31-10 مکارم الابرار المجلد الواحد والثلاثون ـ رسالة في جواب الميرزا محمد بن الملاعبدالله الاصفهاني ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب الميرزا محمد بن الاملاعبدالله الاصفهاني

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 407 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و اله الطيبين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ارسل الي المولي المؤيد و العالم المسدد جناب الميرزا محمد بن المرحوم المقدس ملاعبدالله من اصفهان بمسائل عجيبة معضلة و مطالب غريبة مشكلة و سؤاله عنها دليل علي دقة نظره و لطافة فهمه و قد اتتني حين اشتغالي بتأليف كتابي الكبير فصل الخطاب في اخبار الائمة الاطياب عليهم صلوات الله الملك الوهاب و لماكنت شديد الولع بتأليف ذلك الكتاب لما كنت اراه مهمّاً في الدين لازما في ضبط شوارد اخبار الائمة الهادين صلوات الله عليهم كان قلبي معرضا  عماسواه و لم‌يمكنني اسعاف طلبته الي ان وفقني الله لاتمام ذلك الكتاب علي حسب ارادة الله جل و عز فتوجهت الي جواب تلك المسائل سائلا من الله سبحانه التأييد آملا منه التسديد انه ولي حميد و اجعل فقرات سؤاله كالمتن مصدرا بقال و اجعل جوابي له كالشرح مصدرا باقول كما هو عادتنا في اجوبة المسائل.

قال سلمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي اما بعد فقد قال الله سبحانه و تعالي فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و قال تعالي و مما رزقناهم ينفقون فالتمس من مولانا ان تمنوا علي جمع من المخلصين ببيان هذه المسائل بعبارات واضحة صريحة معروفة لا علي اصطلاح جديد غير معروف عند الاكثر و لا علي تأويلات لايقبلها من ليس من اهل الذوق و العيان الشهودي القلبي بل ببرهان و بيان واضح يفهم اهل الجدل و الظاهريين.

اقول اعلم ان المسائل مختلفة بحسب اختلاف مقاماتها فمن المسائل حقيقية و من المسائل عقلانية و  من المسائل نفسانية و من المسائل جسدانية و منها

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 408 *»

غير ذلك و لكل مسألة بيان من عالمه لان البيان شرح المبين و تفصيله و حله و لابد و ان يكون من عالمه فبيان المسألة الحقيقية لابد و ان يكون حقيقيا و بيان المسألة العقلانية عقلانيا و بيان المسألة النفسانية نفسانيا و بيان المسألة الجسدانية جسدانيا فلو سأل سائل عن مسألة عقلانية و رام المجيب ان يجيبه بالبيان الجسداني ما امكن و اخطأ في الجواب و كذب في الخطاب و جهل ما في الباب و كذلك الامر في البواقي فلو كانت المسألة عقلانية و اجاب العالم ببيان عقلاني و لم‌يجب ببيان جسداني ليس انه اول الكلام او احتال في المرام او اراد الستر علي ذوي الاحلام بل بيانه ذلك و الواجب عليه كذلك فلاجل ذلك لايسع العالم ان يجيب عن كل مسألة باجوبة جسمانية دنياوية حتي يحسها المنكرون للامور الغيبية بحواسهم الظاهرة و ذلك ان الناس اربعة اقسام منهم اناس لايعتقدون من البواطن شيئا و كأنهم لم‌يؤمنوا بالغيب فيريدون ان ينطبق جميع ما صدر من الانبياء علي الاجسام الظاهرة و يظنون انهم عبروا عن هذه الاجسام بما عبروا و اذ لم‌يجب العالم كذلك يقولون قد اولت كلام الانبياء و ليس بتأويل بل النبي قد اخبر عن ذلك العالم بعينه و تكلم بلسان ذلك العالم و بيانه ايضا من ذلك  العالم و لايستطيع العالم الا ان يبين ببيان ذلك العالم ولكن القوم لعدم ايمانهم بوجود غيب وراء ذلك العالم يظنون ان ما يقوله العالم تأويلات بعيدة يستمجها آذانهم فيجب ان يثبت اولا لاولئك الاقوام غيب و باطن و عوالم اخر حتي اذا اعتقدوا وجود العوالم و آمنوا جاز لهم ان ينظروا في المسألة و يعرفوا انها من اي اولئك العوالم فيطلبوا ثمة بيانا لها من ذلك العالم و يستريحوا و منهم من يعتقدون مجملا عوالم ولكن لما عبر الانبياء: من اولئك العوالم بالفاظ هذا العالم اذ ليس في هذا العالم لفظ غير لفظ هذا العالم و هم اصلوا اصلا و هو ان الانبياء يكلمون الناس علي قدر عقولهم و قد تكلموا بهذه الالفاظ و ارادوا منها لامحالة معاني هذا العالم فلايريدون غير ما يتبادر في اذهاننا يحملون كلمات الانبياء: علي الظاهر المعروف فمهما بين لهم عالم معاني تناسب الغيب انكروا و قالوا هذه تأويلات بعيدة يستمجها آذاننا و هم غافلون عما يلزم الاخبار من التناقض و خلاف الحس اذا حملت علي المعاني

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 409 *»

الظاهرة ولكنهم لتسليمهم يغمضون عن تلك التناقضات و يسلمون لها تسليما و هؤلاء كاهل الظاهر و القشريين و منهم من اعرض بالكلية عن الظاهر بحيث اذا عرض عليه المسائل الجسدانية حملها و اولها الي المعاني الروحانية و لم‌يجعل لها معني جسدانيا ابدا و جميع اولئك مفرطون او مفرطون و النمرقة الوسطي الذين آمنوا بالظاهر و الباطن و اذا سمعوا من الانبياء بيانا روحانيا حملوه علي المعاني الروحانية كما ينطبق علي عالم الارواح و اذا سمعوا منهم بيانا جسمانيا حملوه علي المعاني الجسمانية كما ينطبق علي عالم الاجسام و وضعوا كل شيء‌ موضعه و هم الذين يستلينون من ذلك ما استوعره المترفون و يأنسون بما استوحش منه المكذبون و يرون انه لا اختلاف في شيء من بيان الانبياء سلام الله عليهم و يرون ان جميعهم استقوا من بحر واحد و عبروا عن شيء واحد لا اختلاف فيه و لو كان من عند  غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و اما ما سألت ايدك الله من البيانات الواضحة فعلي العالم ان يبين ما سئل عنه باوضح بيان يمكن في ذلك المقام سواء وقع في آذان اهل الظاهر ظاهرا واضحا ام لا الم‌تسمع ان امرهم سر مقنع بالسر و سر مستسر و سر لايفيده الا سر ففي المطالب سري لايفيده الا سر و هو مقنع بالسر فكيف يمكن شرح كل مطلب ببيان واضح جلي و لو كان ذلك كذلك لمااشكل آية و لا حديث و لا كلام كامل علي احد ابدا فان بيانهم اكمل البيانات و شرحهم اتم الشروح و لاجل ذلك قال الشاعر:

علي نحت القوافي من مواقعها

و ما علي اذا لم‌يفهم البقر

هذا و دقة نظركم و لطافة فهمكم اراحتني عن التوضيح التام الذي يسكن عنده اهل الظاهر و ما علينا منهم و وجه كل كلام الي المخاطب به فاني ان شاء الله و لا قوة الا بالله ابين كل مسألة علي ما يناسب فهمكم و يناسب تلك المسألة حتي لايبقي لمعتذر عذر والله خليفتي عليك و اسأله ان يحفظ لك و عليك.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 410 *»

قال سلمه الله روينا ان ابليس كان يخترق السماء السابعة فلماولد عيسي7 حجب من السماء الرابعة فلماولد رسولنا9 حجب من كل السماوات مع ان بعد استكباره عن السجود لآدم7 قال الله تعالي اهبطوا منها جميعا و الجنان البرزخية التي هي جنان الدنيا باصطلاح اخبار المعصومين: ليست الا في السماوات.

اقول نعم روي من امالي الصدوق عن الصادق7 قال كان ابليس لعنه الله يخترق السماوات السبع فلماولد عيسي7 حجب من ثلث سماوات و كان يخترق اربع سموات فلماولد رسول الله9 حجب من السبع كلها و رميت الشياطين بالنجوم و قالت قريش هذا قيام الساعة التي كنا نسمع اهل الكتب يذكرونه الحديث و المراد بهبط ابليس هبطه من الجنان لقوله عزوجل قلنا يا آدم اسكن انت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما و لاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه فقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الارض مستقر و متاع الي حين فكان هبوطه من الجنة الي هذه الارض و لم‌يهبط هبط وقوع من اعلي مكاني الي اسفل مكاني هذا و جنة آدم من جنان الدنيا يطلع عليها الشمس و القمر فكانت علي الارض حيث كانت تطلع عليها الشمس و القمر و قد قال الله عزوجل فيها يأتيهم رزقهم فيها بكرة و عشيا ففيها بكرة و عشي فلابد من دوران الشمس و القمر عليها و هي في الارض لكن ارض هورقليا و ان كانت ارض هورقليا الطف من هذه السموات و سماؤه الطف من ارضه لكنها في غيب هذه الارض كائنة ماكانت و هورقليا هو المعبر عنه بالاقليم الثامن لا انه في عرض السبع بل لاجل انه الحقيقة الخارجة عن السبع و حقيقة ذلك العالم خفية عن الاكثرين فهم بين من يزعمه فوق عالم الاجسام بالكلية و يلحقه بالدهريات و بين من يزعمه في عرض هذه الاجسام فلاذا و لاذا بل عالم هورقليا من الاجسام و من الزمان الا ان الزمان يختلف طرفاه مع وسطه فطرفاه الطف من وسطه و الاجسام الواقعة فيهما الطف من الاجسام

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 411 *»

الواقعة في وسطه و وقتهما الطف و مكانهما الطف و ذلك ان الزمان خلق حيث خلق بعرشه و كرسيه و افلاكه و عناصره و نزل الي غاية البعد ثم صعد صاعدا الي حيث بديء فطرفاه في غاية اللطافة و وسطه الذي في غاية البعد في غاية الكثافة و قد لحق وسطه اعراض غيرت سماءها و ارضها و مواليدها و اما طرفاها فخالية عن تلك الاعراض فسماؤهما علي ما خلقت اول مرة و ارضهما علي ما خلقت اول مرة و يشير الي ذلك حديث موسي بن جعفر7 انه قال هرون له ما هذه الدار و دار من هي قال هي لشيعتنا و لغيرهم فتنة قال فما لصاحب الدار لايأخذها قال اخذت منه عامرة و لايأخذها الا معمورة فقال اين شيعتك فقرأ7 لم‌يكن الذين كفروا من اهل الكتاب الاية قال فنحن كفار قال ولكن كما قال الم‌تر الي الذين بدلوا نعمة الله كفرا و احلوا قومهم دار البوار الخبر فهي كانت في اول الزمان عامرة لا اعراض مخربة لها ثم حدثت فيها اعراض مخربة مفسدة و ستعود معمورة و ترد الي اهلها ان شاء الله و انما حدثت الاعراض فيها بعصيان آدم علي نبينا و آله و عليه السلام و ولده فلما احدث الانسان الجامع الاعراض اعرض جميع الاجسام و ضعفت بينها فتصادمت فحصل فيها الاعراض و صارت اسباب عقوبة للانسان و بيت سجن فسجنه الله فيه و عذبه بما فيه من الامراض و الاعراض و الهموم و الغموم و المخاوف و البلايا و المحن الا تري ان الناس جلهم اذا انهمكوا في المعاصي غير الله ما بهم من نعمائه فقطع عنهم بركات السماء و الارض فتغير ارضهم و ماؤهم و هواؤهم و امطارهم و ارزاقهم و حدث في ابدانهم الاعراض و الامراض و اذا ولعوا في الطاعة فتح الله عليهم بركات من السماء و الارض فصلحت عناصرهم و سماواتهم و طالت اعمارهم و صحت ابدانهم و كثرت نتايجهم و انما ذلك لان هذا العالم عالم الاجسام و قد سخرت للانسان قال الله عزوجل و سخر لكم الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بامره و قال و سخر لكم ما في الارض و الفلك في البحر و قال الم‌تروا ان الله سخر لكم ما في السموات و ما في الارض و اسبغ عليكم نعمه ظاهرة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 412 *»

 و باطنة و حقيقة الاناسي فوق هذا العالم فاذا اعرض الاناسي بعدوا عن المبدء و استحقوا عذاب البعد بكفرهم لعناهم و سيجزيهم وصفهم فاذا استحق الانسان العذاب سري عصيانه في جميع مادونه من هذا  العالم و تغير العالم عماكان عليه و لذا قيل اذا فسد العالم فسد العالم و لذلك يدفع الله بالمؤمنين البلايا و يدرّ بهم الارزاق و يحفظ بهم العباد و يعمر بهم البلاد بالجملة لاجل ذلك حصل في وسط الزمان اعراض و هو ابعد اجزائه عن المبدء و طرفاه اقرب الي المبدء و الطف و ارق و اصفي و جميعها اجسام زمانية لها افلاك متحركة علي محاورها و ارض ساكنة في حيزها و شمس و قمر و نهار و ليل الا ان الطرفين للطافتهما محجوبان عن ابصار اهل وسط الزمان فان اهل الوسط خلق ابدانهم من عناصر ذوات اعراض و اعينهم محجوبة بالاعراض عن درك تلك اللطايف و اليوم الذي خلق فيه آدم من ايام اول الزمان فكان جسمه لطيفا بلطافة تلك الاجسام التي كانت في ذلك الوقت و الجنتان المدهامتان كانتا في ارض تلك الاجسام و كان آدم فيهما و لذا تسميان بجنة الدنيا و لم‌تكن الجنة في السماء و ان كان ارض ذلك الوقت الطف من سماء وقتنا هذا ولكن مع ذلك كانت الجنة في الارض و كان آدم فيها و انما اهبط آدم منها بتغليظ جسده و تغير العالم و حجب الجنة عن عينه و كذلك اهبط ابليس منها الي هذا العالم و لذا لمارأي آدم تغير العالم و قتل قابيل هابيل قال:

تغيرت البلاد و من عليها

فوجه الارض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون و طعم

و قل بشاشة‌ الوجه المليح

فاجابه ابليس:

تنح عن البلاد و ساكنيها

فبي في الخلد ضاق بك الفسيح

و كنت بها و زوجك في قرار

و قلبك من اذي الدنيا مريح

فلم‌تنفك من كيدي و مكري

الي ان فاتك الثمن الربيح

فلولا رحمه الجبار اضحي

بكفك من جنان الخلد ريح

رواه في العيون عن علي7 و ستظهر تانك الجنتان في اواخر الرجعة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 413 *»

التي هي في طرف الزمان عودا في الارض من وراء الكوفة الي ما شاء الله من المسافة و يكون اكل المؤمنين منها ذلك اليوم بالجملة الجنة كانت و تكون في الارض و كان آدم فيها و دخلها ابليس فاغوي آدم و اهبطا منها الي هذه الدنيا هبوط تغلظ و تنزل لاهبوط نزول من مكان اعلي الي مكان اسفل فلاينافي ذلك صعود ابليس الي ظاهر السماء و الحمد لله فكان يصعد في ظاهر السماوات ثم حجب عن ثلث بقوة نور عيسي7 الذي نور السماوات ثم حجب عن الكل بقوة نور محمد9 فان ابليس من الظلمة و يفر من النور و لذا روي انه اذا كان عالم في بلد انهزم ابليس من ذلك البلد و لايسكن ابليس في الابدان الطاهرة النيرة و يسكن في الابدان الخبيثة الرجسة المظلمة.

قال سلمه الله و الثانية ما في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي رحمه الله في دعاء السحر لقيام صلوة الليل هكذا يا رب الفلك الدوار و الليل و النهار و الشموس و الاقمار انتهي فما تلك الشموس و ما تلك الاقمار فان اريد بالشموس الثوابت لان انوارها ذاتية كالشمس فالثوابت لاتحصي كثرة فكيف روي ان من وراء شمسك هذه اربعين شمسا فيها خلق كثير لم‌يعصوا الله طرفة عين و كيف  عددها الامام اربعين شمسا و ان اول تلك الشموس بان لعالم العقل شمسا و لعالم الطبيعة شمسا و لعالم الهباء شمسا فامثال تلك التأويلات من دون نص المعصومين: حرام شرعا بنص الاخبار و لايقبله العقلاء و لو فتح باب امثال تلک التأويلات لبطلت الشرايع اذ لايصح التأويل الا في موضع حكم به العقل القاطع صريحا و خالف ظاهر الخبر الامور القطعية ثم كيف روينا ان الشمس اذا امرت تقطع اثني‌عشر عالما و اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر شمسا و اثني عشر قمرا و ان كانت تلك الشموس الاربعون تحت الكرسي و فوق فلك القمر فلم‌ لايراها البصر و القول بوجودها و عدم رؤية البصر لها سفسطة بينة ثم ما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 414 *»

تلك الاقمار الاربعون و لايراها الحس.

اقول نعم انا قدمنا في اول الرسالة ما يكفي الناظر و نزيد هاهنا ان الناس اغلبهم يتكلمون بما لايعقلون و كل وهم عندهم يقين و كلام ائمة الهدي: عندهم وهم و تخمين يتخذون كل كلام بصراحته تأسيسا و يأولون كلام الهداة الي كلام غيرهم تلبيسا كل سلعة عندهم انفق من الكتاب و ابور شيء عندهم علم الائمة الاطياب و ان روي جاهل فاسق عن جاهل فاسق اوهاما يتخذونه سندا و يرتابون به في ما رواه ثقة عن ثقة عن حجة من الله الي خلقه لاينطق عن الهوي الا بوحي يوحي نعم ان الحجر ينزل بسهولة و يصعد بصعوبة و اعلم يا مولاي ان الظاهر من الكلام ما هو عليه من مقتضيات لغة التخاطب بحيث يعرفه اهلها و التأويل ان يصرف اللفظ عن المتبادر الي شيء آخر في عرضه مناسب له في الصفات بحيث يجتمع صفتهما تحت كلي واحد و الا فهو تأويل الجاهلين الذي يجب ان ينفي عن الدين كتأويلات الصوفية الفسقة و اهل البدع و الاراء المضلة الذين يصرفون الكلام عن ظاهره الي مرادهم من غير وجه و لو بني الانسان علي تأويل الكلام الي هذه الجهات لمابقي للاسلام عمود  و لا اخضر له عود و هذا النوع من التأويل لايجوز في سعة و لا ضيق سواء وافق ظاهره العقل او خالف و اما التأويل الذي ذكرناه فهو ثابت دائما سواء وافق الظاهر العقل او خالف فلكل كلام ظاهر و تأويل دائما و اما الباطن فهو ان يصرف الكلام الي محمد و آل محمد: و اوليائهم او اعدائهم و هو ايضا ثابت لكل كلام مع ان ظاهره و تأويله ثابتان مرادان و هكذا باطن الباطن و باطن التأويل و هلم جرا فان مجموع ذلك ان كان باطلا فليس بمراد من كلام الحكيم و ان كان حقا فهومراد الحكيم و يجوز عند آل محمد: استعمال اللفظ في اكثر من معني فلا معني للمنع من التأويل و انما الواجب ان ينظر الانسان في الكلام فان كان وروده في شرح حال عالم الاجسام الظاهرة فلابد و ان يكون له معني ظاهر جسماني و اما ان لم‌يكن في شرح عالم الاجسام الظاهرة فلاينبغي ان يطلب من هذا العالم معني له ظاهري و ينكر ما يأوله العالم الا تري انه روي ان قبر المؤمن ينفسح له مد

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 415 *»

بصره فيزعمه الجاهل في شرح عالم الاجسام ثم يتحير ثم يقول انه يخالف الحس ثم يأول علي هواه و هو غافل عن ان ذلك ليس في شرح عالم الاجسام و ما الزم آل محمد: ان يتكلموا بما يخالف عقول العقلاء بل حس الحاسين و كان ذلك تهجينا بهم بل ذلك علم آخر و ليس ذلك شرح عالم الاجسام الظاهرة و في عالمه ظاهر بين لايحتاج الي تأويل و الائمة: علماء جميع العوالم يتكلمون في علم كل عالم و لاينبغي ان يصرف كلامهم الي ظاهر متفاهم العوام الا تري ان ما روي عن علي7:

خذ الفرار و الطلقا

و شيئا يشبه البرقا

اذا مزجته سحقا

ملكت الغرب و الشرقا

فلو ذهبت تحمله علي متبادر الافهام لاتكاد تفوز بالمرام ابدا و انما هو في علم خاص و لقد جري علي مصطلحهم و لايجوز ان يقال ان النبي9 قال انا معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم و قال الله و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه فالواجب ان يحمل كلامه علي الظاهر الا تري ان الامام لو خلا بمهندس و نازعه في مسألة فانما يكلمه بلسان المهندسين و اصطلاحهم فاذا خرج و ذكر الحديث للناس لايجوز ان يحملوه علي متفاهم العوام و هكذا كل علم و هم سلام الله عليهم قد كانوا يتكلمون مع الحكماء الراسخين و المتكلمين و الاحبار و الرهبان و اهل المقالات و العلوم كلا بلسانه و اصطلاحه حتي يفهم ثم نقل عنهم صورة ما جري في المجلس و وقع في ايدي الناس فلايجوز حملها علي الظاهر البتة هم علماء حكماء في علم كل عالم و لكل كلام مع صاحبه مقام ولكن اجتمعت الاحاديث و كتبت في الكتب و نقلت فيزعمها من لادرية له انه يجب حملها علي الظاهر نعم يجب ان يحمل علي ظاهر ذلك الاصطلاح او ذلك العالم مع ان له تأويلا ايضا و باطنا حقين فاذا عرفت ذلك فنقول قد تضافرت الاخبار عن الائمة الاطهار: ان لله عزوجل عوالم و ليست منحصرة في هذا العالم و هذا منهم ظاهر معلوم كماقال الباقر7 لجابر لعلك تري ان الله عزوجل انما خلق

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 416 *»

هذا العالم الواحد او تري ان الله عزوجل لم‌يخلق بشرا غيركم بلي والله لقد خلق الله تبارك و تعالي الف الف عالم و الف الف آدم و انت في آخر تلك العوالم و اولئك الادميين و قال ابوعبدالله7 ان لله عزوجل اثني عشر الف عالم كل عالم منهم اكبر من سبع سموات و سبع ارضين مايري عالم منهم ان لله عزوجل عالما غيرهم و اني الحجة عليهم فثبت ان لله عزوجل  عوالم غير هذا العالم و العالم لايكون عالما الا ان يكون له عرش و كرسي و افلاك و عناصر و مواليد بينها فانها كلها من تمام الخلق الواحد و قد قال الله عزوجل ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قال و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و قال لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و قال الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و قد شهدت العقول السليمة من الحكماء الربانيين ان العالم الواحد لايتم و لايقوم الا بعرش و كرسي و سماوات و ارضين و مواليد بينهما فاذا شهد الكتاب و السنة و دليل العقل علي شيء فلابد من تصديقه فلكل من اولئك العوالم سموات و فيها شمس و قمر بلطافة ذلك العالم و كبر ذلك العالم علي ما يناسبه و ليس ذلك بتأويل مستهجن لم‌يرد به نص و انما نصوص الائمة: اما بالعموم او بالخصوص و ليس الاحكام الشرعية الظاهرة كلها منصوصة بالخصوص و اغلب الاحكام انما تستنبط من الاصول التي القوها الينا فقالوا علينا ان نلقي اليكم الاصول و عليكم ان تفرعوا فكذلك في الحكم و العوالم القوا الينا اصولا يستنبط منها فروع و من ذلك ما نحن فيه فاذا اخبرونا ان الله خلق عوالم و اخبرونا ان الغيب لايخالف الشهادة و ان لاتفاوت في نوع الخلق و ما خفي في الربوبية يصاب في العبودية و قال الله و ما امرنا الا واحدة و شهد بها العقل و المشاهدة عرفنا ان لكل عالم علي حسبه شمسا و قمرا الم‌تر ربك كيف قال في الجنة يأتيهم رزقهم فيها بكرة و عشيا و ليس الجنة في الدنيا و انما هي في الغيب و اثبت لها بكرة و عشيا و البكرة و العشي ليس تكونان الا بدوران شمس فوراء شمسك هذا بنص الكتاب شمس و ليست في الدنيا و الم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 417 *»

‌تسمع ان الشمس يوم القيمة تكون علي قمة رؤس الخلايق علي اربعين ذراعا و تلك الشمس غير هذه الشمس بنص القرآن نبدل الارض غير الارض و السموات فبنص القرآن يكون شموس غير هذه الشمس و لايحتاج الي تأويل مزخرفات الافرنج و الحكاة الجهلة عنهم و يقال ان هذه الثوابت كل واحد منها شمس فيا لله و لتلك المزخرفات فان افرنجيا واحدا في بلاده يزعم شيئا و في بلاده من المخالفين له و الرادين عليه كثير و يقول بظنه شيئا ثم يحكي عنه غيره علي اليقين ثم يقع الكلام بيد بعض الرسل الدولية ارباب المناصب الجهلة العراة عن العلم ثم يحكي بعضهم لبعض بجهلهم ثم يأتينا رسول منهم جندي جاهل بالعلم و رسمه و يقول و اغلب الاقاويل فيه مبالغة ان اهل بلادنا هكذا يقولون فيقع ذلك الكلام بيد منتحلي الاسلام من بلادنا فيتوسلون به الي تشكيك الناس و تخريب الدين ورد الضعفاء عن الاسلام الي الكفر المبين و من مزخرفاتهم المحكية ان الثوابت شموس و تلك امور لاتدرك بالعين و لا بشيء من الالات و المناظر و لم‌يصنع فيهم آلات تدرك ما في الثوابت و صفاتها و حالاتها نعم لهم مناظر تكبر الثوابت نحو كف او اكبر و انما يقولون شيئا بالحدس و التخمين و اذا وقع شيء منها بيد المنتحلين من المسلمين توسل به الشيطان اللعين و زاد عليه اضعافه مما يضحك الثكلي و لايغتر بها الا منافق مبين هذا و ما ذكرتم ان انوار الثوابت ذاتية فذلك محض حدس لايساعده دليل نقلي و لا عقلي و لا نجومي بل الذي يساعده الادلة‌ الشرعية ان انوارها اكتسابية و كذلك الشمس نورها اكتسابي و غير المعصوم7 كلما يقول حدس و خرص ان يتبعون الا الظن و انهم الا يخرصون بالجملة الحمد لله الذي سددكم حتي علمكم انه لايجوز تأويل الاخبار في معني الشموس الي الثوابت و انما كتبت ما كتبت لما اشاهد من اهل عصرنا من اغترارهم بكلام هذه السفراء الفجرة الجهلة الذين يجيئون الي ايران من الافرنج و يضلون الناس و لايضل بهم الا الفاسقون المنافقون و اما قولهم ان الشموس اربعون و الاقمار اربعون فاثبات الشيء لاينفي ما عداه كما نصوا عليه سلام الله عليهم و مفهوم العدد ليس بحجة و انما يجيبون

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 418 *»

بالزيادة و النقصان علي حسب اقتضاء حال السائل فقولهم اثناعشر الف عالم لاينافي الف الف عالم و كذلك اربعون شمسا لاينافي كون الشموس الف الف لكل عالم شمس و كما ان تلك العوالم لاتري لاتري شموسها و لا اقمارها ايضا و ليست تحت الكرسي و لا فوق الثمر و انما تلك الشموس غيبية كما ان الجنة الان موجودة و لها شمس و بكرة و عشي و لا تري الجنة و لاتري شمسها الم‌تسمع الحديث ان هذه الشمس تطلع علي اهل اوساط الارضين من الجن و النسناس فينتفعون بحرها و يستضيئون بنورها ثم تغرب في عين حمئة فلايعلم بها اهل جابلقا اذا غربت و لايعلم بها اهل جابرسا اذا طلعت لانها تطلع من دون جابرسا و تغرب من دون جابلقا فقيل يا اميرالمؤمنين فكيف يبصرون و يحيون و كيف يأكلون و يشربون و ليس تطلع الشمس عليهم فقال7 انهم يستضيئون بنور الله فهم في اشد ضوء من نور الشمس و لايرون ان الله تعالي خلق شمسا و لا قمرا و لا نجوما و لا كواكب لايعرفون شيئا غيره الحديث فهم وراء هذه النجوم و الكواكب التي في كرسيكم و لايرونها و هم في اشد من ضوء شمسكم و انتم لاترون ذلك الضوء و ان بلدهم في السعة مسيرة اربعين يوما لشمسكم هذه بالجملة ان ما ذكرنا ليس بتأويل و انما هو ظاهر الاخبار و انما وردت في ذكر العوالم الغيبية و صرفها الي الظاهر تأويل منكر و يجب حملها علي ما وردت فيه الا تري انك لو صرفت اخبار القيمة و الجنة و النار و البرزخ علي ما في الدنيا لكان تأويلا منكرا و الواجب حملها علي عالم وردت فيها.

قال سلمه الله الثالثة ان اهل الفرنج يدعون مشاهدة الجبال في جرم القمر و العطارد و الزهرة و المريخ و المشتري و مشاهدة الجبال الثلجية فيها بالدوربينات و ما ثمرة تلك الجبال في اجرام تلك الكواكب و الله سبحانه علل خلقة الجبال في الارض بما في نهج البلاغة من قوله7 وتد بالصخور ميدان ارضه و هذه العلة علي ظاهر فهمنا لايجري في جبال السيارات و كيف تحققت العناصر

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 419 *»

الكثيفة في السماوات التي فيها الجنان البرزخية المثالية اللطيفة القدسية؟

اقول اعلم ان اغلب ما يحكي عنهم و ينسب اليهم افتراء عليهم فمن تلك الافتراءات من جهل النقلة و الحكاة فان الذين يجيئون من تلك البلاد من السفرة هم الجنود و ارباب المناصب و ليس لهم في العلوم ضرس قاطع و ان حصل بعضهم بعض ظواهر علومهم لكنهم ليسوا بعلماء و كما ان في بلادنا لايفهم مطالب علمائنا الجهلة كذلك في بلادهم و علماؤهم لايخرجون من بلادهم و منهم اطباء و جراحون لاخبرة لهم في ساير العلوم و الصنايع فينسبون الي علمائهم ما يتبرءون منه لو اطلعوا عليه و منهم الذين اخذوا منهم من المسلمين ظاهرا المرتدين باطنا فيصغون الي تلك النقلة الجهلة و يأخذونه ناقصا ثم يضيفون اليه اضعافه و اضعاف اضعافه و يمدحون آراءهم و يستدلون عليه بعقولهم توهينا للاسلام و تهجينا علي الايمان فما ينسبون الي اولئك العلماء غلط علي غلط و لربما يأتي الافتراء من جهة المترجمين فان المترجم ما لم‌يكن عالما بذلك العلم و بتلك الاصطلاحات يترجم بما لايرضي صاحب الكتاب به كما تشاهده فيمن يترجم كتب الطب العربية و ليس بطبيب او يترجم كتب النجوم العربية و ليس بمنجم انظر الي ما ترجموا به القرآن و اعتبر به و اكتف به عماسواه فكذلك ما ترجموا الكتب الافرنجية فاغلبه غلط و خبط و خطاء فانه لا كل من يعلم اللسان من العوام يقدر علي الترجمة ثم من اخذ من تلك الكتب من المنافقين الجهلة اعتقدوا بها من غير معرفة و اضافوا اليها اضعافه هذا و صار بناء الناس اليوم انهم اذا رأوا قولا من افرنجي واحد ينسبون القول الي جميع الافرنج و ان تبرء من ذلك القول ساير هم بل جميع ما ليس من بلاد الاسلام يسمي اليوم بالافرنجي و اعظم من ذلك انا نري ان كل ما خطر ببال المنافقين في هذه الازمان من تدبير او حكمة عملية او علمية بزعمهم او نظم بيت او ملك او سياسة او صنعة ينسبونه الي الافرنج قربة الي الشيطان و توهينا للاسلام و ان لم‌يرو له عنهم بالجملة اري اغلب الناس ارتدوا علي اعقابهم القهقري و همهم ليلا و نهارا في توهين الاسلام و اذلال العلماء الاعلام و تقوية الطغام و تكريم اللئام حكمة بالغة فما تغن النذر و ما ذكرت فانما هو نفثه مصدور

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 420 *»

و اعلم انه لاينفع بل يثير الاحقاد الا ان من اتاه سعال لابد و ان يسعل.

و مقدمة اخري ان كان من المسلم عند اهل العلم انه لايصح الاستدلال عندهم بالالات و ماكان ذلك ديدنهم ابدا الاتري ان احدا من المهندسين لايستدل بالفرجار و يعتذر اصحاب الارصاد باختلاف الالات و عدم استقامتها و عدم صحة الاعتبار بها و لايعتمد علي قول مدعي التجارب لامكان وقوع اتفاق او كان الاثر من علة اخري خفية و علي اهل الاحكام بتجاربهم فلعله لتلك الاثار كانت علل اخري خفية و هكذا فلم‌يك ديدن العلماء الاستدلال بالالات الا ان يكون لهم دليل عقلي علي ذلك المطلب فحينئذ كانوا يعتقدون به  فلاعبرة بما يري بالمنظارات فان غاية ما في الباب اعتقاد ان هذا مشهود في المنظار ولكن هل هو في الواقع كذا ام ليس كذا فلا الا تري انه لو كان حائط عظيم علي رأس خمسة فراسخ و كان دوينه بينك و بينه ببعد ذراع شيء اسود مثلا و انت تنظر الي الحائط بالمنظار فتري عليه شامة سوداء و ليس علي الحائط شامة و ليس يمكن ان يعرف بالمنظار هل الشامة علي الحائط او دوينه بمسافة قليلة فكيف يمكن ان يعتقد العاقل الناظر بالمنظار ان تلك الشامة علي الحائط غاية ما في الباب ان الانسان يظن ان هذا هكذا و لايمكن العاقل اليقين بما يدركه بالالات و لربما يقع خلل في نفس الالة و لايعلم الانسان و لربما يتفاوت رؤية المنظار بسبب البعد و تراكم الهواء و الابخرة و الرطوبات الرشية في الهواء و غيرها فيري ما ليس في الواقع او بخلاف الواقع.

و مقدمة اخري ان ما يقوله الجهلة ان الافرنج يعتقدون سكون الشمس و حركة الارض و امثال ذلك فان جميع ذلك افتراء علي علمائهم و ليس احد من اهل الافرنج يعتقد ذلك فان الاعتقاد ما يحدث من دليل عقلي و لم‌يقم دليل عقلي علي وجوب سكون الشمس و امتناع سكون الارض حتي يعتقد ان الامر في الواقع كذا و اما ما اخبروا به من السموات و الكواكب مما ليس مناطه الرؤية فانما هو فرض من الفروض يتسق عليه هذه الحركات المشهودة کما انه يحتمل احتمالات اخر امکانية يتسق عليه هذه الحرکات فان مدار القدماء و المتأخرين جميعا علي فرض اوضاع يتسق عليه هذه الحركات المشهودة من الدوران والارتفاع و الانخفاض

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 421 *»

و الاستقامة و الاقامة و الرجعة و غيرها و الا فلم‌يصعد احد السماء من الاولين و الاخرين حتي يخبر مما هنالك و الذي صعد و اخبر لايقبلون قوله فاهل الافرنج ايضا ليسوا بمتيقنين بهذا الفرض معتقدين به و انما يفرضون فرضا و يقولون لو قلنا ان السموات هكذا لاتسق هذه الحركات المشهودة ايضا هكذا و لو قال قائل مثلا انا اقول ان هذه الكواكب يمكن ان تكون حيوانات ذوات ارادة احياء امرهم الله ان يسبحوا في الجو هكذا و قد يأمرها ان ترجع فترجع و قد يأمرها ان تقيم فتقيم و قد يأمرها ان تستقيم او تصعد صاعدا او تنزل نازلا فتطيع و هذه الافلاك الجزئية التي يقولون لا اثر لها و ليس الا سبعة افلاك منفردة متوحدة فكل عاقل سمع ذلك يقول يمكن و اي دليل يدل علي امتناع هذا القول مثلا و ليس للاستبعاد مدخل في الحكمة فكيف يمكن عالم الافرنج ان يعتقد ان الشمس ساكنة و الارض دوارة او الثوابت راكزة في مراكزها و هكذا نعم يقول ان احد الفروض هذا و ليس يعتقد به اعتقادا يقول بفساد خلافه او امتناعه فليس ما يقوله عالمهم من الاحتمال علي نحو الاعتقاد و ليس المقربات و المحسنات و الاستبعادات مما يورث الاعتقاد و اذا وقع بيد الجهال المنافقين يقولون ان اهل الافرنج يعتقدون في الارض و الافلاك كذا و كذا ثم يصرون علي هذا القول و يروجونه و لايريدون بذلك الا اهانة الدين و توهين الشرع المبين فليس يطلع علي السماء و اوضاعها الا الله جل و عز و الانبياء الذين نزل عليهم الوحي و من اخذ منهم هذا و الذي اهلك هذا الخلق المنكوس تركهم علم ما يعنيهم و كلفوا به و طلبهم علم ما لايعنيهم و كفوه و نحن تعرضنا للجواب عن هذه المسائل رجاء ان يزيل الله بنا شبهة عن قلوب المسلمين و ينظمنا الله في عداد الهداة للمؤمنين و لا حول و لا قوة الله بالله العلي العظيم. اما قولكم ان اهل الافرنج يدعون مشاهدة الجبال في جرم القمر الي آخر فذلك من الافتراءات عليهم في ماسوي القمر يلوكونها بين لهواتهم من غير رؤية فان اعظم منظار صنعوه كما في كتبهم يري الشيء اكبر منه بستة آلاف تقريبا و انا افرض انهم صنعوه منظارا آخر يكبر الشيء مثلا سبعة الاف مرة فلو فرضت تكبير عطارد و الزهرة و المريخ و المشتري لايجاوز احدها قدر صينية كبيرة فاذا كان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 422 *»

مجموع الكوكب قدر صينيه كيف يري فيه الجبال الثلجية و يميز الثلج عليه ان هو الا زخرف القول غرورا و هو كلام من غير روية غاية الامر انه يري عليه سواد ما و بياض ما فامثال هذه المزخرفات لايحتاج الي جواب و لايقول به عاقل نعم ربما يتراءي بعض سواد و بياض و ارتفاع و انخفاض في القمر لايدري حقيقتها هل هي محض الوان تري هكذا او هي جبال واقعا فانا نري لوحة نقشها النقاشون اذا نظر الانسان اليها من البلورات المسماة بجهان‌نما يري فيها جبالا و جدرانا و ارتفاعا و انخفاضا و ليس علي سطح اللوحة الا نقش و هو علي سطح واحد فمن الذي اخبر ان الذي يري في القمر ليس في سطح واحد و ليس الا محو في القمر و لون كما اخبر الله جل و عز في كتابه و اخبر به الحجج النازلون من السماء ان هذه الالوان التي تري علي القمر محو نور كان علي القمر و قد بلغ امر اهل ايران مبلغا يفترون علي اهل الافرنج انه رأي ناظرهم بالمنظار في القمر رجلا بيده فأس و كان يحصد نعوذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين و اذا سمع هذه المزخرفات العوام وقعوا في شك و شبهة في الدين علي ان ذلك خلاف ما اخبر به الانبياء فاخبار الانبياء اذا كانت علي خلاف الحس كانت كذبة نعوذ بالله بالجملة حقيقة هذه الامور هكذا و القمر اذا كبر ستة الاف مرة كان مقدار سطح دار فاذا كان كل القمر كسطح دار كم ينبغي ان يكون الجبل فيه و هل يري ازيد من مقدار حمصة مثلا او اكبر و كيف رؤي عليه الثلوج و النيران الذي يزعمون نعم لاشك في رؤية‌ الوان مجهولة عليه و من عرف حال الالواح التي توضع تحت البلورات التي تسمي جهان‌نما و رأي عيانا ارتفاع نقوشها و انخفاضها و قيام جدرانها و حيطانها و اشجارها و حيواناتها و اناسيها و تقدم بعضها و تأخر بعضها و ابعادها مع انها علي سطح واحد علم انه لا اعتبار بالمنظار و ما يري فيه و ليس يحصل العلم بوجود ما يري علي ما يتراءي و من ذا يقدر ان يدعي العلم او يتيقن بما رأي في المنظار و في ذلك كفاية و بلاغ لقوم عاقلين و قد مر ان الجنان ليست في السموات.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 423 *»

قال سلمه الله و قد ادعوا مشاهدة الاقمار حول المشتري و حول الزحل و انها تتحرك حول المشتري و حول الزحل وما ثمرة تلك الاقمار ان صحت مشاهدتهم و هل يصح تكذيبهم مع اتفاقهم علي المشاهدة في ارصادهم في البلاد المختلفة و قد ادعوا مشاهدة كوكبين عظيمين فوق زحل يتحرك حول كل واحد منهما اقمار كثيرة مع ما روينا ان زحل في اعلي المنازل و انه في الفلك السابع؟

اقول نعم يري كواكب حول المشتري تدور عليه و لم‌يرد من الحجج: خلافه و لم‌يرد من الشرع حصر السيارة في السبع فليكن الف آخر و لا مانع منه نعم و قد شاهدوا كواكب اخر سيارة و ضبطوا مسيراتها و ليس علي خلاف كتاب و لا سنة و من الجايز ان يكون الوف اخر و لاتري بهذه المنظارات و التي رأوها و رأوا ترتيبها هذه الشمس و يسمونها ذي‌سَن و عطارد و يسمونها مِركُوري و الزهرة و يسمونها وِنوس و الارض و يسمونها ذي‌اِرث و المريخ و يسمونه مَرَس و فِلُورَء و كَليءُ و وِسْتَه و اَيريس و مِتيس و يُونُومِيَه و هَيْب و فَرثِنُوف و اَيْرِن و اِجيرِيَه و اَستَري‌ئي و جُونُو و سِرِس و فَلَس و هَيْجيَه و جُوفَيتِر و هو المشتري و سَتُرن و هو زحل و اُرانوس و نِفْتِبُون و هذه الكواكب التي عرفوا ابعادها و اقطارها و رأوا کواکب اخر بين يُونُومِيَه و بين هَيْب و لم‌يميزوا اقطارها و ابعادها و اسماؤها عندهم فَسَيْش و ثتيس و مِلفُومَن و فارشُونَه و مَسّيليه و لُوتُوتَيه و كَلي‌اُف و ثَلِيَه و ثَميس و فوكوئي و فِروسِرفين و يُوتِرف و بِلُونَهْ و اَمفِي‌تِريت و اُرانِيَه و يُوفْرولسَين و فُومُونه و فُوليم‌نِيه و هل هي الا كحصاة وجدها انسان في بادية لم‌يرد بنفيها كتاب و لا سنة و ما في الكتاب و السنة من ان السموات سبع لاينافي ذلك اذ ليس فيهما ان في كل سماء كوكب واحد بالجملة لم‌يرد من المعصومين: ما ينافي ذلك و لربما صنع بعد ذلك منظار اعظم و شوهد كواكب اخر لم‌يروها الي الان و لاينافي ذلك كون زحل في الفلك السابع فافهم.

قال سلمه الله و كيف قولهم بان للارض حركة وضعية يومية حول نفسها و حركة حول الشمس في سنة و حركة بطيئة في ثلثين الف سنة حتي نسبوا حركة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 424 *»

الثوابت الي حركة الارض و انكروا حركة الثوابت و قد روي في توحيد المفضل عن الامام7 انه قال ان الكواكب الرواتب تسير مجتمعة فما اعتقادكم في تلك الامور و تلك الاقمار و تلك الجبال و تلك الحركات الثلث في الارض و كيف لنا بابطال اقوالهم مع ادعائهم الحس و المشاهدة القطعية.

اقول ان من اقوالهم ما هي من باب المشاهدة كرؤية كوكب سيار حول المشتري مثلا او حول زحل فلاينكر و منها ما رؤي شبح في المنظار و لايعلمون حقيقته الا بالحدس و قد اخبرناك بهذين القسمين و منها ما هو محض فرض و احتمال كحركة الارض و سكون الشمس و ليس لهم علي ذلك دليل بوجه من الوجوه لا من الطبيعي و لا من الهندسي و لا من المشاهدة و لا من اخبار الانبياء: و ليس هذا الفرض بقول محدث اخترعوه بل كان ذلك من احتمالات القدماء و نسب الي فيثاغورس و افلاطون من المتقدمين و قوفرونقوش صاحب الرسد و فورقوشيوش الحكيم المسيحي و قال لم‌ينقطع من القديم الي الان القول بحركة الارض ابدا و عن ارسطو ان فيثاغورس و اتباعه جعلوا الشمس التي هي عندهم النار اكمل العناصر و مركز العالم و عدوا الارض من السيارات حول الشمس بالجملة هذا محض فرض و احتمال و لايعلم باحوال السماء الا من خلقها و من صعد اليها و نزل منها و غير قولهم جميعا احتمالات لافائدة تحتها في الدين و الدنيا و الاخرة و من مزخرفاتهم انهم اثبتوا لهذه الارض المتفتتة المتفرقة الاجزاء الميتة غير القابلة لتعلق نفس بها ثلث حركات مختلفة اوليها حول مركزها علي نفسها و بها استقام الليل و النهار و حركة سنوية تدور حول الشمس و هيئة مدارها اهليلجية تقرب من الشمس في الربيع و الخريف و تبعد في الشتاء و الصيف و لاادري و لااحب ان ادري ان حركة هذه الارض طبيعية ام حيوانية ارادية و كيف تدور في مدار اهليلجي بالطبع و كيف يكون الجسم المتفتت المتفرق المتشتت حيوانا له ارادة واحدة و تسير دائما في مسير اهليلجي و مركز مدارها ايضا خارج عن مركز الشمس الي جانب الجنوب و لذلك تلبث في جانب الجنوب اكثر من لبثها

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 425 *»

في جانب الشمال و لها حركة ثالثة و هي حركة بطيئة حول قطب دائرة البروج مع ان محور الارض مواز لمحور المعدل فترسم دائرة في خمسة و عشرين الف سنة قبطية و ثمان‌مأة و ست‌عشرة سنة و بعضهم قال ان عين هذه الحركة مشوشة مختلفة و منهم من اثبت لها حركة رابعة و قال ان محور الارض يتحرك من الشمال الي الجنوب و العكس اربعا و عشرين دقيقة و من المشرق الي المغرب و العكس درجتين و ثم ان دقايق فطرف محور الارض يتحرك كاللبلاب فمحور الارض يرسم دائرة مركبة من قطعات في خمس و عشرين و ثمان‌مأة سنة علي خلاف التوالي انظر الي هذه المزخرفات التي تمجها الاسماع و تشمئز منها الجلود و تتنفر منها النفوس ان الارض ان كانت تتحرك بالطبع فما هذه الاختلافات العديدة و الحركة الاهليلجية و الملوية و ان كانت ذات ارادة فكيف صارت حية مع هذا التفتت الذي لايقبل نفسا واحدة و نريها عيانا انها لاتحس و لا تتألم و لاتنزوي من حرث و حفر و اثارة و لا اظن ان حكيما يطاوعه نفسه ان يقول بهذا القول ثم ليتفكر عاقل في انه ما الباعث علي اصل حركة الجسم هل هو نفسه فكيف يغير الشيء نفسه و الساكن يخرج من قوة نفسه الحركة و ان كان الباعث اقتضاء طبع فالطبع الواحد كيف يقتضي حركتين مختلفتين و حركات مختلفة مع انه وحداني الجهة و ان كان الباعث حيوة فيه فوقه فيمكن ان تحركه علي حسب ارادته التابعة للمرجحات الخارجية و ان كان الباعث من الخارج فيمكن ان يكون طبعا وحدانيا او حيوانا ارادية تابعة للمرجحات الخارجية فهذه الارض هل هي تحرك نفسه و هل يحركها طبعها ام روحها او يحركها طبع خارجي او حيوان خارجي فليختر القائل احد هذه الاقوال و علي قول بعضهم ان المحرك لها الشمس فان كانت هي المحركة فلم‌تحركها علي النحو الاهليلجي و لم‌تحركها ملوية و لم‌تحركها بتحريكات مختلفة بالجملة هذه الخيالات خزعبلات قالته العلماء علي محض فرض و اخذه الجهال من الافرنج المحبين لكل جديد و بديع علي الظن و اخذه الايرانيون منهم علي اليقين لا عن روية لا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 426 *»

حكمة بالغة فما تغن الايات و النذر عن قوم لايؤمنون ثم اعلم ان القائلين بهذا القول يقولون ان الارض و الهواء كليهما يسيران بهذه المسيرات لما رأوا من وقوع نقض كثير علي بنيانهم و ذلك لايجديهم نفعا فهم يقولون ان الارض و الهواء يسيران من المغرب الي المشرق و دور كرة الارض اربعة و عشرون الف و ثمان‌مأة و ستة و سبعون ميلا انجليسيا فيقطع الارض و كل ذرة عليها هذه المسافة في اربعة و عشرين ساعة فيقطع كل جزء في ساعة الف ميل و اثنين و سبعين ميلا تقريبا علي زعمهم فنحن اذا رفعنا من الارض حصاة صغيرة فان كانوا يقولون هذه الحصاة بنفسها لاتسير كالارض حركة يومية فوجب ان لاتندفع الي جانب المغرب اذا نحن دفعناها الي جانب المغرب و الهواء يسير هذا السير الحثيث الذي هو اشد من سير جميع الرياح اذ يسير الهواء الي المشرق في كل ساعة ازيد من الف ميل فكما انا لو دفعنا الحصاة الصغيرة الي وجه الريح دفعتها و لم‌تذهب شيئا و نري عيانا انها مع عدم ريح تذهب مسافة معينة بلا تدافع و كذلك كان اللازم اذا رميناها الي جانب المشرق ان تسير في ساعة ازيد من الف ميل كما يطير الحاصب الحصيات و يذهب بها و انت تقول ان الهواء يسير هذا السير الحثيث و المشهود خلاف ذلك كله و ان قلت ان الحصاة ايضا لها حركة يومية كالارض و انها جزء الارض فالحصاة التي هي بنفسها و طبعها تسير في ساعة ازيد من الف ميل كيف يرميها طفل الي خلاف جهة سيرها و يردها عن جهة سيرها و هل يقدر الطفل علي دفع بندقة الطوب عن مجريها لايقال انها تتحرك في الان الواحد حركتين كالنملة الماشية علي حجر الرحي و الرجل الماشي في السفينة علي الخلاف و هذا وجه الاشتباه فان النملة جسم ثقيل واقع علي الحجر متصل به فيسير بسير الحجر لاتصاله به ثم ان النملة ترفع قائمة من قوائمها و تضعها علي جزء آخر و قائمة منها علي الحجر و يسير بها و كذلك الرجل في السفينة فلذلك يري لهما حركتان و اما الحجر المدفوع فتقول انه بنفسه ساير الي المشرق فان رددته الي المغرب فلايجوز ان يسير ذلك الحين الي المشرق فاذا لم‌يكن دفع حجر الي المغرب و هو يسير بهذه السرعة الي المشرق و نري انه يندفع بدفع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 427 *»

طفل علمنا انه لايسير الي المشرق و التحريك العرضي لايغلب الذاتي اذا كان اقوي و اذ جري في الحجر هذا جري في جميع الارض و كذلك القول في بدن الادمي فنقول هل البدن من اجزاء الارض و بنفسه يسير الي المشرق هذا السير الحثيث ام لا فان كان يسير كان اللازم ان لايقدر الطفل علي المشي الي المغرب و ليس لروحه قوة رد ما يسير هذا السير الحثيث لاسيما و هو متعلق بالارض و يسير به الارض ايضا و ان كان اصل البدن ساكنا و وضع في طوب و دفع الي المغرب فلابد و ان لايندفع او يندفع قليلا فانك تدفعه في وجه الهواء الساير الي المشرق بتلك السرعة و المشهود خلاف ذلك كله و كذلك نحن نري انك تصيح نحو المغرب فيذهب صوتك كما يذهب الي المشرق فلو كان الهواء يسير الي المشرق بذلك السير الحثيث كيف كان يذهب صوتك و يتموج الهواء قهقري بهذا  التحريك الضعيف و كذلك انت تنفخ الي المغرب فيذهب نفخك الي مسافة فلو كان الهواء يسير الي المشرق اشد من العاصف كيف تقدر علي تمويجه بالنفخ قهقري و النفخ رد نفس الهواء عن مسيره و لايغلبن الضعيف القوي البتة فسير الهواء كلام سخيف يشهد بسخافته العيان و لايحتاج الي البيان فان كان الهواء ساكنا و الارض تسير فيه هذا السير الحثيث كان الواجب احساس ريح عاصف و صوت شديد لخرق الهواء بهذه الشدة من الجبال و التلال و الشرف و الابنية و تسخن الارض سخونة تنتهي الي احتمائها و احتراق ما عليها كما يتسخن الدوامة و كل متحرك و خراب جميع ما عليها من البنيان لهبوب تلك الرياح الشديدة و تفرق اجزاء الارض بتلك الرياح و ذلك ايضا قول من السخافة بمحل و قد كتبنا كتابا آخر في ردهم مفصلا و ذكر فيه الادلة الطبيعية علي فساد قولهم و ذكرنا فيه ما فيه كفاية و بلاغ و نكتفي هنا بما ذكرنا هذا و ما يحمل الشيعي ان يترك قول ساداته المحيطين بالخلق الشاهدين له الاتين من لدن خالق الخلق و يذهب الي قول لايمكن اصلاحه بوجه من الوجوه و يثبت للارض اربعة حركات مختلفة و ليس لها طبع واحد لاختلاف اجزائها فضلا عن حيوة واحدة و هي متفتتة متفككة ميتة و ليس طبايعها محيطة بكلها و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 428 *»

لا صنوف حيوتها ان قلنا لها بارواح متعددة فان هذا القول من العقلاء الا لمحض تطبيق الحسبانات و الحركات ان تحركت الارض ايضا فرضا و اما الوقوع فلايقول به عاقل و لماوقع الكلام بيد منافقين يريدون ابطال شرايع الانبياء و المرسلين و توهين الدين المبين تصدوا لتشييد بنيان هذا القول و تزيينه بالمزخرفات و الخزعبلات الواهية و ان غرضهم والله الا توهين امر النبيين فاني اريهم والله كل سلعة عندهم انفق من الكتاب و لا شيء عندهم ابور من سنن الانبياء الاطياب و لماكان ظهور سكون الارض و حركة الشمس في الكتاب و السنة اظهر من ان يحتاج الي البيان لم‌نذكر منهما شيئا و مجلد من البحار موضوع في السماء و العالم و هو كاف شاف.

قال سلمه الله حتي انكروا تأثيرات السيارات و قالوا كما ان الارض تشرق عليها الشمس و لا تأثير للارض كذلك لا تأثير لشيء من تلك الكواكب السيارة لانها اراضي كارضنا هذه و الاخبار كلها صريحة في تأثيراتها و المقصود من هذا السؤال ان يكتب مولانا ما به نبطل اقوال اهل الفرنج لانها صارت شبهة عظيمة بين المسلمين حتي توسل بها الذين في قلوبهم مرض الي نفي السموات و نفي حقيقة القرآن و الاحاديث المصرحة بتأثيرات الكواكب السيارة.

اقول ان كانوا ينكرون التأثير لها كلية فيكذبهم العيان الا يرون تسخين الشمس و تبريد القمر الا يرون برد الشتاء بنزول الشمس و حر الصيف بصعودها و اعتدال الربيعين بتوسطها الا يرون ادراك الثمار و اخضرارها و اصفرارها و احمرارها و حلاوتها و حموضتها الا يرون ادراك الزروع و يبسها في اوقات حصادها الا يرون بلوغ المعادن و ادراكها و نضجها و كمالها الا يرون الجزر و المد في البحار بصعود  القمر و هبوطه و طلوعه و غروبه الا يرون ما يترتب علي القمر حال كونه بدرا و حال كونه في المحاق و الا يرون ان هذا التسخين و التبريد يؤثر في الابدان و يغير الطبايع و يهيج الاخلاط فيتبيغ الدم في الربيع و يثور الصفراء في الصيف و يهيج السوداء في الخريف و يغلب البلغم في الشتاء ثم يترتب علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 429 *»

غلبة تلك الاخلاط آثارها و اعراضها و امراضها و اخلاقها و الا يرون اختلاف الاثار بحسب البلدان و الاشخاص مما يطول ذكره فالقول بعدم تأثير العلويات مطلقا قول جاهل بوضع العالم و ان كانوا ينكرون تأثيرا خاصا فلم‌يقم دليل عقلي علي وجوب عدم تأثير للعلويات و امتناعه فاعتقاد العدم من غير دليل عقلي من اعمال السفهاء و لو قلنا لم‌نتحقق تأثيرها و لم‌نحط بها و رأينا التخلف احيانا لم‌ننكر عليهم فانهم لم‌يحيطوا بجميع الاسباب و العلل البتة فلذلك يشهدون التخلف في بعض الاوقات هذا و ان الله سبحانه لم‌يخلق شيئا في الدنيا لا تأثير له هب ان الكواكب كانت كالارض هلا انزلوها منزلة الملح و الزاج و الكبريت و التوتيا و غيرها و هلا انزلوها منزلة الفلفل و الدارصيني و اجزاء الحيوانات او منزلة المعادن فكيف يكون لاجزاء الارض تأثير و ليس لهذه الكواكب تأثير و اي دليل قام علي امتناع التأثير حتي ينكر الانسان التأثير و اما عدم العلم و الاطلاع فليس دليل العدم و مشاهدة التخلف لعدم الاحاطة بجميع الاسباب و العلل و ليس يجوز لطبيب شاهد اكل مريضه الدارصيني و لم‌يشاهد تعقيبه بماء الليمون ثم لم‌يشاهد آثار تسخين ان ينكر سخونة الدارصيني اذ لم‌يحط بجميع العلل الا ان هؤلاء الافرنج قوم سدوا باب المعقول و صار عقولهم بحواسهم فكلما لم‌يدركه حواسهم و آلاتهم ينكرون و كل ما رأوه يقرون و ليس هذا ديدن الحكماء و لا سيرة العلماء و اتبعهم في ذلك السفهاء فقالوا بعدم تأثير الكواكب مطلقا و ماكان بعض علمائنا ينكرون فكانوا يزعمون ان الذي يقول بتأثيرها يقول باستقلالها و يصير من الصائبين فكانوا ينكرون عليهم اشد منع و اما اذا عرفوا ان ذلك ليس بالاستقلال و ان هو الا كتأثير الفلفل و الباذروج لما انكروا اذ يجري عليهم ما يجرون علي غيرهم هذا و هم لم‌ينكروا حدوث الاثار عند اختلاف اوضاع الكواكب و انما اختلفوا هل هي من تأثير الكواكب او هي علامات و ان الله يفعل ذلك و جري عادته باجراء هذا الاثر عند هذا الوضع مثلا.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 430 *»

قال سلمه الله و ادعوا رؤية الخالات السود في جرم الشمس من اربعة‌ الي ثمانين فكيف ذلك و الشمس نورانية الذات ثم هل السموات مع شفافيتها اجرام صافية صلبة كالياقوت و الالماس كما عليه بلنياس و لذلك يمسك اجرام السيارات الكبار ام اجرام رقيقة ارق من الهواء فكيف يثبت فيها السيارات الكثيفة المستنيرة بالشمس سيما القمر لانه جرم كثيف عادم النور اذ لو كان رقيقا لمااستنار بالشمس ابدا.

اقول اما ادعاؤهم الخالات فلايضر بشيء اذا كان صدقا و لاينفع شيئا ان كان كذبا و لاينافي كتابا و لا سنة و خيالات الحكماء لا عبرة بها هذا و قد ذكرنا سابقا ان ما يري بالمنظار من البعيد ليس يمكن درك الاتصال و الانفصال به بين شيئين قريبين فرؤيتهم لاتدل علي كون الخال علي وجه الشمس البتة و مع ذلك ليس بنافع لشيء و لا ضار بشيء فانا ننكر ما خالف كتاب الله و سنة نبيه و اما ما لم‌يخالف و لم‌يوافق و هو من الممكنات فليس علي امتناعه دليل عقلي فلاننكره و قولكم ان الشمس نورانية الذات فضعيف فانه ان كان مرادكم من الذات جرم الشمس فلايمتنع ان يكون عليه خالات كما ان للقمر محو و ان كان مرادكم منها حقيقة الشمس فلاينافي كون خال  علي جرمه و لم‌يقم دليل علي امتناع الخال علي فرض صدقه و كذبه و اما قولكم ان السموات صلاب او رخوة فالله سبحانه يقول ثم استوي الي السماء و هي دخان و قد خلق آيته فيك و هي الروح الفلكي البخاري الحيواني الذي هو مساوي الافلاك فظهر فيه ما ظهر في الافلاك من الحيوة فانظر هل تري في روحك البخاري صلابة كالياقوت و الافلاك الطف و اشف و ارق من الهواء بسبعين مرة اذ هي روح و العناصر اجسام و لاينافي رقتها دوران الكواكب فيها اذا كان حيز الكواكب ايضا ذلك المكان كما انه لايقع خيالك و فكرك علي جسمك و ذلك  ان حيزها عرصة الخيال و الفكر و الخيال و الفكر فلكان من افلاك بدنك و اما كثافة الكواكب فاعلم ان عرصة السماوات عرصة الارواح الجسمانية و لايناسبها كثافة و غلظة و حجب لما وراءها بل هي الطف من الهواء و النار بسبعين مرة و هاهنا بيان طويل الذيل يتعلق بعلم المناظر و المرايا و قد كتبنا فيه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 431 *»

كتابا شريفا مجمل بيانها خاليا عن تفصيل البراهين تكلانا علي المشاهدة و حسن الظن و ذكاوتكم يقتضي رسم مسائل:

الاولي ان الاجسام علي نوعين صقيلة و كثيفة اما الصقيلة فهي التي لها سطح واحد مستو و اما الكثيفة فهي التي علي سطحه نواتي فكل نات له وجوه الي جميع جهات نصف العالم و تواجه جميع اجزاء نصف العالم الاعلي فانه كنصف كرة و كل جسم غليظ كثيف علي وجهه نواتي ذات جهات لامحة.

الثانية ان الاجسام ثلثة اما لطيفتها اقل من نفسها فهي ناقصة و اما مساوية فهي تامة واما زايدة فهي كاملة فالناقصة تحتاج في جهة النقصان الي غيرها و التامة غنية عن غيرها في جهة التمام و الكاملة غنية عن غيرها و جوادة علي ما هو اضعف منها و المنيرات من القسم الثالث فانها ظاهرة في نفسها غنية عن غيرها في اظهارها مظهرة لغيرها بفضل وجودها و ظهورها و نورها.

الثالثة ان نور المنير من عالم المثال و  ليس بجسم فهو بنفسه خفي عن الاعين الجسمانية الا ان يقع علي جسم كثيف فيكتسب الكثافة فيري بهذه العين الجسمانية الكثيفة فاذا كان الجسم لطيفا شفافا غير مرئي يقع عليه النور و لا يكتسب كثافة فلايري فاذ لا نور مرئيا يكون ظلمانيا كزرقة الهواء الذي فوقنا التي يسميها الناس بالسماء و هي بحر ظلمة لايري فيه نور و اما اسفل الهواء فيقبل قليل نور لما فيه من الاغبرة و الاهبية الكثيفة فيستضيء قليلا و يري و لانطباقه علي الظلمة التي من ورائه و سوادها يري زرقة مركبة من الصفرة و البياض و السواد و كذلك اذا كان زجاج صاف شفاف لايري فيه نور و اما اذا كان جسم كثيف كحائط او ارض فيقع عليه النور فيري فحينئذ اذا اخذ زجاج و كان وراءه كثيف لايأتيه شبح ضوء من ورائه ينطبع عليه شبح امامه كالمرآة فان وجهها صيقلي و تحتها كثيف ظلماني غاسق لايأتيه شبح من ورائه فيري ما امامه و يتراءي عليه نور ما امامه و يقوم مقام الكثافة الظلمة الا تري ان زجاجة الارسي بالليل اذا كان احد جانبيها ظلمانيا ينطبع فيها شبح السراج من الجانب الاخر و اذا اظلمت جانب النور و نورت جانب الظلمة انعكس الامر فالزجاجة و ان كانت شفافة و كان نولهما ان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 432 *»

لايري فيها نور لكن الظلمة التي وراءها قامت مقام الكثافة فاستنارت و استضاءت و ذلك ظاهر بين فالكواكب اجرام صيقلية لطيفة شفافة في نفسها ولكن اذا كان وراء الكوكب ظلمانيا يقوم مقام الكثافة و يستضيء الكوكب من نور الشمس و ان كان كالزجاجة الصافية  و البلورة‌  اللطيفة فلايجب ان يكون جرم القمر كثيفا غاسقا كالاجسام العنصرية و كذلك ساير الكواكب و اما الشمس فلاجل ان من امامها ابدا نور العرش و الكرسي و هما و ان كانا لطيفين غير مرئيين الا ان جرم الشمس اكثف منهما لظلمة ماورائها و غلظتها بالنسبة فاذا كان المراة كثيفا من وجه صقيلا من وجه يري النور المقابل و لك ان تقول ببيان آخر ان نور العرش و الكرسي لايريان بالعين و انما اشتعلا في جرم الشمس كما ان النار لاتري ولكن اذا اشتعلت في الدخان صار شعلة نورانية تري و تضيء و اما الثوابت فكذلك بالنسبة‌ الي نور العرش ثم ان الانوار يختلف الوانها و خواصها و صفاتها في بطون المرايا كما اختلف نور الشمس في بطن القمر مع نور الشمس فتدبر هذا و اجرام الكواكب احيازها المراكز العلوية كنفس الافلاك فلاتزول عن مراكزها و لاتنزل و لاتصعد و هي من جنس الافلاك و ان كانت اشد تركيبا فالافلاك كالدخان المتصاعد من النار و الكواكب فيها كشرارات قد توجد في الدخان و هي من اجزاء دخانية الا انها محمية بحرارة النار حتي احمرت و استضاءت و صارت نورانية فافهم.

قال وفقه الله الرابعة ان الملائكة النازلة من السماء السابعة الي الارض ان كانوا مجردين عن مطلق الجسمية كما عليه الفلاسفة فكيف نزولهم و عروجهم و هما صفتا الاجسام و هذه شبهة استصعبها العلماء و ان كانوا مع نوع من الجسمانية اللطيفة فالجسم الذي ينفذ من الفلك الي الارض لابد من خرقه للفلك لاستحالة نفوذ جسم من جسم من دون خرق و قد قال تعالي و جعلنا السماء سقفا محفوظا و ان دل اخبارنا علي ان الافلاك عنصرية صافية و لامحالة يقبل جميع ما يقبله العناصر.

اقول اعلم ان الملائكة علي اقسام و قد شرحنا امرهم في ساير كتبنا و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 433 *»

الملائكة المسئول عنهم هم طائفة منهم كالمدبرات و المقدرات و حملة الوحي و الارزاق و الامطار و امثالهم اعلم ان الجسم له مراتب في اللطافة و الكثافة اسفله كثيف علي وفق الاجسام الدنياوية و اعلاه لطيف علي وفق اجسام اهل الجنة و ماكان يقال ان العرش اعلي الاجسام و ليس وراءه جسم فالمراد به الاجسام الدنياوية الكثيفة لامطلق الاجسام فان عرصة الاولي و الاخري كلها جسمانية و الجنة و النار جسمانيتان و هما الطف من الاجسام الدنياوية بسبعين مرة و لاجل عدم معرفة الناس بمراتب الجسم وقعوا في حيرة عظيمة في امور الدنيا و الاخرة فاذا سمعوا ان الجن اجسام او الملائكة اجسام زعموهم كاجسام الدنيا و تحيروا و انكروا او سلموا تسليما جهلانيا و لوعرفوا مراتب الجسم لم‌ينكروا شيئا من الحق فاقول ان الجسم جوهر له كم ما و كيف ما و وقت ما و مكان ما و رتبة ما و جهة ما و ما كان يقال انه جوهر له طول و عرض و عمق اكتفاء ببعض الخواص و اعلاه يرتقي الي اسفل ارض زعفران و اسفله ينزل الي تخوم الارضين السبع و له مقامان من اعلاه الي اسفله ذاتي و عرضي و عرشكم هذا الي فرشه اجسام عرضية فهذه الاجسام العرضية اعلاه فلكيات و اسفله عنصريات و من وراء عرشكم هذا اجسام ذاتية لها عرش و فرش و ما بينهما من افلاك ثم من وراء ذلك عالم الاولي المشار اليه في الجامعة الاخرة و الاولي و لعالم الاولي ايضا عرش و كرسي و افلاك و عناصر كلها جسمانية و لعالم الاخرة ايضا عرش و كرسي و افلاك و عناصر كلها جسمانية لكن الاولي الطف من الدنيا بسبعين مرة و الاخري الطف من الاولي بسبعين مرة و الاخري في غيب الاولي و الاولي في غيب الدنيا و الصنف المسئول عنهم من الملائكة من اجسام عالم الاولي لا الدنيا و هم يصعدون و ينزلون في عالمهم في هذا العالم بلاخرق و لا التيام كالجن فانهم ينفذون من البلور و الحديد من غير خرق و ينفذون في الهواء و الماء من غير تمويج للهواء و الماء و ينفذون في النار من غير احتراق من النار لشدة لطافة اجسامهم و انما الشيء ينصدم من الشيء المصاقع له و اما اذا كان خارجا من اقطاره و جهاته لاينافيه و يسكن حيث يسكن و ينفذ منه من غير ان يطلع علي نفوذه و يتحرك من غير ان يتحرك كما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 434 *»

عرف من امر الجن و آيته التقريبي نفوذ النار من الحديد من غير خرق محسوس و من طابق الصفا بلاخرق و ذلك تقريبي و كذلك امر الملائكة فانهم اجسام نورانية اولوية يصعدون و ينزلون و لا خرق و لا التيام و ان شاؤا يوما ما و تجسموا باذن الله كهذه الاجسام و اخذوا من اصول هذا العالم لحكمة فانهم يصعدون و يطرحون كل اصل في حيزه و يتجاوزونه الي ان يصلوا الي عالمهم اعلم انه قد سألني غير واحد عن مسألة و اجبتهم علي سبيل الاجمال و قد جاء هيهنا محل بيانها فتذكرتها فاحببت بيانها فلعلهم يقفوا عليها و هي ان تصرف الجن في الاجسام الظاهرة و رفعهم و وضعهم و رميهم و ضربهم للاجسام كيف هو و هم كالارواح اللطيفة و كيف ينفعل الجسم الكثيف من الجن اعلم ان ابدان الاجنة من عالم البرزخ و عالم هورقليا فهم مخلوقون من نار هورقليا و ساير عناصره الا ان نارهم اغلب كما ان الانسان خلق من عناصر هذه الدنيا و ترابه اغلب و لو كان الجن من عناصر هذه الدنيا لكان ينفعل هذه العناصر بحركاتهم كمشيهم و تكلمهم و لكان يتحرك هذه العناصر بحركاتهم ولكنهم خلقوا من نار عرصة هورقليا و هي النار الحاصلة من الشجر الاخضر شجرة النفس النابتة من التراب الذي خلق منه حقيقة آدم و لاجل ذلك يجيئون و يذهبون و يمشون و يتكلمون و لايتموج بحركتهم الهواء و هم في عالمهم يساوقون حس البنطاسيا و لاجل ذلك يرون بذلك الحس و يسمع كلامهم به الا تري الممسوس يريهم و يسمعهم و يكلمهم و يكلمونه و لو اطبق عينه و سد اذنه و سكت بلسانه و غيره لايري شيئا و لايسمع و حقيقتهم تنتهي الي عالم الطبايع و لهم نفوس ناطقة ظلية فلاجل ذلك كانوا شعاع الانسان و ظله و هم لرقة اجسامهم يقدرون علي تغيير اجسامهم بصور مختلفة كيفما شاؤا و ارادوا فيتغلظون ان شاؤا و يترققون ان شاؤا و يتصورون بالكبر و الصغر و الحسن و القبح و باي صورة شاؤا فان اجسامهم لطيفة يطاوعهم علي حسب ارادتهم و اما الانسان فلجمود جسمه لايقدر علي التصورات المختلفة فاذا ارادوا تحريك شيء و هم كالارواح تغلظوا و تشبثوا باصول عناصر الجسم الدنياوي و مثاله و العناصر الدنياوية بالنسبة اليها كالعرض بالنسبة الي الجوهر و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 435 *»

كالزبد بالنسبة الي الماء اذا ازبد فالصورة الجسمانية الدنياوية بالنسبة الي هورقليا كصورة الزبد بالنسبة الي الماء فاذا رفع الماء رفع الزبد معه لامحالة و كذلك اذا تشبث الجن بعناصر الحجر الهورقلياوية و بمثاله و رفعه ارتفع صورة‌ الحجر الدنياوية بمشايعتها لانها عرضها و انما ذلك لتغلظه حتي ينصدم منه جسم الحجر الاصلي و اذا شاء غير ذلك ترقق و كان لطيفا حتي انه ينفذ من الاجسام بلا خرق لها و بغير تحريك اذا تكلم و اذا مشي الا تري انه قد يكون تصورك لطيفا رقيقا فلاينفعل منه البدن و قد يكون غليظا منجمدا فينفعل منه البدن و يتحرك بتحركه كمايحتلم بدن النائم و يتكلم لسانه و يتحرك يده و رجله بما في تصوره اذا جمد و تغلظ و اذا كان لطيفا فيري ما يري و لايؤثر في بدنه و كذلك الجن اذا تغلظ باختياره و ارادته حرك الجسم و اذا ترقق نفذ من الجسم و لايتحرك كما لايتحرك الطابق من النار فاذا للجن صورتان صورة مقومة بها هو هو و يعرف بها بين ساير الجن و صورة متممة هي باختيارهم و ذلك كالسكر فا نه يعرف بصورة السكر و هي محفوظة له مادام سكرا ولكن يتصور بانواع صور الحلاوي شفافا و غير شفاف و كذلك الرجل المعين من الجن له صورة بها يعرف انه هو هو ثم يتصور بصورة حسنة و قبيحة و انسان و حيوان و شجر و حجر و رقيق و غليظ و كذلك في جميع الاحوال هو هو لا غير و آيته بدنك له صورة نوعية ثم يتقلب في صورة‌ القيام و القعود و الصحة و المرض و امثالها و هو هو في جميع تلك الحالات بالجملة الجن لشدة اختيار بدنه يقدر علي التصور بانحاء الصور و الانسان لجمود بدنه لايقدر لاتقل كيف صار الانسان اقل اختيارا من الجن فان بدن الانسان الجامد بدنه الجمادي و النباتي و الحيواني و هي اضعف اختيارا من الجن و اما انسانيته فهي اقوي اختيارا من الجن و يتقلب في الصور كيف يشاء بالجملة اذا تغلظ و نزل نزل كأنه جسم دنياوي كماتري من تجسم روح الحيات و الحشرات حتي انها تتقطع كالجسم الدنياوي فاذا تغلظ رفع الحجر و رمي به و انفعل منه الجسم و اذا ترقق و صفي مشي و تكلم بلاخرق و لاتحريك و كذلك الملائكة فانهم اجسام هورقلياوية رقيقة يتصورون باي صورة شاؤا و ارادوا و يتغلظون و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 436 *»

يترققون و يصعدون و ينزلون فان شاؤا اجراء امر في الاجسام الدنياوية تغلظوا و ان شاؤا ان يجيئوا و يذهبوا بلاصدمة ترققوا و اما ما ذكرتم من امر الخرق و الالتيام فانا لم‌نجد دليلا من الكتاب و السنة و لا من عقلنا و لا من الحكماء علي امتناعه فان الافلاك اجسام كالدخان و كالهواء و لا امتناع في تغلظها و ترققها و خرقها و التيامها و انما الذي يذكره الحكماء من الامتناع فانما هو في محدب العرش لا غير و كذلك ما ذكرتم من ان نفوذ جسم من جسم يوجب خرقه فليس كذلك اذا كان احدهما الطف من الاخر بدرجات و قد مر مجملا شرحه و قوله تعالي و جعلنا السماء سقفا محفوظا فليس يدل علي استحالة خرق والله حافظ كل شيء علي ما يشاء و قد حفظ هذا السقف عن الوقوع و اقامه بلا عمد ترونها ان الله يمسك السماوات و الارض ان تزولا و لئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا فافهم و لكوني علي جناح السفر لااقدر علي التفصيل و الله يهدي من يشاء الي سواء السبيل.

قال الخامسة روينا ان بين الفلك السابع و الكرسي سبعين الف حجاب و سبعين الف عالم و الهواء الذي يحار فيه القلوب و بحر الحيوان و بحر الظلمة و امثال ذلك كما في حديث زينب العطارة و نلتمس بيان تفصيل ذلك الحديث.

اقول اعلم ان معرفة هذا الحديث صعب جدا و تبتني علي مقدمات كثيرة و اني علي جناح السفر و القلب غير مجتمع لتبلبل البال لاجل الحل و الارتحال فاكتب ما هو الميسور. اعلم ان الله جلت عظمته خلق سبع سموات و سبع ارضين كماقال خلق سبع سموات و من الارض مثلهن و اسرار ذلك مشروحة في كتابنا مواقع النجوم الذي كتبته في حقايق علم النجوم و الاشارة الي ذلك ان كل شيء فيه معني كل شيء و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هاهنا فجميع ما يوجد في العالم يوجد في شيء واحد و من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 437 *»

الاشياء هذا العالم فبناه الله بنفسه و جعل فيه حيث فعلية و حيث مفعولية فحيث فعليته العرش و الكرسي الا ان العرش جهة الفعل الي الفاعل و الكرسي جهة الفعل الي المفعول و الارض جهة المفعول و السماوات وجوه تعلقات الفعل الي المفعول و شؤنه و انما تعدد وجوه الفعل لتعدد وجوه المفعول و لماكان المفعول مثلث الكيان مربع الكيفية و له وجوه سبعة وجب في الحكمة ان يتعدد جهات الفعل بحسبه فصارت سبعا و هي السموات السبع و هي اسباب تمكين المفعول لتعلق الفعل فهذه الارض و ان كانت واحدة في المنظر فهي سبع في المخبر و قد ظهرت جهاتها الباطنة و تجلت في عناصرها الاربعة و مواليدها الثلثة لا ان العناصر والمواليد هي الاراضي فكل يحكي ارضا من تلك الاراضي الباطنة الغيبية و انما صارت الافلاك سبعة لان يكمل كل سماء ارضا حتي تصير قابلة لتعلق آثار الكرسي فالشمس و المريخ و الزهرة تربي الكيان الثلثة فالشمس تربي الحيوان و المريخ تربي النبات و الزهرة تربي الجماد لان هذه الثلث جامعة لجهات ساير الافلاك و الاربعة الاخر تربي الكيفيات الاربع فزحل يربي النار بباطنه و المشتري يربي الهواء و عطارد يربي التراب و القمر يربي الماء و تلك الاراضي هي بواطن العناصر و المواليد و العناصر و المواليد هي مظاهرها و تلك الاراضي بعضها الطف من بعض و اصفي من بعض حتي ان الارض الثانية في لطافتها توافي ظاهر محدب السماء الدنيا و الارض الثالثة توافي لطافة ظاهر محدب السماء الثانية و الارض الرابعة توافي لطافة ظاهر محدب السماء الثالثة و هكذا و لذا قال الرضا 7 في قوله تعالي و السماء ذات الحبك هذه ارض الدنيا و السماء الدنيا عليها قبة و الارض الثانية فوق السماء الدنيا و السماء الثانية فوقها قبة و الارض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبة الحديث و المراد بالفوقية الفوقية الرتبية فكل ارض فوق السماء الظاهرة رتبة و لطافة و السماء الظاهرة العليا فوقها قبة تمدها و تربيها و تدبرها و كل ارض من هذه الاراضي للطافتها اوسع من التي اكثف منها فكل ارض كثيفة عند التي هي الطف منها كحلقة ملقاة في فلاة قي لان الكثافة تقتضي الضيق و اللطافة تقتضي السعة و الاوسع منها تحت الاكثف

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 438 *»

بعدا عن مبدء الخير و هكذا تترامي الاراضي و كل اكثف منها عند الاوسع كحلقة ملقاة في فلاة قي حتي تنتهي الي السابعة ثم هذه الارضين السبع و من فيهن و من عليهن من الانس و الجن و الشياطين علي ظهر الديك كحلقة في فلاة قي و المجموع عند الصخرة و المجموع عند الحوت و المجموع عند البحر المظلم و المجموع عند الهواء و المجموع عند الثري كذلك كلحقة ملقاة في فلاة قي اعلم ان الارضين السبع اللاتي بازاء السموات السبع علي ظهر الديك وهو ملك له جناحان جناح بالمشرق و جناح بالمغرب و رجلاه في التخوم و هو قول علي7 ان لله ملكا في صورة الديك الاملح الاشهب براثينه في الارض السابعة و عرفه تحت العرش له جناحان جناح بالمشرق و جناح بالمغرب فاما الجناح الذي في المشرق فمن ثلج و اما الجناح الذي في المغرب فمن نار الخبر  و هذا الملك تحت الارضين السبع مستمد من الكرسي عرفه تحت العرش و براثينه في غيب مركز العالم له جناحان جناح بالمشرق مشرق وجوده فمن ثلج المادة الباردة و جناح في مغرب وجوده فمن نار الصورة المتكثرة و هذا الملك في مقابل الكرسي و هو الذي يحمل الارضين السبع اللاتي في مقابل السموات و هذا الملك رجلاه علي صخرة و هي المشار اليها في قوله تعالي ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات يأت بها الله و هذه الصخرة من سجين فيها كتاب الفجار و صور اعمالهم و نقوش آثارهم وهي واقعة بازاء فلك البروج الذي هو من عليين و فيه كتاب الابرار و صور اعمالهم و نقوش آثارهم و اما الحوت فهو واقع بازاء العرش الذي هو قلب العالم و مبدء الحيوة و الحوت مشتق من الحيوة و يربي في الماء الذي هو اصل الحيوة فالحوت يحمل الصخرة و هي علي ظهره و بطنه ممايلي الماء و البحر المظلم المواج المتلاطم هو في مقابلة عالم المثال في جانب الاسفل و هي الامثلة السجينية المختلفة المتراكمة المظلمة و اما الهواء فهو مقام المادة و هو اصل الماء و مبدء الرحمة و اما الثري فهو في مقابلة‌ الطبع الذي هو منتهي عالم الشهادة و عالم الظاهر الذي هو بمنزلة الارض بالنسبة‌ الي سماء النفوس و له ما تحت الثري و يخصه فانه جهة الرب و جهة افعال

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 439 *»

الله جل جلاله فهذه الست حملة الارض و دون الارض في جانب البعد عن المبدء و كل واحد الطف و اوسع من الذي قبله فالذي قبله عنده كحلقة ملقاة في فلاة قي و مجموع ذلك في الرتبة دون السماء التي هي في جهة عليين و هي جهة الرب و افاعيله و ذلك ان جميع ما ذكر من جهة الماهية و الماهية كائنة ما كانت دون الوجود و السموات و الكرسي و فلك البروج و العرش هي من جهات الوجود و جهات الوجود اعلي من جهات الماهية كائنة ما كانت فهي كلها عند  السماء الدنيا كحلقة ملقاة في فلاة قي و السماء الدنيا عند  السماء الثانية هكذا و كذا كل سماء عند السماء العليا حتي تبلغ السابعة و مجموع السماوات السبع عند البحر المكفوف كحلقة ملقاة في فلاة قي و المراد به الفلك الثامن المكفوف عن اهل الارض فانه لم‌يتعلق بظواهر اهل الارض بنفسه و انما تعلق بها بواسطة‌ السماوات و هو عند جبال البرد كحلقة ملقاة  في فلاة قي و المراد بها العرش فانه بارد و هو الماء الاول الذي منه حيوة كل شيء و هو اية العقل و هو علي طبع الماء و لذلك يزيد الماء في العقل و سمي بالجبال لصلابتها و عدم انفطارها و شهوقها و ارتفاعها و هي عند حجب النور كحلقة ملقاة في فلاة قي و المراد بها عالم المثل فهي الحجب النورية التي احتجب الله جل و عز بها عن انظار خلقه و هي عند الهواء كحلقة ملقاة في فلاة قي و المراد به المادة و الطبع و سميت به لصفائها و لطافتها و كونها امكان جميع الكاينات و هو عند الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة قي و المراد به النفس فانها مقام الصور العلمية و اللوح المحفوظ اصل و سدرة المنتهي و شجرة طوبي و هو عند العرش كحلقة ملقاة في فلاة قي و المراد به العقل فانه حقيقة العرش و مقام الاجمال و القلم الذي به كتب الله ما كتب علي لوح النفس و لكل واحد منها وجوه شتي لايسعها الحال لتبلبل البال بالحل و الارتحال و معاشرة الصادر و الوارد و العذر عند كرام الناس مقبول ولكني وضعت الاشارة في اثناء العبارة لتتمكنوا من استخراج المطالب و العاقل يكفيه الاشارة و  الجاهل لايتنبه بالف عبارة و ان آل محمد صلوات الله عليهم ليتكلمون بالكلمة و يريدون بها سبعين وجها لهم من كلها المخرج و وجوه العلم عديدة لاتنحصر في وجه هذا ما خطر بالبال علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 440 *»

وجه الاجمال.

قال سلمه الله ثم ما ثمرة تلك الثوابت الكثيرة فان كانت ثمرتها تربية هذه الارض و ما عليها فكيف و اغلب الثوابت لاتري اما لبعدها و اما لصغرها و لايصل ضوءها الي الارض و الارض يكفيها الشمس فانها منضجة لمواليدها بحرارتها.

اقول هذا قول بغير علم و اعيذك بالله منه و من تقديرك اقدار الله بقدرك و اصل ذلك من شبهات الافرنج فانهم استبعدوا انها كيف تكون لانتفاع اهل الارض و كيف خلقت مع كبرها لهذه الارض مع صغرها بل هي كرات كالارض و فيها خلق و هي عوالم في الجو كعالمنا هذا و هذا القول منهم محض تجويز و خرص و تكذيب للشرايع و تخمين بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير و ما يدريك ان تربية العالم باي نحو هل هي بارواحها و نفوسها او طبايعها او انوارها و هل هي مربية علي نحو الاجتماع كمعجون يعمل باجمعه في البدن و ان كان بعض الاجزاء فيه قليلا و مع ذلك لولاه لم‌يعمل ذلك العمل او تربي مفردة كل كوكب كوكب فرده و انها و ان لم‌تر لكنها تربي بروحانيتها القوية في جملة العالم و هذا القوام الذي تري من اجتماع جميع هذه الاسباب و ما يدريك انها كيف يعمل بعضها في بعض و كيف يكسر بعضها سورة بعض و ما ينتج من تمازج انوارها في السموات و في الجو و ما يعمل مجموعها في السيارات و ما يعمل كل سيار في اخيه اتقوا الله و لاتقدروا عظمة الله بقدر عقولكم و كفوا عما لاتعلمون و ذروا ما تجهلونه في سنبله و ردوا علمه الي الانبياء و الرسل الذين جاؤا من السماء و صعدوا اليها فانهم يخبرون عن علم و عيان و غيرهم لايقول الا بحدس و خرص و ما يدريك ان الشمس تكفي الارض و ما علمك بان اجزاء العالم من اي جهة ارتبط بعضها ببعض اتقوا الله و لاتكلفوا علم ما لم‌تكلفوا به و قد دلت الادلة العقلية و النقلية ان الله جل و عز واحد و مشيته واحدة و الخلق مخلوق واحد بالمشية الواحدة و اثر لها فجميع اجزائه مرتبط بعضه ببعض و هي مما به الشيء الواحد ذلك الشيء و لو لم‌

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 441 *»

يكن ذرة من الملك لكان الخلق ناقصا و لم‌يكن اثر المشية التامة الواحدة

فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا

و ان لم‌يكن فهم فيأخذه عنا

قال سلمه الله ثم هل لتلك الثوابت تأثيرات في العوالم التي بين الفلك السابع و الكرسي ام لا؟

اقول لا اعرف العوالم بين الفلك السابع و الكرسي و لم‌يصل الي اخبار تنبيء عن عوالم بينهما و اما البحر المكفوف و الحجب و الهواء التي بينهما فليست بعوالم بينهما تطلع عليها الثوابت و علي فرض ان يكون قد وصل اليك شيء فالمراد عوالم رتبتها بين غيب الكرسي و غيب هذا العرش و لايطلع عليها الثوابت المشهودة.

قال سلمه الله و هل جنة الخلد تحت الثوابت كما في تفسير القمي ان سدرة المنتهي في السماء السابعة و عندها جنة المأوي و هذا مناف لقوله لايرون فيها شمسا و لا زمهريرا اذ حينئذ يري اهل الجنة حرارة الثوابت الحارة و برودة الثوابت الباردة و ان كانت فوق الكرسي و تحت العرش كماروينا الجنة سقفها عرش الرحمن.

اقول جنة الخلد بين الكرسي و العرش اي بين غيبهما و ليست بين جسميهما الظاهرين و علي ما رويتم ان جنة المأوي في السماء السابعة فليس علي ظاهره و ليست جنة في ظاهر السماء و ان السموات كالدخان تجري في مواضعها و اشبه شيء بها الرياح الهابة و ليس في ظواهرها جنة ولكن في غيبها و كونها في غيب الفلك السابع لاينافي كون العرش سقف الجنة فان الجنان السبع في غيوب السماوات السبع و الثامنة في غيب الكرسي و سقف المجموع عرش الرحمن اي باطن هذا العرش و لايطلع هذه الثوابت علي الجنان و السماوات تهال و تبدل و الجنة باقية من الجنة من عناصر دار الاخرة و الاجسام الظاهرة من العناصر الجسمانية و بينهما بون بعيد.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 442 *»

قال سلمه الله فالايات و الاخبار دالة ‌علي خراب السماوات السبع يوم القيمة و لم‌يدل صريحا علي خراب تلك العوالم فتبقي الثوابت منيرة مدبرة لتلك العوالم السبعين الف فكيف قوله تعالي بعمومه و اذا النجوم انكدرت و كيف يدبر الثوابت تلك العوالم السبعين  الف مع انها في فلك واحد و طبايع العوالم مختلفة و اوضاعها متغايرة مع ان جميع الثوابت تطلع علي كل عالم عالم فبعضها لايناسب بعض اجزاء بعض تلك العوالم و بالجملة فامر الثوابت و الحكم الالهية فيها مما قد خفي علي جميع العقول من لدن آدم الصفي الي هذا الاوان فما استفدتم من الاخبار و الايات فبينوها لنا فانه امر بديع لم‌يجسر علي التكلم فيه احد.

اقول هذا آخر كلماته و جميع هذه الشبه قدحت في القلوب بما دس الافرنج بين الاسلام شبهاتهم و زرعوها في قلوب الناس و سقوها بمياه متتالية حتي احدثوا الشك في قلوب الصغير و الكبير و العالم و الجاهل و هم لعنهم الله ينكرون الغيب و يحملون جميع ما يسمعون علي المحسوسات الظاهرة و يريدون ان يجعلوا لها حقايق جسمانية و بذلك يريدون ترويج انكار المعاد بل التوحيد و معرفة الله عزوجل و ان يحملوا الناس علي الدهر و الناس لايشعرون و قد اجبنا عن هذه الفقرة فيما سبق انه لم‌يصل الينا عوالم بين الكرسي و العرش و اصل هذه الشبهة من مزخرفات الافرنج ان الكواكب كلها عوالم كعالم الارض و ان المسلمين المغرورين بكلامهم ارادوا جمعا بين كلماتهم و الاخبار فزعموا ان العوالم الواردة في الاخبار هي تلك الكواكب التي خرصتها الافرنج بمحض التوهم و التشبيه لعن الله هذه الشياطين فانهم عماقريب يردون كثيرا من الناس عن الاسلام القهقري و يحملونهم علي انكار الغيوب و يدنسون القلوب و يبدون العيوب اعاذنا الله من شرورهم و اقتصر علي ما كتبت لاني مبتل بتبلبل البال بالحل و الارتحال و معاشرة النساء و الرجال و لايحضرني كتب الاخبار و مع ذلك في ما ذكرنا ما يكفي للاعتبار و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 443 *»

و قد تم علي يد مصنفه كريم بن ابرهيم في بلدة اصفهان حين مسافرتي الي مشهد الحسين7 في التاسع و العشرين من ذي‌الحجة من شهور سنة اثنتين و ثمانين من المأة الثالثة‌عشرة من الهجرة حامدا مصليا مستغفرا معتذرا تمت.