30-01 مکارم الابرار المجلد الثلاثون ـ رسالة في جواب السيد ابي الحسن شاه القندهاري ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب السيد ابي‌الحسن‌شاه‌القند‌هاري

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 5 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اكرمنا بالايمان و علمنا القرآن و عرفنا الحق الذي عنه يؤفكون و النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و الصلوة علي البشير النذير و السراج المنير محمد المنتجب من عرصة القدم و الدليل علي الرب الازلي الاقدم و آله الائمة الهداة و الذادة الحماة و القادة الرعاة لاسيما صاحب العصر و ولي الامر المرتقب المنتظر و برهان الاله الاكبر عجل الله فرجه و سهل مخرجه و علي رهطه المخلصين و اوليائه المنتجبين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين ابد الآبدين و دهر الداهرين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم‌بن‌ابرهيم انه من كرايم منن الله جل‌جلاله علينا ان قدقدر لنا ملاقات السيد الجليل و السند النبيل صاحب الفخار راقي مراقي النجار السند المؤتمن الحاج السيد ابوالحسن شاه القندهاري سلمه الله و ابقاه و جعل اخراه خيرا من اولاه فوجدناه بحرا ذاخرا و دراً فاخرا ذا قدر عظيم و مقام فخيم و اغتنمنا صحبته و ان‌قلت و اغتممنا باعلامه قرب المفارقة اذ جلت و قدسألني عن بعض المسائل التي اشكلت عليه و هي تدل علي غزارة علمه السداد و دقة ذهنه الوقاد و انا في تبلبل البال باخباره سرعة الارتحال و عدم تمكني لاجل ضيق الوقت من بسط المقال فبادرت الي جوابه علي حسب ما يقتضيه الحال فاجعل فقرات سؤاله كالمتن و جوابي له كالشرح ليتبين جواب كل سؤال و اني معتذر اليه من الاختصار بعدم سعة الوقت و قلة القرار فالعفو عن جنابه مأمول و العذر عند كرام الناس مقبول.

قال ايده الله مسئلة قال اميرالمؤمنين7 الهي و مولاي اجريت علي حكما اتبعت فيه هوي نفسي و لم‌احترس فيه من تزيين عدوي فغرني بما اهوي و اسعده علي ذلك القضاء فتجاوزت بما جري علي من ذلك بعض حدودك

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 6 *»

 و خالفت بعض اوامرك فلك الحمد علي في جميع ذلك و لاحجة لي فيما جري عليّ فيه قضاؤك و الزمني حكمك و بلاؤك الخ. فما معني اجراء الله حكما اتبع العبد فيه هواه و ما معني غرني بما اهوي و اسعده علي ذلك القضاء و اي قضاء هو و ما معني الحمد هنا و الحجة و ما معني الزام الحكم و البلاء.

اقول المراد بالحكم الامر الشرعي و التكليف بالشرايع فالمعني اجريت علي تكليفا اتبعت في ذلك التكليف هوي نفسي فان فعلت شيئا مما امرت به فبما هوته نفسي لا لاجل انك كلفتني و يجب علي امتثال امرك و ان شق علي بل هوي نفسي ذلك لمصالح راعتها لنفسها و لمنافع دنياوية ظنتها كما هو محسوس في اغلب العاملين بالاوامر و ان‌تركت شيئا مما نهيت عنه فبما هوته نفسي لا لاجل الانزجار عما كرهته لي و ان تاقت اليه نفسي بل هوت تركه لظنها التضرر به في دنياها نعوذ بالله او امرتني بشيء فتركت اتباعا لهوي نفسي و نهيتني عن شيء فارتكبته اتباعا لهوي نفسي و لم‌احترس فيه من تزيين عدوي اي الشيطان حيث زين لي مخالفة اوامرك و نواهيك او تزيين عدوي متابعة الهوي فغرني بما اهوي و ذلك سر عجيب في اضلال الشيطان فان الشيطان ليس له سلطان علي احد بان يحمله علي امر لايقتضيه طبعه و انما شأنه الدعوة و تزيين ما في طبع الانسان و تكميله و تقويته كما حكي الله سبحانه عنه ما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخي الاتري ان الشيطان لايقدر علي ان‌يحمل عبدا علي اكل عذرته مع انها حرام و نجس ايضا كالخمر و لكن يحمله علي شرب الخمر لانه فيه ما يشتهي به اياها فالشيطان يظهر ما قدكمن و ليس يوجد ما لم‌يكن فان كان في النفس شاهية لامر و كانت ضعيفة يقويها الشيطان و يزين داعيتها حتي‌تتقوي الشاهية بمنزلة تهييج دخان المشوي شهوة الطعام و تحريكه الجوع فليس دخان المشوي يوجد الجوع في البدن و لكن يهيجه و يخرجه من الكمون الي البروز و يقويه. و كذلك امر الشيطان مع الانسان ينظر في طبع الانسان فما رأي فيه من شاهية او هوي ضعيف يزين له سببه و باعثه حتي‌يتقوي المسبب الذي هو هواه فالسبب بمنزلة

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 7 *»

الدواء الممرض و الهوي بمنزلة المرض الضعيف فيعالجه الشيطان بدوائه فذلك معني قوله عليه السلام غرني بما اهوي اي جعل ما اهواه سبب التغرير و علته اي علته القابلة لا الفاعلة.

و اما قوله عليه السلام و اسعده علي ذلك القضاء فاعلم ايدك الله تعالي ان القدر و القضاء في اعمال العباد كالروح في الجسد فكما ان الروح لاظهور له في الدنيا الا بالجسد و الجسد لاقوام له و لاحراك الا بالروح ويظهر الروح في الجسد علي حسب الجسد فان كان الجسد صفراويا يظهر الروح غضوبا او دمويا فيظهر الروح شهويا او بلغميا فيظهر الروح بليدا او سوداويا فيظهر الروح جبانا و ان‌كان في الاعضاء رطوبة يظهر حركاته مرتعشة و ان‌كان معتدلا تظهر معتدلة فيكون الروح في الجسد بمنزلة الشبح في المرآة فان‌كانت عوجاء يظهر الشبح اعوج و ان‌كانت مستقيمة يظهر الشبح مستقيما و ان‌كانت مصبوغة يظهر الشبح مصبوغا او صافية فيظهر الشبح علي حسب الشاخص فكذلك القدر و القضاء في اعمال الانسان و ميله و طبعه فان‌كان ميل الانسان و طبعه الي الخير يظهر القدر و القضاء فيه قدر خير و قضاء خير و ان‌كان ميل الانسان و طبعه الي الشر يظهر القدر و القضاء فيه قدر شر و قضاء شر و في كلتا الحالتين قوام العمل بالقدر و القضاء كما ان قوام الجسد بالروح و لولاه لتفسخ و فسد و ظهور القدر و القضاء بميل الانسان و طبعه و لولاه لم يجر القدر و لم‌يقع القضاء فالقضاء ابدا مساعد للانسان علي ارادته الخير و الشر الا ان ارادة الخير بمنزلة المرآة الصافية التي يظهر الشبح فيها علي حسب الشاخص و ارادة الشر بمنزلة المرآة العوجاء الكدرة التي يظهر الشبح فيه علي حسب المرآة لا الشاخص فلاجل ذلك يكون القدر اولي بالخير كما انك اولي بشبحك في المرآة الصافية و هو علي صفتك راجع اليك و ليس للمرآة فيه تصرف و ان‌كان ظاهرا بها و فيها و عليها و المرآة اولي بالشبح المعوج المصبوغ فان عوج الشبح ليس منك و لا اليك و انما هو من المرآة و ذلك معني قوله تعالي ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك ففي القدسي يا ابن آدم بمشيتي كنت انت الذي تشاء و بقوتي اديت الي فرائضي و بنعمتي قويت علي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 8 *»

 معصيتي جعلتك سميعا بصيرا ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و ذلك اني اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك مني و ذلك اني لااسأل عما افعل و هم يسألون الخبر فالقضاء المساعد ليس قضاء حتم و انما هو قضاء امداد و اعانة قال الله سبحانه كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا و امثل لك في ذلك مثالا و هو انك اذا علقت شاقولا و اخذت رأس الخيط فهو واقف بايقافك فان‌رفعت يدك يرتفع الشاقول و ان‌خفضت يدك ينحط الشاقول و ينخفض فهو لايرتفع و لاينحط الا برفعك و خفضك ولكن ارتفاع الشاقول ليس من ذات نفسه و انما هو منك راجع اليك و انما هو بمقتضي رفعك اياه فانت اولي بارتفاعه منه و اما انخفاضه فهو من مقتضي ثقله المقتضي للهبوط فان‌ارخيت له و خفضت يدك ليس انت حملته علي الهبوط و انما هو من طباعه فهو اولي بالهبوط منك و ان‌كان هبوطه بارخائك و ارخاؤك هو مساعدتك اياه علي الهبوط بحيث لولا ارخاؤك لم‌يكن ليهبط ابدا فهو في كلا الحالين محتاج الي مساعدتك و الي حركة يدك رفعا او خفضا و مع ذلك انت بارتفاعه اولي منه و هو اولي بهبوطه فافهم ذلك فقدجمعت لك كل شيء تريد في مساعدة الله عباده علي الطاعة والمعصية فلايقدر العبيد علي طاعة الا بامداد الله و علي معصية الا بمساعدة الله و مع ذلك ربه اولي بحسناته منه و هو اولي بسيئاته من ربه و اعلم ان الله سبحانه يكلف العباد بما امكن فيهم من القدرة عليه و يسأل العباد عما كلفهم لا عما قضي عليهم فاكتف بما ذكرت فانه ري الغليل و شفاء العليل.

و اما قوله عليه السلام لك الحمد عليّ في جميع ذلك و لاحجة لي فيما جري عليّ فيه قضاؤك اي لك الحمد علي في جميع تلك الحالات بما انعمت علي اولا باجرائك حكم التكليف علي بما عرفتني خيري و شري و هديتني الي مصلحتي و جعلت لي قلبا يعقل احكامك و فرايضك و حدودك و بصرا يبصر آياتك و دلائل ربوبيتك و شواهد الهيتك و براهين وحدانتيك و سمعا يعي ما علمتنيه من اسباب رضاك و سخطك و اعضاء و جوارح و نعما لاتحصي و اعتني

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 9 *»

باصحاب قدرك و قضائك فانت ما قصرت في الاحسان و لو في حال متابعتي هواي و عدم احتراسي من الشيطان اذ لم‌تقبض عني امدادك و فيوضك و نظر عنايتك و امهلتني و لم‌تأخذني بعصياني و ادباري و ان‌كنت استحق منك الاهلاك و العذاب الدائم الخالد باول اعراضي عنك فلك الحمد عليّ في جميع تلك الحالات و لاحجة لي عليك في اختياري عصيانك و متابعة هواي و عدوك الشيطان و لاعذر لي فانك هديتني الي السبيل و نصبت لي الدليل و هيأت لي اسباب السلوك و جعلتني عاقلا بصيرا سمعيا و عرفتني سوء السيئات و حسن الحسنات فاخترت السيئة علي الحسنة بعد المعرفة فاي عذر لي و اي حجة فلك الحمد علي في جميع ذلك و لاحجة لي عليك و لاعذر لي عندك و لاحجة لي فيما جري علي قضاؤك بالمساعدة علي المعصية فانك لم‌تحملني عليها بل هديتني الي قبحها و مكنتني من الاجتناب عنها و اصحبتني قضاؤك و الا لهلكت و لم‌ابق حيا فليس اصحابك القضاء اياي سبب حجة لي بل اوجب لك علي الحمد و لا حجة لي فيما الزمني حكمك و بلاؤك اي حكمك و امرك و نهيك و بلاؤك اي نعماؤك و امهالك و املاؤك الزماني المعصية فانك لولم‌تامر و لم‌تنه لكنت جاهلا بخيري و شري و لم‌يكن علي بأس مما فعلت حال جهلي و لم‌يكن لك حجة علي فبسبب حكمك و تكليفك و امرك و نهيك الزمتني المعصية حين اخترتها و كذلك بسبب كرمك و نعمتك اغتررت و بامهالك جسرت كما مر في القدسي بنعمتي قويت علي معصيتي و لولا امهالك ما عصيتك فانت بحكمك و نعمتك الزمتني المعصية و مع ذلك لاحجة لي عليك بهذا الالزام بل لك الحمد علي فيه فانك انعمت و احسنت و اجملت و ابليت و اني اولي بسيئاتي منك و انت صاحب الانعام و الاحسان فلك الحمد علي بنعمك و لا حجة لي بعصياني او المراد بالبلاء ارسال الرسل و انزال الكتب و تعليم الخير و الشر فانها من اعظم النعماء و هي تلزم العصيان فان الجاهل لايعد فعله عصيانا فافهم راشدا موفقا.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 10 *»

قال سلمه الله مسئلة مقتضي الكلام المشهور ان الموجود اما ممكن و اما واجب فالواجب ما يقتضي ذاته وجوده و يستحيل عليه العدم و الممكن ما لايقتضي بذاته وجودا و لا عدما بل كل منهما باقتضاء الغير الذي هو الواجب انه اذا كان وجود الممكن من غيره يجب ان‌يكون لوازم وجوده التي هي آثاره و اعماله ايضا من الغير لعدم انفكاك اللازم من الملزوم و من لايملك عينه كيف يملك آثارها المترتبة عليها فلامدح للممكن في صوابه و لاقدح عليه في خطائه و وجه آخر يقولون ان الله سبحانه خلق الخلق علي حسب علمه بهم فامتاز الشقي عن السعيد في علمه فما ادري ان العباد خلقوا كما شاء الله ام خلقوا كما شاء انفسهم فان‌خلقوا كما شاء الله فما شاء الله كان و ما لم‌يشأ لم‌يكن فما علي العبد مع مشية الله و ان‌خلقوا كما شاؤا يجب تقدم الشيء علي نفسه و خروجه عن الامكان و لايقول به احد.

اقول ان سؤاله الاول ايده الله في حكم القدر في الاعمال و التكاليف و قدمر شرحه مختصرا وافيا و سؤاله هذا عن معني القدر في الذوات و ذلك بحر ضل فيه السوابح و العاثر عليه اقل من الكبريت الاحمر و هو من اسرار الله سبحانه و اسرار آل محمد عليهم السلام لايعلمه الا العالم او من علمه العالم بتعليم خاص و قدتكلم فيه كثير و لم يعثر عليه الا القليل

خليلي قطاع الفيافي كثيرة   و لكن ارباب الوصول قليل

و علي ان اذكر ذلك علي حسب ما استفدنا من مقباس النبوة و مشكوة الولاية فان‌كتب عليك فهمت و الا فالذي يلزمني من حق الجواب فقداديت والله خليفتي عليك.

و اعلم ان هذه المسئلة ليست علي حد ساير المسائل و ليس كل احد متمكنا من فهمه و لم‌يكلفوا بمعرفة ذلك و انما التكليف العالم في ذلك معرفة ان الله سبحانه عدل لايجور. خلق خلقا كما شاء و اراد بمقتضي عدله و ارسل اليهم الرسل و انزل اليهم الكتب و امر و نهي و وعد المطيعين الجنة و اوعد العاصين النار و لم‌يطع باكراه و لم‌يعص بغلبة و ليس الله بظلام للعبيد و هذا مما بني عليه اساس الاسلام و القدرية خارجون عن الاسلام و قدانزل الله سبحانه في ردهم انا كل

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 11 *»

 شيء خلقناه بقدر و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره و قل الله خالق كل شيء فهذا هو سبيل المعرفة العامة و اما المعرفة الخاصة فليس الناس بمشتركين في فهم معناها و لا بمكلفين بدرك حقيقتها و لكني اذكر لك ان شاء‌الله كلاما جامعا مختصرا لعلك تصيب معناه ان‌كتب لك ذلك في العناية الاولية و مهما تعسر عليك دركه فارجع الي المعرفة العامة التي هي مما بني الاسلام عليه و لاتشوش ذهنك و لاترخص للشيطان و وساوسه في قلبك.

فاعلم يا سيدي ايدك الله و سددك ان الله سبحانه كان اذ لا كان واجبا ازليا وجودا محضا يمتنع ضده و ليس وجوده باقتضاء ذاته اذ ليس وجوده سوي ذاته و ليس فيه اقتضاء سوي ذلك الوجود الذي هو ذاته فهو الوجود القديم الازلي الواجب البحت البسيط غير متناه في نفسه و ليس معه سواه ابدا ابدا و اول ظاهر منه هو الامكان و ليس مرادي بالظاهر منه الخارج من ذاته فانه ذات بسيطة صمدية ليس فيها مدخل و مخرج و لاتلد كما لاتولد بل اول ظاهر من ظهوراته و اول تجل من تجلياته الفعلية لا الذاتية فان الذات لاتتغير و لاتتبدل و لاتظهر بعد خفاء فاول ظاهر منه هو الامكان و هو لم‌يكن معه قبل ان‌يكون و لايكون معه بعد ان‌يكون هو الازل غير المتناهي به و هو امكان في حده و مقامه فاول ظاهر منه هو الامكان ضرورة ان كل ما سواه منه و هو امر حقيقي واقعي خارجي لا امر اعتباري غير خارجي فيكون كذبا محضا و هذا الامكان للاكوان كالماء للامواج و المداد للحروف و الهواء للكلمات فيمكن كل شيء من كل جزء منه كما يمكن في كل جزء من المداد جميع الحروف و يصلح ان‌يكتب منه كل حرف و هذا الامكان مخلوق بنفسه اذا لاسابق عليه و لاتقع الذات آلة ايجاد و لاتتعلق بما سواها و لاتقترن بغيرها و اني يكون معها غير حتي‌تقترن به و الواجب ما يمتنع معه سواه فالذات لاتكاد تقترن بغيرها و الامكان اول ظاهر منه جل و علا لاسابق عليه فوجب ان‌يكون هذا الامكان مخلوقا بنفسه فهذا الموجود هو الذي يقتضي ذاته وجوده و هو موجود بنفسه و الله سبحانه اجل من ذلك و اما هنا فيكون حيوث و جهات فلايضر ان‌يكون اقتضاء و مقتض و مقتضي.

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 12 *»

بالجملة هذا الامكان مخلوق بنفسه و هو غير فاقد لنفسه و نفسه علته الفاعلية و القابلية و المادية و الصورية و الغائية و هو نفسه و نفسه هو لايفقد نفسه فيجب وجوده و هو ايجاب الله سبحانه فهو واجب ايجابي و الازل واجب بنفسه لا بايجاب غير فالامكان اذا يجب وجوده و يمتنع عدمه اذ لولم‌يمتنع اما يجب عدمه و هو خلف او يمكن عدمه و هو الامكان المفروض الذي لاسابق عليه فيجب ان‌يكون الامكان امكانا و يمتنع ان لايكون فوجوب وجوده هو القضاء الحتم المبرم الممضي و ايجاب الله سبحانه اياه و انما هو امكان لغيره مما يصنع منه كما مثلنا فلايقال لم صار الامكان امكانا اذ لم‌يحتمل ان‌يكون واجبا او ممتنعا فليس لاحد هذا السؤال كما ليس لاحد ان‌يقول لم صار الواجب واجبا بل لم‌يصر الواجب واجبا و الصيرورة من علائم الحدوث فلم يصر الامكان امكانا ايضا لان الصيرورة تجدد بعد ان لم‌يكن و ليس الامر كذلك في الامكان و لم‌يكن وقت لم‌يكن الامكان امكانا و لو جاز عليه العدم وجب عدمه فان الذات لاتقتضي و لايحدث فيها شيء و لا موجود حتي‌يقتضي فوجب ان‌يكون مستمرا في ذاته و جميع الحوادث يتحقق فيه و حدوثها اضافية بالنسبة من بعضها الي بعض و اما من حيث نسبتها الي الامكان و ملاحظة الامكان فلاحدوث و كل شيء منها ثابت في حده و مكانه و وقته و هذا الامكان امكان بالنسبة الي ما دونه و اما في نفسه من حيث نفسه فكون و وجود كما مثلت لك من الطين و ما يصنع منه و المداد و ما يكتب به فالمداد امكان للحروف و اما من حيث نفسه في نفسه فهو كون و وجود مستقل فكذلك الامكان الاول هو امكان لما يظهر منه و اما في نفسه كون يسمي بالمطلق و وجود مستقل فالوجود المطلق هو الامكان و هو اول ظاهر من الله سبحانه و اول تجل له جل جلاله ثم هذا الوجود المطلق المستقل مما قضي ان‌يكون وجودا مطلقا باختياره و ذلك ان الله سبحانه جعله يد نفسه في احداثه فخلقه به علي ما هو عليه فكان كذلك باختياره و مقتضي كينونته و طباعه فلاقهر و لاقسر الا تري انك لو رخصت احدا ان‌يقطع من لحمه بيده ان‌شاء كيف شاء و قطع شيئا فانما قطعه باختياره و علي حسب ميله و علي مقدار هواه و ان

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 13 *»

‌كان ذلك برخصتك فكذلك كلما يخلقه الله بنفسه و يجعل يده نفسه في احداث نفسه فلاجبر كما عرفت و لاتفويض فانه برخصته و ارخائه كما عرفت ثم خلق الله سبحانه من شعاع هذا الوجود المطلق المقدس خلقا كليا له مراتب سبعة و هي العقل الكلي و الروح الكلية و النفس الكلية و الطبع الكلي و المادة الكلية و المثال الكلي و الجسم الكلي و هذه المراتب هي مراتب الشخص الكلي و نسبة بعضها الي بعض نسبة القشر و اللب و التفصيل و الاجمال يعني كل سابق مقام لب اللاحق و اجماله و كل لاحق مقام قشر السابق و تفصيله و هذه المراتب تحدث للاثر في شهادته و غيبه و طبايع غيبه و طبايع شهادته و هي من تمام كون الاثر اثرا و بين الفاعل اي جهة الرب و القابل اي جهة النفس و هذا الشخص الكلي لاتعين لمرتبة من مراتبه بالجزئيات و ان‌كان لها تعين في نفسها فالعقل عقل لاروح و الروح روح لا نفس و هكذا و هذه المراتب خلقت من شعاع الوجود المطلق الاول اي هي شعاع الوجود المطلق و ليس لاحد ان‌يقول لم كان الشعاع شعاعا و لم‌يكن منيرا او لم‌كان المنير منيرا لا شعاعا اذ ليس بينهما حد مشترك يصلح لان يتصور بصورة هذا و هذا فيسأل عن مرجح هذا علي هذا و انما الشعاع اثر حادث باحداث المنير لا من شيء فلايجوز ان‌يسأل انه لم‌صار المنير منيرا لا شعاعا و لا العكس و هذا الشخص الكلي هو امكان لما دونه و كون في نفسه يعني يمكن في حقه مع بقاء كونه ان‌يظهر بصور مختلفة و لايمكن في حقه ان‌يكون غيره مع كونه هو هو فقدقضي عليه بان‌يكون هو هو و لم‌يقض عليه ان‌يكون كذا او كذا بل يمكن له هذا و هذا و احفظ هذه المقدمات حتي‌يأتيك النتيجة و هذا الشخص الكلي قدظهر بصور انواع هي الكليات الثانية و هي العرش و الكرسي و الافلاك و العناصر و هي تمثلات ذلك اللكي الاولي و ظهوراته و معاني كونه خلقا تاما مخلوقا بنفسه لان المخلوق بنفسه له حيث فعلية و حيث مفعولية و حيث فعليته له مقام اجمال و معنوية و له حيث تفصيل بالتعلق و صورية و حيث بينهما برزخية فلما تمثلت هذه الحيوث تمثلت بالعرش و الكرسي و الافلاك و حيث مفعوليته له كيفيات اربع ظهرت بالعناصر فهذه الكليات الثلثة عشر هي ظهورات الكلي

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 14 *»

الاول و تمثلاته و اشعته و انواره خلقها الله من نور الكلي الاول الا ان الكلي الاول له مراتب من عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم و كل واحد من هذه المراتب يظهر بعرش و كرسي و افلاك و عناصر كما سمعت كل بحسبه و كل تفصيل شعاع اجماله و كل ظهور اثر الكلي العالي الظاهر به.

بالجملة ليس لاحد ان يقول هنا ايضا لم صار الشعاع شعاعا و المنير منيرا و لم ‌صار الظهور ظهورا و الظاهر ظاهرا فان نفس الشعاع امر تابعي لايعقل ان يكون غيره فلو كان غيره لم‌يكن هو غيره بل كان غيره و سامثل لك مثالا لايقال لم صار البياض بياضا و لم‌يصر سوادا اذ لو كان سوادا لم‌يكن بياضا صار سوادا و انما كان سوادا اوليا و انما يسأل عن شيء يبقي ماهيته في التقلبات علي ما هي عليه و يتغير صورته فيقال لم‌صار الطين كوزا لا حبا و لم صار حبا لا كاسا و اما الماهية في نفسها لايسأل عنها انها لم صارت هي‌هي و لم‌تصر غيرها فلايقال لم كان الطول طولا و لم‌يكن قصرا نعم يسأل عن الجسم الطويل الصالح لان يكون قصيرا لم صار طويلا فتدبر فلايسأل عن الخمسة لم صارت خمسة و بعد اربعة و قبل الستة و لم‌تصر اربعة بعد الثلاثة و قبل الخمسة و ستة بعد الخمسة و قبل السبعة فانها لو كانت اربعة لم‌تكن خمسة صارت اربعة او ستة لم‌تكن خمسة صارت ستة و انما كانت في اصل الماهية اربعة او ستة فافهم فلايقال لم صار الشعاع شعاعا لا منيرا و المنير منيرا لا شعاعا اذ لو كان الشعاع منيرا لبطل ماهية شعاعيته و كان منيرا اوليا لا شعاعا صار منيرا و كذا لو كان المنير شعاعا لكان شعاعا اوليا لا منيرا صار شعاعا و ذلك لبطلان المهية و ان قيل ان الشعاع و المنير كليهما من الامكان و كل واحد حصة من الامكان فيسوغ لنا ان‌نقول لم صار تلك الحصة منيرا لا شعاعا و شعاعا لا منيرا قلت ان المنير و الشعاع ليسا بممكنين بامكان واحد و انما امكان النور مترتب علي امكان المنير و شعاع له و حصة من الامكان الذي خلق منها المنير لاتصلح للشعاع و حصة من الامكان الذي خلق منه الشعاع لاتصلح للمنير البتة اذ المنير يحدث النور لا من شيء و المادة اللطيفة لاتصلح للبس صورة كثيفة و لا الكثيفة تصلح للبس صورة لطيفة كما حققناه في محله و ان قيل كلا الامكانين من

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 15 *»

الامكان المطلق و هو اعم منهما جميعا قلت انه ليس باعم منهما تصورا بهما تصور المادة بالصورة و انما صلوحه لهما صلوح ظهور بهما.

بالجملة الكرات الثلث عشرة كليات ثانية خلقت بعد الكلي الاولي كما سمعت و هذه الكليات ليس فيها تعين شيء من المواليد و ان‌كان فيها تعين انفسها بان العرش عشر و الكرسي كرسي و الافلاك افلاك و العناصر عناصر و لكن ليس فيها تعين جماد او نبات او حيوان او انسان فهي امكان مادونها من المواليد و كون انفسها قدقضي عليها بان‌تكون هي‌هي و لم‌يقض عليها بان‌تكون زيدا او عمروا او بكرا او غير ذلك فيمكن مع بقاء كونها علي ما هي عليه ان‌تتصور بصورة زيد او عمرو او بكر مع انحفاظ ماهيتها ثم بعد ذلك ادار الله سبحانه الافلاك علي الارض و ضرب بعضها ببعض بواسطة انوارها فاحدث منها جمادا و نباتا و حيوانا و انسانا علي حسب اختلاف قوابل حصصها فصار حصة منها مثلا زيدا و حصة عمروا و حصة بكرا و هكذا فالذي صار زيدا قضي عليه بان‌يكون زيدا و لايسأل عن ذلك و لايمكنه غير ذلك نعم هو امكان لساير تجلياته و اعماله و افعاله مع بقاء ماهيته علي ما هي عليه فيمكن ان‌يكون قاعدا و قائما و آكلا و شاربا و صائما و مصليا مع بقاء زيديته و يعطي كل واحدة من هذه الصفات اسمه و حده فالقاعد زيد و القائم زيد و الاكل زيد و هكذا فيكلف زيد بما يمكن ان‌يصدر منه مع بقاء هويته و ماهيته و لايكلف بان‌يخرج عن زيديته و لايسأل عنه فانه مما قضي عليه بل اقول لو غلب علي امرء الصفراء مثلا و حملته علي الغضب و يعسر عليه التحول عنه يلحق ذلك بما قضي عليه و لايسأل عن مقتضياته بقدر الغلبة و ذلك قولهم : كلما غلب الله علي امرء فهو اولي بالعذر و لاجل ذلك ليس علي المريض حرج فيما غلب الله عليه و غلبة الصفراء عليه طبعا اشد المرض فلايسأل عن مقتضاها و انما يسأل عما امكنه و امكن فيه و كذلك اذا قضي عليه الجهل او العلم القليل او البلادة فمن علم كيف خلق الله الخلق علم كيف يعامل الله الخلق و لم‌يلم احد احدا و يعلم ان الله سبحانه بقدر غلبة جهة علي عبده بالقضاء لايسأله عنه و انما يسأله عما يمكنه و يستوي نسبته اليه فلو كان فيه البلغم جزء و الصفراء جزءان مثلا يعفي له

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 16 *»

عن جزء من الصفراء و يسأل عن جزء و ذلك حكم العدل الربوبي في العباد و هو قوله سبحانه لايكلف الله نفسا الا وسعها و لايكلف الله نفسا الا ما آتيها فتبين انه لا سؤال عما قضي الله عليه من الماهية و ما يلزم الماهية و تضطر اليها و انما يسأل عما يستوي نسبتها اليه و يمكن في حقه الاتيان بها و لاينافي شيء منها اصل الماهية فالله سبحانه خلق زيدا زيدا علي ما هو عليه و لايسأله عن كونه زيدا و لا عما يلزم كونه زيدا بحيث لولاه لم‌يكن زيد زيدا كالاحراق اللازم للنار فلولاه لم‌تكن نارا بل كان بردا و انما يسأله عما لاينافي كونه زيدا و لاينافي لازم كونه زيدا و يستوي نسبته مع ضده اليه الا تري ان زيدا لاينافيه التكلم و السكوت و الحركة و السكون و امثال ذلك و يعطي كل فعل و عمل و وصف له اسمه و حده فالمتكلم زيد و الساكت زيد فلو كان المتكلم لازم وجود زيد لامتنع عليه ان‌يكون ساكتا و هو‌هو بل كان يعدم كما يعدم النار بعدم بعد الحرارة عادة و الملزوم بشيء‌ لايتأتي منه الا وجه واحد هو اللازم و المحدث للضدين لايلزمه احدهما و زيد يحدث منه الاضداد فهو مهيمن عليها غير ملتزم بشيء منها البتة و لذا يعطي كل واحد منها اسمه و حده و يظهر بكل واحد منها فافهم فاني اوضحت لك السبيل و اقمت لك الدليل.

و ان‌قلت لم صار زيد زيدا قلت باختلاف حصص العناصر و الوقت و المكان و الوالدين و دوران الافلاك و هو مما كان يمكن في البسايط كما عرفت فخرج منها زيد باقتضاء الاسباب المخرجة منها اياه بتقدير الله سبحانه و انفعال البسايط لدي تلك الاسباب و قبولها منها امرا كان فيها ممكنا فالاسباب اظهرت ما قدكمن فيها و لم‌توجد ما لم‌يكن فيها و لا‌شك ان خروج زيد الممكن في البسايط بالاسباب الفاعلة السماوية و هي السبب القابل و تولد زيد بين هذه الفاعلة و هذا القابل فكان زيدا و لم‌يلزم جبر من خلق الله سبحانه اياه زيدا و لم‌يسأله عن كونه زيدا و لم‌يكلفه بالخروج عن الزيدية و عن لوازم الزيدية كما عرفت فايجاد زيد و ما سبق عليه بين الفاعل و القابل بالايجاد و الانوجاد و كل ما حدث بين الفعل و القبول حدث باختيار كوني فلا جبر و لا تفويض فالجبر هو الفعل بلا انفعال

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 17 *»

و هو محال و التفويض هو الانفعال بلا فعل و هو محال و انما هو امر بين الامرين و هو الفعل و الانفعال فالفعل في كل مقام من الله سبحانه و الانفعال في كل مقام من الامكان ففي الكليات الاولية التي اشرنا اليها كان الفعل من مشية الله سبحانه و الانفعال من الامكان الجايز الدهري و في الكليات الثانية الفعل من الكليات الاولية بها و الانفعال من الامكان الجايز الزماني و في المواليد الفعل من الافلاك و الانفعال من العناصر و اما في المشية و الامكان الاول فيتحد السبب الفاعلي و القابلي فانه مخلوق بنفسه اذ هي الغاية و المنتهي و لو تدبرت في حدود ما ذكرت لفهمت منه كلما تريد من هذه المسئلة فيا سيدي ان القوم ينظرون في الاشياء مجملا و لايحيطون باطرافها و لايندفونها ندفا و لذا يقع لهم الحيرة في درك الاشياء و علي ما ذكرت لك زالت الحيرة فان الله سبحانه واجب ازلي غني و ما سواه امكان و الامكان مخلوق بنفسه لعدم سابق عليه فخلق بهذا الامكان خلقا كليا مجملا هو امكان لما دونه و قضي عليه بالكلية و انما خلقه في رتبته به و بالمشية السابقة التي هي الامكان المذكور و هو شعاع المشية و نورها و لا سؤال عن سبب كونه شعاعا لانه يمتنع عليه ان‌يكون غيره ثم خلق بهذا الكلي الكليات الثانية التي هي تفصيل ذلك الاجمال و شرح تلك الحال و تلك الكليات مقضي عليها بها و هي امكان ما دونها كما عرفت و يخرج المواليد من اسفلها باعلاها كل ذلك بالفعل و الانفعال و لا سؤال في كل رتبة عن المقضيات و انما السؤال عن الممكنات فاني جبر و اني تفويض و لقدكررت العبارة لتفوز بالاشارة و لو هذبتها لم‌يطلع علي معناها الا واحد بعد واحد فافهم راشدا موفقا.

و اما البيان الاخر فذلك ايضا منا و الينا فان الله سبحانه كان في سابق علمه الازلي يعلم الاشياء كما هي و شاء كما علم و ماشاء الله كان و ما لم‌يشأ لم‌يكن و لا حول و لا قوة الا بالله و مع ذلك لايلزم شيء من الجبر فان الله سبحانه علم اولا الامكان و انه قوة اظهار كل ماسواه و علم الامكان الجايز و انه صالح لان‌ينفعل و يقبل فعل الفاعل كيفما وقع عليه و كان يعلم ان ما يمكن في الامكان الشمس مثلا و شعاعها و شعاع شعاعها و شعاع شعاع شعاعها و هكذا و كان يعلم ان شعاع

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 18 *»

الشمس لايخرج من الامكان شعاعا الا و يخرج الشمس ثم يخرج شعاعها مترتبا عليها كما كان يعلم ان الاربعة ممكنة في الامكان و لكن لاتخرج اربعة الا بعد الثلثة و قبل الخمسة و ليست بقابلة لغير ذلك فاخرج حين اراد اخراجها الثلثة اولا ثم اخرجها فقبلت الخروج و كانت اربعة ثم اخرج الخمسة فقبلت و كانت خمسة و ما كانت الاربعة و لا الخمسة تقبل غير ذلك من فعله سبحانه لامتناع ان‌تكون غير ذلك و كذلك علم ان شعاع الشمس لايقبل الفعل الا بعد اخراج الشمس ثم اخراجه مترتبا عليها تابعا لها فاخرجه بعد ما اخرج الشمس تابعا لها مترتبا عليها و كذلك شعاع الشعاع فعلم انه لايقبل الايجاد و لاينوجد شعاعا للشعاع الا بعد اخراج الشعاع الاول فاخرجه من الامكان بعد اخراج الشعاع الاول شعاعا مترتبا علي الشعاع الاول و هكذا هذا و امكان كل لاحق غير امكان السابق و تابع له خلق به و اجتماعهما تحت الامكان الاول بصلوح الظهور لا صلوح التصور كما عرفت فالله سبحانه علم احوال جميع خلقه و ان كل شيء ‌كيف ينوجد و كيف لاينوجد و اين حده و متي وقته و ما علته و سببه و هكذا جميع ما هو به يكون هو فخلقه كيفما شاء و لم‌يشأ الا علي ما انوجد و قبل فيهديهم ربهم بايمانهم و بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية و لم‌يخلق الله سبحانه خلقا لم‌ينخلق و لم‌يوجد ما لم‌ينوجد و اذا قلت لايقدر الشيء ان لاينوجد اذا اوجده الله قلت ليس كذلك و هو كذلك اما ليس كذلك فان الله سبحانه لم‌يخلق ما لايمكن و ما يمكن ينوجد لصلوحه و اما هو كذلك فان المشية لم‌تتعلق بما علم الله انه يمتنع و لاينوجد البتة. بالجملة ان الله سبحانه علم ما ينوجد و ما لاينوجد فترك ما لاينوجد ثم علم اسباب ما ينوجد بها فهيأ له اسبابه فدعاه فلباه و خرج من الامكان الي الكون ثم لم‌يكلفه بعد ما قضي عليه بالايجاد علي حسب الانوجاد بالتحول عما وجد عليه و انما كلفه بما يمكن له مع بقاء عينه علي ما هي عليه فلايكون الا ما شاء‌ الله و لايشاء الله الا ما يقبل الانوجاد و كل ما انوجد لم‌يحتم عليه الايجاد و ان لم‌ينوجد بل اوجد باختياره و ذلك سر الاختيار الربوبي و امثل لك مثالا و هو انك لم‌تكسر ما لم‌ينكسر و انما يتعلق كسرك بما ينكسر فالكسر يحدث بين فعلك و بين انكسار

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 19 *»

المنكسر فلولا فعلك الكسر لم يوجد كسر و لولا انكساره لم‌يوجد كسر و انما يحدث الكسر بين الكسر و الانكسار. و الكسر بلا انكسار عربی جبر محال و الانكسار بلا كسر تفويض محال و احداث الكسر بالكسر و الانكسار امر بين الامرين ثابت فكذلك الوجود يحدث بايجاد و انوجاد فلولا الايجاد لم‌يكن و الانوجاد بلا ايجاد تفويض محال و لولا الانوجاد لم‌يكن و الايجاد بلا انوجاد جبر محال و اما حدوث الوجود بينهما فهو بالاختيار و الامر بين الامرين كما عرفت و لما كان و لايتعلق الايجاد بما علم الله انه لم‌يقبل و لم‌ينوجد فقل ما اوجد الله كان و ما لم‌يوجد لم‌يكن و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم هذا مجمل القول في الامر و قدبسطنا القول في ذلك في الفطرة السليمة علي حسب وضع ذلك الكتاب و في ارشاد العوام علي حسب وضعه فان شئت فراجع و من تتبع كتبنا اتضح له الامر كنار علي علم و الحمد لله.

قال ايده الله مسئلة هل الواجب انكار مذهب الصوفية علي الاطلاق او يمكن ان‌يكون له حقيقة و قدخفي حقيقته بسبب تخليط ارباب البدع و الضلالة و من المحققون الذين يقول عبد الرزاق اللاهيجي في گوهر مراد انه لايجوز انكار مطلق التصوف لان في المتصوفة محققين انتهي ثم ذكر عربی جناب السيد انه ينسب الي الامر محمد باقر الداماد كتاب يسمي بجامع الاسرار في اثبات التصوف و وحدة الوجود و تطبيقه مع التشيع و انهما واحد هل ذلك الكتاب من الامير الداماد ام لا و كيف حالا الامير الداماد مع ذلك الاعتقاد.

اقول ان في التصوف و غيره من المذاهب الباطلة ما يشترك اهله فيه مع ضرورة الاسلام والمسلمين و ضرورة مذهب التشيع فذلك ليس مما به يسمي الصوفي الصوفي مثلا و انما الذي يخص به الصوفي و به امتاز عن غيره هو فصل التصوف و به يسمي الصوفي بالصوفي و موضع السؤال هو ذلك الفصل الخاص بهم و الا فما يوافقون فيه ضرورة الاسلام و التشيع فليس محل كلام و لايخصهم و لايسمون به صوفية البتة و اما فصلهم الخاص و اصلهم الذي عليه بناء مذهبهم

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 20 *»

فلايوقف به علي حد فانهم فرق شتي و مذاهب مختلفة و لايسعنا الان الكلام في كل واحد واحد منهم فاقول اولا مجملا ان كل مذهب و طريقة ينافي ما عليه اجماع الشيعة في العقايد و الاعمال و ضرورتهم و ينكرونه بينهم و لايشهد به الكتاب المجمع علي تأويله بلا تكلف و السنة الجامعة غير المختلفة فيها بلا تأويل فهو باطل من النار و الي النار. و ضرورة الشيعة معروفة عند من دخل مذهب التشيع لاتخفي علي احد منهم و يشترط ان يطابقها من غير تأويل و لاتكلف فانه لو شاء‌ الانسان ان‌يأول كلامه بتأويلات بعيدة يقدر علي تطبيقه مع ما شاء فلايفتقر المذهب المطابق للحق الي دليل و كتاب و تصدي العلماء التطبيق بينهما بتكلف و ادلة خفية و ما وافق ما ذكرنا من مذهب الشيعة و ما عليه اهل مساجدهم و اسواقهم و مدارسهم فهو حق لامرية فيه و لاريب يعتريه هذا هو القانون الكلي المجمل و اما المفصل فقدذكرت لك انهم علي فرق شتي و نوع القول فيهم ان القول بوحدة الوجود و حلول الواجب في الحادث و احضار صورة المرشد في الخاطر و عبادته و الفناء فيه ليوصله الي الله و التناسخ و الوصول الي ذات الحق جل و علا و سقوط التكليف يوما ما و الرياضات غير المشروعة و الاذكار المبتدعة و طرق الاذكار الخفية و الجلية و حلق الذكر و الشهيق و الزفير و تلك الخلسات المموهة و الصيامات الغير المشروعة و الدعوات و الصلوات المبتدعة و تلك المكاشفات المزخرفة المخالفة لما اخبر الله به في كتابه و الرسول في سنته و الجلسات الاختراعية و حبس النفس و شرب البنج و الشرس لجمع حواسهم و القول بالاباحة و الرخصة للمريدين في ما يشتهون و القول بان الطاعة معرفة رجل و ان المعصية ولاية رجل فاذا عرفت ذاك فذلك لك طاعة و كل طاعة و اذا واليت ذاك فذلك معصية و كل معصية ثم الرخصة في ترك كل طاعة و فعل كل معصية و استعمال الملاهي و الغناء ليجذب ارواحهم الي المبادي و عشق المردان و النظر فيهم لجمع الحواس و حصرها في واحد و تمويه انه جمال الله و تلك الجذبات المجننة الصارعة للانسان و استحسان المجانين الارجاس العراة الماشين في الاسواق و الساكتين و المتغلغلين في الخرب و الاصطبلات بين السرجين و

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 21 *»

القاذورات و امثال ذلك مما يشمئز النفوس السليمة منه و يتبرؤ قدس آل محمد: و نزاهتهم و حكمتهم منه كل ذلك باطل عاطل و عن حلية الحق عاطل و اما اصل اسم التصوف فقد نهينا عن التسمية به و عن المداهنة معهم و عن زيارتهم و السكوت عن ردهم فقدروي شيخنا الاجل الاوحد عن الاردبيلي رحمه الله بسند صحيح عن الرضا7 من ذكر عنده الصوفية و لم‌ينكر عليهم بلسانه او بقلبه فليس منا و من انكرهم فكانما جاهد الكفار بين يدي رسول الله9 و بسنده قال قال رجل للصادق7 قدخرج في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم فقال انهم اعداؤنا فمن مال اليهم فهو منهم و يحشر معهم و سيكون اقوام يدعون حبنا و يميلون اليهم و يشبهون بهم و يلقبون انفسهم بلقبهم و يؤلون اقوالهم الا فمن مال اليهم فليس منا و انا منه برآء و من انكرهم و رد عليهم كان كمن جاهد الكفار مع رسول الله9 و عن الشيخ البهايي في كشكوله قال قال رسول الله9 لاتقوم الساعة علي امتي حتي يخرج قوم من امتي اسمهم صوفية ليسوا امتي و انهم يهود امتي يحلقون للذكر روسهم و يرفعون اصواتهم للذكر يظنون انهم علي طريق الابرار بل هم اضل من الكفار و هم اهل النار لهم شهقة كشهقة الحمار و قولهم قول الابرار و عملهم عمل الفجار و هم منازعون للعلماء ليس لهم ايمان و هم معجبون باعمالهم ليس لهم من عملهم الا التعب و عن الاردبيلي ايضا بسنده عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب قال كنت مع الهادي علي بن محمد7 في مسجد النبي9 فاتاه جماعة من اصحابه منهم ابوهاشم الجعفري و كان رجلا بليغا و كانت له منزلة عنده ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية و جلسوا في ناحية مستديرا و اخذوا بالتهليل فقال لاتلتفتوا الي هؤلاء الخداعين فانهم خلفاء الشياطين و مخربوا قواعد الدين يتنزهون لاراحة الاجسام و يتهجدون لتصييد الانام يتجوعون عمرا حتي يذبحوا للاكاف (پالان) حمرا لايهللون

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 22 *»

الا لغرور الناس و لايقللون الغذاء الا لملأ الغساس[1] و اختلاس قلوب الانفاس باحلائهم في الحب و يطرحون بادلائهم في الجب اورادهم الرقص و التصدية و اذكارهم الترنم و التغنية فلاتتبعهم الا السفهاء و لايعتقدهم الا الحمقاء فمن ذهب الي زيارة احدهم فكانما اعان يزيد و معوية و اباسفيان فقال له رجل من اصحابه و ان كان معترفا بحقوقكم قال فنظر اليه شبه المغضب و قال دع ذا عنك من اعترف بحقوقنا لم‌يذهب في عقوقنا اما تدري ان اخس الطوائف الصوفية و الصوفية كلهم مخالفونا و طريقتهم مخالفة لطريقنا و ان هم الا نصاري او مجوس هذه الامة اولئك الذين يجهدون في اطفاء نور الله بافواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون و عنه عن الرضا7 قال لايقول احد بالتصوف الا لخدعة او ضلالة او حماقة و اما من سمي نفسه للتقية فلا اثم عليه و عن المفيد في كتاب الرد علي اصحاب الحلاج هذه الرواية و في آخره و من سمي نفسه صوفية فلا اثم عليه و علامته ان‌يكتفي بالتسمية و لايقول بشيء من عقايدهم الباطلة و عن الشيخ الحر في جواب بعض المسائل ان الاحاديث الواردة في ذم الصوفية عموما و خصوصا و في لعنهم و تكفيرهم و بطلان كل ما اختصوا به متواترة تقرب من الف حديث و ليس لها معارض انتهي و ان افتري علي النبي9 و علي الائمة: العامة و من تبعهم من الشيعة كثيرا و ليس في كتب الشيعة منها عين و لا اثر.

بالجملة اني اخبرك بحقيقة امرهم و مبدئه علي نحو الاختصار و هو انه لما ارتحل النبي9 عن هذه الدنيا الدنية و ارتدت الامة علي اعقابهم قهقري كما قال الله سبحانه و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افأن مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و تركوا عترته و كتابه اللذين خلفهما رسول الله9 في امته ما ان‌تمسكوا بهما لن‌يضلوا باجماع العامة و الخاصة لم‌يكن لهم من يعلم ظاهر امر الرسول

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 23 *»

9 و ارتدوا في الجهالة الاولية اضطروا الي ان‌ينصبوا بينهم من يتولي ظاهر امر الرسول9 و القضاء و الحكومة فنصبوا لانفسهم قضاة كالشافعي و المالكي و الحنبلي و الحنفي و غيرهم و لما رأوا ان امرهم قدآل الي آراء و اهواء و اجتهادات و اختلاف شديد اجمعوا علي لزوم اقتفاء آثار هؤلاء الاربعة و ترك غيرهم فجعلوهم ائمة لهم في مقابلة الائمة الحق و افترضوا طاعتهم ثم رأوا ان لآل محمد: بواطن و اسرارا و معجزات و مكاشفات و حقايق و علوما فاضطروا الي نصب اناس آخر سموهم اولياء الله و المشايخ و الكملين فدلس اولئك لهم بالرياضات الشاقة و المجاهدات و الاتصال بالشياطين و بعض الشعبذات و الحيل و الطلسمات و اظهروا شبيه المعجزات و الكرامات و غروا اشباه الناس بحسن الاخلاق و الزهد و الانزواء و الخلوات محادة لآل محمد: و مشاقة لهم فاجتمع حولهم الناس و اظهروا لهم الخلوص فابدعوا لهم بدعا و آراء و رياضات و اذكارا و جلسات و خلوات و اربعينات و اعانهم الشيطان و بنوا علي قبور اولئك قبابا و عمارات و رخرفوها بانواع الزخارف فعظم امرهم في اعين الناس كل ذلك ارادة ابطال امر آل محمد: و لم‌يكن في دين العترة ظاهر كظاهرهم و لاباطن كباطنهم و مجدهم السلاطين و عظموهم و بجلوهم ليزروا بذلك علي آل محمد: و الناس عنه غافلون فمالوا اليهم من باب ان الناس علي دين ملوكهم فلما انثال الناس حولهم و امتلأ عيون الجهلة بهم اغتر قوم منا فخدع بمزخرفات ظواهرهم قوم و بخزعبلات بواطنهم آخرون و ارادوا اجراءها في دين التشيع فاولوا كتاب الله و اخبار العترة الي تلك المزخرفات و الخزعبلات و آل محمد: منها برآء فاشتبه علي الناس امرهم و ثبت علي حقيقة امر محمد و آل محمد: قوم‌ آخرون منا فاتبعوا ظواهر امر محمد و آل محمد: و بواطنهم و آمنوا بسرهم و علانيتهم لم‌يمل بهم الاهواء و الآراء الي غيرهم و لم‌يتخذوا من دونهم ولايج و هم الفرقة الناجية من الثلث و سبعين فرقة هذا و اليوم كل واحد منهم يدعي ذلك

 

«* مكارم الابرار عربی جلد 30 صفحه 24 *»

و لكني اقول كما قال الشاعر:

و كل يدعي وصلا بليلي   و ليلي لاتقر لهم بذاكا

اذ علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور و علامة ذلك كما قال الشاعر:

اذا انبجست دموع من خدود   تبين من بكي ممن تباكي

فالذي هو علي منهاج آل محمد: يستند في علمه صغيره و كبيره دقيقه و جليله اليهم و الي اخبارهم و الي كتاب الله و سنة نبيه9 و الي ضرورة الاسلام و التشيع و اما غيرهم فيستندون في اصول امرهم الي اليونانيين و النصاري و المجوس و الهنود و الجوكية و اليهود و في فروع امرهم الي الامدي و الترمدي و البغنوي و الشافعي و المالكي و الحنبلي و الحنفي و غيرهم ان افتريت فعلي اجرامي و انا بريء مما تجرمون ها كتبنا و كتبهم مشهودة و ساير كتب علمائنا الماضين الذين مضوا علي منهاج آل محمد: مشهودة و الشهود حضور و الامر غير مستور

فهب اني اقول الصبح ليل   ايعمي الناظرون عن الضياء

فدع عنك قول الشافعي و مالك                               و احمد و المروي عن كعب الاحبار

و خذ عن اناس قولهم و حديثهم                                       روي جدنا عن جبرئيل عن الباري

و فيما ذكرت كفاية و بلاغ و لوداومت علي قراءة ارشاد العوام لصرت بصيرا بحقايق الامور ثبتك الله و ايانا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة فرغ من كتابته و تصنيفه العبد الاثيم كريم بن ابرهيم في ليلة الاربعاء السابع و العشرين من شهر ربيع الاول من شهور سنة ثلث و سبعين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا تمت.

 

[1]الغساس (داء في الابل), الانفاس (الاحمق)