27-10 مکارم الابرار المجلد السابع والعشرون ـ رسالة في جواب ما سأله الشيخ محمد البحراني ـ مقابله

 

رسالة في جواب ما سأله الشيخ محمد البحراني

 

 

من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 627 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي سيدنا محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

و بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد سألني المولي الجليل و الفاضل النبيل صاحب المفاخر و المكارم و عمدة الاشراف و الاكارم الشيخ المؤيد المسدد الشيخ محمد بن المبرور الشيخ صالح البحراني امده الله سبحانه عن مسائل جليلة مشكلة و مطالب فخيمة معضلة لايحل لاحد التصريح بها و لايجوز لعالم الافصاح عنها ولكن من باب ان لكل سؤال جواباً و لكل قوم لحناً و خطاباً و يمكن بيان كل مسألة في ضمن الحجاب و يجوز شرح تلك المسائل ايضاً مستوراً بالنقاب عزمت علي اسعاف طلبته و قضاء حاجته لانه اهل ان‌يجاب و لما كان له يد في هذا الفن سهل علي الخطب و امكنني الاشارة بحيث يفهمه هو من دون الاغيار و لم‌يضطرني الي ان‌اكشف عن وجه مسائله الاستار و مع ذلك كله قد سألني في حال توارد الاشغال و تواتر الكلال من مكابدة الانزال و مساورة الارذال و مع‌ذلك معلوم انه لايبقي لذي حال حال و لا لذي بال بال ولكن اذا تربص الانسان في مثل هذه الازمان صلاح الزمان و فترة شره اهل الطغيان و الفراغ من المشاغل و الراحة من شر الاراذل فهو مما لايكاد يوجد فالاحسن ان‌يسترق الانسان منهم بعض الاوقات و يغتنم الفرص لاسعاف لوازم الطلبات فان الميسور لايسقط بالمعسور و ما لايدرك كله لاينبغي ان‌يترك كله فلذلك بادرت الي جوابه ايده الله و اعتذر اليه من تركي اداء حق البيان لاضطراب الجنان و عدم مساعدة الزمان و العذر عند كرام الناس مقبول و اجعل عبارة سؤاله كالمتن و جوابي له كالشرح و لاقوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 628 *»

قال ايده الله تعالي الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي خير خلقه و معدن لطفه محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم و معانديهم و ناصبي العداوة و البغضاء لشيعتهم ابد الابدين و دهر الداهرين.

مولاي و مقتداي جعلني الله فداك خادمك الفقير الحقير يلتمس من جنابكم العالي ان‌تشرحوا كلام الشيخ اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: «الاسطقسات اربعة الماء و النار و الهواء و الارض ذكران و انثيان اثنان صاعدان و اثنان هابطان فالماء انثي هابط رطب بارد و النار ذكر صاعد حار يابس و التراب انثي هابط بارد يابس و الهواء ذكر صاعد حار رطب».

اقول اعلم ان المؤثر الموجد هو المتعالي عن صفة الآثار و المتنزه عن الواث الاغيار و هو الذات الاحدية و الواحد المتفرد بالسبحانية و الفرد المتقدس بالوحدانية بحيث قد قصر عن ادراكه ادق ثواقب الفطن و كل عن بيان مائيته السن اللسن لانه قدوس عن جميع ما يخص بآثاره و سبوح عن كل ما يليق بانواره اذ لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و كل شيء لازم حده و مقامه فصفات آثاره لازمة لحدها راكدة في مقامها و محتدها و هو متعالية الذات متنزهة المائية عن مقام الصفات و ذلك معلوم في مقامه و لانحتاج الي زيادة شرح و بسط في ذلك فصفاته القائمة به التي هي آثاره و انواره تكون ذات مراتب اربع مما يلي ذلك المؤثر الي غاية الغايات و نهاية النهايات فاعليها اشد تشاكلاً بمؤثرها و اقوي تناسباً و احكاها له و انسبها به و ارويها لاخباره و ادناها اشد تنافراً و اقوي تناسباً و اقلها حكاية عن مؤثرها فلاجل ذلك صار اعليها اشد لطافة و اكثر قوة و بساطة و رقة و صار ادناها اشد كثافة و اكثر ضعفاً و تكثراً و غلظة فحكي الاعلي من المؤثر ما لم‌يحك الاسفل و ظهر في الاعلي منه ما لم‌يظهر في الادني فصار الاعلي حاراً و الادني بارداً و الحرارة الكائنة في الاعلي التي اتصف بها هي سبحة المؤثر الظاهرة في نفس الاثر علي الوصفية التي تقتضي تفرق اوصالها و تشتت جمعها و تهبية صلدها و ترقيق غلظها و تلطيف كثيفها و تحريك ساكنها و تصعيد هابطها و اذابة جمودها و لانعني بالحرارة و لاتكون الا سبحة هي كذا فاذا غلبت

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 629 *»

هذه السبحة في نفس ذلك الاثر فعلت فيه ما ذكرنا من الافعال و افنته من نفسه و اوجدته بنفسها و اعطته اسمها و حدها كما قال سبحانه قال انفخوا حتي اذا جعله نارا فافهم حتي نفذت منه الي الغير و فعله في الغير مثل ما فعل به ففرق و شتت و هبا و رقق و لطف و حرك و صعد و اذاب و هذه الآثار هي التي تلمس باللمس من الحار و تفعل في اليد غاية الامر ان هذه الصفات متدرجة من اول الاثر الي غايته فاول مراتبها السخونة و آخرها الاحراق و صارت هذه الصفات آثار تلك السبحة فان كل قوي يحيل ما يقع عليه الي ما يشاكله و تلك السبحة تريد بقوتها ان‌تفني الاثر عن الاثرية و توجده بالمؤثرية فتظهر فيه هذه الآثار و هي الحرارة لاغير فافهم فانك لاتجد هذا المعني علي ما ذكرنا في كتاب و لا تسمعها من خطاب و لو التفت الي بواطن هذه الكلمات لوجدت مطلبك قبل ان‌يجري بالتصريح به قلمي فتدبر و اما البرودة فهي ضد الحرارة و هي صفة نفس الاثر و اصله و منشأه و قد ظهر فيه علي نهج الوصفية كما ان الكون و الوجود اصل الشيء و منشأه و يظهر فيه علي الوصفية فتقول مكون موجود فالبرودة ضد تلك السبحة الكائنة في نفس الاثر تقتضي تقلص الشيء و انقباضه و هدؤه و سكونه و تكاثفه و تغلظه و تراكمه و اتصال بعضه ببعض و استمساكه و هذه الصفات موجودة في نفس الاثر من مبدئه الي منتهاه الا ان سبحة المؤثر وقعت علي اعلاه فغلبت البرودة و اخفتها و اضعفتها حتي خفيت كان لم‌تكن و لم‌تبلغ تلك السبحة غاية مراتب الاثر الا قليلاً فبقي علي ما كان فغلب السبحة و اخفاها كان لم‌تكن فما اصابك من حسنة و هي السبحة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و اني للمؤثر هذه الكثافة و الغلظة.

بالجملة غلبت هذه الصفة في ادني الاثر حتي اخفت السبحة و استولت علي ظاهره و باطنه حتي صارت بغلبتها فعالة فيما سويها فاثرت تلك الآثار المذكورة فيما لاقته كما مر في الحرارة حرفاً بحرف فلاجل ذلك صارت الحرارة و البرودة فعالتين في جميع ما غلبتا عليه و صارتا يدي الفاعل العالي فالحرارة يده اليمني و البرودة يده اليسري و جميع الافعال المتضادة صدرت من الفاعل بهاتين اليدين

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 630 *»

مثلاً بالحرارة اضاء و انار و بالبرودة اظلم و بالحرارة لطف و بالبرودة كثف و بالحرارة صعد و بالبرودة نزل و بالحرارة جذب و بالبرودة دفع و بالحرارة انعم و بالبرودة عذب و بالحرارة اعطي و بالبرودة منع.

بالجملة جميع الافاعيل راجعة الي هذين الاصلين صادرة عن هاتين اليدين فلاجل ذلك قلنا هما فعالتان في الوجود بل لا فعل الا عنهما و بهما و ما قبل ذلك ليس يسمي بفعل فانه لا فعل الا بحركة و لا حركة الا في متحرك و اول المتحركات هاتان اليدان فافهم.

فلما اراد الله سبحانه احداث الاثر الاول بنفسه لعدم سابق عليه اجري فعله عليه به و منه فمن هاتين اليدين ظهر الفعل و اما الرطوبة فهي سبب الانفعال و اصله و منشاؤه و ما قيل من ان اليبوسة ايضاً سبب الانفعال و اصله و منشاؤه فهي يبوسة خاصة اصطلاحية لاتنافي الرطوبة كما يأتي ان شاء الله تعالي فاليبوسة الحقيقية ليست بقابلة للانفعال فاذا هي مناسبة للفعل دون الانفعال و لاجل ذلك قلنا ان اليبوسة صفة الفاعلين اي الحرارة و البرودة و قلنا ان جهة اعلي الاثر حارة يابسة و جهة ادناه باردة يابسة لعدم انفعالهما و تمحضهما في الفعلية فالاثر من حيث الاثرية رطب و لولا الرطوبة لم‌يكن اثراً و لم‌ينفعل من فعل الفاعل لما عرفت فمن اجل ذلك ظهر في كل اثر طبايع اربع حرارة و برودة و يبوسة و رطوبة و صارت هذه الطبايع اسطقس كل موجود مكون و ان من شيء ‌الا و اجزاء وجوده هذه الطبايع و تلك الرطوبة الانفعالية الواقعة تحت هذين الفاعلين صارت ذات جهتين جهة الي فاعل الحرارة و جهة الي فاعل البرودة فالجهة الاولي صارت رطوبة حارة و الجهة الثانية صارت رطوبة باردة و ظهر سر هذا الترتيب في العناصر الفلكية و صار ترتيب عناصرها كذلك فالحمل حار يابس و الثور بارد يابس و هما فاعلان ثم الجوزا رطب حار و السرطان رطب بارد و علي هذا الترتيب ساير البروج و ذلك لوقوعها اي الافلاك علي الوضع الاولي لقلة اعراضها و غلبة الفعلية فيها و انعكس هذا الترتيب في العناصر الغيبية فكان العقل الذي هو اول ما خلق رطباً بارداً و الروح التي تليه رطبة حارة و النفس بعدها باردة يابسة و الطبع بعدها حار يابس فهي علي عكس الافلاك كلية و ذلك لشدة اضمحلال كلما يقرب من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 631 *»

المبدء و ضعف الاضمحلال و قوة الاستقلال فيما يبعد عن المبدء و معلوم ان شدة الاضمحلال في الانفعال و العبودية و الاستقلال في الفاعلية و هما في العقل اكثر منهما في الروح و فيها اكثر منهما في النفس و فيها اکثر منهما فی الطبع فلاجل ذلك انعكس الامر هنالك و اما في العناصر السفلية فظهرت علي ما هو المشهود لان المدار هيهنا علي الرقة الجسمانية و لطافتها و سيلان ظاهرها فان في السفليات كلما هو اشد ذوباناً و سيلاناً اشد مطاوعة لفعل الفاعل و سر العبودية فيه اظهر و لاشك في ان النار اشد لطافة و ذوباناً و سيلاناً و سر العبودية و المطاوعة و الامتثال فيها اظهر من غيرها فاستحقت بذلك التقدم ثم يليه في هذه الصفات الهواء ثم الماء ثم التراب و لما كان المدار في السفليات علي الرقة و اللطافة صار ترتيبها علي ذلك و لما كان المدار في العلويات علي الفاعلية و المفعولية دون الرقة و الغلظة صار ترتيبها علي ذلك الوجه الا ان برج الثور ليس اكثف من الحمل و برج الجوزا ليس اكثف من الثور و لا السرطان اكثف من الجوزا و انما هي في اللطافة و الكثافة علي شرع سواء و لذا كانت البروج في وضع واحد و ليس احدها اعلي من الاخر و كلها في عرض واحد تتحرك في وضع واحد و صار امزجتها تابعة للترتيب الفعلي و الانفعالي و لما كان مدار عالم الغيب و مراتبه في علوها و تسفلها علي العبودية و الانكسار و الاضمحلال صار ترتيبها علي ما ذكرنا و خالف جميع ذلك ترتيب عناصر الانسان الصغير فقد يصعد فيه الصفراء و تطفو فوق جميع الاخلاط و هي حارة يابسة ثم يليها البلغم و هو بارد رطب ثم يليه الدم و هو حار رطب ثم يليه السوداء الراسبة لانها باردة يابسة و انما ذلك لاجل شدة نضج الدم و غلظه الذي جعله الله فيه لاجل حفظ الروح و ضبطها فانه مركبها فلشدة نضجه صار امتن و اغلظ من البلغم فنزل الدم و صار البلغم لتخلخله و عدم نضجه اخف من الدم كما ان الفضة اخف من الذهب مع ان الفضة باردة رطبة و الذهب حار يابس و ذلك لان شدة نضج الذهب لززت اجزائه فصار يسع الابعاد المعينة منها اکثر من الفضة و لعدم شدة نضج الفضة صارت اشد تخلخلاً من الذهب فصار يسع الابعاد المعينة منها اقل من الذهب و لهذه العلة صار اثر النار في الذهب ابعد منه في الفضة فافهم

 

* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 632 *»

فلاجل ذلك صار محل البلغم اعلي من الدم و الدم اسفل منه و خالف جميع ذلك عناصر عالم الفلاسفة فانه في عالمهم يظهر الماء اول وهلة ثم يظهر الهواء ثم يظهر النار ثم يتخلص الارض و السر في ذلك ان الماء بارد رطب و هو ضد النار و اشد العناصر تنافراً منها فاذا سلط النار علي الحجر فر الماء اولاً لاجل تمام المنافرة و عدم الطاقة مع الضد التام بخلاف الهواء فانه من جهة الحرارة مناسب للنار موافق لها فهو اقوم علي النار الي ان‌تغلب نار يكون الهواء‌ بالنسبة اليها بارداً فان الحرارة الاقل اقل من الاكثر بممازجة الضد فاذا غلبت النار بحيث صارت احر من الهواء لم‌يطق الهواء مقاومتها ففر منها و تبقي النار بالمشاكلة التامة و التراب لعدم قوته علي الفرار و عدم روحانية قوية تتأذي بها عن النار و تفر ثم يستخرج النار من الارض بادخال الماء عليها حتي تموع النار في الماء و تسيل و تنبث في الماء فيعزل النار شيئاً بعد شيء حتي لايبقي في الارض شيء من النار ثم يبقي الارض هامدة ميتة سوداء لاروح لها و ربما يخرج شيء من النار مع الهواء بالمناسبة و غلبة النار العنصرية و لكن النار الصاعدة مع الهواء ارطب من النار الباقية و اضعف فلاجل ذلك صار ترتيب عناصر عالم الفلاسفة علي ما سمعت فافهم راشداً موفقاً و اما ذكورة العناصر و انوثتها فبحسب اختلاف الانظار فعلي ما بينا و شرحنا من جهة الفعل و الانفعال الحرارة و البرودة ذكران لانهما فاعلان و الرطوبة هي الانثي لانها من جهة الانفعال و اما من جهة ان الحرارة من سبحة المؤثر العالي و من جهته و البرودة من جهة نفس الاثر و الحرارة هي الجهة اليمني و البرودة هي الجهة اليسري فالنار و الهواء ذكران صاعدان لان حيزهما الاعلي و الماء و التراب انثيان هابطان لان حيزهما الاسفل فبهذا الاعتبار اصل الذكر هو النار و اصل الانثي هو التراب و لكنهما من جهة يبسهما ليسا يأتلفان و بينهما شقاق و عدم ميل فالمؤثر المؤلف جعل بينهما رطوبة مؤلفة فتلك الرطوبة امالت الذكر فجعله حاراً رطباً مايلاً الي الانثي و امالت الانثي الي جانب الذكر فجعلها باردة رطبة فأتلفا بالرطوبة و هذا سر اقتبسها الفلاسفة في عالمهم من الوضع الالهي فانه لا ايتلاف الا بالرطوبة و هذه الرطوبة هي الحكم المشاراليه في قوله و ان خفتم شقاق بينهما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 633 *»

اي بين الذكر و الانثي اي الحرارة اليابسة و البرودة اليابسة فابعثوا حكماً من اهله و هو الحرارة الرطبة و حكماً من اهلها اي البرودة الرطبة ان يريدا اصلاحاً و كانا بالموازين الصالحة التي هي الانصاف و عدم الاعتساف يوفق الله بينهما فيتفقان و يتحدان و يتناكحان و يتولد من بينهما المولود المعلوم فافهم فقد اسقيتك ماء غدقا.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان جميع خلق الله سبحانه علي شرع سواء ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و ما من عند الواحد يكون علي نهج واحد فكما ان كل اثر لابد و ان‌يكون فيه هذه الطبايع الاربع كذلك مولود هرمس لابد و ان‌يكون فيه طبايع اربع و تلك الطبايع ليست الا العناصر الاربع فمن قال لك غير ذلك فلاتصدقه فليس اجزاء ذلك المولود المكرم الا ماء و هواء و نار و تراب علي ما بينا و شرحنا و تلك ليست الا هذه العناصر التي خلقها الله سبحانه بسائط جميع المولدات و اني لحكيم ان‌يأتي بعناصر غير هذه العناصر و يركب منها المركب فهي بعينها هذه العناصر لاغير و ذلك لان الحكماء لما نظروا الي العناصر العبيطة الكلية و رأوا انه ليس في وسعهم تركيب هذه العناصر بعباطتها لتحصيل مولودهم عمدوا الي عناصر مستخرجة من المركبات التي ركبها الله سبحانه من هذه العناصر و كل واحد من هذه العناصر المستخرجة حقيقة مركب من هذه العبايط الا ان الغالب علي كل واحد طبع واحد من العبايط كما ان الله سبحانه خلق كل واحد من المولدات من بسائط هي حقيقة مركبة من هذه العبايط فخلق المعادن من البخار و الدخان و التراب المتهبئ و الحرارة الطابخة و كل واحد منهما حقيقة مركب من  العناصر العبيطة و خلق النبات ايضاً من تلك الاجزاء و كذلك الحيوان فيركب الله سبحانه اولاً من العبايط مواد ثم يركب تلك المواد و يوجد منها ما يشاء كما تري في بدن الحيوان انه مركب من الاخلاط الاربعة و كل واحد من الاخلاط مركب من العناصر العبيطة الا ان الغالب في الصفراء النار و في البلغم الماء و في الدم الهواء و في السوداء التراب فان لم‌يمكن للحكماء تركيب العبايط علي نهج مطلوبهم امكنهم استخراج عناصر الشيء المركب و تفصيل اجزائه فعمدوا الي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 634 *»

المركبات و فصلوا بسايطها و هي عناصر القوم المشار اليها في كلماتهم و مولودهم مركب من هذه العناصر فمطلوبهم عناصرهم لاعناصر خارج عالمهم و هي حقيقة عناصر لغلبة كل طبع في كل واحد فنارهم لا نار العامة و هواؤهم لا هواء‌ العامة و ماؤهم لا ماء العامة و ترابهم لا تراب العامة و انما احتاجوا الي التفصيل لانه كان مقصودهم تكميل الاجساد الناقصة و تبليغها الي رتبتي الشمس و القمر و المكمل لابد و ان‌يكون من جنس المتكمل ليمكن المكمل الالقاء اليه و اسماعه و اشعاره و يمكن المتكمل الاستماع منه و التفهم عنه و ذلك سر من حازه و آمن به لم‌يشق ابدا و ذلك بحر ضل فيه السوابح فلذلك قلنا انه لابد لمكمل الاجساد ان‌يكون فيه صفات خمسة الاولي ان‌يكون ذائباً كذوب الاجساد الثانية ان‌يكون ممازجاً مع الاجساد حتي يتحد معها الثالثة ان‌يكون له فضل نور ينير ما القي عليه علي نحو نوره و علي حسب قوته و الرابعة ان‌يكون صابراً ثابتاً لامجاوراً حيناً و مفارقاً بعد حين و الخامسة ان‌يكون متمماً بفضل تمامه و مكملاً بفضل كماله للجسد الناقص الي حد النيرين فالتمام للنير الاصغر و الكمال للنير الاكبر فافهم و هذه الصفات الخمس كليات صفات المكمل.

و اما جزئياتها فكثيرة منها ان‌يكون غايصاً فلولا الغوص لطفاً علي سطح الجسد الاعلي من غير مداخلة و هذا داخل تحت الممازجة اذ لولا الغوص لم‌يمازج و ما يمازج الشيء غايص فيه لامحالة و منها ان‌يكون منبسطاً اذ لولا الانبساط اكمل البعض دون البعض و هذا ايضاً داخل في الممازجة التامة فلما كان مقصودهم تتميم الاجساد الناقصة و تكميلها و لايمكن ذلك الا بادخال مجانس كامل لطيفته اكثر من نفسه و يكون له الصفات الخمسة من الذوب و الممازجة و الصبغ و الصبر و التتميم و التكميل و لم‌يوجد هذه الصفات في شيء عبيط من المولدات علي ما بلغهم عمدوا الي احدي المولدات الناقصة و تفطنوا ان نقصان الناقص من جهة الكثافة الحاجبة عن ظهور كمال المبدء الظاهر فيه فان المبدء كامل بلانهاية و اثره ايضاً كامل بلانهاية فكل ما يجيء من النقصان فانما هو من قبل انيات القوابل و ماهياتها و تفكروا انا اذا عمدنا الي مولدة من المولدات

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 635 *»

الناقصة و طهرناها من الكثائف و رققنا انيتها و صفيناها ظهر حقيقة كمال المبدء الكامن فيه المحجوب تحت هذه الاستار ثم تفكروا في حيلة التطهير فرأوا انه لايمكن التطهير التام الا بعد تفكيك الاجزاء و حل العقد و تطهير كل جزء بما يناسبه و معالجة كل واحد بطب يوافقه و دواء يضاده و يبريه لان حفظ الصحة بالمثل و دفع المرض بالضد فلاجل ذلك عمدوا الي تفكيك اجزاء المولودة الناقصة و استخراج عناصرها البسيطة فلما فصلوها سموا كل واحد باسمه من النار و الهواء و الماء و التراب و لعلك مما ذكرنا عرفت ان مولود الهرامسة يتولد من كل مكون من صنوف المعادن و فرق النبات و انواع الحيوان فان الغرض تطهير العناصر لتركيب الخالد المناسب للمطلوب و كل جزئي من تلك الكليات الثلث مركب من العناصر و اقعده عن الكمال ما لحقه من الكثايف و الغرايب و الاعراض فاذا ازيلت ظهر عليه ما كمن فيه و لذلك قلنا ان الصنعة و التكميل اظهار ما في البطون لا ايجاد شيء في شيء‌ و انت تعرف بحول الله و قوته ان كل شيء‌ اثر المؤثر الكامل و كل اثر كمال المؤثر فالمطلوب كامن في كل موجود و جميع المهن و النواميس لاظهار الكمال الكامن في الشيء فمولود الهرامسة يتولد من كل شيء و لانمنع ان‌يكون لطيفة شيء اكثر من شيء و محصول شيء اوفر من شيء‌ و ان‌يكون بعض الاشياء لايفي بكفاء المهنة فيه و بعضها يفي و بعضها يزيد فلذلك خصت الحكماء العمل بشيء دون شيء و اخفوه عن غير بني الحكمة و قد برهنا في مباحثاتنا علي ان اقرب الاشياء الي التكميل و اقلها مهنة و اكثرها محصولاً الشجرة النابتة في شاطي بحر المغرب علي جبل شامخ تجري من تحتها الانهار الاربعة النهر المالح الاجاج و النهر المر الزعاق و النهر النتن المعاف و النهر العذب الفرات فاذا جني ذلك الشجر في الربيعين و عصر ماؤه و استخرج هوائه و استطلع ناره و نخل ترابه ثم ركب علي السواء بلغ اشده و استوي و يؤتي الحكم و التصريف فيما يشاء كيف يشاء و لاتأخذ غير تلك الشجرة و لاتطلب سواها اذ ليس شيء يوازيها و لا مولد يدانيها كيف لا و قد مدحها الله سبحانه في كتابه و قال و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن و صبغ للاكلين و لسنا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 636 *»

بسدد(بصدد ظ) بيان مادة الحجر و هيولاه فلنرجع الي ما سألت عنه فاذا استخرجت عناصر تلك المادة خلص لك التفصيل ثم تطهر كل عنصر بما يليق به من الحيل و المهن الي غاية ما يمكنك اذ لاغاية لهذا التطهير و لا نهاية فكل ما انفقت في تدبيرها و تطهيرها و هو سبيل الله ضوعف لك الاجر و الثواب مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة و الله يضاعف لمن يشاء و اعلم انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب و لم‌اجد في هذا الباب شيئاً انجح من الصبر و ترك العجلة و الضجر و لذلك قال الله سبحانه و بشّر الصابرين ثم من عليهم بازيد من ذلك و قال انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب ثم رقاهم عن هذا المقام فقال ان الله مع الصابرين فافهم. فاذا طهرت الاركان لم‌يبق لك الا الميزان فاقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان.

بالجملة اركان المركب هي هذه العناصر التي يكون القول الفصيح فيها النار و الهواء و الماء و التراب ثم رمز الحكماء عن هذه الاركان برموز عجيبة لاتحصي و لاتستقصي و لايطلع عليها كل عالم بل بعضهم لايكاد يفهم رمز اخيه ان لم‌يكن قراين و لا كمال في فك الرموز اذا عرفت اصل المطلب و عرفت كيفية العمل نعم في بعض رموزهم منافع جليلة يستنتج منها علم الباطن و التأويل و باطنهما و ظاهرهما بل لايكاد يوصل الي شيء‌ منها الا بمعرفة نوع رموز هذا العالم و معرفة فكها و معرفة نحو رمزهم علي اجزاء عملهم و ليس ذكر ذلك من محل سؤالك و نشير الي بعض ما رمزوا علي هذه الاركان الاربعة لاطلاعك فسموا النار بالصبغ و الحجر الذي يشج الرأس و الزهر و العصفر و الزعفران و النفس و الكبريت و الزرنيخ و النحاس الاحمر و زعفران الحديد و الزنجار و السليقون و الزنجفر المثبت و الروسختج المستنزل و التوتيا المدبرة و صفرة البيض و حمرة الاسرنج و الزاج و صبغ الذهب و البسد و المرجان و العروق الصفر و اشباه ذلك و اما الهواء فسموه بالمؤلف و زيت الزيتون المقطر و دهن الاكارع و اللبن الرايب و دهن الخرشقلا و لبن التيوع و دهن شجرة الحب و دهن الصاج و الصمغ الابيض

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 637 *»

و دهن الشعر و دهن صفرة البيض و دهن النوشادر و دهن الكبريت المصطكاوي و دهن الزرنيخ و شحم كلي الماعز و اشباه ذلك من الادهان و اما الماء فسموه بالماء القراح و ماء‌ الملح و ماء‌ النطرون و ماء الشب و ماء العين و ماء البحر و الماء الالهي و ماء السيف و ماء القلي و الماء الحاد و الخل المقطر و ماء الرأس و زيبق البيض و طبيب البحر و ماء النوشادر و ماء البورق و ماء الجير و ماء الشعر و الماء الخالد و زيبق الغرب و امثال ذلك و اما الارض فسموها بالجسد الثابت و الجسد الحي و الجسد الني و المرتك و كلس العظام و الفضة المكلسة و الذهب المكلس و الحديد المكلس المستنزل و الاسفيداج و النحاس الذي لاظل له و الارض البيضاء و ناب الفيل و الجسد الثقيل و الانسان و الطلق المصفح والكبريت النقي و الزيبق المعقود و الاسد الرايض و الشمس و القمر و الاب و الابن و المولود و الشيخ و الطفل و الغلام و الكبريت الاحمر و الزرنيخ المورق و الذهب المذاب و الارض العطشانة و القيد و الصخرة و الصلاية و امثال ذلك فاذا كثرت عليك الاسماء فامسك تلك الاربعة و اترك ما سواها و اعلم انه ليس الا ماء و دهن و صبغ و جسد و هو الماء الحلال و الدهن الذي لايحترق و الصبغ الفعال و جسد ثابت فمهما استخرجت من حجر هذه الاربعة بهذه الاوصاف فقد بلغت مبلغ الحكماء و اوتيت الحكمة و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراًً.

و اعلم ان هذه الاربعة منها اثنان ذكران و هما النار و الهواء لانهما حاران لطيفان يقتضيان الصعود بطبعهما فهما صاعدان و منها انثيان و هما الماء و التراب لانهما باردان ثقيلان كثيفان يقتضيان الهبوط بطبعهما الا ان الهواء يقتضي الصعود بالنسبة الي الماء و التراب و هو يقتضي النزول بالنسبة الي النار لانه اثقل من النار و الماء يقتضي النزول بالنسبة الي النار و الهواء و هو يقتضي الصعود بالنسبة الي التراب فلكل واحد محتد و مستقر غير مستقر الآخر و كل يميل بطبعه الي حيزه فاذا هي بطبعها و عباطتها غير مؤتلفة لميل كل واحد الي جهة غير جهة الآخر فاحتاج القوم الي تدبير فلسفي يكثف به النار و يلطف به التراب و يثقل به الهواء و يخفف به الماء حتي تجتمع كلها في حيز واحد و يمكن تأليفها و بقاء كل واحد

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 638 *»

مع الآخر و امتزاج بعضها و ليست الحكمة الا هذا فافهم.

قال سلمه الله تعالي نقلاً: فالنار شأنها الصعود و الماء شأنه الهبوط فاذا امتزجا منع الماء النار من الصعود و منعت النار الماء من الهبوط و الهواء من شأنه الصعود و الارض من شأنها الهبوط فاذا التقيا امسك بعضها بعضا.

اقول اعلم ان هذه العناصر و ان كان احدها ظاهراً بالحرارة و اليبوسة و سمي بالنار الا ان البرودة و الرطوبة فيه كامنتان و كذا الهواء و ان كان ظاهراً بالحرارة و الرطوبة الا ان البرودة و اليبوسة فيه كامنتان و الماء و ان كان ظاهراً بالبرودة و الرطوبة الا ان الحرارة و اليبوسة فيه كامنتان و التراب و ان كان ظاهراً بالبرودة و اليبوسة الا ان الحرارة و الرطوبة فيه كامنتان و بذلك يمكن استحالة كل واحد منها الي كل واحد فيستحيل التراب ماء اذا صار متهبئاً و خالط رطوبة الهواء و انحل فيها و ظهر باطنه بتقويتها و يستحيل الماء هواء اذا استولي عليه حرارة ملطفة او نسيم مجفف بسبب الحرارة الضعيفة التي فيه و يستحيل الهواء ناراً بسبب حرارة مجففة لرطوبة الهواء فاذا عرفنا امكان استحالة كل عنصر الي الآخر امكن تدبير كل واحد حتي يشاكل الآخر مثلاً اذا نظرنا الي النار و رأينا انها صاعدة و عرفنا ان سبب الصعود هو الحرارة و اليبوسة علي ما قدمنا و عرفنا امكان احالته الي الماء البارد الرطب المقتضي للنزول و الهبوط فدبرنا النار حتي ابرزنا البرودة و الرطوبة الكامنتين فيها حتي ساوتا الحرارة و اليبوسة الظاهرتين عليها فحينئذ اعتدلتا في مقتضي الصعود و الهبوط فمنع البرودة و الرطوبة عن الصعود و منع الحرارة و اليبوسة عن الهبوط فوقفت في الوسط و تدبيرنا لها انما كان بضدها و هو البرودة و الرطوبة المائية فان كل شيء بشكله يتقوي و بضده يضعف و تضعيف الحرارة و اليبوسة بالبرودة و الرطوبة و هما طبع الماء فمزجناها بالماء حتي كسر سورتها و عدلها و لاتعتدل الا بذلك و كذلك اذا نظرنا الي الهواء فرأيناه صاعداً فعرفنا ان سبب صعوده الحرارة و الرطوبة و عرفنا ان منعه عن الصعود يكون بضده بالبرودة و اليبوسة المقتضيتين للهبوط و هما طبع التراب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 639 *»

فادخلنا عليه التراب حتي غلظه و كسر سورته و برد حرارته و جفف رطوبته فقام علي السواء و وقف في الوسط لايصعد و لاينزل فناسب باستوائه و اعتداله النار و الماء المدبرتين و امكن تركيبهما حينئذ للمشاكلة الحاصلة بينهما فاذا صارت العناصر معتدلة مستوية واقفة في الوسط مشاكلة تداخلت و تركبت البتة و هذا سر التركيب في كل مركب لان مع بقاء كل عنصر علي طبعه لايكاد يقع الالفة بينهما ابدا لميل كل واحد الي حيز غير حيز الآخر نعم يمكن التركيب بقسم آخر و هو ان‌يدبر جميع العناصر حتي تصير في حيز احدها فيركب بينها في ذلك الحيز و لكنه خارج عن نهج الاعتدال البتة لعدم مقتضي الطبايع و الرتب و الجهات فيها اذا اجتمعت كلها في حيز عنصر واحد و انما الاعتدال فيما اذا قامت كلها علي السواء و في الوسط فاذا عرفت ذلك فاعلم ان المركب اما ان‌يدبر اركانه غاية التدبير و يصفي كل عن الغرايب المانعة عن الامتزاج التام فذلك يدوم بقاؤه و يطول ثباته حتي لايكاد يفسد الا عند نفخة الصور و اما ان لايدبر علي غاية التدبير كلها او بعضها و يبقي في كلها او بعضها غرايب متخللة فيفسد بذلك تركيبه بعد حين و يختلف اعمار المركبات بحسب تلك التصفية و ذلك التدبير و التطهير فمنها ما يفسد عن قريب و منها ما يطول عمره و لما كان اخذ المراد عن هذا البيان عليك صعباً نشرحه قليلاً حتي يصير اوضح.

اعلم ان المركب اذا لم‌يكن مصفاة الاركان مطهرة العناصر مدبرة الاسطقسات ممازجة معانقة اجزاؤه علي نهج الكمال اذا اصابه وهج النار التي هي مفتاح المفاتيح و ميزان الموازين و الغريبة الاليفة الغير المنافية لشيء من الاعمال الوحدانية فرت الماء لشدة المنافرة التي بينه و بين النار و صعد علي وجه التبخير و الاستحالة الي الهوائية و فرت الهوائية التي فيه للمنافرة التي بينها و بين النار من جهة الرطوبة و صعدت علي وجه التدخين و الاستحالة الي الدخانية و انما بقيت بعد الماء قليلاً من جهة الحرارة المشاكلة للنار الكامنة فيها فتعلق النار بها من جهة المرابطة و اشتعلت فيه و كلست الرطوبة اللزجة الدهنية الكامنة فيها الي الدخانية

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 640 *»

فصعدت بغلبة النارية ثم بعد ذلك تصعد النارية اذا كان النار الخارجية قوية بحيث لم‌تطقها نار المركب فتصعد نار المركب ايضاً و يبقي الارض هامدة كما تري في احتراق الخشب و صيرورته رماداً بعد صعود النارية او فحمة سوداء اذا بقي فيه بعض الرطوبات الملئمة بين اجزائه فاذا كان اجزاء المركب غير مطهرة كان كذلك لعدم حصول التمازج الوحداني التام و التركيب الفرداني الكامل و اما ان كان مركب علي ما ذكرنا و استولت عليه النار الخارجية لم‌يتحرك من مقامه ابدا كالذهب فان ناريته مائية و ترابيته هوائية و مائيته نارية و هوائيته ترابية فيمنع الصاعد الهابط عن الهبوط و الهابط الصاعد عن الصعود فيقف المركب في مستقره و محتده من غير ميل الي جهة فذلك المركب الذي لايفسده نار و لا هواء و لا ماء و لا تراب لشدة الايتلاف الذي بين اجزائه و منع كل واحد عن مقتضي كل واحد و منع الكل المفسد بشدة الامتزاج و بذلك الذي ذكرنا علم انه لاتأثير في الارواح النافرة و النفوس الغير الثابتة و الاصباغ القاصرة و الارمدة الميتة و بهذا المجموع اشار علي عليه السلام فيما روي ان جماعة سألوا اميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا يا اميرالمؤمنين ما تقول فيما يخوض فيه الناس من علم الحكمة التي تسمي الكيميا أكان ذلك غابراً او هو كائن ام انتظمته الحكماء ام جري عليه معاني الدهر فاطرق رأسه ملياً ثم صوب رأسه فقال انما سألتموني عن اخت النبوة و عصمة المروة و الله لقد كان و هو لكائن الي يومنا هذا و ما في الارض من شجرة و لا مدرة و لا شيء الا و فيه منه اصل و فصل قيل الناس يعرفونها قال الناس يعرفون ظاهراً و نحن نعرف ظاهرها و باطنها قيل فعلمنا يا اميرالمؤمنين قال والله اني لااعلم به احداً من العالمين قيل و لم‌ يا اميرالمؤمنين قال و الله لولا ان النفس امارة بالسوء لفعلت ذلك قيل فاذكره لنا يا اميرالمؤمنين بشيء ‌نأخذ معناه قال هو نار حائلة و ارض سائلة و هواء راكد و ماء جامد فقالوا لم‌نفهم ما قلت يا اميرالمؤمنين قال ان في الاسرب و الزاج و الملح الاجاج و الزيبق الرجراج و الحديد المزعفر و زنجار النحاس الاخضر لكنزاً لايدرك له اخر تلقح بعضها ببعض فتشرق ناره

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 641 *»

عن نور شمس كائن و صبغ غير مباين فقيل اشرحه لنا يا اميرالمؤمنين قال اجعلوا البعض ارضاً و البعض ماءً و البعض ناراً و البعض هواء و اصلحوا بين الطبايع تفصح عن دهن سائل و اكسير جابل فقالوا قد فهمنا يا اميرالمؤمنين نريد منك التمام فقال لم‌يوجد للماضين من قبلي ممن الهم الحكمة ان‌يخبروا به اكثر من هذا لتعلموه الصبيان في المكاتب و النساء في المراتب و لكن لايحل لهم ان‌يتكلموا بها الا هكذا لانه علم لاهوتي نبوي علوي حقيقي خصوصية من الله تعالي لمن يشاء من عباده انتهي. و روي ابوالمعالي احمد العجمي في كتابه قمرالاقمار عن علي7 انه قال لما سئل عن الصنعة ان في الزيبق و الزاج و الذهب الوهاج و الملح الاجاج و الكبريت الاصفر و زنجار النحاس الاخضر و الحديد المزعفر لصبغاً يصفر عن ذهب خالص و صبغ جابل و روي صاحب نفايس الفنون عن اميرالمؤمنين7 ان في الزجاج و الزاج و الزيبق الرجراج و قشر بيض الدجاج و الزنجار الاخضر و الحديد المزعفر لكنوزاً لايؤتي علي آخرها فقيل له زدنا يا اميرالمؤمنين فقال هو هواء راكد و ماء جامد و ارض سائلة و نار خامدة انتهي.

بالجملة الشاهد في قوله7 نار حائلة و ارض سائلة و هواء‌ راكد و ماء جامد فانه لابد للنار ان‌تحول و تتغير عن شدة لطافتها و ان‌يسيل الارض و تتغير عن شدة جمودها و غلظها و ان‌يركد الهواء فلايجري و لايهب و ان‌يجمد الماء فلايكون مايعاً جارياً فاذا بلغ امر الاركان الي ما قلنا حصل المشاكلة التامة بين اجزاء المركب و التئمت و تمازجت و تعانقت و بقيت و صبرت و نفذت و صبغت و اتمت و اكملت فكان منه ما هو المطلوب و مما ذكرنا عرف وجه التدبير ايضاً فانك اذا عرفت ان التدبير بالضد عرفت ان اصلاح الاصباغ بالارواح و اصلاح النفوس بالاملاح و من رام غير ذلك فقد اخطأ الطريق فافهم.

و اعلم انهم احتاجوا في مركبهم الي هذه الاركان حتي يصير كامل الكيان و الكيفيات و لايكون كاملاً حتي يكون معدنياً فاضل اللطيفة اما لزوم كونه معدنياً

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 642 *»

فلاجل ان‌يذوب ذوب المعادن و يمازجها و يصبر علي النار و اما كونه فاضل اللطيفة فلاجل ان‌يكون نافذاً صابغاً متمماً مكملاً للجسد الملقي عليه اما كونه ذائباً ممازجاً صابراً فلايمكن حتي يكون فيه نار هابطة و ارض صاعدة و هواء راكد و ماء جامد فاذا صارت الاركان علي ما وصفنا صار المركب متماسكاً يمسك بعضه بعضاً ان صعد صعد جميعاً و ان هبط هبط جميعاً و ان انحل انحل جميعاً و ان انعقد انعقد جميعاً و ان استولت عليه حرارة و يبوسة فعلت في كله ما تفعل في بعضه و ان استولي عليه رطوبة و برودة فعلت في كله ما تفعل في بعضه فان ذاب ذاب جميعاً و ان انعقد انعقد جميعاً كالذهب او الفضة المعدنية و اما كونه فاضل اللطيفة فلايمكن الا بالتساقي التسع و كلما ازداد تسقية و تشميعاً و حلاً و عقداً ازداد روحانية و كلما ازداد روحانية ازداد فعالية و نفوذاً و صبغاً و تتميماً و تكميلاً و يشير الي هذه المراتب قول علي7 اذا اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد فتعديل المزاج هو اهباط النار و اصعاد الارض و اركاد الهواء‌ و اجماد الماء و صحة المنهاج هو دخول الامر من وجهه اذ لا كل اهباط و اصعاد و اركاد و اجماد منجح و لابد لكل واحد من تدبير خاص به لايصلحه غيره فلا كل شيء‌ من كل شيء‌ يحصل و لا الي كل مقصد كل طريق يوصل و لا كل مشاكل لشيء علي طبع ذلك الشيء و لا كل روح في كل جسد تأوي و لا كل نفس كل صبغ تناسب فلابد في العمل من تصحيح المنهاج و اما مفارقة الاضداد فهو ازالة الغرايب المانعة من الممازجة التامة و التركيب الخالد فاذا اعتدل المزاج بصحة المنهاج و فارقت الاضداد فقد صار فلكياً فعالاً كالسبع الشداد و شارك الافلاك الفعالة المؤثرة في السفليات المركب فاذا شاركه الافلاك في الجسدانية تعلق به ما تعلق بها من الارواح و النفوس و صار فعالاً حياً محيياً للاموات و تنفذ فيه تلك الارواح بسبب التساقي و هو تزكيته بالعلم و العمل فمهما زكيته بالعلم و العمل في التساقي شابه اوائل جواهر علله و صار علة لاحياء الموات و فعالاً في المفعولات فافهم و هذا المقدار من البيان كاف لمثلك ان شاء‌ الله و لايسعني الآن ازيد من ذلك لتوارد المسائل من الاطراف و مثلك يكفيه الاشارة و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 643 *»

اما الجاهل فلايقنع بالف عبارة.

قال سلمه الله تعالي و رأيت في بعض النسخ بيتين من الشعر ما هذا لفظهما حيث قال قائلهما:

وزن الطبايع في التركيب معتبر

فحقق الوزن في تركيبها تصب

اجعل من الماء ضعف النار مجتهدا

و امزجهما فهما من اعجب العجب

اقول هذه الاشعار لاتفيد تمام الاجزاء في التركيب فانه ليس فيها الا تعيين وزن الماء و النار و لكن نذكر هنا كلية احكام الاوزان ليتضح الاوزان المذكورة في باقي السؤال.

اعلم ان القوم بعد تطهير الاركان التركيب الخالد الاعتدالي الفعال و هيهنا قد اختلف القوم فمنهم من لم‌يلاحظ الوزن هيهنا اي الوزن الصنجي نظراً الي ان الاركان قد طهرت و زالت غرايبها و كملت فبلغ الماء حد الصبر و بلغ الهواء حد عدم الاحتراق و بلغ الصبغ حد الثبات و الفعالية و اطمئنت الارض و استقرت فاذا تلاقت هذه الاركان علي اي نحو اتفق تمازجت و تماسكت و اعتدلت فان الطبيعة لاتغلط و ليس الامر كذلك علي معني انه ربما يحصل منه اكسير فعال الا انه ليس علي نهج الكمال اما حصول الاكسير فلان كل ركن من الاركان قد بلغ حد الممازجة و الصبر علي النار و اما انه ليس علي نهج الكمال فلان كل ركن له مزاج خاص به و ان كان فعالاً صابراً ممازجاً فان لم‌تأتلف الاركان علي الاعتدال الوزني يغلب علي المركب بعض الطبايع و لاشك ان البارد الفعال يقصر فعله في التسخين عن الحار الفعال و ان كان قد عولج البارد بضده حتي بلغ مبلغ الصبر و الممازجة و كذلك العكس و كذا اليابس الفعال يقصر فعله في الترطيب عن الرطب و ان كان قد عولج اليابس بضده حتي بلغ مبلغ النفوذ و الممازجة و الغوص فان لم‌يكن الاركان علي الاعتدال الوزني الصنجي يكون المركب قاصر الفعل البتة و لعله حينئذ يحتاج الي الحملان بسر الميزان حتي يقوم علي الامتحان فالوزن في الاركان اولي البتة كما قال الله سبحانه و انبتنا فيها اي في ارض الصناعة من كل شيء‌ ای کل رکن موزون و قال و اقيموا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 644 *»

الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان فافهم و لما كان البيتان المذكوران ناقصين عن بيان جميع الاركان لم‌نتعرض بذكر بيان سر الاوزان المذكورة فيهما لانه ليس يتحقق الا بمعرفة ميزان الركنين الآخرين نعم المراد بالنار هو الصبغ الفعال و المراد بالماء هو الزيبق الغربي و يمكن ان‌يكون الاشعار في شرح اول مراتب التمليحات بعد تحصيل العسل الماذي و احمرار الماء الخالد لان سواد الارض كان حمرة متراكمة فاذا طبخت في الماء انتشر سوادها في الماء و صبغه احمر ففي هذا المقام يؤخذ من الماء الخالد الذي هو الانثي ضعف النار التي هي الذكر فيدخل ضعفه من زوجته التي هي اخته و يعفن في زبل الخيل الرطب اربعين يوماً فعلي هذا يكون الاشعار في معني التزويج الذي هو في تركيب الاول او نقول انه في التركيب الثاني و الجزءان هما من الزيبق الغربي و الجزء من القاضي و اكليل الغلبة و ذلك في تركيب البياض فالزيبق الغربي هو الماء و الاكليل هو النار فافهم.

قال سلمه الله نقلاً: قال اما معرفة الاكاسير فلها طرق عديدة و رموز لاتكاد تحصي فمنها اكسير للفلزات كلها منطرقها و غير منطرقها من اربعين جزءاً عشرة من الارض و خمسة من النار و عشرة من الهواء و خمسةعشر من الماء.

اقول نعم للاكاسير طرق عديدة فان الاكسير لتتميم نقصان الجسد الناقص و رفع مرضه المقعد له عن درجة الكمال الشمسية و امراض الاجساد نوعان اكسير معتدل قوي الروحانية الفعالية الفعال بالروحانية الغالبة و اكسير منحرف ذوطبع خاص فهذا القسم من الاكاسير له انحاء مختلفة لانه يركب علي حسب اختلاف امراض الاجساد و هي مختلفة فمنها ما هو منحرف عن الكمال بغلبة الحرارة و منها ما هو منحرف بغلبة البرودة و منها ما هو منحرف بغلبة اليبوسة و منها ما هو منحرف بغلبة الرطوبة و منها ما هو قليل الانحراف و منها ما هو كثير الانحراف و الرافع للمرض لابد و ان‌يكون مزاجه علي ضد المرض حتي يمازج الجسد و يخالطه و يتركب مزاجه مع مزاجه و يوصله الي حد الاعتدال و الكمال فالذي انحرف عن الاعتدال بدرجتين من الحرارة الزايدة يحتاج الي ادخال دواء ممازج

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 645 *»

بارد بدرجتين حتي يغوص فيه و يمتزج معه و تكسر برودته سورة الحرارة الزايدة في الجسد حتي يقف موقف الاعتدال فيسأل بلسان قابليته الصورة الذهبية فيفاض عليه من الواهب المنان الصورة الذهبية و يصير بذلك ذهباً فلو القي علي الجسد المنحرف بزيادة الحرارة الدواء الحار زاده حرارته حرارة و تفتتاً و احتراقاً و ذلك خطاء في المعالجة فلاتصغ الي الذين يزعمون انه يمكن ان‌يلقي اكسير الحمرة الطبيعي علي النحاسين حتي يكون ذهباً بل اذا القي عليهما اكسير الحمرة زادهما احتراقاً و انحرافاً عن الكمال و كذلك اذا القي الاكسير الرطب علي الجسد المنحرف بالرطوبة او اكسير اليابس علي الجسد المنحرف باليبوسة او اكسير البارد علي الجسد المنحرف بالبرودة فان ذلك يزيد الجسد مرضاً و انحرافاً فلذلك جعل الحكماء لكل جسد اكسيراً خاصاً به للبياض او الحمرة.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الفضة عندهم جسد تام و الذهب جسد كامل و ساير الاجساد اما في حد الافراط عن الاعتدال و التمام و الكمال او في حد التفريط اما الاجساد الناقصة المفرطة فكالرصاصين اما المفرطة فكالنحاسين فان الرصاصين ناقصان قد قصر عن تربيتهما طباخ المعدن فجمدا بسبب البرودة العارضة و اما النحاسان فمفرطان قد افرط عليهما طباخ المعدن و حرارته حتي احرقهما و النحاس الاحمر اشد احتراقاً من الاسود فالرصاصان يحتاجان الي حرارة حتي يتدارك ما قصر عنهما طباخ المعدن و يؤيد النار العنصري و يقوي فعلها في طبخهما في السبك فيبلغا مبلغ التمام او الكمال و اما النحاسان فقد افرط عليهما حر طباخ المعدن فجاوز بهما عن الكمال فلابد من ردهما الي مرتبة التمام و الكمال و ذلك يكون بادخال مكافئ من البرودة و الرطوبة حتي يبلغا مرتبة التمام و الكمال قهقري فلابد للحكيم من معرفة ميزان الافراط و التفريط فيهما و تركيب دواء يناسب دفع مرض الجسد المطلوب هذا اذا كان المعالجة بسبب ادخال الطبايع من حيث الطبع و اما المعالجة بتغليب الروحانية فذلك هو الاكسير الاعظم الاعظم فانه يمكن تركيب اكسير قوي الروحانية شديد الاعتدال كامل التركيب بحيث اذا القي علي اي جسد كان قوي ما في الجسد من الاعتدال الكامن

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 646 *»

و الروحانية الباطنة و دفع عن نفسه جميع الامراض فهذا الاكسير ليس له مزاج الا الاعتدال الحقيقي و اما الاكاسير الجزئية فلها مزاج فهي اما حارة او باردة او رطبة او يابسة فهذا القسم من الاكسير الذي ذكره الاستاد اعلي الله مقامه هو الاكسير الروحاني الاعظم و اشار بكونه من اربعين جزء الي كماله فان هذا النوع من بيان الاجزاء ليس بقاعدة مطردة في بيان اجزاء المركب فان القاعدة المتعارفة الاكتفاء باقل جزء فلو كان جارياً علي القاعدة كان ينبغي ان‌يقول من اربعة اجزاء جزء من الارض و نصف جزء من النار و جزء من الهواء و جزء و نصف من الماء فترقيته كل جزء الي العشرة لبيان ان كل جزء من الاجزاء مدبر تدبيراً كاملاً حتي ظهر فيه حكم الافلاك التسعة الفعالة الروحانية و حكم الارض و الارض الواحدة مستهلكة في الافلاك التسعة و الاثر و الفعل فيه للروحانية و انما يبلغ كل جزء هذا المبلغ في الباب الاعظم حيث يفصل المادة فيه حق التفصيل ثم يزوج الذكر و الانثي فيه حتي التزويج ثم يفصل الاركان و يطهر كما ينبغي و يركب بعدهما علي نهج الكمال فيصير المركب كاملاً معتدلاً قوي التركيب عديم الغريب قوي الروحانية ضعيف الجسدانية فيصير فعالاً بالروحانية فاذا طرح علي اي جسد غلب سر اعتداله بسبب روحانيته فيدفع عن نفسه كل مرض و ذلك امر مشاهد محسوس ان البنية اذا قويت دفعت عن نفسها كل مرض و عرض و اذا ضعفت عجزت عن دفع كل وارد و قهرت تحت سطوة العرض الطاري و اغلب معالجات الائمة: الطبية او الشرعية هو تقوية البنية و زيادة الحرارة الغريزية حتي تدفع بنفسها عن نفسها المرض و هذا القسم من العلاج اقوي من غيره بالف الف مرة و اكمل و اتم و اولي و قد اخطأ من قدم المعالجة بالطبيعة علي تقوية الروحانية و رب مرض يعالج بالروحانية في طرفة عين و لايعالج بالطبيعة في شهور و سنين و احتفظ بذلك بل نهوا: عن الاقدام الي المعالجة بالطبيعة ما امكن فقالوا ما معناه دار مرضك ما يداريك و من هذا الباب معالجتهم الحمي بالسكر مع انه مناف للحمي بسبب الحرارة و قد جربناها فوجدناها انجح طب و ذلك لتقوية الحلاوة الحرارة الغريزية و نهوا عن المرار قال الصادق7 لرجل باي شيء‌ تعالجون

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 647 *»

محمومكم؟ قال بهذه الادوية المرار البسفايج و الغافت و ما اشبهه قال سبحان الله الذي يقدر ان‌يبري بالمر يقدر ان‌يبري بالحلو ثم امر بالمداواة بالسكر و قال ما جعل الله في شيء من المر شفاء.

بالجملة المداواة بتقوية الروح الفلكي اقوي المعالجات و انجحها و احسنها و اسرعها ابراء و لان ما من دواء الا و يهيج داء سوي تقوية الروح فانه يبري من جميع الامراض و لايهيج الا الصحة و الشفاء و القوة و الاكاسير الجزئية ذوات الطبايع بمنزلة الادوية و اما الاكسير الاعظم بمنزلة المفرح الاعظم فافهم فلذلك قال اعلي الله مقامه «منها اكسير للفلزات كلها منطرقها» كالنحاسين و الرصاصين و القطبين «و غير منطرقها» كالزيبق فان تركيبه تركيب روحاني و ذلك بسبب تمام السقي من الماء ذي الوجهين الذي هو فلكية المركب فمنه تسعة اجزاء و من ارض الاركان و الطبايع جزء فتلك عشرة كاملة فاذا لاحظت كل واحد من الاركان مع التساقي التسع يحصل لك اربعون جزءاً و تلك هي الاربعون صباحاً التي خمر طينة ادم الفلاسفة فيها و هذا المركب معتدلة الاركان قوية الارواح فثباته و صبره و ذوبه و امتزاجه باعتداله و صبغه و فعاليته بقوة روحانية و بروحانيته يقلب قليله الكثير و يبلغ الوضيع الي الشريف و مهما زيد في روحانيته و لطافته يصير اقوي و اكثر تقليباً و تضعيفاً و اما سر اعتداله فلان فيه من الارض جزء و هي باردة يابسة و من النار نصف جزء و هي حارة يابسة و من الهواء جزء و هو حار رطب و من الماء جزء و نصف و هو بارد رطب فالاجزاء الحارة في هذا التركيب ثلثة و الاجزاء اليابسة ثلثة و الباردة ثلثة و نصف و الرطبة ثلثة و نصف فتمام المركب في نفسه بارد ثمن درجة و رطب ثمن درجة فاذا القي علي احد الاجساد في نار السبك كافأت الحرارة و اليبوسة النارية العنصرية ذلك النصف درجة و قوت حرارة المركب و يبوسته حتي اعتدل و فعل فعل المعتدل و لو كان في نفسه معتدلاً اولاً لزاد في حرارته و يبوسته نار السبك فتلك البرودة و الرطوبة لمقاتلة النار و مكافأته فافهم.

و اما قوله اعلي الله مقامه «منطرقها و غير منطرقها» فالمنطرقة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 648 *»

الرصاصان و النحاسان و الفضة و اما غير المنطرق فالمراد به هيهنا الزيبق فان ساير الاجساد الغير المنطرقة لايقبل صورة الانطراق لعدم رطوبة غروية فيها و تفتتها و احتراقها و تجاوزها و موتها موتاً لاتقبل الحيوة بعده و ان كان في بعضها اجساد حية قليلاً يمكن استنزالها ببعض التدابير و لكنها قليلة و ان اخرجت فهي حية منطرقة مطهرة قابلة للكمال و اما مع ممازجتها بالاجزاء الميتة لاتقبل الاكسير و لايمازجها فافهم.

قال سلمه الله تعالی نقلاً: قال باب اكسير الذهب للاسرب و هو الرصاص الاسود من تسعة اجزاء جزئين من الارض و جزئين و نصف من النار و جزئين و نصف من الهواء و جزئين من الماء.

اقول ان الرصاص الاسود من الاجساد التي قد قصر في طبخه حرارة المعدن و جمد بسبب البرد العارض و جمد جموداً يسيراً و بذلك يكون سريع الذوب اذا عارضت الحرارة النارية البرد المجمد له و هو في مزاجه علي ما ذكروا بارد رطب في الدرجة الثانية و فيه قوة قابضة و الرصاص الاسود اثقل الاجساد المنطرقة و هو كوكب زحل ظاهره نحس بارد و باطنه سعد حار و هو اب الاجساد جميعاً و هو ظاهره رصاص و باطنه ذهب الاتري ما يظهر فيه من الصبغ الفرفيرية حين يحرق اسرنجاً و كيف يظهر فيه الصبغ بسبب الزاج و قد اشار الي ذلك اميرالمؤمنين7 فيما مر ان في الاسرب و الزاج الحديث، و هو منسوب الي الكيوان لاجل ذلك فانه باب باطنه فيه الرحمة الذهبية و ظاهره من قبله العذاب السواد الرصاصية فهو اذا طهر ظاهره و غلب باطنه ظهر ابريزاً بلاشك و لذلك اذا صبغ الذهب به اذا حمر بالاسرنج ينقلب الذهب من الياقوتية الي رتبة الشمسية الفعالة بالجملة الاسرب باطنه حار و ظاهره بارد فالدواء المصنوع لازالة مرضه لابد و ان‌يكون حاراً يابساً فلذلك ركب له الشيخ اعلي الله مقامه هذا المركب و فيه من الاجزاء الحارة خمسة و من الاجزاء اليابسة اربعة و نصف و من الاجزاء الباردة اربعة و من الاجزاء الرطبة اربعة و نصف فهذا المركب حار في اوائل الدرجة الاولي معتدل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 649 *»

في الرطوبة و اليبوسة فاذا القي في نار السبك تقوت حرارته و غلب عليه اليبوسة حتي بلغ مبلغ الابريز فان الابريز معتدل في نفسه و فيه قليل حرارة و قليل رطوبة و اعان باطن الرصاص ايضاً علي ذلك و يظهر من ذلك ان الرصاص بارد رطب في اوائل الدرجة الثانية لا اواخرها و ليس ينقلب احد من الاجساد الي الياقوت الا بعد صيرورته درّاً سوي الرصاص فانه ينقلب الي الياقوت اول وهلة و ذلك انه اعدل الاجساد المنحرفة كماً و انما عاقه عن الكمال البرد العارض و من اعتداله تراه اثقل الاجساد المنحرفة حتي من الدرة فاذا اكمل كيفه بالاكسير عاد ياقوتاً فافهم.

قال سلمه الله نقلاً: باب اكسير الفضة للرصاص الابيض القلعي من تسعة اجزاء جزئين من الارض و جزئين من النار و ثلثة اجزاء من الهواء و ثلثة اجزاء من الماء.

اقول ان الرصاص الابيض اخس الاجساد و اردؤها و هو بارد في الثالثة كثير الرطوبة العارضة في خلله مع قوة مجففة غريزية قد جمد ببرد يسير و لذلك يكون سريع الذوب متخلخل الاجزاء له صرير و هو غير متلزز و يجفف كل جسد مازجه و هو من الاجساد المقصرة قد قصر في طبخه حرارة المعدن و لم‌يبلغ شدة تشاكل الاجزاء و غلب عليه البرد الكيفي حتي اجمده قبل الكمال فيحتاج الي تسخين و ترطيب حتي يتم نضجه و يبلغ مبلغ التمام فالفضة بارد يابس في الاول و قيل معتدل و هو بارد في الثالثة يابس في جوهره رطب بالعرض فيحتاج الي حرارة و رطوبة حتي يبلغ مبلغ الفضية فلذلك ركب له هذا الدواء و هو في نفسه رطب في الدرجة الاولي معتدل في الحرارة و البرودة فاذا القي علي الرصاص الابيض في نار السبك تقوت حرارته و جففت نار السبك رطوبته العارضية باعانة الاكسير و ازال رطوبة الاكسير جفافه و بلغه مبلغ الفضة الباردة اليابسة في الاولي فان رطوبة الاكسير يرفع جفافه و حرارته المتقوية بحرارة نار السبك يدفع برودته الزايدة العايقة له عن مرتبة الفضية و هذا الاكسير و ان كان معتدلاً في الحرارة و البرودة الا انه فعال باعتداله و متقوية بنار السبك و اعلم ان الحرارة مع اليبوسة و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 650 *»

في اليبوسة اقوي فعلاً منها في الرطوبة و مع الرطوبة ففعل هذا الاكسير في القلعي قوي لجفافه الا تري انه يرفع جفافه في الملاغم بالعنان المقبوض.

قال ايده الله تعالي نقلاً: باب اكسير الفضة للزيبق من تسعة اجزاء ثلثة من الارض و اربعة من النار و جزئين من الهواء و جزئين من الماء.

اقول ان الزيبق من الفلزات المعدنية لم‌يجمده برد و لم‌ييبسه حر فبقي ذائباً و هو بارد في الدرجة الثانية رطب في الثالثة قوي الروحانية و المنافرة من النار بحكم الضدية فيتبخر و يصعد فهو قبل التثبيت فرار و ابق و بعد التثبيت عبد و هو اذا انعقد و ثبت و قبل الانطراق فضة فاذا عرفت ان مرضه من البرودة و الرطوبة فيحتاج الي دواء حار يابس حتي يدفع مرضه فلذلك ركب له الاستاد اعلي الله مقامه هذا الدواء و فيه من الاجزاء الحارة ستة و من الاجزاء اليابسة سبعة و من الباردة خمسة و من الرطبة اربعة فهو حار في الربع الاول من الدرجة الاولي و يابس في اواخرها فاذا القي علي الزيبق المحمي تقوت حرارة الدواء و يبوسته من النار و عقده فضة بيضاء بالقوة الاكسيرية و لكن القاء الاكسير علي الزيبق من الاسرار فانه لايصبر علي النار حتي يلقي عليه الاكسير فلابد له من الوقاية المانعة من الفرار ان كان الاكسير بطيء الذوب بغلبة الجسدانية و الوقاية هي الرأس و الذنب فالرأس عندهم هو الزجاج المحلول بالماء المعروف بمرمياسوس او الماء المعشر و الذنب هو بورق الحكماء و ان كان الاكسير سريع الذوب لاجل كونه فطيراً او كونه كثير الروحانية فلايحتاج اليها لانه يذوب قبل طيران الزيبق و لكن الذي يظهر من كلمات القوم و الاستاد اعلي الله مقامه ان الزيبق اذا القي عليه الاكسير يكون اكسيراً غير متففت بل منطرقاً و مع ذلك هو اكسير تام خالص يلقي علي ما يراد من الاجساد و كذلك ما يلقي علي الذهب و الفضة و الاكمل في الالقاء ان‌يصعد اولاً لينقي من اوساخه المخلة بالاكسير ثم يوضع في آلة صابرة علي النار ثم ينفخ حتي يبلغ مبلغ ذوبان الاجساد و يدفع طيرانه بالرأس و الذنب ثم يلقي عليه الاكسير فيخرج قمراً منيراً يلقي واحد منه علي الف.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 651 *»

قال سلمه الله نقلاً: باب اكسير الذهب للنحاس من اربعة اجزاء جزئين من الارض و نصف جزء من النار و جزء من الهواء و جزء و نصف من الماء.

اقول ان النحاس من الاجساد التي قد افرط عليها حرارة طباخ المعدن و جاوزت بها حد الكمال فاخرجتها عن الاعتدال بغلبة الحرارة و اليبوسة فهو حار يابس في الثالثة و لابد من تبريده اولاً بالقاء اكسير الفضة عليه حتي يصير فضة نقية ثم يلقي عليه هذا الاكسير المذكور و هذا الاكسير فيه جزء و نصف من الحرارة و جزءان من اليبوسة و ثلثة اجزاء و نصف من البرودة و جزءان و نصف من الرطوبة فهو بارد في النصف من الاولي معتدل في الرطوبة و اليبوسة فاذا القي علي النحاس الملقي عليه اكسير البياض علي نار السبك اعتدل في الحرارة و صبغ الفضة ذهباً و صار معتدلاً فيه شائبة الحرارة كالذهب و في مثل هذا الذهب شائبة اليبوسة قليلاً و اعلم ان الرصاص الاسود و الزيبق من بين الاجساد يمكن قلبهما ذهباً من غير ان‌يصيرا فضة و اما ساير الاجساد فلابد فيها من القاء اكسير البياض اولاً و قلبها فضة ثم القاء اكسير الحمرة الا الاكسير الغير المنحرف القوي الروحانية فانه يقلب كل ما القي عليه ذهباً ابريزاً بروحانيته القوية كما بينا و شرحنا و يمكن ان‌يقلبه هذا الاكسير ذهباً اذا روعي وزنهما لان هذا الاكسير بارد معتدل في الرطوبة و اليبوسة و ذلك لاني لم‌استعمل شيئاً من هذا العلم الا اني اعرف ما ذكرت لك بقوة العلم و ما استفدت من كلمات الحكماء و قد ذكر المحققون ان النحاس لاينقلب ذهباً اول وهلة الا ان‌يصير فضة اول ثم يصير ذهباً و احتملت صيرورته ذهباً بهذا الاكسير لبرودته جرب حتي تجد.

قال ايده الله و سدده نقلاً: باب اكسير الذهب للفضة من عشرة اجزاء جزئين من الارض و اربعة اجزاء من النار و جزئين من الهواء و جزئين من الماء.

اقول هذا الميزان ايضاً رمز فانه كان الاقل ان‌يقال من خمسة اجزاء جزء من الارض و جزئين من النار و جزء من الهواء و جزء من الماء فعدوله الي الازيد رمز و السر فيه ان‌تساقي اكسير الفضة ثلثة و تساقي اكسير الذهب ستة فهو ضعف

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 652 *»

تساقي الفضة فضعف الميزان هنا مرتين ليدل علي ان تساقي اكسير الذهب ضعف تساقي اكسير الفضة فالاركان اذا سقي بالضعف كرر قوتها فيصير الجزء جزئين فافهم و هذا الاكسير حار يابس في الربع من الاولي و قوي الروحانية بسبب الماء الحلال المسقي لان فيه من الاجزاء الحارة ثلثة و كذا اليابسة و من الاجزاء الباردة اثنين و كذا الرطبة و الفضة باردة يابسة في الاولي علي رأي معتدل علي رأي فاذا القي هذا الاكسير صبغها ابريزاً و قد مر من الكلام ما يغني عن التطويل هيهنا.

قال سلمه الله نقلاً: باب اكسير الذهب للذهب النازل من خمسة اجزاء جزء من الارض و جزئين من النار و جزء من الهواء و جزء من الماء.

اقول هذا الكلام ايضاً رمز فان المراد بالذهب النازل النازل عن الشمسية المنيرية الاكسيرية و الا فالذهب النازل يمكن تحميرها بغير الاكسير كالزاجات و التعليقات و لايحتاج الي اكسير اذا خلص و انما المراد ايصال الذهب الي الشمس و ذلك ان الاجساد لها ثلثة مراتب ناقص و تام و كامل فالناقص فالقاصر عن الذهبية بسبب الاعراض و الامراض الكمية و الكيفية و الكثافات الهيولائية و ذلك كالاجساد الستة المنطرقة و غير المنطرقة و اما كونها ناقصة فلقلة روحانيتها و لطافتها و عدم ظهور الاعتدال الذي هو غاية سير المعدن فيها و اما التام فهو الذهب فان لطيفته بقدره لايزيد عليه و لايقدر علي الافاضة علي الغير و صبغ الغير بل اذا مازجه الغير يفعل في الغير ما يفعل الغير فيه فينقص عما كان عليه و اما الكامل فهو البالغ في نفسه المبلغ لغيره الي رتبة الكمال و ذلك يكون علي حسب روحانيته و لطافته فلعله يقيم عشرة و لعله يقيم مائة و لعله يقيم الفاً و لعله يقيم الف الف و هكذا فاذا بلغ مبلغ الكمال فهو الشمس النيرة في نفسها المنيرة لغيرها و اما قبل ذلك فذهب لاشمس فافهم و كذلك فرق بين الفضة و القمر فان القمر هو المنير للغير و ذلك لايكون الا اكسير البياض و الفضة هي التامة في حدها فافهم فاذا عرفت معني الذهب النازل فاعلم انه اذا القي اكسير الذهب علي الذهب المعدني السوقي ينقلب اكسيراً مثلاً اذا القي واحد علي الف من الذهب يلقي الواحد من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 653 *»

هذا الذهب علي الف من الفضة فيقيمه ابريزاً من غير ان‌ينقص من قوة الاكسير شيء و ذلك ان الغاية المعدنية هي الاكسيرية و انما اقعد الذهب عن الاكسيرية الكم او الكيف او غيرها من الاعراض فاذا القي عليه الاكسير زال اعراضه و ظهر اكسيراً فعالاً مثل الاول و ليس ذلك كما ظن بعضهم انه مثل الخل الملقي في الماء فان الماء يحمض قليلاً فاذا القي شيء من هذا الماء علي ماء اخر ضعف حموضته و هكذا الي ان‌تستهلك الحموضة بحيث لاتحس به بل مثل ذلك كالخل الملقي في العصير حتي يحمض العصير و يصير خلاً حاذقاً كالاول فاذا القي من هذا الخل في عصير اخر يحمض العصير الآخر كالخل الاول و هكذا و لو القيت الي آخر الدهر يصير كل عصير خلاً حاذقاً كالاول و انما تعب القوم لتحصيل المعارف في حقايق الاشياء و خواصها لاتحصيل الاكسير و انما يكفي عمل مرة الاكسير واحدة فلو القي اكسير الذهب علي الذهب انقلب اكسيراً بقوة الاكسير الاول و انما يكون الاكسير الاول مثل الخمير في العجين فانه يحمض العجين حتي يصير خميراً مثله فلو القي من هذا الخمير ايضاً في عجين آخر يجعله ايضاً خميراً فاكسير الذهب خمير الذهب اذا القي علي الذهب يجعله اكسيراً فاذا القي من هذا الذهب علي ذهب آخر يجعله اكسيراً و هكذا فافهم و احتفظ به الا عمن يستحقه فهذا الاكسير المذكور حار يابس في الربع من الاولي لان فيه ثلثة اجزاء من الحرارة و كذا اليبوسة و جزئين من البرودة و كذا الرطوبة فاذا القي علي الذهب السوقي النازل عن الكمال زاده حرارة و يبساً غريزياً لاغريبياً فزاده فرفرة و ليناً و صفاء و رونقاً حتي يجعله اكسيراً يطرح علي الفضة فيقيمها ابريزاً فافهم.

قال سلمه الله نقلاً: باب اكسير الفضة للحديد من سبعة اجزاء جزء من الارض و جزء من النار و جزء من الهواء و اربعة من الماء.

اقول ان الحديد هو منسوب الي السياف ظاهره حار يابس و باطنه بارد معتدل فظاهره نحس و باطنه سعد و السياف هو كوكب اميرالمؤمنين7 رحمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار الاتري انه مع نحوسته كوكب الاسلام

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 654 *»

و مهما لحقه نقص و فتور لحق الاسلام نقص و فتور فهو سعد بباطنه علي السعداء‌ و نحس بظاهره علي الاشقياء و هو كوكب صاحب الامر7 سيف الله علي الاعداء فلاجل كونه كذلك روي انا القرن من حديد فافهم فالحديد باطنه فضة خالصة و ظاهره قذرة نجسة كثير الوسخ كثير السواد و التوبال و يحتاج الي تطهير كثير و هذا معني ما روي في اخبار كثيرة ان الحديد نجس لا ما توهمه بعض الفقهاء و انما هو نجس صنعوي لاشرعي و ذلك لكثرة توباله و اوساخه و قذارته و هو في ظاهره حار في الثانية يابس في الثالثة و يحتاج الي ان‌يطفي ناره بتبريد و ترطيب حتي يرجع الي هيئة باطنه الفضية فيحتاج الي اكسير بارد رطب و هذا الدواء فيه من الاجزاء الحارة اثنان و كذا اليابسة و من الباردة خمسة و من الرطبة مثلها فهو بارد رطب في اواخر الاولي فاذا القي علي الحديد اظهر ما في باطنه من الفضية و ازال قذارته و طهر نجاساته بكثرة ما فيه من الماء و قوي فعل الاكسير باطنه و استعداده الخاص بالاكسيرية فاذا عرفت جميع ذلك فاعلم ان الجسد الملقي عليه ان كان معدنياً فان لم‌يطهر قبل الالقاء يكون فعل الاكسير فيه ضعيفاً البتة و ان طهر يكون اقوي بكثير و اما ان كان الجسد الملقي عليه جسداً صنعوياً فيكون فعل الاكسير فيه كثيراً غاية الكثرة لشدة طهارته و استشمامه رايحة الاكسير مرة اخري و هي فيه بمنزلة الخمير و تسرع قبولها لفعل الاكسير الآخر كقبول الارض الندية الماء المسكوب عليها و لو كان لي فرصة لبسطت الكلام في كل واحد من هذه المطالب بسطاً عجيباً و اوضحت لك خواص اشياء كثيرة الا اني مشغول القلب كثيراً باجوبة مسائل الناس و مقاساة هذا الخلق المنكوس و تكتفي بما ذكرت ان شاء الله فانه واف في مقامه.

قال ايده الله فيا مولاي و يا مغناطيس قلبي و من عنده عقلي و لبي فبالله عليك اشرح لي هذا الكلام علي قلبي يفيق و يتيقظ من النيام فما الماء و ما النار و ما الهواء و ما الارض و هل المراد بهذه الاجزاء في تركيبها و وزنها بعد تلطيفها و حلها و تعفينها او تكليسها او تنقيتها من الاوساخ فقط او غير ذلك او هكذا من غير

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 655 *»

ذلك و هل المراد بالنار في هذا الاصطلاح المريخ و الماء القمر و الهواء‌ عطارد و الارض زحل ام غير هذه الاشياء المذكورة.

اقول قد قدمنا في صدر الاجوبة ان المراد بهذه الاركان هو الاركان المفصلة عن الحجر حجر القوم و يكون ذلك بعد تزويجه بالجويريات الست و نخله بالمناخل الاكسيرية فانه يقطر بعد ذلك بنار لينة جداً كنار جناح الطير فيقطر ماء ابيض في ظاهره احمر في باطنه و هو الماء ذو الوجهين و الماء‌ الخالد و الماء البورقي و الشمس و بصاق الذهب و لعاب الافاعي و الكبريت الذي لايحترق و الماء الالهي و الماء الذي من طبيعتين و لبن الطيور و ماء الحيوة و الدم الاحمر و خلاصة مادة الحجر اي الزيبق و الكبريت و امثال ذلك ثم يشدد النار بقدر السدس يقطر ماء ابيض غليظ براق و هو الزيبق الغربي و الماء المشار اليه في هذه الابواب و الزيبق المشار اليه فيما ينسب الي اميرالمؤمنين7

خذ الفرار و الطلقا   و شيئاً يشبه البرقا
اذا مزجته سحقاً   ملكت الغرب و الشرقا

ثم يشدد النار بقدر السدس يقطر ماء اصفر كالزعفران ثم احمر كالياقوت و هو الزيبق الشرقي و الاصفر الشرقي و الدهن و النفس و الشمس الحمراء و الفتي الشرقي و الكرشي و هو الهواء المشاراليه في هذه الابواب و الشيء الذي يشبه البرق في الابيات و الهواء الراكد و الدهن الراكد و الذكر الشرقي فحينئذ يبقي الثفل اسود كثفل دهن السراج و انما سواده حمرة متراكمة و يسمي هذا الثفل بالارض السائلة و المغنيسا و الجسد و الذهب و زحل و الغراب ثم يعقد بنار شمس الصيف ثم يوضع عليه من الماء الاول اي ذي الوجهين قدر ما يغمره و تطبخه به فيظهر علي وجه الماء صبغ احمر كالياقوت و تعزله ثم تطبخه بماء ثان حتي يظهر الصبغ و تعزله و هكذا الي ان‌ينقطع الصبغ و هو النار الحائلة و الشمس الغائبة و نار الحجر و الشمعة الصفرا و العصفر و الاحمر الشرقي و الفتي الكرشي ثم تقطر الماء من الصبغ بحيث لايبقي فيه الا ماء قليل يحفظه ثم تطبخ الثفل بالزيبق الغربي بقدر ستة امثاله و تقطره حتي يبيض الثفل فاذا ابيض يسمي بالارض المقدسة و الارض

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 656 *»

السائلة و الجسد الجديد و الغصن النباتي و اكليل الغلبة و الطلق و الذي ازيل عنه ريش الغراب و يكون حينئذ كسحالة الفضة الصافية و هذا التبييض امر صعب و هو من الباب الاعظم و لما راي القوم طول المدة و سأمهم ذلك بيضوا الارض بالتصعيد كالنوشادر و منهم من انكر صعود الارض اذ لم‌يهتد اليه و الحق انه يصعد علي طريق التهبية كما يصعد الاجساد المنطرقة و الارض اذا صعدت تكون عوضاً عن الارض المقدسة و الجسد الجديد و طريق تصعيدها ان‌توضع في الآلة العمياء و يوقد تحتها النار اول يوم كشمس الشتا و ثاني كشمس الصيف و ثالث اقوي و رابع اقوي من الثالث و في الخامس اقوي من الرابع و في السادس اقوي من الخامس و في السابع اقوي بحيث يكون كنار السبك ففي الاول نار الرماد الحار ثم نار النشارة ثم نار دقاق الفحم ثم نار الجمر ثم نار ذات لهب وقودها القصب ثم الاعواد الدقيقة الرفيعة ثم الحطب فتصعد بعد سبعة ايام و يحصل لك الارض المقدسة و الطلق المصفح بدل الارض الجديدة و هذا هو الطريق الاقرب فهذه الاركان هي عناصر القوم و مقصودهم من الماء و الهواء و النار و التراب و الي هذه يشيرون و اياها يقصدون و هي النار الحائلة و الارض السائلة و الهواء الراكد و الماء الجامد و الفرار و الطلق و شيء يشبه البرق و اما تسميتها بالكواكب فيسمي الماء بالقمر و الهواء بالمشتري و النار بالمريخ و الارض بالشمس.

و اعلم ان احداً من الحكماء لايطلع علي جميع رموز القوم فان كل احد يلغز عما يريد بما يريد كيفما يريد و ليس احد يحيط بالقلوب فيعلم مرادهم و لو كان كلهم يجرون علي رمز واحد لكان ذلك اصطلاحاً لا رمزاً و كل من كان يتتبع في كلماتهم كان يعرف اصطلاحهم ولكنهم رمزوا عن مقاصدهم برموز مدهشة مضلة يحير فيه الافكار و لايعرفها الاغيار فاذا تحيرت في رموزهم فلاتضجر و خذ ما ذكرنا لك و اعلم انه ليس سواه مقصود و لامراد و اياك ان‌تضطرب بتدهيشات القوم فانهم ربما يذكرون خلاف المراد تدهيشاً للناظرين و تغليطاً للطالبين و ليس يذكرون المطلب مطرداً مرتباً و انما يذكرون متفرقاً متشتتاً في مواضع لايعبؤ بها فمن اخذ بما ذكرنا استراح و لم‌يحتج الي فك رموزهم و هتك استارهم.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 657 *»

قال سلمه الله و ما صفة الماء القراح و كيفيته عندهم فاني اري له شأناً و اي شأن عندهم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و اكمل تحياته.

اقول هذا آخر مسائله ايده الله تعالي فاعلم يا مولاي ان الماء هو اول ما خلق الله سبحانه في العالم الكبير و منه حيوة كل شيء حي و كذلك مبدء العالم الصغير هو الماء الذي هو النطفة و كذا العالم الوسيط مبدؤه هو الماء و منه حيوة مولود هرمس و هو المفتاح الاعظم و السر المنمنم الذي لم‌يتفوه به احد من العلماء تصريحاً و لم‌يذكره احد في موضع مظنون به و انما ذكروه في مواضع غير معتني به مرموزاً و كان هو مما يليق ان لايتفوه به ابدا و لكن انت اهل للجواب و ينبغي ان‌اذكره و لكن علي وجه لايكشف عنه نقاب فاعلم ان من الواجب ان لايدخل علي المادة غريب البتة و انما منه و به و له و فيه و عليه فاستقطر الزيبق مهما قدرت عليه من غير مغاير فان الغير غير معتدل اعتدال المادة البتة فبادخاله عليها تخرج عن الاعتدال البتة فخذه عبيطاً و استقطره ثم خذ الثفل و كلسه حتي يبيض فاجعله قبضة ارض و ادخل عليه قبضات الافلاك و ادرها عليها حتي تتشبب الارض و تصير حلالاً و هو المشار اليه في الخبر ابدأ بالملح و اختم به ففيه شفاء من سبعين داء فلاتبدأ الا به ثم ارسل هذا الماء علي الارض و استنبطه منها بعد تعفينها اسبوعاً حتي تنحل في الماء بحيث لايري لها اثر فاذا انحلت و ماعت فقطرها بالرطوبة فالمقطر هو الماء القراح و المفتاح و لاتقطر الرطوبة المتعلكة في المادة الا بهذا الماء المهري فاذا قطرته بقي الارض حبرة سوداء فيحصل هيهنا رطوبة و يبوسة و ارض و ماء و بخار و دخان و زيبق و كبريت و هما اصل الحجر المكون في معدن القوم و تسمي الارض بالنحاس و الابار و الكبريت و الذهب و المريخ و الفتي الشرقي و الصخرة و صفرة البيض و كلس القشر و اشباه ذلك و يسمي الماء بالزيبق المحلول و المصرية و بياض البيض المدور و الطلق المحلول و ماء الملح و الماء الحاد و ماء ‌الفضة و الماء الحلال و الماء المهري و شبه ذلك فاذا حصل لك اعلي و اسفل فلم‌يبق عليك الا تبييض الحبرة و انما ذلك بالزيبق فترسله عليها و تستنبطه منها حتي يزول ريش الغراب و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 658 *»

يصير حماماً و هو حجر القوم و هيهنا نختم الكلام و لو زدتم في السؤال حرفاً واحداً لزدنا في الجواب حرفاً واحداً كتبه العبد الاثيم كريم بن ابرهيم في الليلة الثانية و العشرين من شهر ربيع الثاني من شهور سنة 1263 حامداً مصلياً مستغفراً.