الرسالة الاعتباریة
فی بطلان مااعتمدوا علیه من الامور الاعتباریة
علی جهة القطع و الیقین
من مصنفات الشیخ الاجل الاوحد المرحوم
الشیخ احمدبن زین الدین الاحسائی اعلی الله مقامه
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 52 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد حصل كلام من بعض الطلبة المحصّلين و العلماء العارفين الطالبين للحق و اليقين الذين لايكتفون بالظن و التخمين فيما يذكره اكثر العلماء و الحكماء من اثبات الامور الاعتبارية و غيرها و كثرة ما يبرهنون عليها حتي كانت عندهم من المسائل القطعية بحيث كان اكثر من يعد من المحققين المدققين اذا سمع شيئا من ذلك او رءاه تلقّاه بالقبول و لمينظر فيه و لميتدبر في ادلته و لميتفهم ذلك مع ان تلك المسائل التي اعتمدوا عليها مع ادلتها التي بنوها عليها اذا رجع العاقل الي الادلة العقلية و النقلية خصوصا ما دل عليه الكتاب و السنة من النظر في آيات الله في الافاق و في الانفس و خصوصا ما اصّله ائمة الهدي محمد و اهلبيته الطاهرون صلي الله عليه و عليهم اجمعين مثل قول الصادق عليهالسلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه علي كل شيء شهيد يعني موجود في غيبتك و في حضرتك هـ ، و قوله عليهالسلام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم (عليكم خل) هـ ، و مثل قول الرضا عليهالسلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هناك لايكون الا بما هيهنا هـ ، و امثال ذلك اذا تدبرها تبين له بطلان ما اعتمدوا عليه علي جهة القطع و اليقين لايأبي ذلك الا مكابر لعقله او جامد علي ما انست به نفسه فاحببت ان انبه علي ذلك افهام الغافلين بذكر بعض الادلة الذوقية التي يقطع بها كل منصف طالب للحق اذ ليس بعد الحق الا الضلال و علي الله سبحانه قصد السبيل و هو حسبنا و نعم الوكيل.
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 53 *»
و ممن ذكر ما اشرنا اليه فخر العلماء و الحكماء المتألهين المحقق الخواجه نصير الدين قال رحمه الله في التجريد: و القدم و الحدوث اعتباران ينقطعان بانقطاع الاعتبار، و قال العلامة الحلي رحمه الله في شرحه اقول ذهب المحققون الي ان القدم و الحدوث ليسا من المعاني المحققة في الاعيان و ذهب عبدالله بن سعيد من الاشعرية الي انهما وصفان زايدان علي الوجود و الحق خلاف ذلك و انهما اعتباران عقليان يعتبرهما الذهن عند مقايسة سبق الغير اليه و عدمه لانهما لو كانا ثبوتيين لزم التسلسل فإن الموجود من كل منهما اما انيكون قديما او حادثا فيكون للقدم قدم و كذا الحدوث هف، بل عقليان يعتبرهما العقل و ينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي و هذا جواب عن سؤال مقدر و هو ان يقال اذا كان القدم و الحدوث امرين ثبوتيين في العقل امكن عروض القدم و الحدوث عليهما و يعود المحذور من التسلسل و تقرير الجواب انهما اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع الاعتبار فلايلزم التسلسل انتهي.و قال في المتن بعد ذلك و لايفتقر الحادث الي المادة و المدة و الا لزم التسلسل و قال الشارح ذهب الفلاسفة الي ان كل حادث مسبوق بمادة و مدة لان كل حادث ممكن و امكانه سابق عليه و هو عرض لابد له من محل و ليس بمعدوم لانتفائه فهو ثبوتي هو المادة و لأن كل حادث يسبقه عدمه سبقا لايجامعه المتأخر فالسبق بالزمان و هو يستدعي ثبوته فهذان الدليلان باطلان لانه يلزم منهما التسلسل لأن المادة ممكنة فمحل امكانها مغاير لها فتكون لها مادة اخري علي انا قد بينا ان الامكان عدميّ لانه لوكان ثبوتيا لكان ممكنا فيكون له امكان و يلزم التسلسل و الزمان تتقدم اجزاؤه بعضها علي بعض بهذا النوع من التقدم فيكون للزمان زمان هف انتهي.
اقول الحق ان القدم و الحدوث من المعاني المحققة في الاعيان لأن القديم ان لميتحقق اتصافه بالقدم في الخارج لميكن قديما و الحادث اذا لميتصف في الخارج بالحدوث لميكن حادثا و لايلزم في تحققه كونه منفرداً بنفسه غير منضم في تقومه و تحققه الي غيره بل يصدق تحققه و ثبوته بوجوده في موصوفه و معروضه و لو كان لايتحقق ثبوت الشيء و تحققه في الخارج الا
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 54 *»
اذا كان منفردا عن غيره مستقلا بنفسه غير منضم الي غيره و الا فهو اعتباري كانت جميع صفات الواجب تعالي كالعلم و الحيوة و القدرة و السمع و البصر اعتبارية لاتحقق لها في الخارج مع انها عين ذاته و ليست منفردة عن ذاته بل هي صفات متحدة بذاته مع انه لايقول احد بان شيئا من صفاته تعالي الذاتية اعتباري لاتحقق لها في الخارج كيف و هي عند الكل موسومة بالثبوتية بمعني انها ثابتة له تعالي في الخارج لا في الذهن و الاعتبار فعلمه و قدمه شيء واحد فان كان لو فرض تحقق قدمه و ثبوته في الخارج لزم التسلسل المحال لزم التسلسل ايضا مع تحقق وجوده اذ يلزم انيكون للوجود وجود فان قيل ان الوجود وجود بنفسه فلايستلزم وجودا غير نفسه قلنا كذلك القدم فأنه قدم بنفسه فلايستلزم قدما غير نفسه و كذلك سائر صفات الازل من الحيوة و العلم و السمع و البصر و القدرة و ما اشبه ذلك.
و اعلم ان الاشياء لايخرج شيء منها عن احد اتصافين اما اتصاف بقدم او اتصاف بحدوث ثم الاتصاف لايخلو اما انيكون الاتصاف بوصف ثبوتي متحقق في الخارج او بوصف اعتباري لاتحقق له في الخارج و انما يعتبر ثبوته في الذهن فان كان الاتصاف بوصف ثبوتي متحقق في الخارج كان المتصف بالقدم اذا كان ثابتا له موجودا معه قديما و لو كان ما اتصف به انما ثبت في نفسه و تحقق ذهنا لا خارجا لميكن بذلك الاعتبار قديما بل يكون الذهن كاذبا و الموصوف بذلك بخصوص الذهن حادث كما اذا اعتبرت كون زيد قديما فأنه حينئذ متصف بالقدم في الذهن مع انه حادث لميجعله اعتبارك قديما و كذلك الكلام في الحادث فان الامكان و الحدوث ان لميثبت لزيد مثلا في الخارج و يتحقق بحيث يكون اتصافه بالامكان اتصافا حقيقيا وجوديا و يكون للوصف وجود متحقق في الخارج كوجود زيد في مطلق التحقق لميكن زيد ممكنا و ان ثبت له الامكان في الاعتبار بل يكون قديما واجبا اذ لا واسطة بين الوجوب و الامكان الا علي ما ذهب اليه المعتزلة من اثبات احوال ليست قديمة و لا حادثة فاذا اعتبر الذهن الامكان لزيد و لميكن الامكان موجودا له في
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 55 *»
الخارج كان اعتباره كاذبا كما لو اعتبر له الوجوب فان الذهن انما كان كاذبا حين اعتبر الوجوب لزيد لأن الوجوب لميثبت لزيد في الخارج و انما اتصف به في الذهن خاصة فكذلك اذا اعتبر الامكان و لميكن موجوداً في الخارج لزيد و توهم لزوم التسلسل اذا فرض تحقق الامكان و الحدوث و القدم و ما اشبهها توهم فاسد و خيال كاسد اذ لا فرق بين تحقق الحدوث و الوجوب و الوجود و القدم و سائر الصفات للواجب و الحادث كالسمع و البصر و الحيوة و العلم و القدرة و الكتابة و الخياطة و الحركة و السكون و ما اشبه ذلك فان لميثبت شيء منها خارجا و لميتحقق لميكن الموصوف به متصفا بشيء لأن ما لم يثبت الا في الذهن ليس بشيء في الخارج فافهم.
و قول المحقق الطوسي في التجريد و العلامة الحلي في شرحه ان القدم و الحدوث اعتباريان ينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي و الا لزم التسلسل المحال فأن الموجود من كل منهما اما انيكون قديما او حادثا فيكون للقدم قدم و كذا الحدوث هف، ليس بصحيح لما قدمنا من انه يلزم ذلك عليهم في الوجود فانه متحقق في الخارج ثابت بلا اشكال فيلزم انيكون له وجود و لوجوده وجود و هكذا فيتسلسل و التزامهم بالاعتباري فرارا من لزوم التسلسل يوقعهم في نظيره في الوجود و لايقدرون علي التزام الاعتبار فيه و لاينفعهم الاعتبار فيما جوزوه فيه كالقدم لان القديم تعالي ما اتصف عندهم بشيء و لو اتصف بشيء لمينقطع بتصورهم كما لمينقطع غني زيد بانقطاع تصورهم لغناه بانيكون غنيا ماداموا يتعقلونه فاذا قطعوا التعقل كان زيد فقيرا و اما الذي يستغني في عقولهم و يفتقر ليس هو زيدا الموجود خارجا و انما هو الصورة المنتزعة من زيد الذي في الخارج فانها هي التي يتصل اتصافها بالغني في اذهانهم باتصال تصورها و ينقطع عنها الغني بانقطاع تصورها و لايختلف حال زيد في الغني و الفقر باتصال الاعتبار و انقطاعه و قول العلامة في الشرح امكن عروض القدم و الحدوث عليهما ليس بمستقيم لان المعروض اعني القديم و الحادث الذهنيين اذا عرض عليه القدم و الحدوث الذهنيان الاعتباريان لايكون مقتضيا لانيعرض القدم او
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 56 *»
الحدوث الخارجيان علي القديم و الحادث الخارجيين الا اذا كان القدم و الحادث الذهنيان و معروضهما انتزعها الذهن الصادق من اصولها الخارجية التي هي منشأ انتزاعها ليكون ما في الذهن فرعاً مبنيا علي اصله الخارجي و ظلا انتزاعيا من شاخصه الخارجي و حينئذ تثبت دعوي ان القدم و الحدوث و ما اشبههما من النسب امور متحققة في الخارج وجودية لا اعتبارية.
و ايضا قول المحقق الطوسي (ره) في متن التجريد كما تقدم نقله و لايفتقر الحادث الي المادة و المدة و الا لزم التسلسل و قول العلامة الحلي (ره) ذهبت الفلاسفة الي ان كل حادث مسبوق بمادة و مدة لأن كل حادث ممكن و امكانه سابق عليه، الي اخر ما نقلناه فيما تقدم مثل الذي قبله في عدم الاستقامة لأن قوله رحمه الله في رد كلام الفلاسفة ليس بصحيح و الدليلان اللذان ذكرهما الفلاسفة ليسا بباطلين و ان كانا مبنيين علي البحث الذي مستنده المجادلة بالتي هي احسن فأن قوله يلزم منهما التسلسل ليس بصحيح في دليل الحكمة بل و في دليل المجادلة بالتي هي احسن لمن لطف حسه و صح تمييزه فانا قد قلنا ان المادة اصلها الامكان كما سيأتيك فيما بعد هذا و علي الظاهر الدليل ان الحادث انما كان امكانه سابقا علي مادته في الوجود العلمي لا في الوجود الكوني فلما اخترع البارئ عزوجل المادة لا من شيء علي مقتضي الحكمة ظهرت في الكوني بجميع ما يتوقف عليه تكوينها من الاسباب التي هي اركان ماهيتها اعني صورتها لأن الماهية عندنا هي القابلية و هي في الخلق الاول الصورة النوعية بجميع اركانها و حدودها و متمماتها و مكملاتها لأن المادة عندنا هي الوجود و هي الماء التي جعل تعالي منه كل شيء حي و هي آدم الاول عليهالسلام من المكونات و خلق منه زوجته و هي حواء و هي الامكان في نفس الامر بالنسبة الي المشية الامكانية فالمادة عندنا هي الاب كما حققناه في الفوائد عقلا و نقلا و الصورة هي الام فراجعه هناك بخلاف ما توهمه القائلون بالعكس و الصورة النوعية في الخلق الاول هي الامكان الذي ظهر وصفا للمادة لانه خلق منها كما خلق الانكسار من الكسر و هو صفة الكسر و جزء ماهية
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 57 *»
الشيء.
فالامكان بلحاظ الكنه هو اصل مادة المكون الذي خلقت منه كما ذكرناه في الفائدة الخامسة عشرة من الفوائد و بلحاظ الماهية و الهيئة المعبر عنها بالقابلية هو صفة المكون كما تقول الوجود بلحاظ كنه الشيء هو اصل مادة المكون الذي خلقت المادة منه و بلحاظ هيئته و قابليته هو صفته فتقول في لحاظ الكنه مادته من الوجود الموصوفي و الامكان الموصوفي و في لحاظ الصفة موجود و ممكن و هو الوجود الوصفي و الامكان الوصفي و الاشياء كلها بهذا النمط مثلا النار اصلها حرارة و يبوسة و صفتها حرارة و يبوسة الا ان الحرارة و اليبوسة الموصوفيين جوهران و الحرارة و اليبوسة الوصفيين عرضان كما ان الوجود و الامكان الذاتيين جوهران و الوجود و الامكان الوصفيين عرضان و الجوهر الاول خلق لا من شيء و العرض خلق من الجوهر و اول التعين المشية و اول صادر عن المشية الامكانية الامكان خلقت بنفسها لا من شيء غير نفسها و خلق الامكان من هيئة المشية فهو تأكيد لها مثل ضرباً خلق من ضرب فهو تاكيد له و هو و ان كان بمنزلة العرض بالنسبة الي المشية الا انه ذات بالنسبة الي من دونه تذوت من دونه بفاضل تذوته و جميع جزئيات الاشياء كل واحد خلقت مادته حصة من نوعه الواقع في رتبته و قابليته خلقت من نفس مادته من حيث هي هي و سائر صفاته و افعاله و اقواله و احواله حدود قابليته التي هي ماهيته بالمعني الاول و بالمعني الثاني [1] و قد اشرت الي مأخذ ادلة ما ذكرنا في بعض رسائلنا.
و دليل الشارح رحمه الله في بيان بطلان دليلي الحكماء لانه يلزم منهما التسلسل لأن المادة ممكّنه فمحل امكانها مغاير لها فتكون لها مادة اخري هو الباطل لما بينا من ان المادة اصلها الامكان و هي حصّة منه لا انها محل لامكانها لان الامكان الذي هي محله في الحقيقة صفتها و الصفة متأخرة عن الموصوف
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 58 *»
و السابق علي المادة هو الامكان الجوهري و المادة حصة من هذا الجوهري كما تقدم فلاتكون المادة محلا له. و قوله علي انا قد بينا ان الامكان عدمي الخ، و انا اقول انا قد بينا ان الامكان ثبوتي وجودي ممكن متحقق و لايلزم انه يكون له امكان اخر لانه امكان بنفسه فلايلزم التسلسل و انما قلنا انه امكان بنفسه لأنه في نفس الامر هيئة المشية و تأكيدها فهو منها و هي شيء به كالكسر و الانكسار فامكانه منها لأنها ممكنة بنفسها و هو محلها و امكانها به لتوقف ظهور كونها عليه كما تقدم.
قال في الشرح المسمي بالمفصل علي شرح المحصل لفخر الدين الرازي: اعلم ان المتكلمين انكروا كون الاعراض النسبية امورا وجودية بل زعموا انها اعتبارات ذهنية لا وجود لها في الخارج اما الاضافة فقد احتجوا علي كونها كذلك بوجوه:الاول ان الاضافة لو كانت موجودة في الاعيان لكانت حالة في محل ضرورة انها ليست من الامور القائمة بانفسها و لو كانت حالة في محل لكان كونها في المحل اضافة اخري عارضة لها فيحتاج هي ايضا الي محل و الكلام فيها كالكلام في الاولي و يلزم التسلسل و انه محال الثاني لو كانت الاضافة موجودة في الاعيان لزم انيكون البارئ تعالي محلا للحوادث و التالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية هو ان كل حادث يحدث فان الله تعالي يكون موجودا معه و تلك المعية اضافة و هي ما كانت موجودة قبل ذلك الوقت و يزول بعده فيكون الباري تعالي محلا لتلك المعية الحادثة التي هي اضافة الثالث لو كانت الاضافة موجودة في الاعيان لكانت مشاركة لسائر الموجودات في الوجود لماثبت ان الوجود وصف مشترك بين جميع الموجودات و متميزة عنها بخصوصياتها و ما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز و اذا كان كذلك كان وجودها غير ماهيتها لكن الوجود ما لميتقيد بتلك الخصوصية لمتوجد الاضافة في الاعيان و يكون ذلك التقييد سابقا علي وجود الاضافة لكن ذلك التقييد فاذن لاتوجد الاضافة في الخارج الا اذا وجد الاضافة قبلها و الكلام في الاضافة الثانية كالكلام في الاضافة الاولي فيلزم ان لاتوجد الاضافة الا بعد وجود الاضافات
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 59 *»
اللانهاية لها و انه محال و لانه يلزم انتكون الاضافة موجودة قبل نفسها و انه دخل في الاستحالة.
و الجواب عن الاول ان نقول لانسلم ان الاضافة لو كانت في محل كان حلولها في المحل اضافة اخري عارضة لها و انما يلزم ذلك ان لو كانت الاضافة مفهوما اخر وراء هذا الحلول و ليس كذلك فان الابوة العارضة للموضوع مثلا مفهومها عين مفهوم العروض للموضوع و ليس لها مفهوم اخر وراء ذلك العروض للموضوع و اذا كان كذلك لايلزم انيكون للعروض للموضوع عروض آخر للموضوع حتي يلزم التسلسل و فيه نظر لأن حلولها في المحل مشروط بوجودها و نسبة بينها و بين محلها و المشروط مغاير للشرط و النسبة للمنتسب. و عن الثاني لأن نقول لانسلم صدق الشرطية و انما تصدق ان لو كان معني قولنا ان الله تعالي موجود مع الحادث المعين كونه موجودا معه في الزمان او في المكان و هو ممنوع فان الله تعالي منزه عن ذلك بل معني ذلك صدق الوجود عليه زمان صدق الوجود علي غيره من الحوادث و ذلك لايوجب اضافة و لا نسبة فلايلزم قيام الحوادث بذات الله تعالي. و عن الثالث انا لانسلم كون الوجود وصفا مشتركا بين جميع الموجودات و ما ذكر من الدليل عليه فقد اجبنا عنه و لئن سلمنا كون الوجود مشتركا لكن لانسلم انه يلزم تقدم الاضافة علي نفسها و انما يلزم ذلك ان لوكان مفهوم تقيد الوجود بالخصوصية مغايرا لمفهوم الاضافة و هو ممنوع بل عندنا مفهوم الاضافة و مفهوم ذلك التقيد واحد و فيه ما مر من الجواب عن الوجه الاول، انتهي كلام المفصل.
اقول والنظر المدعي في الجواب عن الاول لايتوجه علي الجواب لان المراد بالوجود الذي هو شرط هو وجوده لمحله لا الوجود الذي به يتحقق و وجوده لمحله هو عين حلوله فيه فلايكون في الجواب قدح و اما علي قولنا بأن وجوده الذي به هو فليس مرادا اذ ليس له مدخل في هذه الشرطية التي يلزم منها مع فرض مغايرة الوجود للحلول التسلسل اذ شرطية الوجود الذاتي لايختص بالنسب فلايكون مراداً في الشرطية.
و اما الجواب عن الثاني فهو جيد علي ظاهر القول و اما في حقيقة الامر
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 60 *»
فهو مثل الاعتراض الثاني في الفساد لان الاعتراض الثاني مبني علي كون القديم تعالي موجودا في الامكان و ان وجوده مفهوم مدرك كوجود الحوادث و لذا شرك المعترض بين وجوده و وجود غيره من خلقه في نفس الوجود و في نفس المفهوم لجعله وجود الحق تعالي مفهوماً مدركا محاطا و في المعية لانها متفرعة علي ذلك و وجه كون الجواب مثل الاعتراض في الفساد من قوله بل معني ذلك صدق الوجود عليه زمان صدق الوجود علي غيره فسوي بين الوجود الحق و الوجود الحادث الفاني و الجواب ان يقال انه تعالي لاتصح علي ذاته المقدسة مطلق المعية بوجه من الوجوه و انما المراد بالوجود الصادق عليه زمان صدق الوجود علي غيره هو المعني الذي يخاطب به المكلفون الذي هو المعبر عنه في الفارسية بـهست لانه هو الذي يدركه المكلفون و الذي يدركه المكلفون و يفهمون معناه ليس هو الوجود القديم المجهول الكنه لكل من سواه و مراد المجيب في جوابه انه هو الواجب الحق و لذا قلنا انه مثل الاعتراض في الفساد و وجه كلامنا انه تعالي مع كل شيء بفعله و قيوميته الفعلية و الدليل علي هذا انه عزوجل قال في كتابه سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم و لما نظرنا في الافاق رأينا السراج و قرأنا ماضرب الله تعالي فيه من الامثال و الايات فاذا جميع اشعته المنبثة في الجدران و البيوت قائمة به قيام صدور و قيام تحقق ركنيّ لان الاشعة كلها منتهية الي الشعلة المرئية و الشعلة في الحقيقة دخان من الدهن تكلس بحرارة النار و استنار بمس حرارتها اي حرارة فعلها فالاشعة قائمة بحرارة فعل النار قيام صدور و بالدخان المستنير بمس فعل النار قيام ركني فليس في السراج شيء من الاشعة و انما هي منبثة في الجدر و البيوت لكنها متقومة بالشعلة المرئية فلايخلو شيء من الاشعة عن فعل النار طرفة عين و الا لعدم و اضمحل و لميكن متقوما بنفس النار فالنار الجوهر اعني الحرارة و اليبوسة الجوهريين آية الازل عزوجل و لله المثل الاعلي و مسّ النار آية فعل الازل تعالي و الدخان المستنير بمس النار آية نور الانوار و الوجود الممكن الراجح و الماء الذي جعل منه كل شيء حي و هو نور محمد و آله صلي الله عليه
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 61 *»
و آله و الاشعة مثال سائر الخلائق فالمعية التي تتحقق بها النسبة و الاضافة انما هي بين فعل الله و بين سائر الحوادث من الغيب و الشهادة و هي نسبة اشراقية تثبت بثبوت المنتسب و تزول بزواله.
و اما الجواب عن الثالث فهو حسن و ليس فيه شيء كما توهمه صاحب المفصّل.
و اما نسبة الشيء الي الزمان فهي في الحقيقة كنسبته الي المكان و الاعتراض عليه و الجواب عنه يعرف مما تقدم.
و كذلك نسبة التأثير الي المؤثر فانه قال في الشرح المسمي بالمفصل: الدليل علي ان تأثير الشيء في الشيء ليس امرا مغايرا لذات المؤثر و الاثر هو انه لو كان كذلك لكان عرضا قائما بذات المؤثر و الاثر ضرورة انه ليس جوهرا قائما بنفسه مبايناً عن ذات المؤثر و الاثر و لو كان كذلك لكان مفتقرا اليه فيكون ممكنا لذاته مفتقرا الي مؤثر فيكون تأثير المؤثر فيه ايضا امرا آخر مغايرا له و لمؤثره و الكلام فيه كالكلام في الاول فيلزم التسلسل و انه محال انتهي.
اقول التأثير فعل المؤثر و لايوجد الا عند الشروع في الفعل و المؤثر ذات موجودة قائمة بنفسها و التأثير حركته و لاتقوم بنفسها فهي مغايرة للمؤثر ذاتا و اسما و رتبة فدعوي اتحادهما جهل محض خارجة عن مقتضي العقل فان المؤثر يوجد و لميكن الاثر لان الاثر مثل القيام و التأثير احداث الاثر فان كان احداثك القيام هو انت كان التأثير هو المؤثر و لاشك في ذلك و لكن ثبوت مغايرته للمؤثر لايستلزم التسلسل لما قررنا مرارا بانه فعل والفعل يحدثه الفاعل بنفسه اي بنفس الفعل كما قال الصادق عليهالسلام خلق الله المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية، و الفقهاء قد اتفقوا علي ان المصلي يحدث الصلوة بالنية و يحدث النية بنفسها فلايستلزم مغايرة التأثير للمؤثر و الاثر تسلسلا و لا دورا و قد بينا ذلك في الفوائد و شرحها و في غيره.
و كذلك مقولة الانفعال قال في الشرح المذكور لو كان مقولة انينفعل التي هي عبارة من قبول الشيء للشيء امرا زايدا لكان ذلك القبول قائما عرضاً
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 62 *»
قائما بالمحل فتكون موصوفية ذلك المحل بذلك القبول امرا زائدا علي ذلك القبول و الكلام فيها كما في الاول و لزم التسلسل و انه محال فهذا جميع دلائل نفاة الاعراض النسبية انتهي.
اقول قد تقدم جواب مثل هذا باننقول ان القبول زائد علي القابل و ليس غير الموصوفية و علي تسليم الغيرية فليس للموصوفية موصوفية غير ما هي به موصوفية كما بينا مرارا فلايلزم التسلسل.
و قال في الشرح المذكور احتج الحكماء علي كون هذه النسب اموراً وجودية في الاعيان بانقالوا كون السماء فوق الارض اما مجرد اعتبار عقلي او امر محقق في الخارج و الاول باطل لانه لو كان كذلك لكان هذا الحكم ثابتا قبل الفرض و الاعتبار و اللازم كاذب لان هذا المعني حاصل سواء وجد الفرض و الاعتبار او لميوجد و لأن الفوقية قد تحصل للشيء بعد ما لمتكن حاصلة له و الفوقية حصلَت اذَن بعد عدمها و الحاصل بعد عدمه لايكون عدميا و الا لكان نفي النفي عدميا و الثبوت عدما هذا خلف فعلم ان الفوقية صفة وجودية في الخارج و ليست هي نفس ما عرض له الفوقية و هو الجسم مثلا من حيث انه تلك الذات ليس امرا مقولا بالقياس الي غيره و من حيث انه معروض للفوقية مقول بالقياس الي الغير و الفوقية مغايرة لتلك الذات و لأن الفوقية لو كانت نفس ما عرضت له لزال معروضها بزوالها و ليس كذلك لأن الشيء قد لايكون فوقا ثم يصير فوقا و بالعكس و هو اعني معروض الفوقية باق في الحالين و الفوقية غيرحاصلة حال عدمها فالفوقية حاصلة لمعروضها، هذا تقرير ما ذكره الامام و الحكماء ذكروا لاثبات هذا المطلوب وجها آخر و هو ان المفهوم من كون الشيء مؤثرا في غيره قابلا له مغاير لتلك الذات المخصوصة لانه يمكننا تعقل تلك الذات المخصوصة مع الذهول عن كونها مؤثرة في الغير او قابلة له و المعلوم مغاير لما ليس بمعلوم و ليس امرا عدميا لأن قولنا للشيء انه مؤثر نقيض لقولنا انه ليس بمؤثر و قولنا ليس بمؤثر عدمي لصدقه علي الامر العدمي و امتناع صدق الموجود علي المعدوم فهو اذن وجودي لوجوب كون احد
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 63 *»
النقيضين وجوديا و انت لايخفي عليك فساد هذا الوجه بعد احاطتك بما سبق من المباحث انتهي.
و اقول ما ذكره الحكماء و الامام صحيح لا شك فيه و لا غبار عليه الا ما دخل علي الخصم من الشبه التي هي كالسراب و الوجه الاخير الذي ذكره الحكماء اشد صحة و ابين وضوحا نعم فيما ذكر الامام و الحكماء لو كانت نفس ما عرضت له لزال معروضها بزوالها اعتراض و هو انهم عندهم علي اصطلاحهم يطلقون الاتحاد علي اللازم حال اعتبار اللزوم و ان كان في نفسه مغايرا لملزومه و هذا و ان كان غلطا منهم و باطلا الا ان ذلك غير ملزم لهم لانهم لايسلمونه فانهم يقولون انك اذا تصورت صورة زيد في خيالك كانت حال تصورك لها متحدة بنفسك يمتنع تصور انفكاكها من نفسك و اذا ذهلت عنها زالت الصورة عندهم و لايلزم من زوالها زوال ملزومها الذي كانت هي حال التصور نفسه و هذا كله باطل و ما ذكروا الامام و الحكماء هنا كله حق و ان الفوقية اذا كانت نفس ما عرضت له يزول بزوالها و الا لمتكن نفسه بل هي غيره لان كونها نفسه ان كان في الواقع كذلك فلاريب ان الشيء اذا زال فقد زال و ان كان لميزل فانما زال غيره و غيره لايكون نفسه فياسبحان الله ما اعمي قلوبا و بصائر عن الحق و الطريق القصد الواضح و اصل منشأ هذا الاعوجاج ما ذكرناه مرارا في كثير من كتبنا و رسائلنا بان اصل ذلك من احد امور ثلاثة احدها العناد و الاستكبار و الاستنكاف عن الاعتراف بالحق للاغراض الدنياوية و هذا شأن كثير من الناس و ثانيها ليس المانع من قبول الحق و الاعتراف به ذلك و لكن من الناس من سمع شيئا و لميفهم انه باطل و استمر عليه حتي اطمأنت به نفسه و انست به فاذا سمع خلاف ما كان عنده و ان كان حقا بل ربما يظهر له انه حق انكره و تكلف رده و معارضته و ليس عنادا و لكن نفسه انست بخلافه فيصعب عليها مفارقته و العدول عنه فيتكلف تصحيح ما انست به نفسه و ثالثها ليس المانع من قبول الحق العناد و لا انس النفس بخلافه و لكنه يستند في جميع ما يصل اليه و يسمعه الي قواعد اعتمد علي صحتها و ضوابط قررها يعتقد انها
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 64 *»
في كل ما تنطبق عليه و تتناوله حق بقول مطلق فاذا سمع شيئا بخلاف ما عنده او لميعلم به عرضه علي قواعده و وزنه بعيارها و بميزان عقله و فهمه في انطباقها عليه او عدم انطباقها فاذا رأي ما سمع مخالفا لقواعده او لتمشيته اياها اليه انكره و لميقبل الا ما وافق وزنه بتلك القواعد و تكلف رده و نقضه و لعل الغلط في قواعده او في تطبيقها علي ما سمع و كل واحد من هؤلاء الاصناف الثلاثة اذا اراد الاستدلال علي مطلبه وجد له في مطلق الادلة من الكتاب و السنة و من الامثال التي ضربها الله سبحانه للناس و من الايات التي اراها خلقه في الافاق و في انفسهم اذا طلب ذلك وجد فيها ما يوهم الدليل علي مطلبه و العلة فيه قوله تعالي ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي و ذلك في قوله عليهالسلام لو خلص الحق لميخف علي ذي حجي و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فهنالك هلك من هلك و نجي من سبقت له من الله الحسني هـ ، نقلته بالمعني او كما قال.
و اعلم ان معمر بن عباد من المعتزلة و كان سابقا بالزمان علي الاشعري لما تأمل في حجة الفلاسفة في اثبات النسب و الاضافات وجدها قوية الاركان مشيدة البنيان و اعترف بمقتضاها و قال بكونها وجودية و لما الزمه الخصم بلزوم التسلسل و لميقدر علي رد ذلك بنحو ما ذكرنا التزم بالتسلسل و منع استحالته و قال بثبوت اعراض لا نهاية لها يقوم بعضها بالبعض فاجاب عنه المتكلمون بوجهين الاول ان كل عدد موجود فله نصف بالضرورة و نصفه اقل من كله و الا لزم انيكون جزء الشيء مساويا له و هو محال بالضرورة و كل ما كان اقل من غيره فهو متناه فنصف كل عدد متناهٍ اما الكبري فلانّا اذا قابلنا الفرد من الاقل بالفرد من الاكثر فاما انتثبت هذه المقابلة لكل فرد من الاقل لكل فرد من الاكثر من غير تكرير او لاتثبت فان ثبت لزم انتكون افراد الاقل مساويا لعدد افراد الاكثر فالاقل مثل الاكثر و هو محال بالضرورة و ان لميثبت يلزم انيفني عدد افراد الاقل فتكون افراد الاقل متناهية و اذا كان نصف كل عدد متناهيا كان الكل ايضا متناهيا لان الزائد علي المتناهي بمقدار متناه يكون
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 65 *»
متناهيا و هو المطلوب، قال معمّر لانسلم ان كل عدد فله نصف بل ذلك عندي من خواص العدد المتناهي لم قلتم بانه ليس كذلك لا بد له من دليل اجاب المتكلمون بانه لا حاجة لنا الي هذه المقدمة بل تقول كل عدد موجود بدون عشرة افراد منه اقل منه مع تلك الافراد العشرة و العلم به ضروري ثم تتم الحجة المذكورة الي آخرها، ثم اجاب المتكلمون عن منع صغري القياس، قال معمر لانسلم صدق الكبري و هو قولكم ما كان اقل من غيره فهو متناه و مستند المنع هو ان مقدورات الله تعالي اقل من معلوماته لاندراج الواجبات و الممتنعات في المعلومات دون المقدرات اذ القدرة لاتتعلق الا بالممكنات مع ان كل واحد من المقدورات و المعلومات لانهاية لها و كذلك تضعيف الالف مرارا لانهاية لها اقل من الالفين مرارا لا نهاية لها مع ان كل واحد منهما غير متناه اجاب المتكلمون عنه بان قالوا المدعي في الكبري ان كل عدد موجود هو اقل من عدد اخر موجود فهو متناه لما ذكرناه من البرهان و ما ذكرتموه من الصورتين فلانسلم وجودهما في الخارج اما الصورة الاولي فلانا اذا قلنا مقدورات الله تعالي غيرمتناهية و كذلك معلوماته ليس معناه انها موجودة و لا نهاية لافرادها بل معناه انّ ايّ ممكن يفرض فالقدرة صالحة لان تتعلق به و اي معلوم يفرض فالعلم صالح لان يعلمه و لاينتهي العقل عند حد يجزم بانه لايقدر علي الزاهد علي ذلك الحد و لايعلم الزائد عليه مع ان الموجود في الخارج من المقدورات و المعلومات ابدا يكون متناهيا و كذلك الجواب عن الصورة الاخري لان معني تضعيف الالف مرارا لا نهاية لها ان كل حد يفرض في التضعيف فالعقل يقدر علي تضعيفه مرة اخري و لاينتهي الي حد لايقدر العقل علي تضعيفه بعد ذلك و كذلك تضعيف الالفين مرارا لا نهاية لها لا ان تلك الاعداد المضعفة بغير نهاية موجودة في الخارج فان الموجود منها ابدا متناه انتهي.
اقول قد اشرنا الي عدم تحقق التسلسل في الممكنات لانقطاع ترامي كل ما فرض فيه ذلك بحكم التضايف و المعية كما مثلنا فيه بالكسر و الانكسار و ذلك في كل ما يفرض فيه الترامي، هذا فيما تعرفه العقول من حكم ما في
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 66 *»
الامكان و اما فيما تعرفه الافئدة فلا امتناع في فرض ترامي اشياء في الخارج لا الي نهاية لان قدرة الله لاتقدرها عقول الممكنات لما قررنا من ان الاشياء انما تعرف اشباهها و تشير الالات الي نظائرها كما اشار اليه اميرالمؤمنين عليهالسلام انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها، و الازل عزوجل بخلاف ما عليه خلقه في كل شيء و اما معمر بن عباد فمنعه للتسلسل لا عن دليل و لذا استدل بتجويز ترامي اعراض لا الي نهاية و هو غلط لما قلنا بانحصار الواقع في انتهائها الي التضايف و المعية و الدليل الحقيقي ما اشرنا اليه سابقا من انه ممكن و ان الممتنع ممتنع الفرض اذ لايوجد الا الواجب و الممكن و العلة في عدم ايجاد ما احالته العقول ان كل شيء انما خلقه الله للتعريف و التعرف و لو خلقه الله تعالي علي غير ذلك لميمكن له المعرفة و لايمكن لغيره الاستدلال به لانه خلق علي غير مقتضي الحكمة و المخلوق ان خلق علي خلاف مقتضي الحكمة كان مخلوقا علي الاهمال فلايعرف شيئا الا بوصف خاص به فيلزم لمعرفة جميع الاشياء لكل فرد منها وصف خاص به مميز له فيلزم في تعريف الاشياء اوصاف لاتتناهي فلما كان المؤلف علي مقتضي الحكمة لانه كذلك بخلاف الفؤاد لانه غير مؤلف بل هو بسيط لانه آية الله سبحانه فهو يدرك ان الذي يحكم عليه العقل بانه ممتنع انه ممكن في قدرة الله كالتسلسل و اما تجويز معمر له فعن غير دليل.
و اما جواب المتكلمين بان كل عدد موجود فله نصف و نصفه اقل من كله في نفي ما لايتناهي من العدد فان ارادوا ان ما فرض انه نصف مساوٍ للقسم الآخر فقول معمر بل ذلك عندي من خواص العدد المتناهي، متجه لان الطرف الآخر لايساوي الطرف الاول الا في المتناهي و ان ارادوا مطلقا كان كقولهم الآخر ان كل عدد موجود بدون عشرة افراد منه اقل منه مع تلك الافراد العشرة و علي هذا فلمعمر بن عباد ان القلة و الكثرة انما تقال علي ما علم اخره و اما اذا لميعلم كما لو كررت عشرة مرارا غير متناهية و الفا و الفين مرارا غير متناهية
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 67 *»
فلايعقل القلة و الكثرة الا مع الاحاطة بالمرات المكررة و اما مع عدم الاحاطة فانما يتوهم القلة و الكثرة بالنظر الي العشرة نفسها و الالف نفسه مع عدم الالتفات اليهما بعد التكرير و ذلك بنظرين بان تلتفت النفس الي العشرة وحدها قبل التكرير و الي الالف وحده قبل التكرير فتدرك قلة العشرة و كثرة الالف ثم تلتفت الي تكرارهما فتتوهم القلة والكثرة الثابتين قبل التكرير بعد التكرير و لا شك ان التكرير نفسه لا قلة فيه و لا كثرة و اذا لحقتا ماقبل التكرير انما لحقت العددين المعينين العشرة و الالف و افرادهما متناهية و الافراد الحاصلة من التكرير ان كانت متناهية كان التكرير متناهيا و هو خلاف المفروض و ان لمتكن متناهية فمن اين تلحقها القلة في بعض و الكثرة في بعض و كل منهما غيرمتناه فافهم فانه دقيق و دعوي الضرورة انما حصلت من نظرين نظر حصلوا به التناهي و القلة و الكثرة من نفس العشرة و الالف وحدهما قبل التكرير حال تناهي افرادهما ثم وصفوا افرادهما حال اللاتناهي بالقلة و الكثرة و هو وصف لغير من هو له بل لو طبقت السلسلتين بما فيها من الافراد الحاصلة من التكرير احديهما علي الاخري ما وجدت العقول من القلة و الكثرة الا ما وجدته في العشرة و الالف قبل التكرير او ان مرات التكرير محصورة.
و اما ما استند معمر في منعه الي ان معلومات الله اكثر من مقدوراته تعالي مع عدم تناهيهما و ما اجابه المتكلمون عن ذلك كما تقدم فكلاهما غير مستقيم اما قول معمر فلما قررنا من عدم كون الممتنع شيئا معلوما و لو كان الممتنع شيئا لكان معلوما و لو كان معلوما لكان مقدورا لان العلم و القدرة ليسا شيئين بل هما شيء واحد و كيف يكون شيء لايعلمه الله و لذا لما ادعوا شريكا له تعالي قال اتنبئونه بما لايعلم في السموات و لا في الارض فاذا كان لايعلمه دل علي ان الممتنع ليس شيئا و علي ان العلم مساوٍ للقدرة لانهم يريدون بالممتنع شريك الباري تعالي و لو صح علم الممتنع لما قال اتنبئونه بما لايعلم و قد برهنا في
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 68 *»
الفوائد و في شرحها[2] علي ان الممتنع ليس شيئا و انما هو ممكن سميتموه بممتنع فاذا نظرت ماذكرنا ثبت عندك انه لايعقل الا ممكن او واجب باياته و اذا ثبت ذلك عندك ثبت عندك ان قدرة الله ليست اقل من علمه علي ان العلم اذا كان اكثر من القدرة اختلفا فلايكون المختلف بسيطا و الحاصل الكلام علي ما ذكروه من ادلتهم يطول فلا فائدة فيه عظيمة بعد ظهور المدعي و كذا ذكر ما قالوا نعم قد اذكر بعضا و قد اتكلم علي بعض ما اذكر اذا توقف عليه ظهور المدعي.
و فخر الدين الرازي اعترض علي الحكماء القائلين بكون النسب وجودية متحققة في الخارج لا انها امور اعتبارية فقال: ان اثبات النسب يقتضي كون التقدم و التأخر صفتين موجودتين و ذلك محال و تقريره من وجهين الاول ان ما ذكرتم من الدليل لو صح جميع مقدماته لزم انيكون التقدم والتأخر صفتين موجودتين في الخارج زايدا علي ذات المتقدم و المتأخر و ذلك محال اما الشرطية فلان كون الشيء متقدما علي غيره ليس من الامور الفرضية و الاعتبارية فان كون ادم عليهالسلام قبلي امر محقق سواء وجد الفرض و الاعتبار ام لميوجد و ليس امرا عدميا لان القبلية والبعدية يعرضان للشيء بعد ان لميكن كذلك و الحاصل بعد عدمه ثبوتي و ليس نفس ذات المتقدم و المتأخر من حيث انه تلك الذات غير مقول بالقياس الي الغير و من حيث انه متقدم و متاخر مقول بالقياس الي الغير و اما استحالة التالي فلان من خاصية المتضائفين ان يكونا متساويين في الذهن و في الخارج علي معني انه اذا وجد احدهما باحد الوجودين وجد الآخر بذلك الوجود و اذا زال احد الوجودين عن احدهما زال ذلك الوجود عن الآخر و ذلك ظاهر و الامثلة ايضا شاهدة (مشاهدة خل) به اذ الابوة مساوية للبنوة و الاخوة للاخوة علي ما ذكرنا من التفسير. اذا عرفت هذا فنقول لو كان التقدم امرا موجودا في الخارج لزم
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 69 *»
من وجوده فيه وجود التاخر فيكونان معا موجودين في الخارج و حينئذ ان وجد معهما محلاهما لزم وجود المتأخر في الخارج في جميع زمان وجود المتقدم فيه فلايكون المتقدم متقدما هذا خلف و ان لميوجد محلاهما لزم تحقق الصفة الاضافية في الخارج بدون معروضه و ذلك محال انتهي.
اقول اذا كان التقدم و التأخر موجودين كما هو المتحقق لايلزم منه محال و لا تنافي لانهما اذا وجدا في محليهما كان كل منهما مع محله في رتبته لان المتقدم سواء كان التقدم الذي اتصف به وجودياام عدميا هو متقدم في رتبته و المتأخر متأخر فلايكون المتقدم بكون صفته اعتبارية متاخرا و لا غير متقدم و المتأخر كذلك فلايختلف الحال بالوجود و الاعتبار و ايضا علي فرض الاعتباري يكون الوجود ليس الا المتقدم و المتأخر فيلزم ايضا اجتماعهما في زمان واحد فلايكون المتقدم متقدما اذ اعتبار كونه متقدما ممتنع مع اعتبار التساوق و الاجتماع بين المعروضين فهو احق و اولي بالاجتماع و التساوق منه مع ثبوت التحقق و زيادته علي المعروض في الخارج لانك اذا اثبت وجود التقدم و زيادته علي معروضه كان الاجتماع و التساوق انما يعتبر في المعروضين. و اما العارضان فالتقدم اتصف به ادم عليهالسلام قبل انيتصف شيث عليهالسلام بالتأخر و ذلك فيهما مقول بالقياس الي الغير و انلزم فيهما التضايف اذ لو لميعتبر السبق في الاتصاف لميعقل شيء منهما فلايتميز السابق من اللاحق علي الفرضين لان التقدم و التأخر احد جزئي مفهوم الصفة الفاعلية كالضرب في ضارب الذي هو اسم الفاعل و صدورها من الفعل زماني اي مقترن بالزمان فقد تحقق التقدم بسبق وجود المتقدم بذاته او بما نسب التقدم به اليه كمجيئه و ذهابه و ما اشبههما فهو مع وجود المتأخر معه في وقت واحد متصف بسبق ملحوظ فيه تحققه و تقدمه علي اتصاف المتأخر بالتاخر (بالتاخير خل) بذاته او بما نسب التاخر به اليه فالاتصافان و الوصفان لميجمعهما زمان و ان جمع الزمان محلهما فانما جمعهما لا من حيث الاتصاف
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 70 *»
فلايلزم محال بوجه من الوجوه. و جواب الشيخ في الشفاء بعدم تسليم كون التقدم و التاخر وجوديين غير شاف و لا مفيد لحق و فرقه بينهما و بين فوقية السماء و تحتية الارض لا معني له و تعليله وجودية الفوقية و التحتية بان هذين صفة ثبوتية لاتتوقف علي اعتبار لان السماء و الارض لما كانا موجودين في الخارج كانت فوقية احدهما للاخر صفة وجودية جار في المدعي بل في جميع النسب بعين ما ذكر من غير فرق في شيء من النسب.
و تقرير الوجه الثاني الذي ذكره الرازي من الاعتراض علي حجة الحكماء القائلين بوجود النسب انيقال لو صح ما ذكرتم من الحجة لزم قيام الصفة الوجودية بالامر العدمي و انه محال بيان الشرطية و هو انا نحكم في اليوم الحاضر علي الامس بكونه ماضيا و المفهوم من كون الامس ماضيا اما انيكون امراً وجوديا او امرا عدميا و الثاني محال لان الامس صار ماضيا بعد ان لميكن ماضيا و تبدل العدم بالعدم غيرمعقول فهو اذن وجودي و حينئذ اما انيكون ثبوته في الذهن فقط او فيه و في الخارج و الاول محال لانا لو فرضنا عدم الفرض و الاعتبار فذلك اليوم اعني امس ماض في نفسه فهو اذن موجود في الخارج و حينئذ اما انيكون نفس ذلك اليوم او يكون امرا زائدا عليه والاول محال لانه لو كان نفس ذلك اليوم لتحقق الماضي حيث تحقق ذلك اليوم لكن ذلك اليوم حين كان حاضرا و لميكن حاضرا لميكن ماضيا فهو اذن امر زايد عليه و لو كان كذلك يلزم قيام الصفة الوجودية بالامر العدمي فعلم ان ما ذكرتم من الحجة يقتضي هذا المحال فتكون باطلة اجاب الحكماء عنه بان قالوا لِمَ قلتم بان المفهوم من كون الامس ماضيا ليس امرا عدميا قوله صار ماضيا بعد ان لميكن ماضيا و تبدل العدم غير معقول قلنا كل واحدة من هاتين المقدمتين مسلم و لكن لم قلتم بانه يلزم منهما ان يكون المفهوم من كونه ماضيا امرا وجوديا و انما يلزم ذلك ان لو كان المفهوم من كونه ليس بماض امرا عدميا و هو ممنوع (ممتنع خل) لان المفهوم من كونه امرا ماضيا هو غير المفهوم من كونه حالا و المفهوم من كونه حالا امر وجودي و اذا كان كذلك
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 71 *»
كان ذلك تبدلا للامر الوجودي بالامر العدمي و هذا التبدل يقتضي كون الحاصل بعده عدميا لا وجوديا فهذا تحقيق ما ذكره الحكماء في جواب هذا الوجه و لايتأتي مثل ذلك في كون السماء فوق الارض فيتمّ الحجة هناك دون هيهنا، انتهي كلام المفصل.
اقول الاعتراض و الجواب كلاهما يرد عليه النقض المتقدم و ما يتفرع عليه فاذا تأملت ما ذكرنا هناك تبين لك ما فيهما هنا من الخلاف فان حكمنا في اليوم الحاضر علي الامس بكونه ماضيا حكم مطابق للواقع لانه حكم بما هو واقع في الخارج لان كون الامس ماضيا حصل بعد ان لميكن و الحاصل بعد ان لميحصل لايكون الا ثانيا (ثابتا خل) كما ذكره المعترض و لا شك ان ثبوته في الخارج لتحققه مع عدم الاعتبار و ايضا لاشك في ان كونه ماضيا زائد علي نفس ذلك اليوم فكلام المعترض كله صحيح الا ما توهمه هو و اكثر الناس من ان الامس في هذا اليوم معدوم فانه باطل و كيف يكون معدوما و انت تتخيله و تتصوره في ذهنك و قد بينا في مواضع كثيرة من كتبنا ان الذهن في الحقيقة مرءاة تنطبع فيها الصور اذا كانت مقابلة لذي الصورة لأن المرأة انما تنطبع فيها صورة الشاخص المقابل لها فلو لمتقابله شيئا لمينطبع فيها شيء و قد بينا برهان ذلك و ايضا اذا ثبت انه كان موجودا حال كونه حاضرا و انه اي هذا اليوم داخل في ملك الله سبحانه فاذا جاء الغدو و كان اليوم امس اين يذهب هل يخرج من ملك الله بعد ما دخل فيه و انما انتقل من مكان الي مكان بل في الحقيقة هو في مكانه منذ خلقه الله و انما الخلائق كلهم يسبحون في بحر الزمان من المشرق الي المغرب الي انيصل الآخرة فيأتيك امسك بعينه و يومك بعينه و غدك بعينه فتشهد (فيشهد خل) عليك او لك و كذلك بقاع الارض و الامس لميفن و انما انت الذي سرت عنه و غبت عنه و مثاله حين خرجت من خراسان و اتيت الي اصفهان لمتكن خراسان حين سرت عنها و غبت عنها عدما بل هي موجودة كحالها حين كنت فيها فلما خرجت عنها بقيت صورتها في خيالك و لو
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 72 *»
رجعت اليها او سارت اليك رأيتها بعينها كذلك امس حين سرت عنه وصلت الي اليوم الحاضر و انت و صفاتك (و جسمك و صفاتك خل) و الزمان و المكان شيء واحد في حكم البقاء و الفناء و الحشر و مابعده فكون امس ماضياً صفة وجودية قامت بوجود. و من تتبع اخبار اهل العصمة عليهم السلام و تدبرها و آمن بما نطقت به وجد جميع ما نطقت به موجودا فيها مرادا بها لايخالف منها حرفا الا فيما لميكن من طوري مما لم اصل اليه فان ذلك لهم لا لي و لا لابناء صنفي صلي الله عليهم اجمعين.
و اما جواب الحكماء في قولهم لم قلتم بان المفهوم من كون الامس ماضيا ليس امرا عدميا، فليس بصحيح اذ لهم انيقولوا انما قلنا بانه وجودي لحصوله بعد ان لميكن فان العدم لايحصل اذ لا حصول له و قولهم لان المفهوم من كونه امرا ماضيا هو غير المفهوم من كونه حالا و المفهوم من كونه حالا امر وجودي الخ، ليس بصحيح لان النظر الذي يقتضي كون المفهوم من كونه حالا وجوديا يقتضي كون المفهوم من كونه ماضيا امرا وجوديا بالطريق الاولي فالحق الصريح البين ان الكل وجودي و ان التبدل الوجودي بالوجودي و لا محذور بل هو المعروف عند اولي الحجي الطالبين للحق المبين و هذا يأتي في كون السماء فوق الارض و غيرها من النسب كالالوان و الاصوات و الاضواء و الانوار و البريق و الصقاله و الصلاية (الصلابة خل) و اللين و الخشونة و الملاسة و التلزز و التفشي و التحلل و الحركة و السكون.
و الحاصل جميع الصفات اللاحقة بكل شيء من عالم الملك و الملكوت و الجبروت القائمة بموصوفها قيام صدور او ظهور او قيام تحقق او عروض و ما اشبه ذلك كلها امور وجودية قد دلت علي ثبوتها و وجودها ما دل علي وجود ما تقدم و ثبوته علي ان المثبتين (ظ للمثبتين) للامور الاعتبارية القول بان اكثر ما في ملك الله ليس من صنع الله و ليس في ملك الله و انما هو من ابتداع نفوسهم حتي ان بعض الاشياء اخبر سبحانه انه خلقه و هم يقولون ليس بشيء مثل ما في قوله تعالي
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 73 *»
الذي خلق الموت و الحيوة فانهم يتلون قوله الذي خلق الموت و مع هذا يقولون ان الموت امر اعتباري لا تحقق له في الخارج لانه عبارة عن عدم الحيوة فاذا كان هذا كلامهم و هم يقرؤن كلام الله بخلاف قولهم و لميرجعوا عن قولهم فكيف ينتفعون بقول قائل او يسمعون عذل عاذل و النظر الصحيح المستند الي معرفة آيات الله في الافاق و في الانفس مع توفيق الله و هدايته لسبله (لسبيله خل) لمن جاهد في الله و احسن المجاهدة بالايمان الصادق و طلب محض الحق لله عزوجل قد اعطي صاحبه ان كل ما سوي الله عزوجل فان الله سبحانه خلقه و جعل وجوده الذي به قوامه وجودا تعلقيا لا تحقق له بنفسه و لا تقوم له الا بغيره لان وجوده الذي به يتقوم جعله متقوما بفعله تقوم صدور لانه اخترعه لا من شيء و ليس له اصل احدثه منه الا فعله لان الفعل حين الايجاد احداث و مفعوله تاكيد له فالوجود المخترع في حقيقته و كنهه تأكيد للاحداث و الفاعل تعالي اخترعه تأكيدا لفعله و اقامه بدوام الاختراع و اتصاله فتقومه بجهة دوام الاختراع و اتصاله تقوم صدور و بجهة متعلق الاختراع المتصل تقوم تحقق تقوما ركنيا فحقيقة وجوده و اصله تأكيد لفعل الخالق تعالي بالاحداث و الامداد باثره و هو مرادنا بالتعلقي يعني ان وجود الحادث من فعل الخالق تعالي كوجود الصورة التي في المرءاة في مقابلة الشاخص و كالنور في الكثيف من المنير فوجود زيد متقوم بفعل الله تقوم صدور و باثر فعل الله اي متعلقه و تأكيده تقوما ركنيا تقوم تحقق و هذا حكم كل ما سوي الله مما صدر عن فعل الله عزوجل من جميع الاشياء من الذوات و الصفات من العقول و العقلانيات و النفوس و النفسانيات و الاجسام و الجسمانيات مما دخل في احد الظروف الثلاثة ظرف الخارج و ظرف الذهن و ظرف نفس الامر اعني ما قام عليه الدليل القطعي مما طابق الخارجي او الذهني او لا و ضابط ما يجري فيه الحكم المشار اليه هو ما وضع بازائه لفظ يدل عليه او ما صح فرض وقوعه و(خ ل او) ما امكن تصوره او ما لحقه التجويز و الاحتمال و صح اعتباره و توهمه فان كل شيء من ذلك
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 74 *»
فوجوده اثر فعل الله او من اثر فعل الله و مرادي بوجوده مادته اذ لا معني للوجود المخترع المحدث الا المادة و هي في كل شيء بحسبه و اعلاه نور الانوار و النور الذي تنورت منه الانوار و هو الماء الذي منه كل شيء حي صلي الله عليه و آله الطاهرين
و صورة كل شيء خلقها الله من نفس مادته من حيث هي هي و ذلك ايضا في كل شيء بحسبه و لايكون شيء من خلق الله بسيطا بل كل شيء غير المعبود بالحق عزوجل مركب قال تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين، و قال الرضا عليهالسلام ان الله لميخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه و اثبات وجوده هـ ، ثم استشهد عليهالسلام بالآية و العقل يقطع هذا لان كل شيء مصنوع لابد انيكون له اعتباران اعتبار من ربه و هو وجوده اعني مادته و اعتبار من نفسه و هو ماهيته اعني صورته و قابليته و جميع الاشياء اشتقها عزوجل بقدرته من اشراقات نور الانوار و اشراقات اشراقاته و امداداته و امدادات امداداته و لميخلق شيئا من الاشياء من ذات نور الانوار صلي الله عليه و آله قط و انما قسمه تعالي اربعة عشر جزءا فبقيت تلك الاجزاء اشباحا يسبحون الله و يحمدونه و يهللونه و يكبرونه الف دهر كل دهر علي ما فهمته مائة الف سنة و الذي اتاني به وارد الوقت ناقلا لي عن بعض الروايات ان هذه السنين كل سنة ثمانون شهرا كل شهر ثمانون جمعة كل جمعة ثمانون يوما كل يوم ثمانون ساعة كل ساعة كالف سنة مما تعدون فعلي هذا يكون سبق تلك الاشباح في الوجود قبل جميع الخلايق باربعة آلاف الف الف الف الف سنة (الف الف الف سنة و سنة خل) و ستة و تسعون الف الف الف الف (تسعون الف الف الف خل) سنة من سني الدنيا ثم نظر تلك الانوار الاربعة عشر بعين الهيبة فعرقت فخلق الله تعالي من عرقها مائة و اربعة و عشرين الف قطرة فخلق تعالي من كل قطرة روح نبي فبقيت ارواح الانبياء عليهم السلام يسبحون الله تعالي و يحمدونه و يهللونه و يكبرونه الف دهر كل دهر مائة الف سنة و الوقت الاول وقت الستر (السر خل) و الوقت الثاني وقت الحجاب و الي الوقتين اشار بعض اهل التأويل بان الالف اللينة هي هيولي ساير
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 75 *»
الحروف و ان طولها الف الف قامة و الالف المتحركة هي اول الحروف و طولها الف الف ذراعثم انه تعالي نظر الي الانوار المائة و اربعة (المائة الالف و الاربعة خل) و العشرين الالف بعين الهيبة فعرقت فخلق الله من عرقها ارواح المؤمنين و الي هذا اشير فيما قبل ان الباء الموحدة من تحت طولها الف الف شبر ثم خلق من عرقها ارواح الملائكة و الي هذا اشير بان الجيم طولها الف الف اصبع و الي سبق نور الانوار علي ساير الخلق اشار اميرالمؤمنين عليهالسلام لاهل الاشارة في جوابه لمن سأله كم بقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض فقال عليهالسلام ما معناه اتحسن انتحسب فقال نعم فقال اخشي الا تحسن قال بلي قال انظر لو صب حب خردل حتي سد الفضاء و ملأ مابين الارض و السماء ثم عمر لك مع ضعفك انتنقله حبة حبة من المشرق الي المغرب حتي ينفد لكان ذلك اقل من جزء من مائة الف جزء من مثقال الذر مما بقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض و استغفرالله عن التحديد بالقليل هـ ، و هذا النور اعني نور الانوار هو نور العالين الذين لميسجدوا لآدم عليهالسلام انما سجدت الملائكة اجمعون لسطوعه في صلب ادم عليهالسلام و هو نور الستر المذكور في صحيحة علي بن عاصم و الانوار المخلوقة من عرقه انوار الكروبيين و هم قوم من شيعة علي عليهالسلام من الخلق الاول جعلهم الله سبحانه خلف العرش و وراءه و النور المتجلي للجبل لموسي عليهالسلام واحد منهم و هؤلاء حجاب الستر.
و الحاصل ليس وجودات جميع الاشياء شيئا واحدا تجمعه حقيقة واحدة في رتبة واحدة و مواد الاشياء كلها من الغيب و الشهادة حصص من تلك الحقيقة كما توهمه الاكثرون بل كل رتبة لاهلها لايشاركهم فيها غيرهم فالنور الذي تنورت منه الانوار خلق منه شبح واحد صلي الله عليه و آله و اخذ منه ثلاثة عشر شبحا صلي الله عليهم اجمعين كاخذ السراج من السراج و هو قول اميرالمؤمنين عليهالسلام انا من محمد كالضوء من الضوء صلي الله علي محمد و آله و لميخلق الله عزوجل من ذلك النور غيرهم و لميفضل منه شيء عن
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 76 *»
موادهم ثم خلق انوار الكروبيين من فاضل النور الذي تنورت منه الانوار يعني من شعاعه و اشراقه و المراد بالفاضل هو الشعاع و لانعني بالفاضل بقية الشيء لا في الاخبار و لا في ما نصطلح عليه في ساير كتبنا و منه ما في حديث النخلة في قوله عليهالسلام و انما سميت النخلة نخلة لانها خلقت من نخالة طين آدم عليهالسلام فان المراد بالنخالة الشعاع الجسماني فافهم[3].
و اعلم ان كثيرا من الناس يتكلم بما لايفهمه و من ذلك ان كثيرا من المتكلمين يقولون ان صفاته عين ذاته تعالي و يقولون مع ذلك ان العلم اعم من القدرة لان العلم يتعلق بالممكن و الممتنع و اما القدرة فانها لاتتعلق بالممتنع فيلزمهم ان العلم غير القدرة في الذات و يلزمهم اما انهما غير الذات و اما ان الذات مركبة متعددة مختلفة لتركبها من المختلفة المتغايرة و مثل هؤلاء في الخطاء و الغلط من جعلها متغايرة في معانيها و مفهوماتها و هي عين ذاته تعالي كالملاصدرالدين الشيرازي كما ذكره في سائر كتبه و منها ما ذكره في الاسفار و انا انقل لك كلامه و اجعله كالمتن و جوابه و الرد عليه كالشرح.
قال فصل – في ايضاح القول بان صفات الله تعالي الحقيقية كلها ذات واحدة لكنها مفهومات كثيرة.
اقول يريد انها عين ذاته في الوجود و معانيها و مفهوماتها مختلفة متغايرة و هذا هو ما ذكرنا مما يلزمه من كون الذات مركبة من الامور المختلفة لا مناص له عن ذلك.
قال واعلم ان كثيرا من العقلاء المدققين ظنوا ان معني كون صفاته عين ذاته هو ان معانيها و مفهوماتها ليست مغايرة بل كلها ترجع الي معني واحد و هذا ظن فاسد و وهم كاسد و الا لكانت الفاظ العلم و القدرة و الارادة و الحيوة و غيرها في حقه تعالي الفاظا مترادفة يفهم من كل معني منها ما يفهم من الآخر فلا فائدة في اطلاق شيء منها بعد اطلاق احدها و هذا ظاهر الفساد مؤد الي
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 77 *»
التعطيل و الالحاد.
اقول ماذكره هؤلاء المدققون هو الحق الذي جاء به الشرائع و شهد بصحته العقل الكامل البارع لانها اذا تغايرت معانيها دل ذلك علي انها صفات افعال لان الافعال هي المتغايرة فتتغاير صفاتها و الذات لاتغاير فيها و لو تغيرت صفاتها تغيرت في حد ذاتها لان الذات انما هي هي بصفاتها حتي لو فرض اتحاد الصفات المتغيرة المتخالفة بالذات و ثبت حينئذ عدم تغير الذات و اختلافها حصل لنا القطع بعدم اتحادها بالصفات المختلفة و ان الصفات المختلفة صفات افعال لانا لانريد بكونها عين ذاته تعالي اتحاد نسبة بان يكون احدهما عبارة عن الآخر فيما ينسب اليه من فعل بان يكون فاعلا عنه او به بالنيابة او القيام مقامه او من صفة بان يكون وصفها واحدا و لا اتحاد تداخل كاتحاد نور الشمس و نور السراج و لا اتحاد تمازج كاتحاد الماء الحار بالماء البارد لفنائهما و وجود ثالث و لا اتحاد استهلاك لفناء احدهما فتنتفي العينية و الاتحاد و انما نريد بالعينية ان احدهما هو الآخر لايراد منه غير نفس الآخر لا في الخارج و لا في الذهن و لا في نفس الامر لا بالاحتمال و لا بالفرض و لا بالتجويز و الامكان و لا مغايرة حيثية و لا فرق مطلقا لا في امكان و لا وجوب فحاصل ما نريد و نعني بهذه الالفاظ الكثيرة و ما نفهم منها شيء واحد بكل احتمال و بكل اعتبار فلو فهم من واحد منها غير مايفهم من الآخر لميكن هو واحداً بل هما اثنان اتحدا باحد انواع ما اشرنا اليه من الاتحاد و ما اشبهها فيلزم مما قلنا كونها الفاظا مترادفة لايمكن غير الترادف لان المفهومات المتغايرة لاتخلو اما انتكون اختلافها بلحاظ اختلافها في حقائقها او بلحاظ اختلاف ظهوراتها بآثارها في افعالها فان اريد الاول لمتكن الصفات اللاتي تفهم حقائقها و معانيها عين ذاته تعالي لان ما هو عين ذاته لايكون مفهوما لغيره و لا مدركا لاحد من الحادثين لانه ذاته تعالي و لايحيطون به علما و المفهومات اللاتي تدركون معانيها حادثة و لاتكون الحوادث عين ذاته و انما الصفات المفهومة صفات افعاله تعالي و ان اريد الثاني و هو ان اختلاف تلك المفاهيم راجع الي اختلاف آثار تلك الصفات و هي في
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 78 *»
نفسها شيء واحد لميفهم منها جميعا الا مايفهم من ذات الله عزوجل بانه المجهول المطلق الذي لايعرف الا من حيث لايعرف و انما عرفوه تعالي بما وصف نفسه لهم و ذلك الوصف وصف استدلال عليه لا وصف يكشف (ظ تكشف) له و جعل بلطفه و كرمه و رحمته ذلك الوصف حقيقة من اراد انه يعرفه ليعرفه بنفسه فقال سفيره الداعي اليه صلي الله عليه و آله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و قال وصيه و خليفته صلي الله عليهما و آلهما من عرف نفسه فقد عرف ربه هـ ، و معني المراد الاول العلم بالمعلوم و السمع للمسموع و البصر للمبصر و القدرة علي المقدور فالعلم المقترن بالمعلوم المطابق له بل المتحد به لايكون هو عين ذاته تعالي و الا لكانت ذاته مقترنة بك لانك معلومه و مطابقة لك بل متحدة بك بمعني انها انت لان العلم عين المعلوم كما هو الحق و معني الثاني ان العلم و السمع و البصر و القدرة و باقي الصفات يراد منها محض الذات خاصة وانما اختلفت الالفاظ حتي توهم انها موضوعة بازاء معان متعددة مختلفة الحقائق مع ان المراد منها معني واحد لان الالفاظ وضعت بازاء مبادي آثار افعال الذات فحملت تلك الالفاظ باعتبار الآثار التي هي اركان لما تقومت بها من تلك الافعال علي الذات حملا صناعيا بالحمل المتعارف الشائع و حمل مايراد منها من الصفات علي الذات حملا اوليا ذاتيا مثال ذلك ما اريك الله سبحانه من آياته الدالة بصحيح البيان و صريح المشاهدة و العيان في ما تحقق لك مما تشاهده في نفسك بيقين الوجدان انك انت السميع قبل انيتكلم احد فلما تكلم زيد اقبلت انت بنفسك علي كلامه و اشرفت عليه من باب اذنك فادركت كلامه و انت البصير قبل انيحضر لديك لون او صورة فلما حضر لديك اقبلت انت عليه بنفسك و اشرفت عليه من باب بصرك فادركته فانت بنفسك السميع و البصير ادركت الكلام من باب اذنك و ادركت اللون من باب بصرك بجهة واحدة منك من غير مغايرة حصلت لك لا في وجود و لا في مفهوم بحال من الاحوال و انما الاختلاف و المغايرة انما هو فيما ادركته و في طرقه و جهاته فحمل السميع عليك و سميت به باعتبار ما تقوم به ادراكك للمسموع من اركانه التي هي آثار
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 79 *»
فعلك بالحمل المتعارف الشائع و كذلك الكلام في البصير و القدير و سائر الصفات فالسميع والبصير و القدير والحي هو انت بجهة واحدة منك لانك انت تبصر و انت تسمع و انت حي وانما كثرت اسماؤك بكثرة آثار افعالها خاصة اذ لست تسمع بغير ما تبصر به لتختلف معاني صفاتك و مفاهيمها بل انت تسمع انت تبصر فانت حين تسمع (لست ظ) غيرك حين تبصر حتي تكون معانيك مختلفة متغايرة لانك لو اختلفت مفاهيم صفاتك و معانيها كان البصير حين تكون سميعا غيرك و بالعكس فقول الملاصدرا و الا لكانت الفاظ العلم و القدرة و الارادة والحيوة و غيرها في حقه تعالي الفاظا مترادفة يفهم من كل منها مايفهم من الآخر فلافائدة في اطلاق شيء منها بعد اطلاق احدها و هذا ظاهر الفساد الخ، ظاهر الفساد لان اطلاق كل منها لا فائدة فيه ترجع الي كشف معني من الذات و لا من الصفات التي هي الذات و انما الفائدة في اطلاق واحد منها بيان اثر فعل من افعاله فاذا اطلقت واحدا لبيان اثر فعل جاز اطلاق آخر لبيان اثر فعل آخر فيا سبحان الله ما اعجب غفلة هؤلاء الاعلام المحققين الذين افنوا اعمارهم في طلب الحكمة و المعرفة حتي كان ثمرة زرعهم و تعبهم مثل ما سمعت و تسمع و لكن السبب في ذلك ظاهر لكل مؤمن و هو في قول سيد الوصيين علي بن ابيطالب عليهالسلام ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامر الله لانفاد لهاهـ .
قال بل الحق في معني كون صفاته عين ذاته ان هذه المعاني المتكثرة الكمالية كلها موجودة بوجود ذاته الاحدية بمعني انه ليس في الوجود ذاته تعالي متميزا عن صفته بحيث يكون كل منهما شخصا و لا صفة منه متميزة عن صفة اخري له بالحيثية المذكورة بل هو قادر بنفس ذاته و عالم بعين ذاته اي بعلم هو نفس ذاته المنكشفة عنده بذاتها و مريد بارادتها التي هي نفس ذاته بل نفس علمه المتعلق بنظام الوجود و سلسلة الاكوان من حيث انها ينبغي انتوجد.
اقول قوله بل الحق في معني كون صفاته عين ذاته ان هذه المعاني
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 80 *»
المتكثرة الي قوله الاحدية، باطل لان الحق في معني كون صفاته عين ذاته ان جميع هذه الصفات معناها واحد و هو ذاته لانها اذا فرض معانيها متكثرة كانت متغايرة مختلفة و المتغايرة المختلفة في نفس الامر لاتكون واحدا لاكثرة فيه و لا تعدد و لاتركيب لانها اذا كانت عين ذاته كانت ذاته مجموع معان مختلفة و ان فرض كون جميع تلك المعاني المتغايرة موجودة بوجد واحد اذ كونها موجودة بوجود واحد لايخرجها عن التغاير و الاختلاف.
و قوله في تفسير تلك العينية بمعني انه ليس في الوجود ذاته تعالي متميزا عن صفته، غلط لان البسيط البحت و المختلف المتغاير اذا جمعهما وجود واحد لابد انيتميز من المختلف الا انيتركب البسيط من المختلفات فيكون مثلها او ينسلخ الاختلاف منها فتكون اياه بمعني نفي المغايرة بينها و بينها و بينه فيكون المراد من الكل شيئا واحدا بكل اعتبار في الذات و في الصفات و في الافعال و في النسب و في الاسماء و في المعني و في المفهوم حيث يصح استعماله و في الارادة و القصد و في العنوان و في المعرفة و في التعرف بالوصف الاستدلالي و ما اشبه ذلك و اما اذا وسم تلك الصفات باختلاف مفاهيمها و تغاير معانيها تمايزت عن ذاته و تميز بعضها عن بعض لانه هو مقتضي الاختلاف و المغايرة نعم اذا جعل معناها و مفهومها هو معني ذاته بحيث تكون تلك الالفاظ مترادفة و انما تكثرت الالفاظ و اختلفت و تغايرت لاختلاف آثار افعالها و تغايرها كما تقول هو تعالي غفور رحيم جواد كريم رازق سميع عليم، صح له قوله بل هو قادر بنفس ذاته و عالم بعين ذاته اي بعلم هو نفس ذاته و لو اراد بهذا العلم العلم المغاير مفهومه لذاته لميكن نفس ذاته لان العلم المفهوم لايكون نفس المجهول المطلق و الا لكانت ذاته مفهومة قد احاطوا بها علما تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا و قوله و مريد بارادتها التي هي نفس ذاته الخ، غلط لانا قد قررنا في سائر كتبنا و اجوبتنا انه ليس لله سبحانه ارادة هي عين ذاته لان الارادة من صفات الافعال و لهذا يوصف تعالي بها و بضدها فتقول اراد و لميرد و ليست علما و لا كالعلم اذ تقول افعل ذلك انشاء الله و ان اراد الله و لاتقول افعل ذلك
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 81 *»
ان علم الله لان العلم صفة ذات لايوصف به و بضده فتقول علم الله و لاتقول لميعلم الله كما تقول لميرد الله و قد تواترت اخبار ائمة الهدي عليهم السلام علي حدوث الارادة و المشية و انه ليس لله سبحانه ارادة قديمة و لميرد خبر عنهم عليهمالسلام يدل علي قدمها بل روي الصدوق في توحيده عن الرضا عليهالسلام انه قال المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان الله لميزل شائيا مريدا فليس بموحد هـ .
و الملا في كتابه الكبير الاسفار استدل علي قدم الارادة و علي انها هي علمه و هي عين ذاته الي ان قال فعلم من هذه الايات و نظائرها ان ارادته تعالي للاشياء هي عين علمه بها و هما عين ذاته تعالي و اما الحديث فمن الاحاديث المروية عن ائمتنا و ساداتنا عليهم السلام في الكافي و غيره في باب الارادة ما ذكر في الصحيح عن صفوان بن يحيي قال قلت لابي الحسن عليهالسلام اخبرني عن الارادة من الله و من الخلق فقال الارادة من الخلق الضمير و مايبدو لهم بعد ذلك من الفعل و اما من الله فارادته احداثه لاغير ذلك لانه لايروي و لايهم و لايفكر و هذه الصفات منفية عنه و هي صفات الخلق فارادة الله الفعل لاغير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفكر و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له هـ ، و لعل المراد من الضمير تصور الفعل و ما يبدو بعد ذلك و اعتقاد النفع فيه ثم انبعاث الشوق من القوة الشوقية ثم تاكده و اشتداده الي حيث يحصل الاجماع المسمي بالارادة فتلك مبادي الافعال الارادية القصدية فينا والله سبحانه مقدس عن ذلك كله، انتهي ما اردت نقله من كلامه.
فبالله عليك تأمل حال هذا الرجل و اتباعه في زعمهم ان الارادة قديمة و هي عين ذات الله سبحانه و انظر كيف يستدلون علي تلك الدعوي بمثل هذا الحديث الصحيح الصريح في خلاف دعويهم فانه عليهالسلام قال و اما من الله فارادته احداثه لاغير ذلك و هذا الكلام عند الملا هو معني ان ارادة الله قديمة و انها عين ذاته كما ذهب اليه الصوفية و اتباعهم مع ان اهل البيت عليهمالسلام لميرد عنهم حديث يوهم كونها قديمة و انما ذلك مذهب اعدائهم و ائمة
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 82 *»
الضلال و من قال من فقهائنا بقدمها لميستند الي حديث قط و انما نظر في كتب المتكلمين و ليس فيها الا قال الحسن البصري و قال النظام و قال الجبائي و قالت الكرامية و قال محمد بن عبدالوهاب القطان و امثالهم و لميراجع آية و لا رواية قط فاذا قيل لاحدهم في ذلك قال هذه اعتقادات و ليس لها دليل الا من العقول و انا اقول لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و لاشك ان افضل الاعمال انتظار الفرج من الله سبحانه اللهم عجل فرج ولي الفرج و مقيم العوج اللهم اقم به الدين و انصر به المؤمنين انك ارحم الراحمين.
ثم ان الملا ذكر كلاما طويلا بعد ما نقلته و اريد ان انقله و ان لماتكلم علي كل ما فيه لعدم خصوص الفائدة في هذا المقام و لو اقتضي بعض منه بيانا ذكرته.
قال و ينبعث من كل الصفات صفات اخر مثل كونه حكيما و غفورا خالقا رؤفا رازقا رحيما مبدئا و معيدا مصورا منشئا محييا مميتا الي غير ذلك فانها من فروع كونه قادرا علي جميع المقدورات بحيث لايدخل ذرات من ذرات الممكنات و المعاني في الوجود باية حيثية (ظ) كانت من الحيثيات الا بقدرته و افاضته بوسط او بغير وسط و مثل كونه سميعا و بصيرا و مدركا و خبيرا و غير ذلك مما يتفرع و يتشعب من كونه عليما و كذلك قياس سائر الاسماء و الصفات الغير المتناهية الحاصلة من تراكيب هذه الاسماء و الصفات كتركيب الانواع و الاصناف و الاشخاص من معاني ذاته كالاجناس و الفصول الداخلية او عرضيته كاللوازم و الاعراض العامة و الخاصة الخارجية فان من الاسماء و الصفات ما هي جنسية و منها ما هي فصلية و نوعية و منها ما هي شخصية كخالقية زيد و العالمية لعمرو و كل هذه الاسماء و الصفات يستدعي مظاهر و مجالي مناسبة اياها بها يظهر اثر ذلك الاسم و الصفة فيه فكل صفة من صفات الله العظمي و اسم من اسماء الله العليا يقتضي ايجاد مخلوق من المخلوقات يدل ذلك المخلوق علي ذلك الاسم كما تدل الاشباح علي الارواح و الاظلال علي الاشخاص و المظاهر علي البواطن و المرايا علي الحقائق فالعالم الربوبي من
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 83 *»
جهة كثرة المعاني الاسمائية و الصفات عالم عظيم جدا مع ان كل ما فيه موجود بوجود واحد بسيط من كل وجه و هذا من العجائب التي يختص بدركها الراسخون في العلم فلذلك اوجد البارئ جل ذكره ماسواه ليكون مظاهرا لاسمائه الحسني و مجالي لصفاته العليا.
اقول اذا كان كل صفة و كل اسم يقتضي ايجاد مخلوق غير ما يقتضيه الآخر دل علي تغاير الصفات و الاسماء في ذواتها و تغاير الاشياء يدل علي تركيب كل واحد منها مما به الاشتراك و مما به الامتياز و النقل و العقل دالان علي ان التعدد و الكثرة لاتكون الا بالتركيب و ما لا تركيب فيه و لا اختلاف لايكون فيه كثرة و اذا كانت الاشياء المتعددة بوجود واحد فذلك ما به الاشتراك فان وجد ما به الامتياز تكثرت و تعددت و اختلفت و تغايرت في ذواتها و لزمها التركيب مجتمعة و متفرقة و ان لميوجد ما به الامتياز كانت شيئا واحدا في ذاتها لا تعدد فيها و لا تركيب و لا اختلاف و لا تغاير و ان لميوجد ما به الامتياز في ذواتها و وجد في آثار افعالها كانت في نفسها شيئا واحدا لا كثرة فيه بوجه من الوجوه و كان التعدد و الكثرة و الاختلاف في تعلق افعالها بآثارها مثل الشمس اذا اشرقت علي الزجاجات المختلفة فان اشراقها في نفسه شيء واحد و ينعكس عن الزجاجات المختلفة مختلفا متعددا متغيرا ثم علي قولنا ان الوجود لا معني له الا احد امرين الاول الوجود عبارة عن المادة و الثاني انه عبارة عن المعني المعبر عنه في الفارسية بـ هست و هذا صفة تابعة لموصوفها في الثبوت و مرتبة التحقق علي تحقق الموصوف و علي قولهم الوجود شيء سار في الاشياء كسريان الروح في الجسم يطرد عنها العدم و هو حقيقة الشيء و ما سواه من الشيء امور موهومة لا تحقق لها فعلي قولنا لايكون الشيئان موجودين بوجود واحد الا اذا كانا حصتين من حقيقة واحدة كحصتين للباب و للسرير من الخشب فاذا كانا كذلك لمتتحقق فيهما الاثنينية الا اذا تركب كل منهما من الخشب و من الصورة الشخصية و حينئذ لايكون احدهما عين الآخر كما لاتكون الفرس عين الكلب و لاتتميز الحصتان من ذواتهما بدون مشخص
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 84 *»
وجودي متحقق لميكن منهما و الا لامتنع انيدخلا تحت حقيقة واحدة كالمتباينين مثل النور والظلمة و علي قولهم يلزم التنافي و التدافع لان ذلك الساري في الشيء ان تقوم به الشيء تقوما ركنيا كتقوم السرير بالخشب فليس الا ما قلنا من المادة اذ لايلزم انتكون المادة من التراب او من العناصر او من الطبائع كالافلاك بل المراد من المادة ما تقوم به الشيء من المعروضات و هي في كل شيء بحسبه فمادة الافئدة من الاسرار و مادة العقول من الانوار و مادة الارواح من الهواء الدهري و مادة النفوس من الماء الدهري و مادة الطبايع من النار الدهرية و مادة الهباء من الذر الدهري و مادة المثال من الاظلة البرزخية و مادة الافلاك من الطبائع الجوهرية و مادة العالم السفلي من العناصر.
و الحاصل ضابط المادة مايدخل علي اسمها لفظ من التبعيضية تقول صغت الخاتم من فضة و الباب صنعته من الخشب قال الصادق عليهالسلام ان الله خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة الحديث، فكما لايلزم انتكون المادة لكل شيء من العناصر بل هي في كل شيء بنسبة رتبته من الكون كذلك لايلزم ان يكون الوجود لكل شيء من النور بل نقول وجود الباب من الخشب يعني ان كل شيء مركب من وجود و ماهية فالباب وجوده حصة من الخشب و ماهيته صورته التي تميز بها عن السرير و هذا علي مانريد من معني الوجود و الماهية بالمعني الاول بمعني ان الوجود بالمعني الاول حصة من الفصل الذي تقوم به ذلك النوع فان اريد بوجود الشيء ما تقوم به تقوما ركنيا فهو حصة معروضة من النوع الذي صيغ منه ذلك الشيء كما ذكرنا و ان اريد به ما تقوم به ذلك الشيء المخلوق تقوم صدور فهو رأس مختص بايجاده و احداثه من فعل الله و هو عبارة باللسان الظاهر عن الحركة الايجادية و المخلوق لايتركب من فعل خالقه و ان صدر عنه كما لا تتركب الكتابة من حركة يد الكاتب و ان صدرت عنها فان اريد بالوجود ما قلنا فهو المادة و ان اريد به المعني الثاني فلميكن وجودا للشيء و انما هو ايجاد له و
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 85 *»
الايجاد فعل الفاعل و فعل الفاعل لايكون جزءا من مفعوله الا علي قول ضرار بن عمر فانه يقول ان مشية الله تأكل و تشرب و تنكح و تموت و هو قول بعض من الصوفية فان بعضهم ذهب الي ان الوجود الذي هو جزء المخلوق هو مشية الله تعالي و هو قول باطل ظاهر الفساد لان فعل الله الذي هو مشيته و ارادته انما قامت به الاشياء قيام صدور فهو مفيض موادها و امداداتها و به و بآثاره التي هي موادها و منها امدادها قيوميتها و ان ارادوا غير هذين فمن اين و الي اين اي فمن اين يأخذون و الي اين يذهبون فعلي ما هو الحق المبين كما ذكرنا لطالبي النور و اليقين يكون معني ان صفاته عين ذاته انها هي و ذاته متحدة في الوجود بمعني ان حقيقة الكل واحدة بسيطة بكل معني و بكل اعتبار.
فاذا عرفت كما تقدم ان التعدد و التغاير مطلقا لايكون في حقيقة واحدة بسيطة الا اذا كانت حصصا و تمايزت الحصص بالمشخصات و المميزات الغريبة الاجنبية سواء كان في مفهوم ام معني ام وجود ظهر لك تنافي قولهم و تعارض بعضه بعضا و تصادمه و لميرد عليهم ذلك الا لانهم شبهوه بخلقه كما قال الصادق عليهالسلام في دعاء الوتيرة بعد العشاء كما رواه الشيخ في المصباح قال عليهالسلام بدت قدرتك يا الهي و لمتبد هيئة يا سيدي فشبهوك و اتخذوا بعض آياتك اربابا يا الهي فمن ثم لميعرفوك الدعاء، حتي ان الملا بنفسه نقل في كتابه الاسفار قال قال العلامة الطوسي في شرح رساله مسئلة العلم انتكثر العلم و القدرة انما حصل في الموجودات الممكنة فقاست العقول مبدأها الاول عليها و وصفه بالعلم و القدرة و التنزيه انيقال سبحان ربك رب العزة عما يصفون هـ . و اقول لقد صدق الطوسي العلامة في كل ما قال الا في حرف و هو قوله مبدأها الاول، فان هذا غلط و باطل فان العقول مبدؤها العقل الكلي و العقل الكلي مبدؤه نور الانوار اعني حقيقة محمد صلي الله عليه و آله و حقيقة محمد صلي الله عليه و آله بدئت عن فعل الله عزوجل لا من شيء فقول الملا صدرا فالعالم الربوبي من جهة كثرة المعاني الاسمائية و الصفات عالم عظيم جدا مع ان كل ما فيه موجود بوجود واحد بسيط من كل وجه يدل علي ان تلك
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 86 *»
المعاني الاسمائية كثيرة و لاتكون كثيرة الا بتغايرها و لاتتغاير الا باختلاف مشخصاتها و تباينها لأن مايجمعه وجود واحد بسيط ان اريد بهذا الوجود الجامع حصولها و ثبوتها الذي هو الوجود الوصفي كان خارجا عن حقائقها غير مخرج لها عن تباين ذواتها كما تقول وجد عندي فرس و عصي دفعة واحدة و ان اريد به معني الايجاد فكذلك و ان اريد به ما به الحصول و الكون في الاعيان فليس الا حقيقة الشيء و علي ارادة هذا المعني تكون افراد تلك الحقيقة البسيطة حصصا منها تغايرت و تمايزت بالمشخصات فكل واحد منها مركب من الجامع و المائز و المركب منها مركب بكل اعتبار لان الراسخين في العلم اذا ادركوا تغايرها في معانيها و ادركوا لها وجودا بسيطا جامعا لها ليس الا ما بيناه لك من لزوم التركيب و من ان المدرك للحادثين لايكون قديما لان القديم لايدركه الحادث و لايحيط به علما اذ ما ادركته لايكون الا حادثا انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها.
قال فلما كان قهارا اوجد المظاهر القهرية التي يترتب عليها آثار القهر من الجحيم و دركاتها و عقاربها و حياتها و عقوباتها و اصحاب سلاسلها و اغلالها من الشياطين و الكفار و سائر الاشرار و لما كان رحيما غفورا اوجد مجالي الرحمة و الغفران كالعرش و ما حواه من ملائكة الرحمة و كالجنة و اصحابها من المقربين و السعداء والاخيار و هكذا القياس في سائر الاسماء و مظاهرها و مشاهدها و الصفات و مجاليها و محاكيها و اعتبر من احوال نفسك الناطقة المفطورة علي صورة الرحمن و هي حجة الله علي الخلق فاعرف ان كل مايصدر عنك من الاقوال و الافعال و الحركات و السكنات و الافكار و التخيلات هي مظاهر ما كمن في ذاتك من الصفات و الاسماء فانك اذا احببت احداً و واليته دعتك تلك المحبة الي انيظهر منك ما يدل علي محبتك اياه من المدح و التعظيم و البسط و التكريم و الدعاء له و اظهار الفرح و النشاط و التبسم و المطايبة و لو لمتكن احببته لما ظهر منك شيء من هذه الاسماء و الامور و الآثار و النتائج مظاهر لصفة المحبة التي فيك فاذا عاديت احدا ظهر منك من الاقوال و
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 87 *»
الحركات و الاثار مايدل علي معاداتك اياه كالشتم و الضرب و الذم و اظهار الوحشة و الكراهة له و تمني زواله و تشهي نكاله فهذه الآثار مظاهر لصفة العداوة التي فيك و قس علي ذلك نظائره.
اقول قوله و اعتبر من احوال نفسك الناطقة المفطورة علي صورة الرحمن و هي حجة الله علي الخلق، و ان كان في نفسه في الجمله متسقا لكنه لايقاس عليه القديم لان القديم لايقاس بالحادث و اما كون الصورة الانسانية خلقت علي صورة الرحمن فليس المراد به انها خلقت علي صورة الذات الحق تعالي اذ ليس للحق عزوجل صورة و انما المراد انها خلقت علي صورة فعل الرحمن لانه تعالي تجلي برحمانيته علي عرشه فاعطي كل ذيحق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و ذلك مااظهر من اركان الوجود الاربعة الخلق و الرزق و الموت و الحيوة فاخترع بمشيته اكوانها الاربعة الكلية و بارادته اعيانها و النفس و جميع مايصدر عنها من الاقوال و الافعال و الحركات و السكنات و الافكار و التخيلات مما هو آثار صفاتها الفعلية آيات لفعل الله و لما صدر عنه من الاثار فانها خلقت علي صورة الفعل كما خلقت الكتابة علي صورة هيئة حركة يد الكاتب لا علي صورة الكاتب فان الكتابة لو خلقت علي صورة الكاتب لدلت عليه من شقاوة او سعادة و من حسن او قبح و لكنها لاتدل علي شيء من ذلك و انما تدل علي هيئة حركة يد الكاتب من اعتدال و استقامة او خلاف ذلك و انما كانت الصورة الانسانية علي هيئة صورة الفعل لان الفعل من نوع الممكنات و انما قال عليهالسلام من عرف نفسه فقد عرف ربه هـ ، لانه سلام الله عليه يريد معرفة استدلال عليه لا معرفة تكشف له لانك انما تعرف نفسك اذا جردتها عن جميع السبحات حتي النسب و الاضافات و عن التجريد فانك تجد مابقي بعد التجريد الكلي نقشا فهوانيا و انموذجا بحتا ليس كمثله شيء و هذا باق من المصنوع بعد التجريد الكلي فيكون آية تعرف الله بها بانه تعالي ليس كمثله شيء فدلك الوصف الذي ليس كمثله شيء علي وجود موصوف ليس كمثله شيء كما تدل الكتابة علي وجود كاتب و الاثر علي وجود مؤثر و النور علي وجود منير و
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 88 *»
الصفة علي وجود موصوف فحيث كان الدال ليس كمثله شيء و لا كيف له كان المدلول عليه ليس كمثله شيء و لا كيف له.
قال فهذه الاسماء و الصفات و ان كانت متحدة مع ذاته تعالي بحسب الوجود و الهوية فهي متغايرة بحسب المعني و المفهوم و من هنا يثبت و يتحقق بطلان ماذهب اليه اكثر المتأخرين من اعتبارات الوجود و كونه امرا انتزاعيا لا هوية له في الخارج و لا حقيقة له كسائر المفهومات المصدرية كالامكان و الشيئية و الكلية و الجزئية و لايكون متكثرا الا بتكثر ما نسب اليها من المعاني و الماهيات و يلزم عليهم كون صفاته تعالي موجودات متعددة متكثرة حسب تكثر معانيها و هذا فاسد قبيح جدا و لاجل هذا الالزام ذهبوا الي ان مفادها و معناها امر واحد و كلها ترجع الي مفهوم واحد و كادوا انيقولوا بان الفاظها مترادفة في حقه و قد علمت فساده بل التحقيق كما مر مرارا ان الوجود و هو الاصل في الموجودية و هو مما يتفاوت كمالا و نقصا و شدة و ضعفا و كلما كان الوجود اكمل و اقوي و اشرف كان مصداقا لمعان و نعوت كمالية اكثر و مبدء الآثار و الافاعيل اكثر بل كلما كان اكمل و اشرف كان مع اكثرية صفاته و نعوته اشد بساطة و فردانية و كلما صار انقص و اضعف كان اقل نعوتا و اوصافا و كان اقرب الي قبول التكثر و التضاد حتي انه يصير تغاير المعاني المتكثرة التي تكون في الوجود القوي الشديد موجبا لتضاد تلك المعاني في حق هذا الوجود الضعيف فتغاير الاسماء المتقابلة له تعالي كالمضل والهادي و المحيي و المميت و القابض و الباسط و الاول و الآخر و الغفار و القهار سببا لتضاد الموجودات و تعاند المكونات التي هي آثارها و مظاهرها كالهداية و الضلالة بل كالملك و الشيطان و الحيوة و الموت بل كالارواح و الابدان، انتهي ما نقلت من كلامه.
اقول قوله فهذه الاسماء و الصفات و ان كانت متحدة مع ذاته تعالي بحسب الوجود و الهوية، قد تقدم الكلام فيه و مما فيه ان الاسماء لاتكون في رتبة المسمي بل رتبتها بعد رتبة المسمي فلاتتحد معه في الوجود و المعني
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 89 *»
الذي يثبتون به الاتحاد علي بعض افراد الاتحاد و هو ما عنوه هنا حيث قالوا ان الشخص اذا تصور صورة فانها حال تصوره لها لاتنفك عن نفسه فهي حينئذ متحدة بنفسه في الوجود و ان كانت نفسه سابقة في الوجود علي الصورة فاتحادها بنفسه في الوجود لانها لاوجود لها الا وجود تصوره لها و لاوجود لتصوره لها الا وجود نفسه فالثلاثة حال تصوره للصورة موجودة بوجود واحد و هذا النمط من الاتحاد مبني علي مجازفة الافهام و عدم فهم الوجود و حقيقته الموجودة في افراد الموجودات لانهم فهموا ان الوجود الذي تقومت به افراد الموجودات من نور محمد صلي الله عليه و آله فنازلا الي التراب بجميع مراتبه في الكائنات طينة واحدة و حقيقة واحدة بسيطة مختلفة الحصص في الشدة و الضعف فهو كنور السراج كلما قرب منه كان انور و كلما قرب من التراب كان اضعف فنور محمد صلي الله عليه و آله و حقيقته و حقيقة التراب و الجمادات شيء واحد من طينة واحدة فيكون وجود الجواهر المجردة و المادية و وجود الاعراض و الهيئات الخارجية و الذهنية شيئا واحدا و حقيقة واحدة عندهم و لو ارادوا بالاتحاد بين الاسماء و الصفات و بين الذات و الافعال و المفعولات هذا الاتحاد الذي ذكرنا لكان له وجه و ان لمنقبله و لمنقبل اصله الذي قالوا من ان وجود جميع الحوادث علي اختلاف حصصه في القوة و الضعف و القرب و البعد شيء واحد بسيط و انما يريدون ان الفعل وجوده هو وجود الفاعل اذ ليس شيئا بذاته و انما هو شيء بفاعله فشيئيته شيئية فاعله اذ لا شيئية للفعل و المفعول لا وجود له الا وجود الفعل و لا شيئية له الا شيئية الفعل فقد اتحد المفعول بالفعل في الوجود و اتحد الفعل بالفاعل فهذا الاتحاد هو الذي يريدونه بالاتحاد في الوجود و هذا ليس بصحيح لان وجود الفاعل هو ذاته و هو قديم و وجود الفعل هو ذات الفعل و هو حادث بنفسه لا من شيء بل وجوده الذي تقوم به تقوم صدور و تقوما ركنيا هو نفسه المبتدعة و ذاته المخترعة لا من شيء و وجود المفعول الذي تقوم به تقوما ركنيا هو اثر الفعل و تأكيده لا نفس وجود الفعل و لا من نفسه فان وجود الاثر ليس من وجود المؤثر و وجود
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 90 *»
النور ليس من وجود المنير اذ الاثر من هيئة فعل المؤثر و النور من هيئة فعل المنير و ذلك لان الصفة لاتتحد بالموصوف في الوجود الذاتي و ان جمعهما الوجود المعنوي المصدري المعبر عنه في اللغة الفارسية بـ هست اعني الكون في الاعيان و قد ذكرنا فيما تقدم ان هذا الوجود اذا جمع اثنين لايكون منه اتحادهما كما هو المدعي بانيكونا شيئا واحدا في الذات و لا في الرتبة اذا كان احدهما معروضا و الآخر عرضا.
و اما الاتحاد الذي نعني فانه تعبير عن المتحد في نفس الامر لانه واحد حقيقي سمي باسماء كثيرة باعتبار افعاله المتكثرة كما تمسي زيدا ضاربا و قائما و قاعدا و ماشيا و متحركا و ساكنا، هذا اذا سميته باعتبار افعاله و ان سميته باعتبار مفعولاته قلت عالما و سميعا و بصيرا بمعني ماذكرنا فيما تقدم في المثال بك فانك سميع باعتبار ادراكك للمسموع و بصير باعتبار ادراكك للمبصر و عالم باعتبار ادراكك للمعلوم و اشتق لك من لفظ اسماء ما ادركته اسماء و المسمي منك بكل واحد منها شيئا واحدا و هو انت لانك انت المدرك للمسموع و انت المدرك للمسموع و انت المدرك للمبصر و انت المدرك للمعلوم فتعددت الجهات من جهة المفعولات المتعددة و اذا لحظت منشأ الادراك لهذه المفعولات وجدته شيئا واحدا من كل جهة و بكل اعتبار فاذا سميته بتلك الاسماء وجب اتحاد معانيها و مفاهيمها و عدم تغايرها و الا كان ذات جهات و حيثيات فاذا اتحدت معانيها و مفاهيمها بان كانت معني واحدا و مفهوما واحدا كانت مترادفة فكان اطلاق الاسماء بلحاظين احدهما ان اطلقت بلحاظ المفعولات و الافعال التي احدثت بها كانت مختلفة المعاني و المفاهيم و كانت صفات افعال و لمتكن حينئذ عين ذاته تعالي بل هي حادثة بالفعل الحادث و ثانيهما ان اطلقت بلحاظ ماصدرت عنه الافعال كانت متحدة المعاني و المفاهيم و كانت صفات ذات واحدة بسيطة غيرمختلفة بحيثية و لاجهة و لا اعتبار و حينئذ تكون هي عين ذاته تعالي اذ لا معني لها و لايراد منها غير محض الذات فلاتكون الا مترادفة لان المراد بقوله عليهالسلام و كمال توحيده نفي الصفات عنه هـ ، نفي التعدد و
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 91 *»
الكثرة بكل اعتبار لا نفي نفس الصفات بانيقال لا علم و لا قدرة و لا سمع و لا بصر بل صفات موجودة و لكن الصفة هي الموصوف فالعلم هو الذات بمعني هو العالم و القدرة هي العلم و هي الذات و السمع هو السميع و هو الذات و البصر هو البصير و هو الذات و هكذا و ليس بقولنا العلم هو العالم و هو الذات ان العلم هو الذات المتصفة بالعلم و لا هو الذات بدون الصفة اي بدون العلم بل المراد ان المسمي بالعلم هو المسمي بالقدرة بجهة ما سمي بالعلم و بسائر الصفات فالمسمي بالعلم هو الذات العالمة و تلك الذات العالمة هي الذات القادرة و هي الذات السميعة البصيرة فذلك الشيء الحقي المنفرد البسيط هو المسمي بالله و الرحمن و الرحيم و العلم و القدرة و السمع و البصر و الحيوة و المعبود الحق و واجب الوجود و الذات البحت و مجهول النعت و اللاتعين و ما اشبه ذلك فان كان الاسم الذي اطلق عليه له مفهوم معلوم كان مفهومه منسوبا الي فعله تعالي و المقصود منه الذات الحق تعالي و صح اطلاقه عليه و تسميته به لاختصاصه تعالي بذلك الفعل المنسوب اليه ذلك الاسم مثل خالق السموات و الارض و عالم الغيب و الشهادة و الرحمن الرحيم و ان لميكن له مفهوم معلوم كان في نفس الامر جاريا علي العنوان و المقصود منه الذات الحق تعالي مثل الذات البحت و المجهول النعت و اللاتعين فرجع الحاصل من اسماء صفات الذات اذا اريد منها عينية الذات البحت الي انها مترادفة و ان فهم منها تغاير المفاهيم و المعاني كانت اسماء افعال فافهم فان فهمت و الا فلاتقف ما ليس لك به علم و السلام علي من اتبع الهدي.
و قوله و من هنا يثبت و يتحقق بطلان ما ذهب اليه اكثر المتأخرين من اعتبارات الوجود الي قوله و هذا فاسد قبيح، فاسد قبيح لان ابطاله ما ذهبوا اليه مبني علي ثبوت تغاير مفاهيم الصفات التي هي عين الذات البحت و اختلاف معانيها و هذا فاسد قبيح كما قلنا مرارا ان ما هو الذات لايجوز فرض تغايره و اختلافه فضلا عن وقوعه لا بحسب المفهوم و لا بحسب المعني و لا بحسب الوجود لان مفهوم الذات البحت و معناها و وجودها شيء واحد و لايراد مما هو
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 92 *»
عين الذات البحت شيء غير الذات و اختلاف الالفاظ راجع الي اختلاف معاني آثار افعالها كما نسمي ايجاده تعالي للاكوان اي مواد انواع الاشياء بخلق و شاء و ايجاده للاعيان اي الصور النوعية ببرأ و ارادو ايجاده للهيئات الشخصية و حدودها بصور و قدر و ايجاده لتركيب ما قدر بقضي و امضي و الايجاد في الاطوار الاربعة واحد سمي في كل طور و رتبة بغير ما سمي به في الاخري و نحن نريد تبعا لارادة موالينا و ساداتنا محمد و آله صلي الله عليه و آله ان تلك الصفات هي الذات و لانريد ان الذات خالية من تلك الصفات لان نفي الصفات العينية نفي الذات و لانريد ان الذات متصفة بصفات ملحوظ فيها صفة و موصوف لان الصفة غير الموصوف و لو نسب الي الذات شيء ذوجهتين جهة بها الاتحاد و جهة بها الافتراق و التغاير كما يقول الملا و اتباعه لكانت الذات مركبة ذات جهة و جهة و حيث و حيث، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا لانه اذا قال بان العلم و القدرة مثلا متغايران في المفهوم و المعني كانا مغايرين للذات في المعني و المفهوم و اذا اتحدا بالذات في الوجود و اراد بالوجود نفس الذات كان المختلف المتغاير في جهة متحدا بالبسيط البحت بذاته فيلزم التركيب في جهة المغايرة مع ما قلنا من ان المفهوم المدرك مفهومه و معناه بدليل الحكم بالتغاير مُدرك محاط به و المحاط به لمثل الملا حادث و لايتحد الحادث بالقديم.
و قوله و من هنا اي و من جهة كون صفاته تعالي متحدة بذاته في الوجود مع تغاير معانيها و اختلافها تبين بطلان كلام القائلين بكون الوجود اعتباريا انتزاعيا لانه انما صح عينية صفاته تعالي مع تغاير مفهوماتها لاجل كون الوجود ثابتا متحققا في الخارج و لو كان اعتباريا غير متحقق في الخارج لما امكن فرض اتحادها لان مفاهيمها و معانيها متغايرة و لا جامع لها الا الوجود فاذا كان اعتباريا كان عدميا و العدمي لايكون جامعا لاشياء متفرقة وجودية و اقول قد بينا ان الوجود نفسه لايجمع المتفرقات لانه ان كان يراد منه ما تتقوم به الاشياء تقوما ركنيا لميلزم منه الاتحاد لان الاشياء التي جمعها تتعدد و تتكثر
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 93 *»
بالمشخصات كالخشب الجامع للباب و السرير مع تعددهما لتمايزهما بالمشخصات فلو فرض كون الوجود جامعا لها لميلزم اتحادها بالذات و كونها عين الذات لثبوت تغايرها و ان كان يراد منه الكون في الاعيان اعني المعني المصدري فلايكون منه الاتحاد بالطريق الاولي فلايلزمهم بما ذكروا كون صفاته تعالي موجودات متعددة متكثرة حسب تكثر معانيها.
ثم قال و لاجل هذا الالزام الي قوله مترادفة في حقه يعني لاجل انهم قالوا بان الوجود اعتباري انتزاعي و يلزمهم عدم عينية الصفات اذا قالوا بتغايرها ذهبوا الي ان مفادها واحد حتي كادوا يقولون بترادف الفاظها لتحصل العينية و الاتحاد و نحن قد بينا لك ما في كلامه و اما كلامهم فترادف الالفاظ اذا اريد بالصفات صفات الذات مما لايرتاب فيه من عرفه و اما اعتبارية الوجود فان اريد به مانريده نحن من ان المراد منه المادة فقولهم بالاعتباري غلط و ان اريد به شيء غير المادة و الصورة سواء اريد به الكون في الاعيان او ما به الكون في الاعيان علي رأيهم فلوكنا نثبت شيئا من الاشياء اعتباريا لكان قولهم بكون الوجود امرا اعتباريا انتزاعيا متجها و لكنا لانقول بخلاف العقلي و النقلي فاما العقلي فان الشيء المخلوق الذي خلقه الله لابد و انيكون متحققا ثابتا و هذا مما لا اشكال فيه فان كان موجودا في الخارج كان متحققا سواء كان صفة ام موصوفا و الصفة قد تكون قائمة بموصوفها قيام صدور كالكلام و قد تكون قائمة به قيام عروض كالحمرة في الثوب و قد تكون قائمة به قيام تحقق كالمشخصات المميزة للافراد كالحدود و الصور و الهيئات فانها لو لمتكن متحققة في الخارج لميتميز بين انواع الجنس و اشخاص النوع بعضها من بعض الاتري انك اذا اعتبرت ان زيدا الطباخ للسلطان هو الملك لميكن ملكا باعتبارك ما لمتتحقق الصفة في الخارج و ان كان موجودا في الذهن خاصة لميظهر مقتضاه في الخارج فلوكان الامكان امرا اعتباريا و لمتكن له هوية في الخارج و انما توجد في الذهن لكان زيد الموصوف بالامكان قديما لانه لا واسطة بين القديم و الممكن فاذا لميتصف في الخارج بالامكان كان قديما و لو كانت
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 94 *»
شيئية زيد غير متحققة في الخارج و لميتصف زيد بها الا ذهنا لميكن زيد شيئا و كذا الكلية و الجزئية و ان كنتم لاتطلقون المتحقق الا علي الشيء القائم بنفسه و اما الصفة المتقومة بموصوفها التي لايمكن قيامها بذاتها فلاتطلقون عليها التحقق لمتكن حركة الحيوان عندكم متحققة في الخارج و لا العلم و القدرة و امثال ذلك اذ لايتقوم منها شيء بنفسه فلايكون متحققا بل هو اعتباري و الله سبحانه يقول الذي خلق الموت و الحيوة و انتم تقولون الموت اعتباري لاتحقق له في الخارج لانه عدم الحيوة عما من شأنه الحيوة و الظلمة اعتبارية لانها عدم النور عما من شأنه النور مع انكم ترونها بابصاركم فكيف تدرك ابصاركم ماهو غير ثابت و لامتحقق في الخارج فاذا سلكتم هذا المسلك كنتم قد نفيتم الوجود عن نصف العالم لان نصف الممكنات كلها بهذه الطريقة ليس فيها ثخين الا نفس الجمادات خاصة فاعتبروا يا اولي الابصار و اما النقلي فمنه قول الصادق عليهالسلام كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود اليكم هـ ، و في كتاب العلل للصدوق (ره) في باب علة خلق الخلق باسناده الي الحسن بن علي بن فضال عن ابي الحسن الرضا عليهالسلام قال قلت له لم خلق الله عزوجل الخلق علي انواع شتي و لميخلقه نوعا واحدا فقال لئلا يقع في الاوهام علي انه عاجز و لاتقع صورة في وهم احد الا و قد خلق الله عزوجل عليها خلقا لئلا يقول قائل هل يقدر الله عزوجل علي انيخلق صورة كذا و كذا لانه لايقول من ذلك شيئا الا و هو موجود في خلقه تبارك و تعالي فيعلم بالنظر الي انواع خلقه انه علي كل شيء قدير هـ .
و قوله بل التحقيق كما مر مرارا ان الوجود هو الاصل في الموجودية و هو مما يتفاوت كمالا و نقصا و شدة و ضعفا الخ، يريد به ان الوجود لما كان اصلا في موجودية الاشياء كلها كان اكمل و اشرف و اقوي و ما كان كذلك كان جامعا لكل كمال و صفة حميدة و ما كان كذلك كان اكثرها نعوتا و معاني كمالية و ما كان كذلك كان اكثرها افاعيل و آثارا و ما كان كذلك كان اشدها بساطة و توحدا لان المتكثر الجهات ان لميكن شديد البساطة عاقته الكثرة
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 95 *»
الذاتية عن الافاعيل الكثيرة و الآثار العديدة و اذا اشتدت بساطته طوت الكثرة وحدته لعدم الموانع و العوائق و لذا قال تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة و قال و ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر فكثرة مفاهيم الصفات و تغاير معانيها لاتنافي الوحدة و البساطة لشدة بساطة الجهة الجامعة للمختلفة المتكثرة و هي الوجود الجامع لها و الجواب ان البساطة التي طوت الكثرات انما هي لخلوص وحدتها و تجردها عن مطلق الاختلاف و التغاير الذي به كان غير متناهي الكمال و الشرف و الغني المطلق اذ الغني المطلق ينافيه مطلق التغاير و الاختلاف اذ ادني ما فيه من المنافي اعتبار عدم المنافاة و الاحتياج اليه و هو كاف في المنافاة و ظهور كثرة الافاعيل و الآثار الغير المتناهية فيما هو كلمح البصر او هو اقرب شاهد صدق و مقتضي حق بانتفاء تغاير مفاهيم الصفات و معانيها اذ الوحدة الحقية و الغني المطلق لايجامعهما تغاير المفاهيم و المعاني و لو بالفرض في حال من الاحوال في الاماكن الثلاثة في الخارج و في نفس الامر و في الذهن و التعقل و لا في ظلمات الرابع من التوهم و التجويز و الشك ثم لامناص عن القول بالترادف او ارجاع التغاير الي متعلقات الافعال من الآثار المختلفة باختلاف رتبها و قوابلها حال التعلق او انها صفات افعال ابتداء و ليس ثبوت هذه القدرة و القهر للذات الا لتحقق البساطة و الغني المطلق و ما يتحقق ذلك الا لعدم وقوع التغاير المفروض وقوعه و لو ثبت التغاير تحقق لازمه و هو النقص و الضعف و الحاجة المنافية للبساطة و الغني المطلق و ليس كثرة الآثار و المظاهر و تعددها لاجل وجود التغاير و اختلاف المفاهيم و المعاني المتحققين في الصفات الذاتية كما يشير اليه كلام الملا و انما التعدد و التغاير و الاختلاف الواقعة في الاشياء لتعدد الافعال و تغايرها و تضادها و ذلك لاختلاف القوابل و المشخصات و القوابل و حدودها و مشخصاتها خلقت من المقبولات و بالمقبولات بل سبب تعدد الافعال هو تعدد القوابل و المشخصات و ترجيح الفاعل لمفعولاته بترجحها في نفسها حين تكوينها لاقبله و لا بعده اذ لا وجود لها قبل تكوينها و لا ذكر و انما خلقت القوابل من المقبولات و المقبولات لا
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 96 *»
وجود لها و لا تحقق قبل قوابلها فخلق تعالي شرط وجودها و ظهورها منها كما خلق الانكسار من الكسر و الانكسار شرط وجود الكسر و ظهوره و نحن نقول الماهية شرط وجود الوجود و ظهوره و هي خلقت من الوجود من نفسه من حيث هو هو لا من حيث كونه اثرا لفعل الفاعل و الماهية هي القابلية و الوجود هو المقبول و الوجود بالمعني الاول علي ما اصطلحنا عليه هو المادة و هو حصة من الجنس كالحصة من الحيوان التي هي مادة النوع تختص بالانسان اذا حمل عليها الفصل الانساني اعني الناطق و هو الصورة النوعية و الوجود بالمعني الثاني هو كون الشيء اثر فعل الله و صنع الله و نور الله و الماهية هي الشيء من حيث هو هو.
و قوله حتي انه يصير تغاير المعاني المتكثرة التي تكون في الوجود القوي الشديد موجبا لتضاد تلك المعاني في حق هذا الوجود الضعيف الي اخر كلامه، غلط فاحش لان تغاير المعاني المتكثرة الذي هو تغاير الاسماء المتقابلة كالهادي و المضل و المحيي و المميت ليس منسوبا الي الذات الذي هو الوجود القوي الشديد و انما ذلك راجع الي فعله الذي هو الوجود الضعيف القابل للتضاد و ليس في الوحدة الحقية تغاير و لا تقابل و انما التغاير و التقابل حاصل للفعل المتعدد المتكثر المتعاقب باعتبار تعلقه و ارتباطه باثاره المتغايرة المتكثرة المتعاقبة و كله بجميع انواعه و افراده من الوجود الضعيف الحادث و لميكن سببا لتضاد الموجودات و تعاندها و تغايرها و كثرتها الا ارادة الفاعل المختار التي هي فعله لاغير ذلك و انما صح صدور الامور المتعددة الغير المتناهية و هو صدور الافعال المتعددة الغير المتناهية من انفسها و صدور المفعولات المتعددة الغير المتناهية من تلك الافعال بقدرة الفاعل عزوجل مع عدم التعدد في ذاته و لا في جهته لا واقعا و لا تعقلا و لا في نفس الامر و لا فرضا و لا تجويزا لان توحد ذاته و بساطته و غناه هو نفس ذاته البحت الغير المتناهية في حال فلايكون لتوحده و بساطته و غناه حد بحال ففرض استغناء شيء عنه او مشاركة غيره له في الاحتياج اليه مناف للوحدة و البساطة و الغني المطلق
«*جوامع الکلم جلد 1 صفحه 97 *»
فللوحدة المطلقة و البساطة الحقة و الغني المطلق استوي من كل شيء في كل شيء اذ ذلك هو الموجب للاحاطة بكل شيء في كل شيء . . .
(الي هنا وجد في النسخة الاصلية و غيرها من النسخ)
[1]المعني الاول علي ما اصطلحنا عليه هو ان المراد بالوجود و الماهية المادة و الصورة النوعيتان و المعني الثاني هو ان المراد بالوجود كون الشيء اثر فعل الله و صنع الله و نور الله و ما اشبه ذلك كما اشار اليه عليهالسلام بقوله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله، و بالماهية هو الشيء من حيث هو هو. منه (اعلي الله مقامه).
[2](من هنا الي صفحة 33 ساقط من النسخة الاصلية فنقل من نسخ اخر)
[3](من صفحه 23 الي هنا ساقط من النسخة الاصلية فنقل من نسخ اخر)