رسالة التوفيق
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 271 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذه رسالة كريمة بل درة يتيمة كتبتها في شأن الملح المبارك اي النوشادر و خواصه و عمله و اصلاحه و سميتها بكتاب التوفيق لان الله سبحانه خلقه للتوفيق بين الارواح و الاجساد و جعله حكماً من اهل الذكر الذي هو الروح و اهل الانثي التي هي الجسد حين شقاقهما بالصعود و النزول فيربط بينهما و يوصل كل واحد منهما الي الآخر و هو افضل الاملاح و احسنها و لولاه لميتم عمل لعامل فلما كتبت كتاب اصلاح الارواح و كتاب اصلاح النفوس و كتاب اصلاح الاجساد رأيت ان اكتب كتاباً آخر في امر الموفق المؤلف بينها اذ بدونه كانت تلك الكتب ناقصة فشرعت بتوفيق الله سبحانه في تصنيف هذا الكتاب فيا ايها المطلع علي كتابي هذا اعلم انه خلاصة كتب الفلاسفة و باطنها و سرها و فيه من الاسرار ما لميسمح به احد منهم فلابد و اننعنون فيه مقدمة و ابوابا.
المقدمة
اعلم ان النوشادر هو خلاصة الارض و لطيفها الذي يستخرج عنها بقوة النار الطبيعية كالمستخرج من المعادن و في بلدنا قرية تسمي بزمان بفتح الباء الموحدة من تحت و سكون الزا و فيه معدن شريف يخرج منه مخلوطاً بالكبريت و الرمال فيغلي في الماء فينحل نوشادره في الماء و ينفصل عنه الكبريت و الرمال فيصفي و يعقد فيخرج نوشادر ابيض قوي حاد لطيف او بقوة النار الخارجية كالمستخرج عن الادخنة المالحة و القاذورات كالذي يجلب من هند (الهند ظ) و فيه سواد و كثافة و يسمي بكبريت الدخان و ملح النار و السلساليوس و نوسادر بالسين
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 272 *»
المهملة و بالافرنجي سالارمونيك و يسمي عند اهل الصنعة بالعقاب و المؤلف و المتخلف عنه بعد التصعيد الاول يسمي البقشلم و ثانياً العوالي و قد يطلق علي الاول و هو من عجائب خلق الله فانه روح و نفس و جسد فهو روح لصعوده بايسر نار و نفس لدهانته و جسد لملوحته و هو نار بحرارته و يبوسته و حدته و هواء بدهانته و ماء لعدم احتراقه و ارض بملوحته فلاجل ذلك صار يرتبط بالروح بروحانيته و بالنفوس بدهانته و بالاجساد بملوحته و هو سريع التروح بروحانيته و سريع التدهن بدهانته و سريع التجسد بملوحته فلاجل ذلك صار خادم جميع الاركان و لايصلح ركن الا به اذ هو النار الهوائية المائية الترابية و الهواء الناري المائي الترابي و الماء الناري الهوائي الترابي و التراب الناري الهوائي المائي فهو نار حائلة و هواء راكد و ماء جامد و ارض سائلة و هو سريع التحلل ان حل و سريع التعقد ان عقد و سريع التشميع ان شمع به و سريع التحليل ان حل به و سريع العقد ان عقد به و هو موضوع الخادم و الباقي من الخدم اعراض يعرض عليه و لايصلح عمل خادم الا به الا انه يجب انيعرف الصانع استخدامه لكل ركن و رئيس فانه بغلبة روحانيته يزيد النافر نفوراً و ينافي التقرير المطلوب فلابد من معرفة تدبيره و كيفية ادخاله و اخراجه و وقتهما حتي يتم به المطلوب فمن فقد علمه فقد علم جميع الاعمال الحقة و من وجد علمه ملك علم جميع الاعمال الحقة و لميفصح عن علمه كما ينبغي احد منهم ضنة به فرأيت ان اكتب كتاباً مستقلاً في معناه عسي الله انينفع به ابناء الحكمة و اكمل انواعه ما يستخرج من الحجر الاعظم فانه اشرف جميع ما في العالم من العقاقير و هو النوشادر الجنسي في ذلك الباب و يخرج في اول التدبير او عند الجويريات فاعرفه.
الباب الاول
في تنقيته اعلم ان تنقيته يكون بالتصعيد و هو علي قسمين تصعيد بالشمس فيحل في الماء بالطبخ ثم يسترسب و يصفي اروق ما يمكن بجر العلقة و لا بأس بتصفيته ببياض البيض او العظام المكلسة فيصفي ثم يوضع في اناء مزجج في
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 273 *»
الشمس فيصعد بحرارة الشمس علي الماء و علي جوانب الاناء ابيض صافياً و الاكمل تصعيده بالنار في اثال قصير عن البلور او الشب او الطلق او العظام المكلسة جدا حتي تبيض الي ان يبيض و كلما يكرر تصعيده يقل روحانيته حتي يستقر اقل ما يثبت قرصاً صافياً في الثامنة فان نقي فاراً يكون خادماً و ان نقي ثابتاً يكون رأساً و اجود ما ينقي به ثابتاً سحالة الفضة في البياض و الذهب في الحمرة و ان يكن الاثال ايضاً منهما فهو اجود و اجود و لايجوز استعماله في باب من الابواب الا بعد ثلث تصعيدات ليصير خالص النقا و اقل روحانية و فراراً في الجملة و انما ذلك تعديله اذ فيه الروح غالب و لاجل ذلك يزيد الروح و النفس فراراً ان مازجهما و اما اذا صعد ثلثاً و قل روحانيته اصلحهما و لم يزدهما نفوراً علي ما لهما منه و معذلك يخرج من بينهما فاعرف هذا فانه سر الامر و الاحسن تصعيده بالنار بعد تصعيده بالشمس فانه اقرب لنقائه و لايجوز استعماله في خدمة الاركان بعد ثبوتها ثابتاً لانه يبقي فيها و لايخرج منها اللهم الا انيشمع به جسد ثم يطهر عنه او روح ثم يصعد عنه او يكون بقدر الحاجة ثلثاً او ربعاً او اقل فانه يعين علي المزاج و التقرير و اما في التشاميع و الحلول فلايجوز الا فاراً فانه الداخل الخارج و المؤلف الممازج و قد ذكر جابر في كتاب الاصول تنقية جيدة له فقال ما حاصله ان اخذ النوشادر فسحق علي صلاية مع برادة فضة و لتكن خمسه حتي تموت فيه فادخل اثالاً من فضة و اوقد عليه بلينة و اعيد الصاعد علي الارض و سحق و كرر تمام السبع فانه يستنبط سبيكتان اما الفضة فتكون مشمعة تصلح للابواب الكبار و هو اجود من التصدية و ابلغ و اما النوشادر فينسبك خالداً في النار يصلح الرصاص صلاحاً لايعود الي حاله و يعمل كل ما تريد من الحمرة و البياض من غير فتور و ذكر له خواصاً لامراض العين الباردة الرطبة و ذكر كذلك تصعيده عن الذهب و في الذهب لابواب الحمرة اقول لعمري انه جيد جداً فان النوشادر بحدته له قوة نفوذ في الاجساد و بروحانيته له تعلق بارواح الاجساد و لذا يلينها و يشمعها و يخرج عنها فاذا سحق بالاجساد و لابد و انيكون مبيضاً قبل ذلك و لو كانت البرادة مكلس الفضة او الذهب لكان اولي البتة و اسرع تشمعاً و احسن تمازجاً فاذا
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 274 *»
صعد عنها النوشادر صعد بقوة روحانيته اجزاء لطيفة منها فيحصل صبغاً من تلك الاجزاء و لما تروحت به و صعدت صارت نافذة منتشرة اذا القيت علي النحاس المنقي او الرصاص المدبر و له صبغ ضعيف ولكنه نوشادر حسن كامل لاينبغي لمن اراده انيتعداه الي غيره لان اجزاء الاكاسير كلما كانت متقاربة كانت اشد تألفاً و تمازجاً فاتحادا البتة.
الباب الثاني
في حله اعلم ان من البين عند الحكماء ان الحل ضد العقد و العقد ضد الحل و كل شيء يعقد بشيء يحل بضده او يحل بشيء يعقد بضده فالذي حله بالنار عقده بالماء و الذي عقده بالنار حله بالماء و هكذا فالنوشادر وجدناه يعقد بالنار و يحل بالماء كساير الاملاح فعرفنا ان حله الحق الطبيعي بالبرودة و الرطوبة فيحل في المواضع الباردة الندية كالسردابات و الابار و القنوات و مجاري المياه و غيرها و قد ذكروا له تدابير احسنها ما كان ابعد عن الرطوبات الخارجية و اقربها المعا و المثانة و الطرح في الماء البارد و ابعدها الفرش علي صلاية و الوضع في المواضع الندية و الذي ذكروه من الحل في الباذنجان و مائه و امثاله فذلك تضليل لما يمازجه من غيره و اما ما ذكروه من الحل بالتعفين فغير مناسب لان فيه حرارة و الحرارة فاعلية عقده اللهم الا انيمازجه غيره فيعفن لاجل ذلك و الا فحل الاملاح قاطبة ببرودة و رطوبة الا تري ان الملح في الممالح ينحل بالليل و ينعقد بالنار و لانحلاله في كل ليل يكون المملحة مبلولة دائماً ولكن هذا الحل منه حل ينعقد بالنار ثانياً و ليس بذاك و قد يحل حلاً لاينعقد بنار كان ينعقد بها اول مرة و ذلك حل مكتوم و هو مراد الحكماء فيه و في الاملاح فاعرف ذلك و قد يحل بالنار و انما ذلك لعمل الصابونات الغسالة فيكون احد و احر و اشد نفوذاً و غسلاً و اسرع خروجاً و فيه اسرار جمة فمن قدر عليه نال منه بغيه في الحل و العقد و الغسل و التطهير و التشميع و غيرها من التدابير.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 275 *»
الباب الثالث
في تقطيره اعلم ان النوشادر قد يقطر ليستخرج عنه ماء حاد و يستخدم للاركان و سر تقطيره ان الملح فيه ارواح كامنة مخلوطة بجسد غير متوحدة و هو رخو التركيب فاذا سلطت عليه النار فرقت بين ارواحه و جسده ففصلت ارواحه بالتبخير و التدخين و صعد معها اجزاء جسدية لطيفة البتة فاخرجت عنه ماء حاداً و خلاً ثقيفاً فان الحموضة من طعم السوداء و الاجزاء الارضية و الحدة من طعم النار و هما موجودات في الملح فاذا سلطت النار عليه و صعدت بارواحه مع لطايف ارضه حصل عنه ماء حامض حاد البتة فاقل الاملاح ماء اقلها روحاً و اثبتها ملحاً و اكثرها ماء اكثرها روحاً فاذا قطرت يخرج عنها اولاً رطوبات خارجية ثم الرطوبة الروحية التي فيها فاذا شدد النار تخرج ادهانها مع لطايف املاحها و لاجل ذلك اذا كرر تصعيدها يخرج عنها مياهها و يبقي الادهان اسفل القرع مع لطايف الاملاح و يضعف حدة الماء المقطر مكرراً و يبلغ اخيراً بسبب جفاف المائية الروحانية و بقاء الادهان مع لطائف الاجساد حداً لايتقطر و يستقر و يثبت فانهما كانا يصعدان بقوة الارواح فاذا فني الارواح استقرا و كان المستقر في اسفل القرع دهناً حاداً غير محترق يذوب فيه الكبريت اذا القي فيه لدهانته و لايحترق لعدم الدسومة و وجود الملحية المنافية للدسومة الصابرة علي النار و ما لميصر الدهن ملحياً لايزول عنه الاحتراق و لميستقر و من هذا الباب يكرر التصعيد من يريد تصفية الماء عن الاوساخ و هو الخرقة الصفيقة و المناخل الاكسيرية افهم ما ذكرت لك من الاسرار و اعرف المقدار و من اكثر الاملاح روحانية النوشادر و لذا يسمي بالروح كما ان من اكثر الاملاح نفسانية الاشوس و لذا يسمي بملح الجمر و يشتعل و يصبغ و هو ايضاً يحتاج الي كتاب مستقل و انما الاشوس يشتعل لكثرة دهانته و قلة ارضيته و شدة حرارته فالنوشادر لغلبة روحانيته لايمكن تقطيره بالنار فانه يفر كالزيبق و ان ثبت يمتنع عن التقطير لخلوده و ثبوته فالتدبير فيه كسر جناحه لئلا يقدر علي الطيران حتي يصبر في النار قليلاً حتي تعمل فيه و تفرق بين اركانه و ذلك يكون بالارمدة و الاكلاس فانها الاملاح الخالدة الميتة المثبتة لكل طيار
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 276 *»
مازجته فاذا مزجته بها و غلبت عليه بخلودها و ثباتها تسلط النار عليه و هو غير تام الثبوت فتفرق اركانه و تقطره و هذا هو التدبير في تقطير النافرة و اما اذا مازجته كاملاً فتثبته و تقاتل النار عنه و تمنع فلاتقدر عليه لتفرقه فاذا قطرته عنها يكتسب عنها حدة اخري حين يتبخر في خللها و يتعلق بها و هي ايضاً تحل تلك الابخرة حلاً زايداً لبلل يحصل لها و حدة تخرج منها فتمازج البلل فذلك ايضاً نوع حل له و هذا المحلول اذا انعقد كان ثقله اقل و اكثر نفوذاً فيما اريد حله به بل لاينبغي حل الاكاسير الا به فان المحلول بالماء ينعقد سريعاً و ليس حله بحل صمغي و هذا الماء يجعل حل المحلول حلاً صمغياً و هو المراد في كثير من الرموز التي لااحصيها كثرة و المحلول بالماء يناسب لتشميع الاجساد التي يمكن تسليط نار قوية عليها و تبييض النفوس و اخراج الاجزاء النية منها و اما تشميع الارواح و النفوس و حلهما فلايناسبهما الا هذا الماء و هذا الماء مع انه الطف من الماء الاول اثبت منه و لايفيد كثير تنفير و ترويح لما يسقي به لان الارمدة قد اكسبته ثبوتاً في الجملة مع انه مصعد و هذا الماء هو بمنزلة الموضوع للمياه المستعملة في هذا العلم يعرض عليه عوارض و هو الماء الذي يسقي به الاكاسير في البراني و المؤلف بينها و المزوج و القاضي و الحكم و الموفق الذي لايصلح عمل الا به و هو الحلال العقاد الغسال المطهر المقرر المشمع و من الواجب ان لايستعمل للارواح بعباطته فانه روح و يكسبها نفوراً و معذلك يخرج عما ادخل فيه فانه الداخل الخارج.
و قد ذكر الجلدكي صفة هذا الماء هكذا يجمع كلس البيض مع النوشادر في برنية وثيقة مغضرة مطينة بطين الحكمة و يركب عليها انبيق و يحكم الوصل بالصاروج و يستقطر فان النوشادر يقطر و قد اكتسب من قشر البيض حدة و حرافة فروح البرنية اذا بردت و اعد عليه الانبيق و استقطره ثانية فانه يقطر ايضاً فلاتزال تفعل ذلك حتي يقطر النوشادر كله محلولاً فاذا حصل عندك من هذا الماء فاعجن به كلس قشر طري و نوشادر جديداً و استقطره و اعد التدبير عليه سبع مرات فانه يصير حاداً جداً فاحترز من شمعه و مسه كل الحذر انتهي. بالجملة هذا الماء هو الموضوع و قد يزاد فيه الزنجار و يحصل منه الماء المثلث و يسمي ماء الحيوان و
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 277 *»
ماء الحيوة و ماء الطبيعة و الماء الخالد و الماء الحاد و مادة الحيوة و هو حلال عقاد يفعل الاشياء و اضدادها و قد كتموا هذا الماء كل الكتمان و لميفصحوا عن حق تحصيله و لما كان مخالفة الفلاسفة غير جائزة و لميخالفهم اميرالمؤمنين7 في الكتمان كما روي فاني ايضاً اذكر ذلك علي نحو الرمز و اخبرك ان لاتأخذ بظاهره فلايفيدك شيئاً ولكني لاكتمه كل الكتمان و اجعله قريب الرمز و ان تتبعت كتبي فككت رمزه خذ علي اسم الله و بركته من قشور البيض المنقي من الغرقي و ليكن طرياً ما شئت و من النوشادر مثله و من الزنجار كذلك و اسحق كل واحد علي حدته ثم اخلطهما جيداً و من البين انه يحتاج الي مهلة و تعفين حتي يحصل الاختلاط التام ثم تقطره فانه يقطر ماء حاد حلال عقاد مشمع مثبت و ذلك في عمل البياض و ان كان للحمرة فرد هذا الماء علي اجزاء جديدة يعني من الزنجار و حله فيه و استقطره يقطر اصغر و كرر يقطر احمر ثم شقاقياً ثم زنجفرياً عنابياً و استعمله في باب الحمرة و من البين ان النوشادر لو كان محمراً كان ابلغ و لو كان ذهبياً كان اكمل و ابلغ فهذا الماء لممازجته و نفوذه و روحانيته و نفسانيته و جسدانيته يمازج جميع الاركان و يؤلف بينها و يشمعها و يحلها و يقررها و يعقدها و يفيدها صبغاً ثم يخرج من بينها و يتركها خالصة فافهم فاني ذكرت لك خالص العمل و حقه و روحه و اصله و الباقي امثال و آيات و تشبيهات و تضليلات اللهم الا انيكون المعروض هذا الماء و يتغير العوارض فانها جايزة و اما غير هذا المعروض فلا و ابيك و لايجوز انيكون العوارض ايضاً بحيث تعوق المعروض و تبطل ذاتيته فان العرض قد يحيل الجوهر الي جوهرية اخري فيكون غير ما قد كان و لما لميكن هذا الكتاب موضوعاً في بيان المياه لماستقص التدابير الحقة في المياه و اقتصرت علي ذلك لاجل المناسبة و السلام.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 278 *»
الباب الرابع
في تثبيته و تقريره اعلم ان الله سبحانه جعل كل مكون مركباً من كيان ثلثة من روح و نفس و جسد فالروح منه خفيف صاعد و الجسد منه ثقيل هابط و النفس هي بينهما في الخفة و الثقل و الصعود و الهبوط فما غلب عليه الروح يسمي روحاً و هو الموضوع الثاني و قد سمي باسم الغالب لانه سخر الباقي و استتبعهما لنفسه فطاوعاه و تخلقا باخلاقه و اتصفا بصفاته و ان لميبلغا حده و لميستحلا الي صفته فيصرا من جنسه فالنفس نفس متروحة و الجسد جسد متروح فتلك النفس ادني منه بدرجة و الجسد ادني منه بدرجتين فهما اخوان للروح مشايعان تابعان و ما غلب عليه النفس هو نفس ثانية تسمية باسم الغالب المسخر للروح و الجسد كما مر و ما غلب عليه الجسد يسمي بالجسد تسمية باسم الغالب المسخر للروح و النفس كما مر فهو الجسد الثاني فاي الاركان غلب علي المكون افاد الباقي خصاله و سخرهما لطاعته فصارا ظاهرين بصفاته فمن هذا الباب سمي الزيبق روحاً و الكبريت نفساً و الفلز جسداً و اما الروح الاول فهو البخار و النفس الاولي هي الدخان و الجسد الاول هو الملح فافهم ذلك فالنوشادر صار روحاً لغلبة الروح الاول عليه و هو البخار و سخر الدخان و الملح و صعد بهما فصار يصعد بكله فمن اراد تقريره و تثبيته فالواجب تغليب الملح علي روحه و نفسه فانه الذي يسخرهما و يثقلهما و يهبطهما كما يجب في تصعيد الاجساد فانه يجب
ادخال الارواح عليهما حتي يغلب علي النفس و الجسد فيصعد بهما و هذا هو السر الذي يوافق تقدير العزيز الحكيم و من تخلف عنه ضل و غوي فاي روح من الارواح اريد تقريره و تثبيته يجب ادخال الاملاح عليها و تغليبها عليها حتي يثقلها و يهبط بها و يقاتل عنها النار حتي تستقر و لاتتألم من النار فتفر ولكن الحكمة في معرفة الملح و كيفية ادخاله و اخراجه فان المراد من تغليب الملح تقوية كيفه لا كمه فيمازجه الغريب الذي ليس منه و لما كان الكيف عرضاً لايفارق الجوهر وجب ادخال جوهر كامل ذو كيف غالب حتي يكمل و يقوي الملح الاصلي بقوته و كماله ثم يخرج برمته حتي لايبقي فيه غريب فاذا غلب الملح بكيفه علي الروح يسخره و يثقله
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 279 *»
و يجسده و يهبط به افهم هذه الحكم العلية التي لاتجدها في كتاب و لاتسمعها من خطاب فالواجب انيكون الملح الداخل قريباً ان لميكن منه كما في الجواني و منه علم وجه افضلية الجواني علي البراني و قرب طريقه و يجب انيكون كاملاً في الملحية يعني في الثبوت و القرار حتي يفيد الملح الداخل ثبوتاً و قراراً و اثبت الاملاح املاح الاكلاس بالبداهة فهي اقربها و اقويها و اكملها في الباب و كل تدبير سواه خطاء او بعيد عن الحق و الصواب فلاشيء لتثبيت النوشادر كالاكلاس و احسن طرق تثبيته انيثبت بها بحيث لاتمازجه ممازجة لايمكن اخراجها منه فهو بالتشوية بينها حتي يستقر و يثبت و علامته ان لايدخن في النار و قد يثبت بتكرار التصعيد فان النار يجفف رطوباته التي بها كان يطير شيئاً بعد شيء و في كل مرة يصير حيز صعوده ادني الي انيستقر في اسفل الاثال و لكنه قليل الروحانية بالبداهة لجفاف روحه و فنائه بقوة النار و منهم من يطبخه مع الاكلاس و مياهها حتي يثبت و لكنه لايخلو من غريب و لايمكن اخراجه و ان كرر طبخه معها استحال دهناً و يجوز استعماله في تشميع ما يمكن اخراجه منه كالاجساد فانها تطهر عنها بالاستنزال و الارواح فانها تطهر عنها بالتصعيد و اما الارواح الثابتة فلايجوز تشميعها به الا لمن يهتدي الي حيلة فلسفية يمكنه اخراجه بها عنها و منهم من يحيله دهنا بانيطبخه اولاً مع قشر البيض مثله ثم يعقده ثم يعجنه ببياض البيض ثم يدمسه يوماً و ليلة في قنينة و يخرجه و يعيد العجن و الدمس اربعةعشر مرة ثم يستنزله دهنة تجمد بالهواء و تذوب بايسر نار ثم يحله و يرفعه و يشمع به ما يشاء و ذلك ايضاً لايخلو من غريب و ان كان اقل و منهم من يثبته بالتصعيد ثم يضعه في طاجن و يغمره ببياض البيض و يسلقه ثم يعصره فلاينعقد ابدا و لو ثبت النوشادر الفضي او الذهبي لكان رأساً يصلح الرصاصين و النحاس و تثبيته الحق ما كان بتكرار التصعيد فانه الخالص عن الغرايب او بالتشوية بين الاكلاس و ما سوي ذلك اعمال لاطائل فيها ثم يحل باي انحاء الحل كان فيشمع به الاجساد و الارواح فانه بالغ في ذلك.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 280 *»
الباب الخامس
في تحميره و هو نافع في ابواب الحمرة و ذلك يحصل بتشميعه بالمياه الحمر ان كان ثابتاً و بتصعيده عن مثل الزاجات و الزنجار و الزعفران و غير ذلك فانه يكتسب منها حمرة باستصحابه اجزاء لطيفة منها فيصعد احمر و يكرر العمل حتي يرضيه لونه و يصير عنابياً ثم يحل فيشمع به الاركان و يحل ثم اذا استخرج يفيدها حمرة و يخرج و يسري و ينفذ بحدته الصبغ في اعماق ما ادخل عليه هذا آخر ما اردنا ايراده هنا من حق العلم و العمل و قد فرغ من تسويدها مصنفها في اواخر شهر ذيالحجةالحرام من شهور سنة تسع و ستين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً تمت.