27-09 مکارم الابرار المجلد السابع والعشرون ـ رسالة كشف الاسرار ـ مقابله

 

رسالة كشف الاسرار

 

من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعلي‌الله مقامه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 577 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين. و بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم اني قد ظفرت بنسخة شريفة في تكوين المولود الفلسفي قد صنفها الشيخ الجليل و السيد النبيل وحيد الدهر و فريد العصر افضل المتقدمين و اعلم المتأخرين ناموس العالمين قطب كرة العلوم و مركز دائرة الرسوم و اغلوطة الزمان و قدوة العلماء الاعيان الذي قد كل لسان الفصحاء في بيان عشر من معشار فضائله و حسر فهم العلماء عن ادراك ادني مراتبه و مكارم خصائله فالسكوت عن عد مكارمه اولي و الاقتصار علي تسميته احري فانه افضل من ان‌يحمد او يحصي مكارمه و يعد و هو الشيخ الاجل الانبل الاوحد الشيخ احمد الاحسائي اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه و هي نسخة لم‌تسمح بمثلها نفوس المتقدمين و المتأخرين و لم‌يكشف عن حقيقة الكم و الكيف مثلها جميع السابقين و اللاحقين و هو اعلي‌ مقامه قد بين ما فيها و اوضح و كشف خافيها و شرح بحيث لايوجد مثلها في كتاب و لم‌يسمع شبيهها في خطاب لم‌يسنح بمثلها والد لولده بل لم‌يسمح بشكلها احد لواحده فوجدتها درة من بحر العلم و جوهرة من معدن الحكم كأنه اعلي الله مقامه نطق عن لسان الوحي السبحاني و كتب علي حذاء القلم الرباني و انتسخ عن نسخة لوح الايجاد الصمداني فدونكها فريدة لايوجد مثلها و خريدة قد عقم الدهر عن شكلها فرأيت ان‌اشرحها شرحاً موجزاً و اتشرف بكتب تعليقة عليها مختصرة لعلي ابين فيها بعض ما فيها و اشرح عشراً من معشار خافيها علي حسب ما الهمنا ببركاته و فهمنا بفيوضاته و عسي الله ان‌ينفع بها ساير اخواننا المؤمنين و يصلنا من فيض الاستاد اجر بكرم رب العالمين ولكن اكتب ما اكتب علي نحو الايجاز و ما هو الميسور اذ لايسقط بالمعسور و علي الله التكلان في جميع الامور و سميته بكشف الاسرار

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 578 *»

و لابد ان اقدم في هذا الشرح مقدمات علي الاختصار و هي:

المقدمة الاولی

اعلم ان الله سبحانه كان اذ لاكان و لاكيان احداً لايثني و واحداً لايجزي لم‌يكن لكيانه طبايع مختلفة و لا لكنهه غرايض متشتتة ليس بمادة فيقترن بها بصورة و لابهيولي يلزمها هيئة لايعقل فيه الانقسام و لايفرض فيه الارتسام لايجري عليه التغيرات و لايعتريه البداوات حي لا بروح غيره دراك لا بنفس سواه موجود لا بجسم قائم لا بظل ظاهر لا بشكل ثابت لا بجوهر مستقر لا في‌ عرض دائم لا بشدة تركيب احدي ليس معه غريب لايعرض عليه حل و لايعتريه عقد و لايجوز عليه الصعود و النزول و لايتصور فيه الخروج و الحلول و ان ابلغ ما يقال في ذلك المجال قوله و هو الملك المتعال قل هو الله احد الله الصمد لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يكن له كفواً احد فابان بنفي الكفو توحده في الاحدية و تفرده في الصمدانية و ان كل ما سواه مثني و كل ما دونه يصمد اليه و كل ما هو غيره له صاحبة يقترن بها و ولد يخرج من بينهما فتعالي من ضرب الامثال و تنزه عن احتذاء الاشكال فسبحان من هو اجل من التقديس و تقدس من هو اعز من التسبيح.

                                         المقدمة الثانية

اعلم كل ما‌سوي القديم حادث و كل ماسوي الاحد مثني و ذلك قوله عز من قائل و من كل شيء خلقنا زوجين و قول الرضا7 ان الله لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته هـ و ذلك لان الاحد لايتعدد و الاحد هو الله سبحانه فما سواه مجزي فكل شيء غير الاحد له جهتان جهة الاحدية و جهة الواحدية و هما المشاراليهما في قول علي7 جذب الاحدية لصفة التوحيد و هما المعبر عنهما بالنور و الظلمة و الجهة الي ربه و الجهة الي نفسه اما الجهة الاولي فهي الجهة الفاعلية و النور و الخير و الحركة و البساطة و اللطافة و الدوام و الاستقلال و اما الجهة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 579 *»

الثانية فهي الجهة المفعولية و الظلمة و الشر و السكون و التركيب و الكثافة و الدثور و الاضمحلال و لما كانت الجهة الاولي جهة الفاعل كانت هي المبدأ و لما كانت الجهة الثانية جهة المفعول كانت هي المنتهي و هاتان الجهتان متداخلتان ممتزجتان كل واحدة حادة لاخري لايفضل واحدة عن الاخري فالجهة الاولي مترامية من عند صدورها الي نهاية الجهة الثانية و الجهة الثانية مترامية من آخر مراتب الشهود الي اول مراتب الاولي و اشبه شيء بهما النور الصادر عن السراج المنتشر في الفضاء مع الظلمة المنتشرة فان النور مترام من عند السراج الي نهاية البعد و الظلمة مترامية من نهاية البعد الي عند السراج الا ان النور من مبدء نشوه يأخذ في الضعف فيتدرج شيئاً بعد شيء الي ان‌يبلغ في غاية البعد و الظلمة من مبدئها و هو غاية البعد تضعف شيئاً بعد شيء الي ان‌تبلغ غاية ضعفها و هو عند السراج فهما في التصوير كالكرتين المتداخلتين او كالمخروطين المتداخلين رأس كل واحد عند قاعدة الاخر و في المزاج كامتزاج الماء و الخل فلاجزء من الخل الا و معه الماء و لاجزء من الماء الا و معه الخل ولكن من البين ان كل ما يكون من الماء و الخل اغلظ و اكثف ينزل الي الاسفل و كلما يكون منهما ارق و الطف يصعد الي الاعلي كما هو مشاهد ان الراسب اغلظ من الطافي و الماء الحار يطفو و البارد يرسب و ذلك لخفة الحار و رقته و ثقل البارد و غلظته فهنا مقامان ماء‌ صرف و هو اللطيف و خل صرف و هو الكثيف لان الخل اغلظ من الماء لامحالة و اعلي المركب و هو اللطيف و اسفل المركب و هو الكثيف و مقام المادة و الصورة هو المركب اللطيف و المركب الكثيف و مقام الوجود و الماهية هو مقام الماء و الخل فالوجود الصرف و الماهية الصرفة غير موجودين لان الله سبحانه لم‌يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته و هما مخلوقان معاً موجودان معاً فان الوجود مقام الفعل المصدري و الماهية مقام الانفعال و هما كالكسر و الانكسار فلاكسر الا بالانكسار و لا انكسار الا بالكسر و ليس الكسر موجوداً في رتبة فوق رتبة الانكسار و ليس الانكسار موجوداً في رتبة غير رتبة الكسر اذ الكسر من غير انكسار ليس بكسر لا خارجاً و لا ذهناً و الانكسار من غير كسر ليس بانكسار لا

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 580 *»

خارجاً و لا ذهناً ولكن المادة موجودة في الرتبة العليا و الصورة موجودة في الرتبة الدنيا فان مثلهما كالطافي و الراسب حرفاً بحرف فالطافي مركب من ماء و خل لطيفين و الراسب مركب من ماء و خل كثيفين فيمكن وجودهما في الذهن و مثله الموجود كما انك قد تلتفت الي مادة السرير من غير التفات الي صورته و قد تلتفت الي صورة السرير من غير التفات الي مادته و لولا انهما كانتا موجودتين في رتبتين لم‌يمكن للنفس ان‌يدرك كل واحدة منهما من دون ادراك الآخر و ربما تنزلان و تكثفان الي ان‌يمكن وجودهما في الخارج في عالم واحد كالخبز و الادام فان في رتبة الغذا الخبز مقام المادة و الادام مقام الصورة و لذا لم‌يقتصر الانبياء و الاولياء مع غاية زهدهم في الدنيا بالخبز وحده و كانوا يأتدمون بشيء لامحالة حتي يصبغوا به خبزهم و يتقوي به مادتهم و صورتهم فالادام يختلف و الخبز واحد فافهم المثل و كذلك مقام الشبح و المرايا و السماء و الارض و الذكر و الانثي و الماء و الارض و امثال ذلك فقد عرفت ان شاء الله ان مقام المادة و الصورة مقام الطافي و الراسب و اللطيف و الكثيف و مقام الايجاد و الانوجاد مقام الكسر و الانكسار و بينهما فرق كثير بالجملة الوجود و الماهية حادتان ممتزجتان فلا شيء من الوجود الا و له ماهية و لا شيء من الماهية الا و لها وجود و هاتان الجهتان موجودتان في كل شيء كائناً ما كان بالغاً ما بلغ و كذا ليس شيء الا و له مادة و صورة علي ما عرفت فان كل مركب له اعلي و اسفل فاعلاه جهته الي ربه و جهة النور و الخير و الكمال و الحركة و البساطة و اللطافة و الدوام و الاستقلال و اسفله جهته الي نفسه و جهة الظلمة و الشر و النقص و السكون و التركيب و الكثافة و الدثور و الاضمحلال لان الغالب علي الاعلي سر الوجود و الغالب علي الاسفل سر الماهية و ان شئت سميت الاعلي و الاسفل بالعقل و النفس فالجهة الاعلي مقام العقل الذي يكتسب به الجنان و يعبد به الرحمن و الجهة الاسفل مقام النفس الامارة بالسوء التي تأمر الي الجحيم و عبادة الشيطان الرجيم فاحفظ ذلك.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 581 *»

المقدمة الثالثة

اعلم ان المادة كما عرفت هي الجهة العلياء للشيء و الصورة هي الجهة السفلي و الغالب علي المادة الوجود و الماهية فيه موجودة ولكن ضعيفة و الغالب علي الصورة الماهية و الوجود فيها موجود ولكن ضعيفاً و ذلك لان غلظة الصورة تمنع من بروز آثار الوجود و تحجبه و لاتحكيه للمضادة و تحكي آثار الماهية للمشاكلة لان الجنس يتقوي بالجنس و يظهر آثاره و لطافة المادة تناسب الوجود و تحكيه لان الجنس يتقوي بالجنس و يظهر آثاره فبهذا الاعتبار قد يسمي المادة بالوجود و الصورة بالماهية لان كل واحد مظهر مشاكله و مريه فجميع ما يضاف الي الوجود يضاف الي المادة و جميع ما يضاف الي الماهية يضاف الي الصورة بل لايضاف شيء الي الوجود الا من حيث المادة و لايضاف شيء الي الماهية الا من حيث الصورة لانه لاتعين لهما في غيرهما و لاكلام عنهما و لا اسم لهما من حيث انفسهما و لا رسم الا من حيث المادة و الصورة و لا شيء مما سوي الله سبحانه الا و هو مركب من مادة و صورة فالمادة هي جهته الي المبدء و مظهر آثاره و مرآة انواره و يده في حركاته و افعاله و لسانه في اقواله و وجهه الظاهر في عباده بها يقبض و يبسط و يعطي و يمنع و يفعل و يترك و الصورة هي جهته الي المنتهي و جهة انفعاله و جهة مفعوليته و مخلوقيته و جهة الانية و السكون فالجهة الاولي مقامات السموات في عالم وجود الشيء و الجهة الثانية مقام الارضين لان الاولي هي المبدء و منها الحركة و النور و البساطة و الثانية هي المنتهي و منها السكون و الظلمة و الكثافة فنقول ان الاولي تنقسم الي مقامات تسعة لان لها ثلث مقامات اولاً الاول جهة اعليها و توجهها الي مبدئها من غير توجه الي غيره فهو صرف مقام بساطتها و الثاني جهة مبدأ اقترانها و ميلها الي الجهة الثانية و هو الاقتران الميلي النفساني دون الاقتران الظاهري و الثالث جهة نهاية الاقتران الظاهري فلما كان الاول جهة بساطتها الصرفة لم‌يتكرر و اما الثاني لما كان مبدء الاقتران و هو الاقتران النفساني دون الظاهري فحدث فيه التعدد الحقيقي و التركيب الواقعي دون الظاهري بالنسبة الي مقامه و لما كان الثالث هو نهاية الاقتران حدث فيه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 582 *»

الكثرة لكن اقل مراتب الكثرة لانه من مقامات جهة البساطة فكانت تنتهي الي سبع و هو الكامل و هو مركز واحد يدور عليه ست و هو التام اما المركز فللزوم كونه في كل دائرة متكثرة للاستفاضة من المبدأ الواحد و الغالب فيه جهة الاتحاد و اما الستة فجهات تعلق بواطن الثلثة و ظواهرها فلذلك صار مراتب سموات وجوده تسعة فاذا هو نهاية الآحاد التي هي مبدء الاعداد و صارت هي حوامل صفات المبدء و حيوته و فعله و تأثيره و ادراكه لانها جهة بساطة الشيء و جهة الانية فيها رقيقة بحيث لاتحجب انوار المبدء و لاتمنع عن بروزها و ظهورها و تتطاوع لها و تنقلب تحت ارادتها و صارت ارضين وجوده و نهاية شهوده مقام الكثرة و الكثافة و مقام المفعول و لما كانت الجهة الثانية مقام المفعول حدث فيها اربع طبايع مختلفة فان المفعول من حيث انه اثر حركة الفاعل حار يابس حار لانه جهة غاية بساطته و لطافته يابس لعدم ميله الي غيره و استقراره تحت ظل فاعله و ما قيل من ان الرطوبة هي سهولة التشكل و الانفعال و اليبوسة ضدها كلام خال عن التحقيق فان كرة النار ارق الثلثة و اسهلها تشكلاً و هي حارة يابسة و اشدها انفعالاً تحت المحرك و هو من حيث نفسه و من حيث غاية البعد عن مبدئه بارد يابس بارد لكثرة كثافته و يابس لاستقراره في حيزه و عدم ميله الي غيره و من حيث ارتباط الجهة الاعلي الي الاسفل حار رطب حار لانه من جانب الاعلي رطب لميله الي غير المبدء و من حيث ارتباط الجهة الاسفل الي الاعلي بارد رطب بارد لانه من جانب الاسفل رطب لميله الي الاعلي و هذه المراتب الاربع ما قاله سبحانه في كتابه فان خفتم شقاق بينهما اي بين النار و التراب ليبسهما المستلزم للشقاق فابعثوا حكماً من اهله و هو الهواء حكم برطوبته و حار لانه من اهله و حكماً من اهلها حكم برطوبته و بارد لانه من اهلها ان يريدا اصلاحاً تركيباً لرطوبتهما و امالتهما النار و التراب يوفق الله بينهما و هاتان الرتبتان متداخلتان تداخل الروح في الجسد فالسماء مترامية من العرش الي الفرش ولكن بتدرج من اللطافة الي الكثافة و الارض مترامية من الفرش الي العرش ولكن بتدرج من الكثافة الي اللطافة ففي السماء قد كمن آثار المنتهي و خفيت ظلمته و صارت الغلبة للّطافة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 583 *»

و الرقة و ذلك قوله تعالي و هي دخان و في الارض قد كمن آثار المبدء و خفي انواره و صارت الغلبة للكثافة و الغلظة الحاجبة و بتلك الانوار الخفية خاطبها الله فقال يا ارض ابلعي ماءك و بها تسبح و ابت ان‌تحمل الامانة و اشفقت و اطاعت فكانت السموات من طبيعتين و الارض من جسدين اما السموات ففيها قوي المبدء و لطائف الانية اما الارض ففيها غلايظ الافلاك و كثائف الانية و شاهد ذلك سماء وجودك الروح البخارية فانها من طبيعتين الاجزاء الهبائية الجسدانية و القوي النفسانية و ارض وجودك جسدك فانه من جسدين غلائظ الروح و كثائف الجسد فيجري جميع احكام الافلاك في الارض باعتبار كثائفها و جميع احكام الارض علي السماء باعتبار لطائفها فان شئت سميت ما شئت بما شئت و لاحرج ان كنت تفهم ما تقول و لمن تقول.

ثم اعلم ان الارض لما كانت مختلفة المراتب فكانت اعاليها ارق و الطف و اسافلها اغلظ و اكثف صار آثار الفلك الكامن فيها في اعاليها اظهر من اسافلها فلذلك صار في عالمها النار و الهواء افلاكها و الماء و التراب ارضها و ظهر في النار سر الفلك التاسع و الثامن و في الهواء سر ساير الافلاك و في الماء و التراب سر الطبايع الاربعة و يختلف مراتب النار ومراتب الهواء من اعلي كل واحد الي اسفله و كذلك مراتب الماء و التراب حتي انك اذا تدبرت تجد

كل شيء فيه معني كل شيء             فتفطن و اصرف الذهن اليّ

و انظر ما اقول و لاقوة الا بالله.

المقدمة الرابعة

اعلم انه لما دارت السموات علي الارض و القت اشعتها و انوارها و شعلاتها عليها اثرت في ظاهرها و حركتها حركة ظاهرية كتحريكک الحجر فتحركت اجزاؤها بالحركة العرضية الظاهرية حتي تداخل بعضها في بعض فعقدت رطبها في يابسها عقداً عرضياً و حلت يابسها في رطبها حلاً عرضياً كحل التراب في الماء و عقد الماء في التراب فبهذا الحل و العقد حدث الجماد علي حسب اختلاف

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 584 *»

الاجزاء و غلبة بعضها علي بعض او تعادلها و هذا التأثير لايتجاوز ظاهر الشيء و لما كانت آثار الافلاك تختلف عليها بحسب استيلاء كوكب و قربه و بعده و عدم استيلائه و ساير القرانات اختلف مراتب الجماد و افراده علي حسبه و ليس هيهنا محل بيانه فلمادارت السماء دورة اخري و ادامت القاء الشعلات و تكلست الكثائف الظاهرية في الجملة قوي ذلك الاثر طبايعها و حركها بفضل ما فيه من سبب الحركة و هو الروح فحرك بعض الطبايع الي بعض و تقوي غالبها به لما فيه من جنس ذلك الغالب كماعرفت ففعل الغالب في المغلوب و انفعل المغلوب من الغالب و هذا الفعل و الانفعال تكميل و تكمل لاايجاد و انوجاد اذ الايجاد ليس الا من الله سبحانه كما قال ابوعبدالله7 في الربوبية العظمي و الالهية الكبري لايكون الشيء لا من شيء الا الله و لاينقل الشيء من جوهريته الي جوهر اخر الا الله و لاينقل الشيء من العدم الي الوجود الا الله فتأثير الطبع الغالب فی المغلوب تأثير دعوة و تأثر المغلوب من الغالب تأثر اجابة و لا ناقل للشيء من جوهر الی جوهر الا الله سبحانه فاثر الطبايع بعضها في بعض و طاوعها الظاهر لحصول التكلس في اجزائه و رقته و لطافته بالنسبة فحدث منه النبات الظاهر فيه اثر جميع الطبايع و الغالب عليه الطبع الغالب فصار يرتفع بما فيه من طبع النار و ينزل بما فيه من طبع التراب و يلين و يمتد بما فيه من الهواء الي الاعلي و بما فيه من الماء الي الاسفل و يشايع كل واحد كل واحد لما مزج بينهما الفاعل و عقد رطبها في يابسها و حل يابسها في رطبها و اخمد حارها في باردها و شبب باردها بحارها.

و اعلم ان في كل واحد جميع الثلثة الاخر الا ان الغلبة للظاهر فلما قارنه طبع اخر امتزج به لما فيه من جنسه بسر المشاكلة فاتحدت الكل بعد التعدد فكأنه جوهر واحد في المنظر ذو صفات اربع فلذلك شايع كل واحد کل واحد.

ثم اعلم ان الانوار الفلكية كما ذكرنا كامنة في هذه الطبايع ايضاً و يختلف ظهورها و خفاؤها بحسب رقة الطبايع و كثافتها فلها ايضاً سموات و ارض كما ذكرنا و لما كانت تحريك الافلاك لهذه الطبايع علي حسب الكوكب المستولي و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 585 *»

المربي و قرب بعض الكواكب و بعد بعضها اختلف اقسام النبات و ليس هيهنا مقام ذكره فترقب و من البين ان بين مقام الجماد و النبات برزخ و هو مقام المعدن ففيه يبلغ اثر الافلاك الي اعماق الارض و يبلغ الي الطبايع ولكن يحركها تحريكاً عرضياً و لايؤثر فيها كمال التأثير البالغ بها الي النهاية و لم‌يكلس ظاهرها كل التكليس حتي يطاوع الطبع كمال المطاوعة بل يكون الغلبة فيه للجسد الظاهر كما هو محسوس و لذلك لاينمو و لايمتد كالنبات و ربما كان بين المعدن و النبات برزخ آخر فينمو و يمتد حيناً و يجمد حيناً كالمرجان فانه ينمو حيناً كالنبات و يجمد حيناً كالجماد فلما دارت دورة اخری كلست اشعتها ظاهرها تكليساً شديداً و هبأتها تهبئة كثيرة حتي بلغت الي طبايعها فحلتها حلاً بالغاً حتي بلغت الي ما فيها من نوع الافلاك فقوته و تقوي بها حتي حركته تحريكاً عرضياً كتحريكها للظاهر اولاً ثم تحريكها للطبايع ثانياً فحركته علي التكميل و الدعوة كما ذكرنا فبدت آثار حركته في الطبايع و الظاهر فصار حيواناً متحركاً بالارادة و لما كان ما فيه من الافلاك مختلفة لاختلاف مراتب الافلاك تقوي الغالب فيه اكثر من تقوي المغلوب فسخر الغالب منه المغلوب و طاوعه المغلوب و لما لم‌يعتدل الطبايع كل الاعتدال لم‌تطاوعه كل المطاوعة و انصبغ ما فيه من الفلكية في الطبايع علي حسب غلبتها فاختلف بذلك مراتب الحيوان و صارت حيوته مغلوبة للطبايع علي حسب غلبتها و حصل بين الحيوان و النبات برزخ فيتحرك كتحرك الحيوان و ينمو كنماء النبات و هو متصل بالارض كالنساء النابتات في الجزيرة المسماة بالواقواق.

و اعلم ان تكون هذه الثلثة اي الجماد و النبات و الحيوان عرضي اذا فسدت عادت الي جواهرها عود ممازجة لاعود مجاورة كما ورد عن علي7 و السر فيه ان‌تحرك كل واحد تحرك عرضي و لم‌يتكلس اجزاؤها تكلساً يتحد اجزاؤها و ذلك لبقاء الغريب فيها المانع من اتحادها و ذلك لان المحرك الحال العاقد المكلس لها الافلاك الخارجة و شعلاتها الغريبة فلم‌تبلغ كنه ما فيها و انما تحريك الخارج الغريب للشيء تحريك عرضي كتحريك يدك الحجر و ليس يؤثر في كنهه و حقيقته الا تحريك النفس التي فيه فاذا صارت المراتب الثلثة صالحة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 586 *»

لظهورها رقيقة مطاوعة لها في الجملة القت النفس القدسية اشعتها و آثارها التي هي الاعمال الصالحة فيها فكلست الظاهر تكليساً حقيقياً و حلت اجزاءه و عقدتها حلاً و عقداً حقيقيين فحلت ترابه في مائه و هوائه و ناره حلاً حقيقياً فاتحد معها لما فيها من نوعها فالقت ما فيه من الجمود العارض عليه و حلت الماء في الهواء و النار حلاً حقيقياً فرمت ما فيها من اللزوجة العارضة و عقدته في التراب عقداً حقيقياً و القت ما فيها من الرطوبة العارضة و حلت الهواء في النار حلاً حقيقياً و القت ما فيها من الرطوبة العارضة و عقدته في الماء و التراب عقداً حقيقياً و رمت ما فيها من الرطوبة العارضة و عقدت النار في الهواء و الماء و التراب و القت ما فيها من الرقة العارضة و ذلك لسر المشاكلة الموجودة في كل واحد للباقي فالقت ما في النار من الحرارة و الرقة الظاهرة و ابدت ما فيها من سر الثلثة و كذا القت ما في الهواء من الرطوبة العارضة الظاهرة و ابدت ما فيها من سر الثلثة و القت ما في الماء من اللزوجة الظاهرة و ابدت ما فيها من سر الثلثة و القت ما في التراب من الكثافة الظاهرة و ابدت ما فيها من سر الثلثة فصارت الاربع كحقيقة واحدة فامتزجت امتزاج التراب بالتراب و الماء بالماء و الهواء بالهواء و النار بالنار فالتزمت حتي امتنع عليها التفكك و التفتت لما بينها من الاتحاد و حلها و عقدها و تكليسها و القائها الغرايب بالعمل بمقتضي ارادات المبدء المهيمن علي الكل المستوي علي عرشها فاستعمل كل واحد في حاجة الباقي و مقتضاه حتي صار كل واحد يستمد شيئاً فشيئاً من جنس الباقي حتي ظهر بقوة الامداد ما كان في كل واحد من جنس الباقي و كمن ما يستبد به و يختص به من تلبده في هويه فانحل الكثيف في اللطيف و انعقد اللطيف في الكثيف و صار كل واحد علي طبع الباقي لسر المشاكلة الكامنة فاتحدت الاجزاء اتحاد الماء بالماء و كذلك صنعت بالطبايع و بما فيها من الفلكية فاتحدت حيوانيته و طبايعه اي نباتيته و جماديته فهنالك بلغ التأثير فيه غاية البلوغ فصار حقيقية ثابتة ملتزمة لايقبل الدثور و الاضمحلال فصار عوده عود مجاورة لا عود ممازجة لاتحاد اجزائه و عدم قبوله التفكك فصار مخلوقاً للبقاء لا للفناء و ان انتقل من دار الي دار فحينئذ تعلق به النفس القدسية المنزهة من الغرائب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 587 *»

و الاعراض فبقي حياً في الدارين لايعتريه موت و لادثور و لااضمحلال فمثل هذا الحل و العقد لايتأتي من المكملات الخارجة ابداً لان تكميل المكمل اثره و المكمل في عرض المتكمل و اثر ما في عرض الشيء يقع عرضاً للشيء و العرض للشيء لايغير الشيء ‌عن ذاتيته الا ان‌يغير الشيء عما هو عليه من هو فوقه باسباب عالية علي الشيء كما مر في الخبر لاينقل الشيء من جوهريته الي جوهر آخر الا الله فافهم ذلك فلايغير الشيء عما هو عليه الا من اوجد له الحالة الاولي فان المفني هو الموجد لاغير فالمكمل لايقدر علي ايجاد شيء في المتكمل و تغييره عما هو عليه و انما يلقي عرضه عليه كما قال سبحانه و ما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني و لوموا انفسكم فالمكمل يدعو اما الي الخير و اما الي الشر و المتكمل يجيب و المغير هو الله سبحانه بالعلل العالية و الاسباب السابقة عليه فلذلك صارت التراكيب الحاصلة بالاسباب الخارجة عرضية تتفكك و لو بعد حين و الدليل علي ان الحل و العقد و التكليس في هذه الثلثة لم‌تبلغ غايتها عدم ظهور آثار النفس القدسية منها و لو صارت متهبية كمال التهبّي و كانت الغرايب عنها زايلة لما حجبت آثار النفس القدسية و لما عصتها فكل ما لايظهر منها آثار النفس القدسية هو بعد كثيف غير مكلس و لم‌يزل عنه الاوساخ لامحالة و ذلك قول علي7 اذا اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد فحينئذ يظهر الغرض من ايجاد السموات و تظهر العلة الغائية فافهم راشداً موفقاً.

المقدمة الخامسة

اعلم انك بعد ما عرفت ان كل شيء فيه معني و ان لكل شيء سموات و ارض فاعلم ان العلة الغائية من وجود السموات و الارض في كل شيء ظهور ذلك الشيء علي اكمل وجه يمكن في تلك الرتبة و في ذلك الشيء و هو انسانيته الخاصة به فلكل شيء من بدو تكونه الي منتهي كماله مراتب و لما كان كل شيء علي ما ذكرنا علي نهج واحد و خلق واحد ففي كل رتبة من مراتب

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 588 *»

وجوده يحكي الشيء احد هذه المراتب الاربعة اي مرتبة الجماد و النبات و الحيوان و الانسان فانا ذكرنا سريان الانية و الطبيعة و الحيوة و النفس في الكل و لامحالة يكون مراتب الشيء المكون مختلفة بحسب قلة النضج و كماله و بحسب وجود الغرايب الكثيرة و القليلة و بحسب الكثافة و اللطافة الي ان‌يبلغ الي الكمال الممكن فيه فحينئذ يكون علي غاية ما يمكن‌ فيه من النضج و اللطافة و قلة الاعراض كما ان في اول تكونه كان اقل نضجاً و اكثر كثافة و اكثر عرضاً و لامحالة يختلف مراتب حكاية الشيء لماوراءه بحسب كثرة الكثافة و قلتها و كثرة النضج و قلته و كثرة العرض و قلته فكل شيء في مبدء تكونه يكون احجب للنفس و الحيوة و الطبع و اشد اظهاراً للانية فلما انتضج قليلاً و قلت كثافته في الجملة و زال بعض اعراضه يكون اقرب للطبع من حاله الاول فاذا ترقي شيئاً يكون اقرب الي الحيوان و احكي له من حاله الاول فاذا بلغ غايته يكون اقرب الي النفس و احكي له البتة و انت قد ‌علمت ان كل شيء فيه معني كل شيء موجود حقيقة و هو في كل حال من اول تكونه الي آخر تكونه يحكي صفة من الصفات الكامنة ان ‌لم‌يكن حكاية تامة فحكاية ناقصة علي حسب مقامه الا ان كل شيء يظهر بالظهور الكامل بجهة من الجهات الموجودة فيه و مثال ذلك الاخلاط الاربع فان كل واحد مركب من البسائط الاربع الا ان الظاهر في الصفراء النار و الكامن فيها سر الثلثة الاخر و الظاهر في الدم الهواء و الكامن فيه سر الثلثة الاخر و الظاهر فی البلغم الماء و الکامن فيه سر الثلثة الاخر و الظاهر في السوداء التراب و الكامن فيها سر الثلثة الاخر فكل واحد فيه جميع ما في الاخر الا انه ظاهر بجهة من تلك الجهات الموجودة فيه و اقول ان في الاخلاط الاربع سر جميع الافلاك موجودة كوجود البسائط في كل واحد الا انها ظهرت بالطبايع و كمن فيها سر الافلاك الاتري انها اذا دخلت القلب و صارت بخاراً و زال عنها اللزوجات و بعض الغرايب ظهر فيه الروح و الحركة كالفلك و اذا صعد الي الدماغ و تخلف عنه اللزوجات و بعض الارضية صار نفسانياً و ليس ما في الدماغ الا خلاصة ما صعد من القلب فهو لطائف الاخلاط و ما فيها من النفسانية فهو الذي هو بعينها في الخارج بسائط غير مختلطة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 589 *»

و في المعدة معدني لحصول التركيب و الكيلوس و الاتحاد و في الكبد نباتي لانه خلاصة المعدن و صافيه و فيه يظهر سر النامية و الغاذية و المولدة و فيها يظهر الجذب و الهضم و الدفع و الامساك و في القلب حيواني لانه خلاصة النبات و صافيه و لطيفه و فيه يظهر سر الحركة و الحيوة و في الدماغ نفساني لانه خلاصة ما في القلب و صافيه و لطيفه و فيه يظهر سر الادراك و التدبير فتبين و ظهر ان كل ذلك موجود في البسائط العنصرية الا انها في كل حالة يكون الظاهر فيها بالظهور الكامل شيء و الكامن فيها اشياء فكل هذه المراتب الاربع موجود في كل شيء و ان كان ظاهراً بواحد و بتدبير خاص يظهر كل واحد و يمكن ابراز كل واحد من حالاته الكامنة فيه بتدبير مناسب و مع‌ذلك من اول تكونه الي بلوغه غايته يختلف حكايته لهذه الاشياء ففي بدو تكونه حال جماديته و حال امتزاج بعض اجزائه ببعض حال نباتيته و حال تمام الامتزاج حال حيوانيته و حال كمال الامتزاج حال انسانيته ثم قد تكون هذه الحكايات في بعض الاشياء جلية ظاهرة و في بعضها خفية و ليس اذا خفيت عدمت فلابد في تكون كل شيء بعد وجود بسائطه اي مادته و صورته و سمواته و ارضه و دور سمواته علي ارضه ان‌يتكون اولاً تكوناً جمادياً ثم يتكون تكوناً نباتياً ثم يتكون تكوناً حيوانياً ثم يتكون تكوناً انسانياً فاذا صار انساناً كمل و بلغ غاية وجوده بحسبه في دورته و صار تاماً كاملاً و ذلك معني قولنا لابد و ان‌يدور الشيء ثلث دورات لاستفادة التمام و دورة اخري لاستفادة الكمال.

المقدمة السادسة

اعلم ان الطفرة ممتنعة فليس يمكن ان‌يبلغ المركب درجة الكمال حتي يدور الدورات الثلث فان الشيء في سيره الي الكمال لابد و ان‌يسير و يمر علي الوسايط فلايبلغ شيء درجة الانسانية حتي يدور دورة جمادية ثم يدور دورة نباتية ثم يدور دورة حيوانية ثم يدور الدورة الانسانية فالبسايط تصير جماداً لاغير و الجماد يصير نباتاً لاغير و النبات يصير حيواناً لاغير و الحيوان يصير انساناً

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 590 *»

لاغير فالتدبير للجماد في البسائط و للنبات في الجماد و للحيوان في النبات و للانسان في الحيوان فيجب تلطيف البسائط لان‌يصير جماداً و تلطيف الجماد لان‌يصير نباتاً و تلطيف النبات لان‌يصير حيواناً و تلطيف الحيوان لان‌يصير انساناً فمن رام غير ذلك لم‌يأت البيت من بابه و انما اتاه من ظهره و عسي صاحب البيت ان‌يمنع من نقب ظهر البيت فلايبلغ المراد و لايري داخل البيت فافهم فلايمكن ان‌يتصرف في البسايط بتدبير واحد حتي يبلغه الانسانية فان التدبير الواحد المناسب للبسائط يبلغها الي الجمادية و نحو ذلك التدبير لايناسب الجماد حتي يصير انساناً او غيره أ رأيت المضغ يجعل الغذا كيلوساً و لو بقي في الفم اياماً الا ان‌ينهضم في المعدة و حرارة المعدة يجعل الغذاء دماً و لو بقي فيها دهراً حاشا الا ان‌يصفي في الكبد و يتصرف فيه حرارة الكبد بما يناسب بتدبير الاخلاط و حرارة الكبد لايصير الخلط روحاً حيوانياً الا ان‌يدخل القلب و يتصرف فيه الحرارة الغريزية و لاتصير روحاً نفسانياً الا ان‌تصعد الي الدماغ و تتصرف فيه النفس فتجعلها روحاً نفسانياً فلا كل تدبير يجعل اي شيء اي شيء بل في كل رتبة يحتاج الي تدبير مناسب فلايمكن ان‌ينقلب البسائط الي الانسان بتدبير واحد فاعرف ذلك.

                                         المقدمة السابعة

اعلم ان السماء اذا دارت علي الارض و القت اشعتها و شعلاتها و انوارها علي الارض فامتزجت بما في الارض و ادامت الاشراق لطفت الرطوبات و كلست اليبوسات بتقوية ما في فيهما (فيها ظ) من جنسها و مشاكلها فالقت ما عليها من اللزوجات و الكثافات و ظهرت باللطافة و التكلس و ذلك لان الخارج لايقدر ان‌يسخر حصنا الا بتقوية الداخل و ميله و تمكينه شوقاً او قهراً فتقوي ما فيها اي ما في الرطوبات و اليبوسات من الحرارة المستجنة فظهرت باللطافة و مالت الي حيزها و هو العلو فصعدت من الاجام و البحار و الحيران و المحاقن و الابار و المزارع و الاراضي الندية تلك الرطوبات الملطفة و شايعها ما انحل فيها من الاجزاء الهبائية الارضية و اختلط بها ايضاً ما منها في الهواء فصعدتا الي الفضاء و حرارة الاشعة و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 591 *»

الفضاء تعمل فيها عمل الهاضمة بالغذا تعقد الرطوبة في اليبوسة و تحل اليبوسة في الرطوبة فاذا كان الغالب الرطوبة تنقلب هواء لايري بسبب اماعة الحرارة لزوجاتها و يحيلها الي الهواء لقلة كثافتها حتي اذا اتفق رطوبة و يبوسة بالميزان المناسب لتكون الابخرة بان كانت الرطوبة اربعة اجزاء علي الاصح و اليبوسة جزء واحد عقدت الرطوبة في اليبوسة و شمعها فيها و حلت اليبوسة في الرطوبة و عفنهما بالحرارة و الرطوبة في مثل شمس الشتا لانه لو زادت الحرارة لجفت الرطوبة قبل ان‌تنحل اليبوسة فاتحدا فكأنه ماء جامد او ارض سائلة فتكون من تلك الرطوبة و اليبوسة بهذه الكيفية بخار فقام يرتفع من هنا و من هنا ابخرة و يضرب فيها الرياح و يجعلها ذوفنون و شعب كالاشجار فبذلك سميت بشجر البحر لانه علي هيئة الشجر النابت علي ساحل البحر بحر البخار او بحر الماء علي الارض فترتفع في الهواء الي ان‌تصل كرة الزمهرير و يجمعها الرياح حتي تتراكم فتتكاثف فتجتمع اجزاؤها بسبب البرد فتثقل فتدفعها الافلاك بالقوة الدافعة التي فيها فتنزل الي الارض و يقطعها الهواء قطعاً صغاراً فينزل مطراً علي ما هو مشاهد و ذلك كما تري اذا صببت ماء من مكان عال فانه ينزل متشققاً متقطعاً قطعاً صغاراً لان الهواء يشقه شقاً فيقف قطراتها في الهواء بطبعها مستديراً لعدم القاصر و ربما يتولد البخار في العماء في بقاع في الارض فانه يحصل فيها رطوبات او يحتقن فيها ماء فاذا صار البرد علي ظاهر الارض احتقنت الحرارة في جوف الارض فتحل تلك الرطوبات بخاراً و يمتزج به الاجزاء الهبائية الارضية فتعقد تلك الحرارة الرطوبة في اليبوسة و تحل اليبوسة في الرطوبة فيتكون منهما البخار فيصعد الي اعلي البقعة فاذا صار الحر علي وجه الارض دخل البرد في جوفها فاثقله و رده الي اسفل البقعة و قد تغلب الحرارة علي البخار فتصير الاجزاء المكلسة من التراب اكثر و تجفف الرطوبة شيئاً فتصير الارضية غالبة علي الرطوبة و الحرارة شديدة فتصعد تلك الاجزاء الارضية بقوة الحرارة فيكون دخاناً فيكون الغالب علي الدخان الحرارة و اليبوسة و فيه البرودة و الرطوبة قليلتان كامنتان ولكن لابد فيه من قليل رطوبة و تصير لزجاً بسبب غلبة الارضية و شدة الحرارة الطابخة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 592 *»

كما تري اذا اثرت النار في الحطب الرطب فانها تكلس اجزائه اللطيفة و تصعدها مع الاجزاء الرطبة فيكون دخاناً و لو لم‌يكن رطباً لم‌يتكون دخان و لو كان شديد الرطوبة لاطفأ النار و تبخر و لم‌يحصل دخان فالغالب عليه الحرارة و اليبوسة كما ان الغالب علي البخار البرودة و الرطوبة و الحرارة و اليبوسة فيه قليلتان كامنتان كما تري في الماء اذا اوقدت تحته ناراً يصعد منه البخار ففيه الغالب الرطوبة و جزء يسير من الهباء الذي في الماء و الفضاء و ناره و يبسه قليلان فافهم و كذلك قد يتولد الدخان في العماء اذا صارت البرودة الشديدة في ظاهر الارض و احتقنت الحرارة الشديدة في جوفها فجففت الرطوبات و كلست الارض و صعدت بقوة الحرارة مع قليل رطوبة باقية فيها لزجة فتكون منه الدخان و لو لم‌تكن فيها الرطوبة اللزجة الغليظة لماتكون منه دخان فالرطوبة التي في الدخان دهنية و الرطوبة التي في البخار مائية فالطبايع الاربع في كل واحد منهما موجودة الا ان في البخار الغلبة للبرد و الرطوبة و في الدخان الحر و اليبوسة.

المقدمة الثامنة

اعلم ان البسائط ما لم‌تتحد في الرتبة لم‌تمتزج و لم‌تتركب فان كل واحد منها بعباطته يميل الي حيزه فيحصل منه الفرقة كما تري ان النار تميل الي حيزها و تصعد الي ما فوق الهواء و الهواء يميل الي حيزه فلو ادخلت زقاً قد نفخ فيه في الماء و خليت عنه يرتفع الي فوق الماء و الماء يقتضي النزول الي مركزه كالمطر ينزل الي الارض و كذا التراب كما اذا ذررت تراباً من علا ينزل الي الارض و يرسب الي اسفل الماء فاذا كان هذه البسايط بعباطتها هكذا امتنع عليها الامتزاج ما يتحدا في الرقة و الغلظة و اللطافة و الكثافة حتي تكون كالماء و الماء يمكن خلطهما و تركيبهما فلابد للمركب لها ان‌يكثف اللطيف و يوقفه في الوسط و يلطف الكثيف حتي يوقف في الوسط فيصيرا متشاكلين في الصورة فيمتزجا امتزاجاً خالداً و الا فيوشك ان‌يتفارقا فتختلف امتداد كيان الاشياء بحسب كثرة تشاكل الاجزاء و قلته فما كان منها قليل التشاكل فيوشك ان‌يذهب كل جزء منه

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 593 *»

الي عنصره و يتبدد اجزاءه و ما كان منها كثير التشاكل فيبقي كونه الي اجله حتي انه اذا اتحدت الاجزاء بالمشاكلة امتنع عليه التفكك علي مر الدهور و الاعوام و لايعتريه ابداً دثور و لا اضمحلال و قلنا بايقاف كل جزء الي الوسط فان لو لطف الكثيف حتي جعله كاللطيف الصرف لصارا عنصراً واحداً بسيطاً كما اذا لطف التراب حتي يصير كالنار فهو النار و صار عنصراً بسيطاً و هكذا لو نزل النار و صار كثيفاً مثل التراب كان هو عنصر التراب و لم‌يكن مركباً من العناصر فافهم ذلك فلابد و ان‌يجعل النار حرارتها بين البرد الصرف و الحر الصرف و يبوستها بين الرطب الصرف و اليابس الصرف فاذا هي في هذه الحال ليست بنار و لا هواء و لا ماء و لا تراب فان كل واحد منها صرف و هكذا يفعل بكل واحد و يوقفه في الوسط فحينئذ يكون الكل متشاكلاً كالماء و الماء فيمتزج ثم يكون واحداً و ان كان الكم فيها مختلفاً فذلك مثل ان‌تأخذ خمسة اجزاء من الماء و عشرة اجزاء و ثلثة اجزاء و جزء ثم تمزجها فيكون الكل واحداً فما قيل من ان المركب اذا اعتدلت اجزاؤه تفرقت و منع كل جزء منها ضده و لم‌يحصل بينهما الفعل و الانفعال فذلك زخرف من القول غروراً كما عرفت فانا نري من المحسوسات انه يمكن ان‌يبرد الحار حتي يعتدل و بالعكس و يرطب اليابس حتي يعتدل و بالعكس و يكثف اللطيف حتي يعتدل و بالعكس فاذا صارت العناصر كلها واقفة في الوسط يحصل التشاكل و يرتفع الضدية بينها فتتماسك الاجزاء لا انها تتفارق فالمعتدل الحقيقي ممكن بداهة و عياناً و كيفية انزال العالي و اصعاد السافل و تبريد الحار و تسخين البارد و ترطيب اليابس و تجفيف الرطب ان في كل عنصر جميع الكيفيات موجودة الا ان كل عنصر ظاهر بصفة و ساير الصفات فيه كامن ضعيف فاذا قويت الضعيف منه برز الي الظاهر فيبرز شيئاً فشيئاً و تضعف الصفة الظاهرة شيئاً فشيئاً الي ان‌يتساوي مع القوي الظاهر فيعتدل و هذه التقوية لايمكن الا بقوي آخر في هذه الصفة مثلاً الماء ظاهر بالبرودة و الرطوبة و الحرارة و اليبوسة فيه كامنتان ضعيفتان فالحار اليابس القوي في الحرارة و اليبوسة هو النار و فيها البرودة و الرطوبة ضعيفتان فاذا سلطت

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 594 *»

النار علي الماء يتقوي الحرارة و اليبوسة الكامنة في الماء بظاهر النار و تبرزان شيئاً فشيئاً و يتقوي البرودة و الرطوبة الكامنتان بظاهر الماء و تبرزان شيئاً فشيئاً فيصير كل واحد منها ظاهراً بصفة اعتدالية متشاكلة فيكونا من جوهر واحد فيمتزجان فيصيرا واحداً و كذلك الكثيف و اللطيف و العالي و الداني و ان قلت ان النار كيف تقدر علي تقوية الحرارة و اليبوسة الكامنتين في الماء و لايغير الشيء الا الله سبحانه قلت كل قوي في صفة هو باب افاضة تلك الصفة علي فاقديها و لو كانوا اقوياء من جهة اخري في مقام القطبية و هو يد الله في الامداد علي الضعفاء و العادمين فاذا تقرب الضعيف الي القوي الذي هو الوسيلة الي المبدء و باب المبدء اليه و يتوجه منه الي مبدئه توجه المبدء منه اليه بالافاضة فينزل الامداد المجانسة من المبدء الي هذا الباب و يخرج منه الي الضعيف فيتقوي من دون ان‌ينقص من الباب شيء او يصير الباب هو او هو الباب فالباب باب و هو هو الا انه اذا اقترن بباب الفيض و دعا الله بلسان قابليته انزل الله الامداد اليه من جنسه و اجراها من هذا الباب و كذلك لاينزل مدد الي شيء الا من بابه اليه فانه لابد من المناسبة بين المستمد و الممد فافهم فاذا سلطت باب الحرارة اي النار الكاشفة عن حرارة المبدء و المظهرة لها علي الماء استمدت الحرارة و اليبوسة الكامنة فيه من هذا الباب فامده الله به ما استمد فتقوت و النار علي حالها لايصير النار ماء و لا العكس و لامؤثر الا الله فافهم و كذلك استمدت البرودة و الرطوبة الكامنتان في النار من الماء فامده الله من ذلك الباب و كذلك تقدير العزيز العليم و هو في كل مكان و لايخلو منه مكان قال الله سبحانه أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً و رحمة ربك خير مما يجمعون فالله سبحانه هو الضار النافع فمن ذهب يزعم ان السم ضار و الدرياق نافع فهو مشرك بالله العظيم فالله سبحانه هو المسخن و المرطب المجفف المبرد الملطف المكثف و لا حول و لا قوة الا بالله ولكن يجري كل خير من بابه و كل شر من بابه فافهم و احفظه و كن به ضنيناً فان لكل كلام و علم ظهر و بطن و لا ظاهر الا بالباطن و لا باطن الا بالظاهر.

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 595 *»

فاذا عرفت ذلك فاعلم انه لابد من انزال النار و الهواء و اصعاد الماء و التراب حتي يتحدا في الرتبة و يمكن التمازج بينها فقدر الله سبحانه في محكم تدبيره ان‌تعمل الحرارة النارية اذا كمنت في بقاع العماء في الرطوبة و اليبوسة و يعفنهما حتي تنحل اليبوسة في الرطوبة و تنعقد الرطوبة في اليبوسة فيحصل منهما البخار فتصعد الي اعلي البقاع ثم تنزله البرودة اذا كمنت فيها فيختلط بالتراب ثم تصعده الحرارة مرة اخري و حينئذ يكتسب من لطائف الارض يبوسة جديدة فيغلظ شيئاً ثم تنزله البرودة و تكثفه و يختلط ثانياً بلطائف الارض ثم تصعده الحرارة مرة اخري و قد اكتسب يبوسة اخري حال اختلاطه و هكذا الي ان‌تصير الرطوبة لزجة ذات دهنية فحينئذ تمسك الحرارة اكثر لزيادة الماسكة الحاصلة من اليبوسة كما تري من ان الطابقة تمسك الحرارة اكثر من الماء و الماء يمسك الحرارة اكثر من الهواء فتمسك الحرارة في نفسها اكثر و اثر الحرارة مع اليبوسة ايضاً اشد منها مع الرطوبة للمشاكلة فتشتد الحرارة فيها فتشتعل و تحترق فتكون دخاناً فكل دخان في اول كيانه بخار في دورة الظهور و البروز و اما في دورة الوجود فالدخان مقدم وجوداً لانه نار و البخار ماء و النار مقدم علي الماء فاذا صار البخار في الظاهر دخاناً صار حاراً يابساً لغلبة الحرارة النارية و اليبوسة الترابية و كمون البرودة و الرطوبة فيه و ضعفهما حينئذ و فيه من الرطوبة جزء و من اليبوسة جزء و هو برزخ بين النار و التراب فيكون حينئذ ارضاً لطيفة و ناراً كثيفة و هو في الكيفية بين النار و التراب و اما البخار فهو برزخ بين الماء و الهواء فهو اغلظ من الهواء و الطف من الماء و فيه من الرطوبة اربعة اجزاء و من اليبوسة جزء و البخار و الدخان متشاكلان يمكن الامتزاج بينهما للمشاكلة في الرقة و الغلظة و الفرق بينهما ان البخار بارد رطب و فيه بقدر الحرارة النارية و اليبوسة الترابية حرارة و يبوسة ضعيفتان و الدخان حار يابس و فيه بقدر البرودة الترابية و الرطوبة المائية برودة و رطوبة ولكن ضعيفتان كامنتان فاذا ائتلفا حصل منهما جوهر واحد متشاكل الاجزاء معتدل في الطبايع فاذا كل مركب في العالم مركب من بخار و دخان اذ لايتحقق التركيب بغيرهما كما عرفت فهما اصل المركبات في

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 596 *»

جميع العالم و لاهل الحكمة عنهما تعبيرات فقد يعبرون عنهما بالزيبق و الكبريت و قد يعبرون عنهما بالماء و النار و قد يعبرون عنهما بالقمر و الشمس و الفضة و الذهب و امثال ذلك فكل شيء يكون الغالب فيه البخار يعبرون عنه به و كل شيء ‌يكون الغالب فيه الدخان يعبرون عنه به و ليس المراد الا هذا البخار و هذا الدخان الذي ذكرنا فجميع المركبات من نوع البخار و الدخان كائناً ما كان بالغاً ما بلغ و تختلف المركبات بحسب اختلاف كم هذين فيها و كيفهما الا المعتدل الحقيقي فان البخار و الدخان فيه متساويان في الكم و الكيف.

المقدمة التاسعة

اعلم انك بعد ما عرفت ان اصل كل مركب من بخار مائي و دخان ترابي لابد ان‌تعلم كيفية تكون كل مولود من هذين الاصلين الاصيلين فنقول ان لكل مكون كم و كيف و علة الكم الرطوبة و اليبوسة اي البخار و الدخان و هي واحدة في الكل فلا مكون الا من البخار و الدخان و اما الكيف فيختلف في كل شيء‌ بحسبه و علة الكيف الحرارة و البرودة الفاعلتان فيهما فالحرارة يصعدهما و البرودة ينكسهما و الحرارة يذيبهما و يحجرهما و البرودة يعقدهما و يجمدهما فالتدبير في الكيف و المادة من الكم و علته الرطوبة و اليبوسة و جميع المولدات مولد من هذين الاصلين الاصيلين و هما الاب و الام لجميع المولدات و جميع المركبات اولادهما فالبخار هو آدم هذه الاولاد و الدخان هو امها الحواء باعتبار ان الماء هو المبدء و هو حامل الحيوة و جهة الرب فهو آدم و الدخان هو جهة اليبوسة و غلبة الارضية و جهة النفس و الصورة فهو حواء و ذلك بحسب ظاهرهما المحسوس فان الماء و التراب محسوسان و النار و الهواء غيبان و علي حسب الظاهر الماء هو آدم و التراب هو الحواء و كذلك يكون الامر الي ان‌يظهر باطن البخار و الدخان و يظهر آثار بواطنهما لصفاء ظواهرهما فينقلب الامر فيكون الدخان هو آدم لحرارته و البخار هو الحواء لبرودته و سيمر عليك ان‌شاء‌الله ما تزداد به بصيرة فمثلهما كالشمس و القمر فان القمر مذكر مع انه بارد رطب و الشمس مؤنثة مع انها حارة

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 597 *»

يابسة و انما ذلك بواسطة رطوبة القمر و يبوسة الشمس و اما بحسب الحرارة و البرودة فالشمس مذكر و هو مقام المادة و القمر مؤنث و هو مقام الصورة و لذلك صارت الشمس نهارية و القمر ليلية فالبخار مقام المادة باعتبار الرطوبة و الدخان مقام الصورة باعتبار اليبوسة و اصل كل مكون من هاتين المادة و الصورة فمن اولادهما و ما تركب منهما المعدن فاذا حصل البخار و الدخان في بقعة من بقاع الارض بان حصل فيها رطوبة و عمل فيها النار حتي جعلتها بخاراً ثم اشتدت عليها حتي صار بعضه دخاناً و بعضه بقي نياً علي عباطته او صار كله دخاناً و حصل بخار اخر بعده يعمل فيهما النار فيصعدهما بالليل و الشتاء و ينزلهما بالنهار و الصيف فيختلطان في الصعود و النزول و يمتزجان و هكذا يصعدان و ينزلان علي مر الدهور حتي يتحدان و يصيران شيئاً واحداً و هنا يكون الدخان ذكراً و البخار انثي فيتناكحان علي كتاب الله و سنة نبيه فان عرضهما الجمود قبل استحكام الممازجة و الغلبة للبخار في الظاهر حصل منه الملح او الغلبة للدخان حصل منهما الاحجار الشفافة و ان اشتد الممازجة قليلاً و عرضهما الجمود و الغلبة للبخار صار زيبقاً و ان كانت الغلبة للدخان صار كبريتاً فان اشتد الممازجة و الاتحاد و كان الغالب عليه برد مجمد صار قصديراً و ان كانت الغالب حر مجفف صار حديداً و ان كان الغالب برد متوسط في الاجماد صار رصاصاً و ان كان الغالب حر متوسط صار نحاساً و ان كان الغالب برد قليل صار فضة و ان كان الغالب حر قليل صار ذهباً فالاجساد المنطرقة واحدة بالنوع مختلفة بالاعراض و ان كان في نوعها ايضاً اختلاف لكان اختلافاً يسيراً فصار نوع ما يتكون في المعدن سبعة بخار و دخان و ملح و حجر و زيبق و كبريت و جسد فالبخار قمره و الدخان شمسه و الملح مريخه و الحجر مشتريه و الزيبق عطارده و الكبريت زهرته و الجسد زحله و في المعدن ليس قوة جاذبة و لا ماسكة و لا دافعة و لا هاضمة من طبعه لان كل ذلك من صفات النبات كما يأتي و انما ينطبخ الغذا فيه بالهاضم الخارجي و كذلك ليس فيه نامية و لا مولدة و انما ينمو و يزيد بالمزج كزيادة الماء من الماء و يتكون المشاكل شيئاً فشيئاً كتكون الاصل و يتولد كتولد الاصل نعم يكون للاصل اثر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 598 *»

كالخمير فيحيل الوارد الي جنسه فحينئذ يكون له قوة غاذية لا غير و كذلك اصل تكون النبات فانه ايضاً من بخار مائي و دخان ارضي و هما ابوا النبات فالدخان هو الاب و البخار هو الام ففي اول امتزاجهما يكون جماداً و ذلك انه اذا وقع الماء علي الارض و اختلط جزءان منه بجزء من التراب في بقعة من بقاع الارض يكون جماداً فيعمل فيهما حرارة اشعة الافلاك حتي تصعدهما و تنزلهما و تمزجهما و تحلهما و تعقدهما فاذا بلغ الامر هذا المقام يكون معدناً و هو ايضاً مركب من ذلك الدخان و البخار ثم تجاوز اثرها هذين الجسمين و يبلغ طبعهما و يحركهما كما مر فيحصل منهما النبات و يمتد و ينمو و يزيد فلذلك لايحتاج النبات الي بزر لانه يتكون تكوناً و ان كان بزر فيصير بمنزلة الخمير في ذلك البخار و الدخان الداخلان في جوفه و يحيلهما الي جوهره و يکيفهما بكيفيته فيظهر فيهما النماء كما لو كانا وحدهما من غير بذر فيتحدان بالمشاكلة و ذلك لانهما اذا دخلا في جوف البزر بالقوة الجاذبة التي في النبات ينطبخان في جوفه بسبب الهاضمة التي للنبات فيصيران فيه كيلوساً فيمسك منه ما يشاكله بالماسكة التي له و يدفع عن نفسه اعراضهما بالقوة الدافعة التي له و لما كان هذا الماء و التراب كما بينا سابقاً بابان لايصال المدد الي النبات كما بينا سابقاً فيكونان بنفسهما عرضان يندفعان بالدافعة و يمسك الماسكة المدد المناسب للنبات مما اديا اليه فلذلك لايصيران بانفسهما جزءاً للنبات فاذا امسك المناسب و دفع المنافر يتصرف في المناسب الغاذية و تحيله الي شبه جوهر النبات فتأخذه النامية و تقسمه في اقطار النبات فيزيد اقطاره عرضاً و طولاً اذا كان الغذاء اكثر مما يتحلل منه و ان كان مساوياً يحفظ به اقطاره و ان كان اقل يزبل شيئاً فشيئاً الي ان‌يجف و له قوة مولدة فتأخذ ما فضل من الغذا و يولد من جنسه و كل هذه القوي يسمي بالنباتية و في الدورة النباتية ايضاً مركب من دخان و هي النفس النباتية التي هي الطبيعة الحاصلة بعد الخلط و المزج و البخار و هو الجسم الحامل لها فان الطبع بالنسبة الي الجسم احر و الجسم بالنسبة الي الطبع ابرد فالنفس النباتية هي الذكر و الجسم هو الانثي و قد عرفت ان مبدء تكونه ايضاً من بخار و دخان فما كان الغالب في النبات الدخان من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 599 *»

مبدء تكونه صار اصلب عوداً و ادوم وقوداً و اطول قامة و ماكان الغالب فيه البخار يكون الين عوداً و اقصر قامة و كذلك يتولد الحيوان من بخار و دخان فالبخار هو نطفة المرأة و الدخان هو نطفة الرجل فينحل نطفة الرجل في نطفة المرأة و ينعقد نطفة المرأة في نطفة الرجل فتكون نطفة امشاجاً اي مخلوطة من النطفتين و هي في هذه الدرجة جماد ثم تغذي بصافي الدم فتربو فتكون معدناً حال كونها علقة و مضغة فمعدنيتها ايضاً من بخار و دخان فالدخان هو الدم الوارد عليه و البخار الامشاج فيتركب منهما المعدن و هو العلقة و المضغة او بالعكس و لكل وجه ثم يترقي فيكون نباتاً حين ينبت له العظم و اللحم و نباتيته ايضاً من بخار و دخان فالبخار هو الدم الوارد و الدخان هو الارض الموجودة و هي المعدن ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام الصورة و هو ايضاً مركب من دخان هو الروح لانها احر من الجسد بمراتب و بخار هو الجسد فما كان من الحيوان الغالب عليه الدخان صار قوياً شجاعاً سبعاً ذا فراسة و قوة و قدرة و ما كان الغالب عليه البخار صار من البهائم و الحشرات المتكونة في الارض و عليها و كذلك الانسان مركب من بخار و دخان فالدخان هو النفس الناطقة القدسية لانها بالنسبة الي ما دونها احر و البخار هو الحيوانية فانها بالنسبة الي ما فوقها باردة رطبة.

و اعلم ان البخار و الدخان اضافيان فرب بخار بالنسبة الي ما فوقه هو دخان بالنسبة الي مادونه و رب دخان بالنسبة الي ما دونه هو بخار بالنسبة الي ما دونه الاتري ان فلك القمر يقال انه بارد رطب مع انه احر من كرة النار بسبعين مرة و اجف منها كذلك و اعلم ان الواجب عليك ان لاتجمد الي ظواهر كلماتنا في هذا الكتاب فانها ذوجهات عديدة و لو امعنت النظر فيها يفيدك اسراراً من العالم لاغاية لها و لانهاية و عليك ان‌تأخذ بباطنها و تأويلها حتي تفوز بما قصدنا فيه.

المقدمة العاشرة

اعلم ان المولدات الغير التامة ليس لها قوي و انما هي محض خلط العناصر بعضها ببعض بواسطة اشعة الافلاك المحركة لها حركة عرضية كالحجر و المدر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 600 *»

و الابخرة و السحب و امثال ذلك و اما المعدن ففيه قوة غاذية و هي طبيعة في الغذاء الوارد عليه و قد كانت كامنة ضعيفة فتقوت بمجاورة المغتذي حتي غلبت فاحالت الغذا الي جوهر المغتذي علي حسب ما تقوي و ما فضل من الغذاء يصير مادة لتولد ما يشاكل المعدن الاول و ليس له قوة اخري من ساير القوي النباتية كما يأتي و اما النبات فله اربع قوي جاذبة ناشئة من حرارته و يبوسته فتجذب اليه الاجزاء المشاكلة من رطوبة و يبوسة ارضية الي اجواف اصوله و هاضمة ناشئة من حرارته و رطوبته فتجعل المجذوبة اليه كيلوساً في الاصول و كيموساً في الدوحة و الاغصان بالطباخ بمدد الحرارة الخارجة و دافعة تدفع الاجزاء الغير المشاكلة و فضول الكيلوس و الكيموس علي مثل الصموغ و القشور المتحصفة و الرطوبات اللزجة السايلة و الاوراق والازهار و امثال ذلك و ماسكة تمسك الغذاء الوارد الي (ان ظ)‌ينهضم في الكيلوس و الكيموس ثم تمسكه علي الاغصان و الاوراق و الازهار الي ان‌تغلب الاعراض المحللة الغالبة فتحللها و هذه القوي الاربع خدام للغاذية فانه اذا حصل مادة الغذاء منهضمة مصفاة تكون مادة نوعية فتحيلها الغاذية الي شكل المغتذي فتلبسها صورة شخصية فالغاذية كيفية مركبة من الطبايع الاربع و قد كانت ضعيفة و لاجل ذلك اقعدت المركب عن ان‌تكون علي هيئة المغتذي فاذا جاور المغتذي الغالب عليه ظاهره تقوت تلك الكيفية الي ان ظهرت الي عرصة البروز و الظهور فصار الغذاء ‌علي هيئة المغتذي و ذلك لما قلنا ان كل شيء صالح لان‌يصير كل شيء لما في جوهره من امكان التصور بكل صورة فاذا غيرها الغاذية و حصل الغذاء المشاكل تأخذه النامية و تزيد به اقطار المغتذي علي نسبة واحدة و ذلك لان المشاكل اذا دخل علي المشاكل ازداد كمه لامحالة و النفس النباتية و هي الطبيعة الخامسة المهيمنة علي الكل مستوية علي عرش النبات و ظاهرة في كل جزؤ من اجزائه علي حسب قابليته و هي فوق الجهة و حركتها من كل جهة الي مبدئها فتتحرك من كل جهة الي مبدئها فيمتد معها الجسم من كل جهة لمشايعتها فتنمي كل جزء علي حسبه و قد ذكرنا ان النماء هو الحركة الي كل جهة و قد علمت انه يشايع كل طبع كل طبع لما قد حصل فيما بينها

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 601 *»

من المشاكلة و الاتحاد فلاتمانع فيها و لاتدافع اذا صار الغالب عليها حكم الحد المشترك فيحكم ما يشاء و يفعل ما يريد و تطاوعه الطبايع لمشاكلتها و ممازجتها و اتحادها فالغاذية خادمة للنامية تهيؤ الغذاء للنامية و تخلي بينه و بينها و في النبات قوة اخري و هي المولدة فهي تأخذ ما فضل من الغذاء المشاكل و تدفعه الي تحت القشر و اللحم فيتكون هناك نباتاً كتكون النطفة حيواناً في الرحم فيحدث فيه جاذبة و هاضمة و دافعة و ماسكة و يحدث له ايضاً غاذية و نامية فينمو في ذلك الرحم حتي يكبر فيشق الجلد فيخرج و يصل اليه الغذاء المشاكل شيئاً فشيئاً فينمو و يمتد كامه و هذه القوي ليست للمعدن فليس له جاذبة و ماسكة و دافعة و نامية و فيه قليل هاضمة و غاذية فيهضم بحرارة ما فيه و رطوبته ما يصل اليه من غير جذب فلاجل عدم الدافعة يكون مختلطاً بغير المشاكل و الغرايب و لابد من تطهيره عند الحاجة من الغرايب حتي يصير طاهراً و اما الحيوان فله جميع القوي النباتية لانه ايضاً ينمو و يزيد علي النبات القوي الخمس و هي الباصرة و السامعة و الشامة و الذائقة و اللامسة و هذا القوي في الروح صرف ادراك و دراكية و لما تعلقت بالجسم و ظهرت في اجزائه و طبايعه ففي ظهورها بالنار صارت باصرة و في ظهورها بالهواء صارت سامعة و في ظهورها بالهواء البخاري اي الماء اللطيف صارت شامة و في ظهورها بالماء الغليظ باختلاط الارض صارت ذائقة و في ظهورها في الطبيعة الخامسة صارت لامسة فلاجل ذلك صارت تدرك بها صفات كل الطبايع فصارت تدرك الحرارة النارية و اليبوسة الترابية و الرطوبة الهوائية و البرودة المائية و الخشونة الارضية و الملاسة الهوائية و المائية و ثقل الارض و الماء و خفة النار و الهواء و هكذا و له خاصيتان تظهران منه تستخدمان الادراكات الخمسة و هما الشهوة و الغضب و اما الانسان فله جميع القوي النباتية السبع و القوي الحيوانية السبع لانه نباتي و حيواني و يزيد خمس قوي و هي علم و حلم و ذكر و فكر و نباهة و هذه القوي في الانسان صرف اتصاف بصفة بسيطة الهية من دون امتياز ولكن لماتعلقت بالطبايع و ظهرت في اجزائها ففي ظهورها بالتراب صارت عالمة لانها مقام الصورة و في ظهورها بالماء صارت حليمة لينة ذات

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 602 *»

مداراة و في ظهورها بالهواء صارت ذاكرة مائلة الي المذكور بسهولة منصبغة بصبغ المذكور و في ظهورها بالنار صار فكورة منقطعة الي مبدئها متمحض النظر فيه مستقرة في ظل مبدئه غير خارجة منه الي غيره فافهم و في ظهورها في الطبيعة الخامسة صارت نبيهة فطنة يقظانة و هذه الصفة تجمع الكل فافهم و لها خاصيتان تظهران منه النزاهة و الحكمة تستخدمان القوي الخمس.

المقدمة الحادية‌عشرة

اعلم انك بعد ما عرفت ان اصل جميع المعادن المنطرقة من البخار و الدخان علي نسبة خاصة و هي صلوح الذوب و الانطراق و الامتداد فالبخار و الدخان فيها جنس يشترك فيها و ساير المعادن و النبات و الحيوان و يختص المعدن المنطرق بصورة فصلية هي الانطراق و الذوب و الامتداد فجميعها من نوع واحد حقيقي و انما اختلفت اشخاصها بحسب اختلاف التدبير فمنها ما هو في قليل النضج و منها ما هو زايد النضج لا علي حد التكليس لغلبة الحرارة و منها ما هو معتدل في النضج غير ناقص و لا زايد فاذا تمم الحكيم نضج الني الي ان صار ناضجاً معتدلاً بلغ مبلغ الكل و ان نقص من الزايد حرارته الي ان جعله في الوسط بلغ مبلغ الكمال فالتام النضج هو النمرقة الوسطي اليه يرد الغالي و به يلحق التالي فمثلها كنوع الانسان و اختلاف اشخاصه في القوة و الضعف و الصحة و المرض فهو نوع واحد مع اختلاف الاشخاص و يمكن فيه تقوية الضعيف و تضعيف القوي و تصحيح المريض و امراض الصحيح فكلام المانع بمحل من الفساد و السخافة لاسيما بعد نزول الكتاب و ورود السنة بصحته فقد قال الله سبحانه حكاية عن قارون قال انما اوتيته علي علم عندي و كان يعلم الاكسير و قال علي7 لما سئل عن الكيميا ان في الاسرب[1] و الزاج[2] و الزجاج[3] و الزيبق الرجراج[4] و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 603 *»

الحديد المزعفر[5] و النحاس[6] الاخضر لكنوز لايؤتي علي غابره الا نبي مرسل او عبد صالح و عنه7 ان في الزيبق[7] و الزاج[8] و الذهب[9] الوهاج و الملح[10] الاجاج و الكبريت الاصفر[11] و زنجار النحاس[12] الاخضر و الحديد[13] المزعفر لصبغ يصفر عن ذهب خالص و صبغ جابل و ينسب اليه7 :

خذ الفرار و الطلقا و شيئاً يشبه البرقا

اذا مزجته سحقاً ملكت الغرب و الشرقا

و روي المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و هو صبغ القوم و الماء الالهي فالمعادن المنطرقة كلها من نوع واحد و تميز كل واحد عن الآخر باعراض يمكن ازالتها لانها حدثت من الكيف لا الكم و الكم في جميعها البخار و الدخان علي نسبة صالحة يقبل بعد التدبير الذوب و الانطراق و الامتداد و يمكن ازالة الاعراض بالاتفاق اذا كان النوع علي حاله كما يزول مرض المريض مع بقاء شخصيته علي حالها و علي فرض اختلاف انواعها ايضاً لايمتنع استحالة النوع الي نوع آخر ما لم‌يبلغ النوع نهايته كما ينقلب دود القز و يصير طايراً و النمل يخرج له جناحان و يكون طايراً و البعوض يتولد من الدود و تولد الدود و البعوض من النباتات و تولد الفارة من المدرة و تولد العقرب من البادروج[14] و غير ذلك فما لم‌يستحكم النوع يمكن استحالته الي غيره عادة و معني استحكام النوع و بلوغه النهاية ان‌يلطف اجزاؤه غاية اللطافة حتي يتشاكل غاية التشاكل ثم يمتزج غاية الامتزاج و يبلغ

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 604 *»

به الحل و العقد الي غايتهما فاذا وصل الي هذا الحد استحال استحالته الي غير نوعه لشدة انعقاده بعد اتحادها و مع‌ذلك يمكن استحالته بالمعجز فان المركب هو المفرق و الموجد هو المعدم فيفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته كما جعل اناساً قردة و خنازير و جعل يكلم الحصاة و الضب و غيرهما الا انه خلاف العادة و لاجل ذلك يستحيل عادة ان‌ينقلب من انعقد علي الايمان المحض قلبه و بلغ النهاية في العقد و من انعقد علي الكفر قلبه و بلغ النهاية و لذلك روي المؤمن كالجبل لاتحركه العواصف و لاتزيله القواصف[15] و قال الله سبحانه حكاية من ابليس لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين و قال سبحانه انك لاتسمع الموتي و لاتسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين.

و اما المستضعف فهو ينقلب مع المؤمن مؤمناً و مع الكافر كافراً يميلون مع كل ريح اتباع كل ناعق و كذلك الامر في كل ما لم‌يبلغ الاتحاد و الانعقاد التام يمكن انقلابه الي نوع اخر فعلي فرض اختلاف المعادن في الكم ايضاً ما لم‌يستحكم المعدن يمكن انقلابه البتة و ليس واحد من المعادن متحداً منعقداً علي الكمال و الا لما كان يقبل التفكك بالدفن في التراب و الذوب في النار فلما رأينا فساد كونها غير الذهب عرفنا عدم استحكام تركيبها فعرفنا امكان استحالتها الي نوع آخر لاسيما انها يمتزج بعضها ببعض في الذوب و يتولد من بينهما ثالث فلو لم‌تكن مقاربة النوع لما امتزجت.

قال اعلي‌الله‌مقامه و رفع في الدارين اعلامه: اعلم ان الحجر معمول و نسبته الي الاكسير كنسبة النطفة الي الانسان فكما ان النطفة تتكون من كل طعام كذلك الحجر يتكون من كل مادة

اقول قد باح اعلي الله مقامه بالسر المصون الذي قد طال الحكماء يعبرون عنه برموز عجيبة غريبة لايهتدي اليه الا احاد الناس و ليس ذلك باول جود و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 605 *»

كرم منه اعلي الله مقامه قد جاد به علي اهل الدنيا بل كشف جميع الرموز و حل جميع المشاكل في جميع العلوم و اوقف الطالبين علي حاق الواقع و منها اسرار هذا العلم و لعمري انه من اغمض العلوم و الزمها للطالبين لمعرفة حقايق الاشياء فانه انموزج جميع العالمين و فيه اسرار جميع الموجودات علي نهج المشاهدة و اليقين و لقد تكلم الحكماء في هذا العلم و لكان جعلوا عليه ستوراً لايكشفها الا من علم العلم بكله فالذي علم العلم بكله لايحتاج الي حل رموزهم و ستورهم و الذي لايعلم لايهتدي اليها ابدا فاولاً كتموا ربع العلم الاول فلم‌يتفوهوا فيه بوجه و اما الثلثة الاباع الذي تكلموا فيه تكلموا فيه بما لامزيد علي كتمانهم الربع الاول فهو ايضاً محجوب تحت رموز مغلقة واسماء معضلة و تعبيرات مشكلة لايهتدي اليها احد الا من علم حقايق هذا العلم و مع‌ذلك لهم تضليلات و تدهيشات لايمكن التخلص منها للطالب حتي اذا جاء هذا القطب الاعظم و المركز لجميع العالم قد بين و شرح و فصل و اوضح بما لايحل اكثر منه و لايجوز التصريح باوضح منه و من راجع كتب القوم عرف اني قلت فيه حقاً و نطقت صدقاً و عرف منة هذا الجواد الكريم علي جميع العالم و شكره ما يمكنه و من تلك الاسرار التي قد باح به معرفة الحجر فان الحكماء قد رمزوا عليه و لم‌يكشفوا عنه لثامه و لم‌يفضوا ختامه و وصفوه باوصاف مدهشة و عبروا عنه بتعبيرات مضلة فكشف عن هذا السر المصون فقال اعلم ان الحجر معمول اي مصنوع و ليس بشيء يؤخذ علي ما هو عليه من ساير المعادن و ان كان مادته مأخوذة من العالم الا ان الهيولي المسمي بالحجر عند القوم هو متكون في معدن عالمهم و هو حجر عالمهم و لذلك صحيح نفي القوم لجميع الاشياء من المعادن و النبات و الحيوان و قولهم انه ليس بحجر و يصح قولهم انه حقير ملقي في كل مكان فان الحجر في كل شيء و يحصل من كل‌شيء. ثم قال «و نسبته الي الاكسير كنسبة النطفة الي الانسان» تشبيه الكامل كامل من كل جهة اي كما ان نطفة الانسان يتولد من جميع الاغذية كذلك هذا الحجر نطفة لهذا المولود الكريم و يتولد من جميع المواد و كما ان نطفة الانسان مركب من نطفة الرجل و المرأة كذلك هذا الحجر مركب من نطفة ذكر و من

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 606 *»

نطفة انثي و كما ان الغذاء يرد علي فم الانسان فيخضمه خضماً ثم يرد معدته ثم يصب عليه الماء المبدرق الحلال له فيجعله المعدة بحرارته و رطوبته كيلوساً ثم يمص الكبد صفوه من العروق الماساريقا و يبقي ثفله و رماده في المعدة فيقذف المعدة يبوسته من طريق الامعاء و رطوبته من طريق الكلية و المثانة ثم يعمل في ذلك الصفو الكبد بحرارته و رطوبته الخاصة فيجعله كيموساً له اربع مراتب له راسب يكون منه المرة و له رغوة يكون منه الصفراء و غير ناضج يكون منه البلغم و ناضج معتدل مقوم يكون منه الدم فاذا الدم اعدلها و اتمها نضجاً و اكملها و لذلك اختارته الحيوة لبروزها فيه فجعلته عرش استوائه و كرسي سلطانه فيجعل الغاذية هذا الدم مشاكلاً للمغتذي فيبقي منه فضل لايحتاج اليه في البدن فيدفعه الطبيعة الي وعاء المني فيبيض هناك و يكون مهيئاً الي وقت مس الحاجة اليه فيقذفه في الرحم القوة المولدة كذلك هذا الحجر نطفة المولود الكريم مركب من نطفة رجل و هو الحمامة البيضاء و من نطفة انثي و هو الروح و الماء‌ الخالد و هو زوجته المخلوقة من ضلعه الايسر و كذلك لابد و ان‌يجعل مادة هذه النطفة مخضومة بالمقراض ثم يجعل في معدة هذه الصناعة و يصب عليه البدرقة و يعفن اسبوعاً حتي يصير كيلوساً ثم يجعل صافي الكيلوس في كبدها فيجعله كيموساً محلولاً ثم يبيض الدم الحاصل و هو العسل في وعاء منيها حتي يحصل منه مني الرجل و هو العسل الماذي و الشحمة البيضاء و مني المرأة و هو الماء الخالد ثم يقذفهما في الالة العمياء رحمها و يزوج بين النطفتين فيكون نطفة امشاجاً فتكون هي هيولي الولد و النطفة الحاصلة منها الولد و هو الحجر و سمي به لانه في مقام المعدن الحاصل من الزيبق و الكبريت و هما الانثي و الذكر له.

ثم قال فكما ان النطفة تتكون من كل طعام كذلك الحجر يتكون من كل مادة و ذلك ان جميع ما علي الارض مركب من العناصر الاربع غاية الامر انها تركبت علي نسب مختلفة فمنها مختلفة في الكم و منها مختلفة في الكيف و منها مختلفة في الطبخ و النضج و اصول الكل العناصر فمن فصلها من اي مادة كانت و طهرها من الغرايب الظاهرة ثم ركبها حصل حجر القوم الا ان بعضها اشد مهنة و بعضها اقل مهنة لاختلاف نسبها الي الاعتدال كما

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 607 *»

ان نطفة الانسان تحصل من اي غذاء كان الا ان بعضها احسن كيلوساً و كيموساً و اهنأ و امرأ و بعضها اسوءها و بعضها اقرب الي الاعتدال و قلة الفضول و بعضها ابعد غاية الامر يكون فضول المنحرف اكثر و معتدله اقل و فضول الاقرب الي المعتدل اقل و معتدله اكثر.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: و لما كان الحليب اقرب و اسرع في تكون النطفة من ساير المطاعم كان مثله شعر رأس الانسان اقرب و اسرع في تكون النطفة من ساير المواد.

اقول جلالة شأنه اعلي الله مقامه اجل من ان اظهر متانة كلامه و جلالة مقامه في كل عبارة عبارة فالانسب الي مقامي ان‌اشتغل بالشرح علي حسب فهمي و اكف عن مدح عباراته و بيان مقاماته و ناهيك في كل هذه النسخة و غيرها من كلماته ان كلام الملوك ملوك الكلام و ان جميع كلماته تحت كلمات المعصومين و فوق كلمات العالمين.

فقوله اعلي الله مقامه لما كان الحليب الي آخره هذا تعليل لاقربية الشعر الي تكون النطفة و ذلك لان الغذاء بعد ما صار كيموساً صافياً و صار دماً غذاء مناسباً للمغتذي و لم‌يبق فيه الا ان‌يتصرف فيه الغاذية و يجعله مشاكلاً لللحم و الجلد و العظم و العروق و الاعصاب قسم الطبيعة هذا الدم اقساماً فاولاً تقسمه قسمين صاف لطيف و فضل كثيف فتأخذ اللطيف فتقسمه قسمين قسم تجعله غذاء البدن و يغيره الغاذية الي مشاكل الاعضاء و يتصرف فيه النامة و قسم يبقي فضلاً في البدن فيهيؤه الطبيعة لتوليد فرد مثلها لبقاء النوع فتقذفه في وعاء المني فيبيضه و يمسكه لوقت الحاجة و يقذفه من طريق الحيض لعدم الحاجة اليه في غير ايام الحمل فاذا حملت تجعله غذاء للنطفة حتيتزيد و تنمو فيجري بقدر حاجة الطفل من سرته الي معدته و ينجمد الباقي في الرحم فيكون كالارض للطفل و له اصل متصل بها يجذب معدته بجاذبتها من ذلك الطريق من تلك الارض لطايفها الي ان‌يقوي فيجذب الدم الصافي اللطيف علي ما هو عليه ثم يخرج الطفل فتصرف الطبيعة ذلك الدم الي طريق الثدي

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 608 *»

فينقلب برطوبته ابيض فيجري لبن خالص سايغ للطفل اشبه شيء بجسمه و طبعه و رقته و لطافته و لما وقع المص و الجذب من هيهنا مال الطبع الي الدفع من هيهنا و ترك الدفع من طريق الرحم و ربما كان الدم زايداً و دفع من الجانبين ثم تقذف الطبيعة القسم الكثيف من الدم الي اقطار البدن تحت الجلد فيتكون منه الشعر و منه ما يسيل كالعرق و منه ما يخرج كالدهن و هما يختلفان باختلاف المادة فما كان فيه الرطوبة البخارية غالبة يخرج عرقاً و ما كان فيه الدخانية غالبة يخرج دهناً و ما كان منه مركباً من البخار و الدخان علي نسبة صالحة يتكون منه الشعر فاصله من ذلك القسم من الدم فهو حجر معدني حقيقة قد حصل من بخار و دخان او شجر متكون منهما فهو اعدل حجر في العالم لانه شقيق الانسان و اخوه لامه التي هي الكبد لقد خلقنا الانسان في كبد اي الانسان الفلسفي في كبد الانسان الآدمي و اصل غذاء الانسان الآدمي من كبده و مبدؤه من كبد امه هذا علي تفسير ظاهر الظاهر فالشعر اخوه لامه الا ان الشعر اخوه الاصغر و الآدمي اخوه الاكبر و انت تعلم ان جميع مراتب الانسان كامن في دمه فان دمه مركب من العناصر الاربع و ذلك الدم حين كونه في المعدة جماد و اذا صار الي الكبد تعلق به الروح الطبيعي و اذا تبخر في القلب تعلق به الروح البخارية و اذا صعد الي الدماغ تعلق به الروح النفسانية و ظهر فيه الفكر و الخيال و الوهم و العلم و العقل و اذا تلطف بالاعمال الصالحة تعلق به النفس الكرسوية و اذا تلطف بعد ذلك تعلق به العقل العرشي و كل هذه المراتب موجود في الدم و قد عرفت انه قسم قسمين و خلق من قسم الشعر و من قسم غذاء بدن الانسان فهو اجمع شيء‌ في العالم و اعدله و اكمله و اقربه الي الانسانية و الفعالية و الجامعية و ليس يحتاج الي تدبير يسير فالشعر مثلث الكيان له روح و نفس و جسد و مربع الكيفية له نار و هواء و ماء و تراب و كما ان الانسان انموزج جميع ما في العالم خلق من قبضات عشرة تسعة من الافلاك و واحدة من الارض كذلك هذا الشعر له نموذج جميع ما في العالم و فيه العشر قبضات قريبة الوصول قريبة الفعلية لما عرفت انه شقيق الانسان و اخوه و ما اقعده عن الانسانية الا قليل كثافة فيه و لاجل الكثافة القليلة التي فيه ان

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 609 *»

شئت فسمه اخت الانسان كما سمي في الخبر اخت النبوة و قد عرفت ان الشعر و اللبن من مجري واحد و من مادة واحدة و الفرق بينهما الرقة و الغلظة فلما كان الحليب انسب لبدن الانسان و اسرع شيء استحالة الي المني لانه كما عرفت من مادة المني و من نوع غذاء البدن كان مثله الشعر الذي هو شقيقه اقرب و اسرع في تكون النطفة للمولود الكريم و هو الذي عبر الله عنه في كتابه و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن و صبغ للاكلين فالشجرة هي الشعر لانه شجرة نابتة و طور رأس الانسان و السيناء اسم الشجرة و الشجرة شجرة الزيتون تنبت بالدهن اي بمصاحبة الدهن الكامن فيه او بسبب الدهن اذا دهن الرأس به و هذا هو الحق الذي لامرية فيه و لاريب يعتريه و كما ان الانسان هو مجموع العالمين و اعدل ما في العالم و قد سخر له السموات و الارض و ما بينهما و هو مظهر قدرة الله و فعاليته و مجلي انوار الله و صانعيته كذلك يكون الشعر فيه مجموع صور العالمين و هو اعدل شيء يستخرج منه الحجر و اسرع شيء و اقربه و اذا تولد منه المولود يسخر له كل شيء و يكون مظهر قدرة الله و فعاليته و مجلي انوار الله و صانعيته فلاتصغ الي غيره و لاتدهش من رموزهم و اسرارهم و لاتستوحش من انكارهم الشعر فان مرادهم انه ليس بحجر و كذلك هو لان الحجر معمول و هو ليس من معادن العالم و لا من نباته و لا من حيوانه ولكن المادة الاقرب الي الفعلية هو الشعر و ان كان يمكن ان‌يتكون الحجر من كل شيء فافهم مختصراً نافعاً.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه: ثم اعلم ان مجموع عمل المكتوم اربع اعمال الاول تفصيل المادة و الثاني التزويج و به يتم الحجر و الثالث تفصيل الاركان و الطبايع و الرابع تركيب الاركان و فيه يتم عمل الاكسير.

اقول هذا الذي يقال ان كل شيء لابد في تمامه و كماله من حلين و عقدين فالحل الاول في المادة النوعية و العقد الاول في الصورة النوعية فاذا تم هذا الحل و العقد حصل الهيولي ثم الحل الثاني في الهيولي المادة الشخصية و العقد الثاني في الصورة الشخصية و بهذين الحلين و العقدين يتم الشيء بمادته و صورته و كذلك

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 610 *»

هذا المولود المكرم لايتم الا في حلين و في عقدين الحل الاول تفصيل المادة النوعية التي هي الشعر في هذا العمل و في هذا الحل يفصل المادة و تكون اجزاء صغاراً متهبئاً و كل جزء مركب من طبايعه فلايفصل في هذا الحل ناره من هوائه و هوائه من مائه و ماؤه من ترابه و انما يحل اجزائه المركبة كما انك لو قرضت الشعر بالمقراض و دققته و نعمته بالصلاية ليس تنفصل طبايعه بعضها من بعض و انما يتهبئ اجزاؤه و كل جزء مركب من الطبايع و مثل كل جزء كالنقطة الصغيرة الجوهرية التي اذا ركبت نقطة علي نقطة حصل الخط منها فلو ركبت تلك الاجزاء ثانياً حصل الشعر علي ما كان فبهذا التفصيل تهذب المادة و تقرب و لذلك نسمي الحل الاول تهذيباً تقريباً فبهذا الحل و العقد يستعد المادة للتفصيل فان ما لم‌يتهبأ اجزاؤها لم‌يمكن اخراج طبايعها و اعلم ان هذا الحل جل العمل و هو الربع الذي كتمه الفلاسفة و لم‌يكتبوه في كتاب و لايتفوهوا به في خطاب و وكلوا امره الي الله يعطيه من يشاء من غير واسطة ولكن هذا الجواد الجليل و الكريم النبيل قد جاد بذلك و ذكر نصف العمل المكتوم و اخفا منه نصفاً لانه ليس يحل اذاعة اسرار الله سبحانه و لاسيما ما في اذاعته فساد البلاد و ضياع العباد فذكر نصف المكتوم رحمة و جوداً و اخفي النصف صيانة و حفظاً.

و اما العقد الاول فهو في الصورة النوعية و تزويج المادة بالصورة و الذكر بالانثي و هذا العقد ايضاً لازم في امكان الحل و العقد الثاني ليعود اليه ما خرج منه في الحل الاول من بعض الروح و النفس و يتحدا لما بينهما من المشاكلة ثم يشرع في تفصيله فيحفظ منه كل طبع بتمامه من جميع الاجزاء علي حسب واحد و مثل هذا العقد هو عقد الجنين و التركيب الدنياوي و مثل الحل الاول هو حل نطفتيه و ما لم‌يتولد الولد في الحيوة الدنيا و لم‌يتركب فيها و لم‌يتعلق به الروح و النفس و لم‌يكلف بالتكاليف الدنياوية و لم‌يتكلس جسده و نفسه و روح بنار التكليف لم‌يمكن تفصيله ثانياً لان الروح و النفس داخلان في الجسم ممازجان معه و بنار التكليف ينفصل الروح عن النفس و النفس عن الجسم و يطهر الروح من اعراض النفس و النفس من اعراض الجسم و الجسم من الغرايب فما لم‌يركب الانسان التركيب الدنياوي لم‌يمكن تفصيل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 611 *»

اركانه ففي الحل الاول يهذب و يقرب الاجزاء الي التركيب الدنياوي الفاني ثم يفصل اركانه بالتكاليف السبعة و هي الصلوة ثم الزكوة و الخمس و الصوم و الحج و الجهاد و ولاية الاولياء فاذا كلف هذه التكاليف المعبر عنها باستنباط الماء المرسل و الجويريات الست يمتحن ايضاً سبع مرات ليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين فانه لايجوز ان‌يتركوا ان‌يقولوا آمنا و هم لايفتنون و قد اخبر الله ببلواهم فقال و لنبلونهم بشيء من الجوع و الخوف و نقص من الاموال و الانفس و الثمرات و بشر الصابرين و بلاءان آخران في الحيوة و الموت كما قال سبحانه خلق الموت و الحيوة ليبلوكم ايكم احسن عملا و انما مقدار البلوي الي زمان التخلص فاذا صبر علي جميع التكاليف و البلايا هنالك يفصل اركانه و هو الحل الثاني و هو الموت الدنياوي و خروج الروح و النفس من الجسد و بقاء الجسد و لاحراك له و تصفية كل منها للتركيب الاخروي الخالد و احتيج الي هذا الحل ثانياً لان التركيب الدنياوي تركيب متخلخل سريع القبول للفساد لوجود الغرايب و الاعراض فيه فلما فصل و دفن في قبره و اكل التراب غرايبه و طهر روحه و نفسه بهول المطلع من القبر و البرزخ طهر كل من الروح و النفس و الجسد فحينئذ يعقد عقداً ثانياً خالداً لا انفصال له علي مر العصرين و كر الملوين و علي هذين الحلين و العقدين بناء جميع المولدات و المركبات فما من شيء الا و هو مركب من مادة و صورة شخصية فمادته النوعية تتم في حل و عقد و شخصيته ايضاً تتم في حل و عقد حتي انك لاتجد شيئاً الا و قد حصل من حلين و عقدين فبالحل و العقد الاول يصلح ظاهره و بالحل و العقد الثاني يصلح باطنه اي طباعه و اركانه.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: و بيان الطريق الاول ان‌تأخذ من الشعر ممن له ما بين خمس عشرة الي ثلثين سنة و الشعر الاسود احسن من الاشقر.

اقول ان الانسان من بدو تكونه الي فساده له فصول اربعة و يختلف مدة كل فصل بحسب قوة تركيب كل شخص و ضعفه و كثرة تلزز اجزائه و تخلخله

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 612 *»

و كثرة رطوبته و قلتها و كثرة الاعراض و قلتها و غاية العمر الممكن في هذه الاعصار مائة و عشرون و قل ما يتفق ذلك ففصول سنة العمر في هذه المدة تنقسم الي اربعة كل فصل ثلثون سنة و اما اغلب اعمار هذه الامة ستون و ما حولها فكل فصل منها خمس‌عشرة سنة و مزاج الانسان في الربع الاول من عمره حار رطب و هو ربيعه و جعل فيه الحرارة ليصعد بذلك و يطول لحركتها الي حيزها و جعل فيه الرطوبة ليمتد و يقبل النمو فاذا تم الربع الاول و استكمل فيه الحرارة جف تلك الرطوبات و وقف فلم‌ينم و صار حاراً يابساً و هو صيفه فاذا تم الصيف ابتدأ في النقصان و ضعف الحرارة ففي الظاهر مزاجه بارد يابس لجفاف الرطوبات في الصيف ولكن في الواقع الخريف بارد رطب و يبيض شعره و يتناثر كما يبيض الاوراق و يتناثر في الخريف فاذا تم خريفه انتقل الي الشتا و هو في الظاهر بارد رطب ولكن الرطوبات عارضية و في الباطن بارد يابس يجف العروق و اللحم و الدم و الجلد و يدق العظم و يظهر عليه رطوبات عارضية لقلة الحرارة فيسيل من مجاريه الرطوبات كما يكون الشتا بارداً جافاً يجف النبات و فيه امطار و ثلوج عارضية و لما كان فصل الربيع فصل غلبة الحرارة و الرطوبة و هو سبب تكون البخار و فصل الصيف فصل غلبة الحرارة و اليبوسة و هو سبب تكون الدخان و اراد الحكماء ان‌يأخذوا مادتهم في حال الاعتدال فاختاروا لذلك اواخر الربيع و اوائل الشتا و الحال المعتدل بين الفصلين بين خمسةعشر الي ثلثين و هو وقت سلطان الحرارة الفاعلة للبخار و الدخان و لماكان تكون المادة من الابخرة الدخانية و كل شيء يتقوي بجنسه فوقت قوة المادة في ذلك الوقت و لما كان في اواخر فصل الربيع و اوائل الصيف ايضاً يكثر البخار و الدخان في العالم و لذلك يكون وقت قوة النبات و خضارته و نضارته يجب ان‌يأخذ المادة في فصل الربيع ايضاً فيكون في الربيعين ربيع السن و ربيع العالم و لو كان ذلك من اهل الاقليم الاول و الاقليم الثاني لكان ايضاً اقرب الي الاعتدال فان كل ما يقرب الي جانب الشمال يكون بخاريته اكثر و دخانيته اقل و لذلك يضرب شعورهم الي الشقرة الي ان‌تكون ابيض من شدة البرد و الرطوبة و قلة الحرارة فلاجل ذلك كلما يكون الشعر

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 613 *»

اسود يكون احسن لان السواد دليل غلبة الحرارة و الشقرة دليل غلبة الرطوبة و قلة الحرارة و اللون الاسود في الشعر هو الحمرة المتراكمة فالاشقر اقل حمرة من الاسود و الاسود السبط احسن من المجعد فان الجعدة لاتحصل الا بغلبة اليبوسة و قلة الرطوبة و هو ايضاً خارج عن الاعتدال و ذلك كله لان الغرض تحصيل مادة تكون اقرب الاعتدال لتقليل المهنة و كثرة المحصول و الا فهو يحصل من كل شيء فاذا شعر الرجال احسن من شعر النساء لغلبة الرطوبة فيهن و كون الحرارة في الرجال اكثر و هم اقربون الي الاعتدال و المطلب كثرة الصبغ و الاعتدال مع قوة الحرارة فافهم ذلك و توخ لنفسك فالصحيح احسن من المريض و المحروري احسن من المبرودي و الدموي احسن من ساير الاقسام و شعر الانسان الكامل احسن من غيره اذا كان كامل البدن ايضاً و شعر الرأس احسن من شعر ساير البدن لصعود اللطايف الي الرأس و نزول الفضول و الكثايف الي اسافل البدن و هكذا لابد من توخي حال الاعتدال مع الميل الي الحرارة.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: و اغسله عن الاوساخ و اقرضه بالمقراض ناعماً.

اقول هذا اول العمل فاذا اخذ المادة لابد من غسلها و ازالة ما فيها من الادران و الاوساخ و يغسل بالطين و الصابون و الاشنان غسلاً جيداً تصير بعده شفافة براقة و غسلها بالماء البارد افضل لان الماء الحار يقلل دهانتها ثم تنشر علي ثوب نظيف و يجفف في الظل لئلا تقل الشمس دهانتها فاذا جف يقرض بالمقراض انعم ما يمكن و هذا القرض هنا اشارة الي شيئين احدهما القرض المعروف و الثاني العمل المكتوم الذي لايجوز التصريح به و انما الغرض من القرض تسهيل الحل و تقريبها اليه و سرعة تأثير العمل فيها و امكان التفصيلين و خروج الرطوبة و الدهانة منها.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: و ضعه في القرع الي نصفه و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 614 *»

ضع عليه الانبيق و قطره و اجمع من ذلك ماء كثيراً ثم ضعه كالهيئة الاولي بنار لينة كحرارة الشمس مرة واحدة و ارم الرماد.

اقول بعد ان عملت فيها العمل المكتوم و قرضتها ناعماً و سحقتها بالصلاية الفلسفية حتي اتحد الرطوبة باليبوسة في المنظر تضعها في القرع الي نصفه او الي ثلثه و تضع عليه الانبيق و تشد الوصل بينهما و بينه و بين القابلة و تقطره و في الغالب يقطر اصفر و قد يكون ابيض فاذا خلص القطر يخرج دخان برايحة غير معهودة فتقطع النفخ فاذا بردت القابلة يجعل الماء في اناء آخر و سبب صفرة الماء زيادة النار فلو كان ناراً معتدلاً خرج ابيض فاذا خرج اصفر لابد من تبييضه بنار لينة كحرارة الشمس مرة واحدة حتي يتخلف عنه ما صعد معه من الارضية بقوة النار و يقطر ماء خالصاً عن الكدورة فتجعله في انية زجاج و تشد رأسه بشمعة و تضعه في مكان بارد و هذا الماء المقطر هو الماء القراح لرقته و بياضه و سيلانه و النار السائلة و ارضه حينئذ ماء و ذلك لطبعهما و يسمي الماء بالخل و بالروح و بالفرار و الزيبق الغربي و الماء الالهي و ماء‌ الحيوان باعتبار مايؤل اليه في آخر العمل فان هذا الماء هو ذلك الماء و علة التسمية بالخل لحدته و للقوة النافذة التي فيه و لحلاليته و يسمي بالصابون لانه اشبه شيء في غسل الادران و تجمع من هذا الماء ماء كثيراً اي تأخذ مادة اخري و تعمل فيها كما مر و ذلك لان بناء العمل من اوله الي آخره علي هذا الماء و ربما يحترق و يجف الماء في اثناء العمل و لايجب ان‌يستعمل كله و انما كثرته احتياط و قوله و ارم الرماد اي ما تخلف من الماء في التقطير الثاني و ترميه علي الثفل الذي عندك لاخارج العالم فان فيه دهن احمر و به اصفر الماء فاذا قطرت الماء يسمي الثفل بالحبرة لانه يشبه المداد الغليظ الاسود او هو كثفل الدهن الاسود اللزج الغليظ و هذا الماء ذكر و الحبرة انثي.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: و خذ الثفل و هو اللزج المتخلف في القرع و ضعه في القرع و ضع عليه من ذلك الماء ثلثة امثاله او اربعة امثاله و ضع عليه الآلة العمياء و ضعه في نار الزبل او علي نار لينة كحرارة شمس

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 615 *»

الشتاء سبعة ايام ثم رد عليه من ذلك الماء و كرر هذا العمل حتي ينحل في الماء نصف اليبوسة التي هي الثفل ثم اعزل الماء.

اقول من ذلك الماء اي الماء القراح و الاربعة الامثال اوفق الي قواعد الحكمة و الاعتدال و ضعه في نار الزبل للطبخ و الحل ثانياً و النار اللينة تحصل في حمام مارية فاذا عفنته اسبوعاً تقطره ببخار الماء ثم ترد عليه الماء القراح بالوزن المتقدم و تعفنه اسبوعاً و تقطره الي ثلث مرات حتي ينحل في الماء نصف اليبوسة فيقطر ماء غليظ و هذا الماء يسمي بالماء المثلث و الزيبق بالنسبة الي الكبريت الاتي و هذا الماء اغلظ من الماء القراح و احر لما انحل فيه من الارضية و هو بالنسبة الي الماء القراح ذكر و الماء القراح بالنسبة اليه انثي ثم اذا عزلت الماء لاتترك الارض نشيفة بل ابق فيه نداوة لئلا تذهب رطوبته و يصير رماداً لامناسبة لها مع الروح الداخل عليها.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: ثم ضع علي الثفل الباقي مثله من الماء و عفنه في الزبل سبعة ايام كالاول ثم قطره و اعزل ذلك القاطر وحده ثم كرر عليه التعفين و التقطير كما وصفنا لك حتي ينحل نصف الثفل و تجمع الماء القاطر الثاني وحده ثم ترمي باقي الثفل ثم تضع الماء الثاني علي نار اقوي من نار التقطير حتي ينعقد و يكون غليظاً في قوام العسل.

اقول الثفل الباقي هو النصف الغير المنحل مثله من الماء اي الماء القراح و تعفنه اسبوعاً ليتحد الحبرة مع الماء ثم تقطره بالفتيلة و هذا التقطير يسمي بالنخل لانه يخرج فيه المحلول و يبقي الرماد و تجمع هذا الماء ثم تضع علي الحبرة ثانياً مثلها من الماء و تكرر عليه العمل و تجمع الماء علي الماء و هذا الماء هو الدهن و الكبريت ثم ما لم‌ينحل هو رماد غير قابل للعمل و لانفس فيه ثم اذا جمعت المياه تعقده حتي يكون غليظاً في قوام العسل او كالشحم.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه: ثم تضع عليه من الماء الاول

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 616 *»

قدر ما يغمره و تطبخه و تقطره و تكرر العمل حتي يبيض ذلك الذي مثل العسل فاذا ابيض تم لك عمل التفصيل و هو ربع الطريق.

اقول المراد من الماء الاول هو الماء الابيض الغليظ المسمي بالزيبق و الزيبق هو المبيض اولاً و آخراً و هو الماء المرسل علي الارض المستنبط منها و لا تقدير لهذا الماء اذ لافائدة فيه الا التبييض و مدة الطبخ ثلثة اسابيع و التقطير بالرطوبة برفق و هكذا تكرر العمل و تقطر حتي يصير الماء المقطر ابيض كالثلج و هو الزيبق الغواص و الجسد اغبر فيكون الجسد هنا ناراً لانه الكبريت و نطفة الرجل و الماء الابيض هو نطفة المراة و الماء المهري و الماء‌ الحلال و ماء الفضة و الطلق المحلول و ماء الملح و الماء‌ الحاد و هكذا تكرر العمل سبع مرات اي ترد القاطر علي الارض قدر ما يغمره و تطبخه و تقطره و هكذا حتي يبيض العسل كالرخام المدقوق و يصير الماء احمر كالورد و ان قل الماء‌ بكثرة التقطير يزاد عليه من الماء القراح و هذا الماء يسمي بالروح و هو حامل للنفس و يسمي بالماء الخالد فحينئذ بقي لك ارضية كالثلج و يسمي بالحمامة البيضاء و مائية كالورد الاحمر ولكن الارضية ذكر و الماء انثي في هذا المقام لطبعهما و هيهنا تم لك عمل التفصيل الاول و حصل الغرض و هو تبييض المادة و اخراج الرماد الذي كان مختلطاً بالمادة و اخراج الرطوبة الروحية و الدهانة النفسية التي كانتا كامنتين فيها.

الفصل الثانی

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: فاذا اردت التزويج فضع علي ذلك العسل مثله من الماء و ضعه في الآلة العمياء و عفنه في الزبل اربعين يوماً كل سبعة تغير الزبل فيخرج بعد الاربعين اسود كالقير.

اقول هذا اول العقد الاول و التركيب و التزويج و المراد بالماء الماء المرسل المستنبط و هو الذي ارسلته علي العسل و استنبطه منه و هو الماء الاحمر الوردي الذي قطرته من العسل فتأخذ من ذلك الماء اربعة امثال العسل الماذي و

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 617 *»

تأخذ واحداً منها اي مثل العسل فتزفه اليه و تزوج العسل به و هو زوجته المخلوقة من ضلعه الايسر و كفوه و تضعه في الآلة العمياء و تعفنه في الزبل او في حمام مارية اربعين يوماً حتي يتحد و هذا هو سحق العسل بالصلاية فيصير بعد الاربعين اسود يشم منه رايحة المني و هو النكاح و اللقاح و اول النجاح و يسمي حينئذ بالغراب و ابار نحاس غير تام لان ابار هو الرصاص الاسود اي الشعر و النحاس هو الماء المرسل الخل الاول و الملح المدبر و قد اجتمعا هنا و ربما يخرج الغراب و فيه لدونة و ربما خرج متفتتاً و خلطا منعقداً و لابد و ان‌يكون الماء في التزويج مثل العسل فلو زادت الرطوبة يصير سبب الطلاق و الانفصال و في هذا التزويج الغلبة الطبعانية للارضية و لذلك يصير بعد التزويج اسود و يغلب عليه حكم الارض السوداء.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه: ثم تأخذ من الماء مثل الماء‌ الذي سقيت به العسل مرة و نصف و ضع عليه نصفاً و عفنه كالاول عشرين يوماً يخرج ازرقاً عميقاً كاللازورد ثم عفنه بنصف عشرين يوماً يخرج ازرق سماوياً ثم عفنه بالنصف الباقي عشرين يوماً يخرج منحلاً ذائباً كالروب فاذا وصلت الي هنا قطعت نصف الطريق و تم لك عمل التزويج و هذا هو الحجر الذي يشيرون اليه و كلما سوي هذا فهو باطل و بقي عليك تفصيل الاركان و التركيب.

اقول هذه المرات الثلث تسمي بالتماليح و تفصيله انك تقسم الباقي من الماء المرسل المستنبط و هو ثلثة امثال العسل فتقسم هذا الباقي نصفين و تأخذ النصف فتقسمه ثلثة اقسام كل قسم يكون مساوياً لنصف العسل و منهم من يجعل الزوجات الثلث مثل العسل فيجعله ثلثة اقسام فتدخل عليه في كل مرة قسماً و تعفنه في الآلة العمياء و تزيد النار علي التزويج الاول قدر ربع عشرين يوماً لانه نصف الماء الاول فيرق قوامه كالعجين ثم تقطره و يصير لونه كاللازورد ثم تزف اليه الثانية و تعفنه عشرين يوماً فيصير ارق قواماً و لونه لون السماء ثم تزف اليه الثالثة و تعفنه عشرين يوماً يخرج ابيض و هو منحل ذائب كالروب معتدل

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 618 *»

الرقة و القوام لان فيه من الرطوبة واحد و نصف و من اليبوسة واحد و قد جف بحر التعفين منها النصف فبقي معتدلاً و كل ما ادخل عليه زوجته طبخه في الآلة العميا حتي ينعقد معها و يكون الطبخ بنار السراج او بنار الجناح و هذا هو الحجر المعمول المتولد في معدن القوم من البخار و الدخان فالبخار هو الماء الحلال الخالد و الزيبق الغواص و الدخان هو العسل الكبريتي و تولد منهما الحجر في معدنهم و هذا هو الذهب المعدني في لغتهم فان فيه جميع ما في الذهب بالقوة القريبة و تبييضه هو ازالة ريش الغراب و بعد البياض يسمي بابار نحاس تام و ريح الجنوب و هو كالدبس الغليظ و هيهنا تصير اليبوسة غير متباين الاجزاء مثل حل العسل في الماء و ربما بقي بعض الاجزاء لم‌ينحل.

الفصل الثالث

في الربع الثالث من العمل المكتوم و هو تفصيل الاركان

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: و بيان تفصيل الاركان انك تقطر الحجر ثم تأخذ من الماء مثل الاول واحد او نصف فاذا قطر الحجر رد الماء القاطر منه علي ثفله و ضع معه ربعاً واحداً من الماء لانك تقسم الواحد و النصف الذي اخذته من الماء ستة اقسام و الربع واحد و تقطره سبع مرات الاول تقطير الحجر وحده ثم ترد عليه القاطر مع ربعه من الماء و هو سدس الواحد و النصف و تعفنه سبعة ايام في الزبل و تقطره تفعل ذلك ست مرات بعد الاولي.

اقول هذا ابتداء عمل النبات و الدور النباتي بعد ان صار الحجر معدنياً مركباً من الزيبق الذي هو الماء المستنبط و الكبريت الذي هو العسل الماذي و هذا الحجر اشبه شيء بالذهب في طبعه و كيفية تقطير الحجر ان‌تغمره بضعفه من النفس المدخرة و هي الماء الذي قطرت منه بعد التزويج بالاربع فتعفنه في زبل الخيل الرطب اربعين يوماً و قيل ستين يوماً فهنالك يسود المركب فتقطره و ربما يخرج في هذا التقطير من لطيف الجسد و هو النوشادر فيقعد في سقف الانبيق كالجليد فيؤخذ فيدخر ثم يرد عليه هذا الماء مع ربع و هو سدس الواحد و النصف

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 619 *»

و منهم من يأخذ واحداً و يقسمه ستة اقسام و يدخل في كل مرة واحدة و الحق قول الشيخ:

اذا قالت حزام فصدقوها   فان القول ما قالت حزام

و هذه الست تسمي بالجويريات الست علي ان الارض بعد مقام العسل صارت ذكراً و الغالب عليه الحرارة و اليبوسة الاربع الاولي هن زوجات بالعقد الدائم و هذه الست جوار و سرايا و خدم و سر التزويج بالجويريات لئلايبقي في الجسد نفس اي الاكليل و اذا فارقن الرجل بعد التزويج و المجامعة مصت ارحامهن جميع ما في صلب الرجل من قوة و ضعف في كل مرة حتي انه بعد انتهاء المراجعات يموت و يبقي بلاروح و لا نفس و علامته انه اذا القي شيء منه علي صحيفة محماة لم‌يدخن لعدم بقاء اجزائه فارة من النار فيه و يصير الماء حينئذ بحيث اذا قطر منه علی الصحيفة المحماة صبغها ظاهراً و باطناً الا انه غير ثابت لعدم الجسدانية و غلبة الروحانية و النفسانية الرطبة و في كل مرة تدخل جارية علي الارض تخلط بشيء من النفس اليابسة اي النوشادر و تمازجها رطوبتها و تخرج بمعاضدتها و تصعد بمعاونتها و سمي النفس بالاكليل لانه يصعد الي سقف الانبيق كالجوهر في التاج و قد يسمي بالطوق و لابد و ان‌يكون في اعلي الاثال ثقب كخرم الابرة و فيه عود ملفوف بقطن و النفس الصاعدة كالحباب الابيض و الوشي و هو شب الحجر و يسمي بالحرقوص و الحسام و القيدوية و به يشبب المياه و يؤلف بين المختلفات و تعفين المركب في كل مرة سبعة ايام و قيل عشرين و كفاك من هذه المدد المذكورة حصول العلامة من سواد و بياض و رقة و غلظة و امتزاج فربما يكون ذلك في لحظة او في ساعة او اقل او اكثر و اعلم ان المركب كان الي الان مركباً بتركيب دنياوي كما قدمنا و بعد التزويج بالجويريات يموت المركب و يتفكك اجزاؤه و المناخل الاكسيرية هي احوال القبر و البرزخ و تفكك اجزائه في القبر و اكل التراب الغرايب و التفصيل هو مقام بين النفختين و مقام خروج النفس عن الجسد و الروح عن النفس و التركيب الثاني هو المعاد و التركيب الخالد كما يأتي و لابد من تليين النار ما استطاع لانها ان قويت احمر الماء لتقوي الصبغ

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 620 *»

بالنار و صعوده مع الماء و ليس اوان خروجه و ظهور الحمرة فاذا ظهرت في غير اوانها فسد العمل و لابد من استيناف عمل جديد و رد الفاسد عليه فانه يصلحه و التقطير ببخار الماء و هذه الجويريات الست و الزوجات الثلث يصلحن الارض و يحللنها و يلطفنها و كل واحدة منها يخرجن منها مفسدة و كثافة و تلك الكثافات هي المشار اليها في قوله تعالي و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض و لايصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه اي الصبغ و اهله اي الارض المقدسة ثم لنقولن لوليه اي الزيبق الشرقي او الحبر الصانع ما شهدنا مهلك اهله و انا لصادقون و مكروا مكراً بهذه المؤامرة و مكرنا مكراً بادخال الزوجات التسع لاخراجهم و هم لايشعرون و كما كان للنبي9 تسع زوجات كذلك لحجرنا هذا تسع زوجات فاذا بلغ الحجر هذا المقام صار نباتاً و تم عمل النبات و دورته النباتية فحين كان حجراً كان نطفة فترقي بعد الجويريات الي مقام العظام و اكساء‌ اللحم و ترقي من كونه حجراً الي كونه شجراً لانه حينئذ يصير ذا فروع و اغصان و ازهار كما يأتي.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: ثم تقطر الجميع اربع مرات.

اقول و قيل ست مرات و قيل سبع مرات و هي المناخل الاكسيرية و حد النخل التصفية من شوائب الارض و انما ينخل الماء‌ بهذه المناخل لخصلتين احديهما تصفية الماء مما تشبث به من سواد الارض و شوائبها و الثانية ليتحد الماء مع الدهن و الصبغ اتحاداً كاملاً و يستعدان للصعود و بين النخلتين لابد من تعفين سبعة ايام و ما تخلف في كل نخلة يرمي خارج العالم اي في الثفل فاذا نخل الماء‌ بهذه المناخل السبع يحصل مادة الغذاء مجردة عن الاجزاء العرضية الغير المشاكلة لنوع المغتذي و فيها لطائف الماء و لطائف الدهن و لطائف الصبغ و المغتذي هو الارض النقية البيضاء و هي ذهب القوم الذائب الممازج الصابر الصابغ علي ما يأتي فيغدونها بهذا الغذاء الصالح المناسب و زعم بعضهم ان بعد المناخل ينتقل المركب من كونه حجراً الي كونه شجراً و ليس ببعيد فان بعد

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 621 *»

ذلك يحصل الفروع و الازهار فهيهنا ينتقل المعدن الي النبات و الارض و الماء الي الهواء و درجة زحل الي درجة المشتري و من البرودة و اليبوسة الي الحرارة و الرطوبة و من الموت الي الحيوة و من السوداء الي الدم و من الخريف و الشتا الي الربيع و يسمي المركب هيهنا برصاص ابيض و كلما نخل نخلة رد الماء علي الارض و عفنهما سبعة ايام حتي يمتزجا ثم يقطره مرة اخري الي ست مرات او سبع مرات.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الدارين اعلامه: ثم تقطره بنار لينة جداً كنار جناح الطير يقطر ماء ابيض في ظاهره و باطنه احمر و اعزله ثم شدد النار بقدر سدسها يقطر ماء ابيض غليظ براق و هو الزيبق الغربي ثم شدد النار بقدر السدس يقطر ماء اصفر كالزعفران ثم احمر كالياقوت و هو الزيبق الشرقي و يبقي الثفل اسود كثفل دهن السراج.

اقول بعد ما نخلت الماء بالمناخل الاكسيرية و صارت النفس و الصبغ متحداً ممازجاً بالماء تقطره في الثامنة بنار لينة جداً فيقطر حينئذ ماء ابيض في ظاهره احمر في باطنه و يعرف حمرة باطنه لانك اذا اطفيت ميلاً محمياً فيه صبغه مع انه ابيض في ظاهره و يسمي هذا الماء بذي الوجهين و الماء الخالد و الماء البورقي و الشمس و بصاق الذهب و لعاب الافاعي و الكبريت الذي لايحترق و الماء الالهي و الماء الذي من طبيعتين و خلاصة الزيبق و الكبريت و لبن الطيور و ماء الحيوة و الدم الاحمر و غير ذلك من الاسماء فاذا شددت النار بقدر السدس يقطر ماء ابيض غليظ براق و هو الزيبق الغربي و هو الماء الجامد و هرمس الحكيم و الروح و القمر و الفتاة الغربية و عنصر الماء و الفرار و هو ماء متوقد اذا وضعته في الشيشة يخيل انها انشقت لكثرة لمعانه و اذا شددت النار بقدر السدس يقطر ماء اصفر كالزعفران و هو الاصفر الشرقي و الفتي الشرقي و الدهن و النفس و عنصر الهواء ثم يقطر بعده احمر و هو الاحمر الشرقي و الفتي الكرشي و الزيبق الشرقي و هما معا شيء يشبه البرق و الهواء الراكد و حمرته صبغ متقدم مع الدهن

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 622 *»

و يسمي بالدهن الراكد و الذكر الشرقي و يبقي الثفل اسود و هو الارض السائلة و المغنيسا و الذهب و زحل فهذه الاجزاء هي عناصر الحجر و قد تفصل كل واحد عن الآخر مجرداً عن الاجزاء الغير المشاكلة و الاعراض و الغرايب و حينئذ اذا تركبت تركبت تركيباً ليس بعده تفكيك ابدا الا ان الارض بعد فيها غرايب و لاجل ذلك تكون سوداء مظلمة و لابد من تبييضها.

قال اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه: ثم اعقده بنار كشمس الصيف ثم ضع عليه من الماء الاول قدر ما يغمره و تطبخه به فيظهر علي وجه الماء صبغ احمر كالياقوت و تعزله ثم تطبخه حتي يظهر الصبغ و تعزله و هكذا الي ان‌ينقطع الصبغ ثم تقطر الماء من الصبغ بحيث لايبقي فيه الا ماء قليل يحفظه.

اقول المراد بالماء الاول ذو الوجهين و الماء الالهي و لامقدار لهذا الماء لان المراد اخراج ما فيه من الصبغ و تطبخه اي بالتعفين حتي يمتزج الماء و الارض و يظهر علي وجه الماء صبغ احمر كالياقوت البهرماني و هو النار الحائلة و الشمس الغائبة و نار الحجر و الشمعة الصفراء و عزله بالتقطير بنار.

(الی هنا وجد فی النسخة الاصلية)

[1] الدهن.

[2] يطلق علي الصبغ و هنا النوشادر

[3] الجسد النقی.

[4] الماء الالهی.

[5] الاحمر الشرقی.

[6] الصبغ.

[7] الماء الالهی.

[8] یطلق علی الصبغ.

[9] الجسد النقی.

[10] النوشادر.

[11] الاصفر الشرقی.

[12] الصبغ.

[13] الصبغ.

[14] ريحان كوهي است او را ميخايند و در آفتاب مي‌گذارند كرم مي‌زند. 12

[15] فالواجب للمؤمن دفع الاعراض و ادامة التدبير حتي ينعقد علي الايمان و ادامة التدبير دوام الذكر و العمل الصالح حتي ينعقد بحرارتهما بعد رفع الاعراض و يلزمه عدم الالتفات الي الاهواء المضلة و الآراء الباطلة حتي لايتخلل فيه المنافي و ينعقد علي الاتحاد فلايقبل الاستحالة.