30-10 مکارم الابرار المجلد الثلاثون ـ رسالة في جواب الحاج ملاحسن اليزدي الكثنوي ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب الحاج ملاحسن اليزدي الكثنوي

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 375 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله موجد كل موجود و شاهد كل مشهود و فاقد كل مفقود ليس دونه معبود اله الكرم و الجود و الصلوة علي اسم الحميد و قدرة المجيد سر الوجود محمد المحمود و علي آله الذين هم علي جميع العوالم شهود و وجه الله المعبود و الهداة الذين هم مظاهر اسم الله الودود الطائفين حول جلال الكبرياء الركع السجود و لعنة الله علي قرناء اصحاب الاخدود النار ذات الوقود الذين هم علي ما يفعلون بالمؤمنين شهود و ما نقموا منهم الا ان‌يؤمنوا بالله العزيز الحميد.

و بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قدسألني العالم الفاضل و العامل الواصل و الحبر الكامل المولي المؤتمن الحاج ملاحسن اليزدي الكثنوي ابن المرحوم الملاعلي ادام الله عزه و علاه عن مسائل معضلة و مطالب مشكلة لم‌يجر اكثرها في خطاب و لم‌يرسم في كتاب بل ليس لها عند العلماء جواب و انا في غاية تبلبل البال و اختلال الحال و اشتغال القلب بهم الارتحال و لما كان جنابه احسن الله مآبه من العلماء الحكماء والاكرمين الاتقياء اوجبت علي نفسي اجابته و اسعاف طلبته بقدر الميسور فانه لايسقط بالمعسور و مالايدرك كله لايترك كله هذا مع انه ايده الله لجلالته في العلم يكتفي بالاشارة و لايحتاج في جواب مثله الي تطويل العبارة فاقتصرت بالميسور مستعينا بالله سبحانه في الهام الصواب فانه المستعان في كل باب و جعلت عبارة سؤاله كالمتن و جوابي له كالشرح.

قال سلمه الله السؤال الاول بينوا لي مقدار طول مدة السرمد و الدهر و الزمان و كيفية ذلك و ان الحكمة التي اقتضت اظهار اللطف و ابرازه في هذه النشأة من خلق الانبياء و الاوصياء: و غيرهم من الموجودات في هذا الجزو من الزمان بهذا النحو اعني من زمن آدم7 الي زماننا هذا مثلا و ارسلهم و انزل عليهم الكتب دون ما قبله مع انه غير محتاج الي تحصيل الاسباب و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 376 *»

 رفع الموانع ما هي تلک الحكمة و ان كانت تلك النعم موجودة في كل عالم بحسبه الا انه في كل عالم من العوالم بجزء عرضي منه كهذا العالم دون الجزء الطولي مع ان شأن الفياض علي الاطلاق هو الافاضة في كل عالم بتمام اجزائه و افراده طولا و عرضا بحيث لايخلو منه شيء من تلك الفيوضات الجليلة فما حكمة التخصيص بالعرض في كل عالم دون الطول و بعبارة اخري ان القادر المختار الذي لااول له و لا آخر لاي شيء اختار الافاضة في تلك الجزء الخاص من العالم و في تلك الازمنة الخاصة دون ما قبله بحيث يکون في ذلك الوقت زمان الحشر او الخلود في الجنة و النار او تأخيرها بحيث يكون الآن اول زمان خلقة آدم7 مثلا مع انه تعالي لايحتاج بالضرورة الي انتظار الاسباب و رفع الموانع البتة.

اقول سؤاله ايده الله يتحلل الي سؤالين الاول السؤال عن مقدار طول مدة السرمد و الدهر و الزمان و هذا السؤال حقيقة مقدمة لسؤاله الثاني فانه يريد ان‌يقول ان كان الزمان مثلا له مدة طويلة فلم وقع الخلق في هذه الاجزاء المعينة منه و لم‌يتقدم و لم‌يتأخر مع ان الله سبحانه قادر مختار لاراد لحكمه و لامانع لقضائه و السؤال الثاني ما ذكرنا من سبب وقوع الخلق في هذه الاجزاء المعينة من الزمان و الدهر و السرمد اما الجواب عن السؤال الاول و عليك بالتوجه و الاقبال حتي‌يبتين لك الحال اعلم ان الله سبحانه احد لايثني لاكما و لاكيفا و لاجهة و لارتبة و لاوقتا و لامكانا و لافرضا و لاحيثا و لااعتبارا اذ ليس له شيء من الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان و الفرض و الحيث و الاعتبار و ليس له شيء‌ من ذلك علي حسب الملك و لا علي حسب عالم الملكوت و لا علي حسب عالم الجبروت و لا علي حسب عالم السرمد و جميع ذلك صفة خلقه و مما قداجراه بفعله و ابداه بمشيته و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فهو احدي المعني لاينتظر حدوث وقت بعد وقت و هو باحديته محيط بالاوقات الغير المتناهية و هو كامل في جميع صفاته لاينتظر حدوث صفة لنفسه فانه لو انتظر حدوث

 

* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 377 *»

صفة لكان في صقع الاوقات و صار من الحوادث المنقلبة في الاوقات المتغيرة بمرورها و جميع صفاته غيره و هو منزه عنها كما قال تعالي سبحان الله عما يصفون و قال علي7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه و صفاته سبحانه كماله و هو كامل ابدا فصفاته موجودة في محالها بتجليه سبحانه ابدا اذ هي تجليه لاغير و ليس بينه و بين تجليه فصل اذ العدم المحض لايفصل بين شيئين و ليس وجود غيره سبحانه و غير تجليه فلافصل بينهما و كذا لاوصل لعدم المناسبة و عدم اتحاد الصقع و عدم الرابطة لان الرابط لابد و ان‌يكون مناسبا بين المرتبطين و لاشيء مناسب للقديم و الحادث و ما ليس بواجب جايز و ما ليس بجايز واجب قال الرضا7 حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما فلاوصل ايضا فليس بين الله سبحانه مدة فاصلة يكون الله فيها وحده ثم يوجد خلقا في جزء منها و ليس بينه و بين خلقه مسافة ممهدة يكون الله سبحانه في اولها و يوجد الخلق في آخر عربی جزء‌ منها فاستدام الفيض و استمر الجود و دام الملك في الملك و في الدعاء اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود و وجه حدوث الخلق مع استمرار الجود و استدامة الملك افتقاره الي بارئه و قيامه بامره و ان اردت ان‌تبصر امرك رأي العين انظر الي السراج و انواره فان السراج ليس خلوا من نوره و النور حادث به مفتقر اليه رتقه و فتقه بيده بدؤه منه و عوده اليه و نور السراج تجليه و صفته فالخلق قائم بامر الله سبحانه مفتقر اليه مستمد منه و ليس الله سبحانه خلوا من ملكه و ملكه خلوا منه و هو هو رب قديم غني و خلقه خلقه مربوب حادث مفتقر و لكنه حادث حقي لاحقيقي و الحدوث الحقي اشد اضمحلالا و دثورا و انقلابا من الحادث الحقيقي الف الف مرة فالحادث الحقي حادث ذاتا لافي مدة اذ لامدة اذ المدة من الحوادث الذاتية فالخلق له ثلث مراتب كلية و جزئياتها لايحصي الاول مرتبة السرمد و امتداد عالم الامر و هو لاغاية له و لانهاية اي لااول له و لا آخر و ذلك لان كل ما سوي الاحد الحقيقي لابد و ان‌يكون مركبا من جزئين و ذلك قوله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين و قول الرضا7 ان الله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 378 *»

 سبحانه لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه و قول الحكماء كل ممكن زوج تركيبي و ذلك لان كل ما سوي الاحد مثني و كل مثني مجزي مركب من جزئين فاذا جاء التركيب جاء المدة و الوقت فان مرادنا بالوقت امتداد بقاء كل واحد من الجزئين مع الآخر من اول اقترانهما الي آخره فامتداد بقاء الجزئين معا هو الوقت و يحدد ذلك الامتداد في كل عالم باجزائه فانها مظاهره وقدجرت العادة بتحديد مدد كل عالم باطولها بقاء و هو فلك كل عالم فيحدد وقت كل عالم بحركة افلاكه و لذلك اشتبه الامر علي كثير من الحكماء فزعموا ان الزمان هو حركة الافلاك او منتزع عنها و ليس كذلك فانه لو اسكن الفلك نبي باعجازه و هو امر ممكن غير ممتنع كما رده علي7 و شقه رسول الله9 يمر علي الاجسام وقتها و ليس الآن الثاني عين الاول بالبداهة و انما حركة الفلك كحركة الساعات الافرنجية التي يحدد بها الاوقات و كذلك دوران الافلاك و طلوع الشمس و غروبها محدد للاوقات فسميت دورة الشمس بالسنة و دورة فلك الافلاك باليوم و ضوء الشمس بالنهار و ظل الارض بالليل و دورة القمر بالشهر و نفس هذه الاشياء المذكورة زمانية لها اوقات و لما كانت الافلاك اطولها بقاءا و اكثرها استمرارا و ابعدها عن الدثور و الاضمحلال قيس مدد ساير الجسمانيات بها فحركة الافلاك مقياسه لمعرفة الاوقات كالساعات و اصل الوقت هو امتداد كون جزء المركب مع الآخر و لما كان الامر خلقا حادثا و كل خلق مركب من جزئين حصل له ايضا امتداد و يقاس ذلك الامتداد بافلاك عالم الامر و هي دائرة علي نفسها حركة الكرة علي قطبها و لما كانت الحركة علي القطب و كان القطب في ذلك العالم عين الكرة لانه علي ابسط ما يمكن في عالم الامكان اذ جميع الكثرات قداحدثت به و لايجري عليه ما هو اجراه استمر الدوران بلانهاية و وجه الاستمرار بالحركة علي القطب انه اذا لم‌يتوقف وجود الشيء علي غير خالقه القديم و نفسه و نفسه هو و هو نفسه و هو مستمد من ربه بنفسه و هو ممد له بها و ليس لكينونته شرط غيرها يوجد بوجوده و يعدم بعدمه لانه اول ما خلق الله فليس فوقه شيء و ما بعده ليس شرطا لوجوده اذ هو شرط كل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 379 *»

موجود فاذا صار كذلك يصير الشيء دائما لامحالة اذ المقتضي موجود و هو نفسه و ماسواه معدوم و الخالق الباريء قديم فلاجل ذلك استمر وجود الامر و استمر دوران افلاكه عليه فلامبدء لاوله و لاغاية لآخره و ان الله سبحانه خلق الف الف عالم فلو صب في فضاء كل عالم من خردلة حتي‌يملاء اطباق ارضه و سمائه و انت سرت في جميع العوالم و حملت علي غاية الضعف حبة حبة و سرت من المشرق الي المغرب و رميت بها ثم رجعت و حملت حبة اخري و هكذا الي ان‌يتم و انت تعد في كل هذه المدة بلسان ذلق يكون اسرع حركة من العرش عدد قرون السرمد يكون ذلك اقل مما مضي منها بعدد اضعاف هذه الخردل بماشاء الله فاحسب ان كنت تحسن ان‌تحاسب كيف و هو الازلية الاولي و القديم الاعلي و السرمدية الكبري مع كونه حادثا بالذات فهو لاغاية لامتداده و لانهاية و ليس فوقه امتداد يتقدم فيه او يتأخر فان كل ما سوي الله سبحانه مخلوق به فهو في محله و وقته لايمكن فرض التقدم فيه و لافرض التأخر و قدعرفت ان امتداد تركيبه وقته و حركة افلاكه عليه محدده و قدملأ فضاء الامكان عرضا و طولا و وقتا و حاده بحيث لاشيء من الامكان فارغا منه و لاشيء منه خارجا من الامكان و البرهان علي ذلك واضح و الاشارة اليه ان السرمد وقت امر الله و مشيته فكما انه ليس شيء من الامكان خارجا من تحت المشية فيكون مخلوقا بغيرها و ليس شيء من المشية خارجا من الامكان فيكون قدشاء الله و لامشاء كذلك يكون السرمد مع الامكان فان السرمد امتداد تركيب الامر و هو اين ما هو هو هو فليس موجودا بغير وقت فلذلك تحادت هذه الثلثة الامكان و السرمد و الامر و ليس شيء سوي القدم و الامكان حتي‌يكون وقتا او مكانا يمكن التقدم فيه او التأخر و ان شئت الوجه الفلسفي في هذا المطلب فاعلم ان المركب يقبل التفكيك ما كان فيه مغاير لاجزائه الاصلية فيفرق ذلك الاجنبي بين الاحبة و اما اذا ذهبت الاغيار و زالت الاكدار تعانق الاحبة تعانقا ليس له انضجار مدي الدهور و الاعصار لعدم كون ما يوجب التنفر لكل واحد منهما في كل واحد منهما فكانهما نفس واحدة و لاينضجر الشيء من نفسه ابدا لعدم المنافرة بينه و بينها فكذلك كلما يطهر اجزاء

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 380 *»

المركب من الاغيار يصير كل واحد من الاجزاء الصق بالآخر و اشد امساكا له و التزاما به و لذلك حتم الموت علي اهل الدنيا لوجود الاغيار في اجزائهم فاذا تفككت اجزاؤهم في التراب و طهرت الاجزاء من الغرائب تطايرت بعضها الي بعض و تعانق بعضها مع بعض تعانقا لافراق له ابدا و ذلك قوله7 خلقتم للبقاء لا للفناء و انما تنتقلون من دار الي دار فعند ذلك يذبح الفراق علي هيئة كبش املح فينادي اهل الجنة و اهل النار بانه خلود و لاموت فعند ذلك يقول اهل الجنة مستبشرين افما نحن بميتين الا موتتنا الاولي و ما نحن بمعذبين الحمد لله رب العالمين فالامتداد يختلف بحسب طهارة الاجزاء من الغرايب و لطخها بها و قبول الغرائب يختلف بحسب قوة البنية و ضعفها فان البنية اذا كانت قوية تدفع عنها الغرائب و اذا كانت ضعيفة تعجز عنه و القوة و الضعف يختلفان بحسب القرب من المبدء و البعد عنه فكلما كان الشيء اقرب الي المبدء كان اقوي و كلما كان اقوي صار امنع للغرايب و ادفع لها و صار اصفي و كلما صار اصفي صار اشد تركيبا و الصق بالآخر المجانس و كلما صار اشد تركيبا صار ابعد انفكاكا من صاحبه و كلما صار ابعد انفكاكا صار اطول بقاء و طول هذه المعية هو الوقت و يحدد هذه المعية بافلاكها لانها اصفي المركبات في كل عالم و ابعدها تفككا فيقاس بها جميع ما هو اضعف تركيبا منها فان جميع ما سويها تتصرم مدته و هي باقية حتي‌يبلغ الكتاب اجله فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء و كان وعد ربي حقا فلما كان الامر اقرب الخلق الي الله سبحانه و اشرفه و ابسطه و الطفه و اقواه و اطهره من الغرايب و الاجانب بحيث كاد ان‌يصير احدي المعني لان جميع التنافرات و التباينات صار مخلوقا به و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و ليس فيه تكثر الا من حيث التعلق و التزييل الفؤادي صار ادوم جميع ما خلق الله من شيء و لم‌يكن له مبدؤ و لا منتهي و لاتصرم و لا انقطاع و لعلك تعرفت مما بينا سر قدم الذات انه قديم لاجل انه احدي المعني ليس معه غيره فلاتنافر و لاتثنية له و اقل مراتب التنافر التثنية فان التثنية ليس تتحقق الا بالتمايز و التمايز

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 381 *»

ليس تتحقق الا بالتخالف و التخالف هو سبب التنافر و التنافر سبب التفكيك حيناما و كلما ينقطع يوما له مبدؤ لامحة فان كل ما له مقطع له مطلع لامحة و ذلك قوله سبحانه كما بدءكم تعودون و لان ما ظهر انقطاعه ظهر تركيبه و ما ظهر تركيبه ثبت تقدم المركب عليه و ما ثبت تقدم المركب عليه ثبت ان له بدءا فكذلك كل ما له مطلع له مقطع لامحة و ذلك جار في كل مركب و بين المطلع و المقطع امتداد الكون فكل مركب ذو مدة لامحة و تختلف المدد علي ما ذكرنا حتي‌يبلغ الامر الي اول المركبات الذي تركب من بسيطين و لما كان البسيطان غير موجودين الا مركبا عدم التنافر بين الاجزاء و دام التركيب و ذلك قوله سبحانه كل من عليها فان لتركيب بسايطه و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام لبساطة بسائطه و عدم التنافر و ادراك ما ذكرنا هنا حظ اولي الافئدة و من كان له قلب او القي السمع و هو شهيد فافهم راشدا موفقا فليس لاحد ان‌يحدد السرمد و هو عند الله غير محدود و الله محيط بمالايتناهي بمالايتناهي و هو يعلم الغير المحدود بعلم غير محدود و لايلزم من علمه به تحديده اياه فان ذلك شأن العلم المحدود و اما الدهر فهو وقت المجردات و امتدادها و مبدؤها العقل و منتهاها المثال و مراتبها الكلية ستة و هذا الامتداد اقصر من امتداد السرمد لتركيب بسائط المجردات و كون كل جزء منها مركبا من جهتين جهة الي ربه و جهة الي نفسه فاقل المركبات اجزاء ما كان فيه جزئان و لكل جزء جهتان و هي الحلان و العقدان اللذان لابد منهما في كل واحد واحد من الاكوان فمرادنا بالمجرد ما كان مجردا من المواد العنصرية و المدد الزمانية لاالمجرد عن التركيب مطلقا فاعلي المجردات العقل و هو الطفها و اشرفها و ينتهي الدهر طولا اليه من جهة الاعلي و اسفلها المثال و ينتهي الدهر اليه من جهة الاسفل و امتداد الدهر في البقاء و الفنا بين السرمد و الزمان فهو غير متناه بالنسبة الي الزمان و لذا قيل ان الدهر هو نسبة المتغير الي الثابت و للدهر مقامان الجبروت و الملكوت فالجبروت هو عالم العقل و ينتهي الي اوساط الروح و الملكوت مقام النفس و الطبع و المادة و من حيث الاعلي يصعد الي اوساط الروح و من حيث الاسفل ينتهي الي اوساط المثال

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 382 *»

و المثال بوجهه متوجه الي الملكوت و بظهره مسند الي الملك فهو اذا اضيف الي الاجسام ملكوتي و اذا اضيف الي المادة ملكي فالمجردات حقيقة مركبات من موادها و هيئاتها و لغلبة جهة المبدء عليها قل تنافي موادها و هيئاتها و كثرت التيامها فغلب تعارفها و ضعف تناكرها فدام تعانقها و التصاق بعضها ببعض الا انها بقدر الاثنينية و التمايز و التخالف علي حسبها صار امتدادها اقل من السرمد الا انها اطول من الزمان و لاتفكك لاجزاء الدهر الي عند نفخة الصور فيتفكك اجزاء كل مركب حتي‌لايبقي الا وجه ربك ذو الجلال و الاكرام و هو غير مركب بسائطه من اجزاء و انما هو مركب من بسيطين ممتنع تحقق احدهما الا بصاحبه فلاسبق لجزئيه عليه و لم‌يوجدا الا معا مركبا بل لايمكن تصوير تفككهما في الذهن و الاعتبار ابدا و ذلك قوله تعالي كل شيئ هالك الا وجهه و الحكمة فيه ما ذكرنا فلاتذهب نفسك الي ما لايعنيك و لايسمن و لايغني من جوع و لما عرفت ان الدهر هو امتداد المجردات و عرفت ان لها مراتب و مقامات لعلك تعرف ان كل مرتبة عليا منها ادوم و اثبت و كل مرتبة دنيا منها اسرع فناءا و اقرب دثورا فاشدها دواما العقل ثم الروح ثم النفس ثم الطبع ثم المادة ثم المثال و كل دنيا منها يفني قبل العليا و هكذا فاول ما يفني و يتفكك بعد الزمان المثال ثم يتفکک المادة ثم يتفکک الطبع ثم يتفکک النفس ثم يتفكك الروح ثم يتفكك العقل و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام ثم اول ما يبدؤ في التركيب العقل و هو اول ما خلق و يخلق ثم الروح ثم النفس و هكذا علي الترتيب و وجه الله الذي لايفني هو نور الله المشار اليه بقوله9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله و هو النور الذي خلق منه و هو فؤاده و هو وجه الشيء الي الله و وجه الله اليه فايا ما فسرت وقع علي الفؤاد و نور الله الذي به يتوجه الشيء الي الله و يتوجه الله اليه و بالجملة امتداد الدهر يختلف باختلاف لطافة الدهريات و كثافتها و شدة تركيبها و ضعفها.

و اما طول الدهر من اوله الي آخره فان كنت تحسن ان‌تحاسب فهو مائة الف سنة کل سنة مائة الف شهر کل شهر مائة الف اسبوع كل اسبوع مائة الف يوم كل يوم مائة الف ساعة كل ساعة مائة الف دقيقة كل دقيقة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 383 *»

منها يساوي مائة الف سنة من سني الدنيا فيكون سني الدهر مائة الف الف الف الف الف الف الف الف الف الف الف احدي عشر مرة من سني الدنيا و يحدد ذلك بحركات افلاكها لانها اطولها بقاء في عالمها و ابعاضها يتصرم قبل ان‌يتصرم افلاكها و افلاكها اذ ذاك تتحرك علي المحور من حيث ظواهرها و ان كانت تتحرك علي القطب من حيث الباطن اي السرمد و اما الزمان فهو وقت الاجسام و امتدادها و مبدؤها محدد الجهات و جسم الكل و منتهاه التراب و تختلف مراتب الزمان بحسب شدة التركيب و ضعفه فكلما قرب من المبدء يكون اشدها تركيبا و اطوله بقاء و ابعده عن الانفطار و التفكك و كلما بعد عن المبدء يكون اضعفها تركيبا و اقصرها بقاء و اقربه من الانفطار و التفكيك و انما ذلك لكثرة تنافر اجزاء البعيد و قلته في اجزاء القريب الاتري كثرة اختلاف اجزاء التراب و تنافر بعضها من بعض و شدة تشابه اجزاء الماء بالنسبة الي التراب ثم شدة تناسب اجزاء الهواء‌ بالنسبة الي الماء‌ ثم شدة تشاكل اجزاء النار بالنسبة الي الهواء ثم شدة تشابه اجزاء الافلاك حتي زعمتها الحكماء بسائط و زعمتها الملكوت و عرصة القيمة و زعمت امتناع الخرق فيها و امتناع الدثور و الاضمحلال فيها و غلطوا و الاسلام ابطل هذه الاقوال و انشق القمر و ردت الشمس و تطلع من مغربها في آخر الزمان و تبطئ في حال العدل و تسرع في حال الجور و صعد اليها النبي9 و تطوي كطي السجل للكتب و تبدل بالجملة كل ما في الاجسام مركب من مادة و مدة و لكل واحد عناصر علي حسبه و شدة تركيب و ضعف تركيب و كلما كان من الاجسام الطف و اشبه اجزاء بعضها الي بعض يكون ادوم و كلما كان منها اكثف و اشد تنافرا في اجزائها كان اقل بقاء و اسرع دثورا علي ما بينا و شرحنا و كررنا و تمام مدة بقاء هذا التركيب اي تركيب الاجسام مائة الف سنة علي ما وردت به الاخبار و دل عليه صحيح الاعتبار ثم يتفكك بعد ذلك بين النفختين و هذه المائة الف سنة يكون عشرون الفا منها دولة الباطل و ثمانون منها دولة الحق و ذلك ان العالم هو الانسان الكبير و لابد و ان‌يستكمل في ايام عمره الدورات الاربعة و يكمل فيه طبايعه الاربع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 384 *»

التي خلق منها و هي النار التي هي فيه بمنزلة الصفراء في الانسان الصغير و الهواء‌الذي هو فيه بمنزلة الدم في الانسان الصغير و الماء‌ الذي هو فيه بمنزلة البلغم في الانسان الصغير و التراب الذي هو فيه بمنزلة السوداء في الانسان الصغير و كما يكون للانسان في عمره اربع مراتب يكمل في كل مرتبة منه خلط من هذه الاخلاط كذلك للانسان الكبير في عمره اربع مراتب يكمل في كل مرتبة منه خلط من اخلاطه التي بنيت بنيته منها فالربع الاول من عمر الانسان الصغير ربع الربيع و هو ايام الصبي و وقت سلطان الدم عليه و ايام نمائه و زيادته عرضا و طولا و لهوه و لعبه و الربع الثاني من عمره ربع الصيف و هو ايام الشباب و سن الوقوف و ايام سلطان الصفراء و قوته و طيشه و الربع الثالث هو ربع الخريف و سن الكهولة و الكمال و ايام سلطان البلغم في الباطن و السوداء في الظاهر و الربع الرابع سن الهرم و الانحطاط و ايام سلطان السوداء في الباطن و البلغم في الظاهر و فصل الشتاء منه و لكي‌لايعلم من بعد علم شيئا و غايته الموت و تختلف مدد هذه الارباع بحسب الاعصار و الامصار و ضعف التركيب و قوته فالحد المعتدل في هذه الارباع خمسة و عشرون سنة اذ يستكمل في كل سنة في كل فصل مرتبة من مراتبه الخمس و العشرين و هي عناصره الاربع و افلاكه السبعة و الواحه الثلثة و قلبه و جسمه الكلي و مثاله و مادته و طبعه و نفسه و روحه و عقله و فؤاده و اسمه و مسماه فيتربي و يترقي في كل سنة مرتبة من هذه المراتب الاربع فاذا تم ربيع هذه المقامات ينتقل الي صيفه و يتربي و يترقي في كل سنة منه ايضا مرتبة من مراتبه و هكذا في الفصلين الآخرين ففي ذلك تمام مائة سنة و لما كان الانسان الكبير ايضا من اول نشوه الي موته ايضا له فصول اربع و في كل فصل يستكمل عناصره الاربع و افلاكه السبعة والواحه الثلثة و عرشه و جسمه الكلي و جواهره السبعة و اسمه و مسماه صار عمره مائة الف سنة و صار كل سنة من الصغير الف سنة من الكبير لانه مقام التفصيل و الانسان الصغير مقام الاجمال و انطواء الكبير فيه و هو حقيقة ايضا موجود فيه هذه المراتب ايضا الا انها منطوية فيه انطواء الاعداد المتكثرة في الواحد فالانسان مقامه مقام الواحد و نزل الي الفعل و الظهور و المظهر فكان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 385 *»

الفا فصار عمر الدنيا مائة الف سنة عشرون الف سنة منها دولة الباطل و هو ايام استكمال عناصره الاربعة و افلاكه السبعة و الواحه الثلثة و عرشه و جسمه الكلي و اربع من جواهره في فصل ربيعه و ايام صباه و اما الخمسة الاخر فهي مما يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان و ليس فيه طاعة الشيطان و الثمانون الف من عمره يصرف في طاعة الرحمن و اكتساب الجنان لمضي سن الصبي و مجيئ سن الشباب و قوة العقل و البدن و وقوع التكليف و تحليل الرطوبات المائلة الي المعاصي و غلبة الحرارة و اليبوسة الصيفية التي هي من جهة المبدء عليه و غلبة سلطان الحرارة التي هي جهة الرب عليه فافهم ما ذكرناه راشدا موفقا فانه من موحشات البيان و عجايب الزمان و يمضي يومنا هذا من اول عمره و يومنا هذا العشرون من شهر شوال سنة احدي و ستين بعد المأتين و الالف ست عشر سنة و اربعمائة سنة و سبعة آلاف سنة و تسعة اشهر و عشرون يوما و هذا الحساب علي ما روي في رواية ابي لبيد عن الباقر7 بالجملة صار مدة طول الزمان مائة الف سنة لشدة الاختلاف الحاصل في بسايطه المورثة لسرعة التفكيك فاذا مات العالم عند نفخة الصعق الكلية و دفن اربعمائة سنة و ذهبت الاكدار و زالت الاغيار و تطايرت اجزاؤه و تركبت ثانيا  تركيبا الهيا ايتلافيا و دارت افلاكه علي القطب بقيت مدي السرمد بلاغاية و لانهاية فحينئذ تدور عربی جميع الكرات علي القطب و لم‌يكن غروب و لاطلوع و لاليل و لانهار و لااكدار و لااغيار و بقيت اهل النار معذبين في دار البوار بلازوال و بقيت اهل الجنة منعمين في دار السلام بلازوال و لعل في ما ذكرنا كفاية لفهم الاطوال الثلثة و العلة في اختلافها و اما الجواب عن السؤال الثاني و ان كان تبين لمن كان له قلب من الجواب عن السؤال الاول الا انا نريد ان‌نوضحه ايضاحا بقدر الميسور اعلم انك بعد ما عرفت ان ماسوي الله صفات الله سبحانه كما قيل ليس الا الله و صفاته واسماؤه و صفاته من كماله و هو سبحانه لاينتظر لنفسه حدوث كمال لعلك تعرف ان جميع خلقه سبحانه موجودكل في محله و وقته و حدوث الكل كما بينا حدوث حقي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 386 *»

لاحقيقي و الحدوث الحقي اشد افتقارا الي محدثه من الحقيقي و قدمثلنا لك بالسراج و اشعته و كون الاشعة ثابتة في محالها ابدا شعاعيا مع انها حادثة مفتقرة الي السراج و قدبينا ذلك آنفا و يدل عليه مزيدا علي علي ما مر ما قاله الرضا7 لعمران الصابي حيث سأله و قال يا سيدي اليس قدكان ساكنا قبل الخلق لاينطق ثم نطق قال الرضا7 لايكون السكوت الا عن نطق قبله و المثل في ذلك انه لايقال للسراج هو ساكت لاينطق و لايقال ان السراج ليضئ فيما يريد ان‌يفعل بنا لان الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون و انما هو ليس شيء غيره فلما استضاء لنا قلنا قداضاء لنا حتي‌استضأنا به فبهذا تستبصر امرك الخبر و هذا معني ما يروي انه سئل علي7 هل العالم حادث فقال7 لو كان حادثا كنت تكون وقوله7 كنت تكون استفهام انكار اي ما كنت تكون و ذلك لان الواحد الاحد لو كان و لاخلق في حده و مقامه ابدا ينبغي ان‌لايكون خلق ابدا فانه سبحانه بنفسه لايتغير عن كيانه و لاينتقل عن حاله و لايبدو في ذاته شيء لم‌يكن هو علي ما كان فان كان سبحانه و لاخلق اي كان بلاكمال كان ذلك النقص له سبحانه قديما مستمرا و ان كان هنالك خلق اي كان كاملا كان ذلك الكمال له سبحانه مستمرا فلو كان و لاخلق في وقته و محله ينبغي ان‌يستمر تلك الحالة و لايكون شيء‌ لان الله سبحانه لايتغير عن كيانه و لايحدث فيه اقتضاء لم‌يكن و لاشيء‌ هناك حتي‌يقتضي الايجاد بل لو كان لكان قبل الاقتضاء و كان الاقتضاء فعله فكان قديما خلقيا و هو ما ذكرنا او واجبا و هو محال و ان لم‌يكن شيء فلاشيء حتي‌يقتضي فيجب ان‌لايحدث شيء‌ ابدا و ان قلت انك جوزت الاحداث بلااقتضاء من الله سبحانه و لامن الخلق فما الذي يضر لو كان الله سبحانه و لاخلق ثم يحدث الخلق بلااقتضاء اقول هذا الكلام حق من وجه و باطل من وجه فان اريد به ان الله سبحانه كان و لاخلق في ذاته ثم احدث الخلق و اريد بثم تأخر رتبة الخلق عن الخالق فهو كذلك كان الله و لاخلق ثم احدث و ان اريد بثم التراخي و التأخر في مدة فذلك باطل لان المدة من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 387 *»

خلقه و ذاته لامدة لها و الكلام يجري في تلك المدة الحاصلة انها كيف كانت هل كان قبلها مدة فاصلة ام لا فان لم‌تكن مدة فاصلة فما تقول فيه نقول في الكل و ان كانت مدة فاصلة اخري يجري الكلام فيه و لايبقي للكلام حد ينتهي اليه بالجملة ان الله سبحانه كان و لاشيء معه في ذاته و الخلق في رتبة الخلق خلق قائم به سبحانه قيام صدور بلاكيف و لاربط و لانسبة و هو منشئه بلاكيف و ليس وراء الخلق مسافة يتقدم فيه الخلق او يتأخر و لامدة يمكن التقدم فيه و التأخر كما قال الرضا7 حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما فاذ لم‌يكن ثالث فتمام الخلق في محله و وقته فلايسئل عن سر وقوع الخلق في موقعه اذا لامدة و لامسافة غير نفس الخلق يمكن التقدم فيهما و التأخر و غير الخلق هو الله سبحانه و لايدخل الخلق في ذات الله سبحانه فليس في محال القول حجة و لافي المسئلة عنه جواب و لا لله في معناه تعظيم فافهم ذلك بتدبر و تعقل ثم قسم هذا الخلق الي قسمين امر و خلق كما قال الله سبحانه له الخلق و الامر تبارك الله رب العالمين و عالم الامر محيط بعالم الخلق من كل جهاته و سار في جميع مراتبه و مقاماته و نافذ فيه نفوذ الاحد في الاعداد بحيث لايخلو منه مكان و ليس محدودا بمكان و ذلك الخلق قائم بذلك الامر قيام الشعاع باضائة المنير و قيام الكلام بتكلم المتكلم و ذلك قوله7 كل شيء‌سواك قائم بامرك و قوله تعالي و من آياته ان‌تقوم السماء و الارض بامره اي سماء المقبولات و ارض القوابل فالامر و الخلق واحد عيانا و منظرا لان الامر غيب الخلق و اثنان مخبرا لان الخلق اثر الامر قائم به قيام صدور و هو شعاعه و نوره و انت تعلم ان الشيء‌ لايتجاوز ماوراء مبدئه فكما لم‌يجز هناك لماسوي الله سبحانه ان‌يتقدم او يتأخر لانه لامدة و لافضاء‌ غير نفس الخلق حتي‌يجوز التقدم فيه و التأخر كذلك لافاصلة بين الامر و الخلق من وقت ممتد او مكان ممهد حتي‌يجوز تقدم الخلق فيه و انما هو امر و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما فان غيرهما ينبغي ان‌لايكون بامر الله و لاخلقه و ليس شيء‌ كذلك و كل ماسوي الامر خلق و كل ما سوي الخلق امر نعم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 388 *»

لو كان الامر في وقت ممتد و لاخلق كان يسئل انه لم‌تعلق بالخلق في ذلك الجزء من ذلك الوقت ولم‌يتعلق في ذلك الوقت و اما اذا كان الامر و لامدة صالحة ان‌يكون فيه الامر و يقع فيه ما يحدث كيف يجوز السؤال عنه و انا اخبرك ان سبب السؤال ما هو و امثل لك في الظاهر مثلا ثم ابين الباطن ان النفس لما كانت مدركة للصور الجزئية عاجزة عن ادراك ما ليس بمعني و لاصورة لاسيما اذا انهمك في عالم المثال الذي هو اغلظ منه و اربط بالمواد الجسمانية اذا ارادت فهم هذا المقام لابد و ان‌تستعمل في ذلك مشعر الخيال و التصور لانهماكها في ذلك مع انها لو ارادت ان‌تدرك ذلك بنفسها ايضا لكانت کذلك الا انها كانت الطف فاذا استعملت مشعرالخيال تصورت فضاء فارغا و تتصور الله سبحانه في مقام من ذلك الفضاء في جهة من الجهات من يمين ذلك الفضاء او يساره او امامه او ورائه او فوقه او كهواء مالئ جميع ذلك الفضاء و الفضاء الذي يدركه المثال مرتبط بالاجسام و يمر عليه وقت لان عالم المثال برزخ بين الدهر و الزمان و له غداة و عشي فيتصور الله سبحانه انه كان في ذلك الزمان برهة من تلك المدة ثم خلق الخلق بعد مدة مديدة كان وحده ولاسواه فيتحير الانسان عند ذلك ان الخالق القادر الذي كان يقدر ان‌يخلق الخلق قبل هذا الوقت لم اخر الخلق الي هذا الجزء من هذه المدة و ربما يتصور مع ذلك وقوع الخلق في بقعة من ذلك الفضاء ثم يتحير انه سبحانه مع قدرته علي ان‌يخلق في بقعة اخري لم خلق في هذه البقعة ولم‌يكن شيء‌ غيره حتی يسأله ايقاع الخلق في هذا الجزء من هذه المدة و في هذه البقعة و الله سبحانه بنفسه ايضا لااقتضاء له و هو حكيم لايرجح شيئا من غير مرجح و لاشيء هناك حتي‌يترجح و يرجحه الله سبحانه بترجحه فيتحير و لو استشعر الانسان انه لو كان الامر هكذا لكان ذلك الفضا محيطا به سبحانه يسعه و يسع خلقه و هو ان كان عين ذاته فكيف يقع ظرفا للخلق و ان كان غير ذاته فهو خلقه و كلامي في خلق الخلق و كيف يحل سبحانه في فضاء و اي فضاء يمكن ان‌يقع فيه الخلق و يحل فيه الخالق و كذلك لو كان مدة و كان الله سبحانه فيها و كان برهة منها و لاخلق ثم خلق الخلق في جزء منها

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 389 *»

فانه حينئذ يكون تلك المدة مشتركة بينه سبحانه و بين ما خلق و لايشتركان في مدة الا ان‌يكونا من جنس واحد كما ان الجسمين يشتركان في الزمان و النفسين تشتركان في الدهر و ذلك لما بينا آنفا ان الوقت امتداد تركيب المركب و لايشترك الشيئان في نحو التركيب الا اذا كانا من جنس واحد كما عرفت فاذا مر علي الله برهة من الوقت ثم خلق ما خلق في جزء منه كان الله سبحانه و خلقه من جنس واحد اشتركا به في نحو الامتداد و لاجل ذلك يتصور النفس كيفية الايجاد و يسئل عن ذلك و من هذا تستبصر امرک لو تدبرت و اذا صرت رجلا تعرف الشيء‌ من غير ان‌تصوره بخيالك فعساك تعرف ما اريد ان‌اذكره لك

و من كان ذافهم يشاهد ما قلنا   و ان‌لم‌يكن فهم فيأخذه عنا
فمنه الينا ما تلونا عليكم   و منا اليكم ما وهبناكم عنا

و ذلك لان بيان هذه المسئلة فوق المشاعر و ليس يدرك ما فوق المدرك بالمدرك كما قال علي7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها و قال الله سبحانه و لكل منا مقام معلوم و السبب في كون هذا البيان فوق مشاعرك لانه بيان كيفية خلقة المشاعر و هي لم‌تكن قبل خلقها حتي‌تعرف انها كيف خلقت فدرك حقيقة ذلك شأن من اشهده الله خلق نفسه و اما ما سوي ذلك فيعرفونه في المعاني السفلي فاستمع لما يتلي عليك فانه من ينبوع العلم النبوي و معدن الحكمة العلوي و لاقوة الا بالله العلي العظم فاذا عرفت ما بينا من عدم مكان ممهد و وقت ممتد بين الله سبحانه و بين جميع خلقه و بين الامر و الخلق فاعلم ان الله سبحانه قسم بعد ذلك الخلق الي ثلث مقامات الجبروت و الملكوت و الملك و هي المشار اليها بقوله سبحانه بسم الله الرحمن الرحيم و المشار اليه في الحديث المروي في الكافي في باب حدوث الاسماء و الجبروت و الملكوت وقتهما الدهر الا ان وقت الجبروت ادوم و الطف و اعلي و اشرف من وقت الملكوت و وقت الملكوت اخس و ادني و اكثف كما اشرنا اليه آنفا و تمام الدهر سرمدي و هو محل المشية الكونية و ليس بينه و بين السرمد الذي هو عالم الامر وقت و لامكان يحتمل تقدم الدهر فيه و التأخر فاذا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 390 *»

قسم الدهر علي قسمين وقع الاعلي منه في حده و محله و الاسفل في حده و محله فلو كان الاعلي الاسفل لم‌يكن اعلي و لو كان الاسفل الاعلي لم‌يكن اسفل فالاعلي اعلي و الاسفل اسفل كل في حده و محله لايجوز تقدم الاعلي و تأخره لما عرفت و لايجوز تقدم الاسفل فيقع في الاعلي و يكون اعلي لااسفل و لايجوز تأخره فيكون ماديا لامجردا فالملكوت اذا صعد فرضا هو جبروت لاملكوت صاعد و الجبروت النازل ملكوت لاجبروت نازل افهم ما اذكره لك و استعمل مدركه لاخيالك و نفسك و عقلك فتزداد تحيرا انما تحسب نفسك في صحن البيت و تجوز صعودك علي السطح و انت انت فتسئل عن سبب كونك في صحن الدار لافي السطح و هذا تخيل بمدرك خيالي و شتان ما بين الخيال و ما اقول لك و انما مثل ذلك الشعلة و الاشعة و مثل صعود الملكوت الي الجبروت صيرورة كينونة الاشعة شعلة و مثل نزول الجبروت الی الملکوت صيرورة کينونة الشعلة اشعة فاذا الشعلة شعلة و الاشعة اشعة و لاتكون الشعلة شعاعا صار شعلة و لايكون الشعاع شعلة صارت اشعة فهو اذا ذاك شعلة و لاشعاع و هذا اذ هو شعاع و لاشعلة فلو خلق البياض سوادا لكان سوادا ابتدائيا لابياضا صار سوادا و لاينقلب البياض الي السواد الا ان‌يعدم و يدخل لجة الامكان ثم يخرج الي فضاء الاكوان و هو سواد و هو سواد ابتدائي فانه بعد ما دخل لجة الامكان صار امكانا لاتعين فيه فهو اذ ذاك صالح لكل شيء و نسبة كل لون اليه علي السواء فاذا خرج الي ساحل الاكوان و خلق سوادا خلق سوادا هو سواد ابتدائي لابياض صار سوادا لو كتبت الفا و محوتها و كتبت بمدادها باء ليس هي الف انقلب باء و الا كل الف باء انقلب اليها و الا كل شيء منقلب كل شيء لانك بعد ما محوت الالف ادخلته في لجة المداد الغير المتعين الصالح لكل حرف فصار كهيئته يوم اول فاذا كتبت به الالف خلقتها ابتداء فافهم ما اكرره لك و اريك من آيات الافاق و الانفس المحكمات و رد اليها متشابهات تصويراتك و اطفيء السراج فقدطلع الصبح فالملكوت اذا صعد الي الجبروت هو جبروت لانه لايثبت بامكانه الجبروت الا ان‌يمحي كونه الملكوتي ثم يدخل في لجة الامكان الراجح ثم يخرج الي ساحل الاكوان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 391 *»

جبروت فاذا عقل جبروتي لانفس ملكوتي و كذلك لايثبت بامكان الجبروت الملكوت الا ان‌يمحي كونه الجبروتي و يدخل في عرصة الامكان الراجح ثم يخرج الي فضاء الملكوت بعد خلق جبروت مقدم عليه فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر انه لايجوز تقدم الملكوت و تأخره و لاتقدم الجبروت و تأخره و لعلك من هذا البرهان ايضا تتفرس استحالة تقدم الامر مطلقا فاذا كل واحد منها في حده و محله ثابت طولا و كذلك حكم الملك الذي وقته الزمان فلايجوز تقدمه في الملكوت لما عرفت آنفا لانه اذا ملكوت لاملك متقدم في الملكوت و لايجوز تأخره لانه ليس وراء عبادان قرية و الله من ورائهم محيط و هو غاية الخلق و نهاية الوجود و الملك في بطن الملكوت اي هو ظاهر الملكوت و الملكوت غيبه المحيط به و الملكوت في بطن الجبروت اي هو ظاهر الجبروت و الجبروت غيبه المحيط و هو في بطن عالم الامر اي هو ظاهره و هو اي الامر غيبه المحيط به و هو غيب الغيوب و غاية الغايات و نهاية الاشارات فاني يتأخر الظاهر و اني يتقدم تدبر راشدا موفقا مستبصرا ناظرا بالفطرة التي خلقك الله عليها غافلا عن القواعد و الرسوم و ما سمعت من العلوم فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم صبغة الله و من احسن من الله صبغة و هذا الذي حققنا و شرحنا و بينا كان في الطول علي نهج الحكمة و ان شئت ان‌نبين ذلك علي نهج المجادلة بينا و لكنه يورث الالتزام دون بلوغ المرام و لكن نشير اليه لئلا‌يبقي لك كلام و ينتفع به من قصر عن درك المقام اعلم انا نقول ان الخلق اي ما سوي الله اذا تقدم او تأخر عن حده و محله لايخلو اما يتقدم في مكان او وقت او لافي مكان و لافي وقت اما الشق الاخير فهو خلاف المعقول و انا نتكلم في ما نعقل و نكلف بما نعقل و احتمال جواز تقدم او تأخر في لامكان و لازمان احتمال سوفسطائي لايفيد شيئا هب انا نقول لامكان و لازمان اليس يتقدم في شيء‌ صالح للتقدم فيه او يتأخر في شيء‌ صالح للتأخر فيه و لايسعك ان‌تنكر ذلك فسم ذلك الشيء‌ ما شئت فهذا الشيء‌ لايخلو اما انه قديم او حادث فان كان ذلك الشيء قديما و هو ذات الله سبحانه فقدصار محلا لغيره من الحوادث

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 392 *»

و محل الحادث حادث كما حقق في محله و ليس هيهنا موضع بيانه و لو شئنا ان‌نستقصي جميع ما يتعلق بالمسئلة ليفني العمر قبل ان‌يشرح المسئلة المسؤلة و ان كان هو غير ذات الله فقدتعدد القدماء و ان كان حادثا فننقل الكلام اليه فنسئل عنه بل هو من اجزاء ما كنا نتكلم فيه فان كلامنا في ما سوي الله سبحانه و هو مما سوي الله فثبت ان غير الله اي ما سوي الله لايجوز ان‌يتقدم عن حده و لايتأخر عن محله و هكذا الكلام في العوالم الثلثة المشار اليها فان عالم الجبروت اذا تقدم يجب ان‌يتقدم في شيء‌يجوز التقدم فيه فان كان ذلك الشيء نفس عالم الامر فوجب ان‌يصير الخلق امرا حتي‌يجوز دخوله في عالم الامر و يصير المؤثر اثرا و يوجد الشيء قبل كونه و هو محال و ان كان غير الامر و غير الجبروت فلاثالث بين الامر و الخلق فقدقال الله سبحانه له الخلق و الامر و اول صادر عن الامر هو عالم الجبروت فانه عالم العقول و اول ما خلق الله العقل و ان كان هو ايضا من عالم الجبروت فهو هو و هو من اجزاء ما يكون الكلام فيه و كذا لايجوز تأخره عن حده و محله فان مادونه صفته و الموصوف لايصير صفة فان الموصوف بالنسبة الي صفته قائم بنفسه و الصفة قائمة بالموصوف فلو نزل الموصوف الي عالم الصفة لكان صفة و لم‌يكن موصوفا نازلا فافهم و الكلام في الملكوت و الملك كالكلام في الجبروت و العقليات لاتخصص فتدبر و هذا الذي ذكرنا في الطول و قدثبت ان كل شيء واقع في رتبة لايجوز التقدم له عليها و لاتأخره عنها و اما علة وضع كل شيء في العرض في محله و حده كوقوع زيد في السنة المعلومة و عدم وقوعه قبلها و بعدها فاعلم ان الله سبحانه هو القادر الذي لايعجزه شيء و العادل الذي لاجور في حكمه و السلطان الذي لاراد لقضائه و لامانع من امره و الغني الذي لاافتقار له الي شيء و الازل الذي لاتغير له و لاتبدل و الاحد الذي ليس فيه اقتضاء لشيء و انتساب الي شيء و ارتباط بشيء و ليس فيه حيث و حيث و جهة و جهة و اعتبار و اعتبار و لايجري عليه البداوات و لايستفزه الميولات و لايستخفه الشهوات فهو احد ازل غني عادل عالم حكيم جواد يجيب اذا سئل و يعطي اذا طلب علي حسب طلب الطالب و سؤال السائل قداستوي علي عرش

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 393 *»

الرحمة الواسعة ليس شيء‌ اقرب اليه من شيء جل عن المباشرة و عن المساورة و تعالي عن معاناة الاشياء و تقدس عن مقارنته بالامور فابي ان‌يجري الاشياء الا بالاسباب و الاسباب الا بالاقتضاء و الاقتضاء من نفس الاشياء في حدها عند خلقها حال ايجادها لاقبلها و لابعدها فلما سأل كل شيء بلسان حده في الحد الذي هو فيه عند الحد الذي هو فيه ان‌يجعله اياه حكم له به بامره و حكمه المستعلي علي الخلق علي حسب استعداد خلقه المقترن بالايجاد عند الايجاد فوضع كل شيء في حده و محله و كل شيء هو هو اذا كان علي ما هو عليه فان لم‌يكن هو علي ما هو عليه فلم‌يكن هو هو و كان غيره و لايكون علي ما هو عليه الا ان‌يكون في كم و كيف و جهة و رتبة و وقت هو فيها هو و هو بها هو و هذه الحدود بالتعين الخاص الذي به كان ذلك الشيء هو هو ليس في تمام الملك الا في شيء‌ واحد و ليس الا مقام خاص معين من الملك فكيف يجوز تقدم الشيء عن حده هذا مع ان تمام الملك مرتبط بعضه ببعض لو تغير عربی جزء واحد منه تغير الكل مثلا وقوعك في هذه السنة الخاصة و انت انت علي كمك و كيفك و جهتك و رتبتك و مكانك ليس يحصل الا في هذه السنة و هذه الحالة التي انت فيها و هذه السنة ليس يمكن ان‌تكون غيرها و هذه الحمرة و الصفرة و اللون الذي انت عليه و هذه الكيفية الخاصة التي انت عليها و هذه الكمية الخاصة و الجهة الخاصة و الرتبة الخاصة التي انت عليها ليس يحصل الا في هذا الجزء الذي انت فيه فان قصر اجلك مثلا سببه دورة القمر فلايكون الا في دورة القمر و دورة القمر لاتكون الا بعد دورات الكواكب السابقة عليه و لو تقدمت عليها لجرت علي خلاف الاقتضاء و الحكمة التي يجب ان‌يكون فعل الله عليه و جعل خلاف الحكمة الحكمة خلاف الغني المطلق و الحكمة فوجب ان‌يكون قصر عمرك في دورة القمر فتعينت الدورة و يجب ان‌يكون بياض لونك في الاقاليم الباردة الشمالية لان البرد سبب بياض اللون و جعل الحر سبب بياض اللون خلاف الحكمة و اعتدال طبعك من مقتضيات الاقليم الثالث و الرابع فلايكون في غيرها و اخلاقك المعينة من مقتضيات البرج المربي لبلدة يزد و الكوكب المربي لها فلايكون في غيره و كونك من العناصر السفلية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 394 *»

لايحصل في الافلاك و ضعف بنيتك من مقتضيات اواخر دورة القمر لا اوائلها و بعض خصوصيات بنيتك من مقتضيات سنة من دورة القمر يكون طالعها برج كذا و كوكب كذا و درجة كذا و الكواكب في بروج كذا و درجات كذا و السهام في بروج كذا و درجات كذا فجميع الخصوصيات المقتضية لجميع ما انت عليه ليس في عالم الملك الا في موضع واحد و جزء واحد من الزمان فلو جعلت في غير هذا الجزء لكنت بلااقتضاء من الاسباب و العلل و جريت علي خلاف الحكمة و خلاف الحكمة من الغني محال و قدعرفت ان كل الزمان لايمكن فيه التقدم و التأخر حتي‌يقع كل هذه الخصوصيات في موضع خصوصيات اخر لانه ليس ورائه مكان ممهد و لازمان ممتد يصح التقدم فيه و التأخر عنه و الزمان و المكان مساوقان مع الملك فمكانه تلك القبضة الامكانية التي حلت الصورة الملكية عليها و زمانه امتداد تركيبه و كل ذلك مع الملك و ليس وراء الملك مكان و لازمان و قدعرفت ذلك مفصلا فتقدم الكل و تأخره غير معقول و تقدم البعض و تأخره خلاف الحكمة فلايجوز تقدم وجودك الذي هو من مقضيات اسباب خاصة ليس في جزء خاص من الزمان فوجب في الحكمة ان تقع في مكان خاص وزمان خاص و جهة خاصة و رتبة خاصة و كم خاص و كيف خاص انت بها انت و لولاها لم‌تكن انت انت و كل شيء من اجزاء العالم سبب شيء و مسبب شيء و دليل شيء و مدلول شيء‌ و علة شيء و معلول شيء و مقتضي شيء بالكسر و مقتضي شيء و حاصل من شيء و محصول شيء و يخرج من شيء و يخرج منه شيء و يلد شيئا و يولد من شيء و يوجد بشيء و يوجد منه شيء وعلي شيء و عليه شيء‌ و قبل شيء و بعد شيء و صفة شيء و موصوف شيء و اثر شيء و مؤثر شيء و فاعل شيء و مفعول شيء و ظاهر شيء و باطن شيئ و عرض شيء و معروض شيء و هكذا و ليس شيء هوهو الا ان‌يكون علي ما هو عليه و لايكون علي ما هو عليه الا باسبابه و دلائله و علله و مقتضياته و محصله و مخرجه و والده و هكذا و هكذا كل جزء جزء‌ فاذا وسعت صدرك و اجلت فكرك عرفت انه ليس يمكن ان‌يكون الخلق

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 395 *»

الا هكذا و لايكون الخلق علي نظم الحكمة الا ان‌يكون في الظهور الناقص قبل التمام و الصغر قبل الكبر و الحاصل قبل المحصول و الفاعل قبل المفعول و هكذا و اجر ما ذكرنا في كل شيء‌ شيء و انظر الي ما يحتاج فيما هو عليه اليه و تصور تقدمه عليه و هكذا تدبر في تلك الاسباب و ما تحتاج في ما هي عليه اليه و تصور تقدمه عليه و هكذا حتي‌تجد كل شيء‌ في موضعه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين حتي‌تتثبت ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير.

و اما قولكم في السؤال مع انه غير محتاج الي تحصيل الاسباب الخ فاعلم وفقك الله تعالي ان الاسباب ليس لحاجته سبحانه اليها لانه كامل لانقص فيه و قادر لاعجز له و لكن الخلق يحتاجون في انفعالهم الي الاسباب و لايطيقون تلقي الامر من الله سبحانه من دون سبب و لولم‌يكن السبب لفني المسبب و لاحرق سبحات وجه المسبب بالكسر ما انتهي اليه بصره من المسبب بالفتح فالسبب لاجل تمكين الموجَد لا الموجِد بالكسر و لو جعل الموجَد بالفتح بحيث يتحمل نور الموجِد و يتلقي امره لم‌يكن الموجَد ذلك الموجَد و انما كان غيره و خلاف الحكمة ليس يكون موافق الحكمة و الغني الحكيم لايجعل خلاف الحكمة الحكمة لانه ليس بحكمة و لاحاجة اليه و هو عبث الاتري ان نور الشمس جزء‌ من سبعين جزء من نور الكرسي و انت لاتتحمل ضوء الشمس و حره فكيف لك بضوء الكرسي و اما الشمس فتتحمله و لاتتحمل نور العرش لان الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش و لكن الكرسي يتحمل نور العرش فلو جعلت الشمس بحيث تتحمل نور العرش لكانت بقوة الكرسي و صفائه و لطافته فكانت بضوئه و قوته و احرق الارض باشراقه لان الارض لاتطيق نور الكرسي فكانت الشمس اذا كرسيا لاشمسا علي ما هي الآن عليه فان هذه البنية لاتطيق ازيد من نور الكرسي فالعرش ليس بمحتاج الي الكرسي في الاشراق و انما المحتاج الي وساطة الكرسي الشمس اذ لولاه لانعدم و احترق جرمه و ليس الكرسي محتاجا الي الشمس في الاشراق و انما المحتاج الي الشمس الارض فلولا الشمس و اشرقت الكرسي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 396 *»

علي الارض من غير واسطة لانعدمت و احترقت الارض و ما بقيت و ليس الخالق كالمخلوق و الفاعل كالمفعول و سبب هذا السؤال انك قست الله سبحانه بنجار يحتاج في قطعه الخشب بالمنشار و في ثقبه اياه بالمثقب فالنجار محتاج الي الاسباب في فعله و ذلك لان ما يطلب حدوثه في الخشب ليس من خلقه و اثره و انما هو بتكميله و لو كان اثره لعدم بموته و هو يموت و ما حدث في الخشب باق فمثل هذا يحتاج الي اسباب فتصورت الله كالنجار و علمت بالفطرة انه لايحتاج الي الاسباب فتحيرت ان النجار الذي لايحتاج في القطع الي منشار لم‌لايقطع الي ان‌يؤتي بالمنشار و اذا كان لايحتاج في الثقب الي مثقب لم‌لايثقب حتي‌يؤتي بالمثقب فسألت و اذا تركت التصور لله سبحانه و لم‌تصوره كما قال علي7 في جواب من سأله عن التوحيد التوحيد الاتتوهمه و قال كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و علمت غناه المطلق ثم نظرت الي اصناف خلقه و عرفت اختلافهم في القوة و الضعف في جميع مالهم و بهم و فيهم و منهم و اليهم و تدبرت في فعل الغني انه لاحاجة له الي شيء فيجعل كل شيء علي ما يقتضيه علمت ان الخلق يحتاجون الي الاسباب فالضعفاء منهم في كل مقام يحتاجون الي توسط الاقوياء في الاستمداد من بارئهم ولايوجدون الا بوساطة تلك الاسباب فاذا كان المخلوق يحتاج الي الاسباب يتأخر ايجاده الي حدوث اسبابه حتي‌يوجد و ليس في تأخر ايجاده ينتظر الله حلول وقت ايجاده فان كل شيء عند الله موجود في حده و محله كما عرفت و انما تمر انت علي شيء بعد شيء و تلتفت الي شيء بعد شيء كالذر الذي يمشي علي ثوب مقلم و انت ناظر من فوقه علي كل الثوب فتري جميع القلمات بمحضر واحد و هو لايري الا القلم الذي هو فيه و يزعم حدوث قلم بعد قلم و ينتظر حدوث قلم بعد قلم و ذلك مثلك في السير في مقلمات الليالي و الايام و جميعها حاضر عند الله سبحانه موجود اليه لاينتظر حدوث شيء‌ منها فوضع كل شيء في وقته و مكانه بوضع واحد و عرصة العالم هو اللوح الذي كتب الله بقلم الابداع فعن ابي‌عبدالله7 ان الله سبحانه بعد ما خلق القلم قال للقلم اكتب قال يا رب و ما اكتب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 397 *»

 قال اكتب ما كان و ما هو كائن الي يوم القيمة فكتب القلم في رق اشد بياضا من الفضة و اصفي من الياقوت ثم طواه فجعله في ركن العرش ثم ختم علي قم القلم فلم ينطق بعد و لاينطق ابدا فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها الخبر و في حديث آخر فهو بين يديه موضوع ما شاء منه زاد و ما شاء نقص منه و ماشاء كان و ما شاء لايكون الخبر. فهو سبحانه لاينتظر حدوث شيء بعد شيء بل ما كان ينتظر احداث الملك قبل احداثه ابدا فانه لم‌يكن في وقت كما مر فالتأخرات المشهودة ليست بالنسبة الي الله سبحانه و ليس الله سبحانه اخر الايجاد او قدم و انما خلق الخلق دفعة و وضع كل شيء في حده و محله علي ما اقتضت انيته.

و اما قولكم ان شأن الفياض علي الاطلاق هو الافاضة في كل عالم بتمامه الخ فاعلم ان الله سبحانه فياض بلاشك الا انه يفيض علي كل شيء بحسب اقتضاه و قابليته لابحسب ذاته سبحانه فانه هو المستوي علي عرش الايجاد و ليس شيء اقرب اليه من شيء آخر و هو نسبته مع كل شيء علي السواء فقربه الي محمد9 و الي الشيطان علي حد سواء الا ان محمدا9 هو اصفي و احكي لانوار الله سبحانه و مثلهما مثل المرآة و الطابوقة في الشمس فنسبة الشمس اليهما علي حد سواء و لكن المرآة تحكي انوار الشمس و الطابوقة لاتحكي و المرآة اقرب الي الشمس و انسب اليها و ذلك قوله7 في الدعاء انت لاتحتجب عن خلقك الا ان‌تحجبهم الآمال دونك فهو سبحانه اذا صار نسبته مع كل شيء علي السواء يكون افاضته ايضا علي حد سواء كاشراق الشمس فانها تشرق علي الارض الطيبة و علي السبخة علي حد سواء و لكن الاشياء في استفاضاتها تختلف فمنها ما تنفعل بذلك الفيض اولا و منها ما تنفعل ثانيا و منها ثالثا و هكذا مثال ذلك اذا استولت نار علي اجمة علي حد سواء فيحترق ما كان من القصبات يابسا اولا ثم يجف الذي له قليل رطوبة في اوقات احتراق الاول فاذا احترق الاول بلغ الثاني جفافه و يبسه حد الاحتراق فيحترق و يجف الثالث و ييبس في اوقات احتراق الاول و الثاني حتي اذا احترق الثاني بعد الاول بلغ يبسه مبلغ صلوح الاحتراق و هكذا و النار المستولية واحدة و نسبتها

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 398 *»

الي جميع الاجمة علي حد سواء و لكن القوابل تختلف في سرعة الاجابة و بطئها بحسب اليبوسة المستعدة و الرطوبة المانعة و كذلك ان الله سبحانه اشرق بنور كلمته التي انزجر لها العمق الاكبر فاضاء به جميع عرصة الامكان فاستضاء به اولا مالم‌يكن لوجوده شرط و لاسبب آخر غير فاعله فلبي قبل كل شيء فانه لم‌يتوقف الا علي الداعي و الداعي قددعا فاجاب و استضاء و تأخر عنه بدرجة ما كان وجوده مشروطا بالداعي و المخلوق الاول الذي هو العقل ثم تأخر عنه بدرجة ما كان وجوده مشروطا بالعقل و الروح مثلا و هكذا و الحكمة في ذلك لمن القي السمع و هو شهيد ان الله سبحانه احد قائم بنفسه غني عن غيره و خلقه مختلف المراتب لتكثره فما كان منه قريبا من المبدء كان اغني بربه و ما كان منه بعيدا كان افقر الي غيره فالمخلوق الاول اغني المخلوقات بربه عن غيره فلايقف وجوده علي غير بارئه وكل ما يتنزل الخلق يشتد فيه الفقر و الحاجة الي الشروط و الاسباب و العلل و المكملات و المتممات فلايلبي دعوة الداعي الا بعد حصول تلك الاسباب انظر الي كتابتك انها بحركة يدك و حركة يدك موجودة لاتنقص عن حرف و لاتعجز عن كتب شيء‌ و لكنك اذا وضعت قلمك علي الصحيفة يرتسم النقطة لانها لاتتوقف علي تقدم شيء من الحروف فاول ما يلبي هو النقطة و اما الالف فلاتلبي الا بعد النقطة فان وجودها تتوقف علي احداث نقطة فنقطة فنقطة متصلة بعضها الي البعض و الباء لاتقبل الوجود الا بعد حدوث النقطة و جريان تلك النقطة الي الالف و انبساطها و الجيم لاتوجد الا بعد النقطة و الالف المائلة و الالف المنبسطة و هكذا ساير الحروف و الكلمة لاتوجد الا بعد ايجاد الحروف و الآية لاتوجد الا بعد انوجاد الكلمات و السورة لاتوجد الا بعد انوجاد الآيات و الكتاب لايوجد الا بعد انوجاد السور فكل شيء لابد في وجوده من شروط و قيود لابد و ان‌يوجد بعد حصول اسبابها و شروطها فالكتاب ليس الا مجمع السور فوجوده فرع وجود السور و السورة ليس الا مجمع الآيات فوجودها فرع وجود الآيات و الآية ليست الا مجمع الكلمات فوجودها فرع وجود الكلمات و الكلمة ليست الا مجمع الحروف فوجودها فرع وجود الحروف و الحروف ليست الا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 399 *»

الحاصل من النقاط فوجودها فرع وجود النقاط و النقطة غير متوقفة علي حرف و انما هي فرع حركة اليد فلاتكون الا بعد حركة اليد فهذا آية ما يمكن في الامكان من الاكوان فكل ما يمكن في الامكان لو كان غير متوقف علي شيء آخر لكان امرا واحدا و هو العقل اذ هو الذي لايتوقف علي كون آخر الا علي امر الله سبحانه ولو كان متكثر لكان مختلفا و اذا صار مختلفا لاختلف مراتبه باختلاف التوقف علي العلل و الاسباب فتأخر متأخر و تقدم متقدم و وقع الدعوة علي الكل علي نهج واحد و منهم من تقدم في الاجابة و منهم من تأخر في الاجابة و المتقدم الغير المتوقف علي شيء يسمع الدعوة و يري اشارة الداعي لقوة حسه فيجيب و المتأخر المتوقف علي سابق لايسمع الدعوة الا من لسان السابق و لايري اشارة الداعي الا من كم الفرط فمتي ما سمع اجاب الاتري انه لوكان رجل بقربك و رجل ابعد بمقدار غلوة سهم و رجل آخر علي رأس ميل فاذا دعوت و ناديت يسمع الذي بقرب منك اول و يجيب ثم يتخطاه الدعوة حتي‌يصل الي الذي علي غلوة سهم فيجيب ثم تتخطاه حتي‌يصل الي الذي علي رأس ميل مجملا يجيب من يسمع متي ما سمع و يحترق من يحس بالاحراق عند ما يحس و ذلك لاختلاف مراتب الممكنات و لو كان كلهم يسمعون الصيحة لكان آذانهم علي حد واحد و لكانوا اذا واحدا و عند ذلك كان الفيض محدودا منقطعا غير عربی جار الي مالانهاية له من مراتب الامكان قال الله سبحانه انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فاعلم ان الله سبحانه ملأ فيضه جميع اطباق الوجود طولا و عرضا فلايخلو منه مكان الا انه تجلي فيضه في كل مكان علي حسبه كما بينا و ليس فضاء آخر لايكون فيه الامكان و لم‌يبق في عالم الامكان فضاء لايكون فيه كون و ليس الا الله و خلقه و في خلقه ليس الا امر و خلقه و في خلقه هذا ليس الا الجبروت و الملكوت و الملك و تمام الجبروت مشحون بالجبروتيات و تمام الملكوت مشحون بالملكوتيات و تمام الملك مشحون بالملكيات و قدملأ اطباق كل عالم من العوالم الثلثة من جزئياته و وضع كل جزئي جزئي بعد علله و اسبابه و شروطه و ما به قوامه و ثباته و وضع كل جزئي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 400 *»

جزئي في كمه و كيفه و جهته و رتبته ووقته و محله و وضعه و اجله الذي هو به هو و لولا واحد منها لم‌يكن هوهو فلو قدم شيء‌ منها عن حده او اخر لم‌يكن هوهو فان الخلق مرتبط بعضه ببعض و تقدم مالايحتاج و لايتوقف الي المتأخر و تأخر ما يحتاج الي المتقدم فافهم راشدا موفقا فان التدبر في هذه المسئلة و فهمها يحتاج الي صدر واسع يسع الآيات البينات كما قال سبحانه بل هي آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و ما يجحد بآياتنا الا الظالمون احفظ حدود ما بينت لك فقدجمعت لك كل شيء تريد و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

قال سلمه الله السؤال الثاني و كانه من تتمة السؤال الاول ما معني قوله9 اول ما خلق الله نوري او اول ما خلق الله العقل ما هذا الاول و ما المراد منه و كم مضي منه و ما كان قبله في عالم الامكان او لم‌يكن قبله شيء.

اقول اعلم ان هذه الاولية ليست باولية زمانية بل هي اولية رتبية يعني كان مقام محمد9 قبل كل شيء بحيث لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع فخلقه الله قبل ان‌يكون سماء مبنية و لا ارض مدحية و قبل الغيب و الشهادة و الدنيا و الآخرة و قبل العوالم كلها لم‌يكن معه احد و هو الآن واحد فرد في مقامه ليس معه احد يسبح الله و يقدسه و يهلله و يكبره و لاحاس و لا محسوس غيره ثم خلق الله الخلق بعده9 في الرتبة و لم‌يصاقعه ما سواه بعد ما خلق و لم‌يكن في رتبته و كان تحته في الرتبة بماشاء الله و اما قولك كم مضي منه فعن محمد بن سنان قال كنت عند ابي‌جعفرالثاني7 فذكرت اختلاف الشيعة فقال ان الله لم‌يزل فردا متفردا في وحدانيته ثم خلق محمدا و عليا و فاطمة فمكثوا الف الف دهر ثم خلق الاشياء و اشهدهم خلقها و اجري عليها طاعتهم و جعل فيهم منه ما شاء و فوض امر الاشياء اليهم منهم قائمون مقامه يحللون ما شاؤا و يحرمون ما شاؤا و لايفعلون الا ما شاء الله فهذه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 401 *»

 الديانة التي من تقدمها غرق و من تأخر عنها محق خذها يا محمد فانها من مخزون العلم و مكنونه انتهي. و قدعرفت مما سبق ان كل دهر مائة الف سنة كل سنة مائة الف شهر كل شهر مائة الف اسبوع كل اسبوع مائة الف يوم كل يوم مائة الف ساعة كل ساعة مائة الف دقيقة كل دقيقة منها يساوي مائة الف سنة من سني الدنيا فهم: مكثوا متوحدين الف الف دهر و لاحاس و لا محسوس ثم خلق الله سبحانه العوالم وهي الف الف عالم كما روي عن ابي‌حمزة‌الثمالي قال سمعت علي‌بن‌الحسين‌7 يقول ان الله خلق محمدا و عليا و الطيبين من نور عظمته و اقامهم اشباحا قبل المخلوقات ثم قال اتظن ان الله لم‌يخلق خلقا سواكم بلي و الله لقدخلق الله الف الف آدم و الف الف عالم و انت و الله في آخر تلك العوالم انتهي و هذه العوالم الالف الالف كلها تحت رتبتهم: و هم قدخلقوا قبل جميعها بالف الف دهر علي ما بينا و هذا التحديد تحديد الطول في العرض للتفهيم و التفهم و الاشارة الي المراتب و الا فلو صار الرتبة الدنيا كلها لوحا مسطحا بسمائها و ارضها و برها و بحرها و جعل بحار سماواتها و ارضها مدادا و جميع اشجارها اقلاما و كتب بتلك الاقلام من ذلك المداد في تلك اللوحة الوف سنين تقدم العليا علي الدنيا ما وفي بها قال الله سبحان قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و ذلك لان الداني كائنا ما كان بالغا ما بلغ ظهور العالي و الظهور لايحكي من العالي الا بقدر ما ظهر له به و لم‌يتجل العالي في الداني الا من حيث ظهوره للداني في رتبة الداني و له شؤن و اطوار ذاتية لايمكن ظهورها في رتبة الداني و لنعم ما قال ابن الازري

ما عسي ان‌اقول في ذي معال   علة الدهر كله احديها

فاياك ان‌تسأل تعنتا و تجربة و عمالايعنيك و عمالم‌تحط به علما و ما روي في الاخبار عن الائمة الاطهار سلام الله عليهم غير هذا المقدار من المقادير فذلك لاختلاف المقامات و اختلاف الملاحظات كما روي عن احمد بن حنبل عن رسول الله9 كنت انا و علي نورا بين يدي الرحمن قبل ان‌يخلق

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 402 *»

 عرشه باربعة عشر الف عام و من طرقنا عن جابر عن الباقر7 ايضا هذا المقدار و كذا عن غيره: و عن ابن عباس قال كنا عند رسول الله9 فاقبل علي بن ابي طالب فقال له النبي9 مرحبا بمن خلقه الله قبل ابيه باربعين الف سنة الخبر و عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن اميرالمؤمنين7 قال ان الله خلق نور محمد9 قبل خلق المخلوقات كلها باربعمائة الف سنة و اربعة و عشرين الف سنة و من الاختصاص عنهم: ان الله خلقنا قبل الخلق بالفي الف عام الخبر. فهذه المقادير اختلفت بحسب اختلاف مراتبهم و تنزلاتهم في العوالم فكل مقدار اقل من رتبة ادني و كل مقدار اكثر من رتبة اعلي او هي من باب عد المقدار الواحد بتعبيرات مختلفة بحسب التقاسيم و الكسور فتقول مرة اربعون و مرة عشرون لانه عشرون اثنان و مرة تقول عشرة لانه عشر اربعات و مرة تقول ثمانية لانه ثمان خسمات و مرة تقول خمسة لانه خمس ثمانيات و مرة تقول اربعة لانه اربع عشرات و مرة تقول اثنان لانه عشرونان و مرة تقول واحد فانه اربعون واحد و ليس باربعينين فاختلاف المقادير بحسب اختلاف الانظار و ليس انه لايمكن استخراج وجوه كل واحد من هذه المقادير بل يمكن باتم وجه الا انك سألت عمالايعنيك و انا في شغل كثير و هم جليل ليس لي فرصة و لو تمكن الملاقات لاخبرتك بوجه استخراجها حتي‌تعرف كيفيته و التوجه الي الجواب عما يعنيك اولي فللدهر عوائق غائلة.

قال ايده الله الثالث لايخفي ان الغرض الاصلي من هذا الايجاد هو الافاضة و الجود فما معني الخلود في النار دائما فان كان لتشفي قلوب اوليائه فقديحصل باقل من ذلك كالف سنة مثلا او اعدام الكافر بالكلية فان قلنا بعذب العذاب كما في سمندر فهو خلاف الكتاب و السنة و اجماع الشيعة.

اقول لاشك ان الغرض الاصلي من هذا الايجاد هو الافاضة و الجود و لكن يجب ان‌يعرف معني الجود و معني الافاضة فمعني الجود ان‌يعطي الجواد كل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 403 *»

ذي حق حقه و يسوق الي كل طالب طلبته فيعطي كل سائل ما سأل لاما يريد لاسيما اذا كان الجواد لا اقتضاء له من حيث نفسه و كان غنيا عن العطاء و المنع و ان الجواد بالطبع من كان في طبعه داع مهيج الي العطاء كغلبة البلغم الداعي الي الدفع و العطاء و غلبة الرقة في القلب فهو يعطي بطبعه و يتلذذ بما يفعل لانه يجري منه علي حسب طبعه و الله سبحانه جواد لاباقتضاء طبع منه داع الي العطاء و الجود بل هو غني مطلق و كامل حق فيعطي كل من يسأله بما يسأله به حين ما يسأله ما يسأله و لايسأله الا ما يجوز ان‌يحكم له به من اشعة انوار رحمته الواسعة و لايجوز ان‌يحكم له بشيء الا بما يسأله و يقتضيه فبما حكم لهم سألوا و بما سألوا حكم لهم فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الله سبحانه كامل و لانهاية لكماله فلو كان لكماله غاية لكان محدودا يستدعي الزيادة و ما يستدعي الزيادة يقبل النقصان و القابل للزيادة و النقصان ممكن حادث و هو سبحانه قديم و قدعرف نفسه بذلك في مقدوراته الامكانية فجعل الامكان بلاغاية و لانهاية و ليس في الامكان ما يمكن ان‌لايقدر الله عليه فهو علي طبق قدرته فلايعقل ان‌يظهر القدرة فيمالايمكن فجميع مقدوراته و لانهاية له ممكن و جميع الممكنات مقدور له سبحانه و مظهر قدرته سبحانه مشيته التي خلق بها الامكان فهي حاد الامكان و الامكان حاد لها فليس في المشية مالم‌يكن ممكنا و ليس في الامكان مالم‌يكن مشاء و لما كان كل ممكن زوجا تركيبا(تركيبيا) مركبا من جهة الي ربه و جهة الي نفسه و جهة الرب هي جهة النور و الخير و الكمال و النعيم و جهة النفس هي جهة الظلمة و الشر و النقص و العذاب المقيم صار عربی جهة الرب لانهاية لها ولاغاية و جهة النفس لانهاية لها و لاغاية لان الفيض دائم مستمر والمدد ابدي كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا فيمد الله سبحانه جهة النور بما تسأله كما تسأله و الا لم‌تكن هي هي و يمد جهة الظلمة بما تسأله كما تسأله و الا لم‌تكن هي هي  فلو امد النور بالظلمة بما تسأله كما تسأله والا لم‌تكن هي هي فلو امد النور بالظلمة انقطع النور فكانت ظلمة صرفة فكانت جهة نفس حادثة ولاجهة رب و لو امد الظلمة بالنور انقطعت فكانت نورا صرفا فكانت جهة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 404 *»

رب حادثة و لاجهة نفس و كلاهما محالان فانه لابد في الحادث منهما و لايوجد الا بهما فاذا كان في وجوده لابد منهما و لابد لهما ان‌يمدا بمايشاكلهما و كل ما دخل في عرصة الوجود لايخرج منها ثبت دوام النور في نورانيته و دوام الظلمة في ظلمانيته و دوام الخير في خيريته و دوام الشر في شريته و دوام الكمال في كماليته و دوام النقص في نقصيته و دوام الراحة في كونها راحة و دوام التعب في كونه تعبا و دوام النعيم في كونه نعيما و دوام الشقاء في كونه شقاء فان كل شيء لايسأل الا بلسان ما هو عليه فلايمد الا بما هو عليه فالبياض حين هو بياض لايسأل من ربه الا ان‌يمده بما به بقاؤه و ثباته و ليس بقاؤه الا بما يناسب كينونته فلايمد الا بما يناسب كينونته و ذلك ان السنة الاشياء في السؤال حدودها الخاصة و ما به هي هي فلسان البياض حدوده الخاصة التي بها تميز من الحمرة و لسان السواد حدوده الخاصة التي بها تميز من الصفرة مثلا و ميل كل شيء الي ما يجانسه و يوافقه و لا مايضاده و يخالفه و اوفق الاشياء بالشيء نفسه فيميل الي ما به بقاؤ ذاته بالذات و الي ساير المجانسات بالتبع لاجل المجانسة لمحبوبه و هو ذاته فلايسأل البياض بلسان قابليته الا ما به بقاؤ ذاته و هو البياضية فالبياض يسأل البياضية مادام هو بياض و لايمد الا بمايسأل فيمد بالبياضية ابدا و لنعم ما قال الشاعر

مسئلة الدور عربی جرت بيني و بين من احب   لولا مشيبي ما جفي لولا جفاه لم‌اشب

فلولا سؤاله البياضية لم‌يمد بها و لولم‌يمد لم‌يدم فبالمدد دام و دائما سأل فكان البياض ابدا بياضا و السواد ابدا سوادا و العوج ابدا عوجا و الاستقامة استقامة قال الله سبحانه ما يبدل القول لدي و ما انا بظلام للعبيد و قال كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا وقال لاتبديل لخلق الله فالسعيد مادام سعيدا لايسأل الا الرحمة و المغفرة و النعيم فلايمد الا بها فبالمدد دام و دائما يسأل و لسان سؤاله سعادته و هي لايسأل الا ما هي به هي و الشقي مادام شقيا لايسأل الا النقمة و الاخذ و العذاب المقيم فلايمد الا بها فبالمدد دام و دائما يسأل و لسان سؤاله شقاوته فلايفتر عنهم العذاب و هم فيه مبلسون اي آيسون لما عرفوا انه لا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 405 *»

تبديل لخلق الله و انه لايبدل القول لديه فمن حكم الله له بالسعادة سعيد مادام ملك الله و من حكم الله له بالشقاوة شقي مادام ملك الله فعن الباقر7 في هذه الاية كما بدءكم تعودون ان الله خلقهم حين خلقهم مؤمنا و كافرا و شقيا و سعيدا و كذلك يعودون يوم القيمة مهتد و ضال قال رسول الله9 الشقي من شقي في بطن امه و السعيد من سعد في بطن امه و سمع الرضا7 يقول جف القلم بحقيقة الكتاب من الله بالسعادة لمن آمن و اتقي و الشقاوة من الله تبارك و تعالي لمن كذب و عصي انتهي فالسعادة الاصلية لايخاف زوالها اتكالا علي فضل الله و وعدا منه و الشقاوة الاصلية لايرجي زوالها بتا من الله سبحانه عليه نعم بعد ما ثبتت السعادة و الشقاوة في عالم الذر و تزيلوا نزلوا من ذلك العالم الي دار البلي و الاختبار فاختلط الابرار و الفجار فتلطخ الفجار بالابرار و الابرار بالفجار و احتيج الي الاختبار للتمييز ليميزالله الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم اولئك هم الخاسرون فعن الصادق7 عن ابيه7 قال خرج رسول الله9 قابضا علي شيئين في يده ففتح يده اليمني ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من الرحمن الرحيم في اهل الجنة باعدادهم و احسابهم و انسابهم مجمل عليهم لاينقص منهم احد و لايزاد فيهم احد ثم فتح يده اليسري فقال بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من الله الرحمن الرحيم في اهل النار باعدادهم و احسابهم و انسابهم مجمل عليهم الي يوم القيمة لاينقص منهم احد و لايزاد فيهم احد و قديسلك بالسعداء طريق الاشقياء حتي‌يقال هم منهم هم هم ما اشبههم بهم ثم يدرك احدهم سعادته قبل موته و لو بفواق ناقة و قديسلك بالاشقياء طريق اهل السعادة حتي‌يقال هم منهم هم هم ما اشبههم بهم ثم يدرك احدهم شقاه و لو قبل موته بفواق ناقة فقال النبي9 العمل بخواتيمه العمل بخواتيمه العمل بخواتيمه انتهي فما كان من شقاء و شعادة بالعرض يزول و يفني

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 406 *»

فينقطع الامداد العرضية النازلة عليه و يلحق ذلك العرض باصله يوم يعيد الله كل شيء الي عنصره فتلحق اعراض الشقاوة بالاشقياء و معها امدادها النازلة و لاظلم و تلحق اعراض السعادة بالسعداء و معها امدادها النازلة و لاظلم قال الله سبحانه الطيبات للطيبين اي الاعراض الطيبة للطيبين فتلحق بهم و الخبيثات للخبيثين اي الاعراض الخبيثة للخبيثين فاذا تزيلوا و رجع كل شيئ الي اصله يبقي الذي ذاته طيبة سائلا من ربه الطيب الخالص فتجري عليه النعم لامقطوعة و لا ممنوعة و يبقي الذي ذاته خبيثة سائلا من ربه الخبث فتجري عليه العذاب لايفتر عنهم و هم فيه مبلسون قال الله سبحانه ان المجرمين في عذاب جهنم خالدون لايفتر عنهم و هم فيه مبلسون و ما ظلمناهم و لكن كانوا هم الظالمين و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون فالله سبحانه ليس عذبهم باقتضاء منه سبحانه او عداوة او بغض او شفاء غيظ و انما هي نارهم اوقدوها علي ظهورهم و يشبونها في كل طرفة عين بنفخ سؤالاتهم فيمدهم الله سبحانه علي حسب سؤالهم و ان الله لايغير ما بقوم حتي‌يغيروا ما بانفسهم و الذاتي لايتغير فلايغير الامداد الذاتية ابدا و ليس ما يسألونه من العذاب الدائم بالذات محبوبهم لانه من جنسهم بل هي مبغوضهم و يتعذبون به لاجل المخالفة و ان قلت انك قلت آنفا ان كل شيء لايسأل الا ما يوافق ذاته و ما يوافق ذات الشيء هو محبوبه و مجانسه و هيهنا تقول ان ما يسألونه بالذات مبغوضهم فما التوفيق اقول و بالله التوفيق ان اهل الجنة هم الذين يكون الغالب عليهم جهة الرب الواحدة و ما فيهم من جهة النفس مقهورة مغلوبة فهم و ان كان لهم شؤن كثيرة و اطوار مختلفة الا ان الغالب في الكل جهة الرب و كلها مؤتلفة متفقة لغلبة جهة الوحدة عليهم فهم و ان اختلفوا من جهة الصورة و اختلفت شؤن اعمالهم و احوالهم و صفاتهم الا ان الغالب علي الكل نور الله الذي خلقوا منه و النية الخالصة لله سبحانه التي هي روح اعمالهم فجهات تكثرهم و تكثرها بالعرض و كل واحد يري من صاحبه و من عمله نور الله الذي خلق منه و تلك النية الخالصة التي هي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 407 *»

تجلي نور الله في اعمالهم و محبوبهم ذلك النور و هو المتجلي من كلهم و من كلها فيلتذ كل واحد منهم من اخيه و من اعماله و صفاته لما يري فيهم و فيها من تجلي المحبوب و ان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم علي بعض الا الذين آمنوا و قال الله سبحانه و نزعنا ما في صدورهم من غل و قال اخوانا علي سرر متقابلين و قال سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم فلهم نعيم مقيم خالدين فيه ابدا و كلهم ناظرون الي شيء واحد طالبون لشيء واحد و ذلك الواحد غالب في الكل كما قال الشاعر

رق الزجاج و رقت الخمر   فتشاكلا فتشابه الامر
فكانما خمر و لاقدح   و كانما قدح و لاخمر

و معاذ الله ان‌يحب المؤمن غير ربه او يلتذ بغير ما فيه رضاه و اما اهل النار فلما كان الغالب علي كل واحد هواه و فيهم شركاء متشاكسون كل يدور حول نفسه و هواه و طبعه و عادته و شهوته و غضبه و اهوائه المختلفة و آرائه المتشتتة و لهم ارباب متفرقون و آلهة متعددون و الغالب عليهم جهة النفس مبدء الكثرة و الاختلاف و تلك الجهات المتعددة مضادة مختلفة و تجري لكل دائما مدد يناسبه صار يتأذي كل واحد من اقترانه بالآخر و من اقترانه باعماله و احواله و صفاته المختلفة التي ليس لها روح واحد و لايلحظ فيها روح واحد فشهوته تنافي غضبه طبعا و صفة و عادته ينافي طبعه و طبعه ينافي عادته و بخله ينافي اسرافه و اسرافه ينافي بخله و حلمه ينافي سفاهته و سفاهته ينافي حلمه و هكذا لما كان المستولي علي الشقي اصناف الشياطين و هم عند قاعدة الكثرة و الاختلاف و التضاد و التنافر و التخالف و التباين و التعادي و التباغض كما قال الله سبحانه و ان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم علي بعض و قال لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و في الدعاء اعوذ بك من نار تأكل بعضها بعضا و يصول بعضها علي بعض و قال سبحانه الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين يا عباد لاخوف عليكم و لا انتم تحزنون و قال كلما دخلت امة لعنت اختها حتي اذا اداركوا فيها جميعا قالت

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 408 *»

 اخريهم لاوليهم ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف و لكن لاتعلمون و قال سبحانه ان للطاغين لشر مآب اي لبني امية جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم و غساق و آخر من شكله ازواج اي من شكل فوج الذائقين ازواج و هم بنو العباس يقال للطاغين هذا فوج مقتحم معكم في غصب حق آل محمد و في النار فيقول بنوامية لامرحبا بهم انهم صالوا النار قالوا اي بنو العباس بل انتم لامرحبا بكم انتم قدمتموه لنا اي غصب حق آل محمد و النار فبئس القرار قالوا اي جميعهم ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار دعوا علي الخلفا الضالين فانهم قدموا لهم و قال الله سبحانه اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الاسباب و قال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار بالجملة اهل النار في تضاد و تخالف و تبري من اخوانهم و اعمالهم و احوالهم و تضادهم سبب تأذيهم فيقول يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين و جميع تأذيات العالم من جهة التنافر و كمال التنافر و غايته منهم و قدقرن مع ذلك بعضهم ببعض فيتأذي من ريحه و نتنه و قيحه و صديده و لونه و شكله و نوع عذابه بحيث لاراحة له و يتمني الموت و يأتيه الموت من كل مكان و ما هو بميت نعوذ بالله اللهم اني اسئلك بولاية محمد و آل محمد: الاتخرجنا من ولايتهم كما انعمت علينا بها و ثبتنا عليها و احشرنا عليها و آية ما ذكرنا لك مشهود في الدنيا ان المؤمنين مع اختلاف بلدانهم و احوالهم و لغاتهم يأتلفون كانهم اخوان من بطن واحد و لنعم ما قال الشاعر

احب قصي الرحم من اجل حبكم   و اهجر فيكم زوجتي و بناتي

و المنافقون تحسبهم جميعا و قلوبهم شتي ذلك بانهم قوم لايؤمنون فاذا اجتمعوا في دار او في بلد او علي امر يتكالب بعضهم علي بعض و يبغي بعضهم علي بعض و يؤذي بعضهم بعضا و يتحاسدون و يتباخلون و يتعادون و يتناكرون و يصول بعضهم علي بعض و يعض بعضهم بعضا بحيث لاراحة لهم و لاقرار و تفرقهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 409 *»

اروح لهم من اجتماعهم قال الله سبحانه افرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون و قال ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و قال سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي‌يتبين لهم انه الحق فكيف اذا اجتمع منافقوا الاولين و الآخرين في دار ضنك باختلاف اهوائهم و آرائهم و طبايعهم و عاداتهم و شهواتهم و طغياناتهم و لكل واحد اعمال و آراء و صفات مختلفة متضادة و شياطين مختلفة من جميع الاراضي باختلافها فلاراحة لهم و لاقرار نعوذ بالله فلاجل ذلك صارت الامداد النازلة علي تلك الشؤن و الاحوال و الاوضاع سبب اذيتهم و تعبهم و عذابهم الدائم المقيم نستجير بالله فافهم.

قال سلمه الله الرابع لاشك ان كل موجود كما وجد سعيدا و شقيا انسانا و حيوانا و نباتا و جمادا و عقولا كلها كانت بالقابليات و ان القابلية مستحدثة موجودة كذيها و لاشك ان القابلية ليست بالقابلية و الا لزم الدور و التسلسل و هو باطل فما الحكمة في اختلاف القابليات و من اين جعل تلك الاختلافات بينوا لنا بعبارة واضحة و ادلة ظاهرة حتي‌يرفع الشبهة.

اقول ان في العبارة ركاكة و لما لم‌نكن بسدد تصحيح العبارة او اظهار لحنها لم‌نتعرض لها و المراد واضح فاعلم ان الكلام في هذه المسئلة بحقيقته منهي عنه فقدسئل اميرالمؤمنين7 عن القدر فقال بحر عميق فلاتلجه ثم سئل ثانيا فقال طريق مظلم فلاتسلكه ثم سئل ثالثة فقال سر الله فلاتتكلفه و قال7 الا ان القدر سر من سر الله و حرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله مطوي عن خلق الله مختوم بخاتم الله سابق في علم الله وضع الله عن العباد علمه و رفعه فوق شهاداتهم لانهم لاينالونه بحقيقة الربانية و لابقدرة الصمدانية و لابعظمة النورانية و لابعزة الوحدانية لانه بحر زاخر مواج خالص لله عز و جل عمقه ما بين السماء و الارض عرضه ما بين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعره شمس تضيء لاينبغي ان يطلع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 410 *»

 عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقدضاد الله في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن سره و ستره و باء بغضب من الله و مأويه جهنم و بئس المصير فالكلام في حقيقة ذلك مضروب دونه حجب الغيوب نعم يمكن للعلماء فهمه في المعاني السفلي و هو حظ اولي الافئدة فلاغيرهم يفهم كلامهم في ذلك و لاكل ما يتمني المرء يدركه بل رب مقام من مقامات هذه المسئلة لايجوز لهم التصريح به لان من ليس له مدرك الفؤاد يحمل العبارة علي متفاهم العقل و النفس و غايتهما ادراك المعاني و الصور المجردة و هما معزولان عن مقام الحقيقة فلايزداد بذلك الا بعدا بل ربما يزداد المطلب خفاء بسبب ترديد العبارة لان السر يزداد استتارا بسبب الكثرة فان السر لايفيده الا السر و لكن لايسقط الميسور بالمعسور و لعل مراده ايضا ليس الا ظاهر هذا الامر كما يفيده آخر كلامه فنقتصر فيه بظاهر الامر اذ ما لايدرك كله لايترك كله فنقول ان منشأ الاختلاف لايخلو اما ان‌يكون هو الله سبحانه او الخلق او هما معا و لاثالث لانه حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما كما قاله الرضا7 فان قلت ان سبب الاختلاف هو الله سبحانه و هو مجري جميع الاختلافات من عنده من غير اقتضاء من الخلق يلزمك ان‌يكون الله سبحانه مختلفا متكثرا في ذاته و يكون مركبا ذاجهات عديدة و حيوث متكثرة و اعتبارات متشتة و اجزاء متفرقة بعدد اختلاف الخلق حتي‌يقتضي بكل جهة و حيث و اعتبار و جزء شيئا من مختلفات الخلق و لا اظنك ان‌ترضي بذلك و مع احديته سبحانه بكل جهة لايستقيم حصول هذه الكثرات و الاختلافات منه سبحانه هذا مع انه لو كان هو ذو الاقتضاء لكان القاضي غيره و كان القاضي هو الله سبحانه و المقتضي خلقه لان المقتضي هو طالب القضاء عليه من القاضي لكل ذي حق حقه و كان جميع المقتضيات بفتح الضاد حينئذ فيه سبحانه بل كان حينئذ هو انية الخلق فان المقتضي يقتضي القضاء و يحكم له بالقضاء و القضاء هو المطلوب المقبول و المقتضي هو الطالب القابل فاذا يكون الله سبحانه هو الانية و القابلية و لها مقبول هو القضاء المفاض عليها فكان هو الخلق و من هذا كان يقال ان المقتضي بالفتح لايتخلف

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 411 *»

عن المقتضي بالكسر و ان كان فيه المقتضي فهو ان كان قديما فيتعدد القدماء و ان كان حادثا كان الله سبحانه محلا للحوادث و كلاهما باطلان فظهر بطلان كون الاقتضاء للخلق مطلقا متفردا و متعددا من الله سبحانه و ان كان الاقتضاء لهذه الكثرات من الله سبحانه و من الخلق بالشراكة سواء كان الاقتضاء منه في بعض و من الخلق في بعض او كان من كليهما في الكل لزم ما قدمنا بعينه من تعدد القدماء او حدوث الذات فليست الذات الاحدية بنفسها مقتضية للخلق و ليست باقتضاء و لا اقتضاء فيها و لذلك صار سبحانه غنيا بحتا غير مرتبط بشيء‌ و لا منتسب الي شيء فاذ لم‌يستقم ان‌يكون الله سبحانه هو المقتضي للايجاد او فيه اقتضاء الايجاد وجب ان‌يكون الاقتضاء في الخلق و من الخلق و لايسع الحكيم ان‌يقول كالجهال انه ما المانع من ان‌لايكون الاقتضاء في ذات الله و يخلق جميع الكثرات و الاقتضائات بلااقتضاء منه فانه في الحقيقة يوجب اقتران الذات بالكثرات و الترجيح من غير مرجح و القول بان الارادة مرجحة كلام قشري ليس فيه رايحة من الحكمة فان ارادة المريد هي بعينها محل الكلام لانها بنفسها حادثة و اختلاف الارادات ايضا يحتاج الي مرجح و هو سبحانه اجل من الاقتران و الترجيح من غير مرجح و الذي يقول ذلك يحسب الله سبحانه كقصاع في فضاء فيقول ما المانع من ان‌يصنع هذا القصاع قصعات متعددة بارادة منه من غير حاجة اليها و هو غافل من ان ذلك موجب للاقتران بالكثرات و وقوع الصانع في عرض المصنوع و يمكن الترجيح بلامرجح من المخلوق و لا امتناع فيه او هو مختلف النسبة بالنسبة الي المتعددات و الله سبحانه علي عرش الملك مستو ليس شيء اقرب اليه من شيء آخر و ارادته بالنسبة الي جميع الاشياء علي السواء و هو لو قدم شيئا علي شيء من غير مقتض من نفس ذلك الشيء يكون منه سبحانه ترجيحا من غير مرجح و هو عمل الجاهل و العابث و المحتاج و هو سبحانه عالم حكيم غني لايفعل شيئا من ذلك فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الاقتضاء للكثرات ليس من الله سبحانه و ليس هو المقتضي و لايفعل بغير المقتضي فانحصر الامر ان‌يكون المقتضي من الخلق اذ لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما و هو قوله سبحانه قل ما يعبؤ بكم ربي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 412 *»

 لولا دعاؤكم فهو من الخلق و غايته لاتدرك كيفية كونه من الخلق و ما لانفهمه و نقطع بثبوته كثير كاكثر امور الآخرة مثلا و لكن لاجل انك سألت عن الكيفية و لكل سؤال جواب مقدر فلااحب ان‌اترك سؤالك بلاجواب و اذكره لك ولكن علي نحو المجادلة بالتي هي احسن علي ما تريد فاعلم وفقك الله لمرضاته ان هيهنا اشكالات الاول انه لاشك و لاريب ان الاقتضاء من الخلق و الاقتضاء اثر المقتضي كما ان الضرب اثر الضارب و الاثر لايتحقق من غير مؤثر و الا لم‌يكن اثرا كما ان الشعاع لو كان و لا شمس او و لاسراج لما كان اثر السراج و كان غنيا عن السراج و الغني عن الشيء لايتوقف وجوده علي وجود ذلك الشيء فلابد و ان‌يكون الاقتضاء بعد المقتضي و المقتضي هو نفس الحادث كما عرفت اذ لاثالث و قدذكرنا ان الشيء لايوجد الابالمقتضي و هذا بحسب الظاهر الذي يفهمه العوام مستبعد و كذلك لاشك ان الاقتضاء لو كان قديما لتعدد القدماء و قدثبت بطلانه في محله و لو كان حادثا ننقل الكلام اليه فنسئل عنه هل هو باقتضاء او بغير اقتضاء و هكذا و هذا ثاني الاشكالين فهذان اشكالان واردان ولكن يردان قبل جوابنا فاذا اجبنا عن المسئلة يرفع الاشكال و يتضح الحال بعون الله المتعال فاعلم انه لاشك و لاريب ان الاقتضاء من الخلق و هو حادث الا ان لكل حادث لابد من ايجاد و انوجاد فلولم‌يوجد لم‌يكن و لولم‌ينوجد لم‌يتحقق و القابل هو نفس الوجود الذي اثره الانوجاد اي قبول الوجود و المقبول هو الوجود الناشي من الايجاد اي قبله القابل فكل شيء لابد فيه من ركنين ايجاد و انوجاد و الوجود هو قائم بالايجاد قيام صدور و بالانوجاد قيام ظهور و الانوجاد هو قائم بالوجود قيام تحقق و بمشية الله قيام صدور و الشيء قائم بهما قيام ركن و الايجاد هو فعل الله سبحانه و ان ظهوره بالانوجاد و الانوجاد هو فعل نفس الوجود و ان كان ظهوره بالله سبحانه و مثل ذلك كالكسر و الانكسار فان الكسر فعلك يصدر منك و لكن يظهر في الخارج بالانكسار فلولا الانكسار لم‌يظهر الكسر ابدا و لولاك لم‌يصدر الكسر من احد و الانكسار هو فعل الزجاجة التي هي مثل نفس

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 413 *»

الكسر فالانكسار فعل الزجاجة فانها تنكسر و هي الفاعل ولولا الكسر لم‌يتحقق الانكسار و ليس يظهر الكسر قبل الانكسار طرفة عين و لايتحقق الانكسار قبل الكسر طرفة عين و الكسر حاد للانكسار و الانكسار حاد للكسر و ليس بينهما تفاوت ابدا و الانكسار هو قابلية الكسر و الكسر هو مقبولها و ليس واحد منهما قبل الآخر حتي‌يلزم المحذور كما عرفت فايجاد الله سبحانه للحوادث مساوق لقابليات الاشياء و لم‌يكن شيء من القابليات قبل الايجاد لوجودات الاشياء فانها من نفس الوجودات و لم‌يكن شيء من الوجودات ظاهرا قبل القابليات فانها لاظهور لها الا بالقوابل بل لم‌‌تكن قبل القابليات فان الله سبحانه غني لايقتضي بنفسه شيئا فلم‌يقتض الايجاد قبل الاقتضائات و لم‌تكن الاقتضائات قبل الايجاد و انما كانا معا كالكسر و الانكسار و مهما اشكل عليك شيء من ذلك تدبر في الكسر و الانكسار و الفعل و الانفعال و الاصل في ذلك كله ان‌لاتتصور الله في فضاء وحده و لاشيء معه ثم بدا له في احداث الاشياء فقال كن فانتثر الخلق حوله و قاموا بحضوره فان ذلك صفة المخلوق و ان هذا الفرض هو الذي يورث الحيرة لجل الناس و لو علموا ان الله سبحانه ليس في صقع خلقه و لا خلقه في صقعه و انما هو في الازل و خلقه في الحدوث و هو من نور صفاته سبحانه و اسمائه كما اشرنا اليه في اوايل الرسالة لم‌يسأل عن ذلك ابدا و اظنك لو فهمت ما قدمنا هناك استغنيت عن هذا السؤال فان ما مر كان علي نهج دليل الحكمة.

قال سلمه الله الخامس بينوا لنا منبع العلوم الظاهرة و الباطنة و الاصل الذي ينتهي اليه كل علم حق و علم باطل كالسحر و غيره و مثل كيميا و ليميا حتي النحو و الصر و غير هذا.

اقول اعلم وفقك الله ان العلم هو صفة الكون و ظهوره العالم فكما ان جميع الاكوان ينتهي الي الواحد الذي هو اول صادر عن المفيض جل شأنه لانه هو المتطور في جميع الاطوار و المتجلي في كل الاصقاع و الاقطار اما بنفسه او بشعاعه كذلك جميع العلوم ينتهي الي صفة ذلك الكون الاول فان جميع الصفات

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 414 *»

و الحدود و الظهور هو تجلي شؤن ذلك الاول و التجلي الاعظم و لما كان ذلك الكون هو اول ما خلق الله سبحانه آية الاحدية و عنوان الواحدية فصفة ذلك الواحد ايضا علي طبقه واحدة لان الصفة علي طبق الموصوف و هو معني ما روي ان العلم نقطة كثرها الجهال و باطن الجهال هو القوابل و الماهيات جهات النفس و حدود الانية فان ذلك الواحد قدكثر و تعدد في بطون القوابل و الحدود و الرسوم كالشمس المشرقة علي المرايا المتعددة و لما كانت تلك المرايا لانور لها الا بما اشرق عليها من الشمس سميت بالجهال فان ذلك النور هو العلم و كل ما سوي العلم جهل فاصل جميع العلوم و حقيقته و نقطته و سره هو ذلك النور المشرق من الكون الاول و ذلك الظهور المشار اليه فمن اطلع علي ذلك الظهور و فتح عينه لرؤية ذلك النور و استعلي علي الغيور شاهد كيفية سريانه في جميع المرايا و القوابل الكونية من الغيبية و الشهادية و العلوية و السفلية فانه لاشيء الا شؤن ذلك النور و تفاصيل ذلك الظهور و ذلك الظهور له ثلث مقامات مقام الظاهر و هو حيث حكايته لذات ذلك الكون و آئيته له و مقام الظهور و هو مقام هو هو و مقام تجلي ذلك الكون له به و مقام المظهر و هو مقام نفس ذلك الظهور في غاية بعده عن المبدء و منتهي وجوده و نهاية شهوده فمن اطلع علي ذلك الظهور من حيث الظاهر و لو في المعاني السفلي علم علم البيان و المعاني و علم الالهي الاعلي الخاص و علم الكلام علي اختلاف المقام و من اطلع عليه من حيث الظهور علم علم الامكاني و حدود الفيض الاقدس و الاعيان الثابتة الحادثة و كيفية الوجود المطلق و علم الكيفوفة و علم البدا و علم القدر و عرف الشجرة الزيتونة التي لاشرقية و لاغربية بفروعها و اغصانها و اوراقها و ازهارها و ثمارها و هو علم لاغاية له و لانهاية و من اطلع عليه من حيث المظهر و دقق النظر و اجال الفكر عرف ساير العلوم المقيدة فالمظهر علي قسمين غيبي و شهادي و لكل واحد منهما ذات و هيئة و اما يبحث عنها من حيث نفسها او من حيث نظر الناظر فمن اطلع علي الذوات الغيبية و هيئائتها اطلع علي العلم الالهي بالمعني الاعم علي اصطلاح الحكماء ان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 415 *»

بحث عنها من حيث انفسها و ان بحث عنها من حيث نظر الناظر فهو علم الميزان و الدليل و من اطلع علي الذوات الشهودية و احوالها الذاتية و العرضية و كيفية كونها و فسادها عرف العلم الطبيعي و من اطلع علي هيئاتها عرف علم الرياضي و العلم الاوسط المسمي بالتعليمي فان اطلع علي هيئات العلويات و مقاديرها كما و كيفا و وضعا و حركة عرف علم الهيئة و ان اطلع علي نفس المقادير المتصلة و قراناتها و ما يحدث منها عرف علم الهندسة و ان اطلع علي المقادير المنفصلة و تأليفاتها عرف علم الارثماطيقي و ان اطلع علي الهيئات المنفصلة عن القرعات و الضغطات و السحبات و تأليف تلك الهيئات بالموازين الستة المعروفة عرف علم الموسيقي و ان اطلع علي القرانات و الاوضاع الفلكية و مسيرات الثابتة و السيارة عرف علم النجوم و بالنظر الي آثارها و حواصل شعلات تلك الكواكب و امثلتها الملقاة في السفليات و ما يحدث منها فيها يحصل علم الاحكام النجومية و بالنظر الي الكم المنفصل و حدودها يحصل علم المساحة و علم ابعاد الاجرام و ان اطلع علي كيفية الانطباع و اسباب تغير الانطباعات عرف علم المناظر و المرايا و ان اطلع علي كيفية تسطيح الدواير و القسي التعليمية الفلكية في الاجسام السفلية عرف علم الرخائم و قدكتبنا فيه رسالة شريفة و منه علم الاسطرلاب و قداخترعنا حلقة مفردة يستخرج منها جميع صنايع الاسطرلاب و خواصه و كتبنا فيه رسالة خاصة و هو شيء شريف جدا و ان اطلع علي تفرع الهيئات علي الطبايع و نظر في هيئات الاناسي و الحيوانات عرف علم القيافة و من فروعها علم الكتف و الرمل و ضرب الحصي و عقد الخيوط و امثال ذلك و ان نظر الي الصفات المنفصلة يحصل له علم الالفاظ فان نظر الي ذواتها منفردة و دلالاتها الذاتية عرف اللغة و ان نظر الي ذواتها من حيث تولد بعضها عن بعض و تجنيس اجناسها و تنويع انواعها و تفريق اشخاصها عرف علم الصرف و ان نظر الي ارتباطاتها و تأثير بعضها في بعض عرف علم النحو و ان نظر الي سبك تأديتها و تنافر الطبايع عنها و استيناسها بها عرف علم البيان و ان نظر الي حيث ادائها و ايقاعها في مواقعها و كيفية التعبير و ملاحظة القصور في الشهور عرف علم المعاني و ان نظر الي ترتيبها و نحو ادائها

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 416 *»

موزونا بالموازين الستة عرف علم البديع و العروض و ان نظر الي استنباط المعاني منها مع اختلافها و تحصيل قرائنها عرف علم اصول الفقه و ان نظر الي صفاتها من المحسنات و المهجنات للاداء عرف علم القراءة و ان نظر كيفية رسمها و مناسبة هيئاتها لحقايقها عرف علم الخطوط و الكتابة و علم كتابة القرآن و ان نظر الي طبايعها و ذواتها و قراناتها و موازينها عرف علم الحروف و علم الجفر و الاوفاق و التكسيرات و ان اطلع علي كيفية رسم المقادير و ضبط التوجيهات و التاريجات لتسهيل الضبط يعرف علم الاستيفاء و قدكتبنا فيه رسالة شريفة قدسأل عنه المفتي الحنفي ببغداد المسمي بالسيد محمود بن آلوسي و ان اطلع علي كيفية تكميل النواقص الجسمانية الخارجة عن الاعتدال ليبلغ درجة الاعتدال و الفعالية عرف علم الكيميا و ان اطلع علي استنزال الامثال المودعة في سر فلك العطارد باستخدام الملئكة الثلثة شمعون و زيتون و سيمون و اعوانهم و اظهار تلك الصور اطلع علي علم السيميا و ان اطلع علي عجايب المعالجات و سرعة الحركات و اظهار ما يشابه المعجزات مما اودع في بنية الانسان من احوال الامكان عرف علم الريميا و ان اطلع علي اسرار الحروف في حقايقها الفكرية و قواها العديدية و صفاتها اللفظية و اشكالها الرقمية عرف علم الهيميا و ان اطلع علي العجائب المودعة في خواص العقاقير من الرفع و الوضع و الضر و النفع و الجذب و الدفع و الصور و الخيالات و ايهام الكرامات كدخول النار و عدم التأثير و الصعود في الهواء و خرق الارض و الدخول فيه و امثال ذلك عرف علم الليميا و ان نظر الي اسباب الدوام و الترقي و التنزل تحقق له علم الحكمة العملية فمن نظره في التكاليف الحقيقية الذاتية السرية الفؤادية يعرف علم الحقيقية و من نظره في التكاليف النفسية و الروحية و العقلية يتحقق له علم الطريقة و من نظره الي تكاليف الاجسام يتحقق له علم الشريعة و من نظره الي تدبير الاهلين يتحقق له علم تدبير المنزل و من نظره الي تدبير الرعايا و الثغور و الامور العامة يتحقق له علم السياسة المدنية و من نظره الي اسباب المعالجات و حفظ الصحة علي الاصحا و دفع المرض عن المرضي يتحقق له علم الطب و من نظره في تقوية ما في كيان الارض و الماء حتي‌يخرج ما في

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 417 *»

قوتهما الي الفعل يطلع علي علم الفلاحة و من نظره الي الصور المتممة و تحسينها و تطبيقها علي الحوايج يحصل الصنايع المعروفة من النجارة و الحياكة و الصياغة و العمارة و من نظره الي اوضاع الاشياء و مراكزها و حركاتها الي حيزاتها او غيرها طبعا او قصرا يطلع علي علم التقارب و التباعد و من نظره الي تركيب المختلفات لتوليد الامور العجيبات يتحقق له علم الضم و الاستنتاج و من نظره الي جر اجسام ثقيلة بادوات دقيقة او امساكها فهو عرف علم جر الاثقال و هكذا الي ما لانهاية له من شؤن صفات الاكوان المقومة و المتممة و الذاتية و العرضية و قراناتها و احوالاتها فمن نظره الي اي جهة يحصل له علم خاص فانه اذا اطلع علي ذلك النور الساري في جميع اصقاع الامكان و المتطور بجميع اطوار الاعيان يطلع علي جميع العلوم و ينظر الي جميع الرسوم و يكون هو الواقف علي الطتنجين و الناظر في المشرقين و المغربين و لكن يختلف حالات الواقفين علي تلك النقطة فمنهم من يراه قريبا و منهم من يراه بعيدا و ذلك لان الانسان في اول ما يصل الي مقام النقطة ينظر من مثل سم الابرة فيخرج نظره مخروطا و قاعدة المخروط عند المنظور فاذا اراد النظر الي غير مواجهه لابد له من ان‌يدور نحوه و يلتفت اليه من مثل ذلك السم و هو مماورائه غافل و لكن له بصارة يقدر علي الاطلاع اذا دار نحوه و يختلف اختلاف الحركات بحسب الاشخاص و لكن كلما ازداد بسبب الاعمال الشرعية و السيرات الطريقية والكشوف و البشارات الحقيقية يتسع ذلك السم شيئا بعد شيء حتي‌ينفتح عليه الحجب المحيطة علي كرة وجوده بسبب التلطيف و التصفية فيكون ككرة زجاجية جوفها مصباح تشرق من جميع جهاتها فاين ما تولوا فثم وجه الله اني اراكم من خلفي كما اراكم من قدامي فينطبع في تلك الزجاجة الكروية جميع الكرات الموازية لها و ان كبرت و كثرت و تعددت فيصير حينئذ اسطرلاب افلاك الوجود و ارضيها فاذا بلغ هذا المبلغ لايخفي عليه خافية في الارض و لافي السماء و يعلم علم الاولين و الآخرين من غير احتياج الي السير نحو الشيء لمثل هذا فليعمل العاملون اذلك خير نزلا ام شجرة الزقوم المتفرعة علي الاصل السجيني النابت

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 418 *»

من حبة النفاق و هي نقطة الجهل في مقابلة نقطة العلم و ابوالدواهي و صفة تلك النقطة هي العلم السجيني الباطل المنكوس و ام الشرور فمن تلك النقطة تحقق جميع الذوات السجينية و من تلك الصفة تحقق جميع الصور المعوجة الخبيثة و هما ابوا الخبايث السجينية و تختلف احوال تلك الصورة بحسب ملاحظة مبدئها فيها و من حيث ملاحظة نفسها و من حيث ملاحظة مظهرها فمن حيث الظاهر هي منشاؤ علم وحدة الوجود و التثنية و التثليث و علم الكلام الباطل المأخوذ من كتب العامة و اصحاب المجادلات و الاهواء و الآراء و اليونانين و غيرهم و من حيث الظهور يكون منشاء الالحاد في اسماء الله و صفاته و جعل الصفات في الذوات و دعوته باسماء لم‌ينزل عليها من سلطان و اتخاذ الانداد و الشركاء في صفاته و افعاله و عبادته و العلم بقدم الاشياء و علم الجبر و علم التفويض و انكار البداء و امثال ذلك و من حيث المظهر يختلف مراتب ما يحصل منه علي طبق ما مثلنا و انت ان عرفت ان الخير من ائمتك: و هم اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و صدقت قول الصادق7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اعداؤنا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و هم لايقولون الا بالله و عن الله و برسول الله و عن رسول الله فكل علم صدر عنهم او رجع اليهم صدر عن الله و عن رسوله9 و كل ما كان كذلك فهو في الكتاب فانه انزل بعلم الله و فيه تبيان كل شيء و هو في السنة لانها تفصيل الكتاب و ما من شيء الا و فيه كتاب او سنة فاي علم انتهي الي الكتاب و السنة و خرج من اهل البيت فهو حق و صدق نؤمن به و نصدقه و كل ما‌لم‌ينته اليهم و لم‌يصدر عنهم و لم‌يستنبط من الكتاب و السنة كائنا ما كان بالغا ما بلغ فهو باطل نكفر به و نكذبه من اي رجل كان و من اي عالم يكون فانا ننظر الي ما قال لا الي من قال و ما اخذ عنهم و ينتهي اليهم له علامة و ما اخذ عن غيرهم و ينتهي اليه له علامة قال الله سبحانه تعليما للمؤمنين و تنبيها للمسلمين يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الي الله و الي الرسول و الي اولي الامر

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 419 *»

 منكم ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و احسن تأويلا ثم قال الم‌تر الي الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل اليك و ما انزل من قبلك يريدون ان‌يتحاكموا الي الطاغوت و قدامروا ان‌يكفروا به و يريد الشيطان ان‌يضلهم ضلالا بعيدا و اذا قيل لهم تعالوا الي ما انزل الله و الي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا الآيات فالذي يؤمن بالله و اليوم الآخر لايتحاكم في ما اختلفوا فيه من العلوم و الرسوم و غيرها الي الطاغوت و هو كل عالم يقول برأيه و هواه و لايرجع الي آل محمد: فان كل وليجة اتخذ من دون الله فهو طاغوت و قال في آية اخري و ان تطع اكثر من في الارض في ارض العلم كما قال سبحانه الم‌يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال الامام7 بموت العلماء فان تطع اكثر من في ارض العلم يضلوك عن سبيل الله عن طريق علي7 الموصل الي الله المؤدي اليه و عن شريعة الله و طريقته و حقيقته فيحملوك علي علوم ليس من الله و لا الي الله و اظهر في هذه الآية ان اكثر اهل العلم مضلون الا قليل و قليل من عباده الشكور و قليل ما هم ان‌يتبعون الا الظن و ان‌هم الا يخرصون لانهم لم‌يلجئوا الي ركن وثيق و تكلفوا الدين بآرائهم فلم‌يوصلهم الي علم لاجهل فيه و لا الي يقين لاشك فيه فان هم الا يخرصون بالتخمين ان ربك هو اعلم من يضل عن سبيله و هو اعلم بالمهتدين فكلوا اي تعلموا كما قال سبحانه فلينظر الانسان الي طعامه قال7 الي علمه هذا عمن يأخذه مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته مؤمنين قال الصادق7 نحن والله الاسماء الحسني التي لايقبل من احد الا بمعرفتنا فتعلم مما ذكر اسم الله عليه اي قيل قال الامام كذا و قال الرسول كذا و قال الله سبحانه كذا.

فدع عنك قول الشافعي و مالك   و احمد المروي عن كعب الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم   روي جدنا عن جبرئيل عن الباري

فكلوا مما ذكر الامام عليه ان كنتم بآياته اي باوليائه و خلفائه مؤمنين كما قال علي7 ما لله آية اكبر مني و ما لكم الاتأكلوا اي لاتتعلموا مما ذكر اسم الله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 420 *»

 عليه مما ذكر آل محمد: عليه و قدفصل لكم ما حرم عليكم حيث حرم عليكم خبائث و انتم تعلمون ان الخبيثات اي الحكم و العلوم الخبيثة للخبيثين فان البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه و الذي خبث لايخرج الا نكدا فان كنتم تعلمون ان آل محمد: اصل كل خير و اعداؤهم اصل كل شر فكل ما ليس من آل محمد: فهو من اعدائهم و كل ما هو من اعدائهم خبيث وظلمة و شر ليس من الله و لا الي الله و كل خبيث محرم عليكم بنص الكتاب فلم تأكلون من طعام لم‌يذكر اسم الله عليه بالجملة الشيعي المنقطع الي ائمته سلام الله عليهم لايرضي بهذا العار علي امامه ان‌يتكدي علي اعدائه و يسأل بكفه النواصب فاتقوا الله من تعلم كل علم لاتجدون عليه شاهدا من الكتاب و السنة ان كنتم بآياته مؤمنين و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

قال سلمه الله السادس اثبتوا لي الركن الرابع بالادلة المحكمة من الكتاب و السنة و القوة العاقلة بعبارة واضحة مختصرة حتي‌يكفينا الرجوع الي كتابكم المختص بهذه المسئلة فان ايدينا قاصرة عن تناوله فالمرجو من جنابكم المعظم ان‌لاتحولوا الي تلك الرسالة بل بينوا لي في هذا المقام.

اقول اعلم ان هذه المسئلة من متممات الايمان و مكملات الايقان و هو تمام العلة التامة في دخول الجنان و قدشحن بدليل وجوده و لزومه و لزوم معرفته الكتاب و السنة و اخبار ائمة الانس و الجان عليهم صلوات الله الملك المنان و قدافردنا لذلك رسالة كاملة و جعلنا فيه انواعا من البيان و فصلناه خمسة فصول فصلا في الدليل علي ذلك من آي الكتاب المجيد و فصلا في الاستدلال علي ذلك من اخبار الرسول الحميد و آله: و فصلا في الاستدلال علي ذلك بالادلة العقلية و جعلنا له ثلث مقامات المقام الاول في الاستدلال عليه علي نحو المجادلة بالتي هي احسن و المقام الثاني في الاستدلال عليه علي نحو الموعظة الحسنة و المقام الثالث في الاستدلال عليه علي طريق الحكمة و فصلا في الاستدلال عليه بالامثال و جعلنا له مقامين المقام الاول في الاستدلال عليه بالامثال الآفاقية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 421 *»

و المقام الثاني في الاستدلال عليه بالامثال الانفسية و فصلا في الاستدلال عليه باتفاق اهل الملل و النحل من جميع اهل الديانات بل العقلاء و تلك الرسالة لم‌اسبق بمثلها و هي كافلة لجميع انحاء البيان و ليس لي الآن فرصة ان‌افصل لك هيهنا و تلك الرسالة قريب المنال و في بلدكم منه نسخ عديدة و من طلب شيئا و جد وجد و لكن لايسقط الميسور من البيان بالمعسور و نقتصر هيهنا علي الاشارة فان العاقل يكفيه الاشارة و الجاهل لايتنبه بالف عبارة فاصغ لما اقول و تربص المأمول و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم و لو تدبرت في حدود ما اذكره لك لقضيت العجب منه و استوفيت علوما كثيرة و لاقوة الا بالله اعلم ان الله سبحانه غني مطلق عما سواه لايحتاج الي شيء من خلقه في وجود و لاظهور و هو كريم جواد خلق الخلق جودا و كرما لاتضره معصية من عصاه و لاتنفعه طاعة من اطاعه و لم‌يخلقهم لرفع وحشة له في الوحدة و لالجلب منفعة و لالدفع مضرة و هو مع ذلك حكيم لم‌يفعل شيئا من ذلك عبثا و لغوا فوجب ان‌يكون لخلقه الخلق فائدة فان الفعل بلاغاية لغو و عبث و تلك الفائدة لايجوز ان‌ترجع الي الله سبحانه فانه غني مطلق لايحتاج الي ما سواه و لايحتمل فيه الانتفاع من خلقه و لايحتمل فيه الزيادة و النقصان فتلك الفائدة راجعة الي الخلق و ايصال تلك الفائدة الي الكل علي السواء ظلم و وضع لها في غير موضعها و تسوية للداني مع العالي و الحرور مع الظل و الاموات و الاحياء و البعيد و القريب و الكثيف و اللطيف و الجاهل و العالم و الضعيف و القوي و غير ذلك و ذلك ظلم في حق الداني و الظل و الاحياء و القريب و اللطيف و العالم و امثالها حيث انزلها الله منزلة اضدادها مع انها مجاهدة في سبل الرب مقبلة اليه معرضة عن غيره ففتح الله باب الابتلاء و الاختبار و تميز الاشرار من الاخيار و الفجار من الابرار فاقام فيهم السنة دعواته و تراجمة وحيه فنطق بالسنتهم و دعاهم الي الاقرار بربوبيته و الاعتراف بنبيه9 و التسليم لخلفائه: و الولاية لاوليائه و البرائة من اعدائه فساع سريع سبق و مجيب مبطيء لحق و مدبر معرض زهق و هذه الاربعة هي اصول الايمان و حقايق الايقان و ساير امور العقايد فروع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 422 *»

لهذه الاصول و لوازم لها و ساير الاعمال و الاحوال و الصفات هي تجسمات هذه الاربعة و ظهوراتها ففي الحقيقة الاعمال عقايد مجسمة و العقايد اعمال مروحة و لهذا روي عن علي7 من اقام الصلوة فقداقام ولايتي و روي عنه7 انا صلوة المؤمنين و صيامهم و قال الصادق7 ان القرآن له ظهر و بطن فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمة الجور و جميع ما احل الله في الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمة الحق و قال7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و عدونا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و قال الصادق7 نحن الصلوة في كتاب الله عزوجل و نحن الزكوة و نحن الصيام و نحن الحج و نحن الشهر الحرام و نحن البلد الحرام و نحن كعبة الله و نحن قبلة الله و نحن وجه الله و نحن الآيات و نحن البينات و عدونا في كتاب الله الفحشاء و المنكر و البغي و الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام و الاصنام و الاوثان و الجبت و الطاغوت و الميتة و الدم و لحم الخنزير و قال7 نحن اصل الخير و من فروعه طاعة الله و عدونا اصل الشر و من فروعه معصية الله الي غير ذلك من الاخبار فجميع الطاعات من فروع الولاية و ظهوراتها و تجلياتها و شؤناتها و ترك جميع المعاصي من فروع البرائة و ظهوراتها و تجلياتها و شؤناتها فالمقصر في الطاعات مقصر في الولاية لانها بعينها تجسم الولاية لاغير كما ان بدنك تجسم روحك و المقصر في احترام جسدك هو المقصر في احترام روحك و هذا معني تأمل بعض الانبياء في الولاية حيث صدر عنهم بعض ترك الاولي و الاولي تجسم الولاية كما عرفت فالتارك له تارك للولاية و متأمل فيها و الا فهم اجل شأنا و اعظم مكانا من ان‌يتأملوا في اصل الولاية و المرتكب لبعض المعاصي هو المايل الي اعداء آل محمد: فانها بعينها هي تجسم ولاية الاعداء و المرتكب لها هو الراكن الي الظالمين و قدقال الله سبحانه و لاتركنوا الي الذين ظلموا اي آل محمد حقهم بارتكاب المعاصي التي هي تجسم ولايتهم فتمسكم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 423 *»

 النار المسبب لولاية الاعداء و قدشرح الله سبحانه جميع ذلك في كلامه بابلغ وجه و قال للذين كفروا مثل السوء و لله المثل الاعلي فقدتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الاعمال و الصفات كلها راجعة الي العقايد بل ليست الا العقايد الظاهرة قال اميرالمؤمنين7 يقين المرء يري في عمله والعقايد اصولها هي تلك الاربع و اما العدل هو راجع الي معرفة الله سبحانه اذ من لم‌يقر به لم‌يعرف الله سبحانه و هو صفة من صفاته و كساير صفاته و لاخصوصية فيه الا عند امتياز الفرقة الناجية من الجبرية و اما المعاد فهو من فروع العدل و اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و لاخصوصية لعده و ذكره بخصوصه الا عند امتياز الفرقة الناجية من منكري اليوم الآخر و الا فهو من فروع العدل فافهم ما ذكرته لك و صحح اعتقادك باتباعي فاني لاانطق بحول الله و قوته الا بكتاب الله و سنة نبيه

فدع عنك قول الشافعي و مالك   و احمد و المروي عن كعب الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم   روي جدنا عن جبرئيل عن الباري

بالجملة اصول عقايد الاسلام الذي لايتقبل من احد غيرها هذه الاربعة و ما سوي ذلك فروعها و تجسداتها لاغير فلم‌يرد الله من العباد شيئا غير ذلك و لم‌يكلفهم بغير ذلك و لايتقرب متقرب الي الله الا بذلك و لاينجو ناج الا به و يثاب مثاب الا به و لايستجاب من داع الا بذلك و لذا روي ان حروف الاسم الاعظم اربعة الاول لا اله الا الله و الثاني محمد رسول الله و الثالث نحن و الرابع شيعتنا فمن عرفها فامامه يقين و من انكرها فامامه سجين و السر في انحصار الامر في هذه الاربعة ان الله سبحانه لو‌لم‌يعرف نفسه لعباده لم‌يعرفه احد و اذا اراد ان‌يعرف نفسه فلابد و ان‌يعرف نفسه بما يعرفون و يمكنهم معرفته و لايمكنهم معرفته الا بان‌يتجلي لهم بهم في رتبتهم و تجليه لهم لايتم الا في اربع مقامات الاول مقام الظاهر و آية التوحيد و عنوان التفريد و الثاني مقام الظهور في مبدء الاقتران و ذكر الارتباط و الثالث مقام الظهور في غاية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 424 *»

الاقتران و عين الارتباط و الرابع مقام المظهر و مجلي النور الانور و الضياء الازهر الذي به يتحقق الظهور و يبدو النور فلولاه لاظهور و لاتجلي و اذا نظرت بعين الاعتبار و كشفت الغبار و جانبت الاغيار و محوت الاكدار رأيت ان المظهر تمام الظهور لانه انيته و نفسه بحيث لايتحقق الا به و لاظهور الا فيه و قدضرب الله سبحانه لذلك مثلا في كتابه التكويني حيث جعل النور لايظهر الا في جسم كثيف يكون قابلا له و محلا كما تري في نور الشمس انه لايظهر الا علي الارض فانه بنفسه لطيف غيبي علا علي الابصار و اعين النظار و لايظهر الا ان‌ينطبع في جسم كثيف و ينصبغ بصبغه و يتكثف بكثافته حتي‌يلايم الابصار الكثيفة فان الآلات تحد انفسها و الادوات تشير الي نظائرها فله من بدو صدوره الي منتهي ظهوره اربع مقامات الاول مقام حكايته للشمس المنيرة و آئيته لها فلايسمي الا باسمها و لايحد الا برسمها و الثاني مقام الشعاعية في بدو صدوره قبل تعلقه بالحايط و الثالث مقامها حين التعلق و الارتباط و الرابع مقام الحائط الذي هو المظهر و ابين من ذلك ظهورك في المرآة فانك اول ما تنظر فيها تري نفسك غافلا عن انه شبحك و ظهورك و انه صادر عنك و دليل عليك ثم اذا التفت الي نفس الشبح و انه شبح و ظهور تغفل عن نفسك بالكلية و تري الشبح من حيث انه شبح و نور و ظهور و وصف لك و هو غيرك و له حالتان مرة تلتفت اليه من حيث انه صادر عنك و انت غافل عن المرآة ذاهل عنها و مرة تنظر اليه من حيث الانطباع فلاتدركه الا مقترنا بها و مرة تنظر اليه من حيث الانطباع فلاتدركه الا مقترنا بها و مرة تنظر الي المرآة من حيث انها مجلي شبحك و مرآة صورتك و مظهر وصفك فهذه اربع حالات ظاهرة بينة في الشبح و المرآة لاينكرها الا مكابر لوجدانه و مع ذلك اذا تدبرت رأيت انه لايتم شيء‌ من ذلك الا بالمرآة و في المرآة اذ لولاها لم‌يظهر لك ظهور بل في الحقيقة لم‌يتحقق لك ظهور فان الظهور بالمظهر و لولا المظهر كان خفاء و غيبا لاظهورا فلولم‌يكن مرآة امامك لم‌يظهر لك من ورائك بالبداهة و بها و فيها تعرف من ورائك فتحقق معني الظهور في المظهر و لولا المظهر لم‌تعرف من ورائك ابدا و لم‌يعرفك نفسه الا فيه و مرادنا بالمرآة نفس الظهور و انيته فليس شيء الا الظهور و هو من حيث الاعلي هو الظاهر

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 425 *»

اذ ليس الظاهر عندك غيره و هو من حيث هو ظهور و له حيث صدور من الشاخص الذي ورائك و حيث ارتباط بقابليته و انيته اذ كل ممكن زوج تركيبي و قال الرضا7 ان الله سبحانه لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه. و له حيث قابلية و انية و هو المظهر اذ القابلية محل ظهور عربی جهة الرب و المبدء فبها يتم الظهور و يبدو النور و لاظاهر و لاظهور الا فيه و لولا خوف من فرعون و ملائه ان‌يفتنهم لانه عال في الارض و هو من المفسدين لاسمعتك تغريد الورقا علي الافنان بفنون الالحان و لكن نقبض العنان فان للحيطان آذان و قدلاح الصباح لمن له عينان فافهم فقداسقيتك ماء لو شربت منه لم‌تظمأ بعد ابدا في الدنيا و الآخرة و لاقوة الا بالله العلي العظيم و لايجوز ازيد من ذلك هتك الاستار مخافة اطلاع الاغيار.

اخاف عليك من غيري و مني   و منك و من مكانك و الزمان
و لو اني جعلتك في عيوني   الي يوم القيمة ما كفاني

بالجملة كان الله سبحانه كنزا مخفيا و اراد ان‌يعرف فخلق الخلق لكي‌يعرف و قدانحصرت الغاية في المعرفة لقوله سبحانه ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون قال الامام7 اي ليعرفون فمن عرف الله و اعترف به فقدادي غرض الله من خلقه و من ادي غرض الله من خلقه فقدعمل بما خلق لاجله و من عمل بما خلق لاجله استحق ما اعد لتلك الغاية و هو الفائدة المعدة الموعودة و هي الجنة التي لاتبيد و لاتفني و لذا روي في القدسي لااله‌الا‌الله حصني من دخل حصني امن من عذابي و روي من قال لااله‌الا‌الله وجبت له الجنة فلم‌يخلق الخلق الا لاجل المعرفة و لم‌يكلفوا الا بالمعرفة بجميع مراتبهم و مقاماتهم و معرفة الله سبحانه ليس معرفة كنه ذاته فانه محال لبوارع العقول اكتناهه و ممتنع لثاقبات الفطن الاطلاع عليه و انما المراد بالمعرفة و المكلف به هو معرفة الظاهر فقدقال ابوعبدالله7 انما احتج الله علي العباد بما آتيهم و عرفهم و قال الله سبحانه لايكلف الله نفسا الا ما آتاها قال7 اي ما عرفها و المعرفة لاتقع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 426 *»

الا علي الظاهر فافهم.

و اما ما سألت عن الآية المحكمة علي الركن  الرابع و النور الساطع و الضياء اللامع فلايوجد آية الا و فيه منه اصل او فرع و لكني اذكر لك آية لتبلبل البال و اختلال الحال و اشتغال القلب بالهموم و الكلال قال الله سبحانه ليس البر ان‌تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقي و اتوا البيوت من ابوابها و اتقوا الله لعلكم تفلحون و البيوت هم الائمة: كما قال علي7 نحن البيوت التي امر الله ان يؤتي ابوابها نحن باب الله و بيوته التي يؤتي منه فمن تابعنا و اقر بولايتنا فقداتي البيوت من ابوابها و من خالفنا و فضل علينا غيرنا فقداتي البيوت من ظهورها ان الله عزوجل لو شاء عرف الناس نفسه حتي‌يعرفوه و يأتوه من بابه و لكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و بابه الذي يؤتي منه الخبر. و المراد بالبيت هو الموضع الذي يأوي اليه صاحبه و يضع فيه نفايس ما عنده من الاثاث و  الائمة: بيوت الله التي اذن الله ان‌ترفع و يذكر فيها اسمه فان الله سبحانه تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و لاجل ذلك سميت بالمقامات في دعاء رجب فجعلتهم معادن لكلماتك و اركانا لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك و لما كانوا: مظاهر المثال الملقي في هويتهم الذي هو رسول الله9 سموا بالبيوت في القرآن و موضع الرسالة في الزيارة و بالمقامات في الدعا و قدابان الله سبحانه عن هذا المقام في كتابه في بيوت اذن الله ان‌ترفع بحيث لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع فانهم اسم رفيع الدرجات ذوالعرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده و يذكر فيها اسمه الذي وضع الله فيها و القاه في هويتها فيذكر فيها ذلك الاسم و لاينسي ابدا يسبح له فيها بالغدو و الآصال علي القرائة بالمجهول و الوقف علي الآصال لتنزههم عن صفات جميع الحجب الساترة لانوار الله سبحانه بحيث صاروا مضمحلين متلاشين في جنب عظمة الله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 427 *»

سبحانه فعظموا جلاله و اكبروا شأنه و مجدوا كرمه و ادمنوا ذكره حتي صاروا في مقام امر الله ان‌يوصل فقال ان الله و ملئكته يصلون علي النبي9 و قال اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون رجال لاتلهيهم اي تلك البيوت رجال لاتشغلهم تجارة و لابيع عن ذكر الله صلوات الله و سلامه عليه و آله فهم متبعون له في ذواتهم و صفاتهم و احوالهم قال ابوعبد الله7 في حديث التمسوا البيوت التي اذن الله ان‌ترفع و يذكر فيها اسمه فانه اخبركم انهم رجال لاتلهيهم تجارة و لابيع عن ذكر الله و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الابصار الخبر. و في حديث ابي‌حمزة ان قتادة جلس بين يدي ابي جعفر عليه السلام فقال قتادة جلست بين يدي الفقهاء و قدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك فقال ابو جعفر ما تدري اين انت بين يدي بيوت اذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة و نحن اولئك فقال قتادة صدقت و الله جعلني الله فداك و الله ما هي بيوت حجارة و لا طين بالجملة البيوت هم الائمة: و هم بيوت الله و بيوت النبي9 كما روي انه سئل ابوعبدالله7 عن هذه الآية قال هي بيوت النبي9 و المراد منها هم: فانهم موضع الرسالة و مودع نوره و علمه و فضله و هم قبر النبي9 في قوله7 ما بين القبر و المنبر روضة من رياض الجنة فالقبر هو علي7 الذي اخفي فيه نور النبوة و علمه كما يخفي القلب في الصدر و المنبر هو القائم عجل الله فرجه فانه مظهر علومه و مبدي انواره و مجلي استعلائه و ما بينهما الائمة: روضة من رياض الجنة فيها ازهار العلوم و انوارها و اشجارها و ثمراتها فافهم و لما كانوا: بيوت النبي9 قال تعالي شأنه ان اول بيت اي من تلك البيوت التي اذن الله ان‌ترفع و يذكر فيها اسمه اي اول

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 428 *»

امام من آل محمد: وضع للناس اي وضع حمله و تولد في الدنيا لاجل منفعة الناس و هدايتهم للذي ببكة اي لهو الامام الذي تولد في الكعبة و ارضها هي بكة لان الناس يبكون فيها اي يزاحمون مباركا في علمه و نسله و وجوده و صفاته و احواله و اعماله و هدي للعالمين كما قال الله سبحانه انما انت منذر و لكل قوم هاد اي علي لكل قوم هاد فيه آيات بينات فانه جميع الآيات و كلها و ليس لله سبحانه آية اكبر مما وضع فيه مقام ابرهيم هو بدل الآيات او بدل الذي ببكة فيكون مقام ابرهيم اول امام وضع حمله للناس و المراد بابرهيم هو ابرهيم الاول و مقام ابرهيم هو موضع الرسالة علي7 فانه مقام محمد9 و موضع رسالته و معدن نوره او فيه مقام ابرهيم و هو قلبه7 فان قلبه مقام محمد9 ليس فيه حب غيره و نعم ما قال الشاعر:

لي حبيب حبه حشو الحشا   لو يشا مشيا علي جفني مشي
روحه روحي و روحي روحه   ان يشا شئت و ان شئت يشا

و قداذن الله ان‌يرفع و يذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال هاه هاه ما ادري ما اقول و ماذا تسمع فقل:

قديطرب القمري اسماعنا   ونحن لانعرف الحانه

و لولا خوفي ان‌يقولوا ان فلانا جن او ارتد لذكرت لك امورا عجيبة و لكني اطويها في صدري و لايضيق الصدر بكتمانه بل يضيق بافشائه:

اني لاكتم من علمه جواهره   كي‌لايري الحق ذوجهل فيفتتنا
فرب جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحل رجال مسلمون دمي   يرون اقبح ما يأتونه حسنا
و قدتقدم في هذا ابوحسن   الي الحسين و وصي قبله الحسنا

بالجملة هم بيوت الله سبحانه و باب تلك البيوت التي امر الله ان‌تأتوها منه هو شيعتهم لاباب حجارة و لاطين كمالم‌يكن البيوت بيوت حجارة و لاطين و شيعتهم من شعاعهم كما خلق نور الشمس من الشمس و هم نور الله سبحانه و قدروي ان الباقر7 قال يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 429 *»

 الشمس و هم باب الله سبحانه كما عرفت و قدروي عنه7 في حديث ثم خلق شيعتنا و انما سموا شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا و قال اميرالمؤمنين7 خلقنا من نور الله و خلق شيعتنا من شعاع نورنا فهم اصفياء ابرار اطهار متوسمون نورهم يضيء علي من سواهم كالبدر في الليلة الظلماء فكما انهم نور الله و لاجل ذلك صاروا باب الله تعالي فان باب كل منير الذي لايمكن التوسل اليه الا به و الوصول اليه الا منه نوره و هم نور الله تعالي و شيعتهم شعاعهم و نورهم و لايمكن التوسل اليهم الا بهم و الوصول اليهم الا منهم فان نور كل منير حجاب بينه و بين ذلك المنير لايمكن الوصول اليه الا منه و لايمكن ادراكه الا به و فيه و منه فمن اتي المنير من النور فقداتاه من بابه و من اتاه من غير النور و ما سوي النور ظلمة لم‌يصل اليه ابدا فانه اتي البيت من ظهره و قدروي عن سعيد بن منخل في حديث له رفعه قال البيوت الائمة و الابواب ابوابها و في حديث عن ابي‌جعفر7 في هذه الآية ان‌يأتي الامر من وجهها اي الامور كان ه. و انت تعلم ان وجه المنير نوره و شعاعه فان وجه الشيء ما يواجه به و المنير يواجه بالنور و يواجه بالنور فالشيعة وجه الامام و بابه و صراطه و دليله و مظهره و مرآته و قدامرك الله ان‌تأتي بيوت الرسالة من ابوابها و باب الامام شعاعه و شيعته فانه ليس بينه و بينهم فاصلة فان كان باب الامام من دونهم فهم اولي به و ان كان فوقهم فليس بين المنير و النور فاصلة فانه روي شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس و في الدعاء اللهم ان شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا و قال ابوعبدالله7 ان الله عجن طينتنا و طينة شيعتنا فخلطنا بهم و خلطهم بنا فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حن الينا فانتم و الله منا ه. فمن يلج بينهم و بين المنير الذي انارهم و لايمكن تعقل الفصل بين المنير و النور ابدا فهم ابواب ائمتهم كما انهم ابواب الله و لذا روي السلمان باب الله في الارض و روي انا مدينة العلم و علي بابها من اراد المدينة فليأتها من بابها فان اردت دخول مدينة علم آل محمد: فأتهم من بابهم حتي‌تنال بذلك مقصودك.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 430 *»

و اما الاخبار في ذلك فكثيرة جدا اوردنا شطرا منها في تلك الرسالة المنفردة و يقرب من ستين خبرا او ازيد و يكفيك ما رواه في الكافي بسنده الي ابي البختري عن ابي عبدالله7 قال ان العلماء ورثة الانبياء و ذاك ان الانبياء لم‌يورثوا درهما و لادينارا و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشيء منها فقداخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و عن النبي9 يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين و قال الصادق7 طوبي للذين هم كما قال رسول الله9 يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و لاتزعم ان المراد بهم الائمة: فانه صرح ان في كل قرن عدول و الامام في كل قرن واحد هذا مع ان لحن الخبر صريح واضح في ان المراد غير الائمة: و هذا المقام ليس مقام كل من علم العربية و الاصول و الفقه فان من لم‌يحز نقطة العلم و لم‌يعرف موصوله و مفصوله لم‌يقدر علي نفي تحريف كل من غلي في فنون المعارف و الحكم و الفضائل و المقامات فان لفظة الغالين جمع محلي بالالف و اللام يفيد العموم و لامخصص فكيف يقدر صاحب العلوم الظاهرة العربية ان‌ينفي غلو الغلات و المفوضة لعنهم الله عن هذا الدين اباالقواعد الصرفية يدفعه ام بالقواعد النحوية ام بالمحسنات البيانية ام بالاشارات المعانية ام بالقواعد الاصولية ام بالمسائل الفقهية و كذا من لم‌يطلع علي حقيقة العلم و لم‌يستلن ما استوعره المترفون و لم‌‌يأنس بما استوحش منه المكذبون لم‌يقدر علي نفي انتحال المبطلين اذا انتحلوا امرا عظيما في الاسلام و اتوا باشباه خوارق العادات و امثال الكرامات و ادعوا نيابة خاصة او امامة و ليس به ابمثل الاصول والفقه ينفون ذلك المبطل ابالنحو و الصرف و امثالهما يفعلون ذلك هيهات هيهات.

لله تحت قباب العرش طائفة   اخفاهم عن عيون الناس اجلالا

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 431 *»

و قداعدهم الله سبحانه لامثال هذه المهام العظيمة و يكشف بهم الضر و يدفع بهم المنتحلين و ينفي بهم الغالين و هم حملة الشرع المبين و مستنبطوا الدين المتين بهم يدفع الله عن البلاد و يرفع المحن عن العباد لولاهم لاندرست آثار النبوة ولانطمست رسوم الولاية ولو كان تلك المحن يرفع بهذه الرسوم لكان اعدل حفظة الدين الزنجاني الصرفي و محمد بن مالك النحوي و السكاكي و الفخر الرازي و مميت الدين بن الاعرابي و امثالهم و لكانوا هؤلاء من اعظم اسباب حفظ الدين و ضبط الشرع المبين هيهات هيهات هم والله:

قوم فعلوا خيرا فعلوا   و علي درج العليا درجوا
صحبوا الدنيا بجسومهم   و اليه بانفسهم عرجوا
دخلوا فقراء الي الدنيا   و كما دخلوا منها خرجوا

هم قوم استلانوا من اسرار آل محمد سلام الله عليهم ما استوعره المترفون و انسوا بما استوحش منه المكذبون صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالملاء الاعلي اولئك خلفاؤ الله و الدعاة الي دينه و اين اولئك و كم اولئك اولئك الاقلون عددا الاعظمون خطرا بهم يحفظ الله حججه حتي‌يزرعوها في قلوب اشباهم و اذا اردت ان‌تحوز حظا وافرا من صفاتهم فراجع تلك الرسالة التي صنفناها في هذا الشأن حتي‌تحوز كثيرا من الحظ و النصيب و تفوز بالمعلي و الرقيب و يزيدك ايضاحا ما رواه في الكافي بسنده عن ابن اذينة قال حدثنا غير واحد عن احدهما8 انه قال لايكون العبد مؤمنا حتي‌يعرف الله و رسوله و الائمة كلهم و امام زمانه و يرد اليه و يسلم له ثم قال كيف يعرف الآخر و هو يجهل الاول و قدفرق بين امام الزمان الذي يجب ان‌يرد اليه و يسلم له و بين الائمة سلام الله عليهم و المراد بامام الزمان هو العالم العامل الكافل لايتام آل محمد: في الزمان الذي يليه و الي هذا الامام الاشارة في دعاء رواه في بلد الامين بسنده عن يونس بن عبد الرحمن ففيه بعد الدعاء للقائم7 اللهم صل علي ولاة عهده و الائمة من بعده و بلغهم آمالهم و زد في آجالهم و اعز نصرهم و تمم لهم ما اسندت اليهم من امرك لهم و ثبت دعائهم و اجعلنا لهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 432 *»

 اعوانا و علي دينك انصارا الدعاء. و في دعاء ثالث شعبان في صفة الحسين7 الممدود بالنصرة يوم الكرة المعوض من قتله ان الائمة من نسله و الشفاء في تربته و الفوز معه في اوبته و الاوصياء من عترته بعد قائمهم و غيبته حتي‌يدركوا الاوتار و يثأروا الثار و يرضوا الجبار و يكونوا خير انصار صلي الله عليهم مع اختلاف الليل و النهار الدعاء. الي غير ذلك من الاخبار الناصة الصريحة علي نوعهم و لانطيل الكلام بذكرها و يدلك علي اصنافهم ما رواه الشيخ عبد الله بن نور الله باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي في حديث طويل انه قال جابر الحمد لله الذي من علي بمعرفتك و الهمني فضلكم و وفقني لطاعتكم و موالاة وليكم و معاداة اعدائكم قال صلوات الله عليه يا جابر او تدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الابواب ثالثا ثم معرفة الامام رابعا ثم معرفة الاركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا و هو قوله تعالي قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان‌تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و تلا ايضا و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم بالجملة الاخبار تجوز الستين و لكني كثرة الاشغال تمنعني عن تسريدها و هي موجودة في تلك الرسالة ان شئت فراجع و لنكتف بما ذكرنا فاني اخاف ان‌يفوتني شرح باقي مسائلك لكوني علي جناح السفر.

قال سلمه الله تعالي السابع بينوا لي تأويل آية النور و حقيقة تلك الآية المنورة حتي‌نستفيض ببركات انفاسكم الشريفة و علومكم العظيمة اللطيفة و ما الوجه في ان الله سبحانه في تلك الاية المباركة قال مثل نوره كمشكوة فيها مصباح مع ان ظاهر المقام يقتضي ان‌يقال مثل نوره كمصباح في المشكوة و السلام.

اقول ان القرآن كلام الله تعالي و كلام كل متكلم دليل علمه و قدقال سبحانه فاعلم انما انزل بعلم الله فهو بحر لاينزف و ليس له ساحل يعرف ظاهره

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 433 *»

انيق و باطنه عميق لاينتهي عجايبه و لايستقصي غرايبه و له ظاهر ظاهر و ظاهر و باطن و باطن باطن و تأويل و باطن تأويل و له حد و مطلع و علم جميع العلماء منه و هو الماء الذي انزل من السماء فسالت اودية بقدرها و لكل وجه من هذه الوجوه نوع خاص من البيان منه ما يجوز بيانه و منه ما لايجوز و لما لم‌نكن بصدد الفرق بين هذه المقامات الستة و لم‌يكن في بيانكم ما يدل علي السؤال عنها لم‌نذكرها و نذكر ما سألت و هو تأويل الآية خاصة قال الله سبحانه و تعالي الله نور السماوات و الارض الله و هو علم للذات المستجمعة لجميع الصفات القدسية والاضافية و الفعلية و هي التجلي الاعظم و الظهور الاكرم و هي الذات في الذوات و الذات في الذوات للذات و هي نور سموات العلل و ارض المعلولات و نور سموات النبوة و ارض الولاية و هكذا و النور هو الظاهر في نفسه و المظهر لغيره و تلك الذات العليا المقدسة هي الظاهرة في نفسها لانه لاظهور الا لها و قدقال الحسين7 في دعاء عرفة ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي‌يكون هو المظهر لك متي غبت حتي‌تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي‌تكون الآثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيبا الدعاء. فهو الظاهر في نفسه لفرط ظهوره و المظهر لغيره من فضل نوره و غيره نفس ظهوره من حيث هو هو و هو علي قسمين سماوات و ارض و المراد بالسموات مبادي العلل ايدي الرب و مظاهر الامر و مجالي الحكم و جهة الفاعل المقبول و المراد بالارض منتهيات المعلولات و الآثار و مهابط الانوار و مقام كثرة الاغيار و وجود الاكدار و جهة المفعول و القابل و الله سبحانه هو نورهما اي مظهرهما من الامكان الي الكون فاخترعهما لامن شيء و ابتدعهما لا لشيء و لا كشيء و لافي شيء فهو منيرهما و هاديهما سبل الاكوان و الاعيان و سبل رضاه و رجاه و خوفه و سبل العلم بالسلوك معه.

مثل نوره اي صفة نوره فان المثل محركة هو الصفة كقوله سبحانه مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار الآية اي صفة الجنة و مثل نوره اي صفة نوره و الضمير راجع الي الله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 434 *»

سبحانه او الي النور و هذا عجب من التفسير اما الاول فظاهر و السر في انه قال الله نورهما ثم قال مثل نوره فحمل في الاول و قال انه هو النور و اضاف في الثاني و اثبت الاثنينة اشعارا بان ذات الله سبحانه لايمثل له فانه ليس كمثله شيء و لامثل له كما قال فلاتضربوا لله الامثال و انما المثل يؤتي لنوره اي ظهوره و صفته و انما ذلك كقولك زيد عدل و مثل عدله فنسبة العدل الي زيد لشدة ظهوره في العدالة و بالعدالة حتي‌صار كانه العدل بنفسه ثم تقول مثل عدله اي عدله الظاهر به و فيه فقولك مثل عدله بعد قولك زيد عدل مبين للنسبة و ان النسبة لاجل شدة ظهوره في العدل و كذلك تقول الله نور السموات و الارض و النور مصدر قولك نار اي اوضح و هو متعد اي الله موضح السموات و الارض و حمل المصدر عليه لشدة ايضاحه و عدم موضح غيره سبحانه فهو منير السموات و الارض و مظهرهما لاغير و النور غيره و الحمل لتلاشيه في جنبه سبحانه و اختصاصه به و ظهوره فيه لاغيره فبعد ذلك تلتفت و تريد اثبات الاثنينية و تقديسه سبحانه و تسبيحه و تنزيهه عن كونه نورا و ان النور اثر فعله سبحانه فتقول مثل نوره اي مثل اظهاره السموات و الارض او مثل هداه و علمه الذي به هديهما هذا علي ان‌يكون الضمير راجعا الي الله و ان كان راجعا الي النور و هو الوجه الاعجب الاعلي الاعلي فالمراد صفة نور النور و علي ذلك يكون الحمل من باب الحمل الاشراقي الذي خصصنا بعلمه و هو انه لما كان التجلي الاعظم و النور الاجل الافخم مبدء الصدور الماحي للغيور متقربا اليه سبحانه بالتنفلات الكونية و الشرعية حتي‌تلاشي و اضمحل في جنب الذات المغيبة للصفات و خالف هواه و اتبع مولاه حتي‌بلغ مقام كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و مقام هو نحن و نحن هو جاز علي نحو الاشراق لزوال الافتراق و شدة الافتياق الي شرف التلاق و شحن بذلك الكتاب و السنة بمالامزيد عليه فقال الله نور السموات و الارض صفة نور ذلك النور المضمحل المتلاشي الذي هو اجل من ان‌يكون له اسم و رسم بل هو غيب ممتنع لايدرك صفة نور ذلك النور ما يذكر و هي المقام الرابع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 435 *»

و الظهور الساطع فالمقام الاول مقام الذات المعرب عنه باسم الله و المقام الثاني النور المحمول عليه و الثالث نوره المضاف اليه و الرابع صفة نوره و مثله فصفة ذلك النور كمشكوة فالمشكوة هي صفة النور و الزجاجة هي ذلك النور المضاف اليه و المصباح مثل النور المحمول عليه و النار التي في المصباح المشار اليها بقوله لولم‌تمسسه نار هي آية الموضوع و السر المرفوع فالمشكوة هي صفة النور لا المصباح و المشبه في قوله سبحانه عين المشبه به كما شأن كلام الحكيم و به جري الكتاب و السنة و هو ابلغ في المطابقة للايقة بصدقه و علمه سبحانه فعين المشكوة نفس صفة النور فالمشكوة التي هي صفة النور هي النفس القدسية و الزجاجة هي الروح الملكوتية و المصباح هو العقل و النار هو الفؤاد آية التوحيد و عنوان التفريد فمثل نوره سبحانه مشكوة اي نفس قدسية فيها مصباح العقل المصباح في زجاجة و هي الروح ولم‌يقل فيها زجاجة فيها مصباح ليبين اضمحلال الزجاجة و فنائها في جنب المصباح حتي‌انها لم‌تكن و المصباح في المشكوة علي ما قال الشاعر:

رق الزجاج و رقت الخمر   فتشاكلا فتشابه الامر
فكانما خمر و لاقدح   و كانما قدح و لاخمر

فلشدة اضمحلال الزجاجة و تلاشيها في جنب المصباح كانها لم‌تكن شيئا و اول ما يبدو في النظر هو المصباح و لذلك قال انا محمد و محمد انا و ذم الله قوما فقال يقطعون ما امر الله به ان‌يوصل فلشدة صفاء الزجاجة لم‌تكن في اول النظر ظاهرة كمشكوة فيها مصباح ثم التفت و قال المصباح في زجاجة.

الزجاجة كانها كوكب دري من شدة صفائها و لاجل ذلك يلتبس علي الناظرين وجودها و عدمها و بين الله سبحانه كذلك لاجل تفهيم هذه المقامات كقوله ما رميت اذ رميت فاثبت و نفي لاجل الحكمة و بيان تردد الانية بين الوجود و العدم و البقاء و الفناء فقال فيها مصباح المصباح في زجاجة و هذا حال الروح فانها رقيقة برزخية بين العقل و النفس فان قستها مع العقل فهي نفسية صورية و ان قستها مع النفس فهي عقلية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 436 *»

معنوية فاول ما يرفع الناظر النظر من المشكوة اي النفس يري العقل الذي هو المصباح فاذا جاز عن الزجاجة و وصل الي العقل اي المصباح علم ان الذي رأي اولا هو الزجاجة فيقول المصباح في زجاجة يوقد اي ذلك المصباح من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية و لاغربية و تلك الشجرة هي شجرة الباكورة في قول الحسن العسكري7 ان روح القدس في جنان الصاقوة ذاق من حدايقنا الباكورة و هي شجرة الخلد و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن و صبغ للآكلين و هي شجرة طوبي و سدرة المنتهي اصلها في بيت العظمة و لها فروع بعدد شؤن الكبرياء و لفظة من لبيان المادة اي وقود ذلك الصباح و ما يشتعل فيه شجرة و ذلك كقولك صنعت الخاتم من فضة و تلك الشجرة هي نفس الزيتونة اذ جاء بها علي نحو البدلية و الزيتون في لغة العرب اسم للشجرة و الزيت اسم للدهن المستخرج من ثمر الزيتون فبين سبحانه ان وقود ذلك المصباح اي قابليته و انيته ناشئة من شجرة زيتونة و تلك الشجرة انية العقل وسميت بالشجرة لان لها رؤس و فنون و اغصان و اوراق بعدد ذرات المخلوقات و هي مباركة قدبارك علي ظاهرها سبعون نبيا و مباركة في تأويلها اذ منها تنزل جميع الامداد الكونية و الشرعية و هي محل مشية الله و مبهط ارادة الله ليست بشرقية اي امرية فان الامر هو صبح الازل المشار اليه في قول علي7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره و ليست بغربية تغيب فيها الانوار و تخفي فيها الآثار و انما هي بين المشرق و المغرب نابتة علي سواء طور النفس و جبل الانية يكاد زيتها يضيء و لولم‌تمسسه نار اي يكاد زيت تلك الزيتونة اي لطائف تلك الشجرة التي هي قابلية نار الامر و مظهر آثارها و مجلي انوارها تضيء توجد و تكون فعالة في الوجود مشرقة في الغيوب و الشهود لغلبة ما فيها من الحرارة الكامنة المستعدة للبروز و الكمال و لولم‌تمسسه نار الامر فعل الله سبحانه اي كاد ان‌يوجد قبل ان‌يتعلق به فعل الله سبحانه لغلبة استعداده للوجود و رجحان مقتضياته و عدم توقفه علي شيء غير بارئه نور علي نور اي نور المحمول علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 437 *»

نور المضاف فالنور الاول اشارة الي قوله الله نور و الثاني اشارة الي قوله مثل نوره اي مثل نور النور فالنور المضاف اليه علي نور المضاف مستول عليه مستو علي عرشه فالنور الاول هو الواسطة الكبري بين المبدء و المنتهي و النور الثاني هو تجلي النور الاول و انيته و نفسه و ظهوره و النور الاول المصباح ظهور النار الغيبية و صفتها و محمولها و النور الثاني هو الزجاجة المشرقة كانها كوكب دري فنور المصباح علي نور الزجاجة و اما المشكوة فهي صفة النور الثاني و ظهوره و النور الاول هو العقل و النور الثاني هو الروح و النفس صفة الروح و محلها و مجليها.

يهدي الله لنوره من يشاء اي يجعل الله سبحانه ذلك الروح فيمن يشاء من عباده و هي المشار اليها بقوله اولئك الذين كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه و ليست تلك الروح في كل احد اذ تلك الروح يعبد بها الرحمن و يكتسب بها الجنان و ليست هي حيوة كل حيوان و هي الناطقة القدسية المخصوصة بالانسان و يضرب الله الامثال للناس و الله بكل شيء‌ عليم اي يظهر الله الصفات الدالة علي الموصوفات الغيبية و الآثار الدالة علي المؤثرات العلية لمنفعة الناس و اعتبارهم و اهتدائهم من العبودية الي الربوبية كما قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية قال الله سبحانه سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي‌يتبين لهم انه الحق او لم‌يكف بربك انه علي كل شهيد و قال الرضا7 قدعلم اولوالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و انما هذا الاعتبار لمن نسي رسوم الديار و استأنس بالاغيار و توسخ مرآة قلبه بالاكدار و اما من كان ذاكرا للديار فلايحتاج الي امثال الاعتبار و قداوضح الله ذلك في تفسير ظاهر الظاهر و قال و يضرب الله الامثال للناس اي للناسي عهد الله في الذر الاول حين خاطبهم مشافهة و قال الست بربكم قال الصادق7 ثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سيذكرونه يوماما و قدتعجب عن الناسين فقال اولم‌يكف بربك انه علي كل شيء شهيد ثم بين الوجه في ذلك فقال الا انهم في مرية من لقاء ربهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 438 *»

ثم دلهم تحننا فقال الا انه بكل شيء محيط موجود في غيبتك و حضرتك.

و اما قوله و الله بكل شيء‌ عليم يعلم كيف يهدي كل شيء الي نوره و ما حده و ما مقداره و كيف مشعره و كيف ينبغي ان‌يضرب المثل له و يوصف له ما لم‌يعاينه و لم‌يحط به علما بالجملة هذا تأويل الآية المذكورة في العالم الكبير و اما في العالم الصغير فالمشكوة هي صدر المؤمن و الزجاجة قلبه و المصباح روحه فروحه نور الله سبحانه و قلبه شعاع ذلك النور و صدره صفة النور كما مر من ان المشبه عين المشبه به الزجاجة اي قلب المؤمن كانها كوكب دري يشرق بنور العلم و الايمان يوقد مصباح روحه من شجرة مباركة زيتونة اصلها محمد9 و فرعها فاطمة عليهاالسلام و اغصانها الائمة: و اوراقها الشيعة و اثمارها علومهم فروح الشيعة من الدوحة الاحمدية خلقت من فاضل طينتهم و عجنت بماء ولايتهم و تلك الشجرة شجرة العقل الكلي فروح المؤمن ورقة من تلك الشجرة الكلية و هي شجرة مباركة زيتونة و وجه تسمية تلك الشجرة بالزيتونة لان الزيتون شجر مبارك قدبارك عليه سبعون نبيا منهم ابرهيم الخليل علي نبينا و آله و عليه السلام و هو كثير البركة يؤتدم بدهنها كما قال سبحانه تنبت بالدهن اي بمصاحبة الدهن و صبغ للآكلين و يسرج و يستضاء و يهتدي به في الظلمات و يوقد بحطبه و لاشتماله علي الدهن احسن ما يوقد به فيستضاء بحطبه و يصطلي به و يغسل الابريسم برماده و يؤخذ منه العصي يتوكا عليها و يهش بها علي الغنم و هو مع ذلك اول شجرة نبتت بعد الطوفان و معدنه في الشام لاشرقية و لاغربية لان الشام بين المشرق و المغرب لايفيء عليه ظل شرق و لا ظل غرب فلاجل انه كذلك سمي شجرة العقل الكلي بالزيتونة لانه ايضا باكورة جنان الصاقوة و به اضيء جميع الاكوان و هو نور كل ذي نور يهتدي به الي مطلبه و لولا العقل كان الانسان في ظلمات الجنون و السفه لايهتدي الي شيء ابدا و هو ايضا مبارك قدشملت بركاته جميع الاكوان و به اصاب من اصاب خيرا في الدنيا والآخرة و هو ينبت بالدهن لان الدهن هو افضل شيء في اظهار النور و الضوء و ذلك لانه برزخ بين الجامد الغير القابل للتكليس الشديد الكثافة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 439 *»

الحاجب للضوء و النور و بين الذائب الغير الثابت في حر النار الطاير من وهجها و شدة حرها كالماء الذي يستحيل في النار هواء و يطير فيها فهو ماء سريع القبول للتكليس الا ان فيه غلظة و لزوجة و كثيف مايع فيتكلس برقته و لطافته و يظهر النار بغلظته و كثافته فهو بنفسه لاشرقية اي لالطيفة في غاية اللطافة و لاغربية اي لاكثيفة في غاية الكثافة بل هو بين بين و ليس في الاشجار شجر بهذه الصفات و العقل ايضا برزخ بين غلظة الصورة و لطافة الحقيقة و هو معني له تحديد معنوي و لذلك يظهر انوار الامر و يتكلس دهن قابليته في نار الامر المستولية عليه و يشتعل فيه النار و مع ذلك له لزوجة التحديد المعنوي و كثافة انية رقيقة بها يظهر نور نار الامر فهو شجر الزيتون الذي هو بالبركات مشحون يكاد زيتها اي دهن الشجرة اي قابلية روح المؤمن يضيء و ينطق بالعلم و الحكمة و يشرق بالفعالية و اظهار الكوامن و لولم‌تمسسه نار اشراق العقل الكلي عليه فان مصباح روح المؤمن يشتعل من مصباح العقل الكلي كالضوء من الضوء و كالسراج من السراج نور علي نور اي روح المؤمن علي قلبه مستو عليه استواء الرحمن علي عرشه و لذا روي قلب المؤمن عرش الرحمن و روي في القدسي ما وسعني ارضي و لاسمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن يهدي الله لنوره من يشاء اي ان الله سبحانه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و من لم‌يجعل الله له نورا فما له من نور و يهدي الله سبحانه الي ذلك النور من يشاء اي الي ذلك المؤمن من يشاء و يضرب الله الامثال للناس يضرب ذلك المؤمن مثلا للحجة القائم في كل عصر حتي‌يهتدي الناس به الي امامهم فان المؤمن هو القرية الظاهرة المقدرة للسير فيها الي القري المباركة اي عقل المؤمن صفة العقل الكلي الشجرة المباركة الزيتونة و الله بكل شيء عليم يعلم حيث يجعل رسالته فافهم راشدا موفقا فاني مضطرب القلب متبلبل البال في هم الارتحال و ليس لي الآن لاكثر من ذلك مجال فاقتصرت في الجميع علي الاشارة و لوحت الي ما تريد في اثناء العبارة و الله خليفتي عليك و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 440 *»

قال سلمه الله الثامن لاشك ان الاشياء خلقت بالمشية و المشية بنفسها ما المراد بخلق المشية بنفسها و كيف يمكن صدور فعل من الفاعل بلاربط و لااتصال و لاتعلق انا لا اتعقل ذلك بينوا لي جزاكم الله خيرا و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و كتبه العبد الذليل حسن بن علي اليزدي الكثنوي عفي عنه.

اقول هذا آخر مسائله ايده الله اعلم ان الله سبحانه كان واحدا احدي المعني ليس فيه ذكر غيره لابوجود و لاعدم و لا باثبات و لانفي و ليس فيه جهة و جهة و حيث و حيث و اعتبار و اعتبار و انما هو ذات احدية ساذجة عن ذكر غيره امكانا و كونا و عينا فاول ما خلق خلق المشية من غير ان‌يتحرك بعد سكون و من غير ان‌ينطق بعد سكوت و من غير ان‌يستحيل بنفسه فعلا بعد ان كان ذاتا من غير ان‌يتغير عن كيانه فاذا خلق الفعل خلقه بنفسه اي بنفس ذلك الفعل لابنفسه سبحانه فالباء في قوله خلقت المشية بنفسها لبيان الآلة المباشرة اي الآلة التي بها خلق الله المشية هي نفس المشية و الآلة التي بها خلق الله الاشياء هي المشية و ذلك لان الله سبحانه لاحدية ذاته و قدمه و عدم جواز التغير عليه لم‌تكن ذاته آلة ايجاد الاشياء و لاختلاف قوابل الخلق ابي ان‌يجري الاشياء الا بالاسباب و السبب الذي اجري به ساير الاشياء المشية و لما لم‌يكن فوق المشية شيء اجريها بنفسها اي هي بنفسها يد الله سبحانه في خلقه اياها و قدضرب الله في نفسك مثالا لذلك و هو انك تصلي و توجد الحركات و السكنات و الاقوال بالنية وهي عزيمتك علي الفعل الظاهري و لست توجد النية بنية اخري و عزيمة مقدمة عليها و انما توجد النية بنفسها ثم توجد الصلوة بالنية فكذلك اوجد الله المشية التي هي عزيمته علي ما يشاء بنفسها ثم اوجد الاشياء بتلك العزيمة و اما قولكم و كيف يمكن صدور فعل من الفاعل الي آخره فكيف يمكن غير ذلك فان الربط بين الذات و الفعل يوجب المحال و تركيب الذات و حدوثها فان الربط شيء لامحة فهو اما قديم او حادث فان كان قديما فيتعدد القدماء و هو محال و ان كان حادثا فهو اما نفس المشية او مخلوق بها فان كان مخلوقا بها لايكون رابطا بينها و بين القديم فان الرابط بينهما لابد و ان‌يكون اعلي منها و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 441 *»

ان كان نفسها فهي هي لاغيرها فكيف يمكن الربط بينهما و قدقال الرضا7 حق و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما فما كان حقا فهو حق احدي المعني و ليس له حيث ربطية و حيث ذاتية و ما كان خلق فهو اما مشية و اما مخلوق بها قال الله سبحانه له الخلق و الامر و كون شيء‌ غير خالق و غير مخلوق و غير قديم و غير حادث و غير قائم بنفسه و غير قائم بغيره ابعد من الفطرة السليمة من احداث الفعل بلاارتباط و احداث الحادث بلاارتباط واجب و مع الارتباط ممتنع و انما عليك ان‌تعرف عدم ثالث بين الحق و الخلق و ليس لك ان‌تعرف الكيفوفة فانه لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و هو سبحانه مكيف الكيف بمشيته فلايجري في مشيته الكيف قال الكاظم7 الارادة من المخلوق الضمير و ما يبدو له بعد ذلك من الفعل و اما من الله فارادته للفعل احداثه لاغير ذلك لانه لايروي و لايهم و لايتفكر و هذه الصفات منفية عنه و هي من صفات الخلق فارادة الله هي الفعل لاغير ذلك يقول له كن فيكون بلالفظ و لانطق بلسان و لاهمة و لاتفكر و لاكيف لذلك كما انه لاكيف له انتهي.

و اما عدم الاتصال بين شيئين يوجب التصاق كل واحد منهما بالآخر و هو موجب خلط كل منهما بالآخر و امتزاج كل واحد بالآخر و كونهما في صقع واحد و تحديد كل واحد منهما و اما اذا كان الخلق غير موجود في صقع الخالق و الخالق غير محدود بحد المخلوق فكيف يمكن فرض الاتصال بينهما او الانفصال و هما يتحققان في المتصاقعين لاغيرهما و الواجب ممتنع في الحدث و الحدث ممتنع في الوجوب و كيف يتصل الشيء بالممتنع و اما التعلق فاسئلك هل المشية حادثة ام قديمة و لا اظنك تقول بقدم المشية فان قلت بحدث المشية فاسئلك هل حدث فيه سبحانه حال بسبب التعلق بالمشية الحادثة ام لم‌يحدث فان لم‌يحدث و كان سبحانه علي ما كان و هو الحق فلم يتعلق بالحادث و احدث الحادث بلاتعلق و ان حدث فيه حال غير ما كان عليه فصار محلا للحوادث و صار متغير الاحوال و هو يجل عن ذلك تعالي الله عنه علوا كبيرا فاحدث الفعل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 442 *»

بنفسه بلاارتباط و لااتصال و لاتعلق و لاكيف لذلك كما لاكيف له و لايذهبن بك المذاهب الباطلة و الآراء الفاسدة و الاهواء الكاسدة فتظن الربط بين الذات و خلقه فان هؤلاء ارادوا تصوير الذات مع الخلق و قاسوا الخالق بالخلق فاثبتوا له صفات الخلق و سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

قدفرغ من تسويده مصنفه في زوال يوم الاحد سلخ شهر ذي قعدة الحرام من شهور سنة احدي و ستين بعد المأتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها الصلوة و السلام حامدا مصليا مستغفرا. تمت