رسالة فی العلم الموسیقی
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 501 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين .
و بعد فيقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذه كلمات قليلة كتبتها في العلم الموسيقي من باب ان في كل علم بل في كل شئ آية من آيات الله سبحانه و هو لسان من الله سبحانه مترجم لبيان ما اراده من عبده من ذلك الوجه الخاص و قد ذم الله سبحانه قوما يمرون علي الآيات معرضين عنها و عما اراد الله منها و بين بها فقال و كم من آية في السماوات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون فاردت ان اكتب في هذا العلم وريقات علي سبيل الاختصار ليكون تذكرة للمتذكر و عبرة للمعتبر و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم فهي مشتملة علي مقدمة و اربعة ابواب .
المقدمة اعلم ان الموسيقي عبارة عن معرفة الالحان و ما به التيامها و تكمل به و فائدته احداث الطرب في النفوس و تغيير الحالات علي حسب ما يريده العالم به المستعمل له من المستمعين و الموسيقار هو الذي يغني بنفسه او بآلة و موضوعه الالحان و ما تكمل به و تتألف و هو علي قسمين نظري و عملي اما النظري فهو عبارة عن معرفة موضوع هذا العلم و ما يحمل عليه من المسائل بعد معرفة مباديه و مباديه بعض من العلم الطبيعي و بعض من علم الاعداد و بعض من الهندسة و بعض من العروض و اما العملي منه فهو علي قسمين صناعة اداء الالحان و صناعة تأليفها .
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 502 *»
الباب الاول في معرفة الصوت و ما يلحق به و فيه اربعة فصول :
الفصل الاول في الصوت و كيفية حدوثه اعلم انهم قالوا ان الصوت كيفية تسمع لذاتها و في هذا التعريف من الابهام ما لايخفي لجعلهم الجنس مبهما لايفيد المستفيد شيئا زايدا علي ما كان يعلم و كذلك وصفهم اياه بالعرض الخاص فانه غير كاشف عن حقيقته و الحد التام ما يكشف عن مادة الشئ و صورته الذاتية حتي يعرف الشئ لذاته فالتعريف الكاشف عنه انه شبح منفصل من حركة المصوت و اثر لفعله المتعلق به يظهر في الجسم علي حسب استعداده فمادته ذلك الشبح و صورته من ذلك الجسم كالشبح المنفصل من النير الظاهر في المرآة فمادته من النير و صورته من الهواء و ان كان للمادة ايضا صورة نوعية علي حسب النير فان الشبح تابع لذي الشبح لامحالة و كذلك الصوت و ان كان لمادته ايضا اختلاف بحسب اختلاف حركة المصوت و اختلاف نفسه و لكنه اختلاف نوعي له و الصوت المطلق لا ظهور له في عالم الانواع الا بالانواع و شخصية هذه الانواع تظهر في الجسم فاذا صوت مصوت يتحرك الجسم بسبب حركة المصوت بدفع و سرعة دفعية فيحمل ذلك الصوت و يؤديه الي الجسم السيال و بسبب تلك الحركة يدفع بعض اجزائه بعضا فيتموج كتموج الماء المحسوس و ذلك الصوت منطبع في تلك الامواج اين ما بلغت و يؤيد هذا الحد قول الصادق عليه السلام الصوت اثر يؤثره اصطكاك الاجسام في الهواء و الهواء يؤديه الي المسامع الخبر ، و لما كان ذلك الصوت شبح حركة المصوت الظاهر في مرآة الجسم السيال كما بينا و حركة الجسم السيال تابع لحركة ذلك المصوت فيكون الصوت و التموج متناسبين مقترنين دائما فيكون قويا عند قوة الموج و ضعيفا عند ضعفه كالحرارة الحادثة في الهواء من السراج و النور الذي هو شبحه فكل ما هو قرب الي السراج يكون اشد نورا و حرارة و كلما بعد
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 503 *»
يكون اضعف نورا و حرارة كذلك كلما قرب من المصوت يكون اعظم صوتا و تموجا و كلما بعد يكون اضعف صوتا و تموجا الي ان ينقطع الصوت و التموج معا فلايحس بهما و المصوت هو الجسم المتحرك الفاعل و التصويت فعله و الصوت هو الشبح المنفصل من فعله كما بينا و هذا الشبح لايظهر بنفسه كما ان شبح وجهك لايظهر في نفسه فيحتاج الي مرآة و مرآة كل شبح يكون من جنسه فمرآة الصوت هو الجسم المنفعل سواء كان رقيقا ام غليظا رخوا ام صلبا سيالا ام جامدا و لذلك يضاف الصوت ابدا الي المحرك شرعا و عرفا و اما ما يضاف من الاصوات الي الآلات فلاجل انها آلة و يجوز نسبة الاثر الي الآلة كقوله تعالي فويل لهم مما كتبت ايديهم و كذلك يجوز نسبة الفعل الي الشخص و الي آلته اما اذا نسب الي الشخص فظاهر و اما اذا نسب الي الآلة فلان الفعل يظهر و هو الفاعل بالشخص لا بنفسه فافهم و ما اشتبه علي اهل الفن ان الصوت من الزاحم او منه و من المزحوم لجهالتهم بالحكمة و لا صوت الا من الفاعل و انما يظهر في المنفعل في الدعاء لا صوت فيها الا صوتك فافهم و اذا كانت الحركة من الجانبين كان كل واحد منهما فاعلا من جهة منفعلا من جهة و حركة المصوت علي ثلثة اقسام قرعية و قلعية و ضغطية و النقر من القرع و الصوت المستعمل في هذا الفن القرعي فالقارع و المقروع يختلف احوالهما فان من الاجسام ما لو زاحمه جسم آخر يندفع الي تحت من غير مقاومة و مدافعة كالصوف و القطن المحلوجين او ينحرف حتي يتحرك الزاحم بطبعه كالهواء و الماء او يتنحي الي نحو حركة الزاحم و يشايعه و يظهر الصوت في المزحوم اذا دافع الزاحم عن حركته و لو قليلا و ما يشاهد من الحركة في المنحرف اذا ضرب بعود او سوط فانما هو يظهر فيه الصوت اذا كان الضرب دفعيا بحيث يكون سرعة الضرب اسرع من انحراف المزحوم فاذا صار حركة الزاحم اسرع يقاومه المزحوم لتراكمه بخلاف ما اذا انزل يده علي بطئ بحيث ينحرف المزحوم علي تدرج فانه لايظهر صوت فما لميقاوم المزحوم الزاحم لميظهر صوت البتة فاذا وقع حجر علي حجر فمادة الصوت من المتحرك
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 504 *»
الفاعل و صورته من الحجر المنفعل و من الهواء المنضغط بينهما فان الحجر الواقع كما يقع علي الحجر يقع علي الهواء ايضا و يظهر فيه ايضا صوت كما يظهر في الحجر المنفعل و المنفعل ان لميهتز بحركة الفاعل او لميتحرك لميكن منفعلا و لايحدث فيه صوت و الصوت المحسوس من الهواء او من انقلاب القارع مقروعا كما انك اذا القيت اناء من الشبه او شيئا من الحديد علي الارض لايحرك الارض الا قليلا و ينفعل بنفسه و يبقي مهتزا و من هذا الباب الصداء الراجع من الجبل و البناء الصقيل فان الهواء بعد قرعه يرجع منقرعا و اعلم انه اذا قرع مهتز يكون اول الصوت من القارع و امتداده من المهتز فانه باهتزازه يقرع الهواء دفعة بعد دفعة و ليس هو من صوت القارع الاول .
الفصل الثاني اعلم ان الصوت اما من الجمادات او من الحيوانات اما الذي من الجمادات اما من الآلات المصنوعة كالطبل مثلا او من غيرها و اما الذي من الحيوانات اما من النواطق او من غيرهم اما الذي من النواطق اما له هجاء كالكلام او ليس له هجاء كالضحك و صوت الحيوان هو تابع لحركاته النفسانية فان نفس الحيوان اذا ارادت شيئا و مالت الي شئ و ارادت الاخبار عن ارادته فحركت الروح البخاري علي حسب حركتها فحركت الروح البخاري المخ و النخاع علي حسب حركتها فتحركت الاعصاب و العضلات علي حسبها فتحرك اللحاء و اللسان و الرية مثلا علي حسبها فانضغط الهواء فيما بين ذلك و تحرك علي حسب تحركها و تموج الي ان بلغ اذن السامع و قرع العصبة المفروشة في صماخها فتتحرك علي حسبها و انفعل الحس المشترك الذي فيها علي حسبها ثم ينفعل منه الذهن فتدركه النفس بالاحاطة و التوجه اليه و نفس المصوت لها حركات تامة ذاتية يمكنها التعبير عنها بالحروف و الكلمات و صفات لتلك الحركات و كيفيات و كميات و خصوصيات لايمكنها التعبير عنها بها فتعبر عنها باختلاف اصواتها من الحدة و الثقل و السرعة و البطئ و العظم و الصغر و الجهارة و الاخفات و الطول و القصر و الضحك و البكاء
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 505 *»
و غيرهما و اذا قصر عن مراده الصوت مطلقا استعانت باختلاف حركات رأسها و يدها و بدنها و سكونها و اذا قصرت عن ذلك ايضا استعانت بلون بدنها و وضع جسدها و اختلاف حالات جسدها فما سوي الحروف و الكلمات فواضل حالات النفس مما لا تعبير لها عنها فتعبر عنها بما ذكرنا و الحيوانات لما لمتكن لنفوسها ارادات جزئية خاصة معينة لمتحتج الي هجاء و كلمات ككلمات الانسان و انما لها ميولات مبهمة او مع قليل تعين فصارت تعبر عما في نفسها بالاصوات الدالة علي مطلبها غير ذات الهجاء كالحنين و الرنين و النعق و الصهيل و النقيق و امثال ذلك .
الفصل الثالث اعلم ان الذي يصير سبب اختلاف النغم و الالحان في الغناء حدة الصوت و ثقله دون ساير الصفات و سبب الحدة استحصاف القارع و المقروع و سبب الثقل رخاوتهما و اما حدة الاصوات الخارجة من ذوات النفخ و ثقلها فكذلك ايضا فان الهواء بشدة الضغط يستحصف و بضعفه يسترخي لان في الشدة يتراكم و في الضعف ينبسط و كذلك يختلف بضيق المنفذ و سعته فان في الضيق يتراكم الهواء و في الوسيع ينبسط ثم اعلم ان اسباب الحدة في الاوتار ثلثة القصر و الرقة و التوتير و اسباب الثقل ثلثة الطول و الغلظة و الارخاء و في ذوات النفخ اسباب الحدة اربعة ضيق التجويف و ضيق المنفذ و قرب مخارج الهواء من موضع النفخ و شدة الضغط و اسباب الثقل اضدادها .
الفصل الرابع اعلم ان الصوت اذا كان له امتداد و لبث زمانا محسوسا يسمي بالنغمة و يكون له لامحة اما حدة او ثقل فان الصوت لايخلو منهما فاذا اجتمع نغمتان مختلفتان في الحدة و الثقل تسمي بالبعد و اذا اجتمع نغمات عديدة تسمي بالجمع و اذا كان لها ترتيب مناسب تسمي باللحن و اذا اجتمع الحان مؤلفة تسمي بالغناء و
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 506 *»
الالحان علي ثلثة اقسام الحان ملذة للنفس لاتورث تصويرا و الحان مخيلة تحدث في الخيال صورا كانت حاملة لها و الحان تورث انفعالا في النفس مشاكلا لما في نفس المصوت لما كانت مصوغة علي نحو انفعال النفس و علي هيئة فكان الاول مؤثرا في جسد الانسان و ان كان بواسطة الادراك و الثاني في خياله و الثالث في قلبه .
الباب الثاني في حصر النسب و استخراج الابعاد و مراتبها في الملائمة و المنافرة و هو مشتمل علي ثلثة فصول :
الفصل الاول في حصر النسب ، اعلم النسبة بين العددين منحصرة في اثنيعشر لان العددين اما متساويان فبينهما نسبة المثلية و ان كان احدهما اعظم اما يعده الاصغر ام لا فعلي الاول اما يعده مرتين او اكثر فان عده مرتين فبينهما النسبة الضعفية و ان عده اكثر من ذلك فاما يعده علي نحو زوج الزوج فهي نسبة الاضعاف او غير ذلك فهي نسبة الامثال و علي الثاني الباقي من القسمة اما جزء او اجزاء و الخارج اما اثنان او ازيد و الازيد اما زوج الزوج او غيره فانحصرت النسبة في اثنيعشر المثل و المثل و الجزء و المثل و الاجزاء و الضعف و الضعف و الجزء و الضعف و الاجزاء و الامثال و الامثال و الجزء و الامثال و الاجزاء و الاضعاف و الاضعاف و الجزء و الاضعاف و الاجزاء مثال ذلك مذكور في الهامش ،
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 507 *»
فالاول نحو ٣ و ٣ ، ب ٣ و ٤ ، ج ٣ و ٥ ، د ٣ و ٦ ، ه ٣ و ٧ ، و ٣ و ٨ ، ز ٣ و ٩ ، ح ٣ و ١٠ ، ط ٣ و ١١ ، ي ٣ و ١٢ ، يا ٣ و ١٣ ، يب ٣ و ١٤ .
الفصل الثاني قد عرفت ان التأليف بين النغمتين المختلفتين في الحدة و الثقل بعد و ان كان اكثر من نغمتين فجمع و ان كان لها هيئة مناسبة فلحن فالبعد اما ملائم او منافر و الملايم ما يحدث للنفس لذة و المنافر ما يحدث للنفس الما و سبب اللذة وجدان النفس ما تفقده من شهواته بسهولة من غير كلفة و المها من فقدها بعض شهواتها الموجودة و من عدم وصولها الي ما تشتهيه مطلقا او من عدم وصولها في مدة تطلبه و لاتجده و لما كان ادراكها الغناء من بعض شهواتها فان وجدت نسبها و تراكيبها المتناسبة كانت فاقدة لها من غير كلفة التذت و ان لمتدرك نسبها او ادركت و كانت غير متناسبة تألمت و لما كان الغرض من الموسيقي تأليف اصوات و نغمات علي نسب متناسبة متوافقة للنفس المستقيمة الموزونة فلا بد من الكلام في تلك النسب و بيان ما يناسب منها و ما يخالف فاقول ان الاصوات تابعة لصفة حركات المصوتات و الحركة هي النقل من موضع الي موضع و هي اما سريعة و اما بطيئة فالسريعة هي قطع مسافة بعيدة في زمان قليل و البطيئة هي قطع مسافة قصيرة في زمان طويل فيحصل لها كم لامحة فيقدر بالكم المتصل الهندسي و الكم المنفصل العددي و يقاس بهما ليعرف مقاديرها في طولها و قصرها و نسبها فالكميات التي تدرك نسبها النفس من غير كلفة تلتذ بادراكها النفس و ما تدركه النفس بكلفة تتألم بكلفتها فالابعاد الملذة ما تدرك النفس نسب كمياتها من غير
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 508 *»
كلفة البتة و لا شك ان ادراك نسبة الواحد و الاثنين المسماة بالضعف اسهل علي النفس من ادراك نسبة ٦ و ١١ التي هي نسبة المثل و خمسة اسداس فاشرف الابعاد و اكملها ما كان اثقل طرفيها ضعف طرفها الاحد و هو المسمي بذي الكل ثم ما يقارب ذلك و ادراكه اسهل علي النفس اشرف .
الفصل الثالث اعلم انك لما عرفت ان اسباب الحدة في الاوتار القصر و الرقة و التوتير و في ذوات النفخ ضيق التجويف و المنفذ و قرب المخرج و شدة الضغط و اسباب الثقل اضداد ذلك فنقول ان شرح مراتب الحدة و الثقل في الاوتار ابين منه في ذوات النفخ و كذلك شرحهما في طولها و قصرها ابين منه في دقتها و غلظتها و توتيرها و رخاوتها فبني بناؤه علي طول الوتر و قصره لانه ابين و اوضح فنقول اذا اعتبر نغمة في وتر علي الاطلاق فان قصر من طوله شئ و استنطق الباقي فنغمة الباقي حادة و المطلق ثقيلة لامحة فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الابعاد علي ثلثة اقسام عظام و اوساط و صغار اما العظام و الصغار فغير متناهية بالقوة فانه يمكن فرض اعظم من كل عظيم و اصغر من كل صغير و لكن بالفعل ليستا غير متناهية لانه يبلغ التقارب و التباعد في الطرفين حدا لايمكن احساس الاختلاف بينهما فبني العمل علي ان يكون الطرف الاثقل اربعة امثال الاحد و هو اعظم الابعاد الفعلية و الحلق لايقدر علي اعظم منه و لنفرض لتصوير الابعاد وتر ايب كما في الهامش و نقسمه باثنيعشر قسما متساويا فالوتر المطلق ايب و هو الثقيل و مهما قصر منه قسمة يكون الباقي بالنسبة الي المطلق حادا و كذلك كل قطعة اطول منه ثقيل بالنسبة الي الاقصر فنغمة يب مثل و جزء من احدعشر جزء نغمة يا و مثل و خمس
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 509 *»
نغمة ي و مثل و ثلث نغمة ط و مثل و نصف نغمة ح و مثل و خمسة اسباع نغمة ز و ضعف نغمة و و ضعفان و خمسا نغمة ه و ثلثة امثال نغمة د و اول اضعاف نغمة ج و ستة امثال نغمة ب و هكذا نسبة كل اطول مع اقصر منه علي نحو ما ذكرنا و ما ذكرنا من التقسيم علي اثنيعشر قسما لبيان التصوير لا حصر الابعاد و اول مراتب الضعف نحو ب د يسمي بذي الكل و اول مراتب الاضعاف يسمي بذي الكل مرتين و هو نحو نغمة ح ب و الضعف و نصف الضعف نحو ب و يسمي بذي الكل و الخمس و الضعف و ثلث الضعف نحو ج ح يسمي بذي الكل و الاربع و المثل و الثمن نحو ط ح يسمي بالطنيني و المدة و المثل و ثلثةعشر جزءا من المأتين و ثلثة و اربعين يسمي بفضلة و بقية و المثل و الربع نحو د ه يسمي بالكل و الربع و المثل و الخمس نحو ه و يسمي بالكل و الخمس و من الابعاد العظام ذو الكل مرتين و ذو الكل و الخمس و ذو الكل و الاربع و ذو الكل و اما الاوساط فذو الخمس نحو ط و و ذو الاربع نحو د ج و ما بعد ذلك صغار و تسمي بالابعاد اللحنية و هي ايضا ثلثة كبار و اوساط و صغار فالكبار منها المثل و السدس نحو ز و و يسمي بالكل و السدس و الاوساط ثلثة الكل و السبع نحو ح ز و الكل و الثمن نحو ط ح و الكل و التسع نحو ي ط و بعد ذلك كلها صغار و فضلات لحنية و هي ايضا لها ثلث مراتب فالاول الكل و العشر نحو يا ي و الكل و جزء من احدعشر جزء نحو يب يا و الكل و جزء من اثنيعشر جزء نحو يج يب و الكل و جزء من ثلثةعشر جزء نحو يد يج و من العلماء من عد الكل و جزءا من اربعةعشر جزءا نحو يه يد و الكل و جزءا من خمسةعشر جزءا نحو يو يه من ذلك اي من الكبار و منهم من عدها من الاوساط و هو انسب و الاوساط ثلثة اللذان مرا و الكل و جزء من ستةعشر نحو يز يو و اصطلحوا ان كبار اللحنيات هي كل بعد اذا اسقط من ذي الاربع بقي الكل و السدس و اوساطها كل بعد اذا اسقط ضعفه من ذي الاربع بقي اقل من ذلك البعد و صغارها في الاول اذا اسقط ثلثة امثالها من ذي الاربع بقي اقل من البعد و في الثاني اذا اسقط اربعة امثالها بقي اقل من ذلك البعد و الثالث ما وراء ذلك و قيل غير ذلك .
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 510 *»
الباب الثالث في الوصل و الفصل و فيه ثلثة فصول :
الفصل الاول في معني الوصل و اقسامه و كيفية العمل فيه اعلم ان الوصل عبارة من ضم بعد ببعد بحيث يكون اثقل احدهما احد الآخر او احد احدهما اثقل الآخر فهو عملي و علمي اما العملي فهو تقسيم الوتر علي حسب ما يريد من الوصل مثال ذلك في الهامش فنغمتا ا ب في وتر ا ه بعد ذي الاربع فنريد ان نوصل بهذا البعد بعدا آخر ذا الاربع من جانب الاحد و هو نغمة ب فنقسم ب ه علي اربعة اقسام متساوية و نعلم علي منتهي القسمة الاولي من طرف ب و فنرقم عليه ب و بعد ذي الاربع فاتصل البعدان و تداخل احدهما في الآخر و ان اردت الوصل من جانب الاثقل فقسم ا ه بثلثة اقسام متساوية و افصل من ا م من جانب ا بقدر قسمة من تلك القسم و اعلم عليه ز و ارقم عليه ز ب بعد ذي الاربع و اما العلمي فحصل اقل عددين علي نسبة طرفي البعد المطلوب فان كان الوصل من جنسه فربع كل واحد من الطرفين و سطحهما و هو الواسطة كما في الهامش
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 511 *»
فاذا ضربت ا في الثلثة يحصل اثنيعشر لان ا ب اربعة فاذا اخذ مساوي اربعة من اثنيعشر و فصل من ا م حصل مخرج نغمة اخري و هي نغمة ز و نغمة ز ١٦ فنغمة ١٢ و ١٦ معا بعد ذي الاربع و اذا ضربت ب في الاربعة حصلت اثنيعشر و اذا ضربت الثلثة في نفسها حصلت تسعة فالتسعة مخرج نغمة اخري من جانب الاحد فب و بعد ذي الاربع اتصل با ب و اذا كان الوصل بغير جنسه فنحصل اقل عددين علي نسبة المضاف و اقل عددين علي نسبة المضاف اليه فنضرب الاصغر في الاصغر و الاعظم في الاعظم ثم نضرب اصغر المضاف اليه في اعظم المضاف يحصل الواسطة للاضافة من جانب الاحد او اصغر المضاف في اعظم المضاف اليه يحصل الواسطة للاضافة من جانب الاثقل و مثالهما في الهامش .
الفصل الثاني في الفصل و هو عبارة من تحصيل مخرج نغمة بين النغمتين يكون نسبتها مع احد الطرفين نسبة بعد المفصول فهو عملي و علمي اما العملي فهو تقسيم الوتر علي حسب ما يريد من الفصل و مثاله في الهامش
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 512 *»
فا ب بعد ذي الاربع فاذا اردت ان تعين نغمة متوسطة بين ا ب في الحدة و الثقل يكون نسبته مع احد الطرفين كنسبة البعد المفصول و هو الكل و السدس مثلا فتقسم ا ه سبعة اقسام و تفصل مثل قسمة من ا و من جانب الالف ان كان الفصل من جانب الاثقل من جانب ا بينه و بين ب فتعلم عليه ز فنغمة ز بين ا ب في الحدة و الثقل نسبتها مع ب نسبة الكل و السدس و اما العلمي فتعين اقل عددين علي نسبة المفصول منه و اقل عددين علي نسبة المفصول فان اريد الفصل من جانب الحدة فيضرب طرفي المفصول عنه في اصغر المفصول و يضرب اصغر المفصول عنه في اعظم المفصول يحصل الواسطة المطلوبة و مثاله في الهامش في فصل الكل و السدس من الكل و الربع من جانب الحدة و ان اريد الفصل من جانب الاثقل يضرب طرفا المفصول منه في اعظم المفصول و يضرب اصغر المفصول في اعظم المفصول عنه و الحاصل هو الواسطة المطلوبة مثال ذلك ايضا في الهامش
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 513 *»
فالواسطة في الاول نسبته مع الاحد نسبة الكل و السدس و في الثاني مع الاثقل و هو المطلوب و قد علم من ذلك انه اذا فصل ذو الاربع من ذي الكل بقي ذو الخمس و اذا فصل الكل و الربع من ذي الخمس بقي الكل و الخمس و اذا فصل الكل و السدس من ذي الاربع بقي الكل و السبع .
الفصل الثالث في معني تقسيم البعد بالاقسام المتساوية و الغرض منه تقسيم الابعاد الكبار الشريفة بالابعاد الصغار الشريفة و هو عملي و نظري اما العملي فهو تقسيم الوتر بقسم متساوية و اما النظري فهو عبارة من تحصيل اعداد يزيد كل عال علي دانيه بواحد و طريق تحصيله ان تضرب عدد الاقسام المطلوبة في طرفي البعد المطلوب فيحصل طرفان يؤخذ التفاضل بينهما اي بين طرفي البعد و يضاف علي اقل الطرفين الحاصلين مرات الي ان يبلغ الي الاكثر مثاله في الهامش ثم يعتبر في اقل الاعداد فنقول اذا قسم الكل و الخمسان باربعة اقسام متساوية يحصل الكل و العشر و الكل و جزء من اثنيعشر و الكل و جزء من ثلثةعشر فاذا نصف ذو الخمس يكون هكذا ٦٥٤ و ان ثلث فكذا ٩٨٧٦ و علي هذا القياس و ان نصف ذو الكل يكون كذا ٤٣٢ و ان ثلث فكذا ٦٥٤٣ و ان ربع فكذا ٨٧٦٥٤ و علي هذا القياس و اما بيان كيفية الآلات للالحان و اقسام الغناء و شعبها فتركناها لقلة منافعها في الحكمة و كذلك الايقاعات و الادوار و من اراد ذلك فعليه بكتب القوم و لكن نذكر هيهنا بابا نختم به الرسالة و نذكر فيه بعض الكليات ليكون ختامها مسكا .
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 514 *»
الباب الرابع في ذكر امور كلية في هذا العلم و فيه ثلثة فصول :
الفصل الاول اعلم ان الالحان كما عرفت من النغمات و النغمة صوت ممتد زمانا و الصوت لايحصل الا بالحركة و كل حركة في الحوادث بعدها سكون و به يحصل تعدد النغمات و تمايزها فالاصل في جميع النغمات الحركة و السكون فمن الحركة مادتها و بالسكون صورتها و تميزها عن غيرها و السكون سكونان سكون حقيقي و هو ضد الحركة و عدمها و سكون نسبي و هو الحركة الضعيفة بالنسبة الي الحركة القوية و كلاهما مستعملان في الايقاعات فنعبر في العروض عن الاول بعدم الحرف كالالف المفتوحة مثلا فهي حركة بعدها سكون ليس بعدها حرف و في الايقاع كنقرة واحدة و عن الثاني بحرف ساكن كقولك ام بفتح الالف و سكون الميم و في الايقاع بنقرة قوية و نقرة ضعيفة بعدها و بكليهما تتحقق الادوار و تحصل الفاصلة بين الدورين فالسكون المتخلل بين النقرتين ان كان بحيث لايتخلل بينهما نقرة فهو زمان ا و ان كان ضعف ذلك و يمكن تخلل نقرة واحدة فهو ب و ان كان ثلثة امثاله و يمكن تخلل نقرتين فهو ج و ان كان اربعة امثاله و يمكن تخلل ثلث نقرات فهو د و ان كان خمسة امثاله و يمكن تخلل اربع نقرات فهو ه فالزمان الاول و الخامس قليل الاستعمال و الثاني و الثالث كثير الاستعمال لان المراد من اللحن ارتسام النغمات في الذهن ففي الزمان الاول تختلط النغمات علي السامع و في الخامس تنمحي صورة السابقة فلايدرك نسبتها مع اللاحقة الا قليلا و ترتيب النقرات في الادوار اما علي ترتيب الاسباب او الاوتاد او الفواصل و الاسباب سببان و لا ثالث اذ السبب هو المركب من حركة و سكون او حركتين اما الابتداء بالساكن فمحال و يستنطق لهما لمار فقولك لم سبب خفيف و ار سبب ثقيل و الاوتاد وتدان و لا ثالث اذ الوتد هو المركب من ثلثة حركتان و سكون او سكون بين حركتين و استنطق لهما علي ظهر فالابتداء بالسكون فمحال و توالي
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 515 *»
السكونين لايتمشي في الموازين فلا بد و ان يكون حركتان و سكون فاما يكون السكون بعد الحركتين او بينما و اما قبلهما فلايمكن و يسمي الوتد الاول بالمجموع و الثاني بالمفروق و اما الفواصل ففاصلتان صغري و كبري اما الصغري فاربعة سكون بعد ثلث حركات اذ لو كان السكون في الثانية لكان مركبا من سببين و هما بانفسهما مستقلان و لو كان السكون في الثالثة لصار مع ما قبله وتد مجموعي و هو بنفسه مستقل و استنطق له جبلن و اما الكبري فخمسة آخرها السكون اذ لو كان قبل الآخر صار سببان و هما مستقلان و لو كان في الوسط لاحدث وتدا مجموعيا و سببا ثقيلا و لو كان بعد الاول احدث سببا خفيفا او وتدا مفروقا و سببا ثقيلا فاستنطق لها سمكتن و المستنطق للكل لاجل التسهيل لمار علي ظهر جبلن سمكتن و قلما ينقر علي خمس حركات متواليات و لايقع في العروض الا ان يكون بعضها في قوة الساكن و لما كانت الاشعار ايضا من الحروف و لها موازين يقدر علي هذه الموازين الستة و المفاعيل الموضوعة لتقاطيع الاشعار و موازينها كلها مستنبطة من هذه الموازين فعبر عن تركيب السبب الخفيف مع مثله بقولهم مفعو و مع السبب الثقيل فاعل و مع الوتد المجموعي فاعلن و مع المفروقي مستفع و لاياتي مع الفاصلة الصغري مركبا الا ان يفرق نحو فاعلتن و السبب الثقيل مع نفسه ثقيل لاياتي و مع الوتد المجموع علمفا و مع المفروق نحو متفاع و مع الفاصلة الصغري علمتفا و لاياتي مع الكبري لثقله و اما الوتد المجموع مع نفسه نحو مفاعلن و مع المفروق نحو مفاعيل و مع الفاصلة الصغري نحو مفاعلتن و لاياتي مع الكبري لثقله و اما الوتد المفروق مع نفسه نحو فاعلات و مع الفاصلة الصغري نحو لات فعلن ، و الفاصلة الصغري نحو فعلن و يجمع هذه المفاعيل قولهم فعولن و مفاعلن و مفاعلتن و مفاعيل و متفاعلن و مستفعلن و مفعولات و فاعلات و فعلن و علي ذلك جميع الموازين العروضية و الالحانية و الايقاعية و لااحب المثال و الا لمثلت لك حتي تشاهد .
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 516 *»
الفصل الثاني اعلم انك لما عرفت ان اصل النغمات من الحركات و السكنات و السكنات اضافيات و انما منها حادة لدقتها و منها ثقيلة لغلظتها علي ما عرفت فاعلم ان اصل الحركات من الافلاك فانها الفواعل و محال الفعل و من البين ان حركاتها تختلف في القوة و الضعف و الحدة و الثقل و السرعة و البطؤ فتحصل فيها سكونات اضافية فاذا حصل فيها الحركة و السكون بل صارت اصلا لها لان جميع الحركات الثقيلة منها و بها و اليها فاصل النغمات من الافلاك اذ منشاها من الحركات و السكنات و هي اصلها و فرعها و معدنها و مأويها بل لا حركة في السفليات الا من شعلاتها و ما استجن فيها من ارواحها فلا صوت الا صوتها و لا نور الا نورها و حركاتها ايضا من فعل الفاعل لانها متحركة كالآلات فلا صوت فيها الا صوته و لا نور فيها الا نوره و لا حركة الا حركته بكم تحركت المتحركات و سكنت السواكن فافهم و لما كانت الافلاك مختلفة في القرب و البعد و الحركة في البعد ظهورها اقل و في القرب اكثر فالابعد له حركة و الاقرب يزداد حركة فيكون له حركتان و ثلثة و اربعة فكان نسبة حركة فلك زحل السبب الخفيف لانها ابعد و ابطأ و حركة الفلك المشتري السبب الثقيل و حركة فلك المريخ الوتد المجموع و حركة فلك الزهرة الوتد المفروق و حركة فلك عطارد الفاصلة الكبري و حركة فلك القمر الفاصلة الكبري و اما حركة فلك الشمس فمادة للباقي كالنفس في الاصوات و منه المادة و من ساير الافلاك الحدود المميزة و اعلم ان الاصوات الحاصلة من الحركات القريبة حادة سريعة عظيمة جهورية قصيرة و الاصوات الحاصلة من الحركات البعيدة اضداد ذلك و التي بين بين اوساط ذلك و تختلف ايضا في كل فلك بحسب افلاكه الجزئية فحركة الممثلات بطيئة ثقيلة كالافلاك البعيدة و اسرع منها حركة فلك الخارج المركز للشمس فانها يومية و حوامل الكواكب الستة و التدويرات و المدير للعطارد و جوزهر القمر و مائله فان لكل واحد حركة خاصة منها بطيئة و منها سريعة و منها قريبة و منها بعيدة و منها بعض اجزائها قريبة و بعضها بعيدة و منها قد يقرب و قد يبعد فبحسب ذلك تختلف اصواتها اختلافا تاما و لها اصوات
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 517 *»
اخر علي سبيل تماس بعضها ببعض فانه يحدث من تماس بعضها ببعض صوت مثل ما اذا سحبت الاصبع علي شفاة الاواني او مسحت باصبعيك علي خيط من ابريسم فانه يحدث فيه نغمة و كذلك اذا سحب خيط علي خيط موترين فانه يحدث فيهما نغمة و من ذلك صوت هبوب الرياح فانه من مرور بعض اجزائه علي بعض بشدة فيكون اسرعه كالحرف المتحرك و ابطؤه كالحرف الساكن من موازين العروض فاذا لاحظ الانسان نسبة بعض هذه الاصوات ببعض علي حسب ما يشاء من الالحان يحدث الالحان الموسيقية علي احسن ما يمكن من الاصوات الا انها من غير ملاحظة النسبة اصوات متداخلة علي نهج الكلية و ليست مألفة علي نحو لحن خاص فانها مبدء جميع الالحان و لا بد و ان تكون علي نهج الكلية كالاعداد الكلية الجامعة لجميع النسب العددية و الهندسية و التأليفية من غير امتياز خاص ثم اعلم ان من البين ان آلة الصوت و ما يحصل به كلما كان الطف كان الصوت الحاصل فيه و منه ارق و انعم و كلما كان اغلظ و اكثف كان الصوت الحاصل فيه و منه اغلظ و اكثف كما هو مشاهد من افضلية صوت حلق الانسان علي ساير الاصوات لالطفيته و انعميته و كذلك الجسم السيال الحامل للصوت كلما كان انعم و الطف و ارق صار الصوت فيه الطف و انعم و ارق فالصوت في الهواء الطف منه في الماء بل الصوت بالاسحار و في اطراف الصباح الطف منه في ساير الاوقات لخلو الهواء من الابخرة و الادخنة و كذا اصوات ذوي الروح افضل من غير ذوي الروح للطافة الجسم بسبب مجاورة الروح فاذا صار الامر كذلك علم فضل اصوات الافلاك و الحانها و نغماتها فانه ليس في عالم الاجسام الطف منها و اروح و ارق و انعم و اقوم حركة و ادوم و من هذا الباب فضل نغمات حورالعين و طيور الجنة و قصورها و دورها علي نغمات اهل الدنيا و كونها بحيث لو ظهرت نغمة من نغماتها لاهل الدنيا صعقوا و ماتوا و قد علمت ان الجنة في السماء و هي الحيوان و من هذا الباب ان الامام عليه السلام لو اظهر صوته لصعق الناس كلهم و ماتوا لان جسد الامام في الدنيا كاجساد اهل الجنة فصوته افضل الاصوات بل افضل من اصوات اهل الجنة كلهم لانه الطفهم فما نقل من ارسطاطاليس و افلاطون و بطلميوس و
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 518 *»
من تبعهم انه ليس للافلاك اصوات و استدل البطلميوس بان الفلك اكبر الاجسام و لو كان له صوت كان يبطل كل صوت فذلك ليس بشئ و يجاب عنه بالمجادلة انه لبعده يمكن ان لايسمع صوته و لايبطل ساير الاصوات و لا محذور منه و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال و علي طريق الحكمة ان الفلك لرقته و روحانيته يكون صوته ايضا لطيفا روحانيا الاتري ان للجن اصوات و نغمات و للملئكة ايضا اصوات و نغمات بالتهليل و التسبيح و لايسمع شئ منها مع انهم جسمانيون و من الملئكة من ملأ ما بين السماء و الارض بجسمه و مع ذلك لاتسمع اذكارهم و حفيف اجنحتم فكيف يمكن سماع اصوات الافلاك و ان ملأت الفضاء نعم اذا اعتدل مزاج الانسان و صح منهاجه و فارق الاضداد و شارك السبع الشداد يمكن له استماع اصواتها فافهم راشدا موفقا .
الفصل الثالث اعلم ان للنغمات طبايع مختلفة بحسب اختلافها فالنغمة الحادة حارة يابسة و الثقيلة باردة رطبة و السريعة حارة رطبة و البطيئة باردة يابسة و في الاوتار الزير حار رطب و المثني حار يابس كذا قالوا و البرهان يقتضي العكس و المثلث بارد يابس و البم بارد رطب كذا قالوا و البرهان يقتضي العكس فهي علي ترتيب العناصر فان غلظ المثني مثل الزير و ثلثه و كذا المثلث بالنسبة الي المثني و البم بالنسبة الي المثلث علي نسبة ذي الاربع و قد عرفت ان غلظة الوتر سبب الثقل و الثقل سبب البعد من المبدء فاذا يمكن بالنغمات معالجة الامراض المزمنة في اسرع ما يكون فان الغنا مؤثر في النفوس و تصل اليها في اسرع وقت فاذا اثرت في النفوس اثرا انعكس ذلك الاثر منها علي الابدان فتغير البدن في الفور من غير معاناة الاتري انك لو اردت ان تسقي ضاحكا دواء تحزنه و تبكيه فلا بد و ان تعالجه ازمنة طويلة حتي يعود باكيا و بالغناء يمكن ان يضحك و يبكي و يسر و يحزن في مجلس واحد في ساعة واحدة و انما ذلك لانها تصل الي النفوس من طرق السمع و بنطاسيا في اسرع وقت و تؤثر في النفس بالمشاكلة لان النفس فلكية و الاصوات
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 519 *»
ايضا فلكية روحانية فتؤثر فيها بالمشاكلة و المناسبة فتنجذب اليها انجذاب العاشق الي المعشوق و تعانقها و تنصبغ بصبغها و تتهيأ بهيأتها ثم ينعكس منها الي القلب و يشرق منه الي الدماغ و ينزل منه الي الاعصاب و العضلات و ساير الاعضاء فيظهر آثارها في البدن في طرفة عين و من هذا الباب تاثير الكلام في النفوس و ظهور آثاره في الابدان فيتغير السامع بشتيمة يسمعها و يغضب و يغلي دمه و يصفر لونه و يرتعش اعضاؤه ما لايورث الف سقية من الدواء مثل تلك الحالة بل ربما يصير الكلام سما ناقعا فيقتل السامع في طرفة عين و كذلك المواعظ البالغة و التلطف يغير البدن تغييرا عجيبا لايحصل مثله بالف دواء الاتري ان من الامراض شهوة الطين و غيره من الاشياء الردية المسمي عندهم بقطا و قد وصفوا له دواء و علاجا فيمكن بالكلام ان يوعظ المريض و يخوف عن الله سبحانه حتي يترك ذلك من ساعته و بالدواء لا بد و ان يعالج في مدة مديدة و تنقية شديدة و لذلك ورد الشرع في معالجة الامراض بالترهيب و الوعد و الوعيد و قد علم اولوا الالباب ان جميع المعاصي و السيئات امراض منشاؤها فساد الطبع و جميع الاخلاق الردية منشاؤها الطبايع الردية فان الطبايع جواذب الارواح و بينهما مناسبة تامة و يمكن معالجة العاصي بالطب حتي يترك عصيانه كما يعالج صاحب القطاء الا ان الشارع قد سلك السبيل الاقرب الاسهل الاهنأ الاشهي بالجملة و من ذلك الاصوات فانها تؤثر في النفوس تاثيرا بينا و يغير الابدان فالماهرون في الفن اذا ارادوا حفظ الصحة تغنوا بنغمات مشاكلة للمزاج ملايمة له و اذا ارادوا دفع المرض عن المرضي تغنوا بالضد و دفعوا المرض عنه في اسرع وقت بل اذا ارادوا تغيير الحالات من السرور الي الحزن و بالعكس و المحبة بالبغضة و بالعكس و الميل الي التنفر و بالعكس هكذا فعلوا في مجلس واحد بل اذا ارادوا تغيير الاخلاق من البخل الي الجود و من الحرص الي الزهد و من الخرق الي حسن الخلق و هكذا فعلوا في اسرع وقت الا ان غرض الشارع ليس صرف ترك المعاصي من حيث هي هي بل غرضه الاطاعة لله جل اسمه و معرفته و الطاعة لاجله و ترك المعصية لاجله و مراقبة الله سبحانه في كل حين و الاعراض
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 520 *»
عن ما سواه بالكلية و الانقطاع اليه و هذا الغنا تلهي النفس عن كل ما سويها و تتعشق بالانسان و تلتف به و ينسيه ذكر الغير فهي اشد جميع الاشياء تعلقا و التفافا بالانسان و النفس تتعلق بها تعلقا ينسي معه كل شئ لكثرة المشاكلة التي بينهما و لذلك تحبها و تشتهيها و تلهو بها عن الاكل و الشرب و الاهل و المال و الاولاد و الاخوان فلما كان الغناء هكذا و كان اعظم الملاهي الدنياوية حرمه الشارع الاقدس و سمعا له و طاعة حتي لايشتغل الناس به عن الله سبحانه بخلاف الوعد و الوعيد و المواعظ و النصايح و تذكير الله سبحانه و القيمة و العذاب و النعمة فانه يؤثر في النفس مع التقرب الي الله سبحانه و الاعراض عما سواه و الادبار عن غيره كما هو مشاهد معروف فتبين و ظهر ان طريق الشرع اقرب الطرق و اعدلها و اصحها و آمنها و قد غلط الصوفية خذلهم الله حيث رخصوا للمريدين باستماع الغنا و الملاهي و كذبوا علي الله و رسوله و الوجه في رخصتهم انهم لما علموا ان الاصوات تؤثر في النفوس تأثيرا بينا و ارادوا تغيير نفوس الناس و تليين صعابها و امالتها اليهم و ايراث المحبة فيها لهم و لميبالوا بان لايكون ذلك فيهم لله و في الله و ان يشتغلوا عن الله و ارادوا رونق سوقهم و انفاق سلعتهم سواء نجي الناس او هلكوا فرخصوا لهم في الاصوات الملهية و ربما تغني المرشد بنفسه لهم بالآلات كذوات الاوتار او بالحلق و من هذا الباب يأذنون لهم في شرب البنج و الشرس لانه بارد يابس يورث جبنا شديدا و زهدا و اعراضا عن الناس و يقوي بنطاسيا فيجسم كل ما يسمع عنده و يبقي زمانا فامروهم بذلك حتي يعرضوا عن الدنيا و يزهدوا و يتجسم عندهم كلما يدعي المرشد فيراه كرأي العين و يصير من اهل الكشف فيدعي انه يصعد السماء و يخرق الارض فيتجسم في حس المريد في ساعته انه صعد و خرق فيحسبه الجاهل كشفا و قد كذبوا لعنهم الله انه مرض يعتري عليهم و لاينفعهم شئ من ذلك و لذلك قد يأمرون مريديهم ببلع الترياق اي الافيون فانه مخدر للحس مبلد للفهم منوم يزيد في النسيان و يقل الفهم فاذا سلبوا الفهم عن المريد و خدروا حسه يدعون له ما شاؤا و يفعلون ما شاؤا لعنهم الله و اصمهم و
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 521 *»
اعمي ابصارهم و هم في حوالي زماننا بل و في زماننا اكثر منهم في كل زمان وقانا الله من شرورهم بجاه محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين و نحن قد كتبنا هذه الرسالة لا لاجل تعليم الغنا بل لاظهار آية من آيات الله سبحانه كما اشرنا الي شطر من ذلك فهذه فتنة فلاتكفر .
و قد وقع الفراغ من تسويدها في ضحوة يوم الخميس تاسععشر شهر رجب من شهور سنة ثنتين و ستين بعد المأتين و الالف من الهجرة حامدا مصليا مستغفرا مستقيلا ، تمت .