ذلك شاهد صدق للصدق في الايمان بمحمد9 الذي الايمان به شاهد صدق للصدق في التوحيد فالانكار للولي بعد المعرفة كفر بالله العظيم و الرسول الكريم و الشك فيه شك فيهما و الاقرار به اقرار بالله سبحانه و برسوله فاجتمع في الاقرار بالولي الاقرار بالله سبحانه و برسوله فمن آمن به بجميع مراتبه فقداستكمل الايمان و من آمن به بالمراتب العلي يرجي له النجاة في الآخر و ان عذب ببعض العذاب في الاوايل و من كفر به بجميع المراتب فقداستكمل الكفر و احاط به جهنم و من كفر به في المراتب العلي فهو منافق حقا و ان كان يرجي له تخفيف العذاب في الاوائل و وجب مع الاقرار به الاقرار بجميع ما جاء به و حصل العلم به انه اتي به سماعا او بالخبر المتواتر او الشياع او الضرورة او اخبار محفوفة بالقرائن القطعية فالكفر بشيء من ذلك كفر به و بالله و برسوله9 و الايمان بجميع ذلك من شروط الايمان به و بالله و برسوله9 و شاهد صدق جميع ما تقدم الولاية لاوليائه و البرائة من اعدائه فمن كان يزعم انه مؤمن به موال له و يعادي وليا من اوليائه لاجل انه وليه او يوالي عدوا لاجل انه عدوه كافر بالله العظيم و برسوله الكريم و بوليه الفخيم البتة فان كان كافرا معاديا لولي او مواليا لعدو بجميع مراتبه فقد احاط به جهنم خالدا فيها و ان كان كافرا بمراتبه العلي فهو منافق حقا و هو في الدرك الاسفل من النار فالولاية لجميع اوليائه و البرائة من جميع اعدائه بعد ظهور ولاية الولي باقراره الذي مناط الشرع عليه و بعد ظهور العداوة من العدو باقراره كما عرفت شاهد صدق التوحيد و الايمان بالرسول9 و الولاية لوليه و عكس ذلك شاهد صدق عكس ذلك فالشرط في ذلك ان يعادي الولي لولايته لالهنة بينه و بينه و يوالي العدو لعداوته لالصفة حسنة رآها منه و عبارة اخري في ذلك ان يعادي الولي بذاته بعد علمه بولايته و يوالي العدو بذاته بعد علمه بعداوته فهو ناصب كافر مخلد في نار جهنم نجس انجس من الكلب ففي الاحاديث المستفيضة ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت فانك لنتجد احدا يقول اني ابغض محمدا و آل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 485 *»
محمد بل الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا هذا هو حقيقة الايمان و حقيقة الكفر و لكل درجات مما عملوا ثم ان الاسلام و الايمان لهما اطلاقات بها نزلت الآيات و الاخبار و ذلك ان الرجل ربما يقر بلسانه بالرسول مجملا بالايمان وحده مع انكار بباطنه و ربما يقر بلسانه به مع عدم انكار من الباطن بل توقف و ربما يقر بلسانه به مع تصديق بقلبه و جهل بسواه و ربما يقر بلسانه به و بما جاء به من الولاية و غيرها و يصدق بقلبه و ربما يقر بلسانه به و بما جاء من الولاية و غيرها و يصدق بقلبه و يوالي اولياء الله و يعادي اعداء الله و هو متبع لهم في اقواله و افعاله مؤمن بما آمنوا به كافر بما كفروا به الي غير ذلك مما احتوي به الزيارة الجامعة و غيرها من شروط الولاية كلها او بعضها مع الاعتراف بالقصور في ترك بعض و الندم عليه و الاستغفار منه فيؤتي ما اتي و قلبه وجل انه يرجع الي وليه فيؤاخذه فالايمان يطلق علي جميع هذه المراتب فالاول كقوله تعالي يا ايها الذين آمنوا لمتقولون ما لاتفعلون نزلت في ابي الملاهي و في هذا القسم روي تجري عليه احكام المؤمنين و هو عند الله كافر و من هذا الباب شمول الخطاب الي الملئكة بالسجود ابليس لعنه الله و هو مرادف للاسلام العام و الثاني كقوله تعالي يا ايها الذين آمنوا آمنوا فوصفهم بالايمان الظاهري و امرهم بالتصديق و هذا مرادف مع اسلام اخص كقوله سبحانه قالت الاعراب آمنا قل لمتؤمنوا و لكن قولوا اسلمنا و لمايدخل الايمان في قلوبكم.
و الثالث كقوله سبحانه و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي فاثبت لهم الايمان قبل الاهتداء الي الولاية هذا الايمان هو المنفي عن الاعراب و الرابع كقوله فلا وربك لايؤمنون حتي يحكموك اي يا علي فيما شجر بينهم و الشاهد علي ذلك قوله تعالي قبله و لو انهم اذ ظلموا انفسكم جاؤك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول فاظهار اسم الرسول دليل مباينته مع المخاطب
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 486 *»
فالخطاب الي الولي و الخامس كقوله سبحانه انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا و علي ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلوة و مما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم و كقوله انما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لميرتابوا و جاهدوا باموالهم و انفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون.
و قديطلق الاسلام ايضا علي هذه المراتب فالاولي كقوله يمنون عليك ان اسلموا و قوله و كفروا بعد اسلامهم و الثانية كقوله تعالي قالت الاعراب آمنا قل لمتؤمنوا و لكن قولوا اسلمنا و لما يدخل الآية و الثالثة كقوله سبحانه و من يبتغ غير الاسلام دينا فلين يقبل منه و الرابعة كقوله تعالي في الآية السابقة و يسلموا تسليما كما مرت و الخامسة كقوله يحكم بها النبيون الذين اسلموا و كقوله اسلمت وجهي لله و قوله انا من المسلمين فتدبر فقل ان شئت ان الدين عند الله الاسلام و قل ان شئت فمنهم من آمن و منهم من كفر و قديطلق الاسلام علي العمل الصالح كقوله افنجعل المسلمين كالمجرمين كما يطلق الايمان علي ذلك كقوله افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون فهما يجتمعان في جميع الموارد اذا افترقا و يفترقان اذا اجتمعا كقوله لمتؤمنوا و لكن قولوا اسلمنا و شواهد ذلك من الاخبار لاتحصي فضع كل خبر موضعه اذا عرفت الحقيقة و رأيتها عيانا و لاتبال باختلاف الذين لميعضوا علي العلم بضرس قاطع و ان اردت الناجي من هؤلاء فراجع اوائل الكلام تعرفه حق المعرفة و لو زدت في السؤال لزدنا في الجواب و لكن فيما ذكرنا كفاية و بلاغا.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 487 *»
قال وفقه الله الرابع و العشرون ما معني هذا الحديث عن الصادق7 الجمع بلاتفرقة زندقة و التفرقة بدون الجمع تعطيل و الجمع بينهما توحيد.
اقول لمار هذا الخبر في كتاب و لكن له معني صحيحا فان صح صدوره فهو و الا فكلام مرتبط له معني فمعناه نظير قوله7 التوحيد ان تخرجه عن الحدين حد التعطيل و حد التشبيه فمن جمع بين الخالق و المخلوقين و جعله ثاني اثنين فقدشبهه بخلقه و جعله معدودا مشبها بخلقه مثني فهو زندقة في حق الباري سبحانه و كفر به او جمع بينه و بين خلقه بالاتحاد او الحلول في الخلق فقدتزندق و كفر البتة و من فرق بينه و بين خلقه الذي كله نوره و كماله و اسمه و صفته و جماله و سلبه عنه ذاتا و ظهورا بالكلية فقدعطله و كلاهما خارجان عن التوحيد و من فرق بين ذاته و بين خلقه بمقتضي كنهه تفريق بينه و بين خلقه و بمقتضي كمال التوحيد نفي الصفات عنه و جمع بين ظهوره مع الصفات و تجليه بها معها فهو التوحيد الحق فلااشكال و الحمد لله.
قال ايده الله الخامس و العشرون ما معني هذا الحديث: السعيد سعيد في بطن امه و الشقي شقي في بطنه و كيف يتطابق هذا مع حديث كل مولود يولد علي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 488 *»
الفطرة و ان ابواه يهودانه و ينصرانه المسئول من جنابكم المستطاب الذي كان عاليا اليوم و يوم الحساب انتنظروا في هذه المسائل و لاتردوا و اما السائل فلاتنهر و اما بنعمة ربك فحدث و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
اقول لفظ الخبر علي ما بلغنا الشقي من شقي في بطن امه و السعيد من سعد في بطن امه بالجملة لكلامهم: معان عديدة فمن معاني هذا الكلام ان الشقي من علم الله سبحانه انه سيشقي و هو في بطن امه و لمايتولد و السعيد من علم الله سبحانه انه سيسعد و هو في بطن امه و لمايتولد فعلم الله سبحانه اولي بحقيقة التصديق فوقوع ما علم الله منه بعد مدة من تولده و انكان يولد علي الفطرة حين يولد و ابواه او غيرهما يكفرانه او يكفر بنفسه فان الله سبحانه حين كان في بطن امه كان يعلم انه يولد علي الفطرة و ينقلب بعد حين و يكفر فهو كافر في بطن امه في علم الله و لمايقع كقوله تعالي انك ميت و انهم ميتون و لمايقع و كقول ابرهيم7 اني سقيم و لمايسقم فهذا احد معاني الخبر و فسره الامام بذلك فيما رواه في التوحيد عن محمدبن ابيعمير قال سألت ابا الحسن موسي بن جعفر7 عن معني قول رسول الله9 الشقي من شقي في بطن امه و السعيد من سعد في بطن امه فقال الشقي من علم الله عزوجل و هو في بطن امه انه سيعمل اعمال الاشقياء و السعيد من علم الله و هو في بطن امه انه سيعمل اعمال السعداء الخبر و معني آخر ان المراد بالام العمل فان العمل ان كان من عليين فهو صورة رحمة الله سبحانه و صبغته و من احسن من الله صبغة و ان كان من سجين فهو صورة نقمته سبحانه و صبغة الشيطان و للانسان اب و هو الماء الذي خلق منه و ام و هي عمله المتسمع قول الامام7 المؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و قال الله سبحانه انما المؤمنون اخوة فالمؤمن يصور بصورة الرحمة و السعادة في بطن عمله و الكافر يصور بصورة النقمة و الشقاوة في بطن عمله و قدقال الله سبحانه يصوركم في الارحام و هي ارحام الامهات و المؤمن امه رحمة الله و الكافر امه هاوية علي تفسير ظاهر الظاهر فالسعيد من عمل اعمال السعداء و الشقي من شقي اعمال الاشقياء و لاينافي ذلك تولده علي الفطرة حين يتولد و لايحصي معاني كلامهم و لماكان جنابك مسرعا مستعجلا و انا لي اشغال كثيرة اقتصرت بما جري علي لسان القلم و ورد في الخاطر حال التحرير فان يسر الله لكم الرجوع الينا لأسمعناك ان شاء الله تغريد الورقاء علي الافنان بفنون الالحان سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 489 *»
كتبه العبد الاثيم و فرغ منه في عصر يوم الاحد الثامن عشر من شهر جمادي الاولي من شهور سنة اثنتين و سبعين من المائة الثالثة عشرة من الهجرة في بلدة كرمان صانها الله بصون ذوي الايمان.
حامدا مصليا مستغفرا تمت.