30-04 مکارم الابرار المجلد الثلاثون ـ رسالة في جواب سؤالات الشيخ احمد بن شكر ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب سؤالات الشيخ احمد بن شكر

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 69 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمد شاكر لآلائه مثن علي عظيم نعمائه و الصلوة علي اشرف رسله و انبيائه و آله خيرة اصفيائه و الهداة المهديين من اوليائه و لعنة الله علي جميع اعدائه.

و بعد فقدارسل الي جناب لب الالباب و زبدة الاطياب الذي لايشق في السبق غباره و لايدرك في الفضل شأوه بل و لا آثاره اعني جناب الاكرم الامجد و الاعظم الاوحد شيخنا و مولينا الشيخ احمد بن المرحوم المبرور المقدس شكر النجفي سلمه الله و ابقاه و من كل محذور وقاه بمسائل من الفروع و الاصول مع انه له فيها بصيرة و وصول فامتثلت امره و التزمت اطاعته فبادرت الي جوابه راجياً من الله القاء صوابه و جعلت فقرات سؤالاته كالمتن و جوابي له كالشرح مستعيناً بالله سبحانه و عليه التكلان.

قال ايده الله و ابقاه العدالة التي تشترط في الحاكم هل يشترط فيها الزيادة علي العدالة التي تشترط في الشاهد و امام الجماعة كما قاله صاحب الحدائق و غيره ام لا.

اقول مقتضي نحو سؤاله سلمه الله انه اراده صرف الفتوي و لكن لما كان هو ادام الله تأييده من اهل العلم و الفضل احببت الاشارة الي ادلة سؤالاته فقاهة و حكمة علي نحو الاجمال اتكالاً علي ذكاوته وفقه الله.

اعلم ان حقيقة القضاوة لله سبحانه لان الله يقضي بالحق و الذين من دونه لايقضون بشيء فهو القاضي بالحق بين عباده كوناً و شرعاً بما فيه صلاح نظامهم و اتساق معاشهم و معادهم و لاقاضي غيره ثم لما كان الله سبحانه لايباشر امراً من الامور بذاته المقدسة عن الاقتران الموجب للحدوث اختار لنفسه رسلاً جعل فعلهم فعله و قولهم قوله و اطاعتهم اطاعته و مخالفتهم مخالفته فهم يقضون بين عباده منه و هو يقضي بين عباده بهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 70 *»

فلاقضاء لهم ابداً الا ما منه و لاقضاء له ابداً الا ما بهم صلوات الله عليهم لا كوناً و لاشرعاً فلكل امة رسول فاذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط و هم لايظلمون و من هذه الرسل الائمة الحق عليهم السلام لانهم حقيقة رسل الله الي خلقه ارسلهم من عالم اللاهوت الي اهل كل عالم من العوالم الالف الف الي ان‌نزلوا هذا العالم عالم الناسوت فقضوا بين عباده بالقسط فعن العياشي عن الباقر7 في تفسير هذه الآية انه قال تفسيرها في الباطن ان لكل قرن من هذه الامة رسولاً من آل محمد: يخرج الي القرن الذي هو اليهم رسول و هم الاولياء و هم الرسل و اما قوله فاذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط فان معناه ان رسل الله يقضون بالقسط و لايظلمون انتهي. و صارت الرسل صلوات الله عليهم قضاة بالقسط لانهم اقطاب الوجود في الغيوب و الشهود و مراكز الادوار في جميع الاعصار و قدجعلهم الله سبحانه مراكز خلقه كما خاطبهم في كتابه و قال و كذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس فهم الوسط و الوسط هو المركز الغير المائل الي جهة من الجهات فهم بتوسطهم صاروا شهداء علي الخلق فقضوا بينهم بالقسط و لو كانوا مايلين الي جهة من الجهات لمال قضاهم اليهم و له علي ضد تلك الجهة و لم‌يكن بالقسط و لكان ضد تلك الجهة مظلوماً لامحة فصار قضاهم قضاء الله لانهم كانوا وسطاً عدلاً بين جميع الخلق و لما كان جميع الموجودات اشعة انوارهم و لوامع اثارهم و كانت باختلاف مراتبها و مقاماتها حاكية لكمال المنير و صفاته فصارت كتاباً مبيناً لشؤن فضائلهم و اصناف مآثرهم صلوات الله عليهم و ان كان كل هذه الشؤن و الاصناف ناشئاً من شأن من شئونهم صلوات الله عليهم لان هذه الشئون المتكثرة تفصيل ذلك الشأن الاجمالي و ما احسن ما قاله ابن ازري في هذا المعني:

ما عسي ان‌اقول في ذي‌معال   علة الدهر كله احديها

فقامت الموجودات بلسان كينونانتها تبين فضائل المنير بقدر ما تجلي لها بها و علي ما انصبغ في مراياها ذلك الشأن الاجمالي و انبسط في مراتبها ذلك النور البسيط

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 71 *»

فصار العرش حاكياً لعلوه و الكرسي حاكياً لوسعته و عظمته و فلك زحل حاكياً لتجرده و معنويته و فلك المشتري حاكياً لصوره المجردة و المريخ حاكياً لغضبه و طبعه و وهمه و فلك الشمس حاكياً لاضاءته و اصليته و قطبيته و هكذا كل ذرة من ذرات الموجودات حاك لشأن من شئون ذلك الشأن الاجمالي و كل واحدة بقدر سعتها حكت من تلك الانوار و ذلك النور الاجمالي هو الماء الذي نزل من السماء فسالت اودية القوابل بقدرها و ذلك النور هو الاسم الذي كتب علي كل شيء فكان علي ماكان و هو المثال الملقي في هويات الاشياء فظهر منها الافعال.

بالجملة العالم يحكي علمهم و الحكيم يحكي حكمتهم و القاضي يحكي قضاهم و القيم و الولي يحكي قيمومتهم و ولايتهم و الاب ابوتهم و الأم امومتهم و هكذا كل شيء بحسبه يشير اليهم و يبين عنهم سلام الله عليهم فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فالقاضي هو الذي يحكي قضاوتهم كما يحكمون قضاوة الله سبحانه و مقام قضاوتهم مقام توسطهم: بين الخلق و مقام اولويتهم بالخلق من الخلق و مقام الاعتدال الحقيقي غير المائل الي جهة من الجهات والشاهد يجب ان‌يكون عدلاً متوسطاً بين المستشهد و المشهود عليه فيخبر بمارأي بالحق فلايميل الي احدهما و الامام يجب ان‌يكون مؤتمناً علي ما هو موكول اليه من امر الصلوة و اما القاضي فيجب ان‌يكون عدلاً بين جميع الناس غير مائل الي احد منهم و هذا امر عظيم و خطب جسيم ليس حظ كل من اجتنب الكباير و لم‌يصر علي الصغاير فانه لابد و ان‌تكون له ملكة مقتصدة عادلة لايميل بنفسه الي جهة من الجهات فلايراعي قريباً و لابعيداً و لامحباً و لاعدواً و لاكبيراً و لاصغيراً و لاوضيعاً و لاشريفاً فانه اذا مال الي احد منهم يجور في القضاء طبعاً و تصدر من لسانه فلتات يجور معها في الحكم قهراً و تحصل له حالة نفسانية لايملك معها نفسه فاني يمكن هذا لكل احد و قدسمعت ما روي عن النبي9 ان الجمعة و الحكومة لامام المسلمين و رواية سليمان بن خالد عن ابي‌عبدالله7 انه قال اتقوا الحكومة فانما الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي او وصي نبي تدبر قوله7 العادل في المسلمين لانه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 72 *»

لايعدل في المسلمين الا اذا كان عدلاً طبعاً بين المسلمين و روي عن النبي9 ان من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين اعتبر برواية الثمالي عن ابي‌جعفر7 قال كان في بني‌اسرائيل قاض و كان يقضي بالحق فيهم فلما حضره الموت قال لامرأته اذا انا مت فاغسليني و كفنيني و ضعيني علي سريري و غطي وجهي فانك لاترين سوءً فلما مات فعلت ذلك ثم مكث بذلك حيناً ثم انها كشفت عن وجهه لتنظر اليه فاذا هي بدودة تقرض منخره ففزعت من ذلك  فلما كان الليل اتاها في منامها فقال لها افزعك ما رأيت قالت اجل فقال لها اما كنت فزعت ما كان الذي رأيت الا في اخيك فلان اتاني و معه خصم له فلما جلسا الي قلت اللهم اجعل الحق له و وجه القضاء علي صاحبه فلما اختصما الي كان الحق له و رأيت ذلك بيناً في القضاء فوجهت القضاء له علي صاحبه فاصابني ما رأيت لموضع هواي كان مع موافقة الحق و في وصية علي7 لشريح واس بين المسلمين بوجهك و منطقك و مجلسك حتي‌لايطمع قريبك في حيفك و لاييأس عدوك من عدلك و قال و لاتقعد في مجلس القضاء حتي‌تطعم و قال رسول الله9 من ابتلي بالقضاء فلايقضي و هو غضبان و ذلك ان الجوع و الغضب يصرفان النفس عن الاعتدال الي التضجر و المسارعة في القضاء حتي‌ينصرف لحاجته و قال اميرالمؤمنين7 من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الاشارة و في النظر و في المجلس و نهي النبي9 ان يضاف الخصم الا و معه خصمه كل ذلك مراعاة لتحصيل اعتدال النفس و عدم الميل الي جانب فان الميل الي جانب يعمي و يصم و تسول النفس للانسان اموراً جايرة عن قصد الحق و يلبسها بلباس الاعتدال فاني يحصل هذا الاعتدال لكل احد هذا مع ان القاضي لابد و ان‌يكون رجلاً اذا ارخي له عنان البلاد و سلم له جميع العباد تكون له نفس تقضي بينهم بالقسط و تكون له فراسة و سياسة تقدر معها علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 73 *»

نظم معاشهم و معادهم و تلك الفراسة و السياسة لاتحصل لاحد الا بتقوي الله و الاقبال اليه و الانقطاع عن جميع الخلق و يكون ذو كآبة و حزن و سهر قدتحنك في برنسه و قام الليل هندسه يعمل و يخشي وجلاً داعياً مشفقاً مقبلاً علي شأنه عارفاً باهل زمانه هيهات ان هؤلاء الاقشاب الذين لايقدرون ان‌يسوسون بينهم و يعدلون بين امرأتين ضعيفتين و ليس لهم تلك النفس التي يواسون بها في اولادهم و ينظمون معاش وصائفهم و عبيدهم كيف يقدرون علي الحكم بين العباد و القضاء في البلاد فيجب ان‌يكون القاضي هو الذي يكون هواه تبعاً لامر مولاه و يكون قواه مبذولة في رضا الله و تكون له نفس عزيزة منيعة كريمة كبيرة عظيمة برة رؤفة معتدلة مسلطة قوية مهيمنة علي من يقضي عليه من العباد في البلاد و اني يجب ذلك في الشاهد و الامام و الشاهد مؤتمن علي رؤية قضية و الاخبار عنها و الامام مؤتمن علي الطهارة و القراءة و ساير ما هو موكول اليه و فيما ذكرنا كفاية لمثل ذلك الجناب ان شاء الله.

قال وفقه الله و هل هي الملكة ام حسن الظاهر.

اقول ان كان الضمير راجعاً الي عدالة الحاكم فقدتبين مما سبق ان حسن الظاهر لايوجب قوة في النفس تقدر معها علي سياسة المدن و تدبير الملك و وضع كل شيء موضعه و لابد من الملكة النفسية التي لايستفزها معها متاع الحيوة الدنيا و الرياسة علي العباد في البلاد و تكون حقيقة نفسها بها ابية من الرذايل كريمة برة رؤفة علي العباد كالوالد الشفيق ليكون امين الله في بلاده و سايسه لعباده و ان كان الضمير راجعاً الي نفس العدالة بقول مطلق فهي علي اقسام ففي القاضي هي الملكة الراسخة و الاعتدال التام النفساني بين جميع القوي و هو المراد بما يروي عليك بالحسنة بين  السيئتين فالحسنة هي الاعتدال التام و السيئتان الافراط و التفريط و الميل اليهما و اما في الشاهد فالمراد بها حسن الظاهر كما ذهب اليه جماعة من المتأخرين و ذلك ان الملكة التي اختارها المشهور من المتأخرين امر لامستند له و لادليل و لو بنينا الامر عليه لم‌يقم للمسلمين سوق و لادعي الي العسر

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 74 *»

و الحرج الشديد فيما يحتاج فيه الي العدل و ظاهر الاسلام الذي نقل عن جماعة من المتقدمين و نقل الاجماع عليه و استندوا الي اخبار ظاهرة في مرادهم ضعيف اما اخبارهم فمحمولة علي التقية و ايقاع الخلاف مع انها قابلة للتأويل القريب كما سنبينها اما الاجماع المنقول فحجة لهم دوننا و الحق في المسئلة انها الحسن الظاهر و انها وصف وجودي و ليس كما ظن بعضهم انها عدم ظهور الفسق بل لابد فيها من امور وجودية في الشخص حتي‌تثبت عدالته اما ما يدل علي انها الحسن الظاهر و انها امر وجودي رواية عبدالله بن ابي يعفور قال قلت لابي عبد الله7 بم‌تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي‌تقبل شهادته لهم و عليهم فقال ان‌تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان و يعرف باجتناب الكباير التي اوعد الله عليه النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك و الدلالة علي ذلك كله ان‌يكون ساتراً لجميع عيوبه حتي‌يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك و يجب عليهم تزكيته و اظهار عدالته في الناس و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس اذا واظب عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور عربی جماعة المسلمين و ان‌لايتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الا من علة فاذا كان كذلك لازماً لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس فاذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا ما رأينا منه الا خيراً مواظباً علي الصلوات متعاهداً لاوقاتها في مصلاه فان ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين و ذلك ان الصلوة ستر و كفارة للذنوب و ليس يمكن الشهادة علي الرجل بانه يصلي اذا كان لايحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين و انما جعل الجماعة و الاجتماع الي الصلوة لكي‌يعرف من يصلي ممن لايصلي و من يحفظ مواقيت الصلوة ممن يضيع و لولا ذلك لم‌يمكن احد ان‌يشهد علي آخر بصلاح لان من لايصلي لاصلاح له بين المسلمين فان رسول‌الله9 هم بان‌يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين و قدكان فيهم من يصلي في بيته فلم‌يقبل منه ذلك و كيف تقبل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 75 *»

شهادة او عدالة بين المسلمين ممن جري الحكم من الله عزوجل و من رسوله9 فيه الحرق في جوف بيته بالنار و قدكان يقول لاصلوة لمن لايصلي في المسجد مع المسلمين الا من علة انظر في هذا الخبر الشريف كيف اثبت حسن الظاهر بقوله حتي‌يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ماوراء ذلك و اثبت الصفات الوجودية  بالمواظبة علي الجماعات و لزوم المساجد و حفظ المواقيت و منها رواية يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن ابي‌عبدالله7 قال سألته عن البينة اذا اقيمت علي الحق ايحل للقاضي ان‌يقضي بقول البينة فقال خمسة اشياء يجب علي الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم الولايات و المناكح و الذبايح و الشهادات و الانساب فاذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته و لايسأل عن باطنه و هذا الخبر ظاهر بين في الحسن الظاهر الا انه مجمل لانه قال ظاهراً مأموناً و لم‌يفصل الامانة و في رواية عبد الله فصل طريق الايتمان فلااختلاف الا بالاجمال و التفصيل و هو لايقدح و منها رواية عبد الله المغيرة قال قلت لابي‌الحسن الرضا7 رجل طلق امرأته و اشهد شاهدين ناصبيين قال كل من ولد علي الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته و هذا الخبر ايضاً كسابقه و اعرض عن صحة الطلاق و فساده للتقية و اجاب بالاجمال و الفطرة الاسلام و الصلاح اجمال ما في خبر عبد الله بن ابي‌يعفور و منها رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر7 قال لو كان الامر الينا لأجزنا شهادة الرجل اذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس و هذا الخبر ايضا اجمال خبر عبد الله و الخير فيه مجمل و عن العسكري7 في تفسير قوله تعالي ممن ترضون من الشهداء قال7 يعني ممن ترضون دينه و امانته و صلاحه و عفته و تيقظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه فما كل صالح مميز و لا محصل و لاكل محصل مميز صالح و ان من عباد الله لمن هو اهل للجنة لصلاحه و عفته و لو شهد لم‌تقبل شهادته لقلة تميزه فاذا كان صالحاً عفيفاً مميزاً محصلاً مجانباً للمعصية و الهوي و الميل و التحامل فذلك الرجل الفاضل فبه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 76 *»

 فتمسكوا و بهديه فاقتدوا و ان انقطع عنكم المطر فاستمطروا به و ان امتنع عليكم فاستخرجوا به النبات و ان تعذر عليكم الرزق فاستدروا به الرزق فان ذلك ممن لايخيب طلبته و لاترد مسئلته و كذلك ساير الروايات المروية في هذا المعني علي الاجمال اعرضنا عن ايرادها خوف الكلال و اما اخبار القائلين بانها الاسلام مع عدم ظهور الفسق فادلها ما روي في شهادة اللاعب بالحمام قال لابأس اذا كان لايعرف بفسق و هذا الخبر لايمكن لأحد العمل باطلاقه فان اطلاقه يشمل السفيه و المجنون و ولد الزنا و غير المميز و الصبي غير البالغ فيحتاج الي التقييد لامحة و قدقال الصادق7 المفسر يحكم علي المجمل و خبر عبد الله مفسر يحكم عليه لأجماله و اما ما روي من صلي خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به كل خير و اجيزوا شهادته فليس علي اطلاقه ايضاً يعني و ان ظهر منه الفسق و الكذب بل اذا حضر الجماعة في الاوقات الخمسة و لم‌يظهر منه فسق فهو ممن عاشره المسلمون و عرفوه بالستر و العفاف و مواظبة الصلوات و الجماعات و اما رواية علقمة كل من كان علي فطرة الاسلام جازت شهادته قال فقلت تقبل شهادة مقترف للذنوب فقال يا علقمة لو لم‌تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت الا شهادة الانبياء و الاوصياء: لانهم المعصومون دون ساير الخلق فمن لم‌تره بعينك يرتكب ذنباً او لم‌يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من اهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنباً و رواية حريز في اربعة شهدوا علي رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان و لم‌يعدل الآخران فقال اذا كانوا اربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور اجيزت شهادتهم جميعاً و اقيم الحد علي الذي شهدوا عليه انما عليهم ان‌يشهدوا بما ابصروا و علموا و علي الوالي ان‌يجيز شهادتهم الا ان‌يكونوا معروفين بالفسق فهذان الخبران اقوي ادلتهم و انت خبير بانهما كما بينا في خبر اللاعب بالحمام ليسا علي اطلاقهما يقيناً و هما مجملان يقيناً و المفسر يحكم علي المجمل هذا اذا اردنا ان‌نفادي هذه الاخبار عن الطرح و الا فنقول ان هذه الاخبار

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 77 *»

محمولة علي التقية كما نقل عن المسالك بعد ما اختار مجرد الاسلام و عدم ظهور الفسق انه قال و هذا القول امتن دليلاً و اكثر رواية و حال السلف يشهد به و بدونه لاتكاد تنتظم الاحكام خصوصاً في المدن الكبيرة و للقاضي القادم اليها من بعد لكن المشهور الآن بل المذهب خلافه و اشار بقوله حال السلف ما نقل عن المختلف حيث قال البحث عن عدالة الشهود ما كان ايام النبي9 و لا ايام الصحابة و لا ايام التابعين و انما هو شيء احدثه شريك بن عبد الله القاضي و لو كان شرطاً لما اجمع اهل الامصار علي تركه و من هذا الكلام يظهر ان جميع العامة كانوا لايشترطون وصفاً وجودياً قبل شريك بن عبد الله و اما عدم كون البحث في زمان النبي9 فممنوع لما روي عن العسكري7 عن آبائه عن اميرالمؤمنين7 قال كان رسول الله9 اذا تخاصم اليه الرجلان قال للمدعي لك حجة فان اقام ببينة يرضاها و يعرفها انفذ الحكم علي المدعي عليه و ان لم‌يكن له بينة حلف المدعي عليه بالله ما لهذا قبله ذلك الذي ادعاه و لاشيء منه و اذا جاء بشهود لايعرفهم بخير و لابشر قال للشهود اين قبائلكما فيصفان اين سوقكما فيصفان اين منزلكما فيصفان ثم يقيم الخصوم و الشهود بين يديه ثم يأمر فيكتب اسامي المدعي و المدعي عليه و الشهود و يصف ما شهدوا به ثم يدفع ذلك الي رجل من اصحابه الخيار ثم مثل ذلك الي رجل آخر من خيار اصحابه ثم يقول ليذهب كل واحد منكما من حيث لايشعر الآخر الي قبايلهما و اسواقهما و محالهما و الربض الذي ينزلانه فيسأل عنهما فيذهبان و يسألان فان اتوا خيراً و ذكروا فضلاً رجعا الي رسول الله9 فاخبراه و احضر القوم الذين اثنوا عليهما و احضر الشهود فقال للقوم المثنين عليهما هذا فلان بن فلان و هذا فلان بن فلان اتعرفونهما فيقولون نعم فيقول ان فلانا و فلانا جائني عنكم  فيما بيننا بجميل و ذكر صالح اَفَكَما قالا؟ فان قالوا نعم قضي حينئذ بشهادتهما علي المدعي عليه فان رجعا بخبر سييء و ثناء قبيح دعا بهم فيقول اتعرفون فلاناً و فلاناً فيقولون

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 78 *»

 نعم فيقول اقعدوا حتي‌يحضرا فيقعدون فيحضرهما فيقول للقوم اهما هما فيقولون نعم فاذا ثبت عنده ذلك لم‌يهتك ستر الشاهدين و لاعابهما و لاوبخهما و لكن يدعو الخصوم الي الصلح فلايزال بهم حتي‌يصطلحوا لئلا‌يفتضح الشهود و يستر عليهم و كان رؤفاً رحيماً عطوفاً علي امته فان كان الشهود من اخلاط الناس غرباء لايعرفون و لاقبيلة لهما و لاسوق و لادار اقبل علي المدعي عليه فقال ما تقول فيهما فان قال ما عرفنا الا خيراً غير انهما قدغلطا في ما شهدا علي انفذ شهادتهما و ان جرحهما و طعن عليهما اصلح بين الخصم و خصمه و احلف المدعي عليه و قطع الخصومة بينهما اعتبر من هذا الخبر الشريف و بحث النبي9 عن حسن الظاهر بل شدة بحثه و هذا ايضاً من احد ادلتنا فقول العلامة ان البحث عن عدالة الشهود ما كان في عصر النبي9 قول بلامأخذ و اما ما بعد النبي9 فلايبعد ان كانوا احدثوا ذلك كما احدثوا عدم لزوم عدالة الامام فهذه الاخبار الواردة في كفاية عدم ظهور الفسق علي هذا مريب و قدقال النبي9 دع ما يريبك الي ما لايريبك و اما الاجماع المدعي فيقابله قول صاحب المسالك لكن المشهور الآن بل المذهب خلافه و هو موذن بالاجماع مع انه اجماع منقول عن محصل خاص و لايزيد علي خبر صحيح و يقابله هذه الاخبار الصحيحة الصريحة و ايضاً ما رويناه عن العسكري7 هنا و في تفسير الآية آنفاً احدث و اذا عارض الاحدث القديم فالترجيح للاحدث كما ورد في الاثر و ايضاً ما اخترناه مطابق للكتاب و ما اختاروه مخالف له لقوله تعالي ممن ترضون من الشهداء و قوله واشهدوا ذوي عدل منكم و قد قال العسكري 7 في تفسير قوله تعالي و استشهدوا شهيدين من رجالكم قال ليكونوا من المسلمين منكم فان الله انما شرف المسلمين العدول بقبول شهادتهم و جعل ذلك من الشرف العاجل و من ثواب دنياهم لايقال ان العدل هو من لم‌يظهر منه الفسق فان العدالة صفة وجودية كما مر و ما روي عن اميرالمؤمنين7 اعلم ان المسلمين عدول بعضهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 79 *»

 علي بعض الا مجلوداً في حد لم‌يتب منه او معروفاً بشهادة زور او الظنين فهو محمول علي التقية لانه7 قاله لشريح القاضي و هو معروف و قدقال له في آخر كلامه و اياك ان‌تنفذ قضية في قصاص او حد من حدود الله او حق من حقوق المسلمين حتي‌تعرض ذلك علي ان شاء الله و قدروي انه قال له يا شريح قدجلست مجلساً لايجلسه الا نبي او وصي نبي او شقي فقول اميرالمؤمنين7 في معني العدل كذلك لشريح ايضاً دليل علي ان هذه الاخبار صدرت تقية فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان العدالة في الشاهد هي حسن الظاهر و المعروفية بالستر و العفاف عند المعاشرين المخالطين له علي ما مر و ان شئت الحكمة في ذلك فاعلم انه كما بينا في السؤال السابق كل شيء يحكي لصفة من صفات الامام7 و شأن من شؤنه فالقضاوة شأن من شئونهم و القاضي يحكي ذلك الشأن و لابد فيه من ملكة راسخة ليحصل بها لمرآة قلبه صفاء تحكي قضاوتهم: فكذلك الشهادة اولاً صفة من صفات الله سبحانه و تختص به قال الله سبحانه قل كفي بالله شهيداً بيننا و بينكم وقال او لم‌يكف بربك انه علي كل شيء شهيد ثم حكيها اولاً النبي9 والائمة الطاهرون و قال تعالي وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس وقال ملة ابيكم ابرهيم هو سميكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم و تكونوا شهداء علي الناس فجعلهم الله امة وسطاً ليكونوا شهداء و الوسط لايكون الا متوسطاً بين الافراط والتفريط و هو العدل فجعلهم الله عدلاً ليكونوا شهداء ففي الرعية لايحكي صفة شاهديتهم الا من كان عدلاً و اما في الاية الثانية هو سميكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم و تكونوا من بعده شهداء علي الناس فسميهم مسلمين ليكونوا شهيداً فجعل الاسلام مجوزاً للشهادة فالمراد بالاسلام هنا ما روي المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه و لعل هذا هو المراد باطناً من الاخبار السابقة التي تمسكوا بها و من سلم المسلمون من يده و لسانه و لعل هذا هو المراد باطناً من الاخبار السابقة التي تمسكوا بها و من سلم المسلمون من يده و لسانه هو العادل الظاهر بالحسن لامحة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 80 *»

كما قال علي7 قال رسول الله9 من عامل الناس فلم‌يظلمهم و حدثهم فلم‌يكذبهم و وعدهم فلم‌يخلفهم فهو ممن كملت مروته و ظهرت عدالته و وجبت اخوته و حرمت غيبته و ذلك ان الفاسق لايكاد ينجو من يده و لسانه مسلم و كذا فسر الاسلام علي7 وقال لانسبن الاسلام نسبة لم‌ينسبه احد قبلي و لاينسبه احد بعدي الا بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداء الخبر. فقوله المسلمون عدول بعضهم علي بعض هكذا اجري الكلام في الظاهر تقية و اراد في الباطن ما قلنا و الاسلام الحقيقي حسن الظاهر و الباطن و كذا رواية علقمة كل من كان علي فطرة الاسلام جازت شهادته و ذلك ان الله قال فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم فمن كان علي فطرة الاسلام التي لم‌تتغير و لم‌تتبدل هو عادل لامحة فان فطرة الاسلام ما ذكرنا و كذا رواية حريز فهم: اذا اجروا كلاماً علي متفاهم العوام تقية يجرونه بحيث لاينافي الواقع في الباطن و ما ذكرنا ليس ببعيد في محل التقية و ان كانوا يرونه بعيداً فنريه قريباً بالجملة مالم‌يكن الشخص عدلاً بحسب الظاهر معروفاً بالحسن و الخير لاتقبل شهادته و لايحكي مقام شاهدية الائمة: اعتبر من قوله تعالي بئس للظالمين بدلاً ما اشهدتهم خلق السموات و الارض و اشهد الله الائمة: خلق السموات و الارض لانهم عدول و لم‌يشهد غيرهم لظلمهم فالشاهد في الرعية مالم‌يكن عدلا لايحكي ذلك المقام فان العبودية جوهرة كنهها الربوبية و لابد من مناسبة بينهما فافهم و اما عدالة الامام فهو ايضاً الحسن الظاهر لا الملكة و لاظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق اما عدم كونها الملكة لعدم نص عليه و اما عدم كونه مجرد الاسلام مع عدم ظهور الفسق لروايات مستفيضة منها رواية ابي‌علي‌بن‌راشد عن ابي‌جعفر7 قال له ان مواليك قد اختلفوا فاصلي خلفهم جميعاً قال لاتصل الا خلف من تثق بدينه و رواية زرارة قال سألت اباجعفر7

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 81 *»

 عن الصلوة خلف المخالفين فقال ما هم عندي الا بمنزلة الجدر و قال ابوعبدالله7 لاتصل خلف الغالي و ان كان يقول بقولك و المجهول و المجاهر بالفسق و ان كان مقتصداً و المجهول هنا هو المسلم المجهول لان غير المسلم لايصلي حتي تصلي بصلوته و رواية يزيد بن حماد عن ابي‌الحسن7 قال قلت له اصلي خلف من لااعرف قال لاتصل الا خلف من تثق بدينه و رواية يونس بن يعقوب من رضيت به فلاتقرأ خلفه فقداثبتت هذه الاخبار و اشترطت اموراً وجودية و هي ان تثق بدينه و ترضي به و الرضا به كناية عن العدالة كما قال تعالي ترضون من الشهداء و قدفسر العسكري7 معني المرضي و قد مر و نهت هذه الاخبار عن الصلوة خلف من لاتعرف و خلف المجهول مع ظهور اسلامهما ولادليل لهم في تجويز الصلوة خلف المسلم الذي لم‌يظهر منه فسق الا رواية عبد الرحيم القصير قال سمعت اباجعفر7 يقول اذا كان الرجل لاتعرفه يؤم الناس فيقرؤ القرآن فلاتقرأ و اعقد بقراءته و هذا الخبر يحتمل فيه ان يكون المراد بالرجل الامام العامي بقرينة يؤم الناس فان الناس في اصطلاح الشيعة في تلك الايام العامة و النهي عن القراءة تقية و يحتمل انه اذا رأي شيعة يصلي بالناس و يؤمهم يحصل له علم عادي بحسن ظاهره كما هو معتبر في العلم بالعدالة و الاول اولي بالجملة مقام عدالة الامام ادني من مقام عدالة الشاهد و الامر فيه اهون فانه يحكي مقام امامة الامام: في هذا الوجه الخاص و الامامة مقام تنزل الامام في رتبة الرعية بلباس انا بشر مثلكم و مقام شهادته مقام اطلاعه و احاطته و علمه بمادونه و لابد فيه من هيمنة و استيلاء علي المشهود عليه فالحاكي لشاهديتهم لابد له من مزيد عدالة و استقامة و صفاء و توسط حتي يحكيها و لما كانت الامامة انزل من الشاهدية صار الحاكي له ادون من الشاهد و وجه آخر في تنزل مقام الامام عن الشاهد ان الامام في الشاهدية اسم من اسماء الله سبحانه فان الله هو الشاهد و يظهر شاهديته في الامام فشهادة الامام شهادته و شهادته شهادة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 82 *»

الله و ليس الامامة من صفات الله سبحانه و انما هي راجعة الي بشريتهم: فهم في حال الاسمية لله سبحانه اعلي منهم في حال بشريتهم سلام الله عليهم و كذلك الحاكيان فشهادة العدل شهادة الله و ليس امامته امامة الله و ليس الله بامام خلقه فافهم و تدبر راشداً موفقاً.

قال وفقه الله و هل يكفي الظن بحصولها لانها من الموضوعات ام لابد من القطع.

اقول اعلم ان الامر امران امر عقلي و امر عادي فالامر العقلي لابد و ان يحصل فيه القطع العقلي و هو الذي يستحيل في العقل خلافه و لايمكن ان يزول ذلك القطع بتشكيك المشككين و شبه الملبسين لانه اذا عاين الانسان امراً بعين عقله و قطع بامتناع خلافه فليس ذلك يزول ابداً فما يزول بدليل اقوي او بتشكيك مشكك فهو الظن المساوي او المتآخم بالقطع و ليس بقطع لامحة و من عرف هذا الامر عرف ان اغلب ما يدعيه منتحلوا العلم او يشكون فيه ظن يسمونه قطعاً و انما ادعوا القطع لجهلهم بمعناه و مقتضاه و اما الامر العادي فلابد و ان يحصل فيه القطع العادي و هو الذي تعلم علماً قطعياً عادياً وجود شيء و تستمحل عادة خلافه و هذا القطع يجتمع مع الظن العقلي و شكه و جهله فرب شيء تعلم عادة وجوده بالادلة العادية و لم‌يقم لك دليل عقلي علي وجوده و لا علي عدمه فهو مجهول عقلاً او قام له دليل علي وجوده و دليل علي عدمه و لم‌تقدر علي ترجيح الطرفين بعقلك فذلك مشكوك عقلاً او رجحت احد الطرفين فذلك مظنون او اثبت احد الطرفين عقلاً و نفيت الآخر فذلك مقطوع عقلي فلرب ما قطع به عادة و عقلاً او قطع به عادة و ظن به عقلاً او شك فيه او جهل و هذا الذي ذكرت لك باب من العلم يفتح منه ابواب و ان القوم لما لم‌يميزوا المقامين اطالوا التشاجر في البين فاذا عرفته فاعلم ان النواميس كملاً في كل عصر و زمان من الامور العادية لا العقلية و ان كان مبادي النواميس لابد و ان تكون مثبتة بالعقل او عرف حكيم بعض احكامها او جلها او كلها بالعقل و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 83 *»

لكن الامم لما كلفوا بها لم‌يكلفوا بتحصيلها من طريق العقل و انما امروا ان يأتوها من بابها و ذلك لان الله لايكلف نفساً الا ما اتيها و وسعها و ما يرسل رسولاً الا بلسان قومه و معاشر الانبياء لايكلمون الناس الا علي قدر عقولهم و الناس لسانهم و معاشهم و علومهم نوعاً عادية فجرت الشرايع علي العادة و امروا ان يحصلوها من طريق العادة اذ كان لاتدركها عقولهم بالادلة العقلية و لاتبلغ حقايقها لان العقل كلي مدرك للكليات و امور الشرايع جزئية فليس للعقل اليها سبيل الا بتعليم الكلي المدرك للجزئيات و اشارته فانحصر طريق الشرايع بالعادي فلابد في جميع اجزائها العلم العادي و ان يكون قاطعاً في جميع ما كلف به بالقطع العادي و ان يعمل به سواء قطع به عقلاً و عرف كنهه بحيث امتنع عنده غيره عقلاً او ظن اصابته عقلاً او شك او جهل فمهما حصل لامرء قطع عادي بشيء من السبل العادية الموضوعة له هو تكليفه كما بينا و شرحنا و السبل العادية الموضوعة في النواميس النقل في نفس الاحكام عن صاحب الناموس و هو الشارع و التميز في موضوعاتها و متعلقاتها بالمشاعر المخلوقة لاجله و من يبتغ غير هذين سبيلاً فقد اخترع في دين الله و ابتدع و ضل ضلالاً بعيداً فما نحن فيه من مسئلة العدالة فنفس الحكم فيه فقد ثبت لنا بالسمع و النطق من كتاب الله و سنة نبيه و بقي التميز بالمشاعر و الحواس و لابد فيه من القطع لانه بعد ثبوت التكليف و اشتغال الذمة لابد من العلم بالخروج عن عهدة التكليف فلابد و ان يحصل العلم العادي بعدالة الرجل حتي يقبل شهادته و يصلي خلفه او يرافع عنده او يقلد او غير ذلك مما يشترط فيه العدالة

و اما الدليل علي اشتراط العلم بالعدالة من طريق السمع و النطق انا امرنا في خبر عبد الله بمعرفة الرجل بوصف العدالة حيث قال ان تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان و يعرف باجتناب الكباير و المعرفة لاتحصل بالظن و لابد فيه من العلم بحصول هذه الصفات فانه7 ناط الامر بامور يمكن العلم بها باسهل وجه من غير عسر و لاحرج فلاحاجة الي العدول عنه الي الظن بها و وجه استصعاب بعض العلم بالعدالة انهم ارادوا الملكة الراسخة النفسانية و يشكل العلم بها الا بعد ممارسة طويلة و مساورة كثيرة و معاشرة في

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 84 *»

الخلاء و الملاء و في الشدة و الرخاء و الصحة و المرض و العز و الذل و الغنا و الفقر و اما حسن الظاهر فليس بعسير فانه يدرك بالحواس الظاهرة و المشروط فيه ان تحصل العلم بانه ساتر لنفسه لايصدر منه ما ينافي ظاهراً بين الناس و ليس عليك من خلواته شيء الا تري انه7 قال في حديث عبد الله حتي يحرم علي المسلمين ماوراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك فليس عليك ان تحصل القطع بان الرجل في خلوته لايرتكب الموبق و لايأتي بالمنكر فاذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً لايظهر منه منكر بين الناس فهو الذي ظهرت عدالته و ثبتت مروته و قدمر في رواية يونس بن عبد الرحمن ان الشهادات من الخمسة التي يجب علي الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم فاذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته و لايسأل عن باطنه فاذا كان معني العدالة حسن الظاهر و وجب ان يوخذ فيها بظاهر الرجل و ظاهره مدرك بالمشاعر الظاهرة فلاسبيل الي الظن فيها كما امر بمعرفته في رواية عبد الله فتدبر في الاخبار الماضية تجد ذلك بلاغبار و تحفظ بماذكرنا هنا من الاصل الاصيل تنتفع به في كثير من الموارد انشاء الله.

قال سلمه الله و ايده و هل الامر بالمعروف يجب علي كل شخص علي حسب مقامه ام لا يجب الا بالشرائط الاربعة عند الفقهاء و بيان المراد منها فان اولها ان يكون عارفاً بالمنكر و اي معرفة تراد و كل شخص له مقدار من المعرفة علي حسبه و ان كان المراد معرفة الكامل فيسقط الكثير و لم‌تبق الا الامور الضرورية و لاسيما في المدرسين في الحكمة.

اقول ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لايجبان الا لمن استوفي شروطهما و هي علي ما في النصوص ثلاثة الاول العلم بالمعروف و المنكر الثاني تجويز القبول الثالث عدم اضطرار الي الترك لتقية او خوف و اما الرابع الذي اشترطه الفقهاء من الاستمرار و اصرار فاعل المنكر عليه فذلك شرط لايحتاج اليه فانه اذا انقلع الفاعل بنفسه عن فعله فليس بفاعل للمنكر حين انقلع حتي يجب علي العالم نهيه و امره فاذا علمت ان له الشروط الثلثة فليس يجب علي من اخل بالشروط

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 85 *»

فلم‌يعلمهما او علم و لكن لايجوز التأثير او علم و جوز التأثير في فاعل المنكر الا انه مضطر الي تركه من جهات اخر او من الفاعل و الدليل علي انه خاص بقوم دون قوم من الكتاب و السنة انه سئل الصادق7 عن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أواجب هو علي الامة جميعاً فقال لا انما هي علی القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا علي الضعيف الذي لايهتدي سبيلاً الي اي من اي يقول من الحق الي الباطل و الدليل علي ذلك كتاب الله قوله ولتكن منكم امة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر فهذا خاص غير عام و الامة واحد فصاعداً كما قال الله ان ابرهيم كان امة ليس علي من يعلم في هذه الهدنة من حرج اذا كان لاقوة له و لاعدد و لاطاعة و سئل7 عن الحديث الذي جاء ان افضل الجهاد كلمة عدل عند امام جاير ما معناه قال هذا علي ان يأمره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه و الا فلا و قال7 انما يؤمر بالمعروف و ينهي عن المنكر مؤمن فيتعظ او جاهل فيتعلم فاما صاحب سيف او سوط فلا و روي ليكن احدكم بمنزلة الطبيب الداوي ان رأي لدوائه موضعاً و الا امسك الي غير ذلك من الاخبار فهما يجبان لمن استوفي العلم و القدرة و اما غير ذلك فلايجب فان كان العالم المطاع واحداً وجب عليه و ان كان متعدداً فايهما اقام به سقط عن الآخر الا ان يكونا بحيث اذا اشتركا في الامر و النهي نفذ و الا فلا فحينئذ يجب عليهما معا و اما حد المعرفة التي بها يجبان فهو في مقامان الاول حد المعرفة بالنسبة الي حكم او حكمين او اكثر فمهما علم الرجل حكماً من الاحكام عن معرفة و يقين علي ما قرره الشارع في سبيله و في نفسه و رأي خلاف ذلك و هو مطاع في ذلك الحكم يجب عليه ان يأمر او ينهي و اما اذا كان يعلم شيئاً لا من سبيله علي ما اوقفه الشارع فليس يجب عليه شيء و انما ذلك ايضاً في المسائل المتفق علي كونه منكراً بين جميع العلماء و اما في المسائل الخلافية التي يحتمل ان يكون العامل اخذه من عالم آخر يقول بجواز عمله فليس يجب انكاره فانك لاتعلم انه منكر بل لو سئلت ان رجلاً قلد فلاناً في فعله تقول لا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 86 *»

بأس فانحصر المعروف فيما اوجبه الكل و المنكر فيما حرمه الكل فاذا رأيت شيئاً كذلك و انت مطاع فأمر به او انه عنه و اما غير ذلك فلاعليك و الثاني حد المعرفة بالنسبة الي مراتبها فليس يراد من المعرفة المعرفة الكاملة التي هي حظ الخصيصين الاخيار و النجباء الابرار بل المراد هو معرفة وجوبه او حرمته بظاهر الشرع فان علمه عالم انه في ظاهر الاسلام واجب او حرام امر به و نها عنه فان مناط التكاليف الشرعية هو ظاهر الاسلام و اما قولكم لم‌تبق الا الامور الضرورية فليس كذلك فان كثيراً من المنكرات و الواجبات يعرفها العلماء بلاخلاف بينهم و لا في اخبارهم الا ان العوام لعدم حاجتهم اليها او قلتها لم‌تتداول بينهم و الامور الضرورية ما يعرفها العام و الخاص و العبيد و الاحرار و الرجال و النساء و العلماء و الجهلة من اهل الاسلام او المذهب فاذا عمل عامل علي خلاف ما انعقد عليه المذهب ينهاه عنه او اذا ترك ما انعقد عليه المذهب يأمره به و لكن الشرط الثالث الذي ذكرنا في هذه الايام ايام الهدنة فقل ما يحصل فان الارض اليوم ملئت ظلماً و جوراً و مد العدوان باعه و ملأ ارباعه و تداعي عليه اعوانه من متجاهر بالفسق غير منكر اياه و من متلبس علي الناس بفضل علمه فهو ذئب في جلد الضأن يدعو الي الشر بلسان العدل و يعمل بالفسوق في لباس اهل الوثوق و التقية امر عظيم و خطب جسيم قدتهاون الناس في شأنها فوقعوا في حرج عظيم لاجل تقصيرهم فيها و زعموا ان التقية مخصوصة بالعامة بان يتقي عنهم مع ان الباقر7 يقول التقية في كل ضرورة و صاحبها اعلم بها حين تنزل به و قال7 التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقداحله الله له و قال الصادق7 ان للتقية مواضع من ازالها عن موضعها لم‌تستقم له و تفسير ما يتقي مثل ان يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم علي غير حكم الحق و فعله كل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لايؤدي الي الفساد في الدين فانه جايز انظر الي0 قوله عليه السلام ان يکون قوم سوء ای قوم اسوء من المتغلبين فی البلاد و علی العباد و اي حكم اظهر

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 87 *»

من حكمهم و فعلهم و هل تري شيئاً من حكمهم علي نهج حكم الحق فتبين ان التقية لا اختصاص لها بان‌تكون عن قوم دون قوم و لاتختص بزمان دون زمان بل هي سد جعله الله بينكم و بين اعدائكم من يوم قتل قابيل هابيل لايدك هذا السد الي ان‌يجيء وعد ربنا فاذا جاء وعد ربك جعله دكاء و كان وعد ربي حقاً و كان وعد الرب هو ظهور من يملأ الارض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً فيجعل سد التقية دكاء و يذر المنافقين بعضهم يموج في بعض فيجري عليهم ما يشاء قال الرضا7 لادين لمن لاورع له و لا ايمان لمن لاتقية له و ان اكرمكم عند الله اعملكم بالتقية قيل الي متي قال الي قيام القائم7 فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا فما كان يقول سيدنا اجل الله شأنه و انار برهانه في انه لاتقية في نصرة هذا الامر فهو لوجهين الاول بعد ان كثر الاعوان و ساعد الزمان و اضمحل اهل العدوان فيداهن رجل لجلب نفع او دفع ضر عن نفسه من المضمحلين فذلك لايجوز و اليوم الحمد لله و المنة في مثل بلدنا و في ايامه اجل الله شأنه في مثل بلد الحسين7 لاتقية في الجملة في هذا الامر بخصوصه فان اهل العدوان مقهورون و اهل العدل قاهرون فلايجوز التقية لاحد بالتمويهات لجلب نفع مظنون او ضرر موهوم فان اضعف منه يمشي من غير تقية و لايقدرون ان‌يسيئوا النظر اليهم فضلاً عن اذاهم فاي ضرر يلحق الانسان من اهل العدوان في مثل هذه البلدان و الثاني انا لانقول غير ما اجمعت عليه المسلمون و المؤمنون و لانقرؤ الا الكتاب و سنة النبي و آله الاطياب صلوات الله عليهم فلايجوز التقية لنوع المسلمين بان‌يتخاذلوا و يتداهنوا في نصرة الحق و يبقي الحق و اهله بلاناصر و لا معين مخذولاً فلايجوز لجملة المسلمين التخاذل عن نصرتنا فاذا تخاذل جمع و تداهن آخرون فبقي اثنان او ثلثة يريدون نصرة الحق و لايقدرون بيد جزاء في هذه الطخية العمياء فلايجوز لهم الا التقية و انتظار الفرج و يقع اجرهم علي الله الا ان‌يسفر العدل قناعه و يمد باعه و ذلك يكون حين ما يشاء الله و لله امر هو بالغه و عليه قصد السبيل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 88 *»

و هذا الذي ذكرنا في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر حكم كلي و ليلاحظ كل احد في شأنه فان الانسان علي نفسه بصيرة فمهما رأي في نفسه علماً و مطاعية يأمر و ينهي بقدر علمه و مطاعيته ولو بالنسبة الي عياله او ولده او عبيده او اخوته و صحبه فاتقوا الله ما استطعتم قال الصادق7 لما نزلت هذه الآية قوا انفسكم و اهليكم ناراً جلس رجل من المسلمين يبكي و قال انا عجزت عن نفسي كلفت اهلي فقال رسول الله9 حسبك ان‌تأمرهم بما تأمر نفسك و تنهاهم عما تنهي عنه نفسك و في رواية ان اطاعوك كنت قد وقيتهم و ان عصوك كنت قدقضيت ما عليك.

قال سلمه الله و ايده و هل البنا علي تقليد الميت رخصة ام عزيمة و علي تقدير المنع فهل يشمل المستحبات و السنن و هل يجوز التبعيض في التقليد و هل يجوز التقليد في القطعيات النظرية.

اقول ان تحقيق هذه المسئلة علي الحقيقة لابد فيه من بيان مقدمات لايتضح الامر بدونها فنذكرها في تلو فصول و قدسئلني هنا بعض الاصحاب و هو شيخنا الشيخ محمد بن صالح البحراني سلمه الله تعالي عن هذه المسئلة فلكثرة المشاغل لم‌يتيسر لي ان‌اكتب له فيها ما يكشف عنها نقاب الابهام فافصل المسئلة هنا بقدر الميسور ليكون جواباً له ايضاً اذا اطلع علي هذه الرسالة و كان سؤاله سلمه الله ما يقول مولانا ادام الله ظله العالي علي مرور الايام و الليالي هل عندكم فرق في تقليد العلماء بين الاحياء و الاموات كما هو عند اكثر المجتهدين الآخذين بآرائهم فانه قداجمع علي عدم تجويز تقليد الميت مطلقاً وجد فقيه ام لا بل كاد ان‌يكون اجماعاً منهم حقاً كان هذا الرأي ام باطلاً ام لافرق في ذلك كما هو عند المحدثين الآخذين بالاخبار فانهم لايفرقون بين الرجوع الي حيهم و ميتهم لانهم انما اخذوا و افتوا بالروايات و لدلالة كثير من الاخبار علي ذلك كصحيح محمد بن مسلم و صحيح سليمان بن خالد و صحيح الفضل بن شاذان و في رواية الحرث بن المغيرة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 89 *»

اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتي‌تري القائم7 الي غير ذلك و ما مستند المجتهدين هل مستندهم رواية المعلي بن خنيس ام لا مستند لهم ام لهم مستند غير هذا بينوا لنا ما هو الصواب عندكم فلكم الاجر و الثواب من الكريم الوهاب و افضل الصلوة و اكمل التسليم علي محمد و آله الحريين بالتبجيل و التعظيم انتهي كلامه ايده الله.

اقول التقليد في اللغة تعليق القلادة علي الغير و في اصطلاح العلماء هو العمل بقول الغير من غير حجة و دليل فكأنه يقلده دينه و في اصطلاح اهل البيت: هو الاخذ عن الغير بدليل او بغير دليل فعلي اصطلاح العلماء ليس الاخذ عن الله و رسوله و اوليائه و الفقهاء و رجوع الفقها الي العدول في شهادتهم تقليداً لقيام الدليل العقلي بلزوم الاخذ عن الله و رسوله و اوليائه و عن الفقهاء و قيام الدليل الشرعي للفقيه بلزوم الاخذ بقول العدلين و العمل به فيما يعمل فيه به ثم صار في العرف يطلق التقليد علي الاخذ عن الفقهاء ايضاً فرجع العرف الي اصطلاح اهل البيت: و في اصطلاحهم: يطلق التقليد علي الاخذ عن المعصوم ايضا كما روي محمد بن عبيدة ان اباالحسن7 قال له يا محمد انتم اشد تقليداً ام المرجئة قال قلدنا و قلدوا فقال لم‌اسئلك عن هذا فلم‌يكن عندي جواب اكثر من الجواب الاول فقال ابوالحسن7 ان المرجئة نصبت رجلاً لم‌تفرض طاعته و قلدوه و انكم نصبتم رجلاً و فرضتم طاعته ثم لم‌تقلدوه و قيل للرضا7 جعلت فداك ان بعض اصحابنا يقولون نسمع الامر يحكي عنك و عن آبائك فنقيس عليه و نعمل به فقال سبحان الله لا و الله ما هذا من دين جعفر هؤلاء قوم لاحاجة بهم الينا قدخرجوا من طاعتنا و صاروا في موضعنا فاين التقليد الذي كانوا يقلدون جعفراً و اباجعفر قال جعفر لاتحملوا علي القياس فليس من شيء يعدله القياس الا و القياس يكسره فتبين ان التقليد في عرف الائمة: يطلق علي الاخذ عن المعصوم و غير المعصوم ايضاً

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 90 *»

فمنه ما هو جايز و منه مالايجوز كما نبين ان شاء الله.

فصل

لاكلام في جواز الاخذ عن المعصوم بل في وجوبه لقيام الادلة العقلية في وجوب الاخذ بقوله و كذا لاخلاف في عدم جواز تقليد الجاهل مثله لعدم الدليل علي الاخذ بقوله بل وجود الدليل علي عدم جواز اخذ الدين عن الجاهل غير المنصوب من جانب الله و جانب حججه: عموماً و خصوصاً و انما الكلام في تقليد العلماء من المجتهدين و المحدثين هل قام دليل علي جواز الاخذ عنهم من غير فهم المأخذ و بيانه ام لا بل قام دليل علي عدم الاخذ فالمشهور بين المجتهدين انه يجوز لمن لم‌يبلغ رتبة الاجتهاد التقليد لمجتهد في المسائل الفرعية بل ادعوا عليه الاجماع و عن الذكري عليه اكثر الامامية و خالف فيه بعض قدمائهم و فقهاء حلب فاوجبوا علي العوام الاستدلال و اكتفوا فيه بمعرفة الاجماع الحاصل من مناقشة العلماء عند الحاجة الي الوقايع او النصوص الظاهرة او ان الاصل في المنافع الاباحة و في المضار الحرمة مع فقد نص قاطع في متنه و دلالته و النصوص محصورة و اما المحدثون فقدمنعوا عن التقليد رأساً اما دليل المجتهدين علي لزوم التقليد من العوام للعلماء الاعلام الاجماع الحاصل من تتبع حال السلف من الافتاء و الاستفتاء و تقريرهم و عدم انكارهم و قدنقل الاجماع عن السيد المرتضي و العلامة و غيرهما من علماء الخاصة و العامة و استدلوا ايضاً بعموم قوله تعالي فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و بما دل من الاخبار علي جواز الاخذ من العلماء و بلزوم العسر و الحرج الشديد لانه لو وجب علي العامي النظر في ادلة المسائل الفقهية لكان ذلك اما قبل وقوع الحادثة او عندها و القسمان باطلان اما قبلها فبالاجماع و لانه يؤدي الي استيعاب وقته بالنظر في ذلك فيؤدي الي الضرر بامر المعاش المضطر اليه و اما عند نزول الواقعة فلأن ذلك متعذر لاستحالة اتصاف كل عامي عند نزول الحادثة بصفة المجتهدين و استدلوا ايضاً باختلال نظام العالم اذا الاجتهاد ليس امراً سهلاً يحصل عند وقوع الواقعة بل يحتاج صرف مدة العمر او اغلبه فيه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 91 *»

اقول هذه الادلة تمام ادلتهم التي ذكروها او اقويها فانهم استدلوا بزعمهم بالكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل و لكن جميعها متهافتة رثة لايسمن و لايغني من جوع و هي كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتي اذا جاءه و عرفه لم‌يجده شيئاً اما استدلالهم بالاجماع المنقول او المحصل فغير ثابت لانهم ارادوا بتقليد المجتهد الاخذ عن عالم يحكم في الفروع علي ما استنبطه من الادلة التفصيلية و هي الكتاب و السنة و الاجماع و الادلة العقلية و بعض القياسات المجوزة علي اختلاف كالقياس الاولوي و التنقيح المناط و المنصوص العلة و المستنبط العلة الي غير ذلك مما جوزوه مجتمعاً او متفرقاً و الظنون مطلقة او خاصة و نحن لانسلم ان السلف كانوا يستفتون عن عالم يحكم بماذكرنا من دليل عقل او قياس او ظن بل المعروف من طريقة السلف الذي لايشك فيه عاقل فطن ان الامام في تلك الايام كان كاحد العلماء في هذه الايام و لهم المثل الاعلي و الفقهاء في تلك الايام كانوا جماعة سمعوا من الامام7 اخباراً كثيرة كالتلامذة فيفتونهم بما سمعوا من غير تحريف و لاتبديل و كان يأخذ المستفتي بفتواه اذا كان عنده ثقة كما يأخذ العوام يومنا هذا عن تلامذة العلماء و يذكرون اولئك لهم ما سمعوه من العالم او رأوه في كتابه و يقبل العامي قوله اذا علم وثاقته و لذا قال ابوعبدالله7 يغدوا الناس علي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء و ليس شق رابع يقول بالظن و يجب علي العوام تقليده فانشدهم الله هل العامي الآخذ عن تلامذتكم يومكم هذا مقلد لتلامذتكم و تلامذتكم مجتهدون ام لا و لااظنكم ترضون بذلك بل تسمون التلميذ راوياً لفتياكم و تقولون ان العامي قلدنا و هو مقلدنا و ليس بمقلد للنقلة البتة و من راجع كتب الاخبار عرف ذلك بلاغبار و ان شئت اسرد لك بعض الآثار حتي‌تستدل به علي الاغيار فمن ذلك ما سئل ابوالحسن7 من اعامل و عمن آخذ و قول من اقبل؟ فقال العمري ثقتي فما ادي اليك عني فعني يؤدي و ما قال لك عني فعني يقول

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 92 *»

فاسمع له و اطع فانه الثقة المأمون و سئل ابومحمد7 ايضاً عن مثل ذلك فقال العمري و ابنه ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان و ما قالالك عني فعني يقولان فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المأمونان و في التوقيع الرفيع عن بقية الله7 و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و قال ابوعبدالله7 اما ما رواه زرارة عن ابي‌جعفر فلايجوز لك ان‌ترده قيل لابي‌عبدالله7 انه ليس كل ساعة القاك و لايمكن القدوم و يجيء الرجل من اصحابنا فيسألني و ليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من ابي و كان عنده وجيهاً و عن ابان بن عثمن ان اباعبدالله7 قال له ان ابان بن تغلب قدروي عني رواية كثيرة فمارواه لك عني فاروه عني الي غير ذلك من الاخبار التي تبلغ التواتر في هذا المعني و قدرويناها في كتابنا فصل الخطاب و ذكرها الشيخ الحر رحمه الله في الوسائل و المجلسي في البحار بل ورد النهي الشديد علي التواتر عن الاخذ بقول جماعة يقولون من غير نص مسموع قال الصادق7 دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان و قال من دان الله بغير سماع من صادق الزمه الله التيه يوم القيامة و من ادعي سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك و ذلك الباب المأمون علي سر الله المكنون و قال اما انه شر عليكم ان‌تقولوا بشيء ما لم‌تسمعوه منا و قال7 قد سألني ابن شبرمة ما تقول في القسامة في الدم فاجبته بما صنع رسول‌الله9 قال ارأيت لو ان النبي9 لم‌يصنع هذا كيف كان يكون القول فيه قال قلت له اما ما صنع النبي9 فقداخبرتك و اما مالم‌يصنع فلاعلم لي به و سئل ايضاً عن مسألة فاجاب فقال الرجل ارأيت ان كان كذا و كذا ما كان يكون القول فيه فقال له مه ما اجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله9 و لسنا من ارأيت في شيء اعتبر من هذين الخبرين انه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 93 *»

كيف تكلم و اجاب تعليماً و لم‌يقل ان الاصل كان يقتضي كذا او هو بطريق اولي كذا او القاعدة كانت تقتضي كذا و لم يفت الا بسمع و نطق و قال7 ان الله فرض ولايتنا و اوجب مودتنا و الله ما نقول باهوائنا و لانعمل بآرائنا و لانقول الا ما قال ربنا عزوجل و قال و الله لنحبكم ان‌تقولوا اذا قلنا و تصمتوا اذا صمتنا و نحن فيما بينكم و بين الله ما جعل الله لاحد خيراً في خلاف امرنا الي غير ذلك من الاخبار المتواترة التي رويناها في كتابنا فصل الخطاب فاذا كان امر السلف كذلك كيف يمكن الاستدلال باستمرار استفتاهم و فتواهم بجواز تقليد العلماء المجتهدين القائلين بالظن و التخمين و القياسات المعروفة المجوزة بينهم و الادلة العقلية و كيف يكون تلك السيرة اجماعاً علي جواز التقليد هكذا فتبين و ظهر ان مدرك اجماعهم خطاء و لم يقم اجماع علي ما يريدون بل لو قال قائل انه قام الاجماع علي عدم الجواز له ذلك و يمكن له الاستدلال عليه بالاجماع و غيره كما بينا في مباحثاتنا و كتبنا و رسائلنا و اما استدلالهم بالكتاب بقوله تعالي فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون فليس في محله بل هو عليهم لا لهم فان اهل الذكر الائمة: فعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر7 قال ان من عندنا يزعمون ان قول الله عزوجل فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون انهم اليهود و النصاري قال اذا يدعونكم الي دينهم قال ثم قال بيده الي صدره نحن اهل الذكر و نحن المسئولون و يشهد بهذا التفسير رواية ابي‌بصير المرادي و رواية الفضيل و رواية عبد الله به عجلان و رواية عبد الرحمن بن كثير و رواية الوشا و رواية ابي‌بكر الحضرمي و رواية عبد الحميد بن ابي الديلم و رواية زرارة و رواية شعيب العقرقوفي و رواية الريان بن الصلت و رواية عمر بن يزيد و رواية بريد معوية و رواية احمد بن محمد فاذا ورد في تفسير آية هذه الروايات المستفيضة كيف يسع احداً ان‌يصرفها عن تفسير اهل البيت: و يفسرها برأيه و يستند الي تفسيره و قدقال اميرالمؤمنين7 من عمي نسي الذكر و اتبع الظن و بارز خالقه

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 94 *»

الي ان قال و من نجا من ذلك فمن فضل اليقين فمن نسي الذكر و اتبع الظن كيف يكون اهل الذكر حتي‌يسأل فتبين ان الآية لاتدل علي لزوم تقليد الفقهاء فلايجوز الاستدلال بها و اما استدلالهم بما دل من الاخبار علي جواز الاخذ من العلماء فقدذكرنا ان ديدنهم كان رواية ما سمعوه امامهم7 فتلك الاخبار عربی جارية ذلك المجري و ليس فيها ما عسي ان‌يدل علي جواز الاخذ عن المجتهدين كما مر بعضها و اما ما استدلوا بلزوم العسر و الحرج الشديد لو وجب علي العامي النظر في ادلة المسائل الفقهية فهو اعجب و اعجب فانهم بانفسهم شددوا الامر علي انفسهم و ضيقوه و ان الدين اوسع من ذلك و اوسع و انما هذا العسر و الحرج يلزم علي طريقتهم و لما اسسوا من القواعد و القوانين التي ما انزل الله بها من سلطان و انما كتب السلف حاضرة و اصولهم و النقول عنهم موجودة ففي اي كتاب و في اية رواية ذكر شيء من هذه القواعد والقوانين بل ما صار يحدث علي مر الشهور و الاعوام لم يكن في عصر من الاعصار و لم‌يكن في كتاب عالم من العلماء الابرار و انهم يزيدون ذلك يوماً فيوماً ثم يشترطونه في الاجتهاد و معروف عند الطلبة و المتعمقين ان شيخنا الآقا باقر عليه الرحمة ما كان يجوز مداولة علم الاصول ازيد من ستة اشهر و يقول ان ازيد منه تضييع للعمر و كان يذاكره في ستة اشهر بجميع مسائله و قدآل الامر في زمان شيخنا الملاشريف عليه الرحمة ان علم الاصول يذاكر من اوله الي آخره في ثلثين سنة و كذا في زمان مولينا الميرزا ابوالقاسم القمي عليه الرحمة و ليس جل هذه المسائل المنتشرة في الفوائد الحايرية و ليس جل ما حدث في عصرنا في القوانين و غيرها من كتب السابقين و في كل عصر يشترطون العلم بمايذكرونه في الاجتهاد و ينفونه عمن لايعلمه و انت تعلم ان هذا العلم قبل الكليني رحمه الله لم‌يكن في الشيعة مع ان اتباع الشافعي و ابي‌حنيفة كانوا يزاولونه و يداولونه بينهم كثيراً و لم‌يسئل احد من الشيعة امامهم عن بعض تلك المسائل الاختلافية بين العامة او الاتفاقية مع انهم كانوا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 95 *»

يجالسون العامة و يباحثونهم فلم‌يسألوا عن احدي مسائلهم الائمة: و ليس في شيء منها نص و لااثر بل النهي عن تلك المسائل موجودة فوق التواتر كما رويناها في كتابنا فصل الخطاب و لم‌يكن عدم سؤالهم اياهم عن شيء منه الا لاجل نهيهم: اصحابهم عن نوع ذلك العلم فماكانوا يجسرون ان‌يذكروا شيئاً منه في حضرتهم و لو كان يقع السؤال و الجواب عنه لكان شدة الحاجة اليه تقتضي نقله لامحة فانهم يزعمون انه لادين الا به فاذا ظهر خلو اعصار الائمة: و خلو زمان الغيبة عنه و انما حدث شيئاً فشيئاً و زاد شيئاً فشيئاً لممارسة كتب العامة و مزاولتها كما يشهد به كتب الاصول لان جل ما نقل فيها نقل عن العامة و كتبهم حاضرة لاسيما المفاتيح ظهر انه محدث و قدقال النبي9 شر الامور محدثاتها و قال ان احدث الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد9 و شر الامور محدثاتها و كل محدث بدعة و كل بدعة ضلالة فهم اشكلوا الامر علي انفسهم بحيث لابد و ان‌يصرفوا فيه اكثر اعمارهم و الا ما جاء به الكتاب و دعي اليه النبي و آله الاطياب فاوسع مما بين السماء و الارض قال7 ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك و قدبينا سهولة الاستنباط من الكتاب و السنة بحيث يقدر عليه كل مشغول بكسب معيشته و لم‌يمنعه عن كسبه يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و لايكلف الله نفساً الا وسعها و اما ما استدلوا به من اختلال النظام فلعله يختل النظام بانتفاء الرياسات و السياسات و الا بصيرورة الناس عالمين و عاملين عن علم و يقين اي اختلال يحدث في النظام و ما زعموا من ان الاجتهاد يحتاج الي صرف عمر فيه او اغلبه فيمتنع عن الكسب و العمل فذلك لما ضيقوا هم علي انفسهم و بينا ان الدين اوسع من ذلك فلاعسر و لاحرج و لا اختلال و علي ما ذكروا كان الناس في اعصار الائمة و الغيبة في عسر و حرج و كان نظامهم مختلاً و استراحوا في هذه الايام والتئم لهم النظام هيهات هيهات هؤلاء يحسبون انه في عصر الامام كان يمكن لكل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 96 *»

احد الوصول الي حضرتهم و لايتفكرون في انفسهم ان اهل البلاد القاصية ما كانوا يتمكنون من الوصول الي خدمتهم في عمر مرة فرب شيعي في تلك الاعصار لم‌ير امامه قط و لايتفكرون ان بعض الائمة كان في السجن بضع سنين و لايمكن احداً الوصول الي خدمته بل المكاتبة اليه فكيف كانوا يعملون اهل تلك الايام و احسب انت ايضاً ان امامك اليوم في المدينة المشرفة و انت هيهنا لاتقدر الوصول الي حضرته و التقبيل لعتبته بل في تلك الايام لم‌تكن الاخبار مجتمعة و الكتب مبوبة و الاخبار مشروحة مفسرة بعضها ببعض و اليوم الحمد لله عند كل احد من الاخبار مالم‌يكن عند عالم من علماء تلك الاعصار و في مصر واحد يوجد الآن من الآثار مالم يكن موجوداً في تلك الايام في كل الامصار فطريق الاستنباط في هذه الايام اسهل منه في تلك الايام مرات حتي ان اليوم يمكن لكل خباز و بقال و تاجر ان‌يستنبط و لكنهم ضيقوا علي انفسهم و علي الناس فبقيت العوام حياري في ذل الجهل كما تري و قدحققنا ما نذكره في مباحثاتنا و رسائلنا مراراً عديدة حتي اذعن له من كان له في علم الاصول ضرس قاطع فتبين للناظر البصير و المنصف الخبير ان ادلتهم كانت اوهن من بيت العنكبوت مع انه من اوهن البيوت و ما ما يزيد ذلك وهنا انه لما قبض رسول الله9 و غصب القوم الخلافة و رغبوا عن العترة الطاهرة و استبدوا بآرائهم و رأي علماؤهم ان النبي قدذهب و بقوا علي الحقيقة رعية واحدة لاعلو لأحد منهم علي الآخر علي الحقيقة الا بالسيف و السوط و ذلك ليس بامر حقيقي و ارادوا الاستعلاء و نسوا قول الله سبحانه تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الارض و لافساداً وضعوا هذا القانون ان الناس علي صنفين مجتهد و مقلد و لابد للمقلدين من ان‌يقلدوا المجتهدين حتي ظن بعضهم ان رسول الله9 كان مجتهداً و ان الناس في عصر رسول الله9 كانوا مجتهدين و مقلدين و ان معاذ بن جبل كان يجتهد في عصر النبي9 و الخلفاء كانوا مجتهدين و معوية كان مجتهداً و اداه رأيه الي حرب علي7

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 97 *»

فتداعوا علي هذا القول و دونوه و ذاكروه حتي شاع و ذاع بينهم حتي اجمعوا عليه و صار بينهم من المسلمات الضرورية و تسموا و سموا المجتهدين بالامام فقالوا الامام الشافعي و الامام الحنفي و الامام الفخر الرازي كل ذلك في مقابلة الشيعة و لما رأوا ان الرعية لاينتظم امرهم بغير رئيس و امام فصارت هذه المسئلة من اجماعياتهم و ضرورياتهم و اما الفرقة الناجية فكانوا بعد رسول الله9 يأخذون عن علي7 و هو امامهم يفتيهم عن سمع و نطق و عيان و احاطة و علم و بعده اخذوا عن الحسن7 كذلك و بعده عن الحسين9 كذلك و هكذا كانوا يأخذون في كل عصر عن امامه الي ان انتهي الامر الي الغيبة فكانوا يأخذون في زمن الغيبة عن النواب المؤتمنين المقدسين كذلك فاذا مضوا و انسد الباب الي الامام7 بقيت الشيعة مثل ما بقيت العامة بعد رسول الله9 فحدث فيهم المجتهد و المقلد و اوجبوا بادلة سمعتها تقليد العوام للمجتهدين و انت تعلم انه رويت اثار متواترة ان الرشد في خلاف العامة العميا فمنها ما قال ابوعبدالله7 اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم و قال في حديث أتدري لم‌ امرتم بالاخذ بخلاف ما يقول العامة فقيل لا ادري فقال ان علياً7 لم‌يكن يدين الله بدين الا خالف عليه الامة الي غيره لأبطال امره و كانوا يسألون اميرالمؤمنين7 عن الشيء الذي لايعلمونه فاذا افتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا علي الناس و قوله بدين نكرة واقعة في سياق النفي يفيد العموم فكل ما دان به علي7 خالف عليه العامة و كل ما عليه العامة خلاف ما كان اميرالمؤمنين7 عليه و قال الصادق7 ما انتم و الله علي شيء مما هم فيه و لا هم علي شيء مما انتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنيفية علي شيء و لفظة شيء في الخبر نكرة واقعة في تلو النفي يفيد العموم و هذه المسئلة ايضاً شيء و في رواية عنه7 في الخبرين اعرضوهما علي اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه و ما خالف

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 98 *»

 اخبارهم فخذوه و قيل للرضا7 يحدث الامر لا اجد بداً من معرفته و ليس في البلد الذي انا فيه احد استفتيه من مواليك فقال ائت فقيه البلد فاستفته في امرك فاذا افتاك بشيء فخذ بخلافه فان الحق فيه و روي انهم متي افتوا بشيء فالحق في خلافه و روي و الله لم‌يبق في ايديهم الا استقبال القبلة

اذا عرفت انه يجب علي الشيعة مخالفة ما العامة عليه و الاخذ بخلاف القوم و لو ورد خبر عن الائمة: مطابقاً لهم فما ظنك بما لم‌يرد خبر عنهم: فيه و اجمعت العامة العمياء عليه بل وردت نصوص كثيرة في الرد علي هذا القول و هذا الاختيار اعاذنا الله من زلة الاقدام و ضلة الاحلام و ان شئت ان اسرد لك شطراً من النصوص الناهية من اتخاذ المجتهدين و تقليدهم في ما يقولون من غير كتاب و لاسنة فاستمع قيل لابي عبد الله7 اتخذوا احبارهم و رهبانهم ارباباً من دون الله فقال اما و الله مادعوهم الي عبادة انفسهم و لو دعوهم ما اجابوهم و لكن احلوا لهم حراماً و حرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لايشعرون و قال7 اياكم و هؤلا الرؤساء الذين يترأسون فوالله ما خفقت النعال خلف رجل الا هلك و اهلك و قال7 اياك و الرياسة و اياك ان تطاء اعقاب الرجال قيل جعلت فداك اما الرياسة فقدعرفتها و اما ان اطاء اعقاب الرجال فما نلت ما في يدي الا مما وطئت اعقاب الرجال فقال ليس حيث تذهب اياك ان تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال و قال اميرالمؤمنين7 في حديث انما الطاعة لله و لرسوله و لولاة الامر و انما امر الله بطاعة الرسول لانه معصوم مطهر لايأمر بمعصية و انما امر بطاعة اولي الامر لانهم معصومون مطهرون لايأمرون بمعصية اقول اذا عرفت ان الامر بطاعتهم لانهم معصومون مطهرون فكيف يجوز في الحكمة ان يأمر الله بطاعة من يجوز ان يأمر بالمعصية و هو لايدري و قال اميرالمؤمنين7 من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال و من اخذ دينه عن الكتاب و السنة زالت الجبال و لم‌يزل و قال

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 99 *»

 ابوعبدالله7 يا معشر الاحداث اتقوا الله ولاتأتوا الرؤساء دعوهم حتي يصيروا اذناباً لاتتخذوا الرجال ولايج من دون الله انا و الله خير لكم منهم انظر في هذا الحديث الشريف انه7 كيف نهي احداث الشيعة عن اتيان الولايج و الرؤساء و هل كان الشيعة تأتي رؤساء العامة و تأخذ عنهم فتدبر و قال ايضا دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان الي غير ذلك من الاخبار المتواترة التي رويناها في فصل الخطاب فاذا ورد النهي عنهم كذلك و اجمعت العامة علي تصنيف الناس صنفين فاي عذر للقوم في هذه القاعدة المطردة بينهم انه لابد من مجتهد و من مقلد.

فصل

ان قال قائل انت تصدق الشيخ الاوحد و القمقام الامجد الشيخ احمد اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه و تذعن للسيد الجليل العالم فخر الاكابر و الاعاظم السيد كاظم اجل الله شأنه و انار برهانه و هما في زمانهما لم‌ينكرا علي القوم هذا الانكار الشديد بل باحثا و صنفا في هذا العلم و جريا مجريهم فما بالك انت تنكر هذا الانكار و تخالف ذلك المدار اليس انكارك عليهم انكاراً عليهما ايضاً

فالجواب عنه انهما انار الله برهانهما قدظهرا بامر كان اصلاحه اوجب من جميع الفرايض و هو اصلاح العقايد و اظهار فضائل آل الله: و نفي تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و ابطال الصوفية الملحدين و ازهاق حجج القائلين بوحدة الوجود و اتحاد الموجود و ساير الفرق الضالة المضلة فداروا في عصرهم مع ساير القشريين حتي لاتكثر الاعداء عليهم من كل جانب فيلجئوهما الي السكوت بازلاق السنتهم من كل وجه و الاجماع علي دفعهم فلايذكرالله رأساً و لم‌يذكر فضائل آل الله رأساً و لو ردا علي هؤلاء ايضاً كما ردا علي ساير الفرق و ارادا احياء الامر من الباطن و الظاهر معاً لم‌يتمكنا من اظهار كلمة واحدة و هما مع مداراتهما مع هؤلاء القوم و موافقتهما لهم قدعاشا في خوف و تعب و مرارات و نصب و هاجت في الصدور العداوة لآل الله و آل الرسول صلوات الله عليهم مدي الدهور حتي آذوهما بالسنتهم و ايديهم و كفروهما و سلبوهما و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 100 *»

طعنوا عليهما واتباعهما بين مقتول و مطرود و منفي من البلاد علي ما خاطبهم الله سبحانه ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم و تخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم و العدوان و ان يأتوكم اساري تفادوهم و هو محرم عليكم اخراجهم و كان ذلك بمرئي منكم و مسمع و والله هؤلاء قرناء اصحاب الاخدود ما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد فكيف كان الامر لو ردوا علي قشرهم ايضاً بل لم‌يصدقهما اغلب من صدقهما الا بتسليم لأمر القشريين و لو كان غير ذلك لم‌يقدروا علي كلمة واحدة من اظهار العقايد النبوية و المقامات الولوية و اما بعد ما حصحص الحق و ظهر الايمان المطلق و عم جميع البلاد و شاع في ساير العباد فلايجوز السكوت عما دل عليه الكتاب و جري في الشرع المستطاب حذراً عما روي اذا ظهرت البدع و لم‌يظهر العالم علمه الجمه الله بلجام من النار و والله لولا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها علي غاربها و لسقيت آخرها بكأس اولها  و جريت مجری اسلافی و اشياخی و لکن الحجه قدقامت و المواد استعدت و الطباع انتضجت فلا وجه للسكوت حينئذ ولاتزعمن ان ما اذكره من الرد عليهم هو امر صدر من رأيي او علم ذكرته من هوامي بل هو ما اخذته عن سيدي و مولاي و معتمدي و رجائي و انا اعلم بلهجته و لغته و علانيته و سريرته من غيري الاتري ان سيدي و مولاي ابرز من علم الشيخ مالم‌يذكره الشيخ و لكن لما كان مصدق من شيخه لم يسع احداً ان يرد عليه و لاسيما اذا اتي علي كلامه من الادلة ما اتي به الشيخ من الكتاب و السنة و دليل العقل فكذلك الآن حرفاً بحرف انا آتيك بما اتي به اسلافي من الكتاب و السنة و دليل العقل بل هو من سماع و نطق من مولاي و سيدي و رجاي و معتمدي فلايذهبن بك المذاهب و لاتخالفن ما ارسمه لك و لو تيسر الملاقات لرأيت و سمعت مني ما لايبقي لذي مقال مقالاً و لكن لايمكنني اظهار ما كمن في الصدور الا بقدر الميسور.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 101 *»

فصل لما بني القوم امرهم علي الاجتهاد و التقليد كما بني العامة بناءهم عليه جروا علي مجريهم في جميع الخلافات فقالوا المجتهد اما مطلق و اما متجزي فقالوا المجتهد المطلق يجب عليه ان يعمل برأيه و يجب علي العوام تقليده و اما المتجزي فاختلفوا فيه هل يجوز له العمل برأيه و للناس تقليده ام لا و هذا الخلاف بعينه يجري و يتمشي علي مذهب العامة و هو منهم و اليهم و هل يجب تقليد الاعلم ام لا و يجب الفحص عن الاعلم ام لايجب و المجتهد قبل ان يجتهد في المسئلة هل يجوز له تقليد غيره ام لا و علي فرض الجواز يجوز في ضيق الوقت او في كل حال و يجوز فيما يخصه او و فيما لايخصه ايضاً و يجب تقليد الاعلم منه او تقليد المساوي ايضاً جايز و يجب ان يقلد الصحابي اذا قلد او غيره ايضاً جايز و هل يجوز التقليد في اصول العقايد ام لا و عن جماعة منهم المحقق الطوسي جوازه و هل يجوز بناء المجتهد علي الاجتهاد السابق ام لابد له من تجديد النظر و هل يجوز العدول عن تقليد حي الي تقليد حي آخر ام لا و قدخرق هذه الاختلافات الاسماع و ملأت الاصقاع بحيث لاينكر شيء منها و انا الآن ايضاً لايمكنني من كثرة المشاغل ايراد جميع ما في قلبي فانظر ايدك الله هل يتمشي هذه الاختلافات علي مذهب الشيعة و هل وضعت العامة هذا الامر الا لاثبات رياستهم علي العوام و قولهم بجواز التقليد في الاصول هل هو الا تمويه منهم علي العوام لئلا يتفطن العامي رباً و لا رسولاً و لا اماماً بل يتبع هذا الرئيس و لم‌يتدبروا ان الاصول لو كان التقليد فيها جايزاً ما كان وجه ترجيح لتقليد الشيعة علي تقليد اليهود و النصاري بالجملة هذه الاختلافات لايجري و لايتمشي علي مذهبنا ابداً لانا لانجوز تقليد احد احداً لا في الفروع و لا في الاصول و انما نوجب العلم بالاصول والفروع علي جميع الرعية و نقول ان الامام7 هو العالم و جميع الشيعة متعلمون و لابأس بان يكون واحد متعلماً من امامه من غير واسطة و واحد متعلماً بواسطة و علي ذلك جرت سنة الشيعة في زمن الائمة: و قدتحقق عندنا الاجماع الذي يشك في الشمس في رابعة النهار و لايشك فيه علي انه يجب تقليد المعصوم عن الخطاء لاغيره كما يأتي ان شاء الله تعالي.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 102 *»

فصل في تقليد الحي و الميت الذي وقع السؤال عنه من الفاضلين سلمهما الله اعلم ان هذه المسئلة قداختلف العلماء فيها اي العلماء الاصوليون و الاخباريون والشيعة و العامة فالمشهور عند علمائنا الاصوليين عدم جواز تقليد الميت و عن مشهور العامة جوازه و لذا صار بناؤهم علي تقليد الاصنام الاربعة و من علمائنا من فصل فمنع مع وجود الحي لا مع عدمه و من علمائنا من جوز تقليد الميت و العمل بروايته كجمع من الاخباريين و استدل المانعون عن تقليد الميت بان التقليد انما ساغ للاجماع المنقول و هو ما قدمنا من اجماعهم و حكينا عنهم سابقاً و تكلمنا عليه و بينا وهنه باحسن بيان و للزوم الحرج الشديد و العسر بتكليف الخلق بالاجتهاد و كلا الوجهين لايصلح دليلاً في موضع النزاع لأن صورة حكاية الاجماع صريحة في الاختصاص بتقليد الاحياء و الحرج و العسر يندفعان بتسويغ التقليد في الجملة علي ان القول بالجواز قليل الجدوي علي اصولنا لان المسئلة اجتهادية و فرض العامي فيها الرجوع الي فتوي المجتهد فالقائل بالجواز ان كان ميتاً فالرجوع الي فتواه فيها دور و ان كان حياً فاتباعه فيها و العمل بفتاوي الموتي في غيرها بعيد عن الاعتبار غالباً مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا علي المنع من الرجوع الي فتوي الميت مع وجود المجتهد الحي بل قدحكي الاجماع فيه صريحاً بعض الاصحاب و قال بعضهم ظاهر الاصحاب الاطباق علي عدم جواز العمل بالرواية عن الميت و من اهل الخلاف من اجازه و هذا الذي ذكرنا هو اقوي دليلهم في المقام فان صاحب المعالم قال الحجة المذكورة للمنع في كلام الاصحاب علي ما وصل الينا ردية جداً لايستحق ان يذكر ثم قال و يمكن الاحتجاج له بما ذكرنا هنا نقلاً عنهم و كذا قال القمي في القوانين ان الاحتجاجات المذكورة لنفي الحجية في كلام الاصحاب كلها ضعيفة اقواها ما اختاره صاحب المعالم و مرجعه الي ان الاصل حرمة العمل بالظن و ما دل علي جواز التقليد امران و حكي ما حكينا عنهم انظر الآن اولاً في اصل الخلاف فانا في عويل من اصل التقليد حياً كان المجتهد ام ميتاً لما ذكرنا من الاخبار و الآثار و صحيح الاعتبار و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 103 *»

هم يختلفون في تقليد الميت ثم ارجع البصر في دليلهم فانهم اعترفوا ان الاصل عدم جواز التقليد و العمل بالظن مطلقاً ثم سوغوا تقليد الحي بدليلين الاول الاجماع الذي رأيت انه كان اهون من بيت العنكبوت مع انه من اوهن البيوت و الثاني لزوم العسر و الحرج الذي قدمنا انه يلزم علي طريقتكم و ما نسجتم علي انفسكم و اما علي طريقة اهل البيت: لايلزم عسر و لاحرج من تفقه كل من العوام و الخواص كما كانوا يتفقهون في اعصارهم و لاحرج فاذا بطل دليلهم هذا فالباقي علي قولهم لايستحق ان يذكر و انما هذا الخلاف ايضاً يتمشي علي طريقتهم و اما علي ما اخترنا من طريقة اهل البيت: فلاحاجة الي تقليد حتي يقلد حياً او ميتاً و اما ما زعمه شيخنا الشيخ محمد من ان مستندهم رواية المعلي بن خنيس فلم‌ار من استدل بها لهم الا ما وجدته في حواشي المفاتيح بخط شيخنا الفقيه الشيخ نعمة الله رحمه الله نقلاً من شرح الشيخ عبد علي علي المفاتيح و قدذكر هو ان مستندهم رواية المعلي بن خنيس و ها انا اذكرها لك و انظر هل فيه دلالة علي عدم جواز تقليد الميت فعن المعلي بن خنيس قال قلت لابي‌عبدالله7 اذا جاء حديث عن اولكم و حديث عن آخركم بايهما نأخذ فقال خذوا به حتي يبلغكم عن الحي فان بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال ثم قال ابوعبدالله7 انا و الله لاندخلكم الا فيما يسعكم و هذا الخبر كما تري ظاهر في ترجيح الخبرين الوارد احدهما عن الامام الماضي و الآخر عن الحي فقال خذ بالحديث الاول الذي قاله الماضي بحسب مصلحة زمانه و رعيته حتي يبلغكم خلافه عن الحي فانه دليل تغيير المصلحة في الرعية من حدوث تقية او رفعها « و نحن بواد و العذول بوادي» اين هذا الخبر من تقليد الفقيه الحي و الميت و نحن لانجوز التقليد رأساً حتي يقلد الحي او الميت و لو كان هذا الخبر مما يدل علي مطلبهم لحفظوه اكثر من حفظهم ارواحهم و لكنهم رأوا انه لادلالة له و اما الاخبار التي زعمه شيخنا الشيخ محمد انها دالة علي جواز تقليد الميت فلابد و ان نحمل التقليد في كلامه علي اخذ الرواية كما اشار اليه في قوله انما اخذوا وافتوا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 104 *»

بالروايات فعلي هذا المعني يجوز تقليد الميت لكن لايتمشي في تقليد من يقول بالقواعد المقررة و القوانين المنقحة بالادلة التي زعموها عقلية بل هو مختص بمن يفتي بالنصوص لاغيرها فقولكم هل البناء علي تقليد الميت رخصة ام عزيمة يتمشي علي مذهب جماعة قالوا بوجوب تقليد المجتهدين ثم لما مات المجتهد هل يجب البقاء علي تقليده ام يجوز ام لايجوز و يجب العدول الي تقليد الحي اما عدم الجواز فقدذكرنا دليلهم و بينا وهنه و اما دليل الموجبين البقاء علي التقليد السابق بعد موت المجتهد استصحاب التقليد و هذا ايضاً دليل عجيب في مثل هذا المقام فان الاستصحاب علي فرض صحة الاستدلال به في نفس الاحكام يجري اذا لم‌يتغير الموضوع  و هنا تغير الموضوع و ثانيا انهم اوجبوا تقليد الحي بالاجماع المنقول و الاجماع علي فرض صحته انعقد علي وجوب تقليد المجتهد اذا كان حياً فبعد موته كيف يستدل علي استصحاب مفاد الاجماع في حال الموت و الاجماع امر لبي عندهم خاص بالموضع الذي انعقد فيه و لو كان جارياً فيما بعده لم‌ينعقد علي حال حيوته وحده فاذاً اجراء الحكم بالاستصحاب في هذا المقام قياس حال لم‌ينعقد الاجماع عليه بحال انعقد عليه الاجماع و هو منهي عنه هذا مع انا قداقمنا البرهان علي ابطال اصل الاجماع المدعي و ابطال اصله فما كان اصله هكذا كيف يستصحب حكمه في الحال الثاني الذي تغير موضوعه قطعاً فاذا بطل اجراء الاستصحاب هنا بطل العزم عليه و الرخصة فيه ايضاً و اما قولكم علي تقدير المنع فهل يشمل المستحبات و السنن ام لا فاعلم ان الاصحاب جوزوا العمل بالمستحبات المفتا بها في كتب الاصحاب و قالوا بجواز التسامح في ادلة السنن اشتباها منهم في الاخبار في الواردة التي منها ما روي عن ابي‌عبدالله7 من بلغه شيء من الثواب علي شيء من الخير فعمله كان له اجر ذلك و ان كان رسول‌الله9 لم‌يقله و وجه اشتباههم في هذا الخبر و امثاله انه ورد في بيان كرم الكريم عم نواله حيث ان من غاية الكرم انه لو قال لك قائل لو عملت كذا و كذا يعطيك السلطان كذا و كذا فتعمل ذلك العمل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 105 *»

فاذا اطلع السلطان علي عملك و علي وعد الواعد ينجز ذلك الوعد حيث ان العامل عمل ذلك العمل طمعاً في جود السلطان فلايناسب كرمه ان يخيب طمع الطامع في جوده و ان كان هو لم يقرر ذلك الجزاء لذلك العمل فمن كرم الكريم ان ينجز عدة الواعد عنه و لو بالكذب مثل ما هو معروف من العرب ان من تسلب في طريق و ذهب عند شيخ من المشايخ و قال اني خرجت من بلدي علي وجهك فسلبوني لايصبر ذلك الشيخ حتي ينتقم من سالبه و يأخذ له سلبه و يعطيه فهذا الخبر عربی جري هذا المجري و لابد و ان يكون العمل الذي يعمله معلوماً خيريته ثابتاً شرعيته ويكون الكذب قدصدر عن الواعد في ثوابه لا في نفس عمله و ذلك كأن يروي لك رجل ان من صلي نافلة الزوال فله كذا و كذا من الثواب فتصلي نافلة الزوال المعلومة شرعيته و خيريته فيكون لك ذلك الثواب و ان كان رسول‌الله9 لم يقله و اما اذا قال لك من صلي كذا و كذا صلوة علي نظم لم‌تجر بها شريعة و ذكر له من الثواب كذا و كذا فليس لك ذلك الثواب ان عملت بقوله فانه بدعة و الخبر ظاهر فيما ذكرنا فانه قال بلغه شيء من الثواب علي شيء من الخير فالخير لابد و ان يكون معلوماً انه خير و الذي يروي الراوي ثواب ذلك الخير المعلوم و مثل ذلك قوله7 من سمع شيئاً من الثواب علي شيء فصنعه كان له و ان لم‌يكن علي ما بلغه و قول ابي‌جعفر7 من بلغه ثواب من الله علي عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه و ان لم‌يكن الحديث كما بلغه و عن احدهم: من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه و ان لم‌يكن الامر كما نقل اليه و عن ابي‌عبدالله7 من بلغه عن النبي9 شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له و ان كان رسول‌الله9 لم‌يقله و بالجملة الاخبار ظاهرة فيما ذكرنا و لادلالة لها علي الاخذ بقول كل من يقول هذا مستحب او سنة و انت لاتعلم من جهات اخر ان ذلك القول حق و ان ذلك العمل مستحب او سنة حقيقة فاذا منعنا عن تقليد الميت نمنع عن تقليده ولو في المستحبات و السنن التي لاتعرفها من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 106 *»

طريق آخر و اما قولكم هل يجوز التبعيض في التقليد فيعلم مما قدمنا انه لايجوز التقليد رأساً فلاحاجة الي اقامة الادلة ثانياً نعم علي فرض الجواز يجوز تبعيض التقليد لان الكل حكم الله و لم‌يقم دليل علي التزام تقليد مجتهد واحد و اما قولكم هل يجوز التقليد في القطعيات النظرية فان كان المراد منها العقايد فقدتبين ان التقليد في الفروع غير عربی جايز فكيف يجوز في العقايد لمن عرف الخلاف و ان كان المراد القطعيات النظرية الفرعية فان في الفروع ايضاً ما هو نظري و يقطع فيه بعد النظر فاذا كان الشخص نظر فيه فقطع بالمسئلة كيف يقلد غيره و لذا نفوا التقليد في الضروريات لحصول القطع فيها لكل من دخل الاسلام او المذهب و نبين لك امر التقليد في العقايد علي ما ورد به الكتاب و السنة و يساعده دليل العقل القائم علي عدل الله سبحانه اعلم ان الناس اولاً صنفان صنف اهل الغفلة الصرفة و هم الذين عقولهم كعقول الصبيان الغافلين عن اختلاف الناس و مذاهبهم و آرائهم و هم الذين قال الله فيهم الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلاً و قال ابوجعفر7 و قدسئل عن المستضعف فقال هو الذي لايهتدي حيلة الي الكفر فيكفر و لايهتدي سبيلاً الي الايمان لايستطيع ان يؤمن و لايستطيع ان يكفر فهم الصبيان و من كان من الرجال و النساء علي مثل عقولهم و الصبيان مرفوع عنهم القلم و قال ابوعبدالله7 فيهم هم اهل الولاية فقيل اي ولاية فقال اما انها ليست بالولاية في الدين و لكنها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة و هم ليسوا بالمؤمنين و ليسوا بالكافرين و منهم المرجون لامر الله و قال من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف و سئل ابوالحسن7 عن الضعفاء فكتب الضعيف من لم‌ترفع اليه حجة و لم‌يعرف الاختلاف فاذا عرف الاختلاف فليس بضعيف انتهي. فهذا القسم من الناس ليسوا بمؤمنين و لاكافرين و ان اتبعوا ذوي العقول منهم و قلدوهم و ليس ان التقليد اجزأ عنهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 107 *»

فجعلهم مؤمنين و ان كان جري عليهم حكم الاسلام فصاروا من اهل المناكحة و الموارثة و المخالطة بل هم مرفوع عنهم القلم فهؤلاء تحت المشية ان شاء عذبهم بذنوبهم و ان شاء ادخلهم الجنة برحمته و قدسأل زرارة اباجعفر7 هل سئل رسول‌الله9 عن الاطفال فقال قدسئل فقال الله اعلم بما كانوا عاملين ثم قال يا زرارة هل تدري قوله الله اعلم بما كانوا عاملين قال زرارة لا قال لله فيهم المشية انه اذا كان يوم القيمة جمع الله عزوجل الاطفال و الذي مات من الناس في الفترة و الشيخ الكبير الذي ادرك النبي9 و هو لايعقل و الاصم و الابكم الذي لايعقل و المجنون و الابله الذي لايعقل فكل واحد منهم يحتج علي الله عزوجل فيبعث الله عزوجل اليهم ملكاً من الملئكة فيؤجج لهم ناراً ثم يبعث الله لهم ملكاً فيقول لهم ان ربكم يأمركم ان تثبوا فيها فمن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً و ادخل الجنة و من تخلف عنها دخل النار و في مرفوعة انه سئل عن الاطفال فقال اذا كان يوم القيمة جمعهم الله تعالي و اجج لهم ناراً و امرهم ان يطرحوا انفسهم فيها فمن كان في علم الله عزوجل انه سعيد رمي بنفسه فيها و كانت عليه برداً و سلاماً و من كان في علمه انه شقي امتنع فيأمر الله بهم الي النار فيقولون يا رب تأمر بنا الي النار و لم يجر علينا القلم فيقول الجبار قدامرتكم مشافهة فلم‌تطيعوني فكيف لو ارسلت رسلي بالغيب اليكم و عن زرارة قال قلت لابي‌عبدالله7 ما تقول في الاطفال الذين ماتوا قبل ان يبلغوا فقال سئل عنهم رسول الله9 فقال الله اعلم بما كانوا عاملين ثم اقبل علي فقال يا زرارة هل تدري ما عني بذلك رسول الله9 قال قلت لا فقال انما عني كفوا عنهم و لاتقولوا فيهم شيئاً و ردوا علمهم الي الله الي غير ذلك من الاخبار و هذه النار هي نار التكليف التي قال الله فيها و ان منكم الا واردها و لابد لكل مؤمن ان يدخلها اما في دار الدنيا و اما في البرزخ و اما في الآخرة فالمستضعفون الذين لم‌يدخلوها في دار الدنيا يجسم لهم التكليف علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 108 *»

هيئة النار المؤججة فيؤمرون بالدخول فيها فمن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً و من لم‌يدخلها ادخل نار عربی جهنم و لعلك قدعرفت انه لو كان يكفيهم في الايمان اتباعهم ذوي العقول منهم في دار الدنيا و كان يجزي عنهم ايمانهم في الدنيا لما احتاجوا الي تكليفهم في الآخرة ثانياً و قدتبين و ظهر ان الناس اما مؤمنون في الواقع و اما كافرون و الاستضعاف امر دنيوي فهم في الدنيا ليسوا بمؤمنين و لاكافرين و لكن في الآخرة اما يستقر عليهم الايمان و اما يستقر عليهم الكفر و لاثالث قال الله سبحانه و تعالي هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن و قدقال ابوجعفر7 لايدخل الجنة كافر و لايدخل النار الا الكافر فمن ابي من المستضعفين دخول النار فهو كافر و من دخل فهو مؤمن فقدتبين لك امر هذا الصنف من الناس و اما الصنف الآخر فهم من سمعوا بالخلاف و عقلوا اختلاف المذاهب و  الآراء و تشتت فرق الناس فمن سمع الخلاف و هو عاقل ليس بمرفوع عنه القلم فذلك لايعذر بتقليد غيره و قد ذم الله سبحانه هؤلاء حيث قالوا انا وجدنا آباءنا علي امة و انا علي آثارهم مقتدون و فيهم ورد الآيات الناهية عن الاعتماد علي الظن كقوله تعالي ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و قوله ولاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولاً و قوله ما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن و ان الظن لايغني من الحق شيئاً و قوله ان يتبعون الا الظن و ما تهوي الانفس و لقدجاءهم من ربهم الهدي الي غير ذلك من الآيات و قدتقرب سبعين آية و فيهم قال العالم7 من اخذ دينه من افواه الرجال ردته الرجال و قال من دخل في الايمان بعلم ثبت فيه و نفعه ايمانه و من دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه فكيف يجزي هؤلاء صرف التقليد و هم من المكلفين الذين جري عليهم القلم الم‌تسمع ما روي عن ابي‌الحسن7 يقال للمؤمن في قبره من ربك فيقول الله فيقال له ما دينک فيقول الاسلام فيقال له من نبيک فيقول محمد فيقال له من امامك فيقول فلان فيقال كيف علمك بذلك

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 109 *»

 فيقول امر هداني الله و ثبتني عليه فيقال له نم نومة لاحلم فيه نم نومة العروس ثم يفتح له باب الي الجنة فيدخل اليه من روحها و ريحانها فيقول يا رب عجل قيام الساعة لعلي ارجع الي اهلي و مالي و يقال للكافر من ربك فيقول الله فيقال له من نبيک فيقول محمد فيقال له ما دینک فيقول الاسلام فيقال من اين علمت ذلك فيقول سمعت الناس يقولون فقلته فيضربانه بمرزبة لو اجتمع عليها الثقلان الانس و الجن لم‌يطيقوها قال فيذوب كما يذوب الرصاص ثم يعيدان فيه الروح فيوضع قلبه بين لوحين من نار فيقول يا رب اخر قيام الساعة انتهي. اعتبر من هذا الحديث الشريف انه لابد و ان يكون الرجل في دينه علي هداية من ربه و تثبيت منه فلو كان دينه بمتابعة الناس و لو اقر بالتوحيد و الرسالة و الاسلام فهو كافر و الدليل علي ان هذا ليس بمستضعف ظاهر في نفس الخبر فانه يعذب و مزيداً عليه ما قال ابوعبدالله7 لايسئل في القبر الا من محض الايمان محضاً او محض الكفر محضاً و الآخرون يلهون عنهم فتبين و ظهر ان غير المستضعف مكلف مطلوب بالدلايل علي دينه و لايقبل عنهم و لايجزيهم اتباع الناس و تقليدهم ابداً ابداً و بذلك ورد الكتاب و السنة و دليل العقل المستنير بهما يساعدهما و هو قول جمهور اهل الاسلام الا من شذ و ندر و لاعبرة بقولهم في مقابل هذا الجم الغفير و يكفي مثل جنابك هذا المقدار من البيان ان‌شاء‌الله.

فصل فاذ قدعرفت ان الاجتهاد و التقليد امر محدث في زمان التابعين و لم‌يكن في عصر النبي9 و في طريقة اهل البيت: و ان العامة لما ارتحل رسول الله9 عن بين ظهرانيهم و لم‌يلجئوا الي ركن وثيق بعده و ارادوا الرياسة علي الضعفة و مقابلة ائمة الحق: وضعوا هذه القاعدة و سموا مجتهديهم ائمة و قالوا ان الناس صنفان مجتهد و مقلد و اما الشيعة فقد‌ آلوا بعد رسول الله9 الي وصيه و خليفته من بعده بنص منه و علموا ان الارض لاتخلو من قائم لله بحجة و قالوا ان الناس صنفان امام

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 110 *»

و رعية تأتم به و قال امامهم الصادق7 يغدو الناس علي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء فاعلم ان الامر سهل ليس بصعب علي ما استصعبوه و ان تحصيل الدين من غير تقليد اسهل من كثير من العلوم و ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك و يمكن ذلك لجميع المكلفين مع كثرة مكاسبهم و مشاغلهم بلاعسر و لاحرج و ها نحن نبين لك ذلك ان شاء الله علي طريق الاختصار و قدفصلنا القول فيه في كتابنا المسمي بالقواعد و استقصينا اخباره في كتابنا المسمي بفصل الخطاب و هو يحتاج الي رسم مقدمات.

الاولي اعلم ان الامور ثلثة امر عقلي و امر شرعي و امر عادي و قدبينا سابقاً شيئاً منه فالامر العقلي مدركه العقل و لابد فيه من القطع العقلي الذي لايحتمل الخلاف عقلاً اي يمتنع خلافه فما كان سبيله كذلك لو اجتمع علي خلافه الجن و الانس لما يزيله عنه خلافهم بل لو روي له اخبار علي خلافه اولها و لكن مثل هذا القطع لايحصل للانسان الا ان يكون عقله مستنيراً بنور الله سبحانه و نور نبيه و الائمة الهداة: مؤيداً بالكتاب و السنة المجمع عليهما و اما هذه العقول الضعيفة فلايكاد يحصل لها مثل هذا القطع الاتري انهم يدعون القطع في مسئلة يوماً و يرجعون عنه في يوم آخر و تزيلهم ادني شبهة فذلك ليس بيقين و انما هو علم قدشبه لهم. و اما الامر العادي فيحتاج فيه الي قطع عادي علي حسب متعارف في العرف في امور معاشهم و معاملاتهم و مكاتباتهم و مراسلاتهم و حوالاتهم فلربما الانسان يأتيه خط من اخيه من بلد الي بلد و فيه حوالة يستيقن انه خطه و رشمه و يعطي ما حول من غير نكير عليه من العقلاء و اولي البصائر او يأتيه خبر من ثقة فيقبل و يعمل به و هكذا مع ان ذلك الخط يحتمل عقلاً ان يكون مكتوباً علي مثال خط اخيه و ذلك الرشم منقوشاً علي مثال خاتمه و لم‌يكن الامر كما بلغه لانه من الامور الممكنة عقلاً و ليس بممتنع و لكنه لايمنعه عدم امتناع الحيلة فيه عن قطعه العادي فيجري عليه و لانكير عليه من العقلاء و كذلك الامر في جميع الحركات و السكنات الدنياوية الظاهرة فان الانسان يجري فيها علي القطع العادي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 111 *»

و اما الامر الشرعي فذلك حكم يقطع به علي قانون الشرع انه حكم الله سبحانه و انه تكليفه و ليس ذلك القطع من عادة او دليل عقلي و ان كان مباديه من الامور العادية و حصل له به القطع العادي و لكن في نفس الحكم قطعه شرعي مثال ذلك ان الغسل بعد الجنابة يزيل الجنابة مثلاً لم تعلمه بدليل عقلي و لا بدليل عادي و انما علمته بدليل شرعي و ان كان نفس الخبر فيه نفس الدليل ثبتت بالعادة.

الثانية فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اثبات الشرايع و النواميس من الامور العادية لا العقلية و بذلك جري جميع الشرايع من آدم الي الخاتم و ما ارسل الله من رسول الا بلسان قومه فكانوا صلوات الله عليهم يرسلون السفراء و يكتبون الكتب الي كل جانب و يأمرونهم و ينهونهم و لم‌يكلفوا الناس بتعلم الشرايع بالادلة العقلية القطعية و علي ذلك انعقاد اجماع جميع الملل و النحل و بغير ذلك لايخضر لشريعة عود و لايقام لها عمود و قدقررهم الله سبحانه في كل عصر و زمان علي ذلك و رضي عنهم نبيهم و امامهم و قدنزل الكتاب به كما في آية النفر و وردت السنة به كما تأتيك ان شاء الله فاذا صارت الشريعة من الامور العادية وجب القطع العادي لكل احد بان هذا حكم رسول الله9 و هو قدحكم به و امر كما يحصل القطع في ساير العاديات سواء كان ذلك بحسب العقل مجهولاً او موهوماً او مظنوناً او مقطوعاً به و من اسباب القطع العادي بخبر او واقعة او شيء من الاشياء اخبار الثقات و غير الثقات المحفوف بالقراين الموجبة للقطع العادي بل غير المؤمنين اذا كان خبره محفوفاً بقرائن تفيد القطع العادي بل الصبيان المميزين اذا كان محفوفاً بالقراين المفيدة للقطع الاتري انك ربما كنت في مكان و جاء صبي من بيتك و قال ان فلانا جاء في بيتك يبغاك و ينتظرك تقطع بقوله و تقوم و تذهب الي بيتك او يبعث اليك ذو وديعة عندك يطلبها فتعطيه اياها و لاتكاد تشك في انه صدق و لولم‌تعطه اياه للامك صاحبك بمنعك وديعته و امساكك اياها و هكذا فاذا كان من اسباب القطع العادي اخبار صبي مميز جربته و جربت صدقه مثلاً فكيف اذا كان كبيراً ثقةً فكيف اذا كان مع ذلك مؤمناً شيعياً فكيف اذا كان مع ذلك عدلاً فكيف اذا كان مع ذلك يروي عن امامه الذي يتأثم الكذب عليه فكيف اذا كان مع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 112 *»

ذلك عالماً فكيف اذا كان مع ذلك ورعاً متحجزاً عن المحارم و المآثم فكيف اذا كتب ذلك و علم انه سيقع علي ايدي العلماء و اهل الخبرة فكيف اذا كتب ذلك او قال لعمل جماعة من الشيعة الموالين من احكام حلالهم و حرامهم اي و الله يحصل يقين و اشد يقين بقوله حتي انه قال ابوعبدالله7 في حديث اما اذا قامت عليه الحجة بمن يثق به في علمنا فلم‌يثق فهو كافر و اما من لم‌يسمع ذلك فهو في عذر حتي يسمع ثم قال7 يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين و في التوقيع الرفيع عن بقية الله7 و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و في التوقيع الرفيع لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم الي غير ذلك من الاخبار المتواترة التي رويناها في فصل الخطاب فان المناط القطع الحاصل في القلب و هو حاصل برواية العدل العالم بل دونه.

الثالثة و في حكم قول العدل الثقة العالم كتابه اذا علمت عادة انه كتابه كما انك تقطع بكتب جميع اخوانك و خطوطهم اذا حفت بالقرائن الدالة انها منهم و قدقيل لابي‌جعفر7 جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن ابي‌جعفر و ابي‌عبدالله8 و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم‌ترو عنهم فلما ماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال حدثوا بها فانها حق حتي انه في كتب المخالفين الثقات المحفوفة بالقرائن ورد الامر بالاخذ بها كما انه سئل الشيخ يعني ابالقاسم رضي الله عنه عن كتب ابن ابي العذافر بعد ما ذم و خرجت فيه اللعنة فقيل فكيف نعمل بكتبه و بيوتنا منها ملأي فقال اقول فيها ما قاله ابومحمد الحسن بن علي8 و قدسئل عن كتب بني فضال فقالوا كيف نعمل بكتبهم و بيوتنا منها ملأي فقال صلوات الله عليه خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا انتهي. فاذا قطع الانسان قطعاً عادياً ان هذا الكتاب كتاب فلان بسبب القرائن العادية و هو ثقة فيقطع عادة بصحة ما فيه و ان كلامنا جار علي النفوس الغير الموسوسة الجارية علي الفطرة و اما اذا تغيرت و تبدلت و انحرفت عن الفطرة فلايكاد يقطع بالتواتر كما نقل عن

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 113 *»

بعض علماء العامة انه قال رويت خبر غدير خم من اربعمائة طريق و ما حصلت لي شبهة بوقوعه و انما ذلك مرض يستولي علي الانسان فيسلب اليقين فربما يشك في الشمس في رابعة النهار و لقداخبرني ثقة من العلماء بيزد ان رجلاً مرض فاصابه ماليخوليا و كان يري رأي العين في كل شيء ابرة و كان يمتنع من كل طعام فلايأكل و يزعم ان اهله عادوه و يريدون قتله فلايأكل حتي اذا قيل له يوماً فلان كيف هو بزعمك و اي رجل قال ثقة عدل قيل هل يقدم هو علي قتل نفس حرم الله قال لا قيل اذا اتاك بطعام تاكله قال نعم فجيء به فجاء بطعام اليه فنظر المريض اليه فقال يا فلان انت ايضاً عاديتني و عزمت علي قتلي و تلقي في طعامي ابرة و قدشاهدتم في بلادكم انه بلغ الامر ببعض الناس انهم يرتمسون في الماء مائة مرة و ازيد و لايحصل لهم القطع باغتماس جسدهم في الماء فاذا كان الوسواس يجعل الحواس الظاهرة هكذا فما ظنك بفعله في الحواس الباطنة الخفية ففعله فيها اكثر و اكثر فاذا تعمقوا في العلوم و بزعمهم تدققوا حصل لهم في العلم وسواس فسد عليهم باب العلم و اكثر الشكوك و الشبهات حتي انهم لايكادون يقفون علي شيء و لاشك في ان كثرة التعمق في الشيء مع عدم اعتدال المزاج يورث الوسواس فانه لايتعمق في العلم البلهاء الذين غلب عليهم البلغم و ان المرطوبين قليلوا التفكر و الجربزة في الامور و لايتعمق الا صاحب السوداء فاذا لم‌تكن صافية و غلب عليها حرارة الفكر احرقتها فحصلت منها سوداء محترقة و اورثت وسواساً في المزاج فبلغ وسواس المجتهدين في علم الاصول الي ان سد عليهم باب العلم كما سد علي جماعة باب العلم الظاهري فلايكادون يقطعون بانهم ارتمسوا في الماء ام لم‌يرتمسوا بل جسدهم ام لم‌يبل و لعمرك انهم يمسكون عن الارتماس اذا تعبوا تعباً شديداً لا اذا تيقنوا فانهم لايتيقنون ابداً و كذلك الذين سد عليهم باب العلم في الحواس الباطنة و الا هناك فقهاء عدول يدعون العلم و ما يظن بهم كذب علي الله و علي رسوله او بلادة لايعرفون معها العلم من الظن و من العجب العجاب ان الرجل يتلمذ علي اولئك شهرين او ثلثة فينفتح عليه ابواب العلم فاذا تلمذ علي الآخرين شهرين او ثلثة ينسد عليه باب العلم بحيث لاينفك ابداً و هل ذلك الا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 114 *»

مرض يستولي عليه بمجاورتهم كالطاعون المسري الي الغير و الرمد المسري الي عين الناظر و غير ذلك.

الرابعة ليس يشترط في العلم العادي باخبار اخواننا و كتبهم ان يكون خبرهم برؤية و مشاهدة من انفسهم بل لو اخبروا بوسائط ليحصل لنا القطع باخبارهم البتة غاية الامر ان مراتب الوثوق تختلف فان الوثاقة تختلف بحسب ما اخبر الاتري ان بعض العوام لو اخبرك بانه قداتوا اليوم ببطيخ كثير في السوق و هو ثقة في حده تصدقه و اذا قال ان فلاناً العالم قدقال في هذه المسئلة هكذا لم‌تصدقه الا اذا كان ممن يفهم المسائل و كذا اذا اخبر عن مشاهدة تقبل خبره و لعله اذا اخبر عما لم‌يشاهده لم‌تصدقه فان الاخبار مع عدم المشاهدة يحتاج الي فطانة و ذكاوة و معرفة باحوال من اخبره و معرفة بالقرائن و لاكل احد يقدر علي ذلك فالوثاقة في المخبر عما لم‌يشاهده ينبغي ان تكون اکثرلامحة فلربما اخبرك مخبر مالم‌‌يشاهده بنفسه و انما استفاد ذلك من ثقات و قرائن فقطع و اخبر و تقطع بخبره و ذلك ايضاً امر عربی جبلي محسوس الاتري ان علماءنا مثلاً يخبرون عن رأي الحنفي في المسئلة و المالكي و الشافعي و غيرهم و هم لم‌يشاهدوهم و يخبرون الشعراء المتأخرون في كتبهم عن الشعراء المتقدمين ان فلاناً قال كذا و فلاناً قال كذا فيحصل العلم العادي بنقلهم و كذا علماء النحو و العربية المتأخرون يخبرون عمن لم‌يشاهدوه و يصدقون بلااكتراث ولانكير و علي ذلك بناء عمل جميع الفرق قديماً و حديثاً فاخبار كل ذي فن غير متهم في فنه مصدق بالفطرة مع انه في اخبارهم لو كانوا كاذبين لايتأثمون و مع ذلك هم مصدقون فما الذي حدي القوم علي عدم تصديق العلماء المؤمنين العدول المتأثمين الكذب علي مواليهم المتحرجين الاغراء بالباطل و الاضلال للناس في اخبارهم عن مواليهم: اليس ابوحنيفه في عصر الصادق7 فكيف اذا نقل العلامة عنه لم‌يسأل من رجالك الذين تروي هذا الخبر عنهم و لايقال ان الخبر مرسل مقطوع و اذا روي عن الصادق7 من غير سند لاينبغي ان يصدق حتي يري من الذين روي عنهم ا ولاعبرة به لانه مرسل و كل هذه الوساوس يجري بمحض

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 115 *»

انه ذكر الصادق7 و لو انه روي من اول الدهر لم‌يسأل عمن رويت و كذا لايسأل احد من ذوي الفنون الا من روي عن رسول الله و الائمة: ما ذلك الا وسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس اليس انك تقطع باخبار الثقة الامين سواء اخبر عن عيان او وسائط و بذلك امرنا عن الله و رسوله والائمة: في اخبار متواترة لايعتريها شك و لاارتياب قال الله سبحانه فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون و لو‌لم يجب علي القاعدين الاخذ عن النافرين فاي ثمرة كانت في انذارهم و النافر يأخذ علمه بواسطة و غير واسطة و قال تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً آمنين و قدورد ان القري الظاهرة هي الرسل النقلة عنهم الي شيعتهم و هم ينقلون بواسطة و غير واسطة و امر بالسير فيهم آمنين و قال تعالي يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين و الصادقون يروون بواسطة و غير واسطة و قدقال ابوجعفر7 من دان الله بغير سماع من صادق الزمه الله التيه يوم القيمة و روي لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا و ما فيها الظاهر انه عين لفظ الخبر و يحتمل انه النقل بالمعني لانه ما كان يحضرني موضعه الذي رأيته فيه و قدمر التوقيع اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة اخبارنا و من البين انهم يروون بوسائط فانه7 بين تكليف من في زمان غيبته الي زمان ظهوره و ما رويناه في كتب ابن ابي العذافر و كتب بني فضال و كتب المشايخ الذين ماتوا و من الظاهر انهم يروون بواسطة و غير واسطة كما هو مشاهد من اخبارهم و قال ابوعبدالله7 اما ما رواه زرارة عن ابي‌جعفر7 فلايجوز لك ان ترده و قيل له7 انه ليس كل ساعة القاك و لايمكن القدوم و يجيء الرجل من اصحابنا فيسألني و ليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من ابي و كان عنده وجيهاً و قيل للرضا7 شقتي بعيدة و لست اصل اليك في كل وقت ممن آخذ معالم ديني قال من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 116 *»

 زكريا ابن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا و قيل له7 لا اكاد اصل اليك اسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني افيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم ديني فقال نعم و انت تعلم ان هؤلاء الجماعة كانوا يروون بواسطة و غير واسطة عن امام عصرهم و عمن سلف و قدمر عن الحجة7 انه قال لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا و انت تعلم ان ثقاتهم كانوا يروون بواسطة و غير واسطة قال ابوعبدالله7 لابان بن عثمن ان ابان بن تغلب قدروي عني رواية كثيرة فما رواه لك عني فاروه عني الي غير ذلك من الروايات و قدينيف علي اربعين و ذكرنا كثيراً منها في فصل الخطاب فامرونا بالاخذ عن الثقات و الروات سواء رووا بلاواسطة او واسطة او وسائط فان المخبر اذا كان ثقة تسكن النفس عند خبره و بذلك السكون تتم الحجة لله كما مر في حديث اما اذا قامت عليه الحجة بمن يثق به في علمنا فلم‌يثق به فهو كافر و لم‌يقيده بالرواية الشفاهية و يشهد علي صدق ما ذكرنا اجماع المذهب بل الاسلام بل الملل بل الفطر انه كان كذلك قديماً و حديثاً في جميع الاعصار و الدهور و علي ذلك مدار العالم و بناء جميع بني آدم من اول الدهر الي آخره حتي في عصرنا هذا حتي في الذين يسمون الاخذ بالرواية اجتهاداً و تقليداً فان الناس يأخذون عنهم اذا وثقوا بهم زعماً منهم انهم يروون لهم دين رسول الله9 و اوامره و نواهيه ولايبالون بانهم يروون بوسائط و ليس ذلك الا من فطرتهم و تقرير رسول الله9 و الائمة لهم في كل عصر و زمان.

الخامسة اختلف العلماء رضوان الله عليهم في الفحص عن المعارض و المخصص فعن العلامة «ره» جواز الاستدلال بالعام قبل الفحص عن المخصص و كذا عن بعض المتأخرين عدم لزوم الفحص عن المعارض مطلقاً و كان عليه سيدنا اجل الله شأنه و انار برهانه و مشهور المتأخرين من المجتهدين لزوم الفحص و ادعوا عليه الاجماع و استدلوا بان المجتهد يجب عليه البحث عن الادلة و كيفية

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 117 *»

الدلالة و التخصيص كيفية الدلالة و قدشاع و ذاع ما من عام الا و قدخص فصار احتمال ثبوته مساويا لاحتمال عدمه و توقف ترجيح احد الامرين علي البحث و التفتيش و ذلك حاصل ادلتهم و براهينهم عليه و الحق الذي يساعده الكتاب و السنة و الاجماع و صحيح الاعتبار عدم لزوم الفحص عن المعارض مطلقاً و الاكتفاء بكل خبر صحيح غير مخالف لضرورة الاسلام و المذهب اما دليل الكتاب آية النفر فان الله سبحانه اوجب علي القاعدين الاخذ عن المنذرين من غير فحص عن المعارض و هي كما تري مطلق و المطلق باق علي اطلاقه اذا لم‌يقم دليل علي تقييده و اما السنة فقدسئل ابوعبد الله7 عما تجب فيه الزكوة فقال في تسعة اشياء فعدها ثم قال و عفا رسول الله9 عما سوي ذلك فقيل اصلحك الله فان عندنا حباً كثيراً فقال و ما هو قيل الارز قال نعم ما اكثره قيل افيه الزكوة فزبره ثم قال اقول لك ان رسول الله9 عفا عما سوي ذلك و تقول الي ان عندنا حباً كثيراً افيه الزكوة و بهذا المعني اخبار كثيرة انظر كيف زبره حيث فحص عن المخصص فانه9 قال عما سوي ذلك و لفظ ما من ادوات العموم فطلب المخصص للعموم فزبره و نهاه عنه فلو كان واجباً لما زبره عنه و قداطاع لايقال انه كان مشافهاً للامام فانه ان كان الفحص عن المخصص واجباً لما كان فرق بين المشافهة و غيرها فان الامام الذي يعبر بالعام ان كان لايريد العموم فالواجب علي المستمع الفحص حتي يفهم مراد الامام7 و ان كان يريد العموم فالواجب علي السامع العمل به بعمومه و الواجب علي من استمع من السامع ايضاً العمل بعمومه اذا كان يأخذ عنه و هو ثقة فان احداً لم‌يقل ان من استمع من زرارة لم‌يجز له العمل به حتي يسأل ابابصير و محمد بن مسلم و كذا من يسأل مجتهداً لايجب عليه الفحص عن اقوال ساير المجتهدين و كذا روي عن الرضا7 في قوله تعالي ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة الآيات لو عمدوا الي بقرة اجزاهم و لكن شددوا فشدد الله عليهم و في هذا الخبر ايضا دلالة في الاكتفاء باحد افراد المطلق اذا ابهمه العالم و ان الفحص عن المقيد

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 118 *»

سبب تشديد الامر و التضييق و انت تعلم ان الدين اوسع من ذلك و قال النبي9 حديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا و ما فيها و انت تعلم انه لاجل العمل به كما ظاهر و عن الكاظم7 قال قال رسول الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله‌وسلم من حفظ علي امتي اربعين حديثاً مما يحتاجون اليه في امر دينهم بعثه الله يوم القيمة فقيهاً عالماً و هذه الاربعين لايمكن ان يشتمل علي جميع ما يتعلق بمسئلة واحدة و لفظ الاربعين ايضاً مطلق ليس فيه انه لابد و ان يشتمل علي جميع المعارضات مع انه في حديث وصية علي7 فصل الاربعين في جميع الفرائض و المحرمات و السنن و الاخلاق و الآداب ثم قال فهذه اربعون حديثاً من استقام عليها و حفظها عني من امتي دخل الجنة برحمة الله و كان من افضل الناس و احبهم الي الله عزوجل بعد النبيين و الصديقين و حشره الله يوم القيمة مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً و يدل علي ذلك اخبار ينيف علي اربعين حديثاً و فيها الامر بالاخذ عن الرواة عموماً و خصوصاً كزرارة و محمد بن مسلم و يونس بن عبد الرحمن و فضل بن شاذان و ابوبصير ليث المرادي و معوية بن بريد العجلي و زكريا بن آدم القمي و غيرهم من الرواة و كل واحد منهم يروي حديثاً و قدجوزوا الاخذ عن كل واحد و ليس في شيء منها و لاغيرها اذا سمعتم من احد من الروات حديثاً فلاتعملوا به حتي تفحصوا عن معارضه و كفاك دليلاً وجود هذه الاخبار مع عدم وجود دليل علي وجوب الفحص و عدم وجود خبر واحد و لو ضعيف و لو كان لهم خبر يدل لنقلوه مع كثرة بحثهم و فحصهم عنه و انا نذكر في هذه الرسالة ادلة ما سألتم علي وجه الاختصار و تفاصيلها في ساير رسائلنا موجودة و اما الاجماع الذي ذكرنا فلايخفي علي المتتبع ان الائمة: كانوا يبعثون الفقهاء الي البلاد و يأمرون اهلها بالاخذ عنهم و كذا كان في كل بلد فقيه محدث و كانوا يأخذون عنه و هذه الاصول الاربعمأة كانت متفرقة كل اصل في بلد و يد احد و كانوا يعملون بكل ما في ايديهم و قدعرض كثير منها علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 119 *»

الائمة: فجوزوا العمل بها من غير امر بفحص و لو امروا بالفحص مرة واحدة لنقل لكثرة الدواعي اليه و اذ ليس فليس و بذلك مضت جميع القرون السالفة فلاكان احد يفحص عن مخصص او معارض ابداً و كل واحد منهم يرجع الي ما في يده من الاصول او من في بلده من المحدثين الرواة و يعمل به بل لو كان في بلد واحد راويان و ازيد لم‌يكن يجب الفحص و السؤال عن جميعهم كما ظهر مما قدمنا من الاخبار عموماً و خصوصاً فذلك ايضاً من وساوسهم و تضييقهم علي انفسهم و تدبير من الشيطان ان يعظم الامر فيبقي لأهل الرياسة رياستهم اذ كل احد لايقدر علي جمع الكتب و الفحص و البحث الا جمع فرغ عن الاشغال فيتتبعون في الكتب و يتطلعون علي المعارضات فيزينون المجالس بذكر المعارضات و الترجيحات و يعجز غيرهم عن مثله فيتبعهم و الا قدانعقد الاجماع الذي لاريب فيه علي عدم لزوم الفحص عن المعارض كما بينا و اوضحنا فاذاً صارت اخبار علمائنا الموثوق بهم التي ضمنوا صحتها و سهروا اعينهم في تنقيحها كلها صحيحة و لايجب الفحص عن المعارض فما اسهل استنباط الاحكام عن اخبار ائمة الانام: و تقرأ في الزيارة بينتم فرايضه و اقمتم حدوده و نشرتم شرايع احكامه و سننتم سنته حتي صرتم في ذلك منه الی الرضا الزيارة و قدقال الله سبحانه اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً فما اسهل الاستنباط علي من يعرف العربية و طريق التخاطب فان لم‌يكن كذلك و كان من المفخمين او العجم القاصرين عن درك العربية او من عوام العرب الذين لايعرفون لحن التخاطب و التحاور فليسألوا من يعرف التخاطب و لحن المحاورة و له انس بالاخبار و يجوس خلال الديار و ليفسر له الآثار الواردة في ذلك المضمار و ليس سؤاله عنه بتقليد و انما هو اخذ رواية و ليس تفسيره له اجتهاد و فتوي بالرأي و النظر و انما هو نقل الخبر بالمعني و هو امر عربی جايز مأمور به عن الائمة الطاهرين عليهم صلوات المصلين و لايبعد ان يكون جل اخبارنا الواردة في الاصول نقلاً بالمعني لان الائمة: اذنوا لهم كما روي انه قيل للصادق7 اسمع الحديث منك فازيد و انقص

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 120 *»

 قال ان كنت تريد معانيه فلابأس و قيل له ايضاً اسمع الكلام منك فاريد ان ارويه كما سمعته منك فلايجيء قال فتعمد ذلك قال لا قال تريد المعني قال نعم قال فلابأس و قيل له ايضاً اسمع الحديث منك فلعلي لاارويه كما سمعته فقال اذا اصبت المطلب منه فلابأس انما هو بمنزلة تعال و هلم و اقعد و اجلس و قال اذا اصبت معني حديثنا فاعرب عنه بما شئت و قيل له ايضاً هؤلاء يأتون بالحديث مستوياً كما يسمعونه و انا ربما قدمنا و اخرنا و زدنا و نقصنا فقال ذلك زخرف القول غروراً اذا اصبت المعني فلابأس فاذا كان الائمة: اذنوا لشيعتهم في النقل بالمعني و الزيادة و النقصان كانوا يفعلونه كما صرح في السؤال بعضهم فلافرق بين الروايات المكتوبة في الكتب المنقولة بالمعني و بين نقلك بالمعني لمن يسأل عنك فالروات نقلوا لك بالمعني و تنقل انت لغيرك و هم قدنقلوا علي حسب فهمهم من لفظ الامام7 و انت اخذت عنهم و انت ايضاً تنقل علي حسب فهمك فلانقلهم بالمعني اجتهاد و لانقلك بالمعني و لا اخذك عنهم تقليد و لااخذ غيرك عنك و مثلكما بعينه كمثل رواة الفتاوي عن المجتهدين و اخذ المقلدين عنهم فليس راوي الفتوي بمجتهد و لا انت بمقلد للراوي و الراوي يروي علي حسب فهمه و ينقل لفظ الفقيه بالمعني علي حسب فهمه و الامام حي موجود و قدقرر الناس بالعمل باخبار آبائه: و كل الناس مقلدون له و العلماء حملة علومهم الي شيعتهم و شيعتهم يأخذون عنهم رواياتهم كما امرهم بقية الله7 حين سئل عن الحوادث في زمان الغيبة فقال اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و الرواة نقلة احكامهم بواسطة و  غير واسطة بلفظهم او بغير لفظهم و لم‌يقل خذوا عن اهل الرأي و الاجتهاد و قلدوهم و ما روي في الحنظلية ينظران من كان منكم ممن قدروي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكماً فليس المراد بالنظر النظر فيما ليس فيه نص بل المراد النظر في النص و الخبر عنهم و التفكر فيه لفهم المراد منه و الدليل عليه رواية سعيد الاعرج قال قلت لابي‌عبدالله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 121 *»

7 ان من عندنا من يتفقه يقول يرد علينا ما لانعرفه في الكتاب و لا في السنة نقول فيه برأينا فقال ابوعبدالله7 كذبوا ليس شيء الا جاء في الكتاب و جاءت فيه السنة و رواية محمد بن حكيم قال قلت لابي عبدالله7 ان قوماً من اصحابنا قدتفقهوا و اصابوا علماً و رووا احاديث فيرد عليهم الشيء فيقولون برأيهم فقال لا و هل هلك من مضي الا بهذا و اشباهه و انت تعلم ان الرأي في اللغة النظر و الاعتقاد و اصحاب الرأي هم الذين ينظرون في مسئلة ليس فيها اثر و لا نص فينظرون فيه و يتفكرون و لا احد من اصحاب الرأي يقول في المسئلة بلادليل عقلي او قياسي فاصحاب الرأي هم المجتهدون في المسئلة غير المنصوصة و لذا قالوا هذا اجتهاد في مقابلة النص اذا كان النص بخلاف رأيهم و عن ابي‌ابصير قال قلت لابي عبدالله7 يرد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها فقال لا اما انك ان اصبت لم‌توجر و ان كان خطاء كذبت علي الله فالمراد من قوله نظر في حلالنا و حرامنا نظر في النصوص و هي حلالهم و حرامهم و اما ما كان بالنظر فهو حلال الناظر و حرامه لانه هو الذي حلله و حرمه علي حسب نظره فخذ عن الذين يروون الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار و ارو لغيرك و ليرو غيرك لغيره و هكذا و لاحرج و لاعذر لاحد في التشكيك في ما يرويه الثقات عنهم بواسطة او غير واسطة كما روي عنهم: لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا و قدعرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم و لايحتاج لمثلك البسط اكثر من هذا فان العاقل يكفيه الاشارة و الجاهل لايفهم بالف عبارة.

قال سلمه الله تعالي و هل الاجتهاد عيني ام كفائي و ما شرطه اللازم.

اقول ان كان المراد من الاجتهاد استفراغ الوسع في تحصيل حكم ظني لم‌يرد فيه نص فحرام محرم علي جميع المكلفين بالكتاب و السنة عيناً لاخبار متواترة بل متجاوزة عن حد التواتر و قدقام علي حرمته الاجماع الذي يقطع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 122 *»

بوجود المعصوم فيه و قداوردنا اخبارها في فصل الخطاب مفصلا منها ما روي عن اسمعيل بن جابر عن ابي عبد الله7 عن آبائه عن اميرالمؤمنين7 في حديث طويل و اما الرد علي من قال بالاجتهاد فانهم يزعمون ان كل مجتهد مصيب علي انهم لايقولون انهم مع اجتهادهم اصابوا معني حقيقة الحق عند الله عزوجل لانهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن اجتهاد الي اجتهاد و احتجاجهم ان الحكم به قاطع قول باطل منقطع منتقض فاي دليل ادل من هذا علي ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد و الرأي اذا كان امرهم يؤل الي ما وصفناه و زعموا انه محال ان يجتهدوا فيذهب الحق من جملتهم و قولهم بذلك فاسد لانهم ان اجتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم و اعجب من هذا انهم يقولون مع قولهم بالرأي و الاجتهاد ان الله لم‌يكلفهم بهذا المذهب الا بما يطيقونه و كذلك النبي9 و احتجوا بقول الله تعالي و حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره و هذا بزعمهم وجه الاجتهاد و غلطوا في هذا التأويل غلطاً بيناً قالوا و من قول الرسول9 ما قال لمعاذ بن جبل و ادعوا انه اجاز ذلك و الصحيح ان الله لم‌يكلفهم اجتهاداً لانه قدنصب لهم ادلة و اقام لهم اعلاماً و اثبت عليهم الحجة فمحال ان يضطرهم الي ما لايطيقون بعد ارساله اليهم الرسل بتفصيل الحلال و الحرام و لم‌يتركهم سدي مهما عجزوا عنه و ردوه الي الرسول و الائمة: كيف و هو تعالي يقول ما فرطنا في الكتاب من شيء و يقول اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و يقول فيه تبيان كل شيء و من الدليل علي فساد قولهم في الاجتهاد و الرأي و القياس انه لن يخلو الشيء ان يكون يمثله علي اصل او يستخرج البحث عنه فان كان يبحث عنه فانه لايجوز في عدل الله تعالي ان يكلف العباد ذلك و ان كان ممثلاً علي اصل فلن يخلو الاصل ان يكون حرم لمصلحة الخلق او لمعني في نفسه خاص فان كان حرم لمعني في نفسه خاص فقد كان ذلك فيه حلالاً ثم حرم بعد ذلك لمعني فيه بل لو كان العلة المعني لم‌يكن التحريم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 123 *»

له اولي من التحليل و لما فسد هذا الوجه من دعويهم علمنا ان الله تعالي انما حرم الاشياء لمصلحة الخلق لا للخلق التي فيها الحديث. و قدذكرناه بطوله لما فيه من الادلة القطعية علي بطلان الاجتهاد و اما الاشارة الي ما عسي ان يكون منه مشكلاً فقوله7 فانهم يزعمون ان كل مجتهد مصيب ليس يشير الي المصوبة بل يشير الي المخطئة لقوله7 بعده علي انهم لايقولون انهم مع اجتهادهم اصابوا معني حقيقة الحق عند الله عزوجل فالتصويب مع التخطئة هو مذهب كثير من فقهائنا لانهم مع انهم يجوزون الخطاء عن الواقع علي انفسهم و اقرانهم يقولون بعد الاجتهاد المحتمل للخطاء هذا ما ادي اليه ظني و كل ما ادي اليه ظني فهو حكم الله في حقي فهذا الذی ادی اليه ظنی هو حکم الله فی حقی انظر بعين البصيرة اليس هذا تصويب بعد التخطئة فان قولهم هو حكم الله في حقي, ان كانوا يريدون منه الحكم الواقعي فيلزم ان يكون حكم الله الواقعي تابعاً للظنون و لم‌يكن في الواقع لله حكم فكل من ظن شيئاً يرضي الله بظنه و يجعله حكمه و ان كانوا يريدون الحكم الظاهري و يجعلون الحكم الظاهري تابعاً لظنونهم بحيث انه ليس لله حكم ظاهري في نفس الامر و كل من ظن شيئاً يجعل الله سبحانه حكمه الظاهري الثانوي ظن ذلك الظان فهو تصويب في الحكم الظاهري و تخطئة في الحكم الواقعي و قول بان دين الله الظاهري الثانوي تابع لظنون المجتهدين فكل ما ادي اليه ظنهم فهو حكم الله في حقهم نعوذ بالله من زلة الاقدام و هذا الذي انكره اميرالمؤمنين7 فقال انهم يزعمون ان كل مجتهد مصيب يعني في اصابة الحكم الثانوي ثم قال علي انهم لايقولون انهم مع اجتهادهم اصابوا معني حقيقة الحق عند الله عزوجل و الدليل علي انهم لم‌يصيبوا الحق انهم ينتقلون من رأي الي رأي مع ان الحق واحد و اما قوله7 و احتجاجهم ان الحكم به قاطع قول باطل يريد ان الحكم بما صوبوا انفسهم لا ما احتملوا الخطاء لانفسهم و ما صوبوا انفسهم فيه هو الحكم الظاهري فاخذ النتيجة علي القطع كما مر في شكل الاستدلال فانهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 124 *»

هناك يدعون القطع لا في اصابة الواقع و لا في مقدمات ادلتهم علي استنباط الحكم الثاني ايضاً و انما يدعون القطع في النتيجة فادعاؤهم القطع في النتيجة ايضاً باطل منقطع منتقض فانه لايخلوا اما ان يقولون ان لله سبحانه حكم ثانوي في المسئلة الحادثة عند الله مكتوب في اللوح المحفوظ و في هذا الكتاب الذي فيه تفصيل كل شيء و تبيان كل شيء و في السنة التي لايغادر صغيرة و لاكبيرة الا احصاها او يقولون ليس له حكم ثانوي معروف عنده فان كان له حكم ثانوي ايضاً كما له حكم اولي فان الحكم الثانوي جملة حكم واقعي و انما هو ثانوي بالنسبة فما الدليل علي ان المجتهد المستفرغ وسعه في تحصيل الظن يصيبه مع ان المجتهدون متعددون و هم في تعددهم مختلفون و الحكم الثانوي واحد عند الله مكتوب فادعاء القطع للوصول الي الحكم الثانوي و اصابته بمحض الظن من غير سلطان باطل و عن حلية الاعتبار عاطل لان الظن في نفسه يحتمل الخلاف فانت في الاستنباط تظن اصابة الحكم الثاني و تحتمل عدمها فاذا احتملت قوياً اصابته قلت وصلت اليه قطعاً لايجوزه عاقل ابداً و ان قلت ان الحكم معلوم عند الله و ان الله سبحانه يسدد ظنوننا اليه يقيناً فما الوجه في اختلافكم و تنقلكم من اجتهاد الي اجتهاد و ان قلت ان الحكم الثانوي في المسئلة الواحدة متعددة و عند الله معلومة مكتوبة و يسددنا الله سبحانه اليها فيعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل فقيه حكمه قلت هذا ايضاً باطل لان الله سبحانه يقول و اتوا البيوت من ابوابها و قدفسر بدخول الامور من وجهها و ان الله سبحانه قدنهي عن الظن في سبعين آية من كتابه و كثير منها في الظن في الحلال و الحرام و الاحكام كما اخرجناها في فصل الخطاب منها قوله تعالي سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا و لا آباؤنا و لاحرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون. و قدرويت اخبار متواترة ناهية عن العمل بالظن فالظن المنهي في كتاب الله و سنة نبيه كيف يكون وجه ادراك الحق و بابه و ان الله سبحانه يقول فمن اظلم ممن افتري علي الله كذباً

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 125 *»

 ليضل الناس بغير علم ان الله لايهدي القوم الظالمين و ان قالوا انه ليس لله سبحانه حكم ثانوي عنده معلوم فقدكذبوا الله فوق عرشه و الله سبحانه يقول لارطب و لايابس الا في كتاب مبين وقال فيه تبيان كل شيء و عن ابي‌اسامة قال كنت عند ابي‌عبدالله7 و عنده رجل من المغيرية فسأل عن شيء من السنن فقال ما من شيء يحتاج اليه ولد آدم الا و قدخرجت فيه السنة من الله و من رسوله ولولا ذلك ما احتج علينا بما احتج فقال المغيري و بما احتج فقال ابوعبدالله7 اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم الآية فلولم‌يكمل سننه و فرايضه و ما يحتاج اليه الناس ما احتج به و قال7 ما من شيء الا و فيه كتاب او سنة. الي غير ذلك فان لم‌يكن علي قولهم لله حكم في كتابه و لا سنته فبأي شيء‌ يقطعون فعلي اي حال ادعاؤهم القطع في اصابة الحكم الثانوي باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و اما قوله7 و زعموا انه محال ان يجتهدوا الي آخره فلان كلهم اذا كانوا مختلفين مخطيئاً بعضهم بعضا و كان ادعاء قطع كل واحد منهم باطلاً كما بينا فالتقصير عن اصابة الحق بهم واقع لان الخاطئون اذا اجتمعوا لايقعون علي الحق دائماً الا خطاء و اتفاقاً و اما قوله و اعجب من هذا الي آخره فانه عجيب من الانسان الذي يعرف من نفسه العجز عن درك حقائق الاشياء و نظام العالم و صلاح بني‌آدم و سياسة المدن و البلاد و رياسة العباد ان يظن انه يطيق ادراك ما لانص فيه ظاهراً من الله و رسوله و ان الله كلفه به و قوله7 و احتجوا بقول الله تعالي الي آخره فانهم زعموا ان الله سبحانه كلف اهل البلاد ان يتوجهوا شطر المسجد الحرام و هم لايعلمون شطره بالعلم و العيان فكلفهم بالاجتهاد علي قدر طاقتهم و هذا دليل جواز الاجتهاد للعباد فيما اخفي الله علمه و غلطوا في هذا التأويل غلطاً بيناً فان هذا في الموضوع و كما ان الله يكلف عباده بالموضوع القطعي و يجعل له حكماً يمكن ان يكلف عباده بالموضوع الظني و يجعل له حكماً و كلا الحكمان مقطوع بهما و قدقامت

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 126 *»

الحجة بالقطع بهما و اما نفس الحكم اذا لم‌تكن قطعية لم‌تقم لله الحجة علي عباده و حجته هي البالغة فالقياس له فارق و ثانياً ان الله سبحانه كلفه بامر مقطوع به و هو قد فقد المكلف به و جهله فوجب عليه توخيه باذن منه سبحانه و متي رخص الله سبحانه الظن و التحري في نفس الاحكام هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و الله سبحانه يقول و لاتقف ما ليس لك به علم و يقول ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و قوله7 و من قول الرسول الي آخره يريد7 ما يروون انه9 قال لمعاذ بن جبل حين ارسله الي اليمن ارأيت يا معاذ ان نزلت بك حادثة لم‌‌تجد لها في كتاب الله اثراً و لا في السنة ما انت صانع قال استعمل رأيي فيها فقال الحمد لله الذي وفق رسول الله الي ما يرضيه و هذه رواية افتروها علي رسول الله9 و قدقال رسول الله9 في حجة الوداع قد كثرت علي الكذابة و ستكثر فمن كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار فاذا اتاكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوابه و ما خالف كتاب الله و سنتي فلاتأخذوا به و هذه الرواية مخالفة للكتاب و السنة لان الله حرم الظن في سبعين آية و تواتر الخبر في النهي عنه و ادل دليل علي عدم رضي الله عنهم رأيهم و اجتهادهم ارسال الرسل و انزال الكتب و اقامة السنن فلما رأينا كل ذلك عرفنا ان الله لم‌يتركهم سدي و لم‌يهملهم و حصرهم بين امره و نهيه و هم ليسوا بشركاء الله في دينه حتي‌يحلوا و يحرموا و قدقال علي7 في الرد علي اهل الاجتهاد و الارتياء ترد علي احدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم تجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعاً و الههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد فامرهم الله سبحانه بالاختلاف فاطاعوه ام نهاهم عنه فعصوه ام انزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم علي اتمامه ام كانوا شركاء لله فلهم ان‌يقولوا و عليه ان‌يرضي ام

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 127 *»

 انزل الله ديناً تاماً فقصر الرسول9 عن تبليغه و ادائه و الله سبحانه يقول ما فرطنا في الكتاب من شيء و فيه تبيان كل شيء و ذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضاً و انه لا اختلاف فيه فقال سبحانه و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فان لم‌ينزل الله ديناً ناقصاً و لم‌يقصر الرسول عن ابلاغه و ليسوا بشركاء لله فلم‌يبق شيء يجتهدون فيه و ينظرون و انما عليهم اتباع النصوص و اما قوله7 و من الدليل علي فساد قولهم الي آخره فتقريره ان المجتهد لايخلوا اما ان‌يمثل المسئلة الحادثة علي اصل موجود عن سمع و نطق او يبحث فيه و يفحص و يتحري من غير تمثيل علي اصل موجود فان كان يمثله علي اصل موجود و يقيس عليه فلايخلو ذلك الاصل اما ان يقال انه حرم لاجل المصلحة اي من حيث الاقتران بالمكلفين او من حيث نفسه من غير ملاحظة اقتران باحد فان قيل انه حرم من حيث الاقتران لاجل الاقتران فاذا كان حرمته لاجل الاقتران و المصالح فكيف يمكن ان‌يمثل الشيء الاخر علي نفس هذا الاصل و لم‌يحرم من حيث نفسه و وجوه الاقتران و المصالح امر لايحيط به الا الذي احاط بكل شيء علماً فلربما حرم الاصل لمصالح و قرانات تخصه لايوجد في الذي يمثل عليه و كذلك حكم التحليل فتبين ان قياس غير المنصوص علي المنصوص باطل الاتري ان الصائم لايكره ان‌يستنقع في الماء و يكره ان‌يلبس الثوب المبلول و المني اقذر من البول و يغسل مرة و البول يغسل مرتين و ان قلت ان البول اقذر فالمني يغتسل عنه و لايغتسل من البول و هكذا و ان قيل ان الاحكام تعلقت بالاشياء من حيث نفسها يكذبهم تحليل الشيء في شرع و تحريمه في شرعه (ظ شرع) و تحليله في زمان و تحريمه في زمان فتبين ان التمثيل علي اصل لايجوز ابداً و ان كان يبحث عنه و يفحص و يتحري فذلك امر فوق شهادته و فوق وسعه و لا يكلف الله نفساً الا وسعها و ما اتيها و عرفها فان الدين لم‌يوكل الي العباد و قداكمل الله الدين و بلغ الرسول الامين و ليسوا بشركاء لله سبحانه و لا لرسوله في التشريع فتبين للناظر البصير و المسلم الخبير ان الاجتهاد فيما لا نص له باطل منتقض

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 128 *»

لايوافق الكتاب المجيد و لا شرع النبي الحميد صلوات الله و سلامه عليه و آله.

و ان كان المراد من الاجتهاد السعي في تحصيل النصوص و العلم بصحة صدورها و النظر في فهم المراد منها فذلك امر لازم علي جميع الامة عيناً و قدبينا سابقاً ان ذلك ليس بامر عسر علي الناس عوامهم و خواصهم غاية الامر ان الناس مختلفون فمنهم من يعرف العربية و يراجع كتب الثقات و يعمل برواياتها و منهم من لايعرف العربية فيرجع الي راو يفسر الخبر له بلغته و علي حسب فهمه و الواجب علي كليهما الرجوع الي الثقة التي يسكن النفس الي قوله سواء كان الراوي حياً او ميتاً فان كان العارف البصير بالعربية يفسر الخبر و ينقله بالمعني و اللغة التي يعرفها المستبصر فقدنقلت الروات السابقون ايضاً اخبارهم بالمعني غاية الامر انهم نقلوه من العربية الي العربية و هذا البصير الموجود ينقله الي عربية ان كان المستبصر عربياً و غير العربية ان كان عجمياً فكلاهما في الاخذ عن الثقة مشتركان بلاتفاوت و كما لايجب الفحص عن المعارض للمستبصرين المستفتين لايجب الفحص عن المعارض ايضاً علي المستنبطين من الكتب علي نهج واحد و شرع سواء و بذلك قدمرت الدهور و مضت القرون في عصر الائمة: و ما بعدهم الا ان شبهة دخلت علي بعض علمائنا فاوجبوا ما اوجبته العامة العمياء و هذا النحو من الاجتهاد واجب علي جميع الناس فيجب علي العامي ان‌يجد و يجتهد في طلب دينه حتي‌يعرف ثقة يروي له الاحكام عن قطع و يقين سواء اخذ الراوي له عن راو آخر مثله او عن مستنبط من الكتب او كان مستنبطاً بنفسه و بالجملة يجب ان‌يعرف ثقة راوياً للاخبار و يأخذ عنه سواء كان حياً او ميتاً مستنبطاً او ناقلاً عن مستنبط بواسطة او وسائط و لافرق في شيء من ذلك فان العالم هو الامام7 و هو حي و ساير الشيعة نقلة احكامه بعضهم الي بعض و الامام7 حي و هو الواسطة بين الحيين و يصح عدم جواز تقليد الميت و ان الميت لايكون واسطة الفيض بين حيين و لكن الامام7 حي و انما الميت الناقل عنهم حكمهم و لولم‌يكن الاخذ عن الناقل الميت جايزاً لما كان العمل بهذه الاخبار التي رواتها ميتون جايزاً رأساً فانهم الناقلون للاخبار عن الائمة: الي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 129 *»

العلماء و العلماء يقلدونهم في رواياتهم الاتري انك اذا كنت فقيهاً تعمل برواية زرارة او محمد بن مسلم او غيرهما و هم ميتون كذلك ان اخذ عنهم غيرهم كحماد مثلاً و نقل لك ثم مات و هكذا الي ان‌يروي الرواية لك شيخك و قدمات و انت تعمل به كذلك ان مت يعمل بروايتك غيرك بلاتفاوت فان الفقيه ان كان ينقل معني الخبر بالمعني ففتواه خبر مفسر و رواية كساير الروايات و ان كان يقول عن رأيه و اجتهاده لا و يقول هذا قول الصادق7 و قول رسول الله9 فلااعتناء بقوله و انما نحن من موالي اولياء محمد و آل محمد: و لسنا متبعين لغيرهم ابداً.

و اما قولكم و ما شرطه اللازم اما شرط الاجتهاد علي ما هو المتعارف بين المشهور فمشهور معروف في كتبهم و اما شرط الاجتهاد علي ما كان عليه اصحابنا القدماء و المتأخرين المستقيمين ففي المستنبطين عن كتب اصحابنا الروات علم العربية اولاً صرفاً و نحواً و لغة حتي‌يكون كاحد من العرب الفصحاء لقول ابي‌عبدالله7 تعلموا العربية فانها كلام الله الذي يكلم به خلقه ثم الانس باخبار اهل البيت و آثارهم: حتي يعرف اللحن لقول الصادق7 لايكون الرجل منكم فقيهاً حتي‌يعرف معاريض كلامنا و قوله7 انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ثم الدراية و الفهم  لقوله7 حديث تدريه خير من الف ترويه الي غير ذلك من الاخبار اذ رب حامل فقه و ليس بفقيه و رب حامل فقه الي من هو افقه منه فاذا حصل له هذه الثلث و سمع الخبر من ثقة و نظر فيه و عرف المراد فهو الفقيه.

و اما في العوام الذين قصروا عن هذه الثلث فطلب ثقة تسكن النفس اليه يقطع قطعاً عادياً بقوله و بخبره راو للخبر ناظر فيه عارف بالحكم فيسأله و يعمل بما فسر له من اخبار اهل البيت: فهذا اجتهاده و ليس ذلك بتقليد فلو كان هذا تقليداً لكان المسئول ايضاً مقلداً لانه ايضاً يعمل بما روي له مفسراً او غير مفسر و ان كان يقول بغير رواية فلايجوز الاخذ عنه بوجه من الوجوه و ان ما ذكرت لك هو طريقة قدكانت عليه اصحابنا قديماً و حديثاً و هو مما قام عليه الاجماع القطعي و قداستقصينا الاخبار الدالة علي جميع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 130 *»

ما ذكر مفصلاً في فصل الخطاب و الله الهادي للصواب.

قال سلمه الله و هل يجتزي في المعرفة في اصول الدين بالدليل الاجمالي ام لابد من التفصيلي.

اقول اعلم ان المدار في اصول الدين علي حصول القطع في القلب و اليقين سواء كان ذلك القطع ناشئاً عن دليل اجمالي او تفصيلي فرب من يستدل بادلة اجمالية و هو اثبت علي الحق من الذي يستدل بادلة تفصيلية فلاعبرة بالادلة اللهم الا ان‌لايكون الدليل الاجمالي غير مورث للقطع و اليقين فح يجب طلب الدليل اكثر منه و ابسط حتي‌يورث القطع في القلب و ذلك يختلف بحسب اختلاف الناس و ليس بامر كلي يحكم فيه علي الكلية و ذلك ان الناس كلمات من هذا الكتاب التكويني الكبير كما سمي الله عيسي في كتابه كلمة و سمي الائمة: في الظاهر كلمات و سمي العالم كتاباً و قال لقدلبثم في كتاب الله الي يوم البعث فهذا يوم البعث و قال سبحانه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فكما ان في الكتاب التديني كلمات محكمة و كلمات متشابهة و كلمات ظاهرة و كلمات مأولة و كلمات ناصة وكلمات عامة و كلمات خاصة كذلك الناس فمنهم محكم لايسكن الا الي محكم و منهم متشابه لايسكن الا الي متشابه و لا يميل الا اليه و منهم ظاهر يسكن الي الظواهر و منهم مأول لايسكن و لايميل الا الي المأولات و الاحتمالات و منهم نص لايسكن الا الي النص و هكذا و الواجب علي كل فرقة طلب الادلة علي الحق حتي‌يثبتوا و يسكنوا و يستريحوا و لايسكن قلب كل فريق الا بادلة تناسب مقامهم قال ابوعبدالله7 ان القلب ليزجج فيما بين الصدر و الحنجرة حتي‌يعقد علي الايمان فاذا عقد علي الايمان قر و ذلك قول الله عزوجل و من يؤمن بالله يهد قلبه وقال في حديث آخر ان القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحق فاذا اصابه اطمأن و قر ثم تلا عليه‌السلام فمن يرد الله ان‌يهديه الي قوله في السماء و لاتذهب نفسك الي اخبار

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 131 *»

وردت في ان ادني الايمان ان‌يقول كذا و كذا فانها لظاهر الحيوة الدنيا و الايمان و الاسلام الظاهري الذي عليه مدار التناكح و التوارث و قبول الشهادة و العدالة الظاهرة وامثالها لا الذي يثاب و ينجو به في الآخرة فالايمان الظاهري يورث نجاة الدنيا من الاسر و النهب و القتل و الطرد و الرد و التجنب و التنافر و النكير و الايمان القلبي ما يورث النجاة الاخروية من عذابها و نارها و ان رسول الله9 و الائمة: اقتصروا من الناس في الحيوة الدنيا بالظاهر و لذلك خوطب المنافقون في الدنيا بالمؤمنين لانهم في الظاهر مؤمنون مقرون بالايمان و حدوده فالمناط للاخرة و في الآخرة اليقين القلبي و علامته ان‌يورث له التوكل و التفويض و الخوف و الرجاء و الانقطاع اليه عن كل ما سوي الله و هكذا ساير المكارم و المحاسن و القبول للحق بل ربما يجتزي في الحق بصرف القبول و السكون كما روي عن الصادق7 ان الله تعالي خلق قوماً للحق فاذا مر بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم و ان كانوا لايعرفونه و اذا مر بهم الباطل انكرته قلوبهم و ان كانوا لايعرفونه و خلق قوماً لغير ذلك فاذا مر بهم الباب من الحق انكرته قلوبهم و ان كانوا لايعرفونه و اذا مر بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم و ان كانوا لايعرفونه فالادلة التفصيلية بعد اليقين لزيادة البصيرة في جزئيات العقايد و تلطيفها و رفع شبه الجاحدين و تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انكار المنافقين نعم قديحتاج الانسان الي دليل بعد دليل و زيادة و تفصيل اذا حصل له شبهة او عرف دناءة ما كان عليه لما عمل بمقتضي يقينه الاول و حصل له صفاء و بصيرة فانه اذا عرف ان ما كان عليه كان من بعض مقامات خلقه يلزمه الصعود عنه الي مرتبة اعلي و طلب دليل ادق من الدليل الاول لينتج له مطلباً ادق و الطف فان النتايج تابعة للمقدمات و البصائر تابعة للمقامات و في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك و في القدسي كلما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لانهاية و الانسان في كل مرتبة و مقام لابد و ان‌ينزه الله سبحانه عن مشاكلة مذرؤاته و مشابهة مخلوقاته و كل احد ينزه الله علي حسب مقامه و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 132 *»

حده فاذا صعد مرتبة راي ان عين تلك المرتبة كانت من المراتب الخلقية فينزه ربه عن ما وجد هناك ايضاً فلايجوز لمن ترقي مرتبة و عرف ان تلك المرتبة من مراتب الخلق ان‌يسكن الي ما كان يصف اولاً فانه شرك محض و تشبيه صرف و يجب عليه حينئذ طلب تنزيه اعلي و ادق و هكذا ففي كل رتبة يكفي الدليل الاجمالي بل سكون النفس و استقراره بادني دليل و اقل سبب مادام في تلك الرتبة و اما اذا ترقي فلا فافهم راشداً موفقاً.

قال ايده الله و سدده و هل الصور التي تعرض للمكلف اذا تعذر عليه الوصول للحاكم يأخذ فيها بقول الميت اذا لم‌يتمكن فيها من الاحتياط او ضاق الوقت عن ملاحظة المشهور.

اقول فيما ذكرنا سابقاً كفاية عن جواب هذا السؤال و نزيد اجمالاً انه لايخلو اما يقدر علي الرجوع الي اخبار اهل البيت: و فهم المراد منها علي ما بينا فيرجع اليها و ان كان لايقدر علي ذلك و يقدر علي الرجوع الي كتب اصحابنا المصنفة في الحلال و الحرام المأخوذة عن كتاب الله و سنة نبيه و آثار الائمة الانام: فيرجع اليها و يعمل بها فانها نقل الاخبار بالمعني و رواية ما صح عند كل واحد منهم صدوره و ان كان لايقدر علي الرجوع و هناك ثقة سمع الحكم من ثقة مأمون و ينقل له فيعمل به و ان كان ليس يمكنه شيء من ذلك اجمع فذلك له مطلق حتي‌يسمع النص فيه فان الله لايكلف نفسا الا ما آتيها و عن حمزة بن الطيار عن ابي‌عبدالله7 قال قال لي اكتب فاملي علي ان من قولنا ان الله يحتج علي العباد بما آتيهم و عرفهم و سئل7 عمن لايعرف شيئاً هل عليه شيء قال لا و قال7 كلما غلب الله عليه من امر فالله اعذر لعبده و هذا من الابواب التي يفتح كل باب منها الف باب و عنهم: لاتكليف الا بالبيان و قال7 من عمل بما علم كفي علم ما لم‌يعلم و قال7 الاشياء مطلقة ما لم‌‌يرد عليك امر او نهي نعم اذا قامت له حجتان و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 133 *»

تحير في المخرج و تردد فعليه التوقف في الحكم و الاحتياط في العمل قال رسول الله9 حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من اخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لايعلم الخبر. و ليس الشبهة ما كنت فيه جاهلاً بجهل ساذج و انما الشبهة ما اشتبه لك عدمه بوجوده و هي لاتحصل الا بقيام حجة علي وجوده و قيام حجة علي عدمه فيشتبه عليك الامر حينئذ و لم‌تثبت علي طرف و هذا هو الفرق بين الشك و الجهل فان الجاهل لايعلم وجود ما جهل و لا عدمه كما انك لاتدري هل يكون حجر في موضع كذا او لايكون و ليس ذلك بشك الا ان‌يجيء رجل فيخبرك بوجوده و يجيء آخر فيخبر بعدمه و كلاهما متساويان في الوصف فح تشك فان رجحت احد الدليلين ظننت و ان ابطلت احد الدليلين و اثبتت الاخر تيقنت و اما ما لم‌يقم دليل علي وجوده و لا علي عدمه فذلك مجهول لا مشكوك فالشبهة هي المشكوك لا المجهول و لايجوز الاخذ بالشبهات كما لايجوز الاخذ بالمشكوك كما قال الصادق7 من شك و ظن فاقام علي احدهما فقدحبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و اما الجهل فهو مرفوع عن هذه الامة كما قال رسول الله9 رفع عن امتي تسعة الخطاء و النسيان و ما اكرهوا عليه و مالايطيقون و مالايعلمون و ما اضطروا اليه و الحسد و الطيرة و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم‌ينطق بشفة و قال الصادق7 ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و هذا المطلب هو الذي اشتبه علي الاخباريين فاوجبوا الاحتياط فيما لانص عليه و انكروا البراءة الاصلية و هو خطاء منهم و الحق الحقيق بالاتباع هو ما ذكرناه فان كان ما نزل بك تعلم منه شيئاً و تجهل منه شيئاً و يحتمل عندك وجوده و عدمه باحتمالين ناشئين من دليلين و سببين فذلك الشبهة التي يجب الوقوف فاذا ان امكنك الارجاء و عدم العمل به مطلقاً حتي‌تلقي من يخبرك فهو الاولي كما قال الصادق7 اذا كان ذلك فارجه حتي‌تلقي امامك فان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 134 *»

 الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات و ان كان لايمكنك الارجاء فعليك بالاحتياط كما روي انه سئل ابوالحسن7 عن رجلين اصابا صيداً و هما محرمان و سألني بعض اصحابنا عن ذلك فلم‌ادر ما عليه فقال اذا اصبتم بمثل هذا فلم‌تدروا فعليكم بالاحتياط حتي‌تسألوا عنه فتعلموا و روي عن النبي9 دع ما يريبك الي مالايريبك و قال الصادق7 لك ان‌تنظر الحزم و تأخذ الحائطة لدينك الي غير ذلك من الاخبار و كل ذلك فيما يعرف الانسان من المسئلة وجهاً و يجهل وجهاً فيتردد و لولا ذلك لكان جميع الاحوال و القرانات و الاوضاع مما لانص عليه مشتبهاً و يجب الوقوف عنده و الاحتياط فيه و يلزم منه العسر و عدم المفر كما انك لو وقع نظرك في صلوتك الي الذر مثلاً لاتدري هل هو مبطل للصلوة ام لا و لم‌يصلك نص و يحتمل ان‌يكون له حكم بل يكون له حكم لامحة فانه ما من شيء الا و فيه كتاب او سنة فيجب حينئذ عليك اعادة الصلوة بحكم لزوم الاحتياط و يحتمل ايضاً حرمة الاعادة في مثل هذه الحالة فان المفر و هكذا لو كان المجهول مشتبهاً للزم الحرج الذي لايطاق و لذا لما ضاق بالاخباريين الخناق استثنوا الامور العامة البلوي فقالوا ان الامور العامة البلوي ان لم‌يكن فيها نص مع كثرة وقوعها علم انها كانت مطلقة و الا لما امكن عادة كثرة وقوعها و ابتلاء الخلق بها و عدم سؤالهم عنها و عدم صدور نص فيها فعدم صدور النص فيها دليل اطلاقها و اصل وجوب التوقف في الباقي علي حاله و هذا كلام صدر عن غير تحقيق اما اولا فلاجل امكان صدور نص و عدم وصوله اليك و وصولك اليه فلعله عند غيرك موجود فاصل وجوب التوقف جار فيه ايضاً و ثانياً لقائل ان‌يقول ان ما ابهموه: و اهملوه و تركوا النص فيه انما هو لاجل اللطف و الترحم و الا هم كانوا يبتدؤن بكثير من المسائل من غير ان‌يسألهم عنه سائل اذا كان لايبلغ افهامهم السؤال عنه فكم من مسئلة لايقع الا نادراً و منهم فيه نص و الدليل علي انهم سكتوا عنها لاجل اللطف و الترحم كما قال رسول الله9 ان الله تعالي حد لكم حدوداً فلا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 135 *»

تعتدوها و حرم عليكم حرمات فلاتنتهكوها و عفي لكم عن اشياء رحمة من غير نسيان فلاتتكلفوها و قال علي7 ابهموا ما ابهمه الله. فاذا عفوا عنه رحمة من غير نسيان و لاترك فلايجوز لنا التكلف و اثبات حكم فهو مطلق غير مقيد بوجوب و لاتحريم و لا استحباب و لاكراهة حتي‌يقيدوه: فالبراءة الاصلية حق لامرية فيه و لاريب يعتريه فيما لانص فيه و لايعارضه نص ابداً و ليست من الادلة العقلية كما زعموه بل هي ايضاً حكم شرعي منصوص عن الصادقين: و ان ساعدها و ساعد معرفتها دليل العقل فلاكل ما ادركه العقل يكون العقل فيه اصلاً و متبعاً و لو‌لم‌يوافق الكتاب و السنة الاتري ان الحكيم يفهم بدليل العقل سر وجوب غسل الجنابة و ليس غسل الجنابة مما ثبت بدليل العقل و انما هو مما ورد به الشرع غاية الامر انك ادركت سره و كذلك ادركنا سر البراءة قبل وصول الشرع مع انه ورد به النصوص عن اهل الخصوص: فافهم و تدبر.

قال سدده الله و هل تقليد الافضل الاتقي لازم ام لا؟

اقول قد مر سابقاً ما يكفي عن جواب هذا السؤال ايضاً الا انا نزيد ايضاحاً ان كون الرجل افضل و اتقي لايثمر ثمرة في الاخذ فانك تأخذ برواية علمت صحة صدورها عادة فما لم‌تعلم لم‌تعمل و اذا علمت ان رواية المفضول صحيح الصدور تعمل به غاية الامر ان الفاضل ايضاً يروي خبراً آخر موافقاً لرواية المفضول او مخالفاً فان كان موافقاً فلايثمر فان القصد و النية ليس يشترط في الاخذ بالرواية فينوي اني اعمل بهذه الرواية من حيث ان فلاناً راويها لا فلاناً و انت متي ما علمت صحة الرواية تعمل بها و الراوي من اسباب حصول العلم الاتري ان الراوي لو كان فاسقاً و قامت لك قرائن موجبة للقطع ان الخبر صحيح الصدور تعمل به و ان كان الفاضل روايته مخالفة لرواية المفضول في الواقع و انت لاتعلمها فلايجب الفحص و ان كنت تعلمها فاتبع ما روي عن ابي‌عبدالله7 انه سئل عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه في امر كلاهما يرويه احدهما يأمر باخذه و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 136 *»

 الاخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتي‌يلقي من يخبره فهو في سعة حتي‌يلقاه اي في سعة ان‌يعمل بايهما شاء لقول الرضا7 و قد قيل له يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلانعلم ايهما الحق فقال اذا لم‌تعلم فموسع عليك بايهما اخذت و قال ابوعبدالله7 اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتي‌تري القائم فترده اليه الي غير ذلك من الاخبار التي اوردناها و فصلناها في «فصل الخطاب» و اما الرواية الحنظلية فهو في تشاح الحكمين و تعطل حقوق الناس و لادخل له بالمقام و قدفصلنا في فصل الخطاب و القواعد و غيرها كيفية الاخذ بالاخبار المختلفة علي طريق التحقيق و ليس هيهنا موضع التفصيل و يكفي للعمل و اخذ المسئلة عن العلماء ما ذكرنا و بذلك جرت الاعصار في ازمان الائمة الابرار: فكل احد كان يأخذ عن رجل من الاصحاب و امروا كل سائل بالاخذ عن راو مع تعددهم فان المقصود العلم بكلام الامام و حامل الكلام لايؤثر في نفس الكلام الصادر عنه اللهم الا ان‌لايحصل العلم بصحة الصدور برواية المفضول و يحصل برواية الفاضل فحينئذ لايجوز الاخذ برواية المفضول و يجب الاخذ برواية الفاضل و الي ذلك ذهب محققوا اصحابنا رضوان الله عليهم.

قال و هل يجب علي الجاهل السؤال حين الوقوع فيما يجهل و حينئذ لايكون جهله قادحاً في صحة عبادته فيما لم‌يقع فيه.

اقول اعلم ان طلب العلم كلية فريضة بالكتاب و السنة و الاجماع قال الله سبحانه و اسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و قال فلولانفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون قال رسول الله9 اطلبوا العلم فانه السبب بينكم و بين الله عزوجل و ان طلب العلم فريضة علي كل مسلم و قال اف لكل مسلم لايجعل في كل جمعة يوماً يتفقه في امر دينه و يسأل عنه و قال اطلبوا العلم و لو بالصين فان طلب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 137 *»

 العلم فريضة علي كل مسلم و قال علي7 لست احب ان اري الشاب الا غادياً في حالين اما عالماً او متعلماً فان لم‌يفعل فرط فان فرط ضيع فان ضيع اثم و ان اثم سكن النار و الذي بعث محمداً بالحق و قيل لابي عبدالله7 هل يسع الناس ترك المسئلة عما يحتاجون اليه فقال لا و قال عليكم بالتفقه في الدين و لاتكونوا اعراباً فان من لم‌يتفقه في دين الله لم‌ينظر الله اليه يوم القيمة و لم‌يزك له عملاً و قال7 طلب العلم فريضة علي كل حال و قال ما معناه من كان له صحة الجسم و جودة الفهم و لم‌يطلب العلم و مات مات كافراً و من مات كافراً خلد في النار الي غير ذلك من الاخبار فطلب العلم و السؤال عما يحتاج اليه فريضة دائماً و علي كل حال الا انه قديطلب و لايجد فيبقي جاهلاً فحينئذ هو معذور اذ كل ما غلب الله عليه من امر فالله اعذر لعبده و قدقال الله سبحانه لايكلف الله نفساً الا ما آتيها و قال الصادق7 ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و قال من عمل بما علم كفي مالم‌يعلم و في الحديث الذي مر في المرفوعات عن الامة و عد منها مالايعلمون و قال الصادق7 اي رجل ركب امراً بجهالة فلاشيء عليه و قال كل شيء امر الناس به فهم يسمعون له و كل شيء لايسمعون له فهو موضوع عنهم انظر في هذا الحديث فان معناه ان كل ما يريد الله من عبده في السياسة الملكية فانه يبلغه اليه و يسمعه و له الحجة البالغة و ما لم‌يبلغ ليس ببالغ و ما ليس ببالغ ليس بحجة الله و ما لايريد منهم في السياسة الملكية لايسمعه اياهم و لايبلغ اليهم ذلك فما جهلت فهو موضوع عنك لم‌يرده الله منك و انما اراده ممن اسمعه اياه و عرفه و اتي رجل الصادق7 و قال اني ورثت مالاً و قدعلمت ان صاحبه الذي ورثته منه كان يربي الي ان قال7 فمن جهله وسع الله له جهله حتي‌يعرفه فاذا عرف تحريمه حرم عليه و سئل عن المرأ يتزوج المرأة في عدتها بجهالة اهي مما لاتحل له ابداً فقال لا اما اذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها و قديعذر في الجهالة بما هو اعظم من ذلك و قال

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 138 *»

 علي7 في من شرب الخمر ابعثوا به من يدور علي مجالس المهاجرين و الانصار من كان تلي عليه آية التحريم فليشهد عليه ففعلوا ذلك فلم‌يشهد احد بانه قرأ عليه آية التحريم فخلي عنه فقال ان شربت بعده اقمنا عليك الحد و كذا صنع في السارق و عن ابي‌ابراهيم7 في قول الله تعالي قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم اجمعين مبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمه العالم لان الله تعالي عدل لايجور يحتج علي خلقه ما يعلمون يدعوهم الي ما يعرفون لا الي ما يجهلون و ينكرون و في الدعاء و اي جهل لايسعه جودك الي غير ذلك من الاخبار التي استقصيناها في فصل الخطاب فاذا كان الانسان جاهلاً لايدري و هو علي ما عرفت غير الشاك و المشتبه عليه فهو في سعة حتي‌يتعلم بل لو قصر الانسان في التعلم اثم في تركه و صح ما وقع فيه بجهله و ان كان يعاقب علي تضييعه طلب العلم لانه فريضة مستقلة و الجاهل الواقع بجهله فيما وقع فيه و لو كان عن تقصير تحت عموم هذه الاخبار و لا مخصص لها و لكن المشهور بين العلماء عدم المعذورية الا في احكام يسيرة كحكمي الجهر و الاخفات و القصر و الاتمام و قالوا ببطلان عبادات الجاهل الذي ليس بمقلد و لامجتهد و عن جمع من المتأخرين معذورية الجاهل مطلقاً الا في مواضع يسيرة و منهم من زعم ان اخبار وجوب طلب العلم تدافع اخبار معذورية الجاهل و هو اشتباه فان فرض الطلب غير صحة عمل الجاهل و يكشف عن ذلك رواية عبد الصمد بن بشير عن ابي‌عبدالله7 قال جاء رجل يلبي حتي دخل المسجد و هو يلبي و عليه قميص فوثب عليه الناس من اصحاب ابي حنيفة فقالوا شق قميصك و اخرجه من رجليك فان عليك بدنة و عليك الحج من قابل و حجك فاسد فجاء ابوعبدالله7 فقام علي باب المسجد فكبر و استقبل الكعبة فدنا الرجل من ابي‌عبدالله7 و هو ينتف شعره و يضرب وجهه فقال له ابوعبدالله7 اسكن يا عبدالله فلما كلمه و كان الرجل اعجمياً فقال ابوعبدالله7 ما تقول قال كنت رجل اعمل بيدي فاجتمعت لي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 139 *»

 نفقة فجئت احج لم‌اسأل احداً عن شيء فافتوني هؤلاء ان‌اشق قميصي و انزعه من قبل رجلي و ان حجي فاسد و ان علي بدنة فقال له متي لبست قميصك ابعد ما لبيت ام قبل قال قبل ان‌البي قال فاخرجه من رأسك فانه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل اي رجل ركب امراً بجهالة فلاشيء عليه طف بالبيت اسبوعاً فصل ركعتين عند مقام ابرهيم و اسع بين الصفا و المروة و قصر من شعرك فاذا كان يوم التروية فاغتسل و اهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس.

انظر في هذا الخبر الشريف كيف قال الرجل فجئت احج لم‌اسأل احداً عن شيء و مع ذلك قال7 اي رجل ركب امراً بجهالة فلاشيء عليه مع ان الرجل في طريق الحج و في مكة يري الناس يحجون و يمكنه السؤال فمع انه قصر عن السؤال و حج عن جهالة لم‌يبطل عمله و عذره بالجملة الجاهل معذور مطلقاً و عمله صحيح و ان لم‌يقلد احداً و لم‌يجتهد في المسئلة كيف كان و لا اثم عليه في عمله و ان كان آثما بترك المسئلة كما قال الصادق7 انما يهلك الناس لانهم لايسألون فافهم راشداً موفقاً.

قال وفقه الله و هل يجب علي الوصي و الولي اخراج الخمس من ميراث الصغير.

اقول اعلم ان الجواب عن هذه المسئلة يقع في مقامين:

الاول في بيان انه هل يجب الخمس علي الانسان فيما يرث ام لا فالمشهور انه لاخمس في الميراث و المنقول عن ابي‌الصلاح وجوبه فيه و الظاهر من الشيخ يوسف اختياره حيث استدل له و لم‌ينكر عليه و لم‌يرده و به كان يقول سيدنا اجل الله شأنه و انار برهانه و عمومات الاخبار تساعد قول ابي الصلاح الحلبي و كذا الآية و اعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه الآية بمعونة الاخبار المفسرة لها منها عبارة الفقه الرضوي بعد ذكر الآية و كلما افاده الناس غنيمة لافرق بين الكنوز و المعادن و الغوص الي آخره و ما روي عن سماعة قال سألت اباالحسن

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 140 *»

 7 عن الخمس فقال في كل ما افاد الناس من قليل او كثير الي غير ذلك من الاخبار العامة و عن الفقه الرضوي انه فسر الغنيمة بربح التجارة و غلة الضيعة و ساير الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها لان الجميع غنيمة و فائدة و فيه كل ما افاده الانسان فهو غنيمة و هذه الاخبار كما  تري اذا اخذ بظاهرها تفيد ثبوت الخمس في الارث و لكن الاشكال في انه لو كان الخمس في الارث ثابتاً و كان في عصر النبي9 و اعصار الائمة: يؤخذ من المواريث لكان ينقل متواتراً لتوفر الداعي الي نقله و كثرة وقوعه في جميع البلدان و الايام و الازمان و لكان ينقل اخبار كثيرة في ابواب المواريث في اخذه كما ورد في الكنوز و المعادن و غنائم دار الحرب و الغوص مما يكون الخمس فيه ثابتا و لما ذهب المشهور من العلماء الي عدمه حتي انه لم‌ينقل خلاف الا عن الحلبي في المتقدمين و لما خلي عن ذكره كتب القدماء مع ان في صحيحة علي بن مهزيار التي عد فيها جميع الانواع و الفوايد قال ابوجعفر7 فيها فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالي واعلموا انما غنمتم من شيء الآية فالغنيمة و الفوايد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر و الميراث الذي لايحتسب من غير اب و لا ابن الخبر. فخص فيه الميراث الذي لايحتسب و هو كأن يرث ممن لايظن انه يرثه فخلو الكتب عن ذكره و ذهاب المشهور الي عدمه مع كثرة وقوعه وكثرة الداعي الي نقله و عموم بلواه و خلو ابواب المواريث منه جملة و تخصيص السهام بالورثة و ما ورد مما يعارضها مما يوهن في عموم هذه الاخبار كثيراً و الا لكان اللازم ان يبين في المواريث ان من المنجزات الخمس مثلاً و يقول الله سبحانه من بعد وصية يوصي بها او دين و خمس مثلاً و قدخص كل سهم بوارث من غير تعرض للخمس في الكتاب و السنة فلاجل ذلك يشكل الحكم بثبوت الخمس في الميراث و عبارة الفقه الرضوي يعارضها صحيحة علي بن مهزيار و يمكن تخصيص عبارة الفقه بالمواريث التي لايحتسبها علي ما ذهبوا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 141 *»

اليه و روي في ترجيح الخبرين خذ بمااشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لاريب فيه و المشهور مع صحيحة علي بن مهزيار فيما يحتسب من المواريث و ان كان موافقة الكتاب بمعونة تفسير اهل البيت: والاحتياط في العمل بعبارة الفقه ولكن يرد علي هذا الترجيح ان الكتاب المفسر ليس بمعرض للترجيح لان جميع اخبارهم تفسير للكتاب و مأخوذ عن الكتاب و العرض علي الكتاب المفسر في الحقيقة عرض علي الخبر المفسر و هو ليس سبب ترجيح كما بيناه في محله و انما الكتاب الذي يجب العرض عليه الكتاب المستجمع علي تأويله كما روي عن الكاظم7 فموافقة الكتاب المفسر في الحقيقة موافقة المفسر لا الكتاب و ليس المعرض حينئذ اولي من المعروض و اما الاحتياط فليس يقابل الشهرة و عمل الاصحاب قديماً و حديثاً و ايضاً يعارضها الروايات الحاصرة كما روي عن ابي الحسن الاول7 الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة و ما روي عن المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه نقلاً من تفسير النعماني و فيه و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص الخبر. فادخل الملاحة في المعادن و قدقال الصادق7 في الملاحة انها المعدن و هذه الاربعة اجماعية و ساير ما ورد فيه الخمس خلافي بالجملة هذه الاخبار الحاصرة ايضاً معارضة لها و الرجحان كما عرفت لهذه الاخبار لموافقة المشهور و ان المجمع عليه لاريب فيه هذا مع ان الخطب فيه سهل لتحليلهم هذا النوع لشيعتهم قاطبة و قدكتبنا في ذلك رسالة مفصلة و مما يدل علي ذلك رواية ابي‌خديجة عن ابي عبد الله7 قال قال رجل و انا حاضر حلل لي الفروج ففزع ابوعبدالله7 فقال له رجل ليس يسألك ان يعترض الطريق انما يسألك خادماً يشتريها او امرأة يتزوجها او ميراثاً يصيبه او تجارة او شيئاً اعطيه فقال هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغايب و الميت منهم و الحي و ما تولد منهم الي يوم القيمة فهو لهم حلال اما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 142 *»

 و الله لايحل الا لمن احللنا له لا و الله ما اعطينا احداً ذمة و ما عندنا لاحد عهد و لا لاحد عندنا ميثاق. الي غير ذلك من الاخبار المتواترة فالخطب فيه سهل بفضلهم و جودهم علي عبيدهم الضعفاء.

الثاني في بيان الخمس هل يتعلق بمال الصغير ام لا؟ ليس فيه نص بخصوصه و لكن كلية معروف من المذهب ان شرط التكليف البلوغ فليس يتعلق به التكليف و الولي او الوصي ليس بمالك لمال الصغير و انما هوحافظ لماله حتي يبلغ الرشد و ليس يتعلق بهما تكليف الغير و لم‌ار من تعرض لذلك من الاصحاب كأنهم لم‌يحتملوا تعلق التكليف بماله و يمكن الاستدلال بانه لاخمس في مال الصغير برواية الحلبي عن ابي‌عبدالله7 في مال اليتيم اذا كان موضوعاً فليس عليه زكوة ورواية ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله7 انه سمعه يقول ليس في مال اليتيم زكوة و ليس عليه صلوة و ليس علي جميع غلاته من نخل او زرع او غلة زكوة و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضي زكوة و لا عليه لما يستقبل حتي يدرك فان ادرك كانت عليه زكوة واحدة وكان عليه مثل ما علي غيره من الناس علي ان الخمس يطلق عليه اسم الزكوة ايضاً و اسم الصدقة ايضاً اما اسم الزكوة فلاخبار متواترة وردت فيما بني الاسلام عليه و بيان فرايض الاسلام و شرايعه و ليس فيها لفظ الخمس و انما المذكور فيها الزكوة و الخمس منها و في حديث علي بن مهزيار ان موالي اسأل الله صلاحهم او بعضهم قصروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك فاحببت ان اطهرهم و ازكيهم بما فعلت من امر الخمس قال الله تعالي خذ من اموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم ان صلوتك سكن لهم و الله سميع عليم الخبر فبهذا الاعتبار يمكن الاستدلال بعموم ليس في مال اليتيم زكوة علي نفي الخمس ايضاً هذا مع ان اميرالمؤمنين7 قال ان القلم يرفع عن ثلثة عن الصبي حتي يحتلم و عن المجنون حتي يفيق و عن النائم. فعدم تكليف الصبي مسلم فليس في ماله خمس و لما لم‌يوجبوا علي ولي اخراج خمس ولاتكليف الا بالبيان و كل شيء مطلق حتي يرد فيه نص فليس عليه ايضاً اخراجه مع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 143 *»

ان الخطب كما قدمنا سهل في المسئلة بفضل الائمة: و كرمهم فلايجب عليهما كلية اخراج الخمس عن مال الصغير اللهم الا ان يكون تعلق الخمس بالمورث و تهاون حتي مات و بقي ديناً عليه فهو يخرج قبل القسمة فانه دين عليه و بعد القسمة لتعلقه بذمة الوارث.

قال سلمه الله تعالي و ما مصرف حق الامام؟

اقول اما في زمان ظهور امرهم فمعلوم انه يؤدي اليهم: و هم اعلم بمواقعه يتصرفون فيه كيف شاؤا و ارادوا و اما في زمان فقده اختلف العلماء فيه الي احد عشر قولاً فمنهم من قال بعزله و الوصية به من وقته الي آخر وقت ظهوره و منهم من قال بسقوطه و منهم قال بدفنه و منهم من خير بين الدفن و الوصية و منهم من قال بوجوب حفظه مطلقاً و منهم من قال بتقسيمه علي الذرية الهاشمية و منهم من قال بوجوب الايصال مع الامكان و الا فيصرف الي الاصناف و مع عدم حاجتهم يباح للشيعة و منهم من قال بصرف حصته في مواليهم العارفين ومنهم من قال بسقوط خمس الارباح دون حصتهم: من ساير الخمس و منهم من قال بالتخيير بين الدفن و الوصية و مع اعواز حصة الاصناف يصلهم به باذن نائب الغيبة و منهم من يري صلة الذرية و فقراء الشيعة علي طريق الاستحباب و السبب في اختلافهم اختلاف الاخبار و الاعتبار و اني كتبت في هذه المسئلة رسالة منفردة و فصلت الاقوال و الاخبار و ادلتهم و بينت المراد هناك علي ما رزقنا الله سبحانه من بركات آل محمد: بالجملة علي ما ذهب اليه البعض من احب ان يؤتي هذا اليوم حقه7 فليدفعه الي الضعفاء من اولاد الائمة: يتاماهم و مساكينهم و ابناء سبيلهم فانه7 يوم ظهوره كان يصرفه فيهم اذا اعوزتهم حصصهم و ان استغنوا عنه ففي شيعتهم العارفين بحقهم: كما روي عن حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح7 في حديث قال و له يعني الامام نصف الخمس كملاً و نصف الخمس الباقي بين اهل بيته فسهم ليتاماهم سهم لمساكينهم و سهم لابناء

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 144 *»

 سبيلهم يقسم بينهم علي الكتاب و السنة ما يستغنون في سنتهم فان فضل عنهم شيء فهو للوالي فان عجز او نقص عن استغنائهم كان علي الوالي ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به و انما صار عليه ان يمونهم لان له ما فضل عنهم و لخصوص ما روي عن علي بن موسي بن طاوس في كتاب الطرف باسناده عن عيسي بن المستفاد عن ابي الحسن موسي بن جعفر عن ابيه8 ان رسول الله9 قال لابي ذر و سلمان و المقداد اشهدوني علي انفسكم الي ان قال و اخراج الخمس من كل ما يملكه احد من الناس حتي يرفعه الي ولي المؤمنين و اميرهم و من بعده من الائمة من ولده ممن عجز و لم‌يقدر الا علي اليسير من المال فليدفع ذلك الي الضعفاء من اهل بيتي من ولد الائمة فمن لم‌يقدر علي ذلك فلشيعتهم ممن لايأكل بهم الناس و لايريد بهم الا الله الخبر. و لقول ابي عبد الله7 ما كان لنا فهو لشيعتنا و ليس لعدونا منه شيء الا ما غصب عليه و ان ولينا لفي اوسع مما بين ذه الي ذه يعني بين السماء و الارض ثم تلا هذه الاية قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيمة بلاغصب فاذا استغني عن الخمس الاصناف من ذرية الائمة: و ساير بني‌هاشم فليصرف في الشيعة العارفين الذين هم من ذريتهم حقيقة باطناً فهم اولي به من غيرهم الي ان يظهر الامام و يوم يظهر يكون لشيعتهم اكثر من ذلك و اوسع ما شاء الله فلو صرفه اليوم الي من يلي امر الركن الرابع ليصرفه هو في محله و اهله و يصير بذلك سبباً لنشر امرهم و فضائلهم و طريقتهم: كان احسن و اكمل و اتم و اولي و يحوز الحسنيين الا ان يعجز عن الايصال فيصرفه كما ذكرنا ان شاء الله و قيل بصرفه الي الفقيه لانه ابصر بمن يستحقه و من لايستحقه و هو يد الامام7 في زمان غيبتهم و حضورهم: و تفصيل مسئلة الخمس جملة مذكور في تلك الرسالة فمن شاء فليطلبه و لاحاجة الي تفصيله هنا و لاينبغي.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 145 *»

قال وفقه الله و هل الأياس من صاحب الضالة يسقط التعريف ام يجب التعريف تعبداً و ما مقداره و كيفيته.

اقول الظاهر من الاخبار الواردة الاطلاق فيعرف مطلقاً اذا كان في مكان مجتمع الناس و مختلفهم لعل الله يحدث بعد ذلك امراً نعم ورد انه سئل الرضا7 فقيل له رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فاي شيء نصنع به قال تحملونه الي الكوفة قال لسنا نعرفه و لانعرف بلده و لانعرف كيف نصنع قال اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه قيل له علي من جعلت فداك قال علي اهل الولاية. و هذا الخبر اخص من المدعي فيقتصر علي مثل موضع النص و العمل علي مقتضي الاخبار الاولة و كلمات الاصحاب ايضاً مطلقة مشعرة بلزوم التعريف تعبداً و فيه الاحتياط للدين فدع ما يريبك الي ما لايريبك و اما مقدار التعريف فحول كامل لتظافر الاخبار و تصريحات العلماء الاخيار ففي الصحيح عن الحلبي عن ابي‌عبدالله7 في حديث قال في اللقطة يجدها الرجل و يأخذها قال يعرفها سنة فان جاء طالبها و الا فهي كسبيل ماله و ليس في الاخبار استيعاب الحول و ادعوا الاتفاق علي عدم وجوب الاستيعاب و هو كذلك فان الاستيعاب الحقيقي يحصل بالتعريف ليلاً و نهاراً متصلاً و هو معلوم عدمه بالبداهة فمرجعه الي العرف ان يقال عرف فلان سنة و هو يحصل بان يعرف مهما وجد مجمعاً و ظن مجيء بعض من لم‌يسمع التعريف الي سنة و لكن بعض الاصحاب قال و الظاهر تحققه في الابتداء كل يوم مرة او مرتين ثم في كل اسبوع او في كل شهر كذلك و ليكن في مجمع من الناس و كان السيد اعلي الله مقامه يقول انه يعرف اسبوعاً كل يوم مرة ثم الي شهر كل اسبوع مرة ثم الي سنة كل شهر مرة و لم‌اجد في الاخبار تفصيله و الذي اعرفه انه راجع الي العرف و هو علي ما بينت حتي انه لو كان في محل اللقطة جماعة مخصوصون معروفون و عرف فيهم مرة و لم‌يعرفه احد منهم و لم‌يجيء بعد من خارج المحل احد الي ذلك المحل يحبس المال سنة لقول علي7 في

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 146 *»

 اللقطة يعرفها فان جاء صاحبها دفعها اليه و الا حبسها حولاً فان لم‌يجئ صاحبها او من يطلبها تصدق بها الخبر.

قال سلمه الله و هل ظن الضرر في احد طرق الحج يسقط وجوبه لولم‌يتمكن من الطريق الآخر و علي تقدير السقوط فهل يخرج عن العهدة المستأجر للحج لو سلك الطريق الذين ظن فيه الضرر و ان هذا نهي خارجي عن العبادة.

اقول لاشك و لاريب ان تخلية السرب من اسباب الاستطاعة فان الله ما جعل عليكم في الدين من حرج و يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و في صحيح هشام بن الحكم عن ابي‌عبدالله7 في قوله عزوجل و لله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً ما يعني بذلك قال من كان صحيحاً في بدنه مخلاً سربه له زاد و راحلة و علي ذلك اجماع الاصحاب فلايستطيع اذا خاف علي نفسه فلو كان طريق اقرب و طريق ابعد و له زاد و راحلة يكفيه علي الطريق الاقرب دون الابعد و كان الاقرب غير مخلي السرب فهو غير مستطيع البتة فلو تكلف و ركب الطريق الاقرب مع الخوف و اتفقت سلامته و وصل الي مكة و ادرك المناسك اجزأه لان الطريق مقدمة الفرايض و ليس من اصل المناسك و الشاهد علي ذلك صحيحة معوية بن عمار قال قلت لابي‌عبدالله7 الرجل يمر مجتازاً يريد اليمن او غيرها من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون لي الحج فيخرج معهم الي المشاهد ايجزيه ذلك عن حجة الاسلام قال نعم و رواية حريز بن عبد الله قال سألت ابا عبدالله7 عن رجل اعطي حجة يحج بها عنه من الكوفة فحج بها عنه من البصرة قال لابأس اذا قضي جميع المناسك فقدتم حجه و اما ما روي عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله7 قال لو ان عبداً حج عشر حجج كانت عليه حجة الاسلام ايضاً اذا استطاع الي ذلك سبيلاً فهو فيمن تكلف الحج و لم‌يكن مستطيعاً فاذا استطاع فعليه حجة الاسلام فان الله يقول و لله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً فمن لم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 147 *»

‌يستطع لم يجعل الله عليه حجاً فهو كمن صلي قبل الظهر فاذا زالت الشمس عليه الصلوة ثانياً و لايجزيه ما صلي و اما اذا كان الطريق غير مخلي فهو و ان كان غير مستطيع ما لم‌يسر و اما اذا تكلف و سار و بلغ المناسك و المواقع فهنالك يستطيع الحج فان له زاد و راحلة و صحة و طريق مخلي بخلاف غير المستطيع بحسب الزاد الذي تكلفه فانه في جميع المواقع و المناسك غير مستطيع فلايجزيه حجه فمثل من تكلف المسير و الطريق مخوف كمن سار الي المسجد قبل الظهر فاذا وافي المسجد زالت الشمس فهنالك يصلي و تجزيه فالنايب الذي يتكلف و يمشي علي طريق يخاف منه علي نفسه و ان عصي في اول سيره و لكن اذا بلغ المأمن فمن هناك يحج و سفره بعده مباح و حجه مجزي لمفاد رواية حريز كما سمعت فالطريق خارج عن العبادة و النهي المتعلق بالطريق نهي عن غير اجزاء الحج و لايضر بحجه ان‌ شاء الله.

قال ايده الله و هل يشترط في امام الجماعة ان‌يكون اعرف من المأموم ام لا و هل ذلك شرط لصحة صلوة المأموم لو كان اعرف من الامام ام شرط لحصول كمال الجماعة كبعض شرائط الكمال و علي تقدير الاشتراط فهل المراد من المعرفة المعرفة الرسمية و التقريرات اللفظية و ان لم‌تكن للشخص حالة كونية تطابق المقالية ام المراد من المعرفة هي استنارة القلب لمن احبه الله التي اشارت اليها رواية عنوان و غيرها من الروايات.

اقول اعلم وفقك الله ان الاعرفية ليست شرطاً في الامامة بحيث ان لم‌يكن الامام اعرف القوم لم‌‌تتحقق الجماعة و انما الكلام في جواز تقديم من المأموم اعرف منه هل يجوز اقتداء الاعرف بغير الاعرف و  اذكر لك شرحه ان شاء الله فاما لو كانا في المعرفة سواء و كان الامام عدلاً مرضياً مستوفياً لساير الشرايط فلابأس بالاقتداء به و يدل علي ذلك عمومات الاخبار و اطلاقاتها و انما الكلام فيما اذا كان المأموم اعلم من الامام و اعرف هل يجوز الاقتداء ام لا فعن النبي9 من أم قوماً و فيهم من هو اعلم منه لايزال امرهم الي السفال الي يوم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 148 *»

 القيمة و في رواية اعلم و افقه و في رواية في سفال و قال9 امام القوم وافدهم فقدموا افضلكم و قال9 ان ائمتكم وفدكم الي الله فانظروا من توفدون في دينكم و صلوتكم و روي لاتصل خلف من انت اعرف منه و لم‌ار من الاصحاب من قال بعدم تحقق الجماعة اذا كان المأموم اعلم كما نقل عن العلامة في التذكرة قال و هذا كله تقديم استحباب لاتقديم اشتراط و ايجاب فلو قدم المفضول جاز و لانعلم فيه خلافا انتهي. حتي ان المشهور بين الاصحاب هو تقديم الاقرأ علي الافقه و ذهب بعض منهم الي العكس كما نقل عن المدارك و الذخيرة و اختاره ايضاً صاحب الحدايق و الشيخ الحر العاملي و صاحب المفاتيح و هو الاوفق بالمذهب و الكتاب من عدم جواز تقديم المفضول علي الفاضل و طال ما طعن به الشيعة علي العامة و عليه اجماعهم فلاينبغي تأخير الفاضل و تقديم المفضول و ان الله سبحانه لم‌يرض بتسويتهم فضلاً عن تقديم المفضول فقال هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون فاذا بطل التسوية بطل التقديم بالضرورة و قدقال الله سبحانه افمن يهدي الي الحق احق ان‌يتبع امن لايهدي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 149 *»

 الا ان‌يهدي فما لكم كيف تحكمون و لولا ظهور اتفاق الاصحاب رضوان الله عليهم علي جواز تقديم المفضول و ان تقديم الاعرف علي جهة الاستحباب لكان القول بتحريم تقديمه و تأخير الفاضل متجهاً للكتاب و السنة و دليل العقل و لكن مخالفة جملة الاصحاب مشكل مع ان الخروج عن ما يدل عليه الكتاب و الاخبار و صحيح الاعتبار اشكل بالجملة لولا خوف الانكار علي لافتيت بعدم الجواز و الي ذلك يشير ما نقل عن ابن ابي عقيل حيث نقل انه قال و لايؤم المفضول الفاضل و لا الاعرابي المهاجر و لاالجاهل العالم و عن الذكري انه قال بعد نقل كلام ابن ابي عقيل و قول ابن ابي عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل و منع امامة الجاهل بالعالم ان اراد به الكراهة فحسن و ان اراد التحريم امكن استناده الي ان ذلك يقبح عقلاً و هو الذي اعتمد عليه محققوا الاصوليين في الامامة الكبري و لقول الله تعالي افمن يهدي الي الحق احق ان‌يتبع امن لايهدي الا ان‌يهدي فمالكم كيف تحكمون انتهي. و اما رواية ابي عبيدة انه قال سألت ابا عبد الله7 عن القوم من اصحابنا يجتمعون فتحضر الصلوة فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان فقال ان رسول الله9 قال يتقدم اقرؤهم للقرآن فان كانوا في القراءة سواء فاقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فاكبرهم سناً فان كانوا في السن سواء فليؤمهم اعلمهم بالسنة و افقههم في الدين و لايتقدمن احدكم صاحب المنزل في منزله و لاصاحب سلطان في سلطانه فقدوردت مورد التقية فان ذلك بعينه حكم العامة حيث قدموا الاسن علي الاعلم و كذا الاقدم هجرة علي زعمهم علي الاعلم و الشاهد علي انه صدر تقية ما روي من طريق العامة عن النبي9 يؤم اقرؤكم للكتاب و في خبر آخر من طرقهم يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله فان كانوا في القرائة سواء فاعلمهم بالسنة و ان كانوا في السنة سواء فاقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فاقدمهم سناً الي غير ذلك و بالجملة تقديم المفضول علي الفاضل طريقة العامة و يجب عرض الخبر علي الكتاب فاذا راجعنا الكتاب رايناه ابي عن تسوية العالم و غير العالم و المهدي و غير المهدي و اذا راجعنا العامة التي امرنا بالاخذ بخلافهم رأينا انهم يقدمون المفضول علي الفاضل و رأينا اخبارهم منسوجة علي هذا السبك و قدقال الصادق7 ما سمعت مني يشبه قول الناس ففيه التقية. فلذلك تركنا العمل بخبر ابي‌عبيدة و اخذنا بمقتضي الكتاب و السنة فاذا عرفت ذلك فاعلم ان علي مقتضي المشهور ان ذلك شرط كمال الجماعة كساير شرائط الكمال و علي مقتضي الادلة كما عرفت انه شرط التحقق و اما المراد من المعرفة وحدها الذي لايجوز التقدم عليه لمن هو ادني منه فاعلم ان كلام كل احد يجري علي اصطلاحه و لابد ان‌يستنبط معناه منه فاذا راجعنا صاحب الكلام رأيناه قدقال ان العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب كما روي عن الصادق7 انه قال لعنوان يا ابا‌عبدالله ليس العلم بالتعلم انما هو نور

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 150 *»

 يقع في قلب من يريد الله تبارك و تعالي ان‌يهديه. و قال النبي9 انما العلم ثلثة آية محكمة او فريضة عادلة او سنة قائمة و ما خلاهن فهو فضل و قال الصادق7 وجدت علم الناس كله في اربع اولها ان‌تعرف ربك و الثاني ان‌تعرف ما صنع بك و الثالث ان‌تعرف ما اراد منك و الرابع ان‌تعرف ما يخرجك من دينك و قال7 في قوله تعالي انما يخشي الله من عباده العلماء يعني بالعلماء من صدق فعله قوله و من لم يصدق فعله قوله فليس بعالم و سئل الباقر7 عن مسئلة فاجاب فيها فقيل ان الفقهاء لايقولون هذا فقال يا ويحك هل رأيت فقيهاً قط ان الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة المتمسك بسنة النبي صلي الله و آله و سلم و قال الرضا7 ان من علامات الفقه الحلم و الصمت و قال اميرالمؤمنين7 لايكون السفه و الغرة في قلب العالم و في الدعاء لا علم الا خشيتك و ليس لمن لم‌يخشك علم و قال الصادق7 اذا حصل العلم في الصدر خاف و اذا خاف هرب و اذا هرب نجا و قال الصادق7 طلبة العلم ثلثة فاعرفهم باعيانهم و صفاتهم صنف يطلبه للجهل و المراء و صنف يطلبه للاستطالة و الختل و صنف يطلبه للفقه و العقل فصاحب الجهل و المراء موذي مماري متعرض للمقال في اندية الرجال يتذاكر العلم و صفة الحلم قدتسربل بالخشوع و تخلي من الورع فدق الله من هذا خيشومه و قطع منه حيزومه و صاحب الاستطالة و الختل ذو خب[1]و ملق يستطيل علي مثله من اشباهه و يتواضع للاغنياء من دونه فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم فاعمي الله علي هذا خبره و قطع من آثار العلماء اثره و صاحب الفقه و العقل ذو كآبة و حزن و سهر قدتحنك في برنسه و قام الليل في حندسه يعمل و يخشي وجلاً داعياً مشفقاً مقبلاً علي شأنه عارفاً باهل زمانه مستوحشاً من اوثق اخوانه فشد الله من هذا اركانه و اعطاه يوم القيمة امانه و كان اميرالمؤمنين7 يقول

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 151 *»

 يا طالب العلم ان العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع و عينه البراءة من الحسد و اذنه الفهم و لسانه الصدق و حفظه الفحص و قلبه حسن النية و عقله معرفة الاشياء و الامور و يده الرحمة و رجله زيارة العلماء و همته السلامة و حكمته الورع و مستقره النجاة و قائده العافية و مركبه الوفاء و سلاحه لين الكلمة و سيفه الرضا و قوسه المداراة و جيشه مجاورة العلماء و ماله الادب و ذخيرته اجتناب الذنوب و زاده المعروف و مأواه الموادعة و دليله الهدي و رفيقه محبة الاخيار بالجملة العلم و الفقه هو هكذا فمن كان فيه هذه الصفات اكثر هو اعلم و افقه و ليس تذاكر الفاظ العلم و تحبيرها و تزيينها و تكرارها بعلم:

لو كان في العلم من غير التقي شرف

لكان اشرف كل الناس ابليس

و اعلم ان العلم نور يحصل في الصدر و لذلك النور اشعة و انوار فاذا استنار الصدر بالعلم سطع آثاره في العين و الاذن و اللسان و اليد و الرجل و جميع الاعضاء فيستنير كل عضو بسطوعه و نوره فيجري كل واحد علي مقتضي ذلك النور و طبعه و ميله الاتري انك لو رأيت بيتاً ذي كوي عديدة و نظرت في تلك الكوي و لم‌‌تر منها نوراً و لاضوءاً عرفت ان البيت مظلم ليس فيه سراج و اذا رأيت ان من تلك الكوي يسطع نور تعرف ان فيه سراج كذلك العلم اذا حصل في الصدر يشرق من جميع كوي اعضائك و جوارحك فلاتنظر الا بالعلم فتنظر في ما يرجح النظر فيه و تغمض عما لايحل النظر اليه و لاتستمع الا بالعلم فتصغي الي ما يرجح الاصغاء اليه و تعرض عما لايحل الاصغاء اليه و لاتتكلم الا بالعلم فتكلم بما يحل و يرجح و تمسك عما لايحل الكلام فيه و لاتمشي الا بالعلم فتمشي الي ما يرجح المشي اليه و تتقاعد عما لايحل المشي اليه و هكذا في الظاهر و الباطن و مقتضي ذلك النور الخوف الذي هو فرعه فاذا اشرق نور الخوف في جميع اعضائك و جوارحك لاتستعمل و لاتتحرك الا الي الطاعة و تهرب عن المعاصي فان الهرب دليل الخوف فاذا رأيت عالماً هكذا قدمه علي نفسك و لاتتقدم عليه و اما تعلم الالفاظ و ذكرها فان ذلك يقدر عليه جميع اصناف الناس و فرقهم حتي الافرنجي و اليهودي يقدر ان‌يقول اول ما خلق الله محمد9 و ان علياً نفس رسول الله9

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 152 *»

و انهما وجه الله و يد الله و نفس الله و هكذا ساير الفاظ العلوم فلايغرنك ذكر الالفاظ و تحبيرها و تسطيرها و لاتسم كل احد عالماً و لاتصغ الي كل من يدعي العلم:

و كل يدعي وصلاً بليلي

و ليلي لاتقر لهم بذاكا

اذا انبجست دموع من خدود

تبين من بكي ممن تباكي

و اعلم ان العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل و العلم طاير و رباطه العمل فان كان مربوطاً بالعمل قر و الا فر و يكفي لمثل جنابك هذا المقدار.

قال ايده الله و ما حد الفقر الذي يعطي صاحبه من حق الامام7 و كذا الفقير الذي يعطي الزكوة ما حده.

اقول اعلم ان حق الامام7 ان كان يعطي السادة علي ما قيل فهم الاصناف الثلثة الذين سماهم الله و هم اليتامي و المساكين و ابن السبيل و لابد و ان‌يكونوا غير مالكين لما يكفيهم فمن كان منهم محتاجاً يعطي من حق الامام لقول ابي‌الحسن7 في الخمس يقسم بينهم علي الكفاف و السعة ما يستغنون به في سنتهم فان فضل عنهم شيء فهو للوالي فان عجز او نقص عن استغنائهم كان علي الوالي ان‌ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به و انما صار عليه ان‌يمونهم لان له ما فضل عنهم و من هذا الخبر يظهر ان الاصناف الثلثة يأخذون الخمس اذا كانوا محتاجين لقوت سنتهم و كفافهم فاذا كان يعطيهم الامام7 بقدر ما يستغنون به سنة فان عجز الخمس يمونهم من عنده فكذلك اليوم اذا كانوا محتاجين الي قوت سنتهم و عجز عنهم الخمس او لم‌يعطوا منه يعطون بقدر ما يجبر كسرهم الي سنة هذا اذا كان من يعطيه من السادة و اذا اعطاه بعض الشيعة الصالحين او بعض السادة باعتبار التشيع فليس له حد معروف من الشرع و قدمر الكلام فيه آنفاً و اما حد الفقر الذي يعطي الرجل به الزكوة فان لايكون مالكاً للنصاب علي الاصح فان ذا النصاب غني باصطلاح الشرع لقولهم: في اخبار

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 153 *»

مستفيضة ان الله فرض للفقراء في اموال الاغنياء ما يسعهم فسموا ذا النصاب غنياً فكل من كان له بقدر النصاب في سنته فهو غني لايحل له اخذ الزكوة لقولهم: لاتحل الصدقة لغني و اما صحيحة ابي‌بصير قال سمعت اباعبدالله7 يقول يأخذ الزكوة صاحب السبعمائة اذا لم يجد غيره قلت فان صاحب السبعمائة يجب عليه الزكوة قال زكوته صدقة علي عياله و لايأخذها الا ان‌يكون اذا اعتمد علي السبعمائة انفدها في اقل من سنة فهذا يأخذها و لاتحل الزكوة لمن كان محترفاً و عنده ما تجب فيه الزكوة ان‌يأخذ الزكوة انتهي. فذلك لان الزكوة تكون من سنة الي سنة و صاحب السبعمائة الذي له عيال كثير و ينفد ما عنده في اقل من سنة اذا انفقها عليهم فهو يحتاج الي الزكوة في هذه السنة فجوز اخذها و رخص لان بعد نفاد السبعمائة لايوجد الزكوة فذلك لما بعد نفادها لا لما قبله و اما من كان محترفاً و عنده ما تجب فيه الزكوة فلاتحل له و اما روايته الاخري قال سألت ابا عبد الله7 عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثير اله ان‌يأخذ الزكوة فقال يا ابا محمد ايربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل قال نعم قال كم يفضل قال لاادري قال ان كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلايأخذ الزكوة و ان كان اقل من نصف القوت اخذ الزكوة قال قلت فعليه في ماله زكوة تلزمه قال بلي قال قلت كيف يصنع قال يوسع بها علي عياله في طعامهم و شرابهم و كسوتهم و يبقي منها شيئاً يناوله غيرهم و ما اخذ من الزكوة فضه علي عياله حتي‌يلحقهم بالناس. اقول قوله7 ان كان يفضل عن القوت نصف القوت فلايأخذ فان له ما يقوتهم و ما يكسوهم و انما اعتبر الفضل لكسوتهم فاذا كان له ما يقوتهم و يكسوهم فلايأخذ الزكوة و اما اذا كان يعجز ربحه عن قوتهم و كسوتهم فهو يأخذ الزكوة لانه وضع الثمانمائة للعمل فيه و لايأكله و انما المال الذي يلحقه هو الربح و الربح لايكفيه و الزكوة من سنة الي سنة فيأخذ لما يعوزه ان كان اقل من حد النصاب من حاجة عياله الا تري انه قال فضه علي عياله فما يأخذه من الزكوة لمصرف عياله اما للتوسعة علي الكل بعد ما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 154 *»

قاتهم او لقوت من لم‌يسعه ربحه او يأخذها لحاجة نفسه بعد نفادها و ذلك رخصة لان الزكوة من سنة الي سنة و اما اذا لم‌يجعل الثمانمائة رأس ماله و اكله فيعتبر فيه كفاية الثمانمائة و اعوازها كالسبعمائة علي ما مر و فصل في رواية محمد بن مسلم عن ابي عبدالله7 قال تحل الزكوة لمن له سبعمائة درهم اذا لم‌يكن له حرفة و يخرج زكوتها منها و يشتري منها بالبعض قوتاً لعياله و يعطي البقية اصحابه و لاتحل الزكوة لمن له خمسون درهماً و له حرفة يقوت به عياله اقول تحل الزكوة لمن له سبعمائة اذا كان له عيال كثير اذا اعتمد عليها انفدها في اقل من سنة و هو ظاهر فلاينافي هذه الاخبار ما قدمنا من ان الغني يحصل بملك النصاب و لايحل له الاخذ فان ملك النصاب يحصل به الغني اذا كان بانياً علي انفاقه و لم‌يجعله رأس ماله يعمل فيه او كان وحده ليس له عيال كثير و اما اذا كان له عيال كثير و هو لايقدر علي الانفاق عليهم و ينفد ما يملك من النصاب في اقل من سنة اذا فضه عليهم و الزكوة من سنة الي سنة فيأخذ لعياله الفقراء ثم له ان‌يأكل من مالهم باذنهم او لنفسه يقوم فاقته في عرض السنة رخصة و يدل علي ذلك رواية هرون بن حمزة الغنوي قال قلت للصادق7 الرجل يكون له ثلثمائة درهم في بضاعة و له عيال فان اقبل عليها اكلها عياله و لم‌يكتفوا بربحها قال فلينظر ما يستفضل منها فليأكل هو و من يسعه ذلك و يأخذ لمن لم‌يسعه من عياله و رواية معوية بن وهب قال سألت الصادق7 عن الرجل يكون له ثلثمائة درهم او اربعمائة درهم و له عيال فهو يحترف فلايصيب نفقته فيها ايكسب فيأكلها و لايأخذ الزكوة او يأخذ الزكوة قال لا بل ينظر الي فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكوة و رواية سماعة عن ابي‌عبدالله7 قدتحل الزكوة لصاحب السبعمائة و  تحرم علي صاحب الخمسين درهماً فقلت له و كيف هذا قال اذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم‌تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله و اما صاحب الخمسين فانه يحرم عليه اذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه ان شاء الله فقوله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 155 *»

فليعف عنها نفسه يعني عن اخذها لنفسه فتكون ماله لانه في اول السنة قبل انفاق ماله غني فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله فتكون بعد ما اخذها ملكاً لعياله او يأخذ ليوم فاقته لا لحال غناه لما مر و ذلك رخصة كما مر و اما ما يدل علي انه ان ترك النصاب و ازيد منه لرأس ماله لايحسب من الغني فما مر من روايتي ابي‌بصير و كذا مثل رأس المال الدار و الخادم و الدواب التي يعمل عليها و الدليل عليه رواية سماعة قال سألت اباعبدالله7 عن الزكوة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم فقال نعم الا ان‌تكون داره دار غلة فيخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله فان لم‌تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم وكسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقدحلت له الزكوة و ان كانت غلتها تكفيهم فلا.

انظر في هذا الخبر كيف لم‌يحسب قيمة الدار و لو كانت دار غلة قليلة و قيمة الخادم مما يحصل به الغني لانه اذا كان لم‌يجعلهما للاكل و الصرف علي نفسه و عياله لم يحسبهما من اسباب الغني كذلك رأس المال ليس للصرف فلايحصل به الغني و لم‌يكلف بصرف رأس المال لان به يصون عرضه و ايضاً يدل عليه رواية اسمعيل بن عبد العزيز عن ابيه قال دخلت انا و ابوبصير علي ابي‌عبدالله7 فقال له ابوبصير ان لنا صديقاً الي ان قال و دار تسوي اربعة آلاف درهم و له جارية و له غلام يسقي علي الجمل كل يوم ما بين الدرهمين الي الاربعة سوي علف الجمل و له عيال أله ان‌يأخذ من الزكوة قال نعم قال و له هذه العروض فقال يابامحمد فتأمرني ان‌آمره يبيع داره و هي عزه و مسقط رأسه او يبيع خادمه الذي يقيه الحر و البرد و يصون وجهه و وجه عياله او آمره ان‌يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته بل يأخذ الزكوة فهي له حلال و لايبيع داره و لاغلامه و لاجمله و عن ابي‌جعفر و ابي‌عبدالله8 انهما سئلا عن الرجل له دار و خادم او عبد أيقبل الزكوة؟ قالا نعم ان الدار و الخادم ليسا بمال انظر في هذه الاخبار و اعتبر صحة ما اخترنا و بالجملة الفقير من لايملك ما يبلغ النصاب مما وضع للصرف و يصرفه فان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 156 *»

كان له ما يبلغ النصاب فلاتحل له الصدقة لانه ممن وضع في ماله الصدقة للفقراء و قدقال ابوعبدالله7 ان الله فرض للفقراء في مال الاغنياء ما يسعهم و قال الرضا7 علة الزكوة من اجل قوت الفقراء و تحصين اموال الاغنياء الي غير ذلك و قدقال رسول الله9 لاتحل الصدقة لغني و ان كان له عيال كثير و لايسعهم ما يملك من النصاب فيأخذ الصدقة لعياله ممن لايسعهم ماله او ليوم فقره و يعف عنها نفسه الي ان‌يحتاج اليها و روي يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكوة لانها انما هي من من سنة الي سنة و هذا لمن ليس له عيال و ليس له ما يكفيه لسنته الله اللهم صن وجهي باليسار و لاتبتذل جاهي بالاقتار فاسترزق طالبي رزقك و استعطف شرار خلقك فافتتن بحمد من اعطاني و ابتلي بذم من منعني و انت من وراء ذلك ولي الاعطاء و المنع يا جواد يا كريم.

قال ايده الله ما يقول جنابكم ادام الله عزه في القدر اللازم من معرفة الركن الرابع و تشخيصه و تعيينه هل يلزم من جهة النقابة او النجابة ام لا و علي تقديره فهل ذلك لايعلم الا من قبله و منه ام له طريق غيره و الفرض ان الفضل لايعرفه الاذوه و علي التقدير الثاني فهل يلزم معرفة السابق معرفة علي المعاصر وكذا الذي قبله ام لا و علي التقدير الاول من معرفة السابق و الذي قبله و هكذا فالي اين ينتهي وجوب ذلك و هل يجب معرفة اركان كل امام و نقبائه و نجبائه علي جهة التشخيص كما تقدم ام يكفي الاجمال و المعرفة بالنوع و الصفات حتي في هذا الزمان اي زمان الغيبة كما كان عليه جناب المولي اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه و علي اي تقدير فالمرجو من كريم فيضكم بيان الوجه في ذلك.

اقول اعلم ان القدر اللازم من معرفة الركن الرابع يختلف بحسب اختلاف الازمان و انتضاج الطباع و ذلك لان الركن الرابع هو تمام العلة التامة و كمال الحجة البالغة و ظهور باطن الباطن و تجلي سر الله الكامن فلايظهر بتمامه الا بعد كمال العالم و بلوغه و تمام نضجه و ذلك ان الله سبحانه قال في كتابه و ما خلقكم و لا

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 157 *»

بعثكم الا كنفس واحدة و قال سبحانه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير فكما ان الله سبحانه لما خلق العقل قال له ادبر فادبر الي ان وصل في تنزله الي التراب ثم دعاه الي الاقبال فقال له اقبل فصار يقبل الي مبدئه الذي بدء منه فصار يترقي الي النطفة و منها الي العلقة و منها الي المضغة و منها الي العظام و منها الي اكتساء اللحم و منه الي حلول الروح و منه الي التولد و منه يترقي شيئاً فشيئاً الي المراهقة و منها الي البلوغ و منه الي بلوغ اربعين و منه الي ان‌يموت كذلك خلقة العالم اول ما خلق الله العقل الكلي و النور المحمدي صلوات الله و سلامه عليه ثم قال له ادبر فادبر الي ان وصل الي مقام التراب ثم دعاه الي الاقبال فصار يقبل و يترقي الي ان وصل الي مقام النطفة و هو مقام العالم عند شريعة آدم علي نبينا و آله و عليه السلام ثم ترقي الي مقام العلقة و هو حين ظهور شريعة نوح علي نبينا و آله و7 ثم ترقي الي مقام المضغة و هو عند شريعة ابرهيم علي نبينا و آله و7 ثم ترقي الي مقام العظام و هو عند شريعة موسي علي نبينا و آله و7 ثم ترقي الي مقام اكتساء اللحم و هو عند شريعة عيسي علي نبينا و آله و7 ثم ترقي الي مقام انشاء خلق آخر و هو عند شريعة محمد9 و هو مقام نفخ الروح و كما ان حكم النطفة مستمر الي صيرورتها علقة ثم ينسخ حكم العلقة و حكم العلقة مستمر الي ان‌يصير مضغة ثم ينسخ حكم العلقة و يثبت حكم المضغة ثم ينسخ حكم المضغة و يثبت بعدها حكم العظام ثم ينسخ حكم العظام و يثبت حكم اكتساء اللحم ثم ينسخ حكمه و يثبت حكم الروح و حكم الروح ثابت مستقر الي ان‌يموت و لاينسخ ابداً كذلك حكم شريعة آدم ثابت مستقر الي ان اتي حكم شريعة نوح ثم نسخ و كان شريعة نوح ثابتة الي ان اتي شريعة ابرهيم ثم نسخ حكمها و كان شريعة ابرهيم ثابتة الي ان اتي شريعة موسي ثم نسخ حكمها و كان شريعة موسي ثابتة الي ان اتي شريعة عيسي ثم نسخ حكمها و كان شريعة عيسي ثابتة الي ان اتي شريعة محمد9 ثم نسخت و بقي شريعة محمد9 و حلاله حلال الي يوم القيمة و

 

* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 158 *»

حرامه حرام الي يوم القيمة و لاينسخ ابداً و تولد العالم يوم غدير خم حين نصب الولاية و تعلق به العقل و الناطقة القدسية ثم صار يكبر شيئاً بعد شيء الي ان وصل الي هذه الايام فراهق العالم و صار مميزاً يجب تمرينه بالعبادة و تعليمه معالم دينه فاظهر الله فيه معلماً يعلمه الله الكتاب و الحكمة و يزكيه و هو مبدؤ الركن الرابع و منير الضياء اللامع و صاحب الاشراق الساطع فابتدأ بتعليم الكتاب و نشر العلم من كل باب جزاه الله عن الاسلام و المسلمين خير عربی جزاء المحسنين و ستتوارد عليه المعلمون حتي‌يبلغ الحلم و مبلغ التكليف و يظهر الحجة7 و هو الشعور الذي هو مناط التكليف فاذا ظهر يكلف بما يكلف و هو الذي لايطيقه في اول الامر الاكابر و يجفلون عنه اجفال الغنم ثم يلتئمون عليه و ينتضج العالم و يصلح لشيوع تلك الكلمة و العمل بمقتضاها فوربك اني لاعلم تلك الكلمة التي يقولها لهم فيجفلون عنه كما كان يعلمها اسلافي و انها اليوم هي الفرق بين الصادق و الكاذب و العالم و الجاهل ثم اذا شاعت تلك الكلمة و كلفوا بها و عملوا بمقتضاها في زمان الظهور و الرجعة يكمل عقل العالم و يسفر لهم عن وجه الله الاكرم فيقتل ابليس الداعي الي المعاصي و الشهوات و يطهر الارض من كل رجس و قبيح و معصية و يكون عاملاً بالطاعات و يكون كذلك حتي‌يهرم و يموت العالم و هو عند صعود الروح عن بدنه و انتزاع ما به قوامه و حيوته و شعوره فيبقي في حرج و مرج اربعين صباحاً لبقاء حشاشة فيه و بقاء الحرارة الغريزية في جسده فيبرد شيئاً فشيئاً الي ان‌تنتزع الروح من جميع المراتب الثلثين القابلية و المراتب العشر المقبولية ففي هذه الايام هو في السكرات الي ان‌ينفخ في الصور و يموت فيقبر اربعمائة سنة حتي‌يطهر من الاعراض كل من افلاكه التسعة و ارضه في اربعين سنة ثلثين سنة لتطهير قوابل كل مرتبة من المراتب العشر و عشرة سنين لتطهير مقبول كل رتبة فاذا طهر و بدل الارض غير الارض و السموات برزوا لله الواحد القهار و قامت قيامته و المقصود ان للعالم مراتب عديدة و في كل مرتبة له حكم خاص و ليس تكليف حال كونه علقة كتكليف حال كونه نطفة و هكذا كل مرتبة من المراتب

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 159 *»

فليس تكليف حال كونه مراهقاً كتكليف حال كونه صبياً رضيعاً او فطيماً او دارجاً الاتري ان الفطيم اذا شتم اباه و امه او ضربهما يضحكان من فعله و لايلومانه و لايضربانه و لايصلي و لايصوم و لايتطهر و اما اذا راهق الحلم يضرب علي صلوته و يؤدب اذا شتم اباه او امه او ضربهما و لايسع المراهق ان‌يقول لمؤدبه اني كنت يوم كنت صبياً فعلت ذلك فلم‌ينهوني فكيف تنهاني عنه اليوم او يقول لمؤدبه اليوم ما تقول في ابي و امي فيقول هو اقول خيراً فيقول المراهق له اني كنت و لااصلي و لااصوم و لااحج و اشتم ابي و امي و هما لم‌ينهياني عن شيء من فعالي فاذا كنت تقول فيهما خيراً لم تخالفهما و تغير سنتهما لايسعه شيء من ذلك البتة لان تكليف ايام الفطام غير ايام المراهقة و هما عملا بتكليف ذلك اليوم و المؤدب يعمل بتكليف يومه و هكذا و ضربنا لك هذا المثل ليكون دستوراً لك في ساير الامثال و الاحوال فاذا راهق الزمان في هذه الايام و احتاج الي مؤدب اظهر الله له المؤدب و المؤدب ايضاً لايشدد عليه و لايأخذه بالحدود التامة لانه غير مكلف الا انه يمرنه بالطاعات حتي‌يتعود و يعلمه الكتاب و الحكمة حتي‌يستعد للبلوغ فانه يبلغ في ساعة واحدة و آن واحد و لايمكنه دفعة تعلم جميع ما ينبغي و ما يجب و يحرم فينبغي ان‌يعلم في حال مراهقته الفرائض و المحرمات و يستعد حتي اذا فاجاه الحلم يكون عالماً بالشرايع و السنن و يختلف مراتب المؤدبين و المربين للطفل ففي الاول يحتاج الي مرضعة ترضعه و تعلقه في حجرها للبول و غيره و تطهره و لايجب ان‌يكون للمرضعة كمال ازيد من ذلك و يكفيها من الشعور و الفهم هذا المقدار و يجب ان‌يكون كذا لتناسب الطفل و تصبر عليه فاذا فطم يحتاج الي من يماشيه و يكالمه و يحمله و يسيره و يلاعبه و يمازحه و يخالقه و يداريه و هكذا يتصبي له حتي‌ينشو و يجب ان‌يكون شعوره و فهمه مقدار ان‌لايستنكف عن التصبي و معاملته فلو كان علمه و فهمه بحيث يستنكف عن مخالقة الاطفال و يأنف عن ممازحتها لاذبلت حرارته مزاج الطفل و احرقته و لم‌‌تدع ان‌يكبر بل كان يذبل و يجف مع تلك الحرارة فلذلك وجب ان‌يكون مناسباً للطفل و لذلك

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 160 *»

اوجبوا في الاول الحضانة للام فان عقول النساء و امزجتهن اشبه و انسب بالاطفال فيصبرن عليهم و يناسبهم ايضاً و المربي في اول الامر لابد و ان‌يكون من النساء للمشاكلة ثم اذا ترقي من هذا المقام يعطي من يعلم الاطفال حروف الهجاء و الكتاب و الخط و لاينبغي له ازيد من ذلك لما مر ثم هكذا يترقي فيعطي من يعلمه العربية و العلوم الرياضية و الكلام مثلاً و لاينبغي له ازيد من ذلك لما مر فلو زيد في كل رتبة علي ما ينبغي لاحرقت شدة حرارة المربي مزاج الطفل و ذبل و اضمحل و لم‌ينتفع بعيش و لاحيوة ابداً و من اجل ذلك اخفي الله شمس عقل الطفل تحت سحائب الرطوبات و يظهر له اياها شيئاً بعد شيء فلو اظهر العقل في اول امر الطفل و عرف فناء الدنيا و زوالها لما طاقه بدنه و بنيته و ذبلت و اضطربت و فنيت فاخفاها الله سبحانه تحت الرطوبات الموجبة للبلادة و تجفف تلك الشمس تلك الرطوبات شيئاً بعد شيء و ترقق حجابها و تبدي ضوءها من ورائها فلذلك يتدرج الطفل في الشعور و معرفة الحسن و القبح و ينمو بدنه و يزيد فهمه و يجف رطوباته حتي‌ينطق و يمشي و يعمل الاعمال الثقيلة و كذلك اخفي الله سبحانه شمس الولاية تحت حجاب رطوبات الظلمات التي كانت في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ثم رقق ذلك الححاب شيئاً فشيئاً و اظهر نور الولاية من وراء الحجاب حتي‌لاتذبل بنية العالم و ينمو و يكبر و بغير الرطوبة لايحصل النما و الزيادة فظهر من وراء الحجاب نور الولاية شيئاً فشيئاً و يظهر الي ان‌ينقشع السحاب و تظهر الشمس بجرمها و تشرق بنفسها و ذلك حين تكليفه فيستولي علي العالم الحرارة و اليبوسة الشبابية الي ان‌تكمل الحرارة و اليبوسة في الاربعين و تفني الرطوبات المقتضية للميولات و الشهوات بالكلية و ينهزم جيش الرطوبات و يقتل رئيسهم و يقول اني اري ما لاترون اني اخاف الله رب العالمين فتستولي الشمس علي جميع العالم و تستأصل الرطوبات عن آخرها و تكون هنالك الولاية لله الحق فيالها حينئذ من جنة زهراء و كرة بيضاء بالجملة في كل رتبة يحتاج العالم الي معلم يجانسه و يشاكله و يناسبه و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 161 *»

يجب عليه معرفته و الرجوع اليه و الامتثال لامره و الاجتناب عن مناهيه فاعرف منازل المعلمين علي قدر درجاتهم و وقوعهم في كل عصر و اعرف جلالة شأن معلمنا اجل الله شأنه و انار برهانه فانه جاء حين راهق العالم الحلم و علمه الكتاب و الحكمة و زكيه جزاه الله عن الاسلام و المسلمين خير عربی جزاء المحسنين ففي هذا الزمان يجب الرجوع الي معلمه و الامتثال لامره و الانزجار عن نهيه و الولاية له و لاوليائه و المعاداة لاعدائه و اولياء اعدائه و ذلك كله لايمكن الا بعد المعرفة.

و اما هل يجب المعرفة الكاملة علي التشخيص و التعيين ام تكفي الاجمالية فاعلم ان التشخيص تشخيصان: واحد منهما واجب و الآخر لا. اما الواجب فمعرفة شخص المعلم علي انه الذي يعلم الناس و يجب اخذ العلم عنه دون غيره فهو واجب بلاشك لقول الصادق7 ان العلماء ورثة الانبياء و ذلك ان الانبياء لم‌يورثوا درهماً و لاديناراً و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ شيئاً منها فقد اخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و عن النبي9 يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد و عن ابي‌جعفر الثاني7 من اصغي الي ناطق فقدعبده فان كان الناطق من الله فقدعبد الله و ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقدعبد ابليس و عن ابي‌جعفر7 في قوله تعالي فلينظر الانسان الي طعامه قال الي العلم الذي يأخذه عمن يأخذه الي غير ذلك من الاخبار فما لم‌يعرف الانسان من يأخذ عنه العلم انه من الله ناطق بالله داع الي الله كيف يأخذ العلم عنه فلعله من الشيطان و به ناطق و اليه داع و يسوق الي نار عربی جهنم و عبادة الشيطان فلابد و ان‌يعرفه انه من الله و الي الله حتي‌يكون علي بصيرة من دينه و به يشهد الحنظلية المعروفة فراجعها

و اما تشخيص انه نقيب او نجيب فلايجب في زماننا هذا و المقصود يحصل بمحض ان‌يعلم انه ناطق بالله و داع الي الله و اما انه نقيب او نجيب كلي ام جزئي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 162 *»

و ما مقامه فلايجب لان ذلك لايعلم الا من قبل المعلم نفسه اذ ليست النقابة و النجابة خلقة في ظاهر الانسان تدرك بالحواس و انما هي صفة نفسانية لايتبين الا بالسمع و النطق و النص فما لم‌ينطق صاحب المقام و لم‌يبين مقامه او لم‌ينص ذو مقام معلوم علي الذي بعد لايعرف مقامه و كيف يجب علي الناس ان‌يعرفوا ما لم‌يوضحه الله سبحانه و كتمه قال ابوابرهيم7 في قوله تعالي قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم اجمعين مبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمه العالم بعلمه لان الله تعالي عدل لايجور يحتج علي خلقه ما يعلمون يدعوهم الي ما يعرفون لا الي ما يجهلون و ينكرون و قيل لابي‌عبدالله7 المعرفة من صنع من هي قال من صنع الله عزوجل و ليس للعباد فيها صنع و قال7 ان الله عزوجل احتج علي الناس بما آتاهم و عرفهم و قال7 ليس لله علي خلقه ان‌يعرفوا قبل ان‌يعرفهم و للخلق علي الله ان‌يعرفهم و لله علي الخلق اذا عرفهم ان‌يقبلوه و سئل7 عمن لم‌يعرف شيئاً هل عليه شيء قال لا و قال7 لرجل اكتب ان من قولنا ان الله يحتج علي العباد بما آتيهم و عرفهم الي ان قال و ما امروا الا بدون سعتهم و كل شيء لايسعون له فهو موضوع عنهم و لكن اكثر الناس لاخير فيهم و قيل له7 اصلحك الله هل جعلت في الناس آلة ينالون بها المعرفة فقال لا فقيل فهل كلفوا المعرفة قال لا علي الله البيان لايكلف الله نفساً الا وسعها و لايكلف نفساً الا ما آتيها الخبر.

الي غير ذلك من الاخبار فما لم‌يعرف نفسه العالم ليس لاحد ان‌يعرفه و لا علي احد ان‌يعرفه الا تري انه قبل ان‌يظهر النبي نبوته و يدعيها لم‌يكن لاحد ان‌يعرفه و لا علي احد ان‌يعرفه و كذا قبل ان‌ينص علي علي7 بانه الامام بعده لم‌يكن لاحد ان‌يعرف انه امام و لا علي احد ان يعرف امامته لان الحجية ليست بشيء في ظاهر الخلقة حتي تعرف و يعرفها العوام و الناس الذين ليس لهم بصر يعرفون به حقايق الاشياء و الاشخاص علي ما هم عليه فاذا نطق النبي و اظهر نبوته و نص علي الوصي و اتي علي مقتضي دعواه بحجج بينة و ادلة باهرة و آيات ظاهرة تدل علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 163 *»

صدق دعواه وجب علي الناس ان‌يقبلوه و يصدقوه و بلغت الحجة اليهم و وقع الاقرار و الاعتراف عليهم فح لولم‌يؤمنوا و يذعنوا كفروا و ضلوا قال الله سبحانه ما كان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي‌يبين لهم ما يتقون فما لم‌يظهر النقيب نقابته و النجيب نجابته و الكلي كليته و الجزئي جزئيته ليس لاحد و لا علي احد معرفتهم و الذي يظهرون في هذه الايام علمهم لقوله7 اذا ظهرت البدع و لم‌يظهر العالم علمه الجمه الله بلجام من النار فيظهرون علمهم و يقيمون علي علمهم الحجج من الكتاب و السنة و الادلة العقلية بمقاماتها الثلثة و الامثلة الآفاقية والانفسية و اجماع المذهب و الدين و اما التقوي و الزهد فهو صفتهم يتبين من ظواهرهم فعلامة احدهم اليوم العلم و العمل و يمكن ان‌يعرفوا بهاتين الصفتين في هذه الايام و هذا القدر كاف للمراهقين فاين ما وجد العلم و العمل فليعلم انه المعلم الذي يجب امتثال امره و الانزجار عن نهيه و القبول منه و التسليم له و الرد اليه و يجب تولاه و تولي اوليائه و معاداة اعدائه و اولياء اعدائه و اعداء اوليائه ففي الحنظلية المعروفة قال ينظران من كان منكم قدروي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكماً فاني قدجعلته عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا فلم‌يقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله و في محاسن البرقي عن احدهم: ان الله خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه فمن رد عليه او طعن عليه فليس لله فيه حاجة و انما هو شرك شيطان. نقلته بالمعني و لم‌يحضرني الكتاب فلعله موافق للفظ الخبر و لعله مخالف ولكن المعني واحد و عن ابن ابي نجران قال سمعت اباالحسن7 يقول من عادي شيعتنا فقدعادانا الي ان قال اولئك اهل الايمان و التقي و الامانة من رد عليهم فقدرد علي الله و من طعن عليهم فقدطعن علي الله و عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله7 في رواية اذا قامت عليه الحجة بمن يثق به في علمنا فلم‌يثق به فهو كافر و اما من لم‌يسمع فهو في عذر حتي‌يسمع و عن ابي‌بصير

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 164 *»

 يعني ليث المرادي البختري قال قلت لابي‌عبدالله7 ارأيت الراد علي هذا الامر كالراد عليكم فقال يابا محمد من رد عليك هذا الامر كالراد علي رسول الله9 و علي الله و عن الحجة7 لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قدعرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم و في دعاء الوسيلة المعروفة في وصف علي7 من لااثق بالاعمال و ان زكت و لااريها منجية لي و ان صلحت الا بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها الي غير ذلك من الروايات و قداستوفينا اخبارها بقدر الوسع في كتابنا المسمي بالزام النواصب في اثبات الركن الرابع مفصلاً و لو وصلك ذلك الكتاب لاستغنيت عما سويه مما يتعلق بامر الركن الرابع و اصنافه و اقسامه و مراتبهم و درجاتهم.

بالجملة قدعرفت مما بينا و اوضحنا و شرحنا علي وجه الاجمال لضيق المجال ان في هذا الزمان لايجب تشخيص شخصه و معرفة انه نقيب او نجيب و الواجب معرفة انه من العدول الذين وضعوا في كل خلف لنفي تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و يعرف العدل بالعلم و العمل اما العلم فهو علم الكتابين التدويني و التكويني و السنتين التدوينيه و التكوينيه بالاثر و العقل القاطع الذي يعرف العقول عدله و تطابق الكتابين و السنتين مع دليل العقل اذ كل واحد من الكتابين و السنتين مشتمل مع دليل العقل اذ كل واحد من الكتابين و السنتين مشتمل علي محكم و متشابه و عام و خاص و ناسخ و منسوخ و مجمل و مفسر و مرسل و محدود فان استدل العالم في علمه بآية من كتاب الله و فيه آية اخري تخالفها و لم‌يقدر ان‌يضعها موضعها لايعبؤ بعلمه اذ لعل الحق فيما جهله و هو لايعلم و ان وفق الآي كلاً و هناك اثر من السنة يخالفها و لايقدر علي وضعه موضعه لايعبؤ بعلمه اذ الكتاب لايعرف الا بسنة من نزل عليه و سر الحبيب مع الحبيب لايطلع عليه الرقيب و

بآل محمد عرف الصواب

و في ابياتهم نزل الكتاب

فما لم‌يوفق بين الاثر و الكتاب كان تفسيره برأيه و قال الله سبحانه في القدسي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 165 *»

ما آمن بي من فسر برأيه كتابي و ان وفق بين الكتاب و السنة و لم‌يأت بدليل عقل تعرف العقول عدله ليس بشيء فان من الكتاب و السنة ما هو متشابه و لايعلم احكامهما الا بالعقل السليم فمالم‌يأت بدليل العقل لايعبؤ به و اني لمن لايعقل التوفيق بينهما فان اتي بدليل العقل علي نحو المجادلة و لم‌يأت بدليل الموعظة الحسنة الموجبة لليقين لايعبؤ به فان المجادلة دليل لفظي و يحتمل في كل كلمة منه ما ذكره الاصوليون في كتبهم و لايفيد الا الظن و ما لم‌يأت عليه بدليل الحكمة لايعبؤ به لان دليل الحكمة كاشف عن حقيقة الشيء و من لم‌يعرف حقائق الاشياء و لم‌يقف علي نقطة العلم التي هي الحقيقة ليس بشيء و من لم‌يعرف تلك النقطة لايقدر علي نفي الخلاف من الكتاب و السنة فان اتي بالمجموع و لم‌يأت بامثال الافاق و الانفس مطابقة له فليس بشيء فانه قدينصبغ المدارك الباطنة و تعوج فينطبع فيه العلوم و ينصبغ علي حسب صبغه و لذلك يختلف الكشوف و كل واحد من اهلها يدعي انه انكشف له فاذا طابق الامثال الآفاقية و الانفسية المحوسة رأي العين و كل ما يوجد من الامثال بخلاف ما مثل به يضعه موضعه علي طبق آي الكتاب و السنة و يطابق بين جميع ما ذكرنا حتي‌لايكون خلاف و يظهر سر قوله سبحانه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فاذا فعل ذلك كله في كل مسئلة مسئلة كلية ام جزئية و اتي بهذه البراهين متطابقة متوافقة ظهر انه من عند الله اذ لو كان من عند غير الله كان في علمه اختلاف و لم‌يقدر ان‌يضع كل شيء موضعه كما في حديث الحسن بن العباس بن الحريش عن ابي جعفر الثاني7 في مكالمة الباقر من الياس قال الياس فاياك ان‌ينطق لسانك عند مسألتي بامر تضمر لي غيره قال الباقر7 انما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف احدهما صاحبه فان الله عزوجل ابي ان‌يكون له علم فيه اختلاف قال هذه مسألتي و قدفسرت طرفاً منها اخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه قال اما جملة العلم فعند الله جل ذكره و اما ما لابد للعباد منه فعند الاوصياء قال ففتح الرجل عجيزته و استوي جالساً و تهلل وجههه و قال هذه اردت و لها اتيت زعمت ان علم ما لااختلاف فيه من العلم عند الاوصياء فكيف يعلمونه قال كما

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 166 *»

 كان رسول الله يعلمه الي ان قال في آخر الكلام اشهد انكم اصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل و ذهب فلم‌اره  انتهي. و لعلك علمت انه روي نحن خزنة علم الله و شيعتنا خزنة علومنا و قال علي بن الحسين8 و الله لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله و لقدآخي رسول الله9 بينهما فما ظنكم بساير الخلق ان علم العلماء صعب مستصعب لايحتمله الا نبي مرسل او ملك مقرب او عبد امتحن الله قلبه للايمان فقال و انما صار سلمان من العلماء لانه امرؤ منا اهل البيت فلذلك نسبته الي العلماء فقلوب المؤمنين الممتحنين تحتمل العلم الذي ليس فيه اختلاف و ما لم‌يكن القلب ممتحناً لايكون عالماً اذ لاعلم الا ما خرج من بيتهم صلوات الله عليهم و من لم‌يكن قلبه ممتحناً بالايمان لم‌يتحمله فالعلم علي ما ذكرنا احد السببين اللذين يعرف بهما العالم اليوم و السبب الثاني العمل و احسن ما يقال فيه ما رواه في الكافي في صفة المؤمن و علاماته و قدعقد له باباً فمن رأيته متصفاً بتلك الصفات فهو الذي يجب اخذ العلم منه و الرد اليه و هو امين الله في ارضه و سايسه في بلاده يجب تولاه و تولي اوليائه و معاداة اعدائه و اولياء اعدائه و اعداء اوليائه علي ما اشرنا اليه هنا و فصلنا في كتابنا «الزام النواصب» و هذا القدر كاف اليوم فافحص حتي‌تظفر بمثل ما وصفناه فان الله لايخلي ارضه من امثالهم لاسيما في زمان الغيبة لاسيما في ما بعد هذه الازمان التي راهق العالم فيها الحلم و احتاج الي المعلمين المسددين الموفقين و قدقال علي بن الحسين8 في وصف الناس الي ان قال و لكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لامر الله و قواه مبذولة في رضي الله يري الذل مع الحق اقرب الي عز الابد من العز في الباطل و يعلم ان قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه الي دوام النعيم في دار لاتبيد و لاتنفد و ان كثير ما يلحقه من سرائها ان اتبع هويه يؤديه الي عذاب لاانقطاع له و لايزول فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا و بسنته فاقتدوا و الي ربكم به فتوسلوا فانه لاترد له دعوة و لاتخيب له طلبة انتهي. و قال علي بن محمد8 لولا من يبقي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 167 *»

 بعد غيبة قائمكم7 من العلماء الداعين اليه و الدالين عليه و الذابين عن دينه بحجج الله و المنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس و مردته و من فخاخ النواصب لما بقي احد الا ارتد عن دين الله و لكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها اولئك هم الافضلون عند الله و في حديث كميل المشهور الذي رواه البهائي رحمه الله و في آخره اللهم بلي لاتخلو الارض من قائم لله بحجة اما ظاهر مشهور او مستتر مغمور لئلا‌تبطل حجج الله و بيناته و اين اولئك اولئك و الله الاقلون عدداً و الاعظمون خطراً بهم يحفظ الله حججه و بيناته حتي‌يودعوها نظراءهم و يزرعوها في قلوب اشباههم هجم بهم العلم علي حقائق الامور و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و انسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلي اولئك خلفاؤ الله في ارضه و الدعاة الي دينه آه آه شوقاً الي رؤيتهم ثم نزع يده من يده اي من يد كميل و قال انصرف اذا شئت بالجملة هؤلاء موجودون و من طلب شيئاً وجدّ و استأهل وجد و يكفيك اليوم معرفة انه عالم يجب اتباعه و اما هل هو نقيب ام نجيب فلا و كذا لايجب معرفة النقباء و النجباء السابقين علي زمانه و اركان كل الائمة جماعة مخصوصة لايتبدلون و لايتغيرون و هم عيسي7 و خضر7 و ادريس7 و الياس7 و هم موجودون في عصر كل امام و اما معرفة نقيب كل واحد و نجيبه فلايجب لما ذكرنا الا اجمالاً انهم كانوا و يكونون و لايخلو الارض من وجودهم و انهم علي ما نصفهم في مباحثاتنا و شرحنا في كتبنا و لما يظهر امرهم و لم‌يظهروا شخصهم بل لايحل لمن عرفهم ان‌يعرفهم غيره لانهم اسم الائمة: لان الاسم كما قال علي7 صفة لموصوف و الصفة شعاع الموصوف و نوره و سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع نور ائمتهم: فهم صفة الامام و صفته اسمه و يحرم تسمية صاحب الزمان7 في زمان الغيبة كما روي عن ابي الحسن العسكري7 يقول

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 168 *»

 الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت و لم‌ جعلني الله فداك قال انكم لاترون شخصه و لايحل لكم ذكره باسمه فقيل فكيف نذكره فقال قولوا الحجة من آل محمد صلوات الله عليه و سلامه و قال ابوعبدالله7 صاحب هذا الامر لايسميه باسمه الا كافر و سئل الرضا7 عن القائم قال لايري جسمه و لايسمي اسمه و اعلم ان الاسم علم المسمي و هو ما دل علي المسمي فلايحل تسميته فانه يدل عليه و المقصود من الغيبة ان‌لايدل عليه شيء و لايكون معلوماً فلاجل ذلك لايحل لاحد ذكر اسمه اذ لو عرفوا الاسم اذاعوه و لما كان الركن الرابع اسم الامام كما كان الامام اسم الله حرم تعريف الركن الرابع بشخصه و لايعرفه الا كافر و لايريه احد الا كافر نعم كما كان يجوز ذكر الاوصاف كالقائم و الحجة و غيرها من الصفات العامة له7 و لساير الائمة7 كذلك يجوز تسميتهم اي تسمية الاسماء بالعالم و الفقيه و الزاهد و الكامل من الصفات المشتركة بينهم و بين غيرهم و لما كنا مستوفياً لامر الركن الرابع في الزام النواصب لم‌نطل الكلام هيهنا و اقتصرنا بالايماء و الاشارة و لضيق المجال و التكلان علي انس ذلك الجناب المفضال بلغتنا و العاقل يكفيه الاشارة و الا لنا بيانات شريفة و تحقيقات لطيفة في امرهم و لاقوة الا بالله.

قال سلمه الله تعالي و هل المؤمن الذي جاء في حقه ما جاء في الكافي و غيره هو النقيب و النجيب ام غيرهما من المتقين كما في حديث همام او من كان علي هذا الطريق الخاص مطلقاً و عليه فيعسر القيام بحقوقهم و الوقت لايسع ذلك.

اقول اعلم ان مراتب الايمان تختلف و جميعها مراتب الايمان و صاحب كل مرتبة مؤمن و ما في حديث همام هو اعلي مقامات الايمان و لايتصف به الا الخصيصون و اما ساير المؤمنين فلابد و ان‌يكون فيهم اصول تلك الصفات و حقايقها لامحة فمن لم‌يكن فيه اصول تلك الصفات فليس بمؤمن يقيناً فهيهنا مقامان :

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 169 *»

المقام الاول في بيان مراتب الايمان علي سبيل الاشارة و الاختصار. اعلم ان للايمان مراتب و مقامات و به استفاضت الاخبار فمنها رواية عمار بن ابي الاحوص عن ابي عبدالله7 قال ان الله وضع الايمان علي سبعة اسهم علي البر و الصدق و اليقين و الرضا و الوفا و العلم و الحلم ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل محتمل و قسم لبعض الناس السهم و لبعض السهمين و لبعض الثلثة حتي انتهي الي سبعة ثم قال لاتحملوا علي صاحب السهم سهمين و لا علي صاحب سهمين ثلاثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتي ينتهي الي سبعة انتهي. و هذه المراتب قد حوي جميع مراتب الايمان من الصفات و الاعمال فالعلم و الحلم من صفات النفس و الرضا و الوفا من صفات الفؤاد و اليقين من صفات العقل و البر و الصدق من صفات الجسد فالمؤمنون مختلفون في الاتصاف بهذه الصفات فمنهم من اصلح جسده بالبر و الصدق و منهم من اصلح نفسه بالعلم و الحلم مع اصلاح جسده و منهم من اصلح عقله باليقين مع اصلاح نفسه و جسده و منهم من اصلح فؤاده بالرضا و الوفا مع اصلاح عقله و نفسه و جسده و عن شهاب قال سمعت ابا عبدالله7 يقول لو علم الناس كيف خلق الله تبارك و تعالي هذا الخلق لم‌يلم احد احداً فقلت له اصلحك الله و كيف ذلك فقال ان الله تبارك و تعالي خلق اجزاء بلغ بها تسعة و اربعين جزءاً  ثم جعل الاجزاء اعشاراً فجعل الجزء عشرة اعشار ثم قسمه بين الخلق فجعل في رجل عشر عربی جزء و في آخر عشري جزء حتي بلغ جزءاً تاماً و في آخر عربی جزءاً و عشر عربی جزء و آخر عربی جزءاً و عشري جزء و آخر عربی جزءاً و ثلثة اعشار عربی جزء حتي‌بلغ به جزئين تامين ثم بحساب ذلك حتي بلغ بارفعهم تسعة و اربعين جزءاً فمن لم‌يجعل فيه الا عشر عربی جزء لم‌يقدر علي ان‌يكون مثل صاحب الثلثة الاعشار و كذلك من تم له جزء لايقدر علي ان‌يكون مثل صاحب الجزئين و لو علم الناس ان الله عزوجل خلق هذا الخلق علي هذا لم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 170 *»

‌يلم احد احداً انتهي. والسر في الستعة و الاربعين ان الانسان ادير ست دورات دورة جمادية و دورة نباتية و دورة حيوانية و دورة ملكية و دورة جنية و دورة انسانية و كل واحدة من هذه الدورات له مراتب ثمانية فله فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم فذلك ثمانية و اربعون و جزؤ برزخي بين الانبياء و بين الانسان فذلك تسعة و اربعون جزءاً و كل جزء خلق من عشر قبضات تسعة من افلاك عالمه و واحدة من ارضها فذلك اربعمائة و تسعون جزءاً و المؤمنون مختلفون في هذه المقامات و كل واحد منهم اصلح جزءاً من هذه الاجزاء من وجوده و كل من له جزؤ اعلي له الجزء الادني لامحة و ليس الكامل الا من حاز الاربعمائة و تسعون جزءاً فما ذكرتم من حديث همام لايتصف بتمام ما فيه الا من حاز جميع اجزاء الايمان و ادناه من له جزء و صفة من صفات الايمان.

و اما المقام الثاني ففي معني اصول الصفات الحسنة التي ذكر في حديث همام و غيره اعلم ان الله سبحانه خلق محمداً و آله صلي الله عليه و عليهم من نور ذاته فخلق من شعاعهم كل خير و نور و سعادة و دوام و كمال و حسن و حسنة فلاشيء منها الا و هم له السبب و الاصل كما تقرؤ في الجامعة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و خلق اعدائهم من ظلمة سجين و الجهل و خلق من ظلهم كل شر و ظلمة و شقاوة و فناء و نقصان و قبح و سيئة فلاشيء منها الا و هم له السبب و الاصل كما ورد عن الصادق7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اعداؤنا اصل كل ظلمة و من فروعهم كل فاحشة و قال الصادق7 ان القرآن له ظهر و بطن فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمة الجور و جميع ما احل الله في الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك ائمة الحق و قال7 في حديث الا انا خلقنا انواراً و خلقت شيعتنا من شعاع ذلك النور فلذلك سميت شيعة و انت تعلم ان الشعاع تابع للمنير منجذب اليه موال له متصل به موصوف بصفته من حيث الاثرية و حيث

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 171 *»

الاثرية اعلي الاثر مما يلي المؤثر و حقيقته و فؤاده الذي هو اعلي مقاماته و ضياء المعرفة يتجلي في الفؤاد لانه آية المؤثر و تعريفه و تعرفه و عينه الذي اعاره اياها ليراه بها و بذلك التجلي تهيج ريح المحبة لان الحب فرع المعرفة فالفؤاد فؤاد الشيعي هو ولاية علي7 و محبته له و ما منه فيه به يحبه علي7 لانه حبه7 لشيعته و به يحب علياً7 لانه ينجذب الي المنير بالمناسبة لا مادونه الذي هو الماهية اذ هي تنجذب الي الاسفل و ذلك الانجذاب هو الحب فحب علي7 رأس كل خير يمكن صدوره من الشيعي لانك لعلك قدعرفت ان ما اصابك من حسنة فمن الله و هي من الله بسبب لانه ابي ان يجري الاشياء الا باسبابها و سبب الحسنات جهة الشيء الي ربه و هي فؤاده فكل خير يصدر منك فمن فؤادك يصدر و اليه يرد لانه جهتك الي ربك و من ربك و الي ربك كل خير و نور و كمال فاذا تحقق حب علي7 في عبد فقدتحقق فيه اصل كل خير و هو عامل باصل كل خير و حقيقته و مبدئه و منتهاه و ان لم‌يتفصل و يتنزل الي ساير مراتبه و مقاماته فهو كشجرة في الشتاء صالحة للاوراق و الازهار و الاثمار و جميع الغصون و الاوراق و الازهار و الاثمار كامنة مستجنة فيها و قدمنع من بروزها و تفصلها في الظاهر برد الشتاء العارض عليها فاذا انقضي الشتاء و جاء الربيع اورقت و ازهرت و اثمرت و برز منها جميع ما كان مستجناً فيها علي احسن وجه و ازهي منظر و كذلك محب علي7 ثابت فيه شجر الحب الذي اثماره و اوراقه و ازهاره كل بر و خير و كمال و هو شجرة طيبة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها مالم‌يمنعها مانع و قدعرض ذلك الشجر برد اللطخ و الخلط العارض عليه من اصول البرودة المبعدين عن مبدء الحرارة الغريزية الفعلية الجامدين ببرد سجين فكمن فيه جميع تلك الازهار و الاثمار لضعفها عن مقاومة جيش البرد العارض فانهزمت و كمنت و استجنت في مكمنها و مأمنها الذي لايصل اليه يد البرد فبقيت حتي زالت البرودات و انقضي ايامها فخرجت من صياصيها و برزت في الفضاء و زمان انقضاء الشتاء يختلف بحسب قوته و ضعفه فلربما يزول في دار الدنيا و لربما يزول في

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 172 *»

البرزخ و لربما يزول في الآخرة و متي ما انقضت ايامها اورقت تلك الشجرة و ازهرت و اثمرت علي احسن وجه و اهيأ هيئة و ذلك تقدير العزيز العليم و لما كان ذلك الحب هو اصل جميع تلك الاوراق و الاثمار و الازهار و جميع هذه شئون له و اطوار وكلها تفصيل ما كمن و استجن فيه من تلك الانوار و الاصل كما يعطي تحته حده و اسمه و رسمه يحد و يسمي و يرسم بحد و اسم ورسم ما تحته كما قال علي7 امثال انا موسي انا عيسي انا اللوح انا القلم و قال في الطتنجيه الا و انا نحن النذر الاولي و نحن نذر الآخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان و كقوله انا صلوة المؤمنين و صيامهم الي غير ذلك من تسميه بجميع الاسماء الحسني و الامثال العلياء و جميع الخيرات و المبرات مما يطول ذكرها و شرح عللها و اسبابها فحب علي7 الذي هو اصل كل خير و معدنه و مأواه و فرعه و منتهاه و يسمي بكل الخيرات و المبرات و العبادات و الصدقات فهو الصلوة و الصيام و الحج و الزكوة و الخمس و الجهاد و الذكر و الاخلاق الحسنة و الصفات المحمودة فمحب علي7 هو صاحب جميع الصفات الحسنة حقيقة و ما ورد في صفات المؤمن و اخلاقه و احواله جميعها ثابت له مستقر موجود و ان لم‌يظهر منه فما ورد عن ابي‌عبد الله7 المؤمن له قوة في دين و حزم في لين و ايمان في يقين و حرص في فقه و نشاط في هدي و بر في استقامة و علي في حلم وكيس في رفق و سخاء في حق و قصد في غني و تجمل في فاقة و عفو في قدرة و طاعة لله في نصيحة و انتهاء في شهوة و ورع في رغبة و حرص في جهاد و صلاة في شغل و صبر في شدة و في الهزاهز وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور و لايغتاب و لايتكبر و لايقطع الرحم و ليس بواهن و لافظ و لاغليظ لايسبقه بصره و لايفضحه بطنه و لايغلبه فرجه و لايحسد الناس يعير و لايعير و لايسرف ينصر المظلوم و يرحم المسكين نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة لايرغب في عز الدنيا و لايجزع من ذلها للناس و هم قداقبلوا عليه و له هم قدشغله

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 173 *»

 لايري في حكمه نقض و لا في رأيه وهن و لا في دينه ضياع يرشد من استشاره و يساعد من ساعده و يكيع[2]عن الخنا و الجهل الي غير ذلك من الاخبار فمثله مثل انك تمر بشجرة في شتاء مع صاحب لك في بستان لك فتصفها لاخيك فتقول هذه الشجرة ورقها كذا و لحاها كذا و اغصانها كذا و اثمارها كذا و انوارها كذا و طعم ثمرها كذا و لونه كذا و رايحته كذا و قيمته كذا و مزاجه كذا و كمه كذا و كيفه كذا و طبعه كذا اذا ضممته مع كذا يكون كذا و ينفع من كذا و يضر بكذا اذا اكلته يكون كذا و هكذا و ليس شيء من هذه الاوصاف فيها حاضرة و لكن تصفها بما تعلم منها ان هذه الصفات كامنة فيها و تظهر منها اذا جاء الربيع و الصيف و كذا الامام يصف محب علي7 بهذه الصفات في ايام لطخه التي هي ايام شتائها و الجاهل كلما ينظر فيه لايري منه الا اضدادها فينفي الايمان عن محب علي7 لانه لايري ما وصف الامام للمحب و المؤمن و هيهات هيهات هو مؤمن حقاً لايضره شيء من ذلك و انما وصفه الامام بما وصف لاحد وجهين وجه منهما ظاهر و وجه باطن اما الوجه الظاهر فوصفه كوصفك للشجرة علي ما ذكرنا في الشتاء يعني محب علي كذا و المؤمن كذا في ايام ربيعه و ان لم‌يكن ظاهراً فيه شيء منها في شتائه ايام لطخه و الوجه الباطن ان جميع الازمان و الدهور حاضر عند الامام7 كما انك تري حينك الذي انت فيه فهو يراه رأي العين كذا و يصفه به كما انهم يرون المنافقين علي صور الجمادات و النباتات و الحيوانات و يصفونهم بها و الجهال لايرونهم الا علي احسن صورة مثلاً كما قال الله واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان‌يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة و قال انهم الا كالانعام بل هم اضل و وصف امرأة ابي لهب فقال وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد و ذلك لانه كان يريها و كذا و قال الذين يأكلون اموال اليتامي ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً فكان يري لهيب النار في صفاق بطونهم و الناس يرونهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 174 *»

يأكلون اهنأ طعام و قال و ان جهنم لمحيطة بالكافرين و هو كان يري انهم في النار و هي محيطة بهم فوصفهم بها و الناس يرونهم في القصور و الدور و كانوا يرون الحمي امرأة مسماة بكباسة مكناة بام ملدم و يخاطبونها و الناس يرونها حرارة ساطعة من عفونة الخلط و هكذا فالامام البصير7 يري محب علي7 موصوفاً بجميع تلك الاوصاف و يصفه به و الناس يرون ظاهره غير موصوف بشيء من ذلك الا تري ان الامام لو رأي عمرواً بصورة خنزير و وصفه بان لعمرو انياب كذا و فم كذا و هو مكب علي وجهه شعره كذا و قوائمه كذا يتعجب الجاهل حيث لايري فيه شيء من ذلك و يصفه علي ما يري و ربما يكذب الامام في وصفه و قداكتفينا لك بضرب الامثال لضيق المجال و عدم الفرصة في تطويل المقال اذا لايقتضيه الحال و العاقل يكفيه الاشارة فالمؤمن علي قسمين مؤمن شتوي و مؤمن صيفي فالشتوي منه كامن فيه جميع ما هو ظاهر من الصيفي و الصيفي ظاهر منه جميع ما هو كامن في الشتوي فالمحيط بالشتاء و الصيف يري جميع الصفات في كليهما ثابتاً ظاهراً و المنهمك في الازمان يري الشتوي عرياً عن الصفات و الصيفي محلي بها و العدل لاينقص ذي حق حقه و لايظلم ربك احداً فاياك ثم اياك ان‌تزري احداً من المقرين بالاركان و تنظر اليه بعين الحقارة و لكل واحد من القسمين حق بحسبه و قداستوفينا جميع حقوق اصناف الاخوان و احكامها و اسرارها في كتابنا المسمي بــ«ابواب الجنان» في حقوق الاخوان فالمؤمن الكامل هو الذي حضر ربيعه و صيفه و اورق و اثمر وازهر فينتفع به حاضراً و الناقص ما لم‌يحضر ربيعه و لاصيفه و هو في الشتاء فلايمكن الانتفاع به عاجلاً و يكفي هذا القدر من البيان لمثلك ان شاء الله.

قال سلمه الله و المرجو من كريم لطفكم ادام الله عزكم التوكيل المطلق فيما يرجع الي الحاكم مما يجوز العمل به لغيره بحيث يشمل توكيلي لغيري ممن له اهلية ذلك و لو ببعض الشرائط عليه مما ترونه شرطاً.

اقول هو سلمه الله معرض عن الدنيا مدبر عنها غير طالب للرياسة و غير مايل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 175 *»

الي السياسة كيف و قدقال النبي9 ملعون من يترأس ملعون من يجد حب الرياسة في قلبه ملعون من حدث نفسه بالرياسة و لكن لما كانت شقته بعيدة و لايمكنه الرجوع في كل جزئي جزئي الي الفقيه اراد وكالة مطلقة فيما يمكن التوكيل فيه للفقيه ليسهل امره و لايقع في حرج و لاعسر و انا استخرت الله في ذلك و انا وكلت جنابه ان‌يتصرف فيما يرجع الي الفقيه مما يصح التوكيل فيه وكالة يمكنه معها توكيل من هو مثله في الزهد و التقوي و اذكره الله ان‌لايغتر بزخارف الدنيا و لاينس نصيبه منها و ان‌يحسن كما احسن الله اليه و يعمل علي حسب مصالح المسلمين و ترويج الدين و ان يفر من الفتياء و الحكم فراره من الاسد الضاري و ان‌يحتاط في الاعمال ما استطاع ولاقوة الابالله وقدوقع الفراغ من تسويد هذه الاوراق في عصر يوم الثلثا ثامن شهر ربيع الثاني في قرية لنكر صانها الله من كل مكروه و شر في سنة 1261 حامداً مصلياً مستغفراً تمت.

[1] الخب الخدعة و الجربزة. الختل الخدعة.

[2] يكيع اي يهاب و يجبن.