رسالة اصلاح الارواح
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 213 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذه كلمات متينة بل هي درر ثمينة كتبتها في اصلاح الارواح رجاء انيوفق الله بها ابناء الحكمة الطالبين و ينجيهم بها من ايدي الضالين المضلين المتلفين لاموال المسلمين و نفوسهم و رجاء انيتبصر به المستبصرون و يتذكر به المتذكرون و عليك ايها الناظر بالممارسة فيها و دوام الفكر و الاعتبار منها فانها مندرجة بمر الحق موضحة اياه مبطلة للاراء الباطلة و الاهواء المضلة و سميتها باصلاح الارواح و فيها مقدمة و ابواب.
المقدمة
اعلم ان الروح هو اول ما يخلق من الشيء و هو الماء الاول الذي منه حيوة كل شيء و كان ماء لشدة رطوبته و سرعة انفعاله لفعل ربه و امتثاله لامر مولاه فهو اقرب اجزاء الاثر من مبدئه اذ هو الاول منها فهو اشبه بفعل الفاعل من غيره فهو باطنه نار و ظاهره ماء فهو نار بالقوة و ماء بالفعل يشاكل فعل الفاعل بباطنه و يباينه بظاهره ظاهره عبودية مطاوعة و باطنه ربوبية مطاعة فاذا اندك جبل جبلته و فكك تركيب كينونته و رقق حجاب انيته ظهر منه صفات ربوبيته و لذلك تراه اذا حل عقده و سال صار ناراً سائلة حلالة مشمعة للجوامد الجسدية و ظهر آثار باطنه و ان الله سبحانه جعل من بديع حكمته هذه الرطوبة و البرودة الظاهرتين وقاية و حجاباً لليبوسة و الحرارة الباطنتين و الا لاحرقت الحرارة الباطنة ما انتهت اليه مما لاقته كما تري انه جعل الزهرة و العطارد و القمر الباردة وقاية لحرارة الشمس و المريخ و المشتري و باطن زحل و الكرسي و العرش لئلا تحرق حرارتها مادونها و كذلك جعل دماغ الانسان رطب الظاهر لتحجب الرطوبة و البرودة الظاهرتان الحرارة الغريزية الفلكية النفسانية و الا لكانت تحرق الجسد و تفنيه في ساعة
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 214 *»
واحدة و لذلك تراه اذا سخن و جف قليلاً حدث منه امراض مهلكة كالماليخوليا و المانيا و غيرهما فالروح هو ماء في ظاهره نار في باطنه و كلما ينشف مائيته الظاهرة يستولي عليه الحرارة الباطنة و يصير مباينته للنار اقل و انس بها و اقل تنافراً منها فالغرض اظهار ما في باطنه الي الظاهر ليأتلف النار و يستقر عليها و ينفذ بناريته اللطيفة البسيطة في اقعار الاجساد الميتة و يحييها حيوة طيبة و يزيد في نضارتها و رونقها ببساطته و اتحاد اجزائه و تشاكله لمبدئه الوحداني النوراني البسيط الذي لالون له و لاكدورة فالروح هو البخار الاول للمكون المولود و جزو منه و ليس مدار الصنعة عليه و ليس بمنال ايديهم و انما الروح الذي يستعملونه روحان روح مستخرج بالصنعة من المواليد و روح هو احد المواليد و انما سمي روحاً باسم غالب الاجزاء الذي هو ذلك البخار فالروح الذي هو احد المواليد في كتابنا هذا هو الموضوع فلنتكلم عليه و نبحث عنه في هذا الكتاب.
فاقول ان الروح المولود علي ثلثة اقسام جمادي و نباتي و حيواني و رابع انساني و علامة الروح انيصعد بكله كما ان النفس تصعد ببعضها و يبقي منها بعض و الجسد لايصعد منه شيء فالجمادي من هذه الاشياء كالنوشادر فانه جماد ولكن يصعد بكله الي اعلي الاثال فهو روح جمادي طيار و اما النفس الجمادية فالبارود فانه يصعد و ينعقد فوق الماء و له صبغ و دهانة و شعلة و اما الجسد الجمادي فساير الاملاح و الاجسام الثابتة و المعدن هو اشرف الجمادات فالروح المعدني هو الزيبق الطيار الفرار بكله و النفس المعدنية هي الكبريت و منه انواع الزرانيخ و الجسد المعدني هو الفلز و اما النباتي فالروح منه الكافور الصاعد بكله و النفس منه الحصي لبان الصاعد منه بعض و الباقي منه بعض و الجسد ساير النباتات و اجزائها الغير الصاعدة و اما الحيواني فالروح منها الطيور الصاعدة بكلها اذا طارت و صعدت بقوة حرارتها و غلبة روحانيتها علي اجزائها الثقلية و النفوس من الحيوانات التي لها طفرة و وثبة فيصعدون شيئا و ينزلون و الاجساد كالخنافس و الحشار و الديدان التي ليس لها وثبة و ارواحها جامدة متقطعة قابلة للتحصص و اما الانسان فارواحهم الطائرون الصاعدون الي السماوات كرسول
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 215 *»
الله صلي الله عليه و آله و عيسي و ايليا و غيرهم فيطيرون بلاكلفة و نفوسهم الاولياء الذين
صحبوا الدنيا بجسومهم
و اليه بانفسهم عرجوا
فصحبوا الدنبا بابدان ارواحها معلقة بالملأ الاعلي و اجسادهم المنهمكون في متاع الدنيا لايرون ان وراء هذه الدار داراً و لايلتفتون اليها فلميخاطبوا بها و لميخلقوا لها قال الله سبحانه و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه الآية انما يتذكر اولوا الالباب ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.
بالجملة الارواح التي تستعمل في الصناعة البرانية و موضوع التدبير الارواح الجمادية و هي الزيبق و النوشادر و الزيبق هو محط نظرنا في كتابنا هذا و موضوع بحثنا فاقول لاشك و لاريب ان الروح مولود من المواليد كساير المواليد و له روح و نفس و جسد الا ان الغالب عليه الجزء الروحاني و لذلك سمي باسم الغالب فهو يركب اولاً من كيانه الطبيعية الثلثة التي هي خلاصة طبايعه الاربعة ولكن الغالب عليه الجزء الروحاني و الجزء النفساني و الجسداني فيه مضمحلان متلاشيان بحيث يقهرهما الجزء الروحاني و يحيلهما الي شكله في الجملة فيصعد بهما اذا صعد بغلبته كما ان كل واحد منهما اذا غلب يحيل الباقي الي شكله في الجملة و يجري عليه حكم نفسه فاي شيء اولي بالترويح من الروح و اي شيء اولي بالتنفيس من النفس و اي شيء اولي بالتجسيد من الجسد و الروح حين تركبه في معدنه قد اختلط بروحه اجزاء مائية طبيعية غريبة غير نضيجة و غير مستحيلة الي شكله لعدم قابليتها بكثافتها و عدم بلوغ فعل الفاعل اليها و اختلط بنفسه اجزاء دهنية غريبة و بجسده اجزاء ملحية غريبة لان الدنيا دار اعراض و غرايب لاتخلو منها ابداً فاذا تركبت الاجزاء تركبت باعراضها فتخللت الاعراض طبايعها و كيانها و لما تركبت و حصلت اهبيتها المادية تخللت اعراض ثانية اهبيتها و اختلطت بها فهذه هي الاعراض الدنياوية و الاعراض الطبيعية هي الاعراض البرزخية فاذا خرج من المعدن خرج مخلوطاً بالعرضين و ذلك حال كل مكون ففي الحقيقة
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 216 *»
صدق الاسماء علي هذه الاشياء صدق تضمن و لاتدل بالمطابقة التامة الا بعد خلوصها عن العرضين فالزيبق زيبق و الارمدة هبائية و اعراض طبيعية و لايكون زيبقاً محضاً خالصاً الا بعد التطهير عن العرضين و نحن نسمي الاعراض الهبائية بالجسد العنصري و الاعراض الطبيعية بالجسد المثالي في علم الحكمة الالهية و اما الاجزاء الاصلية فهي الشيء بحقيقة الشيئية بالمطابقة التامة لاغير فلما كانت المواليد هكذا احتاجت الفلاسفة الي تطهير عقاقيرهم عن هذين العرضين بقدر جهدهم و وسعهم و انما لايمكن ذلك علي الحقيقة الاولية الا بعد خراب الدنيا و البرزخ و قيام القيمة ولكن ما لايدرك كله لايترك كله و لما كان هذه التطهيرات لمتكن علي الحقيقة صارت التراكيب قابلة للتضاعيف و لاغاية للتطهير و التخليص مادامت الدنيا باقية و كلما يطهر الشيء و يخلص يكون فوقه ممكناً و كلما يكرر التطهير و التخليص يقوي فيه جهة الصرافة و فعاليته فيما خلق لاجله و لاغاية لما خلق الشيء لاجله و فعاليته و انما تناهت الافعال بحجب الاعراض و الاضداد الا تري ان الحرارة لاتتناهي بحد الا بمزج البرودة التي هي ضدها فلو لمتكن برودة اصلاً لمتكن للحرارة نهاية ابدا فافعال اصحاب الافعال تناهت بمزج الاعراض و حجبها و كلما يرق الحجاب يظهر انوار تلك الافعال من ورائه اكثر فتدبر و قد شرح مولانا اميرالمؤمنين عليه السلام جميع العمل في كلام له فيما روي عنه ان بعض اليهود اجتاز به و هو يتكلم مع جماعة فقال يابن ابيطالب لو انك تعلمت الفلسفة لكان يكون منك شأن من الشأن فقال عليه السلام و ما تعني بالفلسفة أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجوداً بما هو انسان دون انيكون موجوداً بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغير فقال اليهودي الله اكبر يا بن ابيطالب فقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي الله عنك.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 217 *»
فلاجل ذلك احتاجت الفلاسفة الي التدابير فعملت الحكماء العلماء اتباع الانبياء البصراء بحقايق الاشياء اعمالاً حقة توازي الافعال الطبيعية و تقفوا اثرها و صعدوا من حيث نزلت الطبيعة و رجعوا من حيث اتت حتي بلغوا المقصد اي اول التركيب فطهروا الاهبية اولاً بقدر ميسورهم ثم طهروا الطبيعة بقدر مقدورهم بنقض الفتول و حل العقود كما ان الخيط اذا عقد عليه عقود كثيرة عقد علي عقد فاذا اخرج مريد الحل رأس الخيط من كل موضع دخل في العقد انحل الي انيصير خيطاً كهيئة يوم اول و اما اذا اخرجه من غير ذلك الطريق ازداد عقداً علي عقد و لمينحل ابداً افهم المثل فالحكماء دخلوا من حيث خرجت الطبيعة و حلوا من حيث عقدت و فرقوا من حيث جمعت و رجعوا من حيث اتت و صعدوا من حيث نزلت و هكذا عكسوا صعوداً ثم وافقوا نزولاً فركبوا تركيباً خالصاً صريحاً فعملت الاشياء لهم اعمالها التي خلقت لاجلها كما هي و انقادت لهم الامور و صدقت لهم الاخبار و اما الجهلة فكما مثلت لك لما لميقفوا اثر الطبيعة و لميسلكوا مسلكها زادوا عقداً علي عقد و حجاباً علي حجاب فحجبوا الافعال الاصلية و كذبوا الاخبار و شنعوا علي الحكماء الابرار و لعمري جميع تدابيرهم خبط عشواء و ضلال و اهواء و الطبيعة لمتجر الا من طريق واحد فالتدبير ليس الا تدبير واحد انظر فيما مثلت لك من عقدة الخيط هل لحله الا مسلك واحد و طريق واحد فكذلك امر التدبير الحق ليس الا امراً واحداً و تدبيراً واحداً سلكه من سلكه و ضل عنه من حاد فاليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطي هي الجادة و مدته اقرب المدد و طريقه اقصر الطرق و عمله اسهل الاعمال و بابه اوسع الابواب و جميع ماسوي ذلك التدبير الواحد خطاء و ضلال و ذلك التدبير الواحد هو السر المصون و الامر المكنون الذي لايبوح به حكيم ابدا ابدا و لاينطق به في خطاب و لايسطره في كتاب و جميع ما يكتبونه في كتبهم تضليلات و تدهيشات و تبعيدات لقوم و تقريبات و تمثيلات و آيات قولاً فصلاً و ثمرتها اخفاء الرموز في خلال هذه المزخرفات ليصونوها بها الي انيصل الكتاب اهله و من جعله الله حظه و نصيبه فيستخرجه من بين هذه المزخرفات و يجربه الي انيصل اليه و يفوز و لاتزعمن ان الحق
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 218 *»
احد هذه التدابير المسطورة قد القي بين ساير التدابير الباطلة حاشا و كلا ذلك ظن الذين لايوقنون بل جميع ما يسطر اضاليل و اباطيل و الحق لايسطر بوجه من الوجوه سواء كان العمل برانياً او جوانياً فان النتيجة في حقهما واحد فافطن فاني لك من الناصحين و اريد حفظ مالك و نفسك و عرضك و لاتتوقع مني ان اكتب لك التدبير الحق في هذه الرسالة ايضاً نعم غاية ما يأتي مني ان لااكتب باطلاً و ضلالاً و اسميه حقاً و احلف عليه مدعياً انه حق و اما الرمز فلابد و انيكون فان الافصاح عن مر الحق في هذه المسائل مما لميقع من نبي و لا وصي و لا حكيم و اراد الله كتمانه و من يخالف طريقهم فقد خالف ارادة الله و رضائه و اتبع سخطه و باء بغضب من الله سبحانه نعوذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين.
فلنبدء بذكر الابواب بحول الله و قوته سائلاً منه انيجري قلمي بما يري فيه صلاح ديني و دنياي و لا قوة الا بالله فلنذكر من التدابير ما ذكره الحكماء و الفلاسفة مما وصلني متكلماً عليه بعده رامزاً بمر الحق في خلال ذلك لئلايقع الحق في يد اهل الباطل فاظلم الحكمة و لااحرم اهل الحق عن الحق فاظلم اهل الحكمة و لا قوة الا بالله.
الباب الاول
في غسل الروح اعلم انهم احتاجوا الي غسل الزيبق لانهم وجدوه مشيباً بغيره في معدنه او من غش الغاشين الجالبين له او من جهة المبطلين المستعملين له حيث اخذوه و استعملوه فخلطوا به اشياء آخر فلمادنسوه و ايسوا من تدبيره و خافوا الضرر باعوه بالسوقة فيقع في يد العامل مشيباً فاحتاجت الحكماء الي غسله ليطهر عن الاعراض الهبائية المتخللة بين اهبيته و تأتي الاهبية خالصة عن الاعراض الدنياوية بالنسبة اليه فدبروا لذلك فنون التدابير و المراد توفية النقا و زوال الاوساخ و علامته انيلقي في صحنة و يدلك بخرقة بيضاء كثيراً فان لميسود الخرقة بالدلك و كذا لو صفيته عنها و لميبق فيها شيء و كذا لو حركته في الاناء لميتحبب و لميتقطع و لميلتصق بالاناء و لميسوده و ان تقطع بسرعة الحركة التصق
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 219 *»
بعضه ببعض و صار سريع الرجرجة و الاضطراب فقد طهر و هو سريع الطهارة من الاوساخ فمن الناس من رأي غسله بالسحق علي الصلاية بالاملاح محلولة و غير محلولة او الخلول او الحبوب دائماً و غسله بالماء القراح حتي يطهر و منهم من رأي طبخه بالزيت او البول او الخل او ماء القلي او الماء و الملح او ماء الصابون و منهم من يشويه بين النورة التي لمتطف بانيجعلها في اناء ثم يصبه عليها و يغطيه بها ثم يغطيه باناء آخر و يصب ماء عليه من جانب حتي تتفتت و تتبخر و تتبرد فاذا برد الاناء اخرجه و منهم من يصعده عن الاملاح المكلسة حتي يطهره و المقصود من جميع ذلك طهارته عن الاوساخ ولكن بعضها فوق بعض في التأثير و العمل و بعضها مزخرفات و بعضها فيه قليل اثر مع الاتلاف و ليس بشيء.
و اقول ان اوساخه اما ما صحبه من المعدن من الكباريت الفاسدة المسودة و اما مشيبة به من الاستعمالات فهذه اما اجساد ملتغمة به و اما ادهان و اوساخ فالذي يطهره من الكباريت الفاسدة و الادهان و الاوساخ المتعلقة به فالصابون فانه الذي هيأه يد القدرة لذلك فلو سحقته بالصابون او مائه مرات و غسلته به او طبخته فيه فهو يطهره من جميع الكباريت و الادهان و الشحوم و الاوساخ المتعلقة به جملة و ليس له باب افضل من ذلك و لاطريق اقرب منه و اما الاجساد الملتغمة به فاقرب الطرق في ذلك السحق بالاملاح المحلولة المطهرة و الخلول و الشبوب و الزاجات المحلولة و امثال ذلك فان فيها قوة محللة لتلك الاجساد علي نحو السواد فتخرج عنها بالكلية و لتكن بحيث تحفظ ذات الزيبق و تحلل الاوساخ و لو صعد بنار خفيفة تصعد الروح و لاتصعد الجسد المخلوط به فليس ببعيد كثيراً ولكن الروح يصعد بلطايف الاجساد حقيقة فلايطهر حق الطهارة فاحسن من الكل انتسحقه بالرطوبات المزنجرة للاجساد فتخرجها بالتصدية و يبقي جوهر الزيبق خالصاً عما شابه و ذلك منتهي القول في تحرير غسل الزيبق فاستعمل عقلك و اطلب العلامة علي ما ذكرنا فاذا طهر بالكلية و ابيض و اشرق كالكوكب فاجعله في زجاجة و ارفعه و ذلك اول التدبير و مبدؤه.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 220 *»
الباب الثاني
في ازالة الاوساخ الطبيعية و ذلك لايكون الا بالحل قولاً فصلاً و كلاماً عدلاً و حله بالحرارة و الرطوبة اذ لا حل الا بهما اذ لو تجاوزت عن الرطوبة لوقعت في اليبوسة و هي عقد و لو تعديت عن الحرارة لوقعت في البرودة و هي جمود و كلاهما ضد المطلوب فالواجب طلب الحرارة التي هي الفاعلة في ذلك و الرطوبة التي هي المنفعلة فاذا استولت الحرارة المفرقة علي الرطوبة المطاوعة اسالت جوهر المطلوب و سيلته و هو الحل المطلوب و الروح بنفسه رطب مطاوع و يحتاج الي نار مفرقة لاغير و لو اضفت اليه رطوبة اخري لافسدته و زدت في طيرانه و المطلوب من هذه الاشياء تقريرها لاتنفيرها فادخال الرطوبات علي الارواح خطاء و فضل و تبعيد للطريق و الاقرب الافضل تسليط النار عليه وحدها و حله بخاراً فان حل الماء بالتبخير و الروح ماء فلابد من حله بالتبخير ثم عقد ذلك البخار روحاً ثانياً مجدداً و يتخلف منه ما لاينحل معه و ما ليس بروح طاير مثله و يتجفف عنه الرطوبات الغريبة التي كانت تعين علي طيرانه و يحترق عنه الكباريت الفاسدة التي كانت سبب سواده و لابد من تليين النار جداً جداً ليصعد الروح و يبخر وحده و لايصعد معه بقوة الاندفاع الي فوق ما ليس منه و ربما يحتاج الي تكرار و ان كرر فليكن الثانية الين من الاولي فان الاعراض الباقية اعراض لطيفة صعدت بالاولي فلاينبغي ما يراد منه التفريق بينهما انيكون كالاولي فكل لاحقة لابد و انتكون الين من الاولي بكثير و لاتسأم من طول العمل فان العمل الواحد الطويل اقصر من عملين و احسن من الاتلاف و احمد عاقبة و اكثر محصولاً و اقل مؤنة فلين ما استطعت و قد عرفت ان منتهي الغرض تخلف ما ليس منه عنه البتة و جفاف المياه الغريبة و احتراق الادهان الفاسدة حتي يبقي الروح الصرف و يدل عليه اللفظ بالمطابقة التامة و هو غرض الحكيم من هذه التدابير لاغير و الاشياء اذا خلصت عن الاعراض الهبائية و الطبيعية و عادت الي الصرافة عادت الي الوضع الالهي و الوضع الالهي لها مطابقة المشية و فعل الموجد و هو الفعالية النافذة و الكاملة المكملة و هي الاكسيرية فاذا طهرت الاشياء منتهي الطهارة
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 221 *»
حكت فعل فاعلها و قدرته النافذة و هي الاكسيرية لاغير فاذا ركبت الاشياء الطاهرة علي الاكسيرية لقلب الفلزات كانت اكسير الفلزات او علي الاكسيرية لدفع الامراض عن الابدان كانت اكسير الابدان و هكذا فيأتي من المركب ما ركب لاجله بقوة و قدرة و سرعة و نفوذ و كمال علي قدر طهارة الاجزاء فافهم ماذكرته لك فالزيبق اذا طهر كان روحاً كاملاً طاهراً مطهراً ابيض مبيضاً صقيلاً مصقلاً لطيفاً ملطفاً و هكذا و هو احد اركان العمل فافهم فلما اراد القوم تصعيده دبروا له عقاقير يتعلق بها الاعراض الطبيعية و تتعلق بها و يستخلص الروح الخالص من بينها بتذكيره عالمه بالنار الصاعدة و هي جنس الاملاح فانها الغاسول لكل وسخ بحدتها و المجففة للرطوبات بقوة ناريتها و العاقدة بقوة كباريتها الطاهرة و هذه الجملة هي البغية و قد ذكروا له الملح المحلول المجرور المعقود المكلس سبعة ايام بقدر وزنه فيسحق به و يندي بقليل خل مقطر و يشوي سبع مرات ثم يودع الاثال و يفرش له ملح مكلس و يؤخذ الرطوبة و يصعد او بالملح المحلول المجرور المعقود علي النار الي زوال الفرقعة او ملح القلي او النطرون او الملح الاندراني او زبد البحر او البارود او الشب او الجميع او بزيادة املاح الحيوان و الغرض انينحل الزيبق من خلل تلك الاجزاء بخاراً و يصعد و يتعلق حين صعوده بتلك الاجزاء و يتخللها فيتعلق بها ما صحبه من رطوبة فاضلة او دهانة فاسدة او ملح مكثف و ينسل بنفسه من بينها مجرداً الي سماء الاثال فان لميطهر في مرة فليكرر مرات و ليكن الثانية دائماً الين من الاولة ليطول لبث البخار في خلل الاجزاء و يقع بينهما التفاعل و يحصل المطلوب و هو النقاء و يتعلق الاوساخ بتلك الاملاح باقي الحيوة صالحاً فعالاً منعقداً في رجرجة لتقلل رطوباته الفاضلة العرضية قد صحبه من كباريت هذه الاملاح رطوبة دهنية عاقدة له في الجملة مانعة له عن الطيران في الجملة و ذلك ان في الاملاح كباريت غليظة جامدة اذا استولت عليها النار حلتها بخاراً و صعدتها و بعضها اشد في ذلك من بعض و كبريته اكثر و كبريت الاشوس من الاملاح الطف و ارق و اسرع صعوداً و كبريت ساير الاملاح اكثف و اغلظ و ابطؤ صعوداً و اغلظ من الكل كباريت ملح القلي و املاح الاكلاس
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 222 *»
فانها لاتكاد تصعد الا بكد و جهد و تدبير فاي هذه الاملاح او بعضها اذا صفيت و شمعت و حلت حتي ظهر ادهانها و كباريتها اعانت علي عقد الارواح و افنت رطوباتها النافرة و علكت ادهانها حتي قررتها علي النار البتة افهم ما اذكره لک من حقايق الاشياء.
بالجملة اذا صعد الزيبق عما ذكرنا و امثالها صعد حياً نقياً منعقداً انعقاداً في رجرجة طاهراً عن اعراضه الهبائية و الطبيعية فهو الذي يجيبك بعد ذلك الي ما تريد و هو الزيبق الخالص في اهبيته و طبايعه و لا نهاية للتصفية فكرر ما لمتسأم و يقل في كل مرة ان كرر التصعيد رطوباته الي انيقر و لاينفر فيكون ركناً صالحاً و لما كان نار هذا العمل ضعيفة لئلايصحب معه ما ليس منه و مثل تلك النار لايعمل في الدخيل عليه وجب في الحكمة تلطيف الدخيل عليه حتي يعمل فيه النار و يصعد منه دخان ادهانه و يحصل منه البغية و الا فلايحصل منه بغية و علي اهل الفهم السلام و قد يستحيي بعد اماتته بطبخه في الماء الحار في عين غليانه الشديد علي ما ذكره القوم او يسحق بالزيت سحقاً جيداً و يغلي الماء غلياناً شديداً و يقذف فيه حتي يحيي و قد يجعل مع الماء شيء من النوشادر و اخبرني بعض اهل التجربة انه قد صعده بعد موته عن العظام فحيي ثانياً فهو الزيبق الرجراج المقصود في كثير من الاماكن و هو سريع العقد ان عقد و سريع الحل ان حل و لو كرر ثبت بالنسبة في رجرجة و ان كرر ينعقد متعلكاً كالشمع ليناً كالدهن مصقولاً کالمرآت بالجملة بهذا و امثاله يطهر الزيبق من العرضين و يصدق عليه الاسم بالمطابقة و هو مراد القوم بالزيبق و الروح و قبل ذلك كان هو مع غيره و اذا اخذته اخذته مع غيره و تخطئ الطريق فالصنعوي لابد و انيكون زيبقه دائماً طاهراً علي ما وصفنا.
الباب الثالث
في عقد الزيبق هارباً و انما ذلك لاغراض من الحكماء لاتتأتي الا انيكون الزيبق منعقداً منسحقاً و هو لاينعقد الا بتجفيف رطوباته الفاضلة السائلة و تعليك دهانته فاذا جفت تلك الرطوبات السائلة منه و تعلكت الدهانات صارت قابلة
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 223 *»
للسحق و التساقي و التشاوي و التشميعات و الحلول و العقود الثابتة و التصعيدات المتعددة و امثال ذلك و يحسن ذلك بعد النقاء التام و ان كان يحصل له في اثناء العقد اذا كان بالتصعيد ايضاً طهارة و نقاء و عقده هارباً يمكن انيكون بالتصعيد و يمكن انيكون بالطبخ و يمكن انيكون بالتسقية و التشوية و يمكن انيكون بروايح الاجساد المنطرقة و ادخنة كباريتها الثابتة الصاعدة حال السبك فينعقد الفرار بها بما فيها من الاكسيرية الناقصة و يمكن انيكون بادخنة النفوس البرانية و بالادهان و امثال ذلك و منهم من يقصد بعقده هارباً صلوحه للسحق مع ادوية التصعيد و احسن جميع هذه الطرق ما يبقي الزيبق معه علي سذاجته و طهارته و نقائه و لايشوبه شيء من غيره فاي تدبير اداك الي مثل ذلك فاعلم انه الحق و اما ما سوي ذلك فملاعب يشغل الحكماء بها الصبيان لئلايقعوا علي الحق و في اكثره عسر و طول و اتلاف و كثافة و مؤنة كثيرة و لماستحسن شيئاً منها و ان في الحق غنية و بلاغ و ان عرفت الحق و قدرت علي سحقه و اماتته فهو و الا فاحسن تصاعيده متفتتاً انيصعد عن الاملاح و الزاجات بعد سحقه بهما و رشه بشيء من الخل ثم تشويته قليلاً او بعد تكليسه بالمياه و هو احكم و اتقن ثم تصعيده فانه اذا صعد عنهما صعد عنهما بقوة النار ابخرة كبريتية و ملحية عاقدة مجففة معلكة و مازجت ابخرة الزيبق حين بخر فتفاعلتا و عقدته باقية الحيوة والفعل لان هذا العقد بابخرة الادهان الغير المحترقة فيصعد منعقداً منسحقاً.
و اعلم ان كل مصعد معقود ما انحل و كل محلول محلول المعقود السابق فاذا حل عقد المعقود الاول ثم عقد عاد الي العقد الاول كالماء المنعقد علي المائية اذا حل حل بخاراً فاذا عقد ثانياً عقد ماء لا حجراً و الكافور دهن منجمد فاذا حل حل بخاراً فاذا انعقد عاد كافوراً دهناً منجمداً علي ما كان فافهم ذلك فانه سر فاذا صعدته عن ما ذكرنا و بعد ما ذكرنا عاد زيبقاً ميتاً منسحقاً طاهراً نقياً كالماس فان لميعطك العلامة في مرة فاعده الي اخلاط جديدة و كرر العمل حتي يعطيك و لو حللته بعد ذلك في المياه و طيرتها و صعدته اتاك كالملح الاندراني النقي اللامع فان شمع جاء مشمعاً و ان حل جاء محلولاً و في جميع الحالات طاهر نقي
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 224 *»
و هو غاية تدابيره و نعم العقار له نصف وزنه العقاب الثابت و شيء من الزاج و الشب فانه ينسبك بها و لابد من سحقه بها و تشميعه بالدهن حتي يتشمع و ينسبك ثم يصفي عنها و سر الامر ما ذكرنا فان انسبك و تشمع او حل هكذا استجابك الي الحل نقياً خالصاً بسهولة.
الباب الرابع
في حل الزيبق و انما يحل الزيبق لثلث حاجات فاما انيحل لاخراج الاعراض المتخللة في طبايعه و اما انيحل ليظهر عليه نارية باطنه فيصير ماء حاداً و يدبر به الاجساد حلاً و تشميعاً و ترزيناً و تبييضاً و اما انيحل لانيختلط باركان العمل و يمازجها و ينفذ فيها كالروح في الجسد.
اما حله للغرض الاول فقد ذكرنا و اوضحنا ان ذلك بالنار اولي من الماء و اقرب الي الغاية المطلوبة و ان الحل بالمياه يزيد الارواح نفوراً فان الارواح مياه و الشيء يتقوي بمثله و النار ضد الماء و الشيء يضعف عن ضده فلاوجه للحل بالمياه في الارواح قولاً فصلاً و كلاماً عدلاً.
و اما حله لخدمة الاجساد فيكون بدخيل عليه و بغير دخيل عليه و لعله مع الدخيل القريب لا الغريب يكون احسن و اولي و اقرب الي حلها و تشميعها و تليينها و تطهيرها و يجوز انيكون ساذجاً فاذا صار قابلاً للانحلال علق في الدن حتي ينحل ماء رائقاً ساذجاً او مشيباً ثم يرفع و يخدم به الاجساد الي ظهور العلامة.
و اما حله للتركيب فلابد و انيكون بنفسه من غير دخيل عليه و الاولي عندي ان لايحل للتركيب الا بعد التركيب علي التدريج الطبيعي اي بعد التنقير و التشميع و الترخيم ليتداخل الاركان و يمسك بعضها بعضها و لايزيدها الحل نفوراً فاذا اعددته للحل و شمعته حله في دن الخل كما هو القانون و انما ذلك بعد التقرير و التثبيت الكلي له و منهم من لميجوز الحل للارواح وحدها فان الحل يزيدها نفوراً و اوجب حلها بعد مزجها بالاجساد فلابد حينئذ انيمزج بها ثم يثبت معها ثم يشمع ثم يحل و منهم من منع من حل الروح مطلقا و اوجب حل الجسد و
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 225 *»
تشميعه بعد العقد به و منهم من منع من حله و اوجب حل النفس و تشميعه بها و الحق حل الجميع ولكن بعد التركيب و اما قبله فلاشك ان عقد الروح مع الجسد ثم حلهما معا اولي فان الحل يزيد الارواح نفوراً البتة فاذا ركبت الاركان و قررت و تذوبت و تشمعت و ترخمت تحل حلاً للمزاج الكلي.
بالجملة جميع ما ذكروه من حلول الزيبق حلول فاسدة لما يشوبه من الغرايب التي لاتكاد تخرج عنه و قد عرفت ان الغرض حله بذاته للتركيب او بما يحل المركب علي التدريج المقرر و بذاته او بداخل مشاكل في خدمة الاجساد فاذا عقدته هارباً شمعه بالمياه الثابتة او النافرة ثم حله و اخرج ما ادخلته عليه فان كانت قارة صعده عنها قبل الحل و ان كانت فارة فهي معينة للعمل و يخرجان بعد اداء الخدمة معاً و لايضر فذلك سبيل حله الحق و ما سوي ذلك نفخ في غير ضرام و اما حله الثابت فلابد و انيكون بعد تقريره و تخليده في الارض فيحل بما يحل بداخل خارج او بذاته لاغير بتة فذلك سبيل الحل الحق في الزيبق و لاتعرج علي شيء من الاباطيل و الاضاليل و ارحم نفسك فانها لابديل لها و ما لك فان تحصيل الحلال عسير جدا و لايحتمل هذه المؤن فافهم و قف علي قولي فاني لك من الناصحين.
الباب الخامس
في عقد الزيبق ثابتاً اعلم ان الزيبق جوهر قليل الملح و الدهن كثير الماء و الماء هو الغالب القاهر في طبعه ولكن ماؤه ليس بماء بورقي لايقبل التجسد بل ماؤه ماء صمغي يقبل التغليظ و التجسد فاذا قلل ماؤه العرضي و رطوبته السائلة غلظ و جمد و تجسد حتي كان جسداً منطرقاً او غير منطرق فان دبر بدهن غير محترق ملين لملوحته مغلظ لرطوبته مقو لدهانته انعقد ثابتاً منطرقاً و ان دبر بالاملاح المجففة للرطوبات المصلبة للادهان المقوية للاملاح انعقد ثابتاً متفتتاً و ذلك ان نفوره بغلبة البرودة و الرطوبة المضادتين لحرارة النار و يبوستها فتفرق اجزاءه علي سبيل التبخير و تصعد بها الي الاعلي فاذا اصابها البرد انعقدت كما
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 226 *»
كانت فلما اراد الحكماء تقريرها علي النار تدبروا في العقاقير و القوانين الكلية النظرية فرأوا ان دفع كل شيء بالضد كما ان تقوية كل شيء بالند فاوجبوا في الحكمة تجفيف رطوباته و تسخينه حتي يأتلف النار بالمشاكلة فلايفر منها و حد التسخين و التجفيف بقدر التقرير و الاستيناس لا ازيد من ذلك فيبطل ما كنا نريده من الروح و لايحصل لنا و يستحيل الي غيره و الغرض انينعقد ثابتاً باقي الحيوة و الرطوبة الغريزية باقي الغوص و النفوذ و الصبغ فمن اي عقار حصل هذه الخصال فهو المطلوب بشرط ان لايختلط بجوهر الزيبق فيشوبه و يدنسه و لايخرج منه بل لابد و انيعمل ذلك بما يمكن انيخرج بالكلية البتة حتي يبقي صرفاً فمنهم من لايقرره قبل التركيب فانه اذا مازج ساير الاركان مزاجاً كلياً قرره الجسد القار و ربط بينهما النفس فينعقد بنفسه من غير داخل غريب فان الغرض من مزاج الاركان التفاعل و التشاكل و الاتحاد فاذا فعل الجسد في الروح و شاكله و اتحد به فقد قرّ و ما يزعم من ضعف الجسد عن التقرير الا بالغلبة و لا غلبة هنا و الفعل للارواح يدفع بوجود النفوس الثابتة النارية المجففة للرطوبات المحيلة لها ادهاناً متعلكة ثابتة رابطة اياها بالاجساد فتقر البتة و الاشياء تعمل بخواصها و الطبايع و المقادير قليلة التأثير بلاشك فلمير هؤلاء تقرير الارواح قبل تركيبها و منهم من يري تقريرها قبله نظراً الي ان لها آثاراً في التراكيب و الموازين فذكروا لها تدابير شتي من تشويتها في الصموغ كالكندر و العنزروت و بالاملاح و الشبوب و الزاجات و العقاب و البواريق و الخلول و بعض المياه المستخرجة من الاملاح و الاجساد المحلولة كلبن العذراء و المقطرة كالزنجار المقطر مع الاملاح و الادهان التي قد ازيل احتراقها و غير ذلك فاي عقار كان مجففاً او معلكاً فعل هذا الفعل بداوم التسقية و التشوية و الواجب هو التدبير في اخراج هذه الاجزاء من جوهر الزيبق حتي يبقي بصرافته و عندي جواز كون الزيبق مقرراً قبل التركيب و جواز عدم كونه مقرراً الا ان تقريره قبل التركيب اسهل و اقرب و اوكد و اثبت للروح علي النار فانه يقرر مرة قبل التركيب و مرة بعده فيكون اثبت علي النار البتة و ان قرر قبل فليكن مستخلصاً مما ادخل عليه البتة فان الغريب يمنع من التمازج
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 227 *»
البتة و هذه العقاقير المذكورة في كتب القوم امثال و آيات و ان كان لها آثار فآثار ناقصة توفي ببعض المقصود و العمل الحق في عقد الفرار ثابتاً في الادهان البيض او الحمر الغير المحترقة مع الاجساد المبخرة بالادهان الاكسيرية فانها بحرارتها و يبوستها تجفف رطوبات الزيبق الفاضلة و تفني بروداته و لما كانت ذات دهانة لميكن افناؤها الرطوبات الا بالتغليظ و التعليك و بدهانتها تشمع ملح الزيبق و يعدل و يقوي دهنه الغير المحترق فينعقد بذلك عقداً ثابتاً جارياً مشمعاً غائصاً نافذاً سمياً و هو البغية من ذلك فان انت اقتدرت علي تركيب هكذا فافعل و الا فابتغ له تلك الادهان التي اعدتها يد التقدير من كمال التدبير و لابأس اذا لمتكن تلك الادهان ثابتة بل هو الاحسن الاولي و ذلك ان المياه و الادهان النافرة خوادم و القارة رؤساء فابتغ له دهناً غير محترق مبخر حتي يفني بالتشاوي بعد اتمام عمله ليقوم الزيبق خالصاً عن الشوائب ولكن يجب ان لاتكون محترقة محرقة فتسود جوهر الزيبق و تفني رطوبات الزيبق بمشاركة النار و يسود ملحه و يحترق دهنه و يفسد و هذا هو العمل الحق و مقصود الكبار و البواقي جوز الصبيان و لايغتر بها الا هم و السلام.
الباب السادس
في تحميره و انما يحمر الزيبق لعمل الحمرة و زيادة الصبغ و قد ذكروا في تحميره مياهاً ملحية بورقية حمراً ليس لها ممازجة مع الزيبق و لا الاجساد بل هي تلوينات و تدليسات لايغتر بها الا الجاهل بالحق و كذلك ذكروا تشاوي و تبخيرات و كلها اباطيل و اضاليل فلماطل الكلام بذكرها و اصدع الناظرين فاصدع بالحق و هو احق انيتبع و لا قوة الا بالله.
اعلم ان الزيبق روح معدني يمازج الاجساد لما فيه من قوة الجسدانية القريبة الي الفعلية فهو من البرازخ حقيقة بين الاجسام و الاجساد و اما الكباريت فهي تمازج ببعضها و تخالف ببعضها و اما غيرها من الاملاح و الشبوب و الزاجات فهي اشياء ليس لها تلك الرطوبة الغروية و الدهانة الشمعية حتي تنسبك و تمازج
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 228 *»
المنطرقات فان انت صنعت اصباغاً من الاملاح و الزاجات او غيرها من الجمادات او النباتات او الحيوانات المدبرة بالتدابير العامية فلاتحصل الا اصباغاً طافية علي المسبوكات اذا القيت عليها و لا تمازج الزيبق و لا الاجساد و انما صبغها محض اغترار و ان اثر بعضها اثراًما فانما يفني بكثرة السبك و يزول فلابد من تحصيل صبغ يمازج الزيبق و لايمازجه الا الادهان و الاجساد و عقار يخرج حمرته الكامنة فانه في باطنه حار يابس و لونه احمر فان انت حصلت دهناً احمر ممازجاً نافذاً في الزيبق و سقيته يحصل لك زنجفر خالص صحيح رماني و يمازج الاجساد و يغوص فيها لان الادهان تتعلق بالاجساد و تنفذ و لاسيما اذا ثقل مع الزيبق الغائص الممازج فحينئذ ينفذ الصبغ بنفوذه ايضاً فان كان الزيبق محمراً من قبل ثم ركب مع النفوس و الاجساد فنور علي نور و الا فهو يحمر حال التركيب و كذا يمكن تحميره بالاجساد الحمر النقية المشمعة المحلولة فانها ايضاً تمازج الزيبق و تمازج الاجساد و اما ما سوي ذلك فلا و ابيك لاتغتر بشيء منها فاني لك من الناصحين و ان انت لمتحصل بعد عمر عدم ممازجة شيء غير الادهان و الاجساد مع الاجساد الذائبة المنطرقة فانت في ضلال مبين و ليس وجه الخطاب اليك فاصنع ما شئت بلا لوم و ان عرفت و حصلت فتعرف اني لك من الناصحين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
الباب السابع
في تشميعه و هو علم جليل لايتم العمل الحق للحكيم الا به و المراد به في جميع الابواب انيصير الشيء كالشمع في سرعة ذوبه بايسر نار و انعقاده بايسر برد و يكون بعد البرد قابلاً للختم عليه ليناً منطبعاً و يكون لطيفاً سريع الحل بحيث اذا وضع علي اللسان يذوب بسرعة و لايبقي منه شيء و هو التشميع الحق الخاص و ما لميبلغ الشيء هذا المبلغ لايصلح للممازجة و الذوب و الالتصاق بما يلقي عليه و كما ان في جميع الابواب حقايق لايعلمها الا اهل الحق و مجازات و تشبيهات يستعملها الجهال كذلك في هذا الباب حقيقة لايعلمها الا اهل الحق و
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 229 *»
الحكماء الماهرون و علامتها ما ذكرناه و السبب في ذلك في كل باب شيء خاص به و لربما يعمد الجهال الي املاح محلولة غير ممازجة اذا انعقدت انعقدت املاحاً او ادهان محترقة لزجة فيدخلونها علي المصعدات او المكلسات فيمازجها مزجاً عرضياً فاذا وضعت علي النار تذوب تلك الاملاح او يذوب ذلك الدهن فيزعمون انهم شمعوها و ليس ذلك بمراح من الحق و لا مغدي و يغفلون عن ان الاركان يجب انتكون طاهرة من كل غير ممازج و غريب و يجب انتذوب بانفسها علي ايسر نار من غير تغير في اللون بل يكون كما كان اولاً و تنعقد بايسر برد كالشمع و الصابون مرتبطة الاجزاء برطوبة غروية قد حصلت لها بالسبب المشمع و هو معني الانسباك و التنقير و الترصيص و التشميع لهذه الاشياء و تكون بعد الانعقاد ابيض او احمر لدنا قابلا للختم فاذا بلغ الشيء هذا المبلغ صلح للانحلال الحقيقي و هو الذي اذا وضع علي النار يغلظ شيئاً بعد شيء و يتربب الي انينعقد و اما الحل المائي الذي يجف شيئاً بعد شيء الي انيبقي الارض التي فيه فتنعقد كالملح فليس بشيء البتة و هو الحل العامي الباطل و صلح للاختلاط و الامتزاج بساير الاركان و الانسباك و الانطراق و التجسد المطلوب منه.
فاذا عرفت ذلك فنقول ان التشميع له فاعل و قابل اما الفاعل فهو الماء الذي يدخل علي الشيء باعانة النار المؤلفة بينهما فما لميكن الداخل عليه ماء متعلكاً لزجاً لدناً فيه حدة ينفذ بهما في اعماق المدخول عليه ممازجاً يمتزج بالشيء اولاً ثم يفارقه بعد ان اكسبه رطوبة غروية متعلكة لدنة لا تشميع و يجب انيكون مما يفارقه بكله كما مازجه بكله و يجب انيكون غير محرق و لا محترق و لا مسود مغير للون ما ادخل عليه و يجب ان لايكون فيه دهانة و لا روحانية طائرة فانه يزيد الارواح نفوراً و الغرض تقريرها لا تنفيرها و هذا هو سر الامر اولاً و آخراً و يجب انيكون فيه حدة مفسخة حتي يفسخ الروح و ينهكه و يجعله ماء لزجاً ينعقد بالنار كالرب و العسل حتي يتشمع فذلك لايكون الا الخل المدبر و امثاله فان وجدت ماء هكذا فهو السبب الفاعلي في التشميع و اما السبب القابلي فالواجب انيكون بحيث اذا ادخل عليه داخل تخلل طبايعه و اجزائه الطبيعي و ذلك لايكون الا في
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 230 *»
مكلس الحكماء خاصة فالواجب اولاً تكليسه بالتكليس الخاص و هو ما لايموت معه موتاً لايقبل الحيوة ثم تشميعه بذلك الدهن و لايجوز انيكون القابل محلولاً ينحل في كل مرة بادخال الماء عليه فان الماء يزيده نفوراً و يكتسب منه طيراناً و هو ينافي التشميع و الغرض و اما تكليس العامة الحاصل بالتصعيدات المميتة المبطلة للرطوبة الغروية للشيء او الحاصلة بالعقود المميتة او غير المميتة فلا و ابيك فانه لايمازجه شيء من الاجسام بوجه من الوجوه فلايؤثر فيه تأثيراً طبيعياً ذاتياً و انما يقارنه و يحدث في ظاهره اثراً عرضياً فلايشمع الروح الا بالروح ولكن الروح المدبر و هو المغلظ المعلك فان الاشياء تتقوي باشكالها و تضعف باضدادها و الروح الغير المدبر يزيده نفوراً و هو خلاف المقصود من التشميع فاذا حصلت الروح المدبر و صار ماء احمر او ابيض لزجاً داخلاً خارجاً ممازجاً مرطباً ملدناً مصمغاً مشمعاً فاعد الروح المكلس الطاهر و ادخله عليه قليلاً قليلاً في الاقداح المعدة و ادنه من النار المطيرة للماء الغير المؤثرة في الروح و عرقه و برده و كرر العمل الي انيجف ثم ادخل عليه شيئاً آخر و اسحقه به و اعمل كما عملت اول و كرر الي انتراه قد انسبك كالصابون و اذا ذاب ذاب لزجاً و اذا انعقد انعقد كالشمع الابيض و اذا وضع علي اللسان ذاب فاذا بلغ هذا المبلغ فارفعه فانه بلغ مبلغ صلوح التركيب و المزاج و صار ركناً كاملاً و ان شمعته بالنفوس الطاهرة المبيضة الثابتة الغير المحترقة الغير المحرقة المشمعة المحلولة دهناً صافياً فيكون ثابتاً مشمعاً و يحصل لك روح الصمغتين الصمغة الروحانية و الصمغة النفسانية و هو الماء الالهي في البراني و الماء ذو الوجهين فان حللته بعد ذلك و سقته الي الارض المحروثة الطاهرة شمعها تشميعاً و صارت فعالة صباغة صبغ تكوين لا صبغ تلوين فان كان احمر فاحمر و ان كان ابيض فابيض و ان تركته علي حاله او عقدته فيكون رأساً من الرؤس و يصبغ لك اصباغاً لكنه غير غايص و لا ثابت فان الغوص و الثبوت الحق يحصل للمركب بالارض التي هي الخميرة المحيلة له و لابد منها في العمل الحق و ان شمعته بمياه الاجساد فلك فيه غنية و غناء و في تحصيلها عسر شديد و في ما ذكرنا في هذا الباب كفاية لاولي الالباب.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 231 *»
و قد فرغ من تسويدها مصنفها كريم بن ابرٰهيم في اخر شهر ذيالحجةالحرام من شهور سنة تسع و ستين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً تمت.