30-13 مکارم الابرار المجلد الثلاثون ـ رسالة في جواب الشيخ عبدالعلي الطبسي ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب الشيخ عبدالعلي الطبسي

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 475 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و اله الطيبين الطاهرين و ذريته المنتجبين و لعنة الله علي اعدائهم ابد الابدين.

و بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد سألني جناب سلالة‌ الاطياب و سليل الانجاب العامل العالم صاحب المزايا و المكارم جناب الولي الصفي الشيخ عبدالعلي الطبسي بن العالم الفاضل جناب الملامحمد رضا سلمهما الله تعالي عن مسائل جليلة و هو سلمه الله علي جناح السفر و يستنجز الجواب في نهاية الاستعجال و انا في غاية تبلبل البال و اختلال الحال و كثرة الاشتغال باجوبة مسائل الاخوان مع كثرة السؤال و مع ذلك كله استخرت الله سبحانه في اجابته و التزمت طاعته و اقدمت علي الجواب علي الفور مقتصرا علي ما يمكن و ما هو الميسور محولا ان شاء ازيد من ذلك الي ساير كتبنا و رسائلنا و هي كثيرة و الحمد لله و لكن ارجو من الله سبحانه ان لا اقصر مع كثرة اختلال الحال في جوابه و ابين كل جواب بقدر ما يكتفي به فان العاقل يكفيه الاشارة و الجاهل لايتنبه بالف عبارة و لا حول و لا قوة الا بالله.

قال سلمه الله الحمد لله و الصلوة علي رسوله و آله اولياء الله و بعد هذه مسائل اثنتاعشرة اشكلت علي اكثر المتكلمين في معرفة اصول الدين و غيرها و اريد الجواب بالادلة الثلثة من جنابكم العالي باللسان و الكتاب ليعم النفع لي و لساير الطلاب من اولي الافئدة و الالباب و الله الموفق للصواب و اليه المرجع و المآب.

المسألة الاولي ما الدليل علي التوحيد و من اين يلزم الفساد من وجود الهين متوافقين في الكمال و الارادة و كيف ينفي الشريك من حديث الفرجة مع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 476 *»

ان استلزام الثلثة للخمسة حقيقة غير معقول.

اقول سؤاله سلمه الله يشتمل علي ثلث مسائل: الاولي دليل التوحيد و الثانية لزوم الفساد من وجود الالهين و الثالثة بيان نفي الشريك من حديث الفرجة اعلم اولا ان الادلة ثلثة الاول دليل المجادلة و هو لاهل النفوس بمقاماتها العشرين و هو دليل الزامي لايورث يقينا و انما يورث الزام  الخصم بحيث لايبقي له مفر من القبول ولكن اذا انصف و قبل لايورثه اليقين و انما يورثه العلم و العلم غير اليقين اذا اجتمعا فان العلم ضده الجهل و اليقين ضده الشك فالعلم هو حضور المعلوم عند العالم و الجهل هو عدم حضوره و اما اليقين هو القطع بمطابقة الواقع و الشك هو التردد في مطابقة الواقع و عدمها فمقام العلم في الامثلة الظاهرية هو التصور و مقام اليقين هو التصديق و بينهما فرق بين و الثاني دليل الموعظة الحسنة و هو يورث اليقين لطالب الحق و هو لاهل العقول التي يعبد بها الرحمن و يكتسب بها الجنان و الثالث دليل الحكمة و هو يورث المعرفة و هو لاهل الافئدة و التوسم و الي هذه الثلثة اشار الله سبحانه في كتابه حيث قال ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن و اراد بالادلة الثلثة هذه الادلة فدليل المجادلة علي التوحيد هو دليل الفرجة و لزوم الفساد من تعدد الالهة و اذا تصدينا ببيان تينك المسألتين يعرف الدليل علي التوحيد بالمجادلة اما دليل الموعظة الحسنة علي التوحيد فهو انا نقول ان الاله هو الذي يكون حكيما عدلا فان غير الحكيم عابث و غير العادل ظالم و العابث الظالم لايكون الها لان ذلك شأن الضعيف المحتاج و الضعيف المحتاج يكون حادثا مثلنا فاذا كان و لابد ان يكون الاله حكيما عادلا فلايحتج علي احد بما ليس بحجة و لايؤاخذ الجاهل علي جهله ما لم‌يعرفه فان ذلك ظلم فاذا نظرنا و تدبرنا في العالم و الي ما وصلنا و رأينا و سمعنا و الي ما تم علينا من الحجج رأينا انه لم‌يتعرف لنا اله غير الاله الواحد الفرد فانه قد عرفنا صنعه و ارسل الينا رسله و انزل علينا كتبه و عرفنا سبل رضاه و سخطه و لم‌يتعرف لنا اله غيره بمثل ما تعرف لنا فلاحجة لغير الواحد الفرد علينا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 477 *»

اذا انكرناه و لم‌نقر بربوبيته فانه لا حجة الا بالبيان و لا حكم الا بالبرهان فاذا بحكم الدليل القطعي العقلي اذا انكرنا الها لم‌يتعرف لنا و لم‌يرسل الينا رسله و لم‌يرنا آثار ملكه و مقدرته ليس علينا اثم و لا حجة و اما اذا ظننا او احتملنا وجود اله غير الله يكون علينا حجة و اثم فان هذا الاله الواحد الفرد قد ارسل الينا رسله و انزل علينا كتبه و عرفنا نفسه و اقام علينا الحجة و قال و قوله الحق ان لا اله غيري و هو صادق ليس بكاذب و عالم ليس بجاهل اذ الكاذب الجاهل لايكون الها البتة فانه العجز و السفاهة و هما من صفات الحوادث فهذا الاله الهنا و اله الخلايق اجمعين عرفنا نفسه و اخذ علينا الميثاق و اما غيره فلم‌يفعل فلاحجة له علينا بل من لم‌يفعل ذلك ليس باله فان ترك التعريف ليس من الحكمة فبهذا الدليل و امثاله يحصل القطع بان الاقرار برب واحد سبيل النجاة و ترك احتمال رب آخر ليس عليه اثم ابدا و لا حجة لاحد عليه و بهذا الدليل الذي ذكرنا قد استدل علي7 في وصيته للحسن7 قال ما معناه يا بني لو كان لك اله غير الله لاتتك رسله و لرأيت آثار ملكه الخبر و تفصيله ما ذكرنا.

و اما الاستدلال علي ذلك من طريق الحكمة هو ان القديم هو الذات البحت القائمة بنفسها اذ لو  لم‌يكن ذاتا بحتا لكان صفة او ذاتا متصفة بصفة اما الصفة فهي قائمة بموصوفها و الموصوف غير الصفة بداهة و القائم بالغير مفتقر في وجوده الي الغير و المفتقر حادث و اما الذات المتصفة فهي تشهد بداهة انها غير الصفة و الصفة تشهد انها غير الموصوف و اتصافها بها تشهد باقترانهما و الاقتران يشهد بالحدوث لانه قائم بهما و القائم بالغير الحادث فالذات المتصفة حادثة فانها لاتكون متصفة الا بالاقتران الحادث فالمتصفة ليست بقديم فالقديم لابد و ان يكون ذاتا بحتا غير متصفة بشيء و الذات البحت البات لاتتعدد فان المتعدد ممتاز و الممتاز موصوف و الموصوف مقترن و المقترن فرع الاقتران و الاقتران حادث فمن عرف معني القديم لايمكنه فرض التعدد فيه و انما ذلك دليل ذوقي نوراني لايعرفه الا من كان عين فؤاده مفتوحة و من عرفه و ورد عليه و شرب من مائه لم‌يظمأ ابدا فافهم.

و اما الجواب عن المسألة الثانية فاعلم انه قال الله سبحانه لو كان فيهما الهة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 478 *»

 الا الله لفسدتا و دليل الفساد ما ذكره في آية اخري اذا لذهب كل اله بما خلق و لعلا بعضهم علي بعض و تفصيل ذلك ان القديم لو كان متعددا لابد و ان يكون لهما ما به الامتياز و الا فلايتحقق التعدد فاذا جاء الامتياز لابد و ان يكون لكل واحد صفة لاتكون تلك الصفة في غيره ليتحقق الامتياز فكل واحد منهما فاقد لصفة الاخر لامحة فكل واحد منهما عدم الاخر لامحة و مقتضي العدم غير مقتضي الوجود لامحة و اثر العدم غير اثر الوجود لامحة فكل ما يريد الموصوف بصفة لابد و ان لايريده الموصوف بفقدها فان الارادة تابع لصفة المريد الا تري ان الماء يريد التبريد و النار تريد التسخين و الهواء يريد الترطيب و التراب يريد التجفيف و العلو يقتضي غير ما يقتضيه السفل و اليمين غير اليسار و الامام غير الوراء و القصر غير الطول و البياض غير السواد و هكذا كل يميل الي ما يناسبه و يشاكله و اثر كل واحد يشابه صفة مؤثره فاذا جاء الامتياز بين القديمين جاء التضاد بين الصفتين اللتين بهما الامتياز فاذا جاء التضاد اختلف الاثار لان كل اثر يشابه صفة مؤثره كما عرفت فتتضاد الاثار لامحة فاذا توارد المؤثران الضدان علي اثر هذا يقتضي كونه علي ما يشاكله و ذاك يقتضي علي ما يشابهه فوقوع كليهما ممتنع لان وجود الضدين في حال واحد من جهة واحدة ممتنع فلابد و ان يقع ارادة واحد دون الاخر فايهما وقع اثره و نفذت ارادته هو الاقوي و هو القاهر الغالب و الذي لم‌يقع اثره و لم‌تنفذ ارادته هو المغلوب المقهور لامحة فلو كانا الهين قاهرين غالبين لابد و ان لايتحقق موجود لمقاومة كل واحد للاخر الا تري انه لو تجار رجلان شيئا واحدا علي التضاد ان كانا متقاومين اقتضي سكون ذلك الشيء لامحة و ان كان احدهما اقوي انجر ذلك الشيء الي جهته فتظهر فيه الحركة فاذا كانا قاهرين غالبين متساويين في القوة و الكمال لابد و ان لايبدو منهما اثر لامحة لان هذا يريد ان يكون الشيء كذا و ذاك يريد ان يكون علي خلافه فلايوجد البتة و لايعدم البتة و هذا الفساد الممتنع و ان قلت باصطلاحهما و تبعية كل واحد لارادة الاخر فذلك كلام قشري لا حقيقة له فان التبعية ان كانت علي وجه المقهورية فالمقهور ليس باله و ان كان باقتضاء كل واحد ما يقتضيه الاخر من كل جهة فذلك محال

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 479 *»

مع فرض الاثنينية كما بينا لان الضدين لا يقتضيان شيئا واحدا فلايمكن اصطلاح النار و الماء و لا اصطلاح التراب و الهواء مع تساويهما الا ان يغلب احدهما فيكون المغلوب مضمحلا مستهلكا و ما تري من رضاء واحد منا بفعل الاخر فذلك من حيث توافقنا في تلك الجهة الخاصة في شيء خاص و اما في كل الجهات فليس يمكن ابدا لوجود الامتياز بل في ذلك الشيء الخاص انما يقع الرضا في النوع و اما في جميع مشخصاته فليس يتحقق لوجود الامتياز في كل الجهات فافهم راشدا موفقا.

و اما الجواب عن المسألة الثالثة فاعلم انه اذا جاء الامتياز و التعدد فان لم‌يكن اشتراك بينهما اصلا فاحدهما قديم و الاخر حادث لامحة فان كانا مشتركين في القدم و بينهما امتياز فما به الامتياز شيء لامحة فان كان حادثا فقد اثر المميز الفاصل فيهما حيث غيرهما عما كانا عليه قبل الانفصال و هو الوحدة و الاتصال و ان كان المميز قديما فهو ايضا شيء مستقل قائم بذاته دون غيره فاذا صارت الالهة القدماء ثلثة بالبداهة فاذا صاروا ثلثة ذواتا مستقلة فالمميز كاحدهما بلاتفاوت كما ان كل واحد من الطرفين ذات قديمة مستقلة يكون الواسطة ايضا ذاتا قديمة مستقلة فلابد من امتيازها فان العقل لايمكن ان يتعقل ثلثة اشياء مستقلة الا ممتازة فلابد و ان يكون بين كل اثنين منها ما به الامتياز و الا لم‌يكن كل واحد منهما عن صاحبه ممتازا فان لم‌يكن كل واحد من الطرفين عن الوسط ممتازا لزم اتحاد كل واحد من الطرفين مع الوسط فاذا اتحدا مع الوسط لزم اتحاد الكل فاذا لاتعدد فان فرضت كون الطرف غير الوسط لابد من الامتياز و ليس بين النفي و الاثبات منزلة فان لم‌يكن امتياز فالطرف عين الوسط و ان كان امتياز فلابد مما به الامتياز فاذا لابد من وجود خمسة الهة مستقلة قائمة بذاتها و اذا صاروا خمسة لابد و ان يكونوا تسعة لما بينا و اذا صاروا تسعة لابد و ان يكونوا سبعة عشر لامحة و هكذا و لايتفوه بذلك عاقل فالاله اله واحد لاشريك له فدليل الفرجة لتوحيد الذات و دليل التمانع لتوحيد الصفات و الافعال و هذان كافيان في الزام الخصم علي التوحيد و الله الموفق بالتأييد و التسديد.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 480 *»

قال ايده الله المسألة الثانية ما الدليل علي وجوب المعرفة سوي الوجهين المذكورين في الكتب الكلامية و كيف تقريرهما بالادلة الثلثة مع ان لزوم دفع الخوف لايستلزم وجوب المعرفة بل يمكن ان يقال انه يستلزم عدم وجوب المعرفة لازدياد الخوف بازدياد المعرفة كما ازداد للانبياء و الاولياء و كذلك استلزام وجوب شكر المنعم لوجوب معرفة الله بالحقيقة و الكنه ممنوع و له علي بعض الوجوه لايستلزم وجوبها علي التفاصيل المشروحة لامكان الشكر مع عدم المعرفة باعتقاد الشاكر لان النمل الصغار تزعم ان لله زبانيتين لما رأتهما كمالا سبحان ربك رب العزة عما يصفون و حكاية الاعرابي و اهدائه ماء الغدير للخليفة الي بغداد معروفة.

اقول هذه المسألة ايضا تشتمل علي ثلث مسائل الاولي الدليل  علي لزوم المعرفة غير الوجهين المذكورين و الثانية تقرير لزوم المعرفة لدفع الخوف بحيث لايرد عليه بحث و الثالثة تقرير لزوم المعرفة بسبب شكر المنعم بحيث لا يرد عليه وارد.

فالجواب عن المسألة الاولي اعلم ان المعرفة هي غاية الخلقة و حاصلها قال الله سبحانه ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و فسره الحسين7 ليعرفون و كما قال في القدسي كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فالمعرفة هي غاية الخلقة و ثمرة الايجاد و ان الله سبحانه لاجل ذلك جعل آيات معرفته في الافاق و في انفسهم حتي يعرفوا بها خالقهم و بارئهم و لما تدبرنا في هذا الخلق المتقن و الامر المحكم رأينا آثار الحكمة فيها بحيث لا يمكن حكمة اتقن منها و لا تدبير اعظم منها فعرفنا ان الصانع جلت عظمته لم‌يصنع هذه المصنوعات عبثا و لم‌يخلقها لغوا و لابد لها من غاية و ثمرة تترتب عليها و تلك الغاية لاينبغي ان تكون لاجل نفسه فانه غني عما سواه و لا ثالث بين الحق و الخلق فلابد و ان تكون تلك الغاية لاجل الخلق عائدة اليهم فلابد من ان يعيشوا مدة يبلغوا بها الغاية و عيشهم مدة يعتد بها لايمكن الا ان يعرفوا ما يكون سبب بقائهم حتي يعملوا به و ما يكون سبب فنائهم حتي يجتنبوا عنه و لماكان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 481 *»

الخلق مصنوعا له سبحانه و اثرا لمشيته و ارادته و قوام الاثر بالتوجه الي المؤثر و الاستمداد منه و هلاكه و بواره بالاعراض عنه و الادبار عن جهته فاعظم اسباب بقاء الاثر التوجه الي المؤثر و اعظم اسباب فنائه الادبار عنه و ساير الشروط و القيود متممات و مكملات كما هو بين ظاهر و التوجه الي المؤثر لايمكن الا بمعرفته فان ما لم‌يعرف الاثر وجه المؤثر لايمكنه التوجه اليه فربما يتوجه الي جانب خلاف جانب المؤثر فيهلك و يبيد  فلزم معرفة المؤثر الصانع الخالق لبقاء الوجود و العيش و لاجل ذلك جعل الاقرار بالتوحيد في جبلات جميع الخلق و فطرهم الالهية و جعل دليل كل شيء علي ربه نفسه حتي لايفقد شيء دليل ربه و لذلك ليس شيء الا و هو مقر بالله سبحانه فلاتجد احدا الا و هو مقر بالله سبحانه حتي الدهرية فانهم يقرون بالصانع غاية‌ الامر يسمونه بالدهر و لولا ذلك لفنوا عن آخرهم و عدموا و ما تري من وجود بعض الزنادقة و عيشهم فانما ذلك ببركة وجود المقرين و يعيشون بفضل عيش المقرين مع انهم ايضا لايقدرون علي انكار الصانع مطلقا و لذلك يلتزمون متي تكلموا فتبين و ظهر ان العالم مصنوع و الصانع حكيم و الحكيم لايفعل العبث و لابد من غاية و لايبلغون الغاية الا ان يعيشوا و لايعيشون الا ان يقبلوا الي صانعهم و لايقدرون علي الاقبال الا بالمعرفة فالمعرفة لازمة اذ بعدمها بوار الخلق كلا فبحكم العقل الصريح يلزم العمل بما به بقاؤ الشخص و ترك ما به فناؤه فهذا دليل وجوب المعرفة بحيث لايمكن الفرار منه و الرد له اذا انصف الخصم ربه و اراد  الحق و اما تفاصيل المعرفة فيختلف بحسب اختلاف مراتب الخلق فمنهم من يجب عليه تحصيلها و منهم من لايجب عليه اما من سكن نفسه بالمعرفة الاجمالية و برد غليله بها و اطمئن قلبه و لم‌يبق له تردد ابدا فذلك الذي يكتفي بالمعرفة الاجمالية و اما الذي لايكتفي بالمعرفة الاجمالية و لم‌تخرج نفسه عن الاضطراب و لم‌يخلص قلبه عن الريب و التردد فلابد له ان يفحص عن المعرفة حتي يسكن قلبه و يخمد لوعته و يبرد غليله و يذهب ريبته فاذا كان كذلك لزمه الفحص اكثر من صاحبه و طلب المعرفة اكثر و هكذا و لكل درجات مما عملوا و ليس تكليف العاقل اللبيب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 482 *»

مثل تكليف الاحمق الذي لايمكنه فهم الهر من البر ولكني اقول لك ان الانسان اذا عرف مقدارا من المعرفة و عمل بمقتضي تلك المعرفة و توجه بمقدارها يزداد تقربا الي ربه فان بالسلوك الي الشيء يحصل القرب منه لامحة فاذا قرب من مؤثره ازداد عقلا و فهما و قوة فان كل الخير من جهة المؤثر فاذا ازداد عقلا و فهما و قوة لايمكنه الاكتفاء بالمعرفة السابقة و يراها شركا محضا فلايمكن له المقام علي الشرك و لابد له ان يحصل معرفة اكثر و اقوي و هكذا في القدسي كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك و عن الصادق7 بالحكمة يستخرج غور العقل و بالعقل يستخرج غور الحكمة فاذا عمل الانسان بما علم لابد و ان يحصل له الترقي الي مدارج العقل و الفهم و العمل فيلزم اهل كل رتبة تحصيل المعرفة بمقدار عقله و فهمه و ما يسكن اليه نفسه و يطمئن عقله و قلبه فافهم ذلك.

و اما تقرير المسألة الثانية فهو ان الانسان اذا لم‌يعرف ربه يخاف علي نفسه من الوقوع في المهالك و ما يتلف نفسه لانه جاهل لايعرف خيره من شره و نفعه من ضره كما هو معروف مشاهد و اسكان النفس و دفع الخوف من اللوازم في العقل اذ نفس الخوف اذا اشتد يهلك الانسان فضلا عن ارتكابه ما يضره و ما يتلفه و يهلكه و اسكان النفس لايمكن الا بمعرفة من هو مطلع علي حقايق الاشياء و كنهها و يعرف نافعها من ضارها و مبقيها للشيء من متلفها له فاذا عرفه يمكن له تعلم الخير و الشر منه و العمل بمقتضاه فيحفظ به نفسه عن التلف و اما خوف المؤمنين من ربهم فهو خوف يكون سبب النجاة و البقاء الابدي و العيش السرمدي و  نعم ما قال الشاعر:

اقتلوني يا ثقاتي

ان في قتلي حياتي

و مماتي في حيوتي

و حيوتي في مماتي

و شتان مابين الخوفين فان الاول خوف يتبعه الهلاك و التلف و الثاني خوف يتبعه النجاة و البقاء الابدي و من سوي بين الخوفين لم‌يعرف الهلاك من النجاة و حقيقة الهلاك هي الوقوع في دار غضب الله سبحانه الذي هو الجحيم و حقيقة النجاة هي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 483 *»

الدخول في دار رحمة الله التي هي النعيم فكل الهلاك في اتباع سخط الله و كل النجاة في اقتفاء رضاء الله سبحانه فالمؤمن ناج و ان ابتلي في الدنيا بجميع البلايا و الكافر هالك و ان تنعم في الدنيا بجميع النعماء فانما مثل الدنيا كظل شجرة يقيل تحتها الكافر و المؤمن و جميع سرائها و ضرائها حلم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‌يجده شيئا و وجد الله عنده فوفيه حسابه و الله سريع الحساب و الهلاك و النجاة اللذان يخاف منهما هو الهلاك و النجاة الاخرويان فمن لم‌يعرف يخاف علي نفسه و يهلك و العارف يخاف و ينجو فان من خاف هرب و من هرب نجا.

و اما تقرير المسألة الثالثة فاعلم ان العقل السليم يحكم بوجوب شكر المنعم اي استعمال نعمته في سبل رضاه و شكر المنعم لايحصل الا بمعرفة المنعم فاذا جاهد في المعرفة و عرف المنعم بحسب مقامه و استعمل ما انعم في سبيل رضاه استحق الزيادة لقوله سبحانه لان شكرتم لازيدنكم فيزيده العقل و الفهم و القوة لانها ايضا مما انعم فاذا زاده تلك عرف انه لم‌يصرف ما انعم عليه في سبيل رضاه كما ينبغي فان من عرفه اولا انما كان خلقا من خلقه و استعمل النعمة في سبيل ذلك الخلق و هو غيره سبحانه فيجب عليه ان يكشف تلك السبحات حتي يعرف ربها فيجاهد بحسب مقامه حتي يعرف شيئا يحسبه الرب تبارك و تعالي فيستعمل ما انعم الله عليه في سبيل رضاه فيستحق الزيادة من الله لانه عبده بحسب ظنه و كل امرء متعبد بظنه فيستحق الزيادة فيزيده و ذلك قوله حتي اذا جاءه لم‌يجده شيئا اي وجده خلقا و مقاما من مقامات العبودية و هو ليس بشيء بحقيقة الشيئية ولكن وجد الله عنده انه يعامله بحسب ظنه و يؤتيه اجره فوفيه حسابه والله سريع الحساب و هو عند ظن عبده و ذلك قوله7 في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك فاذا زاده العقل و الفهم عرف انه استعمله في سبيل عبد من عباده و مقام من مقاماته فيجاهد ان يعرف ربه و يقطع النظر عن سبحاته و هكذا فيجب عليه دائما تحصيل معرفة ازيد من المعرفة السابقة و في كل حال

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 484 *»

مادام في ذلك الحال اذا لم‌يقصر في تحصيل المعرفة يكون مثابا موفي الحساب قال الله سبحانه ان الله لايظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون و قال معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فتبين و ظهر ان مراتب المعرفة تختلف بحسب مراتب العارفين و ليس كل ما يجزي من احد يجزي عن الكل فان في كل مقام يكون المطلوب سكون النفس و اطمينان القلب و ليس كل قلب يطمئن بما يطمئن به الاخر و لكل درجات مما عملوا و نكتفي في جميع المسائل بالاجمال تكلانا علي قوة فهمكم و استعجالكم في الجواب.

قال سلمه الله المسألة الثالثة هل امتناع تعدد القدماء مخصوص بالقديم الذاتي و يتعدد القديم السرمدي و الدهري و الزماني ام لا يتعدد القديم مطلقا و هل الحقيقة المحمدية صلوات الله عليها قديمة باي معني من المعاني الثلثة ام لا؟

اقول هذه المسألة متضمنة لمسألتين الاولي معني القديم الذي يمتنع تعدده و الثاني بيان مقام الحقيقة المحمدية صلوات الله و سلامه علي صاحبها و آله. اما الجواب عن المسألة الاولي فاعلم ان اجزاء الزمان حادثة زمانية اذا نسبت بعضها الي بعض و اما اذا لاحظت جميع الزمانيات شيئا علي شيء فلم‌يحدث هو في زمان فان الزمان هو امتداد الزمانيات المكيل بدوران الافلاك و النجوم و غيرها من الاكيال اللايقة فجميع الزمانيات كلها ليس زماني دونها تقاس به و يعرف به لها الحدوث الزماني فجميع الزمانيات حادث دهري و قديم زماني اي لم‌يكن زمان لم‌يكن هو فيه بل مادام الزمان كائنا كان كل الزمانيات كائنة ولكنها حادثة في الدهر يعني لم‌تكن في بعض الدهور و كذلك الدهريات حادثة في ابعاضها حدوثا دهريا ولكن كلها حادث سرمدي اي لم‌يكن في السرمد ولكن لم‌يأت دهر لم‌يكن كل الدهريات موجودة في محالها بالنسبة اليه و السرمديات حادثة الابعاض و قديمة سرمدية من حيث الكل نعم هي حادثة بالنسبة الي القديم بالذات جل اسمه فعرفت ان كل الزمانيات قديم زماني فلو كان هناك زماني آخر كان يقاس هذا بذاك فيكون كل واحد بعض الزمانيات و يكون كل واحد حادثا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 485 *»

زمانيا فالقديم الزماني ايضا لايتعدد من حيث كونه قديما زمانيا و اما من حيث ان القديم الزماني فرد من افراد الدهر و حادث دهري و الحادث الدهري يتعدد فهو من حيث الحدوث الدهري يتعدد كما ان المواد و الطبايع و النفوس موجودة و هي متعددة و كلها دهرية و اما القديم الدهري من حيث انه قديم دهري فلايتعدد لانه لو كان هناك دهري آخر كان يقاس به و كان كل واحد فردا من افراد الدهر و الفرض خلافه فالقديم الدهري لايتعدد من حيث انه قديم دهري و اما من حيث انه حادث سرمدي فيتعدد مثل تعدد الكلمة و الحروف و الالف اللينة و النقطة و اما القديم السرمدي فلايقبل التعدد اصلا فهو واحد و تجلي واحد و ذلك قولنا ان القديم ما صدر عنه الا الواحد و هذا الكلام في القديم الزماني و التقديم الدهري و اما في مقام القديم السرمدي الذي هو صفة قدمه سبحانه و تعريفه نفسه بالقدم و الوحدة فيمتنع تعدده لان ماسوي الامكان ممتنع و القديم السرمدي هو كل الامكان الراجح و الوجود الراجح و لا كل فافهم.

و اما الجواب عن المسألة الثانية فاعلم ان للحقيقة المحمدية9 مقامات اذ هي قدس الله الذي ملأ الدهر تقول في الدعاء بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت و اعلي مقاماتهم فوق ان تناله الافكار و تدركه الابصار ولكن بقدر ما يمكن التعبير عنه نقول انه9 اول ما خلق الله سبحانه لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و النكرة‌ الواقعة في سياق النفي يفيد العموم الاستغراقي ولكنه مخلوق و المخلوق لابد و ان يكون مخلوقا بمشية و فعل و هو اول المخلوقات و الخلق غير الامر قال الله سبحانه له الخلق و الامر تبارك الله رب العالمين فهو وكر امر الله سبحانه و وعاء مشيته قال7 ان الله سبحانه جعل قلوب اوليائه وكرا لارادته فهو من حيث الخلقية حادث سرمدي ولكنه قديم دهري لانه محيط بجميع الدهريات و مقدم عليها فافهم.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 486 *»

قال سلمه الله المسألة الرابعة ما البحث علي اليهود و النصاري في قولهم عزير ابن الله و المسيح ابن الله اذا كان المقصود الابن المجازي سيما في المسيح الذي تولد من غير اب و خلق من روح الله و هذا مجاز شايع في العرف كما يقال الملك اب الرعية و العلم و الادب ابوا الانسان و انا و علي ابوا هذه الامة و المؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة بل الحكم بالمجازية في الاخيرين مبني علي ظاهر الظاهر و قال عيسي علي ما نقل في شرح الاناجيل اروح الي ابي و ليس مرادهم ان المسيح خارج من صلب الله نعوذ بالله.

اقول هذا سؤال عجيب بعد رد الله عليهم في محكم كتابه و الرسول في محكم سنته ولكنه سلمه الله علي ما يظهر منه انه يريد الدليل العقلي علي ذلك لان يردّ عليهم اذا نازعوا في ذلك و نحن ايضا نقيم الدليل العقلي علي ذلك ان شاء الله اعلم انه قد حققنا في الاصول ان دلالة الالفاظ علي معانيها بمناسبة ذاتية و الواضع هو الله سبحانه و هو خالق كل شيء و قد قال سبحانه و علم آدم الاسماء كلها و الاسماء جمع محلي بالالف و اللام يفيد العموم لاسيما بعد تأكيده بالكل لاسيما بعد الاضافة و الخالق الحكيم لايخصص شيئا بشيء من دون مناسبة ذاتية و القول بان الارادة مرجحة قول لم‌يتعقل قائله معناه و هذه المسألة عند جميع اهل العلوم ثابتة بينة غير اهل الاصول و انهم تكلموا في ما لاعلم لهم به و ذلك عند اهل العلم كاهل علم الاوفاق و اهل علم الحروف و اهل علم النجوم و اهل علم الجفر و اهل علم الهيميا من ابده البديهيات فان الرجل منهم يصرف في حروف الاسم كيف شاء و ذلك يؤثر في الاعيان الخارجية كيف شاء فيحبب و يفرق و يمرض و يصح (يصحح خ‌ل) و يأتي بها و يذهبها علي ما شاء و لو لم‌يكن بين هذه الحروف مناسبة مع مسمياتها لم‌يكن يؤثر التصرف في الحروف في الاعيان و كذلك صاحب النجوم و الرمل يستخرج الاسم من الاوضاع الفلكية و القرانية الرملية فيخبر باسم الغايب و الحاضر و العدو و الولي و لو لم‌يكن بين المسميات و الحروف و الافلاك مناسبة كيف كانوا يستخرجون ذلك و ان صاحب الجفر يكتب حروف السؤال و يتصرف فيها و يأتي بالجواب علي حسب الواقع و لو لم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 487 *»

‌يكن مناسبة بين حروف السؤال و الاعيان الخارجية و بين حروف الجواب و بينها كيف كان يخرج الجواب موافقا للواقع بالجملة هذه المسألة بينة عند جميع اهل العلم غير اهل الاصول فانهم بسبب عدم اطلاعهم علي حقايق الاشياء تكلموا فيما لاعلم لهم به فاذا صارت المناسبة في الحقايق ثابتة فالمجاز لايكون الا بادني شباهة مع الحقيقة و الا لجاز استعمال كل لفظ في كل معني علي المجازية و هو باطل عند جميع اهل اللسان فاذا كان الواجب في المجاز وجود ادني شباهة و لو من وجه و الا لم‌يصح استعمال اللفظ في المعني المجازي فنقول قد ثبت عند اهل المعرفة ان الله سبحانه احدي المعني فلايناسب شيئا و لايناسبه شيء و لايشاكل شيئا يشاكله شيء و لايشابه شيئا و ليس كمثله شيء و لا ربط له مع شيء و لا ربط لشيء معه و لا اسم له و لا رسم فلايستعمل لفظ فيه لا علي سبيل الحقيقة و لا علي سبيل المجاز فانه سئل الرضا7 عن الاسم فقال صفة لموصوف و قد قال الله سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون و قال علي7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه فلا اسم له و لا رسم كل ذلك لاجل انه احدي و جميع ما ذكر يوجب التكثر المنافي للوحدة و القدم و قد علم اهل الذكاء و الفهم ان الابن هو المتولد من الاب حقيقة و البنوة و الابوة امران اضافيان و لايكون ابن من غير اب و لا اب من غير ابن و ان الابن جزؤ الاب و من طينته و لابد له من ام تلده و يكون الابن حاصلا من بينهما و متأخرا عنهما هذا معني الابن في الحقيقة فلابد في مجازه من ادني ملابسة و مشابهة لامحالة و المشابهة و الملابسة كائنا ما كان بالغا ما بلغ صورة للطرفين و الا لم‌يتشابها و لم‌يتشاكلا فلو كان لاحدهما صورة و لم‌تكن للاخر اصلا لم‌تتحقق المشابهة فلابد من صورة للطرفين فاذا قال اليهود ان عزير ابن الله او قال النصاري المسيح ابن الله ما يعنون بقولهم ابن الله فان كانوا يريدون ان عزيرا او المسيح ابن الله حقيقة فذلك كفر صراح و كفره بين ظاهر و ان كانوا يريدون انهما ابنا الله علي سبيل المجاز فلابد من مشابهة لله سبحانه مع الاب في نشو الولد عنه او تولده منه او كونه جزءه او كون الابن من طينته بالجملة لابد له من مشاكلة مع ابي‌عزير

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 488 *»

او مع ام عيسي حتي به يكون تسميتهما بالولد سائغا و الا فلا وجه للمجاز و قد بينا و اوضحنا انه لا مناسبة لله مع احد من خلقه في شيء من الاشياء فلايجوز ان ينسب الابن الي الله بوجه من الوجوه لا حقيقة و لا مجازا لا سيما ان ذلك من الفاظ توجب الاقتران و التبعيض والتجزية كما قال الله سبحانه و جعلوا له من عباده جزءا و قال فيهم يضاهئون قول الذين كفروا اي قريش الذين قالوا ان الملائكة بنات الله فلاجل ذلك لم‌يستحسن الله سبحانه استعمال هذه اللفظة في حقه و قد حاج النبي9 اليهود و النصاري باحسن محاجة و جادلهم باحسن مجادلة فقال لليهود ما الذي دعاكم الي القول بان عزير ابن الله قالوا لانه احيي لبني‌اسرائيل التورية بعد ما ذهبت و لم‌يفعل بها هذا الا لانه ابنه فقال رسول الله9 فكيف صار عزير ابن الله دون موسي و هو الذي جاءهم بالتورية و رأي منه المعجزات ما قد علمتم و لئن كان عزير ابن الله لماظهر من الكرامة باحياء التورية و لقد كان موسي بالبنوة اولي و احق و لان كان هذا المقدار من الكرامة لعزير يوجب انه ابنه فاضعاف هذه الكرامة لموسي يوجب له منزلة اجل من البنوة لانكم ان كنتم تريدونب البنوة و الولادة علي سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الامهات بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله و شبهتموه بخلقه و اوجبتم فيه صفات المحدثين و وجب عندكم ان يكون محدثا مخلوقا و ان يكون له خالقا صنعه و ابتدعه قالوا لسنا نعني هذا فان هذا كفر كما ذكرت ولكنا نعني انه ابنه علي معني الكرامة و ان لم‌يكن هناك ولادة كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد اكرامه و ابانته بالمنزلة من غيره يا بني و انه ابني لا علي اثبات ولادته منه لانه قد يقول ذلك لمن هو اجنبي لا نسب بينه و بينه و كذلك لما فعل الله تعالي بعزير مافعل كان قد اتخذه ابنا علي الكرامة لا علي الولادة فقال رسول الله9 فهذا ما قلته لكم انه ان وجب علي هذا الوجه ان يكون عزيرا ابنه فان هذه المنزلة لموسي اولي و ان الله تعالي يفضح كل مبطل باقراره و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 489 *»

 يقلب عليه حجته انما احتججتم به يؤديكم الي ما هو اكثر مما ذكرته لكم لانكم قلتم ان عظيما من عظماءكم قد يقول لاجنبي لا نسب بينه و بينه يا بني و هذا ابني لا علي طريق الولادة فقد يجدون ايضا هذا العظيم يقول لاجنبي هذا اخي و الاخر هذا شيخي و ابي و الاخر هذا سيدي و يا سيدي علي سبيل الاكرام و ان من زاده زاده في مثل هذا القول فاذن يجوز عندكم ان يكون موسي7 اخا لله او شيخا له او ابا او سيدا لانه قد زاده في الاكرام مما لعزير كما ان من زاد رجلا في الاكرام قال له يا سيدي و يا شيخي و يا عمي و يا رئيسي علي طريق الاكرام و ان من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول افيجوز عندكم ان يكون موسي اخا له او شيخا او عما او رئيسا او سيدا او اميرا لانه قد زاده في الاكرام علي من قال له يا شيخي او يا سيدي او يا عمي او يا اميري او يا رئيسي فصمت القوم و تحيروا و قالوا يا محمد اجلنا نتفكر فيما قد قلته لنا فقال لهم انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف يهديكم الله ثم اقبل9 علي النصاري ثم قال لهم و انتم قلتم ان القديم عزوجل اتخذ المسيح7 ابنه فما الذي اردتموه بهذا القول اردتم ان القديم صار محدثا بوجود هذا المحدث الذي هو عيسي او المحدث الذي هو عيسي صار قديما لوجود القديم الذي هو الله او معني قولكم انه اتحد به انه اختصه بكرامة لم‌يكرم بها سواه فان اردتم ان القديم صار محدثا فقد ابطلتم لان القديم محال ان يصير محدثا و ان اردتم ان المحدث صار قديما فقد احلتم لان المحدث محال ان يصير قديما و ان اردتم انه اتحد به بانه اختصه و بانه اصطفاه علي ساير عباده فقد اقررتم بحدوث عيسي و بحدوث المعني الذي اتحد به من اجله لانه اذا كان عيسي7 حدثا و كان الله اتحد به بان احدث به معني صار به اكرم الخلق عنده فقد صار عيسي و ذلك المعني محدثين و هذا خلاف ما بدأتم تقولون فقالت النصاري يا محمد ان الله تعالي لما اظهر علي يد عيسي من الاشياء العجيبة ما اظهر فقد  اتخذه ولدا علي جهة الكرامه فقال لهم رسول الله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 490 *»

9فقد سمعتم ما قلته لليهودي في هذا المعني الذي ذكرتموه ثم اعاد9 ذلك كله فسكتوا الا رجلا واحدا منهم قال له يا محمد اولستم تقولون ان ابرهيم خليل الله قال قد قلنا ذلك قال اذا قلتم ذلك فلم منعتمونا ان نقول عيسي ابن الله فقال رسول الله9 انهما لن يشتبها لان قولنا ان ابرهيم خليل الله فانما هو مشتق من الخلة و الخلة انما معناها الفقر و الفاقة و قد كان خليلا الي ربه فقيرا و اليه منقطعا و عن غيره متعففا معرضا مستغنيا و ذلك لما اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله الي جبرئيل7 و قال له ادرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء فقال كلفني ما بدا لك قد بعثني الله لنصرتك فقال ابرهيم7 حسبي الله و نعم الوكيل اني لا اسأل غيره و لا حاجة لي الا اليه فسماه خليله الي ان قال بعضهم لبعض و في الكتب المنزلة ان عيسي قال اني ذاهب الي ابي و ابيكم فقال رسول الله9 فان كنتم بذلك الكتاب تعلمون فان فيه اذهب الي ابي و ابيكم فتقولون ان جميع الذي خاطبهم عيسي7 كانوا ابناؤ الله كما كان عيسي ابنه من الوجه الذي كان عيسي ابنه ثم ان ما في هذا الكتاب يبطل هذا الذي زعمتم ان عيسي من جهة الاختصاص كان ابنا له لانكم قلتم انما قلنا انه ابنه لانه اختصه بما لم‌يختص به غيره و انتم تعلمون ان الذي خص به عيسي لم‌يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسي اذهب الي ابي و ابيكم فبطل ان يكون الاختصاص بعيسي لانه قد ثبت عندكم بقول عيسي لمن لم‌يكن له مثل اختصاص عيسي و انتم لما حكيتم لفظة عيسي و تأولتموها علي غير وجهها لانه اذا قال اذهب الي ابي و ابيكم فقد اراد غير ما ذهبتم اليه و نحلتموه و ما يدريكم لعله عني اذهب الي آدم و الي نوح ان الله يرفعني اليهم و يجمعني معهم و آدم ابي و ابيكم و كذلك نوح بل ما اراد غير هذا فسكت النصراني و قالوا ما رأينا كاليوم مجادلا و لا مخاصما سننظر في امورنا انتهي. ثم اقول لك انا رأينا هذه الاناجيل المعروفة و قرأناها و ليست هي بالذي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 491 *»

نزل من السماء و انما هي من تأليف تلامذة‌ التلامذة تابعي اصحاب عيسي7 مثل متي و يوحنا و الوقا و مرقابوس و بولس و ليسوا هؤلاء من اصحابه7 و انما هم من التابعين و لما افتقد النصاري الانجيل فزعوا الي هؤلاء و هؤلاء رووا لهم ما كانوا يحفظون من احوال عيسي و بعض امثاله و نصايحه و قليل من احكامه و ليست بالانجيل النازل من السماء و لو كان كذلك لم‌يكن فيه اختلاف و لم‌يكن اناجيل و انما هو انجيل واحد نزل من عند الواحد و هذا الذي بيد القوم انما هو من تأليف التابعين و علي فرض ان يكون ما فيه صدقا فقد قال متي و هو من روات الانجيل ان المسيح ابن داود بن ابرهيم بن اسحق بن يعقوب بن يهودا بن خضرون و قال مرقابوس انه كلمة الله احلها في الجسد الادمي فصارت انسانا و قال الوقا ان عيسي بن مريم و امه كانا انسانين من لحم و دم فدخل فيهما روح القدس فاذا كانوا هؤلاء علماؤ الانجيل يقولون هكذا يتعذر كونه ابن الله حقيقة و اذا جوزنا مثل هذا المجاز كان عيسي ابن الله و كانت مريم زوجة الله مجازا و كان ابو عزير هو الله و امه زوجة الله مجازا و حينئذ ينبغي ان نجوز عم الله و خال الله و اخ الله و ابن عم الله و ابن خال الله اذ كل ذلك سواء في النسبة و في ذلك خراب الدين و بوار الشرع المبين ام تنبئونه بما لايعلم في الارض ام بظاهر من القول يضاهئون قول الذين كفروا فما معني الحقيقة مع قدسه سبحانه و ما معني المجاز و ليس كمثله شيء و لابد في المجاز من المماثلة فلعنوا بما قالوا و تعالي الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا و لنكتف بما ذكرنا و الله الموفق للصواب.

قال سلمه الله المسألة الخامسة هل الحقيقة المحمدية المعبر عنها بالقصبة‌ الياقوتة عليها آلاف التحية مخلوقة ام غير مخلوقة و علي الاول هل بالمشية ام هي المشية و علي الاول كيف هي اول ما خلق الله و المشية مقدمة عليها و علي الثاني هل هي عين ام معني و علي الثاني كيف يتحد المعني المصدري مع العين و كيف يعقل ذلك.

اقول قد اشرنا في سابق هذه المسألة الي  ذلك علي سبيل الاجمال و نزيد

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 492 *»

هيهنا انها هي مخلوقة لانها حادثة و كل حادث محتاج الي من يحدثه و احداث المحدث له خلقه اياه و هي اول ما خلق الله بالكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل القاطع فلامحيص عنه لمن دخل حيطة الاسلام و ذلك لمثل جنابكم واضح و هي مخلوقة بالمشية لقوله تعالي انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون و قول الصادق7 خلقت المشية بنفسها ثم خلقت الاشياء بالمشية و هو شيء مخلوق بامره سبحانه فلايمكن ان يكون شيء مخلوقا من دون فعل الفاعل له فهو9 مخلوق بفعل الله سبحانه و مشيته قال تعالي و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و السماء هو رسول الله9 و الارض هو اميرالمؤمنين7 الذي هو نفسه فهما قائمان بامر الله تعالي و امر الله سبحانه غير خلقه كما قال له الخلق و الامر و هو9 اول الخلق و هو مخلوق بامر الله سبحانه و لذلك روي انهم وكر ارادة الله و محال مشية الله ففي الزيارة ارادة الله في مقادير اموره تهبط اليكم و في بيوتكم الصادر عما فصل من اعمال العباد فلاتنافي بين انهم اول ما خلق الله و بين ان المشية سابقة عليهم فانه9 قال اول ما خلق الله نوري فنوره مفعول خلق و خلق فعله سبحانه و المفعول لابد و ان يكون متأخرا عن الفعل و قال اول ما خلق الله العقل او عقلي او روحي و كلها مفعول لخلق و كذلك بكم فتح الله ففتح الله مقدم عليهم و بكم يختم و ختم الله مقدم عليهم لان الفتح و الختم يتعلقان بهم فرفع الاشكال و اتسع المجال و ارتفع القيل و القال فلايسبقهم سابق من المخلوقات و لايلحقهم لاحق و لايطمع في ادراك مقامهم طامع من المخلوقات نعم الحقيقة المحمدية من حيث المحلية من عالم السرمد فان ظهور المشية متوقف عليها و هي من هذا الحيث نفس المشية المخلوق بها و من حيث المفعولية من عالم الوجود المقيد اي عالم الدهر الذي اوله الدرة و آخره الذرة فتدبر فان الافهام تتزايد و العقول تترقي و المراتب لاتستقصي و القديم قديم ابدا و الحادث حادث ابدا انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فضع كل شيء موضعه فان الله سبحانه يأمر

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 493 *»

بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون و هم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و هم العدول المحسنون المقربون صلي الله عليهم ابد الابدين و دهر الداهرين.

قال سلمه الله المسألة‌ السادسة ما الفرق بين السحر و المعجزة و هل يجري خوارق العادات علي ايدي الكاذبين ام لا و علي الاول ما معني وجوب اللطف و علي الثاني لم جرت علي يد ماني و زردشت حتي اتبعهما الوف من الناس فان قيل ان النقش و التصوير من الصناعات و الحرف الكاملة بالممارسة و الملكات الحاصلة بكثرة العمل يقال ان الفصاحة و البلاغة ايضا من هذا القبيل فمن اين يعلم اعجاز القرآن؟

اقول اعلم ان الله سبحانه احدث ما احدث مركبا من جهتين كماقال الرضا7 ان الله سبحانه لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه نقلته بالمعني و قد قال الله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و قد اتفق الحكماء ان كل ممكن زوج تركيبي و يشهد العقل السليم ان كل ممكن لابد و ان يكون له جهة من ربه و جهة من نفسه اي حيث صدور و حيث ظهور و لولا الاولي لم‌يكن الشيء موجودا و لولا الثانية لم‌يكن الشيء ظاهرا اي مميزا ممتازا من غيره فجهة الرب جهة اثريته لفعل ربه و حكايته له و جهة النفس جهة هو هو فالجهة الاولي تري ربها و تخفي نفسها و لاتنظر الي غير ربها ابدا و الثانية تري نفسها و تخفي ربها و لاتنظر الي غير نفسها ابدا فجهة الرب خير و كمال و نور و استقلال و بقاء‌ و دوام لانها لاتري الا ربها اي صفاته لا ذاته و كذلك الله ربنا و جهة النفس شر و نقص و ظلمة و اضمحلال و فناء و زوال لانها لاتري الا نفسها و ليست هي الا كذلك و مدد كل واحد من سنخ ما هو عليه فقوام الوجود و بقاؤه و دوامه بالامداد المناسبة له و قوام الماهية و بقائها و دوامها بالامداد المناسبة لها و الله سبحانه ممد كل مستمد علي حسب استمداده قال كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا و اذا كان العبد مؤمنا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 494 *»

يكون عاملا بمقتضي جهته الي ربه و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها فتنزل الامداد عليه علي حسب اقتضاء جهة الرب من النور و الخير و الكمال و الثبات و الدوام و امثال ذلك و تختلف الماهية حينئذ عن كيانها فتستأنس بطبع الوجود شيئا بعد شيء حتي تبيض و تشرق فان تابوا و اقاموا الصلوة فاخوانكم في الدين و مواليكم و اذا كان العبد كافرا يكون عاملا بمقتضي جهته الي نفسه و هي الفطرة المبدلة المغيرة و لآمرنهم فليغيرن خلق الله فاذا كان عاملا بجهته الي نفسه يكون مستمدا علي حسبها فتنزل الامداد عليها علي حسب مقتضيها من الظلمة و الشر و الفساد و النقص و البوار و الدثور و الاضمحلال و الافتضاح و غير ذلك لانها لاتستمد الا بمقتضي ما هي عليه و لايمدها الله الا بمقتضي ما تستمد و ان جميع الخيرات في الدنيا و الاخرة و نعيمها و حورها و قصورها من امداد جهة الرب و ان جميع الشرور في الدنيا و الاخرة و عذابها و عقاربها و جبالها من امداد جهة النفس فالمؤمن موفق ثابت دائم مستور مسدد مؤيد في الدنيا و الاخرة و الفاسق مخذول مجتث زايل مفتضح محرف مضعف فكيف يشتبه المطوق بالعاطل و الطل بالهاطل و الماء بالسراب و الباطل بالصواب هيهات هيهات ذلك ظن الذين لايوقنون قال الله سبحانه جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و قال بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون و قال و لايفلح الساحر حيث اتي و قال و لايفلح الساحرون و قال ما جئتم به السحر ان الله سيبطله و قال و لو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين و ما منكم من احد عنه حاجزين و قال لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فان جهة‌ النفس جهة الاختلاف و الكثرة و جهة الرب جهة الاتساق و الانتظام و الاتحاد فافهم ذلك و تفكر فيه و لا تغتر بقول كل مدع حتي تنظر ان الناطق من لسانه الشيطان ام الرحمن و ليّ لسان الشيطان لايشتبه بزلاقة لسان الرحمن و افعال الشياطين غير افعال الملائكة و هواهم غير هوي الملائكة فالشياطين

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 495 *»

لايريدون غير الشر ابدا و الملائكة لايريدون غير الخير ابدا،

ثوب الرياء يشف عما تحته

و ان التحفت به فانك عاري

اما والله ما اشتبه الحق بالباطل ابدا و انما يتبع الباطل افئدة الذين لايؤمنون بالاخرة و المتبع في جوارحهم ايضا شياطين كالمتبوع و اعلم ان الملك لايتبع الشيطان ابدا و لايشتبه امر الشيطان علي الملك و انت لو كنت طالب خير و حق كان الساكن في قلبك الملك و هو المهيج لك علي طلب الخير و هو لايتبع الشيطان الساكن في قلب مدع الباطل ابدا و لايشتبه عليه امره و لو كنت طالب شر و باطل كان الساكن في قلبك الشيطان و هو يتبع الشيطان و ان الشياطين ليوحون الي اوليائهم لا الي غيرهم و الجنس الي الجنيس مايل فاذا عرفت ذلك فاعلم ان علي الله ابطال الباطل و اظهار فساد امره لا سلب جميع ما من عليه به عنه فاذا ظهر بطلان الرجل من وجه يكتفي به ثم يملي عليه في باقي اموره خذلانا و فتنة للذين في قلوبهم زيغ و لايحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون و هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات و هم اهل الحق هن ام الكتاب اصل العالم و اخر متشابهات اباطيل تشبه الحق فاما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله الي الحق بالجملة علي الله ابطال الباطل لا استيصال امره و دولته بالكلية و لابد و ان يجولوا في هذه الدنيا مادامت مختلطة حتي يبلغ الكتاب اجله و يرجع كل شيء الي عنصره قال الله سبحانه قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا بشراكة الكفار خالصة يوم القيمة الوسطي في الرجعة و الكبري في القيمة فاذا جاء الرجل و انكر التوحيد يكفينا دليلا علي بطلانه ثم يمكن ان يجري علي يديه كل شعبدة و كل سحر و عمل غريب و ان اقر به ولكن انكر نبوة نبي ثابتة نبوته كفانا دليلا فليفعل ما شاء و ان اقر بهم جميعا و ادعي النبوة بعد الخاتم9 كفانا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 496 *»

دليلا ثم ليفعل ما احب و ان اقر بالخاتمية و ادعي الامامة في المرتبة‌ الثالثة‌عشر نكتفي به دليلا فليفعل ما شاء و ان لم‌يدع الامامة و ادعي البابية و النقابة و النجابة و انكر شيئا من ضروريات الدين فليفعل ما شاء فانه كاف في ظهور بطلانه و ان لم‌ينكر شيئا من ذلك الا انه فاسق مرتكب للكباير او مصر للصغاير او مستخف متهاون بالفرايض و السنن فليفعل ما شاء فانه كاف في بطلانه و ان لم‌يفعل شيئا من ذلك الا انه جاهل متنسك لا علم له بما يحتاج اليه في امر الدين اصولا و فروعا فليفعل ما شاء فان الله لايحتج بجاهل علي خلقه و ان كان عليم اللسان متنسكا الا انه صاحب اخلاق ردية و فظاظة في الخلق و حرص او طمع او حب للدنيا و جمع زخارفها فاتهموه علي دينكم ولاتقبلوا منه علما و لا عملا،

فلو كان في العلم من غير التقي شرفا

لكان اشرف كل الناس ابليس

و سوء الخلق شجرة في النار و صاحبه متمسك به و تجره الي النار لامحة و اهل النار لايمكن ان يكونوا حججا لله سبحانه و لايهدون الي الجنة ابدا و ان وجدتموه في جميع افعاله و اعماله و اقواله حسنا الا انه احمق او بليد غير نبيه فهو شره اكثر من خيره و ضره اقرب من نفعه والله سبحانه لايحتج بالاحمق علي خلقه و ان وجدتم كل ذلك علي الكمال الا انه مغمض فيه في ولادته نعوذ بالله فليس بشيء فليفعل ما شاء فان الله لايحتج بالخبيث علي خلقه و هكذا ساير العيوب و علي الله البيان و اظهار بطلان الباطل لاقطع الامداد و الفيوض الاملائية و الاستدراجية عنه و ان وجدتم في جميع ذلك بحيث لايمكن الخدش فيه و لايظهر في شيء من حسبه و نسبه و علمه و عمله عيب و يدعي امرا و يأتي بخارق للعادة فصدقوه فان الله سبحانه حكيم عالم بخلقه قادر عليهم مطلع علي ما يفعلون و ليس بمغري للباطل و قد قرره و صدقه و امده بفيوضاته فذلكم الرجل نعم الرجل كل الرجل فبذلكم فتمسكوا و بذيل ولاه فتشبثوا و بدعائه فتبركوا و بفضل علمه فاستنفعوا فذلكم الذي لايخيب له طلبة و لاترد له دعوة فاجعلوه شفيعا بينكم الي ربكم و وسيلة اليه فانه سبيل الله في الارض اللهم اجعلنا ممن يتقرب بامثالهم اليك و يتوسل بهم اليك و ثبتنا علي ولايتهم و احشرنا معهم آمين يا رب العالمين و اين اولئك و كم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 497 *»

اولئك اولئك الاقلون عددا الاعظمون خطرا صحبوا الدنيا باجسامهم و ارواحهم معلقة بالملأ الاعلي هاه هاه شوقا الي لقائهم و هم صلوات الله عليهم

قوم فعلوا خيرا فعلوا

و علي درج العليا درجوا

صحبوا الدنيا بجسومهم

و اليه بانفسهم عرجوا

دخلوا فقراء الي الدنيا

و كما دخلوا منها خرجوا

و لاتحسب ان الارض تخلوا من امثالهم ففي الخصال بسنده الي خالد بن نجيح عن احدهما8 قال ليس تخلو الارض من اربعة من المؤمنين و قد يكونون اكثر و لايكون اقل من اربعة و ذلك ان الفسطاط لايقوم الا باربعة اطناب و العمود في وسطه انتهي و العمود هو الغوث الاعظم و السناد الافخم روحي له الفداء و لاعجب ان لم‌يعرفه الانعام

فلله تحت قباب الارض طائفة

اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

فلنكتف بما ذكرنا،

فدع عنك ذكر العامرية انني

اغار عليها من فم المتكلم

قال ايده الله المسألة السابعة ما البرهان علي عموم نبوة موسي و عيسي و محمد صلي الله عليهم مع ان العقل لايمنع كون كل واحد منهم نبيا علي من لم‌يؤمن بالنبي السابق او يقال بعموم نبوته و تخصيص شريعته بمن لم‌يتشرع بشريعة النبي السابق كما سمعت من بعض علماء اليهود فانه صدق نبوة نبينا6 و قال ان شريعته لكم لا لنا و ما الحجة علي عموم نبوتهم و شريعتهم من العقل و محكم الكتاب و دلالة ليظهره علي الدين كله و ما ارسلناك الا كافة للناس علي العموم الحكمي الملكي مسلم و علي العموم الشريعي ممنوع.

اقول هذه المسألة اوضح الاشياء برهانا فان الخصم اما ان لايصدق نبوة هؤلاء مطلقا او يسلم في الجملة فان كان ينكر نبوتهم مطلقا فنثبت لهم نبوة هؤلاء سلام الله عليهم اولا و الاشارة الي اثبات نبوتهم وجود هذه الاشخاص في اعصارهم علي القطع و ادعائهم النبوة علي اليقين و ظهور خوارق العادات منهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 498 *»

علي اليقين للتواتر الموجود في اممهم و اجماعهم علي ذلك و اجماعهم حجة قطعا لانه يفيد القطع قهرا كالقطع بوجود الهند بسبب تواتر الخبر بلا نكير و قد جاؤا في زمان يمكن اتيان الانبياء و ادعوا النبوة و اتوا بالحجة و لم‌يبطل الله سبحانه امرهم بل قررهم علي دعواهم فهم انبياء معصومون مطهرون و لسنا بصدد تفصيل ذلك لانه لم‌يكن في اصل السؤال طلب اثبات نبوتهم فان اقر بنبوتهم و عصمتهم و صدقهم فيقف ذلك موقف دعويهم فان قالوا بخصوص بعثتهم و شريعتهم يتبع و ان قالوا بعمومهما يتبع  و ليس لاحد انكار اقوالهم بعد الاقرار بنبوتهم و اما ذلك اليهودي الذي صدق بنبوة النبي و انكر عموم شريعته عليهم و لزوم اتباعهم شريعته فذلك مكر مكركم به فانه ان كان مقرا بنبوته فيلزمه الاقرار باقواله و افعاله فهل نسي ذلك  اليهودي غزواته7 مع اليهود في المواقف و المشاهد و هل نسي قتله اياهم و سبيه لهم و نهبه اموالهم و نفيهم من البلاد فان لم‌يكن مبعوثا علي الكل و لم‌يلزمهم اتباع امره و الدخول في دينه فلم‌جاهدهم و هل نسي افواج اليهود الذين آمنوا به9 فلو كان الواجب عليهم ترك الدخول في دينه فلم لم‌ينههم عن الدخول بل جاهدهم حتي يؤمنوا او يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون و اي مسألة‌ اظهر من هذه المسألة و قد اوصي بهم موسي ان يؤمنوا بالنبي9 و جميع انبياء بني اسرائيل و كانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به لعنهم الله و هل نسوا ارادة مباهلة النبي9 معهم و فرارهم منها و في القرآن من الاي علي توبيخهم و تبكيتهم ما لايحصي فراجع و منها قوله تعالي يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم و اوفوا بعهدي اوف بعهدكم و اياي فارهبون و امنوا بما انزلت مصدقا لما معكم و لاتكونوا اول كافر به و لاتشتروا بآياتي ثمنا قليلا و اياي فاتقون و لاتلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و انتم تعلمون و اقيموا الصلوة و اتوا الزكوة و اركعوا مع الراكعين الايات و هي كثيرة ماشاء الله فراجع فان كان ذلك اليهودي مقرا بنبوته و يقول ان كتابه و شريعته حق ولكن لكم ففي كتابه هكذا و ان لم‌يقر اصلا فنثبت نبوته بكل ما يثبت نبوة موسي7 و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 499 *»

اما قولكم او يقال بعموم نبوته و تخصيص شريعته فذلك قول لم‌يقل به احد فان اقسام الانبياء اربعة منهم من كان نبيا علي نفسه و لم‌يكن مبعوثا علي غيره و منهم من كان نبيا مبعوثا علي غيره ولكن عليه امام و هو عامل بشريعة ذلك الامام مثل لوط حيث كان نبيا علي قومه و عليه امام و هو ابرهيم و منهم من هو نبي مبعوث علي قوم خاص ولكن شريعته عامة في جميع العالم و كل نبي مبعوث في عصره او بعده الي مجيء ناسخ آخر عامل بشريعته و ذلك كابرهيم و موسي و عيسي فانهم بعثوا الي قوم خاص ولكن شريعتهم عامة و منهم من هو نبي مبعوث علي الكل و شريعته عامة للكل كنوح و نبينا صلي الله عليه و آله و علي نوح في العالمين و اما ان يكون النبي بعثته عامة و لم‌يكن شريعته عامة فلم‌يكن و لم‌يعقل ان يأتي نبي و يكون الواجب علي كل الناس الاقرار بنبوته و لايكون الاخذ بقوله واجبا اذ هذه البعثة تكون لغوا و عبثا و العبث لايصدر من الحكيم و لا فائدة في ذلك لاسيما ان ذلك قول مفروغ عنه فانه ان جاء نبي و ثبت نبوته و آمنا به و صدقناه هو بنفسه يخبرنا عن تكليفنا و يجب تصديقنا له فلاحاجة الي هذا الشك و الشبهة فالبرهان علي عموم نبوة موسي و عيسي و محمد9 دعويهم و امرهم الناس بذلك و اما الدليل العقلي المحض علي نبوتهم الخاصة بالقابهم و صفاتهم و اعصارهم فمما يطول بيانه و ليس لي و لكم الفرصة و الا كان يمكن الاستدلال من الحكمة علي ذلك كما تصدي سيدنا المرحوم في اثبات النبوة الخاصة و اثبت الاسم و الرسم و العصر بل الاب و الام و العم و ابن العم و الولد و غير ذلك و كتابه موجود عند الاصحاب و انتم مستعجلون و الا كان يمكن الاستدلال علي الجميع و يكفي ما ذكرنا لافادة اليقين ان شاء الله تعالي و هو ايضا دليل عقلي شرعي و مثل ذلك احسن و آ‌من فافهم و اما من الكتاب فقوله تعالي تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا فهو نذير لجميع العوالم بفرقانه و يجب عليهم الاخذ به و بانضمام

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 500 *»

ذلك قوله و ما ارسلناك الا كافة للناس و قد ذكر ان الرسول من غير شرع لغو و عبث و فائدته اتمام الحجة كماقال تعالي و ما كنا معذبين حتي نبعث رسولا و قوله ليظهره علي الدين كله و الدين هو الشرع و ظهوره علي الدين غلبته عليه و نفيه اياه و الاية في الشرع اظهر منه في الملك و انكار ذلك انكار الوجدان بل الاية بحسب ظاهر التخاطب نص في الشرع فان الدين هو الاخذ باقوال النبي من امره و نهيه و التأسي بافعاله و اظهر من ذلك كله قوله تعالي قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السموات و الارض لا اله الا هو يحيي و يميت فامنوا بالله و رسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله و كلماته و اتبعوه لعلكم تهتدون الي غير ذلك من الايات و انكار عموم دعوته انكار البديهية من الاسلام و لايتفوه به احد.

قال سلمه الله المسألة الثامنة بينوا معني الحديث القدسي ماترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و انا اكره مساءته كيف يتصور التردد لله في الفعل مع انه لايفكر و لايهم؟

اقول جواب هذا الخبر ايضا ظاهر والله سبحانه لايفكر و لايهم ولكن لما كان الله سبحانه يحب المؤمن لانه من شعاع الحبيث و نوره و مثاله و كل شيء من الحبيب حبيب و لانه تنزل المعرفة المحبوبة لله في قوله احببت ان اعرف و هي آية الله و نور الله و وجه الله و صفة الله و مثال الله العليا و كلمته النعمي فيكون محبوبا لله سبحانه و الله سبحانه يكره مساءته لان الحبيب لايرضي بمساءة الحبيب و مساءته مساءته و لايرضي بمساءة نفسه ابدا و المؤمن ايضا يكره الموت لا لاجل لقاء الله بل لاجل خوف المطلع و كراهته ان يلقي الله و عليه وسخ الذنوب او يكون عليه قذر من المكاره فيكره الموت والله سبحانه ايضا يكره مساءة العبد المؤمن اي هو ايضا لايحب ان يلقاه المؤمن هكذا فيردده من حال الي حال و من محنة الي محنة و من هم الي هم و من سقم الي سقم و من فقر الي فقر الحاصل يقلبه في الحالات

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 501 *»

حتي يشنأ الدنيا و المقام فيها فيشتاق الي لقاء الله فيقبض روحه سعيدا و هذا معني تردد الله في قبض روح عبده المؤمن و معناه ان الله سبحانه يعامله معاملة المتردد في فعله مثل قوله نسوا الله فنسيهم يعني يعاملهم معاملة من نسي احدا فلايذكره بالفيوضات و الامداد و الخيرات فالله سبحانه يعامل العبد معاملة المتردد.

و معني آخر ان التردد هو صفة فعل و فعل الله سبحانه انما يجري علي حسب القوابل فان اقتضي القابل شيئا يفيض الله سبحانه عليه ما اقتضاه و ان حدث له مانع امسك الله فاذا اقتضي ثانيا افاض فان حدث ثانيا مانع امسك و هكذا كالطبيب المعالج للمريض المراقب له فان غلبه الصفراء عالجه بالبرودة ثم ان غلب عليه بعد ذلك البلغم عالجه بالسخونة ثم ان غلبه الرطوبة عالجه بالتجفيف ثم ان غلبه بعد ذلك اليبوسة عالجه بالترطيب و هكذا يعالجه علي حسب انقلابات طبيعته فكذلك الله سبحانه يعامل العبد علي حسب قابليته و ان الله سبحانه يقول في كتابه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم فتفكر في نفسك و انظر سبب ترددك و هو شيء و هو فعلك فانك ان رأيت زيدا مائلا الي الحق عزمت علي هدايته و قبل ان تهديه يظهر منه عدم اقبال فتفسخ العزم ثم تري منه اقبالا فتعزم ثم يمنعه عنه مانع فتفسخ ثم يرتفع المانع فتعزم ثم يسافر فتفسخ و هكذا تعامله بحسب المقتضي و المانع و كذلك الله ربنا يعامل العبد علي حسب قابليته فمرة يتوجه العبد الي فيض الله سبحانه فيشتاق الي الموت و الي لقاء الله فالله سبحانه يريد قبض روحه لانه اراد لقاء الله فمرة يتوجه العبد الي خطاياه فيكره لقاء الله و هو كذلك فيكره الله مساءته و قد يصعب الدنيا علي المؤمن فيشتاق الي الموت و الجنة فيريد الله قبض روحه و قد يلتفت الي ان البقاء في الدنيا و كثرة العبادة و احتمال الاذي و الصبر احسن فيميل الي البقاء فيبدو لله سبحانه علي حسب ارادة المؤمن فهذا هو التردد الحقيقي لله سبحانه و هذا هو معني البداء فان البداء هو ايضا نوع تردد فافهم ذلك و كن لله من الشاكرين و قل الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله و الحمد لله رب العالمين.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 502 *»

قال سلمه الله المسألة التاسعة ما الدليل علي اختلاف درجات سير الشمس في البروج بكونها تسعة و عشرين و ثلثين و احدي و ثلثين و اثنتي و ثلثين؟

اقول يريد وجه لبث الشمس في الجوزا اثنين و ثلثين يوما و في الحمل و الثور و السرطان و الاسد و السنبلة احدا و ثلثين يوما و في الميزان و العقرب و الدلو و الحوت ثلثين يوما و في القوس و الجدي تسعة و عشرين يوما علي المشهور و لم‌ هي تلبث في برج واحد اثنين و ثلثين و في خمسة بروج احدا و ثلثين و في اربعة بروج ثلثين و في برجين تسعة و عشرين و لبثها في الكل ثلث مأة و خمسة و ستون يوما و ربع يوم اعلم ان وجه ذلك بحسب علم الهيئة ظاهر فانه قد ثبت في الحكمة الطبيعية ان الافلاك بسيطة يعني متشاكلة الاجزاء ليس في اجزاء كل فلك اختلاف بحسب الطبع فحركات كل فلك متناسبة متشابهة حول مركزه فلما تقرر هذا بالدليل الطبيعي وجدوا في الرصد حسا اختلاف حركات في الشمس و غيرها من القرب من مركز العالم و البعد منه و من السرعة و البطؤ في البروج مع ان اطوالها متساوية بحسب القسمة و حركة الشمس متساوية بحسب ما يقتضيه الطبيعة فعلموا ان هنالك افلاك متعددة يكون حركات الكل متشابهة حول مراكزها ولكن من اجتماع الكل يحصل هذه الاختلافات فاثبتوا للشمس فلكا يكون مركزه غير مركز العالم يكون متشابهة الحركة حول مركزه فيكون غاية قربها من الارض حين تكون مسامتة لمركز العالم من جهة الاقرب و هي خلاف جهة مركز فلكها و يكون غاية بعدها من الارض حين تكون في جهة مركز فلكها و سموا غاية البعد بالاوج و غاية القرب بالحضيض ثم رأي المتأخرون ان الاوج يختلف تحاذيها مع البروج و ينتقل فيها علي التوالي فاثبتوا لذلك فلكا آخر سموه الممثل و سموه بذلك لانه علي مثال فلك البروج و يكون منطقته محاذية لمنطقته و حركته الذاتية مشابهة لحركته و يكون الفلك الاول في ثخن الفلك الممثل لئلا يلزم الخلاء فيما بين فلك الشمس و مافوقه و ما تحته و اما المتقدمون فلم يتفطنوا بحركة الاوج كما لم‌يتفطنوا بحركة الثوابت فاثبتوا الممثل لمحض سد الخلاء و لم‌يقولوا بالحركة الذاتية للممثل كما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 503 *»

لم‌يقولوا بالحركة الذاتية لفلك البروج و بعد زمان طويل تبين حركتهما بالجملة للشمس فلكان الفلك الممثل و مركزه مركز العالم علي توازي الفلك التاسع و الثامن و ينقسم بالبروج الاثناعشر علي موازاة فلك البروج اثنتي عشرة قسمة متساوية و منطقته موازية لمنطقة البروج و الفلك الخارج المركز و هو في ثخن الفلك الممثل و ثخنه اقل من ثخن الممثل و يكون بحيث يماس محدبه محدب الممثل في نقطة و هي المسماة بالاوج و مقعره يماس مقعر الممثل في نقطة شمس بالحضيض و مثالهما هكذا@شکل ص252@ فيحدث في جوف الفلك الخارج المركز و في خارجه شكلان نعليان مستديران يسمي الخارج بالحاوي و الداخل بالمحوي و لماكان قسمة البروج علي الفلك الثامن و الممثل مواز له فينقسم ايضا كالفلك الثامن باثنتي عشرة قسمة متساوية و لماكان الخارج المركز في ثخن الممثل فينقسم هو ايضا باثنتي عشرة قسمة لكن غير متساوية لاختلاف المركزين فما وقع من الفلك الخارج اقرب الي مركز الممثل المقسم بقسم متساوية يكون قوسه اقصر و ما وقع منه اقرب الي المحيط يكون قوسه اطول لان وتر المثلث في انفراج واحد كلما يكون ضلعاه اطول يكون اطول و كلما كان اقصر كان وتره اقصر فيكون القسي القريبة الي جانب الاوج من الفلك الخارج المركز اكبر و القريبة الي جانب الحضيض اصغر لامحة و هي من الممثل متساوية فيكون من جانب الاوج لقسي الممثل فضل قليل علي قسي الخارج المركز و من جانب الحضيض فضل كثير لصغر القسي من جانب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 504 *»

الحضيض و كبرها من جانب الاوج و الشمس متحركة بحركة الخارج المركز حركة متشابهة فتقطع القوس الاصغر في زمان اقل من قطعها القوس الاکبر لامحة و يقطع القوس الاکبر في زمان اطول من قطعها القوس الاصغر لتشابه الحركة و اختلاف القوسين مثال ذلك فيكون قسي الخارج المركز اصغر من قسي الممثل و قسيه في نفسها بعضها اصغر من بعض لامحة و الشمس تسير بحركة الخارج المركز فتقطع القوس الاصغر اسرع من قطعها القوس الاكبر و قسيه مما يلي الاوج اكبر و ممايلي الحضيض اصغر فلذلك صارت تقطع ستة من البروج في زمان اكثر لكبر قسيها و ستة في زمان اقل لصغر قسيها و من هذه الستة يقطع برجين من جانبي الحضيض في زمان اقل من الاربعة لان قسيها بالنسبة اكبر و كذلك تقطع برجين مما يلي الاوج في زمان اكثر مما يقطع الاربعة لان قسيهما اكبر بالنسبة ففي قولهم ان الشمس تقطع الجوزا في اثنين و ثلثين يوما تسامح فان الشمس تقطع الدورة في ثلث ‌مأة و خمسة و ستين يوما و ربع يوم ففي الحقيقة طرفي الاوج علي السواء لتشابه الحركة للشمس و تساوي القسمة في الممثل و عدم تفاوت طرفي الاوج من الخارج و كذلك تسامحوا في ساير البروج و الا ينقص زمان القطع متدرجا من الاوج الي الحضيض و يتزايد متدرجا من الحضيض الي الاوج كما بينا لك حقيقة الامر ثم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 505 *»

اعلم ان القدماء لم‌يتفطنوا بحركة الممثل فلم يقولوا بحركة الاوج و قالوا ان ثمرة فرض الممثل محض سد الخلاء فعندهم يكون الاوج دائما في مكان واحد من البروج و الحضيض دائما في مكان واحد فلم يختلف سير الشمس في البروج  ابدا لعدم تخلف كل واحد من الاوج و الحضيض عن مكانه و اما علي مذهب المتأخرين فان للممثل حركة ذاتية كما ان لفلك البروج حركة ذاتية و علي زعمهم انه يقطع في كل سبعين سنة درجة و علي ما عندنا يقطع كل درجة في ثلث و ثمانين سنة و اربعة اشهر و هكذا يتحرك الممثل بالحركة الذاتية و يتحرك معه الخارج المركز ايضا بالتبع و له حركة نفسه و لابد من ان يتحرك الممثل بالخارج المركز لئلا يلزم الخرق و الالتيام فللخارج المركز حركتان حركة ذاتية يقطع الدورة في ثلث مأة و خمسة و ستين يوما و ربع و حركة تبعية للممثل يقطع دورة بتلك الحركة لولا حركته الخاصة بثلثين الف سنة فهو يسير بقوتين و يتحرك الممثل بحركته الخاصة مع الخارج المركز فلاخرق و لا التيام و علي رأي المتقدمين عينوا ايام سير الشمس في البروج فقالوا ما قدمناه اولا في صدر الجواب و علي طريقة المتأخرين و هو الحق يتحرك الاوج و ينتقل في البروج فربما ينتهي الي ان يكون السير اي سير الشمس في القوس اثنين و ثلثين يوما مع انه يوم رصدوا كان فيه تسعة و عشرين يوما و اما سبب نفس اختلاف ايام سير الشمس في البروج فقد ذكرنا و اما الخصوصيات فعلي مذهب المتقدمين و لانقول به فافهم و اما في الحكمة الالهية فعلة اختلاف ذلك انقلاب الزمان و تغير البلاد و من عليها و عدم تحمل الزمان تساوي الحركات و الاعتدال التام فدنت مرة و بعدت مرة فكل ما بعد البرج عن مركز العالم صار اشبه بالبروج الغيبية و صار ابسط و اطول و اكبر و كلما دني من مركز العالم جمد و كثف و صغر و الشمس تسير سيرا واحدا و يظهر لبثه في الاكبر اكثر و في الاصغر اقل و ليس هذا الاختلاف من جانب الشمس و لا من نفس البروج بل في ظهورها و الا يتقلب الشمس في جميعها علي السواء و البروج هم الساجدون تحت عظمة عرش الله سبحانه و الشمس يتقلب فيها و كل شهر ينزل في واحد منها و ان عدة الشهور عند

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 506 *»

الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الارض و لكل برج ثلثون درجة و مجموعها ثلث مأة و ستون درجة كما قال سبحانه رفيع الدرجات و رفيع قواه ثلث مأة و ستون و الشمس تقطعها في ثلث مأة و خمسة و ستون يوما فتبطي فيها خمسة ايام لالقاء مقامات التوحيد و اسرار التفريد و نضج العالم به و لو كانت سريعة كالقمر لم‌يحصل الانتضاج للعالم و لم‌يعرف احد منها شيئا من اسرار التوحيد و انوار التفريد و لان الشمس و ان كانت حقيقتها مادة و القمر حقيقتها صورة الا ان الشمس لبست الصورة و وقفت في مقامها و القمر تشبث بالمادة و ظهر بها فلذلك انثت الشمس و ذكر القمر فانقلب الامر فكانت الشمس اما و القمر ابا فمن جهة ظهورها بالامومة ظهرت بالبطؤ و السكون لحضانة الاولاد و من جهة ظهوره بالابوة ظهر بالسرعة و الانتقال سريعا و صار التفاوت بينهما احدعشر يوما و شيئا لان القمر صار يحكي حقيقة الولاية الكلية و هي مقام العقل و الشمس صارت تحكي مقام الظاهر و بينهما احدعشر مقاما و هو العقل و الروح و النفس و الطبع و الهباء و المثال و الجسم و العرش و فلك البروج و فلك المنازل و الكرسي فلذلك صار القمر يسرع و الشمس تبطي و نحن قد فصلنا ذلك في رسالة الحاج الملاعبدالكريم الكوه‌بناني في عدد الشهور و ليس لكم الان مجال ازيد من ذلك و لا لي اقبال فان شئتم فراجعوا هنالك و ان كنا اشرنا هنا ايضا الي تمام ما ينبغي لمن عرف اللسان و الله المستعان.

قال سلمه الله المسألة العاشرة كيف يمكن تخلف الامر عن المشية و النهي عن عدم المشية الظاهر من الخبر المروي في الكافي من امر ابليس لعنه الله بالسجود و نهي آدم عن اكل الشجرة هـ .

اقول اشار بالخبر المروي في الكافي ما رواه بسنده الي الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي‌الحسن7 قال ان لله ارادتين و مشيتين ارادة حتم وارادة عزم ينهي و هو يشاء و يأمر و هو لايشاء او ما رأيت انه نهي آدم و زوجته ان يأكلا من الشجرة و شاء ذلك و لو لم‌يشاء ان يأكلا لما غلبت شهوتهما مشية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 507 *»

 الله تعالي و امر ابرهيم ان يذبح اسحق و لم‌يشاء ان يذبحه و لو شاء لماغلب مشية ابرهيم مشية الله و ما رواه بسنده الي عبدالله بن سنان عن ابي‌عبدالله7 قال سمعته يقول امر الله و لم يشأ و شاء و لم‌يأمر امر ابليس ان يسجد لادم و شاء ان لايسجد و لو شاء لسجد و نهي آدم عن اكل الشجرة و شاء ان يأكل منها و لو لم‌يشأ لم‌يأكل انتهي و تحقيق هذا المقام علي سبيل اجمال الكلام ان للمشية في اخبار اهل البيت: اطلاقان فمرة يقال المشية و يراد منها المحبة و الرضا و مرة يقال المشية و يراد منها محض الايجاد و التكوين علي حسب القابلية و الاستعداد في المكون و ان لم‌يرض به و لم‌يحبه و ذلك لان كل ماسوي الله حادث و كل حادث مخلوق له سبحانه اذ لا خالق دونه قال الله سبحانه قل الله خالق كل شيء فجميع الذوات و الصفات و الافعال و الاشباح و الامثال مخلوقة له سبحانه خلقه بمشيته قال الصادق7 ما من شيء في الارض و لا في السماء الا بهذه الخصال السبع بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و كتاب و اجل فمن زعم انه يقدر علي نقض واحدة فقد كفر و قال خلقت الاشياء بالمشية و خلقت المشية بنفسها و الاشياء جمع محلي بالالف و اللام يفيد العموم فكل شيء من خير او شر او طاعة او معصية مخلوق لله سبحانه و  من زعم غير ذلك فقد اشرك بالله سبحانه و كذب بالكتاب و السنة قال الله سبحانه انا كل شيء خلقناه بقدر و  ما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر الا انه سبحانه لا اقتضاء للايجاد من نفسه و انما يشاء و يريد و يقدر و يقضي علي حسب القوابل و الاستعدادات قال تعالي قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فانزل من سماء مشيته ماء فسالت اودية بقدرها،

كقطر الماء في الاصداف در

و في فم الافاعي كان سما

فالله سبحانه يحكم بجوده و كرمه و اتماما للحجة لكل سائل ما سأل سواء سأل الخير او الشر ولكن الله لايرضي لعباده الكفر و ان تشكروا يرضه لكم فيحكم و لايحب و يمنع و يحب يحكم لسائل الشر علي حسب سؤاله بالشر و لايحب له الشر فانه البر الرؤف و يمنع الخير عمن لم‌يطلبه و هو يحب ان يسأل فيعطيه و ليس

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 508 *»

اذا لم‌يحب له الشر يقطع عنه ما سأل فانه خلاف الجود فيعطي بجوده و لايحب بعطفه و يمنع بجوده و يحب بعطفه فالعطاء‌ مع عدم الرضا خذلان و استدراج و  المنع مع المحبة اعراض و تخلية و لاتنافي بينهما فنهي آدم عن اكل الشجرة عطفا و رحمة حيث دله علي ما يضره ابقاء له و لم‌يكن هذا النهي نهي حتمي ايجادي و لم‌يحتم الله في الايجاد عدم قربه منها اي لم‌يوجد عدم قربه منها و لو حتم ذلك لما استطاع آدم ان يوجد القرب من دون الله بل اوجد الله القرب لما اراد آدم القرب و هو معني شاء ان يأكل اي اوجد له القرب و الاكل علي حسب هواه و هذه المشية ايضا مشية تقدير مشروطة و ليست بمشية حتم في الايجاد غير مقيد بشرط و لو كان كذلك لم‌يكن للنهي معني فهذه المشية جرت علي حسب هوا آدم و لو لم‌يهو لم‌يتعلق المشية باكله و لم‌توجد له القرب و الاكل و لو لم‌تتعلق لم‌يقدر آدم ان يأكل فانه ليس له من الامر شيء مع الله و من دون الله فنهاه عطفا و هداية و شاء علي حسب اقتضاه ان يأكل و كذلك امر ابليس بالسجود هداية و اتماما للحجة ولم‌يشأ ان يسجد اي لم‌يوجد له سجودا لانه لم‌يرد السجود و لو حتم السجود و اوجده في الكون لما استطاع ان لايسجد بعد ان اوجد له فكانت المشية مشروطة بهويه و امره من جهة اتمام الحجة و الهداية فالمشية التابعة للقوابل مشية عزم لا حتم و اما المشية الحتمية فمضروب دون فهمها حجب الغيوب و لايطلع عليها الا اهلها و لايمكن تفصيل القول فيها و ليس هيهنا محل ذكرها لانها لم‌تكن في موضع السؤال و المشية العزمية لاتنافي الامر و النهي الشرعي فان الامر و النهي شرعيان يأمر الشارع و ينهي فايما اختار المكلف و هوي من امتثال او ترك يوجده الشارع له بمشيته العزمية او نقول ان المشية العزمية هي الامر و النهي فان العزم يطلق علي الالزام و الايجاب كقوله تعالي فاذا عزمت فتوكل علي الله علي القراءة بصيغة المتكلم بضم التاء و كما روي ان الله يحب ان يؤخذ برخصه كمايحب ان يؤخذ بعزائمه فالمشية العزمية هي الامر و النهي و الحتمية هي التي حتمه الله سبحانه علي حسب سابق علمه بالشيء و علمه اولي بحقيقة التصديق و لاتنافي بين المشيتين فانه علم انهم آخذون او تاركون فشاء لهم علي حسب علمه بهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 509 *»

فكتب عليهم محتوما لايتخلف لانه علمه مطابق للواقع و ليس هنا محل ازيد من ذلك لضيق المجال و كثرة ‌الاستعجال فتبين بقدر ما يحصل اليقين بعدم التنافي و الحمد لله.

قال سلمه الله المسألة الحادية‌عشرة كيف خلق الله الذرات هل خلقها متساوية في الشعور و النور ام متفاوتة و علي الاول كيف اختلفت في سرعة الاجابة و بطؤها و الانكار و علي الثاني كيف يمكن للذر القليل الشعور و النور موافقته مع الذر الكثير الشعور و النور و هل الحقيقة المحمدية صلوات الله عليها كساير الذرات ام لا و علي الاول ما معني تقدم انوارهم علي جميع الانوار و الاشباح و الذرات بالوف من السنين الدهرية كما يظهر من الاخبار و علي الثاني ما معني قوله6 لاني اول من اجاب في الذر؟

اقول اعلم ان الله سبحانه كان اذ لا كان فلما اراد بدو الخلقة اوجد ماء و هو اول ما خلق و منه كل شيء حي و هو نور متشاكل الاجزاء سيال فاجراه علي ارض القوابل الامكانية العلمية فانبت خلقه من تلك الارض و هو قوله سبحانه و الله انبتكم من الارض نباتا و لم‌يكن اختلاف في ذلك الماء النازل من سماء مشيته سبحانه و حصلت الاختلاف من ارض الامكان في قوابلها و ذلك الماء هو المعبر عنه بقوله الست بربكم فمن القوابل من اسرع في الجواب و نبت اولا و نجم من ارض الامكان قبل و منهم من تأخر كما اريك الله سبحانه من آياته في هذا العالم من نزول المطر و نجم نبات قبل نبات و بعد نبات علي حسب استعداد الاراضي و انت تعلم ان الله سبحانه عليم بكل شيء قبل ان يوجد شيئا فانبت من تلك الارض علي حسب علمه بالقوابل و علمه اولي بحقيقة التصديق و تلك النباتات هم الذر المبثوثة بين يديه سبحانه و هم مختلف الشعور و النور لاختلاف قوابلهم و اختلفوا في الاجابة علي حسب اختلاف قوابلهم و انياتهم و الا فالذي من عند الله ليس فيه اختلاف فانه واحد نزل من عند الواحد قال الله سبحانه و لو كان من عند

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 510 *»

 غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فاثبتت الاية ان ما من عند الله ليس فيه اختلاف و ما من عند العباد فيه اختلاف فالماء النازل من عند الله و القوابل من عند العباد فجميع الاختلافات فيها و لو لم‌يكن فيها اختلاف لم‌يختلفوا في الاجابة و هو قوله سبحانه كان الناس امة واحدة يعني في الماء الي ان قال فما اختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم و ان الله لايظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون و قد نطقت بذلك اخبار منها ما رواه في الكافي بسنده الي حبيب السجستاني قال سمعت اباجعفر7 يقول ان الله عزوجل لمااخرج ذرية آدم الي ان قال قال آدم يا رب فما لي اري بعض الذر اعظم من بعض و بعضهم له نور كثير و بعضهم له نور قليل و بعضهم ليس له نور فقال الله جل و عز كذلك خلقتهم لابلوهم في كل حالاتهم قال آدم7 يا رب فتأذن لي في الكلام فاتكلم قال الله جل و عز تكلم فان روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي قال آدم يا رب فلو كنت خلقتهم علي مثال واحد و قدر واحد و طبيعة واحدة و جبلة واحدة و الوان واحدة و اعمار واحدة و ارزاق سواء لم‌يبغ بعضهم علي بعض و لم‌يكن بينهم تحاسد و لا تباغض و لا اختلاف في شيء من الاشياء قال الله تعالي يا آدم بروحي نطقت و بضعف قوتك تكلفت ما لا علم لك به و انا الخالق العليم بعلمي خالفت بين خلقهم و بمشيتي يمضي فيهم امري و الي تدبيري تقديري صائرون لا تبديل لخلقي و انما خلقت الجن و الانس ليعبدوني و خلقت الجنة لمن عبدني و اطاعني منهم و اتبع رسلي و لا ابالي و خلقت النار لمن كفر بي و عصاني و لم‌يتبع رسلي و لا ابالي و خلقتك و خلقت ذريتك من غير فاقة بي اليك و اليهم و انما خلقتك و خلقتهم لابلوك و ابلوهم ايكم احسن عملا في دار الدنيا في حيوتكم و قبل مماتكم فلذلك خلقت الدنيا و الاخرة و الحيوة و الموت و الطاعة و المعصية و الجنة و النار و كذلك اردت في تقديري و تدبيري و بعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم و اجسامهم و الوانهم و اعمارهم و ارزاقهم و طاعتهم و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 511 *»

 معصيتهم فجعلت منهم الشقي و السعيد و البصير و الاعمي و القصير و الطويل و الجميل و الذميم و العالم و الجاهل و الغني و الفقير و المطيع و العاصي و الصحيح و السقيم و من به الزمانة و من لا عاهة ‌به الي ان قال فلذلك خلقتهم لابلوهم في السراء و الضراء و فيما اعافيهم و فيما ابتليهم و فيما اعطيهم و فيما امنعهم و انا الله الملك القادر و لي ان امضي جميع ما قدرت علي ما دبرت و لي ان اغير من ذلك ما شئت الي ما شئت و اقدم من ذلك ما اخرت و اؤخر من ذلك ما قدمت و انا الله الفعال لما اريد لا اسأل عما افعل و انا اسأل خلقي عما هم فاعلون انتهي تدبر في هذا الحديث الشريف و افهم تصديق ما قدمنا و اعلم ان الله سبحانه خالف بين الذر علي حسب سابق علمه فيهم فانه يعلم قبل الايجاد كل شيء ان لو كان كيف يكون فاوجده علي حسب علمه به و لو لم‌يوجده لم‌يكن و لو اوجده علي خلاف علمه لكان علمه جهلا و لكان خالقا علي حسب شهوة نفسه دون خلقه و هو لا شهوة له و اذا لم‌يكن كل شيء هو ذلك الشيء اذ خلقه علي غير ما هو عليه و سبحانه و تعالي عن ذلك علوا كبيرا فشاء علي حسب علمه و علم الواقع من القوابل و الاقتضاءات و هو قادر علي خلاف ما شاء كيف شاء الا انه سبحانه عدل يجري الايجاد علي حسب المقتضيات و لاتقل ان القوابل لم‌تكن فكيف خلق الله علي حسب القوابل فانا قد قدمنا ان القوابل و ان لم‌تكن لكن علمه بالقوابل الاتية قد كان و علمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها فشاء كما علم و اراد كما شاء و اوجد ذلك الماء اولا ثم اوجد القوابل بذلك الماء و هما في الرتبة كالكسر و الانكسار لم‌يتقدم احدهما علي الاخر و قد حققنا و فصلنا هذا المطلب في الرسالة النائينية فان شئت تفصيله فاطلبها و ليس لك الان مجال و لا لي اقبال فاذا عرفت ان القوابل بنفسها اختلفت و ليس الاختلاف من عند الله سبحانه لانه واحد و ليس فيه اقتضاءات و لا طبايع مختلفة فلها ما كسبت و عليها ما اكتسبت فاختلافهم في سرعة القبول و بطئه منهم و قولك كيف يمكن للذر القليل الشعور نعم لايمكنه حين ما اختار غير ما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 512 *»

اختار و لما صار باختيارة قليل الشعور عربی جري عليه جزاء عمله حكما من الله سبحانه ليجزي الذين اساؤا بما عملوا و يجزي الذين احسنوا بالحسني و مهما اصابك من هذه المسألة شبهة فتذكر صدق الانبياء في الوعد و الوعيد و تذكر عدل الله الذي لايجور فانه قوي و انما يحتاج الي الظلم الضعيف الذي لايقدر علي اجراء مطلوبه بالعدل فاعلم ان المقتضي للثواب و العقاب من نفس العباد و ليس الله بظلام للعبيد غاية الامر انك لاتفهم كيفية الخلق فذرها في سنبلها حتي توفق لذلك فكم من شيء تعلم وجوده و لاتعلم كيفيته كما انك تعلم ان الاكسير موجود و لاتعلم كيفية صنعته وليكن هذا من ذاك و اياك ان تتكلف فهم هذه المسألة فانه بحر عميق و طريق سحيق فذلك بحر ضل فيه السوابح و اما قولك و هل الحقيقة المحمدية الي آخره فاعلم ان عوالم الذر للمؤمنين اثنان و ثلثون اربعة منها مخصوصة بمحمد و آل محمد: لم‌يشاركهم فيها احد و لم‌يكن معهم غيرهم و تلك العوالم كانت متقدمة علي ساير الموجودات و كانت حيث لم‌تكن سماء مبنية و لا ارض مدحية و آخر تلك العوالم كانت متقدمة علي ساير الموجودات بالف الف دهر كل دهر مأة الف سنة كل سنة مأة الف شهر كل شهر مأة الف اسبوع كل اسبوع مأة الف يوم كل يوم مأة الف ساعة كل ساعة كالف سنة مما تعدون و اربعة منها مخصوصة بالانبياء لم‌يكن معهم غيرهم من ساير من دونهم الا محمد و آل: فانهم نزلوا الي تلك الاربعة العوالم و قاموا معهم في صفوفهم و لماقال الله لهم الست بربكم قد سبقهم الي الاجابة محمد و آل محمد: ثم اجاب اولوا العزم ثم اجاب المرسلون ثم اجاب الاوصياء المقربون و اربعة منها مخصوصة بمؤمني الانس و قد انزل الله سبحانه الانبياء الي تلك العوالم لانذارهم و انزل محمدا و آل محمد: معهم ثم سألهم بلسانه الواقف بين ظهرانيهم و قال الست بربكم فسبق الي الاجابة محمد و آل محمد: كما سبقوا في ساير العوالم ثم لحقهم الانبياء اولوا العزم منهم ثم لحقهم المرسلون ثم ساير الانبياء ثم الاوصياء ثم لحقهم النقباء الكليون ثم النجباء الكليون ثم النقباء الجزئيون ثم النجباء

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 513 *»

الجزئيون ثم العلماء العاملون ثم المتبعون المسلمون ثم المحبون لهم ثم الموالون للمحبين و هكذا الي آخر المؤمنين ثم انزلهم الله سبحانه عالما بعد عالم الي ان انزلهم في آخر عوالم الذرات فوقف فيه محمد و آل محمد: و الانبياء و مؤمنوا الانس و مؤمنوا الجن و الملائكة و الحيوانات و النباتات و الجمادات و خاطب الله الجميع فسبق السابقون و لحق اللاحقون و تأخر المتأخرون و ليجزي الله كل نفس بما كسبت و هم لايظلمون و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين فلاتنافي بين سبقتهم و بين كونهم اول من اجاب فانهما في مقامين و عوالم الذر للكافرين ايضا اثنان و ثلثون علي عكس ما قدمنا و اربعة عوالم مشتركة بين هؤلاء و هؤلاء فذلك ثمانية و ستون عالما و آخر تلك العوالم هنا و علة التسمية‌ بالذر صغر الداني عند العالي و الا فهم علي ما هم عليه فافهم فليس مجال ازيد من ذلك.

قال سلمه الله ما البحث علي الاشراقين و العرفاء المتصوفين كالصدر الشيرازي و الملامحسن و الشيخ محمود الشبستري و المولوي و امثالهم في كلماتهم الموهمة و الظاهرة في وحدة الوجود و الجبر و الحلول و امثالها مع انهم يقولون كلماتنا مرموزة و لنا اصطلاحات خاصة فلاتبادروا الي الانكار في المتشابهات و انظروا الي المحكمات و ادرؤا الحدود بالشبهات لانهم ليسوا كالفقهاء و المتكلمين حتي يحمل كلماتهم علي ظواهرها كما اشار اليه.

نكته‌ها چون تيغ پولاد است تيز

چون نداري تو سپر وا پس گريز

زين سبب من تيغ كردم در غلاف

تا كه كج خواني نخواند بر خلاف

و ما البحث علي المنصور في قوله انا الحق مع ان الحق قد يطلق في مقابل الباطل فيحتمل ان يكون مراده نفي البطلان المعلوم من قوله تعالي ما خلقناهما باطلا او يكون مراده ما اراد الامام7 من قوله لازلت اكرر هذه الاية حتي سمعت من قائلها و ما البحث علي الاصوليين في وضع الاصول و جعل الاصطلاحات من الاجتهاد و التقليد و الظن المطلق و الخاص و الاجماع المحقق و المنقول و الرأي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 514 *»

و الاستصحاب مع انها اصطلاحات و المناقشة في الاصطلاح ليست من دأب اهل المعني نعم يرد البحث عليهم اذا خرجوا في مقام الاستدلال عن مفاد الكتاب و السنة و العقل و ما المانع في جعل اصطلاح خاص لم‌يرد فيه نص مع ان هذه الاصطلاحات ليست مجعولة لشخص خاص بل صارت منجعلة بكثرة الاطلاقات و الاستعمالات حتي صارت حقيقة بعد حقيقة و السلام خير ختام.

اقول اما البحث علي الحكماء و العرفاء و المتصوفين الذين سميتهم نعم لايحل لاحد بعد سبق اسلامهم و تشيعهم الا لمن دخل دارهم و شرب من مائهم و عرف طعمه و استأنس بهم و بكلماتهم و عرف لحنهم و معاني كلامهم حتي لايكون الانسان ممن قال الله سبحانه فيهم بل كذبوا بما لم‌يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و لايكون ممن قال الله سبحانه فيهم الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و اثما مبينا بل لايكون من الذين قال الله فيهم الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الاخرة و اعد لهم عذابا مهينا لان اذية المؤمن اذية الله و رسوله كما تدل عليه الاخبار و لايكون من الذين قال الله تعالي فيهم الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الاخرة و لهم عذاب عظيم اي النفوس المحصنات الغافلات المؤمنات حتي تعم الذكر و الانثي و اي رمي اعظم من نسبة‌ الشرك و الكفر الي المؤمن و لايكون من الذين قال الله سبحانه فيهم ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا و الاخرة و الله يعلم و انتم لاتعلمون الي غير ذلك من الايات و اما من عرفهم و عرف لحنهم و فهم كلامهم حتي صار كاحدهم فيجوز له بل يجب عليه اظهار بدعهم و اباطيلهم و اضاليلهم فانه لايحل للعالم ان يسكت اذا ظهرت البدع و هو يقدر علي دفعها و اذا بلغ الانسان هذا المبلغ عرف محكم كلامهم و متشابهه و مجمله و مبينه فمن هذه الايات اعرف مقدار من يرد علينا و لم‌يعرف كلامنا و اصطلاحنا و محكمه من متشابهه و مجمله من مبينه و لم‌يدخل فينا حتي يكون كاحدنا ثم قام يشنع علينا و يشيع الفاحشة فينا فيرمينا تارة بالغلو و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 515 *»

التصوف و تارة بالتقصير و التخلف و نحن مبرؤن مما يقولون فاعرف قدرهم عند الله سبحانه و ما قال الله جل اسمه فيهم في محكم الايات و قد قال الله سبحانه يا ايها الذين آمنوا لاتقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحيوة الدنيا و قال ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي مافعلتم نادمين و اي فاسق افسق من الهوي و الشهوة و الغضب و الجهل باصطلاحنا تأتيهم بالاخبار من المؤمنين و يحكمون عليه من غير تبين فلابد و ان يصبحوا علي ما فعلوا نادمين و ذلك اذا النفوس زوجت و اذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت و اذا الصحف نشرت و اذا السماء كشطت و اذا الجحيم سعرت و اذا الجنة ازلفت علمت نفس ما احضرت و هو يوم تبلي السراير فما له من قوة و لا ناصر.

و اما البحث علي المنصور فيحتمل هذه الاحتمالات التي ذكرتها من لم‌يكن من اهل اصطلاحاتهم نعم من يحتمل عنده هذه الاحتمالات لايجوز له ان يرد عليهم و اما من عرف مرادهم فلايجوز مثل هذه الاحتمالات و اما من يعرف اللحن و يعرف المقام فهو يقول حقا و ينطق صدقا و اما تشبيهك قوله بقول الصادق7 فهو جرأة عظيمة علي الامام7 و لو تدبرت في الكلامين لعرفت ركاكة قول منصور و متانة قول الامام7 فانه7 قال ما زلت اردد هذه الاية حتي سمعتها من قائلها و لم‌يقل انا الله و قائلها هو الله سبحانه فهو7 ردد هذه الاية ‌حتي كشف السبحات من غير اشارة و محي الموهوم حتي صحي المعلوم و جذب الاحدية صفات التوحيد و هتكت الستر غلبة السر فوقف في مقام الفناء حتي تجلي له حقيقة البقاء و سمع الكلام من قائلها الذي هو الله سبحانه كما سمع النبي9 ليلة‌ المعراج و اني هذا المقام من مقام من يجسر علي الله و يقول انا الحق و كيف يجوز التأويل بان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 516 *»

المراد بالحق مقابل الباطل و يقول شاعرهم:

فكن حقا و كن خلقا تكن بالله رحمانا

و انا عينه فاعلم اذا ما قلت انسانا

و يقول:

فانت رب و انت عبد

و انت في انت مستعار

و لا وجود في غير عين

فلا احتكام و لا افتقار

قد حار مثلي من حرت فيه

فلا اضطرار و لا اختيار

و لا فناء و لا بقاء

و لا فرار و لا قرار

و يقول قائلهم انا الله بلا انا و يقول ليس في جبتي سوي الله علي انا لانخض احدا بذكر شيء الا ان يثبت ذلك عنه و نعرف مراده و الا بمحض ما يشتهر كلام من احد لانحكم عليه به ولكنا في مثل ذلك نشقق الكلام و نبين المرام فان يكن هو القائل فعليه ما عليه و الا فقد بينا الحق في المقام فافهم.

و اما البحث علي الاصوليين فلا بحث علي الاصطلاحات غالبا اذا لم‌يتفرع علي ظاهرها تفريع في مقام التفريع و لا بحث علي نوع علم الاصول فانه حق لا مرية فيه و لازم لا شك فيه فان احكام اهل البيت: منها ضرورية يشترك فيها العام و الخاص و منها نظرية و النظري منها يحتاج الي الاستدلال فيها و الاستدلال لايمكن الا باثبات المقدمات و اخذ النتايج و اثبات المقدمات لابد فيها من النظر و البحث فيها حتي يتبين فيها الغث من السمين و السراب من الماء المعين فمقدمات اثبات نتايج الاحكام الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل الموزون بها و الكتاب و السنة من الالفاظ فلابد في معرفتهما من البحث في المبادي اللفظية و فيهما مع الاجماع و دليل العقل مطالب كلامية فلابد من البحث في تلك المبادي الكلامية المعروفة و لماكان و لايثبت مطلب نظري الا بالاستدلال و الاستدلال لايمكن الا بالموازين الموضوعة فلابد فيه من البحث في الموازين الموضوعة للاستدلال و لماكان و لابد في تحصيلها جميعا من البحث و الفحص فلابد من معرفة آداب المناظرة و لماكان الكتاب و السنة جاريان علي لغة العرب فلابد من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 517 *»

معرفة‌ الصرف و النحو و اللغة و لماكان الكتاب و السنة علي غاية ‌الفصاحة و نهاية البلاغة و فيها اشارات و دقايق و نكات لابد من معرفة علم المعاني و البيان و لماكان و يجب الاستدلال من الكتاب فلابد و ان يعلم التفسير و لماكان السنة واصلة الينا بواسطة رجال و وسائط فلابد من معرفة‌ الرجال و لماكان لهم اصطلاحات في نقل الخبر الينا فلابد من علم الدراية فما اجتمع من هذه العلوم كلها هو علم الاصول فمن لم‌يعرف علم الاصول لايمكن له معرفة احكام الله سبحانه حتي ان الاخباريين ايضا يتكلمون في هذه العلوم و ان سموا بالاخباري و لا مناقشة في التسمية ثم من هذا العلم المسمي بالاصول المجتمع من العلوم مسائل اجماعية فلاكلام فيها و منها خلافية فلابد من النظر فيها و اثباتها فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما غمض عنك ضوؤه نفيته و العلم النظري اذا صار مطمح انظار العلماء مع اختلافهم في الطبع و السليقة و النظر و العقل و الفهم لامحة يصير موضع خلاف فمن اولئك من ينفي مسألة و منهم من يثبته فليس من نفي مسألة خرج من تصديق علم الاصول و الاقرار به و من وضع القدم في عرصتهم لابد و ان يضع نير التقليد عن ربقته و يرد حيث وردوا و يصدر من حيث صدروا و ينظر كما نظروا و يختار كما اختاروا ولكن المعاندين لنا المتهمين ايانا المؤذين لنا المخفين لحقنا ساعون في ابطال امرنا و تضييعنا فينسبون الينا كل ما يستوحش منه السامع لهم فيقولون لواحد ان هؤلاء يقولون بان عليا7 هو الخالق الرازق المحيي المميت و لواحد ان هؤلاء يبيحون اللواط و الزنا بالمحرمات و لواحد ان هؤلاء ينكرون شهادة سيد الشهداء و لواحد ان هؤلاء يبغضون العلماء و لواحد ان هؤلاء مبدعون في دين الله و لواحد ان هؤلاء ينكرون طريقة الاصوليين و الاخباريين و لواحد ان هولاء يقولون ان عليا هو المقصود باياك نعبد و اياك نستعين و ساير خطابات القرآن و لواحد ان هولاء منكرون لفضائل آل محمد: و هكذا ينظرون الي طبع السامع و ما يستوحش منه فينسبون الينا ذلك و نحن من جميع ما ينسبون الينا براء والله علي ما نقول كفيل و اني اعطيك قاعدة تعرف بها قولنا من غيره كلما سمعت

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 518 *»

ينسب الينا فقسه اولا الي ضروري الاسلام و ضروري المذهب فما وافقه فهو قولنا و الا فنحن منه براء و ان لم‌يكن فيهما فقسه علي اجماع العلماء فان وافقه فهو قولنا و الا فنحن منه براء و ان لم‌يكن فيه فقسه علي كتاب الله و سنة نبينا9 فان وافقهما فهو قولنا و ان خالفهما فنحن منه براء و ان لم‌تجد فيهما و كانت المسألة خلافية و الناقل عدل ثقة عالم بذلك العلم الذي ينقل اليك خبير مطلع عليه فيحتمل ان يكون قولنا و فهمه منا و يحتمل ان يكون اشتبه عليه و لم‌يفهم فاسكت عن النسبة الينا فلعله منا و لعله ليس منا و ان لم‌يكن ثقة او لم‌يكن عالما بذلك العلم الذي ينقل منا اليك فلاعبرة بنقله و الفرق بين كلامنا المنقول و اخبار اهل العصمة: انهم كانوا ينقلون غالبا اللفظ و يقتفون اثره و يتأثمون من تحريفه الا ان يقطعوا بالمعني فعند ذلك ينقلون فيؤخذ بقول ثقاتهم لاسيما ان الله من ورائهم حفيظ قال انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون و مطالبنا ينقل بالمعني علي حسب افهام الناقلين و ايضا الاخبار عربی جوامع الكلم و كلماتنا مفصلة و بينهما ايضا فرق عظيم و بسطت في ذلك لما شكوتم من كثرة الفرية علينا بالجملة انا بلينا بقوم منكوس لا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فما تغن النذر و ليس توكلي الا علي الله و لا اعتمادي الا بالله و فيما كتبنا كفاية و بلاغ لمن القي السمع و هو شهيد.

و اما البحث علي بعض الاصطلاحات فهو علي نوعين اما هو من باب التكرم من اصطلاحات العامة العمياء فنقول ان آل محمد: ملوك ملك الفصاحة و البلاغة و ان كلامهم ملوك الكلام و تداول كلماتهم احسن من تداول غير كلماتهم و عدم التشبه باعدائهم احسن من التشبه بهم و لا جدوي تحت هذا البحث الا محض التكرم و التنزه من اصطلاح الاعداء و اما هو من باب انه قد يصطلح الانسان اصطلاحا ثم يفرع علي ذلك الاصطلاح فروعا بعده فحينئذ يكون في الاصطلاح مشاحة بالغة و اما صرف التسمية فلا مشاحة فيه و لايبحث فيه عاقل فضلا عن عالم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 519 *»

و كتب ذلك العبد الاثيم كريم بن ابرهيم و قد فرغ من تسويده ضحي يوم الخميس السادس و العشرين من شهر ربيع الثاني من شهور سنة اثنتين و ستين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا تمت.