31-05 مکارم الابرار المجلد الواحد والثلاثون ـ رسالة في جواب الشيخ عبدعلي البحراني ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب الشيخ عبدعلي البحراني

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 241 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اكرمنا بالايمان و فضلنا بالاسلام و الاذعان و انزل علينا القرآن و علمنا البيان و جبل فينا العقول و نورها بالمنقول و الصلوة علي اشرف رسول و افضل آمل و مأمول الذي اوضح السبيل و اقام الدليل و اعذر بالحجة و انذر عن اضاعة المحجة و آله الطيبين الاطهار و حجج الجبار و هداة الابرار و رهطه المخلصين الاخيار و المهتدين بالانوار حملة الاسرار و مستحفظي الدين في الاعصار و  لعنة الله علي اعدائهم مادام الليل و النهار و طلع نجم او غار.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ارسل الي العالم الجليل و الحبر النبيل عالي النجار سليل الاخيار الفاضل الباذل و الكامل الكافل المولي الولي شيخنا الشيخ عبد علي بن المرحوم الشيخ خلف من آل عصفور البحراني الدرازي وفقه الله و ايده و حفظه و سدده بكتاب فرج به الهم و كشف به الغم و انار العين و اذهب عن القلب الرين و اثار كوامن الاشواق و هيج خبايا الاشتياق الي شرف التلاق فاسأل الله ان يرزقنا شرف ملاقاته ادام الله عزه في احسن زمان و اشرف مكان حتي نتزود من صحبته و ندرك المني من رؤيته و قد سأل ادام الله عزه في آخر كتابه الشريف عن مسائل شريفة طلب مني جوابها مع قلة بضاعتي و كثرة اضاعتي فبادرت امتثالا و سارعت اقبالا الي جوابه مع علمي باني لست من فرسان هذا الميدان و من اهل الكشف و العيان راجيا من الله ان لايخيب ظنه بي و ان يلقي في قلبي مطلوبه بمقتضي احسن الظن و لو بحجر يلق الله مطلوبك فيه و ان ينفث في روعي جواب مسائله بمقتضي قوله7 ما من عبد حبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل عن مسألة الا و نفثنا في روعه جوابا لتلك المسألة فاذكر ان شاء الله تعالي فقرات سؤالاته كالمتن و جواب كل فقرة كالشرح ليكون اوضح كما هو ديدننا في اجوبة المسائل و علي الله التكلان و به المستعان.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 242 *»

قال ايده الله ان داعيكم المخلص في الوداد احب ان تناله رشحة من رشحات فيضكم و يفاد لاجرم تجاسر في تحرير بعض المسائل لتكون في مزيد التفاتكم من بعض الوسائل لكن الملتمس من الجناب الطاهر الفاخر ان يكون تحرير الجواب علي نهج ما هو مأنوس لدينا لا علي ما انتم عليه من غوامض اسرار الاخبار و النكت الخفية التي كشفتموها من باطن تلك الاسرار فان ائمة الهدي و غياث الصريخ عند الندي يكلمون الناس علي قدر عقولهم ما يقول امام الشيعة و علم الدين و الشريعة في اول ما صدر عن الاول.

اقول اعلم ايدك الله ان اخبار الاطهار صلوات الله عليهم اختلفت بحسب ظواهر الالفاظ في اول ما صدر ولكنها بحسب المعني متفقة لا اختلاف فيها و انما يراها مختلفة من كان علمه مستنبطا من مدلولات الالفاظ و اما من اطلع علي مرادهم بفضل امدادهم عرف انه لا اختلاف فيها ابدا و انما اختلافها اختلاف في التعبير عن الامر الواحد باسماء عديدة علي حذو قول الشاعر:

عباراتنا شتي و حسنك واحد

و كل الي ذاك الجمال يشير

و اختلاف التعبيرات لاجل اختلاف الانظار في جهات الشيء الواحد الا تري انك تسمي البحر مثلا من حيث تراكم الماء الكثير حتي اسود بالبحر و من حيث الرقة و السيلان بالماء و من حيث الطعم و الطبع بالملح و لذلك ينعقد اذا عقد ملحا و من حيث انه احد اصول المواليد عنصرا و من حيث ان به حيوة كل حيوان حيوة و هكذا فكذلك اختلفت الاخبار في الصادر الاول و هو في الحقيقة شيء واحد فقد روي في العوالم عن جابر بن عبدالله قال قلت لرسول الله9 اول شيء خلق الله تعالي ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير الخبر و عن جابر بن يزيد الجعفي قال قال ابوجعفر محمد بن علي الباقر8 يا جابر كان الله و لا شيء غيره لا معلوم و لا مجهول فاول ما ابتدأ من خلق خلقه ان خلق محمدا و خلقنا اهل البيت معه من نور عظمته الخبر و الاخبار في ذلك تزيد علي حد التواتر و قد كتبنا كتابا شريفا سميناه بنعيم الابرار و جحيم الفجار في اولية خلق محمد و آل محمد: و اوردنا فيه اخبارا متواترة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 243 *»

في هذا المعني و ادلة متكاثرة و في البحار بسنده عن عبدالسلام بن صالح الهروي عن الرضا عن آبائه: قال قال رسول الله9 ان اول ما خلق الله عزوجل ارواحنا الخبر و بسنده عن جابر الجعفي قال جاء رجل من علماء اهل الشام الي ابي‌جعفر7 فقال جئت اسألك عن مسألة لم‌اجد احدا يفسرها لي و قد سألت ثلثة اصناف من الناس فقال كل صنف غير ما قال الاخر فقال ابوجعفر7 و ما ذلك فقال اسألك ما اول ما خلق الله عزوجل من خلقه فان بعض من سألته قال القدرة و قال بعضهم العلم و قال بعضهم الروح فقال ابوجعفر7 ما قالوا شيئا اخبرك شاء الله ان الله علا ذكره كان و لا شيء غيره و كان عزيزا و لا عز لانه كان قبل عزه و ذلك قوله سبحانه ربك رب العزة عما يصفون و كان خالقا و لا مخلوق فاول شيء خلقه من خلقه الشيء الذي جميع الاشياء منه و هو الماء فقال السائل خلقه من شيء او لا من شيء فقال خلق الشيء لا من شيء كان قبله و لو خلق الشيء من شيء اذا لم‌يكن له انقطاع ابدا و لم‌يزل الله اذا و معه شيء ولكن كان الله و لا شيء معه فخلق الشيء الذي جميع الاشياء منه و هو الماء و من تفسير علي بن ابرهيم في مبتدأ الخلق ان الرب تبارك و تعالي خلق الهواء ثم خلق القلم فامره ان يجري فقال يا رب بما اجري فقال بما هو كائن ثم خلق الظلمة من الهواء و خلق النور من الهواء و خلق الماء من الهواء و خلق العرش من الهواء و خلق العقيم من الهواء و هو الريح الشديد و خلق النار من الهواء و خلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهواء و بسنده عن عبدالله بن احمد بن عامر الطائي عن ابيه عن الرضا7 عن آبائه: قال کان علي7 في جامع الكوفة اذ قام اليه رجل من اهل الشام فقال اخبرني عن اول ما خلق الله قال خلق النور و من تفسير علي بن ابرهيم بسنده عن ابي‌عبدالله7 قال اول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما كان و ما هو كائن الي يوم القيمة انتهي مع ما روي ان القلم ملك يؤدي الي اللوح و هو

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 244 *»

ملك و قد تضافر الاخبار بان اول ما خلق الله العقل الي غير ذلك من الاخبار و لاشك ان آل محمد: امرهم واحدة كما ان نورهم واحد و هم من عند الواحد ليس  عندهم اختلاف فان علومهم علوم شهادية و ليست بظنية استدلالية حتي يختلف اقوالهم فالمراد من جميع ذلك شيء واحد و قد اجمعت العامة و الخاصة ان محمدا9 اشرف الخلق و انما الشرف للخلق بالقرب من الخالق فهو اقرب الخلق الي الله فهو اول ما خلق الله كما تواتر به الاخبار فاول ما خلق الله محمد9 اذا سمي و يعبر عنه بتعبيرات اخر اذا وصف فلما لوحظ انه هو الذي من شعاعه خلق الله جميع ما خلق كما تضافرت به الروايات و شعاعه مادة جميع الخلق كائنا ما كان بالغا ما بلغ عبر عنه بالماء الذي جعله الله مادة كل شيء حي حيث قال و من الماء كل شيء حي و لفظة من تدخل علي المادة كما تقول صنعت الخاتم من فضة‌ فالله خلق كل شيء حي من الماء و كل شيء حي لقوله تعالي و ان من شيء الا يسبح بحمده و كل قد علم صلوته و تسبيحه فالماء مادة كل ما يسمي بالشيء فلما ان خلق الله كل شيء من شعاع محمد9 كان هو الماء الذي خلقه الله اولا و خلق من شعاعه كل شيء و هو ما روي في حديث جابر اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير و كل شيء من حيث الوجود خير و ان كان شرا بالنسبة الي غيره و لما لوحظ انه هو الذي اجري الله به جميع ما خلق و رسم نقوشها في لوح الامكان كما يرسم الله تعالي شأنه بالشمس نقوش العكوس في الواح جميع المرايا المقابلة بها و جميع الخلق شعاعهم الملقي في الواح مرايا قوابل الامكان عبر عنه بالقلم فانه هو الذي يرسم النقوش في اللوح و قالوا انه ملك فان محمدا9 من الملائكة العالين ام كنت من العالين الذين علوا علي جميع الخلق و لم‌يسجدوا لآدم فالقلم ملك لكن من الملائكة العالين طوله خمس مأة سنة و عرضه مسيرة ثمانين سنة يخرج المداد من بين اسنانه يجري في اللوح المحفوظ بامر الله و سلطانه كما روي في حديث ابن سلام بالجملة بهذا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 245 *»

الاعتبار سمي بالقلم و لما لوحظ انه حبيب الله ليس خلق احب الي الله منه و به يعبد الرحمن و يكتسب الجنان و هو مبدؤ كل شعور و علم و خير سمي بالعقل و لذا قال له و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا احب الي منك و بضرورة الاسلام محمد9 هو احب الخلق الي الله و العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و لايعبد الله في جميع العوالم الا بهم سلام الله عليهم كما قالوا بنا عبد الله و لولانا ما عرف الله رواه في الكافي و تقرأ و في الزيارة من اراد‌ الله بدء بكم و من وحده قبل عنكم فبهذا الاعتبار هو العقل الذي خلقه الله و جعل لكل احد شيئا من شعاعه فعقول الكل من شعاع عقله9 و اما الهواء فيعبر به في الاخبار عن الامكان الذي كل شيء خرج منه تشبيها بهذا الهواء الظاهر حيث انه هو منشأ السحاب و هو منشأ الماء و هو منشأ حيوة كل حي و هو قوله يرسل الرياح و هي الهواء اذا تحرك قال و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كل الثمرات و قال و الله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الي بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها فحيوة جميع كائنات ارض القوابل بالماء و الماء من السحاب و السحاب من الهواء فاصل الكل بهذا اللحاظ الهواء فلما كان اصل جميع المكونات نورهم و شعاعهم صلوات الله عليهم صلح ان يعبر عنهم بالهواء السابق علي الكل بالجملة اذا عرفت الحقيقة فعبر عنه بما شئت تصب الحق و لا اختلاف و كونهم اول ما خلق الله من ضروريات المذهب و كون محمد9 اول ما خلق الله من ضروريات الاسلام فساير التعبيرات كلها تعبير  عن وجوه فضائلهم و قد اشبعنا القول في ذلك في كتابنا نعيم الابرار و قطعنا فيه اعذار الفجار و الحمد لله رب العالمين في آناء الليل و اطراف النهار و لعل فيما ذكرت هنا كفاية لاولي الابصار.

قال وفقه الله و ما الحجة في رد حجة من زعم ان الواحد لايصدر عنه اكثر من واحد؟

اقول الرد عليهم ان الله سبحانه هو الاحد الذي لا حد له فلايحد قدرته و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 246 *»

لا كماله بحد فلايعجز عن شيء شاءه و اراده يفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و وصف نفسه لعدم تناهيه بقوله فعال لما يريد فلايقدر قدرته جل شأنه بقدر ابدا و لايجوز الحكم عليه و هذه العبارة حكم علي الله الاحد بامتناع صدور اكثر من واحد منه فهي باطلة و عن حلية الاعتبار عاطلة و لايجوز الحكم علي الله القادر المختار و لو قالوا اول ما خلق الله واحد ما انكرنا عليهم فانه مقتضي المذهب كما اشرنا اليه و هو النور المحمدي9 الذي خلقه الله فاقامه في الاداء مقامه كما ورد في خطبة الغدير و الجمعة و اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض فهم نور واحد خلقوا اول مرة و من شعاعهم و نورهم خلق جميع ماسواهم كما استفاضت به الاخبار و في العوالم بسنده عن الهروي عن الرضا7 عن آبائه: عن اميرالمؤمنين7 قال قال النبي9 و ساق الحديث الي ان قال اول ما خلق الله عزوجل خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده و تحميده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا ارواحنا نورا واحدا استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملائكة انا نحن مخلوقون و انه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا و نزهته عن صفاتنا الخبر و الغرض الاستشهاد بموضع الحاجة من ان وحدة انوارهم كانت بحيث اشتبه الامر علي الملائكة فزعموها وحدة الله الاحد جل شأنه فسبحوا حتي تعلم الملائكة انهم عبيد مخلوقون و الله منزه عن نحو هذه الوحدة و انما هي آيته جل شأنه و نوره فافهم فهذا الواحد هو اول صادر والله هو القادر علي ما يشاء.

قال ايده الله و ما الدليل علي ان ما بين الدفتين كلام الله هذا و كلامه صنعه و مابين الدفتين صنع عباده؟

اقول ان مابين الدفتين قرطاس و مداد و هما في الظاهر صنع العباد و لم‌يدّع احد ان القرطاس و المداد كلام الله و لايقول به عاقل فضلا عن جاهل و انما المراد الكلام الذي يدل عليه هذه النقوش المرسومة علي القراطيس الست تقول ان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 247 *»

كتاب التذكرة هذا جمعه العلامة في احكام الفقه و مابين الدفتين قراطيس صنعها الاستاد الصانع لها و مداد صنعه الصانع له و نقوشها رسمها الكاتب و الكتاب مملوك زيد فتقول هذا كتاب العلامة و جمعه العلامة فالمراد المسائل التي هذه النقوش رسومها و دوال عليها هي التي جمعها العلامة و صنفها و اختارها فما بين الدفتين كلام الله يعني ما يدل عليه هذه النقوش و الرسوم و هي لاشك انها كلام الله و انما كلام الله تعالي كالشمس و رسوم صحف العالم و الفاظ السنة بني آدم كالمرايا الموضوعة تحت الشمس ينطبع في كل مرآة عكسها و تعبر عن كل عكس بالشمس و هو شعاع مطابق للشمس و يسمي بالشمس من باب الحقيقة بعد الحقيقة الست تقول بلغ الشمس وسط الدار و صعدت الي وسط الحائط و رأسه فنور الشمس مسمي بالشمس من باب الحقيقة بعد الحقيقة و كذلك كل ما كتب و لفظ به كلام الله جل و عز فمن ما مثلناه و بيناه تبصر امره.

قال وفقه الله و ما الدليل علي امتناع الكلام النفسي عليه؟

اقول ما يراد بالنفس ايراد منها ذاته الاحدية جل جلاله او غيرها فان اريد بها ذاته فهل الكلام الذي في النفس حينئذ حادث او قديم فان كان حادث فقد صارت الذات محلا للحوادث و هو محال و ان كان قديما فقد تعددت القدماء و الله يقول ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه و هم يلعبون و عن امراء الكلام: كما رواه في البحار بسنده عن ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله7 في حديث ان الكلام صفة محدثة كان الله عزوجل و لا متكلم انتهي و ان كان المراد بالنفس غير الله فلا خلق اعظم من محمد و علي و آلهما8 و لا اسبق منهم فهي هم او دونهم فان كان نفس الله دونهم فهم اولي بها و ان كانت هي هم و هو كذلك لما في زيارة علي7 السلام علي نفس الله القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن فالكلام فيهم و لا مانع منه بل هي آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و هم هم سلام الله عليهم و لا شك ان نفوسهم حملة كتاب الله و هي اول موقع الكتاب و مبدئه و منشأه فافهم و اتبع في

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 248 *»

جميع الموارد هداتك و كن سلما لرجل تسلم عن الشركاء المتشاكسين و ما لنا و شبهات المتكلمين الذين هم شرار من هم منهم.

قال وفقه الله و ما المراد بالعقل و اولية خلقه و من اقباله و ادباره؟

اقول اعلم ان المراد  بالعقل هو ما وصفه اميرالمؤمنين7 هو جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه فهو علة‌ الموجودات و نهاية المطالب انتهي و هو اول ما خلقه كما روي في احاديث مستفيضة و هو الماء الذي منه كل شيء حي و به حيوة كل شيء و نسب كل شيء ينتهي اليه و لا نسب له غير نفسه فهو آدم الاول الذي قال الله له كن فكان و هو بديع فطرة الله لانه الاول لا شيء قبله و هو مظهر اسم الله البديع لانه ابتدعه ابتداعا و مظهر اسم الله العلي لما روي في الكافي ان اول ما اختار الله لنفسه العلي العظيم و هو القلم الذي خلقه الله قبل كل شيء و امره ان يجري بما كان و ما هو كائن الي يوم القيمة فجري بامر الله فانه كان علة الموجودات و هو الروح القدس التي روي انها اقرب خلق الله اليه و لم‌يخلق خلقا اقرب اليه منها و نزلت الي محمد9 ثم لم‌تصعد و هي مع الائمة تسددهم و لم‌تكن مع احد ممن مضي و هي خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل و هي الروح من امر الله يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي الي غير ذلك من الاسماء الشريفة و اعلم ان العقل هذا هو عقل الكل و اما العقل الذي في الاناسي فهو شعاع رأس من رؤس ذلك العقل و العقل في الاناسي عقلان عقل مطبوع و هو الذي مناط التكليف فبه يدرك الانسان ما يسمع و يري و عقل مسموع و هو ما يتلقاه من الشارع فان ما جاء به الشارع هو منطوق العقل و صفاته المنفصلة و تعبير حالاته كما اذا كان زيد قاعدا فهو في الخارج قاعد بصفة كونية فاذا اخبرتني و قلت زيد قاعد فهذا اللفظ هو تعبير عن الصفة الخارجية التي زيد  عليها في الخارج و كذلك جميع ما اخبر به الشارع تعبيرات و صفات منفصلة عن حالات العقل و ما العقل عليه من الصفات و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 249 *»

ما هو منزه عنه و ذلك ان الله سبحانه لم‌يخلق خلقا هو احب اليه من العقل فالعقل حبيب الله فالله سبحانه يحبه و يحب ما هو عليه من  الصفات و يبغض صفات ضده الذي هو الجهل و العقل منزه عنه فما تجلي به العقل محبوب الله و ما تخلي عنه مبغوضه و جميع ما امر الله سبحانه محبوبه و جميع ما نهي عنه مبغوضه و جميع ما امر الله سبحانه محبوبه و جميع ما نهي عنه مبغوضه فجميع الشريعة و ما جاء به الشارع صفات العقل فمن استمع اليه و اخذ به حصل لعقله المطبوع صورة محبوبة لله سبحانه و تلك الصورة هي العقل المسموع و هو الذي يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان فالذي عدو الحق لعنه الله شيطنة و نكراء فانه صورة مكتسبة من دعوة الداعي الي الجهل و المبين لصورته فدعوته هي شرح صفات الجهل فمن استمع اليه و قبل منه فانما تصور بصفات مبغوضة لله عزوجل فتصور بصورة‌ الشيطنة و النكراء فمناط التكليف في كليهما موجود الا ان احدهما تصور بالعقل الشرعي و هو وجه من وجوه روح القدس يؤيد المؤمن و يسدده و ينفث علي قلبه و لسانه و الاخر تصور بصورة ضده و هي صورة الشيطنة و هي وجه من وجوه الشيطان الاعظم يغويه و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و اعلم ان العقل الذي هو مناط التكليف هو ما تدرك به المعاني الكلية اي الكلية‌ الحاصلة لك من قولي كل ماء طاهر و كل شيء لك حلال حتي تعلم انه حرام بعينه و امثالها مثلا فان هذه الكلية ليس دركها من شأن الحس المشترك و الخيال المدركين للصور الجزئية و لا شأن المتفكرة المدركة للنسبة الحكمية بين الجزئين و لا شأن المتوهمة المدركة للمعاني الجزئية و لا شأن العالمة المدركة للصور المجردة و اما العاقلة فهي المدركة لافراد المعاني الكلية و هي فعل العقل الذي يجتمع عنده جميع الكليات و مثل العقل و العاقلة كالروح الحيواني الدراك و العين التي تبصر بها الاشياء و اما النفس فهي الدراكة للصور الدهرية المجردة و الروح هي الدراكة للصور الرقيقة و اما العقل فهو الذي يدرك المعاني الكلية بذاته علي نحو الكلية  و بفعله يدركها فردا فردا و فعله التعقل و مظهره العاقلة و انما يهتدي الي القوي الباطنة بآثارها فلما رأينا من انفسنا ادراك المعاني الکلية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 250 *»

علمنا ان له مبدءاً کما اذا رأينا من انفسنا ادراک الصور الجزئية علمنا ان له مبدءاً و هو الخيال کذلک علمنا ان مبدأ درک المعاني هو العقل فهذا العقل هو مناط التكليف و هو يدرك الشيء قبل كونه بخلاف الحواس الظاهرة فانها تدرك الشيء حين كونها و المشاعر الباطنة فانها و ان ادركت ما ليس في الخارج الا انها تدرك الشيء بعد كونها منتزعة منه مكتسبة منه و اما العقل فانه يدرك الشيء قبل كونه بانه لو كان كيف كان يكون و ذلك انه مجرد عن الاوقات مشرف عليها محيط بها مقره الجبروت و هو من كل احد اعلي درجاته و اول ما خلق منه فالعقل الكلي هو اول ما خلق الله من جميع الخلق فلما خلقه قال له ادبر و المراد بالادبار هو توجهه الي المنتهي بالاشراق علي المراتب الدانية و تربيتها و اكتساب الكمالات الجزئية منها بها كما مثلت لك سابقا ان الروح الحيوانية هي الدراكة علي نحو الاطلاق و باشراقها و توجهها الي البدن يحيي البدن و تبصر العين و تسمع الاذن و تذوق اللسان و يشم الخيشوم و تلمس اليد و لولا اشراقها لم‌تحس هذه الاعضاء شيئا من متعلقاتها ولكن الروح ايضا تكتسب من العين كمال درك الحمرة و الصفرة و الطويل و القصير و لذلك الاعمي بالولادة لايدرك روحه شيئا من الالوان ابدا لا في اليقظة و لا في المنام و تكتسب من الاذن كمال درك الاصوات الحسنة و المنكرة و خصوصيات الالفاظ و لولا الاذن لم‌يكن لها ذلك الكمال و ان كانت دراكة بذاتها الا انها تكتسب الكمال التفصيلي من البدن كذلك العقل هو دراك مطلق و كان قبل ادباره و اشراقه علي المراتب الدانية دراكا مبهما فلما نزل باذن الله سبحانه اكتسب من كل رتبة ‌كمالا تفصيليا و توسع و تفصل و تنعم و تكسر و كلما يزداد علومه التفصيلية يزداد نعومة و انبساطا و انتشارا و رقة و نفوذا و غوصا فبذلك يترقي و يتقرب الي الله سبحانه فانه كلما ازداد علومه الجزئية ازداد تكسرا و كلما ازداد تكسرا ازداد نعومة و كلما ازداد نعومة ازداد رقة و كلما ازداد رقة ازداد انحلالا و كلما ازداد انحلالا سهل اخراج ارمدة الاعراض عنه و كلما اخرج عنه الاعراض ازداد تشاكلا و كلما ازداد تشاكلا ازداد توحدا و كلما ازداد توحدا ازداد خفة و كلما ازداد خفة ازداد ترقيا و كلما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 251 *»

ازداد ترقيا ازداد تقربا و كلما ازداد تقربا ازداد استنارة و كلما ازداد استنارة ازداد فعالية و بلغ مناه و ذلك قصواه يا ابن آدم انا رب اقول للشيء كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون انا حي لا اموت اطعني فيما امرتك اجعلك حيا لا تموت فلاجل ذلك امر الله العقل بالنزول فقال له ادبر فاول منازل ادباره ارض الزعفران و ورقة الاس و ارض الذهب و جزيرة العرب ثم نزل الي الجزيرة الخضراء و منبت سدرة المنتهي عندها جنة المأوي و الشجر الاخضر و زناد النار و هو قوله تعالي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا ثم الي ارض الياقوت و هو الياقوت الذي خلقه الله قبل خلق السموات و الارض ثم نظر اليه بنظر الهيبة فذاب و الكثيب الاحمر و النار الحاصلة من الشجر الاخضر ثم الي البحر الابيض و عالم البهاء و سار فيه الي ان خرج من شاطيه الي عالم الاظلة ثم نزل علي جبل قاف الذي قد يسمي عنه بالحاف و هو كاف ثم نزل الي العرش هذا ثم الي الكرسي ثم الي فلك البروج ثم الي فلك المنازل ثم الي فلك الشمس ثم الي فلك فلك ثم الي النار ثم الي الهواء ثم الي الماء ثم الي التراب فخمد هنا ناره و انطفأ ضوؤه فصار ميتا لا حراك له و لا حس فدعاه الله و اذن له بالاقبال و درجة التراب في الانسان درجة الكيلوس فانه فساد  الغذا و النبات و الحيوان اذا فسدا ردا الي العناصر فاذا وصل اليه نداء الاقبال نهض مقبلا الي الله المتعال فترقي الي مقام الكيموس ثم الي مقام الدم ثم الي مقام النطفة ثم الي العلقة ثم الي المضغة ثم الي العظام ثم الي اكساء اللحم ثم الي انشاء خلق آخر و هو عند حصول الروح البخاري في جوف قلبه ثم الي مسقط جسده و خروجه وليدا ثم هكذا ترقي شعورا و قوة الي ان تراهق و مرن بالتكاليف ثم بلغ و بلغ اليه احكام الشرع المؤيدة للضعفاء الدالة للسالكين فيترقي شيئا فشيئا الي ان يتخلص عن البدن و يتجرد عن مواد هذا العالم و يسير في الساهرة فاذا هم بالساهرة و هي عالم الاضلة الذي نزل اليه حال نزوله فيبقي فيه طول عالم البرزخ الي ان ينفخ في الصور ثم يترقي الي ارض المحشر و الذر الاول و الجزيرة الخضراء التي كان فيها و نزل اليها يوم اول و هذه الجزيرة غير الجزيرة المباركة التي فيها الامام7 بل هي غيبها و هكذا يترقي في

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 252 *»

ارض المحشر الي ان يدخل الجنان درجة بعد درجة الي ان يدخل جنة رضوان مقام الامن و الامان و حب الوطن من الايمان و قد استفاد من سفره هذا روحا و ريحانا

تغرب عن الاوطان في طلب العلي

و سافر ففي الاسفار خمس فوائد

تفرج كرب و اكتساب معيشة

و علم و آداب و صحبة ماجد

فاذا وصل الي مقام الرضوان استراح كما قال الشاعر:

يا ناق سيري عنقا فسيحا

الي سليمان فتستريحا

فهنالك يعود علي بدئه كما بدءكم تعودون و لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مرة فهذا صفة نزول العقل و صعوده و في بعض الروايات اقبل مقدم علي ادبر و بعضها بالعكس فعلي رواية تقدم اقبل المراد به امتثاله و انوجاده و اقباله الي امر الآمر للائتمار و هو غير هذا الاقبال من البعد الابعد الي مقام القرب و لولا ان طلبت مني بيان المراد علي نحو الظاهر لاذنت لجواد القلم بجولان في الميدان و اعطيت حق البيان ولكن المأمور معذور فلنكتف بما بيناه فهو ايضا كاف لمن له عينان.

قال وفقه الله و ما الفرق بينه و بين النفس و الروح و الفؤاد و القلب؟

اقول اما العقل فقد عرفته و اما النفس فعندنا لها اربعة اطلاقات احدها النفس النباتية و هي التي بها حيوة النباتات الظاهرة و هي مبدؤ الزيادة و النقصان فيها و مبدؤ القوي الخمس الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة و المربية فلما رأينا في حصة جسم دون غيرها هذه الاثار عرفنا ان فيها مبدءا لهذه القوي و  ذلك المبدء هو ما به حيوة النبات فاذا فسد فسد النبات و رد الي الجمادية و هي التي سماها اميرالمؤمنين7 بالنفس النباتية و هي كماقال7 تحصل من صوافي الاغذية فاذا صفيت الاغذية و لطفت ظهر عليها الحركة الطبيعية و صارت منشأ هذه الاثار الخمسة فهي جسمانية طبيعية و اشبه الاشياء بالنفوس

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 253 *»

الحيوانية و مبدء بروزها في الانسان في الكبد ثم تجري مع الدم في كل البدن و ثمر شجرتها المني الذي هو بذر نبات آخر بعدها و ثانيها النفس الحيوانية فهي اصلها الافلاك و هي قوة فلكية و حرارة غريزية حدثت في البخار المتولد في القلب بواسطة اشراق الكواكب و تلك الحرارة من اثار نفوس الافلاك و هي طباعها الحركة الدائمة و ما تري علي الحيوان من سكون فانما يسكن البدن و حيوته الحيوانية دائمة الحركة الا تري منابضه دائمة الحركة و حركتها انبساطية و انقباضية حسب فتنبسط و تنقبض علي الدوام في حال اليقظة و المنام و هما دورانها كالافلاك فعند الصعود تنبسط و عند الهبوط تنقبض و مبدؤ بروزها في القلب حين حدث فيه بخار من العلقة الصفراء التي فيه فتجري في الشريانات الي الاعضاء و تحيي بها و هي في بدو تكونها في القلب حيوة مبهمة و شعورها ايضا كحركتها يعني كما ان حركتها صرف انبساط و انقباض و ليس فيها تعينات الي الجهات علي حسب الارادات و هي هنا بالطبيعيات اشبه و لذلك لاتحتاج حركة الشريانات الي ارادة و تتحرك في اليقظة و المنام و الذكر و الغفلة كذلك شعورها هنا مبهم ليس فيها هنا شعور معين لشيء من الاشياء و كذلك ايضا ارادتها ارادة مبهمة لاتعلق لها بشيء دون شيء فاذا صعدت الي الدماغ و تلطفت و رقت و كانت اذكي و ازكي خرجت قويها الثلث من الابهام الي التعين و ظهرت بعد الخفاء فصارت دراكة مريدة متحركة كيف شاءت فجرت من طريق الاعصاب النابتة من مقدم الدماغ الي العين و الاذن و المنخر و اللسان و الملامس فتعينت شعوراتها و تشخصت فيها فرأت من العين و سمعت من الاذن و شمت من المنخر و ذاقت من اللسان و لمست من الاصابع و اللامسة في ساير الاعضاء ضعيفة بقدر مسيس الحاجة و من طريق الاعصاب النابتة من مؤخر الدماغ و النخاع الي الاعضاء فظهرت حركاتها الشخصية الي اليمين و الشمال و الامام و الوراء و الفوق و التحت و وسط الدماغ موضع العزم و الارادة فهنا لك صارت النفس الحيوانية شاعرة حساسة متحركة بالارادة و نحن قد استدللنا عليها بما رأينا من آثارها و هي الحواس الخمس و خاصة هذه النفس الرضا و الغضب فتشتهي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 254 *»

ما يجانسها و تميل اليه و ترضاه و تكره ما يخالفها و تنفر عنه و تسخط عليه و يقع ظلها ايضا علي قوي النباتية فتحيي فيظهر منها جذب و امساك و هضم و دفع ارادية فبجذبها تجلب و بامساكها تحرز و بهضمها تطبخ و تصلح و بدفعها تطرد الاذي و تميطه عنها و تحيي المربية فتسعي في ارباء‌ المال و ارباء البدن و تكثير النسل و جميع ما يتعلق بها عن ارادة فاذا احيت هذه القوي و هي طبيعية صار فعلها الظلم و الغشم و تحصيل الدنيا الدنية و جمعها و حرزها من غير تدبر في عاقبتها و لا فايدة و لا ثمر لها و من ثمرات افاعيل هذه النفس  انه لا غاية لفعلها فلو سألت محب المال لما ذا تريد المال و انت تعيش في فاقة اذ صرت تحرزه و لا تأكله لا يدري و كذلك لو سألت الظالم عن غاية ظلمه لا يدري و انما افعال اغلب الناس طباع حيواني و ان ذكروا له غاية فانما يتكلف لهم الانسانية التابعة لحيوانيتهم و لربما تجعل شيئا غاية شيء لايصلح للغائية و لا غاية لتلك الغاية فلو سألته لم‌ تظلم الناس و تأخذ اموالهم يقول ليكثر مالي و اما لو سألته و لم‌ تريد اكثار المال لا يدري و هكذا بالجملة هذا ظاهر النفس الحيوانية و هي ايضا جسمانية حاصلة من الاجسام الغليظة كمايحصل الزجاج من الرمل و القلي الكثيفين و اما النفس الناطقة فهي ليست من لطائف الاجسام و انما هي اثر المشية مقرها الملكوت خلقها الله سبحانها لما اعتدلت النفس الحيوانية و صارت قابلة لركوبها فهي منها و اليها بدو ايجادها عند الولادة الدنيوية و عرصتها و مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية سبب فراقها تخلل الالات الجسمانية و قويها الفكر و الذكر و العلم و الحلم و النباهة و خاصته النزاهة و الحكمة و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية لانها صورة عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها ربها بالعقل فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فنحن لما وجدنا آثارا ذكرناها عرفنا ان لها مبدءا غير الحيوانية فان هذه القوي ليست في ساير الحيوان فعرفنا ان في الانسان مبدءا ليس في غيره و نفسا يفقدها سواه و هي المسماة بالناطقة لانها تنطق و ان الحيوانية بالنسبة اليها كالدخان المكلس المتصاعد من الدهن

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 255 *»

و ان النفس الناطقة بمنزلة النار المحجوبة عن الابصار و اشراقها علي الحيوانية كمس النار ذلك الدخان و انفعال الحيوانية عن مسها كانفعال الدخان من مس النار الغيبية فتشتعل الحيوانية باشراق النفس كما يشتعل الدخان بمس النار و تلك الاستنارة هي ما لهذا الشخص من المثال البرزخي و هو الحلة الصفراء التي يلبسها الروح بعد ما خرجت من البدن و تمشي بها في عالم الاظلة الي ان ينفخ في الصور فتخلع تلك الحلة ايضا لانها من عالم البرزخ و لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مرة و كما بدأكم تعودون و اما تلك النفس الناطقة فمقامها فوق عالم البرزخ و عالم الاظلة و هي في عالم الذر و هي للحيوانية كالنار الكامنة في الشعلة اي النار اللطيفة غير المرئية و هذه المرئية هي الدخان المستنير و استنارة الدخان و قد كان هذا الدخان مركبا من العناصر و كان فيه نار ضعيفة تقوي بمس النار الخارجية حتي خرجت من الكمون الي البروز و لما برزت لم تبرز بنفسها فانها غير مرئية و انما برزت بظهورها في مرآة الدخان منصبغة بصبغه فالمرئي ظهورها المنصبغ و هو المثال البرزخي الرابط بين  الدخان و النار المحجوبة بالجملة النفس الناطقة هي حقيقة الانسان و كنهه و هي من عالم الملكوت و هي ظل العقل الكلي و نوره كما قال7 موادها التأييدات العقلية و هي غير نفس زيد مقابل عقل زيد بل هذه هي النفس التي قال علي7 من عرف نفسه فقد عرف ربه و قال الله سبحانه و في انفسكم افلاتبصرون بها يعرف الانسان ربه و يستدل بها عليه و اما النفس التي له دون رتبة عقله فهي مشعره الصوري المجرد عن المواد الدنياوية و البرزخية به يدرك الصور الدهرية و الرابعة النفس اللاهوتية فهي مخصوصة بالحجج: و هي جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدأت و عنه وعت و اليه دلت و اشارت و عودها اليه اذا كملت و شابهت و منها بدأت الموجودات و اليها تعود بالكمال و اما الروح فهي قد تطلق و يراد منها العقل و هي الروح القدس التي مع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 256 *»

الحجج: و مرة تطلق و يراد منها الروح الملكوتية التي هي دون العقل و فوق النفس و هي برزخ بينهما و فعل للعقل في النفس اعلاها مرتبط بالعقل و اسفلها مرتبط بالنفس و هي مقام البراق و حد الاشراق و ارض الذهب و ارض زعفران و ورقة الاس و الرقائق و امثال ذلك و هي صورة رقيقة آيتها العكس الذي في المرآة و مرة تطلق و يراد منها النفس فانك تقول يقبض ملك الموت روح الانسان و تقول الله يتوفي الانفس حين موتها و مرة تطلق علي القالب المثالي الذي يكون الروح بعد خروجه عن البدن علي صفته فانه الروح الذي ينسل من البدن و يحضر وادي السلام و يلج في البدن و يسأل في القبر و اما الفؤاد فهو النفس الناطقة التي ذكرت حالها مفصلا و هو المشار اليه بقوله ماكذب الفؤاد ما رأي و هو عين الله التي اعارها الله عبده لينظر الي انواره بها و بها ينظر الله الي عبده و هو الحقيقة المسؤلة في حديث كميل يا مولاي ما الحقيقة قال ما لك و الحقيقة الخبر و هو نور الله الذي قال النبي9 فيه اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله الي غير ذلك من الوجوه و اما القلب فقد يطلق و يراد به اللحم الصنوبري و قد يطلق و يراد به العقل ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب و الا فاللحم الصنوبري لكل حيوان و هو اللب انما يتذكر اولوا الالباب فان العقل هو مقلب الاحوال و هو وسط الكل و هو مبدؤ الحيوة و هو المركز و القطب فلاجل ذلك يسمي بالقلب.

قال وفقه الله و ما الحكمة في ايجاده العالم و هو غني عنه؟

اقول الفعل اما ليس له غاية و هو لغو و عبث و اما له غاية و الغاية اما تعود الي الفاعل و اما تعود الي غيره و هذا القسم حكمة و حس صدوره عن الحكيم و الله سبحانه حكيم لايصدر عنه اللغو و العبث ربنا ما خلقت هذا باطلا فلابد و ان يكون لفعله غاية و لماكان منزها عن وصول الغاية‌ اليه لغناه المطلق و كونه الموجد لا من شيء وجب ان يصل الغاية الي غيره و لا غير الا خلقه فوجب ان يصل الفائدة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 257 *»

الي الخلق كماقال في القدسي ما خلقتكم لاربح عليكم بل خلقتكم لتربحوا علي و اي ربح و غاية اوفي و اوفر من النعيم السرمدي و الحيوة الابدية و الاستفاضة الدائمة و الخلود في جوار الله الازلي و الاستنارة بانواره و اللذات الدائمة التي لاتفني و لماكان وصولهم الي هذا المقام لايمكن الا بالسوك اليه احتاجوا الي من يسلك بهم تتميما للنعمة و اكمالا للاحسان و السالك بهم هو الحجة الامر الناهي و ذلك السلوك هو المعبر عنه بالعبادة لانهم بسلوكهم يتقربون الي الله سبحانه فلما كان بالسلوك يتقربون و يصلون الي ذلك المقام قال ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون اي ليسلكوا سبيلي حتي يتقربوا الي و لماكان السلوك ما كان يمكن الا بمعرفة المقصد قال كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف لان اول عبادة الله معرفته فاذا عرفوه قصدوه و اذا قصدوه سلكوا اليه و اذا سلكوا تقربوا و اذا تقربوا وصلوا الي ما لاعين رأت و لا اذن سمعت و هو ان شاء الله ظاهر.

قال وفقه الله و ما معني قول سيدنا زين العابدين7 لك يا الهي وحدانية العدد.

اقول اعلم ان الله سبحانه واحد لا بتأويل عدد فانه احد خارج عن الاعداد و الواحد العددي في عرض ساير الاعداد و ينضم بها فيصير ثاني اثنين و ثالث ثلثة و هو سبحانه حاشا ان يقترن بغيره فهو واحد لا بتأويل عدد اذ وحدته ليست بوحدة شخصية فاذا له وحدانية العدد اي مملوكه و مخلوقه و هو خلقها في ملكه كما تقول لله ما في السموات و الارض و ليس معناها ان ما في السموات و الارض ذات الله و كذلك له وحدانية العدد و هي خلقه و يجوز ان يتجلي الله سبحانه بالوحدة العددية في مقام صفاته و انواره كما قال ما من نجوي ثلثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم ولكن ذلك له في مقام الصفات و هو موافق مع المعني الاول فانه ايضا مخلوق.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 258 *»

قال وفقه الله و هل يجب علي المميز غير البالغ تحصيل المعارف الالهية ام لا؟

اقول غير البالغ و ان كان مميزا غير مكلف و لو كان مكلفا بالنظريات العلمية لكان علي العمليات اقوي و لكان تكليفه بها اولي و لم‌يكلفه الله بها اجماعا و انما يمرن الصبي قبل البلوغ للاعتياد بالجملة مناط التكليف البلوغ و غير البالغ مرفوع عنه القلم و عليه الروايات متضافرة و لا غبار عليها حتي يحتاج الي رفعه و المكلف العقل لقوله تعالي في خطابه اياك آمر و اياك انهي و لايظهر العقل في النوع الا عند البلوغ و الافراد النادرة لاتصير مناط حكم في السياسة العامة.

قال سلمه الله و هل اقامة الدليل عقلا و نقلا شرط في تحقق الايمان ام لا و هل هو واجب عينا ام لا اذا كانت المعرفة كسبية نظرية.

اقول الشيء المطلوب تصديقه لايخلو اما ان يكون من بديهيات العقلاء ككون النهار موجود او السماء فوقنا و الارض تحتنا او يكون غير بديهي اما البديهي فهو يغلب علي المشاعر و يقهرها و يدخل علي القلب و يأتيه بغير طلبه قهرا فمثل ذلك لايحتاج الي دليل و فحص و اما غير البديهي فلايقهر المشاعر و لايدخل علي القلب بغير طلبه فالانسان فاقد له و يجب عليه طلبه حتي يدركه فان كان يعلم طريقه و موضعه يمشي في طريقه حتي يصل اليه و يجده و الا يجب عليه طلب دليل يدله عليه و يسلك به حتي يوصله اليه و امور الدين لاتخلو من هذين القسمين اما ضروري يدخل علي القلب قهرا و اما نظري يحتاج الي الطلب لانه ليس عندك و ليس حاضرا عند مشاعرك و لو كان حاضرا لكنت تدركه بالضرورة فما كان غائبا عنك يجب عليك طلبه حتي تصل اليه فان كنت من اهل الكشف و العلم بالواقع تمشي في طريقه حتي تصل اليه و كان جهلك به من باب الغفلة و الاشتغال بالغير فمتي اردت توجهت اليه و وجدته كما هو و ان لم‌تكن من اهل الكشف و الاستبصار و لاتعلم الطريق الي الوصول اليه و تحصيله يجب عليك الاستعانة بدليل يدل عليه في الدعاء متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 259 *»

 حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك و ذلك لاهل الكشف و اما غيرهم فهو غيب عنهم و يحتاجون الي دليل يدل عليه فلامثالنا جميع ما غاب عنا محتاج الي دليل و قد جبلت القلوب علي عدم الاطمينان الا ببرهان اللهم الا غير معتن بدينه غافل عما اريد منه فانه يزعم انه مطمئن و لا اطمينان الا بالدليل الذي تعرفه و يكون ضروريا عندك فتجعله وسيلة الي الغايب و تهتدي به اليه بشرط ان يكون دلالته ايضا ضرورية و الا فلا و كشف عن ذلك الكاظم7 في رسالته الجامعة الي الرشيد فعنه7 انه قال قال الرشيد احببت ان تكتب لي كلاما موجزا له اصول و فروع يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك عن ابي‌عبدالله7 فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه و هو اجماع الامة علي الضرورة التي يضطرون عليها و الاخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة و المستنبط عنها كل حادثة و امر يحتمل الشك و الانكار و سبيل استيضاح اهله الحجة عليه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها و وجب عليه قبولها و الاقرار و الديانة بها و ما لم‌يثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له كذلك هذان الامران من امر التوحيد فمادونه الي ارش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه امر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما غمض عنك ضوؤه نفيته و لاقوة الا بالله و حسبنا الله و نعم الوكيل فتدبر في هذا الحديث الشريف تستغن به عن كثير من الكتب بالجملة ظهر منه ان ما ليس ببديهي سبيل استيضاح اهله الحجة عليه و الحجة ان لم‌تكن بديهية تحتاج الي حجة اخري و هکذا فلابد و ان‌تکون الحجة بديهية فلاتمسك الا بالبديهي فما تريد الايمان به لايخلو عن هذين القسمين فان لم‌يكن بديهيا للعقلاء جميعا و هو القياس الذي تعرف العقول عدله يجب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 260 *»

عليك الحجة عليه و هي البرهان البديهي و هي دليل الصدق لقوله تعالي قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين و لو كان يكتفي بالمدعي النظري بغير برهان لكان يسعهم ان يقولوا انا قد طعنا بالمطلوب بلابرهان و قد ذم الله قوما لا برهان لهم بما يقولون و قال و من الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير و جعل عدم البرهان سمة الباطل و قال من يدع مع الله الها آخر لا برهان له به و جعل الحق ذا برهان فقال قد جاءكم برهان من ربكم فالرب جل و عز له برهان و الالهة المدعاة لا برهان لها فهي كذب لايصغي اليها البتة ففرض سكون القلوب بلابرهان مع شعور الخلاف في العالم و الاعتناء بالدين فرض محال و لذلك يطلب النكير و المنكر البرهان علي جوابهما كما رواه في الكافي بسنده عن ابي‌الحسن7 قال يقال للمؤمن في قبره من ربك فيقول الله فيقال له ما دينك فيقول الاسلام فيقال من نبيك فيقول محمد فيقال من امامك فيقول فلان فيقال له كيف علمت بذلك قال هداني الله و ثبتني عليه فيقال له نم نومة لا حلم فيها الي ان قال و يقال للكافر من ربك فيقول الله ربي فيقال من نبيك فيقول محمد فيقال ما دينك فيقول الاسلام فيقال من اين علمت ذلك فيقول سمعت الناس يقولون فقبلته فيضربانه بمرزبة الخبر فتبين ان القول بمحض الادعاء و باتباع الناس بالتقليد غير مسموع و سره ان النفس قد جبلت علي السكون علي البديهي و الاضطراب  عند النظري حتي يبتين له تبين البديهي و فيما ذكرت كفاية عقلا و نقلا ان شاء الله و لو لم‌يكن ذلك واجبا عينا لكان كفائيا فكان علي بعض دون بعض او اذا قام به بعض سقط عن بعض و كيف يكفي ايمان رجل عن رجل آخر و يقين رجل عن رجل و ان هذا القول اي جواز تقليد الغير في العقايد من مبدعات آخر الزمان و انا كنا قديما نستدل علي حرمة العمل بالظن بسبعين آية في كتاب الله و باخبار متجاوزة حد التواتر و كانوا يجيبون ان ذلك في العقايد و يخصصونها من غير مخصص و نحن في عويل من ذلك اذا جوزوا الظن في العقايد و الاكتفاء بالتقليد فتركوا سبعين آية رأسا مع اخبار

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 261 *»

متواترة فكيف يجوز يا شيخي ان يكون البرهان علي العقايد كفائيا يستدل عليه احد و يكتفي به احد آخر الم‌تسمع حديث مسألة القبر انه لو قال سمعت الناس يقولون لايقبل منه الا ان يكون ثابتا عليه بهداية‌ الله و هداية الله بالبرهان فانه قال قد جاءكم برهان من ربكم و قال لنبيه ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن و لم‌يكلف الخلق ان يقبلوا من نبيه بغير برهان فكيف يكلف الناس بتقليد غيرهم هذا و من ليس بثابت علي الدين فاهل جميع الملل عنده علي السواء فكيف يقلد الموحد دون المشرك و كيف يقلد المسلم دون اليهود و النصاري و كيف يقلد الشيعي دون السني و ان كان يعرف بالبرهان حقية اهل ملة فهو الايمان و لا حاجة الي تقليد احد.

قال سلمه الله و ما الفرق بين مجتهدي علمائنا و اخباريهم؟

اقول اني لااجد فرقا بين محدثي علمائنا و مجتهديهم فاني لم‌اجد مسألة تكون من خواص المحدثين لايقول بها اصولي و لا مسألة تكون من خواص الاصوليين لايقول بها محدث بل رب محدث يقول ابعد عن الحق بالنسبة‌ الي ما يقول الاصوليون فاني اري المحدث الشيخ يوسف رحمه الله يعمل بالقياس الاستقرائي و هو افضح قياس بل يعمل بالقياس المحض مع الفارق البين كقياسه سجدة السهو بالغسل اذا تعدد اسبابه و هو في الفضيحة بمحل ثم ان كان الاخباري يقول يجب العمل بالعلم فكثير من الاصوليين يقولون بذلك و ان كانوا يقولون ان احاديثنا صحيحة فكثير من الاصوليين يقولون ذلك بل اعظم فان المرتضي رحمه الله يقول ان جميع احاديثنا الا ما شذ و ندر متواتر عن الائمة الاثني‌عشر و ان كانوا يقولون بعدم حجية الاجماعات المنقولة او الشهرة فكثير من الاصوليين يقولون بذلك و اذا تحقق اجماع علم دخول المعصوم فيه قطعا لايرده المحدثون و يقبلونه و ان قال المحدثون لايمكن العلم به في هذه الايام فكثير من الاصوليين يقولون ذلك و ان كانوا لايعملون بالاستصحاب فكثير من الاصوليين لايعملون به و ان كانوا يقولون بتثليث الاحكام ذهب اليه بعض الاصوليين كما ذهب الي التثنية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 262 *»

بعض الاخباريين و ان كان الاصوليون يعملون بظواهر الكتاب فمن الاخباريين من يعمل بمحكمات الكتاب دون متشابهاته و ان كان الاصوليون يعملون بالاجماع فمن الاخباريين من يعمل و كتبهم مشحونة به و ان كان الاصولي يعمل بالاستصحاب فها هو المنقول عن المفيد ره بالجملة اني لم‌اجد شيئا يكون من خواص الاصولي لايعمل به محدث و لا شيئا من خواص المحدثين لايعمل به اصولي نعم بعض المسائل بين الاصوليين اشهر و بعضها بين الاخباريين.

قال وفقه الله و هل الاجتهاد المصطلح الان بدعة في الدين ام له اصل و مأخذ من كلام ائمتنا الهادين و هل هذه القواعد التي بني عليها المجتهدون من علمائنا الابرار الاستدلال في معرفة الاحكام الشرعية و لم‌نعرف لها من الكتاب و السنة النبوية مأخذا يأثم من اعتمد عليها في الاستدلال ام لا بعد قوله7 اعربوا كلامنا فانا قوم فصحاء و بعد النظر الي قوله7 كل ما لم‌يخرج من هذا البيت فهو باطل و قوله7 علينا ان نلقي اليكم الاصول و عليكم ان تفرعوا.

اقول حاشا نوع علماء الشيعة ان ينسبوا الي البدعة و الاختراع في الدين فانا نري محدثيهم و مجتهديهم يتحرون اقوال ائمتهم و ان قالوا في قاعدة بغير نص خاص يدخلون ما يقولون تحت عموم حديث آخر و اما ان لايعملوا بقول امامهم لا عموما و لا خصوصا فليس فيهم فانهم شيعة معتقدون عصمة ائمتهم و يفترضون طاعتهم و يستوجبون الاقتداء بهم و الرد اليهم جميعهم فكيف يمكن ان يبدعوا بدعة فعلي فرض ان يجد فقيه قاعدة باطلا و قد قال بها فقيه آخر لايجوز ان يحكم علي اخيه بالبدعة اذا كان متوخيا لقول امامه طالبا مذهبه مستنبطا ذلك من آثاره و لو جاز ذلك لجاز لكل محدث او مجتهد ان ينسب الي البدعة كل من خالفه في شيء و يلعن بعضهم بعضا و يتبرأ بعضهم عن بعض و تنشق عصا المسلمين بعد ما الفهم رسول الله9 علي الاسلام و اذكروا اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا بل المبدع من يضع من عنده دينا او حكما من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 263 *»

غير رد الي الله و رسوله و يحب عليه و يبغض عليه فهو مشرك بالله العظيم مبدع في الدين و اما من يحوم حول آل محمد: و يتحري اقوالهم و يتروي في آثارهم و يتوخي مذهبهم و يفهم شيئا من العمومات الصادرة عنهم او الخصومات و يعمل به و يفتي فليس بمبدع و ان كان عندك خاطئا في المسألة بل لايكون ذلك نقصا في عدالته فضلا عن ايمانه و لذلك تري خيار علمائنا يوثق بعضهم بعضا و يعدل بعضهم بعضا يتزاورون و يتجاورون و يتصافحون و يتجالسون في غاية المحبة مع اختلافهم في كثير من المسائل و ظن كل واحد منهم الاخر علي الخطاء فينبغي كف اللسان عن هذه المسائل و السعي في التأليف كما احب الله لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم فاري من شنع من المجتهدين علي المحدثين او من اساء القول من المحدثين علي المجتهدين علي اشتباه من الامر خاطئا فيما اختار و ان كنت لا اسيء القول في واحد منهما مع ذلك ايضا و احمل فعل كل واحد صادرا عن تقويه غاية الامر عندي انه اخطأ في اجتهاده علي حذو ساير المسائل فانا امجدهما و اعظمهما و لا احكم بعصمة العلماء من الفريقين فان المعصوم من عصمه الله لا غير و ان رأي احد في كتاب من كتبي ردا علي قول واحد منهم او تشنيعا علي قول او اساءة القول في مختار فانما هو لازم اختاري غيره و ذهابي الي كونه باطلا و لا حرمة للباطل عند من يري بطلانه و اما اساءة الادب بالنسبة‌الي القائل فحاشا فانه رجل مثلي توخي مذهب سادته و عرف هكذا و عرفت خلافه و كلانا نقول ما قال آل محمد قلنا و ما دان آل محمد دنا و مع ذلك لا امنع دخول بعض المنتحلين في عرض العلماء و ليس منهم و تسمية بعض معاندي الحق و اهله بسمة العلماء ترويجا لدنياه و تحصيلا لحطامها و لا حاجة الي البرهان بعد العيان و كلامنا في النوع و حكمه ما ذكرت لك.

قال وفقه الله و نبينا بما كان متعبدا قبل بعثته؟

اقول يا شيخي نبيكم كان نبيا و آدم بين الماء و الطين و يقول الله تعالي تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا و لايكون النبي نبيا الا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 264 *»

بكتاب و سنة و دين فهو كان متدينا بدينه و ليس يلزم ان يعمل قبل بعثه بما عمل به بعد بعثه فان مسائل الدين تنسخ في زمان بعد زمان و للنبي خصوصيات ايضا لايشاركه فيها غيره فما ادريكم انه قبل بعثه كان مأمورا باية انواع من المسائل و نسخت بعد بعثته ام لا و كيف كان يعمل في خلواته و في علانيته و هل كان يتقي قبل بعثته ام لا فلو تدبرت في هذه الوجوه عرفت انه ما كان يلزم ان يعمل بما عمل به بعد بعثته و مع ذلك كان عاملا بدينه بل كان جميع الانبياء عاملين بدينه و لا دين الا دينه الا انه نسخ بعض مسائل دينه المخصوص بزمان شرع آدم في زمان نوح و نسخ بعض مسائل شرع نوح في زمن ابرهيم و هكذا لا دين الا دينه في الدنيا الا انه نسخت مسائل منها في الازمان كما كانت تنسخ في زمانه فلم‌يك متعبدا قبل بعثته بل قبل تولده الا بدينه و شرعه و روي ان الله خلقهم قبل ان يخلق الخلق بمأة الف دهر و انهم علموا الملائكة دينهم قبل ان يأتوا فيا شيخي ان الناس قد حادوا عن فضائل آل محمد: و الحال ان كل فضل منهم متواتر في الاخبار فلايعملون بل لايعتنون بتلك الاخبار و يعملون في فروع دينهم بحديث واحد بل بشهرة بل بظن و يفسقون من يخالفهم في تلك المسألة و كأنهم لم‌يسمعوا تلك الاخبار المتواترة في مسائل فضائل آل محمد: و كل مسألة منها يثبت بالمتواترات المعنوية و الادلة‌ العقلية و تستنبط من الاجماعات المرضية و مع ذلك اعرضوا عنها و انهمكوا في الكتب الخالية عنها حتي اختلفوا في تدين خاتم الانبياء قبل بعثته حتي ظن بعضهم انه كان بلادين و بعضهم انه كان علي دين ابرهيم و الذي اظن اني رأيت في ذلك اربعة عشر قولا و لا اذكر الان تفصيلها و لا يحضرني الكتاب حتي انقلها و ان وجد عندكم مفاتيح الاصول للسيد محمد الطباطبايي المرحوم فراجعوه حتي تجدوه و جميعه نفخ في غير ضرام و آراء صادرة عمن لايعرف النبي و الامام.

قال وفقه الله و ما كان يدحض به النبي كلام العامي اذا قال له انظر في معجزتي فقال لايجب علي النظر حتي تثبت عندي نبوتك و لم‌تثبت.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 265 *»

اقول اعلم وفقك الله ان الانسان العاقل اذا وجد في هذا العالم اختلاف الامم و سمع بعضهم يذكر لفظ رب و خالق و صانع قديم و بعضهم يذكر نبيا و شرعا و دينا و واجبا و حراما و بعضهم يذكر جنة و نارا و حيوة بعد موت و نجاة قوم و هلاك قوم و الخلود في نعيم و جحيم و بعضهم يقول جميع الناس اما ناجون و اما هالكون و كان عاقلا استوجب ذلك عقلا و طبعا ان يطلب لنفسه النجاة و يعرف السراب من الماء المعين و الغث من السمين و تتوق نفسه الي معرفة ما ينجيه و ما يهلكه و ان الانسان مجبول علي ذلك و لو خالف ذلك فانما خاطر بنفسه عمدا و هو مذموم عقلا الا تري انه لو حضر مائدة و عليها قوم احياء و في جنبها قوم صرعي و  من الاحياء من يقول هذا الاناء سم و هذا شفاء و ان هؤلاء الصرعي اكلوا من هذا السم فصعقوا و هلكوا و يري يتزاحم الايدي علي الاواني و يأكلون فيصعق قوم و يموتون و لايدري اكلوا من ايها اتري يجسر هذا الرجل عقلا و طبعا ان يأكل من هذه الاواني من غير روية و نظر او يأكل في هذا الاختلاف الشديد و روية الهلكي من غير روية و يقول لايجب علي النظر فان قال ذلك لايطاوعه طبعه الا ان يكون مجنونا او غير معتن بنفسه غير مبال بهلاكها و الا فيده لاتطاوعه و لاتمتد الي هذه المائدة كما ان يده لاتطاوعه في الدخول في فم الافعي فلزوم النظر في اسباب القطع بالنجاة عقلي و طبعي جبلي فاذا ليس وجوب النظر في امر هداة النجاة و الدعاة الي الله شرعيا حتي يلزم الدور و انما هو عقلي جبلي طبيعي فبحكم العقل يحتج الله عليه و عليه ضرورة العقلاء و لو ترك يعذبه الله و يحتج عليه باني اوقفتك علي وجوب النظر في نفسك و طبعك و جعلتك نبي نفسك في هذه المسألة و جعلت جميع العقول شاهد صدق نبوتك فلم لم‌تنظر فلا دور و الحمد لله و لله الحجة البالغة قال تعالي او لم‌نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و قال او لم‌ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده يؤمنون.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 266 *»

قال سلمه الله و هل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ام لا؟

اقول نعم لا و شرح ذلك ان اصل المسألة انه هل يجوز ام لا نعم لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة اذا كان المقتضي موجودا و المانع مفقودا فاذا سأل سائل نبيه عن مسألة يحتاج الي معرفتها و لا مانع عن بيان النبي بوجه و هو العالم بالمانع دون الرعية و المقتضي للبيان موجود و هو العالم بوجود المقتضي دون الرعية فلايجوز حينئذ تأخير البيان و اما اذا لم‌يكمل المقتضي او كان مانع فيجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لاسيما في اعصار الائمة: فانهم كانوا في تقية شديدة علي انفسهم و علي رعيتهم و لذلك روي عليكم ان تسألوا و ليس علينا ان نجيب و روي عن الصادق7 ما كل يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله و سأل الاشعث اميرالمؤمنين7 فقال له كم في رأسي من شعر فقال عليه السلام لولا انه يعسر برهانه لاجبتك و سئل7 عن مسألة فاجاب و سئل عن اخري فاجاب و سئل عن اخري فقال ليس كل ما يعلم يقدر العالم ان يفسره لان من العلم ما يحتمل و منه ما لايحتمل و من الناس من يحتمل و من الناس من لايحتمل و من تتبع الاخبار وجد بلاغبار انهم ما كانوا يجيبون كل سائل عما سأل و هم اعلم بوقت الحاجة و وجود المقتضي و فقد المانع و لايحيط بهذه الثلثة احد غيرهم فلعل السائل في ظنه يحتاج الي هذه المسألة لصلوته هذه الحاضرة و يسأل فلايجاب لعلل و مصالح يكون الحجة بها اعلم فبهذا المعني يجوز تأخر البيان عن وقت الحاجة بل هو واقع كثيرا و اما علي المعني الواقع فلايجوز فانه لو كان المقتضي في القابل موجودا و المانع مفقودا بالكلية و سأل السائل فلايجوز المنع للجواد اللهم الا ان يكون بخيلا او جاهلا و سفيها لانه اذا فقد المانع من القابل لابد و ان يكون المانع من الفاعل و المفروض انه لا مانع من الفاعل فلايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في الواقع و لا حاصل في هذا الاصل في اصولنا لانه من اصول العامة و لايجوز عندنا استنباط الاحكام منها لما ذكرنا من وقوع تأخير البيان عن وقت الحاجة كثيرا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 267 *»

و انهم تمسكوا بهذه الاصول لتكثير المدارك لما حادوا عن آل محمد: و جهلوا كثيرا من الاحكام.

قال وفقه الله و ما المراد بالشبهات التي يجب الوقوف عندها هل هو ما تعارض فيه الدليل و لا مرجح في البين ام ما فقد فيه الدليل او الاعم منهما افيدونا و احسنوا الينا بتوضيح البيان و ايراد الحجة و البرهان لازلتم معدن اللطف و الاحسان.

اقول هذه آخر مسائله وفقه الله اعلم ان امور الدين علي ثلثة‌ اقسام اما مقطوع به و اما مشكوك فيه و اما مجهول و ذلك حصر عقلي لا رابع له و ذلك انه اما ان وصل من الشارع كلام فيه او لم‌يصل فما لم‌يصل فمجهول فاسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله فما وصل كلام فيه فاما واضح بين الدلالة يحصل منه القطع بمراد الله و مراد رسوله و حججه سلام الله عليهم او لايحصل فما حصل فهو المقطوع به و هو اما حلال بين او حرام بين و ما لم‌يحصل القطع بالمراد منه او تعارض الادلة فيه فهو المشكوك فيه و المشتبه و هذه الثلثة هي التي اشار اليها الحجة بقوله حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك و بقوله الناس في سعة ما لم‌يعلموا و لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص و امثال ذلك فالمجهول يقابله المعلوم و المشكوك يقابله المقطوع به و بينهما بون بعيد قال الله سبحانه هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون و قال ان نظن الا ظنا و ما نحن بمستيقنين فالبين هو اليقين المستنبط من الدليل القطعي و الشبهة هي المشكوك الحاصل من دليلين متضادين متساويين و ان رجح احدهما فهو المظنون و المجهول هو ما لا دليل عليه عندنا و لم‌يصل الينا دليل فيه لا بعموم و لا خصوص و بينهما بون بعيد و من لم‌يفرق بين المجهول و المشكوك بقي في ضيق و حرج فان حكم كل اقتران يحدث في الدنيا و كل حادث يحدث و كل حالة و كل صفة و كل ذات تحدث عنده متشابه فان قال باصل الحرمة يجب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 268 *»

عليه اجتنابه و ان قال بوجوب الاحتياط يجب عليه الاحتياط و ان هذا الا عسر و حرج لا غاية له و لا نهاية فعلي هذا لو وقع نظر المصلي مثلا الي طير معين في اثناء الصلوة مثلا يجب عليه الاعادة لانه لا نص في حكمه و لو مس الاسد مثلا و هو متطهر يجب عليه الوضوء احتياطا لانه لا نص فيه و هكذا و ان استثني الامور العامة البلوي فغيرها ايضا لا تحصي ثم يقع الشك في انه هل كان عام البلوي ام لا و يجب ايضا فيه الاحتياط و في ذلك حرج و ضيق لا عديل له و ما جعل عليكم في الدين من حرج و لايكلف الله نفسا الا ما آتيها اي ماعرفها و ذلك من مزال اقدام المحدثين فنحن ايضا نقول بالتثليث لكن هكذا و الحمد لله علي ما هدانا علي مر الحق و نحن قد كتبنا كتبا عديدة اقررنا بها عيون المحدثين و لو وجدوها لكتبوها بماء الذهب و اكتفيت هنا ببعض الاشارة لاني سمعت انه يوجد كتاب السوانح ببلادكم و هو كتاب نافع ان شاء الله و قد فرغ من تسويد هذه الاوراق عبد الله الاثيم كريم بن ابرهيم في سابع شهر ذي الحجة من شهور سنة ست و سبعين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا تمت.