30-07 مکارم الابرار المجلد الثلاثون ـ رسالة في جواب سؤالات السيد حسن الاصفهاني ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب سؤالات السيد حسن الاصفهاني

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 261 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم ابد الآبدين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قدسألني المولي الجليل و السيد النبيل صاحب الاخلاق الحسنة و الصفات الكريمة الجناب الاكرم الافخم المؤتمن مولاي و سيدي جناب السيد حسن بن المرحوم المبرور السيد ابي الحسن الاصفهاني وفقه الله بتمام توفيقاته و ايده بمجامع تأييداته لما وفد الي مخلصه الداعي من اصفهان عن مسائل شريفة و مطالب مشكلة ظناً منه وفقه الله اني اهل للسؤال و الجواب و قابل ان‌افتح الغلق من كل باب و اني و ان لم‌اكن اهلاً لذلك ارجو الله سبحانه ان‌يلهمني في جوابه الصواب لما روي عن الصادقين: انه ما من عبد حبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل عن مسئلة الا و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسئلة و لانه وفقه الله احسن الظن بي و ارجو الله سبحانه ان‌لايخيبه عني فانه روي ما معناه احسن الظن و لو بحجر يلقي الله مطلوبك به فاجعل فقرات سؤاله كالمتن و جوابي له كالشرح كما هو عادتي و عادة اسلافي جزاهم الله عن الاسلام و المسلمين خير عربی جزاء المحسنين و اقتصر علي ما هو الميسور لانه ايده الله في غاية الاستعجال و انا مزدحم علي الاشغال و لايمكنني بين هذين الا الاقتصار علي الاشارة و تهذيب العبارة هذا و الحمد لله رب العالمين يكفيني فهمه الوقاد عن تطويل العبارة و تفصيل المقال و هذا ابان الشروع في بيان سؤالاته و الجواب عنها و لاحول و لاقوة الا بالله.

قال بعد الحمد و الصلوة ثم المسؤل من جنابك الاعلي روحي لك الفداء ان‌تمن علي عبدك و ابن عبيدك و امائك ببيان سر الجهر و الاخفات في المفروضة من الصلوات و الجهر في الظهر من الجمعات.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 262 *»

اقول قدذكر ما ذكر خفضاً للجناح و الا فانا خادم له و لأمثاله كثر الله امثاله ما انا و ما خطري حتي‌اخاطب بامثال هذا الخطاب و اني يلقب بالقاب الماء السراب.

اعلم وفقك الله و سددك ان الله سبحانه غني عن خلقه لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه و انما امر و نهي ليدل عباده علي مصالح معاشهم و معادهم فعلل اوامره و نواهيه من الخلق و الي الخلق و لما كان لكل شيء جهتان جهة الي نفسه و جهة الي غيره و لاثالثة كان مصالح الشيء و مضاره من هاتين الجهتين و متعلقات الاوامر و النواهي ما يرجع الي هاتين الجهتين فمن الاشياء ما ينفع الشيء و يضره من حيث نفسه فعلة ذلك الشيء راجعة الي نفسه و من الاشياء ما ينفع الشيء و يضره من حيث الاقتران بالغير فعلة ذلك الشيء راجعة الي حيث اقترانه لانفسه فرب شيء ضار في نفسه نافع من حيث الاقتران كالكذب في المصالح مثلاً و رب شيء نافع في نفسه ضار من حيث الاقتران كالصدق في المفاسد و رب شيء نافع في نفسه و من حيث الاقتران معاً او ضار في نفسه و من حيث الاقتران و لما كان الرسول مهيمن الله علي الخلايق و امينه علي الحقايق ناظراً في المشرقين و المغربين واقفاً علي الطتنجين مطلعاً علي جميع العوالم مشرفاً علي بحر الاكوان المتلاطم شاهداً علي جميع الذوات عالماً بكل الصفات لايعزب عن علمه شيء في الارض و لا في السموات لانه امين خالق البريات و عيبة علم موجد المذرؤات الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير علم صلي الله عليه و آله جميع الذوات و الصفات و الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان و الوضع والاقتران و اللم و المصالح و المفاسد و ما به النظام و ما يأود القيام فامر و نهي مناً منه و جوداً غير سائل لأجر ولاطالب لذخر الا ابتغاء وجه الله و احتساب مرضات الله و لايحيط بجميع علل اوامره و اسرار نواهيه الا من كان محيطاً بمنزلته و ليس ذلك الا نفسه النفيسة و روحه التي بين جنبيه و من كان من نوره و روحه و طينته صلي الله عليهم اجمعين نعم لعلماء شيعتهم ادراك بعض تلك الوجوه بقدر استعدادهم اذ لايعلمون شيئاً الا ما علموهم صلوات الله عليهم فانا اذكر من تلك الوجوه بقدر ما يقتضيه الحال و يناسب الاستعجال ولا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 263 *»

حول و لاقوة الا بالله العلي العظيم.

منها ما رواه العاملي عن ابن بابويه باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا7 في حديث انه ذكر العلة التي من اجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض ان الصلوات التي يجهر فيها انما هي في اوقات مظلمة فوجب ان‌يجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة فان اراد ان‌يصلي صلي لأنه ان لم‌ير عربی جماعة علم ذلك من جهة السماع و الصلوتان اللتان لايجهر فيهما انما هما بالنهار في اوقات مضيئة فهي من جهة الرؤية لايحتاج فيها الي السماع الخبر. وهذا الخبر ظاهره علي ما تري ولكن احاديثهم صعبة مستصعبة يحتاج الي شرح و بيان.

اعلم ان هذه العلة من العلل الاقترانية لا النفسية و ذلك انه لما كان الامر في صدر الاسلام في غاية الضيق و الشدة و كانوا فقراء مساكين كما هو معروف قلما كانوا يسرجون سراجاً لاسيما في المساجد فسنوا في بدو الاسلام الجهر بالصلوة الواقعة في الظلمة لكي‌يطلع عليهم المار دون الصلوة الواقعة في الضوء فجرت تلك السنة علي جميع الانام الي يوم القيمة لان الاعمال اجساد جواذب للارواح فمنها جاذبة لروح الايمان و الروح الطيبة و روح الرضا من الله سبحانه و روح النعيم المقيم و منها جاذبة لروح الكفر و الروح الخبيثة وروح السخط من الله سبحانه و روح العذاب الدائم و لما كان ما فعله رسول الله9 و احباؤالله من الاجساد الطيبة الجاذبة لروح الرضوان من الله سبحانه كان التأسي به صلي الله عليه و بهم و آله ايضاً جاذباً لتلك الروح من جهتين من جهة نفس الفعل و من جهة التأسي فسن في كل الامة ذلك و ان صلوا في الضوء و ذلك انه قدثبت عندنا و عند العارفين ان الهيئات الظاهرة مقناطيس الارواح الباطنة فمن تهيأ بهيئة الصالحين ينزل عليه روحهم البتة الا ان من تهيأ بهيئتهم ظاهراً جري عليه ظاهر روحهم ظاهراً و من تهيأ بهيئتهم باطناً جري عليه باطن روحهم باطناً حتي انه روي انه كان في قوم لوط رجل كان شبيهاً بلوط7 في لباسه الظاهر و لما نزل علي قومه العذاب عمهم دون ذلك الرجل فنجي ظاهراً من العذاب بسبب ظاهر

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 264 *»

تأسيه و ان‌لم‌يكن بنفسه قابلاً للنجاة و لذلك قال الله سبحانه ان لكم في رسول الله اسوة حسنة و قال قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً وقال ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و قال اولئك الذين هدي الله فبهديهم اقتده فعن الصادق7 لاطريق للاكياس من المؤمنين اسلم من الاقتداء لانه المنهج و المقصد الاصح قال الله عزوجل لأعز خلقه محمد9 اولئك الذين هدي الله الآية فلو كان لدين الله مسلك اقوم من الاقتداء لندب اولياءه و انبياءه اليه الخبر. فلأجل ذلك سن الاقتداء بهم لجميع الامة في هذا الامر و غيره و ندبوا الي الجهر و الاخفات في الصلوات مثلهم و تلك علة مستقلة في الجهر و الاخفات تدعو اليهما فافهم و اما يوم الجمعة فله وجه آخر يأتي بيانه و منها ما رواه من العلل باسناده عن محمد بن عمران انه سأل ابا عبد الله7 فقال لأي علة يجهر في صلوة الجمعة و صلوة المغرب و صلوة العشاء الآخرة و صلوة الغداة و ساير الصلوات الظهر و العصر لايجهر فيهما الي ان قال لأن النبي9 لما اسري به الي السماء كان اول صلوة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة فاضاف الله عزوجل اليه المئكة تصلي خلفه و امر نبيه7 ان‌يجهر بالقراءة ليتبين لهم فضله ثم فرض عليه العصر و لم‌يضف اليه احداً من الملئكة و امره ان‌يخفي القراءة لانه لم‌يكن وراءه احد ثم فرض عليه المغرب و اضاف اليه الملئكة فامره بالاجهار و كذلك العشاء الآخرة فلما كان قرب الفجر نزل ففرض الله عليه الفجر فامره بالاجهار ليبين للناس فضله كما بين للملئكة فلهذه العلة يجهر فيها الحديث. و هذا الخبر ايضاً من اخبارهم الصعبة المستصعبة التي لايحتملها الا الخصيصون من شيعتهم و لايسلم له الا الراسخون و لما لم‌يكن كشف معضلاته من محل السؤال لانتعرض لها الا ما ينكشف منها في خلال البيان من موضع الحاجة و بعض مواضع اشكال الخبر صلوة الظهر و العصر في ليلة المعراج و اضافة الملئكة في بعض دون بعض مع ما روي ان من صلي باذان و اقامة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 265 *»

 صلي خلفه صفان من الملئكة و من صلي باقامة بغير اذان صلي خلفه صف واحد وحد الصف ما بين المشرق و المغرب انتهي. و منها الجهر ليتبين لهم فضله ومنها اصل الصلوة في المعراج و غير ذلك فاعلم كلية ان الملئكة تجتمع بالليل ما لاتجتمع بالنهار فان الليل مقام غيبوبة انوار شمس ظهور الله سبحانه و مقام ظهور الصفات بغيبوبة الذات و مقام ظهور العبودية و غلبة جهاتها بخفاء جهة الربوبية و مقام الملئكة مقام اطراف العبودية و جهاتها الاستمدادية فان الملئكة جهة مملوكية العباد لله سبحانه و هي تغلب بالليل الذي فيه جهة خفاء نور الربوبية اذ بظهور نور الربوبية تخفي جهة العبودية و تتلاشي و تضمحل فلاجل ذلك صار نزول الملئكة و الروح في الليل ليلة القدر فاذا جن الليل و غابت الانوار تتقوي بنية الملئكة للعبادة و تشتد قويهم و يمكنهم الانتشار في فضاء الارض و السماء بخلاف النهار فلاجل ذلك يظهر اضافة الملئكة بالمصلي في الليل ما لايظهر بالنهار و مثلهم كالنجوم التي تخفي بالنهار و تظهر بالليل و انما يعدم ظهورهم بالنهار لا وجودهم و يظهرون بالليل لايوجدون فلما صلي رسول الله9 بالليل اضيف اليه الملئكة اضافة ظهور و ما صلي بالنهار لم‌يضف اليه اضافة ظهور لاوجود فامر بالاجهار ليتبين لهم فضله انه لسان الله الناطق بكتابه و كلامه و امينه الذي نزل اليه وحيه و مجلي علم الله سبحانه انه لايعزب عنه شيء فان في الكتاب تفصيل كل شيء و انزل بعلم الله سبحانه و انه مظهر انوار الله و محط اوامر الله سبحانه و نواهيه و امثال ذلك مما يسعني كتمانه و لايسعني بيانه باوضح من ذلك و من فضله الذي ينبغي ان‌يظهر بالليل الذي يظهر فيه الملئكة ظهور كلماته التي يقرؤها فهي فضله اذا بدت يحير في نورها الملئكة لشدة لمعان نورها و بريق ضوءها و هي كانت محجوبة عند سطوع انوار الله سبحانه اذ خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الا همساً و لي ان‌اقول ان الملئكة التي اضيفت اليه هي كلماته النيرة المشرقة لانها في الملكوت علي هيئة الملئكة و لما كان صوته خاشعاً عند سطوع انوار الله لم‌تتبين الملئكة و لم‌تضف اليه و لكنها دقيقة لم‌يفهمها الا الخواص و لي ان‌اقول ان الملئكة اي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 266 *»

مماليك الله سبحانه كائنة ما كانت تضاف اليه9 في الليل ليل بروز الانية و ظهورها و ينفي عنه9 عند سطوع انوار الله سبحانه قال الله سبحانه و ما رميت اذ رميت و لكن الله رمي و قال لم‌تقتلوهم و لكن الله قتلهم فالملئكة تضاف اليه بالليل دون النهار و بالنهار تضاف الي الله سبحانه فقرأ بالليل ليل الماهية جهراً و حكي انوار الربوبية لصفاء طويته و لطافة سجيته الغير الحاجبة بالكلية قال ما معناه و كان بيني و بين نور العظمة حجاب زبرجدة خضراء كان يتلألأ بخفق ما ادري ما اقول و ما عسي ان‌اقول:

و في الصدر لبانات اذا ضاق بها صدري   نكتت الارض من كفي و ابديت لها سري

و لولا خوف ان‌يقال انه جن فلان او يهجر لذكرت لك شطراً من ذلك بالجملة اضيفت الملئكة اليه9 بالليل دون النهار فامر بالاجهار ليتبين لهم فضله و اما بالنهار فلما لم يضف اليه احد لم‌يؤمر بالاجهار و اني له بالاجهار و اما صلوة الجمعة فلأنه يوم اجتماع الناس من المؤمنين و المنافقين ناسب الجهر ليسمع المؤمنون اوامر سورة الجمعة و المنافقون نواهي سورة المنافقين و كذلك هو يوم اجتماع مراتب الشيء و تمامه و يوم الكثرة و الازدحام و التراكم الموجبة لسواد و ظلمة في الجملة فاشتبه بالليل و اضيف اليه الملئكة فامر بالاجهار دون ساير الايام و اما يوم السبت فهو يوم الكمال و ظهور نور الله المتعال و خفاء الملئكة لغلبة النور فلاجل ذلك تجتمع الملئكة في يوم الجمعة ما لاتجتمع في غيره و اما في عصره فيميل الي الكمال و يلحق بليلة السبت و يضاف الي الله سبحانه فافهم ما اقول فانها رطانة لم‌تسمع بمثلها و لاحول و لاقوة الا بالله.

و اما ساير الناس فلانه يجري فيهم ايضاً ما ذكرنا من جهة انهم آثاره و الاثر تابع لصفة مؤثره و من جهة الاسوة و من جهة كون الاثر تابعاً لصفة مؤثره امروا بالاسوة و الاتباع حتي‌يتحقق فيهم معني الاثرية اللهم الا في الصفات المخصوصة بالمؤثر فانه ليس لاحد اتباعه فيها و هي مخصوصة به صلوات الله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 267 *»

عليه و آله فافهم.

و منها ما رواه من المجالس باسناده قال جاء نفر من اليهود الي رسول الله9 فسألوه عن مسائل الي ان قال و سألوه عن سبع خصال منها الاجهار في ثلث صلوات فقال اما الاجهار فانه يتباعد منه لهب النار مقدار ما يبلغ صوته و يجوز علي الصراط و يعطي السرور حتي‌يدخل الجنة الخبر.

اعلم ان استيلاء انوار الله سبحانه بالنهار و ظهور انواره يمنع عن تقرب النار اذا كان الانسان في نور المعرفة فان طبع النار علي خلاف النور و النار و ان كانت ناراً الا انها مظلمة غاسقة كما قال الله سبحانه الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الذين كفروا و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون فاذا تقرب النار في الليل المجانس لها ما لاتقرب بالنهار فاذا جهر الانسان بالقراءة و بكلامه سبحانه الذي تجلي فيه و هو نوره الذي انزله علي خلقه تباعد عنه النار مقدار ما يبلغ صوته و لذلك امر الناس بقيام الليل و التفرغ الي العبادة اكثر من النهار و ذلك ليتباعد عنهم النار بالليل و لاجل ان الشياطين تكثر في ظلمة الليل و تقل بالنهار و يخاف علي الانسان بالليل ما لايخاف عليه في النهار فامر بجهر القراءة المطردة بنوره جنود الشياطين حتي‌يقوم مقام ظهور انوار الله بالنهار الاتري انه امر الناس بالصلوة عند الكسوف و الخسوف اللذين تخفي بهما انوار الله سبحانه حتي‌يجبر نور الصلوة كسراً(ظ) من اخفاء نور الله سبحانه و استحب الجهر بقراءتها فافهم راشداً موفقاً.

و اما يوم الجمعة فلما ذكرنا من سر الاجتماع المستلزم للتراكم و الظلمة المناسبة للشياطين و الملئكة فيجهر بالقراءة لطردها و تباعد النار و لذلك ندب الي العبادة في يوم الجمعة اكثر من ساير الايام و هو يوم رحمة علي الابرار و حسرة علي الفجار فافهم.

و منها ان الجهر بالقول يبرد الباطن لخروج الحرارة و ضعفها و الاخفات و الصمت يقويها كما تشتد الحرارة عند غلبة السكوت و دوام الفكر و في النهار تتسخن الظواهر بانتشار حرارة الشمس في الفضاء و تتبرد البواطن كما تري من برد الاكنان بالنهار و برد الآبار و اجواف الارض مع سخونة ظواهرها و بالليل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 268 *»

تغلب حرارة الباطن لأحتقان الحرارة و تبرد الظواهر بانتشار برد الليل و لذلك تري الاكنان تتسخن بالليل و كذا الآبار و الاجواف فبالنهار امروا بالاخفات لتشتد حرارة الاجواف و باطن القلب و تجبر كسر ما يبرد منها و تعتدل و بالليل امروا بالجهر ليبرد البواطن و يجبر كسر ما تسخن الاجواف و باطن القلب ليرجع الي الاعتدال دائماً و لو عكس الامر او تساويا خرج القلب عن الاعتدال و انما الله سبحانه يأمر بالعدل لانه اقرب الي التقوي و يكون الانسان به اقرب الي الله سبحانه و لاجل ذلك لم‌يجعل جهر علي النساء فان بواطنهن باردة يحتجن الي الحرارة اكثر من الرجال و اما يوم الجمعة فلسر عرضي خارجي لانه يوم ازدحام المؤمنين و المنافقين فاريد تحريض المؤمنين علي ايمانهم و ردع المنافقين عن نفاقهم و لذا امروا بقراءة الجمعة التي هي للمؤمنين و المنافقين التي هي للمنافقين فافهم.

و منها انه بالنهار تقوم الانوار باظهار قدرة الله سبحانه و مشاهدة آيات العظمة و الجلال و الكبرياء في الآفاق و الانفس فلايحتاج الي نور القراءة فيخفت فيه بالقراءة و اما بالليل فلخفاء انوار العظمة و الجلال و الكبرياء و خفاء آيات الآفاق و الانفس امروا باظهار القراءة لينبث نورها في مشاعر الانسان و يتنبه علي الآيات التي خفيت علي الانسان بسبب ظلمة الليل فيجبر كسره و يقوم مقامه و اما يوم الجمعة فلاحتياج الجمع الي نور اكثر و تنبيه اجلي و تصريح اقوي اذ فيهم القوي و الضعيف و الوضيع و الشريف و النبيه و الغافل و الجاهل و العاقل فامروا بالاجهار لان‌يتنبه بالتصريح و التلاوة من لايتنبه بظهور آيات الآفاق و من لايقدر علي قراءتها و لانه يوم ندب الي التذكر و الاعتبار فيه اكثر من ساير الايام فامروا بالجهر و ان كانوا في غير عربی جماعة و يكفي ما ذكرنا للمعتبر و اعتبر من قول جماعة يقولون ان علل الشرع ليست علة علي الحقيقة و انما هي معرفات لتسكين القلوب و علل ظاهرة هيهات هيهات بل كذبوا بمالم‌يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله.

قال سلمه الله و جواز مس الجنب درهماً فيه اسم الله و رسوله9

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 269 *»

و عدم جواز مس كتابة المصحف.

اقول انما يستدل علي الاحكام الاجماعية لانها موافقة للواقع و لا استدلال علي الاحكام الخلافية مع اختلافهم فيها فكراهة مس الدراهم التي عليها اسم الله سبحانه ان كان المراد مس نفس الاسم المكتوب فكراهة ذلك محل خلاف و المشهور حرمته بل المنقول ما يؤذن باجماعهم كما قال في الحدايق و المعروف من كلام الاصحاب من غير خلاف هو التحريم انتهي. و من قال بكراهة مس الدرهم و مس موضع الاسم فقدجمع بين ظواهر الاخبار ففي الحقيقة لافرق بين مس اسم الله علي الدرهم و بين مس الكتاب و حكمهما سواء و هما من شعائر الله و من يعظم شعائر الله فانها من تقوي القلوب و سر المنع ان اسم الله سبحانه و كتابه بل و اسم نبيه9 و اسم الائمة: و اسماء انبيائه: كلها طهر طاهر مطهر و نور الله و صفة الله و ينبغي الفرق بينها و بين ساير الكلمات و الاسماء و عدم مسها الا بطهر فعن عمار عن الصادق7 قال لايمس الجنب درهماً و لاديناراً عليه اسم الله تعالي و هو مؤيد بقوله سبحانه و من يعظم شعائر الله و ظاهر الاجماع و اما ما روي عن ابي الربيع عن الصادق7 في الجنب يمس الدرهم و فيه اسم الله و اسم الرسول9 قال لابأس به فمحمول علي مس غير موضع الاسم فيكره ذلك باطلاق الخبر مخافة ان‌يمس الاسم احياناً بالجملة لااجد فرقاً بينهما حتي‌اذكر سره.

قال سلمه الله و سر افضلية الغسل علي وجه الترتيب من الارتماس.

اقول اعلم انا لم‌نجد نصاً يدل علي افضلية الترتيبي علي الارتماسي و انما ذكرها بعض اصحابنا و لكن يمكن القول لنا بذلك من وجوه احدها من روايات وردت ان من ارتمس في الماء ارتماسة واحدة اجزأه ذلك عن غسله فان قوله7 مشعر بأن الغسل المعهود شيء آخر و انما ذلك يجزي عنه و سبك الخبر يدل علي افضلية الغسل الترتيبي و ان الارتماسي بدل مجزي عنه و لعل ذلك ما استنبط منه الاصحاب افضليته و الثاني ان ما ورد في تعليماتهم و افعالهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 270 *»

هو الترتيبي لا الارتماسي و سر التأسي يوجب الافضلية كما مر و الثالث ان في الترتيبي الجري علي النظم الطبيعي و السر الالهي و تقديم الاشرف علي الاخس فيبدؤ فيه بالرأس الذي هو اشرف الاعضاء و اعليها و محل الارواح الانسانية و افلاك عالم الانسان ثم يبدؤ باليمين الذي هو اشرف من اليسار و فيه سر الولاية و جهة الرب و شدة القوة و القدرة و النور و الكمال ثم يختم باليسار الذي هو اخس فما يراعي فيها الترتيب و الجري علي النظم الطبيعي يكون اشرف و انما الارتماسي حكم تسهيلي علي الانام فضلاً من الله العلام و انما يستنبط ذلك من كليات الاخبار و الرابع انا قدحققنا في ساير رسائلنا و مباحثاتنا العامة و الخاصة ان كل خير و نور و طهر و كمال في الاتصال بالمبدء و كل شر و ظلمة و نجاسة و نقص من البعد عن الله سبحانه و الرابطة بين العالي و الداني هي الروح فانها من حيث اعليها متصلة بامر الله سبحانه و من حيث اسفلها متصلة بالشيء فمتي ما كانت الروح متصلة بالشيء هو متصل بالله سبحانه و فيه الخير و النور و الطهر فاذا انقطعت عن الشيء انقطع عن المبدء و حصل فيه الشر و الظلمة و النجاسة فلاطهارة الا بالاتصال و لا انقطاع الا بالانفصال سواء كانا شرعيين او كونيين ثم ان الله سبحانه جعل للروح مجلي في هذه الدنيا و هو الماء الذي منه حيوة كل شيء و لذا قال و من الماء كل شيء حي و روي ان الماء طعمه طعم الحيوة فاذا اصاب الانسان نوع انقطاع عن المبدء بسبب نقص الروح و ضعفها او سلب تعلقها وجب لها استعمال الماء لتقويتها بمجانسها و قدفصلنا ذلك في الرسالة المحمودية و لعلها عندكم موجودة فلانطيل الكلام بذكره و قدحققنا انه كلما كان الروح به اشد تعلقاً كان اكثر اتصالاً و كلما كان اكثر اتصالاً كان تأثير الانقطاع فيه اكثر و كلما كان تأثير الانقطاع فيه اكثر كان احوج الي الماء و البدؤ به اولي فكان البدؤ في الغسل بالرأس اولي ثم بالجانب اليمين ثم بالجانب اليسار و قدفصلنا في تلك الرسالة كيفية حصول الانقطاع بالاحداث و سبب نجاسة الاخباث فراجع فلما كان كذلك كان الارتماسي جارياً علي خلاف الاعتدال و انما هو حكم تسهيلي لليسر و محض الاجزاء و اما الاكمل فهو الجري علي حكمة التقدير و سر التدبير

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 271 *»

كما قال7 ابدء بما بدء الله.

قال و كيفية القسم بين الزوجات.

اقول اعلم ان الله سبحانه خلق جميع ما خلق من جهتين جهة من ربه و جهة من نفسه فلاشيء الا و هو مركب من هاتين الجهتين و هما المشار اليهما في قوله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين و المشار اليهما بقول الرضا7 ان الله سبحانه لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته للذي اراد من الدلالة عليه الخبر. فجميع ما سوي الاحد سبحانه مركب من هاتين الجهتين و جهة الرب هي جهة الفاعلية و الولاية و الامداد و الافاضة والقدرة و القوة و جهة النفس هي جهة المفعولية و المتولي عليها و الاستمداد و الاستفاضة و العجز و الضعف و هاتان الجهتان تختلف في الاشياء فمنها ما تغلب عليه بحسب رتبته جهة الرب و منها ما تغلب عليه جهة النفس فما غلب عليه في رتبته جهة الرب صار مذكراً و ما غلب عليه في رتبته جهة النفس صار مؤنثاً في تلك الرتبة و يبين ذلك باطن قوله9 حين سئل كيف تؤنث المرأة و كيف يذكر الرجل قال يلتقي الماءان فاذا علا ماء المرأة ماء الرجل انثت و ان علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت انتهي. و المراد الماء العذب الفرات الذي هو جهة الرب و الماء الملح الاجاج الذي هو جهة النفس فاذا علا و غلب الماء الاجاج انثت المرأة و اذا علا و غلب الماء العذب ذكر المرء فاذا انثت يظهر فيها صفات النفس من الانفعال و المفعولية و اذا ذكر ظهر فيه صفات الرب من الفعالية و الولاية و الغلبة و لاشك ان ما لم‌يكن للرجل رعية يرعاها و مستمد يمده و مستفيض يفيض عليه لم‌يظهر منه آثار الفعالية و الربوبية و الرعاية و الامداد و الافاضة فوجود الرعية كمال الراعي و مظهر كماله و مبين استيلائه فمالم‌يتزوج المرء لم‌يكمل و لم‌يظهر فيه و منه آثار الربوبية ثم ان النفس لما كانت كرسي ظهور انوار عربی جهة الرب و عرش استيلائه و ملك رعايته و كانت محل الكثرة و الاختلاف و كانت جهاتها اربعة كما قسم الله سبحانه عرش استيلائه اليها فقال الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم و ركب عرشه من اربعة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 272 *»

انوار نور ابيض منه ابيض البياض و نور اصفر منه اصفرت الصفرة و نور اخضر منه اخضرت الخضرة و نور احمر منه احمرت الحمرة صار اعتدال الزوجات اربعة مطابقة لجهات نفس الرجل و سر الاربعة مما يطول بذكره البيان و قدحققناه في كثير من رسائلنا و اجوبتنا للمسائل و مباحثاتنا و الاشارة اليه علي نهج الاجمال ان جهة النفس كما ذكرنا جهة المفعولية و المفعول هو اثر الفاعل اي اثر فعل الفاعل و هو بمنزلة الضرب الحادث بقولك ضرب فالضرب هو اثر ضرب و مفعوله المصنوع به فالاثر له جهتان جهة صدور من الفعل و هي جهة حكايته له و كونه تاكيداً له كما تقول في قولك ضرب ضرباً ان ضرباً تأكيد ضرب و هو في قوة قولك ضرب ضرب فالضرب من حيث الاعلي تأكيد ضرب و شبيه به في الصورة و الاثر و لذا يتخذ المصدر لنفسه فاعلاً و مفعولاً كالفعل و له ايضاً جهة من نفسه و غاية بعده عن الفعل و هو جهة مفعوليته الاتري ان المصدر قديجيء بمعني المفعول فهاتان الجهتان متحققتان في المفعول البتة كما شاهدت ثم بين هاتين الجهتين جهتان جهة ارتباط الاعلي بالاسفل و جهة ارتباط الاسفل بالاعلي فانه لابد لكل منهما الميل الي صاحبه فمن جهة ميل الاعلي الي الاسفل يحصل المصدر فانه اول ما يشتق من الفعل و يتحصل منه و يقتطع منه و من جهة ميل الاسفل الي الاعلي يحصل الاسم الفاعل فانه مشتق من المصدر و دونه في الرتبة فلاجل ذلك صار صيغة الضرب تأتي بهذه المعاني الاربعة فهو من حيث اعلاه بمعني ضرب و تاكيد للفعل و دونه برتبة يكون بمعني المصدر و الحدث الصادر و دونه برتبة يكون بمعني اسم الفاعل و دونه برتبة يكون بمعني الاسم المفعول فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و دخل مدينتنا و علم رطانتنا ان الاثر له اربع جهات و هي جهات عرش استيلاء جهة الرب في الشيء و ان من اثر الا و فيه هذه الجهات و لاتحصل لشيء الا بها و من فوق هذه الاربعة رحمانية جهة الرب المستوي بها علي عرشه فاذا كان للنفس هذه الجهات الاربعة و صار اعتدالها و كمالها و تمامها و قيامها بهذه الاربعة و كانت المرأة مظهر شؤن النفس و جهاتها و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 273 *»

تغلب فيها صفاتها صار عددها للرجل الواحد اربعة حتي‌يطابق الظاهر الباطن فان الرجل مقام الرحمانية و الربوبية بالنسبة اليها و المرأة مقام عرش استوائه و كرسي اقتداره فلزم ان‌تكون عدد الزوجات اربعة و لايمكن الاعتدال في غيرها و لا العدل في ازيد منها لاحد سوي رسول الله9 فانه بغلبة الرحمانية الظاهرة فيه و قوة الربوبية المتجلية في كينونته و خروجه عن حدود المفاعيل بالكلية قادر علي العدل في ازيد من اربعة فانه لايمنعه كونه في مقام عن كونه في مقام آخر و مع ذلك لما كان في عالم البشر اعين بقوله تعالي ترجي من تشاء منهن و تؤوي اليك من تشاء و من ابتغيت ممن عزلت فلاجناح عليك و اما غيره صلوات الله عليه و آله فليس لهم الي ذلك سبيل و يجب عليهم الاقتصار علي الاربعة علي النظم الطبيعي الجاري في الملك فان كل من سويه في حد المفعول فافهم ذلك فانه صعب فاذا عرفت سر لزوم عدم زيادة الزوجات علي الاربع فاعلم انه لما كان الرجل مظهر الربوبية و الرحمانية للنساء وجب عليه العدل و التسوية بينهن فيما يمكن له و يقدر عليه و هو الاعمال البدنية فيجب عليه ان‌يجري فيهن بالعدل لقوله تعالي و عاشروهن بالمعروف و عموم قوله اعدلوا هو اقرب للتقوي و اما الاعمال القلبية التي هي تابعة للطينة و الكينونة فلايمكن العدل فيها لاحد و الي هذين المقامين الاشارة في قوله سبحانه فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني و ثلث و رباع فان خفتم ان‌لاتعدلوا فواحدة يعني في الاعمال البدنية و قوله سبحانه و لن‌تستطيعوا ان‌تعدلوا بين النساء و لو حرصتم فلاتميلوا كل الميل يعني في المودة في القلب بالجملة العدل الظاهري واجب فيهن فان الله سبحانه عدل و الرجل آية الربوبية و في الخبر عنه9 لو امرت احداً ان‌يسجد لاحد لامرت المرأة ان‌تسجد لزوجها فانه ربها في رتبتها يربيها و يرزقها و يكسوها و يسكنها و يراعيها و اما حد العدل و احكامه فموقوف بالرجوع الي مصادر الاحكام و مراجع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 274 *»

الانام علي طريقة علمائنا الاعلام و فقهائنا الكرام عليهم رضوان الله الملك العلام فنقول اعلم انه لاخلاف في ان لكل من الزوجين علي الآخر حقوقاً واجبة و مستحبة و الي ذلك يشير قوله سبحانه و عاشروهن بالمعروف و قوله ولهن مثل الذي عليهن و قوله قدعلمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم و من تلك الحقوق القسمة و لم‌ينقل خلاف في اصل وجوبها و ان اختلفوا في حدودها فاختلفوا انها هل تجب باصل العقد و التمكين او يتوقف علي الشروع و نشأ اصل هذا الخلاف بينهم من ان القسمة هل هي حق للزوجة او لهما معاً فعن المشهور انها تجب بنفس العقد و التمكين و عن الشيخ في المبسوط انه لاتجب عليه القسمة ابتداءاً لكن الذي يجب عليه النفقة و الكسوة و المهر و السكني  فمن تكفل بهذا لايلزم القسم لانه حق له فاذا اسقط لايجب عليه و يجوز عليه تركه و ان‌يبيت في المساجد و عند اصدقائه فاما ان اراد ان‌يبتدي بواحدة منهن فيجب عليه القسمة لانهن ليس واحدة منهن اولي بالتقديم من الاخري و الي ذلك ذهب المحقق في الشرايع و العلامة في التحرير و السيد في شرح النافع و تمسكوا في المقام بالاصل السالم عن المعارض بظنهم و قالوا ان الاخبار الواردة في هذا الباب قليلة جداً و ليس فيها ما يدل علي وجوب القسم ابتداء بخصوصه او اطلاقه كما يظهر للمتتبع و لكن الذي يفهم من الاخبار ان ذلك حق واجب للمرأة علي الرجل و ان كان له عليها ايضاً حق و يشهد بذلك ما رواه العاملي عن الكليني بسنده عن زرارة قال قال ابوجعفر7 في حديث من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة و القسمة و لكنه ان تزوج امرأة فخافت منه نشوزاً او خافت ان‌يتزوج عليها او يطلقها فصالحت من حقها علي شيء من نفقتها او قسمتها فان ذلك جايز لابأس به فهذا الخبر كما تري صريح انها بالتزويج تستحق النفقة و القسمة و انهما حقها و لها ان‌تصالح من حقها فان كانت حق الرجل دون المرأة فكيف كانت تصالح ما ليس لها و ان كانت لاتستحق بمحض العقد و التمكين فكيف قال  الامام7 لها ما للمرأة من النفقة و القسمة فهذا الخبر ظاهر في المقام غاية الظهور و لكنهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 275 *»

رضوان الله عليهم قليل الرجوع الي الاخبار و كثير التدبر في القواعد الاصولية الموضوعة فاذاً عورض اصلهم بهذا الخبر الصحيح الصريح و عن علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر8 قال سألته عن رجل له امرأتان قالت احديهما ليلتي و يومي لك يوماً او شهراً او ما كان ايجوز ذلك قال اذا طابت نفسها و اشتري ذلك منها فلابأس. و هذا الخبر ايضا صريح في انها حق المرأة و الا كيف كان يجوز لها ان‌يبيع حق غيرها الي غير ذلك من الاخبار الواردة في اصطلاحها علي حقها اذا خافت اعراضه و طلاقه لها فانها كلها تشهد انها حقها هذا مع ذهاب المشهور الي ذلك و كونه احوط في الدين فلامحيص عنه فعلي ذلك من كان له زوج واحدة يجب عليه المبيت عندها في كل اربع ليال ليلة و من كان له زوجان يجب عليه المبيت عندهما ليلتان و من كان له ثلث يجب عليه ثلث ليال و من كان عنده اربع يجب عليه اربع و اما علي الآخر ان كان له زوج واحدة ليس عليه القسمة ابداً و ان كان له زوجان ليس عليه القسمة و اما ان بات عند واحدة يجب عليه المبيت عند الاخري ثم لايجب عليه الدور ثانياً و كذا في الثلث و الاربع و يدل علي ما اخترنا اخبار منها ما رواه العاملي عن الشيخ بسنده عن الحسن بن زياد عن ابي‌عبدالله7 في حديث قال سألت عن الرجل تكون له امرأتان و احديهما احب اليه من الاخري له ان‌يفضلها بشيء‌ قال نعم له ان‌يأتيها ثلث ليال و الاخري ليلة لأن له ان‌يتزوج اربع نسوة فليلتاه يجعلهما حيث يشاء الي ان قال و للرجل ان‌يفضل نساءه بعضهن علي بعض ما لم‌يكن اربعاً الي غير ذلك من الاخبار و الذي يدل علي وجوب القسمة ما رواه عن ابن بابويه باسناده عن رسول‌الله9 قال و من كانت له امرأتان فلم‌يعدل بينهما في القسم من نفسه و ما له جاء يوم‌القيمة مغلولاً مايلاً شقه حتي‌يدخل النار انتهي. و الواجب هو المبيت عندهن ليلاً و الكون عندهن في صبيحتها لأمسهن و يدل علي ذلك ما رواه عن القمي باسناده عن ابرهيم الكرخي قال سألت اباعبدالله7 عن الرجل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 276 *»

 له اربع نسوة فهو يبيت عند ثلث منهن في لياليهن فيمسهن فاذا بات عند الرابعة في ليلتها لم‌يمسها فهل عليه في هذا اثم قال انما عليه ان‌يبيت عندها في ليتها و يظل عندها في صبيحتها و ليس عليه ان‌يجامعها اذا لم‌يرد ذلك انتهي. و روي ان النبي9 كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن و روي ان علياً كان له امرأتان فكان اذا كان يوم واحدة لايتوضأ في بيت الاخري انتهي. و القسمة ليلة ليلة لأنها المأثورة و المعمولة و علل من قال بثلث و سبع مدخولة و الاحسن القرعة في الابتداء باحديهن لأنه اطيب لنفوسهن و اقرب الي العدل و المعروف و هي لكل امر مشكل فان كانتا اثنتين فقرعة واحدة و ان كن ثلثاً فقرعتان و ان كن اربعاً فثلث و اما النفقة و الكسوة و السكني فيجوز فيها التفضيل و يستحب عليه التعديل نصاً و فتوي. فالعاملي عن الشيخ باسناده عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال سألت اباالحسن7 عن الرجل تكون له امرأتان يريد ان‌يؤثر احديهما بالكسوة و العطية ايصلح ذلك قال لابأس و اجهد بالعدل بينهما و اما ما روي عن معمر بن خلاد قال سألت ابالحسن7 هل يفضل الرجل نساءه بعضهن علي بعض قال لا و لابأس به في الاماء فمحمول علي الكراهة جمعاً و علي القسم الواجب. بالجملة العدل هو الحكم الواقعي و يجب في الواقع الا انه خفف في بعض الموارد ارادة لليسر و رفعاً للحرج و العسر فاعدل بينهن ما استطعت تسلم من شرهن في الدنيا و من تأثيمهن في الآخرة.

قال سلمه الله و بيان ما ورد ان المجتبي روحي فداه كثيراً ما يطلق مع كراهية الطلاق.

اقول اعلم انا قداسلفنا اليك انه قديكون الشيء من حيث نفسه ضاراً و من حيث الاقتران يكون نافعاً و قديكون الشيء من حيث نفسه نافعاً و من حيث الاقتران ضاراً و هذا المقام منها فان الطلاق في نفسه مكروه عند الله سبحانه و لولا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 277 *»

رفع العسر و الحرج عن هذا الدين السمحة السهلة لما جعله الله و ظني اني قرأت في الانجيل حرمة الطلاق في شرع عيسي7 و لما كان هذا الشرع رفع فيه الآصار التي كانت في الامم السابقة رفع عنهم حرمة الطلاق فهو حكم ظاهري نشأ من التزويجات الظاهرية العرضية فان الرجل ربما يتزوج زوجاً في دار الدنيا و ليس بينهما تناسب ذاتي و انما ذلك للتناسب العرضي الدنياوي فلايمكنه الصبر معها بعد زوال الاسباب العرضية فشرع الطلاق لاجل ذلك فلربما يبقي التناسب العرضي اياماً او اشهراً او سنين فمادام بينهما تناسب عرضي يكون بينهما ميل عرضي فاذا زال التناسب زال الميل و عسر امساكها فاذا صفت الدنيا عن الاعراض و ظهر الاحكام الواقعية فلاطلاق و لذا قال ابوعبدالله7 ما من شيء مما احل الله ابغض اليه من الطلاق و قال ان الله يبغض كل مطلاق و ذواق و قال7 تزوجوا و لاتطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش انتهي. و قدعرفت مما بينا في عدد الزوجات معني العرش فراجع و لو كان الطلاق حكماً واقعياً لم‌يكن مبغوضاً لله سبحانه فاصل الطلاق اليوم مكروه البتة من حيث نفسه و من حيث الواقع حرام الا اذا اقترن به اسباب خارجية فاذا اقترن به اسباب خارجية يرجع اليها فيجري عليه الاحكام الثلثة مثل ما رواه العاملي عن الكليني عن عثمان بن عيسي عن رجل عن ابي‌جعفر7 انه كانت عنده امرأة تعجبه و كان لها محباً فاصبح يوماً و قدطلقها و اغتم لذلك فقال له بعض مواليه لم‌طلقتها فقال اني ذكرت علياً فتنقصته فكرهت ان‌الصق جمرة من جمر عربی جهنم بجلدي و عن ابي‌الحسن7 كان ابي زوجني ابنة عم لي و كانت سيئة الخلق و كان ابي ربما اغلق علي و عليها الباب رجاء ان‌القاها فاتسلق الحائط و اهرب منها فلما مات ابي طلقتها بالجملة الطلاق حكم عرضي في هذه الدنيا و تختلف احكامه بحسب القرانات و لربما يعمل الامام7 عملاً هو في نفسه مكروه لاجل التعليم تعليم الجواز و ما يكون حينئذ مكروهاً بل يستحب او يجب فانه لايفعل خلاف

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 278 *»

الاولي او لاجل ما كان يقترن بالامر من الاسباب الخارجية كما ذكرنا و منها طلاقات الحسن7 فقدروي عن ابي‌عبدالله7 طلق خمسين امرأة فقام علي7 بالكوفة فقال يا معشر اهل الكوفة لاتنكحوا الحسن فانه رجل مطلاق فقام اليه رجل فقال بلي و الله لننكحنه فانه ابن رسول الله و ابن فاطمة فان اعجبه امسك و ان كره طلق انتهي. و لايخفي ان نهيه عليه السلام نهي اختبار لاهل الكوفة لانهي تحريم و اعافة او شنأن لفعل الحسن7 فانه معصوم لايترك الاولي و لايخالف رضاء ابيه الذي هو رضاء الله و رضاء رسوله9 فكان مطلاقية الحسن7 لاسباب كانت تلحق نساءه او لبيان الجواز و لخصوص الحسن7 في هذا الامر سر باطني آخر و هو انه7 كان آية باطن النبوة كما كان الحسين7 آية باطن الولاية و باطن النبوة مقام التفريق و التنزيه و التوحد و التفرد و باطن الولاية مقام الاتصال و الاقتران و الاجتماع فلذلك اختص الحسن7 بالمطلاقية و التفرقة دون الحسين7 فقدروي العاملي عن البرقي باسناده عن عبد الله بن سنان عن ابي‌عبدالله7 قال اتي رجل اميرالمؤمنين7 فقال له جئتك مستشيراً ان الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر خطبوا الي فقال اميرالمؤمنين7 المستشار مؤتمن اما الحسن فانه مطلاق للنساء و لكن زوجها الحسين فانه خير لابنتك.

قال سلمه الله و ما سمعت ان جبرئيل7 شق بجناحه بطن رسول‌الله9 و اخرج قلبه و غسله و نظفه من النكتة السوداء جزاك الله عن الاسلام و المسلمين خير عربی جزاء المحسنين الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله و السلام علي خدام بابكم و رحمة الله و بركاته.

اقول هذا آخر مسائله سلمه الله و وفقه التي سألها عن خادمه و المتقرب الي الله سبحانه بمحبته و محبة امثاله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 279 *»

اعلم وفقك الله و ايدك ان هذه الرواية مروية في البحار عن الواقدي ان النبي9 بعد ما بلغ سنتين خرج ذات يوم مع اخوانه الي البرية و تفرد عنهم و صعد تلاً و نزل منه فرأي عين ماء بارد احلي من العسل و الين من الزبد فقعد النبي9 عند العين فنزل جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و دردائيل و سلم عليه جبرئيل بسلام طويل فرد7 الي ان قال ثم ان جبرئيل7 القي رسول الله9 علي قفاه و رفع اثوابه فقال له النبي9 ما تريد تصنع يا اخي جبرائيل فقال جبرائيل لابأس عليك فاخرج جناحه و شق بطن النبي9 و ادخل جناحه في بطنه و خرق قلبه و شق المقلبة و اظهر نكتة سوداء فاخذها جبرئيل فغسلها و ميكائيل يصب الماء عليه فنادي مناد من السماء يقول يا جبرائيل لاتقشر قلب محمد فتوجعه و لكنه اغسله بزغبك و الزغب هو الريش التي تحت الجناح فاخذ جبرئيل7 زغبه و غسل بها قلب محمد9 ثم رد المقلبة الي القلب و القلب الي الصدر الخبر و ليس فيه شيء عسي ان‌ينكر فان الله سبحانه خلق جميع ما خلق من نور و ظلمة و جهة من ربه و جهة من نفسه كما بينا و ذلك من اول الخلق الي آخره فكل ما سوي الاحد سبحانه مركب من تينك الجهتين الا ان الخلق كلما قرب الي مبدء النور و هو مشية الله سبحانه اشتد نوره و ضعفت ظلمته و كلما بعد عنه اشتدت ظلمته و ضعف نوره كما تري من النور المنبث من السراج فانه كلما قرب من السراج كان اشد نوراً و حرارة حتي‌لايكاد يوجد فيه ظلمة و برد و كلما بعد عنه كان اظلم و ابرد حتي‌لايكاد يوجد فيه ظلمة و برد و كلما بعد عنه كان اظلم و ابرد حتي‌لايكاد يوجد فيه نور و حرارة فالنور و الظلمة كالمخروطين المتداخلين رأس كل واحد علي قاعدة الآخر هكذا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 280 *»

@@ فالظلمة عند قاعدة النور كنقطة متلاشية مضمحلة في بحر محيط و كذا النور عند قاعدة الظلمة و ان من حادث الا و هو مركب من هاتين الجهتين ما خلا الله سبحانه فانه احد ليس فيه جزء و جزء و حيث و حيث و اما ما سواه من الدرة فما دونها الي الذرة فما فوقها كلها مركبة من نور و ظلمة حتي انه ذكر ذات يوم رسول الله9 ان لكل احد شيطاناً فقيل و انت يا رسول الله فقام نعم و لكن اسلم فاذاً كل احد في قلبه نور و ظلمة الا انهما يختلفان بحسب القوة و الضعف فاذا قوي النور قوي الايمان في غاية الكمال و اذا ضعف يتدرج شيئاً فشيئاً الي ان‌يكون اثر آخر مراتبه مثلاً  كلمة حق تصدر من الانسان مرة في عمره اتفاقاً و اذا قويت الظلمة قوي الكفر و النفاق و الشرك في غاية القوة و نهاياتها و اذا ضعفت تتدرج شيئاً فشيئاً الي ان‌تنتهي الي غاية النقصان فيكون اثر آخر مراتبها مثلاً تركاً للاولي في العمر مرة او محض نقصان الامكان بالجملة جميع الخيرات و الكمالات من جهة النور و جميع النقايص من جهة الظلمة و لما كان النبي9 اول ما خلق الله و اقرب ما سويه اليه كان مقامه عند قاعدة النور و فيه من الظلمة بقدر ذرة في تمام ملك الله سبحانه و استغفر الله من بعد النسبة فهي متلاشية في عباب يم انواره مضمحلة في متلاطم زاخر بحاره بحيث لم‌يبق لها اثر و خاصية الا محض انه ممكن ناقص بالنسبة الي ربه جل شانه فلما امر9 ان‌ينزل الي عالم البشر و يلبس لباسهم و يسير بسيرتهم و اتخذ لنفسه من عالمهم لباساً كان ذلك اللباس بعيداً عن المبدء بالنسبة الي حقيقته فكان في تركيب ذلك اللباس ظلمة اقوي من مقامه الاول لا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 281 *»

محالة لانه ابعد عن المبدء فاحتيج الي غسله و تنظيفه من وسخ تلك الظلمة حتي‌يكون قابلاً لاشراق نور النبوة فيه و يكون مطيعاً لحقيقته9 معصوماً مطهراً فامر الله سبحانه جبرئيل و هو ملك موكل بالخلق و التركيب و هو مباشر الاجسام ان‌يغسل دنس تلك الظلمة و ميكائيل يصب الماء لانه ملك موكل بالماء و الارزاق و نهي جبرئيل ان‌يقشر قلب محمد فيوجعه فان بالتقشير كان يزول التركيب و يفني تلك الظلمة بالكلية و هي احد اجزاء الكينونة و هو يوجع محمداً9 و امر ان‌يغسله يعني يبقيها و لكن ينقيها و يصفيها و يجليها الاتري انه كان بينه و بين نور العظمة حجاب زبرجدة خضراء كان يتلألأ بخفق و ذلك الحجاب هو تلك الظلمة المتنقية حيث صفت حتي تلألأت و تبدل سوادها بالزبرجدية و الخضرة لما شابها من ذلك الماء و كان مع جبرئيل طست من ياقوت احمر و مع ميكائيل ابريق من ياقوت اخضر و في الابريق ماء من الجنة و كان خضرة الابريق من تراكم الماء و الا فابريقه ابيض مشرب بالصفرة و لذا لما صب الماء الاصفر منه اخضرت ظلمة تلك النقطة فكانت تتلألأ بخفقان و اضطراب لترددها بين الوجود و العدم و لم‌يكن ظلمة جسد النبي9 علي حد ظلمة ساير الاجساد فان جسده الشريف الطف من عرش رب العالمين و لذا صعد اليه و لم‌يكن له ظل و يطوي الارض و السماء في طرفة عين و انما ظلمته بالنسبة الي روحه الشريف و لذا لما سأله عبد الله بن عباس باي شيء غسل قلبك و من اي شيء قال غسل من الشك و الفتن و لا من الكفر فاني لم‌اكن كافراً قط لاني كنت مؤمناً بالله من قبل ان‌اكون في صلب آدم7 فقال له عمر متي نبئت يا رسول الله قال يا اباحفص نبئت و آدم بين الروح و الجسد انتهي. و لم‌يكن شكه ايضاً في الدين و انما كان تردده بين بعض الخيرات بالنسبة الي بعض يعني لو خلي غير مغسول و اما بعد الغسل فلم‌يكن له شك و لا ارتياب فافهم راشداً موفقاً مهدياً و لما كنتم علي حال الاستعجال و انا في تبلبل البال لم‌يمكنني ازيد من ذلك و العفو عنكم مأمول و العذر عند كرام الناس مقبول

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 282 *»

و فرغ من تحريرها مصنفها كريم بن ابرهيم في عصر يوم السبت لاربعة عشر خلون من شهر شوال من شهور سنة 1263 حامداً مصلياً مستغفراً تمت.