رسالة في جواب الحاج ملاحسن المراغي 1
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 287 *»
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين الي يوم الدين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قدارسل الي المولي الولي و العماد الوفي و السناد الصفي العالم العامل المؤتمن جناب الحاج الملاحسن المراغي سلمه الله و ابقاه و من كل مكروه وقاه بكتاب كريم و خطاب جسيم فاثار كوامن الاخلاص و ذكرني بسوالف الاختصاص الذي كان بينه سلمه الله و بين هذا الفقير فذكرني عهدا و ما كنت ناسيا و قد ذكر في خلاله انه قدوصل اليه ترجمة كتاب الجامع الذي صنفته في فقه الاحكام و قدترجمه بعض اصحابنا الكرام بالعجمية فلميثق بذلك الكتاب لاحتمال خطاء المترجم و غلط النساخ و اراد مني انارسل اليه كتابا مصححا مقابلا مع نسخة الاصل و اشكل عليه ايضا بعض المسائل المذكورة فيها و مسائل اخر مما لميذكر فيها و لما كان سلمه الله حريا بالجواب و اهلا للاجابة التزمت اجابته و اسعاف طلبته مع ما انا فيه من كثرة الاشغال و اختلال الاحوال و تبلبل البال و توارد الملال من اذيات هذا الخلق المنكوس و انثيالهم علي من كل جانب حتياكاد انانسي نفسي فضلا عن اناشتغل بجواب سائل او اسعف امل آمل و مع هذه الحال لايمكن لي اناستقصي في بيان الادلة في اجوبته كما ينبغي فاقتصر علي ما هو الميسور و لا اتركه بحول الله و قوته بالمعسور فان ما لايدرك كله لاينبغي انيترك كله فالعفو عن ترك الاستقصاء منه مأمول لان العذر عند كرام الناس مقبول فاجعل فقرات سؤاله كالمتن و اجعل جوابي له كالشرح كما هو عادتي و لا حول و لاقوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين.
قال ايده الله في خلال كتابه فالملتمس و المسؤل من ذلك الجناب
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 288 *»
المأمول انامكن ارسال رسالة عربية مزينة بالتصحيح بالخط الشريف و الخاتم المنيف لنكون في العلم ابت و في العمل اثبت مع بيان انه يجب في العقود كلها او بعضها الاجراء بالعربية ام يجوز بغيرها مطلقا او مع التفصيل و علي الاول بيان صيغ العقود المتداولة و شرايطها الشايعة من البيع و الصلح و النكاح و الطلاق و هل يجوز الوكالة من الطرفين ام لابد لكل من الموجب و القابل من انفسهما حتي يصح العقد.
اقول و لاقوة الا بالله اعلم ان الله سبحانه خلق هذا الخلق و هو المالك لما ملكهم و المتسلط علي ما سلطهم عليه فهم مالكون مسلطون لما في ايديهم و علي ما هو تحت تصرفهم بتمليك الله سبحانه و علي نحو ما ملكهم كما ملكهم و يسلب عنهم تملكهم لما ملكهم متي شاء و اراد كما روي عن ابي الحسن الرضا7 لايحل مال الا من وجه احله الله انتهي فليس لاحد انيتصرف في شيء من هذا الخلق الا علي النحو المأذون فيه فانه هو المالك لما ملكهم قبل انيملكهم و حين تملكهم و بعد زوال ملكهم فلايحل لهم التصرف بوجه من الوجوه في شيء من الاشياء الا بوجه اذن الله به و يظهر اذنه سبحانه في انواع التصرفات في الاشياء في كتابه المنزل لارشاد خلقه و فی سنة نبيه و آله صلوات الله عليه و آله فانهم سلام الله عليهم السنة الله الناطقة و تراجمة وحيه الكاملة بهم يفصح الله عن كوامن سره و بهم يعبر عن بواطن امره و كذلك ينبغي انيعلم ان الله سبحانه لايمنع امره مانع و لايدفع قدرته دافع يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته فلما تعلقت حكمته باظهار شرايع دينه و ابداء طرايق احكامه لايصده عنه صاد و لايرده عنه راد فلله الحجة البالغة علي ما احب و اراد و ليس يمكن في العقول المسددة انينزل دينا ناقصا فيستعين بخلقه علي اتمامه و اكماله او يجعلهم شركاء مع نفسه في التشريع فيكون الواجب عليهم التصرف في دينه و يكون الواجب عليه القبول بل هو المتفرد في ابلاغ الحجة و ايضاح المحجة فابلغ و اوضح حتي قال اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا فبين و شرح ابلغ و اوضح جميع ما ينبغي للعباد العمل به و ليس لاحد انينقص عما شرع و لا ان
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 289 *»
يزيد فيما وضع فلميأمر بما امر شططا و لميمسك عما امسك نسيانا بل بين ما يجب بيانه و اخفي ما يجب اخفائه و لذا قال علي7 قال رسول الله9 ان الله تعالي حد لكم حدودا فلاتعتدوها و فرض عليكم فرائض فلاتضيعوها و سن لكم سننا فاتبعوها و حرم عليكم حرمات فلاتنتهكوها و عفي لكم عن اشياء رحمة من غير نسيان فلاتتكلفوها و قال7 ابهموا ما ابهمه الله و قال الصادق7 ان الله يحتج علي العباد بما آتيهم و عرفهم ثم ارسل اليهم رسولا و انزل عليهم الكتاب فامر فيه و نهي و قال ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم انتهي. فهذا الذي ذكرت لك اصل لو ضربت اباط المرقلات لم تصب مثله فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فاعلم اصلا آخر و هو ايضا من الاصول المهمة ان جميع الكتاب و السنة لايتجاوز عن اقسام فاما يكون تأويلهما في تنزيلهما او يكون تأويلهما مع تنزيلهما او يكون تأويلهما قبل تنزيلهما او يكون تأويلهما بعد تنزيلهما اما ما كان تاويله في تنزيله و قد اشار اليه سبحانه ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم كآيات نزلت و اخبار صدرت بالفاظ كانت مصطلحة معروفة عند الناس يعرفونها و يتداولونها بينهم من غير تأمل و لااشكال في معناها فحين ما نزلت او صدرت عرف الناس معناها و لميحتاجوا انيسألوا النبي9 عن معناها و ذلك كاكثر الفاظ الكتاب و السنة مثلا اذا نزل احل الله البيع و حرم الربوا لميكونوا محتاجين انيسألوا ما البيع و ما الربوا فانهم كانوا يعرفون معني البيع و معني الربوا و ان حد بعد ذلك النبي حدودا في البيع و في الربوا و كذلك اذا نزل و انكحوا الايامي منكم لميحتاجوا انيسألوا ما معني النكاح فان الكتاب نزل بالعربية و هم العرب يعرفون معاني الالفاظ كما يعرف اهل كل لغة لسانهم و لغتهم.
و اما ما كان تأويله مع تنزيله و قداشار اليه سبحانه لتبين للناس ما نزل اليهم فكقوله سبحانه اقيموا الصلوة و آتوا الزكوة فانهم كانوا محتاجين الي معرفة
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 290 *»
الصلوة و فسر لهم النبي9 معني الصلوة و الزكوة و كذا الوضوء و الغسل و غير ذلك من شرايعه و هم جاهلون بمعناها و كان المعروف من هذه الالفاظ بينهم غير مراد الله و مراد رسوله9 و اما ما كان تأويله قبل تنزيله كامور حدثت في عصر النبي9 و لما ينزل عليه فيه شيء فلميبين لهم حكما الي اننزل عليه حكمه فكان تأويل ذلك الحكم واقعا قبل التنزيل و اما ما كان تأويله بعد تنزيله و قد اشار الله اليه في قوله بل كذبوا بمالميحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله فكما صدر في اخبار الرجعة و القيمة و الملاحم الآتية في آخر الزمان فما كانوا يعرفونها قبل و ما فسر لهم حين نزول الآية و صدور الخبر و لماياتهم تأويله و يدل علي جملة ذلك ما رواه في البحار نقلا من كتاب النعماني بسنده عن اسمعيل بن جابر عن ابي عبدالله7 في صنوف آيات القرآن في حديث طويل قال7 و اما ما في كتابه تعالي في معني التنزيل و التأويل فمنه ما تأويله في تنزيله و منه ما تأويله قبل تنزيله و منه ما تأويله مع تنزيله و منه ما تأويله بعد تنزيله فاما الذي تأويله في تنزيله فهو كل آية محكمة نزلت في تحريم من الامور المتعارفة التي كانت في ايام العرب تأويلها في تنزيلها فليس يحتاج فيها الي تفسير اكثر من تأويلها و ذلك مثل قوله حرمت عليكم امهاتكم الآية و قوله انما حرم عليكم الميتة الآية و قوله تعالي يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربوا الي قوله و احل الله البيع و حرم الربوا و ذكر آيا كثيرة الي انقال و مثل هذا كثير في كتاب الله و اما الذي تأويله قبل تنزيله فمثل قوله تعالي في الامور التي حدثت في عصر رسول الله9 مما لميكن انزل الله فيها حكما مشروحا و لميكن عند النبي فيها شيء و لاعرف ما وجب فيها ثم عد آيا نازلة في يهود بنيقريظة و النضير و آية المظاهرة و آية اللعان و آية يا ايها الذين آمنوا لاتحرموا طيبات ما احل الله لكم الآية و قد نزلت في عثمان بن
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 291 *»
مظعون و سلمان و تمام العشرة من المهاجرين و عد آيا اخر الي انقال فكلما كان من هذا و شبهه في كتاب الله تعالي فهو مما تأويله قبل تنزيله و مثله في القرآن كثيرة في مواضع شتي و اما ما تأويله بعد تنزيله فهي الامور التي اخبر الله عزوجل رسوله9 انها ستكون بعده مثل ما اخبر به من امور القاسطين و المارقين و الخوارج و قتل عمار عربی جري ذلك المجري و اخبار الساعة و الرجعة و صفات القيمة و مثل قوله هل ينظرون الا تأويله الآية و عد آيا كثيرة الي انقال فهذه و اشباهها نزلت قبل تأويلها و كل ذلك تأويله بعد تنزيله و اما ما تأويله مع تنزيله فقوله تعالي يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين فيحتاج من سمع هذا التنزيل من رسول الله انيعرف هؤلاء الصادقين الذين امروا بالكينونة معهم و يجب علي الرسول انيدل عليهم و يجب علي الامة حينئذ امتثال الامر و مثله قوله اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم و عد آيا كثيرة كقوله تعالي اقيموا الصلوة و آتوا الزكوة الي انقال و اما ما انزل الله تعالي في كتابه مما تأويله حكاية في نفس تنزيله و شرح معناه فمن ذلك قصة اهل الكهف الخبر.
فاذا عرفت ذلك في القرآن فكذلك كان امر السنة فان جميع ذلك صدر عن النبي9 في سنته فتبين و ظهر ان البيوع و المداينات و الاجارات و المزارعات و الوكالات و المناكحات كانت قبل نزول الكتاب و ظهور السنة وكانت الفاظها معروفة مشهورة يعرفها كل من سمعها و يعرف معناها و مواردها و لميكن مما يجب علي النبي9 شرحه و بيانه الا علي سبيل التحليل والتحريم كما قال حرمت عليكم امهاتكم و بناتكم الآية و قال احل الله البيع و حرم الربوا و قال الا ان تكون تجارة عن تراض منكم و اذا صدر هذه الاوامر و النواهي عن النبي9 عرفها العرب و لميكونوا محتاجين الي السؤال عن معناها بخلاف ساير ما وضع في شرعه في التكاليف كالصلوة و الصيام و الحج و غير ذلك من ولاية قوم و البراءة من الآخرين فاحتاجوا انيتبينوا معناها و يسألوا عن تأويلها
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 292 *»
حتي يعرفوا فالامور التي كانت قبل ظهور الشرع معروفة مشهورة شايعة فلميخل اما غير النبي9 شيئا منها عما كان عليه او لميغير بل قرره و عمل به او لميعمل فما غيره منها فزاد فيه او نقص فهو المتبع الذي ليس عنه محيص و ما لميغيره بل قرره و وضعه علي ما كان عليه فيجب العمل به علي ما كان و ما لميقرره و لميعمل به مع اختلاف اهواء الناس فيه فهو مما ابهمه فيجب ابهامه كما قال اميرالمؤمنين7 ابهموا ما ابهمه الله تعالي و قال و سكت عن اشياء رحمة من غير نسيان فلاتتكلفوا فيرجع ذلك الي الاباحة الاصلية كما قال الصادق7 كل شيء مطلق حتي يرد فيه نص و قال7 الاشياء مطلقة مالميرد عليك امر او نهي و قال7 كل شيء مطلق حتي يرد فيه نهي فلاتكليف هنا لك الا ببيان و لاحجة الاببرهان فاذا عرفت هذه المقدمات السديدات و البيانات الشافيات فاعلم ان البيع و الشركة و المضاربة و الاجارة و الوكالة و النكاح و امثال ذلك كانت دائمة قبل و بعد و نزل في احكامها الآيات و صدر في بيانها الروايات و لميأمرونا باجراء صيغة خاصة او عقد خاص و لميوجبوا فيها هذه التكلفات العنيفات من الايجابات و القبولات و الاقترانات و هذه المشقات و التشكيكات و الوسواس و كونها عربية او عجمية ابدا و لميروه راو و لمينقله ناقل و انما العامة شددوا علي انفسهم و تبعهم قوم منا و انت تعلم ان الدين اوسع من ذلك فاجر علي الفطرة رحمك الله و لاتضيق علي نفسك حتي لايضيق الله عليك فقد روي ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك هذا مجمل القول في ذلك و ان شئت تفصيل ذلك علي طريقة اصحابنا المجتهدين رضوان الله عليهم فاعلم ان العلماء اختلفوا في ذلك فقيل المشهور بل كاد انيكون اجماعا هو اشتراط الصيغة الخاصة في عقد البيع كغيره من العقود فلا يكفي التقابض من غير تلك الصيغة و ان حصل من الالفاظ و الامارات ما يدل علي البيع سواء كان في الخطير او في الحقير و عن الشرايع لاينعقد الا بلفظ الماضي فلو قال اشتر او ابتع او ابيعك
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 293 *»
لميصح و ان حصل القبول و كذا في طرف القبول مثل انيقول بعني او تبيعني لان ذلك اشبه بالاستدعاء او بالاستعلام و هل يشترط تقديم الايجاب علي القبول ام لا فيه تردد و الاشبه عدم الاشتراط و عن الدروس فالايجاب بعت و شريت و ملكت و القبول ابتعت و اشتريت و تملكت و قبلت بصيغة الماضي فلايقع الامر و المستقبل و لاترتيب بين الايجاب و القبول علي الاقرب وفاقا للقاضي الي ان قال و لايكفي المعاطاة و ان كانت في المحقرات نعم يباح التصرف في وجوه الانتفاعات و يلزم بذهاب احد العينين و يظهر عن المفيد الاكتفاء بها مطلقا و هو متروك انتهي و علي هذا النهج ما يروي عن العلامة و غيره مجملا المشهور بينهم انه لابد من لفظ دال علي الايجاب و آخر علي القبول و انيكون بلفظ الماضي و منهم من اوجب مع ذلك قصد الانشاء و منهم من اوجب مع ذلك فورية القبول و انه لايضر الفصل بنفس او سعال و نحوهما و منهم من اوجب وقوع الايجاب و القبول بالعربية الا مع المشقة الي غير ذلك من الشروط المتخرجة التي ليس في الاخبار لها اثر و عن الشهيد الثاني في شرح قول المصنف و لايكفي التقابض قال هذا هو المشهور بين الاصحاب بل كاد انيكون اجماعا غير ان ظاهر كلام المفيد يدل علي الاكتفاء في تحقيق البيع بما يدل علي الرضا من المتعاقدين اذا عرفاه وتقابضا و قدكان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب الي ذلك ايضا و لكن يشترط في الدال كونه لفظا و اطلاق كلام المفيد اعم منه و النصوص المطلقة من الكتاب و السنة الدالة علي حل البيع و انعقاده من غير تقييد بصيغ خاصة تدل علي ذلك فانا لمنقف علي دليل صريح في اعتبار لفظ معين غير ان الوقوف مع المشهور هو الاجود مع اعتضاده بالاصل كبقاء ملك كل واحد لعرضه الي انيعلم الناقل و قال العلامة في آخر البحث بعد ان نقل عن متأخري الشافعية و جميع المالكية انعقاد البيع بكل ما دل علي التراضي وعده الناس بيعا ما صورته و هو قريب من قول المفيد و شيخنا المتقدم فما احسنه و اتقن دليله ان لمينعقد الاجماع علي خلافه انتهي و قال الشيخ يوسف و الي هذا القول مال جملة من محققي متأخري المتأخرين و به جزم المحقق الاردبيلي في ح القواعد و اطال في نصرته
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 294 *»
و الاستدلال عليه و به جزم المحقق القاشاني في المفاتيح و الفاضل الخراساني في الكفاية و اليه يميل والدي و الشيخ عبد الله بن صالح البحراني و نقلاه ايضا عن شيخهما العلامة سليمان البحراني و هو الظاهر عندي من الاخبار المعتبرة انتهي اقول الحق في المسئلة ان القائلين بلزوم الالفاظ الخاصة و الشروطة المعينة وقعوا في جانب التفريط في المسئلة و القائلين بالاكتفاء بمحض التراضي القلبي و القراين الفعلية وقعوا في جانب الافراط و الحق بينهما كما ذهب اليه بعض محققي اصحابنا و هو انه لابد من صدور لفظ من الطرفين وكلام في البين يدل علي رضاء الجانبين لما روي عن الصادق7 انما يحلل الكلام و يحرم الكلام ه. و ذلك لان الكلام تعبير عما في الضمير به يفصح الانسان عن ضميره و هو جسد الضمير و الضمير روحه فاذا طابق الظاهر و الباطن معا صار منشأ الاثر و اثر في الخارج فلاجل ذلك حصر7 التحليل و التحريم في الكلام و ان قلت ان الافعال ايضا دالة علي الضمير و كاشفة عنه و بهذا الاعتبار هي ايضا بمنزلة الجسد للضمير قلت نعم هو كذلك في الواقع الا ان الاجساد قوالب صالحة لكل ضمير مناسب لها و ليست صريحة في الدلالة علي الضماير مثلا اذا وضعت رداء عند احد هذا الفعل صالح لانيكون معناه انظر فيها او ارفعها او اطوها او احفظها او البسها او هي لك و غير ذلك بخلاف الالفاظ فان انظر فيها لايحتمل معني احفظها و اطوها لايحتمل معني البسها فلاجل ذلك ليست الافعال صريحة علي الضماير فلايجوز الاكتفاء بها في العالم الذي مداره علي ما يدل بتة علي الضماير فلاجل ذلك حصر الامام7 التحليل و التحريم بالكلام و هل هذا الكلام الفاظ مخصوصة علي وضع مخصوص و شروط مخصوصة فلمنجد في الاخبار ما يدل علي شيء منها ابدا فتعيين شيء مخصوص ايجاب ما لميوجبه الله سبحانه و تكلم في شيء سكت الله سبحانه عنه و ابهمه و قدروينا ان الاشياء مطلقة ما لميرد عليك امر او نهي فخصوصية الالفاظ علي اطلاقها و يجزي منها كل ما يدل علي الضمير و يعينه باي نحو اتفق و باي لفظ كان و باي لغة كان فانها مطلقة نصا من الشارع و العجب من الشهيد الثاني رحمه الله حيث يقول انا لمنقف علي دليل
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 295 *»
صريح في اعتبار لفظ معين غير ان الوقوف مع المشهور هو الاجود مع اعتضاده بالاصل كبقاء ملك كل واحد لعرضه الي انيعلم الناقل انتهي ما ادري ما هذه الجودة و اي جودة له اذا سكت الله عنه و ابهمه و قال الصادق7 كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص و ان الله سبحانه سكت عنه رحمة و نهينا عن تكلف ما سكت عنه و قدقرروا في جميع الاعصار الناس علي ذلك و لو وقع منهم نكير لوصل الينا لكثرة الدواعي اليه و احتياج الناس اليه في كل بلد و في كل سوق بل في كل بيت في كل زمن و لو كان مدار الناس علي هذه الصيغ المتخرجة و الشروطة المتكلفة و كان ذلك من جملة ضروريات مذهب الاسلام و قدقرروا الناس علي تلك الضرورة لعرفنا ضروريته و عرف العلماء ذلك و لما وقع الخلاف فيه و لما خالف الضرورة سلف علمائنا لاسيما مثل السند السديد الشيخ المفيد فاذا لمتكن هذه التخريجات ضرورية و نشأ الناس علي الفطرة حتي ان جميع معاملات المسلمين في جميع البلاد علي تلك الفطرة و ليس يعمل احد في الاسواق و الخانات و محال المعاملات بشيء من تلك التخريجات و عليه العمل في جميع البلدان و الاعصار و قدقررهم الامام: علي ذلك فاي جودة لاتباع المشهور مع خلو الاخبار رأسا عن هذه القيود و ان قيل قدورد الامر بالاخذ بالمشهور فاقول بعد تسليم عموم اللفظ و سرايته و شموله علي كل مشهور انه ليس علي اطلاقه بل بعد فقد الدليل علي قوة النادر اذ رب مشهور و لا اصل له و ليس كل مشهور حقا و قدذم الله في كثير من الآيات الكثرة و مدح القلة و ورد اخبار كثيرة في مدح القليل و ذم الكثير و قدعلم اولوا الالباب ان الجماعة و العصبة هم اهل الحق و ان قلوا و قدعرفت ان الاخبار الواردة في تلك الموارد كلها الفاظ مرسلة و تأويلها في تنزيلها و من ورائها المعلوم من سيرة الناس قديما و حديثا و عدم تعرض الحجج لهم و تقريرهم علي ذلك و عدم تعليمهم اياهم شيئا آخر و عليهم الهداية و البيان هذا و كثير من الاخبار ينادي صريحا بخلاف هذه القواعد المتخرجة و انا اسرد لك بعضها لكي تعتبر بها و الله الموفق للصواب فعن علي7 كل طلاق بكل لسان فهو طلاق و عن
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 296 *»
مسعدة بن صدقة قال سمعت جعفر بن محمد7 يقول انك قدتري من المحرم من العجم لايراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الاخرس في قراءة القرآن في الصلوة و التشهد و ما اشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرم و لايراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح و لو ذهب العالم المتكلم الفصيح حتي يدع ما قدعلم انه يلزمه و يعمل به و ينبغي له انيقوم به حتي يكون ذلك منه بالنبطية و الفارسية فحيل بينه و بين ذلك بالادب حتي يعود الي ما قدعلمه و عقله قال و لوذهب من لميكن في مثل حال الاعجم المحرم ففعل فعال الاعجم و الاخرس علي ما قدوصفنا اذا لميكن احد فاعلا بشيء من الخير و لايعرف الجاهل من العالم و في القاموس محرم كمعظم من الابل الذلول الوسط الصعب التصرف حين تصرفه فلعله7 شبه الذي يصعب عليه التصرف في الكلام بالذلول الذي يصعب عليه التصرف و هو محرم حرم الكلام و الاعجم قال الاعجم من لايفصح كالاعجمي و الاخرس و استعجم سكت بالجملة هذا الخبر يدل علي جواز العقود بغير العربية لمن لميعلم بعمومه و عن محمد بن مسلم عن الباقر7 قال جاءت امراة الي النبي9 فقالت زوجني فقال من لهذه فقام رجل فقال انا يا رسول الله زوجنيها فقال ما تعطيها فقال ما لي شيء فقال لا قال فاعادت فاعاد رسول الله9 الكلام فلميقم غير الرجل ثم اعادت فقال رسول الله9 في المرة الثالثة اتحسن من القرآن شيئا قال نعم قال قدزوجتكها علي ما تحسنه من القرآن فعلمها اياه و تري مخالفة هذه الرواية لقواعدهم من وقوع القبول قبل الايجاب و بلفظ الامر و عدم ذكر قبول بعد الايجاب و هو مع ذلك عقد و عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألته عن الرجل يأتي بالدراهم الي الصيرفي فيقول له آخذ منك المائة بمائة و عشرة او ثمانية او خمسة حتي يراضيه علي الذي يريد فاذا فرغ جعل مكان الدراهم الزيادة دينارا او ذهبا ثم قال له قدراودتك البيع و انما ابايعك علي هذا لان الاول لايصلح او لميقل ذلك و جعل ذهبا مكان الدراهم
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 297 *»
فقال ان كان اجري البيع علي الحلال فلابأس بذلك و هو كما تري من كيفية وقوع البيع و عن الحلبي عن الصادق7 قال قدم لابي متاع من مصر فصنع طعاما و دعي له التجار فقالوا له نأخذ منك بده دوازده فقال لهم ابي و كم يكون ذلك فقالوا في العشرة آلاف الفان فقال لهم ابيعكم هذا المتاع باثني عشر الف درهم فباعهم مساومة و الظاهر انه هو بيان الواقعة و البيع و ان القبول فيه مقدم و الايجاب بلفظ المضارع و عن زرارة عن الصادق7 في زرع يبيع و هو حشيش لميسنبل قال لابأس اذا قال ابتاع منك ما يخرج من هذا الزرع فاذا اشتراه و هو حشيش فان شاء اعفاه و ان شاء تربص به و الظاهر ان صيغة البيع هو ما علمهم عن لسان المشتري و رضاء البايع و عن اسحق به عمار قال قلت للصادق7 يكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني فيقول كيف سعر الوضح اليوم فاقول كذا و كذا فيقول اليس عندك كذا و كذا الف درهما وضحا فاقول نعم فيقول حولها الي دنانير بهذا السعر و اثبتها لي عندك فما تري في هذا فقال اذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلابأس بذلك فقلت اني لماوازنه و لماناقده انما كان كلاما مني و منه فقال اليس الدراهم من عندك و الدنانير من عندك فقلت بلي قال لابأس ه. انظر في صيغة بيعهما انها محض قوله حولها الي دنانير بهذا السعر و اثبتها لي عندك و لميلتفت الامام7 الي الصيغة لعدم الاعتناء اليها و انما قال اذا كنت قداستقصيت الخبر و في خطبة الجواد حين خطب ابنة المأمون قال فهل زوجته يا اميرالمؤمنين علي هذا الصداق المذكور قال نعم قدزوجتك يا اباجعفر ابنتي علي الصداق المذكور فهل قبلت قال ابوجعفر7 قبلت ذلك و رضيت به انظر في الفصل الذي بين الايجاب و القبول و يمنعه المانعون بلادليل و في رواية ابان بن تغلب قال قلت للصادق7 كيف اقول لها اذا خلوت بها قال تقول اتزوجك متعة علي كتاب الله و سنة نبيه لاوراثة و لاموروثة كذا و كذا يوما و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما و تسمي من الاجر ما تراضيتما عليه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 298 *»
قليلا كان او كثيرا فاذا قالت نعم فقدرضيت فهي امرأتك و بهذا المضمون اخبار عديدة انظر كيف اكتفي ببيان الزوج عن قبوله بعد ايجاب المراة و اكتفي عن ايجابها بقولها نعم و نبه فيه ان المراد ما يدل علي رضاها حيث قال فاذا قالت نعم فقدرضيت فهي امراتك و عن محمد بن مسلم عن احدهما8 انه قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعاما عند صاحبه لايدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لك ما عندك و لي ما عندي قال لابأس اذا تراضيا و طابت انفسهما ه. فهذا صيغة الصلح الي غير ذلك و ان من مجموع هذه الاخبار و غيرها يعلم انه لميكن يومئذ صيغة خاصة بل لميكن توهمها و لو كان لوقع السؤال عنها و البحث فيها و لاشاروا اليها اقلا و الذي يتلجلج في صدري انها من مخترعات العامة العمياء و لميكن ذلك في شرع اهل الحق ابدا و المراد من لزوم العقود انيكون المؤمن عند كلامه و لايتخلف عنه و قدقال سبحانه لمتقولون ما لاتفعلون كبر مقتا عند الله انتقولوا ما لا تفعلون و روي المؤمنون عند شروطهم و الشرط في السلف لميكن علي هذا الاصطلاح المعروف بين الفقهاء و انما المراد بالشرط ما الزمه الانسان علي نفسه او علي غيره فعلي ذلك نفس البيع و الشراء و تعيين الثمن كلها شرط و قرار و المؤمن عند شرطه و ما الزمه علي نفسه لايتجاوزه كما روي في الحيوان كله شرط ثلثة ايام للمشتري و هو بالخيار ان شرط او لميشترط و سئل عن الشرط في الحيوان قال ثلثة ايام للمشتري و قال فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلثة الايام فذلك رضا منه فلاشرط له الخبر و اطلق الشرط هيهنا علي الخيار اللازم الثابت و سئل7 عن رجل اشتري طعاما كل كر بشيء معلوم فارتفع الطعام او نقص و قداكتال بعضه فقال ان كان يوما اشتراه ساعره علي انه له فله ما بقي و ان كان انما اشتراه و لميشترط ذلك فان له بقدر ما نقد فالشرط في هذا الخبر بمعني الشراء لنفسه لاشرط آخر و كتب رجل الي العسكري7 رجل استأجر اجيرا يعمل له بناءا و غيره و جعل يعطيه طعاما و قطنا و غير ذلك ثم تغير الطعام و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 299 *»
القطن من سعره ايحسب له بسعر يوم اعطاه او بسعر يوم حاسبه فوقع7 يحسب له بسعر يوم شارطه فيه و الشرط في هذا الخبر بمعني اعطائه اياه من باب الاجرة كما يدل عليه خبر آخر و سئل ابوالحسن عن رجل اشتري متاعا بالف درهم او نحو ذلك و لم يسم الدراهم وضحا و لاغير ذلك قال ان شرط عليك فله شرطه والا فله دراهم الناس التي يجوز بينهم و سئل ايضا ان السلطان يشترون منا القرب و الاداوي فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا فنرشوه حتيلايظلمنا فقال لابأس ما تصلح به مالك ثم قال اذا انت رشوته يأخذ اقل من الشرط قيل نعم قال فسدت رشوتك و قداستعمل هنا بمعني تعيين الثمن و المثمن فاذا عرفت ان الشرط هو الزام الشيء او التزامه سواء كان في بيع او غيره و سمعت ان المسلمون عند شروطهم اي عند ما الزموه او التزموه و انه لميرد خبر قوي و لاضعيف في خصوصية لفظ دون لفظ فهو مطلق باي لفظ كان و اي نحو كان و انما يحل الكلام و يحرم الكلام و اما ما روي في النذر عن ابيعبدالله7 اذا قال الرجل علي المشي الي بيت الله و هو محرم بحجة او يقول علي هدي كذا و كذا فليس بشيء حتييقول لله علي المشي الي بيته او يقول لله علي اناحرم بحجة او يقول لله علي هدي كذا و كذا ان لمافعل كذا و كذا فالظاهر من هذا الخبر انه صدر كذا من جهة انهم كانوا يتكلمون بالعربية للعرب لامن جهة خصوصية في العرب و هذا الاحتمال احتمال قوي واذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال بالجملة لماجد دليلا واضحا و لاغير واضح علي وجوب العربية في الصيغ و علي وجوب كيفية خاصة و كل شيء مطلق حتييرد فيه نص و في هذه الرواية دلالة تنبيه علي جميع الاحكام الشرعية و ان كان موردها خاصا و هي انه قد ذكر عند عمر حلي الكعبة و كثرته فقال قوم لو اخذته فجهرت به جيوش المسلمين كان اعظم للاجر و ما تصنع الكعبة بالحلي فهم عمر بذلك و سأل اميرالمؤمنين7 فقال ان القرآن انزل علي رسول الله9 و الاموال اربعة
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 300 *»
اموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرايض و الفيء فقسمه علي مستحقيه و الخمس فوضعه الله حيث وضعه و الصدقات فجعلها الله حيث جعلها فكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله علي حاله و لميتركه نسيانا ولميخف عليه مكانا فاقره حيث اقره الله و رسوله فقال عمر لولاك لافتضحنا و ترك الحلي بحاله و في هذا الخبر دلالة تنبيه علي جميع ما ترك في الشرع كما مر عموما عن اميرالمؤمين7 في صدر الجواب و قد جاء النبي9 و للناس نواميس و عادات و عبادات و معاملات فغير منها ما اراد وشاء و سكت عما شاء لا نسيانا بل توسعة و رحمة فابهموا ما ابهمه الله و اسكتوا عما سكت الله و مما سكت عنه خصوصية العقود في المعاملات و لو كان منه وضع خاص لنقل متواترا و لااقل من الآحاد و اذ ليس فليس فافهم راشدا موفقا نعم في المعاملات و الايقاعات حلال و حرام و شروط قدجرت بها الاخبار و رويت فيها الآثار وقد تصدي فقهاؤنا رضوان الله عليهم لتبويبها و تفصيلها و ذكر حدودها و اما جواز الوكالة نعم يجوز الوكالة في جميع العقود ايجابا و قبولا الا بعض ما استثني و هو مذكور في محله من كتب الفقه و الدليل علي ذلك قول الصادق7 من وكل رجلا علي امضاء امر من الامور فالوكالة باقية ابدا حتييعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها بالجملة الضابط في الوكالة عند بعض فقهائنا ان كلما لميتعلق غرض الشارع بصدوره عن نفس المكلف فالوكالة فيه جائزة و ما اراد صدوره عن نفس المكلف لتزكيتها فلايمكن الوكالة فيه و هذا امر تقريبي و لامجال لي في استقصاء جميع حدود المسئلة فانه يقتضي تسطير عربی جميع ابواب الفقه مشروحا.
قال سلمه الله و انتمنوا علينا ببيان الدليل علي ما انتم عليه من طهارة الماء القليل بعد الملاقاة للنجاسة و دليل ما كان يقول به سيدنا المرحوم روحنا له الفداء من عدم الطهارة و بيان الترجيح بين الدليلين.
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 301 *»
اقول اعلم انا قدصنفنا في هذه المسئلة رسالة منفردة و ذكرنا فيها اخبار الطرفين و ادلتهم و ذكرنا فيها ما يحتاج اليه في هذه المسئلة من المسائل الاصولية و ذكرنا ترجيح المسئلة كما ينبغي و لايمكنني الاستقصاء هيهنا لعدم المجال و كثرة الكلال من شر اهل القيل و القال و لكن من باب ان لكل سؤال جوابا لابد و اناظهر لكييظهر الخطاء من الصواب.
اعلم ان المشهور ما بين المتأخرين هو انفعال الماء الاقل من الكر عن النجاسة الملاقية و عن الخلاف ادعاء الاجماع عليه و عن الحسن بن ابي عقيل القول بعدم الانفعال الا بالتغير و اختار هذا القول من المتأخرين القاشاني و صاحب الدرر و جمع آخر و هو منقول عنهم في كتب الاصحاب و الذي افهم القول بالطهارة كان مشهورا بين اصحاب الاصول و هم ايضا علماء ابرار فقهاء اخيار و ان جري الاصطلاح بعد من تقدم علي المفيد من الروات و عد من تاخر من العلماء ليت شعري من اين كانوا يعرفون سلفنا الاجماع و الشهرة هل هي من هذه الاصول ام من غيرها لاوالله بل هم العلماء الابرار و كانت كتب فتاويهم هي هذه الاصول و كان عليها مدار الشيعة الي ان تداعي الزمان باندراس تلك الكتب و انما ذلك بسبب اجتماعها مبوبة مفصلة في الاصول الاربعة و غيرها فغفلوا عن انهم كانوا علماء و اصولهم كتب فتاويهم و قدخرجت اخبار في الاعتماد عليها و الاخذ بها رويناها في كتابنا فصل الخطاب و انما يعرف شهرتهم و اجماعهم من اصولهم لاغير فاذا وجدنا حكما متواتر الاثر في اصولهم حكمنا بشهرة القول بذلك بينهم كما اذا وجدنا اليوم قولا في كتب علمائنا ننسبها اليهم بل اليوم كلما وجدنا في كتاب من لايحضره الفقيه ننسبه الي ابن بابويه و كلما وجدنا في الكافي ننسبه الي الكليني كيف لا و قدصرحا في اول الكتابين بان ما فيهما هو فتويهما و هما كتاب عملهما و كذلك كلما وجدنا في التهذيبين ننسبه الي الشيخ لانهما كتابا فتواه بالجملة لما وجدنا الاخبار في طهارة الماء القليل متظافرة في كتب اصحاب الاصول حكمنا بان القول بها كان مشهورا في سلفنا و ان لمينقل هذا مع
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 302 *»
ان فرض عدم شهرتهم بذلك ايضا لايقدح في القول بها فلنا علي ذلك اخبار كثيرة صريحة ناصة علي الطهارة منها الحديث المتواتر عن الصادق صلي الله عليه علي ما نقله علماؤنا رضوان الله عليهم و هو خلق الله الماء طهورا لاينجسه شيء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه و قدرواه الحسن بن سعيد المحقق في المعتبر عن علي7 و رواه ابن ادريس في اول السراير و نقل انه متفق علي روايته و كذا ارسله الحسن بن ابي عقيل و قال انه قدتواتر عن الصادق7 عن آبائه هذا الخبر كما يحكي عنه في المختلف و القاشاني قال انه هو المشهور بين الخاصة و العامة و كذا ارسله شيخنا الاستاد اعلي الله مقامه و مراسيل هؤلاء الاكابر اوثق من مراسيل ابن ابي عمير و اضرابه الذين قداجمع العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم لاسيما شيخنا اعلي الله مقامه و هذا الخبر صريح في المقام من غير نقض و لا ابرام و منها صحيحة محمد بن ميسر قال سألت ابا عبد الله7 عن الرجل الجنب ينتهي الي الماء القليل في الطريق و يريد انيغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال الله عزوجل ما جعل عليكم في الدين من حرج و منها صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله7 و قد سئل عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال لابأس به ما اصابه من الماء اكثر انظر كيف علل لعدم البأس باكثرية الماء و عدم تغيره منها صحيحة شهاب بن عبد ربه قال اتيت ابا عبد الله7 اسأله فابتدأني فقال ان شئت فسل يا شهاب و ان شئت اخبرناك بما جئت له قلت اخبرني قال جئت تسألني عن الغدير تكون في جانبه الجيفة اتوضأ منه او لا قال نعم قال توضأ من الجانب الآخر الا انيغلب الماء الريح فينتن و جئت تسأل عن الماء الراكد من الكر فما لميكن فيه تغير او ريح غالبه قلت فما التغير قال الصفرة فتوضأ منه و كل ما غلب كثرة الماء فهو طاهر موضع الاستدلال اطلاق الغدير و عموم
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 303 *»
قوله كل ما غلب كثرة الماء فهو طاهر و خصوص انه سأل عن الكر لايخصص الجواب كما هو القاعدة المطردة بين الاصحاب و منها صحيحة حريز عن ابيعبدالله7 قال كلما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فاذا تغير الماء و تغير الطعم فلاتوضأ منه و لاتشرب و منها رواية ابيخالد القماط انه سمع ابا عبد الله7 يقول في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة فقال ابو عبد الله7 ان كان قدتغير ريحه او طعمه فلاتشرب و لاتتوضأ منه و ان لميتغير ريحه او طعمه فاشرب و توضأ وجه الاستدلال اطلاق الماء النقيع و منها موثقة سماعة عن ابيعبد الله7 قال سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قدانتنت قال اذا كان النتن الغالب علي الماء فلاتتوضأ و لاتشرب و منها رواية زرارة عن ابي جعفر7 قال قلت راوية من ماء سقطت فيه فارة او جرد او صعوة ميتة قال اذا تفسخ فيها فلاتشرب من مائها و لاتتوضأ و صبها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة اذا اخرجتها طرية و كذلك الجرة و حب الماء و القربة و اشباه ذلك من اوعية الماء و منها رواية ابي مريم الانصاري قال كنت مع ابي عبد الله7 في حائط له فحضرت الصلوة فنزح دلوا من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فاكفأ رأسه و توضأ بالباقي و منها رواية الاحول انه قال لابي عبد الله7 في حديث الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجي به فقال لابأس فسكت فقال او تدري لم صار لابأس به قلت لا و الله فقال ان الماء اكثر من القذر.
الي غير ذلك من الروايات الصريحة الصحيحة و هي تبلغ اربعة و عشرين حديثا رويناها في تلك الرسالة فاذا وردت مثل هذه الاخبار الصريحة و ليست بمتروكة في المذهب و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 304 *»
ليس في مقابلها ما ينافيها او يقاومها و شهد باطلاقها الكتاب تعين القول بها هذا مع ان الروايات التي تمسك بها المشهور ليست بصريحة في المقام اذ منها ما يدل علي النهي عن الاستعمال و ذلك اعم من النجاسة و اذا قابل النهي المجمل الاخبار الصريحة في الطهارة اما تحمل علي التقية لانهم شديدوا التصلب في القول بالكر و يتعصبون عليه و اما يحمل علي التنظيف كالاخبار الكثيره الآمرة بنزح البئر و قداشتهر بين المتأخرين انها للتنظيف و فيها ما فيه امر بغسل الاناء و هو ايضا علي طبق ما ذكرنا و فيها ما يدل علي نجاسة القليل بمفهوم الشرط علي زعمهم و معلوم ان المفهوم الذي يحتمل فيه ما يحتمل لايقابل الصريح المنطوق و ذلك كاخبار اذا كان الماء قدر كر لاينجسه شيء انظر وفقك الله الي مفهوم هذا الخبر و الي عموم النكرة الواقعة في سياق النفي فانه ليس علي عمومه اجماعا فينجسه شيء البتة فلابد من تخصيص هذا العموم اما بالنجاسات المعتادة ورودها فيكون مفهومه حينئذ اذا لميكن الماء كرا ينجسه شيء من النجاسات المعتادة فاولا لفظة شيء نكرة واقعة في سياق الاثبات و لايفيد العموم اجماعا فلايدل بمفهومه علي نجاسة الماء القليل بملاقات كل فرد من افراد النجاسات و ثانيا لاشك ان ما ليس بكر متدرج من القطرة الي ما ينقص عن الكر بقطرة فاذا لميكن كرا ينجسه شيء من النجاسات المعتادة فما لميكن كرا اقلها قطرة او قطرتان او مثقال و هكذا و لاشك انه ينجسه شيء من النجاسات المعتادة و نحن نقول ذلك الشيئ المنجس هو المغير فان الخبر مبهم من حيث المفهوم و نقول ايضا اذا كان المفهوم مبهما لايعارض المنطوق الصريح و اما يخصص عموم الشيء بغير المغير للكر فيكون المفهوم اذا لميكن الماء قدر كر ينجسه شيء من غير المغيرات للكر و ذلك ايضا لاشك فيه انه يكون شيء لايغير الكر و يغير الاقل الذي ادناه قطرة فما فوق بالجملة تسرية هذا المفهوم الي الحكم بنجاسة القليل يحتاج الي تكلف شديد و لنا اننقول ان ابهام المفهوم دليل علي انه غير مراد للمبين للاحكام البتة فالمرجع الي النصوص و ليس لهم دليل آخر من الاخبار يكون نصا في المقام ابدا و لمينقل احد منهم و اما ما تمسكوا به من الاجماع فالاجماع المنقول حجة اذا
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 305 *»
كان عن المحقق العام و الظاهر في هذا الاجماع انه من المحقق الخاص لذهاب جمع من اصحابنا الي القول بخلافه وتظافر الاخبار و قول اصحاب الاصول و عمل السامعين بها البتة فالاجماع المنقول عن المحقق الخاص حجة علي محصله لاغير و اما ما تمسكوا به من الشهرة فهي حجة اذا لميكن للنادر دليل اقوي و آل الامر الي محض الشهرة و الندرة و اما اذا كان اخبار القائلين بالنجاسة غير دالة و اخبار اصحاب القول بالطهارة صريحة و مؤيدة بالكتاب و دليل العقل فلاحجية للشهرة حينئذ و قداطنبنا القول في الاستدلال علي ذلك في رسالة منفردة طويلة و ليس لي قلب مجتمع الآن حتياطيل الكلام.
و اما ما يدل من العقل الصريح فقداشبعنا القول في ذلك في الرسالة المحمودية و هي رسالة مشهورة و نشير هيهنا انه لاينجس شيء الا باعراض الروح عنه سواء كان الروح روح الايمان او روح الحيوان فكلما اعرضت عنه الروح و انقطع عن المبدء بعد اتصاله ينجس و ذلك حكم كلي قداستدللنا عليه و خلق الله الماء تنزل الحيوة طعمه طعم الروح و لونه لون الروح و ريحه ريح الروح و هو اصل الحيوة في الظاهر و الباطن فمهما غلب الموت علي الحيوة اماتها و نجسها و مهما غلبت الحيوة علي الموت طهرها و بذلك نطق الاخبار السالفة كما مر نعم يكسر موت النجاسة سورة حيوة الماء اذا لميكن كثيرا فينبغي الاجتناب عنه كما امروا به و لكنه مادام حيا طاهر البتة و قداستدل بذلك شيخنا الاستاد اعلي الله مقامه في اول شرح التبصرة و اما ما استدل به سيدنا اعلي الله مقامه فذلك معلوم فانه علي نهج استدلال القائلين بنجاسته و كتب القوم مشحونة به و اما سبب مخالفتي له فذلك ليس بيدي و لا بيده و انما هو بيد الحجة المراقب7 فقد صرف قلبه الي ما ذهب اليه و صرف قلبي الي ما ذهبت اليه و هو المراقب العليم يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد هذا و انا لمنوجب استعمال القليل الملاقي للنجاسة و انما قلنا بطهارته و هنا اوامر في الاجتناب تنظيفا فليمتثل امرء مسلم اوامرهم و ليتنظف ما امكنه لقذارته و نقصان طهارته البتة فان اضطر و هو قليل فليستعمل فانه ما جعل عليكم في الدين من حرج
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 306 *»
قال سلمه الله ثم بعد ذلك يا مولينا منوا علينا بتفسير حديث روي في الكافي عن اميرالمؤمنين عليه الصلوة و السلام في صفة الايمان و شرح دعائمه الاربع و شعبها و تفسير ما فرع علي الشعب و ما معني الدعامة و الشعب ثم اذا كان اليقين من جملة الدعائم فما معني فوقيته علي التقوي بدرجة و فوقية التقوي علي اليقين بدرجة كما في حديث آخر بعد ذلك ليكون ذلك الشرح و التفسير للمستبصرين زيادة في التبصير و للغافلين سببا للتذكير و حجة بالغة قاطعة لانكار النكير فمازلتم حاميا للدين و هاديا الي صراط مستقيم منظورا بعين الله التي لاتنام محروسا بكنفه الذي لايضام و المرجو من فضل العظيم و كرم الكريم اجابة المسؤل و انجاح المأمول.
اقول سؤال عجيب عن حديث غريب لميكشف لثام حله و لميرفع نقاب معضله و ارجو من الله سبحانه انيجري بحقيقة شرحه قلمي و يشرح بمعارفه صدري و لابد اننشرح لك اولا حقيقة الايمان حتييسهل عليك فهم ما نلقي اليك من البيان اعلم وفقك الله لمرضاته ان الايمان نور اشرق من صبح الازل فلاح علي هياكل التوحيد و قوابل التفريد آثاره و من وراء ذلك الصبح شمس الازل اي الازلية الاولي و السرمدية الكبري فاصل النور من الشمس المتوارية تحت ارض الامكان و قداشار الي ذلك7 في قعرها شمس تضيء فتلك الشمس متوارية اي محجوبة تحت ارض القدر و عليها سبعون الف حجاب من طبقات هذه الارض و سافاتها لو كشفت طبقة من تلك الطبقات لاحرقت اشعتها من كان دونها نعم قداسفر نورها من وراء كرة الهباء المحيطة بتلك الارض فابانت عن ذلك النور بسبب كثافتها و لمتحجب ذلك النور كل الحجب بسبب رقتها فدلع لسان الصباح بنطق تبلجه و اسفر وجهه بشعاع تاججه فطلع الصبح و اشرق نوره علي وجه الارض علي الهياكل المكونة منها و فيها الكائنة عليها فاستنارت و ظهرت بفضل ظهور ذلك النور ظاهرا و في الحقيقة لاظهور الا لذلك النور المنصبغ بصبغ مرايا الهياكل فلايري فيها شيء الا ذلك النور و ليس لغيره ظهور ايكون لغيرك
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 307 *»
من الظهور ما ليس لك حتييكون هو المظهر لك فهو الدليل علي كل شيء و لادليل عليه من شيء فقددل بذاته علي ذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته فلادليل عليه من مذروءاته و برياته فهذا النور هو نور الايمان و حقيقة الدين و الاذعان و هو ولاية اولياء الله و الدين الخالص لله و برهان الرب و قداشار الي ذلك المقام كلام الملك العلام حيث قال يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم و انزلنا اليكم نورا مبينا و ظل تلك الارض الممدود الي اعالي تلك الكرة الهبائية هو الليل و ظلمات الكفر و قداشار الي هذين المقامين في قوله سبحانه الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون و لمتنزل الانبياء و الرسل و لمتهبط الكتب الا لانيخرج الناس من هذه الظلمات الي ذلك النور و هو الخروج من الكفر الي الايمان هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن فمنهم من هو من اهل النور و من النور و الي النور و منهم المحجوب في كثافات تلك الارض فهو من اهل الظلمات و من الظلمات و الي الظلمات و لو اردنا اننأتي بشواهد ما ذكرنا من الآيات البينات و الروايات المتظافرات لطال بنا المقال و هي غير خفية علي ذلك الجناب المتعال فقد اختلف الناس في تلك العرصة فمنهم من استنار بذلك النور ظاهرا و باطنا في جميع مراتبه و مقاماته و ذاته و صفاته و شؤنه و اطواره و اوطاره و منهم من استنار ظاهرا و باطنا الا انه ناقص في بعض الشؤن و الصفات و منهم من استنار ظاهرا لاباطنا فباطنه من الظلمات يحن اليها و ظاهره مستنار بذلك النور فبحسب اختلاف تلك الاستنارات اختلفت مراتب الناس و لعلك عرفت ان الايمان ينقص و يزيد و ليسوا جميع المؤمنين في درجة واحدة كما روي الزبيري عن الصادق7 في حديث قال الايمان حالات و درجات و طبقات و منازل فمنه التام المنتهي تمامه و منه الناقص البين نقصانه و منه الراجح الزايد رجحانه قلت ان الايمان ليتم و ينقص و يزيد قال نعم قلت كيف ذلك قال لان الله تبارك و تعالي فرض الايمان علي جوارح ابن آدم و قسمه عليها و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 308 *»
فرقه فيها فليس من جوارحه جارحة الا و قد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها الخبر فاذا عرفت ذلك فاعلم ان نور الايمان منبسط من اعلي اذكار المؤمن الي آخر مراتبه الذي هو صفاته و اعماله و اقواله و في كل خزانة من تلك الخزاين له انصباغ و خاصية و صفة و هيئة و هو مطلوب الداعي من المدعو ان يكون في تلك الرتبة علي هيئة ذلك النور في تلك الرتبة علي الوضع الالهي الاولي و هو فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم و هو ما قال الا لله الدين الخالص فايمان العقل غير ايمان الروح و لميؤمر الروح ان تؤمن كايمان العقل و ايمان الروح غير ايمان النفس و لميؤمر النفس انتؤمن كايمان الروح و هكذا اذ لايكلف الله نفسا الا ما آتاها و لكل منكم جعلنا شرعة و منهاجا و لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات فايمان الفؤاد المعرفة بالله في المراتب الاربع و برسوله و خلفائه و اوليائهم سلام الله عليهم في المراتب الاربع اي البيان و المعاني و الابواب و السفارة و حبهم و حب اوليائهم و بغض اعدائهم و ايمان العقل اليقين بجميع ما تقدم من دون معاينة و كشف و الرجاء الي الله سبحانه و رسوله و خلفائه و اوليائه سلام الله عليهم و الكل راجع الي الله سبحانه و ترك الظن و الشك و الوهم و رجاء غير الله و اوليائه سلام الله عليهم و ايمان النفس العلم بالله سبحانه و برسوله و خلفائه و اوليائهم سلام الله عليهم و الخوف منهم و الكل راجع اليه سبحانه و من ايمانه درك صورها العلوية و السفلية علي ما هو شأنها و ليس من شأنها الا الصور العلمية و انما درك المعاني من شأن العقل و ايمانه و لميؤمر به الا هو و ايمان البدن هو تهيؤه بالهيئات المأمور بها و اجتنابه عن الهيئات المنهي عنها و توجهه حيث امر الله سبحانه و طهارته و حركاته و سكناته علي ما امر الله سبحانه فكما ان اجتناب البدن من الهيئات المبغوضة من متممات تهيئه بالهيئات المحبوبة كذلك في كل مرتبة من المراتب ذلك الاجتناب و الارتكاب موجودان و الاجتناب من متممات الارتكاب فلايتم الا به ففي النفس ارتكابها تصوير الصور المحبوبة لله سبحانه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 309 *»
و اجتنابها عن تصوير الصور المبغوضة لله سبحانه فكما ان المعاصي تضر بالبدن كذلك تصوير الصور المبغوضة يضر بالنفس و يصير سبب ميلها اليها و انسها بها و غفلتها عما سويها لكن لايضر اذا كان علي وجه المبغوضية و العبرة و الاطلاع علي قبايحها لزيادة بغضها و في العقل اجتنابه عن الوهم و الشك و الظن و رجاء غير الله و اوليائه و امثال ذلك و ارتكابه اليقين علي ما مر و في الفؤاد اجتنابه عن حب غير الله و اوليائه و مداومة بغض الاعداء و احباؤهم بالجملة لانريد تطويل الكلام في ذلك و لذلك نكتفي بالاشارات فالايمان في كل مكان علي حسبه و قد عرفت انه نور منبسط من اول الوجود الي آخر الشهود فهذا النور المنبسط له دعائم و لدعائمه شعب و ذلك ان هذا النور هو عرش استواء الولي و كرسي سلطنته و قلب المؤمن اي لبه و حقيقته و لذا روي قلب المؤمن عرش الرحمن و في مقابله ظلمات الكفر كرسي الشيطان و سرير استيلائه فكما ان الله سبحانه يهدي المؤمنين بايمانهم كذلك الشيطان يغوي الكافرين بكفرهم انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون و هذا العرش اي عرش النور بجملته مركب من الانوار الاربعة و كل ركن دعامة له يقوم عليها و بها و لولاها لوقع فسطاطه و لكل دعامة اربع شعب و هي رؤس تلك الدعائم علي ما يأتي فلنذكر اولا الخبر بتمامه ثم نتبعه بالبيان روي في الكافي عن علي بن ابرهيم عن ابيه و محمد بن يحيي عن احمد بن محمد بن عيسي و عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد جميعا عن الحسن بن محبوب عن يعقوب السراج عن جابر عن ابيجعفر7 و باسانيد مختلفة عن الاصبغ بن نباتة قال خطبنا اميرالمؤمنين7 في داره او قال في القصر و نحن مجتمعون ثم امر صلوات الله عليه فكتب في كتاب و قرء علي الناس و روي غيره ان ابن كوا سأل اميرالمؤمنين7 عن صفة الاسلام و الايمان و الكفر و النفاق فقال اما بعد فان الله تبارك و تعالي شرع الاسلام و ساق الحديث الي انقال ان الله عزوجل جعل الايمان علي اربع دعائم علي الصبر و اليقين و العدل و الجهاد فالصبر من ذلك علي اربع شعب علي الشوق و الاشفاق و الزهد
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 310 *»
و الترقب فمن اشتاق الي الجنة سلا عن الشهوات و من اشفق من النار رجع عن المحرمات و من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب و من راقب الموت سارع الي الخيرات و اليقين علي اربع شعب تبصرة الفطنة و تأول الحكمة و معرفة العبرة و سنة الاولين فمن ابصر الفطنة عرف الحكمة و من تأول الحكمة عرف العبرة و من عرف العبرة عرف السنة و من عرف السنة فكانما كان مع المهتدين و اهتدي الي التي هي اقوم و نظر الي من نجي بما نجي و من هلك بما هلك و انما اهلك الله من اهلك بمعصيته و انجي من انجي بطاعته و العدل علي اربع شعب غامض الفهم و غمر العلم و زهرة الحكم و روضة الحلم فمن فهم فسر عربی جميع العلم و من علم عرف شرايع الحكم و من حلم لميفرط في امره و عاش في الناس حميدا و الجهاد علي اربع شعب علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصدق في المواطن و شنآن الفاسقين فمن امر بالمعروف شد ظهر المؤمن و من نهي عن المنكر ارغم انف المنافق و امن كيده و من صدق في المواطن قضي الذي عليه و من شنأ الفاسقين غضب لله و من غضب لله غضب الله له فذلك الايمان و دعائمه و شعبه و روي في باب آخر و اظنه من تتمة هذا الخبر و ان كان بسند آخر عنه7 قال بني الكفر علي اربع دعائم الفسق و الغلو و الشك و الشبهة و الفسق علي اربع شعب علي الجفاء و العمي و الغفلة و العتو فمن جفي احتقر الخلق و مقت الفقهاء و اصر علي الحنث العظيم و من عمي نسي الذكر و اتبع الظن و بارز خالقه و الح عليه الشيطان و طلب المغفرة بلاتوبة و لا استكانة و لاغفلة و من غفل جني علي نفسه و انقلب علي ظهره و حسب غيه رشدا و غرته الاماني و اخذته الحسرة و الندامة اذا قضي الامر و انكشف عنه الغطاء و بدا له ما لميكن يحتسب و من عتا عن امر الله شك و من شك تعالي الله عليه فاذله بسلطانه و صغره بجلاله كما اغتر بربه الكريم و فرط في امره و الغلو علي اربع شعب علي التعمق بالرأي و التنازع فيه و الزيغ و الشقاق فمن تعمق لمينب الي الحق و لميزدد الا غرقا في
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 311 *»
الغمرات و لمتنحسر عنه فتنة الا غشيته اخري و انخرق دينه فهو يهوي في امر مريج و من نازع في الرأي و خاصم شهر بالعثل من طول اللجاج و من زاغ قبحت عنده الحسنة و حسنت عنده السيئة و من شاق اعورت عليه طرقه و اعترض عليه امره فضاق مخرجه اذا لميتبع سبيل المؤمنين و الشك علي اربع شعب علي المرية و الهوي و التردد و الاستسلام و هو قول الله عزوجل فباي آلاء ربك تتماري و في رواية اخري علي المرية و الهول من الحق و التردد و الاستسلام للجهل و اهله فمن اهاله ما بين يديه نكص علي عقبيه و من امتري في الدين تردد في الريب و سبقه الاولون من المؤمنين و ادركه الآخرون و وطأته سنابك الشياطين و من استسلم لهلكة الدنيا و الآخرة هلك فيما بينهما و من نجي من ذلك فمن فضل اليقين و لميخلق الله خلقا اقل من اليقين و الشبهة علي اربع شعب اعجاب بالزينة و تسويل النفس و تأول العوج و لبس الحق بالباطل و ذلك بان الزينة تصدق عن البينة و ان تسويل النفس يقحم علي الشهوة و ان العوج يميل بصاحبه ميلا عظيما و ان اللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر و دعائمه و شعبه و النفاق علي اربع دعائم علي الهوي و الهوينا و الحفيظة والطمع فالهوي علي اربع شعب علي البغي و العدوان و الشهوة و الطغيان فمن بغي كثرت غوايله و تخلي منه و نصر عليه و من اعتدي لميؤمن بوايقه و لميسلم قلبه و لميملك نفسه عن الشهوات و من لميعدل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات و من طغي ضل علي عمد بلاحجة و الهوينا علي اربع شعب علي الغرة و الامل و الهيبة و المماطلة و ذلك لان الهيبة ترد عن الحق و المماطلة تفرط في العمل حتي يقدم عليه الاجل و لولا الامل علم الانسان حسب ما هو فيه و لو علم حسب ما هو فيه مات خفاة من الهول و الوجل و الغرة تقصر بالمرء عن العمل و الحفيظة علي اربع شعب علي الكبر و الفخر و الحمية و العصبية فمن استكبر ادبر عن الحق و من فخر فجر و من حمي
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 312 *»
اصر علي الذنوب و من اخذته العصبية جار فبئس الامر امر بين ادبار و فجور و اصرار و جور علي الصراط و الطمع علي اربع شعب الفرح و المرح و اللجاجة و التكاثر فالفرح مكروه عند الله و المرح خيلاء و اللجاجة بلاء لمن اضطرته الي حمل الآثام و التكاثر لهو و لعب و شغل و استبدال الذي هو ادني بالذي هو خير فذلك النفاق و دعائمه و شعبه الخبر فاذا عرفت ان الايمان هو عرش الرحمن اي ملكه و سلطانه و حيوة كل مؤمن و نوره و هو نور قد اشرق من صبح الازل الذي هو مشيته و ارادته و لاح علي جميع مراتب المؤمنين و ظهر في كل مرتبة علي حسب ما يقتضيه و اتصف في كل مقام بما يليق ففسطاطه مضروب علي جميع مراتب وجود المؤمن و يحيط به و له عمد و دعائم اربع فاحدي دعائمه موضوعة علي جبل الفؤاد الذي هو قلة من قلل جبال الاحدية او الواحدية و هي الكون النوري المشار اليه في الخبر عن الصادق7 و تلك دعامة من النور ذي الوجهين ظاهره ابيض ناصع و باطنه احمر قاني يجري من مغرسها الماء الالهي و الماء الخالد الذي لايهلك و لايفسد و ماء الحيوة و الثانية من دعائمها دعامة من الذهب الخالص الفاقع اللون و باطنها ابيض ناصع و هي الكون الجوهري المشار اليه في الخبر موضوعة علي قلة جبل البديع او الرحمن يجري من مغرسها نهر الهواء الراكد و الزيبق الشرقي الرجراج و هو ماء كثير اللمعان و البرق و الثالثة من دعائمها دعامة من الزبرجدة الخضراء و هي الكون المائي المشار اليه في الخبر يجري من تحته نهر ابيض الماء غليظ براق و هو الزيبق الغربي يضرب من كثرة بياضه الي الزرقة و الخضرة و الرابعة من دعائمها دعامة من الزمردة الخضراء المتراكمة الخضرة يضرب الي السواد وهي الكون الترابي المشار اليه في الخبر يجري من تحته نهر ابيض الظاهر من شدة تقدسه و نزاهته و لكنه اسود الباطن لطبعه و هو الارض السائلة و هذه الانهار هي التي عبر الله سبحانه في قوله مثل الجنة التي وعد المتقون و هو الايمان فيها انهار من ماء غير آسن و هو الكون المائي و دعامة الزمرد و انهار من لبن لميتغير
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 313 *»
طعمه و هو الكون الترابي و الارض السائلة و انهار من خمر لذة للشاربين و هو النار الحائلة و الصبغ الاحمر الكائن في الماء الالهي بدءا و الظاهر علي الارض ختما و انهار من عسل مصفي و هو الهواء الراكد و الاصفر الشرقي و كل واحد من هذه العمد ذو اربع شعب لان كل واحد ايضا مركب من المقامات الاربعة ذات و ظاهر و ظهور و مظهر فذلك ستة عشر شعبة كما ان كل نهر من تلك الانهار في عالم هرمس مركب من طبايع اربع و كما ان بيوت الامهات و اشكالها اربعة و لكل شكل ايضا اربع طبايع فذلك ستة عشر طبعا يدل كل طبع منها و يشهد علي بيت من البيوت الستة عشر فالدعائم بمنزلة الامهات و الشعب بمنزلة الطبايع او نقول ان الطبايع اربعة و لكل طبع اربع مراتب فتلك ست عشرة مرتبة و هذه الستة عشر كليات و الا فالجزئيات تنيف علي ستة عشر الفا بالجملة فالايمان مبني علي اربعة انوار كما ان العرش مبني علي اربعة انوار نور ابيض منه ابيض البياض و هو نور اليقين و ذلك لان اليقين بارد رطب و لذلك نسب الي العقل و هو ايضا بارد رطب و من ذلك تقول العرب برد اليقين و وجه ذلك ان اليقين سكون و استقرار و الوهم و الشك و الظن تلجلج و اضطراب و حركة فيحدث في الشكل حرارة غريبية محرقة مكلسة مفنية ان لميعد الله سبحانه المحروق فلذلك يكون قلب الشاك في خفقان و اضطراب و قال ابوعبدالله7 ان الشك و المعصية في النار ليسا منا و لا الينا و قال7 ان القلب ليزجج فيما بين القلب و الحنجرة حتي يعقد علي الايمان فاذا عقد علي الايمان قر و ذلك قول الله عزوجل و من يؤمن بالله يهد قلبه يمكن ان يكون مراده7 تفسير ظاهر الظاهر بان يؤخذ قوله يهد من الهدء بمعني السكون و يقرء قلبه بالرفع و قال7 ان القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحق فاذا اصابه اطمأن و قر ثم تلا ابوعبدالله7 هذه الآية فمن يرد الله انيهديه يشرح صدره للاسلام الي قوله كانما يعصد في السماء انتهي و في هذه الآية ايضا يحتمل الظاهر الظاهر بانيؤخذ يهدئه مهموزا و علي صيغة الافعال
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 314 *»
بالجملة فاذا صار الشك حركة و اضطرابا و حارا فاليقين ضده بارد رطب اما رطوبته فمن جهة تعلقه بالغير فلو كان باردا يابسا لكان صبرا لايقينا و نور اصفر منه اصفرت الصفرة و هو نور العدل و ذلك لان العدل هو الانصاف في القضية و التقسيم بالسوية و اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و مقام الرياسة المتعلقة بالرعية و هذا المقام مقام النور الاصفر كما حققناه في ساير رسائلنا و مباحثاتنا و مجالسنا و ذلك لان الحرارة مقام الرياسة و جهة المبدء و آية المؤثر العالي في الداني فهي يابسة مقام محمد9 الغير المرتبط بالخلق الغير الممازج لهم و هي رطبة مقام الولاية المرتبطة بالخلق المؤدية عن العالي اليهم و لسانه المعبر لهم و يده الباسطة اليهم و عينه الناظرة فيهم و القائم مقامه فيهم فهما معا ناران غيبيتان فعالتان و الفرق بينهما الرطوبة و اليبوسة و الارتباط و عدمه فالنور الاصفر نور العدل في الخلق لانه حار رطب كما ان العدل حار رطب و نور اخضر منه اخضرت الخضرة و هو نور الصبر و ذلك لان الصبر من صفة الارض التي لانافر فيها و لاحركة لها فهي صابرة ثقيلة مستقرة في مكانها لازبة محتدها لاتزول و لاتحول فالمؤمن الصابر كالجبل لاتحركه العواصف و لاتزيله القواصف و وصف الله سبحانه نبيه بذلك حيث قال ذو مرة فاستوي اي ذو مرة سوداء صافية صابرة علي احتمال الاوامر حاملة للمقادير و صابرة عن المخالفة و صابرة علي البلايا و المصائب فاستوي و لولا الصبر لمال و تزعزع و تردد و ما بعث الله نبيا الا و هو كذلك اي ذو مرة سوداء صافية و لذا روي ان الصبر رأس الايمان و قال ابوعبدالله7 الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا ذهب الرأس ذهب الجسد و كذلك اذا ذهب الصبر ذهب الايمان لان مكان الصبر من الانسان المؤمن رأسه فما لميكن الدماغ سوداويا بسوداء صافية لميكن صابرا فافهم و نور احمر منه احمرت الحمرة و هو نور الجهاد في سبيل الله الجهاد الاكبر و الاصغر و ذلك لان الجهاد لايمكن الا بحرارة و يبوسة المتسمع قوله سبحانه كلما اوقدوا نارا للحرب فسمي الله سبحانه الغضب بالنار لانه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 315 *»
لايمكن الا باثارة الحرارة لله سبحانه و قوة الحرارة الغريزية و لذا صار الجهاد مقام الحرارة و اليبوسة فلما وقع نور الايمان علي مراتب الانسان الفطرية اتصفت في كل منزل بصفة و ظهر منه بسبب ذلك الاتصاف اثر فمن اتصافه بصفات الفؤاد ظهر منه حقيقة الجهاد و من اتصافه بصفات العقل ظهر منه حقيقة اليقين و من اتصافه بصفات الروح ظهر منه حقيقة العدل و من اتصافه بصفات النفس ظهر منه حقيقة الصبر ثم من اتصافه بصفات الطبع ظهر منه ظاهر الجهاد و من اتصافه بصفة المادة ظهر منه ظاهر اليقين و من اتصافه بصفة المثال ظهر منه ظاهر العدل و من اتصافه بصفة الجسم ظهر منه ظاهر الصبر ثم من اتصافه بصفة الصفراء ظهر منه الجهاد في عالم الاجسام ثم من اتصافه بصفة البلغم ظهر منه اليقين في عالم الشهادة ثم من اتصافه بصفة السوداء ظهر منه الصبر في عالم الشهادة ثم من ظهوره من سويداء القلب صدر منه الجهاد في عالم الاعضاء ثم من اتصافه و ظهوره من القلب ظهر منه العدل في عالم الاعضاء ثم من ظهوره من حجب القلب و مروحته ظهر منه اليقين في عالم الاعضاء ثم من ظهوره من الدماغ ظهر منه الصبر في عالم الاعضاء فصدر من المؤمن هذه الخصال في هذا العالم علي ما تري فكان مجاهدا في سبيل الله متيقنا بالله سبحانه عادلا في احكام الله بين عباده صابرا فاذا حصل له هذه الصفات الاربع صار كاملا حيا بحيوة الايمان مكملا للغير كما ان انسان الهرامسة و مؤمنهم الكامل ايضا يكون فيه هذه الصفات الاربع قان مؤمنهم لايكون كاملا الا بالصبغ و الذوب و الممازجة و الصبر فبناره الحائلة يصبغ و بمائه الجامد يذوب ذوب الجسد و بهوائه الراكد يمازج و يغوص و ينبسط و بارضه السائلة الثابتة يصبر و هذه الاربع اركان عرش ذلك المؤمن فاذا حصل له هذه الاركان و اعتدل يستوي عليه الرحمن المتمم المكمل فيتم نقصان الناقصين و يكمل التامين ففي عالمه نور ايمانه صابر بارضه علي بلاء النار و الطرق و المد عادل بممازجته بهوائه فيعطي كل جزء جزء حقه مما عمل و يقسم بالسوية رزقه متيقن بذوبه و مائه بحيث لاشك فيه و لاريب يعتريه مجاهد بناره و صبغه فيامر بالمعروف و ينهي عن المنكر
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 316 *»
و يقتل اعداء الله و ينفيهم من ارض الله تعالي الله الذي وضع اسراره في هذا الانسان بحيث لميغادر صغيرة و لاكبيرة الا احصاها و حري لي اناقول فيه و له:
اتزعم انك جرم صغير | و فيك انطوي العالم الاكبر | |
و انت الكتاب المبين الذي | باحرفه يظهر المضمر |
فتبين و ظهر ان اعمدة فسطاط الايمان و دعائمه اربعة بلاشك و هي الصبر و اليقين و العدل و الجهاد و الترتيب علي نهج الصعود فما لميكمل التراب في الصعود لميظهر الماء و مالميكمل الماء لميظهر الهواء و مالميكمل الهواء لمتظهر النار فبين7 في ترتيب قوله و بيانه كيفية السلوك ايضا فليعود الانسان نفسه اولا بالصبر علي الاوامر و البلايا و عن المناهي و علي الفكر و الطلب و البحث و الصدق فمالميكن صابرا لميتحمل شيئا من ذلك فلايؤثر فيه شيء فلايكمله شيء و لايتمه ثم اليقين بعده فان ذلك يحصل بالصبر و هذان الامران امران انفعاليان لانهما من مقتضي الارض و الماء اللذين مقامهما مقام الزوجة و الانفعال فاذا كملت قابليته استحق مقام الفاعلية و تظهر فيه فتظهر فيه العدل اولا ثم الجهاد فان الجهاد لايجوز الا للعادل المتيقن الصابر صلي الله علي علي اميرالمؤمنين كيف بين و شرح و نطق فاوضح و ان حظ العجب منه اكثر من حظ العجب به نعم كلام الامام امام كل كلام ثم اذا عرفت الدعائم فاعلم ان كل دعامة تتفصل الي اربع شعب و كل اربع شعب من فروع دعامتها و شؤنها و اطوارها و يجمعها كلها اسم تلك الدعامة و لاتتم و لاتكمل دعامة من تلك الدعائم الا بتلك الشعب فانها اجزاؤها او شروطها او حدودها فلنشرح لك دعامة دعامة مع شعبها كما شرحها مولاي اميرالمؤمنين7 وروحي لتربته الفداء فالدعامة الاولي دعامة الصبر كما شرحنا و تتفصل هذه الدعامة الي اربع شعب الشوق و الاشفاق و الزهد و الترقب و ذلك لان الصبر علي اربعة اقسام الصبر عن الشهوات المباحة و المكروهة والصبر عن المحرمات و الصبر علي المصايب و البلايا و المحن و الصبر علي الطاعات و اوامر الله سبحانه و يجمع ذلك كله اسم
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 317 *»
الصابر و لهذه الاربعة اسباب اربعة و هي التي ذكرها الامام7 فالشوق الي الجنة سبب الصبر عن الشهوات لان من عرف الجنة و ملاذها و طعمها بذوق عقله و روحه لميستحل شيئا من ملاذ الدنيا بل ذاق مرارتها و عرف كدورتها و كثافتها فاعرض عنها البتة الاتري ابناء الملوك كيف يستمجون خبز الدخن مثلا لما طعم من المطاعم اللطيفة اللذيذة و لكن لايستمجه الاكار المسكين لانه لميأكل غيره فمن اشتاق الي الجنة سلا بها عن الشهوات فصبر عربی جميلا عنها و من اشفق من النار رجع عن المحرمات اذ من قد سمع زفيرها باذن روحه و رأي ان جميع عقاربها و حياتها و غساقها و غسلينها و انواع عذابها كلها هي عين هذه المحرمات كما قال سبحانه و ما تجزون الا ما كنتم تعملون وقال سيجزيهم وصفهم و غير ذلك من الآيات فخاف منها رجع عن المحرمات لامحة و من زهد في الدنيا هانت عليه المصايب فلايهتم بفقدان شيء منها و فوت محبوب من محبوباتها و من راقب الموت و عرف بغتة الاجل سارع الي الخيرات فتلك الاربع اسباب اقسام الصبر فعدل7 عن المسببات الي الاسباب تعليما و تعريفا لكيفية التحصيل و السلوك و لان حقيقة المسبب ناشية من صفة السبب و هي علي صفتها و هيئتها فيكتفي بذكر السبب عن المسبب البتة كما يكتفي بقولك جاء السراج عن قولك جاء نور السراج فافهم و هذه الاربع هي عناصر الصبر فان كل عنصر كما بينا ايضا مركب من العناصر الاربعة كما ان كل عنصر من عناصر الانسان الكبير و الوسيط و الصغير مركب من اربعة عناصر و قد مر الاشارة اليه فالشوق الي الجنة من ناره بالمجانسة و نار الجنة نار المحبة قال7 فيها نار تطلع علي الافئدة فتحرق غير المحبوب و الشفقة من النار من مائه بالمضادة فانه نافر منها و الزهد في الدنيا من ترابه فانه طبع الاعراض و عدم الميل و الرغبة و الانبساط و مراقبة الموت من هوائه بالمضادة فان الروح من الريح.
و اما الدعامة الثانية فاليقين و شعبه تبصرة الفطنة و تأول الحكمة و معرفة العبرة و سنة الاولين و ذلك لان اليقين لايحصل الا برؤية الآثار و سنن الله في خلقه كما قال في الدعاء و وجيب قلبي لايسكنه الا رؤيتك اي رؤية آثارك و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 318 *»
آياتك و سننك في خلقك كما قال سبحانه سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فهذا مقام اصحاب المتبينين المتيقنين و معرفة الآيات لاتحصل الا بالاعتبار و النظر كما قال فاعتبروا يا اولي الابصار و الاعتبار لايمكن الا بتأويل الحكمة حكمة الله في خلقه و معرفة الكم و الكيف و الوصل و الفصل و اللم و ارجاع حكمة كل شيء الي بطنه و خزائنه الغيبية لان ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و الظاهر طريق الباطن و علي طبقه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و تاول الحكمة لايمكن الا بتبصرة الفطنة و هي النظر و استعمال الذكاوة و التفكر في العالم و آيات السماء و الارض او لمينظروا في ملكوت السموات و الارض و ان عسي انيكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده يؤمنون فهذه الاربع ايضا عناصر اليقين و مراتبه فتبصرة الفطنة ترابه و بها يحصل تاول الحكمة و هو مائه و به يحصل معرفة العبرة و هي هواؤه و بها يحصل معرفة السنة و يري الاشياء بعقله كما هي كما في الدعاء اللهم ارني الاشياء كما هي و ذلك لان الفطنة من عنصر التراب الاتري ان السوداوي ادق ذهنا و ارق فكرا و اشد تفطنا بخلاف ساير الامزجة و تأول الحكمة من عنصر الماء لانه يحتاج الي ذوبان و غوص في الامور و ذلك لايمكن الا بذوبان القوي الفكرية قال7 اشربوا الماء فانه يزيد في العقل و ليس الذوب من شأن السوداء و التراب و معرفة العبرة من عنصر الهواء فانه ادق و الطف من تأويل الحكمة و هي ثمرته و خلاصته و روحه الحاصلة منه و معرفة السنة من عنصر النار لانه مقام الاستيلاء علي الكل و المشاهدة للجميع علي ما هي عليه و اليقين في جميع المراتب موجود الا انه يختلف فيها بالقوة و الضعف فافهم.
و اما الدعامة الثالثة فالعدل و شعبه اربعة غامض الفهم و غمر العلم و زهرة الحكم و روضة الحلم فهذه الاربع ايضا اسباب العدل و ذلك ان العدل هو وضع كل شيء في موضعه و اعطاء كل ذي حق حقه علي ما يقتضيه و ذلك لايمكن الا بالعلم بالمقتضيات و القوابل و الحلم عن جهل الجهال فمن علم و حلم باستغنائه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 319 *»
عدل البتة و لذلك صار الحلم من كمال العلم و قرن به في كل مكان في القدسي كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية و لانهاية و ذلك هو الاناءة و العقل كما في القاموس و ليس الحلم مخصوصا بتحمل الاذي و الصبر عند الغضب وحده و انما الحلم هو الوقار و التمكن و العقل فانه مشتق من الحلم بمعني العقل و لذا جاء بمعني العقل فاذا لميكن للعالم اناءة و وقار و كان سفيها اي خفيفا نزق و ابطل علمه و اضاعه و اذهب بعظم علمه عن اعين الناس و لميعتن بقوله احد من المتعلمين و المؤمن كلما يزداد علما يزداد حلما اي وقرا و اناءة فان العلم الحق وزين رزين اثقل من الجبال الرواسي المتسمع انه حين نزول الوحي علي رسول الله9 ثقل عليه الوحي حتي قاربت سرة بغلته الارض بخلاف العلم الباطل فانه خفيف و صاحبه نزق خفيف البتة بالجملة لاعدل الا بالعلم و الحلم و وضع الشيء في موضعه يمكن بالعلم و الحلم و الجاهل السفيه لايضع شيئا في موضعه لنزقه البتة فالعدل لايمكن الا بشيئين معرفة الاحكام و الحلم كما قال الصادق7 ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما فاني قدجعلته عليكم حاكما الخبر و معلوم انهم: لاينصبون من كان جايرا و قد عرفت ان العدل يمكن بمعرفة الاحكام و معرفة الاحكام لايمكن الا بالعلم و طلبه و تعلمه فان العلم مقدمة المعرفة و انت تعلم الفرق بينهما و العلم لايمكن الا بالفهم فلاكل من طلب العلم وجده فقد علم ان من فهم علم و من علم عرف الاحكام ثم ان مازجه بالحلم استحق اسم العادل في نفسه و في غيره و هذه الاربع هي عناصر العدل فالفهم من عنصر التراب كما مر و العلم من عنصر الماء لانه من شأن الصدر و النفس و لذا صار ثمره الخوف و الاشفاق و هو صفة الماء كما مر و معرفة الاحكام من شأن العقل و هو عنصر الهواء الروحاني و قديؤخذ العقل هواء علي انه الروح اول ما خلق الله روحي فعلي انه الروح هوائي و المعرفة هنا اعم من اليقين الاتري كيف ادرجه في الحنظلية فقال روي حديثنا هو مقام الظاهر و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 320 *»
لاشيء فيه و نظر في حلالنا و حرامنا هو مقام العلم و عرف احكامنا مقام اليقين الحاصل بالاحكام و معرفة حقايقها و لولا عمومها لكان باب المحاكمات مسدودا في الظاهر فقوله عرف احكامنا ادل دليل علي اشتراط العلم بالحكم الثانوي فلايكفي الظن في الحكومة فتبصر و اما الحلم فمن عنصر ناره لانه ارفع من العلم قال كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما و ذلك لان الحلم ثمرة العلم و هو مقام كبرياء الله سبحانه و آيته الظاهرة في العالم فالحلم هو العقل المرتفع و هو حار يابس و ما تري في الظاهر ان الصفراويين اكثر خفة من البلغميين و هو اشد تؤدة من اولئك فذلك ثقل مذموم و تؤدة غير مطلوبة فان الثقل البلغمي هو الكسالة المائية لاالحلم فافهم و اصل الحلم من الحرارة الغريزية الموجبة لترفع النفس عن مساورة الارذال و معاشرة الانذال و مفاكهة الجهال و مقاولة اللئام و مكالمة الطغام و استصغار عربی جميع ما سوي محبوبه حتي لايري له استحقاق التوجه و الاعتناء فيحلم عن الكل و يصفح و يعفو امتثالا لقوله سبحانه ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و اصفح فكذلك المرء حليم حقيقة لا الكسلان البلغمي و الا لكان الجماد احلم الناس فافهم و بذلك صار الحلم من شروط العدل و الخفيف المتورط في العظام المقتحم في الفوادح لايمكن انيعدل البتة فتدبر و اما الدعامة الرابعة فالجهاد و له اربع شعب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصدق في المواطن و شنآن الفاسقين و ذلك لان الجهاد جهادان جهاد مظاهر النفوس الامارة و هم الكفار و اظلالهم الملقاة علي المؤمنين و جهاد النفس الامارة التي بين جنبيك فالاول و هو الجهاد الاصغر هو الامر بالمعروف و اتباعه و الاخذ بولايته صلوات اليه عليه و آله و الاتصاف بالصفات المتشعشة منه و النهي عن المنكر لعنه الله و الاتصاف بصفاته المنفصلة منه و الثاني و هو الجهاد الاكبر هو الصدق في المواطن كلها مع الناس بلسانك و جوارحك فانها كلها السنة تعبير ما في النفس فمن خالف ظاهره باطنه فهو كاذب في التعبير و مع الله سبحانه في اخلاصك له في توحيده و مع الاولياء في التمحض في ولائهم ظاهرا و باطنا فانه الصدق النافع و اما شنآن الفاسقين فهو من تمام الصدق في الولاية و لمن عجز
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 321 *»
عن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بلسانه و يده فليقتصر به و الا فليشركه معهما فهو ايضا جهاد روحاني نفساني فهذه الاربع عناصر الجهاد و مظاهره و شعبه فالامر بالمعروف ناره فانها المعروف و النهي عن المنكر ترابه فانه في غاية البعد عن المبدء و الصدق في المواطن هو هوائه فانه مقام الولاية و المحبة و التمحض في حكاية ماورائه و شنآن الفاسقين مأواه فانه ضده و مقام الميل الي غير الحق مما خطيئاتهم اغرقوا في البحر المسجور فادخلوا نارا فافهم او نقول ان شنآن الفاسقين ناره لانه مقام الغضب و الصدق مقام الهواء كما مر و النهي عن المنكر مقام التراب كما مر و الامر بالمعروف مقام الماء من باب انه حيوة كل حي و هو اوفق بباقي الخبر فمن امر بالمعروف شد ظهر المؤمن صلوات الله عليه و آله فانه تقوية الولاية و المعروف ظهور الولي و من نهي عن المنكر ارغم انف المنافق لعنهما الله فان المنكر انف المنافق لعنهما الله و كان انفته و كبره به و من صدق في المواطن قضي الذي عليه و كان عليه الصدق فبقي ما يجازيه الله سبحانه به و هو لايجزي الاحسان الا الاحسان و من شنأ المنافقين و الفاسقين غضب لله سبحانه لانه يبغضهم لفسوقهم عن امر الله سبحانه و عدولهم عنه و من غضب لله غضب الله له فينتصر له من الشيطان و من النفس الامارة و من مظاهرهما و هياكلهما فذلك الايمان و دعائمه و شعبه و لما لمتسئل عن دعائم الكفر و النفاق و شعبهما لميقبل قلبي الي شرحها و لو زدتم في السؤال لزدنا في الجواب هذا مع ما في قلبي من البلبال بكثرة الاشغال و طول الملال و ان تدبرت في ما ذكرنا و تعمقت علك قدرت علي معرفة وجوه دعائم الكفر و النفاق و شعبها فتدبر.
قال سلمه الله بعد ذلك في حاشية كتابه و استوضح امر الرجل الذي ظهر في هذا الزمان و ادعي البابية لمولينا صاحب الزمان صلوات الله عليه و آله و آبائه و عجل فرجه انه هل هو من جهة جنون عرضه او هو محض معاندة للحق او من اشتباه عرضه في نفسه او غره احد فاقدم من جهة حمقه علي هذه الامور العظيمة و الافتراءات الجسيمة و البدع المخترعة.
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 322 *»
اقول انا قدكتبنا في امر هذا الرجل رسالات منها المسماة بازهاق الباطل و هي رسالة عجيبة غريبة ينبغي انتكتب بالنور علي صفايح خدود الحور و قداوسعنا فيها القول و قدبينا فيها من فضل القرآن و وجه اعجازه امورا لاتجدها في كتاب ثم ذكرنا فيها من مقترفات هذا الرجل و غلطاته و خزعبلاته التي قدذكرها فيما زعم انه انزل عليه و بسطنا فيها القول ثم ذكرنا ما ادعاه من الخروج و الجهاد و حرمة الجهاد في زمن الغيبة بالكتاب و السنة و الاجماع ثم ذكرنا فيها مقامات النقباء و النجباء و سبب ادعاء هذا الرجل بالجملة خرجت رسالة عجيبة و انتشرت في العراقين و الخراسان و صنفنا رسالة اخري لمن لايفهم العربية بالفارسية و سميناها بتير شهاب في رجم الباب المرتاب و صرفنا فيها القول علي وجه يفهمه كل غبي ثم الفنا رسالة اخري في جواب مسائل المولي ميرزا محمد جواد القزويني سلمه الله و قد سأل مسائل جليلة في صفة الكاملين و علاماتهم و احوالهم و بسطنا القول في تلك الرسالة ايضا و انتشرت هذه ايضا و هي موجودة في طهران و غيره و لمنقصر في حقه في مباحثاتنا العامة و الخاصة و ما اتفق من تأليف الرسائل بعد خروج هذا الرجل و في الحقيقة لايقبل قلبي الي بسط القول في امره لكثرة ما كتبت في امره مع عدم قابلية له و كثرة مهانته و لان الباطل يموت بترك ذكره و كثرة السؤال و الجواب فيه يعظمه في اعين الناس و لكن الاحسن اننبعث اليكم ان شاء الله واراده كتاب ازهاق الباطل لان فيه كفاية و بلاغا و لكن من باب ان لكل سؤال جوابا نذكر لك بقدر اقبال القلب اعلم ان جميع الشقوق التي ذكرت في السؤال واقع و لله درك فما اخطأت فان الرجل فيه جنون من كثرة الرياضات الغير المشروعة التي صدرت منه حتيانه قدنقل لي بيزد من كان معاشره انه حين كان ببندر ابيشهر مع ذلك الحر الذي في تلك البلاد كان يقف علي السطح قبال الشمس في غاية حرها ساعات كثيرة خمس ساعات او ست ساعات او ازيد او اقل و امثال ذلك من المتاعب الشاقة و قد خولط في عقله و احترق السوداء في دماغه فخرجت عن الحالة الطبيعية فتعلق بها شيطان من الشياطين الساكنة في الارض الثانية فسول له و لكن لابحيث يخرجه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 323 *»
عن حد التكليف و اما معاندة الحق فلاشك فيه لكن لامعاندة الحق المجمل بل معاندة الحق في اهله الاتري ان جميع صنوف الضلال كذلك فلايقول منهم اني اعاند الله رب العالمين و لكن اذا عاند آياته و آله فقد عاند الله و كذلك لايقول احد من العامة اني اعاند رسول الله9 و لكن اذا عاند اهله و اودائه فقد عانده و هكذا امر هذا الرجل فهو معاند الحق في اهله الم تسمع ما استفاض عن الصادق7 ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت فانك لنتجد احدا يقول اني ابغض محمدا و آل محمد و انما الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا و قد خالف الحق و اهله كما لايخفي في خزعبلاته و اما الاشتباه فقد عرض له بعد تلبي الجهال و الضلال و لكن في اول الامر لايشتبه علي الانسان امر فان الله سبحانه يقول بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه و ان من امرء يعرض في قلبه الحق و الباطل الا و يجد حقية الحق و بطلان الباطل و يري تزلزل نفسه في الباطل الا انه بعد ما وطيء علي الحق و تسامح في الباطل يذهب الملك الموكل بذلك الحق ذلك الحق تحت عرش الله سبحانه يعبد الحق و يستغفر لاهله و يبقي ذلك الرجل مع باطله فيزين له الشيطان ذلك الباطل و يسول له حتي يزعم انه يحسن صنعا و كذلك امر هذا الرجل و كيف يخفي عليه في اول الامر مهانة نفسه و ذلتها و جهالتها نعم سول له الشيطان في آخر الامر حتي زعم انه رجل و اما اغتراره فنعم قد غره سامري هذه الفرقة فاخرج لهم عجلا جسدا ليس له خوار و جمع من حلي القوم و كلماتهم الحلية و الف فقال هذا شيخكم و شيخ مشايخكم و شخ الانبياء و المرسلين فتلبي الجهال لدعوته و السامري هو ذلك الخراساني الشقي مبدء هذا الفساد و هامان هذا الفرعون و وزيره الذي كلما يقول شيخه اقيلوني اقيلوني لايفك ذلك الوزير و يأوله فان عجز عن البيان يقول لايريد البيان لعدم نضج الزمان و ان استقال و تاب يقول يتقي الباب و ان كذب في وعده يقول وقع البداء في امره و ان مات و خاب يقول قد غاب و عن وشيك يرجع بالجملة وقع امر ليس له علاج الا سيف مولاي صاحب الزمان فانه برهان
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 324 *»
قاطع و حكم ماض فلا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فما تغن النذر و باب التأويل مفتوح و طريق التصريف واسع و لعمري قدوقع الناس من تأويلات هذا السامري في داهية عجيبة و طخية عمياء غريبة و حير العوام من هذا النقض و الابرام و ان لله امرا هو بالغه اما لابد لهذه الفرقة من مثل هذه البلية و الامتحان حتي يمتاز المشوب عن الخالص و هو عهد معهود فو الله لتغربلن غربلة و لتبلبلن بلبلة و لتساطن سوط القدر حتي يصير اعلاك اسفلكم و اسفلكم اعلاكم و ليسبقن سباقون كانوا قصروا و ليقصرن سابقون كانوا سبقوا و لابد و انيرجع عن هذا الطريق قهقري رجال لايظن بهم و بمثلهم الظان حتيلايبقي للحق الا قليل من اهله و ليرجع عن الطريقة اوثق الناس في اعينكم و اتقاهم و اورعهم كما رجع و رجع اني و متي و كيف و لميبق بعد لسان الله الناطق و يده الباسطة و وجهه المضيء و اسمه الرضي الا قليل من عباده المؤمنين و قليل من عباده الشكور فكم من رجل متحنك في برنسه قائم الليل في حندسه تراه ذا هدء متماديا في منطقه مقاربا بين خطاه يرجع عن هذه الطريقة قهقري و ينكص علي عقبيه لو اطلعت عليهم لوليت عنهم فرارا و لملئت منهم رعبا الي الله اشكو معشرا يعيشون جهالا و يموتون ضلالا و يلاقون من اعمالهم وبالا.
و اخوان حسبتهم دروعا | فكانوها و لكن للاعادي | |
حسبتهم سهاما صائبات | فكانوها و لكن للفؤادي |
الحاصل اسئل الله ربي و ربكم انيثبتنا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة ان اردت النجاة فواظب مهما ذكرت دعاء الغريق فانه لانجاة في آخر الزمان الا لمن تمسك بهذا الدعاء يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك و كرر من قولك اللهم لاتجعلني من المعارين و لاتخرجني من حد التقصير و لما ان قدعزمت علي ان ارسل اليكم رسالتي ازهاق الباطل لماطل الكلام في امر هذا الرجل هيهنا و كفي به ازهاقا للباطل و موضحا للمحلي عن العاطل.
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 325 *»
قال و المسئلة الاخري انترسل الينا صورة ما كتبه السيد اجل الله شأنه و انار برهانه في اجازته لك و تصديقه اياك حتييكون مقويا للضعفاء و مؤيدا لهم.
هذا صورة ما كتبه السيد اجل الله شأنه و انار برهانه حين انصرفت من عتبته السنية و كنت ببلد الكاظم علي مشرفه السلام فارسله الي مع الشيخ احمد التاجر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اقام المأمونين بسره لاظهار غيبه مقامه و رفع بالمستسرين بامره و بنورهم علي ذري حجب الذوات اعلامه و الصلوة و السلام علي المصفي من صفايا صوافي لب الالباب فادني مقامه فاظهر به مستجنات غيب الغيوب كما اخفي باشراق نوره كلامه و علي آله المخلفين لاقامة تحريف الغالين و انتحال المبطلين قلوبا صافية اودعوها من اسرار دار الخلد و دار المقامة فبلغ كل بما اودع فيه من سره و كامن غيبه في محل القدس و مورد الانس مرامه اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قام الحسيني الرشتي ان المولي الاولي و الولي الاعلي العالم العامل الفاضل الكامل جامع المنزلتين الظاهر و الباطن و حاوي المرتبتين المقامات العقلية المستنيرة بالانوار النقلية الالهية و المراتب النقلية المأخوذة من حقايق الدقايق العقلية القدسية كاشف المعضلات و رافع المبهمات حسن الذات حميد الصفات قرة العين بلامين المؤيد بلطف الكريم الرحيم محمد كريم خان بن ابرهيم خان قدعرض علي بعض مصنفاته و مؤلفاته في فنون شتي فوجدتها كما كنت اظن فيه ايده الله بصنوف تأييداته و اسبغ عليه جزيل نعمائه و كراماته قداودع في اصداف الالفاظ المحبرة من لئالي التحقيق اثمنها و اغلاها و زين سماء العبارات المهذبة بالكواكب المضيئات من الدرجات الرفيعات و الاطوار الالهيات اسناها و ابهاها فهو سلمه الله و ايده اهل لاستنباط المسائل الفرعية الشرعية عن ادلتها التفصيلية و متهيئ لاستيضاح المسائل العملية لما فيه من النفس القدسية و حقيق بان يخوض لجة التحقيق و يعلو ذروة التدقيق و يستقل بالعمل و يتجنب مواضع الزلل و يعمل بالاحتياط ما امكن و يفتي بما احكم و اتقن و يراقب الله سبحانه و تعالي في
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 326 *»
السر و العلن و يجعل اوليائه و خلفائه: نصب عينيه في كل ما يظهر و يكمن و لايخرج عن ما نطقت به اخبارهم و شهدت به آثارهم و لايفترق عن الجماعة و يتلقي الامر بالسمع و الطاعة و لايعول علي الاحتمالات البعيدة و لا الآراء المستحسنة و القياسات المظنونة و التخريجات العقلية الغير الموزونة فان هذا المقام مقام خطير و خطب جسيم و امر عظيم فليواظب وفقه الله بالاعمال المستحبات و تلاوة القرآن و طول المناجات و لاتغتر بزخارف الدنيا و لا باجتماع الناس من اهل الهوي فانهم اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح يوم لك و يوم عليك و تأدب بآداب المخلصين واقتف آثار الائمة الطاهرين و توسل بهم فيما يدهيك في كل آن و حين فانهم عصمة المعتصمين و ملجاؤ الخائفين و لاتخرجني عن خاطرك العاطر عند الصلوات و مظان اجابة الدعوات ختم الله لي و لكم بالحسني انه علي ذلك قدير و بالاجابة جدير و انا العبد كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ثم ختم بخاتمه الشريف عبده الراجي محمد كاظم الحسيني.
قال ايده الله و ما السبب في كفاية العدالة لثبوت الوثاقة في نواب الحجة7 في ايام الغيبة و لاتكفي في الانبياء و نوابهم: لثبوتها الا العصمة فان كانت الكفاية له فيهم لوجود الحجة المعصوم7 و لو غائبا فهي له فيهم: لوجود الله الذي لاتدركه الابصار و هو متعال عن النقائص و الاكدار اولي و احري فما المخلص و ما الجواب الصواب لكشف هذا النقاب.
اقول هذا سؤال حسن و الجواب عنه واضح انشاءالله سبحانه و نجيب عن هذه المسئلة بجوابين بل ثلثة:
اما الاول فهو ان الانبياء: شأنهم تلقي التكاليف الغير المحصورة عن الله سبحانه الغايب عن درك الحواس المجهول الكنه و تبليغها الي العباد و ذلك امر لايمكن لغير المعصوم تلقياً و ابلاغاً اما من حيث التلقي فلان المتلقي مالم
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 327 *»
يكن معصوماً مطهراً عن جميع ما يكرهه الله سبحانه و عن جميع مقتضيات جهة الانية الحاجبة لجهة الرب التي هيئاتها هي مرادات الله سبحانه و محابه من عباده لميعرف تلك الهيئات علي ما هي عليه فان العارف بكل شيئ يجب انيكون من جنس ذلك الشيء فان الادوات تحد انفسها و الآلات تشير الي نظائرها فجهة الانية ليست تعرف هيئات جهة الرب و عينها لاتريها و مداركها لاتدركها فلاتقدر علي تلقي مرادات الله سبحانه و استنباط محابه مما هي مذكورة في مشيته سبحانه و ارادته علي ما هي عليه فوجب انيكون المتلقي معصوما مخلي عن مقتضيات جهة الانية التي هي مكاره الله سبحانه متصفاً محلي بهيئات جهة الرب سبحانه التي هي علي طبق مشيته و ارادته المتعلقة به و باشعته و فروعه المطابقة له به فلذلك وجب العصمة في النبي9 في التلقي و اما في الاداء و التبليغ فلاجل ان لايكون لسانه المعبر المترجم عن غيبه مخالفاً لجهته العليا فيعبر غير مراد الله سبحانه و يترجم علي خلاف محبته ثم لميثق بقوله شيعته و رعيته و لميتيقن انه مراد الله سبحانه من خلقه اذ لو جاز عليه السهو و الخطا في مسئلة لجاز في غيره ايضا لمتطمئن به و بقوله نفوس الرعية و لميكن حينئذ لسان الله المعبر لهم عنه فان اللسان ما لايخالف مراد صاحبه و لميتحرك الا به و لميعبر الا عنه فوجب في النبي صلي الله عليه العصمة في التلقي و الاداء عن الله سبحانه «فانه القائم مقام الله في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار» و لاشك في ان هذا هو الاصل في المتلقي المترجم و هذا هو الاليق بالكمال و حكمة الخالق المتعال و انما الاشكال في عدم اشتراط عصمة العلماء و الفقهاء لاعصمة الانبياء هذا مع ان شأن الانبياء غير منحصر في التشريع و انما هم متحملوا الاوامر و النواهي الكونية كما تحملوها في الشرعية و هم تراجمة مشية الله و السنة ارادته في اداء الاحكام الكونية و الشرعية و لابد من عصمتهم حتييجري احكام الله سبحانه في الكونين علي نهج الحكمة و الصواب و لسنا في صدد بيان لزوم العصمة و معناها و وجوبها في الانبياء فنحوله علي ساير كتبنا و كتب مشايخنا اعلي الله مقامهم
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 328 *»
و اما الاوصياء الحفظة فلابد ايضاً من عصمتهم لان الاحكام الشرعية غير متناهية و لايمكن انيتحمله احد من الرعية لعدم وسعهم و تحملهم ذلك و لعدم امكان البيان عادة في زمان محصور و يكشف عن ذلك ما روي عن النبي9 في احتجاجه يوم الغدير الا و ان الحلال والحرام اكثر من اناحصيها او اعرفها فآمر بالحلال و انهي عن الحرام في مقام واحد فامرت انآخذ البيعة عليكم و الصفقة منكم بقبول ما جئت به عن الله عزوجل في علي اميرالمؤمنين و الائمة من بعده الخبر. فلما كان احكام الله سبحانه غير متناهية و لميمكن لاحد من الرعية ان يحصيها و يسعها فوجب حافظ للدين في كل عصر و قرن و مستنبط لاحكام العصر الذي يليه عن كليات السنة و مجملات الكتاب علي طبق مراد الله سبحانه و لما عرفنا انه لايمكن ذلك لاحد من الرعية فوجب انيكون المتحمل لذلك رجلا غير موصوف بصفة الرعية العاجزين عن تحمل تلك الاوامر و النواهي و هو المعصوم فوجب انيكون الحافظ للدين في كل عصر معصوماً مطهراً علي خلاف ساير الرعية ممتازاً منهم منصوباً من قبل الله سبحانه منصوصاً عليه من رسولالله9 هذا مع ان العصمة هي الاصل الذي لاشك فيه و لا اشكال و انما الاشكال كما عرفت في غيرها هذا مع ان للحافظ شؤناً اخر من القطبية و ايصال الفيوض و الامداد في كل عصر و حين و لابد من عصمة القطب و الغوث كما اشرنا اليه فلاجل ما ذكرنا علي نحو الاختصار و غيرها لابد من عصمة الانبياء و اوصيائهم من بعدهم و اما العلماء سواء كانوا في اعصار ظهور المترجمين و الحافظين او في زمان غيبتهم و لااختصاص بزمان الغيبة كما خصصت فلايجب انيكونوا معصومين لانهم جزئيون و لانهم يتحملون الاحكام علي نحو الرواية شفاهاً بقدر ما يلقي اليهم كما يلقي اليهم كما قال الحجة7 و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و قال7 لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا و قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 329 *»
و نحملهم اياه اليهم. فاذا العلماء رواة يروون ما يسمعون و يفتون باوثق ما يصل اليهم من الاخبار و ما يطمئن به نفوسهم و اما ما اقترفته العامة العمياء من ان المجتهد علي قسمين مجتهد جزئي و مجتهد كلي فشيء لانقول به و نتبرؤ منه فانه لا احد من الرواة يحصي جميع احكام الله سبحانه و يمكنه معرفته و انما نفتي بما وصل الينا من روايات آلمحمد: و لانعرف ما لميصل الينا الاتري انه لا احد من العلماء الا و قدتوقف و تحير في مسائل كثيرة و لميعرف المخرج فعمل بالاحتياط في فتواه و عمله و جهل مسائل كثيرة لعدم وصول النص اليه غاية الامر انه روي لنا ان ما لانص فيه مطلق لكم الي انيصل النص اليكم و ليس ذلك بحكم المسئلة فانكان كل مجتهد جزئياً علي حسب ما وصل اليه من الروايات فليس بمتحمل جميع الاحكام البتة فاذاَ هو راو لما وصل اليه فمنيعرف عدالته و صدقه يأخذ بروايته تقليداً لامامه7 و من لميثق بقوله يأخذ بقول آخر يطمئن بروايته نفسه و لما كان مرجع العالم الي السمع و النطق لايحتاج الي عصمة بخلاف الحافظ فان مرجعه الي الاستنباط كما قال سبحانه لو ردوه الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم و مرجعه الي تحمل ما لانهاية له و الي حفظ العالم و بخلاف النبي فان مرجعه ليس عن سمع و نطق شفاهي مرأي و انما هو قذف غيبي و الهام الهي او سماع عن الملك الذي لايميزه عن الشيطان الا المعصوم الذي يريهم و يعرفهم و لايريه غيره هذا علي انك لو اشترطت في العلماء العصمة فلابد و انتشترط في الرواة عنهم ايضاً بل و في كتبهم بل و في مقلديهم فان المقلد ان لميكن معصوماً فلعله يخطي في فهم فتوي الفقيه ثم لايتيقن ان ما فهمه حكم الله في حقه فاذاً لابد من اشتراط العصمة في جميع الخلق فان من شيء الا و هو مكلف فكما انك لمتشترط العصمة في حواسك المؤدية اليك عن الخارج ما تدركه و لمتشترط في كتب الفقهاء و الرواة عنهم كذلك لايجب انتشترطه في نفس العلماء فانهم ليسوا بازيد من الراوي غاية الامر ان الراوي راويان راو يروي جميع ما سمعه و راو يروي ما يثق به و الفقيه هو الراوي الذي ليس يروي الا ما يثق به هذا مع ان لهؤلاء ايضا كلا المقامين فانهم قديروون
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 330 *»
ما يسمعون و قديروون ما يثقون به فلما عرفنا ان مرجعهم السمع و النطق و انهم رواة متعلمون و ليسوا بممتازين عن الرعية الا من حيث الرواة و ان رواياتهم ايضا جزئية علي حسب ظرفيتهم و نعلم ايضا ان الحجة الحافظ مع ذلك كله من ورائهم يعلم الزيادة و النقصان «ان زاد المؤمنون شيئاً ردهم و اننقصوا اتمه لهم» و الا لميعرف الحق من الباطل و لاختل علي المسلمين امورهم و انه هو المسدد الرقيب الحافظ للدين اكتفينا بوثاقتهم و عدالتهم و لمنشترط عصمتهم و لقدعلمت ان بين العلماء و بين الحفظة بوناً بعيداً و فرقاً ظاهراً و انما الحفظة هم العلماء و شيعتهم المتعلمون قاطبة هذا انا و ان لمنشترط العصمة في العلماء بل جوزنا عليهم السهو و النسيان و الخطاء امددناهم بصفة اخري من تقسيم الاحكام الي الواقعية الاولية و الي النفس الامرية الثانوية و قلنا ان الاحكام الواقعية صادرة عن الله سبحانه علي حسب القوابل الصافية عن اللطخ و الخلط اذا كانت علي الوضع الالهي الاولي و الاحكام النفس الامرية صادرة علي حسب القوابل الثانية ذوات اللطخ و الخلط و قلنا ان العالم قد تغير من يوم نزل آدم علي نبينا و آله و عليه السلام و صار في لطخ و خلط و غرايب و اعراض و امراض و سيعود كما بدء في الرجعة انشاءالله و ان باب تلك الاحكام الاولية مسدود بانسداد باب عالمه فليس احد بمأمور ان يعرف احكام غير عالمه فاذاً تكليفنا معرفة احكام عالمنا بما فيه من اللطخ و الخلط و الاعراض و الامراض و الاختلاف و الجهل و النسيان و السهو و الخطاء و جميع ما فيه علي خلاف الوضع الالهي فاذا كان تكليفنا معرفة احكام هذا العالم سهل علينا الامر و لمنحتج اننعمل بالظن و عملنا بالعلم فان كل ما يصل الينا بعد الطلب هو تكليفنا و كل ما فهمنا هو تكليفنا بل كل ما عملنا في جهل هو الكافي لقوله7 ايما رجل ركب امراً بجهالة فلاشيء عليه و كلما عملنا في سهو او نسيان هو المعفو عنا لما روي انه رفع عن هذه الامة الخطاء و النسيان و ما لايعلمون و ما لايطيقون فكل ما وصل الينا بعد الطلب المعبر عنه باستفراغ الوسع و كلما فهمنا هو تكليفنا و اناخطأنا فمرفوع عنا و انجهلنا فموضوع عنا و ان سهونا فمجزي عنا و اننسينا فموسع علينا و انتحيرنا فمعفو عنا
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 331 *»
هذا انسامحناك و الا فاعلم راشداً موفقاً ان جميع ما خلق الله سبحانه في ساير عوالمه كلها اسباب و مسببات يجري الله سبحانه ما يشاء فيها و بها و منها و لها ليس سبب غيرها و لا مسبب دونها و كل مسبب له سبب خاص به دون غيره فلايجري ذلك المسبب الا بذلك السبب فكم من قضاء لله سبحانه سببه السماء او الارض او الجماد او النبات او الحيوان او الانسان او الذوات او الصفات او الافعال او اليقين او الشك او الوهم او العلم او الجهل او السهو او الخطاء او النسيان او الغفلة او الحيرة او غير ذلك فكل واحد من ذلك سبب مسبب مقضي لله سبحانه و لايمكن ايجاد شيء الا بسببه الخاص به فاذا عرفت ان الامام الحجة7 هو المسدد المؤيد الحافظ المبلغ القادر الناظر المأمور من عند الله بايصال كل حكم الي صاحبه و محله و انه سخر له الاسباب فيقلبها كيف يشاء و عرفت انه المغيث لمن استغاث به و المجيب لمن دعاه و السامع لمن ناداه و الهادي لمن استهديه و المعلم لمن استعلمه و الحاضر الناظر المطلع العالم الخبير فاذا كانت المسئلة التي هي تكليفك و صلاح معاشك و معادك مما سببها معرفتك اوصلها اليك بسببية معرفتك و اذا كانت مما سببها يقينك اوصلها اليك بيقينك و انكان سببها علمك اوصلها اليك بعلمك و انكان سببها الشك او الوهم او الظن او الجهل او الخطاء او السهو او النسيان اوصلها اليك بذلك فانه لايمكن ايصاله علي نهج الكمال و الحكمة الا بذلك الاتري انك لو اذنبت ذنبا وكان عقابك عليه انتقطع يدك فتغفل حين يري القلم و يقطع السكين يدك و ليس الاجزاء لذنبك و قدصار الغفلة سبب قطع يدك و لو كنت متنبها مراعيا ما كان السكين يقطع يدك فلميكن التنبه و الرعاية سبب قطع اليد و انما كان سببه غفلتك فاجري الله سبحانه فعله و قضاءه علي يد غفلتك و كذلك من كان جزاء ذنبه انيقتل فلعل رجلا يقصد ظبيا و يرمي انسانا فيقتله و قدصار هنا سب قتله خطاؤه لاعمده و لو تدبرت في ذلك لوجدت فسحة اوسع مما بين السماء و الارض و كذلك المسائل الفقهية التكليفية اذا انت دخلت البيت من بابه و طلبت الحق و سعيت فيه وسعك و اردت من الله الهام الصواب يوصله اليك فانامكن ايصاله اليك بعلمك اوصله اليك و الا فبجهلك و انامكن بنفوذك و الا
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 332 *»
فبتحيرك و انامكن بيقينك و الا فبشكك و انامكن بعمدك و الا فبخطاك و انامكن بتنبهك و الا فبسهوك و غفلتك و هكذا عليه البيان كيف شاء بما شاء و لذا نقول كل ما يفهمه الفقيه هو تكليفه و انتوقف فصلاحه في التوقف و انتحير فصلاحه في التحير و انشك فصلاحه في الشك و انظن فصلاحه في الظن و هكذا و ذلك لما عرفنا ان من ورائهم مسددا قد سخر له الاسباب و كل شيء سبب شيء و تحسبهم ايقاظا و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال بكم تحركت المتحركات و سكنت السواكن و السلام علي مقلب الاحوال و سيف ذي الجلال و لاتزعم ان هذا مذهب المصوبة فانهم يقولون ان حكم الله تابع لظن الفقيه و حاشا اننقول ذلك بل الفقيه و جميع ما له و به و منه و عليه مسخر تحت يدي الله سبحانه يقلبها كيف يشاء و يوصله الي حكمه المكتوب في الورقة السفلي من اللوح المحفوظ و ذلك حكم معين مكتوب قبل انيخلق الله السموات و الارض ففهم الفقيه تابع لتحريك الله سبحانه و امداده و تسديده و هو سبحانه يوصله الي ذلك الحكم المكتوب المعلوم فشتان بين هذا القول و بين قول المصوبة فقدتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الفقهاء و انلميكونوا معصومين لكنهم مؤيدون و مسددون بامامهم و لايكفي مثل هذا التسديد و التأييد في الامام بدلا عن العصمة فان الفقيه مؤيد مسدد في فهم كلام امامه المحسوس المدرك و لاكذلك تلقي الاحكام عن الله سبحانه فانه تلقي انكشاف و قرائة لحروف النفس علي الوضع الالهي الاولي و لايقدر علي قراءتها من لميكشف سبحات الجلال و لميمح الموهوم و لميجذب احديته لصفة توحيده و بين المقامين فرق واضح جلي لذي عينين و لكن الذين يزعمون ان هذه الاحكام من اجتهاد النبي و الامام او من كلام مسموع ككلام الآدميين يتحير و لايري فرقا في الامام و لكن الذي يعلم كيفية تلقي الوحي و سماع كلام الله سبحانه لايشك فيما ذكرنا و انه يشترط العصمة في الاول دون الثاني فافهم.
و اما الثاني و هو اخفي وجها من الاول فهو ان النبي9 في
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 333 *»
مقامه كلي متحمل عن الله سبحانه جميع ما القي اليه من الاحكام المتعلقة به و بقومه فلاشريك معه في ذلك التحمل اذ لميبعث قط رسولان الي امة واحدة في زمن واحد و ذلك لسر يطول بذكره الكلام فرسول كل قوم واحد ذلك القوم و فريدهم و نقطة دائرتهم و قطب كرتهم و قلب جثتهم فهم به احياء مستمدون و اليه واردون و عنه صادرون و له و اليه راجعون فرسولهم جهتهم الي ربهم و جهة اجمالهم و جامعهم و آية احدية الله سبحانه و هم باسرهم مظاهر تجلياته و تفاصيل شؤناته و محاله و مقاماته و علاماته و آياته فهو اجمالهم و هم تفصيله و كذلك الامام بعد النبي9 في كل عصر عصر و قرن قرن فانه نفس النبي9 من حيث الاقتران بالكثرات و هو مبدء التفصيل و آية واحدية الجليل فهو بمنزلة القلب الجسماني و النبي9 بمنزلة الروح الحالة فيه و هما معا كالعرش و الكرسي و هما اخوان بابان من ابواب الغيب الا ان العرش باب علم باطن و الكرسي باب علم ظاهر و ساير الرعية هم بمنزلة الاعضاء و الجوارح فهي بحكم القلب تتحرك و تسكن و القلب هو مقلب احوالها و مبدؤها و مآلها و الحاكم عليها.
فاذا عرفت هذه المقدمة علي جهة الاجمال فاعلم انه قدلزم العصمة في النبي و الامام لانهما كليان متحملان لحكم الكل و لولميكونا معصومين لفسد النظام و بطل القوام و فسدت بنية تلك الكرة كما ان القلب عضو واحد كلي انفسد فسد بكله و انصلح صلح بكله و ليس له بينهما واسطة فانفسد فسد البدن بكله و انصلح صلح البدن بكله و قام نوعه فالنبي و الامام انلميكونا معصومين فسدا بكلهما لانهما حينئذ ليسا بقابلين لتحمل الوحي و احكام الله سبحانه اذ ليس بين العصمة و عدمها واسطة كما قال الصادق7 ليس بين النفي و الاثبات منزلة فانكان النبي موصوفا بصفة الروح و الامام موصوفا بصفة القلب فهو روح و ذاك قلب و يتحملان عن الغيب ما يتحملان و انلميكن فيهما العصمة عن الكثرات و ساير الغرايب المنافية للقلب و الروح فليسا بقلب و روح و لايسعهما التحمل و اذ لميتحملا فسد العالم بكله وتلاشت الاعضاء و اضمحلت و اما الرعية
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 334 *»
فهم بكلهم تفصيل الحجة بوحدته و يحكونه بوحدته كلهم و لايجب انيكونوا معصومين فردا فردا فانه بفساد عضو لايلزم فساد البدن و تلاشيه فانقصر عضو عن اداء خدمته يقوم به عضو آخر بدلا عنه و كذلك الفقهاء رضوان الله عليهم هم بمنزلة الاعضاء فانقصر احدهم عن الحق يقوم به آخر البتة و انلميكن من يقوم مقامه حفظه الحجة7 البتة و الزمه الكون علي الحق البتة حتيلايزول الحق عن مستقره و لايكفي عمل الحجة وحده بالحق حينئذ فانه لابد في الرعية من واحد مأموم يقوم بالحق حتييصدق علي الحجة انه امام فان الامام و المأموم متضايفان و لئلا يكون الابلاغ عبثا و لئلا يقع حكم الله سبحانه متروكا و انما مثل الحق كمثل الكعبة و لابد و انيطوف حوله طائف و لو ترکوه باجمعهم لهلکوا عن آخرهم و الکعبة يطاف حولها و هي ليست بطائفة حول شيء نعم لابد و انيكون جميع المأمومين معا علي نهج الاستغراق معصومين عن الخطاء و السهو و النسيان لانهم بكلهم مظهر النبي و الولي و كلهم تفصيل المعصوم فلابد و انيكونوا بكلهم معصومين لافردا فردا علي معني انيكون واحد منهم اقلا علي الحق حتييقوم الساعة ولذا قال النبي9 لاتزال طائفة من امتي علي الحق حتييقوم الساعة وقال لاتجتمع امتي علي ضلالة يعني لابد و انيكون فيهم واحد يقوم بالحق و لو علي سبيل البدلية يعني ليس يجب انيكون واحد شخصي يقوم بجميع الحق في كل زمن بل يكفي انيقوم واحد بمسئلة و يقوم غيره بغيرها و هكذا فاذا كل الشيعة باجمعهم معصومون مطهرون عن الخطاء و الزلل و لايخرج الحق عنهم الي غيرهم ابدا و ذلك انهم باجمعهم ظهور المعصوم الذي هو ظهور الله الواحد الاحد الذي لااختلاف فيه و لاتعدد و لاكثرة و لايصده عن ظهوره علي حسب مراده صاد و لايمنعه عن خلقته علي حسب مشيته مانع و لايحول بينه و بين تجليه علي حسب محبته حائل فافهم فقداسقيتك ماء غدقا و لو قليلا من كثير.
بقي شيء و هو انه يكون بعض الانحرافات في بعض الاعضاء مادام عالم الخلط و اللطخ و لكن لايبلغ الانحراف بحيث يخرج الكل عن الاعتدال النوعي و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 335 *»
العصمة النوعية و اذا صفا العالم عن الاعراض و ظهر كل شيئ علي الوضع الالهي الاولي عادت الاعضاء الي الاعتدال الحقيقي الاولي و ظهر شخص الظهور في اكمل نور فافهم فاما غير من يقوم بالحق في كل عصر هل هو فاسد و في محل الاعتبار كاسد حاشا بل هم علي ما ذكرنا من الكون علي الحق الثانوي بالتسديد و التأييد اذا دخلوا البيت من بابه و طلبوا الحق من مآبه و لانمنع انيكون في الشيعة الظاهرة بعض الفسقة الذين لميدخلوا البيت من بابه و لميطلبوا الحق من مآبه و استبدوا برأيهم و بارزوا خالقهم و خالفوا مولاهم و اتبعوا هواهم فذلك لايلقي اليه ما به النجاة في يوم القيمة مع انا نقول كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون و قد قال الله سبحانه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم و انليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري فالفسقة و غيرهم من الكفرة الفجرة لايفهمون مسئلة و لايحكمون بحكم الا بتسديد خاص من حجة العصر7 الا ان التسديدات علي قسمين تسديد محبوب مرغوب و تسديد مبغوض فمن دخل البيت من بابه يسدد بتسديد محبوب فما القي اليه سبب نجاته يوم القيام و من اتاه من ظهره و اتبع هواه سدد نحو الذي طلب و هدي الي حيث استمد فالقي اليه ما به هلاكه و كل يعمل علي شاكلته و قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا فافهم راشدا و اكتمه الا عن اهله فلنقبض العنان فان للحيطان آذانا فاذا وجب عصمة النبي و الامام و جميع الشيعة معا دون فرد فرد من الشيعة فافهم راشدا موفقا.
و اما الثالث فذلك وجه اخفي و ادق و انما نذكره علي سبيل التلويح لا التصريح فافهم انكنت تفهم ان الله سبحانه هو المتعالي عن درك الحواس و المتقدس عن الاحساس ذات احدية صمدية ليس فيها مدخل و لامخرج فاول ما برز في ملكه محمد9 و عترته الطاهرون و قدجعلهم الله
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 336 *»
سبحانه سبب الاسباب و علة العلل اخترعهم الله لامن شيء و ابتدعهم لابشيء فهم المهيمنون علي جميع المزروءات و المسلطون علي جميع المبروءات و المنزهون عن جميع صفات الكائنات لانهم بكينونة الله كائنون و بوجوده موجودون لايشوبهم شائبة الكثرات و لايلحقهم الواث الاختلافات بل هم منزهون عن النعوت و الصفات فبرزوا معصومين عن جميع صفات الموجودات و نعوت الكائنات و اما من دونهم من المخلوقات فهم كلهم من اشعة تلك الذوات المقدسات منغمسون في بحار الكثرات و الانيات فجميعها مشوبة بالواث الماهيات دونهم صلوات الله عليهم فلميكن لشيء عصمة عن الحدود و الجهات فبذلك ظهروا علي حسب اختلاف مراتبهم مشوبين بالمخالفات لكينونة خالق البريات فلامعصوم حق العصمة حقيقة سويهم و لامحفوظ عن غير كينونة الله دونهم قال الله سبحانه يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي فالانبياء: و انكانوا معصومين لكنهم معصومون بالنسبة الي رعاياهم لا من هو فوقهم اما عدم عصمتهم الحقيقية بالنسبة الي ما فوقهم فلما ذكرنا و اما عصمتهم بالنسبة الي من هو دونهم فلانهم صلوات الله عليهم هم الواسطة بين آل محمد: و بين من دونهم فهم بمنزلة اليد و الآلة للعالي في ايجاد الداني فلذلك نقول ان المؤمنين من فاضل طينة الانبياء: فالمؤثر فوق الآثار و ميهمن عليها و متنزه عن حدودها و كثراتها و متقدس عن نعوتها و جهاتها فلذلك برزوا معصومين عن صفات المؤمنين و هذا الذي كان يقال حسنات الابرار سيئات المقربين فهم معصومون عن حسنات المؤمنين و عن سيئاتهم و اما الفقهاء و العلماء فليسوا بالنسبة الي الضعفاء معصومين فانهم في عرضهم و في رتبتهم و ليس بينهم نسبة الاثرية و المؤثرية حتييكونوا متنزهين عن حدودهم و جهاتهم و نعوتهم وصفاتهم غاية الامر انهم من اكمل المؤمنين و اشرف الرعية اجمعين و لذلك اشترطنا فيهم العدالة و الزهد و التقوي و مخالفة الهوي و متابعة المولي فهم بتأييد ساداتهم مؤيدون و بتسديدهم مسددون و اليهم باجمعهم ناظرون و منهم مستمدون و عنهم مترجمون و عن السنتهم معبرون و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 337 *»
بقي شيء نذكره لك علي سبيل الاجمال و الاختصار و هو ان العصمة علي زعم العوام انلايرتكب صاحبها كبيرة و لاصغيرة او و لايترك الاولي لاغير و ليس ذلك كذلك فان بعضا من الرعية يمكن انلايعصي سنين و شهورا كما انك حين كونك في المسجد قاعدا متهيأ للصلوة او في الصلوة لست بمرتكب كبيرة و لاصغيرة ولابمرتكب لخلاف الاولي اتراك في تلك الحال ساويت المعصوم في حاله تلك لو كان هو معك في المسجد حاشا الاثرانيساوي المؤثر في حال من الاحوال و انما حسنات الاثر سيئات المؤثر و هو معصوم عنها و اني يجامع غير المعصوم المعصوم في حال و لو كان العصمة محض ما كانوا يقولون لكان بعض الرعية في بعض الاحيان مساويا له و انما العصمة هي مقام المؤثر في اي رتبة و مقام فعلي هذا الانسان معصوم في عالم الجن و الجن معصوم في عالم الحيوان و الحيوان معصوم في عالم النبات و النبات معصوم في عالم الجماد انكان كل واحد منهم عاملا بحقيقة ما هو اهله و بحقيقة ما ينبغي في تلك الرتبة فقدتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ولو علي سبيل الاشارة و الاجمال الفرق بين المقامين و رفع الاشكال من البين انشاءالله تعالي.
قال سلمه الله الاختلاف في الاحكام الفقهية فيما بين المحقين من الفرقة لاختلاف الموضوعات و الاوضاع و الامكنة علي حسب المصالح الواقعية او الامور العارضة من ايقاع حجة الله7 لاشك فيه و لاريب يعتريه و اما في الامور الواقعية مثل ترجيح نوح7 علي ابرهيم7 كما ذهب اليه مولانا الشيخ اعلي الله مقامه و بالعكس كما ذهب اليه مولينا السيد انار الله برهانه فما السر و ما السبب في امثال هذه الاختلافات خصوصا ما بين هذين الجليلين الذين نقطع بحقية ما ذهب كل واحد منهما اليه و لم يجوز الاختلاف في امثال هذه الامور بينهما.
اقول لهذا السؤال جوابان احدهما جواب خصوص هذه المسئلة و ثانيهما جواب نوع السؤال
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 338 *»
اما الاول فاقول لمار في ما يحضرني من كتب السيد انار الله برهانه هذا الاختيار فانسمعته جنابك ممن لايوثق به فاياك انتصدقه عليهما و انسمعته ممن يوثق به فنقول يحتمل انه صدر ذلك القول عن السيد اعلي الله مقامه تقية من المشهور او كان ذلك عنه حكاية عن الغير و لم يفهم الراوي فنسبه اليه او سمعه يستدل علي القول المشهور فسمع استدلاله اعلي الله مقامه و زعم انه رأيه لان طريقهم انهم اذا ارادوا الاستدلال للغير يستدلون له بحيث لو حضر لاقرانه لميخطر بباله امثال تلك الاستدلالات بالجملة انكان القول من ثقة لابد من حمله علي احد المحامل الصحيحة لانه لميكن يخالف الشيخ اعلي الله مقامه في الامور الكلية الواقعية اما الشيخ اعلي الله مقامه فقد اختار ما ذكرت و ذلك انه كتب في رسالة كتبها في جواب مسائل الشيخ احمد بن الشيخ صالح القطيفي و هي الرسالة المشهورة بالقطيفية حيث سأل رحمه الله و ما الدليل علي ان نوحا7 افضل اولي العزم الاربعة ثم ابرهيم7 الخ قال اعلي الله مقامه في جوابه اعلم ان المشهور عندنا ان ابرهيم افضل الاربعة و ظواهر الاخبار اكثرها دال علي ذلك ثم نوح ثم موسي ثم عيسي: و قال بعض اصحابنا بافضلية نوح7 ثم ابرهيم ثم موسي ثم عيسي: و هذا الذي يقوي في نظري و الدليل علي ذلك من امور الاول انه قدمه الله ثم اخذ في الاستدلال علي ذلك باربعة وجوه و هذا نص الشيخ علي افضلية نوح و قد اعترف به السيد اعلي الله مقامه في رسالة كتبها بامر الشيخ اعلي الله مقامه في تلو السؤال عن آباء النبي من غير ذكر خلاف منه فكيف نصدق الرواية الغير الموثوق بها عليه و علي فرض صحة الرواية لابد و ان يحمل علي بعض المحامل الصحيحة و ان كنت رأيت ذلك في كتاب يمكن حمله علي التقية من المشهور او اختلاف حيوث الفضل كأنيكون نوح افضل ذاتا و ابرهيم افضل من حيث الشرع الذي جاء به او انه كان في اوايل امره يذهب مذهب المشهور فان الشيعي ليس بمنزلة الامام يتولد بكمال العلم من بطن امه و انما علم الشيعي تدريجي يزيد و ينقص و انكان بعد ما بلغ اشده و استوي لميتطرق في كلماته الخطاء.
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 339 *»
و اما الثاني و هو ان المقامات تترقي و الاحلام تتزايد في القدسي كلما وضعت لهم علما رفعت لهم حلما ليس لمحبتي غاية و لانهاية يمكن انيترقي الانسان درجة بعد درجة و يري ما كان يراه في الاول سخيفا او دنيا فلعله يقول بقول بحسب رتبته و مقامه في درجة ثم اذا ترقي عنه عدل عن ذلك القول الي الطف منه من نوعه و يسمع منه الاول و لايسمع منه الآخر ثم الذي يليه يسمع منه القول الآخر فيحسب الجاهل اختلاف قولهما او يقول السابق بقول بحسب مصلحة زمانه و اهله ثم تتغير المصلحة فيقول اللاحق بالحق او بالعكس فيحسب من لاخبرة له انه الاختلاف او يقول كل واحد منهما بقول الآخر و انما ذكروا المسئلة بلغتين او اصطلاحين او لشخصين فيحسب من لادرية له انه الاختلاف و اذا كان ذلك تريهم لميقولوا الا بمسئلة واحدة وقول واحد وانما لهم معان و تصاريف في كلامهم تبعا لساداتهم: فقد قيل لابيجعفر7 ان سالم بن ابيحفصة يروي عنك انك تكلم علي سبعين وجها لك منها المخرج فقال ما يريد سالم مني ايريد اناجيء بالملئكة فوالله ما جاء بهم النبيون و لقدقال ابرهيم اني سقيم و الله ما كان سقيما و ما كذب و لقدقال ابرهيم بل فعله كبيرهم و ما فعله كبيرهم و ما كذب و لقدقال ايتها العير انکم لسارقون و الله ما كانوا سرقوا و ما كذب الحاصل كل هذه الوجوه ممكن و لايمكن الاختلاف في الامور الواقعية ابدا الا انيكون امر منشاؤه الاخبار المحضة و لابد من استنباط من الاخبار او من آيات الكتاب فحينئذ يمكن انيقول بقول بحسب ما فهمه من الاخبار ثم يعدل عنه اذا بدا له غيره او يقول غيره بغير قوله لما بدا له و ذلك امر واقع ممكن و قد شاهدناه منهم و ليس به بأس و ذلك في الخصوصيات الجزئية الواقعية التي ليس من شأن العقل دركها و لابد فيها من النقل حينئذ يمكن الاختلاف كأنيختلفوا في عمر فلان النبي او فلان الرجل في فلان الزمان او سيرته او سيماه او صورته او ساير خصوصيات جزئية لابد فيها من النقل فهذا القسم من الاختلاف يقع كثيرا فتدبر.
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 340 *»
قال ان بعض الناس يأتي فقيها و يقول ان صالحت فلانا في فلان فهو من باب التوطئة ثم يذهب الي غيره فيصالح الرجل ثم يظهر التوطية بعد مدة فهل اذا ثبت توطيته تبطل المصالحة ام لا.
اقول اعاذنا الله من مكر الناس في معاملاتهم و اياكم انه اذا اثبت اني قد ذهبت عند فلان و اشهدته علي توطيتي ثم صالحت بعد ذلك فذلك غير ضاير فان وقوع المصالحة معلوم و اشهاده الناس قبلها اني افعل ذلك توطية غير مناف مع وقوع المصالحة حقيقة فانه يمكن انيشهد الناس حينا علي المكر ثم اوقع المصالحة علي الحقيقة و ندم علي غشه مع المسلمين فان المكر و الخديعة من النار و الي النار و ان اثبت ان وقوع المصالحة كان خوفا علي عرضه او كرها او غير ذلك مما ينافي التراضي فذلك مبطل له فمحض اشهاد الناس علي ذلك لايدل علي ذلك بوجه و لو اخذنا بذلك لميقم للاسلام عمود و لميخضر له عود و احكام الشرع جارية علي الظاهر و قدثبت الصلح فلامعدل عنه حتييظهر وقوعها عن غير تراض و محض قوله قبل المصالحة اني غير راض و ايقاع المصالحة في صورة التراضي بعد حين غير منافيين و هذا آخر مسائله ايده الله بصنوف تأييداته وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الاوراق في عصر الثاني عشر من شهر عربی جمادي الاول من شهور سنة الف و مأتين و ثلثة و ستين حامدا مصليا مستغفرا.تمت