رسالة في جواب السيد ابيالقاسم التفتي
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 43 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و رهطه الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قدارسل الي الجناب العالم الفاضل صاحب المفاخر و المكارم السيد ابو القاسم من قرية تفت و هي من قري دار العبادة يزد صانها الله من صنوف البلايا بمسائل و انا في غاية تبلبل البال و اختلال الحال بحمل اعباء المعاشرات و اثقال المساورات و مع ذلك لماستحسن ترك الجابته لما سمعت من جلالته فبادرت الي جوابه جاعلا سؤاله كالمتن و جوابي له كالشرح كما هو عادتنا في ساير اجوبة المسائل ولكن اعتذر اليه من ترك تطويل المقال بضيق المجال و كثرة الاسؤلة الواردة و اتكل علي ذكاوته و غزارة فهمه و اكتفي بالاشارة و هي كافية للعاقل و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
قال سلمه الله مسئلة قال الفقهاء الشهادة في تحقق الرضاع لابد و انتكون مفصلة للاختلاف في تحقق الرضاع فهل هذا التعليل عليل او صحيح بينوا الجواب مع الدليل و لو اجمالا توجروا.
اقول اصل هذه المسألة من فروع القاعدة الكلية التي قدجرت من الفقهاء في ان حكم الواقعة انكان خلافيا هي يسمع شهادة الشاهد علي المدعي اجمالا ام لا؟ فالحق انها لاتسمع و الظاهر انه لا خلاف فيها بين العامة و الخاصة كما هو المنقول عنهم و ذلك مثل طهارة الماء و نجاسته بملاقاة النجاسة اذا كان قليلا فاذا شهد الشاهد بنجاسة ماء لايسمع منه اذ لعله معتقد بانفعال القليل اجتهادا او تقليدا و الحاكم المشهود عنده ربما يري بخلاف ذلك و كذا اذا شهد بطهارته اذ لعله ممن يقول بعدم انفعال القليل و كذا اذا شهد شاهد بحلول الصوم او الفطر من غير
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 44 *»
تفصيل فلايسمع منه اذ لعله يري العدد و الحاكم لايراه فالشرط في قبول الشهادة الشهادة بما شهده و عاينه لا بالحاصل منه و قضية شهادة اخوة يوسف علي سرقة اخيه دستور في هذا الباب و هو قولهم يا ابانا ان ابنك سرق و ما شهدنا الا بما علمنا و ما كنا للغيب حافظين و اسئل القرية التي كنا فيها و العير التي اقبلنا فيها و انا لصادقون فانهم شهدوا بما استنبطوا مما راوا و قدكذبوا و لو قالوا يا ابانا انا رأينا صواع الملك قدخرج من وعاء اخينا ما كان عليهم حرج و انما شهدوا بما فهموا لا بما عاينوا و لذلك لميكن عبرة بشهادتهم و كذلك اللازم علي كل شاهد انيشهد بما عاين لا بما فهم و رأي و ظن فانه ربما يخالف الواقع او اختيار السامع و من هذا الباب الشهادة بالرضاع فلما كان كثيرا من مسائله مما اختلف فيه الفقهاء فمنهم من يقول بنشر الحرمة بعشر رضعات و منهم من يقول بنشرها بخمسعشرة رضعة و منهم من يشترط كون ولد المرضعة في الحولين و منهم من يستصحب حكمه و هكذا ساير ما اختلف فيه من هذا الباب فلاجل ذلك يسمع من الشاهد اذا شهد بما رأي و لايسمع منه الشهادة بحصول النتيجة علي ظنه لجواز تخالفه مع فتوي الفقيه المشهور عنده و اما اذا كان الشاهد مقلدا للمشهور عنده او فقيها موافق الرأي مع المشهور عنده فمقتضي القواعد قبول شهادته و ان لميفصل و لكن المنقول من الاصحاب عدم التفصيل كما نقل من شرح القواعد هذا قوي لكن لانجد به قائلا من الاصحاب فاعتبار التفصيل اولي و من شارح اللمعة انه قال فالمتجه الاكتفاء بالاطلاق الا ان الاصحاب اطلقوا القول بعدم صحتها الا مفصلة و قال السيد الداماد مقتضي الادلة يساعده علي قياس ما قدتعرفت و لبعض علماء الشافعية هناك قول بالاكتفاء اذا علم عدم تغير اجتهاده عند الشهادة.
قال سلمه الله مسئلة اذا اختلف فتوي الفقيه بان افتي مرة بالوجوب و اخري بالحرمة و ثالثة بالاستحباب فهل هذا يدل علي مهارته في الفقه ام لا بينوا الجواب توجروا.
اقول ليس في هذا دليل علي المهارة و لا علي عدمها اذا ربما تسامح في
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 45 *»
المسئلة اولا و ثانيا و لميستفرغ الوسع و عرف شيئا ثم استفرغ الوسع ثالثا فعرف نفس الامر او كان قلق الرأي مضطرب الفهم لايسكن الي امر فيميل الي قول مرة ثم يتحول عنه الي غيره و ربما يكون الرجل محتاطا في الدين يستفرغ الوسع و هو ذو فهم مستقيم و طبع قويم يتدبر في الادلة و يجاهد وسعه و له نفس قدسية يعرف معها اللحن و معاريض الكلام فيؤل الي قول في زمان ثم يرجع الي غيره في زمان آخر و انما ذلك بتسديد العالم الخبير المطلع علي صلاح المكان و الزمان و الاشخاص الذي قلوب شيعته بين اصبعيه يقلبها كيف شاء و هو الامام الغايب الشاهد عجل الله فرجه و العجب ممن ينكر تسديد الامام و يقر بوسوسة الشيطان و قدرته علي القاء الشبهات و الشكوك و صرف الناس عن يقينهم و ينكر القدرة للامام في القاء ما يري فيه صلاح العالم في قلوب العلماء الذين هم الواسطة بينهم و بين رعيتهم و اما من سولت له نفسه امرا فقال «ان وجود الامام لطف و تصرفه لطف آخر و عدمه منا» فشهادة نفي و كذبوا بما لميحيطوا بعلمه قال الله سبحانه و تحسبهم ايقاظا و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال و اصحاب الكهف مثل لاصحاب آل محمد: اذ هم كهوف الوري و اصحابهم اصحاب الكهف و انهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدي و ربطنا علي قلوبهم اذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات و الارض لنندعو من دونه الها لقد قلنا اذا شططنا و في دعاء شعبان اللهم صل علي محمد و آل محمد الكهف الحصين و غياث المضطر المستكين الدعاء قال الصادق7 في رسالته الي زرارة و الذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله امر خلقه و هو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها ليأمن من فسادها و خوف عدوها في آثار ما يأذن الله و ياتيها بالامن من مأمنه و الفرج من عنده عليكم بالتسليم و الرد الينا و انتظار امرنا و امركم و فرجنا و فرجكم الخبر و عن بقية الله7 انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء و قال7 و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 46 *»
بالشمس اذا سترها السحاب هـ. و انت تعلم ان الشمس اذا سترها السحاب يهتدي بها في البر و البحر و تسخن الهواء و تربي الابدان و تنضج الثمار و تقوي الارواح و ليس الغيم كالكسف الا تري انه يجب الصلوة لتدارك الضرر الحاصل علي الارواح بالكسوف و لاتجب بالغيم فالانتفاع بالامام7 في غيبته حاصل لكل احد اذا اهتدي بهديه و استبصر بنوره7 و هو متصرف من وراء الحجاب كتصرفه يوم يكشف النقاب و قال ابوعبدالله7 ان الارض لاتكون الا و فيها عالم يصلحهم و لايصلح الناس الا ذلك الي غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي اوردناها في فصل الخطاب فاذا كان الامام هو المتصرف القادر العالم بالصلاح و الفساد المأمور باصلاح الخلق و هدايتهم من عند الله سبحانه و لاراد لحكمه و لا مانع لامره فيتصرف كيف يشاء. و في الزيارة السلام علي مقلب الاحوال و سيف ذي الجلال و في زيارة الرضا7 بكم تحركت المتحركات و سكنت السواكن الي غير ذلك من الادلة التي ليس هيهنا محلها و لميكن في سؤالكم فاذا كان الامر كذلك ربما يكون الفقيه صاحب نفس قدسية و يبذل جهده و يستفرغ وسعه و يهديه امامه الي مسئلة كما قال تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ثم اذا تغير صلاح العالم او صلاح المكان الذي هو فيه او صلاح مقلديه معه يقلب الله المقلب للقلوب قلبه و يصرفه الي حيث صلاحهم و هكذا فلربما يصرفه عشر مرات الي عشر عربی جهات في ازمان متعددة
و لكل رأيت منها مقاما شرحه في الكتاب مما يطول.
قال سلمه الله مسئلة و قديذكر علماء الرجال في كتبهم احوال بعض الناس من الرواة بانيقولوا فلان رفيع القول فهل هذا يدل علي المدح او الذم او التعديل او الجرح.
اقول هذا الكلام منهم لايدل علي شيء و لايعتني به و لايدل علي مدح و لا ذم و لا تعديل و لا جرح و ذلك ايضا من باب الشهادة في الرضاع و قدتقدم
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 47 *»
فان مرادهم برفيع القول انه تعدي الحد في وصف آل محمد: و غلا و لا عبرة بهذا القول اجمالا الا انيعلم سبب الغلو و قوله الذي غلا فيه الا تسمع ان الصدوق قال ان ادني الغلو انتقول ان النبي لايسهو و جميع علمائنا اليوم اجمعوا علي ان النبي9 لايسهو فلو قال في ذلك اليوم رجل ان النبي لايسهو لكانوا يصفونه بانه رفيع القول و في مذهبه ارتفاع و زعم القميون ان كل من يصف آل محمد: ازيد منهم فهو غال حتي لو نقل رجل عنهم خوارق العادات او اغرق في جلالتهم و ذكر علمهم بمكنونات السماء و الارض قالوا انه مرتفع القول و جعلوه مورثا للتهمة ذكره الشيخ ابوعلي في رجاله فاذا كان الامر كذلك كيف يعتني بقولهم رفيع القول و كيف يورث ذما اللهم الا انيذكروا قوله و سبب ارتفاعه و ينظر المستنبط فيه و يحكم فيه علي حسب رأيه نعم ان الذي وصف الرجل برفيع القول اراد ذمه و نسبته الي الغلو فوصف الرجل بالغلو شهادة اجمالية بالنتيجة في المختلففيه و هي غير مسموعة علي ما عرفت.
قال مسألة سئل بعض العلماء عن مسمي اذغاغ و هو بالفارسية الحجر فقال اجد فيه يبسا شديدا او اراه الحجر ما معني هذا الكلام بينوا الجواب توجروا.
اقول ان مراده من قوله اجد فيه يبسا ان حروفه كلها يابسة لان اهل الجفر قسموا الحروف علي اربع طبايع و صرفوا بها و عملوا في حوائجهم و تؤثر علي حسب الطبايع المستنبطة منها فهذه الاحرف ا, ه, ط, م, ف, ش, ذ, نارية و هذه الاحرف ب, و, ي, ن, ص, ت, ض, هوائية و هذه الاحرف ج, ز, ك, س, ق, ث, ظ, مائية و هذه الاحرف د, ح, ل, ع, ر, خ, غ ترابية فحروف اذغاغ الف مثناة و ذال و هما ناريتان و النار حارة يابسة و غين مثناة و هي باردة يابسة فحروفها كلها يابسة و لذلك قال اجد فيه يبسا شديدا و الحجر ايضا تراب قد اثر فيه النار و طبخته بمرور الدهور حتي اصلدته و اصلبته و حرارة الالف و الذال عملت في تراب الغين حتي اصلدته و اصلبته فلذلك ناسب وضع هذه اللفظة للحجر. فلذلك حكم نفسه المعتدلة بانها يابسة و تناسب الحجر و لذا
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 48 *»
قال «او اراه الحجر» و لفظة او هنا بمعني بل اي بل هو الحجر اذ بعد ما تأمل في وضع الحكيم علم انه لايضع لفظا لمعني الا بمناسبة و وجوه المناسبة لاتختص بالطبايع اذ قديلاحظ نسبة المنازل و قديلاحظ نسبة الكواكب و قديلاحظ نسبة النوراني و الظلماني و قديلاحظ التواخي و قديلاحظ ساير صفات الحروف و قدعلم العلماء بهذا الفن انه لا لفظ الا و له مناسبة مع معناه الموضوع له و كذلك لفظ الحجر الحاء و الراء فيه ترابيتان و الجيم و انكانت مائية و لكنها حرف تفيد الكمودة و الخفاء و الاستتار و السواد اللازم لطبع التراب و ذلك كما تريها في كل لفظة وقعت تفيد الخفاء و الاستتار كالجنين و الجن و الجنة و الجنة بالضم و الجن و الجن بالكسر و الجون هذا مع ان في الحجر يحتاج الي قليل رطوبة لربط الاجزاء و من الجبال جدد بيض و حمر مختلف الوانه و غرابيب سود ذلك مع ان الجيم فرد في قرنها و اصل الفرد يميل الي الحرارة و اليبوسة كما ان الزوج يميل الي البرودة و اليبوسة و ذلك محقق في علمه و محله.
قال سلمه الله مسئلة في الحديث سأل رأس الجالوت مولينا الرضا7 ما الكفر و الايمان و ما الكفران و ما الشيطانان اللذان كلاهما مرجوان و قدنطق كلام الرحمن بما قلت في سورة الرحمن، «الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان» فلما سمع الرضا7 كلامه لميجب جوابا و نكت باصبعه الارض و اطرق مليا فلما رأي راس الجالوت سكوته حمله علي عيه و شجعه بسؤال آخر فقال يا رئيس المسلمين ما الواحد المتكثر و المتكثر المتوحد و الموجد للوجد و الجاري المنجمد و الناقص الزايد فلما سمع الرضا كلامه و راي تسويل نفسه له قال يا ابن ابيه اي شيء تقول و ممن تقول و لمن تقول بينا انت انت صرنا نحن نحن فهذا جواب موجز. الحديث بينوا المراد من السؤال و الجواب توجروا.
اقول هذا الخبر منقول عن بعض المشايخ و لماجده مسندا في كتاب و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 49 *»
قدذكر شيخنا الجليل في هامش رسالة موجزة قدكتبها في شرح هذا الخبر اني كنت في اول امري كلما رأيت شيئا او سمعته و اشتبه علي رايت في المنام بيانه بما يطابق الواقع و الحق. و الآن لما كثرت علي الاشغال و تشتت البال قل ورود ذلك الحال علي الا انه لميرتفع بالكلية و بعد ان كتبت هذه الكلمات في بيان هذا الحديث و لمنجده مسندا و انما نقل هكذا رأيت في المنام ان عندي كتابا مجلدا كبيرا في حجمه و ثخنه و كانه من تأليف المحدثين من اصحاب الائمة: او من يقربون منهم و اذاً في بعض استدلالاته كلمات من متن هذا الحديث و يسند روايته الي طلحة بن زيد فلما انتبهت خطر ببالي انه يجوز انه مروي من طريقين احدهما عن طلحة بن زيد عن الصادق7 و الآخر عن الرضا و يجوز ان اسناده عن الرضا سهو من الكاتب او الراوي و انما لميترجح عندي في خاطري اختلاف رؤياي لما اطمئنت نفسي اليه من ان ما اجده في المنام من امثال ذلك لايكاد يخالف الواقع و انكان يجوز اختلافه في هذه المرة انتهي كلامه اعلي الله مقامه و علي اي حال هو حديث معروف و تتمة الخبر و اما الجواب المفصل فاقول ان كنت الداري و الحمد لله الباري ان الكفر كفران كفر بالله و كفر بالشيطان و هما الشيئان المقبولان المردودان لاحدهما الجنة و للآخر النيران و هما المتفقان المختلفان و هما المرجوان و نص به القرآن حيث قال مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان فباي آلاء ربكما تكذبان و يعلم قولنا من كان من سنخ الانسان و بما قلناه يظهر عربی جواب ما في سؤالاتك و الحمد لله الرحمن و الصلوة علي رسوله المبعوث الي الانس والجان و لعنة الله علي الشيطان فلما سمع رأس الجالوت كلامه بهت و نخر و شهق شهقة و قال اشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و انك ولي الله و وصي رسوله و معدن علمه حقا حقا انتهي. و قد شرح شيخنا اعل اعلي الله مقامه هذا الخبر شرحا موجزا في خمس قوائم اقتصر فيها علي بعض الاشارة و لميبسط المقالة و يشكل استخراج المراد منها و انا ايضا ليست لي تلك الفرصة اتوجه الي بسط المقال و شرح الحال الا اني اذكر
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 50 *»
ما اذكر و لو بعض وجوهها ببيان واضح يفهم منه المراد انشاءالله فاجعل فقرات الخبر كالمتن و جوابي له كالشرح و اصدر قوله7 بالحديث و اذيله ببيانه لئلا اقول قال و اقول و من الله المسئول انيوفقني لاصابة الحق المأمول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
قوله ما الكفر و ما الايمان.
اقول اعلم ان الله سبحانه خص العلم بامة محمد9 و هو الذي بعث في الاميين منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين و هذا كان في سابق الازمان مخصوصا بالانبياء و المرسلين و قدظهر شطر منه في امة عيسي7 و ذلك ايضا لقربهم ببعثة نبينا9 فاثرت قبيلها كما اثرت فيما بعدها و انما الامم السابقة كانوا في غفلة من العلوم و الحكوم الا قليلا و غاية علومهم التي كانت تنزل عليهم التواريخ و القصص و بيان الحوادث الماضية و الملاحم الآتية و قدكانوا يتتبعون في الصحف السماوية و يستخرجون بعض المسائل و يمتحنون به الائمة مثل سؤالاتهم ما اول شجرة نبتت علي وجه الارض و ما اول عين نبعت و ما الواحد و ما الاثنان و ما الثلثة و هكذا من ساير المسائل الموضوعية و كان الائمة: يجيبونهم بما يجدونه في كتبهم فيعلمون بذلك انهم ناطقون بالحق منبئون عما انبأ به الرسل و الانبياء الماضية: فيسلمون لهم او كانوا يجدون في كتبهم ان حقيقة هذه المسئلة لايعلمه الا نبي او وصي نبي فيمتحنون الاوصياء بها فاذا اجابوهم اذعنوا لهم بالوصاية او سمعوا آيا من القرآن و صعب عليهم فهمه فامتحنوا به العلماء ليعرفوا حامل القرآن و علمِ النبي من غيره و هكذا فمن تلك المسائل هذه المسئلة ان سأل ما الكفر و ما الايمان و مقصوده الاشارة الي قوله تعالي و من يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله او سأل عن ظاهرهما او تأويلهما او باطنهما كما سنشرحه بعد ذلك و اما قوله و ما الكفران اراد الكفر بالله و الكفر بالطاغوت او تأويلهما او باطنهما كما يأتي في الجواب
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 51 *»
و اما قوله و ما الشيطانان اللذان كلاهما مرجوان اراد النفس المشار اليها بقوله ان النفس لامارة بالسوء و الشيطان المقيض المشار اليه بقوله و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و هو الواسطة بين الجهل الكلي و النفس في الاستمدادات السجينية و كلاهما مرجوان يرجي اطمئنان النفس و تسليم الشيطان كما روي عن النبي9 انه قال لكل نفس شيطان فقيل و انت يا رسول الله فقال نعم و لكن اسلم و في رواية و لكن اعانني الله عليه انتهي او اراد تأويلهما او باطنهما قوله «و قدنطق كلام الرحمن بما قلت في سورة الرحمن الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان» يعني ان الله سبحانه في كتابه المنزل علي نبيكم علي زعمكم بين ذلك في هذه الاية فاستخرج ما سئلتك عنه من هذه الاية و اما قول الراوي «فلما سمع الرضا7 كلامه لميجب جوابا و نكت باصبعه الارض و اطرق مليا» فالوجه في ذلك استقصاء سؤالاته و استخراج جميع ما في ضميره و تشجيعه و دفع الرعب المانع عن السؤال عنه و لتقوية نفسه لاستعداد درك الجواب منه7 و لان العالم بالجواب لايستعجل علي الخصم لوثوقه بنفسه انه متي ما اراد الجواب اجاب فلايقطع علي الخصم كلامه مع انه7 علم انه في نفسه سؤالات دقيقة اخر فلو اجابه عن سؤاله الاول و عرف السائل غزارة علمه لميسأل باقي سؤاله و لعله يوما ما خطر بباله خطرة فاستدرّ ضرع سؤالاته بالاستقصاء حتي لايبقي شيئا في نفسه و اما قول الراوي «فلما رأي رأس الجالوت سكوته حمله علي عيّه و شجّعه بسؤال آخر» اي لما راي اليهودي سكوت الرضا حمل السكوت علي عجزه عن الجواب و شجّعه السكوت او حمله بسؤال آخر فجسر في السؤال. و اما قوله «يا رئيس المسلمين ما الواحد المتكثر» فقوله «يا رئيس المسلمين» كناية منه في بطلان دين الاسلام حيث هو رئيسه و قدزعم عجزه و عيه عن الجواب.
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 52 *»
و اما قوله «ما الواحد المتكثر» اراد الانسان فانه نفسه واحد و لكن له اجزاء كثيرة من اللحم و العظم و المخ و العصب و الغضروف و الاغشية و الاعضاء الرئيسة و الخادمة والالية و غيرها او اراد تأويلها او باطنها و اما قوله «و المتكثر المتوحد» فهو عكس ذلك يعني الانسان مع انه واحد يصدر عنه افعال متكثرة متضادة متخالفة لما له من وجود و ماهية فهو متكثر واحد. او اراد تأويلها او باطنها و اما قوله «و الموجَد الموجِد» الاول بالفتح و الثاني بالكسر مراعاة للسجع و المراد به الانسان ايضا فانه موجد مخلوق خلقه الله لا من شيء و هو موجد و خالق آثاره و اعماله و افعاله و اقواله او اراد تأويله او باطنه و اما قوله «و الجاري المنجمد» و هو ايضا انسان الجاري من مشية الله المنجمد علي حسب ارادة الله و قضائه و امضائه و يحتمل ارادة تأويله او باطنه و اما قوله «و الناقص الزايد» هو ايضا الانسان فانه ناقص دائما بذهاب ما يتحلل منه و زايد بالمدد بالذي يأتي بدله فهو دائما في زيادة و نقصان ويحتمل ارادة تأويله او باطنه و بالجملة سؤاله هذا علي نحو الالغاز و المعما و اراد به الامتحان و كل سؤاله معما عن الانسان و لغز يراد به الانسان. فالكفر و الايمان نقطة النور و نقطة الظلمة اللتان في قلب الانسان آيتا العقل و النفس و الكفران النفس الامارة و الشيطان المقيض او النفس الوزير و الجهل الملك او الكفر بالله و الكفر بالشيطان و يظهر من جواب الامام7 ان عمدة مراده هذا الفرد و الشيطانان النفس و الشيطان المقيض و الباقي علي ما ذكرنا فكل واحد من كلماته اشارة الي حالة من حالات الانسان و مقام منه و اما حديث الرضا7 في الجواب الحديث «يا ابن ابيه اي شيء تقول و ممن تقول و لمن تقول» بيانه انه7 بعد ما استفرغ سؤالاته كلها اجابه علي الفور لانه لميكن له عي و عجز و جمع جواب جميع مسائله في كلمتين كما يأتي ليعرف انه كان يعلم اوله و آخره و انما اراد انيجيبه باوجز كلمة عن
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 53 *»
جميع مسائله و لما كان الجواب الغازه اكثر من السؤال اراد تشحيذ ذهنه و جعله مستعدا لفهم الجواب فقال يابن ابيه فاراد في الظاهر7 اما الاستخفاف به بازاء ما قال يا رئيس المسلمين طعنا في الدين يعني به انك ليس لك اسم و لا نسب و لاحسب معروف تدعي به الا انك ابن ابيك و اما اراد انك ابن ابيك و تابع له في دينك كما حكي الله عن الكفار انا وجدنا آباءنا علي امة و انا علي آثارهم مقتدون و قديقال في العرف فلان ابن ابيه اذا تبعه في الاخلاق و الاحوال و الحاصل ان الدين الذي تدينت به انما هو بمتابعة ابيك او اراد اباه المشرك الذي يأمره بالشرك و يجاهده عليه كما قال تعالي و ان جاهداك علي انتشرك بي ما ليس لك به علم فلاتطعهما و يعني به ان هذا التسويل الذي سولت لك نفسك في الامتحان و الجسارة و الحمل علي العي من ابيك الذي امرت بمخالفته و هو الاول لعنه الله فانه اصل كل فاحشة او اراد اباه الذي امر بالاحسان اليه الذي اشار الله سبحانه اليه و قضي ربك الا تعبدوا الا اياه و بالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلاتقل لهما اف و لاتنهرهما و قل لهما قولا كريما و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا و هما المشار اليهما في قوله صلوات الله عليه و اله انا و علي ابوا هذه الامة فيكون قوله7 يا ابن ابيه اخبارا منه انه يسلم و يكون من اولاد النبي9 او اراد اباه في التعليم و كني عن معلمه بابيه فاشار بذلك انك تابع له في دينك و لما اختار هو هذا المذهب اخترته انت علي غير بصيرة منك و اهتداء و لميقل يابن فلان ابهاما منه لابيه لاجل عدم الاعتناء او انه غير معروف بين الضلال لايعتني به او انك لمتؤوي في دينك الي ركن وثيق يعتمد به و انما اخذت من افواه الرجال فانت في هذه المسئلة ابن ابيك المجهول او اراد انك بعد من المرجون لامر الله لان الشيء ما لميقع لميمض و ما لميمض يحتمل فيه البداء و انت الي الآن لميحتم عليك انك ابن محمد9 او ابن الاول ابيالفصيل فينبغي انيبهم اسم ابيك حتييستقر و انكان يعلم هو7 مآل امره و قداشار7 بهذه الكلمة
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 54 *»
جواب سؤالاته كلها حيث قال يا ابن ابيه فاثبت له بذلك ابا و اما لان الاب من غير ام لايولد فابوه الوجود في التأويل و امه الماهية و هو ولدهما و الوجود نور و خير و كمال و ايمان و الماهية ظلمة و شر و نقص و كفر فبهذا الجواب عرف الكفر و الايمان المسؤولان و لما كان تحديد الشيء في بطن الماهية فبالاشارة اليه محدودا مميزا استغني عن ذكر الماهية و اما الكفران كفر الوجود بالماهية و كفر الماهية بالوجود لان كل واحد منهما علي ضد الآخر و خلاف صاحبه و اما الشيطانان اللذان كلاهما مرجوان فهما ايضا الوجود من حيث نفسه لا من حيث الآئية و الماهية و قداشار الي ذلك الرضا7 في هذا الحديث بعينه حيث بين الكفرين ثم قال هما المرجوان و كونهما مرجوان لانه ترجو شؤن الماهية انتنقلب الوجود في بطنها و تغلب عليه و يكون كقطر الماء في فم الافعي فيكون بذلك شيطانا مثلها و خبيثا بعد انكان شيطانا مسلما لجهة الرب و الماهية مرجوة للوجود انتسلم له و تسكن تحت امره و نهيه فكلاهما مرجوان و علم ذلك من قوله تعالي خلق الانسان الذي هو الولد من والديه الوجود و الماهية و علمه البيان بيان الكتاب الذي هو هو كما قال علي7:
و انت الكتاب المبين الذي | باحرفه يظهر المضمر |
فهو السبع ذو سبع مراتب المثاني لتركيب كل واحد من مراتبه السبعة من وجود و ماهية فالانسان هو السبع المثاني و القرآن العظيم فـالرحمن صاحب الرحمة الواسعة المستوي علي عرش العظمة صاحب الطبايع الاربع علم القرآن و جعله عالما بكل شيء و احصي كل شيء فيه و هو مبين كل امر بالانسان و خلق الانسان علمه البيان و الكشف عن القرآن فهو باطنه قرآن و ظاهره انسان و لذا قدجاء في سورة القدر ما جاء من البيان و قدشرح في القرآن جميع الكفر و الايمان و الشيطانان اللذان كلاهما مرجوان و ظهر سرها في الانسان و اظهر بقوله يا ابن ابيه انه الواحد المتكثر فانه مركب من اب هو الوجود ومن ام هو الماهية و من رابطة الزوجية بينهما و سر التركيب فهو مثلث الكيان مربع الكيفية و انه المتكثر الواحد و انه الموجَد من ابيه الموجِد لان المفعول هو فاعل فعل الفاعل له. الاتري في قوله
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 55 *»
تعالي كن فيكون انت فاعل كن و هو المفعول المخاطب فهو الموجد الموجد و الجاري المنجمد الجاري المنحل في صلب ابيه المنجمد المنعقد في رحم امه و الناقص من ابيه الزايد في امه. فاجاب روحي فداؤه بهذه الكلمة عن جميع ما سأل.
و اما قوله اي شيء تقول اي ما تعني بقولك و ما قصدك تريد انتعجز من سخر الله له ملكوت كل شيء و هو يجير و لايجار عليه ام تريد انتستخبر من اطلعه الله علي حقايق الاشياء كما هي و لايجهل الشيء من خلق به الشيء ام تريد الاستهداء فليس هذا طريقه و وجهه انيلغز الانسان كلامه و يعمي بيانه فهذا في الظاهر و في الباطن هو ايضا جواب عن جميع المراد اي انت اذا تفكرت فيما تقول اي في كلامك كيف صدر عنك و كيف اوجدته دلك علي تمام مرادك. عرفك ما سألت عنه فانك تسأل عن الانسان و الكلام اثره و الاثر تابع لصفة مؤثره و انت اذا غفلت عن خلقتك لانك لمتشهد خلق نفسك شهدت خلق كلامك و ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و كلامك مركب من مادة و هي الهواء و صورة و هي صورة الفاظك و له حيثان حيث صدور منك و حيث نفس الكلام من حيث هو هو. فحيث صدوره منك حيث الايمان بك و الاستسلام لامرك و الانقياد لحكمك و حيث نفسه حيث الكفر و الستر لامرك و عدم ذكرك فيه و اما الكفران فهو الهواء و الصورة و هما الشيطانان اللذان كلاهما مرجوان علي ما مر فان الهواء صالح للميل الي الصورة و الصورة صالحة للميل الي الهواء علي ما مر. او الكفر و الايمان هما جهة الرب و جهة المؤثر فانهما كفر بجهة النفس و ايمان بربه و الكفران جهة الرب الكافرة بالنفس و جهة النفس الكافرة بالله و الشيطانان الهواء و الصورة حيث لا ذكر للرب فيهما و كلام الانسان لما كان اثر الانسان فهو علي صفة الانسان فيجري فيه ايضا قول الرحمن الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان و الكلام هو الواحد في الهواء المتكثر في صورته او هو واحد في كونه كلاما و متكثر في حروفه و هو المتكثر الحروف المتوحد في تركيبه و الموجد منك الموجد المتصرف في النفوس و ملقي اشباحه في الاسماع و الجاري منك بايجادك و امدادك و اصعاد الهواء من جوفك الي مقاطع الحروف المنجمد فيها
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 56 *»
و الناقص الممتحي في الهواء و الزايد بحفظك اياه و امدادك له بهواء من جنسه و هذا اثرك و الاثر يدل علي صفة مؤثره و هو ظاهره و آية تعريفه للداني و تعرفه له فاناردت الشاهد علي ما بينا من كينونتك في قولنا يا ابن ابيه لانك تطلع علي خلقة نفسك فانظر الي قولك الذي هو اثرك و استدل منه علي نفسك.
و اما قوله7 و ممن تقول ففي الظاهر اي انكنت تقول من الانبياء فهم خلقوا من شعاع انوارنا «و انا لما عهدنا منهم الوفاء البسناهم حلة الاصطفاء» و انكنت تقول من الصحف السماوية فانها كلها ظواهر القرآن المنزل علينا المثبت آياته في صدورنا الظاهر منا و البارز الينا و انكنت تقول من الحكماء و العلماء فهم مستمطرون شابيب فضلنا المستدرون ضروع آلائنا و رشح عليهم ما طفح منا فكيف تريد انتسخبرنا بفضل علم وصل اليك من هؤلاء الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و اما في الباطن يعني انك اذا لمتتفطن الجواب من نفسك التي هي اقرب الاشياء اليك و من اثرك الذي هو اشبه الاشياء بنفسك لكثرة خلودك الي الارض و توجهك الي غيرك في العرض و لغفلتك عن نفسك التي هي انموذج العالم فانظر الي الامور الفصلية بعد يأسك عن الامور الوصلية فانظر الي من اخذت العلم عنه و حزت هذا السؤال من بيانه فانه يدلك علي مسئولك فانه ايضا انسان مركب من مادة و صورة و جهة الي ربه و جهة الي نفسه فجهته الي ربه كفر بالطاغوت و ايمان بالله و فيه الكفران اي الستران فانيته الستر لله و هو الكفر بالله و وجوده كفر بالشيطان و باعتبار السترية هما الشيطانان المرجوان و هو الانسان الذي خلقه الله و علمه البيان و هو الواحد الشخصي المتكثر في وجوده و ماهيته و شؤن انيته و المتكثر في اجزائه المتوحد في ذاته الموجَد لخالقه الموجِد لما علمك و اراك من صفاته و افعاله و الجاري الذائب في امكانه المنجمد في كونه و الناقص لما يتحلل من امداده و الزايد بما ينزل عليه.
و اما قوله7 و لمن تقول اي تفكر لمن تقول هكذا مسترسلا من غير تدبر و لا روية و انت تحسب انك تعجزه و لو تدبرت في من تقول له و عرفت سطوع انواره و عظمته و جلاله و كبريائه و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 57 *»
انه هو الذي امدك بالسؤال و الفهم و الحس و الحركة و امدك في خلقك و رزقك و حيوتك و موتك و جميع مالك و بك و منك و اليك بوساطته بينك و بين بارئك لمتجسر هذه الجسارة و لمتسوّل لك نفسك انيعجز عن جواب مثلك و هذا مجمل ظاهره و اما باطنه يعني انكنت احتجبت عن درك نفسك لعدم تعمقك فيها و عدم معرفتك لها و عن درك آثارك لانها فرع معرفة نفسك ابداء و اصدارا و انت غافل عنها و عن درك من تقول منه لغيبتك عنه و اردت حقيقة مسائلك من مبدئها الاول فانظر فيمن تقول له فانه مبدؤ الاكوان و محقق الاعيان به فتح الله الوجود و به يختم لان الله سبحانه يقول و كل شيء احصيناه في امام مبين و يقول و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين و هي آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم لانها اللوح الحفيظ و الكتاب المجيد فاقرأ حروف نفس من تقول له حتيتفهم حقيقة مرادك من مبدئه الي منتهاه فانا كل شيء احصيناه كتابا و هو موجود مركب من جهة كونه وجه الله المضيء و اسمه الرضي و جنبه العلي و نوره الجلي و من جهة الوساطة الكبري و البرزخية العظمي و الحجية النعمي فالجهة الاولي هي الكفر بما سوي و الاعراض عن كل ما هو غيره و هي الايمان بالله وحده لايري غيره و لايدل الي سواه و دائما يشير الي مولاه و اما الكفران اي الستران ستر ما سوي الله سبحانه من باب ان الذات غيبت الصفات و من باب انه قدستر الوجود بالماهية و البسه اياها و ستر الله سبحانه من باب انه هو المحتجب و نحن جبه و قدتكلم الله سبحانه بهذه اللغة في كتابه حيث قال كمثل غيث اعجب الكفار نباته اي الزراع و سمي الزارع بالكافر لانه يستر البذر فهو الكافر لبذر الوجود في ارض الماهية في جميع اصقاع الامكان و الكافر بجميع ما سواه من اهل الامكان بحيث لميبق نور الا نوره و لا صوت الا صوته و هو الكافر لله سبحانه بشعاع نوره عن ابصار الناظرين كما قال في الدعاء اللهم يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه و هما الشيطانان الذان كلاهما مرجوان فانهما اسلما اما حيث كونه حجابا لله
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 58 *»
سبحانه فاستسلم تحت انواره سبحانه استسلاما لميبق لنفسه اثرا و لا خبرا فتجلي الله سبحانه له فاشرق و طالعه فتلألأ فالقي في هويته مثاله فاظهر عنها افعاله و يرفع هذا الاستبعاد ما قال رسول الله9 انه لك نفس شيطان فقيل و انت يا رسول الله فقال نعم و لكن اسلم فالحادث في اي مقام حيث كونه المسمي غير كونه الاسم و حيث كونه الموصوف غير حيث كونه الصفة و حيث ربه غير حيث نفسه فهو من حيث نفسه شيطان اسلم لان الشيطان لغة المخالف و في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و حيث النفس مخالف لحيث الرب فهو شيطان بالنسبة اليه الا انه اسلم و اما الشيطان الثاني فهو حيث هوهو لا حيث كونه اسما و صفة لله سبحانه فالصفة علي خلاف الموصوف و شيطانه و الانية علي خلاف الصفة و شيطانها و لكنهما اسلما و اقرا و ثبتا و هما مرجوان يرجوهما كل احد و يتقرب بهما الي الله كل نفس و يرجو شفاعتهما كل موال و انما كني عن هذه المقامات الشريفة بهذه الكلمات الخسيسة الغازا و تعمية و الشاهد علي كلها موجود في الكتاب و السنة و قدنطق كلام الرحمن بذلك في سورة الرحمن. الرحمن علم القرآن جميع ما يكون و ما كان و القرآن هو نفس الانسان و علمه بالقلم الذي هو عقله و الرحمن في مقام النور نور الله جل جلاله فالرحمن علم القرآن خلق الانسان في احسن تقويم في جسمه وعلمه البيان عما في نفسه فقام يبين و يشرح تلك الايات التي اثبتها الله في صدره فعقله ايمان بالله و كفر بالطاغوت و النفس و الجسم هما الكفران و الشيطانان الذان كلاهما مرجوان و قدبين الله ذلك باحسن بيان و الذي تقول له هو الواحد آية الواحد في البيان المتكثر في المعاني و الابواب و المتكثر بحسب اجزاء وجوده المتوحد بالتوحد الشخصي و الموجَد الموجِد علي حد قول علي7 نحن صنايع الله و الخلق بعد صنايع لنا و الجاري الساري في جميع ذرات الوجود كما قال علي7 انا الذات انا الذات في الذوات و كما قال بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت المنجمد الظاهر بجميع الصور كما قال علي7
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 59 *»
انا الذي اتقلب في الصور كيف اشاء قال الله سبحانه يريك حين تقوم و تقلبك في الساجدين و الجاري في الامكان المنجمد في الكون و الجاري في الكون المنجمد في العين و الجاري في القدر المنجمد في القضاء الجاري حال كونه مسمي المنجمد حال كونه صفة و هكذا و الناقص في جنب الازل الزايد في جنب ما سواه و الناقصون بانفسهم الزايدون بالله. الناقصون من جهة النفس الزايدون من جهة الرب و هكذا ففي كل ذلك جواب لمن القي السمع و هو شهيد فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد و قدذكرنا لكل كلمة من سؤاله معان [معاني ظ@] عديدة في مواضع متفرقة و لو ركبتها و قست بعضها الي بعض حصل لك معان غريبة لميخطر ببال و لميذكر في مقال و قدفتحنا لك بابه فكن لله من الشاكرين.
الحديث بينا انت انت صرنا نحن نحن بيانه اي هذا الذي جري عليك و علينا اذ كنت وحدك اولا فصرت معنا بعده بعينه جواب سؤالك فانك حين كنت وحدك كنت كافرا بالله و الآن تصير كافرا بالطاغوت فهذا هو الكفران او انت مثل الكفر بالله و انا مثل الكفر بالطاغوت فاذا اجتمعت معنا و صرنا نحن نحن هكذا مجتمعا تبين مسئلتك و اما قبل انتؤمن فانت مثل الكفر و انا مثل الايمان او انا وحدي مثل الكفر بالطاغوت و الايمان بالله او انت وحدك كنت مصدقا للطاغوت مؤمنا به كافرا بالله فالتصديق وجه الايمان و الجحود وجه الكفر و انكان ذلك الكفر و الايمان باطلان فبينا انت انت مثل الكفر و الايمان و صرنا نحن نحن مثل الكفران علي ما مر و مثل الشيطانان فالشيطان الاول نفسه التي كان يرجي لها الايمان كما آمنت و الثاني الذي اسلم للايمان من جهة مخالفة كينونة القديم و بينا انت انت كنت الواحد المتكثر و المتكثر المتوحد و الموجَد الموجِد و الجاري المنجمد و الناقص الزايد علي ما مر من الوجوه او كنت في نفسك واحدا و متكثرا من جهة دواعي العادات و الشهوات و النواميس و الالحادات و غير ذلك و كنت متكثرا في كفرك لاختلاف دواعيه و توحدت الآن من جهة مقابلة الايمان لان الكفر من جهة الانية و هي جهة الكثرة و الاختلاف و الايمان من جهة الوجود و هي جهة الوحدة و الايتلاف و كنت موجدا تخلق افكا و صرت موجَدا اثبتنا فيك الايمان و
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 60 *»
نوّرنا نفسك و قوّينا وجودك بالقاء الايمان و كنت ناقصا منحطا في مهاوي الكفر و ناقص النور فان نورك كان تابعا لظلمتك و زاد نورك الآن بمقابلتك المنير و استنارتك او كنت ناقص النور زايد الظلمة و صرت الآن زايد النور ناقص الظلمة و هكذا فهذا جواب موجز عن جميع سؤالاته ففي ما ذكرنا كفاية عن الظاهر و التأويل و اما الباطن فالكفر هو الجهل الاول و الايمان هو العقل الاول او هما العقل الكلي المؤمن بالله الكافر بالطاغوت و اما الكفران فهما شعبتي الكفر ابوالفصيل و ام الدواهي و هما الشيطانان الذان كلاهما مرجوان لاشياعهما و يخيب رجاؤهم فيهما و يقولان ان الله وعدكم وعد الحق و وعدناكم فاخلفناكم و ما كان لنا عليكم من سلطان الا ان دعوناكم فاستجبتم لنا فلاتلومونا و لوموا انفسكم ما نحن بمصرخيكم و لا انتم بمصرخينا فعند ذلك يخيب رجاؤهما و قدنطق بذلك كلام الرحمن حيث يقول الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان فهو الكفر و الايمان و الشمس و القمر بحسبان لعنهما الله و قال ايضا مرج البحرين بحر العقل و الايمان عذب فرات سائغ شرابه و بحر الجهل و الكفر ملح اجاج يلتقيان في الدنيا و لو خلص الحق لميخف علي ذي حجي و كن بينهما برزخ من امر الله و حكمه لايبغيان لايفني احدهما صاحبه حتييبلغ الكتاب اجله و اما الواحد المتكثر فالولاية التي من فروعها كل بر قال الصادق7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اما المتكثر المتوحد فالشرور و الفواحش التي تجتمع و تتوحد في اصل شجرة الزقوم قال7 و اعداؤنا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و اما الموجد الموجد فكل واحد من العقل والجهل و حقيقة الايمان و حقيقة النفاق فكل واحد موجد بامر ربه موجد لصفاته و افعاله و اما الجاري المنجمد ايضا فكل واحد منهما جار سار في جميع فروعه نوعا و منجمد شخصا و اما الناقص الزايد فكل واحد منهما فحقيقة الايمان زايد النور ناقص الظلمة بقدر استمساك النور و حقيقة النفاق زايد الظلمة ناقص النور بقدر استمساك الظلمة او حقيقة النفاق
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 61 *»
ناقص و حقيقة الايمان زايد و انت لو ضربت بعض ما ذكرنا في بعض خرج لك معان عجيبة و تفاسير غريبة غير اني مشغول باجوبة المسائل الواردة من الاطراف و لابد و اناعطي كل واحدة حظا من وقتي و توجهي و لايسعني الآن تفصيل اكثر من ذلك و كثير مما ذكرنا لك لميوجد في كتاب و لميجر في خطاب و الله الموفق للصواب و لما كان السؤال عن معني السؤال و الجواب الموجز اعرضنا عن الجواب المفصل و لو زدتم في السؤال لزدنا في الجواب.
قال سلمه الله مسئلة لو قطع شخص اذن شخص آخر ثم اقتص منها ثم الصق المجنيعليه الشحمة بمحلها فهل للجاني ازالتها ام لا و كذا لو الصقها الجاني بمحلها بعد ان اقتص منه المجنيعليه هل له ذلك ام لا بينوا الجواب مع الدليل و لو اجمالا توجروا.
اقول احد شقي المسئلة منصوص عليها و لا محيص عنه و هو ما رواه العاملي عن الطوسي باسناده عن الباقر7 قال قطع رجل من بعض اذن رجل شيئا فرفع ذلك الي علي7 فاقاده فاخذ الآخر ما قطع من اذنه فرده علي اذنه بدمه فالتحمت و برأت فعاد الآخر الي علي7 فاستقاده فامر بها فقطعت ثانية و امر بها فدفنت و قال انما يكون القصاص من اجل الشين و هذا الشق في الجاني اذا وصل ما قطع من اذنه فالتحمت انما يقطع لان اذن الآخر انما بقيت مقطوعة بجنايته و التحام اذن الجاني مخالف لوضع القصاص فانما جعل القصاص لاجل الشين و العبرة حتي لايعود الجاني الي مثل جنايته و لايعود غيره الي مثل جنايته لما يري به من الشين و اما المجنيعليه اذا وصل اذنه فالتحمت فاني علي جناح السفر و ليس معي كتب الفقهاء لاتصفح عن اقوالهم في هذه المسئلة و بعض ما حصلت في هذه البلدة منها لمتكن فيه و ليس في اخبار القصاص نص عليها الا ما ذكرنا فانكان في المسئلة اجماع او نص فهو و الا فالنصوص المطلقة تمنع عن قطع اذن المجنيعليه ثانيا و الله العالم بحقايق احكامه
«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 62 *»
كتبه العبد الاثيم كريم بن ابرهيم و فرغ منه عصر يوم الثلثاء ثالث عشر شهر شوال من سنة احدي و ستين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا تمت.