رسالة في جواب الملا عبد الکريم الکوهبناني (1)
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 273 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي.
و بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ارسل الي المولي الكريم الفخيم العظيم الحاج ملاعبد الكريم الكوهبناني سلمه الله و ابقاه من قصبة بافق بسؤال عجيب ليس له علي وجه الارض جواب و استعجل مع ذلك في الجواب هذا مع انه لميجر ذكره في خطاب و لميسطر في كتاب و لماكان طاعته فرضا علي لكرامة نفسه و جلالة قدره بادرت في الجواب و ارجو من الله القاء الصواب فاجعل عبارة كتابه بعينها كالمتن و اذيلها بالشرح كما هو عادتنا و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
قال ايده الله في ضمن كتابه بعد استرخاصي من خدمة جنابك قد وردت قصبة بافق و اجتمع الناس علي و سئلوني عن مسائل و من جملتها طلبوا الدليل و البيان من القرآن علي العدد في شهر رمضان و من بركة خدامكم قلت ما يمكنني في جوابهم حتي وصل الكلام الي العدد المعين في شهر ثلثين و في شهر تسعة و عشرين و بعد بياني لهم الاحاديث تمنوا ذلك من القرآن قلت قال الله تبارك و تعالي ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و بين الائمة: صريحا فما اكتفوا بذلك و يريدون التصريح في القرآن فلامحيص لي الا الرجوع الي القرآن كماقال ولي الملك المنان ففروا الي الله فلابد ان اعرض عليكم ان تبين مأمولهم من كلام الله و السلام عليكم ما للسؤال جواب و للخفاء بيان.
اقول و بالله التوفيق و بيده زمام التحقيق اعلم ان القرآن ظاهره انيق و باطنه عميق لاتفني غرايبه و لاتنقضي عجايبه و هو ابعد شيء من عقول الرجال و ليس مشرعة لكل خائض و لا منالا لكل ناهض فقال سبحانه بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و قال تعالي شأنه ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 274 *»
عبادنا و قال جلت عظمته و انه لذكر لك و لقومك و قال ابوجعفر7 انما يعرف القرآن من خوطب به و قال اميرالمؤمنين7 ان علم القرآن ليس يعلم ما هو الا من ذاق طعمه فعلم بالعلم جهله و بصر به عماه و سمع به صممه و ادرك به ما قد فات و حيي به بعد اذ مات فاطلبوا ذلك من عند اهله و خاصته فانهم خاصة نور يستضاء به و ائمة يقتدي بهم هم عيش العلم و موت الجهل و قال ابوعبدالله7 في رسالة فاما ما سألت عن القرآن فذاك ايضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لان القرآن ليس علي ما ذكرت و كلما سمعت فمعناه علي غير ما ذهبت اليه و انما القرآن امثال لقوم يعلمون دون غيرهم و لقوم يتلونه حق تلاوته و هم الذين يؤمنون به و يعرفونه و اما غيرهم فما اشد اشكاله عليهم و ابعده من مذاهب قلوبهم و لذلك قال رسول الله9 انه ليس شيء ابعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن و في ذلك يحير الخلايق اجمعون الا من شاء الله و انما اراد الله بتعميته في ذلك ان ينتهوا الي بابه و صراطه و ان يعبدوه و ينتهوا في قوله الي طاعة القوام بكتابه و الناطقين عن امره و ان يستنبطوا ما احتاجوا اليه من ذلك عنهم لا عن انفسهم ثم قال و لو ردوه الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فاما عمن غيرهم فليس يعلم ذلك ابدا و قال ابوجعفر7 ان للقرآن بطنا و له ظهرا و للظهر ظهرا يا جابر و ليس شيء ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الاية يكون اولها في شيء و آخرها في شيء و هو كلام متصل متصرف علي وجوه الي غير ذلك من الاخبار و الايات الدالة علي ان علم القرآن ليس حظ كل من علم العربية اما تري ان الله سبحانه يقول و فيه تبيان كل شيء و يقول لارطب و لا يابس الا في كتاب مبين و يقول مافرطنا في الكتاب من شيء و هذه الايات مستجمع علي تأويلها لا خلاف بين من يعلم ظاهر القرآن ان معناها ان علم كل شيء في القرآن فلو كان علم كل شيء في ظاهر عربية القرآن لعلم العرب كل شيء لانهم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 275 *»
يفهمون ظاهره لانه نزل بلسانهم فلما رأينا ان علم كل شيء ليس في ظاهر القرآن و في ظاهره ان علم كل شيء فيه علمنا ان من العلم ما في ظاهره و من العلم ما في باطنه و ذلك معلوم بالفطرة ان علم باطن القرآن ليس يعرفه كل احد و الا لكان كل احد يعلم جميع العلوم فهو حظ جماعة دون غيرهم و لذلك العلم مقدمات و دليل و شرح و بيان كما ان في علم ظاهره مقدمات و دليل و شرح و بيان و مقدمات باطنه اصعب من مقدمات ظاهره و تري ان مقدمات ظاهره باي صعوبة حتي ان الطلبة يحصلون في مدة اربعين سنة و لمايعرفوا ظاهره كما هو فكيف لهم بعلم باطن ذو مقدمات صعبة و طرق وعرة و لمايحصلوا مقدماته و كيف يمكن ان يكون لظاهره المحسوس مقدمات ينبغي ان يحصلوها من المهد الي اللحد ثم لميبلغ المني من فهمه الا واحد منهم بعد واحد و لايكون لباطنه مقدمات مع انه اصعب و اخفي الكم الذكر و له الانثي تلك اذا قسمة ضيزي و العجب من قوم عاجزين عن درك ظاهر القرآن يقترحون علم باطنه من غير ان يكون لهم فيه ضرس قاطع بل من غير ان يكون استشموا رايحته و يصرفون الاعمار في تدرس ظاهره و لايحصلونه و اذا رأوا احدا من اهل الباطن يكلفونه باثبات ما يدعيه لهم من باطن القرآن اهم يقدرون ان يثبتوا ظاهر آية لاعجمي ليعلم الكتاب الا اماني و ظاهره اسهل و ايسر و من لميشم رايحة الباطن هو كالاعجمي الذي لايعلم الكتاب ولكن الطلبة زعموا ان كل من علم ضرب و ضربوا ينفتح له باب فهم الباطن و باطن الباطن فلايخفي عليه خافية في الارض و لا في السماء فكما ان الفقيه عامي في علم الكيميا كذلك اهل الظاهر عاميون في علم الباطن لا يعلمون فيه الهر من البر ولكن لماكان اهل الغرض يحتملون ان ما ذكرنا هنا مقدمة للبيان و تأديبا لهم فرار عن البرهان فلئلاتسول لهم نفوسهم ذلك بينا في هذه الرسالة الوجيزة من القرآن ليعرفوا نوع علم البيان و كون علم كل شيء في القرآن فان عرفوا فليحمدوا الله و ان لميعرفوا فعليهم بتحصيل المقدمات و عدم التكذيب لما لميحيطوا بعلمه و لمايأتهم تأويله و قد كلفتني في هذا السؤال شططا حيث سألت عن التصريح من القرآن علي ما يعرفه اهل الزمان و اني ابينه علي ما ذكره الله سبحانه من نحو البيان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 276 *»
عرفوه او لميعرفوه و لنعم ما قال الشاعر و لا مناقشة في الامثال
علي نحت القوافي من مواضعها
و ما علي اذا لميفهم البقر
فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين و نذكر لهم هنا نوعين من البيان الاول علي نهج الظاهر علي طريقة استدلال الائمة: في ظاهر استدلالاتهم و الثاني علي طريقة استدلالهم لاهل الباطن اما الاستدلال الظاهري اعلم ان الله سبحانه قال في كتابه المجيد ان عدة الشهور عند الله اثناعشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلاتظلموا فيهن انفسكم فعرفنا بهذه الاية الشريفة ان الشهور عند الله اثني عشر شهرا في كتاب الله و هذه الاية من المحكمات التي لمتنسخ و لماكانت الشهور مختلفة عربية و رومية و تركية و جلالية و فرسية بقيت الاية علي اجمالها لمنعلم منها انها اية الشهور فانزل الله سبحانه في كتابه و جعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم و لتعلموا عدد السنين و الحساب و كل شيء فصلناه تفصيلا علمنا ان مدار الشهور و السنين علي سلطان النهار و آيته و هي الشمس و سلطان الليل و آيته و هي القمر و ايد هذه الاية بآية اخري في كتابه اصرح و اوضح لئلايبقي لمحتج حجة فقال هو الذي جعل الشمس ضياءا و القمر نورا و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب ماخلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون فعلمنا من هذه الاية ان مناط الشهور و السنين و الحساب علي القمر الذي قدره منازل و محاه علي ما فصل تفصيلا و اوضح في آية اخري فقال يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس و الحج فتبين و ظهر لمن نظر و اعتبر ان مناط معرفة الشهور علي الاهلة و ذلك مما لاشك فيه و لاريب يعتريه فعلمنا بذلك ان تلك الشهور التي عدتها اثني عشر هلالية و الشهور الهلالية هي الشهور العربية فرجعت الشهور الي العربية ثم لماعرف الشهور علي ما بين و فصل كلف الناس بامور في الاشهر فقال يا ايها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 277 *»
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كماكتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون اياما معدودات الي ان قال شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدي للناس و بينات من الهدي و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضا او علي سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و لتكملوا العدة و لتكبروا الله علي ما هديكم و لعلكم تشكرون و قال الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلارفث و لافسوق و لاجدال في الحج و قال و الذين يتوفون منكم و يذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر و عشرا الاية و قال فسيحوا في الارض اربعة اشهر و هي الاشهر الحرم التي اشار اليها منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلاتظلموا فيهن انفسكم و قال فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين و قال و اللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلثة اشهر و اللائي لميحضن و قال في كفارة القتل و تحرير رقبة فمن لميجد فصيام شهرين متتابعين و قال ايضا في كفارة الظهار فمن لميجد فصيام شهرين متتابعين الي غير ذلك من التكاليف المتعلقة بالاشهر الواردة في الكتاب و السنة و الواجب علي العباد ان يؤدوا تلك التكاليف في تلك الاشهر التي عرفهم حدودها و سخر لهم الشمس و القمر يجريان بامر الله سبحانه فقال سخر لكم ما في السموات و ما في الارض و قال سخر الشمس و القمر كل يجري الي اجل مسمي و هذا الذي ذكرنا هو الوضع الاولي في جريان الشمس و القمر ولكن وجدناه يقول في القرآن ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون و لقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فاخذهم العذاب و هم ظالمون و قال ذلك بان الله لميك مغيرا نعمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بانفسهم و ان الله سميع عليم و قال ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و اذا اراد الله بقوم سوء فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال فلما غيرت هذه الامة المنكوسة اعظم نعماء الله عليهم من امر الولاية و كفروا بانعم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 278 *»
الله: التي هي اعظم نعماء الله تعالي عليهم و غيروا ما بانفسهم من الفطرة المجبولة علي اطاعة آل الله و اتباعهم و ولايتهم و اتبعوا امر الشيطان لعنه الله حيث قال فلآمرنهم فليغيرن خلق الله اي الفطرة المجبولة علي الولاية كماقال سبحانه فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم و معلوم ان الدين القيم هو الولاية استحقوا اعظم العقوبات و اكبر التغييرات فغير الله ما بهم من النعمة في امر الشمس و القمر المسخر لهم كما غير عليهم النعم الارضية و هم بتغيير النعم السماوية من الشمس و القمر و العلوم و الامداد و الفيوضات احق و اولي كماقال سبحانه و لو ان اهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض ولكن كذبوا فاخذناهم بماكانوا يكسبون اي اخذناهم بمنع بركات السماء و الارض و من تلك البركات معرفة الشهور و السنين و شاهد ذلك من اخبار آل الله: ما روي عن الكليني بسنده عن محمد بن اسمعيل الرازي عن ابيجعفر الثاني7 قال قلت له جعلت فداك ما تقول في الصوم فانه روي انهم لايوفقون لصوم فقال اما انه قد اجيبت دعوة الملك فيهم قلت فكيف ذلك قال ان الناس لماقتلوا الحسين7 امر الله ملكا ينادي ايتها الامة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله لصوم و لا فطر و عن الصدوق باسناده عن رزين قال قال ابوعبدالله7 لماضرب الحسين بن علي7 بالسيف و سقط ثم ابتدروا لقطع رأسه نادي مناد من بطنان العرش الا ايتها الامة المتحيرة الضالة بعد نبيها لاوفقكم الله لاضحي و لا فطر ثم قال ابوعبدالله7 فلاجرم والله ماوفقوا و لايوفقون حتي يثور ثار الحسين7 و من كتاب دلايل الامامة لمحمد بن جرير بن رستم الطبري عند ذكر الاسراء بالنبي9 ما هذا لفظه ولكن اخبركم بعلامات الساعة يشيخ الزمان و يكثر الذهب و تشح الانفس و تعق الارحام و تقطع الاهلة عن كثير من الناس الخبر فوجدنا الاخبار مطابقة مع القرآن و وجدنا القرآن مطابقا للوعد و الوعيد
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 279 *»
و التجربة و الحكمة فعرفنا ان الاهلة كانت في اصل الوضع ولكن قد تستر عن الناس عقوبة كما ان المطر لارزاقهم و يحبس عنهم و ضوء الشمس لابصارهم و يكسف عليهم و نور القمر للاهتداء بالليل و يخسف و نبات الارض لارزاقهم و ارزاق انعامهم و تقل بسبب المعاصي و الانعام لاكل الناس و ركوبهم و تصيبها الافات و بركات السماء و الارض ازيد من ذلك بمرات و حبست بسبب غصب الخلافة و كذلك ظهور الامامة لاجل الهداية و الاستبصار و قد غاب بمعاصي الخلق الي غير ذلك و منها القمر و الاهلة فاذا وجدنا في القرآن وعيدا بالتغيير علي ما شرحنا و وجدنا الاخبار مصرحة بالتغيير مطابقة للقرآن لايبقي مجال الانكار لمنصف فسترت عن الناس الاهلة عقوبة عليهم بسبب ما ارتكبوه من آل محمد: بعد النبي9 و قد كان في عصر النبي9 يهل لهم الهلال علي الواقع ببركاته9 في جميع الاشهر او اشهر العبادة كشهر رمضان و شهر ذيحجة او و غيرها من اشهر الحرم ليقع عباداته9 تامة كاملة علي الواقع و كانت تقع عباداتهم ببركاته9 علي الواقع و امرهم النبي9 بالعمل بالهلال لانه كان موافقا للواقع و امرهم الله في كتابه بالهلال و كان يهل شهر رمضان في الواحد و الثلثين دائما و تهل الاشهر علي حسب النظم و يدل علي ذلك اخبار عديدة اوردناها في رسالة موضوعة في عدة شهر رمضان و اوردنا فيها من الاخبار تسعة و ثلثين حديثا منها ما رويناه عن ابيعبدالله7 في حديث ماصام رسول الله9 منذ بعثه الله الي ان قبض اقل من ثلثين يوما و لا نقص شهر رمضان منذ خلق الله تعالي السموات و الارض من ثلثين يوما و ليلة الي غير ذلك من الروايات و معلوم ان رسول الله9 يعمل بالهلال و لاجل ذلك قال الله تعالي في شهر رمضان و لتكملوا العدة و لتكبروا الله علي ما هديكم و اكمال العدة اكمال ثلثين يوما و التكبير هو تكبيرات ليلة العيد و يومه بعد الفرائض و لذا روي انه قيل لابيعبدالله7 جعلت فداك ما يتحدث به عندنا ان النبي صام تسعة و عشرين اكثر مما صام
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 280 *»
ثلثين احق هذا قال ماخلق الله من هذا حرفا ما صامه النبي الا ثلثين لان الله يقول و لتكملوا العدة فكان رسول الله9 ينقصه بل كان شيوع ذلك في عصر النبي صلي الله عليه بحيث علمه الا الخارجة من شريعته كماروي في حديث نفر من اليهود الذين سألوا النبي9 و من تلك المسائل اخبرني لاي شيء فرض الله الصوم علي امتك بالنهار ثلثين يوما و فرض علي الامم اكثر من ذلك قال النبي9 ان آدم لما اكل من الشجرة بقي في بطنه ثلثين يوما الخبر و في حديث جماعة اليهود الذين سألوا ابابكر فلميجبهم و جاء علي و سألوه عن تلك المسائل و منها قالوا ما الثلثون قال ثلثون يوما شهر رمضان صيامه فرض واجب علي كل مؤمن الا من كان مريضا او علي سفر الخبر فتبين و ظهر ان في عصر النبي9 كان يهل علي ثلثين من بركات وجوده9 فلماقبض9 و غصبوا الخلافة و صارت دولة الباطل شايعة و دولة الحق خفية و غيروا ما بانفسهم قد ستر الله عنهم و يستر عقوبة حتي يثور ثار الحسين7 اي القائم عجل الله فرجه و يظهر دولة الحق فتظهر بركات الارض و السماء فيهل الهلال علي النظم الطبيعي و لماكانت العامة غافلين عن تغيير نعم الله عليهم جروا علي حسب العادة من العمل بالهلال و هم غافلون عن ستر الهلال عنهم نقمة فعملوا بالهلال و شاع و ذاع بينهم فرأوا في بعض السنين يهل علي تسعة و عشرين فصاموه تسعة و عشرين ثم تنبهوا انهم كانوا في عصر رسول الله9 صاموه ابدا ثلثين و الان يتفق تسعة و عشرون وضعوا اخبارا كاذبة ان رسول الله9 صامه تسعة و عشرين بل صامه تسعة و عشرين اكثر و لماسمعت الشيعة تلك الاخبار سألوا الائمة: عنها فكذبوهم و وردت في تكذيبهم اخبار عديدة منها ما سمعت آنفا انه قال ابوعبدالله7 ماخلق الله من هذا اي من هذا الخبر حرفا و منها ما روي عن الكليني بسنده عن ابيعبدالله7 انه قيل له ان الناس يقولون ان رسول الله9
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 281 *»
صام تسعة و عشرين يوما اكثر مما صام ثلثين يوما فقال كذبوا ماصام رسول الله9 الا تاما و ذلك قول الله تعالي و لتكملوا العدة فشهر رمضان ثلثون يوما و شوال تسعة و عشرون يوما و ذوالعقدة ثلثون يوما لاينقص ابدا لان الله تعالي يقول و واعدنا موسي ثلثين ليلة و ذوالحجة تسعة و عشرون يوما و الشهور علي مثل ذلك شهر تام و شهر ناقص و شعبان لايتم ابدا الي غير ذلك من الاخبار العديدة و لمارأي الائمة: انه قد وقع العقوبة علي العامة بسوء اعمالهم ارادوا انقاذ شيعتهم من هذا العذاب و هدايتهم علي الواقع و الصواب فاخبروهم عن الواقع في اخبار عديدة اوردنا بعضها في تلك الرسالة العددية التي اشرنا اليها لئلايعمهم تلك العقوبة و هي ستر الهلال عنهم و وضعوا قاعدة سديدة لهم و اخبروا به خواص شيعتهم و تلك القاعدة كانت شايعة في اولئك كما اشار اليه الصدوق رحمه الله و قال في الخصال مذهب خواص الشيعة و اهل الاستبصار منهم في شهر رمضان انه لاينقص عن ثلثين يوما ابدا و الاخبار في ذلك موافقة للكتاب و مخالفة للعامة فمن ذهب من ضعفة الشيعة الي الاخبار التي وردت للتقية في انه ينقص و يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان و التمام اتقي كمايتقي العامة و لايكلم الا بما تكلم العامة بالجملة هذا القول هو مذهب خواص الشيعة و العامة مجمعون علي العقوبة التي عمهم الله بها ان شهر رمضان ينقص و يزيد و الرشد في خلافهم و اما وجود ذلك في القرآن فقد عرفت قوله و لتكملوا العدة و قد فسرها الائمة: في عدة اخبار ان كمال العدة ثلثون و اما ساير الاشهر فاذا عرفت من القرآن ان المدار علي الاهلة و انها قد تستر عقوبة و بين الائمة: حقيقة الاهلة يكفي في الاستدلال الظاهر الذي نحن الان بصدده كساير الفرائض التي في القرآن و ان القرآن نزل جملا و النبي و الائمة: يفسرونه و قد نزل عليهم و هم اعلم به كما عرفت في المقدمة التي قدمناها و نزيد ذلك ايضاحا في الدليل الظاهر ان القرآن نزل مجملا و فيه اصول الفرائض و جملها دون تفاسيرها ثم النبي9 و وصيه المنصوص
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 282 *»
عليه بعده يفسران تلك الجمل الا تري ان اشرف الفرائض الصلوة و قال سبحانه اقيموا الصلوة جملا ثم فسر النبي9 ركعاتها و ترتيبها و اوقاتها و حدودها و ليس لاحد ان يقول ان فرض الصلوة ليس في القرآن و قال و آتوا الزكوة و لميبين الله نصابها و وقتها و انها في اي مال حتي فسره النبي و وصيه صلي الله عليهما و آلهما و ليس لاحد ان يقول ان فرض الزكوة ليس في الكتاب و فرض الصيام و لميبين احكامه الجزئية حتي فسره النبي9 و وصيه7 و ليس لاحد ان يقول ان فرض الصيام ليس في القرآن فانه موجود فيه جملا و تفسيره علي النبي9 و اوصيائه حملة علمه بعده: كذلك قال الله سبحانه ان الاهلة مواقيت و ان وقع القمر و الشمس لمعرفة السنين و الحساب ثم لميبين انها اذا غمت بالغيوم او بالادخنة و الاغبرة كيف ينبغي ان يصنع او اذا كان الانسان محبوسا سنين عديدة في سجن و لايمكن له ان يطلع عليها ما تكليفه او اذا كان وحده في بر و ضعيف البصر او ضريرا كيف يصنع او كانوا جماعة ضعفاء الابصار كيف يصنعون او كانوا في قرية قد احاط بها الجبال الشوامخ ماتكليفهم او اذا غم في بلد و رأي في آخر كيف يصنعون فذكر الله سبحانه اصل الحكم جملا و تفصيله علي النبي و الائمة: مع انه بين و اوضح في قوله و لتكملوا العدة ان شهر رمضان الذي هو العمدة ثلثون يوما و ان ذاالقعدة الذي يعرف بآخره هلال الحج ثلثون في قوله و واعدنا موسي ثلثين ليلة و هما العمدة في الاشهر و مع ذلك فسر النبي9 و اوصياؤه: ان الاشهر حقيقتها هكذا شهر تام و شهر ناقص فرمضان تام و شوال ناقص ثم ذو القعدة تام و ذو الحجة ناقص و هكذا ساير الاشهر شهر تام و شهر ناقص فمن توقف في هذا التفسير فليتوقف في ساير تفاسيرهم في ساير الجملات فانهما من منبع واحد و قد قال الله سبحانه من يطع الرسول فقد اطاع الله و وكل اليه امر التفسير و اخبر عن صدقه انه لاينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي ثم امر باتباعه فقال ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و قد بين هذا التفسير
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 283 *»
و ساير التفاسير و الكل شرع سواء ان قلت انه قد اختلف الاخبار في التفسير عنهم: فمنها في الاخذ بالرؤية الظاهرة و منها في اعتبار العدد قلت انهم: بعد اختلاف الاخبار امرونا بالاخذ بما خالف القوم و ان الرشد في خلافهم و العامة مجمعون علي الرؤية الظاهرة فما روي من طرقنا مثل رواياتهم و طبق عملهم تقية كما هو ظاهر و قد كان الائمة: يخافون من امر العدد علي رقابهم و رقاب شيعتهم كمايظهر من الروايات و قد فصلنا في تلك الرسالة و قد امرونا بالاخذ بالاحدث و الروايات في ذلك مروية عن العسكري7 و هو احدث الاخبار و هي موافقة للكتاب المفسر بتفسيرهم و العمدة في الباب مخالفة العامة العمياء الذين لايجمعون علي حق ابدا و انهم مدعو عليهم دعا عليهم الملك و لو كان العمل بالرؤية بعد النبي9 حقا لماكان دعاء الملك مستجابا فيهم و ليس هيهنا موضع تفصيل الادلة و ليس هذا القول نادرا يستوحش منه فقد قال به الصدوق في الفقيه و الخصال و الشيخ السديد الشيخ المفيد في لمح البرهان علي ما نقله ابن طاوس في الاقبال و ذكر اجماع الامامية في زمانه علي ذلك و سمي منهم ابا محمد الحسيني و اباعبدالله الحسين بن علي و هرون بن موسي و ابن قولويه و اختاره صاحب المجمع و الشيخ الكراجكي كمانقل عنه و نقل ذلك في الدروس عن ابن ابيعقيل و نقله ابن طاوس عن ابن الجنيد و عن جده ابيجعفر الطوسي في احد قوليه و يظهر القول به عن ابن طاوس ايضا و قد ذكر ابن بابويه انه مذهب خواص الشيعة و اهل الاستبصار منهم و يظهر القول به من الكليني ايضا لانه في اول كتابه صرح بجواز الاخذ بكل اخبار كتابه و صرح بصحتها ثم اورد اخبار العدد في بابه و لميتعرض لردها و كتاب الكافي كتاب عمله كماصرح به في اوله و اطنب هذا مع ان اصحاب الائمة: هم ايضا من العلماء العاملين و منهم معاذ بن كثير و حذيفة بن منصور و محمد بن سنان و معاوية بن عمار و شعيب و محمد بن اسمعيل بن بزيع و محمد بن الحسين و ابوبصير و ياسر الخادم و محمد بن عثمان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 284 *»
الخدري و محمد بن الفرج و هو صرح ان اصحابنا صححوا العمل بهذه القاعدة اي العدد و عمران الزعفراني و اسحق بن ابرهيم الثقفي و عباس بن موسي بن جعفر و ابوالهيثم محمد بن ابرهيم و عبدالله بن معوية الي غير ذلك من العلماء المعاصرين السامعين من الائمة: فانهم نقلوا هذه الاخبار سماعا منهم من الائمة: و هم اشد عملا بما سمعوه من الائمة: من غيرهم و اشد يقينا و علما من ساير العلماء و جملة منهم من العلماء المعروفين و لمننقل من روي من هولاء من العلماء لاحتمال انهم لميعملوا به و اقتصرنا بالرواة السامعين و في الباب تسعة و ثلثون خبرا رويناها في رسالة منفردة فاذا بلغ حكم هذه الشهرة بين العلماء كيف يكون نادرا فتوي و رواية و ما الذي يوجب الوحشة من هذا القول هذا نوع استدلال الظاهر من القرآن و هو حق لمن كان له عينان و لسنا هيهنا بصدد الاستدلال الفقاهتي و انما كان غرضنا الاشارة علي نحو الاستدلال الظاهري و اما الاستدلال الفقاهتي فقد ارخينا عنان القلم فيه في تلك الرسالة المنفردة فمن اراد ذلك فليطلبها فانها كافية ان شاء الله.
و اما الاستدلال بطريق الباطن علي ذلك فاصغ لما اقول و تربص المأمول و لاحول و لاقوة الا بالله العظيم اعلم ان الله سبحانه كان و لاشيء معه و اول ما خلق خلق اسما بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفي عنه الاقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة علي اربعة اجزاء معا ليس منها واحد قبل الاخر فاظهر منها ثلثة اسماء لفاقة الخلق اليها و حجب واحدا منها و هو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلثة التي ظهرت فالظاهر هو الله تبارك و تعالي و سخر لكل اسم من هذه اربعة اركان فذلك اثناعشر ركنا ثم خلق لكل ركن منها ثلثين اسما فعلا منسوبا اليها فهو الرحمن الرحيم الي آخر الاسماء حتي تتم ثلث مأة و ستون اسما فهو نسبة لهذه الاسماء الثلثة و هذه الاسماء الثلثة اركان و حجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلثة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 285 *»
و لماكان ذلك الاسم مبدء الكتاب التكويني و كان الكتاب التدويني علي طبقه افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم و هو بتمامه اسم من اسماء الله سبحانه و قد روي عن الرضا7 انه اقرب الي الاسم الاعظم من ناظر العين الي بياضها و قد جزيء في عالم الاسماء اللفظية الي اربعة اجزاء و هي بسم و الله و رحمن و رحيم و الجزء الاول منها مكنون مخزون لانه رمز ليس علي سبك ساير الاسماء و لذا روي عن الصادق7 في تفسيره الباء بهاء الله و السين سناء الله و الميم مجد الله و انما ذلك علي تفسير ظاهر الظاهر و اما الثلثة الاسماء الاخر فقد اظهره الله للناس و عرفهم معناها و لماكانت تلك الثلثة اسماء و الاسماء غيره سبحانه و روي عن الرضا7 ان الاسم صفة لموصوف و يشهد كل صفة انها غير الموصوف فكانت هي خلقه سبحانه و قد قال سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين و الزوجان اربعة لانه تثنية الزوج و الزوج فردان فالزوجان اربعة فمراتب كل واحد من اسم الله و اسم الرحمن و اسم الرحيم اربعة نصا من الله سبحانه فلكل واحد اركان اربعة علي ما ذكرنا و هي بجملتها اثناعشر ركنا و المراد بتلك الاربعة جهة آية الذات من حيث نفسها الظاهرة في كل شيء و جهة المسمي و جهة الاسم من حيث الارتباط بالمسمي و جهة نفسه فهذه اربع جهات في كل اسم من الاسماء الثلثة و لكل ركن من هذه الاركان ثلثون اسما تابعا له لان كل ركن له ثلث مقامات باطن و ظاهر و مظهر و هذه المقامات الثلثة هي المشار اليها في قوله تعالي عالم الغيب و الشهادة فاثبت غيبا و شهادة ثم قال قل من بيده ملكوت كل شيء فاثبت يدا و ملكوتا و شيئا فاليد هي ذلك الغيب و ملكوت الشيء هو الظاهر و الشيء هو المظهر يظهر فيه و به الملكوت و قال في اية اخري ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فثبت لكل ركن مقام غيب و هو يد العالي في خلقة الداني و ملكوت و هو ظاهر ذلك اليد و نفس الشيء التي هي مظهر ذلك الملكوت و هذه المقامات هي المعبر عنها في لغة التأويل بدورة الجمادية و دورة النباتية و دورة الحيوانية و تظهر في كل عالم بحسبه فالدورة الجمادية هي المظهر و فيها يستكمل المظاهر و الدورة النباتية
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 286 *»
هي دورة الظاهر و فيها يستكمل الظاهر و الدورة الحيوانية هي دورة الباطن و فيها يستكمل الباطن و لكل ركن من تلك الاركان الاثنيعشر ثلث مقامات علي ما شرحنا لاهله و كل دورة من هذه الدورات و مقام من هذه المقامات تتحقق من عشر قبضات تسعة من افلاكها و قبضة من ارضها و ذلك قوله سبحانه و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم و الخزائن التي عند الله هي خزائن السموات كماقال ينزل الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه فكل شيء نازل من السماء و اللطيف العالي بلطافته لاينزل في رتبة الداني الا ان يتلبس بلباس الداني فالامر لاينزل من سماء الي سماء الا ان يتلبس بلباس السماء الدنيا و ذلك اللباس من جنس تلك السماء و قبضة منها ثم لاينزل الي الارض الا ان يظهر في قبضة ارضية فتبين و ظهر ان كل دورة منها مخلوقة من عشر قبضات تسعة من افلاكها و واحدة من الارض علي ما بين الله سبحانه في كتابه و صرح بالافلاك السبعة و الكرسي و العرش فهذه تسعة منازل ينزل منها الامر و الارض واحدة فهذه عشر قبضات فاذا لاحظت القبضات العشر في الدورات الثلث رأيت الثلثين و اذا لاحظت الثلثين في الاركان الاثنيعشر رأيت الثلثمأة و الستين علي كتاب الله و سنة نبيه9 فهذه ثلث مأة و ستون اسما بها يدبر الله جميع خلقه و هي المشار اليها في قوله الذي خاطب به جميع الاكوان فقال فلله الاسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمائه و قد قال الله سبحانه و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و الاسماء هي مظاهر الاوامر الالهية الجزئية التي هي شئون و رؤوس للامر الكلي فالاسم الاعظم الكلي مظهر الامر الكلي و الاسماء الجزئية حوامل و محال للاوامر الجزئية فجميع الخلق يدعون الله بها و يتقربون الي الله سبحانه بها علي ما مر من دلائل الكتاب و السنة و لماخلق الله سبحانه عالم الاجسام و كان و لابد ان يكون الظاهر علي طبق الباطن و الشهادة علي طبق الغيب و المظاهر علي طبق الظواهر و كان لعالم الاجسام سفليات و علويات و كانت السفليات جهة النفس و العلويات جهة المبدء و كانت يد الله في الافاضة علي السفليات و مظاهر تلك الاسماء و مجالي تلك الصفات
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 287 *»
ظهرت تلك الاسماء الثلثمأة و الستون في درجاتها اصولا و فروعا فظهرت تلك الاسماء الثلثة في دورات البروج الثلث فالاول في الدورة الاولي الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان و الثاني في الدورة الثانية الاسد و السنبلة و الميزان و العقرب و الثالث في الدورة الثالثة القوس و الجدي و الدلو و الحوت و كما ان لكل اسم اربعة اركان لكل دورة ايضا اربعة بروج علي ما ظهر فتلك اثني عشر برجا و كما ان لكل ركن كان ثلثون اسما كذلك لكل برج ايضا ثلثون درجة و تمامها ثلث مأة و ستون درجة علي طبق الاسماء و جميع تدابير عالم الاجسام يجري بواسطة سير الكواكب في هذه الدرجات الثلثمأة و الستين من جهة انها اي تلك الكواكب مظاهر تلك الاسماء التي مدار العالم عليها ولكن لماكان في تلك الاسماء اسماء كلية و اسماء جزئية و لابد و ان يكون تدبير مظهر الكلي كليا و تدبير مظهر الجزئي جزئيا لئلاتكون في خلق الرحمن من تفاوت و لئلاينزل الشيء من خزانته و لان الله يعلم حيث يجعل رسالته و لميمكن للكواكب ان تسير سيرا كليا في عالم الجزئيات ظهر تدبير الاسماء الكلية في المظاهر الكلية و تلك الاسماء الكلية البديع الباعث الباطن الاخر الظاهر الحكيم فبالبديع خلق العقل الكلي و هو بمنزلة نطفة العالم الكلي و هو يوم الاحد و بالباعث خلقت النفس الكلية و هو بمنزلة العلقة للعالم الكلي و يومه يوم الاثنين و بالباطن خلق الطبع الكلي و هو بمنزلة مضغة العالم الكلي و هو يوم الثلثا و بالاخر خلق اليهولي الكلي و هو بمنزلة العظام للعالم الكلي و يومه يوم الاربعاء و بالظاهر خلق المثال الكلي للعالم الكلي و هو بمنزلة اكسائها لحما و هو بمنزلة يوم الخميس و بالحكيم خلق الجسم الكلي و هو يوم انشاء خلق آخر و يوم الجمعة تبارك الله احسن الخالقين فظهرت الاسماء الستة الكلية في الكل علي نحو السريان في جميع اجزائه و الشاهد علي ذلك من القرآن خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين و قال و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و قال ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و صرح ايضا و قال ان ربكم الله الذي خلق السموات و الارض في ستة ايام و معلوم ان تلك الايام ليست
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 288 *»
من مدار الشمس و الافلاك لانها لمتخلق بعد و فيها خلقت و تلك الايام كلية من ايام الشأن التي اشار الله اليها و قال كل يوم هو في شأن فاختزلت من تلك الاسماء التي عليها مدار العالم ستة اسماء كلية للايام الكلية التي فيها خلق العالم و بقيت ثلث مأة و اربعة و خمسون اسما جزئيا بها مدار الايام الجزئية و لماكانت تلك الاسماء بكلها ظهرت في العرش و تفصلت في الكرسي في البروج و الدرجات علي ما فصلنا و انطبع انوارها في الشمس علي نهج الاندماج ثم تفصلت في القمر لانه من الشمس كالكرسي للعرش و القمر ظاهر الكرسي صار هو صاحب الشهور و المواقيت و العدد و الحساب المشار اليها في القرآن و الدليل علي هذه الجملة قوله جعلنا الشمس ضياء و القمر نورا فالقمر نور و الشمس ضياء و الضياء هو الضوء الذاتي و النور هو شعاع الضياء فما في القمر من ضياء الشمس و لذا قال تعالي و الشمس و ضحيها و القمر اذا تليها و اما الدليل علي اكتساب الشمس من الكرسي قوله تعالي وسع كرسيه السموات و الارض و لايؤده حفظهما و هو العلي العظيم علي ان يرجع الضميران الي الكرسي مقام الولاية فالكرسي هو الحافظ للشمس و القمر و السموات و لايؤده حفظهما و هو العلي اعلي من جميع السموات عظيم يسع كلها و هذا وجه تفسير الباطن و اما اخذ الكرسي من العرش فالعرش هو اطلس لا اختلاف فيه و لا كثرة لقوله سبحان الله رب العرش عما يصفون و هو ذكر و الكرسي ام السموات و الارض و لذا وسع كليهما و الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض و لايمكن ان يكون لكم الذكر و له الانثي و العرش مستوي الرحمن فجميع ما في رحم الكرسي من صلب العرش بالجملة فقد كلفتني شططا اذ طلبت مني ان اخرج لك هذه المسألة من القرآن اذ لابد و ان يذكر امور لاتعقله عقول اهل الزمان و لعمري رب استدلال حق لا مرية فيه و لاريب يعتريه لو ذكره الانسان حسبه اهل الزمان مجنونا اذ ليس لهم مدرك ذلك الاستدلال و قد قدمنا لك في عنوان الرسالة ان القرآن ابعد شيء
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 289 *»
من عقول الرجال ولكن لو لماذكر لك ما طلبت لزعم خصمك ان دعويك لا بينة له و هذا بعد دعويك و اللازم عليكم ان تجيبوهم اذا جادلوكم بالمعارضات و تقولوا هل لكم علي ساير امور دينكم الذي تتدينون به من القرآن شيء فان اتيتم علي امامة الباقر7 مثلي التي هي من اعظم الديانات دليلا من القرآن اتينا علي ما تريدون دليلا فان لمتأتوا علي اعظم امور الدين دليلا من القرآن فلاغرو ان لمنأت بدليل من القرآن علي مسألة جزئية فرعية فان كان عدم الدليل مضرا في المدعا فعليكم اضر اذ ليس لكم دليل علي اعظم امور دينكم و لكن بعدما جادلتموهم و ضمنتم لهم لابد من اقامة الدليل فان فهموا فليشكروا لله و الا فليسألوه مدرك فهمه فلنرجع الي ما كنا فيه فظهر بالكتاب ان الكرسي مستمد من العرش و كل ما له يجري من العرش قال تعالي الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض و بما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله فالصالحات هي مقام الكرسي و الغيب هو مقام العرش بالجمله ظهرت جميع تلك الاسماء في القمر علي ما ذكر فلذلك صار هو صاحب العدد و لاحساب و السنين و نور الكل في قوله المتروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا و جعل القمر فيهن نورا و صار صاحب الولاية الكلية و خليفة الشمس و حامل علمها و صاحب سرها و عيبة علمها و موضع رسالتها و وصيها و المدبر في العالم بتلك الاسماء التي اودعته قال الله سبحانه و الشمس و ضحيها و القمر اذا تليها و قال و جعلنا الشمس سراجا و قال يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا الي الله باذنه و سراجا منيرا فالشمس هو النبي و قال و الشمس و ضحيها و القمر اذا تليها و هو علي7 فالشمس هو النبي و هو المستولي علي جميع مقامات الولاية و صاحب السنة الكاملة اثني عشر شهرا و مقامه مقام موسي و القمر هو الولي و صاحب الولاية الكلية مقام العصي لموسي التي ضربها موسي الاول علي حجر ظهور الكرسي فانبجست منه اثنتي عشرة عينا شهرا قد علم كل اناس مشربهم و هذه المقامات الاثنيعشر في الشمس غيب
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 290 *»
خفي عن الابصار لا تظهر و تظهر تلك المقامات في القمر صاحب النور الازهر المنقلب في الحالات لانه مقام التفصيل كماعرفت و صار يقطع جميع البروج الاثنيعشر في كل شهر من الاشهر الاثنيعشر للدلالة علي ظهور جميع الاسماء الثلث مأة و الستين في كل شهر شهر صلوات الله عليهم و سميناهم بالشهر اتباعا لقوله تعالي ان عدة الشهور اي تفاصيل القمر و مظاهره عند الله اثني عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات سموات المبادي و الارض منها اربعة حرم ثلثة متوالية و واحد مفرد ذلك اي العلم بان الشهور اثني عشر و ان اربعة منها حرم الدين القيم فلاتظلموا فيهن في الظلم بهم انفسكم بالجملة يسير القمر بالاسماء الثلث مأة و الستين في كل شهر فكل شهر مظهر لجميع تلك الاسماء و صار اثنتي عشرة دورة من القمر يوازي دورة الشمس لان تمام اثنتي عشرة دورة القمر تحكي جميع دورة الشمس و كل دورة دورة يحكي بعض دورة الشمس فالسنة لاتتم الا باثني عشر شهرا و لو شئنا ان نبرهن علي كل جزء جزء لفني العمر قبل ان تتم المسألة فلنرجع الي البرهان علي المقصود و لماكان القمر يسير بتمام قوة الاسماء الكلية المنطبعة فيها في كل جزء جزء من منازلها صار يتم جميع دوراته في اقل من الثلث مأة و الستين يوما و صارت منازله اقل و لو كان يسير في كل منزل بقوة الاسم الجزئي المختص به كان يتم دوراته في ثلث مأة و ستين يوما و سبب اختزال الستة لاجل تلك الستة الاسماء الكلية التي خلق بها كليات مراتب العالم و لماجرت قوي تلك الاسماء الكلية في القمر في جميع حالاته ازداد قوة ستة ايام فقطع دوراته في ثلث مأة و اربعة و خمسين يوما و لايمكن ان يسير سيرا كليا في منزل كلي لانه مقام التفصيل و الجزئيات و لايمكن للجزئي السير الكلي في المنازل الجزئية نعم يسير بتلك الاسماء الكلية في الكل و لايمكن للمنزل الجزئي ان يكون مظهر الاسم الكلي فافهم و قد عرفت الدليل علي جميع ذلك من القرآن ان بعض تلك الاسماء كلي و بعضها جزئي و الكل ظهر في العرش ثم منه ظهر في الكرسي ثم منه ظهر في القمر و جري القمر بتلك الاسماء في كل منزل منزل و جري بالستة في الكل و منازل القمر ثلث مأة و اربع و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 291 *»
خمسون منزلا جزئيا و هي المشار اليها بقوله و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب فمما ذكرنا ثبت ان السنة خلقت ثلث مأة و ستون يوما ستة منها كلي ليس لها مظهر من الايام الجزئية و ثلث مأة و اربعة و خمسون منها تظهر في منازل القمر الجزئية فاذا اختزلت الستة ايام عن ايام السنة جري القمر في بعض الشهور تسعا و عشرين يوما و في بعضها ثلثين يعني يجري في ستة اشهر تسعا و عشرين و في ستة اشهر ثلثين يوما علي ترتيب شهر تام و شهر ناقص و لاتفهم ذلك حتي تعلم انه نبوة و ولاية و اجمال و تفصيل و جهة من ربه و جهة من نفسه و النبوة الكلية هي الاب و الولاية الكلية هي الام فالنبي اولي بالمؤمنين اي بالائمة من انفسهم و ازواجه اي علي امهاتهم و اطلاق الجمع عليه كاطلاق لفظة انفسنا عليه و قول النبي اما الصديقون فاخي علي و لان الكلي هو مجمع اعيان الافراد و لذا يعبر عنه بالجمع و اولادهما منهم من الغالب عليه جهة النبوة جهة الاب و منهم من الغالب عليه جهة الام جهة الولاية فعلي7 هو الغالب عليه الولاية و الحسن7 الغالب عليه جهة محمد9 و لذا كان اعالي بدنه شبيها بمحمد9 و ظهر بالرأفة و الرحمة و التحمل و الحسين7 يكون الغالب عليه جهة الولاية و لذا كان من وسطه الي الاعلي شبيها بعلي7 و ظهر بالسيف و الشجاعة ثم الحجة هو الغالب عليه النبوة و لذا يكون مجددا مؤسسا و سمي بمحمد و احمد ثم بعده علي بن الحسين8 الغالب عليه الولاية و لذا سمي بعلي ثم بعده محمد بن علي8 و الغالب عليه النبوة و لذا سمي بمحمد ثم بعده جعفر بن محمد8 و الغالب عليه الولاية و لذا كني بابيعبدالله كالحسين7 ثم بعده موسي بن جعفر8 الغالب عليه النبوة و لذا كني بابيابرهيم و هي كنية النبي9 ثم بعده علي بن موسي8 و الغالب عليه الولاية و لذا سمي بعلي ثم بعده محمد بن علي و الغالب عليه النبوة و لذا سمي بمحمد ثم بعده علي بن محمد8 الغالب عليه الولاية و لذا سمي بعلي ثم بعده الحسن بن علي8 الغالب عليه النبوة و لذا سمي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 292 *»
بالحسن كالحسن المجتبي الغالب عليه النبوة كما مر فتبين و ظهر ان الائمة: واحد منهم علي و واحد منهم محمد و انت تعلم ان الولاية ظاهر النبوة و النبوة باطنها و مقام الولاية مقام التفصيل و انما الاختلاف فيك يا علي و مقام النبوة مقام الوحدة قال ليس الاختلاف في الله و لا في و الشمس آية النبوة و القمر آية الولاية و كذلك العرش آية النبوة و الكرسي آية الولاية لان العرش مقام الاجمال و هو اب الاجسام و الكرسي آية الولاية و هو ام الاجسام و هما ابو الاجسام و جميع الاختلافات في الكرسي و العرش اطلس لا اختلاف فيه و الشمس تستمد منهما و تمد القمر فيسير القمر في شهر بما يستمد من الشمس من الكرسي اي يسير بظاهر الاسماء الظاهرة فيه و يسير في شهر بما يستمد من الشمس من العرش اي بباطن الاسماء الظاهرة فيه فالشهر الذي يسير القمر بظاهر الاسماء النازلة عليه من الكرسي يكون ابطأ لان الكرسي مقام التفصيل و الكثرة و الاختلاف الموجب للبطؤ و الشهر الذي يسير القمر فيه بباطن الاسماء النازلة اليه من العرش يكون اسرع لان العرش مقام الاجمال و الوحدة و الايتلاف الموجب لسرعة الحركة و سبب تقدم التام علي الناقص لان الزمان في حال الصعود في قوس الظهور فتقدم الظاهر علي الباطن و التفصيل علي الاجمال و الكثرة علي الوحدة و بعبارة اخري تلك الاسماء النازلة الي القمر لها جهة امرية و هي ارواحها الفعالة و جهة اسمية و هي ابدانها التي هي مظاهر تلك الارواح و هي التي اشار الله اليها في قوله رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده و العباد هم تلك الاسماء و روحهم تلك الاوامر الجزئية يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي فيسير القمر في شهر بقوة الابدان و في شهر بقوة الارواح فاذا سار بقوة الابدان ابطأ و قطع منازله في ثلثين يوما و اذا سار بقوة الارواح اسرع و قطع في تسعة و عشرين يوما و تقدم السير بقوة الابدان في القوس الصعودي كما بينا و بعبارة اخري يسير شهرا بقوة العبودية و شهرا بقوة الربوبية و يسير شهرا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 293 *»
بقوة الولاية و يسير شهرا بقوة النبوة و من البين ان لسيره بقوة الربوبية و النبوة و الامر خاصية في الزمان و لسيره بقوة العبودية و الولاية و الاسم خاصية فلفق شهر من هذا و شهر من هذا لاجل التعديل فلو سار في شهرين او ثلثة بقوة واحد لخرج العالم من الاعتدال كما انه لو صار ستة اشهر او تسعة اشهر صيفا او ربيعا او خريفا او شتاءا لخرج الزمان من الاعتدال و فسد الكون بكله فلضرورة الاعتدال صار شهر يسير بقوة الباطن و شهر بقوة الظاهر حتي يحصل الاعتدال التام كما ظهر الائمة: بالنبوة في عصر و بالولاية في عصر لاجل تربية مواد الاشياء و صورها و غيبها و شهادتها و اجمالها و تفصيلها و علويها و سفليها و ارواحها و ابدانها و هكذا قال الله سبحانه كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 294 *»
محظورا و لماكانت الافلاك اقل الجسمانيات عرضا ظهرت علي النظم الطبيعي في الامور العامة و قد تعرض عليها حالات جزئية بالعرض من خارجها كالخسوف و الكسوف و الغيوم و الادخنة و الابخرة و بعض الحركات الجزئية التي لايستبان كثيرا و وجه آخر لماكانت المراتب الستة من العقل و النفس و الطبع و الهيولي و المثال و الجسم الكلي هي ربوبية عالم الاجسام و غيبها و الامداد تجري من المشية الي مادة العقل ثم الي صورته و منها الي مادة الروح ثم الي صورته ثم الي مادة النفس ثم الي صورته و هكذا و تلك الامداد تجري بقوة الاسماء الكلية الستة و هي البديع الباعث الباطن الاخر الظاهر الحكيم في العرش و منه الي الكرسي و منه الي الشمس و منها الي القمر و القمر هو القول الفصل الذي يعطي كل ذي حق حقه فيجري في شهر بصورة الجسم الكلي و في شهر بمادته و في شهر بصورة المثال و في شهر بمادته و في شهر بصورة الهيولي و في شهر بمادته ليعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه فيبطيء ما يسير بقوة الصور و يسرع ما يسير بقوة المواد الي ان يصعد الي مادة العقول في شهر و يربي جميع مراتب السفليات بل العلويات و يصعد في ذري الحقايق باقدام النبوة و الولاية و اوضح الله سبحانه ذلك بقوله كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا و قال لايجرمنكم شنآن قوم ان لاتعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوي كما عرفت من ترتيب الائمة: قال الله سبحانه ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الي اهلها و اذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به و قال ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فافهم ما ذكرت لك.
و من كان ذا فهم يشاهد ما قلنا
و ان لميكن فهم فيأخذه عنا
و ما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد
عليه و كن في الحال فيه كما كنا
فمنه الينا ما تلونا عليكم
و منا اليكم ما وهبناكم عنا
فمن كان من اهل الحكمة و العلم يفهم ما ذكرناه و ان لميكن فليسلم حتي يسلم.
و اما الكبيسة التي تتفق في بعض السنين فلمنجد فيها الا حديث محمد بن الفرج و مقتضاه كون الكبيسة في كل خمس سنين مرة و وجدناه يختلف في مر السنين فتركنا العمل به و قد نقل عن ابن الجنيد انه ذكر ان الكبيسة في كل خمس سنين مرتين في الثالثة و الخامسة ثم في السابعة و العاشرة و هكذا و لمنجد له مستندا الا قول المنجمين و لايمكن الاعتماد عليه فالعمل علي الاحتياط حتي نقف علي الكبيسة علي مقتضي الاخبار و من تحقق له اول شهر المحرم يمكن له معرفة الاشهر باخذ شهر تاما و شهر ناقصا و ان لميتحقق له شهر المحرم فشهر آخر و يحسب التام تاما و الناقص ناقصا فان لميحصل له حقيقة شهر يعمل بالهلال في شهر رمضان فان تم فهو و الا يقضي يوما فان شهر رمضان لاينقص ابدا و الاولي ان لايترك يوم الشك فانه ان كان من شعبان حسب له من شعبان و ان كان من شهر رمضان فقد وفق له و الحمد لله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.
قال سلمه الله تعالي و ما معني قوله7 استر ذهبك و ذهابك و مذهبك ظاهرا و باطنا؟
اقول اما ظاهره فظاهر و حكمة الامر بستر هذه الثلثة اما الذهب فانه محبوب اهل الدنيا و كل احد منهم طالب لتحصيل محبوبه و الاتصال به فان امكنهم ان يأخذوه منك بالرضا و الرغبة و بتبصبصهم و تملقهم فيأخذوه و الا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 295 *»
فان امكنهم ان يسرقوه منك فيسرقوه و ان لميمكنهم ذلك و امكنهم ان يقطعوا طريقك و يأخذوه فعلوا و لو بقتلك و اسر اهلك و لو علي دينار فانه محبوبهم و انت المانع من وصولهم اليه و ان امكنهم ان يرفعوا المانع عن محبوبهم فعلوا و كل من لايفعل لايقدر و قل من يخاف الله من ذلك و في تقلب الاحوال علم جواهر الرجال و ان لميفعلوا شيئا من ذلك فيلحقك شر حسدهم فان لحسد الحاسد تأثير في المحسود حتي انه يشتت اهل البيوتات القديمة و يفرق شملهم حتي انه يشق الجدار و يخرب الديار و يقطع الاعمار نعوذ بالله و لذا نزل الاستعاذة منه من عند الله و وردت الادعية في الاستعاذة منه و منه العين المعروفة و ليس اثر في شحمة العين و لا في حدقتها و انما الاثر في نفس العاين فانها نفس حاسدة تحب زوال النعمة عنك و قد تصورت مرآة نفسه بزوال النعمة و الصورة الكاملة البالغة حدها جاذبة للامداد السماوية كما قرر في علم الطلسمات و النيرنجات و السحر و الالواح و يدل عليه الكتاب و السنة فالنفس الحاسدة لشدة تصورها و جذابيتها تجذب من المبدء المفيض امداد زوال نعمتك فتؤثر فيك و الا فالشحمة لا اثر لها و قد تؤثر النفس في زوال النعمة بسبب عجبها الجاذب من المبدء فساد ما اعجبت به و لذا ورد ان العجب يفسد العمل كما يفسد الخل العسل و لا اختصاص له بالعمل في ذلك بل العجب في نفسه مفسد لكل ما اعجبت النفس به سواء اعجبت بالذوات او الصفات او الاعمال فان لمتفسد النفوس نعمتك بحسدها تفسد بعجبها و قد يعبر عنه ايضا بالعين كما يعبر عن حسدها بها بالجملة قد امروا بستر الذهب لما ذكرنا و غيرها و اما ستر الذهاب فلان عيون اللصوص في البلاد موجودون يتجسسون عن المسافرين و عن وقت سفرهم و طريقهم فاذا لمتستر ذلك يخاف عليك اطلاعهم عليه و ترصدهم لك في طريقك او يكون لك عدو في البلد و لايقدر علي اذيتك فاذا اطلع علي ذهابك يغتنم الفرصة و يتعرض طريقك و يؤذيك او يحصل لك عوايق بسبب الاخوان و المعاريف و يمنعونك عن طريقك فلذا و غيره امروك بستر الذهاب
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 296 *»
و اما ستر المذهب فانما ذلك لاجل التقية و ممن يجب ان تستر عنه و التقية لاتختص بالعامة ان تتقي عنهم بل التقية في كل شيء اضطر اليه ابن آدم الي ان يقوم القائم7 فكل من لايتحمل مذهبك فانه اما بعد الاطلاع يؤذيك او يؤذي اخوانك او لايتحمل و يضل او يكفر او يكفرك او يكفر اخوانك بالجملة ستر المذهب من الدين الذي يدان الله به و ستره عن غير اهله افضل الجهاد و مذيعه اشد ضررا علي المؤمنين من الناصب للائمة الكافر بهم صلوات الله عليهم.
و اما باطن ذلك فالمراد بالذهب هو بلغتك من الاعمال الصالحة في الشريعة لانها هي ثمن متاع الجنة و ليس المراد به في الظاهر خصوصية الذهب بل المراد منه مطلق الاموال فاموال الدنيا هي ثمن متاع الدنيا و الاعمال الصالحة هي اثمان الجنة و حورها و قصورها فاستر اعمالك الصالحة لئن تصونها عن الرياء و الشرك و السمعة و عن اعين الحاسدين فقد جربنا ان كل عمل تطلع عليه النفوس المنكوسة يسلب عن الانسان التوفيق و كل عمل اخفيته يدوم لك و يبقي و لذا روي استحباب اسرار العبادة و كراهة ذكرها فاسترها بان لاتعمل علانية و عن ذكرها ان اخفيتها و من هذا الباب قوله تعالي اذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة و دون الجهر من القول و لايعلم ثواب ذكر الرجل في نفسه الا الله و به يطمئن القلوب و ان الاقشاب يراؤن الناس و لايذكرون الله الا قليلا فافهم. و اما ستر الذهاب فالمراد به في الباطن الطريقة و طريقك الذي انت سالكه و رياضاتك و مجاهداتك في اصلاح نفسك و ما يتفق لك من المكاشفات و المبشرات و الاتصالات و الاقترانات فاسترها عن اللصوص شياطين الانس و الجن باخفاء امرك و الاحتجابات و الاعتصامات و التعويذات. و اما ستر المذهب فالمراد به في الحقيقة و الباطن الحقيقة و هو القري الظاهرة التي قدر الله فيها السير و امرك بالسير فيها ليالي و اياما آمنين فاسترها فانها اسماء الحجة7 المحرم ذكرها في زمان الغيبة و لايسميه باسمه الا كافر نعوذ بالله فاستر ذهبك و ذهابك و مذهبك تفوز مع الفايزين و لاحول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 297 *»
قد فرغ من تسويده العبد الاثيم كريم بن ابرهيم في اول ليلة الاربعاء الخامس من شهر ذيالقعدة من شهور سنة احدي و ستين بعد المأتين و الالف من الهجرة علي مهاجرها السلام حامدا مصليا مستغفرا مستقيلا مستعفيا تمت.