رسالة اصلاح النفوس
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 187 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله و سلام علي عباده الذين اصطفي.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذه درر يتيمة قد سمطتها في سلك النظم في هذه الاوراق في اصلاح النفوس و ايصالها من درجة حضيض النقصان الي ذروة اوج الكمال و من حال الفناء و الاضمحلال الي حال البقاء و الاستقلال عسي الله انينفع بها كافة اخواني المؤمنين و طلاب الحق المبتلين فان كثيراً من الحكماء قد اوقعوا الجهال في ضلال مبين برسم الاضاليل و الاباطيل و من اعتذر بان القوم ينادون علي انفسهم بان لاتغتروا بظواهر كلماتنا يدفعهم نداؤهم و حلفهم بالايمان المغلظة في بعض كتبهم باني ما رمزت في هذا الكتاب او في هذا العمل و لاسترت و امثال ذلك هذا و اغلبهم من الملاحدة و النصاب الكفرة و المشركين الذين لايرجي منهم رحم علي مسلم و لايحتاجون الي حمل تضليلهم علي وجه صحيح فان نية الحق فرع الايمان و اغلبهم لا ايمان لهم و قد اتلفوا اموال الضعفة كسلطان عسوف قد تسلط علي الناس و اغار علي اموالهم و اهليهم هذا و حرص الجهلة ايضاً لايدعهم انيعتبروا من هلاك من هلك او اتلاف عمر نفسه و كثير من ماله في الاباطيل مع عدم معرفتهم بالحق و الباطل و الرذاذ و الهاطل بالجملة احببت اناكتب هذا الكتاب في اصلاح النفوس و سميته كغايته باصلاح النفوس و ارجو من الله سبحانه انيوفقني لرسم الحق بحيث يحب و يرضي و لا قوة الا بالله و هو مشتمل علي مقدمة و ابواب:
المقدمة
اعلم ان المراد بالنفس مقام الاعراف و اوسط المصاف و الواسطة بين المبدء و المنتهي و البرزخ بين الدنيا و الاخري و هي ان شئت قلت نار حائلة و ارض سائلة و ان شئت قلت هواء راكد و ماء جامد و ذلك ان النفس برزخ بين
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 188 *»
الروح الذي هو اول اذكار الشيء المعبر عنه عند اهل الشرع و الكلام بالعقل و بين الجسد فلا هي برقة الروح و لطافته و طيرانه و لا بغلظة الجسد و كثافته و ثباته فهي روح جامد و جسد سائل او روح متجسد و جسد متروح فلاجل ذلك تجدها تطير ببعضها و تبقي ببعضها و هي الدهن الذي هو ماء غليظ او ارض سائلة و هي حارة يابسة و مسكن النار و حافظتها و واقيتها و لذلك لاتصعد الا بعد صعود الروح و انما ذلك لانها غير منافرة للنار و غير مخالفة كثيراً فلاتطير و لاتفر عنها بسرعة الا انتغلب النار بكيفيتها عليها حتي تصير بالنسبة الي النار رطبة باردة فحينئذ تطير و تفر منها و لذلك لاتفر الا بعد سلطان النار عليها و افناء كثير منها و لذلك قالت الحكماء ان المصعدات كلها باطلة فان النار لاتصعدها الا بانتغلب عليها غلبة تصير النفس بالنسبة اليها باردة رطبة فاذا بلغت النار هذا المبلغ احرقتها و افسدتها فجففت و فرقت ما فيها من الروحانية و احرقت و دخنت ما فيها من الدهانة فافسدتها و يبقي ارضها فان اشتدت النار صعدت ببعضها و تركت بعضها الذي لمتطق الصعود به متقشفاً ميتاً لا روح له و لا نفس فيزعم الجهلة انهم قرروها و ثبتوها و لايزالون يكررون التصعيد حتي يفنوا بالكلية روحها و دهنها و يبقون ارضها فيرونها لاتصعد من ارض الآثال فيفرحون و يستبشرون انها قرت بعد ما فرت و تنقرت بعد ما تنفرت فيخرجونها ميتة لاحراك لها و لا صبغ ما يعتد به و لا روح و لا نفس و لا فائدة فيها.
بالجملة ان النفس هي الدهن و الماء الغليظ و الارض الرقيقة و هي مسكن النار و اللظي و جهنم فان صلحت كانت نارها نار حب و شوق و رحمة و رضا و ان فسدت كانت نار سخط و عقاب و غضب نعوذ بالله و صارت هي مسكن النار و مظهرها مع ان النار سارية في الكل لاجل ان الماء ستر النار ببرده و رطوبته و الارض سترتها ببردها و غلظتها و كثافتها فصار الدهن مسكن النار لانه ليس له رطوبة مطفية منافرة و لا برودة مخمدة و لذلك تري النار تتعلق بالدهن في الخارج و تشتعل به و لاتتعلق بالماء و لابالارض و لاتشتعل بهما و هي للنار الغيبية بمنزلة العلقة الصفراء في القلب للروح و الحرارة الغريزية الفلكية كما ان الروح
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 189 *»
علي ما بينا في كتاب اصلاحالارواح بمنزلة الدماغ فالروح الذي هو الماء يحمل العقل كما روي اشربوا الماء فانه يزيد في العقل و النفس التي هي الدهن تحمل الحيوة و العقل و الحقيقة التي هي النار فالنفس بين الاركان بمنزلة القلب في البدن و فلك الشمس بين الافلاك تحمل جميع افعال ماورائها فانها عرش استواء رحمن الغيب و كرسي استقراره و مظهر انواره و مصدر افعاله و وكر ارادته و معاني اسراره تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فهي القطب الذي يدور عليه الرحي و القلب الذي هو المبدء و المنتهي و الروح هو يدها اليمني و عينها العليا و الجسد يدها اليسري و عينها السفلي فالروح بمنزلة قواها الباطنة و الجسد بمنزلة قواها الظاهرة فهي اشرف الاركان و اكمل الاعيان و باصلاحها يصلح الدنيا و الآخرة و اصلاحها اعسر امور الصناعة و عجزت عنه الصناع المهرة الا واحد و واحد و جميع ما جاءت في التقرير او ظهرت في التسطير و ما ابداه الخطاب او حمله الكتاب من اصلاح النفس خطاء و ضلال و تضليل خارج عن قصد الحق كائناً ما كان و بالغاً ما بلغ كما يأتيك انشاءالله و مر الحق في اصلاحها لاتفارق الصدور و ان فارق لاتسكن الا في صدور و ان الله سبحانه وضع يده علي هذا العلم و علي فم العالم فلايخرج من فلق فم مؤمن و لا كافر و فائدة كتابي هذا و ما كتبت في هذا العلم اناحفظ عليك نفسك و مالك و اريك الحق حتي تتيقن ان جميع ما نطقوه او رسموه باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و جميع ما في ايدي الطلاب الذي يتداولونه بينهم اعمال باطلة ليس لها طائل الا سوء الثناء و الخزي في الدنيا و اتلاف المال و النفس و ذلك ايضاً نوع بلاء سلطه الله علي عباده بمقتضي اعمالهم كالجراد و البرد و العساكر و السلاطين و امثال ذلك ولكن لايشعرون.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان النفس في البراني هي كل عقار يصعد ببعضه و يقر ببعضه كما ان الروح يصعد بكله و الجسد يقر بكله و النفس مولود من المواليد مركب من كيان ثلثة الماء و الدهن و الارض و عناصر اربعة النار و الهواء و الماء و التراب الا ان الغالب علي كيانه الكون الدهني و الغالب علي عناصره
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 190 *»
العنصر الناري و الهوائي فلاجل ذلك يسمي باسم الغالب و ان ما هو محط انظار الفلاسفة في البراني النفوس المعدنية و هي الكبريت و الزرنيخ فهما معدنان دهنيان برزخيان بين الروح المتنفر و الجسد المتنقر فيصعدان ببعضهما و يقران ببعضهما و هما مركبان من ماء و دهن و ملح الا ان الكبريت دهنه اكثر من الزرنيخ و الزرنيخ ملحه اكثر من الكبريت و لاجل ذلك تجد الكبريت اكثر دخاناً و اعظم شعلة و اشد احتراقاً و احراقاً من الزرنيخ و اما الزرنيخ فهو اقل دخاناً و اضعف شعلة و اقل احتراقاً و احراقاً من الكبريت فالزرنيخ اثبت علي النار من الكبريت و كأنه يكون الكبريت هو النفس العليا و الزرنيخ هو النفس السفلي و الكبريت هو الضلع الايمن و الزرنيخ هو الضلع الايسر فلاجل ذلك صار الكبريت نفس فلك الشمس و الزرنيخ نفس فلك القمر و اختص الكبريت بالحمرة و الصبغ و غلبة الحرارة و اختص الزرنيخ بالبياض و قلة الحرارة و قد اخطأ و أكل من القفا من رام غير ذلك و اما الشك فهو زرنيخ ابيض و هو اكثر ملحاً و اقل دهناً من الزرنيخ الاصفر و اقرب الي الثبوت و اكثر تبييضاً بكثرة ملحه النافذ بقوة دهنه في الاجساد من الزرنيخ و اما الزرنيخ فهو اكثر دهناً و اقل ملحاً فيكون اقل تبييضاً و تقطيعاً لعرق الحمرة و السواد و لما كان الكبريت اقلهما ملحاً و اكثرهما دهناً صار لايبيض و انما يصبغ و يحمر بغلبة دهنه و صبغه و لاجل درجات املاحها اختلاف تبييضها و انحلالها فالشك يبيض اسرع منهما و اشد و ينحل اسرع ثم الزرنيخ يبيض ابطأ منه و دونه و ينحل بعده ثم الكبريت بعدهما فلايبلغ مبلغهما في البياض و لاينحل بسرعة انحلالهما و كذا يكون الكبريت اسرع ذوباً و اسرع انحلالاً في الادهان من الزرنيخ و انما ذلك من اجل قلة الملحية و كثرتها و لاجل ذلك اصلاح الشك و رفع احتراقه و احراقه اسرع منهما ثم الزرنيخ اقرب الي الاصلاح و اطوع للحكيم و اما الكبريت فعاص لاينقاد الا بحيل.
فمن ذلك اعرف ما قالت الحكماء ان ما يعمل في الزرنيخ يعمل في الكبريت و بالعكس فان انقيادهما علي حسب ما ذكرت و ان الكبريت اعصي منهما الا ان الكل من جنس واحد و الدهن نوعاً غالب فيها علي الماء و الارض فالثلثة من
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 191 *»
جنس النفوس و بغية الحكيم اصلاحها و المراد بصلاحها انتصير بيضاء نقية لاتحرق الاجساد و لاتحترق بنفسها فتسود في النار اذا ذابت علي جسد و تكون ذائبة كالشمع تذوب بايسر نار و تجمد بالهواء و لاتدخن و لاتشتعل و لاتطير عن الجسد اذا القي عليه بل تنفذ فيه بقوة النار و تصبغ الجسد الملقي عليه اصفر و ابيض من غير شائبة سواد و لو قليلاً بشرط طهارة الجسد فان وصلت الي ذلك فقد وصلت الي مر الحق و ان اخطأک علامة واحدة فقد ضللت، و طريق اصلاحها الي انتصير كذلك طريق واحد و جميع ما سواها طرق الضلال و الهلاك و البوار و مرادي بالواحد الواحد النوعي لا الشخصي و ذلك الطريق هو مما لميجر به لسان حكيم و لا بنانه و جميع ما كتبوه او قالوه امثاله و آياته و ادلته و اشباهه و كل واحد يحكي جهة من جهات التدبير و صفة من صفاته و لايغتر بها الا الجاهل و انا اذكر لك في هذه المقدمة ما تستدل به علي التدبير الحق و تعرف بطلان جميع الطرق المرسومة و المنطوقة.
اعلم ان الكباريت و الزرانيخ ايها كان مركب في معدنه من كيان ثلاثة ماء و دهن و ملح و دهنه اكثر من الآخرين الا ان دهن الكبريت اكثر من دهن الزرنيخ و ملح الزرنيخ اكثر من ملح الكبريت و كذا ماء الكبريت اكثر من ماء الزرنيخ و الزرنيخ ماؤه و دهنه اغلظ من الكبريت و ما في الكبريت منهما ارق و لذا يكون الزرنيخ اقرب الي الصلاح و اصبر علي النار و قد شابه في معدنه حين تركب الثلثة و قبله اعراض قد لحقت الماء و الدهن و الملح فمازجت طبايعه فتركب منها مشيبة بتلك الاعراض فحصلت منها الاجزاء الهبائية التي كل جزء منها مركب من تلك الطبايع المشيبة فتضامت و قد تخلل اهبيتها ثانياً اتربة و احجار من المعدن فاخرج من المعدن و فيه عرضان عرض هبائي و عرض طبيعي فما لمتفرق الاهبية هباء منثوراً لمتخرج من خللها تلك الاتربة و لايفي بذلك السحق بالفهر و الصلاية فان السحق بالآلة لايكلسه حتي يتهبا و تخرج الاعراض من خللها البتة و اجزاؤه و ان بلغ غاية النعامة تحتمل انتصير اصغر منها فلمتتكلس حقيقة و لابد له من سحق طبيعي كيلوسي مهبئ علي حذو صنع الله جل شأنه حتي يصير كالكسك ثم يصفي
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 192 *»
و ينخل فيبقي الاسفال التي لاتتكلس في جانب و الصافي في جانب فحينئذ قد صفي و نقي عن الاوساخ فلو سحقته عشرة ايام لميتكلس و لميتفرق اجزاؤه التي لايتجزي و لميخرج من خلله غاية الامر كلما سحقته ينسحق معه الاحجار و الاتربة و الاعراض التي فيه معه و ان غسلته يثار في الماء ما كان اخف من الكبريت و اما ما كان بثقله فلايكاد يخرج منه ابدا فالسحق و الغسل لاخراج هذه الاعراض مما لايفيد و ان لمتخرج فهي اغشية و حجب مانعة من المزاج التام.
و ان قلت اعالجه بالتصعيد فان الاعراض تتخلف منه البتة و يصعد الروح الخالص قلت انا قد بينا سابقاً ان النار اذا لمتستول علي الكبريت او الزرنيخ فلايكاد احدهما انيصعد و اذا اذابتهما و دخنتهما و اشتعلت فيهما تصعدهما فحينئذ تحرق ارواحهما المائية فانها قليلة و دهنية سريعة الاحتراق و التجفف ثم تتعلق بادهانهما فتحرقهما و لولا ان احرقتهما لمتشتعل فيهما و لمتدخن فتحترق الادهان و تفني و تصير دخاناً و توتجاً شيئاً بعد شيء و يبقي املاحهما فيصعد بعضها بقوة النار و مشايعة الارواح و النفوس و يبقي غلاظها و ثقالها التي فيها البغية للتثبيت اسفل الاناء و لذلك ينقص منهما كثير و الماهرون لايحصلون من التصعيد نصفاً و ان ادخلوا فيهما روحاً يعينهما علي الصعود فيصعد بالاوساخ ايضاً و لاجل ذلك يحتاجون الي تكرار التصعيد و معذلك يزيد في نفورهما بالمشاكلة و كلما يكرر ينقص لانه يحترق في كل مرة منه كثير و يتخلف منه كثير لاجل ان ما من شأنه ان لايصعد فانما يصعد بقوة ما من شأنه الصعود فان كان اقوي منه يصعد به و الا فلا ففي الاول يكون الماء و الدهن اكثر فيصعدان بشيء من الملح و كلما قل الماء و الدهن قل صعود الملح هذا و ليس ينجح التصعيد في دفع الاعراض فان الروح يصعد ببعض الاعراض لما مر و الا لما احتاجوا الي التكرير و ان كرروا فقد افنوا الروح و النفس و ابقوا الجسد اي الملح ميتاً قشفاً لا صبغ له و لا نفوذ و لا رطوبة غروية لانه ملح مكلس فزعموا انهم اثبتوا الكبريت و لميعلموا انهم اماتوه و افسدوه فلاجرم لايفوزون الا باصباغ قليلة زايلة فذلك شأن التصعيد فالمصعدات كلها فاسدة بعيدة البعد الاقرب اما وجه البعد فقد مر و اما وجه القرب فلاجل
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 193 *»
ما يبقي و يثبت في الملح قليل من الدهن و الماء طاهرين لاحتراق كثير منها مع الاعراض و ذلك ليس بشيء يعتني به الحكيم و غرضنا تثبيت الكبريت بروحه و نفسه و التصعيد يزيده تروحاً و تخلصاً عن الاملاح التي هي علل الثبوت فالتصعيد باطل رأساً قولاً فصلاً انظر في تدبير الله سبحانه الذي من خالفه ضل انه هل يصعد الغذاء الوارد علي البدن الي انيجعله عذاء ياقوتياً مشاكلاً صالحاً للبدن ام لا و انی في البدن من تصعيد و انما هو بالكيلوس و الكيموس و التصفية و النخل لا غير فان انت اقتدرت علي كيلوس الكباريت لاخراج ارمدتها الهبائية ثم علي كيموسها لاخراج ارمدتها الطبيعية فقد وصلت الي البغية و الا فلا فبعد ما صفيته عن الارمدة الهبائية بالكيلوس التام و اخرجت عنه فضوله يبقي لك الكبريت المعدني الخالص ثم يحتاج الي كيموس و تفصيله لتخرج من بين طبايعه الاوساخ و المياه البورقية العرضية فيبقي الماء الثقيل الطاهر و الادهان المحترقة فيبقي الدهن الابيض او الاحمر الذي لايحترق و الارمدة الملحية الخفيفة فيبقي الاجزاء الثقيلة الصالحة للتجسد فينعقد ماؤه الثقيل في جسده الثقيل بواسطة دهنه الطاهر المتعلك فيحصل لك جسد ذائب طاهر ثقيل مشمع منطرق غير مسود و لا محرق و لا محترق و صباغ نافذ غائص فان وصلت الي تدبير كذلك فقد فزت بالحق و استرحت و الا فدونك دونك لاتحم حول هذه السحوق و التشاوي و الاغسال و الطبوخ و التصاعيد و التكاليس فانها كلها فاسدة و تفكر في نفسك هل ينفذ المياه الغسالة في جسم الكباريت فيستنقع فيها ام لا فان كان ينفذ فلم لايحله و النافذ حلال و ان كان لاينفذ فلايخرج ارمدته و فواسده الطبيعية فاي فائدة في السحق و الغسل و الطبخ و لاينفذ الغسول في اعماقه و الوسخ في اعماقه و كذلك التصعيد ان كان فيصعد الروح بالوسخ و ان كرر فسد الروح بالكلية و احترق الدهن و الصبغ اللذين هما البغية فاي فائدة في التصعيد و ان كان التكليس فيبدد الروح و النفس بالكلية و يبقي الملح المحض فاي فائدة في التكليس.
انظر يا اخي لنفسك و في خلوصي لك و نصيحتي و لاتتبع اهواء قوم يريدون
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 194 *»
اتلاف مالك و نفسك و لايحملنك الحرص و الجهالة علي احتمال الوصول في شيء من تدابيرهم التي ملأوا بها الكتب فوالله ليس الحق في شيء منها و مراد القوم من ذكرها امور منها الاعلام بخواص تلك العقاقير و تأثيرها ذلك التأثير الناقص و منها طرد الجهلة عن الحق و منها تكثير الزبالات ليدسوا فيها جوهرهم لتصل الي مستحقه كما وصل الينا و استخرجنا الجوهر من تحت تلك الزبالات بعون الله سبحانه فهي علي حذو قوله تعالي و اما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما و كان ابوهما صالحاً فاراد ربك انيبلغا اشدهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك و منها الايذان بان هذه العقاقير اذا كانت تؤثر فكيف بالحجر و التدبير الحق و منها انيعلموك طريق الحل و العقد و التشوية و السحق و التصعيد و التنكيس و التصويل و المعالجات فيما لاينفع لتستعملها فيما ينفع بصحة و ثقة و استاذية بعد استكمالك كما يلقي الي الاطفال اقلام معوجة غير نضيجة و غير مبرية برياً حسناً و قراطيس فاسدة و مداداً فاسداً ليمشقوا في الخط و ذلك اللايق بخطه الي انيحسن الخط فيحسن له الاقلام و القراطيس و المداد ليكتب ما ينفع و يبقي فكذلك هؤلاء ارادوا انيحذقوك للتدابير في الاباطيل ثم تستعملها في الحق و لعمري ان هذه الاباطيل تحذق الانسان في الفلسفة و الطب و العلاجات في جميع امور العالم و تجعل الانسان مجرباً نبيهاً خبيراً و معذلك اني اوصيك بان لاتظن الحق فيها و لاتغتر بها و تعرف حاصلها و ذلك قليل من كثير مما اردت ايراده في المقدمة فلنشرع في الابواب راجياً من الله الهام الصواب.
الباب الاول
في غسل الكباريت و الزرانيخ و لا شك ان المراد بالغسل ازالة القشور و الاوساخ و الارمدة و السواد و الدهانة الفاضلة المحترقة و لا شك ان الاملاح هي الغسالة و هي الصابون ليس له غيرها لحدتها و لما كان اوساخها دسمة فلابد و انتكون معها دهانة و غروية و لزوجة فان الغاسول هو البرزخ بين الماء و الوسخ فاذا كان الوسخ دسماً لابد و انيكون في الغاسول لزوجة مشاكلة لينحل الوسخ فيه
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 195 *»
ثم في الماء كما دبر اصحاب الصابون في الصابون فكل غاسول صابون فلاجل ذلك عبر الحكماء عن غاسولاتهم بالصابون فيزعمه الجاهل صابون العامة و ليس به و هذا سر الغسل من اوله الي آخره و لا شك ان الوسخ اذا كان في مطاوي الثياب لابد من فتشها و نشرها ليصل اليها الصابون و يمتزج بالوسخ من غير اضرار بجسم الثوب لدسومته الحافظة له و لولاها لافنت حدة الاملاح و بددت الثوب و اضمحل فيها و كذلك يد الغاسل فالدسومة تحفظ الثوب عن التبدد و الاضمحلال و تناسب الوسخ الدسم و تمازجه و ينحل فيها و يخرج معها الي الملح الممتزج بها ثم يؤديه الملح الي الماء لانحلاله فيه فيخرج عن الثوب شيئاً بعد شيء و كذلك الكباريت و الزرانيخ اوساخها دسمة و تحتاج الي ملح و دسومة و غروية و لزوجة مركبة فينفذ في اعماقها و مطاويها و يمتزج بالاوساخ فيخرجها و قد ذكروا لذلك ملح الطعام عبيطاً و مدبراً و المياه الحارة سحقاً و الماء الحار و ماء ملح القلي المحلول و ماء النوشادر المحلول وحده او هما معا و ماء النطرون و البورق و البول و ماء الليمون و حماض الاترج و اللبن الحامض و ماء الثوم و ماء البصل و بصل العنصل و ماء الكراث و الزبد و الخل و السمن و العسل و الشحم و الادهان و امثال ذلك و لعمري كل ذلك نفخ في غير ضرام و باطل بلاكلام و عرفه اهل التجربة و كلها امثال و آيات و تشبيهات و تعبيرات و رموز عن الواقع و الكباريت و الزرانيخ لو سحقت و غسلت و طبخت و شويت مدي الدنيا لاتطهر و لايكون الا كغسل الحصاة فكما لاينفع غسل ظاهر الحصاة في ازالة اوساخ باطنها كذلك لاينفع غسل ظاهر اجزاء الكباريت الصغار في ازالة اوساخها الطباعية و لافرق بينهما الا في ان الحصاة اكبر من الهباء قليلاً و بعدهما عن الحق واحد فالقوم ان ذكروا الغسل ارادوا في الظاهر طرد الجهلة و الستر و التمثيل و في الباطن غسل الخاصة لا العامة و هو الكيلوس و الكيموس لا غير يميناً بالحق فان انت اردت غسلها عن الادران الهبائية فابتغ ما يكلسها و يبدد الاهبية مع اخراج الادران و هو السحق لا غير اي السحق الخاص لا العام فان السحق العام لا يبلغ في النعامة الي حد الاهبية فافهم.
فاذا عرفت السحق المهبي و هو الذي صلايته و فهره من حجر واحد فلابد
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 196 *»
و انتسحقها برطوبة لا بيبوسة فان السحق باليبوسة محرق لجسمها فالسحق الحق بين الماء مع فهر و صلاية متجانسين فتسحقها الي ان لايبقي لها مجسة و تنخلها من خرقة صفيقة حتي يتعلق بها ما لمينعم و يبقي لك الاتربة و الارمدة منفصلة عنها و ان اردت غسلها عن الادران الطبيعية فابتغ له صابوناً يحفظ جسمها و يتخلل مطاويها و يمازج اوساخها و يخرج بها حتي يبقي جسمه طاهراً نقياً كما وصفنا و انما هذان بالكيلوس و الكيموس لا غير علي حذو تدبير الله سبحانه فاي صابون رأيت انه يخرج الصبغ مع السواد و ينهك الجسم معهما و الجسم باق علي صفرته و دهانته و تقشفه و سواده و احتراقه فهو خطاء و ينبغي اما تركه او ضم غيره به يرفع فساده و تنافيه بالجملة غرضنا في هذا الباب اظهار ان غسل ظواهر الكبريت و الزرنيخ سواء كان بالسحق و التصويل بغير التشوية او معها بالطبخ او بغيره خطاء و باطل و عن حلية الاعتبار عاطل.
الباب الثاني
في تكليس الكباريت و الزرانيخ اعلم ان المراد بالتكليس في الظاهر احراق الجسم الي فناء رطوباته الرابطة بين اجزائه بالكلية حتي يبقي ارضيته بيضاء كالجير و كلس البيض و غيره فان اريد هذا فيهما فلافائدة فيه البتة فان المطلوب منهما ادهانهما الفائقة الصابغة و هذا التكليس يذهب بها و يفنيها فما ذكروا من تكليسهما بجعلهما مع الملح في اتون الزجاج او الجير سبعة ايام فذلك نفخ في غير ضرام اللهم الا انيكون ذلك رمزاً عن حقيقة المرام و كذا تكليسه بالغسل و الطبخ حتي يبيض فانهما لايفيدهما الا بياض ظاهر الاجزاء دون باطنها كماعرفت فلابد من تكليسهما مع الملح في النار و غسلهما و طبخهما او تشويتهما الخاصة بحيث يحفظ ماءهما و دهنهما الاصليين و يخرج اوساخهما و ادرانهما و يجعلهما كالكلس بياضاً و لطافة و فيهما ماؤهما و دهنهما و ذوبانهما و صبغهما و نفوذهما و قوتهما فلابد من احراقهما مع رطوبة حافظة لجسمهما عن الاشتعال و الاحتراق و قد يتكلس ايتها كانت في يوم واحد ابيض كالثلج النازل من السماء و جميع قواها
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 197 *»
باقية من غير غسل و تشوية و سحق و طبخ و تصعيد ابداً ابدا و انما يكون بالتدبير الحق و الحق اسهل و اقرب و اقل مؤنة من هذه المهن بمرات و يمكن في يوم واحد تبييض من منها كالثلج و الملح و الجير الخالص و كلس البيض بلاتفاوت فلاتعرج علي ما ذكره القوم.
الباب الثالث
في تصعيد الكبريت و الزرنيخ و قد فسرت لك بما لا اظن لك معه حاجة الي الازيد ان تصعيد العامة الذي هو التصعيد في الخلأ باطل سواء كان عن رطوبة او عن يبوسة و سواء كان عن الاملاح او الاكلاس او الشبوب او الزاجات او الاجساد او غيرها سواء صعدا مرة او مرات فان الفاسد فاسد و لا حاجة بنا الي ذكر اقسام تصاعيدهم و اما تصعيد الخاصة و هو التصعيد في الملأ فهو الحق و هو لكونه في الملأ يحفظ رطوبتهما و دهانتهما الاصليتين عن الاحتراق و التبدد و لايفنيهما النار البتة فان عرفت هذا التصعيد فصعد و الا فلاتتعب فانه ليس بتصعيد في الاثال و الاقداح و القناني و القروع و القدور ابدا و قد مر في المقدمة بيان علة فساد التصعيد للنفوس فراجع و لاشك في ان الكبريت ما لميصعد من الاسفل الي الاعلي لميفارق الاثفال و الارمدة السفلية الغير القابلة للصعود و لمينفصل عنها فابتغ لك عقاراً روحانياً اذا مازج الكبريت او الزرنيخ قوي روحها و لطف نفسهما و طهر ملحهما و صعد بهما الي عالم الارواح و لميحمل معه شيئاً من الارمدة و تركها تحت الاناء و يحرق ما فيهما من دهانة محترقة و سواد و ظلمة و رماد و ملح خفيف محترق فاسد و يخرج بها عن طبايعهما و يروح الكبريت او الزرنيخ طاهرين نقيين صاعدين متفلكين مناسبين للروح و لازيادة علي ذلك كما لميزد الحكماء و باقي ما ذكروا من التصعيد بدخيل و غير دخيل فكلها امثال و تشبيهات و تضليلات و كل من ينكر فليجرب حتي يتعب ثم ليعد الي قولي بعد الكد و الجهد.
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 198 *»
الباب الرابع
في تقرير الكبريت و الزرنيخ و تثبيته اعلم بتبصر و تفهم ان امراض الكبريت و الزرنيخ امور: منها الفرار عن النار و ذلك بديهي عند الحكيم ان النار لاتفر من النار و كذا التراب و انما الفار عن النار الماء بالمضادة التي لاتدعهما يجتمعان ففرار الكبريت من جهة كونه المائي بلاشك فاذا اخرج عنه الماء الغريب البورقي و غلظ منه الماء الثقيل الغريزي القابل للتجسد الذي فيه و جمد بطول التدبير ثبت علي النار و لميفر منه البتة اما اخراج مائه البورقي فلايمكن الا بتسليط حرارة و يبوسة عليه فان رفع الاعراض بالضد و الاشياء تقوي اشكالها و تضعف اضدادها بالبداهة فدفع الماء البارد الرطب بالحرارة و اليبوسة و ذلك الماء البورقي هو كان سبب سيلان الماء الثقيل فاذا اخرج صار الماء الثقيل باعانة الحرارة و اليبوسة غليظاً متعلكاً ثابتاً علي النار و لايجوز انيكون اخراج ذلك الماء بنار بالفعل وحدها لانها تفسد الدهن الذي فيه فابتغ له ناراً بالقوة تحفظ الرطوبة الغروية التي فيهما و تحفظ الدهن برطوبتها و تمازج ذلك الماء البورقي و تخرج به اذا اخرجتها من غير احراق للدهن و انهاك للجسد و منها الدخان و الاشتعال و معلوم ان الماء لايشتعل و كذا الملح و انما المشتعل هو الدهن الحار الرطب فيمازجه النار بحرارته بالمناسبة فيفرق الرطوبة التي هي سبب البياض بالمضادة و يبقي الاجزاء الهبائية سوداء و يصعد بقوة النار دخاناً فتحتمي تلك الاجزاء بقليل رطوبة رابطة فيها فتصير شعلة فتبين ان سبب الدخان و الاشتعال الدهن الحار الرطب و المعالجة بالضد فينبغي تعليك ذلك باليبوسة فان حرارته هي المطلوبة و تبريد الدهن و تنشيفه خطاء محض فانه الركن الهوائي الحامل للركن الناري و المطلوب المراد منه النارية فكيف يجوز تبريده و تنشيفه فالذي يجفف منه الماء يغلظ رطوبة دهنه ايضاً فاذا غلظ الرطوبة صار دهناً حاراً متعلكاً لايفر من النار فانه حينئذ حار يابس مشاكل للنار و الاشياء تستأنس باشكالها و تستوحش من اضدادها فيستقر علي النار و لايدخن و لايشتعل و لايحترق كما ان الملح حار يابس و لايحترق و منها السواد و انما ذلك من اجزاء ترابية هبائية عرضية
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 199 *»
فان السواد من البرودة و اليبوسة و هما طبع التراب و هي التي اذا فارقت المائية عنه بالاحتراق القليل تبقي سوداء مظلمة كالتوتج و علاجه باخراج تلك الاجزاء بالضد اي بحرارة و رطوبة تداخل الجسم و تميع تلك الاهبية و تخرجها و تبقي الملح الخالص الابيض كما يعمل اصحاب البارود في تبييض البارود و يخرجون الاتربة بالماء و الطبخ و التصفية فاذا ادخلت الحرارة و الرطوبة فيه و ميعت الاتربة و صفيته بتصعيد الحكماء و هو الخرقة الصفيقة تعلقت الاتربة بجوانب الاناء و صعدت و بقيت الاملاح الصافية و زال سوادها بالكلية و ان لميصعد السواد لسوء التدبير و بقي فيه فصفه بخرقة صفيقة يخرج ابيض كالنورة البيضاء لامحالة قد زال احتراقه و سواده بالكلية فاذا ذاب الجسم علي الصفحة ذاب متنقراً كالشحم الابيض و صار ثقيلاً متجسداً قابلاً للمازجة مع الاجساد اذا ثقل بجسد مشاكل و اما تسويدهما الصفحة و احراقهما الاجساد فانما هو لاجل تعلقهما و نفوزهما بحرارتهما في الاجساد و ارتباطهما بادهانها فاذا اشتعل النفس بنفسها بددت رطوباتها التي هي سبب البياض و تترك الجسد اسود مكلساً فاذا لمتحترق بنفسها لمتحرق البتة هذا هو البيان الحق فيهما و اما ما ذكروه في تقريراتهما من ماء الشب وحده او مع الصابون او مع الملح او ملح القلي و الخل او البواريق و التنكار او ساير الاملاح فجميعها امثال و تشبيهات و تقريبات لايسمن و لايغني من جوع فانها ان بقيت في جوهرهما فغرايب حاجبة و ان اخرجت عاد الجوهر الي ما كان جرب تجد و كثير منها يعسر اخراجها بل لايمكن.
و تمام التدبير في اصلاح النفس تحصيل عقار حار يابس بالقوة رطب بالفعل ممازج يدخل و يخرج فان وصلت الي هذا العقار وصلت الي النتيجة و الا فلا و هو ماء الصابون الذي يدبر به النفوس و تقام و تغسل به و تطبخ و تصعد عنه و تشوي فيه و تسحق به و ما سوي ذلك امثال و تشبيهات و تمام الغرض انيحصل لك كبريت خالص محض ابيض غير مدخن و لا مشتعل و لا مسود ثقيل ذائب ممازج نافذ صابغ ثابت صابر فان وصلت الي شيء يعمل هكذا فهو و الا فلاتفسد مالك و جمالك و ذلك لايكون الا بحرارة و رطوبة و الحرارة و الرطوبة هي
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 200 *»
الدهن و يجب انيكون غير محترق البتة فلاتدبر النفوس الا بالادهان قولاً فصلاً و هو الذي يمازج الكبريت و يطهره و يبيضه و يصلحه و لاتزعم ان هذا الدهن من شمع او شحم او حل او زيت او شيء من الادهان المعروفة فانها امثال و اشباه لذلك الدهن و هي تفسد النفوس و تزيد في احتراقها مع ما فيها من روايح نتنة و لصوق بالايدي و الاواني و لزوجة و فساد و ان قطرت يزيد نفطيتها و اشتعالها و نتنها و لا فائدة فيها هذا و الكبريت بنفسه دهن و يتوقي بشكله فان كان الدهن غير مدبر يزيد في احتراقه و دخانه و ان كان مدبراً فهو ماء لاطائل فيه فذلك الدهن دهن من نوع الكبريت الا انه غير مشتعل بذاته لانه بالتدبير تمازج الكبريت و تخلل طبايعه فتمازج امراضه و تخرج بها من غير انهاك لاصل الجوهر و كذلك الامر في الزرنيخ و الشك بالجملة اذا طهرت هذه الاشياء كانت مستقرة بانفسها لاتحتاج الي زيادة تقرير فتدبر.
الباب الخامس
في حل النفوس لمار في كتاب من ما وصلني من كتب الحكمة باباً خاصاً او قولاً ظاهراً في ذلك الا في مواضع لايعتني بها بعبارات لايحصل منها شيء و انما ذلك هو سر المصون و الامر المكنون الذي لايتجاوز الصدور الي السطور و انا بوبت له باباً خاصاً لكي يهتدي به المهتدي و يتذكر منه اولوالالباب.
اعلم ان الغرض من حلها احد امور ثلثة فانها اما تحل لتطهيرها عن الاعراض الهبائية و الطبيعية و اما تحل لخدمة الارواح عقداً و تقريراً و صبغاً و تشميعاً و اما تحل للتركيب و المزج و الغوص في اعماق ساير الاركان و لابد و انتعلم ان الحل لايكون الا بحرارة و رطوبة و فرار الارواح و النفوس من رطوبتها فكلما ازدادت انحلالاً ازدادت فراراً و كلما اكثر عليهاً من الرطوبات الداخلة ازدادت طيراناً فلابد و انتراعي فيها حال الرطوبات الداخلة فلاتدخلها عليها بحيث يزيد في نفورها ان كان للتطهير و اما لخدمة الارواح فلابأس بزيادتها في الجملة و اما للتركيب فلاتحلها الا بعد المزاج الجزوي و التقرير و ذلك ايضاً علي تدريج طبيعي فتمزج
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 201 *»
مزاجاً جزوياً ثم تذيب ثم تقرر ثم ترخم ثم تحل حلاً صمغياً لا مائياً.
و ان اردت سر الحل فاعلم ان علم الحل علم غامض خاص يقتضي رسم كتاب خاص و هو ثلث الفلسفة فمن عجز عن ذلك لميفز بحقيقة الحكمة و جميع ما يفعله باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و ذلك ان الحكماء لما نظروا الي العقاقير التي احتاجوا اليها وجدوها مكونة في كونين كون طبيعي و كون هبائي اما الكون الطبيعي فهو كون تركب من الطبايع الاربع من نار و هواء و ماء و تراب و هو للكون الثاني بمنزلة النوع من الشخص فهذا الكون قد لحقه حين تركب اعراض طبيعية اي عرض ناري و عرض هوائي و عرض مائي و عرض ترابي فمازجت طبايع المكون و دخلت معها في تركيبه فانعقدت معها في العقد فحصل من المجموع جوهر الهباء ثم تفرقت الاهبية في المعدن فخالطتها اتربة المعدن و احجارها و اوساخها فهذه هي الاعراض الهبائية و اجتماع تلك الاهبية و انعقادها هو الكون الهبائي فالكون الطبيعي له مادة و صورة و اعراض مادته العناصر و صورته ما انعقدت عليه بالميزان الكمي و الكيفي و اعراضه ما خالطه من العناصر مما ينافي ذلك الميزان و لحوق العرض لابد و انيكون بعد انعقاد ما فانه لو كان حين الانحلال لكان يغير الشيء عن جوهريته الي جوهر اخر بتغير كم الميزان و كيفه فيلحق العرض الطبايع بعد انعقاد ما علي ميزان خاص و لاجل ذلك يكون العرض متنزلاً عن الذات في عرصة الصورة و اما الكون الهبائي فله مادة و صورة و اعراض اما مادته فهي الاهبية التي هي حصص طبيعية منعقدة علي ما شاء الصانع جلشأنه و اما صورته تركبها و انعقادها في عالم الظهور الشخصي و اعراضه ما يلحقه حال العقد من الاتربة و الاحجار فيتخللها فلما رأي الحكماء عقاقيرهم هكذا احتاجوا الي رفع تلك الاعراض التي ليست من الشيء و لا الي الشيء و ليس لها خواص ذلك الشيء ليعالجوا به مريضهم و ينتفعوا به كما يرتقبون منه و اخبروا عنه و عرفوا منه فتدبروا في المسألة فعرفوا ان الاعراض الهبائية لاتخرج الا بتفريق تلك الاهبية حتي يتمكنوا من تميز العرضية عن الاصلية ليزيلوا الاعراض و يجمعوا الاغراض بعد ذلك و ذلك التفريق لابد و انيكون بشيء صالح و هو
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 202 *»
ما يحفظ الاهبية عن تطرق الفساد و يفعل في الاعراض ما ينبغي انيفعل و اشبه شيء بذلك الصابون الذي دبره الحكماء في غسل الثياب فانهم لما وجدوا الثياب وسخة و ارادوا ازالة وسخها تفكروا انه يجب انيكون المزيل ما يزيل الوسخ و يحفظ الثياب عن التفسخ فرأوا ان الغسال للوسخ المتشبث بالثياب بلزوجته شيء قطاع لان علاج كل مرض بالضد و الشيء القطاع هو الملح الذي هو الخل والخل الذي هو الملح فانك ان تعديت الملح فالباقي مياه و ادهان فالمياه لاتمازج الوسخ لدهانته و الدهن يقويه بالمشاكلة فعرفوا ان الامر منحصر في الاملاح و الخلول كما روي ابدأ بالملح و اختم به او بالخل فعرفوا انه لابد من تحصيل ملح لذلك و الاملاح كلها قطاعة الا ان اللزج منها انسب بالوسخ ليمازجه بلزوجته و يقطعه بحدته فيؤديه الي الماء ليسيل به و يذهب فحصروا الامر باملاح مغرية فان لها لزوجة و غروية و قد اعدها الصانع الحكيم لذلك ثم تدبروا انها كما تقطع الوسخ تقطع الثوب و تفسده و الغرض بقاء الثوب بحاله و ذهاب الوسخ وحده و تدبروا في ان الوسخ مع لزوجته المتشبثة له دهانة بها تتعلق و تتشبث بالثوب فعلموا انه انسب شيء لحفظ الثوب حينئذ الدهن الذي بلزوجته يحفظ اجزاء الثوب عن تقطيع الملح و حدته و يناسب ايضاً الدهن اذ بتعارفهما و تناسبهما يميل الوسخ الي جانب الملح فاذا وصل اليه قطعه و لذلك وجدنا الاملاح المحضة الغير اللزجة تصلب الدهن فهي تصلب الوسخ و لاتناسب لتقطيعه و ان كانت قطاعة مفرقة لوسخ لا دهانة فيه و لا لزوجة فمزجوا بين الاملاح المغرية و الدهن حتي حصلوا صابوناً برزخياً بين الدهانة اللزجة و الملح المقطع فادخلوه علي الاوساخ و دلكوا الثوب في محلوله حتي انحل الاوساخ مرة بعد مرة في الصابون و دخل في الماء و بقي الثوب نقياً طاهراً و لعمري ان في الصابون لعلماً جماً و هو عندنا اسم لكل امر برزخي بين الوسخ و بين الماء حتي ان العسل صابون لكل ما تلطخ بالشمع فان الشمع يمازج العسل و العسل يمازج الماء فلما تدبر الحكماء في اوساخ الكبريت مثلاً وجدوا اوساخه ذات دهانة و لزوجة فطلبوا له صابوناً يغسلونه به و يفرقوا به اهبيته ليدخل الصابون خلله فيزيل الوسخ و يحفظ جوهر الكبريت
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 203 *»
فاذا هو اما دهن ملحي او ملح دهني يفرق الاهبية بقطاعيته و يقطع الاوساخ بها و يحفظ جوهر الكبريت بدهانته فان وصلت الي صابون هكذا فقد تمكنت من الحل الهبائي اللازم لكل واحد من النفوس و قدرت علي تفصيل مائه و دهنه و جسده فان الماء و الدهن ينحلان قبل الجسد فتعقدهما و تحفظهما و تحفظ الجسد غير محترق و لا محرق و لا مسود فان احتراقه كان بهما و قد خرجا من جسمه و فرقت من تدبيرها الاول و تكليسها الهبائي و بقي عليك التكليس الطبيعي فتحتاج الي حله الحل الطبيعي علي التدريج الطبيعي و الحل الطبيعي هو الذي يفسد عليه الكون الهبائي فلايعود الي تلك الصورة ابدا.
و امثل لك في ذلك مثالاً و هو انك اذا اخذت الفضة و كلستها التكليس الهبائي و حللتها الحل الهبائي ثم عقدتها ثم استنزلتها عادت فضة بصورتها الاولي الا انها خالصة عن الاعراض التي خالطت اهبيتها ولكنها فضة بصورتها الشخصية الاولي و اما اذا حللتها حلاً طبيعياً و جعلتها دهناً خالصاً صافياً لاتعود الي الصورة الفضية بالعقد و انما ينعقد شحمة بيضاء فكذلك النفوس اذا حلت حلاً طبيعياً لاتعود الي صورتها بخلاف التكليس الاول فانك اذا استنزلتها عادت الي الصورة الشخصية علي ما كانت فهذا هو الفرق بين الحلين و ما لميحل هذه الاشياء حلاً دهنياً لاتعود الي صورها الاولي لاتكاد تنفع و لايؤثر فيها ما تريد به اصلاحها ابداً ابداً قولاً حكيماً فصلاً فلما اراد الحكماء حل النفوس حلاً طبيعياً ابتغوا له حرارة و رطوبة اما الحرارة فانها الفاعلة للتفريق و اما الرطوبة فانها القابلة له فحصروها بينهما حتي انحلت دهنا و قد احترق منها جميع الادهان الفاسدة و اماعت تلك الرطوبة ارمدتها الفاسدة برطوبتها و احرقتها بناريتها فيبقي الدهن الغريزي الجوهري خالصاً عن شوايب الاعراض المفسدة و دبروا بهذا التدبير الماء و الدهن المستخرجين اولاً ثم عمدوا الي جسدهما و كلسوه بتلك الرطوبة النارية حتي ابيض و خلص عن ظله و كدورته و هبأوه و اثاروه حتي استعد للحرث و الاحياء فزرعوا فيه حبة ذينك الماء و الدهن و احيوه و نشروه برد روحه اليه و لعمري اذا بلغ هذا المبلغ استحق اسم الكبريت الاحمر و النفس الزكية فاذا هو
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 204 *»
نفس طاهرة طيبة فعالة و اما ذلك الدخيل المستعان به فذلك يستخرج عنه بنار خفيفة مفرقة بينهما و هذا هو غسل و طبخ و تشوية و تصويل و تطهير و تصعيد و هذا الغسل هو غير غسل العامة و هذا الطبخ و التشوية و التصويل غير طبخ العامة و تشويتهم و تصويلهم و تطهيرهم و هذا التصعيد هو غير تصعيد العامة فلاتضل فاني لست لك من المضلين و انما انا لك من الناصحين و قد سمحت لك بما لميسمح به احد من الحكماء الراسخين و معذلك ان فهمته فانت انت و الا فلاتقرب العمل ما لمتستحكم امر العلم ثم لايجوز تركيبها مع ساير الاركان الا بالحل فانه لاممازجة الا بالحل و لا اتحاد الا بالممازجة و لا عمل الا بالاتحاد فافهم راشداً موفقاً فهذا هو الدهن الذي لايحترق اما ابيض و اما احمر و هو المشاراليه حيث يشار و هو الزيت المقطر و النفط المقطر و كلما يعبر به من امثال ذلك و هو العاقد و الرابط و الكلاب و العقال و امثال ذلك خذه اليك قليلاً من كثير و لاتجد مثل ما ذكرت لك في كتاب و لا تسمعه من خطاب فاعرف قدرها و اغل مهرها و ان فهمته فاحمد الله و ترحم علي و ليس وراء عبادان قرية و لاتدبير فوق ذلك و جميع ما سوي ذلك خطاء محض و ضلال صرف و تلوين لاتكوين و الله خليفتي عليك.
الباب السادس
في تشميع النفوس و هذا هو السر في جميع الاشياء و لايتم عمل الا به و لا شك ان كل موجود يوجد بين فاعل و قابل و لا كل فاعل يفعل كل فعل و لا كل قابل يقبل كل اثر فلابد بينهما من المشاكلة و المناسبة و النفوس ادهان و لايشاكلها الا الادهان و لايمازجها غيرها و ما لميكن ممازجة لايكون تأثير طبيعي و ما لميكن تأثير طبيعي لايصدر من الشيء عمل طبيعي و ما لميكن عمل طبيعي لايكون تكوين بل هو تدليس و تلوين و لا كل دهن يصلح لهذا العمل فان الدهن الغير الطاهر المحرق المحترق يزيدها فساداً و المطلوب من النفوس زوال الاحراق و الاحتراق و البياض الخالص و الخلوص عن الغرايب فلابد و انيكون مدبراً طاهراً غير محترق و لا محرق مغلظاً معلكاً لدهن النفوس و رطوباتها
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 205 *»
و يكون داخلاً بكله خارجاً بكله يفيد ما دخل عليه لزوجة و لدونة و رطوبة غروية فيصير كالشمعة البيضاء يذوب بايسر نار و ينعقد بايسر برد و ذلك الدهن ليس من الادهان النباتية و الحيوانية بل هو دهن معدني مشاكل له و يجب انيكون المدخول عليه مكلساً تكليساً طبيعياً لا تكليساً هبائياً حتي يكون طاهراً عن الاحتراق و الاحراق و السواد و الطيران قابلاً لنفوذ الدهن في طبايعه حتي يمازجه الداخل و يتصرف في طبايعه فاذا صار الفاعل الذي هو الدهن و القابل الذي هو الشيء هكذا حصل التشميع الحق المطلوب منه و صلح للحل الطبيعي و هو الذي اذا وضع علي النار غلظ شيئاً بعد شيء و تلزج كالصمغ او العسل او الرب فانعقد بعد ذلك انعقاداً شمعياً صابونياً تذوب علي اللسان و لعمري اذا بلغ النفس هذا المبلغ لميبق فيها نقصان و كملت و صارت رأساً بنفسها و حصل منها افعال حقة اذا شمعتها بادهان ثقيلة لزجة و ثبتت و اقامت و صبغت اصباغاً حقيقية و ذلك لايحصل الا باجساد ممازجة بادهان مصعدة بتصعيد الحكماء و هو لبن العذراء و ماء الحيوان و امثالها فان شمع النفس بامثال ذلك كانت رأسا من الرؤس و اما المشمعة بالادهان الصرفة المعدنية المدبرة بالخلول فهي ركن تصلح للتركيب و ان كانت المشمعة بالاجساد ايضاً تصلح لذلك.
و كيفية اتخاذ لبن العذراء سر من الاسرار كماء الحيوان و انا اشير لك اليه فان فهمته فذلك من حظك و نصيبك. فاعلم ان الواجب في امثال هذه المياه انيبلغ الاجساد مبلغ تصعيد الحكماء و هو امر فوق الحل الهبائي و الحل الطبيعي و من البين ان ذلك لايمكن الا بامر يهريها و يلطفها و يروحها و لا فعل الا للكوامل و ارباب الفعليات القوية و التي لطايفها اكثر من كثايفها فالنار تسخن و تجفف لفعليتها الكاملة و الماء يرطب و يبرد لفعليته الكاملة و الروح يروح و الجسد يجسد و القوي اقوي من الضعيف و الكل اجذب من الجزء لمشاكله و المجانس اشد تلاصقاً و تعلقاً بمجانسه من غير المجانس فان قدرت علي تصعيد الاجساد و تجنيسها بالادهان قدرت علي تثبيت النفوس و تقريرها و علي تثبيت الارواح و تقريرها بمفردها و بلغت المطلوب و اما اخلاط لبن العذراء و صفة عمله ان
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 206 *»
تعمد الي المرتك فتحله في خل ثقيف ثم تستنزله كدقيق الحواري او الاسفيداج و هو الحل الهبائي ثم تحله حلاً طبيعياً و تصعده بقوة الارواح حتي يصعد كله فاذا بلغ هذا المبلغ شمع العبد و الزرنيخ و الكبريت مفردة و انسبكت به و يشمع الاكاسير البيض النافرة و يسبكها و يثبتها و يصبغ النحاس المطهر فضة و اما ماء الحيوان فهو المعمول من العقاب و الكلس و الزنجار بالسوية و ليكن الزنجار متخذاً من الراسخت المطهر بالاملاح ثم يزبخر بالعقاب و الخل و التشميس ثم يشمع و يحل ثم يقطر مع الكلس و النوشادر فهو ماء حاد عجيب مطهر حلال عقاد مثبت مشمع فخذه و كن من الشاكرين.
و اعلم ان الادهان قاطبة و الارواح مفسدة للنفوس كما انها مفسدة للارواح فان الغرض منها تخليدها و تنقيرها لاتنفيرها و النفوس ادهان و ارواح و يزيدها الادهان و الارواح فراراً بالمشاكلة فان الاشياء تتقوي باشكالها و تضعف باضدادها و حفظ الصحة بالمثل و دفع المرض بالضد فلميبق لها الا الاشياء الخالدة كالاجسام و الاجساد و الدهن المتخذ منها هو المراد في اول الكلام و كلما كان اشد يبساً و لزوجة و تعلكاً كان اولي و قد وصف الجابر لتشميع الارواح ماء الخل المدبر بالتنكار المشمع به و البورق المشمع به ثم المقطر عنهما و ماء الريش المقطر الابيض بنارهاوية ثم يؤخذ لكل رطل منه اوقية تنكار و اوقية بورق و اوقية نوشادر ثم يستقطر ثانياً ثم يخلط رطل من هذا بربع رطل نوشادر مقطر و رطل نوشادر و يستقطر ثالثاً و يشمع به الارواح المفردة و ماء الريش لايصلح للاجساد اذ يوجب تقشفها فتدبر و الذي اري ان ماء الريش علي هذه الصفة يزيد في نفور الاشياء لمكان النوشادر نعم لايبعد بدونها فافهم.
بالجملة الادهان الملحية هي الخادمة للنفوس اولاً و آخراً و لابد من انتكون مدبرة و تكون النفوس ايضاً مدبرة يغوص الخادم في اعماقها و يعالجها علاجاً كما ان الدواء ما لميدبر الطبيعة فيه و لميجعله مشاكلاً للاخلاط لميغص في البدن و لميتخلل الاخلاط و لميقدر علي انضاجها و اصلاحها و دفع الامراض و الاعراض عنها فليدبر ما يدخل علي هذه الاشياء تدبيراً يصلح للممازجة و لتدبر
«* مكارم الابرار عربي جلد 27 صفحه 207 *»
الاشياء تدبيراً تصلح لان يغوص الدواء فيها ثم يدخل عليها و يخرج عنها فانه ان بقي الدواء في البدن و لايصير جزء البدن لانه ليس بغذاء مشاكل يكون بنفسه مرضاً مستقلاً فلابد من اخراجه حتي لايحدث مرضاً آخر فافهم هذه الحكم الالهية النبوية العلوية علي مصادرها السلام و انما الغرض من استعمال الخوادم حصول فعلية كاملة في الاشياء بتكميل الداخل عليها لازيادة جواهر عرضية فيها فلابد من الادخال و الاخراج حتي يبقي الشيء خالصاً طاهراً خالصاً علي الحقيقة و هذا هو سر الامر اولاً و آخراً و لولا علمي بان يد الله علي هذا العلم و لايناله الا اهله لما كشفت لك عن ذلك كما لميجسر عليه احد من المتقدمين و المتاخرين.
و صلی الله علي اصل السماحة و الخير محمد و آلمحمد الطيبين الطاهرين قد فرغ من تسويدها مصنفها في شهر ذيالحجةالحرام من شهور سنة تسع و ستين بعد المأتين و الالف الهجرية حامداً مصلياً مستغفراً.