رسالة في جواب السيدحسن الاصفهاني في شرح حديث اشدکم حباً
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 253 *»
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله و سلام علي عباده الذين اصطفي.
و بعــد قد سألني المولي الجليل و السناد النبيل المعري عن الشين جناب مولانا المؤتمن السيد حسن بن المرحوم السيد ابيالحسن الاصفهاني لازال محروساً بحراسة الله مكلوءاً بكلائته عن ما روي عن اهلالبيت: اشدكم حباً لنا اشدكم حباً للنساء بجميع ما يراد منه و ذلك ما لايمكن لاحد من مواليهم: فان لكلامهم معاني و تصاريف لايطلع عليها غيرهم
فان كلام كل احد علي قدر عقله و علمه ولكن قد افيض علينا من بركاتهم معان كثيرة لكلماتهم:
منها ما لايمكن لنا التعبير عنه.
و منها ما لايجوز لنا اظهاره فانه لما يأت وقت اظهاره.
و منها ما يجوز ولكن يحتاج الي مقدمات كثيرة فلربما لايسعها الوقت.
و منها ما يجوز لنا اظهاره و يسع الوقت لبيانه ولكن لميحضر اهله.
و منها ما حضر اهله و استوفي الشرائط السابقة ولكنه معسور للموانع العارضة فلنكتف من ذلك كله بما هو الميسور فانه لايسقط بالمعسور و علي الله التكلان في جميع الامور.
فاعلم انه قد روي العاملي عن ابنادريس نقلاً من كتاب ابنقولويه عن الصادق7 كل من اشتد لنا حباً اشتد للنساء حباً و للحلواء انتهي. و لكلامهم: ظاهر و تأويل و باطن و باطن باطن.
اما ظاهر هذا الحديث الشريف فظاهر فان حب النساء المحللات من فروع الولاية للائمة: فان حبهن يسوق الانسان الي النكاح الذي هو من اعظم السنن و فيه تكثير قائل لا اله الا الله محمد رسولالله علي و احدعشر من ولده اولياء الله و فيه تكثير الاعوان و الاحبة و الانصار و النهي عن الحرام و صرف النفس عن ما حرم الله سبحانه و ارغام النفس و تضعيف جانبها و اخماد نار شرهها و شهوتها مما لايخفي و لذا روي من تزوج فقد احرز نصف دينه فليتق الله في
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 254 *»
النصف الآخر. و ظاهره لايحتاج الي تطويل فلنكتف بما ذكرنا و انت تعلم ان كل خير منهم و اليهم و هذا من اعظم الخيرات فهو من فروعهم فكل من اشتد في حبهم اشتد في حب النساء الذي هو حارز نصف شئون الولاية.
و اما تأويل هذا الحديث الشريف فاعلم ان الله سبحانه خلق الانسان من عقل و نفس فعقله جهته الي ربه و نفسه جهته الي نفسه و انيته و ماهيته فعقله لما كان جهته الي ربه يكون ذكراً فان الذكورة هي جهة الفاعلية و جهة الفاعلية جهة الرب فالعقل ذكر و هو جهة الفاعلية و النفس في جهة ضد العقل و في غاية البعد عن المبدء المقتضي للبرودة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة اللتين هما من صفات النساء و جهة المفعولية و الانفعال فهي المؤنث و هي زوجة العقل و امرأته فالنفس علي اقسام النفس الامارة بالسوء و النفس اللوامة و النفس الملهمة و النفس المطمئنة و النفس الراضية و النفس المرضية و النفس التي هي من جملة عباد الله سبحانه و النفس الداخلة في الجنة فكما كان المراد في ظاهر الخبر من النساء النساء المؤمنات المحللات لا المشركات و المحرمات و ذلك معلوم بقرينة المقام فكذلك في تأويله يكون المراد من النساء النفس التي يجوز حبها و هي النفس المرضية فما فوقها فكل من كان اشد حباً للائمة: اي الائمة التأويلية و هم شئون العقل و جهاته يكون اشد حباً للنفس المرضية و التي في زمرة عباد الله و التي في الجنة فانها حينئذ هي المتخلقة باخلاق الائمة اي شئون العقل و التابعة لهم حتي اطمئنت في تحت تكاليفهم حتي رضيت و ارتضيت فصارت مرضية للعقل فكل من اشتد حباً للعقل اشتد حباً للنفس المرضية فاذا احبها احسن سياستها و حملها ما يرضي الله سبحانه و ما يدخلها الجنة و يبعدها عن النار و حملها علي الاخلاق الحسنة و الاعمال الزكية و اكرمها عن كل دنائة و ذلة فان ذلك ثمرة حبها هذا و ان الانسان اذا احب احداً احب كل من يواليه و يمتثل امره و يشاكله في اخلاقه و اعماله فقد قال الله سبحانه في النفس تأويلاً فان تابوا و اقاموا الصلوة فاخوانكم في الدين و مواليكم و كذا قال زين للناس حب الشهوات. فقد تبين و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 255 *»
ظهر لمن نظر و ابصر ان من لميحب نفسه لميحب امامه و عقله و من لميحب نفسه سوف يخلي بينها و بين اعاديها و الشياطين من الجن و الانس فالمؤمن يحب نفسه لمتابعة امامه اكثر من كل احد فانها معينتها علي متابعة مولاه و تحصيل رضاه و لولاها لميتبع لمولاه رضا و لميجتنب له سخطاً البتة فيحب نفسه لمولاه و حب شيء لشخص من حب ذلك الشخص البتة فافهم و هذا القدر في تأويله كاف لك انشاءالله.
و اما باطنه فالمراد من النساء هو فاطمة3 كما ورد في التنزيل و نساؤنا و نساؤكم و قد جمع اللفظ مع انها مفردة لانها كلية و من الكليات و انها لاحدي الكبر نذيراً للبشر. و الله سبحانه عريض الكبرياء فهي ايضا من الكبر العريضة التي ملأت سماء الله و ارضه فاشدكم حباً للائمة: اشدكم حباً لفاطمة3 و اطوعكم لها و من حبها اتباع رضاها و اجتناب سخطها فان حبها حب الائمة و حب الائمة: حب الرسول و حب الرسول9 حب الله و كذا بغضها بغض الله و حبها اتباع امرها و اجتناب سخطها فانه اذا هاج ريح المحبة استأنس في ظلال المحبوب و آثر المحبوب علي ماسواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه فكل من اشتد حباً لمواليه اشتد حباً لفاطمة3 فاجتمع بذلك مجامع و لذا روي عن الصادق7 مااظن احداً بلغ في الايمان خيراً الا ازداد للنساء خيراً و روي عن النبي9 مااحببت من دنياكم الا النساء و الطيب اي الا فاطمة و الحسنين فانهما ريحانتا رسولالله9 و طيباه و النساء نساؤه كما في التنزيل و الطيب طيبه فانه كان يشم منهما رائحة الجنة و كذا روي عنه9 قرة عيني في الصلوة و لذتي في النساء فالصلوة اميرالمؤمنين7 كماقال انا صلوة المؤمنين و صيامهم و النساء فاطمة3 لقوله و نساؤنا و نساؤكم فافهم.
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 256 *»
و ان شئت بطناً اعلي من ذلك ففرغ قلبك و استمع لما اقول و هو ان المراد من النساء مقام النجباء فانهم في مقام النفس و النقباء مقامهم مقام العقل فضمير «نا» في قوله7 كل من اشتد لنا حباً في مقام النقباء فانهم نفس المتكلم و تجليه و ظهوره في مقام التكلم الذي هو افاضة الكلام كوناً و شرعاً قال9 انت يا علي تسمع صوتي و قال سبحانه و جعلنا لهم لسان صدق علياً. و كما ان علياً7 مسمع صوت النبي و لسانه كذلك النقباء مسمعوا صوت الائمة: و لسانهم و هم المتكلمون عنهم و بهم و ترجمانهم في العباد و البلاد فقوله كل من اشتد لنا حباً اي للنقباء حباً اشتد للنساء حباً اي للنجباء فانهم نفس النقباء قال الله سبحانه خلق لكم من انفسكم ازواجاً. فالنجباء للنقباء كالولي للنبي صلي الله عليهما و آلهما فكما ان الولي نفس النبي بنص الآية الشريفة فكذلك النجباء نفس النقباء و لذا تجلي في النقباء سر النبوة و تجلي في النجباء سر الولاية فاشدكم حباً للنقباء اي اشدكم متابعة لهم و انقياداً لامرهم. قال الله سبحانه ان كنتم تحبون الله فاتبعوني فاشدكم انقياداً للنقباء اشدكم انقياداً للنجباء فافهم و ان شئت انتخص ضمير «نا» بهم: فالنقباء و النجباء كلهم نسائهم لانهم جميعهم مظاهر شئون نفس الائمة و تجليات انيتهم فجميع هؤلاء مقامهم مقام نفس الامام7 و مقام الانية و النفس مقام الزوجة كما مر فهم النساء فاشدكم حباً لآلمحمد: اي اشدكم انقياداً لامرهم و نهيهم اشدكم حباً اي انقياداً لشيعتهم ففي الدعاء لااثق بالاعمال و ان زكت و لااريها منجية لي و ان صلحت الا بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها و لايسع الوقت لازيد من ذلك فلنختم الكلام و صلي الله علي محمد و آله الكرام.
كتبه مصنفه العبد الاثيم كريم بن ابرهيم في ليلة الجمعة لست خلون من ذيالقعدة من شهور سنة 1263 حامداً مصلياً.