رسالة في جواب الاغا عبدالله
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 127 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين ابد الابدين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ارسل الي جناب المؤيد المسدد الموفق الاغا عبدالله مولي شيخ المشايخ العظام و سلالة الاجلة الكرام جناب مولينا الميرزا عبدالرحيم شيخ الاسلام من دار السلطنة اصبهان بمسائل عجيبة و مطالب معضلة قد اشكلت عليه بل هي مشكلة علي اكثر العلماء الفاضلين و الحكماء البالغين و قد وردت علي حين هجوم الهموم و تراكم الغموم من شر الاشرار و كيد الفجار و وددت ان يرد علي كتابه حين فراغ البال و سلامة الخيال حتي اقضي في جوابه حقه و افصل في جوابه كما اريد ولكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن و رأيت اني لو اخرت جوابه انتهاز الفراغ البال و زوال الملال لفني العمر قبل ان ادرك ذلك الوقت اذ الدهر خوان و تتوارد ابدا نائبات الزمان و لايجد فيه السلامة انسان،
ليس البلية في ايامنا عجبا
بل السلامة فيها اعجب العجب
فرأيت ان اختلس من الدهر ما يمكن و اغتنم الفرصة بقدر المقدور و اجيبه بما هو الميسور و لا اتركه بالمعسور و الي الله عاقبة الامور فاقتصر في جواب مسائله بالاشارة و المح الي حقايقها في خفيات العبارة مع ان ما كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله فاعرني حواسك و مشاعرك و استعمل النصفة و اترك الانس بقواعد ما انزل الله بها من سلطان و اعلم ان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نورا فاعرف الرجال بالمقال لا المقال بالرجال و ان كان الامر بالعكس في بعض الاحوال فدقق النظر و استعمل الفكر فكم من خبايا اكتنزها في زوايا و لاقوة الا بالله العلي العظيم.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 128 *»
قال ايده الله بعد ما عنون كتابه به رأيت فرضا علي ذمتي ان اعرض علي مولاي جعلني الله فداه عبوديتي و طاعتي له سلمه الله تعالي اذ ليس علي العبد الا السمع و الطاعة لمولاه فان رأيت يا سيدي ان تجيب عن مسائلي فعلت متطولا علي عبدك و الاجر لكم علي الله سبحانه.
فالسؤال الاول ان بعض الناس يقولون بان الفاعل في عالم الجسمانيات هو الطبيعة باذن الله سبحانه و يجرون ذلك في الفلكيات و العناصر الاربعة و المواليد كلها كما يستنبط ذلك من كتب الطبيعيات و النجوم و الطب و الرمل حتي ان الطبيعيين من الفلاسفة جعلوا الطبايع هي الصانع تعالي عن ذلك علوا كبيرا مع ان القرآن العظيم و الاخبار المأثورة تنادي ببطلان استناد الامور الي الطبايع سيما في الادعية الشريفة الواردة عن ساداتنا: حيث قطعوا النظر فيها عن جميع ماسوي القديم الحق سبحانه فاسئلك يا سيدي ان تشرح لعبدك حقيقة هذا المطلب علي نحو يندفع به شكوك الملاحدة و المتفلسفة و غيرهم و يعتقد الموحدون بما يحققه مولانا سلمه الله تعالي.
اقول اعلم ان الغني البحت البات عماسواه هو الاحد الذي ليس فيه ذكر شيء غيره لا بوجود و لا عدم و لا اثبات و لا نفي فهو القائم بنفسه الغني عن غيره و هو الله الواحد الاحد الفرد الصمد تعالي قدره و عز جلاله و كل شيء سوي الاحد فهو المفتقر في وجوده الي غيره علي حسب ضعف وجوده و قوته فمن الاشياء يفتقر في وجوده الي صانع يصنعه و الي مادة يختلقه منها و الي صورة يمثله فيها فقط ثم لايحتاج الي شيء غيرها و من الاشياء يفتقر الي ازيد من ذلك فيحتاج الي وسائط عديدة و الي مقومات و متممات اخر و الي التدوير في ادوار و التكوير في اكوار و التطور باطوار و التقلب في اوطار و ليس ذلك من نقص في الفاعل بل هو من افتقار المفعول و عجزه و اري ان امثل لك في ذلك مثالا حتي تشاهد ما ذكرت لك فاقول ان البخار لايفتقر في وجوده الا الي صانعه و اربعة اجزاء من الرطوبة و جزء من اليبوسة فيحل صانعه اليبوسة في الرطوبة و يعقد الرطوبة في
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 129 *»
اليبوسة فيجعله بخارا و يصعده بحرارة اشراق صنعه عليه و لايحتاج البخار الي شيء غير ذلك و اما الدخان فيحتاج الي صانع يصنعه و الي البخار المحتاج الي الرطوبة و اليبوسة و الحل و العقد و حرارة اشراق الصنع و زيادة تدبير في التقدير حتي يجفف الصانع رطوبات ذلك البخار حتي يجعله لزجا غليظا دهنيا ثم يسلط عليه حرارة اشراق ابداعه حتي يحرقه و يكلسه فيجعله دخانا و ذلك الدخان يخلق من نفس البخار فلولا البخار لميجعل الله سبحانه في صنعه ان يصنعه كما انه قدر في صنعه ان يخلق حواء من نفس آدم فلولا آدم لميخلق حواء اذ ابي الله ان يجري الاشياء الا باسبابها و اما الزيبق فيحتاج في وجوده الي صانع يصنعه و الي البخار المحتاج الي الرطوبة و اليبوسة و الحل و العقد و الدخان المحتاج الي ذلك البخار و التكليس فان الزيبق يتولد من البخار و الدخان بالميزان في عماء المعدن و هما ابواه و لميقدر ان يتولد الولد من غير الابوين و ان وجد لميكن ولدا فالولد يحتاج الي الوالدين لا الصانع و ان كان الصانع قادرا و اما الكبريت فانه يتولد من نفس الزيبق فيحتاج الي الزيبق المحتاج الي ما مر و الي زيادة تدبير من الصانع الحكيم حتي يجعله كبريتا فالكبريت محتاج في كونه كبريتا الي جميع ما مر فلو خلق من غير عناصره لميكن جسدا عنصريا هكذا و ان الله سبحانه يجعل كل شيء هو هو و لو جعله غيره لبطل الدلالة و التعريف و اختل نظم التوصيف تعالي ان يكون في ملكه خلاف الحكمة و اما المعدن فانه يحتاج في تكونه الي زيبق و كبريت كما حققناه في محله ان كل جسد معدني مركب منهما و الزيبق آدم الاجساد و الكبريت حواها و جميع الاجساد اولادها فيحتاج كل جسد الي جميع ما تقدم و زيادة تدبير و حل و عقد و تصفية و تركيب و توزين حتي يكون هو هو و لو خلق جسد من غير هذه الاسباب لميكن جاريا علي نظم الحكمة و الصواب و ان كان الله هو القادر الوهاب ولكن المخلوق ليس بقابل لغير ذلك ارأيت ان الله سبحانه لاشك انه قادر ولكن العشرين يحتاج في تكونه الي اثنين و اثنين و اثنين عشر مرات و الثلثين يحتاج الي عشرة و عشرة ثلث مرات لايقال ان الله سبحانه لم لميخلق الثلثين من غير اجزاء او من عشرة مرتين او اربع مرات فان الله سبحانه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 130 *»
قادر ولكن الثلثين لايكون ثلثين الا و ان يكون اجزاؤه العشرة ثلث مرات فافهم و اعتبر مما رواه الصدوق في التوحيد باسناده عن عمر بن اذينة عن ابيعبدالله7 قال قيل لاميرالمؤمنين7 هل يقدر ربك ان يدخل الدنيا في بيضة من غير ان يصغر الدنيا و يكبر البيضة قال7 ان الله لاينسب الي العجز و الذي سألتني لايكون انتهي فالله سبحانه لايوصف بعجز و ابي ان يجري الاشياء الا علي حسب العدل و العدل يقتضي ان يعطي كل شيء خلقه و يجعله هو هو فالسكنجبين لايكون الا من خل و عسل و الصانع العدل المعطي كل ذي حق حقه يخلقه من خل و عسل فافهم ما ذكرت لك في هذه الامثال فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الاشياء لافتقارها و اختلافها في افتقارها سألت الله سبحانه ان يهيأ لها اسباب وجودها التي تفتقر اليها و ان الله سبحانه قد هيأ لها ما سألت و حكم لها بما استدعت و هو القادر القاهر المجيب لمن دعاه فاستجاب دعوتهم و هيأ لكل شيء ما دعاه علي ما دعاه حين ما دعاه فلاجل ذلك احتاجت الاشياء الي الاسباب فابي الله المجيب لدعائهم ان يجري امداده عليهم الا من حيث سألوا علي ما سألوا فانه من حيث نفسه غني عنهم لايقدم علي عطاء و لا منع قال الله سبحانه قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و لماكان مراتب الخلق مختلفة كانت دعواتهم مختلفة فهيأ لهم اسباب مختلفة فاحتاجت العقول الي اسباب عقلانية و الارواح الي اسباب برزخية و عقلانية و النفوس الي اسباب نفسانية و عقلانية و روحانية و الطبايع الي اسباب طبيعية و نفسانية و روحانية و عقلانية و المواد الي اسباب مادية و طبيعية و نفسانية و روحانية و عقلانية و الامثلة الي اسباب مادية و طبيعية و نفسانية و روحانية و عقلانية و الاجسام الي اسباب مثالية و مادية و طبيعية و نفسانية و روحانية و عقلانية والله سبحانه غني عنها و عن اسبابها و عللها ولكنها هي محتاجة الي ما ذكر علي ما ذكر و هذا لاريب فيه ولكن الشأن في معرفة توسط هذه الاسباب ان سببيتها باي نحو هل هي مستقلة نعوذ بالله ام شريكة معه نعوذ بالله ام باذنه تعالي الله كيف هو فاعلم ان الله سبحانه لايحويه مكان و لايحيط به زمان مع انه هو في كل مكان و زمان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 131 *»
و لايخلو منه مكان و لا زمان فهو اقرب الي كل شيء من نفسه اليه قال سبحانه و نحن اقرب اليه من حبل الوريد و حبل الوريد في الظاهر عرق في العنق تزعم العرب انه من الوتين و هما وريدان مكتنفا صفقتي العنق ممايلي مقدمة غليظان و في الحقيقة الوريد هو المورد و سمي به العروق النابتة من الكبد لانها مورد الدم و مجراه فالوريد الحقيقي هو هوية الانسان التي هي مورد امداد الله سبحانه و ملقي مثاله كما قال علي7 القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و حبله حمله من باب حبلت المرأة حبلا فالحبل بمعني المحمول اسم و حبل الوريد محموله و محمول الماهية و الهوية هو المثال الملقي فيها الذي هو حقيقتك فهو اقرب اليك منك النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم فما ظنك بالله فاذا عرفت ان الله سبحانه اقرب الي كل شيء من كل شيء و من نفسه فلايحجبه حاجب عن شيء من خلقه فخفي من شدة ظهوره و استتر لعظم نوره فهو انيس من لا انيس له و جليس من لا جليس له قال انا جليس من ذكرني و قال في الدعاء انت لاتحتجب عن خلقك الا ان يحجبهم الامال دونك و في الدعاء ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك الي غير ذلك فهو الرحمن المستوي علي عرش ملكه ليس شيء اقرب اليه من شيء آخر فهو سبحانه لايحتاج الي سبب او واسطة في خلق او رزق او احياء او اماتة قال سبحانه الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه و تعالي عما يشركون و قال هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه و قال قل الله خالق كل شيء فهو سبحانه الفاعل في ملكه بحكمه و قدرته وحده وحده وحده لاشريك له و لايحتاج الي سبب و آلة و ادات اذ هو اقرب الي كل شيء من كل سبب بل من نفس ذلك المسبب فيصدر منه جميع الفيوضات و الامداد من غير سبب و لا آلة و لا ادات الا ان الاشياء في نفسها لعجزها عن القبول لاتقبل و لاتنفعل الا مترتبة علي اسبابها و لايسمع الا بواسطة اسبابها و انما ذلك
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 132 *»
لقوة استعداد السبب و ضعف استعداد المسبب و ذلك كما تري ان الشمس ربما يكون نسبتها مع المرآة و الحجر واحدة ولكن يستنير المرآة ما لايستنير الحجر و ليس ان الشمس اشرقت علي الحجر اقل من المرآة اذ لا اختلاف من عندها و انما الاختلاف في القوابل فكذلك و لله المثل الاعلي هو اقرب الي الاشياء من اسبابها و من انفسها و يفيض علي الكل علي حسب سواء الا ان الاسباب للطافتها و صفائها تنفعل قبل المسببات و لايوجب ذلك استقلال الاسباب في الافاضات و ليس انها شريكة مع الله سبحانه بان يكون بعض الفيض منها و بعضه من الله و ليس بانها وكلاء الله في الافاضات يعني انها تفيض وكالة عن الله و الله سبحانه بنفسه لايفعل شيئا و يده مغلولة و ليس بانها فاعلة باذن الله سبحانه و الله بنفسه غير فاعل فعل فمن زعم شيئا من ذلك فهو مشرك او كافر و الايمان الحق ما ذكرنا ان الله سبحانه بنفسه هو الفاعل لا شريك له يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته ولكن الاشياء ينفعل بعضها قبل بعض و ان اردت ان تشاهد ذلك انظر الي البلورة المأخوذة بين الشمس و بين شيء فيحترق ذلك الشيء ولكن البلورة تشرق بالشمس قبل ماورائها و الشمس بنفسها مضيئة للبلورة محرقة لذلك الشيء فلا البلورة وكيلة للشمس في الاحراق بحيث لاتفعل الشمس فعلا و يكون البلورة باستقلالها محرقة و لا هي شريكة للشمس بحيث يكون بعض الاحراق للشمس و بعض لها و لاتكون مأذونة عن الشمس بحيث تكون البلورة محرقة للشيء باذن الشمس و لاتكون الشمس فاعلة فعل بل الشمس بوحدتها مضيئة محرقة الا ان البلورة تشرق قبل ذلك الشيء و ذلك الشيء يحترق بعد اشراق البلورة فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الطبيعة سنة من الله في الخلق و سبب من الاسباب مقدمة علي الشيء في الوجود لكونها مؤخرة في الظهور لان الطبيعة هي الكيفية الخامسة الحاصلة بعد امتزاج الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و تلك الكيفية نور اشرق من تحت الحجاب الواحدية علي ذلك المركب و هو مقدم وجودا علي المركب و مؤخر عنه ظهورا فذلك النور حبة زرعها الله عزوجل في ارض العناصر فلما تركبت تلك العناصر صار ذلك المركب كساق النبات الذي صار
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 133 *»
فعلية الحبة غيبا فيه و صارت بالقوة فلما تم التركيب و الامتزاج سنبل بتلك الحبة المزروعة فصارت بالفعل ظهورا فهذه الطبيعة كانت من الاسباب المتقدمة علي ذيها اشرقت قبل الشيء ثم اشرقت بعدها العناصر لا بانها الفاعل في العناصر بل الفاعل المركب بالكسر هو الله سبحانه كما مر الا ان الطبيعة اشرقت قبل و تبعها العناصر فمن زعم ان الطبيعة هي الفاعلة باذن الله فقد قال بان يد الله مغلولة غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و الله سبحانه بيده هو الموجد للعناصر المركب لها كيف يشاء الا ترون ان الطبيعة مضمحلة محلولة في اجزاء المركب صائرة بالقوة متلاشية فيها فالشيء المحلول المتلاشي كيف يكون موجدا لشيء علي نهج الحكمة و الصواب و هي بنفسها فانية مضمحلة و انما هي تظهر و تقرب الي الفعلية شيئا بعد شيء و لذلك لايتم طبيعة الفلفل الا بعد كمال الفلفل و ادراكه و بلوغه و اما قبل ادراكه و حين هو في غيب شجره ليس طبيعة الفلفل موجودة في الخارج و هي ايضا تنمو و تزيد و تكمل شيئا بعد شيء بكمال ذيها و الطبيعة في كل حين لاتقتضي الا نحو ما هي عليه فمن الذي ينميها و يقويها حينا بعد حين و طبيعة كل حين تقتضي حالتها التي هي عليها لا غيرها و الا لكان الشيء في ذلك الحين علي غير ما هو عليه او كانت الطبيعة غير فاعلة فان كانت غير فاعلة فالمربي غيرها و ان كانت فاعلة فلم لايكون الشيء في كل حين غير ما هو عليه في ذلك الحين فلما رأينا الاشياء تنمو و تزيد و تربو و تربو معها الطبيعة و تحدث كحدوثها عرفنا ان الطبيعة في كل حين ليست بفاعلة الحين الثاني و اما في حينها فكذلك فانها حدثت بحدوث الشيء في ذلك الحين و بعدها و كونها مقدمة وجودا لايكون علة كونها فاعلة لانها في صورتها تابعة للمركب الذي هو لسانه الداعي و مرآة تجليها الا تري ان طبع كل مركب مشاكل لذلك المركب فان الطبع في المركب كالروح في الجسد و هيئة الروح تابعة للجسد الا تري ان الجسد اذا تصور علي هيئة الانسان افيضت عليه روح الانسان و اذا تصور علي هيئة الكلب افيضت عليه روح الكلب و كذلك الطبع لايكون له تعين و تخصص الافي المركب و بالمركب فهو و ان كان مقدما وجودا الا ان خصوصية طبع الفلفلية مثلا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 134 *»
لا تتعين الا بعد القابل و هو المركب مثاله كالشبح في المرآة فان الشبح و ان كان مقدما علي المرآة وجودا الا ان مادته من الشاخص و صورته من المرآة الا تري انه في الاستقامة و الاعوجاج و الصفاء و الكدورة و الاصباغ تابع للمرآة و كذلك طبع الفلفل مثلا له مادة و صورة مادته اثر صنع الصانع و هي لاتعين لها و تعينها من المحل الذي هو المركب اي الفلفل فكيف يكون فاعلا في الفلفل و تعينه منه فان كان فاعلا بمادته غير المتعينة فلم اوجد الفلفل و لميوجد الزنجبيل و هو من حيث المادة لا خصوصية له بشيء دون شيء و ان كان فاعلا بصورته فهي تابعة للمحل فعلم ان الطبع و ان كان مقدما وجودا لايكون فاعلا هذا و ان الطبع جاهل صرف و هذا الخلق المتقن و الامر المحكم لايصدر عن الجاهل الصرف و لو كان الطبع عالما حكيما لكنت عالما بكمك و كيفك و الحكَم الكامنة في خلقك فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الطبع سبب من الاسباب و سنة في الخلق و قد تقدم في الانفعال لصفائه و لطافته و تأخر المركب لكثافته كماتقدم الروح علي الجسد لصفائها و تأخر الجسد عنها لكثافته والله سبحانه هو الموجد لهما تعالي الله عمايقول الظالمون المشركون علوا كبيرا.
قال وفقه الله السؤال الثاني ان بعض الناس يقولون مثلا لو تولد شخص و الكواكب كذا و كذا يصير غنيا و يسندون الامور الي اوضاع الكواكب فجعلوا سبب الحوادث اوضاع النجوم و استندوا في ذلك الي امور حسية مثل احوال الربيع في احيائه الارض و غير ذلك مع ان الاخبار المعصومية تارة تنادي بكفر القائل بهذا المذهب و تارة تنادي بصحته في ظاهر مداليل الاخبار مثل النهي عن التزويج و القمر في العقرب و نظائره كثيرة في اخبارنا و الفقهاء في كتبهم مضطربوا البيان في شأن المعتقد لهذا المذهب جدا فاسئلك سيدي ان تشرح حقيقة الامر في هذا المذهب و بيان تلك الاخبار المتعارضة بحسب الظاهر بحيث يندفع ببيانكم الشريف جميع شبه الملحدين و يزول به تحير الموحدين و ان بين مولينا جعلني الله فداه في ضمن ذلك كلية ارتباطات اجزاء العالم لكان منه سلمه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 135 *»
الله منّاً جسيما علي المؤمنين.
اقول و لا قوة الا بالله انك لو فهمت ما ذكرناه في الجواب عن السؤال الاول لاستغنيت عن شرح آخر لهذا السؤال الا ان لكل سؤال جوابا و نشرح ذلك ايضا بقدر الميسور اعلم انا قد قدمنا في ما سبق ان الله سبحانه اقرب الي كل شيء من نفسه لا بمداناة و ابعد عن كل شيء من كل شيء لا بمناآة فهو لايحتاج الي وسائل للتوصل الي شيء ابدا بل كل شيء يحتاج اليه في التوصل الي غيره ولكن الاشياء لضعف وجوداتها افتقرت في التوصل اليه الي وسائل و اسباب كماعرفت و لماكانت مراتب الاشياء مختلفة اختلاف مراتب نور السراج فانها كلها نور مشيته سبحانه و اثر فعله و هي مختلفة المراتب في اللطافة و الكثافة و القرب و البعد فكلما هو اقرب الي مبدئه اشد لطافة و اكثر رقة و صفاء و اقوي ضياء و كلما هو ابعد عن مبدئه اشد كثافة و اكثر غلظة و كدورة و اقوي ظلمة فكلما هو الطف و ارق و اصفي و اضوء اكثر استعدادا للاستفاضة و اقويه البتة فيستفيض قبل ما هو اكثف و اغلظ و اظلم البتة كما بينا ان المرآة تستنير اكثر من اللبنة لصفاء قابليتها فالله سبحانه يفيض مرة واحدة ولكن الخلق يستفيض بعضهم قبل بعض كما ان الاستاذ يتكلم بكلام واحد و نسبته الي التلامذة واحدة ولكن التلامذة يفهم بعضهم قبل بعض فايهم يكون اصفي ذهنا و اشد تشاكلا بالاستاذ يفهم اسرع من غيره و ايهم يكون اكدر ذهنا و ابعد شبها عن استاذه يتأخر في الفهم البتة فكذلك اذا ما صدر الفيض عن المفيض يستفيض القوابل التي هي اشبه بمشيته في اللطافة و التوحد و الصفاء قبل ما هو بخلاف ذلك و ذلك مما لايريب به ذو لب ابدا و لماكانت الاثار بعضها اقرب من بعض من منيرها كما عرفت من مراتب النور للسراج و الشمس فالفيض ليس يصل الي الابعد الا بعد وصوله الي الاقرب فان الاقرب واسطة بين المبدء و بين الابعد و الطفرة ممتنعة فلابد و ان يصل الفيض الي الاقرب ثم ينفذ منه الي الابعد لا لاجل ان الله سبحانه يختلف نسبته مع خلقه فان الرحمن مستو علي عرشه بل لاجل ان الابعد لايقدر علي تلقي الفيض الا بعد وصوله الي الاقرب و تلبسه بلباسه و تكثفه بكثافته حتي يقدر الداني علي النظر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 136 *»
اليه و الانتفاع به كمايتوصل الناظر للنظر الي الشمس الي مرآة خضراء غليظة فاذا انطبع شعاعها فيها و اخضر و تكدر يمكنه النظر اليه و لميكن يمكنه النظر الي قرص الشمس لشدة لمعانها و بروقها و تلألئها الا تري ان الاستاد يتكلم بكلام دقيق فمن السامعين يفهمه بدقته و منهم يحتاج الي زيادة توضيح و تكثير في الالفاظ و هكذا فالنور المشرق من شمس الازل لا يتحمله جميع الخلق و لو القي علي البعيد بعباطته لاحرقه عن آخره كما روي ان لله سبعين الف حجاب لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه الا تري ان الرب تجلي فاندك الجبل و خر موسي و صعق بنواسرائيل فلايتحمل الداني نور المبدء اولا الا ان ينزل ذلك النور الي اقرب قابلية و اشبهها به فينطفي ضوؤه في بحر قابلية ذلك الاقرب و ينكسر سورة حرارته في برودته ثم ينزل الي الرتبة الثانية فتتحمله حينئذ فينطفي النور النازل في بحر قابليته و ينكسر سورة حرارته في برد انيته حتي يتحمله الذي هو ادني منه و هكذا و انما ذلك لحاجة قوابل الخلق الي ذلك لا الرب جل جلاله بل هو يفيض علي الكل بنسبة واحدة الا ان القوابل لاتتحمل الا كذلك فينزل الفيوض و الامداد الي كل شيء بواسطة كل من تقدم عليه لفاقة قابليته و عدم تحمله لغيره بل عدم انتفاعه به لعدم احساسه اياه و كونه فوق مشاعره و مداركه بعباطة الا تري ان الملك يتكلم و لاتسمع ولكن اذا دخل قلب نبي و تكلم بلسانه تسمعه و كذلك ان الله سبحانه يتكلم بالوحي و الامر و النهي و لاتسمعه ولكن اذا انزل كلامه في قلب نبي و اجراه علي لسانه تسمعه كماقال سبحانه و ماكان لرجل ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء فافهم ما تري في خلق الرحمن من تفاوت الا تري ان نور الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي و نور الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش و انت لاتدرك نور العرش و لا الكرسي الا اذا تنزل و تكثف في بطن الشمس و نزل و تكثف في الهواء و كرة الهباء فعند ذلك تدركه و ليس هو الا نور العرش و لذا تجد فيه انوار العرش الاربعة النور الابيض و الاصفر و الاخضر و الاحمر كماتشاهد في قوس الرحمن و البلورات المضرسة ذوات الزوايا و السطوح و ان هي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 137 *»
الا انوار اركان العرش تنزلت فبدت في الكثائف فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الافلاك الطف و اشرف من الارض بمرات و اشد تشاكلا بجواهر اوائل العلل و اكثر شبها بالمبادي الغيبية كما هو بين و الارض بخلاف ذلك فلايمكن تقدم استفاضة الارض عن المبدء علي الافلاك و لاتساويهما لما مر بل الافلاك تستمد و تستنير و تستفيض قبل الارض كما قال سبحانه و في السماء رزقكم و ما توعدون فجميع الامداد الواصلة الي الارض و ما وعد اهلها من الزيادات و الفيوضات في السماء و ينزل الامر من السماء الي الارض شيئا بعد شيء علي حسب قوابل اهل الارض و استعدادهم و تنصبغ تلك الفيوض و الامداد في بطون قوي الافلاك و قوابلها و اوضاعها و تتكثف حتي يقدر اهل الارض علي تلقيها و استماعها و الانتفاع بها كما فهمت آنفا فتلقي في شعلات الكواكب و انوارها و تنزل الي الارض فتستجن فيها ثم تخرج منها علي حسب ما قدر الله سبحانه فمن ذهب يزعم ان الافلاك ليست باسباب ايصال الامداد فقد خالف الله سبحانه في كتابه حيث يقول و في السماء رزقكم و ما توعدون و خالف الحجج في سنتهم و اخبارهم و خالف المشاهدة و هل ينكر ذلك عاقل ان الشمس تسخن و القمر يبرد و العجب من قوم يزعمون ان الفلفل يسخن و العناب يبرد و الكافور يجفف و البنفسج يرطب و هي اجسام غاسقة سفلية و ينكرون ذلك في الافلاك الكم الذكر و له الانثي هذا مع ان جل آثارها مشاهدة لاينكر و قد تواتر بآثارها الاخبار عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم و ان شئت فراجع البحار و العوالم و ساير المظان و لو اراد امرؤ ان يأتي علي ذلك من الاخبار بما يجاوز حد التواتر لفعل و الاخبار الدالة علي حقيته كثيرة فمنها ما رواه العاملي باسناده عن معلي بن خنيس قال سألت اباعبدالله7 عن النجوم احق هي فقال نعم ان الله بعث المشتري الي الارض في صورة رجل فاخذ رجلا من العجم فعلمه الي ان قال ثم اخذ رجلا من الهند فعلمه و باسناده عن جميل بن صالح عمن اخبره عن ابيعبدالله7 قال سئل عن النجوم قال مايعلمها الا اهل بيتت من العرب و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 138 *»
اهل بيت من الهند و باسناده عن هشام الخفاف قال قال لي ابوعبدالله7 كيف بصرك بالنجوم قال قلت ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم مني قال كيف دوران الفلك الي ان قال مابال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم احدهما الاخر فاين كانت النجوم قال قلت لا والله لا اعلم ذلك قال فقال صدقت ان اصل الحساب حق ولكن لايعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق كلهم الي غير ذلك من الاخبار و هي كثيرة لمن جاس خلال الديار و هي حق لموافقة كتاب الواحد القهار و صحيح الاعتبار و اما المناهي الواردة فيه فمن جهتين الاولي ان الاسباب السماوية كثيرة لاتتناهي من كواكبها و قراناتها و انظارها و اوضاعها وهي مع كثرتها تختلف احكامها بحسب القوابل الارضية اذ يشترط ففي ظهور الاثر صلاح القابل و حالات القوابل السفلية ايضا مختلفة الي ما لانهاية له و يمتنع علم الناقصين بتلك الامور الغير المتناهية في جهة الفاعل و القابل فاذا كان لايدرك تمام الاسباب فلاينفع البعض لاحتمال وجود مانع في المجهولة عن مقتضي الاسباب المعلومة فيكون صرف العمر فيه تضييعا له لانه لايدرك غوره و يشير الي هذه العلة ما رواه العاملي باسناده عن عبدالرحمن بن سيابة قال قلت لابيعبدالله7 ان الناس يقولون ان النجوم لايحل النظر فيها وهي تعجبني فان كان تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني و ان كان لايضر بديني فوالله اني لاشتهيها و اشتهي النظر فيها فقال ليس كما يقولون لا تضر بدينك ثم قال انكم تنظرون في شيء منها كثيره لايدرك و قليله لاينتفع به انتهي فتبين ان علم النجوم لايضر بدين المتدين العارف بالله سبحانه الموحد له في ذاته و صفاته و افعاله و عبادته و انما هو صرف عمر فيما لا يدرك كثيره و لاينتفع بقليله و ذلك تضييع للعمر و اما من نظر فيه لمعرفة احوال الايات البينات كما امر الله سبحانه قل انظروا ما ذا في السموات و الارض و وبخ قوما او لمينظروا في ملكوت السموات و الارض و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فباي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 139 *»
حديث بعده يؤمنون هذا و جل آيات الله في السماء فمن لميعرف ذلك فبأي شيء يعتبر و يؤمن و قال سبحانه و كم من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و اشار الي وجه النظر في الحديث السابق انكم تنظرون في شيء منها كثيره لايدرك و هي الاوضاع الغير المتناهية و اما اذا نظر في شيء منها يعتبر بها و يستدل بها علي صفات الربوبية فاي شيء احسن منه و اولي ان لماقل اي شيء اوجب منه و الزم قال الله سبحانه ان في خلق السموات و الارض لايات لاولي الابصار الذين يذكرون الله قياما و قعودا و علي جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الارض ربنا ماخلقت هذا باطلا الايات فافهم ان كنت تفهم و وجه آخر في النهي ان اهل الجاهلية لعدم معرفتهم بالله سبحانه و رسله و حججه كانوا شديد الركون الي الكهنة و المنجمين و السحرة و الشياطين يهتدون بهديهم و يقتفون اثرهم و يصدرون عن امرهم و نهيهم يؤمنون بالنجوم بانها هي المحيية المميتة المقدرة الخالقة الرازقة المغنية المفقرة الي غير ذلك و يؤمنون بها من دون الله سبحانه كما رواه العاملي باسناده عن يعقوب بن شعيب قال سألت اباعبدالله7 عن قوله تعالي و ما يؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون قال كانوا يقولون يمطر نوء كذا و نوء كذا لايمطر و منها انهم كانوا يأتون العرفاء فيصدقونهم بما يقولون انتهي فنهوهم عن اتيان العراف و الكاهنين و المنجمين و السحرة و تصديقهم و الايمان بهم فالنهي انما هو عن الايمان بها و الاعتقاد بانها هي المكونة المفسدة و ذلك شرك لاشك فيه و لاريب يعتريه و يشهد بذلك ما رواه العاملي باسناده عن ابيالحصين قال سمعت ابا عبدالله7 يقول سئل رسول الله9 عن الساعة فقال عند ايمان بالنجوم و تكذيب بالقدر انتهي يريد ذلك من امته و الا فساير الناس كانوا علي ذلك فاعتبر من قوله عند ايمان بالنجوم و باسناده عن هشام بن الحكم عن ابيعبدالله7 في حديث قال المنجم يضاد الله في علمه بزعمه انه يرد قضاء الله عن خلقه انتهي و لاشك ان ذلك كفر فلاشك ان المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 140 *»
كالكافر و الكافر في النار و باسناده عن عبدالله بن عمرو بن الاحمر قال لما اراد اميرالمؤمنين7 المسير الي اهل النهروان اتاه منجم الي ان قال7 اتزعم انكم تهدي الي الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من سار فيها حاق به الضر من صدقك بهذا استغني بقولك عن الاستعانة بالله في ذلك الوجه و احوج الي الرغبة اليك في دفع المكروه عنه و ينبغي ان يوليك الحمددون ربه عزوجل فمن آمن بهذا فقد اتخذك من دون الله ضدا و ندا ثم قال7 اللهم لاطير الا طيرك و لا ضير الا ضيرك و لا خير الا خيرك و لا اله غيرك ثم التفت الي المنجم و قال بل نكذبك و نسير في الساعة التي نهيت عنها انتهي الي غير ذلك من الاخبار و لاشك ان المراد من هذا النهي تصديق المنجمين في انهم هم الهادون الي الخيرات و الشرور و اتباعهم ينجي عن المكاره و المحاذير و يهدي الي النجاة و ان الكواكب مستقلة في هذه التأثيرات و يد الله مغلولة لا يقدم ما يشاء و لايؤخر فمن اعتقد بالمنجمين و النجوم كذلك فقد اشرك و لذا نهي النبي9 عن اتيان العراف و قال من اتاه و صدقه فقد بريء مما انزل الله علي محمد9 فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان علم النجوم و الاوضاع الفلكية للاعتبار و التدبر في آيات الله سبحانه لمعرفة آثار قدرته محمود و علمها للاهتداء الي الخير و الشر من دون ايمان باستقلالها تضييع في العمر و لايضر بالدين و علمها مع الاعتقاد باستقلالها شرك و ذلك لا اختصاص به بالنجوم بل الطب ايضا كذلك فمن اعتقد ان العقاقير هي الشافية المضرة و المصححة الممرضة من دون الله فقد اشرك بالله سبحانه و من تعلمه لاجل معرفة ما اودع الله في حقايق الاشياء من الاثار فلابأس به سبحان الضار النافع سبحان القاضي بالحق سبحان العلي الاعلي سبحانه و بحمده سبحانه و تعالي بل و كذلك العلم بالاحكام الشرعية فمن تعلمها زعما منه ان الاعمال هي المنجية المهلكة فقد اشرك كما يروي من ظن ان العمل هو المنجي فقد كفر و من تعلمها لاجل الاطلاع علي اوامر الله سبحانه و نواهيه و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 141 *»
الخدمة علما بان احدا لايؤدي حق الله سبحانه و انه هو المنجي بفضله و المهلك بعدله فهو مؤمن حقا ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فاذا عرفت ذلك فاعلم ان المؤثر الحق هو الله سبحانه لا شريك له و لا وكيل و لا وزير و انما هو سبحانه مؤثر موجد لخلقه بصنعه و مشيته لا بذاته فان ذاته لاتصير حركة بعد ان كانت ذاتا و الفعل حركة كماقال اميرالمؤمنين7 حيث قال الفعل ما دل علي حركة المسمي و حركة الله سبحانه غير ذاته بل هي حركة اوجدها لا من شيء و ليست بعرض لذاته فان الحادث لايعرض علي ذات القديم جل شأنه قال الصادق7 خلقت المشية بنفسها ثم خلقت الاشياء بالمشية و تلك المشية هي مبدء الاثار و مرجع الانوار و هي باء بسم الله كماقال اميرالمؤمنين7 خلقت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم و روي ان الباء بهاء الله و السين سناؤ الله و الميم مجد الله فالمشية هي بهاء الله و نوره الذي اضاء له كل شيء و في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و هو صوت قوله كن انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون و روي عن ابيعبدالله7 انه قال لايكون شيء في الارض و لا في السماء الا بهذه الخصال السبع بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن كان يزعم انه يقدر علي نقض واحدة فقد كفر انتهي و ذلك النور و البهاء سار في جميع ذرات الوجود و نافذ في كلها نفوذ الروح في الجسد و من البين ان الاثار التي تصدر عن الاشياء فانما هي بارواحها لا باجسادها الموات التي لاحراك لها و حركة الاشياء كلها بتلك الحركة الاولية التي هي فعل الله سبحانه و مشيته و ارادته فلامحرك في الوجود الا الله سبحانه قل الله خالق كل شيء و في الدعاء كل شيء سواك قائم بامرك و في الكتاب و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و ذلك الامر هو ذلك النور الساري و الحركة النافذة فلامحرك الا هو و لا فاعل الا هو تعالي الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا الا ان تلك الحركة للطافتها لاتتبين لكل الا في اجسادها و باجسادها فاذا اعطاك زيد قلت رزقني الله و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 142 *»
اذا اخرجك الملاح من البحر قلت انقذني الله و اذا قتل زيد عمروا قلت الله يتوفي الانفس و ماكان لنفس ان تموت الا باذن الله و اذا داواك الطبيب قلت شفاني الله و انما تقول ذلك اذا كنت موحدا بتوحيد الافعال لاتكون من الثنوية كماقال سبحانه هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه قل كل من عند الله و اما من لميعرف الله سبحانه و رأي الاجساد تتحرك يزعم انها هي الموجدة و الفاعلة فيكفر بالله او يشرك ولكن من الالات صحيحة سوية تجري افعال الله سبحانه منها علي مقتضي مشيته فينسب ذلك الفعل الي الله فتقول ما اصابك من حسنة فمن الله فانها من الالات السوية الجارية علي محبته سبحانه و مشيته و من الالات معوجة سقيمة تجري بمشية الله علي خلاف محبته فما اصابك من سيئة فمن نفسك اعتبر بيدك حين الكتابة ان كانت سوية صحيحة تجري بمشيتك علي حسب محبتك و ان كانت لها رعشة تجري بمشيتك علي غير محبتك قيل لابيعبدالله7 شاء و اراد و قدر و قضي قال نعم قيل و احب قال لا قيل و كيف شاء و اراد و قدر و قضي و لميحب قال هكذا خرج الينا و قال7 في حديث آخر شاء و اراد و لميحب و لميرض شاء ان لايكون شيء الا بعلمه و اراد مثل ذلك و لميحب ان يقال ثالث ثلاثة و لميرض لعباده الكفر انتهي و لسنا بصدد بيان ذلك بالجملة ان من حركة في الارض و السماء الا بمشيته سبحانه و لا موثر الا هو و حسبك ان تصدق الكتاب و تقول قل الله خالق كل شيء و لاتكون كبعض الاقشاب و تخصصه و تشرك بالله سبحانه و ان لمتدرك كيفية خلقه لبعض فان عدم العلم بالكيفية لايمنع عن اعتقاد انه خالق كل شيء و اما سؤالك عن كلية ارتباطات اجزاء العالم فذلك سؤال لايتناهي جوابه علي التفصيل و الاشارة الي ذلك ما تري من اتصال المعلولات بعللها و المسببات باسبابها و المدلولات بدوالها و المفاعيل بفواعلها و الاجساد بارواحها بحيث ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير الا تري العالم انه كبيت منجد فالسماء
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 143 *»
سقفه و الارض مهاده و الكواكب قناديله و الاودية جداوله و البحار حياضه و المعادن خزائه و الانسان صاحبه الذي خوله الله اياه و كل شيء فيه محتاج الي كل شيء لو تدبرت و ان شئت تفصيل ذلك في الجملة فراجع الي توحيد المفضل فان فيه عبرة لمن اعتبر و تذكرة لمن تذكر.
قال سلمه الله السؤال الثالث لو مات احد و اكل جماعة جميع بدن الميت من لحمه و عظمه و غضاريفه و شرائينه و اوردته و رباطاته و غير ذلك و صار المأكول منيا في كل من الاكلين و تولد من مني كل واحد منهم انسان و بلغ كل متولد الي خمسين سنة فمن يعاد يوم القيامة مع ان الميت المأكول صار منيا في الاصلاب و الترائب و صار اناسي كثيرة ثم انه ما المراد من النطف النازلة من شجرة المزن المروية في الاخبار التي اجاب بها الشيخ الموحد اعلي الله مقامه في شرح العرشية عن هذه الشبهة السخيفة مع جريان تلك الشبهة الباطلة في ابدان الحيوانات التي تأكلها السباع مع ان قوله تعالي و اذا الوحوش حشرت و كذا الاخبار تنادي بحشر الحيوانات و النطف النازلة من شجرة المزن فيها عند عبدكم اشكالان احدهما اختصاص ذلك بابدان المؤمنين في الاخبار فمم نزلت نطف ابدان الكفار ان قيل نزولها من سجين فالاخبار خالية عن التصريح بذلك فالقول به قول علي الله بما لايعلم ثانيهما عدم ذكر النطف المزنية في الاخبار في ابدان الحيوانات فكيف حشرها مع اكل بعضها بعضا و صيرورة الشاة منيا في الذئب و تولد ذئب آخر من هذا المني ثم انه ورد عن مولينا الصادق حديث مضمونه ان بدن الميت يبلي كله و يبقي في القبر طينته التي خلق منها مستديرة في القبر فاي شيء تلك الطينة و ما استدارتها و ان زعم صاحب الكلمات المكنونة انها الجسم المثالي لكنه قول علي الله بما لايعلم و تفسير للحديث بغير النص بل بالرأي و الهوي و الاستحسان العقلي و كل ذلك حرام اسألك يا مولاي تفصيل البيان في تلك الامور المذكورة فانها صارت داء معضلا غاية الاعضال.
اقول اعلم ان الله سبحانه كان اذ لا كان و لا من شيء احدث ما كان فاول ما
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 144 *»
احدث من خلقه امره و مشيته التي هي مبدء كل شيء و مرجع كل موجود كما سمعت ان الله سبحانه يقول له الخلق و الامر و يقول و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و انه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فكانت الاشياء من نور مشيته و شعاعه و اثره فترامت تلك الاشياء من نهاية القرب من مشيته الي غاية البعد كما يترامي نور السراج من نهاية القرب منه الي غاية البعد فكلما كان ذلك النور اقرب الي المشية كان الطف و اشرف و ادق و اخفي و كلما كان ابعد كان اكثف و اخس و اظهر كماتشاهد من ان النفوس الغيبية الطف و اغيب من الاجساد و السماوات الطف من النار و النار الطف من الهواء والهواء الطف من الماء و الماء الطف من التراب فكلما كان من الخلق الطف و اغيب كان بيانه و سبيل الاستدلال عليه الطف و اخفي و كلما كان اكثف و اظهر كان بيانه اوضح و ابين فما لطف في نفسه و خفي برهانه لايزيد كثرة البيان فيه الا خفاء فان السر لايفيده الا السر كما روي و ما كثف و ظهر بيانه يزداد بكثرة القول فيه وضوحا و انشراحا و ذلك امر لايخفي علي اولي الالباب فلماكانت مراتب الخلق ثلثا حقايق و معان و صور و الحقايق اخفي و ادق من المعاني و المعاني اغيب من الصور صار سبيل الاستدلال عليها ايضا ثلثة فدليل الحقايق الحكمة و دليل المعاني الموعظة الحسنة و دليل الصور المجادلة بالتي هي احسن فمن رام بيان الحقايق بالموعظة الحسنة و المجادلة لمينلها و من رام بيان المعاني بالمجادلة لمينلها للزوم المناسبة بين الدال و المدلول عليه و بين المقدمات التي هي بمنزلة الوالدين و النتيجة و لولا ذلك لكان كل شيء دليلا علي كل شيء و هو بديهي البطلان فلاجل ذلك امر الله سبحانه نبيه9 ان يدعو الناس الي سبيله الجامع للمراتب بالوجوه الثلثة فقال ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فالحقايق سبيل اولي الافئدة الي ربهم و دليلهم الحكمة و المعاني سبيل اولي العقول الي ربهم و دليلهم الموعظة و الصور سبيل اولي النفوس و دليلهم المجادلة فالمجادلة لاتكشف الا عن الصور النفسانية العلمية و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 145 *»
الموعظة لا تكشف الا عن المعاني العقلية و الحكمة تكشف عن الحقايق و انما جاء الخلط في الناس لانهم راموا كل مدلول من غير دليله فوقعوا دهرهم في الالتباس بل اقول قال اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فمدرك ادراك الحقايق الفؤاد الذي هو الحقيقة فمن لميكن له هذا المدرك لميسعه ادراك الحقايق و لو جاهد جهده و من لميكن له العقل لميسعه ادراك المعاني الكلية العقلية و لو جاهد جهده و انما تدرك الصور الجزئية بالمدارك النفسانية فلابد في كل شيء ان يستعمل الانسان المدرك الخاص به كما انك لو فتحت اذنك دهرك و اصغيت جهدك لمتدرك بها الالوان ما لمتفتح عينك و لو فتحت عينك دهرك و رمقت الي صوت لمتدركه بها ما لمتفتح اذنك و هكذا باقي المدارك فلاكل شيء يدرك بكل مدرك فهذه المسألة التي سألت من الحقايق و مدرك ادراكها الفؤاد و دليلها الحكمة فان كنت يا هذا من اهله فتوجه اليها به و الا فلاتتكلف فان الله لايحب المتكلفين و لاتزداد بكثرة المجادلة فيه الا بعدا
فيا باري السهم بريا لست تحسنه
لاتفسدنه و اعط السهم باريه
ولكن لكل مسألة جواب و اني اذكر لك و اؤدي ما علي والله خليفتي عليك فانصف ربك و اصغ بفؤادك حتي تفهم ما اقول و اعلم ان ما من شيء الا و فيه كتاب او سنة ما فرط الله في الكتاب من شيء و بين فيه كل شيء الا ان بعضها في ضمن الكليات و المطلقات و بعضها في الخواص و المقيدات و بعضها في الظاهر و بعضها في ظاهر الظاهر و بعضها في الباطن و بعضها في باطن الباطن و بعضها في التأويل و بعضها في باطن التأويل الا تري ان من المسلمات ان في القرآن تبيان كل شيء و مع ذلك لا تري في ظاهره كل شيء و هو تفصيل كل شيء و ليس في ظاهره اجمال اكثر الاشياء فمن زعم كون كل شيء في ظاهر عربية القرآن فقد يدحض حجته البداهة و لا اظن احدا يزعم ذلك و كذلك السنة ليس في ظاهرها المنصوص عليه بيان كل شيء و ان كثيرا من الاشياء مبين فيها تحت الكليات و الاطلاقات و بعضها منصوص فيها بنص خاص و الباقي في اشاراتها و ظاهر ظاهرها و باطنها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 146 *»
و باطن باطنها و تأويلها و باطن تأويلها لانها علي طبق القرآن و لاجل ذلك لايسع كل احد استخراج كل شيء من الكتاب و السنة و لذا وقع الفقهاء في الاجتهادات و الآراء في كثير من المسائل و زعموها غير منصوصة فمن رام يطلب كل مطلب من ظواهرهما ليس ينال ابدا و لولا اني كنت اخاف الاطالة لذكرت لك شطرا من استدلالات الائمة: من البواطن و التأويل حتي تشاهد ذلك و لولا راجعت تفاسيرهم للقرآن و بيانهم للحكم الخفية لوجدت تصديق ما اقول و ان القول بان كل شيء منصوص بنص خاص في الكتاب و السنة قول الحشوية الذين يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون و لايبالون التناقض في كلامهم الم تسمع الله يقول و مايعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم و لو كان المراد ظاهره لكان يعلمه كل عربي و كذا روي انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتي يلحن له فيعرف اللحن و روي انا نتكلم بالكلمة و نريد منها سبعين وجها لنا من كلها المخرج فتكليف استخراج كل مسألة من ظواهر الكتاب و السنة تكليف شطط فنحن نجري في الاستدلال علي ما سألت بدليل الحكمة علي مقتضي الكتاب و السنة فهمه من فهمه و جهله من جهله
علي نحت القوافي من مواقعها
و ما علي اذا لميفهم البقر
و ارجو من الله سبحانه ان تفهمه اذا اصغيت الي و تدبرت فيه بفطرتك التي هي صبغة الله و تركت الانس بالقواعد التي انست بها نفسك و لمينزل الله بها من سلطان فان الفطرة لو خليت و طبعها من غير ميل الي غير ما هي عليه و من غير تبديل عرفت الحق كماقال الله سبحانه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الله سبحانه خلق الاشياء في عالم الذر فلميغادر منهم احد او كلفهم بما كلفهم فتميز سعيدهم عن شقيهم و كان كل واحد منهم هو هو لا غيره علي ما خلقهم ثم كسرهم و اماتهم فاقبرهم في ارض عالم الذر فلما بدا لله سبحانه ان يخلق هذا العالم انزل اولئك الاشخاص في الخزائن التي بين ذلك
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 147 *»
العالم و بين هذه الدنيا حتي استجنوا في تراب هذا العالم و ذلك قوله سبحانه و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و قوله ربنا امتنا اثنتين و احييتنا اثنتين و قوله كيف تكفرون بالله و كنتم امواتا يعني في النطفة فاحياكم في الدنيا ثم يميتكم في الدنيا ثم يحييكم في القيمة ثم اليه ترجعون بالوعد و الوعيد و لماخرجوا من هذه الدنيا لحقهم بعض الاعراض الدنياوية التي لمتكن منهم و لا اليهم فاذا ماتوا و اقبروا يأكل التراب تلك الاعراض التي لمتكن منهم و لا اليهم و يبقي اصل حقيقة اجسادهم في قبورهم مستديرا الي ان يخلقوا منه ثانيا و شواهد هذه الجملة في الاخبار مستفيضة فالذي يدل علي عالم الذر من جملة تلك الاخبار ما رواه الكليني باسناده عن زرارة عن ابيجعفر7 قال سألته عن قول الله عزوجل و اذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي الاية قال اخرج من ظهر آدم ذريته الي يوم القيمة فخرجوا كالذر فعرفهم و اراهم نفسه فلولا ذلك لميعرف احد ربه الخبر فتبين في الكتاب و السنة ان الله سبحانه قد خلق الخلق قبل هذا العالم في عالم الذر و هناك قد حصل بينهم التمايز و تفرق السعيد عن الشقي بالميثاق هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن و قال و ما كانوا ليؤمنوا بماكذبوا به من قبل فاذا ثبت لارواحهم الكفر و الايمان خلق الله سبحانه للارواح المؤمنة ابدانا طيبة من عليين و للارواح الكافرة ابدانا من طينة سجين فطينة عليين هي من ارض الجنة و هي عليون و طينة سجين طينة من ارض النيران و يشهد علي ذلك من الاخبار ما رواه الكليني باسناده عن ابيحمزة الثمالي قال سمعت ابا جعفر7 يقول ان الله عزوجل خلقنا من اعلي عليين و خلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه و خلق ابدانهم من دون ذلك و قلوبهم تهوي الينا لانها خلقت مما خلقنا منه ثم تلي هذه الاية كلا ان كتاب الابرار لفي عليين و ما ادراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون و خلق عدونا من سجين و خلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه و ابدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي اليهم لانها خلقت مما خلقوا منه ثم تلي هذه الاية كلا ان كتاب الفجار لفي سجين
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 148 *»
و ما ادريك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين انتهي فتبين من هذا الخبر ان الله سبحانه خلق للمؤمنين ابدانا من عليين و للكافرين ابدانا من سجين و روي ايضا باسناده عن عبدالغفار الجازي عن ابيعبدالله7 قال ان الله عزوجل خلق المؤمن من طينة الجنة و خلق الكافر من طينة النار الخبر فتبين و ظهر ان عليين هو الجنة و فيها كتاب الابرار الذي هو نسخة اعمالهم الحسنة و اوصافهم الطيبة التي يقول سبحانه فيها و ما تجزون الا ما كنتم تعملون و سيجزيهم وصفهم و كذلك سجين هو النار التي فيها كتاب الفجار و نسخة اعمالهم و مجالي صفاتهم كما مر و لولا ان بدن المؤمن من الجنة لماعاد اليها و لولا ان بدن الكافر من النار لماعاد اليها قال الله سبحانه كما بدأكم تعودون افهم الاشارة من ما روي عن الصادق7 اول من سبق الي بلي رسول الله6 و ذلك انه اقرب الخلق الي الله و كان بالمكان الذي قال له جبرئيل7 لما اسري به الي السماء تقدم يا محمد فقد وطئت موطئا لميطأه ملك مقرب و لا نبي مرسل و لولا ان روحه و نفسه كانت من ذلك المكان لماقدر ان يبلغه و كان من الله عزوجل كما قال قاب قوسين او ادني اي بل ادني انتهي روحي له الفداء كم من اشارة طويها في طي العبارة لاهل الدراية فاخبر7 اهله ان كل من كان اسبق في يوم الميثاق كان اعلي رتبة و كان روحه و نفسه اقرب الي الله سبحانه و كل من كان اقرب خلق لروحه بدن اشرف و الطف و بذلك اختلف درجات الخلق في الجنة فكل من كان بدنه من الجنة الدنيا فيأوي اليها و كل من كان بدنه من الجنة العليا يأوي اليها و يعود اليها فلما كان رسول الله9 اسبق الي بلي كان روحه اقرب الخلق الي الله فكان بدنه من اعلي عليين لان المناسبة بين الروح و الجسد لازمة فلا كل روح تسكن كل بدن فلاجل ذلك عاد في العود اليه و لولا ان بدنه كان من ذلك المكان لماعرج بجسده الشريف الي ذلك المكان فتبين ان جسده الشريف من مكان قاب قوسين او ادني و كذلك المؤمنون فيهم سابقون و لاحقون قال الله سبحانه كنتم ازواجا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 149 *»
ثلثة فاصحاب الميمنة ما اصحاب الميمنة و اصحاب المشئمة ما اصحاب المشئمة و السابقون السابقون اولئك المقربون في جنات النعيم فلكل درجات مما عملوا و ما ربك بغافل عما يعملون فتبين و ظهر لمن نظر بعين فؤاده و ابصر ان ابدان المؤمنين من تراب الجنة كل من درجته و ابدان الكفار من تراب جهنم كل من دركه الخاص به و انت تعلم ان هذه الدنيا ليس في محسوساتها جنة و لا نار نعم الجنة في السماء لكن في غيبها لا فيما يحس منها و النار في الارضين لكن في غيبها لا في ما يحس منها بالبداهة و لو كانتا فيما يحس منهما لكنت تريهما باحد مشاعرك الظاهرة فتبين ان طينة بدن المؤمن التي هي من الجنة من غيب هذه السماوات و طينة بدن الكافر التي هي من النار من غيب هذه الارضين لايكابر ذلك الا من كابر عقله و عاند نفسه و الدليل علي ان الجنة في السماء و النار في الارض ما رواه المجلسي رحمه الله في البحار باسناده عن ابن عباس قال قدم يهوديان فسألا اميرالمؤمنين7 فقالا اين تكون الجنة و اين تكون النار قال اما الجنة ففي السماء و اما النار ففي الارض قالا فما السبعة قال سبعة ابواب النار متطابقات قالا فما الثمانية قال ثمانية ابواب الجنة الخبر و عن تفسير علي بن ابرهيم المسلم قال الدليل علي ان جنان الخلد في السماء قوله لاتفتح لهم ابواب السماء و لايدخلون الجنة الاية فاذا كان الجنان في السماء فكان بدن المؤمن سماويا و اذا كانت النار في الارضين كان بدن الكافر ارضيا لكن غيب الارض فانك تدري ان الجنة و النار ليستا بظاهرتين للاحساس الدنياوي مع انهما موجودتان اليوم و في الاخرة تظهران و يقول الله سبحانه يوم تبدل الارض غير الارض و السماوات و يقول يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب فهذه الارض التي تبدل و السماء التي تطوي ليس فيهما شيء و انما الجنة و النار في غيبهما و هما اخرويتان لطيفتان لاتدركان بالحس فبدن الانسان ايضا الاصلي من غيب هذه الدنيا فبدن المؤمن الاصلي من غيب السماء و اخرويتها و بدن الكافر الاصل من غيب الارض و اخرويتها لميبق محل تأمل للمنصف ان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 150 *»
بدن الانسان الاصلي اخروي و لذا يعود الي الاخرة و بدن المؤمن من الجنة و غيب السماوات و بدن الكافر من النار و غيب الارضين فاذا ثبت ذلك فنقول ان هذه الابدان الدنياوية المحسوسة عليها اعراض عنصرية دنياوية بها احست و ادركت و بها زادت و نقصت و مرضت و صحت و شابت و شاخت و حسنت و قبحت و انما ذلك كله اعراض عرضت تلك الابدان الاصلية ليست من الانسان و لا الي الانسان الا تري ان زيدا يسمن فيكون ثلثين منا و هو زيد ثم يهزل فيكون عشرة امنان و هو زيد و لمينقص من زيديته شيء و لو كان العشرون منا الذي نقص من اجزاء زيد لكان الباقي بعض زيد فلايجري عليه حدود زيد التامة و كذلك الانسان يمرض بامراض كريهة مهوعة فلو كانت هذه الكثافات و المناظر القبيحة جزو زيد و زيد يدخل الجنة لكان الجنة اكثف موضع اذ كان فيها احد ذا جراحات منتنة و اقياح سائلة و احد مستسقيا قد تورم اعضاؤه علي هيئة كريهة و منهم قد اسهل و منهم قد تقيأ و منهم يأن و منهم يصيح من الوجع و منهم به جراحات معدية كالجذام و النار الفارسي و المرض المسمي بالكوفت و هكذا فاي موضع كان نعوذ بالله اكثف من الجنة و اغلب المؤمنين مبتلون بامراض و اعراض في الدنيا اكثر من الكفار فكانت الجنة اذا دار المرضي و ان قلت يغيرون الابدان الي حال الصحة و السلامة و الصفا فليست هي بهذي لان مقتضي البدن الغالب عليها السوداء المحترقة مثلا ان يكون مجذوما لامحة فان كان يحشر مع سودائه المحترقة فيلزمه الجذام و ان كانوا يغيرونه فهو المطلوب ثم باي حالة من حالات هذه الدنيا يحشرون فان كان بالحالة التي يموت عليها فكلهم يموتون عن امراض منتنة ركيكة مهوعة علي ما قلنا و ان كانوا يحشرون علي بعض الحالات فما المخصص هذا و قد تبين بالكتاب و السنة ان بدن المؤمن من طينة عليين الجنة غيب السماء و لا مانع من القبول عقلا و نقلا و ذلك البدن هو جسد زيد الاصلي و هو جسد حقيقة و هو جسده هو خالصا صافيا عن شوائب الاعراض فالاعراض العنصرية التي قد لحقته في هذه الدنيا ليست من الجنة البتة فان الجنة في غيب السماء و لميقم اجماع من المسلمين ان الانسان يدخل الجنة مع ما في بطنه من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 151 *»
الغائط و ما في بدنه من الجذام و البرص و النتن و الاعراض و الامراض و لميدل عليه خبر بل الاخبار تدل علي التطهير و التصفية حتي يخف بلطافة الافلاك و يقدر علي الطيران و السير الي اين شاء بسرعة الافلاك بل غيب الافلاك و لا اظن ان بقي لك تأمل في ما ذكرت فاذا كان لبدن زيد مثلا اصل و هو اخروي و من طين الجنة و اعراض عنصرية دنياويه فاذا فرضنا ان اكله جماعة و استقر في اجوافهم و في معدتهم فتدبر ان هاضمة المعدة التي هي من النار العنصرية هل تستولي علي البدن الاصلي الذي هو من غيب السماوات و الطف و اعلي من محدب الاطلس و هل يتجاوز عمل الهاضمة العناصر المجانسة لها ام لا و ما اظنك تشك في ان هاضمة المعدة لاتجعل تراب الجنة كيلوسا و كيموسا و انها لاتستولي عليها و لاتصل اليها و لاتمسها نعم تستولي الهاضمة علي اعراض بدن زيد المأكول العنصرية فكانت اعراض زيد مادامت جثة زيد حية فاذا مات تصير اعراض جسد الاكلين فلمتكن زيدا حين كانت مع زيد و لمتكن اكلا حين تكون مع الاكلين و تصير منيا في اصلابهم و ترائبهم لكن عرضا علي النطفة الاصلية التي تلقي في تلك الاعراض من شجرة المزن و هي شجرة في الجنة كمارواه الكليني باسناده عن ابياسمعيل الصيقل الرازي عن ابيعبدالله7 قال ان في الجنة لشجرة تسمي المزن فاذا اراد الله ان يخلق مؤمنا اقطر منها قطرة فلاتصيب بقلة و لا ثمرة اكل منها مؤمن او كافر الا اخرج الله عزوجل من صلبه مؤمنا انتهي او من شجرة الزقوم التي في النار فتصعد منها علي نحو البخار نطف الكفار فيختلط به نبات الارض فما اكله احد الا و تولد منه كافر و ذلك الماء الذي يقطر من شجرة المزن هو الماء العذب الذي خلق منه المؤمن و الذي يصعد من شجرة الزقوم هو الماء المالح الاجاج الذي خلق منه الكافر و الي هذين المائين يشير الامام7 علي ما رواه الكليني باسناده عن زرارة ان رجلا سأل اباجعفر7 عن قوله جل و عز و اذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 152 *»
الي آخر الاية فقال و ابوه يسمع8 حدثني ابي ان الله عزوجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم7 فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها اربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحا فلما اختمرت الطينة اخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه و شماله و امرهم جميعا ان يقعوا في النار فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم بردا و سلاما و ابي اصحاب الشمال ان يدخلوها انتهي فتبين ان الله سبحانه صب المائين علي التراب فمن خرج الي اليمين فهم الذين كان فيهم الماء العذب و من خرج الي الشمال فهم الذين كان فيهم الماء المالح و التراب واحد في الفريقين فاصل المؤمن من الماء العذب و قد امطر من شجرة المزن التي في الجنة و اصل الكافر من الماء المالح الذي هو من سجين لان الماء المالح لايكون في الجنة فهو من جهنم فلايصل الي تراب التربة الا علي نحو التبخير لانه في اسفل سافلين و قلنا انه من شجرة الزقوم بحكم المقابلة لما روي عن الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية و قد قال الله سبحانه مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة و ان سجين مخلوق من ظل عليين فان من شيء في عليين الا و ظله منكوسا في سجين فان كنت من اهل الحكمة و ابناء العلم تعرف لحننا و الا فلا و نحن بحول الله و قوته لانقول الا ما قال آل محمد: لكن لانلتزم ان يكون كل شيء منصوصا عليه بالنص الخاص و لايكون الا علي ما قدمنا و منها ما سمعت و لايصدق ذلك الا ابناء الحكمة و العلم فانه الحن لهم و يعرفون اللحن و في الكافي بسنده عن زرارة عن ابيجعفر7 انه قال ان الله جل و عز قبل ان يخلق الخلق قال كن ماء عذبا اخلق منك جنتي و اهل طاعتي و كن ملحا اجاجا اخلق منك ناري و اهل معصيتي الخبر فهل تشك بعده ان الماء
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 153 *»
العذب مادة الجنة و مادة اهل الطاعة و مادة اهل الطاعة نطفهم لان لفظة «من» لبيان المادة كما تقول صنعت الخاتم من فضة و ان الماء المالح الاجاج مادة النار و اهل المعصية فمادة اهل الطاعة من عليين و مادة اهل المعصية من سجين و هي نطفتهما فمادة المؤمن تنزل من شجرة المزن و هي شجرة علي هيئة غمامة بيضاء و لذا سميت بالمزن لها شعب و اغصان و اوراق بعدد المؤمنين يقطر من كل ورقة قطرة لاجل نطفة مؤمن و مادة الكافر تصعد من سجين فان سجين اسفل من هذه الدنيا فلابد و ان يصعد حتي تصل الي هذه الدنيا و صعود الماء تبخيرها و كانت من شجرة الزقوم بحكم المطابقة بين الربوبية و العبودية و الظل و الاصل فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم فاذا اكل اعراض بدن زيد جماعة و في تلك الاعراض اما قطرات المزن او الزقوم فتستحيل تلك الاعراض في اصلاب الاكلين نطفة عرضية و يظهر فيها سر تلك القطرة التي منها مادة الانسان فتتحول النطفة العرضية في اصلابهم و ارحمهن حالا بعد حال و يشتد ظهور تلك القطرة فيها حتي يؤل الي ما يؤل فاندفع بذلك المحذورات و ارتفع به الاشكالات من غير تكلف فانها من ينبوع النبوة و الولاية و شواهد الكتاب و السنة و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و لميلزم من ذلك قول علي الله و لا افتراء عليه بعد ان ورد عن آل محمد: اشارة الي كل جانب من المطلب لاهله و اما حقيقة شجرة المزن فهي شجرة نابتة علي شاطيء بحر الصاد الذي تحت العرش و قد توضأ النبي9 عنه ليلة المعراج و هي شجرة لها اوراق بعدد نفوس المؤمنين طلعها كأنه رؤس الملائكة المقربين و هي نابتة في الجنة في وسطها في جنة عدن و كل ورقة منها مطلة علي دار مؤمن و تلك شجرة القدس النابتة في ارض الانس و هي اول شجرة غرسها الرحمن بيده و هي الباكورة المشار اليها ان روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدايقنا الباكورة و منها اخذ الرحمن القلم في قوله نون و القلم و النون هو ذلك الصاد فافهم ان كنت تفهم و لايسعني شرحه ازيد من ذلك و يسعني كتمانه فتقطر القطرات من بحر صاد علي تلك الشجرة و عن العلل عن الكاظم7 في حديث انه سئل و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 154 *»
ما صاد الذي امر ان يغتسل منه النبي9 لما اسري به فقال عين تنفجر من ركن من اركان العرش يقال لها ماء الحيوة و هو ما قال الله عزوجل ص و القرآن ذي الذكر فيقطر منها علي ورقة آس التي كتب عليها عهود الناس ثم يترشح منها علي الشجر الاخضر المذكور في القرآن الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا ثم يقطر منها علي نبات الزنجبيل النابتة علي الكثيب الاحمر ثم يقطر منه علي شجرة الكافور ثم يقطر منها علي شجره زيتون النابتة علي سواء جبل قاف لا شرقية و لا غربية ثم يقطر منها علي العرش ثم ينزل منه علي الكرسي و منه علي الافلاك و منها علي السحاب و منه الي المطر و منه الي الارض فيختلط مع نبات الارض فكل من اكله و صار كيلوسا و كيموسا في بدنه يظهر حكم تلك القطرة فيه كما يظهر حكم بول ابليس تحت الكرم بعد ما غلي و اشتد و كذلك البخار الذي يصعد من البحر الاجاج الذي في الثري الي شجرة زقوم الي الثري الي الهواء الي الظلمة الي النور الي السموم الي الريح الي النار الكبري الي البرودة العظمي الي اليم الاكبر الي الحوت الي الثور الي الصخرة الي الملك كما هو مفصل في دعاء الاسماء الحسني المروية في بلد الامين ثم الي ارض الشقاوة الي ارض الالحاد الي ارض الغضب الي ارض الشهوة الي ارض الطبايع الي ارض العادات الي ارض الموت و هي ارض الدنيا كنتم امواتا فاحياكم فاختلط بنبات الارض مما يأكل الناس فلميأكل منه احد من نبي او وصي او مؤمن الا و خلق منها الكافر و يظهر حكمه في المني العرضي كما مثلنا لك من ظهور بول ابليس في العصير بعد الغليان و الاشتداد و ليس تفاصيل هذه الامور و ذكر اسانيدها موضع سؤالك و قد بينا موضع سؤالك بدليل الحكمة و اما حقيقة ذلك الماء و البخار فهي حقيقة نطفة المؤمن و نطفة الكافر التي تصور و تترقي فتصير علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسي لحما ثم ينشأ خلقا آخر فينفخ فيه الروح و يصير حيا باذن الله فهو نطفة في ضمن النطفة و علقة في ضمن العلقة و مضغة في ضمن المضغة و عظام في ضمن العظام و لحم في ضمن اللحم ثم يحيي اذا حيي هذا العارض و يعيش ما يعيش و يقبر اذا اقبر و يحشر و يثاب و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 155 *»
يعاقب و هو زيد الاصلي و عمرو الاصلي و ما لحقه من طبايع هذه الدنيا اعراضه التي ليست منه و لا اليه كما شاهدت انها تزيد و تنقص و زيد زيد و البدن الاصلي لايتحلل بتوارد الحر و البرد من هذه الدنيا و انما يتحلل العرضي و اما الحيوانات فليس نطفهم نازلة من شجرة المزن التي تنزل منها نطف بني آدم و لايستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون ولكن نطف الحيوانات تنزل من السماوات من بحر الحيوان الذي علي باب الجنة كثير الحيات و الحيتان و هو ظهور بحر صاد بحر الحيوان كما مر فتنزل علي شجرة المزن التي هي نابتة علي شفيره و هي شجرة تأوي اليها التنين و منها ينزل الي المطر و الي الارض فيختلط مع نبات الارض فلايأكله حيوان الا و يصير ذلك النبات في بطنه كيلوسا و كيموسا فيظهر فيه حكم تلك القطرة كما مر فاذا اكل هذا الحيوان حيوانات اخر يستقر في اجوافها و لايستولي هاضمتها علي جسده الاصلي فانه بلطافة فلك الحيوة و فوق الطبايع و بدنه الاصلي محفوظ في كرشهم الي ان يقذفه لايتغير ولايتبدل و يبقي مستديرا اين ما قذف الي ان يحييها الله سبحانه يوم القيمة كما يأتي في حديث هشام في تراب الروحانيين و الحيوانات ايضا روحانيات فيشتركون في الحكم فافهم و قد عرفنا كون مادة ابدانها الاصلية من بحر الحيوان من حديث اميرالمؤمنين7 لكميل و الاعرابي و غيرهما من جهات الحكمة المستنبطة من الكتاب و السنة و انها تستدعي بسطا في المقال و لاتقتضيه الحال فدع يأكل شاة الف ذئب تقذفها من غير زيادة و لا نقيصة لان الابدان الاخروية التي ينبغي ان تطيق نار جهنم و تدوم فيها لايستولي عليها هاضمة الطبايع و لاتصل اليها و لاتؤثر فيها ابدا و يختلط مع اعراضها نطف ساير الذئاب و يتولد في بطن كل واحدة ذئب آخر فلا اشكال و الحمد لله في شيء من ذلك.
و اما معني بقاء الطينة مستديرة في القبر الي ان يحشر الانسان فاعلم ان تلك الطينة هي تلك القبضة التي اخذت من الجنة او النار كما مر و هي التي تلحقهما اذا حشرت فاذا مات الانسان و اقبر تتفسخ بدنه الظاهر فيلحق النار ما لحقه من الاعراض النارية و يلحق الهواء ما لحقه من الاعراض الهوائية و يلحق الماء ما
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 156 *»
لحقه من الاعراض المائية و يلحق التراب ما لحقه من الاعراض الترابية و يلحق شعلات الافلاك ما لحقه منها فيبقي اصل ذلك التراب في قبره كسحالة الذهب في دكان الصائغ الي ان يبدو لله سبحانه حشر الخلايق فيمطر مطر اربعين صباحا و يغسل ذلك التراب الاصلي من كل دنس و يركبه تركيب خلود و اتحاد و ممازجة تامة لايقبل الفساد لعدم تخلل غريبة فيه ابدا التي كانت سبب فساده و موته اول مرة و يشهد بذلك ما روي هشام بن الحكم انه قال الزنديق للصادق7 اني للروح بالبعث و البدن قد بلي و الاعضاء قد تفرقت فعضو في بلدة تأكله سباعها و عضو باخري تمزقه هوامها و عضو قد صار ترابا بني به مع الطين حايط قال ان الذي انشأه من غير شيء و صوره علي غير مثال كان سبق اليه قادر ان يعيده كما بدأه قال اوضح لي ذلك قال ان الروح مقيمة في مكانها روح المحسنين في ضياء و فسحة و روح المسيء في ضيق و ظلمة و البدن يصير ترابا كما منه خلق و ما تقذف به السباع و الهوام من اجوافها فما اكلته و مزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لايعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الارض و يعلم عدد الاشياء و وزنها و ان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فاذا كان حين البعث مطر الارض مطر النشور فتربوا الارض ثم تمخض مخض السقا فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء و الزبد من اللبن اذا مخض فيجتمع تراب كل قالب الي قالبه فينتقل باذن الله القادر الي حيث الروح فتعود الصور باذن المصور كيهئتها و تلج الروح فيها فاذا قد استوي لاينكر من نفسه شيئا و عن جميل بن دراج عن ابيعبدالله7 قال اذا اراد الله ان يبعث امطر السماء علي الارض اربعين صباحا فاجتمعت الاوصال و نبتت اللحوم الخبر تدبر وفقك الله في مرضاته الي مطابقة مذهبنا لمذهب آل محمد: فان تراب الروحانيين يعني بهم الذين لهم نفوس قدسية اخروية و هم البشر المشار اليهم في الخبر فترابهم يبقي في التراب ثم يغسل عن الاعراض التي لحقته و ينتقل ذلك القالب الي حيث الروح باذن الله يعني ان كان الروح مؤمنة فينتقل القالب الي عليين لان ترابه كان منه اول
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 157 *»
مرة و ان كان الروح كافرا فينتقل قالبها الي سجين لان ترابه كان منه كما بدأكم تعودون ثم يلج فيه الروح الطاهرة عن شوائب الاعراض فيتعانقان تعانق الخلود و الاتحاد لاتفكك لهما ابدا و لاتنكر الروح من قالبها شيئا اذ ليس فيه عرض و لا مرض و اما ما يدل علي ان في كل شيء اعراضا و لابد و ان تعود الي اصلها فما روي عن ابيعبدالله7 في قوله علي النار يفتنون قال يكسرون في الكرة كما يكسر الذهب حتي يرجع كل شيء الي حقيقته و عن ابياسحق الليثي عن الباقر7 في حديث طويل انه قال يا ابرهيم ان الشمس اذا طلعت و بدا شعاعها في البلدان كلها اهو بائن عن القرصة ام هو متصل بها شعاعها يبلغ في الدنيا في المشرق و المغرب حتي اذا غابت يعود الشعاع و يرجع اليها اليس ذلك كذلك قلت بلي يابن رسول الله قال فكذلك كل شيء يرجع الي اصله و جوهره و عنصره الخبر و في العلل باسناده عن السكوني عن ابيعبدالله7 في حديث الانسان خلق من شأن الدنيا و شأن الاخرة فاذا جمع الله بينهما صارت حيوته في الارض لانه نزل من شأن السماء الي الدنيا فاذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ترد شأن الاخري الي السماء فالحياة في الارض و الموت في السماء و ذلك انه يفرق بين الارواح و الجسد فردت الروح و النور الي القدرة الاولي و ترك الجسد لانه من شأن الدنيا و انما فسد الجسد في الدنيا لان الريح تنشف الماء فييبس فيبقي الطين فيصير رفاتا و يبلي و يرجع كل الي جوهره الاول و تحركت الروح بالنفس حركتها من الريح فماكان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل و ما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكري فهذه صورة نار و هذه صورة نور الخبر و اما استدارة الطينة فليس في الخبر انها مستديرة في الشكل و التقييد خلاف الاصل و الظاهر ايضا فان البدن يتفكك و يتفتت و التشبيه في الخبر بالذهب في التراب يدل علي ذلك فليس المراد استدارة الهيئة كقرصة او كرة بل المراد استدارة الحركة و الاستمداد يعني انها مستديرة من كل جهة علي قطب امدادها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 158 *»
و هو الروح يعني انها دائرة مدار الروح يستمد منها الي يوم ينفخ في الصور و ذلك لما حققناه في محله من ان الجسد مستدير علي الروح استدارة الاستمداد و الروح مستديرة علي الجسد استدارة الامداد يعني متحرك و اشتقاقها من الدوران لا الدور كما تزعمون فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم ان شاء الله.
قال ايده الله السؤال الرابع ان ولد الزنا ان آمن بجميع ما جاء به محمد9 و مات مع هذا الايمان فان دخل النار سواء عذب فيها ام لميعذب فهو خلاف العدل و آيات القرآن اذ لميفعل بنفسه شيئا و بعض الاخبار ينادي بدخوله النار لانه نجس و انه مبغض علي7 ولد الزنا و ان دخل الجنة فلمنر خبرا يدل علي ذلك و ان قيل يدخل في حظاير الجنة مع المؤمنين من الجن لا الجنان السبع المعروفة فلمار خبرا يدل علي ذلك فان كان عند مولاي سلمه الله علي هذا المعني خبر فيذكره ان شاء الله و ان قيل ان ولد الزنا يمتنع منه حصول الايمان فلذلك يدخل النار كما زعمه بعض الناس فله ان يقول يوم القيمة يا رب سلمت ان الايمان كان ممتنع الحصول مني في الدنيا لكن اني لماخلق وجودي بل كنت لا شيئا محضا و عدما باتا و انا كنت مجبورا علي الكفر من غير تلقاء نفسي فلم خلقتني و الامر كذلك و انت حكم عدل و لاجل اي ذنب تدخلني النار و هذه المسألة داء معضل حتي انه توقف المجلسي ره في بحاره.
اقول اعلم انه لايبقي اشكال لمن عرف لحن المقال من اخبار الآل عليهم صلوات الله المتعال في هذه المسألة و ذلك انه قد ورد التصريح عن الحجج: بان ولد الزنا رجس و لايدخل الجنة الا طاهر طيب لانها دار القدس و منزل الانس و مجاورة الابرار و مقارنة الاخيار و يدل علي ذلك اخبار فالعاملي في الفصول المهمة باسناده عن سعد بن عمر الجلاب قال قال ابوعبدالله7 ان الله خلق الجنة طاهرة مطهرة فلايدخلها الا من طابت ولادته و قال7 طوبي لمن كانت امه عفيفة و باسناده عن سدير عن ابيجعفر7 من طهرت ولادته دخل الجنة و باسناده عن عبدالله بن سنان عن ابيعبدالله7
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 159 *»
قال خلق الله الجنة طاهرة مطهرة لايدخلها الا من طابت ولادته انتهي و ذلك مما لاشك فيه و لاريب يعتريه و السر فيه انا قد بينا في مقامه ان الصور جواذب الارواح و كل روح تناسب جسدها و كل جسد يناسب روحه و لذلك تري جسد كل ذي روح انه قد هيأ فيه من الالات و الادوات علي حسب قوي روحه من الغضب و الافتراس و الهرب و النقب و العدو و غير ذلك فالصورة الطاهرة تجذب روحا طاهرة و الخبيثة تجذب روحا خبيثة و الصور الشرعية تجذب ارواحا تشريعية و الصور الكونية تجذب ارواحا كونية و الفرق بين هاتين الصورتين ان الصورة الشرعية اذا حصلت علي حسب امر الله سبحانه و محبته كانت صورة طيبة طاهرة متوجهة الي الله سبحانه لوجود الامتثال و قصد القربة فيه فيفيض عليها روحا علينية البتة و اذا حصلت عن ارتكاب المأثم فتكون منكوسة متوجهة الي النفس و سجين فتفاض عليها روح سجينية و اذا كانت قد تصورت لا عن طاعة و لا عن معصية بل من عمل من غير قصد الطاعة و المعصية يفاض عليها روح كونية ليست من روح جنة و لا نار فانهما تحدثان من الاعمال الشرعية لا الكونية فالاكوان التشريعية ان كانت سعيدة كانت في غاية القرب الممكن فيها الي المبدء كما انها اذا كانت شقية كانت في غاية البعد الممكن فيها عن المبدء و اما الاكوان الوجودية فانها لاتقتضي قربا الي مبدئها و لا بعدا عنه و انها حيث وضعت و لاتستحق بكونها في وضعها مدحا و لا ذما و انهما من جهة الامتثال و المخالفة فاذا عرفت هذه المقدمة السديدة المطابقة للكتاب و السنة و الافاق و الانفس و دليل العقل و الاجماع فاعلم ان الزاني حين زناه عاص مدبر عن مبدئه مسلوب عنه العقل الذي هو روح الايمان و به يعبد الرحمن و يكتسب به الجنان و الغالب المستولي عليه المهيج له النفس الامارة بالسوء و كذلك الزانية فاذا زنيا اندفقت النطفة منهما علي مقتضي النفس الامارة بالسوء فتكون صورة خروجها و صورة قرارها و امتزاجها علي خلاف الشرع المحبوب لله سبحانه فتكون صورة مبغوضة منكوسة تستدعي روحا كثيفة كدرة من الله فتفاض عليها روح ظلمانية كدرة كثيفة رجسة نجسة كونية لا شرعية قبل التكليف قل ما يعبؤ بكم ربي لولا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 160 *»
دعاؤكم كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و اتيكم من كل ما سألتموه فافهم فالنطفة المصورة علي الهيئة المبغوضة تسأل روحا كدرة كثيفة و تؤتي بها فتفاض عليها اولا نفس نباتية كدرة لعدم نورانيتها في الصورة تجذب روحا نورانية ثم نفس حيوانية مظلمة ثم نفس انسانية مظلمة كدرة فبذلك تكون ظلمانية و ان لمتبلغ حد الكفر قبل الاختبار الشرعي و انت تعلم ان الارواح خلقت قبل الاجساد باربعة الاف عام في عالم الاظلة و هنالك قد كلفوا و تميز المحسن عن المسيء باختيارهم من دون اضطرار و ما ربك بظلام للعبيد فهنالك ثبتت الحجة و نسوا الموقف و سيذكرونه يوما ما و الارواح بسعادتها و شقاوتها الاختيارية السابقة كانت معدة عند الله سبحانه الي ان خلق الاجسام فايما صورة تصورت في عالم الاجسام يفاض عليها روح تناسبها ان خيرا فخير و ان شرا فشر لما عرفت من الايات و الذكر الحكيم فاذا اتفق من ولد الزنا استعمال الاعمال الصالحة و التصور بالصور الشرعية المحبوبة لمتبلغ به درجة المؤمنين لكثافة القابلية و قذارتها فلاجل ذلك ورد ان الجنة لايدخلها الا من طابت ولادته و له اعمال صالحة سيجزي بوصفه فيدخل جنان الحظاير التي هي من شعاع جنان الاصل كماكانت اعماله من شعاع اعمال المؤمنين و ذلك ان اعمال المؤمنين مطابقة لصورة ذواتهم المحبوبة و اكوانهم النورية فاعمالهم صفات ذاتية لهم متأصلة و عمل ولد الزنا الصالح صفة عرضية له صورية و الصورة الصالحة ظل الاكوان النورية و شعاعها فاعماله الصالحة من فاضل اعمال المؤمنين فلاتصل بهم الي درجة المنير فلاجل ذلك كانوا في الحظاير التي هي شعاع جنان المؤمنين و هذا ما رواه العاملي في الفصول عن الكليني بسنده الي ابن ابييعفور قال قال ابوعبدالله7 ان ولد الزنا ان يستعمل خيرا اجزي به و ان عمل شرا اجزي به انتهي و هذا هو حكم العدل و الانصاف لا ظلم اليوم ان الله سريع الحساب من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره و لفظة «من» من ادوات العموم و لا مخصص لها فاذا علمنا بالاحاديث المستفيضة المطابقة للكتاب و السنة و دليل العقل ما لايمكن ردها و وجب قبولها و الديانة بها ان ولد الزنا رجس لايدخل الجنة الطيبة الطاهرة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 161 *»
و علمنا بالخبر المذكور الموافق للكتاب و السنة و دليل العقل و عدل الله سبحانه و بعث الرسل و انذارهم و تبشيرهم و دعوتهم اولاد الزنا الي الايمان انه لابد و ان يجزي بما يعمل و علمنا انه مع ذلك قد وعد الجنة و اوعد النار و علمنا لا اختلاف في كلماتهم لانها من عند الله و علمنا انه لاتنافي بين القولين لامكان دخولهم جنة اخري غير جنان المؤمنين كالجان اذا قيل انهم لايدخلون الجنة و قيل انهم يجزون باعمالهم الحسنة بالجنة لايكون اختلاف بين القولين لامكان دخولهم الحظاير و هو وجه الجمع هذا مع ما روي الشيخ الجليل الاوحد مرسلا حيث قال و في الحديث ان جنان الحظاير يسكنها ثلث طوايف من الخلق مؤمنوا الجن و اولاد الزنا من المؤمنين و اولاد اولادهم الي سبعة ابطن و المجانين الذين لميجر عليهم التكليف الظاهر و لميكن لهم من قراباتهم شفعاء ليلحقوا بهم انتهي و هذا نص صريح في دخول اولاد الزنا جنان الحظاير و مراسيل الشيخ اعلي الله مقامه تفوق مراسيل جميع العلماء و الروات رضوان الله عليهم و قد اجمعوا علي صحة مراسيل ابن ابيعمير و اضرابه فانصف و تدبر فلما علمنا انه لا دار وراء دنيانا هذه الا جنة او نار علمنا انهم يدخلون جنان الحظاير مع الجن و ان قلت ان كانت اعمالهم عرضية فلم لايكونون كالكفار الذين يصدر منهم بعض الصالحات فلايدخلون الحظاير و انما يخفف عنهم في العذاب قلت ان الكفار كانوا كفارا بالشرع لا بالكون اذ ليس في الكون كفر و ان الله سبحانه لماخلق الارواح في عالم الذر و كلفهم قبل من قبل و انكر من انكر فمنهم من آمن و منهم من كفر فالمؤمن صار صورته التشريعية نورا و ايمانا و الكافر صار صورته التشريعية ظلمة و كفرا فما صدر من كل واحد خلاف ذاتيته يكون بالعرض فيدخل المؤمن العاصي ضحضاح جهنم حتي يطهر و يخرج و يدخل درجة ذاته من الجنة لان المؤمن في الترقي دائما و اما الكفار المطيعون في بعض الاعمال فيخفف عنهم العذاب اياما بحيث لايشعرون بان يعذبوا اولا باقل مما يستحقون ثم يزادون شيئا بعد شيء و انهم لايدخلون حظاير الجنان فان جهة عليين جهة ثبات و استقرار و دوام و تأصل و لايمكن خروج من دخله بخلاف النار فانه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 162 *»
يمكن الخروج باشتمال الفضل و لذلك يجوز البداء في هولاء دون هؤلاء و لذلك استحسن تكليف من لميقبل في البرزخ في هذه الدنيا لامكان البداء و لذلك تقرؤ في ليلة القدر و ان كنت من الاشقياء فامحني من الاشقياء و اكتبني من السعداء فانك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك ام الكتاب الدعاء و في العلل باسناده عن عمرو بن ابيالمقدام عن جابر عن ابيجعفر قال قال اميرالمؤمنين7 ان الله تبارك و تعالي احب ان يخلق خلقا بيده و ذكر حديثا طويلا الي ان ذكر طينة اصحاب اليمين و اصحاب الشمال فقال و شرط في ذلك البداء و لميشترط في اصحاب اليمين البداء الخبر فروح ولد الزنا في عالم الذر ايضا اما كافرة بحت فحكمه حكم الكفار و اما لمتكفر و قبلت الايمان ولكن مع كثافة ذواتهم ما تحطهم عن درجة المؤمنين الطاهرين الطيبين فلما نزلوا الي الدنيا و كلفوا آمن منهم من آمن و كفر منهم من كفر فان آمن لميلحق بالمؤمنين لعدم نورانية ذاته و ان كفر خلد في النار الاصلية لظلمته الذاتية و كفره الشرعي كساير الكفار هل تري فيما ذكرت لك اشكالا و هل يبقي له حجة علي الله سبحانه كما ذكرت فالعاملي باسناده عن محمد بن سليمن الديلمي عن ابيه رفع الحديث ان الصادق7 قال يقول ولد الزنا يا رب ما ذنبي فما كان لي من امري صنع قال فيناديه مناد فيقول انت شر الثلثة اذنب والداك فتبت عليهما و انت رجس و لنيدخل الجنة الا طاهر و اما ما روي انه لايحب اميرالمؤمنين7 الا مؤمن و لايبغضه الا منافق او ولد زنية او من حملته امه و هي طامث فلايدل ان كل من هو ولد زنا يجب ان يكون مبغضا لعلي7 غاية الامر ان من ابغضه اما منافق او ولد زنية او حمل طامث غاية الامر انه يقل صلاح ولد الزنا غاية القلة لكثافة ذاته و مطابقة الروح مع الصورة و فرض صلاحه من باب جواز البداء في اهل سجين و لذا روي عن زرارة قال سمعت اباجعفر7 يقول لا خير في ولد الزنا و لا في بشره و لا في شعره و لا في لحمه و لا في دمه و لا في شيء منه و عن ابيخديجة عن ابيعبدالله7 لو كان احد من ولد الزني نجي نجي سايح بني اسرائيل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 163 *»
الخبر و لايلزم ذلك الجاء و ظلما كماعرفت و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ لمن انصف ربه.
قال سلمه الله السؤال الخامس ما الدليل العقلي الواضح المستنير علي ان في بدن الانسان شيء يبقي في البرزخ الي يوم القيمة منعما او معذبا مع ان الانسان في الظاهر مثل الحيوانات التي ليس لها الا الروح الحيوانية التي ليس لها برزخ و ان كانت الايات و الاخبار صريحة في ان الروح المكلفة غير الروح البخارية ثم انه كيف حال الروح في البدن المملو من القاذورات و الخبائث مع شرافة جوهر الروح و كيف يجوز في حكمة الحكيم العدل الجمع بينهما ثم ان حصول الروح في البدن في اي موضع من البدن هل يختص بموضع منه او سارية في الخبائث ثم انه ما المراد من ان الروح الحيوانية و النباتية من الفلك هل انفصلتا منه او حصلتا بحركاته و كيف يكون الروح عائدة الي ما بدأت منه عود مجاورة او ممازجة فما المراد من العود المجاور و العود الممازج مع ان بعض التناسخية قائلون باتصال الروح الكاملة بالافلاك فهذه الامور المذكورة مما حير عقلي القاصر.
اقول الدليل علي ذلك من العقل و ان عجز عنه اكثر الحكماء و العلماء حتي انهم قالوا لا سبيل للعقل الي اثبات ذلك و زعموا ان طريق اثباته صرف الشرع و ادلة السمع و انما عجزوا عن اثبات ذلك لان حكمتهم كانت مأخوذة عن غير المعصومين: و لو انهم اخذوا الحكمة عنهم لعرفوا ادلة ما اخبروا عنه و امروا به و نهوا عنه فان كلام كل احد يجري علي حسب علمه و عقله فكلمات الائمة سلام الله عليهم لايعرف عللها الا ان يدخل الانسان من حيث دخلوا و يشاهد ما شاهدوا و نحن نذكر بحول الله و قوته لك الدليل الوجداني من طريق الحكمة لا الموعظة و لا المجادلة فانهما لايؤديان ذلك كماقدمنا لك في صدر الرسالة فاقول اعلم ان الله سبحانه خلق المشية بنفسها و هي قدرته الفعلية التي بها غلب كل شيء و هي نوره الذي اضاء له كل شيء و حركته التي بها حرك كل شيء و علمه المكتوب الذي احاط بكل شيء و حيوته الوصفية التي بها احيي كل شيء
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 164 *»
و نفح منها في كل شيء و امره الذي قام به كل شيء و ازليته الثانية الكائنة قبل كل شيء و الباقية بعد كل شيء اذ بها كل شيء و ذاته الظاهرة التي بها تذوت كل شيء و اختياره الذي به يختار ما يشاء لكل شيء فخلق من شعاعه و نوره كل شيء و شعاعه و نوره اثره و اثر كل ذي اثر يطابق صفة مؤثره الا انه في غاية القرب من المؤثر اقوي في المطابقة و كلما يبعد عنه يضعف و لايفني مطابقته النوعية و لو فنيت لانقطع و لميكن اثر بعد كما تشاهد في نور السراج حرفا بحرف فاذن جميع آثار المشية من الدرة الي الذرة التي هي الثري كلها ذوات ثابتة قادرة متحركة عالمة حية ثابتة مختارة و الا لمتكن اثرا لامر الله سبحانه الا انه في هذه الصفات اشد و اقوي ما كان اقرب و يضعف شيئا بعد شيء كلما يبعد الي ان يبلغ موضعا يكون فيه هذه الصفات في غاية الضعف فما يجري علي اولها يجري علي آخرها و ان كان علي نحو اضعف و كذا العكس فالدليل المثبت شيئا لاولها هو مثبته لآخرها حرفا بحرف الا ان المثبت بالفتح في الاعلي اشرف و الطف و في الادني اخس و اكثف و هذا الكلام الموجز باب يفتح منه الف الف باب و هو مرآة الحكماء و نورهم المقتبس من مصباح النبوة و مشكوة الولاية و نقطة العلم التي كثرها الجهال من عرفها لميشق و من جهلها لميعرف شيئا حق معرفته قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية قال الله سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لميكف بربك انه علي كل شيء شهيد يعني انه موجود في غيبتك و حضرتك الخبر و قال الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا الخبر و قال الله سبحانه افرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون فاذا عرفت ذلك فاعلم ان كل شيء دخل حضرة الوجود ليس يفني و هو باق ببقاء المنير لانه شعاع المنير الازلي فاني للاشياء الفناء و الزوال و الانعدام و هي نور المنير القيوم الذي لايزول و لايحول فهي باقية ثابتة محفوظة بحفظ
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 165 *»
منيرها كل في مقامه و حده نعم كل ما كان منها اقرب من المنير كان اوحد و ابسط و اقل تنقلا في الصفات و الحالات و كل ما كان ابعد من المنير كان اكثر تكثرا و تركيبا و تنقلا في الصفات و الحالات فاذا قسنا في الاباعد حالا منها الي حال وجد فيها تنقل الاحوال و اذا لاحظنا الاقارب لمنجد فيها حالا بعد حال و تنقلا في الاحوال فما لميكن فيه تنقل الحالات كان ثابتا علي حال من المبدء الي المآل و ما كان فيه تنقل الحالات كان اشد تغيرا في الصفات لا الذات فبذلك اختلف مدد الموجودات من المبادي الي الغايات فصار اعاليها جبروتية و اوساطها دهرية و ادانيها زمانية و كل واحدة من هذه المدد نسبة حال الي حال لا الذات فذواتها سرمدية ثابتة بلازوال فالحالات في كل واحدة من المراتب صفات راجعة الي الذوات و امواج تركد و تستقر و البحر بحر علي ما كان في القدم اي بحر الذوات لا الذات الاحدية القديمة تعالي شأنها عما يقول الملحدون علوا كبيرا فاذا ركدت بقيت امثلتها محفوظة في محالها لاتتجاوز حدودها و الذوات كانت تتقلب فيها و تنتقل عنها عن حال الي حال باقدام الامتثالات الكونية و الشرعية الي ما لا غاية له و لا نهاية لدوام صوت اقبل في الوجودين الكوني و الشرعي فاذا تجاوزت عن حالاتها الزمانية التي هي نسبة حادث الي حادث وصلت الي الحالات الدهرية التي هي نسبة حادث الي ثابت فاذا جاوزتها وصلت الي الحالة السرمدية التي هي نسبة ثابت الي ثابت فدخلت دار الخلود و البقاء اما الي عليين و الجنان او سجين و نيران و المراد بهذه الاوعية نسبة حال الي حال و حال الي الذات و الذات في نفسها فهل تري اشكالا في بقاء شيء بعد الموت في البرزخ الي يوم القيمة منعما او معذبا خذها بيانا شافيا كافيا كليا يهدي الي الحق و الي صراط مستقيم و اما بيان بقية السؤال جملة فاعلم ان هذه العناصر الزمانية التي هي كما عرفت حالات و صفات للذوات الغيبية اذا اجتمعت و تركبت و تلطفت طاوعت الشعلات الفلكية الملقاة عليها المستجنة فيها الصائرة فيها بالقوة الظاهرة منها بالفعل بعد تلطفها و عدم حجبها اياها فطاوعتها في الحركة الي مبدئها من جميع جهاتها فنمت و ربت من جميع الجهات باختلاف طبايعها فكانت نباتا ناميا و نفسه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 166 *»
تلك الاثار الفلكية فاذا تفككت و فسدت الطبايع عادت الي ما منه بدئت فلحق كل طبع الي عنصره و حيزه و امتزجت نفسه بتلك الشعلات من غير تميز كامتزاج الماء بالماء و هذا هو عود الممازجة و انما صار عودها عود ممازجة لانه تركيب مباين الي مباين و عرض الي عرض و هذه النفس النباتية في الانسان مقرها و منبعثها الكبد فاذا انتقل الغذاء الكيموسي الصالح الي القلب و هو العلقة الصفرا التي في التجويف الايمن من القلب و بخرت و تلطفت حتي صارت مشاكلة للاجرام الفلكية ظهر في ذلك البخار الدخاني المكلس ما استجن فيه من النفوس الفلكية الحيوانية هي فوق الافلاك و اشتعلت فيها اشتعال النار في الدخان المكلس و مدد ذلك البخار من تلك العلقة الصفراء التي هي بمنزلة الدهن في السراج الممد للدخان فاذا اشتعلت فيه صار حساسا متحركا بالارادة فاذا تفككت تلك العلقة و انقطع المدد انتشر البخار و تفرق اجزاؤها الهبائية في الريح و امتزجت باصولها و عادت الي مباديها عود ممازجة لانه تركيب مباين الي مباين و تتصل نفسها بنفوس الافلاك و تمتزج بها اذا تفككت لان امتيازها كان بسبب الطبايع المثالية من حيث الاسفل لا من غيبها اذ كان مبدؤها و منتهيها المثال فكان امتيازها امتياز عرضي تبعي يزول بزوال التركيب المثالي عند نفخ الصور وتقوم قيامتها بموتها في هذه الدنيا الا انها اكثر بقاء و اعلي مبدأ من النبات فيكون عودها الي اعلي من معاد النبات بدرجة فهي من عالم المثال و اليه و اما النفس الناطقة القدسية فهي تتعلق بالنفس الحيوانية و هي مركبها و ليس لها انبعاث من عالم الاجسام و ليس لها مقر في البدن و لا في عالم المثال و ليس لها منبعث و انما مقرها و منبعثها العلوم الحقيقية الملكوتية و تركيبها من المتماثلات المشاكلات و تركيب ذاتي فهي خالدة ثابتة و عودها عود مجاورة لا ممازجة و هي نفس عالمة حليمة ذاكرة متفكرة و نبيهة لها نزاهة و حكمة و هذه القوي منها تظهر في افلاك عالم المثال فالحكمة في عرشه و النزاهة في كرسيه و الحلم في فلك زحله و العلم في فلك مشتريه و النباهة في مريخه و مادتها في شمسه و الذكر في زهرته و الفكر في عطارده و حياتها في قمره و هذه القوي فيها في
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 167 *»
كلها اذ هي بنفسها دراكة كما تري في النفس الحيوانية انها بكلها سميعة بصيرة شامة ذائقة لامسة ذات غضب و رضا و تظهر قويها مفصلة في الاذن و العين و الانف و اللسان و الاعضاء و غضبها و رضاها في القلب و يظهر غضبه في المرارة و رضاه في الرية فالنفس الناطقة القدسية قوة لاهوتية اشبه الاشياء بالنفوس الملكية في تجردها عن المواد و المدد مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة و مركبها النفس الحيوانية و مظهر النفس الحيوانية الروح الجسمانية البخارية الصاعدة في القلب المشتعلة بها و هي اي النفس الحيوانية بذاتها في غيب الافلاك كالشمس في السماء و انما ظهورها و شعاعها في الروح البخارية و نسبة النفس القدسية و الحيوانية بهذه المنزلة فالنفس القدسية في العلوم و المعارف كالشمس و شعاعها في النفس الحيوانية كشعاع الشمس في المرآة و الروح البخارية تصعد الي الدماغ و تتلطف فتصير ما كان فيها بالقوة بالفعل فيظهر منها آثار الفكر و الذكر و العلم و الحلم و النباهة و النزاهة و الحكمة ثم و هذه الروح البخارية متصلة بالمخ و هو متصل باعصاب الحس و الحركة فتحس الروح في الاعصاب و تتحرك بما فيها من الارتباط و الاتصال بها فاني للروح الانساني بل الحيواني الممازجة بالقاذورات و كيف لايكون في الانسان غير النفس الحيوانية و تشاهد ما منه من العلم و الحلم و الفكر و الذكر و النباهة ما لايوجد في الحيوانات ابدا و اعتدال الصورة الظاهرة و الباطنة و الصنايع اللطيفة الدقيقة و شؤن التدابير و فنون التقادير و لايخفي ذلك علي ذي حجي فافهم فقد جمعت لك كل شيء تريد في بيان مسألتك هذه و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
قال السؤال السادس يا سيدي ما المراد من الاخبار الواردة في ان المؤمن خلق من ماء عذب و الكافر من ماء مالح و ذلك يقتضي اضطرار المؤمن في ايمانه و اضطرار الكافر في الكفر و هذا خلاف العقل و القرآن و الاخبار و خلاف الحكمة في الخلق و التكليف و هذا داء معضل فالتمس من مولاي سلمه الله بسط
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 168 *»
القول في هذه المسألة المعضلة.
اقول هذه المسألة ايضا مشكلة عند من لميأخذ العلم من معدنه و لايعرف لحن قائله و اما عند اهله فلا اشكال اعلم ان الطينة في اصطلاح آل محمد: الموافق للواقع هي الصورة في الابدان الاصلية و هي مركبة من الماء و التراب و ان الارواح خلقت قبل الابدان بالفي عام و قد ثبتت السعادة و الشقاوة في الارواح قبل الابدان و ان الله سبحانه اجري ماء عذبا فراتا علي تراب السماوات فجعله طينا طيبا و صنع منه بدن المؤمن و اسكنه روحه المؤمنة و اجري ماء ملحا اجاجا علي تراب الارضين فجعله طينا خبيثا و صنع منه بدن الكافر و اسكنه روحه الكافرة كما قدمنا سابقا و ثبت السعادة و الشقاوة اولا للارواح بالتكليف فكل من قبل التكليف سعد و كل من لميقبل شقي ثم بعد ذلك خلقت الابدان علي ما سمعت و جدد التكليف فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل فهل تري في ذلك اضطرارا و الجاء ثم نزلوا بعد كسر ابدانهم في عالم الذر الي هذه الدنيا و جدد عليهم التكليف فآمن من آمن و قبل و كفر من كفر و تجديد التكليف للاستقرار في دار الامضاء حتي يظهر و لايكون بداء فهل تري في ذلك اشكالا او داء عضالا فالدليل علي ان المراد بالطينة الابدان و ان الارواح خلقت قبلها بالفي عام ما رواه في البصاير في اخبار مستفيضة منها باسناده الي عمارة قال كنت جالسا عند اميرالمؤمنين7 اذ اقبل رجل فسلم عليه ثم قال يا اميرالمؤمنين والله اني لاحبك الي ان قال7 ان الارواح خلقت قبل الابدان بالفي عام ثم اسكنت الهواء فما تعارف منها ثم ايتلف هيهنا و ما تناكر منها ثم اختلف هيهنا و ان روحي انكر روحك الي غير ذلك من الاخبار فتبين ان الارواح خلقت قبل الابدان و اما انها غير الابدان فلما روي الشيخ عبدالله في العوالم باسناده عن ابي يحيي الواسطي عن بعض اصحابنا قال قال ابوعبدالله7 خلقنا من عليين و خلق ارواحنا من فوق ذلك و خلق ارواح شيعتنا من عليين و خلق اجسادهم من دون ذلك فمن اجل تلك القرابة بيننا و بينهم قلوبهم تحن الينا و باسناده عن محمد بن مضارب
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 169 *»
عن ابيعبدالله7 قال ان الله جعلنا من عليين و جعل ارواح شيعتنا مما جعلنا منه و من ثم تحن ارواحهم الينا و خلق ابدانهم من دون ذلك و خلق عدونا من سجين و خلق ارواح شيعتهم مما خلقهم منه و خلق ابدانهم من دون ذلك و من ثم تهوي ارواحهم اليهم و باسناده عن محمد بن مروان عن ابيعبدالله7 قال سمعته يقول خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقا و بشرا نورانيين لميجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا و خلق ارواح شيعتنا من ابداننا و ابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من ذلك الطينة و لميجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا الا الانبياء و المرسلين فلذلك نحن و هم الناس و ساير الناس همجا في النار و الي النار انتهي فتبين و ظهر ان الارواح غير الابدان و خلقت قبلها بالفي عام و ان الطينة في مقام الصورة في الابدان و اما ان الطينة مركبة من الماء و التراب فلاجل ما روي الكليني باسناده عن زرارة ان رجلا سأل اباجعفر7 عن قوله جل و عز و اذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي الي آخر الاية فقال و ابوه يسمع8 حدثني ابي ان الله عزوجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم7 فصب عليها الماء العذب الفرات ثم ترکها اربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحا فلما اختمرت الطينة اخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه و شماله و امرهم جميعا ان يقعوا في النار فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم بردا و سلاما و ابي اصحاب الشمال ان يدخلوها انتهي فظهر من هذا الخبر الشريف ان الطين مركب من الماء و التراب و اما ان التراب كان من السماوات و الارضين فلما رواه الكليني باسناده عن ابرهيم عن ابيعبدالله7 قال ان الله جل و عز لما اراد ان يخلق آدم7 بعث جبرئيل في اول ساعة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 170 *»
من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة الي السماء الدنيا و اخذ من كل سماء تربة و قبض قبضة اخري من الارض السابعة العليا الي الارض السابعة القصوي فامر الله عزوجل كلمته فامسك القبضة الاولي بيمينه و القبضة الاخري بشماله ففلق الطين فلقتين فذرا من الارض ذروا و من السماوات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل و الانبياء و الاوصياء و الصديقون و المؤمنون و السعداء و من اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال و قال للذي بشماله منك الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيت و من اريد هوانه و شقوته فوجب لهم ما قال كما قال ثم ان الطينتين خلطتا جميعا و ذلك قول الله عزوجل ان الله فالق الحب و النوي فالحب طينة المؤمن التي القي الله عليها محبته و النوي طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير الخبر فتبين اسناد جميع ما قدمنا لك و بقي ان نشرح ذلك شرحا ينكشف لك حقيقة الحال في الجملة اعلم ان الله سبحانه كان قبل الكان احدا في البيان ليس بمحتاج فيما هو عليه الي شيء غيره لا بوجود و لا عدم ليس له حال و حال و لا تغير و لا زوال لاينتظر ان يحدث له حالة بعد حالة و لا صفة بعد صفة اذ لا حالة هناك غير ذاته الاحدية و لا صفة لايتناهي الي وقت و لا مكان و لا جهة و لا رتبة و لا كم و لا كيف و لا ذات و لا صفة فكان له جميع الكمالات الغير المتناهية في رتبها حاصلة بالفعل اي بفعله و مشيته و ارادته لاينتظر لنفسه حدوث جلال و لا ظهور جمال و اول تلك الكمالات و اشرفها و اسنيها مشيته فخلقها بنفسها ثم خلق ماسويها بها و لماكانت مشيته اقرب خلقه اليه كانت ابسط ما يمكن في الامكان و اوحدها اذ لايجري عليها ما اجريه بها و لايعود اليها ما ابداه بها فلاتتناهي الي حد و لا محدود و لا ذات و لا صفة اذ النهايات مخلوقة بها وهي دونها و كان اول ما صدر عنها حقيقة الاكوان و ذاتها الجنسية و خلق بها صورتها الجنسية و حصل منهما الجنس الغير المتمايزة الاجزاء بالتمايزات النوعية الشخصية فلمتكن فيه سعادة و لا شقاوة و كفر و ايمان و خبث و طيب و نور و ظلمة و شيء من الاضداد و لما كانت هذه الذات ايضا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 171 *»
كاملة غير متناهية الي شيء من الصفات النوعية و الشخصية فكانت لها جميع الصفات حاصلة بالفعل فاول صفاتها الصفة النوعية او الجنسية الثانية فكان لهذه الصفة تمايز نوعي او جنسي ثانوي فكان لها في الجملة اعلي و اسفل فكان اعليها الطف و اشرف و اوحد و انور بالنسبة الي اسفلها و اسفلها اكثف و اخس و اشد تكثرا و اظلم بالنسبة الي اعليها و صار سبب اختلاف مراتبها اختلاف اجزائها في السبق الي الاجابة الكونية اذ قال الله سبحانه الست بربكم كونا فكل من اجاب اسبق من غيره تقدم عليه وجودا فهيهنا جاء الاختلاف و حصل اول و اوسط و آخر بخلاف الجنس الاول و هو قوله سبحانه كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و ما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدي الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه الاية ففي العالم الاول كانوا امة واحدة و في العالم الثاني اختلفوا بسبب بعث الرسل فحدث في النصف الاعلي نور و في النصف الاسفل ظلمة ولكن نور منبسط نوعي كلي و ظلمة منبسطة كلية بلاتعين شخصي و هيهنا تعين السعادة النوعية و الشقاوة النوعية باجابتهما فكان لهما كمالات و اشعة و اظلال في الرتبة الثانية فبعث الله النبيين ثانيا و دعوهم الي سبل ربهم فتشخص في هذه الرتبة افراد ذلك النور و اشخاصه و افراد تلك الظلمة و اشخاصها فخرجوا كالذر يدبون فمنهم شقي و سعيد و نوراني و ظلماني و مؤمن و كافر فالمؤمنون متفاوتون علي حسب تسابقهم في اجابتهم و الكافرون متفاوتون علي حسب تسابقهم في انكارهم فالنوريون كانوا امة واحدة في النور النوعي فاختلفوا في الصور الشخصية و الظلمانيون كانوا امة واحدة في الظلمة النوعية فاختلفوا في الصور الشخصية فهل تري هيهنا الجاء و اضطرارا بعد ما آمن من آمن باختياره و كفر من كفر باختياره في العالم الاول و تدرجوا باختيارهم في الثاني و ان قلت من اين لهم الاختيار قلت راجع ما ذكر لك من نقطة العلم ففي هذا التشخص تحقق السعادة و الشقاوة للمؤمنين و الكافرين في عالم الارواح
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 172 *»
قال ابوعبدالله7 في حديث مر فماكان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل و ما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكري الخبر فكان المؤمنون ممدودون بالعقل و الكافرون ممدودون بالجهل فهذا هو الذر الاول باعتبار و الثاني باعتبار و الثالث باعتبار فاذا ثبت الحجة في هذا الذر و تميز الكافر عن المؤمن خلق الله سبحانه بحرا عذبا فراتا فاجريه علي تربة السماوات اربعين صباحا حتي جمد في الجملة و عركه بيمينه فخرجوا كالذر يدبون فجعل كل واحد بدنا لروح من تلك الارواح الطيبة النورية و اسكنه فيه و خلق ماء ملحا اجاجا فاجريه علي تربة الارضين اربعين صباحا حتي جمد في الجملة و عركه بشماله فخرجوا كالذر يدبون فجعل كل واحدة من تلك الارواح الخبيثة في بدن يناسبها من تلك الابدان فقاموا بين يدي الجبار و هذا هو عالم الظلال المروي في العلل باسناده الي عبدالله بن محمد الجعفي و عقبة جميعا عن ابيجعفر7 قال ان الله عزوجل خلق الخلق فخلق من احب مما احب و كان ما احب ان خلقه من طينة الجنة و خلق من ابغض مما ابغض و كان ما ابغض ان خلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال فقلت و اي شيء الظلال فقال الم تر الي ظلك في الشمس شيء و ليس بشيء ثم بعث منهم النبيين فدعوهم الي الاقرار بالله و هو قوله عزوجل و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ثم دعوهم الي الاقرار بالنبيين فانكر بعض و اقر بعض ثم دعوهم الي ولايتنا فاقر بها والله من احب و انكرها من ابغض و هو قوله عزوجل ماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ثم قال ابوجعفر7 كان التكذيب ثم انتهي و المراد بالماء المالح و الماء العذب في الاخبار مادة البدن و وجوده و المراد من التراب صورته و انيته فان الماء هو جهة المبدء و الطف و اشرف و منه كل شيء حي و لفظة من لبيان المادة و التراب نفس الماء لادلة يطول بيانها و قد اشرنا الي جميع ما تريد من هذه المسألة.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 173 *»
قال سلمه الله السؤال السابع ما معني الاخبار المصرحة بان حسنات الكافر ترجع في القيمة الي المؤمن و ترجع سيئات المؤمن الي الكافر و هذا مشكل لوجهين الاول كونه خلاف العدل المصرح به في آي من القرآن و الاخبار و دليل العقل الثاني استلزام ذلك عند تعذيب المؤمن الكامل في العصيان مع ان الاخبار بخلاف ذلك حتي ان المؤمن السارق يقطع يده في الدنيا و هكذا حال الحدود الشرعية فضلا عن الاخرة؟
اقول اعلم ان الله سبحانه كما عرفت سابقا خلق الارواح حيث خلقها و كلفها بما كلفها فقبل منهم من قبل و انكر منهم من انكر باختيارهم الذي جعله الله لهم و كل روح في عالمها هي هي لا غيرها ثم خلق لهم ابدانا علي حسب ارواحهم فالابدان الطيبة للارواح الطيبة و الابدان الخبيثة للارواح الخبيثة كما قال سبحانه الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات اولئك مبرؤن مما يقولون و كل بدن من تلك الابدان هو هو لا يشوبه غيره مثلا زيد بتمام روحه و جسده زيد من حيث محدوده و من حيث حده وذاته و صفته فلايشوبه شيء من غيره بوجه من الوجوه فكان لكل واحد خواص و آثار و افعال و صفات مناسبة له كما تري ان نور الشمس مناسب لها في الاستدارة و الصفرة و اللمعان و الحرارة و اليبوسة و غير ذلك و فخت القمر مناسب له في الاستدارة و البيان و البريق و البرودة و الرطوبة فصفات القمر ترجع الي القمر و صفات الشمس ترجع الي الشمس و كذلك اذا اشعلت شعلة صفراء في بيت انتشر نورها اصفر في البيت حتي ملأ البيت و ان اشعلت شعلة خضراء انتشر نورها اخضر في البيت حتي ملأه و ان اشعلت شعلة حمراء فكذلك و كذلك غيرها و اذا اذهبت كل شعلة و اخرجتها من البيت شايعها نورها الخاص بها حيث ذهبت فكذلك لكل من زيد و عمرو و بكر اعمال مناسبة لذواتها هي تابعة لها راجعة اليها تتحرك و تسكن و تذهب و تجيء معها فالذين خلقوا من طينة الجنان لهم اعمال طيبة طاهرة محبوبة لايصدر عنهم بالذات غير ذلك كما لايصدر عن النار غير الاحراق و عن الماء غير التبريد و الذين خلقوا من طينة النيران لهم اعمال خبيثة نجسة مبغوضة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 174 *»
لله سبحانه لايصدر عنهم بالذات غير ذلك كما لايصدر عن التراب غير التبريد و التجفيف ثم كسرهم الله في ذلك العالم و نقلهم عن دار الفعلية الحاضرة الي دار القوة فانزل المؤمنين الي هذه الدنيا عن عليين و اصعد الكافرين عن سجين الي هذه الدار دار البلي و الاختبار فاختلطت طين الابدان في حال الكسر و في دار القوة حتي التطخ طين المؤمن بطين الكافر و طين الكافر بطين المؤمن و خرجوا في هذه الدنيا دار الامتحان و التمحيص فصار يظهر من المؤمن بالذات معاص لكن بالعرض و الدليل عليه عدم محبته لها و استيحاشه منها و ندامته عليها و تأثره منها و هذه علامة المعصية العرضية و الا فلا و صار يظهر من الكافر اعمال حسنة طيبة لا بالذات ولكن بالعرض و الدليل عليه عدم حبه لها و سروره بها و بغض لمعاصيه و ندامة عليها فما صدر من المؤمن من طاعة هي منه و اليه راجعه الي ذاته و ما صدر منه من معصية هي عما التطخ به من طين الكافر فاذا زال عنه ذلك الطين شايعته تلك المعاصي الي حيث ذهب و كذلك ما صدر من الكافر من طاعة فهي من طين المؤمن فاذا عاد كل شيء الي جوهره شايعته الطاعات و ما صدر عنه من معصية فهي منه واليه لانه من طين ذاته و يدل علي ذلك حديث شريف طويل احب ان اذكره بطوله لكثرة محصوله ففي العلل باسناده عن اسحق القمي قال دخلت علي ابيجعفر الباقر7 فقلت له جعلت فداك اخبرني عن المؤمن يزني قال لا قلت فيلوط قال لا قلت فيشرب المسكر قال لا قلت فيذنب قال نعم قلت جعلت فداك لايزني و لايلوط و لايرتكب السيئات فاي شيء ذنبه فقال يا اسحق قال الله تبارك و تعالي الذين يجتنبون كباير الاثم و الفواحش الا اللمم و قد يلم المؤمن بالشيء الذي ليس فيه مراد قلت جعلت فداك اخبرني عن الناصب لكم يطهر بشيء ابدا قال لا قلت جعلت فداك قد اري المؤمن الموحد الذي يقول بقولي و يدين الله بولايتكم و ليس بيني و بينه خلاف يشرب المسكر و يزني و يلوط و آتيه في حاجة واحدة معبس الوجه كالح اللون ثقيلا في حاجتي بطيئا فيها و قد اري الناصب المخالف لما آتي اليه و يعرفني بذلك فآتيه في حاجة فاصيبه طلق الوجه حسن البشر متسرعا في حاجتي فرحا بها يحب قضائها كثير الصلوة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 175 *»
كثير الصوم كثير الصدقة يؤدي الزكوة و يستودع فيؤدي الامانة قال يا اسحاق ليس تدرون من اين اوتيتم قلت لا والله جعلت فداك الا تخبرني فقال يا اسحق ان الله عزوجل لماكان متفردا بالوحدانية ابتدأ الاشياء لا من شيء فاجري الماء العذب علي ارض طيبة طاهرة سبعة ايام مع لياليها ثم نضب الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين و هي طينتنا اهل البيت ثم قبض قبضة من اسفل تلك الطينة و هي طينة شيعتنا ثم اصطفينا لنفسه فلو ان طينة شيعتنا ترك كما تركت طينتنا لمازني احد منهم و لا سرق و لا لاط و لا شرب المسكر و لا اكتسب شيئا مما ذكرت ولكن الله عزوجل اجري الماء المالح علي ارض ملعونة سبعة ايام و لياليها ثم نضب الماء عنها ثم قبض قبضة و هي طينة ملعونة من حمأ مسنون و هي طينة خبال وهي طينة اعدائنا فلو ان الله عزوجل ترك طينتهم كما اخذها لمتروهم في خلق الادميين و لميقروا بالشهادتين و لميصوموا و لميصلوا و لميزكوا و لميحجوا البيت و لمتروا احدا منهم بحسن خلق ولكن الله تبارك و تعالي جمع الطينتين طينتكم و طينتهم فخلطهما فعركهما عرك الاديم و مزجهما بالماءين فمارأيت من اخيك المؤمن من شر لفظ او زنا او شيء مما ذكرت من شرب مسكر او غيره فليس من جوهريته و لا من ايمانه انما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت و ما رأيت من الناصب من حسن وجه و حسن خلق او صوم او صلوة او حج بيت او صدقة او معروف فليس من جوهريته انما تلك الافاعيل من مسحة الايمان اكتسبها و هو اكتساب مسحة الايمان قلت جعلت فداك فاذا كان يوم القيمة فمه قال لي يا اسحق ايجمع الله الخير و الشر في موضع واحد اذا كان يوم القيمة نزع الله عزوجل مسحة الايمان منهم فردها الي شيعتنا و نزع مسحة الناصب بجميع ما اكتسبوا من السيئات فردها علي اعدائنا و عاد كل شيء الي عنصره الاول الذي منه ابتدأ مارأيت الشمس اذا هي بدت الا تري لها شعاعا زاجرا متصلا بها او باينا منها قلت جعلت فداك الشمس اذا هي غربت بدا اليها الشعاع كما بدأ منها و لو كان باينا منها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 176 *»
لما بدا اليها قال نعم يا اسحق كل شيء يعود الي جوهره الذي منه بدأ قلت جعلت فداك تؤخذ حسناتهم فترد الينا و تؤخذ سيئاتنا فترد اليهم قال اي والله الذي لا اله الا هو قلت جعلت فداك اخذتها من كتاب الله عزوجل قال نعم يا اسحق اما تتلو هذه الاية اولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما فلميبدل الله سيئاتهم حسنات لكم والله يبدل لكم و رويت رواية اخري تشمل علي مطالب جليلة و ان كانت تشارك الرواية السابقة في بعض المطالب و هي ما رواه في العلل ايضا في آخره باسناده عن ابياسحق الليثي و نذكرها ايضا بطولها لكثرة محصولها قال قلت لابيجعفر محمد بن علي الباقر8 يابن رسول الله اخبرني عن المؤمن المستبصر اذا بلغ في المعرفة و كمل هل يزني قال اللهم لا قلت فيلوط قال اللهم لا قلت يسرق قال لا قلت فيشرب الخمر قال لا قلت فيأتي بكبيرة من هذه الكباير او فاحشة من هذه الفواحش قال لا قلت فيذنب ذنبا قال نعم هو مؤمن مذنب ملم قلت ما معني ملم قال الملم بالذنب لايلزمه و لايصر عليه قال فقلت سبحان الله ما اعجب هذا لايزني و لايلوط و لايسرق و لايشرب الخمر و لايأتي كبيرة من الكباير و لا فاحشة فقال لاعجب من امر الله ان الله عزوجل يفعل ما يشاء و لايسأل عما يفعل و هم يسألون فمم عجبت يا ابرهيم سل و لاتستنكف و لاتستحسر فان هذا العلم لايتعلمه مستكبر و لا مستحيي قلت يابن رسول الله اني اجد من شيعتكم من يشرب و يقطع الطريق و يخيف السبيل و يزني و يلوط و يأكل الربوا و يرتكب الفواحش و يتهاون بالصلوة و الصيام و الزكوة و يقطع الرحم و يأتي الكباير فكيف هذا و لم ذاك فقال يا ابرهيم و هل يختلج في صدرك شيء غير هذا قلت نعم يابن رسول الله اخري اعظم من ذاك فقال و ما هو يا ابا اسحق قال فقلت يابن رسول الله و اجد من اعدائكم و ناصبيكم من يكثر من الصلوة و الصيام و يخرج الزكوة و يتابع بين الحج و العمرة و يحرص علي الجهاد و يأثر علي البر و علي صلة الارحام و يقضي حقوق اخوانه و يواسيهم من ماله و يتجنب شرب الخمر و الزنا و اللواط و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 177 *»
ساير فمم ذلك و لم ذلك فسره لي يابن رسول الله و برهنه و بينه فقد والله كثر فكري و اسهر ليلي و ضاق ذرعي قال فتبسم الباقر صلوات الله عليه ثم قال يا ابراهيم خذ اليك بيانا شافيا فيما سألت و علما مكنونا من خزائن علم الله و سره اخبرني يا ابرهيم كيف تجد اعتقادهما قلت يابن رسول الله اجد محبيكم و شيعتكم علي ما هم فيه قد اوصفته من افعالهم لو اعطي احدهم مما بين المشرق و المغرب ذهبا و فضة ان يزول عن ولايتكم و محبتكم الي موالاة غيركم و الي محبتهم مازال و لو ضربت خواشيمه بالسيوف فيكم و لو قتل فيكم ما ارتدع و لا رجع عن محبتكم و ولايتكم و اري الناصب علي ما هو عليه مما وصفته من افعالهم لو اعطي احدهم ما بين المشرق والمغرب ذهبا و فضة ان يزول عن محبة الطواغيت و لا موالاتهم الي موالاتكم ما فعل و لا زال و لو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم و لو قتل فيهم ما ارتدع و لا رجع و اذا سمع احدهم منقبة لكم و فضلا اشمأز من ذلك و تغير لونه و رأي كراهة ذلك في وجهه و بغضا لكم و محبة لهم قال فتبسم الباقر7 ثم قال يا ابرهيم من هاهنا هلك العاملة الناصبة تصلي نارا حامية تسقي من عين آنية و من اجل ذلك قال الله عزوجل و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ويحك يا ابرهيم اتدري ما السبب و القصة في ذلك و ما الذي قد خفي علي الناس منه قلت يابن رسول الله فبين لنا شرحه و برهنه قال يا ابرهيم ان الله تبارك و تعالي لميزل عالما قديما خلق الاشياء لا من شيء و من زعم ان الله عزوجل خلق الاشياء من شيء فقد كفر لانه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الاشياء قديما معه في ازليته و هويته كان ذلك الشيء ازليا بل خلق عزوجل الاشياء كلها لا من شيء مما خلق الله عزوجل ارضا طيبة ثم فجر منها ماء عذبا زلالا فعرض عليها ولايتنا اهل البيت فقبلتها فاجري ذلك الماء عليها سبعة ايام ثم طبقها و عمها ثم نضب ذلك الماء عنها فاخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الائمة: ثم اخذ ثفل ذلك الطين فخلق منه شيعتنا و لو ترك طينتكم يا ابرهيم علي حاله كما ترك طينتنا لكنتم و نحن شيئا واحدا قلت يابن
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 178 *»
رسول الله فما فعل بطينتنا قال اخبرك يا ابرهيم خلق الله عزوجل بعد ذلك ارضا سبخة خبيثة منتنة ثم فجر منها ماء اجاجا آسنا مالحا فعرض عليها ولايتنا اهل البيت فلمتقبلها فاجري ذلك الماء عليها سبعة ايام حتي طبقها و عمها ثم نضب ذلك الماء عنها ثم اخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة و ائمتهم ثم مزجه بثفل طينكم و لو ترك طينهم علي حاله و لميمزج بطينكم لميشهدوا الشهادتين و لا صلوا و لا صاموا و لا زكوا و لا حجوا و لا ادوا امانة و لاتشبهوكم في الصور و ليس شيء علي المؤمن من ان يري صورة عدوه مثل صورته قلت يابن رسول الله ما صنع بالطينتين قال مزج بينهما بالماء الاول و الماء الثاني ثم عركها عرك الاديم ثم اخذ من ذلك قبضة فقال هذه الي الجنة و لا ابالي و اخذ قبضة اخري و قال هذه الي النار و لا ابالي ثم خلط بينهما فوقع من سنخ المؤمن و طينته علي سنخ الكافر و طينته و وقع من سنخ الكافر و طينته علي سنخ المؤمن و طينته فما رأيته من شيعتنا من زناء و لواط و ترك صلوة او صيام و حج و جهاد او خيانة او كبيرة من هذه الكباير فهو من طينة الناصب و عنصره الذي قد مزج فيه لانه من سنخ الناصب و عنصره و طينه اكتساب المآثم و الفواحش و الكباير و ما رأيت من الناصب و مواظبة علي الصلوة و الصيام و الزكوة و الحج و الجهاد و ابواب البر فهو من طينة المؤمن و سنخه الذي قد مزج فيه لان سنخ المؤمن و عنصره و طينه اكتساب الحسنات و استعمال الخير و اجتناب المآثم فاذا عرضت هذه الاعمال كلها علي الله عزوجل قال انا عدل لا اجور و منصف لا اظلم و حكم لا احيف و لا اميل و لا اشططه الحقوا الاعمال السيئة التي اجترحها المؤمن سنخ الناصب و طينته و الحقوا الاعمال الحسنة التي اكتسبها بسنخ المؤمن و طينه كلها الي اصلها فاني انا الله لا اله الا انا عالم السر و اخفي و انا المطلع علي قلوب عبادي لا احيف و لااظلم و لا الزم احدا الا ما عرفته منه قبل ان اخلقه قال الباقر7 يا ابرهيم اقرأ هذه الاية قلت يابن رسول الله اية آية قال قول
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 179 *»
الله تعالي قال معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذا لظالمون هو في الظاهر ما تفهمونه هو والله في الباطن هذا بعينه يا ابرهيم ان للقرآن ظاهرا و باطنا و محكما و متشابها و ناسخا و منسوخا قال اخبرني يا ابرهيم عن الشمس اذا طلعت و بدا شعاعها في البلدان اهو باين من القرص قلت في حال طلوعها باين قال اليس اذا غابت الشمس اتصل ذلك يعود كل شيء الي سنخه و جوهره و اصله فاذا يوم القيمة نزع الله عزوجل سنخ الناصب و طينته مع اثقاله و اوزاره من المؤمن فيلحقها كلها بالناصب و ينزع سنخ المؤمن و طينته مع حسناته و ابواب بره و اجتهاده من الناصب فيلحقها كلها بالمؤمن افتري هيهنا ظلما او عدوانا قلت لا يابن رسول الله قال هذا والله الفاصل و الحكم القاطع و العدل البين لايسأل عما يفعل و هم يسألون هذا يا ابرهيم الحق من ربك فلاتكن من الممترين هذا من حكم الملكوت قلت يابن رسول الله و ما حكم الملكوت قال حكم الله و حكم انبيائه الخضر و موسي8 حين استصحبه فقال انك لن تستطيع معي صبرا و كيف تصبر علي ما لمتحط به خبرا افهم يا ابرهيم و اعقل انكر موسي علي الخضر و استفظع افعاله حتي قال له الخضر يا موسي ما فعلته عن امري انما فعلته عن امر الله عزوجل من هذا ويحك يا ابرهيم قرآن يتلي و اخبار تؤثر عن الله عزوجل من رد منها حرفا فقد كفر و اشرك و رد علي الله عزوجل قال الليثي و كأني لماعقل الايات و انا اقرؤها اربعين سنة الا ذلك اليوم فقلت يابن رسول الله ما اعجب هذا تؤخذ حسنات اعدائكم فترد علي شيعتكم و تؤخذ سيئات محبيكم فترد علي مبغضيكم قال اي والله الذي لا اله الا هو فالق الحب و باري النسمة و فاطر الارض و السماء ما اخبرتك الا بالحق و ما انبأتك الا الصدق و ما ظلمهم الله و ما الله بظلام للعبيد و ان ما اخبرتك لموجود في القرآن كله قلت هذا بعينه يوجد في القرآن قال نعم يوجد في اكثر من ثلثين موضعا في القرآن اتحب ان اقرأ ذلك عليك قلت بلي يابن رسول الله فقال قال الله
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 180 *»
عزوجل و قال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا و لنحمل خطاياكم و ما هم بحاملين من خطاياهم من شيء انهم لكاذبون و ليحملن اثقالهم و اثقالا مع اثقالهم الاية ازيدك يا ابرهيم قلت بلي يابن رسول الله قال ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيمة و من اوزار الذين يضلونهم بغير علم الا ساء ما يزرون اتحب ان ازيدك قلت بلي يابن رسول الله قال فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات و يبدل الله حسنات اعدائنا سيئات و جلال الله و وجه الله ان هذا لمن عدله و انصافه لا راد لقضائه و لا معقب لحكمه و هو السميع العليم الم ابين لك امر المزاج و الطينتين من القرآن قلت بلي يابن رسول الله قال اقرأ يا ابرهيم الذين يجتنبون كباير الاثم و الفواحش الا اللمم ان ربك واسع المغفرة هو اعلم بكم اذ انشألكم من الارض يعني من الارض الطيبة والارض المنتنة فلاتزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقي يقول لايفتخر احدكم بكثرة صلوته و صيامه و زكاته و نسكه لان الله عزوجل اعلم بمن اتقي منكم فان ذلك من قبل اللمم و هو المزاج ازيدك يا ابرهيم قلت بلي يابن رسول الله قال كما بدأكم تعودون فريقا هدي و فريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله يعني ائمة دون ائمة الحق و يحسبون انهم مهتدون خذها اليك يا ابا اسحق فوالله انه لمن غرر احاديثنا و باطن سرائرنا و مكنون خزائننا و انصرف و لاتطلع علي سرنا احدا الا مؤمنا مستبصرا فانك ان اذعت سرنا بليت في نفسک و مالك و اهلك و ولدك انتهي الخبر الشريف الجليل العظيم و ان فيه لكفاية لشيعتهم المسلمين لامرهم المتبعين لهم و لايشك بعد ذلك في شيء من الامر و لاقوة الا بالله و قد عرفت مما قدمنا ان الطين للصورة و الابدان لا الارواح و ان الارواح خلقت من تأييدات عقلية او تضليلات جهلية علي حسب قابلياتها و اجابتها و انكارها و سبقها فيهما و تأخرها فالابدان لها مادة و صورة مادتها الماء و صورتها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 181 *»
التراب فان كان التراب تراب السماوات التي فيها الجنة فالماء المنفجر عنها المساق عليها الماء الجاري من بحر صاد و ان كان التراب تراب الارضين التي فيها جهنم فالماء الجاري عليها من عين انية نعوذ بالله و حقيقة هذا الماء و التراب و اصولهما في عالم الظلال الاول و تنزلهما في الظلال الثاني و ظهورهما في هذه الدنيا و قد خلق منهما الابدان و آيتهما في عالم الهرمس البخار و الدخان و في المعادن الزيبق و الكبريت علي ما تقدم الاشارة اليه و هيهنا اشكالات احب الاشارة اليهما:
الاول ان النواصب اني لهم الحسنات حتي تؤخذ عنهم و ترد الي الشيعة و انما يتقبل الله من المتقين و هم غير متقين فلايقبل عنهم فليست اعمالهم بحسنة و كذلك روي لايبالي الناصب صلي ام زنا صام ام سرق فاعمالهم كلها سيئات و ليس فيها قصد قربة و كلها فاسدة علما و عملا فما الذي يرد الي الشيعة؟
الثاني اذا كان سيئات الشيعة ترد الي النواصب فما تلك الاخبار المروية ان المؤمن يبتلي بالمصائب في الدنيا فان لمتكفر معاصيه فيشدد عليه سكرات الموت فان لميكفرها ففي البرزخ يعذب بنار البرزخ فان لميكفرها ففي عرصات القيمة و اهوالها و اشد المؤمنين عذابا من يدخل في ضحضاح جهنم فان كانت سيئاته لغيره فما هذه المقتضيات؟
و الثالث ان كان المؤمن لا ذنب له و انما ذنبه للناصب فما معني ان الشفاعة مدخرة لاصحاب الكباير من المؤمنين؟
و الرابع ان الاعمال العرضية من الفريقين كيف تأتي الاخرة و الاخرة دار الذاتيات و الجواهر و ان كانت تراد في الدنيا و البرزخ فلميرون عواقب اعمالهم في الدنيا؟ و نجيب عنها علي جهة الاختصار لانها لمتكن في اصل السؤال صريحا.
فالجواب عن الاول انه ليس لهم حسنات و المقدمات صحيحة ولكن لماكان لهم مسحة من المؤمن بالعرض يصدر عنهم بعض صور الطاعات و هي صرف صور لا ارواح لها عندهم و الطاعة طاعة بروحها و صورتها و روحها النية الصالحة و هي ليست لهم فاذا اخذت تلك الاشباح منهم و ردت الي المؤمن
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 182 *»
دخل فيها روح نية المؤمن فان المؤمن كان من نيته ان يعمل بجميع الطاعات و لميوفق بالعرض فاذا ردت اليه الصور و كان من نيته العمل بها دخل فيها روح نيته فصارت تلك الاعمال لهم موجودة بالفعل فاقتضي الجزاء بها للمؤمن و لميكن لها اقتضاء عند الكافر لانها كانت ميتة عنده فنية المؤمن خير من عمله اي من عمل الكافر و من عمله اي عمل المؤمن الذي صدر منه اذ كانت نيته اوسع من عمله و كذلك سيئات المؤمن عند المؤمن ميتة لا روح لها لعدم نية منه لها و محبة و ارواح الاعمال من اشعة الذوات و لا شعاع من ذاته يناسب تلك الاعمال فاذا ردت الي الكافر حييت بنيته و قامت مؤثرة مقتضية فافهم.
و الجواب عن الثاني ان للمؤمن سيئتين سيئة من نفس المسحة من حيث هي هي و هي شعاعها و اثرها و سيئة من حيث ميل المؤمن اليها و تمكينه منها اذ لولا ميل المؤمن اليها و ضعفه لميقبل العرض الي نفسه كما تري من ان البنية اذا كانت قوية لمتقبل العرض و دفعت عن نفسها و لذا روي ما ضعف البدن عما قويت عليه العزيمة و هو مجرب فما لميكن للمؤمن في نفسه ضعف لميقبل المسحة الي نفسه و هو في نفسه يجزي بذلك الميل و الضعف لا من حيث نفس المعصية الصادرة عن المسحة اذ هي ليست منه و لا اليه فذلك الميل ان كان دنياويا ابتلي بمصائب الدنيا و ان كان خياليا وهميا ابتلي بمصائب البرزخ و ان كان قلبيا نعوذ بالله ابتلي باهوال الاخرة و الضحضاح و هو اشد الشيعة بلاء و اقلهم و اكثر عصاة الشيعة من القسمين الاولين.
و من ذلك يعلم الجواب عن الثالث و معني ان الشفاعة لاصحاب الكباير و كباير المؤمن ميله بقلبه الي مسحة الناصب و هو منه و مقتضاه الجزاء به لولا الشفاعة ولكن الشفاعة مدخرة له فلايدخل النار الاصلية و ان كان يمكن ان يعذب في الضحضاح ثم يخرج بشفاعة مواليه.
و الجواب عن الرابع ان المسحات عرضية بلاشك و الاعراض لاتأتي الاخرة و ليس معني المسحة ان قطعة من ذات الكافر انقطعت عنها و اتصلت بالمؤمن و لا العكس فان كل واحد منهما تام فيما هو به هو و الذات لاتتقطع و انما المراد من المسحة تكمل المؤمن بمجاورة الكافر و بالعكس و خروج ما كان في قوته الي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 183 *»
الفعل لكن لا بحيث يستقل بتلك الصفة بل بحيث تزول بزوال المكمل الا تري ان الحديدة مرة تتكمل بمجاورة النار قليلا حتي تسخن فاذا فارقت النار بردت عن قليل و مرة تتكمل حتي تحمار كالنار فتلك هي المستقلة في النارية كالجمرة قليلا و مرة تستحيل الي النار و تصير نارا و تصعد الي كرتها فهي المستقلة الحقيقية و اقل مراتب التكمل ما يبقي ببقاء المكمل و يعدم بعدمه كحركة المفتاح الباقية ببقاء حركة اليد المعدومة بعدمها فاذا جاور طين المؤمن طين الكافر و بالعكس تكمل الاضعف عن الاقوي و كانت التكملات مختلفة علي ما اشرت فتأثر الاضعف عن القوي علي ما سمعت و هذا هو اللمم و الخلط و المزج لا ان قطعة من ذات الكافر تلزق بالمؤمن و بالعكس فيكون كل واحد نصف شخص او ربعه فافهم ذلك فاذا كانت القيمة رجعت الاشياء الي ذواتها فالمؤمن الي ايمانه و الكافر الي كفره فاذا كانت المسحة كحركة المفتاح زال اللطخ في الدنيا و لميأت الاخرة حتي يتراد بينهما و جزاؤها في الدنيا كما ذكرت و ساير الامها و ان كانت كحرارة الحديدة جاءت الي البرزخ فتراد اللطخ بينهما و جزاؤها في البرزخ و لايكفيه ما في الدنيا بحذافيره و ان اثرت في قلب كل واحد منهما حتي احمارا جاء العرض الي يوم القيمة و يزول في العرصات قبيل دخول الجنة و النار و في الضحضاح و اعلي طبقات النار فهذا العرض هو الذي يأتي الاخرة و هو ما اشار اليه سبحانه و اشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم فهذا الشرب و الخلط لايعالجه الا اهوال العرصات و الضحضاح او الشفاعة الواصلة و ذلك في اسفل مقامات القيمة فاذا خلصوا صعدوا او نزلوا الي ذواتهم فافهم فقد اسقيتك ماء غدقا.
قال سلمه الله و ايده السؤال الثامن ان الاخبار تدل علي ان عند القيامة يمطر من عين صاد تحت العرش ماء علي ابدان الاموات بحيث تصير الدنيا بحرا واحدا فيحيي الله الاموات بذلك مع ان هذا الماء لايمطر في زمان الرجعة فكيف ترجع الاموات و ان مطر هذا المطر في الرجعة ايضا لخربت الدنيا فرجعة الاموات في الرجعة كيف تكون مع ان كل جزء من اجزاء بدن الميت قد بلغ الشرق و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 184 *»
الغرب و تحت الجبال و البحار فالالتماس تفصيل البيان في ذلك عقلا و نقلا.
اقول نعم ان لله سبحانه بحرا تحت عرش مشيته يسمي بالصاد و هو بحر الحيوان و من ذلك البحر حيوة كل شيء و ذلك الصاد هو النون و الدواة الاولي التي اخذ منها القلم المدد كتب ما كان و ما يكون الي يوم القيمة و هو الماء المشار اليه في قوله تعالي و من الماء كل شيء حي و هو المشار اليه في قوله تعالي ص و القرآن و قوله نون و القلم و ما يسطرون فعن المعاني عن الصادق7 و اما ص فعين تنبع من تحت العرش و هي التي توضأ منها النبي6 لما عرج به و يدخلها جبرئيل كل يوم دخلة فينغمس فيها ثم يخرج منها فينفض اجنحته و ليس من قطرة تقطر من اجنحته الا خلق الله تبارك و تعالي منها ملكا يسبح الله و يقدس الله و يكبره و يحمده الي يوم القيمة انتهي ذلك لان جبرئيل هو الموكل بركن الخلق و ذلك الماء هو المادة التي منها كل شيء فتبصر و عن الكافي عنه7 هو ماء يسيل من ساق العرش الايمن الحديث اقول اي اصل منبعه من الساق الايمن من عند ركن اسرافيل او ميكائيل و عن العلل عن الكاظم7 في حديث عين تنفجر من ركن من اركان العرش يقال لها ماء الحيوة و من المعاني عن سفيان عن الصادق7 قال و اما ن فهو نهر في الجنة قال الله عزوجل اجمد فجمد فصار مدادا ثم قال عزوجل للقلم اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان و ما هو كائن الي يوم القيامة فالمداد مداد من نور و القلم قلم من نور و اللوح لوح من نور الي ان قال فنون ملك يؤدي الي القلم و هو ملك و القلم يؤدي الي اللوح و هو ملك و اللوح يؤدي الي اسرافيل و اسرافيل يؤدي الي ميكائيل و ميكائيل يؤدي الي جبرئيل و جبرئيل يؤدي الي الانبياء و الرسل صلوات الله عليهم و عن العلل عنه7 و اما ن فكان نهرا في الجنة اشد بياضا من الثلج و احلي من العسل قال الله عزوجل كن مدادا ثم اخذ شجرة فغرسها بيده الخبر و ذكر ان تلك الشجرة القلم بالجملة ن باعتبار هو ص اذ الجنة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 185 *»
تحت العرش فنون ايضا تحت العرش نهر في الجنة و يؤيد هذا المعني ما روي عن الصادق7 اول ما خلق الله القلم فالقلم مقدم علي المداد فالقلم نابت علي حافته العليا و ن يجري من تحته و لاينافي ذلك قوله ان ن ملك يؤدي الي القلم اذ علي ما ذكرنا ليس هي تأدية امداد بل تأدية ايصال فالقلم هو مجري المداد علي اللوح هذا باعتبار و اما باعتبار آخر لسنا بصدد بيانه فنون هو الدواة الاولي و الماء الاول النازل من سماء المشية و القلم نابت علي حافته السفلي و القلم مركب من جزئين من الماء و جزء من الارض كما هو شأن كل نبات و لسنا بصدد بيان ذلك بالجملة فص هو عين الحيوان و منها حيوة كل ذي روح كما اشار اليه سبحانه فاذا اراد الله ايجاد حي جزئي واحد يمطر منه قطرة الي الافلاك و ينزل الي السحاب و يقع علي الارض و يحيي ما كان مستجنا فيه و كان يعلم الله انه يخلق منه انسان و اذا اراد الله ايجاد احياء يمطر منها قطرات بعدد تلك الاحياء و تقع علي الارض و يحيون جميعهم و اذا اراد الله احياء جميع الاموات فلابد و ان يمطر علي جميع وجه الارض حتي يحيي بذلك المطر جميعهم و ذلك الماء ليس بلزوجة مياه هذه الدنيا و غلظتها و ثقلها و الا لما وقف في السماء و تحت العرش و لميكن في الجنة فذلك الماء الطف من شعلات الكواكب سبعين مرة فاذا وقع علي الارض ينفذ فيها للطافته و لايبل وجه الارض بلل هذه المياه الدنياوية الا تري ان فخت القمر ماء كما ان شعاع الشمس نار و الدليل علي ذلك ان شعاع الشمس اذا جمع في البلور فقبل الجمع و التكثيف نار لطيفة لاتحرق كنار الدنيا و كذلك الفخت ماء ولكنه ماء منتشر لطيف فاذا جمع كان ماء كما ينقل ان في الافرنج صنعوا آلة يأخذونها في القمر و يجتمع الماء فيها و قبل الجمع ماء ولكن لايبل وجه الارض كبل الماء الظاهري الا تري انه يبرد و يرطب مزاج ما يقع عليه حتي انه يتبين آثار البرودة و الرطوبة فيه و انما جميع ذلك ضرب امثال لتلين و لاتجمد علي ظاهر مفاهيم العوام فاذا الماء الذي حيزه تحت العرش يكون اربعة الاف و تسعين مرة الطف من الفخت فهل تري الفخت اذا انبث علي الارض يغرق الدنيا و هو مطر و هو ماء جسم سيال بارد رطب الا انه لطيف فكذلك اذا نزل ص اربعين
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 186 *»
يوما لايغرق الدنيا غرق الماء الجسماني و ان عمها و طبقها حتي بلغ اعنان السماء فالعاملي باسناده عن جميل عن الصادق7 اذا اراد الله عزوجل ان يبعث الخلق امطر السماء علي الارض اربعين صباحا فاجتمعت الاوصال و نبتت اللحوم و في البحار عن الامالي للشيخ ان الله ينزل بين نفختي الصور و بعد ما ينفخ النفخة الاولي من دوين سماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله و البحر المسجور و هو من مني كمني الرجل فيمطر ذلك علي الارض فيلقي الماء المني مع الاموات البالية فينبتون من الارض و يحيون و عن الصادق7 في حديث مر فاذا كان حين البعث مطرت الارض فتربوا الارض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء و الزبد من اللبن اذا مخض الخبر و لما كان العود علي البدء و كان في البدء تخمير الطين بذلك الماء صار في العود ايضا تخمير الطين الباقية في القبور المستديرة بذلك الماء و ذلك الماء كالمني لا في الغلظة و النجاسة و الكثافة بل صفته صفة المني في احياء التراب فكما ان المني اذا وقع في الرحم يأتي الملك بقبضة ترابه اي تراب الولد في الرحم و يخمره بذلك المني فيحيي ذلك التراب و يكون جسد الولد لان الماء هو حامل الحيوة فكذلك التراب الاصلي للبدن يبقي في رحم القبور الي ان ينزل من الاباء العلوية الماء المشاكل للمني في صفة الاحياء فيحيي ذلك التراب في رحم الارض و يقوم و يتولد منه فينفض التراب من رأسه فيتولد في عرصة القيمة و اصل ذلك الماء تحت العرش في الكرسي و هناك الطف فينزل الي السماء الدنيا الي فلك الحيوة الي جوزهر القمر و من هناك ينزل الي البحر المسجور و هو بحر تحت السماء الدنيا في الطبايع و يسجر يوم القيمة فيكون نارا عن القمي في قوله تعالي اذا البحار سجرت قال تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيرانا و روي ان الله يجعل يوم القيمة البحار نارا يسجر بها جهنم انتهي و ذلك بحر الطبايع المحيط بالدنيا فينزل ذلك الماء الي عالم الطبايع فيكون اغلظ في الجملة فيمازج التراب
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 187 *»
بالتشاكل فيحيي و ليس علي ما زعمت انه ماء لزج غليظ و انما هو نور كالفخت المتسمع ان ن نور و القلم نور و اما قبيل ظهور مولينا الحجة عجل الله فرجه و عليه و علي آبائه آلاف الثناء و التحية فاذا كان العشرين من جمادي الاولي الي آخر جمادي الثانية يتصل المطر خلف المطر حتي تقع اكثر بيوت اهل الدنيا و في اول شهر رجب تنبت لحوم من يريد الله رجوعه من الاموات فيحيون و هو قول اميرالمؤمنين7 عجب و اي عجب بين جمادي و رجب و سر ذلك ان خروج الحجة اول الاستدارة الثانية للفلك علي الاستقامة فيجب ان يكون فيه ما كان للدورة الاولي لان الدورة الاولي كانت لايجاد الدنيا و اول خروجه دورته الثانية للاولي و يوم القيمة دورته الثالثة للاخري و هذه هي الايام المشار اليها في الزيارة و حجج الله علي اهل الدنيا و الاخرة و الاولي فكما كانت في الدورتين نزول الماء علي الارض للاحياء اربعين صباحا كذلك ينبغي ان يكون في مبدء الاولي ايضا كذلك و يعم ذلك المطر الدنيا و لاجل ذلك يخرب اغلب بيوت الدنيا و الغرض بلل الارض و وصول الرطوبة الي اعماقها و هو حاصل و لايجب ان يكون كالطوفان يصير بحرا واحدا فاذا وصل الرطوبة الي اعماق الارض و الابدان الاصلية في غيبها و اشتد المناسبة بين الارض و تلك الابدان الاصلية اخذ الله سبحانه من تلك الرطوبة جزئين و من التراب جزءا فحلهما و عقدهما و دار عليهما الافلاك و مكنهما اشعتها و انوارها و لطفهما حتي قامت علي هيئة الاعتدالية الانسانية و تلك الاجزاء الاصلية في غيبها كما تولد ابونا آدم7 من التراب يوم خلقه الله سبحانه حرفا بحرف و اما ما قلت من تفرقة اجزائه فالاجزاء الاصلية ابدا لاتتفرق و هي محفوظة في القبر لايضل ربي و لاينسي و الاجزاء العرضية الملحقة من العناصر لايعبؤ بها و يؤخذ غيرها كما كانت في الدنيا تتغير و تتبدل و تذهب و يجيء غيرها فيركب الاجزاء الاصلية مع الاجزاء العرضية مجددا باذن الله ينفض التراب من رأسه فيضعون اسيافهم علي عواتقهم و يسعون في السكك و هذا علامة خروج القائم عجل الله فرجه و ان السماء قد بدت في الدورة الثانية علي الاستقامة الاولية التي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 188 *»
اقتضت خلقة ابينا آدم7 فكذلك في الدورة الثانية يقتضي حيوة اموات كما قال سبحانه و يوم نبعث من كل امة فوجا و هذا في الكرة و اما في القيمة و حشرناهم فلمنغادر منهم و انما ذلك لشدة تصفية العالم فكلما يصفو يكون اشد استقامة و اشبه بالفطرة الاولية و لاجل ذلك يحيي عند كرة اميرالمؤمنين الثانية جميع الماحضين و انما ذلك لشدة استقامة الفلك فاذا زالت الاعراض بالكلية يدور دورة يحيي بها جميع الخلق و كذلك تختلف للافلاك بركاتها بقدر صفائها و استقامتها و كذلك تربيتها للارض و تمكينها لها و تكوينها منها و اما في الدورة الاولي فكان لها بركات و زالت حين قتل قابيل هابيل فانشأ آدم7 يقول
تغيرت البلاد و من عليها
و وجه الارض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون و طعم
و قل بشاشة الوجه المليح
الابيات فزال الاشكال و شفي الداء العضال ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير.
قال سلمه الله السؤال التاسع ما معني الفقرات التي وردت في الادعية عن المعصومين: حيث اثبتوا لنفوسهم القدسية معاصي عظيمة فلقد تتبعت كتب العلماء و الجوابات الصادرة عنهم عن تلك الشبهة فلمار فيها ما تطمئن به النفس فصار داء عضالا علي.
اقول عدم اطمينان النفس بجوابات العلماء رضوان الله عليهم يكون من جهتين اما لان النفس تكون علي الفطرة التي فطر الله الناس عليها و هي اقل من الكبريت الاحمر و الجواب الذي يذكره المجيب لا ربط له بالسؤال و ليس فيه صحة و لا صواب فتشمئز منه النفس و ان لمتعرف فساده و نقصه فلاتطمئن به و اما لاختلاف الصقعين فتكون نفسك في صقع و المجيب في صقع فهو يجيب من الباطن و انت في التأويل او يجيب من التأويل و انت في الظاهر فلاتطمئن النفس بجوابه لما لايعرف من الحانه و لايجوز لاحد ان يجعل نفسه المبدلة ميزان الحق و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 189 *»
الباطل فيذر ما لايعرفه في سنبله حتي يأتيه البيان فنقول الجواب عن هذه المسألة من جهات شتي كلها صحيحة.
احدها انهم: لهم جهتان جهة الي الرب و هي ما عرف الله نفسه لهم بها و عرف نفسه لخلقه بها بهم و جهة انفسهم و عبوديتهم فلهم من جهة العبودية رأس مخروطها و هم يرون تلك النقطة علي خلاف كينونة الجهة الاولي كما في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي فجهة النفس بلاشك تكون علي خلاف كينونة جهة الرب و كينونة جهة الرب هي محبوب الله سبحانه اذ بها تحصل معرفته و قال الله سبحانه كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف و معناها احببت المعرفة لان لفظة ان تجعل الفعل مصدرا فخلقت الخلق لكي اعرف اي لاجل المعرفة فالمعرفة هي محبوب الله و معرفة الله سبحانه هي تلك الجهة التي من عرفها عرف ربه فما هو خلاف المحبوب مبغوض البتة و هو جهة الانية فيهم و هي في انظارنا غير مدركة فان جهة معرفتنا لربنا من شعاعها فكيف ندركها انية و لكنهم: يدركونها فلما يرونها علي خلاف كينونة الله المحبوبة له يرونها مبغوضة لله و يرونها معصية بعينهم واقعا من دون تأدب و لما كانوا يرونها سارية في جميع اعضائهم يرون تلك المعاصي في جميع اعضائهم و اعمالهم و افعالهم و احوالهم فيقولون عصيتك بعيني و عصيتك بسمعي و عصيتك بلساني و بيدي و فرجي و هكذا و هم في اعينهم يرونها علي ما ذكرت معصية و لذا قيل حسنات الابرار سيئات المقربين و بهذا الدعاء و الاستغفار و البكاء و التململ و التبتل يعتذرون عنها و ان كنت انت لاتعرفها نقصا فاعط السهم باريه هم يرونها نقصا و يعرفها اولوا الالباب في مقامهم فيقولون ما عرفناك حق معرفتك و ما عبدناك حق عبادتك و ان قلت انه لايمكنهم ان لايكون لهم تلك الانية فاذا كان لايمكنهم فاي ذنب عليهم منها قلت هذه احكام مثلي و مثلك ولكنهم يقولون كمايقول الشاعر:
اذا قلت ما اذنبت قالت مجيبة
وجودك ذنب لايقاس به ذنب
الا تري انه اذا دخل رجل جبلي في لباسه و مداسه حضرة سلطان في سطوته
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 190 *»
و جماله و جلاله يري وجود نفسه عيبا في ذلك المجلس و يعتذر من وجوده و ان لميخط خطيئة بالنسبة الي السلطان فانت لاتكاد تدرك ما يدركون من عيب نفسهم عند جمال الله سبحانه و جلال الله اذ انت بالنسبة اليهم مثلهم بالنسبة الي الله سبحانه قال اميرالمؤمنين7 خلقنا من نور الله و خلق شيعتنا من شعاع نورنا فنفس وجودك ذنب و عيب في حضرة جمال الائمة و المعصومين سلام الله عليهم و عند سطوع انوار جلالهم و ان كنت لاتري لنفسك عيبا فادع الله ان يصلح وجدانك و يرفع عجبك و ان كنت تري لنفسك عيبا فكذلك هم يرون لانفسهم عيبا و لايجب ان تدرك انت العيب فيهم.
و وجه آخر له ظاهر و باطن فالظاهر انهم: تحملوا ذنوب شيعتهم فكانت ذنوبهم لهم فيستغفرون من تلك الذنوب الم تسمع قول الله سبحانه الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم الايات و حملة العرش ائمتك سلام الله عليهم فعن الكافي عن الصادق7 قال حملة العرش و العرش العلم ثمانية اربعة منا و اربعة ممن شاء الله و في رواية حملة العرش ثمانية اربعة من الاولين و اربعة من الاخرين فاما الاربعة من الاولين فنوح و ابرهيم و موسي و عيسي و اما من الاخرين فمحمد و علي و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم اجمعين و معني يحملون العرش يعني العلم بالجملة فهم تحملوا ذنوب شيعتهم فصارت لهم كما تري في الشرع اذا ضمن احد عن احد دينا اشتغل ذمته حقيقة بذلك الدين و يجب عليه الاداء فاذا تحملوا صار العهدة عليهم فيستغفرون فيغفر لهم البتة و هذا معني قوله تعالي انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك كما روي عن المجمع و القمي عن الصادق7 انه سئل عن هذه الاية فقال ما كان له ذنب و لا همّ بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له و عن المجمع عنه7 ايضا انه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 191 *»
سئل عنها فقال والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن له ان يغفر ذنوب شيعة علي7 ما تقدم من ذنبهم و ما تأخر انتهي و لاشك انه يلحقهم عارها و شنارها ان لميغفر لهم و يغفر الله لهم البتة فلاجل ذلك ينسبون جميع معاصيهم الي انفسهم حقيقة كما ينسب الدين الضامن الي نفسه حقيقة فيبكون و يتضرعون و يستغفرون و لاعجب من كرمهم هذا هو الوجه الظاهر و اما الاشارة الي وجه الباطن فاعلم ان شيعتهم خلقوا من شعاع نورهم و انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاعهم و الشعاع ليس بباين من المنير و انما هو منه و اليه و ليس شيء سوي ظهوره و تجليه و وصفه و من البين ان الحسن و القبح من الصفات للانسان و كذا الطاعة و العصيان و شيعتهم صفتهم بلاشك فاذا كانوا عصاة تجري تلك السيئات عليهم من حيث الموصوفية و ان لمترجع اليهم من حيث الذات فيستغفرون عن ذنوبهم في رتبة صفاتهم لانهم منهم و اليهم حقيقة و ما اكثر ما يضاف ما يلحق الصفة الي الموصوف المتسمع ما روي ان الله سبحانه يقول يوم القيمة لعبده ما معناه اني مرضت فلم تعدني و اني استسقيتك فلم تسقني و استطعمتك فلم تطعمني فاذا نزهه العبد عن جميع ذلك يقول الله سبحانه ان فلانا عبدي المؤمن مرض فلمتعده و فلانا استسقاك فلمتسقه و فلانا استطعمك فلمتطعمه فاضاف الله سبحانه صفات المؤمن الي نفسه لانه خلقه من نور عظمته و جلال كبريائه و كذلك روي في القدسي ان برخا يضحكني كل يوم ثلث مرات و المراد اضحاك عبد مؤمن لقدسه سبحانه فاذا كان صفات المؤمن تضاف الي الله سبحانه فبالحري ان يضاف معاصيهم الي آل محمد: لانهم ظهورهم و وصفهم و العصيان و الطاعات في الظهور لا الذات فطاعة الشيعة طاعتهم و معصيتهم معصيتهم في الرجبية اليكم التفويض و عليكم التعويض و بكم يجبر المهيض و روي اعينونا بورع و اجتهاد فافهم ان كنت تفهم فلذا يستغفرون لذنوبهم و هي لهم البتة و عليهم جبرها و الاستغفار منها و قد فعلوا باشد ما يمكن فبكوا و تضرعوا و استغفروا ما لاغاية له و لا نهاية و قد غفر الله لهم و الحمد لله.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 192 *»
و وجه آخر انهم: دائما في السير الي الله سبحانه و التقرب اليه بما لاغاية له و لا نهاية و لاشك انهم كلما ازدادوا تقربا ازدادوا نورا و وحدة و صفاء و لطافة و معرفة و محبة بالنسبة الي الله سبحانه و من زعم انهم لايترقون فقد اخرجهم عن حيز العبودية و الافتقار و الحاجة الي الله سبحانه و ان اثبت لهم الحاجة و انكر سدها من الله سبحانه فقد اثبت الشح في الله فانه مع كمال حاجة المحتاج و نهاية لياقته يمنع رفده و يترك عبده و تعالي الله عن ذلك و هو يقول و ما كان عطاء ربك محذورا و ان كان يعطي فهم يترقون ابدا و معني الترقي ان يزدادوا علما و معرفة و محبة و طاعة لله سبحانه و الا فلا ترقي فاذا ترقوا درجة و التفتوا الي الدرجة السابقة و قلة علمهم فيها بالنسبة الي اللاحقة و قلة معرفتهم و محبتهم و طاعتهم بالنسبة الي الثانية عدوه ذنبا لهم فانه كان يمكن في حقهم كونهم في درجة عليا فيعدون كونهم في الدرجة الاولي اولا من نقص فيهم و ذلك فوق احساسك و لذلك يستغفرون عن تلك الاحوال المفرطة علي حسب ما يليق بهم و هذا الذي كان يقال حسنات الابرار سيئات المقربين.
و وجه آخر انهم نزلوا من مقام البيان و المعاني و الابواب الي مقام القطبية و الرسالة فلبسوا صورة البشر و عمدوا الي صفاتهم العرضية التي هي مقتضيات البعد عن الله سبحانه فاكلوا و شربوا و جامعوا و نظروا و اصغوا الي غير ذلك و هذه الخواص من البعد عن المبدء اذ ليس في دار قربه شيء من ذلك و لما كان ذلك من صفات البعد و فعلوها ضرورة الاداء و التبليغ و كان اللايق بحالهم دار القرب و الوصال و القدس و الاتصال و ابتلوا الان بدار البلي و الكثافات فارادوا ان يجبروا كسر البعد و يستدركوا ما فاتهم من ذلك المقام العالي و بهذا التضرع و الاستغفار عن هذه الامور كانوا هم هم ففعلوا ذلك في هذه الدار لعدم نسيان دار القرار و جبر كسر صفات دار البعد و الاختبار فاستوت حالاتهم و لولا ذلك لسفلت بهم اثقال هذه الدنيا البتة اصغ الي دعاء الحسين7 حيث يقول اللهم و اني مع ذلك كله و قد تقدم في صدر الدعاء ذكر مقاماتهم العالية التي منح بها عليهم فذلك اشارة اليها قال عائذ بك لائذ بحولك و قوتك راض بحكمك الذي سقته
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 193 *»
الي في علمك جار بحيث اجريتني قاصد ما اممتني غير ضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني و لا قاصر بجهدي عما اليه ندبتني مسارع لما عرفتني شارع فيما اشرعتني مستبصر ما بصرتني مراع ما ارعيتني الدعاء فاذا كان الله عزوجل يرضي عنهم بكثرة العبادة و الاجتهاد و التضرع و الاستغفار عن امور هي عند غيرهم مباحة بل مستحبة بل واجب غير اولي بالنسبة الي واجب آخر بل اولي في مقام و ان كان غير اولي بمقام آخر فكيف يقصرون في ذلك و به قد رضيهم و اختارهم و هم به امام فافهم الي غير ذلك من الوجوه و يكفيك ما ذكرنا ان كنت تفهم.
قال سلمه الله السؤال العاشر ما الدليل علي بطلان ما ذهب اليه الصدوق رحمه الله من جواز الاسهاء علي النبي9 مع ورود الاخبار الكثيرة في جواز ذلك عليه9 بل وقوعه و الطعن علي تلك الاخبار مع كثرتها تجري عظيم علي الله غاية الامر التوقف و السكوت كما فعله العلامة المجلسي رحمه الله في بحاره.
اقول الدليل علي بطلان ما ذهب اليه الصدوق الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل من الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن فنفصل الدليل ستة فصول و نقتصر في كل واحد علي قدر الميسور.
فصل: في الكتاب و فيه آي كثيرة منها قوله تعالي ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي فنص في الاية علي ان جميع نطق النبي9 وحي يوحي هذا في اقواله و اما افعاله فقوله سبحانه و قالوا اتخذ الرحمن ولدا بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و حيث ثبت العمل بامره في عيسي و عزير ففي نبينا و الائمة: بالطريق الاولي هذا مع ما انزل الله عزوجل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و قال ان لكم في رسول
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 194 *»
الله اسوة حسنة فان كان يحتمل في اعماله وقوع السهو لماوجب علي الامة اتباعه في اقواله و افعاله و تقريره بالاجماع و لماكان مشاقته سبب الصلي الي الجحيم و غير ذلك من الايات و في قوله سبحانه انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا كفاية لمن كان له قلب فان الرجس ليس القذارة في ظاهر البدن و انما المراد النقايص الباطنة و لايشك عاقل ذو قريحة ان السهو نقص باطني و القول بنفي السهو و اثبات الاسهاء كالقول بنفي الوجود و اثبات الايجاد و قد قال ابوعبدالله7 لايكون شيء في الارض و لا في السماء الا بهذه الخصال السبع بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و كتاب و اجل فمن زعم انه يقدر علي نقض واحدة فقد كفر انتهي و المشية المتعلقة بالسهو اسهاء و كل سهو في الدنيا باسهاء الله سبحانه و لايرضي به فانه يشاء و لايحب كما ورد في الاخبار و انما كلمة الاسهاء كلمة صدرت من قائلها جهلا بمعاني الحكمة و اتبعه الجاهلون فالله سبحانه طهرهم من كل نقص باطني فاين السهو و الخطاء و النسيان و قد اجمع الشيعة علي دلالة هذه الاية علي العصمة و هي مطلقة فلامخصص.
فصل: اما السنة فهي اكثر من ان تحصي و نذكر هنا عدة منها فمنها ما رواه في الكافي باسناده عن عبدالعزيز بن مسلم عن الرضا7 في حديث طويل في وصف الامام7 الي ان قال فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد امن من الخطاء و الزلل و العثار يخصه الله بذلك ليكون حجة علي عباده و شاهده علي خلقه و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم الخبر تدبر في التعليل و اشف به الغليل فالذي يزل و يخطي و يعثر لايمكن ان يكون حجة لعدم جواز التأسي به و لايكون شاهدا كما يأتي و منها ما رواه في العوالم باسناده عن اسمعيل بن جابر عن الصادق عن اميرالمؤمنين7 انه قال في بيان صفات الامام فمنها ان يعلم ان الامام المتولي عليه انه معصوم من الذنوب كلها صغيرها و كبيرها لايزل في الفتيا و لايخطي في الجواب و لايسهو و لايلهو بشيء من امر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 195 *»
الدنيا الي ان قال و عدلوا عن اخذ الاحكام من اهلها ممن فرض الله طاعتهم ممن لايزل و لايخطي و لاينسي الي ان قال الخامس العصمة من جميع الذنوب و بذلك يتميز عن المأمومين الذين هم غير المعصومين لانه لو لميكن معصوما لميؤمن عليه ان يدخل فيما يدخل الناس منه من موبقات الذنوب المهلكات و الشهوات و اللذات و لو دخل في هذه الاشياء لاحتاج الي من يقيم عليه الحدود فيكون حينئذ اماما مأموما و لايجوز ان يكون الامام بهذه الصفة انتهي و في العوالم باسناده عن زرارة قال سألت ابا جعفر7 هل سجد رسول الله9 سجدتي السهو قط فقال لا و لايسجدهما فقيه انتهي و المراد بالفقيه الامام7 و كذلك جميع الاخبار الواردة عنهم: في اطلاق العصمة شامل للسهو و النسيان و الخطاء و اللهو و غير ذلك و هي موافقة للكتاب و الادلة العقلية كما مر و يأتي و مخالفة للعامة و محكمة في الدلالة غير محتملة للتقية و موافقة للاجماع من الفرقة المحقة و الشاذ منهم شاذ الي الباطل فهي المتبعة.
فصل: و اما الاجماع فقد قام الاجماع من الفرقة المحقة علي نفي السهو و النسيان الا ما حكي عن الصدوق و شيخه و خروجهما لايكون سبب كون المسألة خلافية الاتري انه لو ذهب ذاهب الي جواز ترك صلوة الظهر لايقال ان المسألة خلافية بل ينسب الذاهب الي الخلاف الي الخروج عن الاجماع فكذلك الحال بالنسبة اليهما فانهما خارجان عن الاجماع الحق و هذا الاجماع حجة عند الاصوليين لانه المحصل العام كما ذكره الشيخ عبدالله في العوالم قال جملة القول ان اصحابنا الامامية اجمعوا علي عصمة الانبياء و الائمة صلوات الله عليهم من الذنوب الصغيرة و الكبيرة عمدا و خطاء و نسيانا قبل النبوة و الامامة و بعدهما بل من وقت ولادتهم الي ان يلقوا الله تعالي و لميخالف في ذلك الا الصدوق محمد بن بابويه و شيخه ابن الوليد قدس الله روحهما فانهما جوزا الاسهاء من الله تعالي لا السهو الذي يكون من الشيطان في غير ما يتعلق بالتبليغ و بيان الاحكام
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 196 *»
و قالوا ان خروجهما لايخل بالاجماع لكونهما معروفي النسب و اما السهو في غير ما يتعلق بالواجبات و المحرمات كالمباحات و المكروهات فظاهر اكثر اصحابنا ايضا تحقق الاجماع علي عدم صدوره عنهم هـ و قد تري ان هذا القول مؤذن بالاجماع المحصل العام بل اقول ان الاجماع من الكل قائم بنفي السهو حتي من الصدوق و شيخه و ليس القائل بالاسهاء الا هو و شيخه و لا مستند لهما لا نقلا و لا عقلا فان الاخبار التي يستندون اليها ليس فيها اسهاء و هي صريحة في ان النبي9 سهي او الامام يسهو فان كان السهو و الاسهاء واحدا فيدل عليه الاخبار فلم فرقوا و انكروا السهو و اثبتوا الاسهاء و ان كان الاسهاء غير السهو فلا دليل علي الاسهاء و قد بينا ان الاسهاء كلمة صدرت عن جهل بالحكمة و ليس الا السهو و لا سهو الا من نقص في الشخص و هو من الشيطان اين ما كان و ان كان يوجد بالله سبحانه كما يأتي كساير المعاصي حرفا بحرف فاذا اثبتنا انه لا سهو الا من الشيطان و ان الصدوق و شيخه ينكران وقوع السهو الشيطاني عنهم و لا معني للاسهاء بحيث يرجع الي خبر اصلا كان قولهما باطلا رأسا و قال المجلسي في البحار الاول مذهب اصحابنا الامامية و هو انه لايصدر عنهم الذنب لا صغيرة و لا كبيرة و لا عمدا و لا نسيانا و لا الخطاء في التأويل و لا للاسهاء من الله سبحانه و لميخالف فيه الا الصدوق و شيخه محمد بن الحسن الوليد رحمهما الله فانهما جوزا الاسهاء لا السهو الذي يكون من الشيطان و كذا القول في الائمة الطاهرين: انتهي فقد تبين ان عدم صدور السهو و النسيان و الخطاء عنهم اجماعي الا ان الخارجين عن الحق في هذا المسألة يقولان بالاسهاء و علينا ان نبين ان الاسهاء كلمة صدرت عن غير علم و لا هدي و لا كتاب منير.
فصل: في بيان دليل الحكمة علي عدم صدور سهو عنهم و ان الاسهاء ايضا بالشيطان لا غير ولكن افتح مسامع فؤادك فان لكل كلام مع صاحبه مقاما اعلم ان الله سبحانه كان في قدس كماله كنزا مخفيا لايعرف و كذلك يكون لانه لاتنقل له و لا زوال و لا تغير في الاحوال و خلق خلقه لكي يعرف و كان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 197 *»
يمتنع في حقه التنزل الي صقع مداركهم و يمتنع في حق خلقه الصعود الي حد ذاته تعالي شأنه فخلق لنفسه آية تعريف و عنوان توصيف عرف نفسه بها لعباده حتي يعرفوه بها و ذلك التعريف وصف امكاني و آية فحوانية فاذا صار آية تعريفه من الامكان يجب ان يكون اشرف جميع ما يمكن في الامكان و اوفقها لصفة تعريفه سبحانه و اكثر مطابقة لجهة تعريفه و تعرفه فلولا هذا الوصف لميكن لاحد ان ينطق فيه بالف و لالام لانه لميكن منه شيء فيهم فلميكونوا يقدرون عليه بعبارة و لااشارة و لاتوهم باحد المدارك فجميع ما عند الممكن من وصفه سبحانه فهو مما قرأوه في عنوان توصيفه اذ لميكن لهم الا ما آتيهم الله و لميعرفوا الا ما عرفهم الله و لايقدرون الا علي ما اقدرهم الله و لميكلفوا الا ما آتيهم الله فاذا فبين لنا يا ذا الفصاحة و العقل ان ربك يسهو و يلهو و يغفل و يخطي ام لا فان قلت نعم كفرت و ان قلت لا فأسألك بما عرفته كذلك بما عرفك من نفسه او بما لميعرفك فان اخترت الثاني فقلت بانك واجد لما لميعطك ربك و كفرت و اشركت فان قلت بما عرفني من نفسه فاقول بما عرفك نفسه بنفسه القديمة او بصفته الحادثة فان اخترت الاول كفرت حيث اخترت الاطلاع علي ذات القديم و ان اخترت الثاني قلت و ما هي اتقدر ان تعزل عنها اعالي الخلق و جواهر اوائل العلل و تنصب في ذلك المقام نهايات الخلق و ادانيه لاتقدر علي ذلك فاذا وصفه الفحواني و تعريفه الامكاني هو جواهر اوائل العلل و هو محمد و آل محمد: بهم عرف نفسه لخلقه و وصف نفسه لعباده فقد روي بنا عرف الله و لولانا ماعرف الله و في الرجبي لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و روي نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا الي غير ذلك من الاخبار المتواترة فاين السهو من يسهو و من يلهو نعوذ بالله من زلل الاقدام و ضلة الاحلام.
فصل: في دليل الموعظة الحسنة علي عدم جواز السهو لهم فاسألك و استعديك اليك و احاكمك عندك فلاتخاطر بنفسك و لاتطأ علي عقلك فاقول انصفني هل يقدر الله سبحانه علي خلق حجة لايسهو ام لا فان قلت لا كفرت فان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 198 *»
قلت نعم فاسألك هل يكون عندك اكمل ان يكون الحجة لايسهو و لايلهو او هو انقص فان قلت ان عدم السهو نقص و عيب و السهو كمال فقد خاصمت نفسك و خاطرت بها و ان اخترت ان عدم السهو اكمل و اولي فاقول ان الله القادر الغير المغالب هل يجوز عقلك ان يترك الاولي الي غير الاولي و هو الذي عاقب انبياءه علي ترك الاولي و امرهم ان يتخلقوا باخلاق الله فان قلت يجوز فقد خاطرت بنفسك و ان قلت لايجوز فقد ثبت الله سبحانه لايخلق حجة يسهو و يلهو لانه خلاف الاولي و الاكمل فافهم ان كنت تفهم.
فصل: و اقول من المجادلة انا لايجوز ان نتقول علي الله سبحانه فيقول يوم القيمة الله اذن لكم ام علي الله تفترون فلابد و ان لانقول في حق نواة شيئا الا باذنه فضلا عن الهداة فاذا نظرنا الي كتابه رأيناه يقول عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و يقول ما ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و قد تواتر الاخبار بالعصمة المطلقة و هي اعم من الذنب في العمد و السهو في الذنب و في ساير الاعمال بلاشك و هي مطابقة مع القرآن و قد قام عليه الاجماع الذي لاشك فيه و يلتزمه الاصولي و الاخباري اما الاصولي فظاهر لتعويلهم علي الاجماع و اما الاخباري فلان الاجماع الذي له مأخذ عندهم معتبر و هذا الاجماع له مأخذ الكتاب و السنة و خروج رجلين من هذه الفرقة لايضر و قد قام عليهما النكير في كل عصر حتي ان الشيخ المفيد كفر الصدوق بهذا الاعتقاد و كتب فيه رسالة و رأيتها فهذا الاجماع فيه حجة يكشف عن رأي الحجج: و هم داخلون فيه لشهادة الكتاب و السنة و اما الاخبار الموهمة للسهو فهي مخالفة للكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل فالذي جاء بها اولي بها و نردها الي قائلها هذا و وجه التقية فيها ظاهر و هي قصة واحدة بروايات مختلفة متفاوتة توجب وهنها كثيرا فهي اخبار آحاد لاتوجب علما و لا عملا و طال ما يترك الشيعة اخبارا تخالف الكتاب و السنة و ليس ذلك جرأة علي الله و رسوله بل الجرأة في الاخذ بها بعد تواتر الاخبار و قام الاجماع علي وجوب تركها و انما يخاف من رد الاخبار الحشوية الذين لا
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 199 *»
مسكة لهم هذا و الذي يقول الصدوق لا مستند له و الذي يستند اليه لا دلالة فيه و الحال انه ينفي السهو و يثبت الاسهاء و الاخبار خالية عن الاسهاء علي ما روي لنا و وصل و السهو علي قوله غير الاسهاء فالمروي غير مفتي به و المفتي به غير مروي حكمة بالغة فما تغن النذر هذا و اي تدليس من الشيطان اعظم من ذلك لان الله سبحانه يقول هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه و يقول و قال قل الله خالق كل شيء و قال كل من عند الله و قال الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلك من شيء و يقول و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و في الدعاء كل شيء سواك قائم بامرك و في الخبر حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فلاشيء غير الله الا و هو خلق الله من الذوات و الصفات و الجواهر و الاعراض و لاتصغ الي الجهال الذين يقولون ان افعال العباد ليست بمخلوقة لله سبحانه فانه قول بخلاف الكتاب و انما هو كتاب و سنة تؤثر عن الله فمن انكر منهما حرفا فقد كفر فلايذهبن بك المذاهب غاية الامر ان الطاعات مخلوقة لله سبحانه و مرضية لانها علي حسب محبته و ارادته و المعاصي مخلوقة لله عزوجل و مبغوضة لانها علي حسب غضبه و كراهته و انما خلقها علي حسب مسألة قوابل عباده كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا ان الله سبحانه خلق الخلق و امرهم و نهاهم و مكنهم من الجهتين و عرفهم النجدين فان اختاروا مراضيه سبحانه خلق لهم اعمالا صالحة علي حسب اختيارهم و لولا ذلك لميكونوا شركاء لله يخلقوا كخلقه و ان اختاروا مساخطه خلق لهم اعمالا سيئة علي حسب اختيارهم و لولا ذلك لميكن لهم ان يخلقوا كخلق الله ام خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء في القدسي انا الله لا اله الا انا خلقت الخير و الشر طوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر فافهم فقد اوقفتك علي توحيد الافعال و انقذتك من شرك الجهال فسهو كل ذي سهو باسهاء الله سبحانه بمشيته و ارادته و السهو وجود و الاسهاء ايجاد فان كان يريد ان النبي9 في نفسه لميختر السهو
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 200 *»
و قد اوجد الله سبحانه السهو من غير اقتضاء من قابليته فقد اخطأ لانه سبحانه يقول لايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و ان كان يريد ان النبي9 اختار السهو فخلق الله له السهو فاقول هل اختياره السهو كان بتوجهه الي ربه ام باعراضه عن ربه فان قلت باعراضه فقد اثبتت النقص و السهو فيه كما في ساير العباد و ان قلت بتوجهه الي ربه قلت ان التوجه الي الرب يصير سبب الكمال لا النقص و ان قيل من كثرة توجهه غفل عن الصلوة فذلك قول من لادرية له فان التوجه الي الله سبحانه بحفظ ما امر به من الخدمة فاذا القرب الي الله يكون سبب فساد جميع العبادات و الطاعات و الوقوع في المعاصي فاذا يمكن ان يتوجه احد الي الله سبحانه بحيث يغفل عن نفسه فيشرب الخمر و يزني و يلوط سهوا استغفر الله من القول بالباطل بالجملة القول بالاسهاء كلمة صدرت عن جهالة صرفة فانه لا عصيان في الدنيا الا بمشية الله دون رضاه في القدسي بنعمتي قويت علي معصيتي و بقوتي اديت الي فرايضي الخبر و النعمة الظاهرة معروفة و الباطنة اصحاب المدد و المشية فالقدر في اعمال العباد كالروح في الجسد و قد يقول الله سبحانه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و يقول و في انفسكم افلاتبصرون فاذا نظرت في نفسك هل تري يصدر حركة عن بدنك الا و انت المحرك الموجد لها غاية الامر ان كانت الاعضاء سليمة ظهرت الحركة علي نحو الاعتدال الصادر منك و ان كان في احديها رعشة او مرض ظهرت علي خلاف محبتك ولكنها بايجادك فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و عرف و اعتبر انه محال في الحكمة ان يخلق الله حجة يسهو و يلهو و يخطي و يغفل بل دائما مأمورون بامر الله عاملون بحكم الله بوحي خاص من الله سبحانه او عام علي حسب مراتبهم فيأتمرون بما امروا به في كل جزء من اجزاء الليل و النهار ففي كل جزء يتركون جميع ما هو خلاف جهة المأمور به و يعرضون عنه و يتوجهون بكلهم اليه حتي يؤدوه علي حسب ما امروا به من دون زيادة و نقيصة و ليس تركهم لما سويه ايضا نسيان ما سويه بل هو اعراض بامر الله سبحانه الي امر الله فمن زعم ان النبي و الحجة يسهوان خالف
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 201 *»
اجماع جميع الشيعة حتي الصدوق فانه لو عرف معني كلامه لبت علي عدم جوازه ولكنه تكلم بلفظ لميعرف معناه و ما عرفه انكره.
قال سلمه الله السؤال الحاديعشر اورد الاخباريون علي طريقة الشيخ و السيد رفع الله قدرهما ان الاخبار المتواترة و الايات المباركة مصرحة بحرمة العمل بالظن و الرأي و الهوي و الاستحسان العقلي في امور الدين و هي شاملة لاصول الدين و فروعه و مباحث الفلكيات و الارضيات بل جميع المسائل العلمية حتي انه ورد في الاخبار ان من قال للحصاة نواة و للنواة حصاة ثم دان بها فقد اشرك فيجب علي المؤمن الخائف من الله شديد العقاب ان لايسلك مسلك الفلاسفة و المتكلمين في اثبات المطالب عقلية كانت او شرعية بعقله بل يتوقف في حقايق الاشياء ان لميثبت نص من المعصوم و لا آية من القرآن و الا لكان ذلك عذرا للفلاسفة و المتكلمين و الصوفية في عقايدهم الباطلة اذا تمهد ذلك فيقال كيف ذكر الشيخ و السيد رضي الله عنهما في كتبهما امورا في شرح الايات و الاخبار مع انها ليست مصرحة بها في الاخبار و هذا تفسير و تأويل للقرآن و الاخبار بغير نص من المعصوم فهو تفسير بالظن و الرأي و الهوي و الاستحسان العقلي غاية ما يسلم لهما رحمهما الله تعالي ان تأويلاتهما ليست قطعية البطلان بل محتملة للصحة و البطلان كليهما لكن يجب علي الموحد التابع للقرآن و الاخبار المعصومية ان لايفسر شيئا منهما و لا يأوله الا بالنص الصحيح من المعصوم لمكان الايات و الاخبار الناهية باطلاقها عن العمل بالرأي و الظن و الاستحسانات الفكرية و الا لصح طرق الصوفية و تخييلاتهم و لبطل الدين و لاحتاج الدين الي عقول الناس و لكان ناقصا ملغزا و هذا اعضل المعضلات عندي.
اقول و لا قوة الا بالله عصمنا الله و اياكم من ضلة الاحلام و زلة الاقدام و طغيان الاقلام الجواب عن ذلك يقتضي منا بسطا في المقال ليتبين الحال لاسيما انه قد بلغنا ان بعضا من العلماء في اصفهان قد افتي بان كتب الشيخ الجليل من المتشابهات و يجب الاعراض عنها و صدقه غيره فلاجرم ينبغي ان نبسط المقال
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 202 *»
عسي ان يهدي الله المتعال به من يرجي النجاة له في المآل اعلم ان ما ذكروا من المقدمات من حرمة العمل بالظن و الاجتهادات و الاهواء و الاستحسانات و الرأي و القياسات مطلقة في جميع امور الدنيا و الاخرة و ينبغي في جميعها من اذن صريح من الله سبحانه في كتابه او من النبي و الحجج سلام الله عليهم في سننهم و من افراد تلك الاطلاقات ما ظنوا بالشيخ الجليل و السيد النبيل اجل الله شأنهما و انار برهانهما و حكموا في حقهما انهما و اتباعهما متمسكون بالشبهات خابطون في العشوات و يقولون بالرأي و الاستحسانات و ليس الشيخ و السيد في ملك الله سبحانه باصغر من الحصي و النواة فمن قال للحصاة نواة هو ادني الشرك منه و ادني النصب فكيف جوزوا ان يقولوا في حق متيقن انه شاك و في حق عالم انه يقول بغير علم و في حق بصير انه خابط فينتقض عليهم فتلهم و يرد عليهم ايرادهم فلو اوردهم الله سبحانه في معرض العدل و يقول لهم بل كذبتم بما لمتحيطوا بعلمه و لما يأتكم تأويله و ظننتم في عبدي ما لمتطلعوا عليه و ادعيتم علم غيبي و نازعتموني في سري و اني قلت في كتابي ان الله عليم بذات الصدور و انتم ادعيتم غيبي و استعلائي علي عبيدي مع اني قلت في كتابي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون و حرمت العمل بالظن في كتابي في سبعين آية و علي لسان نبيي في اخبار متواترة فكيف ظننتم ان عبدي هذا يقول بالهوي و لمتجالسوه و لمتسائلوه و لمتباحثوه و ان استندتم الي فهمكم من كلامه متي جعلت فهمكم ميزان ديني و صد الطالبين عن علماء عبادي الذين اصطفيتهم لان يمسكوا ازمة قلوب عبادي في بلادي حتي لايرتدوا و متي اوجبت علي عبيدي تقليدكم في افهامكم و رجمكم بالغيوب و الاخبار عن القلوب هذا و الرجل يدعوكم في اخريكم يا قوم كل مسألة ليس فيها آية محكمة مستجمع علي تأويلها و سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها و اجماع تعرف المسلمون عدله و دليل حكمة يعرفها ذو فؤاد و دليل موعظة يعرفه كل ذي حجي و دليل مجادلة يعرفه كل عالم باطلة و لا اقول بها و لا ادين الله عزوجل بها و لا افتي بها و لا ادعوا اليها احد او ان هذه الموازين لايفارق
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 203 *»
بعضها بعضا ولكن لايعرفها كل احد في كل مسألة و ان كان يمكن معرفتها لذوي الافهام بعد توقيف العالم و اظهارها و شرحها و قد نادي عبدي بذلك و ملأ به كتبه فلمتصغوا الي محكم كلامه و ركنتم الي ما لاتعرفونه من ساير كلماته الغامضة ثم ظننتم انه يقول من غير مستند و يقول بالرأي و الهوي و المتشابهات ثم صددتم الناس عنه و ظننتم ظن السوء و كنتم قوما بورا مع اني قد قلت من عادي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و انتم عاديتموه و اي عداوة اشد و اعظم من ان تقولوا ان علمه من المتشابهات و لايجوز الاخذ بها و الرجوع اليها و اي نصب له اعظم من ذلك اكنتم تظنون انه يجب علي كل عبد ان يتكلم بما لاتعدونه متشابها هيهات متي جعلت فهمكم ميزان حقي و الباطل و متي اذنت لكم بذلك الي غير ذلك من الحجج فاذا احتج الله عليهم بذلك ماذا يجيبون الله و ليس الشيخ و السيد باصغر من النواة و لا باهون عليه منها و قد غار الله علي نواة فكيف لايغير علي عبده المؤمن و قد قال الصادق7 علي ما رواه في المحاسن ان الله خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه فمن طعن علي المؤمن او رد عليه فقد رد علي الله في عرشه و ليس هو من الله في ولاية و انما هو شرك شيطان و قال7 لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا الي وصل مابين الله و بين المؤمن خضعت للمؤمن رقابهم و سهلت له امورهم و لانت طاعتهم و لو نظروا الي مردود الاعمال من السماء لقالوا لايقبل الله من احد عملا و في الحنظلية المعروفة المقبولة قال7 ينظران من كان منكم قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلميقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله الخبر اتظنون ان الشيخ لميكن راويا و ناظرا و عارفا و اتظنون ان كل شيء لميكن في كتاب و سنة و ليس لآل محمد: في كل مسألة حكم و اليس انه لايجب علي الفقيه المعروف بالتشيع و الانقطاع الي آل محمد
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 204 *»
: و العمل باخبارهم ان يذكر لكل احد جميع ادلته علي مسألته و اليس مع ذلك لايجوز الرد عليه كما سمعت فانظر ماذا تري و عن ابن ابينجران قال سمعت ابا الحسن7 يقول من عادي شيعتنا فقد عادانا الي ان قال اولئك اهل الايمان و التقي و الامانة من رد عليهم فقد رد علي الله و من طعن عليهم فقد طعن علي الله الميكن الشيخ شيعة و اهل ايمان و تقوي و امانة و عن عمر بن يزيد عن ابيعبدالله7 في رواية اذا قامت عليه الحجة بمن يثق به في علمنا فلميثق به فهو كافر و اما من لميسمع فهو في عذر حتي يسمع انتهي الميكن الشيخ موثوقا به في علم آل محمد: و عن ابيبصير ليث المرادي البختري قال قلت لابيعبدالله7 ارأيت الراد علي هذا الامر كالراد عليكم فقال يا با محمد من رد عليك هذا الامر كالراد علي رسول الله9 و علي الله و عن الحجة7 لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم و في دعاء الوسيلة في صفة علي7 من لااثق بالاعمال و ان زكت و لا اريها منجية لي و ان صلحت الا بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها الي غير ذلك من الروايات اتري ان الشيخ لميكن حامل الفضائل و راويها و قد ذكر ان التسليم لهما من شروط قبول الاعمال و ان زكت بالجملة فقد جاوز الباحثون ماحدوا و اغمضوا عن مر الحق و تعدوا و كان الواجب عليهم بعد معرفة ان الشيخ عالم من علماء الشيعة ينادي علي نفسه بمتابعة محكمات الكتاب و السنة و الاجماع في ارش الخدش فما فوقه كان الواجب عليهم ان يسلموا له كما يسلمون لساير الفقهاء و يذعنوا له كما يذعنون لساير الفقهاء الم يعلموا ان من سيرة الاخباريين و غيرهم ان يسلموا لفتايا محمد بن بابويه القمي فيما لميصل اليهم نصه تسليما بانه رجل لايفتي بغير نص و لذا يذكرون عقايد الصدوق في عداد الاخبار كما فعله المجلسي و غيره و يذكرون شرايع الاسلام التي افتي بها الصدوق في مجلس واحد في عداد الاخبار و كذا الصدوق
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 205 *»
نفسه مع ضمانه ان لايذكر في الفقيه الا الاخبار الصحيحة التي هي حجة بينه و بين ربه ذكر رسالة ابيه اليه في عداد الاخبار الصحيحة مع انها علي غير رواية و هكذا كان ديدنهم و لذا يعتنون بكل قول من فقيه وان لميعرفوا سنده فيدخلونه في اهل الاجماع و الشهرة و يتقوون في المسألة بضمه و لميكن من ديدن الشيعة ان يظنوا بفقيه ثقة عالم عادل ضامن ان لاينطق الا بالمحكمات هذه الظنون بمحض ان لميعرفوا له دليلا فلعله قد وصل اليه و لميصل اليهم و ان تأملوا في وثاقة الشيخ كلية فذلك خرق يتسع كثيرا و لميكن لاحد ان يظن بعلماء الشيعة خلاف الوثاقة فيما يروي او يفتي مدعيا باني رأيت فيه رواية و قويت في نظري و هذا الذي قلت هو ما قام عليه الاجماع في جميع الاصقاع و الاعصار و ليس عليه نكير من الشيعة و لا من الكتاب و السنة و ادلتها مذكورة في محالها لاسيما في كتابنا القواعد في علم الاصول بالجملة كل ما ذكر انما هو من اجل التنبيه حتي لاتغفلوا فتقعوا فيما فيه هلاككم فالناس طائفتان اما لميسمعوا بواعية هذا الجليل فهم في عذر حتي يسمعوا و ان سمعوا بواعيته و دعواه و لميعرفوا شأنه انه عالم ثقة امين راو ناظر عارف فشأنهم والله اعلم بهم ما كانوا يعملون و اما عرفوه بذلك فلميكن لهم رده و الطعن عليه و سوء الظن في حقه عرفوا برهانه ام لميعرفوه و اكثر الحق فيما لايعرفوه لاطلاق الادلة التي مضت من الاخبار غاية الامر انهم لايعرفون و لو وسعوا هذا الخرق و قالوا كلما لايعرف دليله من علماء الشيعة يجب رده و الطعن عليه وعده من الاهواء و الاراء لاتسع المجال لكل ذي مقال و لنعم ما قال الشاعر:
اذا شئت ان تحيا سليما من الاذي
و ذنبك مغفور و عرضك صين
لسانك لاتذكر به عورة امرء
فعندك عورات و للناس السن
و عينك ان اهدت اليك معايبا
فعظها و قل يا عين للناس اعين
و عاشر بمعروف و كن متوددا
و لاتلق الا بالتي هي احسن
فاذا عرفت هذه الجملة فاعلم ان الله سبحانه بعث رسوله و حججه: بعلمه في بلاده و عباده و انزل اليهم الكتاب تفصيلا لكل شيء فان من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 206 *»
شيء الا و فيه كتاب او سنة و لفظة شيء في الاخبار مطلقة تشمل كل ما يقال له شيء ففيهما جميع العلوم كائنا ما كان بالغا ما بلغ مثلا في القرآن مفصل جميع مسائل علم الكيميا و الليميا و الهيميا و الريميا و السيميا و مسائل الصرف و النحو و الادب و المعاني و البيان و الاصول و الفقه و المناظرة و الحكم الالهية و الطبيعية و الرياضيات من النجوم و الهيئة و علم المناظر و المرايا و علم ابعاد الاجرام و المجسطي و الرخائم و الضم و الاستنتاج و الطب و علم المقارنة و علم الرمل و الخيوط و الحصي و الاسطرلاب و الفلاحة و الصناعات و ساير الحيل و التدبيرات و غير ذلك من العلوم جميعها مشروح فيه مفصل بلاشك و من انكر ذلك فقد كفر و رد علي الله في عرشه لان الله سبحانه قال مافرطنا في الكتاب من شيء و يقول لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين و يقول و فيه تبيان كل شيء و هل لهذه الاطلاقات مقيد من العقول و الايات و الاخبار فاذا كان جميع ما يطلق عليه الشيء في القرآن مبينا مشروحا و لكل علم اصطلاح و لغة و ادلة فيجب ان يكون جميع ذلك فيه بجميع ما فيها من الاصطلاحات التي عليها بناء التعريف و التعرف في ذلك العلم عند الحكيم العالم و من ادلتها و حقايقها مما لميعرفها اهلها و هو والله كذلك و هل تظن ان الاخباري المتمحض في فن من فنون العالم لا علي كمال و احاطة تامة يقدر ان يعرف ساير العلوم التي في القرآن في ظواهره و هو لايعرف مصدرها و موردها و معناها و لفظها و دليلها و مدلولها هل يعرف كتاب الاسطرلاب المكتوب صريحا في علمه او كتاب المجسطي او الطب او غيره و لميلغزوا في كلامهم و انما ارادوا ضبط العلم و الاداء الي اخوانهم ها و هم بها عالمون يدرسون و يباحثون و ذلك الاخباري لايعلم ما يقولون و يعتذر باني لا اعلم هذا العلم و لا ادري الفاظكم و اصطلاحاتكم و هم قاعدون يتكلمون للتفهيم و هل يقدم عاقل ان يقول ان هؤلاء علمهم من غير دليل و هو لايعرف كلامهم اصلا فاذا امكن ان يكون كتاب في علم بلسان عربي مبين و يطالعه الاصولي و الاخباري بجهده و لايعرف مصدره و مورده فبالحري ان يكون في ظواهر القرآن الجامع لجميع العلوم ظاهر علم و كلما يتلوه الفقيه لايعرف منه شيئا و لماكان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 207 *»
جامعا لجميع العلوم بكله فالفقيه يعرف منه حظه و اما اذا نظر الصنعوي فيه نال منه حظه و ابصره عينه و عرفه قلبه و تيقن به و هو افصح الكتب كما يتيقن بساير كتب الصنعة و هكذا اذا نظر اليه اهل السيميا يقرؤنه و يعرفون منه علم السيميا بقلوبهم و يسمعونه بآذانهم و يبصرونه باعينهم ولكن الفقيه لايبصر و هو والله كذا يعرف العالم بحقيقة كل علم من القرآن تلك العلوم كما يعرف من كتبهم و لكن الطبيب اذا طالع جهده في كتب اهل النجوم لميفهم منها شيئا فالطبيب الكامل يعرف من القرآن الطب و المنجم البالغ يعرف النجوم و الصنعوي الماهر يعرف الصنعة و الفقيه الكامل يعرف الفقه فكلهم يعرفون علومهم كما ان الفقيه يعرف فقهه و كما ان للفقيه في القرآن محكما و متشابها و عاما و خاصا و مرسلا و محدودا كذلك يجده اهل كل فن فيه و لايسع احدا من ارباب العلوم ان يطعن علي الاخر ان كان ورعا تقيا نقيا لميعرف منه الكذب و يظهر منه بعض الشواهد فكيف يجوز لهؤلاء الفقهاء ان يطعنوا علي امرء مسلم ثقة عالم كامل في العلوم مستنبط اياها من الكتاب و السنة و لمايأتهم تأويله و هم بعد ما يذكر لهم دليله لايكادون يعرفون الا ان يقرؤا ذلك العلم علي اهله اياما حتي يعرفوه ثم يقرأوا و يباحثوا اياما حتي يصيروا فيه من العلماء و المجتهدين حتي يقدر احدهم ان يزيف دليلا و يقوي دليلا هيهات ان قوما يقرؤن ثلثين سنة في الاصول و يصرفون ليلهم و نهارهم فيه و بعد كل هذه اللتيا و التي لميبلغوا درجة الاجتهاد و الاصول وريقات عديدة و هو في جنب ساير العلوم كقطرة ماء في البحر الاخضر و لميعرفوا كنهه بعد ثلثين سنة قراءة و دراسة فيطمعون اولئك مع ان لميلقوا الرجل كبرا و حسدا او عذرا و لميسمعوا علومه و لميدركوا شؤنه و لميعرفوا لحنه و اصطلاحه و لميحصلوه من احد و هم متمحضون في فقه ناقص لايقبله منه اشباهه و ربما يكفره و يلعنه بانه ليس بفقيه و يفتي مثلا يطمع اولئك ان يعرفوا دليل الشيخ و اصله و استناده و آيته و سنته في المسألة ايريد ان يأتي الشيخ لكل علم بدليل فقهي هب جاء به اذا كنت لاتدري اصل العلم كيف تهتدي اليه فاولئك ينادون من مكان بعيد فانصفوا ربكم و رويدا لايغرنكم كليمات عربية تعلمتموها و انتم عن غيرها غافلون عجبا لهؤلاء
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 208 *»
القوم يتعلمون العربية في سنين عديدة و يريدون ان يعرفوا جميع العلوم الالهية و الاسرار الخفية في مكان واحد و زمان واحد و ذلك ايضا بالتكاتب و التراسل و الله ما ينصفون ربهم ثم هلا مررتم بالاخبار و تعلمون ما قال ابوجعفر7 ان للقرآن بطنا و له ظهرا و للظهر ظهرا يا جابر و ليس شيء ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الاية يكون اولها في شيء و آخرها في شيء و هو كلام متصل متصرف علي وجوه انتهي فكيف يمكن كل احد ان يعرف القرآن وكذا ما روي عن علي7 في احتجاجه علي الزنديق ثم ان الله قسم كلامه ثلثة اقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم و الجاهل و قسما لايعرفه الا من صفا ذهنه و لطف حسه و صح تميزه فمن شرح الله صدره للاسلام و قسما لايعلمه الا الله و ملئكته و الراسخون في العلم و انما فعل ذلك لئلا يدعي اهل الباطل المستولين علي ميراث رسول الله9 من علم الكتاب ما لميجعله الله لهم و ليقودهم الاضطرار الي الائتمام بمن ولي امرهم فاستكبروا عن طاعته و عن الحسن بن علي العسكري7 في تفسيره بعد كلام طويل في فضل القرآن قال اتدرون من المتمسك به الذي بتمسكه هذا الشرف العظيم هو الذي اخذ القرآن و تأويله عنا اهل البيت عن وسائطنا السفراء عنا الي شيعتنا لا عن آراء المجادلين و قياس الفاسقين الخبر و في البحار عن الحسين بن علي8 كتاب الله عزوجل علي اربعة اشياء علي العبارة و الاشارة و اللطائف و الحقايق فالعبارة للعوام و الاشارة للخواص و اللطائف للاولياء و الحقايق للانبياء: الي غير ذلك من الاخبار فاذا كانت الاشارة للخواص و اللطايف للاولياء فلايمكن العوام ان يعرفوها و يطلعوا علي مرادات الله منها و العوام و الخواص اضافيان فالفقهاء عوام بالنسبة الي علم الطب و الاطباء عوام بالنسبة الي علم النجوم و هكذا فمن ليس من اهل علم القرآن و هو العلم بجميع العلوم نوعا عامي بالنسبة الي علم القرآن و علم القرآن هو علم كلي احاطي يحيط بجميع العلوم فجميع الناس من اهل العلوم عوام
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 209 *»
في علم القرآن الا اهله و هم الذين عرفوا حقايق الاشياء بالعيان بعين الله سبحانه التي اعارهم حتي قدروا علي استنباط العلوم منه فهم الخواص و اهل الاشارة و كبراؤهم خواص الخواص و اهل اللطائف فلاكل ممتط الجزارة مركوب و كذلك السنة علي طبق الكتاب و فيها عبارة و اشارة و لطائف و حقايق و الناس في فهم السنة مختلفون فمنها ما يحتمله العوام و منها ما يحتمله الخواص و منها ما يحتمله خواص الخواص منها ما بينوه للعوام و منها ما بينوه للفقهاء و منها ما بينوه للحكماء و منها ما بينوه لاصحاب العلوم في اختلاف فنونهم في كل فن فن فلا كل احد عرف العربية عرف اخبارهم و في اخبارهم جميع ما يحتاج اليه من فن الكيميا و الليميا و الهيميا و السيميا و الريميا و ساير العلوم التي عددت سابقا عشر من اعشارها اذ ما من شيء الا و فيه كتاب او سنة فهل يعرفون الفقهاء جميع العلوم عنها و عن الصادق7 ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان او مدينة حصينة و سئل عن المدينة الحصينة فقال القلب المجتمع و عنه7 انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتنصرف علي وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء و لايكذب و عنه7 حديث تدريه خير من الف ترويه و لايكون الرجل منكم فقيها حتي يعرف معاريض كلامنا و ان الكلمة من كلامنا لتنصرف علي سبعين وجها لنا من جميعها المخرج و عنه7 انتم افقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا ان كلامنا لينصرف علي سبعين وجها و عن اميرالمؤمنين7 في الاربعمأة ان امرنا صعب مستصعب لايحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان و سئل ابوعبدالله7 عن قول اميرالمؤمنين7 ان امرنا صعب مستصعب لايقرّبه الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان فقال ان من الملائكة مقربين و غير مقربين و من الانبياء مرسلين و غير مرسلين و من المؤمنين ممتحنين و غير ممتحنين فعرض امركم هذا علي الملائكة فلميقربه الا المقربون و عرض علي الانبياء فلميقربه الا المرسلون
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 210 *»
و عرض علي المؤمنين فلميقربه الا الممتحنون الخبر و عن ابيجعفر7 اما و الله ان احب اصحابي الي اورعهم و افقههم و اكتمهم لحديثنا و ان اسوءهم عندي حالا و امقتهم الي الذي اذا سمع الحديث ينسب الينا و يروي عنا فلميعقله و لميقبله قلبه اشمأ منه و جحده و كفر بمن دان به و هو لايدري لعل الحديث من عندنا خرج و الينا اسند فيكون بذلك خارجا من ولايتنا و عن ابيجعفر7 قال رسول الله9 ان حديث آل محمد صعب مستصعب لايؤمن به الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوه و ما اشمئزت قلوبكم و انكرتموه فردوه الي الله و الي الرسول و الي العالم من آل محمد و انما الهالك ان يحدث بشيء منه لايحتمله فيقول والله ما كان هذا ثلثا و الانكار هو الكفر و عن ابيعبدالله7 قال ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الا صدور منيرة او قلوب سليمة و اخلاق حسنة الخبر و عن علي بن الحسين8 والله لو علم ابوذر ما ذا في قلب سلمان لقتله و لقد آخا رسول الله9 بينهما فما ظنكم بساير الخلق ان علم العالم صعب مستصعب لايحتمله الا نبي مرسل او ملك مقرب او عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان قال و انما صار سلمان من العلماء لانه امرؤ منا اهل البيت: فلذلك نسبه الينا و قال ابوعبدالله7 يقول حديث صعب مستصعب قيل فسره لي جعلت فداك قال ذكوان ذكي ابدا قلت اجرد قال طري ابدا قلت مقنع قال مستور و عن جابر عن ابيجعفر7 قال ان حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان وعر شريف كريم فاذا سمعتم منه شيئا و لانت له قلوبكم فاحتملوه و احمدوا الله عليه و ان لمتحتملوه و لمتطيقوه فردوه الي الامام العالم من آل محمد فانما الشقي الهالك الذي يقول والله ما كان هذا ثم قال يا جابر ان الانكار هو الكفر بالله العظيم و عن ابيعبدالله7 ان حديثنا صعب مستصعب شريف كريم ذكوان ذكي وعر لايحتمله ملك
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 211 *»
مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن قيل فمن يحتمله جعلت فداك قال من شئنا و عن اميرالمؤمنين7 ان حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش فانبذوا الي الناس نبذا فمن عرف فزيدوه و من انكر فامسكوا لايحتمله الا ثلث ملك مقرب او نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان الي غير ذلك من الاخبار و هي متجاوزة حد التواتر مذكورة في البحار فاذا كان علمهم و امرهم و احاديثهم كذلك فكيف يتوقعون ان يعرفوه و هي مخصوصة برجال دون آخرين و ليس العالم يقدر ان يفسر علمه لكل احد اذ قال الصادق7 ما كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله فكيف يقدر كل احد ان يفسر و كيف يقدر كل احد بعد التفسير ان يعرف و يفهم و يعقل و هل يدعي احدهم انه يعرف جميع العلوم فكيف يصح لهم ان يدعوا انا نعرف جميع الاخبار فاذ لميعرفوها فلم لميجوزوا ان يكون ما نقول من جملة ما لايعرفون و الرجل ينادي من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار فاذا كان مدار هؤلاء علي الاخبار فهلا راجعوا جميع الاخبار فيعرفوا ان لا كل تفسير للقرآن يحتمله كل احد و لا كل خبر يحتمله كل احد و لا كل احد من اهل اللحن فيعرف اللحن فكيف ظنوا بعلماء آل محمد: امثال هذه الظنون و قد اسبقنا آنفا ان من القرآن و الاخبار مطلق و منه مقيد و منه عام و منه خاص و منه محكم و منه متشابه و منه عبارة و منه اشارة و منه لطايف و منه حقايق و منه تصريح و منه تعريض و منه فحوي و منه تلويح و منه ظاهر و منه ظاهر ظاهر و منه باطن و منه باطن باطن و منه تأويل و منه باطن تأويل كل ذلك الي سبعين و من المسائل ما هو مذكور في حديث واحد و منها في حديثين او ثلثة او متفرق مجزي في احاديث عديدة بالتصريح و التلويح و من ذا منهم احاط بجميع الاخبار و جاس خلال الديار و فهم غوامض الاثار و جميع ما ذكرنا من الاطوار حتي يعتبر انكاره علي اهل الاعتبار فاعتبروا يا اولي الابصار فهل يكون كل احد اهل ذلك و هل لايكون لذلك اهل في جميع الشيعة فلايعرف من ذلك شيئا احد و هل يقدر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 212 *»
من يفهم ان يفهم من لايفهم و هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون فوالله لا ينصفون العلماء و يكلفونهم شططا فان كانوا يريدون معرفة ذلك فليأتوا البيوت من ابوابها و ليشدوا الحيازيم و ليشمروا عن السوق و ليحصلوه كما يحصلون ساير العلوم في سنين و شهور و قرون و دهور حتي يعرفوا موصولهم و مفصولهم و مدخلهم و مخرجهم منه و الحق من الباطل فيه و الا فليستعدوا للجواب يوم يقوم بالامر من اليه الاياب و عليه الحساب ان في ذلك لتذكرة لاولي الباب و لم صار جميع العلوم اصعب من علم القرآن الذي انزل بعلم الله و السنة التي هي دليل عقل المتكلم بها فصرتم تحصلون النحو في سنين و الاصول في سنين و تريدون ان تحصلوا علم تأويل القرآن و السنة و باطنهما من بعيد بمكاتبة مرة او مراسلة تارة فرويدا رويدا و اياكم و الكبر بمحض العلم بعربية بعض الاخبار ان تظنوا انفسكم من اهل الديار و قرناء الاخيار و عالمين بجميع شؤن الاثار و لو كان محض هذه الكليمات الاربع و الخمس التي تعلموها من ظاهر العربية علما لكان العربي البوال علي عقبيه عالما بالغا و حاشا ان العربية لسان كساير الالسن و العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب فمن كان يزعم ان الشيخ يأول القرآن بغير نص و يقتفي اثر المتشابهات فليسأل عن علمه حملته بشروط التعلم حتي يوقفوهم علي مأخذه و منشأه و يطلعوهم علي مر الحق المصيب و يعلموا انه لاينطق عن الهوي ان هو الا متابعة الائمة الهدي و لايتطرق الي كلماته من هذا الحيث خطاء و قد اعذر من انذر و تذكر من تذكر و فهم من انصف و اعتبر و انتهي عن الغي من ازدجر و الصلوة علي محمد خير البشر و آله الميامين الغرر ما طلع الشمس و تليه القمر و السلام علي من اتبع الهدي و الاثر و جانب الكبر و البطر.
قال سلمه الله السؤال الثانيعشر ان الايات و الاخبار مصرحة بان الافلاك سبعة كالاراضي مع ان الشيخ و السيد رفع الله قدرهما قائلان بانها تسعة بانضمام العرش و الكرسي مع ان الاخبار ليس فيها اصلا ما يدل علي ان العرش و الكرسي فلك و هذا مما حيرني ثم انهما طاب ثراهما كيف اعتقدا تجرد العقول و النفوس
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 213 *»
مع ان الاخبار ليست صريحة في ذلك و ان دل عليه بعضها ايماء و ايضا باي حديث استندا في بيان الترتيب بين السلسلة المشهورة من عالم الهباء و عالم المادة و عالم الطبيعة و عالم الظلال و امثال ذلك كثيرة في كتبهما فان كان عند مولينا سلمه الله خبر صحيح فسيذكره ان شاء الله و ما معني التجرد في تلك الامور اسألك يا سيدي و اشفع اليك ساداتك: ان تمن علي شيعة مواليك: و تكتب رسالة في جواب ما سألك عنه عبدك في تلك العريضة فان معرفة الجواب عن تلك الشبهات واجبة لكل احد من الشيعة و يبقي نفع الرسالة الشريفة بينهم الي يوم القيمة و اجرها مدخر لكم عند الله سبحانه و ان لمتمنوا علي بالجواب فانا سائلكم عنه يوم القيمة اذ ليس اليوم من يجيب عنها الا انت الي آخر كتابه.
اقول اياكم اياكم و هذا الغرور ان تقول ان الاخبار و الايات تنادي بكذا و انه ليس فيها اصلا او خالية عن كذا اذ ذلك قول علي الله بما لايعلم و اخبار آل محمد: ليست باقل من نواة فان كان فيها و انت تقول ليس فيها اليس الله يقول كذبت قد ذكرت في كتابي و اتهمتني فوق عرشي و يقول الحجة كذبت انا قد ذكرنا ذلك في اخبارنا ولكنك كنت قاصرا عن فهمها فعن النبي9 اتقوا تكذيب الله قيل يا رسول الله و كيف ذاك قال يقول احدكم قال الله فيقول الله عزوجل كذبت لماقله و يقول لميقل الله فيقول عزوجل كذبت قد قلته فاني اعظك يا اخي ان تتثبت في امورك و لاتستعجل و لاتغتر و لاتبطر بكم خبر سمعتها و دريت عربيتها الظاهرة فانك علمت شيئا و غابت عنك اشياء و لاتضجر من مر نصيحتي فانك قد اسأت الادب علي محيي الاسلام و المسلمين و مجدد الدين المبين و مقوم الشرع المتين حيث ذكرت انهم يقولون بكذا و الاخبار خالية عن ما يقولون فان ذلك نسبة كل قبيح اليهم و لو تدبرت في لوازمها فهمت و لولا ان عزمي علي تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين عن الدين المبين لكنت بالاعراض عنك حقيقا و بعدم الالتفات الي جوابك قمينا لانك جسرت جسارة عظيمة لو لمتستغفر الله و تؤب اليه فقد والله يحبط اعمالك جميعا ان افتريته فعلي اجرامي والله ما قلت ذلك الا من الكتاب و السنة الصريحين
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 214 *»
ولكن عزمي علي ما ذكرت فاقول ان سيديّ و سنديّ لا يتكلمان بغير الكتاب و السنة ولكن اما يكون قولهم في ظاهرهما او في اشاراتهما لاهلها او في لطايفهما او في حقايقهما المفهومة بتوقيف الحجج: او في ظاهر ظاهرهما او في باطنهما او باطن باطنهما او غير ذلك و لايجب ان يكون كل مسألة مذكورا بجميع ما فيها في نص واحد لا في الفقه و لا في غيره بل لاتجد مسألة تکون بجميع ما فيها مذكورة في حديث واحد و انما يستنبط العالم مسائله من الكتاب و السنة فلربما يستنبط من سبعين حديثا او ازيد ثم ربما لايفهم ما يفهمه منها غيره ممن لميبلغ درجته و استغفر الله من زلة الاقدام و ضلة الاقلام.
اعلم ان للعرش و الكرسي عندنا اطلاقات فمرة نقول العرش و نريد به الوحدانية لله سبحانه و منه قوله سبحانه سبحان رب العرش عمايصفون اي رب الوحدانية قال ابوعبدالله7 فيه رب الوحدانية عما يصفون و مرة نقول العرش و نريد به المشية و منه قوله و كان عرشه علي الماء لما روي ان الماء اول ما خلق الله فالعرش الذي عليه هو المشية و مرة نقول العرش و نريد به العلم و منه قوله تعالي يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يعني به العلم فعن الكافي عن الصادق7 قال حملة العرش و العرش العلم ثمانية اربعة منا و اربعة ممن شاء الله و مرة نقول العرش و نريد به الملك و منه قوله سبحانه رب العرش العظيم قال الصادق7 يقول الملك العظيم و قوله الرحمن علي العرش استوي يقول علي الملك احتوي و هذا ملك الكيفوفة في الاشياء و مرة نقول العرش و نريد به مظهر الرحمانية و ذلك ما روي في مناجاة يوم عرفة يا من استوي برحمانيته علي العرش فصار العرش غيبا في رحمانيته كما صارت الاشياء غيبا في عرشه و مرة نقول العرش و نريد به علم الباطن كما نقول الكرسي و نريد به علم الظاهر كما قال الصادق7 فيهما العرش في الوصل منفرد من الكرسي لانهما بابان من اكبر ابواب الغيوب و هما جميعا غيبان و هما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع و منه الاشياء كلها و العرش
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 215 *»
هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الاين و المشية و صفة الارادة و علم الالفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البدء فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوي ملك الكرسي و علمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال رب العرش العظيم اي صفته اعظم من صفة الكرسي و هما في ذلك مقرونان قيل جعلت فداك فلم صار في الفصل جار الكرسي قال لانه صار جاره لان علم الكيفوفة فيه و فيه الظاهر من ابواب البداء و ابنيتها و حد رتقها و فتقها فهذان جاران احدهما حمل صاحبه في الطرف الخبر و مرة نقول العرش و نريد به العقل و نريد بالكرسي الصدر اي النفس نظرا الي ان قلب المؤمن عرش الرحمن و المراد بالقلب العقل كما قال سبحانه ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب اي عقل فالكرسي ظاهره و محل العلم الظاهر فهو النفس و الصدر و قد قال سبحانه بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و مرة نقول العرش و نريد به القلم و بالكرسي اللوح نظرا الي ما روي ان القلم اول ماخلق الله و في رواية اول ما خلق الله العقل و العقل هو العرش فالقلم هو العرش و روي ان القلم ملك يؤدي الي اللوح و هو ملك و القلب يؤدي الي الصدر و هو في غيبه و لايليه الا الصدر و العرش و الكرسي جاران احدهما حمل صاحبه في الطرف اي الكرسي حمل العرش و العرش فوقه فالقلم هو العرش و اللوح هو الكرسي و مرة نقول العرش و نريد به سقف الجنة و من الكرسي الجنة لما روي ان سقف الجنة عرش الرحمن و مرة نقول العرش و نريد به الدين و منه قوله سبحانه و كان عرشه علي الماء بتفسير كماقال ابوعبدالله7 فيه ان الله حمل علمه و دينه الماء قبل ان يكون ارض او سماء او جن او انس او شمس او قمر فلما اراد ان يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم من ربكم فكان اول من نطق رسول الله9 و اميرالمؤمنين و الائمة: فقالوا انت ربنا فحملهم العلم و الدين ثم قال للملائكة هؤلاء حملة علمي و ديني الخبر فهم الماء و ذلك المذكور في
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 216 *»
القرآن الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و ذلك الماء اول ما خلق الله و مرة نقول العرش و نريد به محمدا9 و النبوة و الكرسي و نريد به عليا7 و الولاية نظرا الي ان محمدا اول العابدين و علي نفسه و مرة نقول العرش و نريد به الانوار الاربعة كما روي عن ابيجعفر7 ان الله عزوجل خلق العرش من انوار مختلفة فمن ذلك النور نور اخضرت منه الخضرة و نور اصفر اصفرت منه الصفرة و نور احمر احمرت منه الحمرة و نور ابيض و هو نور الانوار و منه ضوء النهار الخبر و مرة نقول العرش و نريد به العلم الذي لايقدر احد قدره الذي به خلقت المشية و نريد بالكرسي العلم الذي علمه الله خلقه المشار اليهما و لايحيطون بشيء من علمه لانه محيط بكل شيء و هو العرش الا بما شاء و هوالكرسي و هو يحاط به و يدل عليه قول ابيعبدالله7 العرش هو العلم الذي لايقدر احد قدره و قال في قوله تعالي وسع كرسيه السموات و الارض قال علمه و مرة نقول العرش و نريد به الوجود و الكرسي و نريد به الماهية لما سئل ابوعبدالله7 عن العرش و الكرسي ما هما فقال7 العرش في وجه هو جملة الخلق و الكرسي وعاؤه الخبر و ليس القديم وعاء الحادث فهو منه و وعائه انيته وحده الذي هو فيه و مرة نقول العرش و نريد به الصور العلمية النورية التي هي نفس المعصوم و نريد بالكرسي الظلمات و الجهل و يدل علي ذلك ما روي عن الصادق7 العرش هو العلم الذي اطلع الله تعالي عليه انبيائه و رسله و حججه و الكرسي هو العلم الذي لميطلع الله عليه احدا من انبيائه و رسله و حججه: انتهي فالجهل و ما تحت الثري علم لله دون الحجج: و مرة نقول العرش و نريد به ماسوي الله كما قال ابوعبدالله7 في قوله الرحمن علي العرش استوي قال7 استوي من كل شيء فليس شيء اقرب اليه من شيء و مرة نقول الكرسي و نريد به الامكان الراجح و يدل عليه قول ابيعبدالله7 العرش و كل شيء في الكرسي فالعرش حينئذ من الامكان المقيد فيمكن ان يراد من الخبر الذي مضي انه اطلع الحجج
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 217 *»
علي علم العرش و لميطلعهم علي علم الكرسي علي هذا المعني ايضا الي غير ذلك من الجهات فليسا بهذه الوجوه من الافلاك و لايقول احد انهما من الافلاك و قد نريد بالكرسي فلك الثوابت و بالعرش محدد الجهات و هما جسمان كساير الافلاك كرويان احدهما فوق الاخر و العرش فوق الكرسي و يدل علي ذلك قول ابيعبدالله7 السموات و الارض و ما بينهما في الكرسي و عن اميرالمؤمنين7 ان السماء و الارض و من فيها من خلق مخلوق في جوف الكرسي و عن الصادق7 كل شيء خلق الله في جوف الكرسي خلا عرشه فانه اعظم من ان يحيط به الكرسي الي ان قال ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات و الارض و الكرسي اكبر من كل شيء ثم خلق العرش فجعله اكبر من الكرسي انتهي و عن رسول الله9 ما السموات السبع و الارضون السبع في الكرسي الا كحلقة ملقاة بارض فلاة و ان فضل العرش علي الكرسي كفضل الفلاة علي الحلقة و عن ابيالحسن7 العرش اسم علم و قدرة و عرش فيه كل شيء و قول الله سبحانه وسع كرسيه السموات و الارض و ما روي ان سقف الجنة عرش الرحمن و قد روي ان الجنة في السماء و ابوابها ثمانية فهي الافلاك السبعة و الكرسي و سقفها العرش فقولنا انهما فلكان يعني انهما جسمان كرويان فوق السموات السبع لطيفان دايران كما هو محسوس لكل ذي عينين و دل عليه الاخبار السابقة و عرج اليهما رسول الله9 و وصل اليهما بجسمه فهما سماءان لانهما في جهة السمو اي العلو و فلكان اي دائران و هما سماءان لانهما معدن جميع الفيوضات النازلة كما علل اميرالمؤمنين7 سميت السماء سماء لانها وسم الماء يعني معدن الماء و جميع ما ينزل الي الارض ينزل من العرش و الكرسي الي السماوات الي السحاب الي الارض رزقكم في السماء و ما توعدون و ان من شيء الا عندنا خزائنه فلمادر مشاحتكم في الاسم و لا فائدة فيها او في كونهما جسمين و هما محسوسان لمن علم سر المجسطي و الهيئة و عرف صريح الكتاب و السنة كما مر و سبب ما كثر في الايات و الاخبار
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 218 *»
السماوات السبع و الارضون السبع انهما كليان و السماوات السبع جزئيات و من شئون الكرسي فلايعد الاصل مع الفرع في التعداد فيقال السماوات السبع و الكرسي و العرش و من يقول الافلاك تسعة يريد به الاجسام الكرية المستديرة تسعة و يريد به محض الاجتماع في الصفة و قد فهمت ان السماوات في الكرسي و الكرسي في العرش فهما جسمان اجوفان مستديران فتبين انهما اجل الله شأنهما لايقولان ما ليس في الاخبار ولكن لايجب ان يكون الامر في خبر واحد بل هما لسعة تتبعهما يستنبطون الشيء من اخبار كثيرة و لايحتمل استنباطهم كل احد و اما قولك انهما اعتقدا تجرد العقل و النفوس فان كنت تريد من التجرد البساطة الحقيقية فحاشاهما عن ذلك ثم حاشاهما فان روي لك احد عنهما فقد افتري عليهما والله مكافيه و ان رأيت في كتابهما ما اوهم لك ذلك فقد غفلت عن المراد و لايعلم رطنهم الا ولد بطنهم فانهما يرويان عن الرضا7 ان الله لميخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه الخبر و يقرءان قول الله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين و يدينان الله به و يقولان كل ممكن زوج تركيبي فمرادهما بتجرد العقول و النفوس تقدسهما عن المواد العنصرية و المدد الزمانية و ذلك لاشك فيه و لا ريب يعتريه انهما من فوق الزمان و ليسا بجسمين و قد قال اميرالمؤمنين7 حين سئل عن العالم العلوي صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد و لا اشكال في ذلك و لمار خبرا يؤمي بتجرد العقل و النفس علي معني بساطتهما الحقيقية و ان كان و لماره فمأول لانه يخالف الكتاب و السنة و الاجماع و العقل و اما الدليل علي السلسلة العرضية التي يذكرها الشيخ غالبا و هي الوجود و العقل و الروح و النفس و هي الظلال و الطبع و المادة و هي البهاء و المثال و هو الظلال و الذر و الجسم فذلك ايضا من عدة اخبار و لايستقيم ذكرها في الكتب و الرسائل الا ان يسمعها الانسان معاينة من عالم خبير ولكني اشير الي ذلك بقدر ما يمكن فعن الصادق7 في حديث نسبحه و نمجده و نقدسه في ستة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 219 *»
اكوان كل كون منها ما شاء الله من المدا قال المفضل يا سيدي فمتي هذه الاكوان قال يا مفضل اما الكون الاول فنوراني لا غير و اما الكون الثاني فجوهري لا غير و اما الكون الثالث فهوائي لا غير و اما الكون الرابع فمائي لا غير و اما الكون الخامس فناري لا غير و اما الكون السادس فاظلة و ذر لا سماء مبنية و لا ارض مدحية فيه الذي قال الله تعالي خلق الجان من مارج من نار الحديث فالكون النوراني هو مادتهم التي هي وجودهم لما قال النبي9 اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر و قال اميرالمؤمنين7 خلقنا من نور الله و خلق شيعتنا من شعاع نورنا فالكون النوراني مقام الحقيقة و الوجود و اول فايض من امر الله و الماء الاول و غير ذلك و اما الكون الجوهري فهو الذي يليه و هو العقل و اول ما خلقه الله بعد الكون الاول و قد قال علي7 العقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب انتهي و جميع ماسوي العقل اظلاله و اعراضه لانه الاول و ماسويه جميعها مقامات ادباره كما روي اول ما خلق الله العقل ثم قال له ادبر فادبر الخبر و اما الكون الهوائي فهو الروح لما قال ابوعبدالله7 في قوله عزوجل و نفخت فيه من روحي ان الروح كالريح و انما سمي روحا لانه اشتق اسمه من الريح و انما اخرجه علي لفظ الريح لان الارواح مجانس للريح الخبر و لايبصر ما ذكر الا ذو البصر واما الكون المائي فهو النفس لانها مقام التصوير و قبول التقدير و بطن الام و مزاجها مزاج الماء البارد السيال القابل للاشكال و اليه الاشارة بقول علي7 صور عارية عن المواد عالية عن القوة و الاستعداد الخبر و بحر صاد المخلوق تحت العرش باعتبار و قال رسول الله9 ان الله تبارك و تعالي خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لميطلع عليه نبي مرسل و لا ملك مقرب فجعل العلم نفسه و الفهم روحه الخبر الي غير ذلك من جهات الحكمة و اما الكون الناري فهو الطبع الياقوتة الحمراء التي نظر الله اليها بنظر الهيبة فذابت و هي النار المخلوقة من الشجر الاخضر في قوله
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 220 *»
سبحانه الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فافهم و اما الاظلة و الذر فالاظلة المواد و الذر المثال جمعهما في كون واحد لان المواد لا تتحصص الا في الامثلة و هي كما روي عن ابيجعفر7 ان الله اول ما خلق خلق محمدا و عترته الهداة المهتدين فكانوا اشباح نور بين يدي الله قيل و ما الاشباح قال ظل النور ابدان نورانية بلا ارواح و كان مؤيدا بروح واحد الخبر و عنه7 ان الله خلق الخلق فخلق من احب مما احب و كان ما احب ان يخلقه من طينة الجنة و خلق من ابغض مما ابغض و كان ما ابغض ان يخلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال قيل و اي شيء الظلال قال الم تر ظلك في الشمس شيء و ليس بشيء الخبر بالجملة فالاظلة عالم المثال الاتري في منامك الاشخاص كظلك في الشمس شيء و ليس بشيء ثم بعده الجسم المحسوس و الانسان بعد ما مات يجعل روحه في مثاله كما هو معروف في الاخبار و اعلم ان مدارك هذه الامور من الاخبار بعيدة عن ذهن الناس فانهم ليسوا من اهل الحكمة و من قال الله سبحانه انما يتذكر اولوا الالباب و الاستدلالات الحكمية من الاخبار و الكتاب علي خلاف استدلال الفقهاء في فقههم و هؤلاء لايحتاجون في الاخبار و قرائن الحكمة الي شهرة و اجماع و تصحيح رجال فان العقل و آيات الافاق و الانفس من ورائها ولايتخلف بعضها عن بعض لو اردت ان اذكر لك جميع الاستدلال لذهلت فان ما كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر اهله و في ما ذكرنا كفاية و بلاغ.
قال سلمه الله ثم سنح لعبدكم اشكالات اخر ايضا التمس من رأفتكم و رحمتكم علي الشيعة بيان الجواب عنها منها ان بعض الاخبار يدل علي ان الائمة: عالمون بجميع ذرات الوجود غير غافلين عن شيء منها و بعض الاخبار يدل علي انهم: قد يقبض عنهم: فلايعلمون فما التوفيق بين تلك الاخبار و ما كيفية حال علومهم: بالاشياء هل انها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 221 *»
حاضرة لديهم: او انها غائبة عنهم: لكن كلما التفتوا و توجهوا الي الاشياء علموها فبين لنا حقيقة الامر بقاعدة كلية تنطبق علي جميع الاحاديث.
اقول اعلم ان لآل محمد: مقامات و حالاتهم في تلك المقامات مختلفة فاعلي مقاماتهم المعاني و هم في هذا المقام عالمون بجميع ما دخل في عرصة الوجود فانهم علم الله الذي احاط بكل شيء و نوره الذي اضاء لكل شيء و قدرته التي غلبت كل شيء و رحمته التي وسعت كل شيء و قوته التي قهر بها كل شيء و ذل لها كل شيء و جبروته التي غلبت كل شيء الي غير ذلك من الصفات الكلية فهم في هذا المقام يعلمون كل شيء بما علمهم الله سبحانه كماقال لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء و قد شاء الله علمهم بكل ما دخل في عرصة الوجود اذ جعلها من شعاعهم و نورهم فلايخفي علي المنير نوره نعم لايعلمون ما هو في الامكان و لمايخرج الي عرصة الوجود الا علي نحو ما هو عليه في الامكان من الامكان فهم في هذا المقام لايغفلون عن شيء من الاشياء اذ بتوجههم اليها هي باقية موجودة فلو اعرضوا عن شيء لانعدم من ساعته ثم من مقاماتهم الابواب فهم: في هذا المقام ايضا عالمون بجميع ما صدر عن المشية الكونية فانهم في هذا المقام باب كل فيض و مدد ينزل الي الخلق فلاينزل اليهم شيء الا بعد ان وصل اليهم و نزل عنهم فهم مشاهدون في هذا المقام كلما فاض عنهم فانما مثلهم في هذا المقام مثل السراج الذي هو باب افاضة النار علي الاشعة فلايصل اليها نور و لا حرارة الا بواسطة السراج فلو غفل السراج عن جزء منه لعدم من ساعته و الفرق بين هذين العلمين تجدد العلم في المقام الثاني شيئا بعد شيء و امرا بعد امر بخلاف الاول فلاتغير فيها و لاتبدل و لاتجدد فالعلم الاول كالعين و العلم الثاني كالنهر الجاري منها بلانفاد ثم من مقاماتهم مقام الامامة الظاهرة في هذا العالم علي حسب مقتضي هذا العالم و هذا العالم علي ما تري متجدد تجددا زمانيا و الحال الثاني غير الحال الاول و حركته غير سكونه و صحته غير مرضه و كبره غير صغره و توجهه غير ادباره و اقترانه غير افتراقه و هكذا و هذه الحالات
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 222 *»
متجددة تجددا زمانيا شيئا بعد شيء و امرا بعد امر كماكان المقام السابق متجددا تجددا دهريا شيئا بعد شيء و امرا بعد امر الا ان الشيء الدهري يشمل جميع الزمان و الزمانيات فهم في الزمان يجري اليهم جدول من الانهار الدهرية الجارية من عين السرمد فلهم في الزمان ما هم فيه لا قبله و لا بعده و في الدهر ما هم فيه لا قبله و لا بعد و في السرمد ما هم فيه و لا قبل له و لا بعد ففي السرمد احاطة حاضرة لا قبض فيه و في الدهر قبض دهري و بسط دهري و في الزمان قبض زماني و بسط زماني فمثل القبض و البسط طومار قد كتب فيه كتبا حاضرا كل شيء ولكن الناظر ناظر في وسطه و اوائله الي ذلك السطر مطوية و اواخره مطوية و هو ناظر في الوسط فيطوي الاول شيئا فشيئا و ينشر الاخر شيئا فشيئا و ينقل نظره الي سطر بعد سطر و لو فهمت حدود كلامي لعلمت كل شيء تريد و اجتمع لك الاخبار كلها فالذي يدل علي العلم الاول اخبار متواترة منها ما رواه في الكافي بسنده عن سليم بن قيس الهلالي عن اميرالمؤمنين صلوات الله عليه قال ان الله تبارك و تعالي طهرنا و عصمنا و جعلنا شهداء علي خلقه و حجته في ارضه الخبر و بسنده عن بريد العجلي قال سألت اباعبدالله7 عن قول الله عزوجل و كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس فقال نحن الامة الوسطي و نحن شهداء الله علي خلقه و حججه في ارضه الخبر و يدل عليه مفهوم قوله تعالي بئس للظالمين بدلا ما اشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضدا فقد اشهدهم الله خلق السموات و الارض و خلق انفسهم لانهم العادلون و اتخذهم اعضادا لانهم الهادون و ذلك قوله7 في الرجبي في وصفهم اعضاد و اشهاد و حفظة و رواد و مناة و اذواد الدعاء فافهم و الذي يدل علي علمهم في المقام الثاني ما رواه عن ابيبصير قال قال ابوعبدالله7 الاوصياء هم ابواب الله عزوجل التي يؤتي منها و لولاهم ماعرف الله عزوجل و بهم احتج الله تبارك و تعالي علي خلقه و بسنده عن ذريح المحاربي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 223 *»
قال قال لي ابوعبدالله7 يا ذريح لو لمنزدد لانفدنا و الذي يدل علي حالهم الثالثة ما رواه عن ابيالربيع الشامي عن ابيعبدالله7 قال ان الامام اذا شاء ان يعلم علم و ما رواه في البصاير عن ضريس قال كنت مع ابيبصير عند ابي جعفر7 فقال له ابوبصير بما يعلم عالمكم جعلت فداك قال يا ابا محمد ان عالمنا لايعلم الغيب و لو وكل الله عالمنا الي نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث اليه ساعة بعد ساعة و روي يبسط لنا فنعلم و يقبض عنا فلانعلم و عن ضريس عن ابيعبدالله7 العلم ما حدث بالليل و النهار يوما بيوم و ساعة بساعة انتهي و لهم في هذا المقام علوم عديدة كالتعلم من الاباء و وراثة الكتب و الاستنباط من الكتاب و السنة و الافاق و الانفس و الالهام و القذف و النقر و النكت و التسديد و التأييد و غير ذلك فهذه جهات علومهم و مقاماتها و ان فهمت ما ذكرت اجتمع لك الاخبار بلا غبار فافهم و قد جمعت لك كل شيء تريد.
قال وفقه الله و منها ان قوله تعالي و قالوا لولا انزل عليه آية من ربه يدل علي ان معجزات رسولنا منحصرة في القرآن مع تواتر الاخبار بعدم الانحصار.
اقول لم ار للمفسرين تفسيرا لهذه الاية و امثالها يكشف عن المراد الا ان الذي يختلج في صدري ان مرادهم بآية شيء نازل من خصوص السماء او انهم ارادوا بذلك هلا ينزل عليه آية ظاهرة بينة من السماء تدوم فينا و تبقي حتي نستدل بها ابدا علي نبوته فانه اذا نزلت الاية من السماء لميسع علي ظنهم احدا ان يقول اختلقها و انما ارادوا بذلك حذو ما سألت النصاري عيسي حيث اقترحوا اذ قال الحواريون يا عيسي بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين قالوا نريد ان نأكل منها و تطمئن قلوبنا و نعلم ان قد صدقتنا و نكون عليها من الشاهدين قال عيسي بن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا و آخرنا و آية منك و ارزقنا و انت خير الرازقين قال الله اني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني اعذبه عذابا لا اعذبه احدا من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 224 *»
العالمين فاراد هؤلاء ان ينزل عليهم آية من السماء حتي يشاهدوها نازلة من السماء ليكون آية منه بينهم و في هذا المعني اربع آيات يشهد بعضها لبعض احديها و قالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل ان الله قادر علي ان ينزل آية ولكن اكثرهم لايعلمون انظر كيف ركبوا طبقا عن طبق لميخالف آخرهم اولهم اولئك قالوا هل يستطيع ربك و هولاء قالوا لولا نزل عليه آية و ارادوا سخرية ان الله لايقدر و لايستطيع و لذا اجابهم الله ان الله قادر علي ان ينزل آية و الثانية و يقولون لولا انزل عليه آية فقل انما الغيب لله فانتظروا اني معكم من المنتظرين و الثالثة و يقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه انما انت منذر و لكل قوم هاد و الرابعة و يقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه قل ان الله يضل من يشاء و يهدي اليه من اناب الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله الاية ففي الاية الاولي ارادوا حذو ارادة النصاري حيث طلبوا الاية ليطمئنوا بها و يكونوا عليها من الشاهدين فقال الله سبحانه قل ان الله قادر علي ان ينزل اية ولكن اكثرهم لايعلمون انها اذا جاءت و لميؤمنوا بها ليعذبهم الله عذابا شديدا لايعذبه احدا من العالمين كالنصاري كما انهم كفروا بالاية النازلة فمسخهم الله خنازير و هم ثلث مأة و ثلثة و ثلثون رجلا باتوا من ليلتهم علي فرشهم مع نسائهم في ديارهم فاصبحوا خنازير يسعون في الطرقات و الكناسات و يأكلون العذرة في الحشوش كما نقل عن سلمان رضي الله عنه فهؤلاء لايعلمون انهم لو لميؤمنوا لهلكوا و مسخوا و هذا لاينبغي في امتك اكراما لك قبل او انه والله يعلم انهم لايؤمنون كما قال و اقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل انما الايات عند الله و ما يشعركم انها اذا جاءت لايؤمنون الايات و عن القمي في تفسير لايعلمون في الاية السابقة لايعلمون ان الاية اذا جاءت و لميؤمنوا بها لهلكوا فعدم اظهار الاية المقترحة لطف بهم و كرامة و لايدل هذه الاية علي عدم جري آية علي يديه و انما ارادوا نزول آية من السماء يشاهدوها نازلا كما اقترح النصاري و الاية ظاهرة في ذلك فلاتدل علي حصر معجزاته في القرآن و عن الباقر7 في هذه الاية
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 225 *»
سيريكم في آخرالزمان آيات منها دابة الارض و الدجال و نزول عيسي بن مريم و طلوع الشمس من مغربها انتهي فهنالك اذا لميؤمنوا هلكوا و لا بأس باهلاكهم لانهم تزيلوا و قال الله سبحانه لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا يشهد بذلك الاية الثانية حيث قال فقل انما الغيب لله فانتظروا اني معكم من المنتظرين يعني ان الله سبحانه اعلم بما في الاصلاب و الارحام و يعلم متي يتزيلون فانتظروا تزيلهم اني معكم من المنتظرين فلو تزيلوا نزلت عليهم الايات و اذا لميؤمنوا عذبوا هنالك و يشهد بذلك ايضا الاية الثالثة حيث يجيب الله سبحانه انما انت منذر و لكل قوم هاد يعني انما انت منذر من يخشيها و ما يقترحونه عند ظهور الهادي في آخر الزمان فان هنالك اذا لميؤمنوا يجوز اهلاكهم في الحكمة و بين دليل عدم ايمانهم في الاية الرابعة فقال يهدي اليه من اناب لا من اقترح بما فيه هلاكه و بواره و ما ذكرناه في تفسيرها ليس تفسيرا بالرأي و انما هو بقرائن الاخبار و شواهد الايات والله يعلم ما قصد من كلامه من الحكم و المصالح غير ما ذكرنا بالجملة لاتدل هذه الايات علي انحصار المعجز في القرآن فانهم لميقولوا لولا ظهر علي يده معجز و انما قالوا لولا انزل عليه آية كما قال الله سبحانه ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت اعناقهم لها خاضعين ولكن في آخرالزمان ينزل فينادي المنادي باسم الصاحب عجل الله فرجه و ظهور جسد اميرالمؤمنين من السماء في عين الشمس يعرف بحسبه و نسبه فالامر واضح ان شاء الله لا غبرة عليه.
قال سلمه الله و منها انه ما الفائدة في تكرار القصص و غير القصص في القرآن و ما وجه الحكمة في ذلك.
اقول تكرار القصص كتكرار الالفاظ و الحروف فكما انه يحتاج الي الالفاظ و الحروف في بيان المعاني و تكرر ليحصل من اقتراناتها معاني جديدة كذلك تكرار القصص لمعاني جديدة فان من اقتران الحكايات يستنتج مسائل اخر و لايعرف ذلك الا اهل الحكمة و في الظاهر لزيادة التنبيه و العبرة و التذكر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 226 *»
فلو ذكر قصة موسي مثلا في مكان واحد و بلغ الكلام موضعا يحتاج الي الاستشهاد بامر موسي و التنبيه عليه و لميذكرها لنقص التنبيه و الدلالة و الحوالة غير كافية لعدم مراجعة القارين عند القراءة الي مواضع الشواهد و عدم تنبه السامعين و حفظهم لها فذکر القصص في كل موضع بقدر الحاجة مع ما فيه من معجز آخر انه سبحانه ليس يعجز عن بيان مطلب واحد بعبارات عديدة فلا عذر لكم ان تقولوا ان لهذه المطالب لميكن الا عبارة واحدة و اخترتها فليس لها اخت نأتي بها فذكر الله القصص بعبارات عديدة حتي لايبقي لهم عذر قبل نزول البعض و بعدها ثم ان القرآن سر الحبيب مع الحبيب لايطلع عليه الرقيب و ما يشعركم ان كلمة موسي مثلا مثل عن اي شيء و عمن و اريد به اي مطلب
و لكل رأيت منها مقاما
شرحها في الكلام ممايطول
و لقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل و لفظة كل سور عظيم لايخرج عنه خارج فافهم و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون قال ابوعبدالله7 في رسالة و انما القرآن امثال لقوم يعلمون دون غيرهم و لقوم يتلونه حق تلاوته الخبر.
قال و منها ما في الحديث ان الله امر جبرئيل بأخذ قبضة من التراب حين اراد خلق آدم7 فقالت الارض اعوذ بالله ان تأخذ مني ما يكون للنار فيه نصيب فلميأخذه ثم امر عزرائيل بذلك فاستعاذت الارض و لميقبل منها و اخذ قبضة منها و هذا بظاهره يوهم الطعن علي عصمة جبرئيل7 فما معني الحديث.
اقول ان ميكائيل ملك موكل بالركن الايمن الاعلي من العرش و هو الركن الابيض ركن الرزق و الماء و اسرافيل ملك موكل بالركن الاسفل الايمن من العرش الركن الاصفر ركن الحيوة و الهواء و جبرئيل ملك موكل بالركن الاسفل الايسر من العرش الركن الاحمر ركن الخلق و النار و عزرائيل ملك موكل بالركن الاعلي الايسر من العرش الركن الاخضر ركن الموت و التراب فالملائكة الثلثة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 227 *»
لميكن لهم طبيعة القطع و الفصل لانها من شأن البرودة و اليبوسة و هما طبع عزرائيل دون غيره فلذا قطع هو دون اولئك و لما لميكن للملائكة شدة اختيار لميحسن تكليف كل واحد منهم بكل شيء علي سبيل العزم و البت لان الله سبحانه لايكلف نفسا الا وسعها و ما آتيها و ان كان يحسن علي سبيل الاختبار و الاعتبار و التخيير فكلفهم الله سبحانه تخييرا و كلفه بتا و يدل علي ذلك ما رواه في البحار باسناده عن محمد الحلبي عن ابيعبدالله7 قال ان القبضة التي قبضها الله تعالي من الطين الذي خلق آدم صلوات الله عليه منه ارسل الله اليها جبرئيل ان يأخذ منها ان شاء فقالت الارض اعوذ بالله ان تأخذ مني شيئا فرجع فقال يا رب تعوذت بك فارسل الله اليها اسرافيل و خيره فقالت مثل ذلك فرجع فارسل الله اليها ميكائيل و خيره ايضا فقالت مثل ذلك فرجع فارسل الله اليها ملك الموت فامره علي الحتم فتعوذت بالله ان يأخذ منها فقال ملك الموت و انا اعوذ بالله ان ارجع اليه حتي آخذ منك قبضة الخبر و لاشك ان الارض تمتنع عن قبض اولئك بالله لما مر الاشارة اليه فلايأخذون منها و عزرائيل يغلب امتناعها بالله فيأخذ فافهم.
قال سلمه الله و منها ان جنان الاخرة هل في اطباق هذه السموات ام فوق السموات السبع و اين كانت جنة آدم و نار الاخرة هل في داخل تلك السموات السبع ام في خارج منها بل في عالم آخر لما ورد ان لله في العرش الف قنديل سمواتكم و ارضكم في واحد منها و ان القباب و العوالم و الشموس كثيرة و ان نار البرزخ و جنتها هل في داخل تلك السموات ام خارجة عنها.
اقول ان هذه السماوات و الارض المحسوسة تبدل يوم القيمة بالتصفية و التنقية عن الاعراض الدنياوية و البرزخية و هذه الاعراض تطوي كطي السجل للكتب و انما مثل الاخرة و البرزخ و الدنيا كطومار اوائلها مطوية و اواخرها مطوية و موضع منه مكشوف و هي الكتاب الكوني يطوي السجل اوائله شيئا بعد شيء و ينشر اواخره الي ان يأتي علي آخره فيطوي من الاول جميعه فالمشبه عين المشبه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 228 *»
به الا تري ما تقدم من الزمان كيف قد انطوي و هكذا ينطوي شيئا بعد شيء الي ان ينطوي خطوط الزمان المكتوبة بالسواد بالكلية ثم يظهر خطوط البرزخ المكتوبة بالخضرة الكدرة و ينطوي شيئا بعد شيء الي ان يظهر خطوط الاخرة المكتوبة بالخضرة الزبرجدية ثم يطوي و يترقي الي ان يظهر خطوط الصفرة ثم خطوط البياض ثم خطوط لالون لها الي ما شاء الله و هذه السموات تطوي قبل البرزخ و البرزخ يطوي قبل الاخرة و انما الطي لاعراضها لا جواهرها فان جواهرها لاتنقل لها في الطي و النشر و اما الجنان ففي السماوات لقوله تعالي لاتفتح لهم ابواب السماء و لايدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط فهي في اطباق هذه السموات لكن في اخرويتها لا في اعراضها الدنياوية و هي فوقها فان اخرويتها فوقها في اللطافة و الشرافة و هذه الاعراض لاتطيق نور شعرة حورية منها فكيف يمكن ان يكون في اعراضها و الاعراض فانية و الجنة باقية و كذلك نار الاخرة في غيب الارضين لا في اعراضها الظاهرة و اطباقها المشهودة نعم هي في غيب اطباقها و اخرويتها و اما جنة آدم فكانت في الارض حين كانت الارض طاهرة طيبة لا ظل لها و هي الجنة البرزخية المدهامتان اللتان تظهران في الرجعة حين يزول ظل الارض فتكون كما كانت بلطافة السماء سمائنا هذه و الطف فهي ايضا في غيب هذه السماوات لا في اعراضها المشهودة و اهل الرجعة و البرزخ يشاهدونها و يأكلون منها و يعانقون حورها و يسكنون قصورها و كذلك نار البرزخ و جنته هي في غيب هذه السماوات و الارضين لا في اعراضها الظاهرة و قد يظهر روح الجنة من بعض هذه الاعراض كما روي ان الفرات يجري من الجنة فيه ميزابان و يقطر علي بعض البقول منها قطرات و كذلك قد ترق الاعراض و تظهر منها فوح النار كذلك كما سمعت ان الحمي من فوح جهنم و شدة الحر من تنفس جهنم و المياه الحمأة من فوح جهنم و قد تتنفسان من الاشخاص ولكن الناس لايعلمون ولكن اصلهما في البرزخ و يظهران اذا طويت الدنيا طيا و لذلك لاتدركان بهذه الابصار الا ان ينفتح لاحد العين المثالية كما يشاهدهما الاموات و الدليل علي ان الجنة في السماء و النار في الارض ما رواه في البحار عن اميرالمؤمنين7
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 229 *»
انه سئل اين تكون الجنة و اين تكون النار قال اما الجنة ففي السماء و اما النار ففي الارض قيل فما السبعة قال سبعة ابواب النار متطابقات قيل فما الثمانية قال ثمانية ابواب الجنة الخبر و الدليل علي كونها في الغيب ان الاعراض فانية و الجنة و النار باقيتان فهما في السماء و الارض المبدلة اي في غيبهما فعن النبي9 مكتوب علي باب الجنة لا اله الا الله محمد رسول الله علي اخو رسول الله قبل ان يخلق الله السماوات و الارض بالفي عام انتهي فهما في غيبهما المقدم علي ظاهرهما بالفي عام.
قال سلمه الله و هل تلك العوالم و القباب و الشموس و القناديل عبارة عن مراتب الاشياء الكائنة في جوف تلك السموات السبع ام انها عوالم برأسها غير تلك السموات.
اقول العرش المعلق به القناديل هو المشية او الملك كما مر من معانيه لا العرش الجسماني الذي فوق الكرسي فان هذا قبة ابينا آدم و ان الله سبحانه خلق الف الف عالم و الف الف آدم و هذا العالم آخرها كما روي عن ابيحمزة عن علي بن الحسين7 في حديث قال اتظن ان الله لميخلق خلقا سواكم بلي والله لقد خلق الله الف الف آدم و الف الف عالم و انت والله في آخر تلك العوالم انتهي و هذا الخبر صريح بان تلك العوالم مقدمة علي هذا العالم و هذا آخرها و في رواية ان الله لميخلق من التراب الا هذا العالم فليست هي في جوف هذه السموات و انما هي فوقها و هي معلقة بعرش الملك او المشية و الذي يجول في خاطري ان كل عالم ادني في جوف العالم الاعلي و ليس احدها في جنب الاخر و لولا انه يعسر برهانه لذكرت و كل عالم منها عالم برأسه كما يظهر من الخبر فتدبر.
قال سلمه الله ما المراد من السموات و الاراضي المستبدلة يوم القيمة كما في قوله تعالي يوم تبدل الارض غير الارض و السموات هل تلك السموات و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 230 *»
الاراضي المستبدلة هي السماوات السبع و الاراضي الموجودة الان و الاستبدال في الصفة ام تلك غير هذه ذاتا و صفة.
اقول قد مر آنفا الاشارة الي ذلك ان هذه السموات هي سموات البرزخ بعينها و هي سموات الاخرة بعينها بمادتها و صورتها و كذلك الارضون و الفرق بينهما في التصفية و ازالة الاعراض و الاخبار تنادي بذلك كما روي ان ارض كربلا هي ارض الجنة و الحشر في ارض بيت المقدس و غيرها و لايجوز تأويلها بغير دليل و امثل لك مثالا لعلك تعرف يأخذ الزجاجون حصة من الرمل الغاسق الكدر و حصة من القليا و يذيبونهما و يصفونهما فيخرج زجاجة صافية و هي غير الرمل البتة و هي هو بمادتها و صورتها المقومة لا المتممة العرضية ثم تصفي تارة اخري و يلقي عليها اكسير البياض فيخرج بلورة صافية و هي هي بمادتها و صورتها المقومة و هي غيرها كما تري ثم تذاب و يلقي عليها اكسير آخر فيخرج الماس طري لاينكسر الا بالرصاص و هو هي بمادته و صورته المقومة و هو غيرها كما تري يري ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره فالرمل مثل لدنياك اليوم و الزجاجة مثل لدنياك في اوان الظهور و البلورة في البرزخ و الالماس في الاخرة و كذلك بدنك اليوم هو بدنك في البرزخ و بدنك في الاخرة و كذلك النعيم و العذاب اليوم هما نعيم البرزخ و عذابه و نعيم الاخرة و عذابها حرفا بحرف ما فرطنا في الكتاب من شيء و ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فبهذا تبصر امرك و استرح عن القيل و القال و مماراة الرجال و انما سبب فناء الدنيا و البرزخ تخلل الاعراض و سبب بقاء الاخرة صرافة الاجزاء و تشاكلها و تمازجها مزج خلود خلقتم للبقاء لا للفناء و انما تنتقلون من دار الي دار و انما تكسرون لتصاغون صيغة اخري كما بدأنا اول خلق نعيده فافهم.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 231 *»
قال سلمه الله و هل الملائكة اجسام نورانية ام مجردات غير جسمانية و بكل ورد ظاهر الاخبار.
اقول الملائكة هي حفظة الاشياء و روابط بينها و بين فعل الله سبحانه للاستمداد فلكل ذرة ذرة من ملك الله سبحانه ملك يحفظه و يستمد له من المبدء و يوصل المدد اليه و لكل قران من قران الذرات ايضا ملك يحفظه و لولا الملئكة مادامت ذرة من الملك و تفككت فلابد من المناسبة بين الملك و بين تلك الذرة المحفوظة به فمن الملائكة عقلانيون و منهم روحانيون و منهم نفسانيون و منهم طبيعيون و منهم ماديون و منهم ظليون و منهم جسمانيون علي تناسب بينهم و بين ما يحفظونه و منهم العالين و منهم الكروبيون و منهم المدبرات و منهم المقدرات و منهم اعوان ميكائيل علي قسمة الارزاق و منهم اعوان اسرافيل علي حفظ الارواح و الحيواة و منهم اعوان عزرائيل علي توفي الارواح و منهم اعوان جبرائيل علي التركيب و التكوين و غير ذلك و كل ملك علي حسب ما وكل به و ان من الملائكة لمن باقة بقل خير منه و كذلك كبرهم و صغرهم علي حسب كبر ما وكلوا به و صغره حتي ان من الملائكة لو اجتمع الف منهم علي حمل خردلة ما قدروا و منهم من يحمل اربعة منهم العرش و الكرسي بما فيه و اعظمهم روح القدس فليس في الروحانيين اعظم منه و هو مع الائمة: يسددهم و يؤيدهم و لايحتمله احد غيرهم فافهم.
قال سلمه الله و ما المراد بابواب السماء هل هي علي ظاهرها كما يفهمه العوام ام لها بطون و محامل.
اقول فهم العوام ليس بحجة في مسألة من المسائل الا ما كلفوا به في الامور الراجعة الي العرف و اما في العلوم التي اظهرها الائمة: لاهلها فليس بحجة فانهم ليسوا باهل العلم و ان لكل كلام مع صاحبه مقاما و ان حديثهم صعب مستصعب لايحتمله كل احد و من ذلك قوله تعالي لاتفتح لهم ابواب السماء و لايدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط و ما روي في احاديث المعراج
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 232 *»
فلابواب السماء وجوه و ذلك لان الباب هو المنفذ الي الشيء و ما لايمكن الوصول اليه الا به و ما يخرج منه ما في البيت و ما يدخل منه الي البيت و هذه المعاني في كل شيء بحسبه قال الله سبحانه و أتوا البيوت من ابوابها و قال النبي9 انا مدينة العلم و علي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها و الائمة: هم ابواب الله و سلمان باب الله في الارض فابواب السماء مرة تطلق علي الاعمال الصالحة التي هي مقتضيات القبضات الفلكية التي في الانسان اذ بها يمكن الوصول الي الافلاك التي هي محال الجنان فالكفار لاتفتح لهم ابواب السماء لايوفقون للاعمال الصالحة التي بها يتوصل الي الجنان فالعقايد العقلية باب الفلك السابع و الصور العلمية الحقة باب الفلك السادس و الوهميات الحقة باب الفلك الخامس و هكذا الي ان الاعمال الكاملة التامة باب جنة عدن التي غرسها الرحمن بيده و لكل درجات مما عملوا و يدل علي ذلك رواية ابن مسعود عن النبي صلي الله عليه في صفة ابواب الجنة و النار و ما كتب عليها تركناها حذرا عن التطويل و هي مذكورة في البحار و مرة تطلق الابواب و يراد بها الاشخاص فالاشخاص الصالحون ابواب الجنان و السماء اذ بتولاهم يمكن الوصول اليها و الاشخاص الطالحون ابواب النيران اذ بتولاهم يصل الناس الي دركات النيران فروي في سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم سبعة ابواب الاربعة و عبدالملك و عسكرين هويس (هوسر خ) و ابيسلامة هم ابواب لمن تبعهم فافهم فاولئك لاتفتح لهم ابواب السماء لايتولون آل محمد: و شيعتهم و انما يفتح لهم ابواب جهنم كما قال سبحانه في قوم فنيسره لليسري و في قوم فسنيسره للعسري الي غير ذلك و فيما ذكرنا كفاية اذ لا فرصة لي ازيد من ذلك.
قال سلمه الله و هل السحاب هو الجوهر البخاري المتراكم بعد التصعيد فيقطر بعد الجمع و الذوب كما يقوله الحكماء فالمراد حينئذ من نزول المطر من السماء نزوله من جهة العلو ام ان السحاب جوهر في حد ذاته فينزل الماء من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 233 *»
العرش الي السماوات و منها الي السحاب كما ورد ذلك في حديث سلمان سلام الله عليه حين كان ابوذر رضي الله عنه ضيفا له.
اقول اعلم ان لمعرفة حقيقة السحاب طريقين ظاهرا و باطنا و الظاهر هو ما ذكروه من اشراق الشمس علي البحار و الاودية و الاجام و المواضع الندية و مجامع المياه فيمازج الرطوبات حرارته و تغلب عليها فتفتتها علي نحو التبخير فاذا صعدت الحرارة منعكسة شايعتها تلك الرطوبات المتفتتة و هي اربعة اجزاء من الرطوبة الهوائية و جزء من اليبوسة الترابية المحلولة المنعقدة فتزجيها تلك الحرارة الي الهواء الي حيث بلغت فتؤلف الرياح بضربها بين تلك الابخرة فتصير ركاما متشاكل الاجزاء كالصوف المندوف فاذا كانت عالية او الهواء المحيط بها باردا جمعها البرد و جمدها و جعلها ماء كالبحر و ثقل لحصول البرد و فرار الحرارة عنه فنزل فشقه الهواء قطعا رذاذا و وابلا فجاء علي ما تري و قد يحصل في بعض الابخرة الصاعدة شدة حرارة فصعد و لميكن لرقة الهواء و انفراجه عن طريقه بسرعة صوت فاذا وصل الي السحاب فشقه بعنف لغلظه بالنسبة فظهر منه الرعد و يظهر من تماسح بعضها بعضا بشدة و سرعة البرق كما يظهر من المسح علي شيء نظيف فتحدث بينها حرارة و تضيء الاجزاء اللطيفة بها و للطافتها لا بقاء لها بخلاف ما ينحك من الحديد علي الحجر فيبقي قليلا و هذا هو الظاهر من السحاب و هو محسوس ولكن القوم نظرهم الي الاشياء من حيث الاسفل فانهم يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون فيرون ظواهر المتحرکات و هم عن حقيقة المحرک غافلون و اما البيان الباطن فان الله سبحانه لماخلق السموات و الارض كانتا رتقا لاتمطر السماء و لاتنبت الارض و السماوات ذكر و الارضون انثي فاراد الله سبحانه فتقهما بالتزويج فخطب بينهما باسمه الولي و زوج السماء الارض علي كتاب الله و سنة نبيه علي مهر السنة خمس مأة درهم علي ان تعطيها السماء اسرار مقامات التوحيد الخمسة الظاهرة في مقاماتها العشرين و هي في السماء خمسين دينارا تصرف في الارض بخمس مأة درهم فزف السماء الي الارض ليلا لان الليل سكن
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 234 *»
و روي اذا اراد الله بقوم خيرا امطر ليلهم و اشمس نهارهم فزف السماء الي الارض بادارتها علي الارض و زف الارض الي السماء بالاستمداد فوقع بينهما النكاح و انزل السماء في بطن الارض نطفة شعلات كواكبها و اشراقاتها فامتزجت مع ماء الارض و اندائها التي هي نطفتها فكانت نطفة امشاجا فصارت مادة جميع المولدات التي هي الاولاد لهما المخلقة و غير المخلقة كما اشار اليه سبحانه و جميع ماسوي الانسان غير مخلقة الا الانسان فانه خلق تام مصور قد بلغ به التدبير غاية التقدير و السحاب من المولدات الغير المخلقة فالسحاب و ما شاكله نطفة و المعادن علقة و النبات مضغة و النخل و ساير البرزخيات عظام و الحيوان اكساء لحم و القردة و الدب و ساير المسوخات انشاء خلق آخر قبل الاستكمال و الانسان هو الولد الكامل المتولد المتعلق به النفس الناطقة القدسية و العلة الغائية فالسحاب هو ولد غير مخلق فيكون اقل بقاء و دواما من ساير المولدات بحسب العمر لعدم كمال انتضاجه و تركيبه و هو مسقط رأسه حين يتولد شجر نابت علي كثيب علي شاطيء البحر الاعلي و هو يأوي اليه ما لميؤمر بالصعود فاذا اراد الله عزوجل ان يمطر ارسل ريحا و هو ملك يسمي بالرعد و هو اصغر من الزنبور فاثارته و وكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق و هو البرق و قد فسر هذه الجملة مولينا اميرالمؤمنين7 و قد سئل عن السحاب اين يكون قال يكون علي شجر علي كثيب علي شاطيء البحر يأوي اليه فاذا اراد الله عزوجل ان يرسله ارسل ريحا فاثارته و وكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق و هو البرق ثم قرأ هذه الاية والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الي بلد ميت الاية و الملك اسمه الرعد انتهي و السحاب من نفسه لا ماء له و انما الماء ينزل اليه من بحر الصاد الي شجرة المزن الي ان يصل الي العرش و الكرسي و الافلاك فيدفعه اسمه المحيي الي السحاب و يدفعه اسمه الباعث الي الارض و هذا الماء النازل من الافلاك هو البحر الذي بين السماء و الارض الذي يغمس الملائكة السحاب فيه ثم تخرجه و تنفضه علي الارض و هذا هو الحق الذي لا شك فيه و لاريب يعتريه لاتأكلوا مما لميذكر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 235 *»
اسم الله عليه و انه لفسق فافهم.
قال سلمه الله و ما معني ما ورد في الحديث كما في البحار ان بين السماء و الارض بحرا و ان فيه الطيور و الحيتان كما في واقعة مولينا ابيجعفر الثالث مع المأمون العباسي و ما هذا البحر و ما هذه الطيور و الحيتان فيه.
اقول الخبر ما رواه في البحار انه اجتاز المأمون بابن الرضا7 و هو بين صبيان فهربوا سواه فقال عليّ به فقال مالك لاهربت في جملة الصبيان قال ما لي ذنب فافر منه و لا الطريق ضيق فاوسعه عليك سر حيث شئت فقال من تكون انت قال انا محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابيطالب: فقال ما تعرف من العلوم قال سلني عن اخبار السماوات فودعه و مضي و علي يده باز اشهب يطلب به الصيد فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه و شماله لمير صيدا و الباز يثب عن يده فارسله فطار يطلب الافق حتي غاب عن ناظره ساعة ثم عاد اليه و قد صاد حية في بيت الطعم و قال لاصحابه قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي ثم عاد و ابن الرضا7 في جملة الصبيان فقال ما عندك من اخبار السماء فقال نعم يا اميرالمؤمنين حدثني ابي عن آبائه عن النبي عن جبرئيل عن رب العالمين انه قال بين السماء و الهواء بحر عجاج يتلاطم به الامواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء فقال صدقت و صدق ابوك و صدق جدك و صدق ربك فاركبه ثم زوجه ام الفضل انتهي اعلم ان ذلك البحر هو بحر المزن الذي يخلقه الله تحت السماء و يفنيه متي شاء و هو واقف حين هو واقف بامساك الله سبحانه باسم القابض المكتوب في جبهته الكواكب علي يد جبرئيل و اعوانه و وجه حصول الحيات في ذلك البحر يكون من جهتين الاولي ان السحاب اذ اثار عن شجر البحر صعداء يحمل معه ما كان من الدواب علي شاطيء ذلك البحر الاسفل فيصعد بها الي الجو فاذا وصل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 236 *»
الي موضع ذلك البحر المكفوف قذفه في البحر فربما تقع الدواب من ذلك البحر الي الارض اذا قذفها امواجه الي شاطئه فتنزل نازلة الي الارض و لا اختصاص له بالحيات فقد تقع الوزغة و الدودة و غيرها بل قد تقع الحبات كالحنطة و غيرها و لميخصص في الخبر الي الحيات و انما ذكر بعض ما فيه و يمكن بلسان الظاهر ان يكون للسحاب جاذبة تجذب الحيات الخاصة كما تجذب التنين كما روي المفضل عن الصادق7 قال قلت له خبرني يا مولاي عن التنين و السحاب فقال7 ان السحاب كالموكل به يختطفه حيثما ثقفه كما يختطف حجر المقناطيس الحديد فهو لايطلع رأسه في الارض خوفا من السحاب و لايخرج الا في القيظ مرة اذا صحت السماء فلميكن فيها نكتة من غيمة قلت فلم وكل السحاب بالتنين يرصده و يختطفه اذا وجده قال ليدفع عن الناس مضرته الخبر فيمكن علي لسان الظاهر ان تكون للسحاب جاذبة تجذب الحيات كما يجذب التنين فتدبر.
قال و ما المراد من عظم الملائكة علي نحو ما ذكره مولينا في اول نهج البلاغة و ما كيفية ذلك العظم هل بالجسد و الذات ام بالرتبة و الوجود و الكمال و القدر انتهي ما اردت جمعه من المسائل و السلام علي مولينا سلمه الله تعالي و وفقه لما يحب و يرضي.
اقول قد تقدم جواب ذلك حيث شرحنا امر الملائكة ان عظمهم مختلفة فمنهم عظماء عقليون و روحانيون و نفسانيون و طبيعيون و ماديون و ظليون و جسمانيون ففي كل رتبة عظمهم علي حسبهم فراجع. وقع الفراغ من تسويد هذه الاوراق في ضحوة يوم الثلثا تاسع شهر شعبان من شهور سنة الف و مأتين و اربعة و ستين حامدا مصليا مستغفرا تمت.