26-02 مکارم الابرار المجلد السادس والعشرون ـ ضياء البصاير في المرايا و المناظر ـ مقابله

 

 

ضیاء البصایر فی المرایا و المناظر

 

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 59 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابراهيم انه قد وقع بيدي في بعض السنين كتاب لبعض الافاضل قد سماه بتنقيح المناظر قد لخص كتاب ابي علي بن الحسن بن الحسن بن الهيثم المصري في المناظر و المرايا و كان في خزانة كتبي الي ان راجعته في هذه الايام فوجدته في الحقيقة كتابا بليغا حاويا لكثير من كليات علم المناظر و المرايا و جزئياته كاملا في ما يتعلق بهندسياته و تعليمياته ولكنه قد اخطأ في كثير من طبيعياته مع انه اقرب الي الحق من كثير ممن نطق في هذه العلم الا انه يظهر منه انه مع وفور حذقه كان قاصرا في ما يتعلق به من الطبيعي و عثر قدمه و زل في كثير من المواضع ولكن قد لفق لها من متشابهات الكائنات ادلة تشابه الامر علي القاصرين في العلم فوجدت لنفسي فراغا قليلا في هذه الايام و احببت ان اكتب في هذا العلم كليمات اكشف النقاب عن وجه الحق فيه فان من العلم بحقايق الاشياء يوجد عندنا ما لايوجد عند احد من الحكماء الاقدمين و العلماء السابقين و ذلك و لا قوة الا بالله بين في كتبنا في العلوم الشتي و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم و اقول لو خطر في قلبك من قولي شيء

فهب اني اقول الصبح ليل   أيعمي الناظرون عن الضياء

و كل من يدعي بما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان و لايخفي اني تفكرت في نفسي اني لو كتبت حواشي علي كتابه تندرس و لا تنتشر و لا يسمع الهوامش تحقيق الحق في كل باب و لو كتبت الحواشي في كتاب آخر مستقل فربما يقع كتابي في يد احد من دون الاصل فلاينتفع به و لو شرحته شرحا اذكر فيه المتن ليطول بي المقال و ليس بقابل لكل هذا الاقبال

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 60 *»

فرأيت ان تصنيف كتاب مستقل في ذلك اقرب الي الصواب و لا اذكر اقوال القوم و ادلتهم كما هو عادتي في ساير تصانيفي بل اذكر مر الحق الذي عندي في حقايق المسائل الكلية و طبيعياتها و لا استقصي تعليمياتها فانه لايكاد يقع خطاء فيها عن استاد و كتب القوم كافلة لها باكمل وجه و انما الذي يجب التنبيه عليه هو الحقايق الطبيعية التي لم‌يكن من شأنهم فهمها و لاجل ذلك اقتصرت عليها و من شاء الاطلاع علي اقوالهم و ادلتهم فليراجع كتبهم و لو فهم ما اذكره ان شاء الله في هذا الكتاب ثم راجع كتبهم اطلع علي خطائهم في كل باب و افصل كتابي هذا علي مقدمة و ثلث مقالات و خاتمة و سميته بضياء البصاير و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

المقدمة في بيان تشريح العين و بيان حقيقة الاضواء في الاشباح و الالوان و ما يتعلق بها المقالة الاولي في بيان كيفية ادراك العين للاضواء و الالوان و انطباعهما في الاجسام المقالة الثانية في بيان كيفية انعكاس الاشباح من الاجسام الصقلية و ما يتعلق به المقالة الثالثة في بيان كيفية انعطاف الاشباح في الاجسام المشفة الخاتمة في ذكر كلمات قليلة في صفة حدوث قوس الرحمان المعروفة بقوس قزح و لنذكر جميع ذلك علي سبيل التلخيص و عدم قصر مخل و طول ممل و لعلنا نشير في بعض الموارد الي اقوال القوم ليعلم الراجع الي كتابي ان كلامي يرد علي اي قول منهم حسب و ربما اشير في بعض الموارد الي الوجه التعليمي لتمام الكلام و وضوح المرام و هذا اوان الشروع في المقصود و اسأل الله سبحانه ان يوفقني لاتمامه و ان يجعله خالصا لوجهه الكريم فان الغرض من جميع العلوم معرفة عجايب صنعة الله سبحانه و التحير في قدرته و غريب صنعته و الاذعان و الخضوع عند سطوع نور حكمته و قهاريته و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين اجمعين.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 61 *»

المقدمة

في بيان تشريح العين و بيان حقيقة الاضواء و الاشباح و الالوان و في هذه المقدمة اربعة مطالب:

المطلب الاول في بيان حقيقة تركيب العين في جسمانيتها و صفة ادراكها للاشياء و جملة مما يتعلق بذلك و في هذا المطلب فصول:

فصل في بيان مجمل من تشريح العين لانه يتوقف علي معرفته كثير من هذه المطالب اعلم ان حقيقة العين هي رطوبة منعقدة كالماس الصافي او البلورة الصافية اصفي ما تكون نيرة وقادة تنطبع فيها اشباح الاضواء و الالوان كما تنطبع في المرايا و المناظر حرفا بحرف بلاتفاوت و هي حقيقة العين و قطبها و مركزها ثم جعل من ورائها طبقات لحفظها عن الافات و تلك الرطوبة جوهرة مستديرة لبعد المستدير عن الافات و لما يأتي من منفعة المناظر الكرية و جعلت مفرطحة في الجملة لتقبل اشباحا كثيرة و تقابل سطحها مبصرات كثيرة و الكرة لاتقابل المقابل الا بنقطة واحدة و لتستقر في مقامها بلااضطراب و من خلفها رطوبة مائلة الي الحمرة لامعة و الجليدية غايصة فيها الي النصف و منفعتها تعذية الجليدية بالتندية بالمجاورة و ذلك ان غذاء الاعضاء من الدم و الجليدية بعيدة النسبة عن الدم فخلقت تلك الرطوبة ورائها ليستحيل الدم اليها اول ثم تندي الجليدية فلاجل ذلك صارت مائلة الي الحمرة و كذلك من امامها اي من امام الجليدية رطوبة بيضاء كانها مجمع فضول غذاء الجليدية و منفعتها حفظ الرطوبة الجليدية عن الانتشاف بالهواء و تسمي بالبيضية لانها كبياض البيض و جعلتا امامها و ورائها لان الجليدية لاتطيق مباشرة ساير الطبقات و تنكأها البتة فجعلت بين الرطوبتين المتشاكلتين اللينتين حتي لاتتنكاء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 62 *»

من ملاقاتها و هذه ايضا تحتوي عليها الي النصف ثم من الوراء ثلث طبقات و من الامام ثلث طبقات و بين البيضية و الجليدية غشاء كنسج العنكبوت رقة او كقشرة البصل يفصل بينهما و يحجز بين الجليدية و بين فصل غذاءها الذي هو البيضية و هي ملبسة علي الجليدية كقشرة مح البيض عليه فالثلث التي من الخلف بيانها ان العصبتين النابتتين من مقدم الدماغ علي ما يأتي لهما غشاءان قد صحباهما من امي الدماغ الرقيقة و الجافية كما يصحبان جميع الاعصاب ما دامت في الدماغ فلما خرجتا من الثقب الذي في قعر العينين فارقاهما و انبسطا و انتسج حولهما بعض العروق و الشرائين من الام الرقيقة و احتوت علي الرطوبة المتقدمة الي النصف و صارت طبقة و تسمي بالشبكية تشبيها بشبكة الصياد ثم من وراء ذلك الغشاءان فالغشاء الذي منشأه من الام الرقيقة المسماة بالمشيمية يحتوي علي الرطوبة الزجاجية منتسجا بعروق و شرائين جاءته من الام الرقيقة و يسمي باسمها و منفعة هذه الطبقة ايصال الدم بعروقه الي الزجاجية و الشبكية و الغشاء الذي منشاؤه من الام الجافية التي هي برزخ بين العظم و الام الرقيقة المسماة بالمشيمية ينبسط و يحتوي علي المشيمية و يسمي بالصلبة و تقي المجموع عن مباشرة العظم و الاعضاء الصلبة بالبرزخية التي لها فهذه هي الثلث التي من الوراء و اما الثلث التي من الامام فاوليها ما يلي الجليدية العنبية سميت بها لانها تشبه نصف عنبة ملساء من خارجها خملاء من باطنها كالعنبة و لونها بين الاسود و الاسمانجوني ثم يختلف في الاشخاص و انما كدر لونها لتدفع عن الجليدية ضرر الاضواء و تكون كانسان جالس في بيت مظلم ينظر الي الخارج من منظرة و هي الثقبة التي في وسطها بازاء تفرطح الجليدية و منبتها من المشيمية و فيها عروق تغذو بها القرنية و تحجز بين صلابة القرنية و الرطوبة البيضية و يليها القرنية و هي غشاء صلب منبته من الصلبة التي من الوراء يشبه القرن في تقشره و له بريق و صفاء و صلابة كالزجاجة يحفظ العين عن الافات و الملتحمة و هي بياض العين الظاهر و منشاؤه من الغشاء الذي يعلو قحف الرأس و فيه عروق و لسنا الان بصدد جميع ما يتعلق بالعين مما لايتعلق بهذا العلم فنكتفي من امر الطبقات بما ذكرنا و لنتكلم الان في العصبتين اللتين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 63 *»

تأتيان العينين اعلم ان الله سبحانه خلق للعينين عصبتين جوفائين نابتتين من مقدم الدماغ لانه منبت اعصاب الحواس كما ان مؤخر الدماغ منبت اعصاب الحركة فهاتان العصبتان لينتان نحو جوهر الدماغ و عظيمتان في المتانة منبتهما من موضع الزائدتين اللتين بهما حاسة الشم فاذا صارتا قريبتين من المنخرين التقتا ثم افترقتا علي هيئة الصليب هكذا * و هيهنا قولان احدهما ان التي من اليمني تأتي اليمني و التي من اليسري تأتي اليسري و ثانيهما ان اليمني تأتي اليسري و اليسري تأتي اليمني بعد اتفاقهم علي وحدة التجويف في الملتقي و عندي لو قيل بانها عصبة خلقت هكذا اي عصبة صليبية لكان اولي فان وحدة التجويف تمنع الفائدة في هذا النزاع و تنقض دليل الطرفين و لاتبقي دليلا لاحدهما اللهم الا ان يثبت انه اذا اصاب علة الجانب الايمن اصابت العين اليمني علة بسببها بالجملة و يغشي هذه العصبة غشاءان منشاؤهما من امي الدماغ و يأتي كل واحدة من الشعبتين الي ثقب تحت محجر عين فاذا دخلت فارقها الغشاءان و اتسعت علي هيئة المخروط و القمع و انتسج بها عروق و اوردة بها تصير كالشبكة و تحتوي علي الرطوبة الزجاجية فتكون طبقة للعين و فائدتها ايصال الروح الباصرة الي الجليدية كما بينا و شرحنا علي نحو الاختصار.

فصل في بيان قوة البصر و امر معرفة القوي صعب مستصعب لايدركه الا العالم الرباني و الحبر الصمداني و الحكيم المتعلم عن آل محمد عليهم السلام فاقول في ذلك قولا جامعا علي سبيل الاختصار اعلم ان الاحد جل شأنه ذات لاتترقب لنفسها حدوث كمال و لا عروض جمال بل هي ذات احدية كاملة بكمال لا نهاية له و كذلك مشيته سبحانه هي ذات واحدة كاملة بلانهاية و ليس هيهنا محل ازيد من ذلك و قد بسطنا القول في ذلك في ساير كتبنا ثم خلق سبحانه بهذه المشية حقيقة الانسان و هي النفس الناطقة القدسية و هي بمقتضي لزوم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 64 *»

كون الاثر مطابقا لصفة مؤثره ذات واحدة فعلية لاتترقب شيئا مما هي به هي بوجه من الوجوه فهي واجدة حين صدرت لجميع ما هي به هي بالفعل حيازة ذاتية علي نحو الوحدة و ليس فيها تعدد و تمايز لكمالاتها الذاتية اذ هي هي ذات واحدة و لما قدر الله سبحانه نزولها الي عرصة الحيوانات و النباتات و الجمادات نزلت و احتجبت تحت حجبها و انطفي نورها و خمد حرها و صارت فيها لها عندها بالقوة بعد ما كانت و تكون في عالمها لها بالفعل و لما دعي الله سبحانه الخلق بالسنة مباديه الي التوجه اليه و قام الجماد يصعد الي رفيع الدرجات و اخذ في التلطف و الترقق و انجذب الي الفوق و كان بسبب البعد مختلفة الاجزاء متفاوت الانجذاب و التلطف و الترقق ذا اصباغ و اشكال و طبايع مختلفة متكثرة اختلفت اجزاؤه في اللطافة و الرقة و الحكاية لما وراءها فظهر عنها اشراق ما ورائها مختلفا منصبغا باصباغها متشكلا باشكالها فتلطف قطعة منه علي صفة خاصة و لها صبغها و شكلها فظهر عنها اشراق النفس الواحدة الدراكة المطلقة بصبغ خاص و شكل خاص فحدث منها السمع و كذلك قطعة اخري فحدث منها الشم و اخري فحدث منها الذوق و اخري فحدث منها اللمس و اخري فحدث منها البصر و الا فالنفس الواحدة ليس فيها سمع و بصر و ذوق و شم و لمس لانها هي ذات واحدة دراكة بادراك مطلق لكل ما حضر عندها و انما يتشعب ادراكها بالشعب الخمس عند الظهور من هذه الاعضاء فالتعدد هنا لا هناك و كل هذه الاعضاء دراكة بفضل ادراك النفس الواحدة و الادراك للنفس الا ان فعل النفس الذي هو اشراقها تعلق بهذه الاعضاء بعد تغلظه و تناسبه للاجسام فتعلق بها و انصبغ و تشكل فيها و تجزي فيها فصار لكل جزء منه ادراك غير ما للاخر و لايتأتي منه ما يتأتي من الاخر كالسمع فانه لايبصر و البصر فانه لايسمع و الحال ان فعل النفس من حيث الصدور من النفس له جامعية الادراك كالنفس الا انه بتنزله تغلظ حتي قبل التجزية فتجزي و تخصص باصباغ ابعاض البدن و هذه الاجزاء اي اجزاء الفعل للنفس قوي لها و سميت بالقوي في مقابله فعلية ادراك المدركات الجزئية فالبصر قوة للنفس يمكن ان يدرك به الالوان و الاشكال يعني فعل للنفس و ادراك لها مطلقا بالنسبة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 65 *»

الي الابصارات الجزئية يمكن ان يدرك بها كل مبصر و ليست هي قوة الادراك الاصوات بالقوة القريبة و كذلك فالقوة اشراق النفس المطلق المعد لادراك ما يوافقه و ذلك امر قد اشكل علي الجل و اخطأوا فيه كثيرا و قد كشفت لك النقاب و رفعت لك الحجاب من غير اطناب علي نهج الاشارة و الاطلاق فلنقيد الكلام بامر البصر خاصا .

فصل اعلم ان البصر هو اشراق النفس و كمالها الظاهر في هذا العضو الخاص المتخصص به المنصبغ المتشكل فيه به يدرك الانسان ما يناسبه من الاضواء و الالوان فالبدن بعد ما فطره الله في بطن امه و اجري له الغذاء من دم امه فورد من سرته الي معدته فانهضم و ذهب صافيه الي كبده فانهضم ثانيا و ذهب خلاصته التي هي الدم الاصفر الخالص و له جزء حرارة و جزء برودة و جزء يبوسة و جزاء رطوبة الي القلب و بخر هنا لك بخارا دخانيا صافيا عن شوب الاكدار حاكيا لما وراءه من النفس الحيوانية الفلكية اشتعل ذلك الدخان في قلبه بالحيوة الفلكية بواسطة سراج حيوة امه فصار حيا دراكا بادراك مطلق لايخص ببصر و لا سمع و لا شم و لا ذوق و لا لمس و لا بفعليات هذه القوي بل هو ابهام محض و صلوح خالص لادراك ما ينتهي اليه و يتحد به فصعد علي ابهامه الي الدماغ و جري في منافذه علي ابهامه الي ان وصل الي منبت العصبة الصليبية فجري ذلك الروح البخاري في جوفها و ثقبتها الي ان وصل الي الجليدية فجل هنالك فاذا بقارع باب و هو صورة‌ الضوء و اللون و قد وقعت علي الطبقة القرنية فصبغتها فصارت علي شكل المبصر فوقع منها شبح من ثقبة العنبية علي البيضية فصارت علي شكله ثم وقع منها شبح علي الجليدية فصارت علي شكله ثم وقع منها شبح علي الروح البخاري النافذ فيها الجاري في العصبة المتصلة بها فانصبغ بصبغه فلما انصبغ البخار الذي هو مركب الروح الباصرة بذلك الصبغ انصبغ بصبغه الروح الباصرة التي هي اشراق النفس الدراكة فيه فادركتها لانها دراكة بنفسها فوجدتها علي ما وجدتها و الروح الباصرة تجد الصورة مقترنة بالمادة واقعة عليها كما يأتي ان شاء الله فاذا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 66 *»

ادركت الصورة المادية انتزعت النفس الدراكة عنها صورة مجردة عن المادة فادركتها ثم انتزع عنها العقل معناها فادركه ثم انتزع الفؤاد حقيقته فادركها و لما كانت النفس دراكة مبهمة مطلقة و كانت قوة لادراك العلوم ليس لها علوم ممتازة خاصة الا بتأدية حواسها اليها كان اشراقها الفعلي ايضا مبهما فتعين اولا في العين بان صار قوة باصرة مبهمة في كونها باصرة و هي بمنزلة النوع من الجنس فلما انصبغت هذه القوة بصبغ مبصر خاص صارت شخصا من النوع و تعينت فترقي هذا الكمال الفعلي الي النفس فصارت عالمة بالشيء الخاص كما ترقي معناه الي العقل فصار عالما بالمعني الخاص و بذلك يحصل للعقل و النفس كمالات خاصة الاتري انه لو لم‌يكن لاحد بصر ليس يدرك معني الالوان و الاضواء و لا صورها مع ان له عقلا دراكا و نفسا دراكة فالحواس الظاهرة آلات و ادوات للنفس في ادراك الاشياء الخاصة فتدبر.

فصل ان الطبيعيين زعموا ان القوة الباصرة في موضع تلاقي العصبتين و استدلوا علي ذلك بادلة واهية منها انه لو كانت في العين لكان الواجب ان يدرك الانسان الشيء الواحد اثنين لان في كل عين شبحا و منها ان الاحول اذا تغير وضع عينه بالتواء العصبتين يري الواحد اثنين و انما ذلك لان العين الصحيحة تلقي الشبح علي موضع التلاقي فيصير الشبحان شبحا واحدا في المنظر فاذا التوي العصبة يتجاوز الشبح عن الشبح فيري اثنين و ذلك خطاء من رأيهم: اما الاول فلان الكتاب و السنة و العرف يشهد جميعها بان الدراك هو العين و العصبة و غير العين و اما الثاني فلان وجود الباصرة هناك لايكون سبب رؤية ما ادت اليه العينان واحدا فانك لو ثقبت حائطا ثقبتين موربتين يلتقي طرفا الخطين الخارجين عنهما عند الحائط الاخر بحيث لو وضعت سراجا من الخارج بازاء هذه و سراجا بازاء هذه وقع نورهما علي موضع واحد من الحائط المقابل ثم وضعت عينك عند تلك الزاوية فانك حينئذ ان نظرت الي هذه الثقبة لم‌تر هذه و ان نظرت الي هذه لم‌تر هذه و علي فرض ان تري الثنتين تراهما اثنتين و لا تريهما واحدا لان شبحهما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 67 *»

وقع في موضع واحد فالقوة الباصرة ان كانت في موضع الملتقي فان كانت ملتفة الي العين اليمني لم‌تر اليسري و كذا العكس و علي فرض توجهها الي الجهتين و لايمكن ذلك للانسان لانه ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه و لايمكن للنفس الواحدة توجهان تري حينئذ شيئين و ان وقع الشبحان في موضع واحد فان سطحي الشبحين غير متوازيين و نسبة الشيئين الي الشيء الواحد لاتكون علي السواء هذا و انا امنع كلية ان يكون الروح الانساني ينظر من عينين بل هو ابدا ناظر من عين واحدة و ان كانت الباصرة بنفسها تقبل التجزية في الجملة و كل احد كذلك و ان تعمد النظر بعينين رأي حينئذ الواحد اثنين اما الاول فلما ذكرنا من ان الروح لايمكنه النظر الي جهتين و انه احدي الجهة ابدا كما انك لو امعنت في الفكر لبطل حواسك الظاهرة و لو امعنت في السمع لغفلت عن العين و ما يري من الادراك بهما فانما الروح خفيف سريع الحركة فيتعاقب علي العضوين بسرعة اسرع ما يكون فيتوهم انه في آن واحد يدرك شيئين و ان اردت ان تعرف ان كل احد ينظر بعين فقف بازاء حائظ بحيث يكون خط نظرك عمودا علي سطحه ولكن عند طرفه وليكن وراء هذا الحائط حائط اعرض منه فانت حينئذ تري جزاء من الحائط الاخر مقارن طرف الحائط الاول فمران يعلموا عليه علامة و انت تري مسامته عينيك مع طرف الحائط الاول و تلك العلامة فاغمض حينئذ احدي عينيك فانك ان غمضت غير العين التي رأيت بها اول تري الوضع علي حاله فاغمض الاخري فانك اما لاتري العلامة مطلقا او تريها و قد انحرفت عن طرف الحائط الاول بكثير فاخبرني ايها العالم انك حين كنت مفتوح العينين و تري العلامة هل كنت تريها بعينين او بعين واحدة بل بعين واحدة و ان اردت اعتبار آخر فخذ لوحة دقيقة قدام عينك بحيث تكون طرفها اليك و خذها بحيث لاتري الا طرفها ثم اغمض احد عينيك فان لم‌يتغير المبصر فاغمض الاخري فانك تري احد السطحين لامحة و كذلك اصنع انبوبين وصل احد طرفيهما و اجعل فصل الطرفين الاخرين بقدر بعد العينين وضع الطرف المتصل علي المرئي و الطرفين الاخرين علي العينين و انظر هل تري شيئا الا من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 68 *»

احد الانبوبين فلو كنت تري بالعينين ما هو امام انفك لكنت تحس الشيء من الانبوبين و تري جوف الانبوبين معا و تدرك الوانهما و لو ضعيفا و الحال انك تجد نفسك تنظر الي الشيء من انبوب واحد و ان ادركتهما فمن تعمد و علي تعاقب و لذلك اعتبارات كثيرة و يكفي ما ذكرنا فالادراك ابدا بعين واحدة و اما الثاني فاعتبر له ان تأخذ قلما بازاء انفك بين عينيك قريبا منه و تعمد النظر اليه بعينين فانك تراه اثنين فاذ قد تبين ان الانسان يري دائما بعين واحدة لايحتاج الي القول بان الباصرة في الملتقي و لنا دليل بان الباصرة في الجليدية و هو ان الذي ينظر الي الشمس المنخسفة يقع في عينه شبح الخسوف فهو اذا نظر الي اي شيء يري قرصا منخسفا و ذلك مجرب بل ربما يبقي هذا المرض له الي آخر عمره فهذا الرجل اذا نظر الي الشمس بعين واحدة يحصل العلة له في تلك العين بعينها فاذا نظر الي شيء و عيناه مفتوحتان يري الخسوف دائما في جانب العين المؤفة و كذلك من يحدث في عينه خيالات فلايري الخيال الا في جانب المؤفة فلو كان الباصرة في الملتقي و لابد من ان يقع شبح العينين فيه احدهما علي الاخر لكان شبح المؤفة فيه مؤفا واقعا علي شبح غير المؤفة فبدت الافة علي كليهما و الباصرة هناك فلابد ايضا ان يدرك شبح عينه الصحيحة ايضا مؤفا و هو لايراه الا صحيحا بالجملة الروح الباصرة عند الجليدية و كلتاهما باصرتان بالقوة النفسانية التي فيهما و لايلزم من ذلك ان يري شيئا شيئين من غير تعمد لان روح الانسان دائما ينظر بعين و نراه اذا تعمد النظر بعينين يري شيئين و الروح الباصرة ايضا وحدانيتها من حيث نفسها اعظم من وحدانية روح ساير الحواس لشرافة مدركها و هي لكثرة الروحانية و الوحدانية المفارقة لاتقبل التجزية فهي ايضا وحدانية التوجه من حيث نفسها و من حيث التعلق توجهها الي عين اكثر من توجهها الي الاخري بل تعلقها ايضا فاني اري اغلب الناس احدي عينيهم دائما اقوي من الاخري و مع ذلك توجهها القوي حين الادراك الي عين واحدة بحيث تغفل عن الاخري نعم اذا تعمدت تقبل التجزية في الجملة و من اجل ذلك يمكن ان تري شيئين غير محققين فانها حينئذ تتجزي في الجملة كتجزي الاجسام و اما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 69 *»

الروح الانساني فانه لايتجزي و لايقدر علي التوجه الي العينين معا و ان تعمد الانسان ان ينظر بالعينين فان الروح لشدة تروحها تتعاقب عليهما بسرعة لاتحد في الزمان فتري شبحين و لكن في كل آن لاتري الا شبحا واحدا و لاجل شدة السرعة لايمكنها الا معان فيريهما ناقصين ضعيفين البتة و ما يحققهما.

فصل فاذ قد ابطلنا كون روح الباصرة في موضع الملتقي و اثبتنا كونها في الجليدية فلنبين سر رؤية الانسان الشيء الواحد واحدا اذا كان صحيحا و شيئين ان كان احول مفصلا اعلم انا قد اسلفنا ان النفس هي الدراكة و هي جوهرة وحدانية لاتقبل التجزية اذا كانت بصرافتها الملكوتية و اما اذا نزلت الي منتهي الناسوت الجسماني الطبيعي تجسمت حتي قبلت التجزية و اعتبر ذلك من انسان اذا قطع رأسه يموت في ساعته بكله لان نفسه اذا فارقت فارقت بكلها و لا قبلت التجزية كجسمه و اما الحشار و الحيات و الخنافس فانها اذا قطعت بنصفين يبقي كل قطعة منها حيا زمانا يعتد به و يمشي و يتحرك و ربما يطير بعض ذوات الاجنحة اذا قطع رأسه زمانا و انما ذلك لتجسم ارواحها و كونها برزخية و غلظة ارواحها البخارية التي هي مراكب نفوسها فالروح البخارية التي في بدن الانسان لها مراتب ادانيها اغلظ و اكثف و النفس المتعلقة بها اغلظ و اكثف حتي انها تقبل التجزية في الجملة و اعاليها الطف و ارق و النفس المتعلقة بها الطف و ارق بحيث لاتتجزي و لا شك ان الحيوان في اول تكونه روحه اغلظ و اكثف و يتلطف شيئا بعد شيء و لاجل ذلك اول ما يظهر من القوي في الحيوان اللامسة و هي اغلظ القوي و اشدها جسمانية و تجزيا و لايفقدها حيوان برزخي او غير برزخي و بها قوام وجوده بها يدفع عن نفسه المضار و يجلب لها المنافع و من غلظتها انها لاتحس الا بالاقتران و الالتصاق بالمحسوس فهي لغلظتها تتجزي كما تري ان البرد الذي تحسه بيمناك غير البرد الذي تحسه بيسراك او تحس بيمناك البرد و بيسراك الحر ثم بعد ذلك في الغلظة الذائقة و هي الطف من اللامسة الا ان فيها ايضا غلظة بها تقبل التجزية و محسوسها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 70 *»

الاراضي المنحلة السائلة و هي الطف من الجامدة الجاسية و قل ما يفقدها الحيوان و بها يدرك ما يناسبه من الغذاء و يضره و بعدها الشامة و هي الطف من الذائقة و محسوسها المياه المتبخرة و قبولها التجزية اقل من التي قبلها و قل ما يفقدها الحيوان و كثير منها لهم الشامة القوية بها تهرب عما يضرها و تقرب مما ينفعها اذا لم‌تكن لها اعين قوية باصرة و آذان سامعة تدرك الاشياء من البعيد كالنمل و الطف منها السمع الذي محسوسه حركات و اصوات تحملها الاهوية و هو ابعد قوة مما مر عن التجزية ولكن قد يقبل التجزية قليلا اذا جاءه صوتان مختلفان من جهتين و الطف من الجميع البصر و محسوسه الاضواء و الالوان المثالية التي عرصتها في اللطافة فوق محدد الجهات الا انها مرتبطة بالمواد فهو لايقبل التجزية بسهولة و النفس من وراء هذه القوي هي المدركة و هي لاتقبل التجزية بوجه و اما القوي فمن حيث ان مركبها الروح البخاري و هو قابل للتجزية تقبل التجزية علي اختلاف كما مر و اما من حيث انها اشراق النفس فلاتقبل التجزية فهي مركبة من اشراق النفس و من الروح البخاري و ما يكون الروح البخاري فيه اغلب اللامسة و اضعفه الباصرة ففي الباصرة جهة الاشراق اغلب و الروح البخاري اضعف و في اللامسة بعكس ذلك و ما بين ذلك بين بين علي ترتيب ذكرناه و يختلف اتحاد محسوساتها علي حسب اختلافها في التوحد و التجزي فالروح الباصرة التي هي روح العين هي دراكة المبصر لا طبقات العين و لا الروح البخاري و هي من حيث الاعلي وحدانية مع كونها في مكانين اي في العينين و لايجزيها الامكنة كما هو شأن المجردات فلايجزي روح الباصرة تعدد العينين و هي في كلتيهما و لاتثني فتدرك بوحدتها ادراكا واحدا و ان كانت العينان اثنتين و الشبح الواقع فيهما اثنين اللهم الا من حيث الاسفل و التعلق فاذا نزلت بالتعلق و تجسمت تقبل التجزية في الجملة و يمكن ان تري شيئين غير محققين من حيث هي ولكن نفس الانسان احدية التعلق و التوجه و توجهها الي عين واحدة يمنع الباصرة عن ادراكين لانها شعاعها و نورها نعم تتعاقب علي الاشياء بسرعة و هذا المطلب لايعقله اصحاب التعاليم اذ يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا و يريدون ان يفهموا جميع المسائل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 71 *»

بالمقادير و المهندسات فلاتنقاد لهم الاتري ان الله سبحانه في كل مكان و لايتعدد بتعدد الامكنة و لايشغله شأن عن شأن و ان قلت ان الدراك من ساير الحواس ايضا هو النفس فلم‌تقبل فيها التجزية قلت قد اسفلت لك ان القوي مركبة من اشراق النفس و الروح البخاري و يكون للمولود منهما حكم الغالب فاذا غلب الروح البخاري يقبل التجزية لاجل الغالب في كينونته فافهم و هذا هو السر من جهة نفس الحاسة ولكن من جهة الالة فقد يختلف الحكم كما قد يختلف من جهة المحسوس الاتري ان اذنيك اذا كانت احديهما ثقيلة في الجملة و احديهما واعية ذكية و كلمك احد تجد صوتين لان ما يطرق روحك من اذنك الثقيلة غير ما يطرق روحك من اذنك الذكية و لو دق عندك مطرقتان متساويتان في الوزن و الصلابة بقوتين متساويتين علي طستين متساويين بقرب واحد منك في آن واحد لاتحس الا بصوت واحد و ان اختلف شيء من ذلك تجد صوتين البتة و كذلك لو كان عندك لوح نقي اللون حديد الطرف و من وراءه لوح آخر بصفته و طرف الاقرب بازاء وسط الابعد و اخذا علي بعد مقتدر منك فانك لاتكاد تميز تعددهما للمشاكلة و التسوية و اذا كان فيهما اختلاف تميز تعددهما و كذلك العينان اذا ادتا الي الروح شبحين متشاكلين متساويين في كل شيء في آن واحد يدركهما الروح واحدا و ان اختلف تأديتهما اليه و خالفت احديهما الاخري في جهة او لون او ضوء او غير ذلك ادرك الروح فيهما التعدد و ذلك ان الادراك و ان كان بالنفس الا انه علي حسب اداء المشاعر اليها كما بينا فاذا تعدد اداء المشاعر اليها لابد و ان تدركه علي ما ادت و الا كذبت في احساسها نعم ان النفس لوحدتها لايمكن ان تدرك شيئين في آن واحد بتوجه واحد فانها واحدة و واحدي التوجه و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه لكنها لتجردها سريع التعاقب علي الاشياء بحيث لايدرك تعاقبها الحواس الظاهرة فتتوجه الي شيء ثم باسرع ما يكون تتوجه الي غيره بحيث يزعم الجاهل وحدة التوجهين و ليس كذلك بل هما توجهان متعددان فادراك النفس لمبصرين او مسموعين او مشمومين او مذوقين او ملموسين بتوجهين لامحة بل اقول ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 72 *»

النفس اذا امعنت التوجه الي البصر غفلت عن الاذن و لم‌تسمع و اذا امعنت التوجه الي الاذن غفلت عن الرؤية و ربما يتوجه الانسان الي الحواس الباطنة فيتعطل الحواس الظاهرة فربما تناديه و لايسمع و تمر من بين يديه و لايريك كل ذلك لاجل وحدة التوجه منها و ما يري من درك شيئين منها فانما هو من سرعة تعاقبها علي الاشياء فالاحول لما اصاب عصبة احدي عينيه تشنج و التواء تغير حال الشبح فيها عما عليه الاخر كما تري من مرآتين مختلفتي الوضع فان شبح شيء واحد فيهما يكون علي اختلاف فاذا اختلف وصف الشبح فيهما ظهر تعددهما للنفس فادركتهما متعددين بتوجهين متعاقبين في اسرع ما يكون و نفس الانسان شديد التعلق بالعضو المريض المؤف فلاتزال تتعاقب عليهما لاجل اختلافهما عن الحال الطبيعي و من اجل سرعة التعاقب لاتقدر علي تحقيقهما مثل ما اذا نظرت بعين واحدة و لو اعتدلتا حكتا لها ايضا شبحين لكن علي وضع واحد في مكان و جهة واحدة بمقدار واحد في آن واحد فادرك النفس الوحدانية من ايها توجهت شيئا واحدا و ان تعاقبت عليهما تري شيئين كالاحول هذا اذا سامحنا في المسئلة و الا فلايمكن ان يقع في العينين شبح سطح واحد من جزء واحد من المبصر بل كل عين يقع فيه شبح سطح من سطوح جزء من المبصر لما نبينه بعد ذلك ان شبح كل سطح لايمر الا علي استقامة و هذا هو سر تعدد رؤية الاحول الشيء شيئين و كذلك لو غمضت باصبعك تحت عين حتي ترتفع عن موضعها فانك تري الشيء شيئين لاختلاف تأدية الحاسة الي الروح و ادراكه لها علي ما ادت علي نحو التعاقب بل اقول لو امعن الاحول النظر الي احد الشبحين الذي يراه من شيء لما رأي الاخر البتة فان النفس واحدية التوجه لوحدتها بتجردها فافهم راشدا موفقا و اعرف الرجال بالمقال لا المقال بالرجال و لو عرفت ما نذكره هنا اقتدرت علي رد جميع ما يقولون بخلاف ذلك و لسنا بصدد ذكر الاقوال و تزييف الباطل منها فان العمر اقصر من ذلك و لي شئون شتي في علوم شتي و لست بذي فن واحد اصرف عمري فيه و يأتي لادراك العين ان شاء الله تفصيل في المقالة الاولي يتم به الكلام.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 73 *»

المطلب الثاني

و اذ قد عرفت صفة تركيب العين و حقيقة الباصرة فحري بنا ان نذكر في هذا المطلب صفة الاضواء و حقيقتها فالانسان ما لم‌يدرك بسايط مطلوبه لم‌يدرك حالة التركيب كما انه ما لم‌يتصور الموضوع و المحمول ببساطتهما لم‌يدرك التصديق بنسبة الاقتران بينهما ففي هذا المطلب ايضا فصول.

فصل في حقيقة الضوء و مبدئه اعلم ان الله سبحانه احد لا يتناهي الي شيء من خلقه فهو حيث هو ليس معه شيء سواء علي معني الامتناع فلا ظهور لشيء سواه اذ لا سواه و قد خفي لشدة ظهوره و استتر لعظم نوره و في الدعاء أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيبا الدعاء فلا ظاهر الا هو و لا ظهور لشيء سواه و انما ذلك لاجل احديته و عدم تناهيه سبحانه الي شيء سواه و لاشيء سواه مع جل شأنه و اعظم ظهور له سبحانه و تجل مشيته النافذة في جميع اقطار الامكان و الاكوان و الاعيان بحيث قد طوت جميع الاشياء فلا ذكر لشيء سواها معها حيث هي علي معني النفي و العدم فهي ظهور الاحد المشرق و ضياؤه المتألق فهي ظهور لا خفاء فيه و نور لا ظلمة فيه لانها نفذت في جميع امكنة وجودية الامكانات و الاكوان و الاعيان و الجواهر و الاعراض و الاشباح كائنة ما كانت بالغة ما بلغت و ما فيها من الانية اللازمة لما سوي الاحد نفيية فانها وجود بشرط لا بخلاف الاحد فانه وجود لا بشرط فليس لها انية تحدها و ظلمة تحجبها فهي ظهور صرف و ضياء محض ثم ان آثارها المخلوقة بها لها جهتان جهة صدور منها و حكاية لها و جهة من حيث انفسها و هي وجودية بخلاف المشية فان جهة نفسها عدمية نفيية و لما كانت لاثارها مراتب عديدة صار كليات مراتبها ثلثة فمنها ما الغالب عليه جهة المشية اي الواحدية الاطلاقية و انيته اشبه بانيتها العدمية فلاتحجب جهة انيته جهته الي المشية فهو ظاهر بنفسه كالمشية مظهر لغيره

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 74 *»

بفضل ما فيه من صفة طي المشية و نفوذها في غيرها و ليس يحتاج في ظهوره في مقام الاثار الي مظهر له منها و منها ما انيته تكافؤ جهته الي المشية و ليست بانقص من لطيفته التي هي جهته الي المشية فمثل ذلك ظاهر في نفسه لكنه غير مظهر لغيره لان انيته تمنع جهته الاخري عن النفوذ في غيره و الطي له فهو ظهوره بنفسه لايحتاج الي شيء مما في عرضه ولكنه في اظهاره يحتاج  الي فضل من القسم الاول و منها ما انيته كثيفة غليظة حاجبة لجهته الاخري تمنعها عن الظهور بنفسها فهو حينئذ ظلماني محجوب عن غيره ليس بطا لغيره و لا ظاهر بنفسه فهو في كلا ذين يحتاج الي الغير حتي يكمل ما فيه من جهة المشية حتي يظهر و يظهر و ذلك سر سار في جميع الكمالات و الخيرات فهو باب يفتح منه الف باب خذه اليك و اغتنم فانه نور مقتبس من مشكوة النبوة و الولاية فالضوء في كل ضيء من غلبة جهة المبدء عليه و رقة حجاب الانية فكلما تصير جهة المبدء في الشيء اغلب و جهة الانية ارق و الطف يكون اضوء و كلما يبعد عن ذلك المقام يكون اقل ضوءا فافهمه راشدا موفقا و ان اردت زيادة البيان في ذلك فعليك بساير كتبنا المبسوطة.

فصل اعلم ان الحواس للانسان تختلف في الكثافة و اللطافة و كلما يزداد لطافة الحاسة تكون اوسع و ابعد اطرافا و اقصي نهاية و اشد ادراكا لمحسوس هو ابعد عن الحدود و النهايات و كلما تكون اشد كثافة و اكثر غلظة تكون اضيق و اقرب اطرافا و ادني نهاية و اضعف ادراكا لمحسوس بعيد عن حدودها و نهاياتها فلاجل ذلك كل حاسة يدرك ما يشاكله في السعة و الضيق و اللطافة و الكثافة فاذا كان شيء قصي الغايات بعيد النهايات و كانت الحاسة اضيق منه و اكثف تعجز عن دركه و تمييزه عن غيره فيخفي عليها لعجزها عن ادراكها لا لخفائه كما قيل * قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * فخفاء الرب جل شأنه عن الابصار لعدم تناهيه سبحانه علي معني امتناع النهاية فيه و احديته و تناهي الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و قوله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 75 *»

اللطيف هو علة عدم درك الابصار له جل شأنه و كذلك خفيت المشية عن درك الابصار لان النهاية فيها معدومة منفية فلا نهاية لها نافذة في جميع اقطار الوجود فلا شيء سواها حيث هي تمييز عن غيرها و الابصار متناهية محدودة فخفيت لعظم نورها و استترت لشدة ظهورها فخفاؤها عن الابصار لاجل عجز الابصار لا لنقص لطيفتها و كذلك يعجز كل دان عن ادراك كل عال لعجزه عن دركه و عدم تناهي العالي بنهايات الداني فلايدرك المشاعر الشهادية الحقايق الغيبية لاجل ذلك فالظهور ظهوران ظهور لنفس الشيء من فرط البساطة و بعد الغايات و ان خفي عن حاسة محدودة و ظهور للحاسة المحدودة فذلك من جهة غلبة الكثافة حتي يصاقع الحاسة المحدودة و ذلك حقيقة خفاء بالنسبة الي الظهور الاول فكلما يقرب غايات الشيء و يدنو نهاياته و يضيق اطرافه يحسبه الحاسة المحدودة اظهر و اوضح فانها تقدر علي احساس اطرافه و تمييزه عن غيره فافهم.

فصل اعلم ان الله سبحانه احد لايتناهي الي شيء من خلقه و جميع خلقه سبحانه في رتبة الخلق كماله و تجليه و ظهوره لا يخفي عليه شيء منها فهي بذواتها و صفاتها و آثارها ظاهرة عنده سبحانه بنفسها لايخص الظهور له بشيء منها دون شيء لانه احد متعال عن الكل و اما ما سويه سبحانه فعلي قسمين قسم منها محدود بنفي النهاية و الغاية كما عرفت و هو المشية و قسم منها محدود بوجود نهاية و غاية و هو ساير الوجودات الحادثة بالمشية فالقسم الاول لايخفي عليه خافية من الامكانات و الاكوان لانها كلها مخلوقة به و هو العلم المكنون المخزون عنده الذي لايعزب عنه مثقال ذرة في السماوات و الارض و القسم الثاني يخفي عليه كلما هو وراء نهاياته و ان يطلع علي ما هو تحت حده و هذا القسم يختلف علمه بالاشياء لان له مراتب عديدة فلكما كان اقرب الي المبدء يكون اشبه به و اوسع علما و الظاهر لديه من الاشياء اقل ثم ان الله سبحانه خلق الانسان و له مراتب عديدة من مبدئه الي منتهاه فمبدؤه اشبه مراتبه بالمشية من حيث البساطة و التوحد و كلما يبعد عن المبدء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 76 *»

يكون اقل شبها و اشد تكثرا فيكون ظهور الاشياء لا علي مراتبه ظهورا وحدانيا اجماليا اطلاقيا ابهاميا اذ ليست الاشياء حيث هو الا هكذا و كلما ينزل نازلا يتكثر و تتكثر الاشياء فيصير ظهورها له ظهورا متمايزا متكثرا الي ان يصل الي غاية البعد عن المبدء و تصل الاشياء الي غاية الكثرة فتظهر له بتكثرها الا انها يظهر كل نوع منها لجزء مشاكل لها منه لان الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها فالاشياء ظاهرة للفؤاد علي نحو التجرد عن الكلية و الجزئية و التميز و يريها كلها حقيقة بسيطة واحدة و هي ظاهرة للعقل معني كليا مجردا عن الصور الجزئية فهي كلها عنده كلمة واحدة معنوية كلية و هي ظاهرة لنفسه بصورة مجردة عن المادة الزمانية و مدتها الا ان الاشياء لديها علي نحو الجزئية لكن مع المشاكلة في النوع كالمبصرات المختلفة للعين و هي ظاهرة للمثال بصورها الجزئية المختلفة المقترنة بالمواد البرزخية علي ما سيأتي و كذا هي ظاهرة للجسم بصورها الجزئية المختلفة المقترنة بالمواد الزمانية و لما كان المثال و الجسم متكثرين مجزيين ظهر كل شيء من المحسوسات الزمانية الجسمانية و البرزخية المثالية لجزء منهما فانه قد تفصل في اجزاءهما ادراك النفس الوحداني و اختص كل جزء منهما بادراك شيء خاص بخلاف النفس فانها جوهرة واحدة دراكة تدرك كل ما يحضرها من اي موجود كان فلاجل ذلك اختص ظهور النسب الاقترانية الفكرية بمقدم البطن الاول من الدماغ علي الاصح و الصور الجزئية المخصوصة بمؤخر البطن الاول منه و المعاني الجزئية المقترنة بالصور بمؤخر البطن الاوسط و العلوم المجردة عن المواد الزمانية بمقدم البطن الاخر و المعاني الجزئية المجردة بمؤخر البطن الاخر و كذلك في الظاهر اختص ظهور الاضواء و الالوان بالعين و الاصوات بالاذن و الروايح بالانف و الطعوم بالفم و الملموسات بالاعضاء و المدرك من جميع تلك الالات هو النفس لاتخص بشيء دون شيء بخلاف الاعضاء فان كل عضو يخص بشيء دون شيء و انما ذلك لانها تنزل النفس و قد تفصلت فيها و تجزت و تعينت فاختص و كذلك الاشياء قد نزلت معها علي حسبها فتفصلت علي حسبها فصار يدرك كل عضو ما يشاكله منها فبذلك تعددت المشاعر السفلية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 77 *»

وتعينت ادراكاتها بمدركات خاصة فاحفظها فانها لطيفة.

فصل فاذ قد عرفت مما بينا ان الاشياء علي ثلثة اقسام منها ما لطيفته اكثر من انيته و منها ما لطيفته تساوي انيته و منها ما لطيفته اقل من انيته فالاول يكون ظاهرا في نفسه مظهرا لغيره و الثاني ظاهرا في نفسه غير مظهر لغيره و الثالث ليس بظاهر في نفسه و لا مظهر لغيره علمت ان لا كل شيء يظهر لكل حس مجانس فان الادراك حدث بين فاعل و قابل فان كان الفاعل لا نقص فيه يختلف القابل بحسب الظهور و الخفاء و ان كان القابل قابلا لا نقص فيه يختلف الفاعل بحسب القوة و الضعف و ما لم‌يرتفع المانع عن الفاعل و القابل و لم‌يحصل الشروط لايحصل الادراك البتة فاذا قوي الفاعل و القابل و ارتفع الحاجب بينهما من جسم او غير جسم وقع الادراك فان المدرك هو النفس التي هي اثر مشية الله التي لايعزب عنها شيء و كثر شباهتها بها بقوتها و زال المانع فلايفوتها الادراك البتة.

فصل قد عرفت مما تقدم ان الظهور كله لله سبحانه لكن ظهوره من حيث انه ظهوره احدي فليس الله سبحانه بظاهر بالسمائية و الارضية و الزيدية و العمروية نعوذبالله فان هذا هو ظهور المادة فيها بها و قد خبط القوم خبط عشواء حيث زعموا انه سبحانه كالماء و الخلق كالامواج اذ هو الكفر الصراح و يلزمهم ان يقولوا ان الله سبحانه يأكل و يشرب و ينكح و يلد و يزني و يكون طيبا و قاذورا و مؤمنا و كافرا و نعوذبالله و بقدسه عزوجل من هذه المزخرفات فظهوره سبحانه ظهور احدي لاتكثر فيه بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث فاذا لم‌يطلع عليه احد سواه اذ لا سواه و هذا هو الظهور الكينوني له سبحانه ثم ظهر بمشيته و هو الظهور بالواحدية و نفي السوي معها فلاظهور ايضا لشيء معها و هي الظهور و كل الظهور و تمام الظهور و قد خبط ضرار و اصحابه حيث زعموا ان المشية هي المشاءات و لزمهم تلك المنكرات بل هي حيث زعموا ان المشية هي المشاءات و لزمهم تلك المنكرات بل هي حيث هي جميع ما سويها منفي معها ثم ان آثارها كلما تقرب منها تكون اشد ظهورا و كلما تبعد عنها تكون اشد خفاء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 78 *»

و ذلك سر سار في جميع الاشياء و لايخص الظهور بالظهور للعين بل لكل حاسة ظاهرة‌ او باطنة ثم ان من الاشياء الالوان و هي ايضا بمشية الله سبحانه لها مبدء و منتهي فكلما يقرب اللون من مبدئه يزداد ظهورا و انبساطا و كلما يبعد يقل ظهوره و يكثر خفاؤه حتي انه يصل الي حد يكاد يخفي عن نفسه فضلا عن غيره فكليات مراتبه ثلث الاولي مقام غاية قربه من المبدء فيكون في ذلك المقام ظاهرا في نفسه للعين مظهرا لغيره و هو في هذا المقام هو الضوء الذي قد تحير الاوهام في دركه و الثانية اذا بعد عن ذلك المقام بدرجة فيكون في ذلك المقام ظاهرا في نفسه غير مظهر لغيره كلون الجمرة و نورها و الثالثة اذا بعد بدرجة يصل الي مقام يكون غير ظاهر في نفسه و لا مظهر لغيره و انما يحتاج في ظهوره الي نور من غيره كساير الالوان و هذا هو حقيقة الضوء و النور و اللون فالضوء صار اسما للاعلي و الاوسط في الاصطلاح و اللون صار اسما للادني و لا مشاحة في الاصطلاح و الشاهد علي ذلك انك لاتجد ضوء في غير لون فهو اما ابيض مشرق او احمر مشرق او اخضر مشرق او اصفر مشرق او غير ذلك حتي انه قد ورد في حديث تربيع العرش نور ابيض و نور اصفر و نور اخضر و نور احمر لايقال ان قولهم عليهم السلام يدل علي ان النور غير اللون اذا اتصف به اقول كذلك يقال لون ابيض و لون اصفر و احمر و اخضر و لايفيد تعددا فانا لانشك ان الالوان تجتمع تحت نوع اللون كما ان زيدا و عمرا و بكرا تجتمع في الانسانية و تقول انسان طويل و عريض و ابيض و اسود و لاشك ان كل فرد مركب من ظهور الانسان مع صورة شخصية و كذلك اللون هو نوع هذا الكيف و الاحمر و الاصفر افراده و انا اقول ان الضوء و اللون من جنس واحد ولكن الضوء نوعه الاعلي و اللون نوعه الاسفل بحسب الاصطلاح الاتري ان نحو حمرة الاضواء غير نحو حمرة الالوان و هكذا ساير الوانه حتي انه اشتبه علي بعضهم الامر و لم‌يقل في الضوء بلون و لون الضوء مشاهد محسوس الاتري بياض القمر و صفرة الشمس و صفرة لون السراج حتي ان اهل الدك و الحيل يحتالون حيلا من تغيير الدهن و الفتيلة حتي انهم يصبغون الشعلة باصباغ الم ترحين يذاب النحاس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 79 *»

كيف يرتفع عنه شعلات خضر و حمر و صفر و غير ذلك و هي شعلات ضيئة‌هذا و مثال المبدء في نفسه و ان كان ظاهرا الا انه ليس بظاهر للعين لتعريه عن الحدود و لايظهر لهما الا في هوية اللون و لايكون ضوء ظاهرا الا في تلك الهوية فلاضوء الا الهوية المستشرقة به فانها الظاهرة و المثال بنفسه ليس بضوء اذ ليس بظاهر للعين و تلك الهوية هي اللون فاللون البراق اللطيف النافذ هو الضوء لا غير فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الضوء كيف من جنس كيف اللون و لذلك يقع التفاعل بينهما فيصبغ اللون الضوء و يضيء الضوء اللون و لو كانا من جنسين لما كان يقع التفاعل بينهما كما انه لايصير الضوء حلوا و حامضا و طيبا و نتنا و اما الحرارة و البرودة المحسوسة من ضوء الشمس و القمر فهما كيفيتان خارجتان عن معني الضوء نازلتان منهما كحرارة النار و برودة الثلج و حسبك دليلا ان الضوء لولم‌يكن من جنس اللون لما ادرك بالبصر المدرك لللون و انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظايرها و ما لم‌يكن المدرك من جنس المدرك لم‌يكن يمكن الادراك كما حقق في محله.

فصل اعلم ان الضوء كما عرفت من جنس اللون الا انه من اعلي مراتب اللون و اللون منه غاسق كثيف لكثافة المادة المقترنة به و منه شفاف لطيف لشفافية المادة و لطافتها فلايدرك بالعين لانه غير حاجب لما وراءه و منه بين ذلك لانه تابع للمادة المعروضة له فليس ان الاجسام المشفة لا لون لها بل لها لون لكنه لعدم حجبه ما وراءه ليس يحس بالبصر كما سنحقق ان شاءالله من ان الجسم لايكون بغير لون و من الالوان ما له صقالة لتشاكل اجزائه و منه ما له كدورة لعدم تشاكل اجزائه علي حسب معروضه كما تري من ان الجسم كلما يكون اشد صقالة يكون لونه اشد لمعانا عند استكماله في الظهور بالاضواء و كلما يكون اشد كدورة يكون اقل لمعانا كما هو محسوس حتي انه ربما يبلغ في الصقالة مبلغا يمنع البصر عن النظر اليه لشدة بريقه و لمعانه و انما كل ذلك لاجل ان لكل جزء من الجسم لونا فمهما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 80 *»

تشاكلت الوانها ايضا و صارت اشد بريقا عند الاستكمال بالاضواء حتي انه كلما يصير الدهن اشد تشاكلا في الاجزاء و الطف و اصفي يكون الشعلة الحاصلة منه اشد بريقا و لمعانا و كلما يكون اكثف تكون اقل لمعانا و ذلك هو سبب لمعان الشعلة و عدم لمعان الجمرة ضرورة ان الدخان اصفي و الطف من الفحمة و اكثر تشاكلا في الاجزاء و الشيء اما يكون الضوء المكمل له من نفسه و هو لطيفته الغيبية التي هي احد اجزاء تركيبه و اما يكون من الخارج فالذي من نفسه فهو كالشعلة و الجمرة اللتين ناريتهما احد اجزائهما و من نفسهما و الذي من الخارج كضوء السراج الواقع علي الحائط و علي اي حال اذا كان الجسم صقيلا لطيفا و كان لونه بذلك صقيلا لطيفا يكون الضوء الحاصل له من نفسه او من الخارج اظهر و اضوء و اذا كان كثيفا يكون الضوء الحاصل له اكثف و لولا ان الضوء هو اللون لما تفاوت درجاته بتفاوت درجات اللون و قد عرفت ان الضوء هو ما يظهر للعين و لايظهر للعين الا اللون البراق اعتبر ذلك من مرآة قابلت بها السراج و لبنة فانك تري بريق المرآة اكثر و كذلك الدخان و الفحمة فان الدخان كالمرآة صفاء و الفحمة كاللبنة كدورة ثم ان صقالة‌ اللون قد تبلغ مبلغا يخفي فيه عن البصر لانه يكون اكثر براءة من الحدود و النهايات و العين محدودة متناهية فاذا صار الحال كذلك يصير الضوء الحاصل له من نفسه او من الخارج غير محسوس للبصر مع انه ضوء في الواقع كما ان الضوء الواقع في الهواء الخالي عن الاغبرة و الاكدار لايحس و من ذلك زرقة السماء بل سوادها فان فضاء الجو خال عن الاغبرة و هو مشف و لونه ايضا مشف فاذا وقع نور الشمس فيه لم‌يظهر للبصر فيري ظلمة و اذا بلغ الضوء الهواء الذي فيه الاغبرة ظهر له قليل لون كما يري في عمود النور الواقع من الكوة في البيت المظلم و ذلك اللون صفرة رقيقة و هو واقع بين النظر و سواد الجو الاعلي فيري لون مركب من تلك الصفرة الرقيقة و ساد الجو فيحدث هذا اللون الاخضر الاسمانجوني و لذلك توصف السماء بالخضرة كما في الحديث النبوي ما اقلت الغبراء و ما اظلت الخضراء علي ذي لهجة اصدق من ابي ذر و لاجل ذلك ليس سواد الجو الا من عدم ظهور النور و الا فما لم‌يتجاوز نور الشمس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 81 *»

ذلك الفضاء لم‌يصل الي الارض فالضوء موجود في الجو ولكن لكثرة شفافته و عدم كثافة في الجو مكثفة له مغلظة لايري و كلما تسمع من القوم خلاف ذلك فهو باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و لو ذكرنا اقوالهم و اشتغلنا بردهم لطال بنا الكلام من غير طائل و لو احطت خبرا باطراف كلماتنا ثم نظرت الي اقوالهم عرفت بطلان ما يقولون من غير ذلك و قدرت علي ردهم البتة فكل ضوء في نفسه خفي عن الابصار لانه من غلبة اللطيفة و جهة الرب فيه و هو كثير التقدس عن الحدود و هو يري بواسطة تكثفه في بطون الاجسام الكثيفة و لاجل ذلك يري ضوء الشمس لان ضوءها تكثف في تراكم جرمها و يعتبر تراكم جرمها من بقية قرص القمر اذا كان بعضه مستضيئا و لايري ضوء الكرسي مع انه اقوي من ضوء جرم الشمس بسبعين درجة و لايري ضوء العرش مع انه اقوي من ضوء  الكرسي بسبعين درجة كما روي عنهم عليهم السلام و كذلك ضوء الشمس اذا انفصل منها بل ضوء كل ضيء لطيف لايري الا ان يقع علي كثيف و يتكثف في بطنه فيري حينئذ لانه يتحدد و يتناهي فيظهر للعين المتناهية و الا فالضوء في نفسه اشد ظهورا حين عدم اقترانه بكثيف من حين اقترانه البتة و الضوء المبصر المعروف هو اللون الكثيف المستشرق.

فصل اعلم ان القوم قد تحيروا في امر الضوء و لم‌ار من احد علما بحقيقته و لا باسبابه الطبيعية و قد ذكرنا سابقا امر حقيقته بلسان الحكمة الالهية و نريد الان و لا قوة الا بالله ان نذكر اسباه الطبيعية لتكون علي بصيرة بظاهره و خافيه و تعلم جميع ما فيه اتعلم ان كل مركب مربع الكيفية في اي رتبة كان فالمركبات الغيبية مركبة من كيفيات غيبية و المركبات الشهادية مركبة من كيفيات شهادية و انا اذا ذكرنا كيفية تركيب المركبات الشهادية تعرف منها كيفية تركيب المركبات الغيبية اذ ما تري في خلق الرحمان من تفاوت و العبودية جوهرة كنهها الربوبية و قد علم اولوالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا فنقول ان كل مركب في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 82 *»

عالم الشهادة مركب من كيفيات اربع فان كان المركب من بسايط هذا العالم كان كيفياته كيفيات جوهرية دهرية يعني هو مركب من نار جوهرية و هواء و ماء و تراب جوهرية فالنار الجوهرية هي صرف الحرارة و اليبوسة اللتين لم‌تركبا من ساير الكيفيات التي في عرضها و ان كانت موجودة اذا قيست بالنسبة الي الاعلي كانت مركبة من كيفيات هي اعلي رتبة منها فان الله سبحانه لم‌يخلق شيئا فردا قائما بذاته للذي اراد من الدلالة عليه و كل اثر يصدر من فعل مؤثره في اربع كيفيات كما حققناه في ساير كتبنا الفلسفية و الحكمية فبسايط هذا العالم مركبة من كيفيات جوهرية‌ بالنسبة الي ما دونها و اما مركبات هذا العالم فهي مركبة من نار و هواء و ماء و تراب باتفاق العقلاء علي اختلاف في الموازين الكمية و الكيفية فيها فمنها ما الغالب عليها النار و منها ما الغالب عليها الهواء و منها ما الغالب عليها الماء او التراب و من البديهيات ان النار ارق و الطف و اصفي من الباقي ثم الهواء ثم الماء و ادون من الكل و اكثف و اغلظ التراب و لهذه العناصر مقامان احدهما مقام العناصر الصرفة الخالصة البسيطة و ثانيهما مقام العناصر المركبة فالعناصر المحسوسة هي العناصر المركبة و هي بمنزلة الجمادات المركبة و في كل عنصر منها باقي العناصر موجودة و لاجل ذلك يستحيل كل عنصر الي كل عنصر بالبداهة فهي اصول ثانية لمواليد هذا العالم و العناصر الاولة هي الاصول الاولية بالنسبة الي هذه العناصر و تلك الاصول الاولية هي ايضا مركبة من العناصر الجوهرية و تلك الجواهر هي الاسطقسات الحقيقية لمجموع هذه العناصر و الفلكيات معا فالمواليد الظاهرة التامة قد تركبت من هذه العناصر الثانية و الغالب عليها التراب فلاجل ذلك صارت مشهودة محسوسة و اما ساير المركبات الغير التامة فقد يكون الغالب عليها غير التراب كما هو مشهود في الادخنة و الابخرة و غيرها و لاينافي غلبة التراب الظاهر مع ان مزاجه بارد يابس كون مركب حارا يابسا فان حقيقة هذه الامزجة في المركبات نسبية فان الفلفل في تركيبه الغالب التراب و كذا البنفسج الا انه يقال ان الفلفل حار يابس اي فيه من النارية البسيطة اكثر مما في البنفسج و البنفسج بارد رطب اي الغالب عليه بالنسبة الي الفلفل المائية البسيطة و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 83 *»

الا فالغالب عليهما معا التراب الظاهر و لو كان الغالب علي اجزاء الفلفل في نفسه النارية لكان يصعد الي حيزها و لو كان الغالب علي البنفسج المائية لكان يسيل فالغالب علي كليهما الترابية المشهودة و ناريتهما و مائيتهما نسبية كما عرفت فاذا ورد الفلفل البدن الذي ليس ناريته بمقدار الفلفل سخنه و اذا ورد البنفسج البدن الذي ليس مائيته بمقداره برده فجميع امزجة هذه المركبات نسبية و الغالب عليها في انفسها التراب المحسوس و لاجل ذلك صارت كلها محسوسة و هذا التراب قابل للصفاء و اللطافة فان اصل التراب البسيط لطيف لايري و كلما يصفي هذا التراب عن الاعراض الحاصلة له يقرب منه و يصفي و يصير قريبا من ان لايري كالبلور و الالماس و امثالهما فاذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان النار اشد تشاكلا في الاجزاء او ارق و الطف و اصفي و الصق اجزاء بعضها ببعض و ليس كما يظن ان الاجسام الرقيقة اشد تخلخلا فان التخلخل ان كان المراد به ان ما بين اجزائه خلل خالية عن جسم فذلك باطل فان كان ما بين اجزائه جسم رقيق ايضا فما المراد بالتخلخل و كيف يكون الجسم متخلخلا نعم يمكن التخلخل في المركب من هذه العناصر فيكون ما بين خللها و مساماتها جسم آخر كالاسفنج مثلا فان في ثقبها الهواء مثلا و اما البسايط فلايعقل فيها التخلخل فالنار للطافتها و قلة اعراضها اجزاؤها اشد ارتباطا و التصاقا و تلززا و تشاكلا البتة و ليس كل تلزز سبب الثقل بل ان كانت الاجزاء ثقية صار التلزز سبب الثقل و الا فلا و لذلك يكون اجزاء الافلاك اشد شيء تلززا و التصاقا لشدة تشاكلها و قلة اعراضها حتي ظن بعضهم انها بصلابة الياقوت و هو اشتباه منهم ايضا فان الله سبحانه يقول ثم استوي الي السماء و هي دخان و ان تشاكل الاجزاء و شدة التصاقها لايورث الصلابة في المركبة بل الصلابة من فرط البرد و اليبس مع رطوبة غروية منعقدة بهما و ليس في الافلاك برد و يبس غالب بالجملة ان اجزاء النار اشد شيء صفاء و خلوصا من الاعراض و تشاكلا فلاجل ذلك هي صقيلة رقيقة شفافة لطيفة و دون ذلك في الهواء و دونه الماء و دونه التراب و اعتبر ذلك من شفافة الماء مع بريقه و لمعانه اذا وقع عليه ضوء و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 84 *»

ليس فيه صلابة و انما صار كذلك لان اجزاءه متشاكلة و الهواء اشد تشاكلا فهو اشد صقالة و لمعانه و بريقه اذا وقع عليه ضوء اكثر من الماء بسبعين مرة الا انه للطافته لايري بريقه و النار الطف من الهواء بسبعين مرة فهي بان لاتري اولي و انما يصير المرآة ذات بريق و لمعان لتشاكل اجزائها و تساوي سطوحها و ارتباطها لا غير و اجزاء المركب اذا خليت و طبعها و هي سيالة و لا مانع لاتقتضي اختلاف السطوح بل تكون اجزاؤه متساوية السطوح كالماء و من تساوي سطوحها صار صقيلا قابلا للبريق فالهواء و النار اولي بذلك فكلما كان في مركب النار غالبة كان اشد صقالة ثم اذا كان الهواء غالبا ثم اذا كان الماء غالبا و دون ذلك كله التراب و كذلك كلما كانت الاجزاء اخلص عن الاعراض فان العناصر البسيطة اجزاؤها اشد تشاكلا و اشد صقالة فالمركبات بغلبة العناصر الصقيلة تكون صقيلة و بغلبة العناصر الغير الصقيلة تكون غير صقيلة و كذلك باختلاف سطوح اجزائه المركبة و عدمه تختلف فاذا كان مركب اجزاؤه المركبة متساوية السطوح مرتبطة و مع ذلك عناصره الغالبة العناصر الصقيلة و مع ذلك اخلص عن الاعراض تبلغ صقالته الغاية البتة و كلما تخلف شيء من ذلك تخلف الصقالة البتة و ربما يبلغ الصقالة مبلغا تخفي عن النظر فان الاعين مركبة كثيفة فاذا كان في المركب النار غالبة و فيه من ساير الاجزاء بقدر ان يدرك بالابصار يكون له لمعان و بريق و ظهور لامحة فان النار ذات بريق و لمعان و صفاء و صارت محجوبة عن الابصار لشدة صفائها فاذا شابها قليل من ساير العناصر بقدر ان يغلظها حتي تري بالابصار رأيت و كل مرئي بنفسه ضوء و ذلك كالشعلة فان النار قد غلبت علي الدهن حتي كلسته و بخرته ثم دخنته و رققت جسمه حتي لم‌يحجب النار فتغلظت النار فيه و انصبغت بصبغه فرأيت ضيئه و النار في نفسها اضوء و اشد بريقا و لمعانا الا انها لشدة لطافتها خفيت عن الابصار فلما تغلظت في الدخان للمشاكلة في الجسمانية بلغت حد الابصار و هي المسماة بالضيئة و اما الجمرة فكذلك تري لغلبة النار عليها ولكن كثافة جرمها اكثر من الدخان فضوءها اقل من الشعلة و مثلها الاحجار و الحديدة المحمية و امثالها هذا في الضيئات الحارة النارية و قد يكون الضوء لغلبة البساطة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 85 *»

فان العناصر الاولية كما بينا كلها متشاكلة الاجزاء ذوصفاء و صقالة لتشابه اجزائها فاذا قل اعراض الشيء و غلبت البساطة عليه و فيه من الاعراض بقدر ان تبلغه حد الابصار يوقد ضياء و ان لم‌يكن حارا و ذلك كالدود الذي يلمع في الماء و قد رأيته و بعض الذبابات اللامعة بالليل اذا طرن و تسمي بالحباحب و عين الهرة و امثالها فانها تلمع بالليل و ليس فيها حرارة و قد حكي ابن سينا في الشفا انه رأي بيضة دجاجة لامعة و جرادة ميتة لامعة و صرارة ميتة لامعة وفي الكتب الطبية ان البيش يلمع بالليل فيذهب من يريده ليلا و يلقي عليه رمادا فيذهب نهارا و يجتنيه بعلامة ‌الارمدة و حكي له بعض الاخوان الثقات انه اشتري بيضا و سلقها ثم نقضها ليأكلها فاذا صفارها تلمع فاكلها فاذا جوف فيه يلمع و انما امثال ذلك ليست من غلبة الحرارة النارية و الا لكانت تحس او يشتعل بها كبريت او غيره و لاسيما ان الدود اللامع يلمع اذا تململ في الماء و انما ذلك لغلبة بساطة عناصرها و قد عرفت ان سبب اللمعان تشاكل الاجزاء و هو حاصل للنار و لبسايط العناصر ايضا و ان كان يخفي لمعانها في النهار و عند ضوء اقوي فلان الضوء القوي يغلب الضوء الضعيف و يستهلك فيه كالسراج في الشمس فلايكون له ضياء كما في الليل و اما بريق شرارات تحدث من بين القدحة و الزناد فهي من اجزاء صغار تحتك من الزناد و تحتمي كالحديدة المحماة بشدة حركة الزناد المحدثة للحرارة فتلمع و تحرق الاجسام الرخوة اذا وقعت عليها و اما ما يري من الشرارات عند مس الثياب المغسولة الطاهرة عن الالعبة و الاوساخ و الدسومات و عند احتكاك بعضها ببعض و عند مس ظهر الهرة و امثالها فانها اجزاء صغار هبائية رخوة تنفصل عنها عند المس و الاحتكاك و تحتمي بتلك الحركة الا انها لرخاوتها لاتمسك الحرارة في نفسها و لاتحرق شيئا اذا وقعت عليه و تنطفي بسرعة و من اجل تلك الحرارة التي تحدث فيها تطير و تنتشر من كل جهة و يحدث لها اصوات فان تلك الاجزاء تنفطر بتلك الحرارة كما انك تسمع صوت الرعد بعد البرق فان السحاب اذا احتك بعضه ببعض بدفع رياح عاصفة او غلبة حرارة في بعضها يصعد بها بسرعة حدث فيها الحرارة و احتمت فالتمعت و تلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 86 *»

الحرارة تميل الي مركزها فتشق السحاب شقا و تفطره فيحدث عنه هذا الصوت و كذلك اذا انفصل عن الثياب اجزاء صغار هبائية و احتمت و التمعت شقها الحرارة لميلها الي حيزها و فرارها من برد الهواء فحدث عنه الاصوات و ذلك الصوت و البريق آية الرعد و البرق في السحاب و لاتتعجب من التهاب الاجزاء الصغار بهذه الحركة القليلة فان الحركة تحدث الحرارة لامحة و المسخنات بالحرارة ان كان فيها برد غالب احتاجت الي حر شديد و الا فلاتحتاج الي فرط الحرارة و يكفيها ادني حرارة حتي تحتمي بها و ان اردت اعتبار ذلك فاعتبر من جوهر يصنعه الافرنجيون و يسمونه فسفور بكسر الفاء و سكون السين و الواو و ضم الفاء الثاني فانه كقطعة عظم فاذا دخل الانسان به بيتا مظلما و نقش به نقوشا عجيبة علي الحيطان تري تلك النقوش تلتهب في البيت بحيث يروع الجاهل و تري تصعد من تلك النقوش ادخنة رقيقة جدا و فيها ضوء رقيق و اذا اخذ عود و لطخ طرفه بكبريت صاف مذاب ثم جعل علي طرفه قليل من ذلك الفسفور مع بعض الالعبة و جفف ثم حك علي خشن التهب الفسفور و اشتعل به الكبريت و العود نارا و لو نقش بذلك الفسفور علي الثياب التمع النقش و لم‌يحرق الثياب فتبين من ذلك ان الاجزاء الهبائية الصغار تحتمي بادني حركة و اعتبار آخر لذلك الالتهاب و الصوت في الثياب و السحاب ان بعض اهل الحيل يعمدون الي الفضة فيحلونها في المياه الحادة و صاعد الخمر ثم يجففونها فاذا وضعوا قليل منها علي صفحة قرطاس و وضعوا عليها حصاة و جمعوا اطوافها و فتلوها برفق فانها اذا ضرب به الارض صوت كالتفك و احترق و ليس ذلك الا ان اجزاء الفضة المحلولة احتمت بتلك الحركة و ارادت الحرارة الفرارفشق القرطاس و تلك الاجزاء الهبائية بالجملة هذا الدوا يصوت باي نح من الحركة العنيفة وصله و في هذا الاعتبار غنية لاهل الابصار في سبب التهاب اجزاء الثياب بالمس و صوتها و عجيب آخر في هذه الشرارات اذا ضربت يدا او رجلا آلمتها الما شديدا و ليس ذلك الا ان تلك الحرارات التي في تلك الاجزاء اذا شقتها بسرعة دفعت الهواء بعنف دفعة فآلم وقع الهواء العضو الذي يقع لعيه كما يقع من البرق كما يحكي انه قد يضرب البرق بناءا او موضعا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 87 *»

من الارض فيشقه و يجعل ترابه كالرماد و قد وقع في بلدنا في سنة ثمان و ستين بعد المأتين و الالف في بعض الخانات برق و رعد في وسط الخان كانه انخرق رصاص الطوب تشبيها ثم ضرب جوف حجرتين من حجراته علي الحائط فدق الحائط و جعل قطعة منه كانها دفت برصاص التفك و احتفرت و اندك و اندق ترابها ناعما و لم‌يك صاعقة و لم‌ير لها اثر و دفع الهواء يصير مولما اذا دفع صفحة رقيقة منه و وقع طرفها علي الشيء و اما اذا دفع قطعة كبيرة منه لاسيما ان لايكون بعنف دفعي كالرياح فلايصير مولما و عجيب آخر في الثياب انها اذا نزعت دفعة‌ و القيت علي الارض فادنيت يدك منها تطفر منها شرارة الي يدك و يصوت و لما تبلغ يدك اليها و هذا في اول ما تدني يدك منها ثم بعد ذلك اذا ادنيت يدك منها فربما لاتطفر منها شرارة و اعجب من ذلك آلات خاصة صنعها اهل الافرنج يطول وصفها و عمودها الزيبق المكلس يدور فيها انبوبة بلور علي ذلك الزيبق حتي تسخن الانبوبة فتطفر منها شرارات علي آلة اخري من الصفر المصنوع غير متصلة بها ثم تطفر منها شرارات علي آلة اخري غير متصلة بها ثم منها علي سلسلتين مربوطتين بها ثم منهما علي القابض بهما ثم تحركان الانسان و تجذبان اعصابه احيانا من غير حركة منهما حتي يكاد يقع الانسان و يضرب شيء من تحت قدميه و هذا المقدار منه قد رأيته و حكي لي انه لو تعلق اناس عديدة بعضهم ببعض يطفر الشرارات من الكل و يسمون تلك الالة بفلكة الالماس و يظنون انها نافعة للفالج و المفاصل و امثال ذلك و آية ذلك قديري اذا ادني يد طاهرة نظيفة ساخنة من آلة من الصفر نقية فانها ايضا تطفر منها شرارة و قد جربته و آية ضربه تحت القدم انه اذا نزع ثوب طاهر دفعة و القي علي الارض فانه يضرب تحت القدم وهي علي الارض شيء يولمها و ذلك يقع في بلادنا كثيرا في الصيف عند جفاف الهواء و حرارته و تسخن الثياب بالبدن مع نقائها و كونها جديدة الغسل لاسيما بالصابون و انما كل ذلك لانفصال اجزاء هبائية من الثياب و تسخنها و احتماها بدفعية الحركة و خرق النار الساطعة منها الهواء فيضرب الاعضاء و يولمها و كذلك تحتمي تلك الاجزاء بقرب اليد منها اذا كانت اليد حارة و الثياب حارة بشدة النزاع و ما لها من حرارة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 88 *»

البدن او الحركة فاذا بردت لا يكاد يطفر منها شرارة بالجملة طال بنا الكلام و حاصل الفصل ان الضوء هو بريق الجسم و لمعانه بسبب لطافته و تساوي سطوح اجزائه اما بغلبة عنصر النار الموصوفة بذلك عليه او بلغبة بساطة عناصره مطلقا مع وجود كثافة ما بقدر الارائة فاي هذين حصل في الشيء اضاء فان الضوء ظهور الشيء و البسايط او النار اشبه بالمبدء الظاهر و لذلك صارا متصفين بالظهور فاذا غلبا علي مركب صار ظاهرا و كل شيء يظهر بحركة مسخنة محمية فهو يظهر بغلبة النار كشرارات الزناد و امثالها و كل شيء يظهر بغير حركة فهو لغلبة البسايط عليه كالحباحب و الدود اللامع و امثالها و من هذا الباب الاخير ظهور الكواكب فانها عرية عن الاعراض و الغالب عليها البساطة و فيها تراكم اجزاء و قليل اعراض تظهرها للعين و هي في عالمها مع ذلك منها ما يكون الغالب عليها النار الجوهرية كالشمس و المريخ و منها ما يكون الغالب عليها الهواء الجوهري كالمشتري و منها ما يكون الغالب عليها التراب الجوهري كالقمر و الزهرة و منها ما يكون الغالب عليها التراب الجوهري كزحل و عطارد و ذلك ان كينونة الافلاك من الطبايع الجوهرية لا العنصرية و فيها اعراض قليلة جدا و تراكم اجزاء بقدر اظهار كواكبها و الحباحب و الدود اللامع و البيش و كوكب الارض و امثالها في الارض بمنزلة الكواكب في الافلاك فانها ضيئة بغلبة‌ البسايط العنصرية عليها و هي آية‌الكواكب في السماء فافهم ما ذكرت لك في هذه العبارات فانك لاتجدها في كتاب و لا قوة‌ الا بالله و كم من حكم في الامور المشهودة و الناس عنها غافلون و كاين من آية‌في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون فتدبر.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 89 *»

المطلب الثالث

في بيان حقيقة الاشباح و يتوقف شرح ذلك علي رسم فصول.

فصل و اذ قد عرفت بحول الله و قوته امر الاضواء الظاهرة فحري بنا ان نذيله بامر الاشباح فان كل ذي ضوء في الظاهر له شبح و يعبر عنه بالنور يعني ان كل شيء له بريق و لمعان من نفسه يسمي ذلك البريق له بالضوء و الشبح الذي يقع منه علي ساير الاشياء الغاسقة فتستنير به يسمي ذلك الشبح عندنا بالنور كما قال الله سبحانه جعل الشمس ضياء و القمر نورا ضرورة ان نور القمر مكتسب من الشمس و الشمس ضوءها من نفسها ظاهرا و ان لوحظ اكتسابها من الكرسي فهي ايضا مستنيرة و بريقها نور فنقول ان الظهور عندنا له مقامان ظهور كوني و ظهور شرعي اما الظهور الكوني فهو الوجود و كل موجود من حيث الوجود ظاهر و هو ظهور المبدء و نوره و ضياؤه فبهذا المعني الظلمة معدومة اي ممتنعة و هذه الظلمة المرئية ايضا لها وجود و هي ظهور من ظهورات المبدء و هذا هو الذي في الدعاء يا من الظلمة عنده ضياء و في الكتاب جعل الظلمات و النور و المجعول موجود لا معدوم و الذي يقال ان الظلمة عدم النور ليس بجار في هذا المقام فان عدم الوجود المطلق امتناع و ليس بظلمة و الظلمة موجودة نعم يجري هذا القول في النور و الظلمة ففي الشرع اي الوجود الشرعي الظلمة عدم النور كما ان زيدا عدم عمرو و هما موجودان فنحن اذا قلنا ان الشرور و المعاصي و الظلمة و الماهية امور عدمية نعني بها عدم وجود آخر و ان كانت في انفسها موجودة بوجود غيره فهذه الظلمة المشهودة عدم هذا النور الموجود و الماهية عدم الوجود الذي هو المادة و الشرور التي هي من مقتضيات الماهية عدمية بالنسبة الي الخيرات التي هي من مقتضيات الوجود و ان قلت فعلي هذا الوجود ايضا عدمي لانه عدم الماهية قلت نعم كذلك هو الا انا لما سمينا المادة بالوجود لم نسمه بالعدم و سمينا الماهية التي هي غيرها بالعدم مقابلا للوجود و هذا معني ما يقال اذا قلنا ان الماهية ما شمت رايحة الوجود

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 90 *»

بالجملة لسنا في هذا الكتاب بصدد شرح الظهور الكوني و ان كان يفهم حقيقته ايضا مما نبينه من الظهور الشرعي فنقول كما عرفت مرادنا بالظاهر الشرعي ما يكون ضيئا علي نهج الكمال او التمام و الكامل ما يكون ظاهرا في نفسه مظهرا لغيره و التام ما يكون ظاهرا بنفسه لا مظهرا و الناقص ما ليس بظاهر بنفسه فضلا عن ان يكون مظهرا لغيره فالكامل ما يكون لطيفته اكثر من كفاية نفسه فتظهر نفسه و له فضل يقع علي الغير فيظهره بفضل ظهوره كما سنبينه و التام ما يكون لطيفته بقدر كفاية نفسه فتظهر نفسه و لاتبلغ به مبلغا يظهر غيره و الناقص ما يكون لطيفته اقل من كفاية نفسه فهي محجوبة تحت حجب انيته الغاسقة الكثيفة فلايظهر و لايظهر غيره و قد شرحنا ذلك سابقا مفصلا فالكامل من هذه الاقسام له فضل ظهور ينتشر منه و يقع علي المركبات الناقصة فيظهرها بفضل ظهوره فله شبحان شبح متصل به به يظهر في نفسه للناظرين و ان كان ذلك ايضا بوقوع شبح منه في العين كما يأتي و شبح ينفصل عنه و يقع علي الغير فيكمله و يظهره و هذا الشبح ايضا له شبح يظهر به للعين كما يأتي و لنقدم الان بيان الشبح الذي هو متصل به للعين كما يأتي و لنقدم الان بيان الشبح الذي هو متصل به و الشبح الذي ينفصل عنه و يقع علي الغير ان شاء الله و لست تعرف ذلك الا ان نبين مقدمة حقيقة امر المادة و الصورة ولو علي نحو الاجمال اذ غير هذا الكتاب بتفصيله اليق و معرفة ذلك من المشكلات اللازمة الابانة فنقول ان المادة و الصورة لهما مراتب فكلما تتصاعدان صاعدتين تتشاكلان و تتشابهان حتي تصير المادة عين الصورة و الصورة عين المادة في الوجود الخارجي بحيث لايقدر مشعر من المشاعر ان يتصور احديهما بدون الاخري اذ هما بسيطتان لاتحقق لاحديهما بدون الاخري و كلما تنزلان نازلتين تتخالفان و تتباينان حتي تصير المادة غير الصورة و الصورة غير المادة في الوجود الخارجي محسوسة بالحواس الظاهرة و ما بين ذلك تكون المادة مع الصورة و الصورة مع المادة في الخارج و يمكن للنفس التوجه الي الصورة بالمادة و الي المادة بدون الصورة فتدرك احديهما مع الغفلة عن الاخري فما كان يقال ان المادة جهة غير الصورة و الصورة جهة غير المادة و المادة جهة الوحدة و اشتراك الاشياء و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 91 *»

الصورة جهة الكثرة و تمايز الاشياء فهو في المقام الثاني و الثالث و لايتمشي في المقام الاول فالمقام الاول مخصوص عالم الاطلاق و هو الذي مادته عين صورته و صورته عين مادته و ليس بينهما فيه امتياز و لا كلام فيه و اما المقام الثاني فمخصوص بالتراكيب الدهرية و يمكن ان يقال هناك انهما جهتان ممتازتان لا في الخارج بل في الادراك و لا قوام لاحديهما بدون الاخري في الخارج و من ذلك ما يري من تركيب الاجسام انها مشتركة في الجسمانية متمايزة في صورها فانه لايوجد في الخارج جسم بدون صورة مميزة و لا صورة بدون جسم و هذا التركيب في الاجسام دهري و هذه الموارد دهرية و هذه الصور دهرية فهذه الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و المكان و الوقت المحسوسة في السماوات و الارض و ما بينهما دهرية كموادها و هذه الحدود هي المثال و في عالم المثال و تلك المادة هي في عالم المادة و انت في كل آن مشاهد لان من آنات المثال و اما المقام الثالث فهو مخصوص بالتراكيب الزمانية و انما هي كخل ركبته مع العس و مع الدبس و مع اللبن فالخل في هذه التراكيب ما به الاشتراك و العس و الدبس و اللبن ما به الامتياز فحصة من الخل تصورت و تعينت بالعسل و حصة منه تصورت و تعينت بالدبس و حصة منه تصورت و تعينت باللبن فنحو هذه التراكيب تراكيب زمانية يسبقها اجزاؤها ممتازة متعينة مشهودة في الخارج و من هذا الباب ان المواليد تركبت من تسع قبضات من الافلاك و هي موادها و قبضة من الارض هي صورتها و اما الصور التي لاتنفك عن موادها و لاتقوم في الخارج بدون موادها فهي مثالية و من عالم المثال و هي من اسفل الدهر و لاجل ذلك لاتقدر ان تدرك بالحواس الزمانية مادة بلاصورتها و صورة بلا مادتها و تقدر ان تدركهما كذلك بالنفس الدهرية فتجرد احديهما عن الاخري فافهم ما ذكرت لك و اتقنه فانه اصل اصيل.

فصل ان مرادنا بالشبح المتصل هو الصورة المتصلة بالشيء ان كان دهريا فدهري و ان كان زمانيا فزماني فالشبح الدهري متصل بالمواد الدهرية و الشبح الزماني متصل بالمواد الزمانية ولنذكر هنا الاشباح الدهرية فانها العمدة في هذا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 92 *»

الباب فتلك الاشباح هي فعليات كانت في قوة المادة مستجنة يعني كانت المادة صالحة في نفسها لان تتصور بتلك الصورة و تخرج من قوتها الي الفعلية اذا حصل مرجح خارجي و مكمل يكمل تلك القوة الضعيفة التي فيها حتي يقويها فتخرج من العدم الذي هو القوة الي الوجود الذي هو الفعلية و ذلك ان كمال كل كامل بالوجود و التذوت و الوجود كلما يكون ابسط و انفذ و اطوي لما دونه فهو اكمل و كلما يكون اضعف في جميع ذلك فهو انقص بالنسبة و غاية النقص ان لايكون له تذوت و فعلية و نفوذ فيما سواه و انبساط بوجه من الوجوه و غاية الكمال ان يكون له تذوت و نفوذ في جميع ما سواه و لايتناهي الي شيء لاينفذ فيه فمن ذلك علم ان اكمل كل شيء هو ذات الاحد جل شأنه فانها الذات الحق الغير المتناهية الي سواها و الفعلية المحضة ثم بعد ذلك كمال كل كامل متقدر بقدر محدود بحد فكل شيء بالنسبة اليه ناقص محدود فالصور المستجنة في المادة ناقصة مادامت بالقوة فانها لا وجود لها و لا تذوت و لا نفوذ و لا انبساط و انبسطت علي حسب تكملها فقطعة الشمعة مثلا فيها الصور بالقوة يعني هي صالحة لان تخرج منها صورة التربيع و التثليث و الكرية وا لمخروطية فهذه الصور فيها معدومة لم‌تشغل مكانا وجوديا و لم‌تتذوت و لم‌تنفذ و لم‌تنبسط في امكنة و قولي لم‌تتذوت نظرا الي ان الصورة في نفسها اذا وجدت خارجا لها ذات و ان كانت بالنسبة الي الغير صفة فما لا ذات له و لا وجود ناقص فاذا كمله مكمل حتي اخرجه من العدم الي الوجود و التذوت و شغل مكانا كمل و لذلك قال الصادق عليه السلام ان الظهور تمام البطون و الفعل تمام القوة فما لم‌يكن كليات الحكمة تامة في بطونها تامة في ظهورها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم الخبر.

فالصور ما دامت في القوة ناقصة فاذا تذوتت و خرجت الي الفعلية و شابهت المؤثر في حدها كملت و لها بعد في هذا الكمال درجات علي حسب نفوذها في الامكنة و انبساطها فانها كلما كانت اقرب الي الوحدة و الطف و ابسط و اشبه بمؤثرها كانت اشد تذوتا و اكثر نفوذا و اشد انبساطا في الامكنة و كلما نقصت فيها هذه الخصال صارت انقص

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 93 *»

و كليات مراتبها ثلثة كما بينا سابقا فانها اما تكون شاغلة لمكان وجودها و نافذة في امكنة اخري و لها حين كونها في امكنة اخري قوة تكميل غيرها فهي الكاملة بالنسبة و اما تكون شاغلة لمكان وجودها نافذة في امكنة اخري حسب فهي التامة و اما تكون شاغلة لمكان وجودها غير نافذة في امكنة الاخري الا بمكمل خارجي فهي الناقصة بالنسبة و ان كان لها كمال الوجود لانها ناقص التذوت و لو كانت متذوتة بشدة لكان لها انبساط فهي متمحضة في الوصفية و ليس لها دونها صفات كما ان المبدء متمحض في التذوت و ليس بوصف لما فوقه فالاشباح فعليات و كمالات و صفات بالنسبة الي المواد و كمالها و كثرتها تابعة للمواد فكلما كانت المواد اوحد و ابسط و الطف و اشبه بالمبدء كانت كمالاتها اكثر اذ هي حقيقة مراتب وجود المادة الاتري ان كمالات المعدن اكثر من كمالات الحديد و كمالات الجسم اكثر من كمالات المعدن و بهذا اللحاظ تدخل المادة و الصورة في القسم الاول الذي كان مخصوصا بعالم الاطلاق و الاحدية فالصور بالنظر الاطلاقي عين المادة في الوجود الخارجي و الذهني و ما لم‌يكن الاطلاق طاويا لجميع الامكنة الوجودية لم‌يكن مطلقا بل يكون مقيدا فالمطلق منبسط في جميع الامكنة الوجودية و باطلاقه عمر الديار و لم‌يخل مكانا من الوجود حتي انه بانبساطه كان المكان مكانا فبعد تعمير الوجود المطلق جميع الامكنة لم‌يبق مادة الا و قد انبسطت علي حسب توحدها و بساطتها في امكنة وجودية فعمر كل مادة ديار كمالاتها و صفاتها و تعميرها ديارها من تمام وجود المطلق و كونه مطلقا لان الظهور تمام البطون و الفعل تمام القوة و كل صفة من تلك الصفات اذا وجدت و تذوتت في حدها عمرت ديار امكنة وجودية هي من كمالاتها و تعميرها تلك الديار من تمام وجود المواد التي تعميرها ديارها من تمام وجود المطلق فافهم ان كنت تفهم فانه دقيق دقيق فبذلك عمرت الديار و ظهر الجبار لا اله الا هو الملك القهار فكل وصف في كل مقام من كمال الذات التي فوقه و الكل من كمال الوجود المطلق و الكل كمال الله سبحانه و ظهوره و نوره فلانور فيها الا نوره و لا صوت فيها الا صوته فصح انه ليس لغيره من الظهور ما ليس له حتي يكون هو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 94 *»

المظهر له فكل شيء له ظهور ظهوره ظهور الله سبحانه و هو اولي بان يكون ظاهرا به منه نعم كل ظهور ما خلا ظهور الله سبحانه الاعظم باسباب و علل و معدات و مكملات لعلل ليس هذا الكتاب مقام ذكرها و ساير كتبنا بها متكفل و الحمدلله و خلاصة الفصل ان الصورة تكون موجودة في المادة بالقوة و الامكان و الابهام فاذا هي معدومة و موجودة في مكانها الوجودي بالفعل لها تذوت بحسبها و قد خرجت من القوة الي الفعلية بتكميل مكمل و صنع صانع و الا لما كانت تخرج ابد الابد فاذا خرجت فهي علي اقسام اما انها تشغل مكانا لوجودها في نفسها بلانفوذ او مع نفوذ بلاقوة للتكميل او مع قوة للتكميل و سيأتيك تفصيل هذه الاقسام ان‌شاءالله.

فصل اعلم ان عرصة الصورة اي العرصة التي شغلها الصورة من حيث هي غير العرصة التي شغلها المادة من حيث هي و عرصة المادة عليا و عرصة الصورة دنيا و ان كانت المادة من حيث اطلاقها نافذة في جميع امكنة الصورة الوجودية لكن الصور حيث تذكر المادة معدومة اذ هي فيها بالقوة و انما هي موجودة في عرصتها و المادة من حيث انها قوة ليس موجودة في عرصة فعلية الصورة فاذا رأيت المادة لاتري غيرها و كل صورة فيها معدومة و اذا رأيت الصورة رأيتها غير المادة قائمة بها قيام تحقق و المادة هي المصورة بالصورة و المصورة صفتها في اعلي الصورة لشهادتهما بالاقتران و اتحاد حروف اصولهما و اتحاد صقعهما و تعالي صقع المادة من حيث نفسها عليها و كون الصورة فيها معدومة و المصور بالفتح مقترن بصورة موجودة مقترنة معه فبذلك نقول ان الصفة و الموصوف مقترنان و المادة العليا ليست موصوفة في ذاتها بذاتها و انما هي موصوفة بوصفها في رتبة وصفها و قولنا ان المادة صقعها اعلي من صقع الصورة ليس معناه ان صقع الصورة خلو منها بل هي نافذة في جميع امكنتها الوجودية طاوية لها و بذلك تقوم الصورة بها و مرادنا بالمادة في هذه المباحث هي الاطلاق المتعالي عن الصفة في ذاته كالجنس من النوع و النوع من الصنف و الصنف من الشخص لا المقترنة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 95 *»

بالصورة مع الصورة في عرصة الصورة فانها مثال للمادة العليا قد القي في هوية الصورة و قد قام مقامها في ساير عوالم الصورة فليس النوع بحصة من الجنس مع صورة فصلية كما زعموا فان الجنس لايتحصص و لايعقل تحصصه كما حققناه في محله في ساير كتبنا المسبوطة و ان الذي في النوع مثال للجنس قد القي في هويته و ذلك المثال هو اعلي مراتب النوع به يذكر عند الجنس و يذكر الجنس عنده و به ينظر الي الجنس و ينظر الجنس اليه بالجملة لسنا بصدد بيان هذه المعضلات و انما يجري علي القلم استطرادا للكلام و ان كان يتوقف علي فهمه المرام فالشبح هو صورة للمادة في عرصته و عرصته عرصة تجليات المادة و كمالاتها المنطوية تحت احدية المادة النسبية فهي خلو منها و هي ايضا خلو منها فافهم.

فصل هذا الشبح الذي يتجلي به المادة اما لطيف شفاف رقيق شبيه بالمادة في احديتها و بساطتها و ليس له من نفسه كثير تعين ينافي المادة فيكون مادية الصفة له احدية و نفوذ و انبساط فينفذ في عرصات كما كان المادة نافذة لا فرق بينه و بينها الا انه شبحها و وصفها فيكون شاغلا لمكان نفسه نافذا في امكنة وجودية اخري ظاهرا في نفسه لنفسه و لغيره و له قوة التكميل كالسراج فان له مادة هي ضوء النار الغيبية البسيطة النافذة المنتشرة الغير الجامدة في حد و ذلك الضوء فعل النار و اثرها و له صورة من صفة الدخان و صفاته و كدورته و صقالته و شفافته و تلك الصفة فعل الدخان و اثره فاذا وقع ضوء تلك النار اي مثالها الملقي في هوية الدخان حدث عنهما السراج المرئي مركبا من الفعلين و هو شخص من النوع فتلك الصفة لما لطفت نفسها و رقت حتي شابهت ضوء النار في لطافتها و رقتها صار نافذة في الفضاء كضوء النار لكن علي حسب لطافتها و مقدار رقتها فتري الصفرة و اللمعان و الخراطة التي فيه نافذة في الفضاء منتشرة لانها شابهت ضوء النار المنتشرة الغير المقيدة بمكان خاص و هي المراد باثر الشعلة في عباراتنا و لها مع ذلك لشدة رقتها و عدم حجبها النار الكاملة المكملة و اما يكون الشبح متوسطا في الرقة و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 96 *»

اللطافة فلاينافي المادة بكله و لايشابهه بكله فيظهر المثال الملقي فيه وجودا و يخفيه صفة فذلك كالجمرة من حيث الضوء فان لها مادة هي ضوء النار البسيطة المنتشرة النافذة و لها صورة من صفة الفحمة ولكنها غليظ كدرة في الجملة فتظهر مثال النار الملقي فيها وجودا و لاتظهره صفة فلاتكون مكملة لغيرها و لاتقدر ان تضيء بيتا كالسراج فالقت النار في هويتها مثالها و لم‌تظهر عنها افعالها لانها حجبتها و عصتها و لم‌تطاوعها كالسراج البتة فنقصانها بعصيانها حسب نعوذبالله.

و اما يكون الشبح ناقص الرقة و اللطيفة كثيفا حاجبا لصفة المادة فاذا القت المادة مثالها فيه لم‌تظهر وجوده و لا صفته بل المثال بعد فيه بالقوة و لايخرج الي الفعلية حتي يكون منشأ آثار فليس المثال في الاشياء الحاجبة موجودا متعينا الا انه لايظهر كسراج تحت طست و ذلك اشتباه من المبتدئين لجهلهم بالحقايق فلاجل ذلك نقول ان الذي لايعرف له فؤاد له و ليس من اهل الفؤاد و الذي لايعبد ليس بعاقل و ليس من اهل العقول و اولي الالباب و الذي لا علم له ليس له نفس ناطقة و ليس بانسان و الناس كلهم بهائم الا المؤمن و لو كان الفؤاد و العقل و النفس موجودة في الناس لكانت تهتك الستر و كان يغلب السر و يجذب الاحدية لصفة التوحيد و يكشف سبحات الجلال و يمحو الموهوم و يصحو المعلوم هذا و وجود كل شيء كما عرفت في تصوره و قبل التصور يكون المسمي بالقوة معدوما و صورة الفؤاد الخاص المعرفة الخاصة و صورة العقل الخاص العبادة الخاصة و صورة النفس الخاصة العلم الخاص و قبل ذلك كل ذلك مبهم مطلق لا خصوصية له باحد بالجملة مثال ذلك كالاجسام الغاسقة كالاجر مثلا فان مثال النار فيه بالقوة و لما يتعين بمثالية النار الخاصة بالاجر الا بقدر ان دخل شبح الاجر في نفسه عرصة الوجود و صار موجودا فله من المثال المذكور هذا المقدار و هو كنقطة رأس مخروط علي قاعدة مخروط آخر فليس للبعيد في غاية البعد من صفة المبدء العالي الا بقدر ان يدخل عرصة الوجود اما ان يصنع خيرا او يكمل غيره للخير فلا بل له ظلمة غاسقة تحجب غيره فان الناقص في الخير كامل في الشر و لسنا بصدد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 97 *»

بيانه الان فعلمت من هذا التفصيل الاصيل ان الاشباح للمواد لها ثلث مراتب اما ان تكون ظاهرة في نفسها مظهرة لغيرها و هما صفتان من صفات المادة حكتهما و اما ان تكون ظاهرة في نفسها غير مظهرة لغيرها فهي تحكي صفة واحدة من صفات المادة و قلنا ان هذا القسم نافذ في الامكنة ولكنه غير مكمل نظرا الي انه يظهر للعين و لايظهر الا بنفوذه في الفضاء الي العين فتدركه و اما ان لاتكون ظاهرة في نفسها و لا مظهرة فلاتحكي شيئا من صفات المادة حكاية شرعية و ان كانت تحكي حكاية كونية و الحكاية الكونية لاتقتضي كمالا شرعيا و لاتفاخرا لشيء كما تري من الاجر انه لولا حكاية صورته مادته لما وجد لكن وجوده بمقدار تعين صورته بل نفس تعين صورته هي ما به وجوده وجوده الخاص به فوجوده وجود ناقص في غاية النقص و ليس له كمال النفوذ و التكميل.

فصل فاذ قد عرفت من هذه التحقيقات الانيقات امر الاشباح المتصلة فلنفسر الان امر الاشباح المنفصلة فانه قد ذكر مشايخنا كثيرا الاشباح المتصلة و الاشباح المنفصلة و لم‌يعرف منهم معناهما و كانوا يقولون ان الشيء له شبح متصل به به تعينه في نفسه كتخطيطات وجهك فانه شبح متصل بك اي بجسمك و له شبح منفصل و هو اثره فالاثر هو الشبح المنفصل عن الشبح المتصل بالمؤثر ولكن هذا الكلام صدر عنهم بالفاظ ظاهرة و لم‌يتفطن منهم اي من الاخذين عنهم احد معناه و هيهنا موضع ذكره لانه من متعلقات علم المناظر و المرايا فنقول اما ان كل شيء له شبح متصل فمعني الاتصال هو علي خلاف ما يزعمه المبتدي من ان الصورة متصلة بالمادة و المادة محدودة مصورة بها فانا قد ذكرنا ان المادة صقعها فوق صقع الصورة و انها في صقعها غير متناهية بنهايات الصورة و الصورة هناك معدومة فكيف يعقل ان يريد اولئك الاعاظم ان الصورة متصلة بالمادة بهذا المعني بل الصورة متصلة بمثال المادة الملقي في هوية الصورة و ذلك المثال هو اعلي اذكار تلك الصورة بعينها و جهتها الي المادة و الصورة متصلة مقترنة بذلك المثال و هما من صقع واحد و هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام و شهادة الصفة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 98 *»

و الموصوف بالاقتران و الموصوف هو ذلك المثال المقترن بتلك الصفة و ان سميت ذلك المثال مادة فلك الا انه ليس بالذي يشترك فيه غيرها فهذه الصورة مقترنة بمادة مقترنة بها مخلوقة من عناصرها الا انها الطفها و في الحقيقة ليس الا الاطلاق الاعلي و الصفة الدنيا و الاطلاق اقرب الي المقيدات من انفسها فالاتصال الذي قصدوه هذا معناه و اما ان لهذا الشيء شبحا منفصلا عن شبحه المتصل فمرادهم بهذا الانفصال ايضا ليس علي ما يزعمه المبتدي انه ينفصل عن الاول شيء و يقع في مكان آخر بل المراد ان الشبح المتصل لغاية مشاكلته لمادته في الاحدية و البساطة و الرقة غير محدود و غير متناه علي حسبه بل نافذ في امكنة وجودية دونه باحديته فهو اذ ذاك شبح متصل ليس الا هو و لا تفصيل فيه الاعلي ما يناسبه في نفسه و اذا نظرت اليه من حيث الظهور في تلك الامكنة فهو الشبح المنفصل و الاثر و قد تكثر علي حسب القوابل التي وقع فيها و ظهر عليها و مثال الاثر و المؤثر الاعداد و الاحد فان الاعداد اثر الاحد و الاحد له مادة و لها شبح متصل بها تميز عن غيرها اذ هذا الاحد ليس بالاحد الحقيقي الذي لاتركيب فيه بل في الحقيقة هو احد بالنسبة الي الاعداد لاغير بالجملة هذا الاحد له مادة و شبح متصل بتلك المادة به يسمي بالاحد و هو صورته الاطلاقية و ذلك الشبح لكمال رقته و شباهته بالمادة و عدم حجبه لها نافذ في جميع امكنة وجودية الاعداد فهو اذ ذاك احد ليس الا الاحد و ليس معه الشبح المنفصل ولكن اذا نظرت الي الاعداد هي اعداد و هي الاشباح المنفصلة و قد تكثرت في مراتب العد ففي كل مرتبة ظل من الاحد و شبح منه به يسمي كل عدد باحد فتقول ما رأيت احدا و تنفي بذلك كل احد و تقول رأيت احدا و تجوز بذلك كل عدد و ذلك لانه ليس شيء الا الاحد اذ احد و ليس شيء الا العدد اذ عدد و العدد هو الشبح المنفصل عن الاحد و اثره و نوره و ظله و كمالاته و صفاته و امثال ذلك مما يقال من الالفاظ و هذا هو مراد المشايخ اعلي الله مقامهم من الشبح المنفصل و يمثلون لذلك بنور السراج و شبحه المتصل به فيقولون ان النور هو الشبح المنفصل و صفرة الشعلة و بريقها و خراطتها هي الشبح المتصل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 99 *»

لكن مرادهم من ذلك ليس علي ظاهره ايضا و ذلك تمثيل تقريب لاهل الظاهر و الا ففي الحقيقة هذا النور المنبث و الشبح المتصل بالسراج من عرض واحد و لما كانت هذه المسألة من عمدة المسائل و هو باب يفتح منه ابواب كثيرة و لها خصوصية بهذا العلم يحتاج شرحه الي رسم فصلين خاصين فاقول.

فصل في معرفة تكون الشعلة اعلم ان النار الزمانية عنصر من العناصر و هي جسم لطيف مركب من الطبايع الجوهرية الا ان الغالب علي الحرارة و اليبوسة و يمكن فيه تغليب الطبايع الاخر و تضعيف الحرارة و اليبوسة حتي يستحيل الي عنصر آخر هواء او ماء او ترابا كما حققناه في الفلسفة فهذا العنصر الظاهري احد اركان المركبات الظاهرة كما ان النار الجوهرية احد اركان نفس ذلك العنصر فذلك العنصر بمنزلة الصفراء المركبة من العناصر التي يكون الغالب عليها النار ثم البدن مركب من اخلاط احدها الصفراء فالعنصر الناري في نفسه كشعلة مشتعلة بالنار الا انه يعلم امره اذا شرحنا امر الشعلة فان الامر فيهما واحد ما تري في خلق الرحمان من تفاوت فالدهن مركب من المركبات من العناصر و فيه العناصر الاربعة موجودة بالقوة بعد ما كانت قبله بالفعل فانها بالتركيب استحالت عن كيانها الي الكون الدهني و الدهن الان جوهر سيال لزج فيه الرطوبة المائية غالبة مع الحرارة فاذا ادني منه نار حارة يابسة بالفعل قوت ما في الدهن من الحرارة و اليبوسة بفعلها الذي هو الحرارة المحسوسة و اليبوسة المحسوسة باليد و ضعفت ما فيه من البرودة و الرطوبة فاحالت المائية التي كانت فيه سبب ارتباط اجزائه اليابسة الي النارية ففرقت اجزاءه و لطفتها و رققتها بلطافتها و رقتها فاحالت الدهن بخارا اولا ثم بالغت في تجفيفه حتي احالته دخانا و قوت ما فيه من النارية بالمشاكلة فانتبهت النار الجوهرية التي كانت راقدة تحت حجب البرودة و الرطوبة اللتين كانتا فيه فقامت و مالت الي العلو كالحيوة في البدن و شايعها الدخان لرقته و لطافته المشاكلة لتلك كالروح البخاري للحيوة ثم اذا بالغت في تقوية ناره غلبتها علي الدخان حتي جعلته في رتبته نارا الا انها اذا نار غليظة منصبغة متكثفة بكثافة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 100 *»

الدخان و بصبغه فصار الدخان محميا بفعل تلك النار و لصفائه و لطافته حصل له بريق و لمعان و لم‌يحجب صفاء النار و بريقها فصار نارا جسمانية زمانية كثيفة براقة مرئية له لمعان مرئي و النار الجوهرية بنفسها ليس لها ضوء و بريق مرئي لغاية لطفها و لما تكثفت صفتها بالدخان رأيت و ابصرت فالشعلة المرئية نار حائلة و ارض سائلة لانها برزخية يصدق عليها اسمهما معا فالسراج مركب من ضوء هو اثر مس النار و ظهورها و هو المادة لان الضوء هو الاشبه بالنار و الحد المشترك و هو البريق و هو اللون الروحاني اللطيف كما مر و من صفة الدخان و هي الخراطة و اللون الجسماني الكثيف و هي الصورة العرضية الزمانية له و اما صورته اي صورة الضوء نفسه فهي صادرة مع مادته عن النار الغيبية و ما لحقهما من الدخان صورة زمانية عرضية و هذا هو السراج و اما الدخان فهو محل السراج و مرآته فالضوء في الدخان كالشبح في المرآة فيكون الشبح مادة المرئي الزمانية و صورته صفة المرآة من الاستقامة و الاعوجاج و الصبغ و عدمه و المرآة محل الشبح و مظهره و المفعول بها فالضوء هو مثال النار الجوهرية و النار هي كالشاخص و الدخان كالمرآة فما دامت النار مقابلة للدخان يكون مثالها واقعا فيه فاذا تنحت بقي الدخان كالمرآة الفارغة و صار اسود كالتوتج مظلما باردا و ذلك الضوء المشتعل في الدخان الواقع فيه هو اثر فعل النار الغيبية الجوهرية و فعلها هو الحرارة المحسوسة باليد التي هي ظهرت من النار الظاهرة لان النار الغيبية القت في هوية النار الظاهرة مثالها فاظهرت عنها افعالها و هي الحرارة و اليبوسة اللتان منهما الاحراق و التكليس و الجمع و التفريق و التصفية و الترويق و التبريق و غير ذلك و بهذه الحرارة الظاهرة كلست الدخان حتي صار مرآة صافية صالحة لتجليها فتجلت النار له بالضوء الذي هو مثالها و القته في هوية الدخان فذلك الضوء هو ظهورها و مثالها و شبحها في مرآة الدخان و ما قلنا من ان الضوء في الدخان اثر فعل النار فمعناه انه فعل النار من حيث الاعلي و انه الاثر من حيث الاسفل و ما قلنا من ان فعل النار هو الحرارة و اليبوسة الظاهرة فمعناه ان فعل النار في تكليس الدخان الحرارة و اليبوسة و به يحصل للدخان الضوء فهو بريق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 101 *»

النار الظاهرة و صفاؤها لانها جسم رقيق متشاكل الاجزاء فلها لمعان و بريق كما مر و هذا البريق للنار الظاهرة من صفات النار الباطنة و افعالها الظاهرة من هوية النار الظاهرة حيث القت النار الباطنة فيها مثالها فبريق النار الظاهرة هي الضوء و هو ظهور النار له به فالاثر حال الصدور فعل و بعد الصدور مصدر فافهم فالضوء الذي في الشعلة هو بريق النار و فعلها و اثرها و اما الخراطة و اللون الذي انصبغ فيه فهما من فعل الدخان و صفته و اثره فكما ان النار تلطف و التلطيف فعلها الدخان يكثف و التكثيف فعله و كذا التلوين و التشكيل و الصبغ و غير ذلك و جميع ذلك من فعل الدخان قد اثر به في النار الظاهرة التي هي ايضا جسم مثله و تفاعل كل منهما علي حسب ما يليق فكما ان النار اضاءت الدخان الدخان ايضا صبغ النار فصفة الضوء التي بها ظهوره و بيانه للاعين من فعل الدخان في الضوء و صفته و قد انصبغ في صفة الدخان و هو كالمرآة له قد انصبغ بصبغه و تهيأ بهيئته و هو السراج الوهاج و الدخان محله فاذا حصل الشعلة هكذا و كانت حارة ضيئة اثرت حرارتها في ما يليها من الدهن فصارت تكلسه شيئا بعد شيء دخانا بلا انقطاع و كلما استعد الدخان اشتعل فيه النار اي ظهر عليه بريق النار و لم‌يحجبه كما انك اذا وضعت حديدة عندك و جليتها و صقلتها شيئا بعد شيء حتي تم جلاؤها و صقالتها فاذا تشتعل بشبحك و يري فيها وجهك فكذلك النار الغيبية تمكن الدهن و تجليه و تصقله بالحرارة و اليبوسة العرضيتين حتي اذا تم صقالته اشتعل بشبح النار و هو بريق النار الظاهرة الذي هو فعل منها اظهرته منها و لما كان حدوث الحدث بين فاعل و قابل و قد مكنت النار الدهن بفعلها فلابد من تمكن الدهن ايضا فما لم‌يتمكن لم‌يقبل و ما لم‌يقبل كمال القبول لم يصف كمال الصفا فلاجل ذلك تري الشعلات مختلفة في الصفاء و الكدورة و الالوان و الهيئات بسبب اختلاف الادهان كما يري اهل الدك شعلات ملونة بتلوين ادهانها و فتايلها بعقاقيرهم اذ ليس الاختلاف في النار و انما الاختلاف في الدهن و هذا هو سبب اختلاف الحديدة و الشعلة في الضياء و البريق ثم لما كان الدخان المكلس في بدء التكليس باقية الرطوبة تكون الشعلة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 102 *»

متصلة الاجزاء لوجود الرطوبة الرابطة و آيته انك اذا ادخلت شيئا في الشعلة تدهن و تلك الرطوبة تقل شيئا بعد شيء في طول الشعلة شيئا بعد شيء الي ان تصل الي رأس مخروطها فهناك تعدم الرطوبة الرابطة فيتفرق الدخان توتجا فلو انت احميته بعد ذلك صار كالجمرة لعدم الرطوبة التي هي سبب اتصال الاجزاء بعضها ببعض و سبب الصفاء و الانحلال و تشاكل الاجزاء فاذا تفرق الدخان انقطع الشعلة و لما كانت الرطوبات و الادخنة الرطبة مما يلي الدهن اكثر لانه في المبدء و كانت تقل الرطوبة شيئا بعد شيء و يصغر الحجم و يتفرق من الاطراف ما بلغ من الدخان حد الجفاف ظهرت الشعلة علي الشكل المخروطي و لما كانت الرطوبة مما يلي الدهن اكثر و هي تناف النار في الجملة و لم‌يتمكن لظهورها في حد الكمال يظهر اسفل الشعلة علي لون الخضرة لتركيب لونه من صفرة الضوء و سواد الدخان و اصل الضوء احمر في نفسه الا انه لا ظهور لحمرته لرقته الا بحسب ما يقتضيه المحل و في المحل رطوبة و برودة و بياض اي في الادهان البيض فاذا خالط الحمرة بياض البارد و الرطوب اصفرت و هذا الاصفر اذا خالط السواد اخضر ثم اذا صعدت قليلا تمكن الدخان حسنا للنار فظهر عليه الضوء كما ينبغي اي علي الصفرة التي هي من حمرته الاصلية و التركيب مع الرطوبة الدهنية البيضاء و لو كان الدهن ملونا بلون آخر ظهر لون الشعلة مركبا من الحمرة و ذلك اللون فاذا صعدت قليلا و فنيت البرودة و الرطوبة اللتان هما سبب البياض بالمرة و بقي الدخان اليابس ظهر الضوء احمر و ذلك انه في الاصل احمر و لكن غير مرئي فاذا خالطه كدورة الدخان رأي فيظهر في اعلي الشعلة بالحمرة ثم اذا فنيت الرطوبات بالكلية ينقطع الشعلة و يصعد التوتج بقليل حرارة فيه اسود لانه كمرآة كانت قبال وجهك فكسرت و دقت فلم‌يظهر فيه وجهك بعد فاذا تفرق التوتج لم‌يظهر عليه شبح النار فصعد بفضل الحرارة ما هي فيه فاذا برد نزل الي الارض و تصعد الشعلة لمكان الحرارة الصاعدة و مشايعة الدخان اللطيف و صار عمود المخروط اضوء من اطرافه لغلظة الدخان و تراكمه هناك و ممازجة اطرافه الهواء فيرققها و يكون الشعلة حاجبة لما وراءها و الدخان ربما لايحجب ما وراءها فان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 103 *»

الدخان لا نور له من نفسه و النور الذي من وراءه يتبين و هو رقيق مظلم لا بيان له و اذا اشتعل ضياء يكون بنفسه ابين مما وراءه و الضوء الابين يحجب الغير الابين عن البصر و اثر الضعيف يستحيل الي اثر القوي فيبقي القوي كما يضمحل انوار الكواكب في نور الشمس و يستحيل اليه و الشعلة يقل ضوءها في الشمس بحيث انها ليست بحاجبة لما وراءها لان ما ورائها اضوء منها و يحيل ضوءها الي نفسه فهذا صفة تكون الشعلة من البداية الي النهاية و سر ضوءها و لونها و شكلها و مادتها و صورتها ما لاتجد مثله في كتاب و لاتسمعه من خطاب و ان عرفته فهو باب يفتح منه ابواب.

فصل ثم نذيل ذلك ببيان نور السراج الواقع في الهواء و الارض و الاجسام الكثيفة اعلم اولا ان الشعلة ليست بذات احدية ليس لها ابعاض فيكون ما يضاف اليها يضاف الي كلها و لا كل بل هي ذات اجزاء و ابعاض و فعل جزء منها غير فعل جزء آخر منها و هذا الذي اشتبه علي الناس و تحيروا فيقولون نور السراج مبهما و يريدون ان يضيفوا نور طرف منها الي طرف آخر فيتيهون بذلك في كثير من المسائل و لايهتدون الي حقايقها فاعلم ان الشعلة جسم له طول و عرض و عمق و كل جزء منها غير الاخر و كل جهة منها غير الاخري و نور كل جهة يضاف اليه و نور كل جزء يضاف اليه و ليس نور جزء منه اثر جزء آخر الاتري انه لو عدم جزء منه يبقي الجزء الاخر مع نوره فسراج كل نور ذلك الجزء الذي منه ينشأ ذلك النور لا غير فاذا كل نقطة نقطة جوهرية من السراج منشأ نور خاص به و هو سراج ذلك النور بل كل نقطة جوهرية منه له سطوح و جهات و كل سطح و جهة منه منشأ نور خاص به دون غيره فلوجه كل نقطة نور و لظهره نور و ليمينه نور و ليساره نور و لفوقه نور و لتحته نور و نور كل سطح يرجع الي ذلك السطح كما عرفت و هذا هو سر صدور الانوار من الاضواء علي الاستقامة و لم‌يعرفه اهل التعاليم و ذكروه حكما لازما و السطح عرض ليس له سطوح و لايمكن ان يتوجه الي جهتين و يكون توجهه و هو سطح نقطة الي نقطة واحدة من المقابل فلاينير

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 104 *»

الا تلك النقطة و هذا هو سر الانارة في الاستقامة بالجملة لما استضاء السراج بالنار و صار كاملا مكملا عمل في الجسم الذي يليه كما عمل فيه النار حرفا بحرف و صفة تكميله الجسم الذي يليه انه لما غلب عليه لطيفته التي هي ضوء النار و مثالها الذي القته في هويته ورق فيه هويته التي هي الدخان اظهرت النار عنها افعالها و هي الاضاءة و الاحراق و التكليس و امثالها ولكن منصبغة بصبغها متهيأة بهيأتها و يكون نفوذ افعالها علي حسب رقتها و غلظتها و صفائها و كدورتها و حجبها و اظهارها و لا فعل لنفس الدخان في الاضاءة فانه المفعول به و ليس بظهور النار و لا اثرها و لا يري فيها نور الا نورها و لايسمع فيها صوت الا صوتها و قد علمت ان ظهور النار هو نفس ذلك الضوء و هو فعلها الاضاءة اضاء بها الدخان و اما فعل الدخان فهو الصبغ و الشكل الذي حصل للضوء بفعله و هذا الفعل لما الطف ورق حتي شابه ذلك الضوء صار كاملا فعالا نافذا كالضوء و جميع تعينات فعل النار به و فيه حتي ان الضوء بمعني الظاهر للعين ظاهر فيه و به فالضوء بهذا اللحاظ فعل الشعلة و اثرها و الشعلة هي الدخان المشتعل المترقق فان نسبت الفعل الي النار فمن حيث مادة الضوء و ان نسبت الي الدخان فمن حيث صورة الضوء و لما كانت الصورة تامة المشاكلة للنار صارت النسبتان علي حد سواء الا ان ارجاع النور المنبث من السراج الجسماني الي السراج اولي لعدم كمال فناء الدخان في النار بخلاف الباطن و لذلك تري جميع الانوار اصفر مخروطيا علي حسب الدخان المشتعل فنسبة النور الي الشعلة اولي و هي اولي به هنا بخلاف الباطن فافهم و لذلك وصف الله سبحانه في كتابه السراج بالمنير و قال في موضع آخر يكاد زيتها يضيء الاية فاذا جاور جسم الدخان جسما آخر نفذ فيه ذلك الضوء كما ينفذ في الادخنة التي تتولد شيئا بعد شيء او تقارن الشعلة و تتحد به فنفذ فعل النار في الهواء المجاور لها منصبغا بصبغ الدخان كما يظهر النور من وراء فانوس احمر او اخضر منصبغا بصبغ الفانوس فلما نفذ في الهواء كمله كتكميله الدهن فبفعلها الحرارة و اليبوسة سخنته و بفعلها الضياء اضاءته و لكن الهواء لشدة رقته لم‌يظهر الضوء فان الضوء شاف لطيف لانه عرض منها و لو عملت في مرآة كثيفة صقيلة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 105 *»

ظهر فعلها و كذا لو عملت في جسم آخر كثيف فالاضاءة فعل النار و الضوء اثرها و قد عرفت ان الضوء هو الاضاءة من حيث الاعلي فالضوء هو فعلها و مفعولها و هو فعلها التكميلي فاذا قارن تكميلها الهواء و في الهواء من جنس فعله تقوي ما كان فيه بالقوة و خرج الي الفعلية فسخن الهواء و الجسم الذي يليه بقدر قوة الفاعل و القابل و استضاء الهواء باضاءة السراج و فعل السراج هو الاضاءة و الاضاءة هي الضوء و الضوء هو صفته التي القاها في هوية الواء فصار الهواء كالدخان و الضوء الملقي فيه كضوء النار في الدخان فكما ان ضوء النار هناك فعلها و مثالها القته في هوية الدخان فهيهنا ايضا ضوء السراج فعله و مثاله  القاه في الهواء و الهواء هو المفعول به كالدخان و هذا المثال الملقي ليس الا فعلية السراج و كماله قد ظهر عنه بتكميل النار له فكان فيه بالقوة و قواه ضوء النار حتي اخرجه الي الفعلية و حقيقته من انبساط ذلك الشبح المتصل بضوء النار و توحده و نفوذه في الامكنة و ليس شيء الا الشبح المتصل اللطيف النافذ و هو قول الرضا عليه السلام ان النور من السراج ليس بفعل منه و لا كون و انما هو ليس شيء غيره فلما استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتي استضاءنا به الخبر و ليعلم ان هذا التكميل يقع من السراج لجسم الهواء المباشر و ذلك الجزء المباشر يكمل ما يليه كما يكمل اسفل الشعلة في كل آن الدخان الجديد الحادث و في بطن كل جزء من الهواء ينصبغ ذلك الضوء بصبغه و يشوبه شيء من الظلمة لتراكم الاهبية التي فيه و ينكسر الحرارة لبرده فيضعف النور و الحرارة درجة بعد درجة الي ان يبرد الحرارة و يظطلم الضوء فيفني اثر النار و هذا التأثير يكون من سطح كل نقطة جوهرية في خط من الهواء مستقيم اذ لايعقل ان يخرج من سطح نقطة خطان لان نقطة السطح طرف الخط و لاتنقسم طولا و لا عرضا فيكمل كل نقطة من السراج نقطة من الهواء الذي يليها و هكذا كل نقطة منه نقطة مما يليها الي منتهي النور و جميع هذه الانوار كلها فعل النار و مفعوله و اثره و الهواء مفعول به و ليس باثر النار فمن كل درجة يقع اثر النار التي تلك الدرجة حاملها و هو لطيفتها علي درجة اخري بالتكميل و يخرج ما فيها من جنسه هذا اثر النار و هو البريق و اما اثر الشعلة فهو الصبغ و الشكل المستضيئان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 106 *»

بذلك الاثر فهما من اثر الدخان اذ الدخان و النار كلاهما جسمان و كما عمل النار في الدخان عمل الدخان في النار و كما ان الضوء اثر النار صورة الضوء اثر الدخان و كما كل اثر النار الهواء في كل درجة كذلك كمل صفة الدخان الرقيقة الحاصلة لذلك الاثر التي هي فعل الدخان و ظهوره الجسم الذي يليه مع اثر النار فالكمال الحادث في الجسم التالي مادته و هي الضوء من مادة كمال السراج و صورته من صورة كمال السراج و هكذا ما في كل درجة بالنسبة الي الدرجة السابقة ثم ان الجسم الذي يلي السراج علي اربعة اقسام اما يكون السجم التالي دخانا كدخان الشعلة فتكمله حتي تجعله مثلها بعينها و اما يكون جسما مشفا رقيقا لايحجب كل جزء منه الذي يليه فيعطي من وراءه ما اكتسب من امامه بل و ما امامه ايضا فان كل نقطة من الضوء الجوهرية يكمل ما حولها كالدايرة لان من كل نقطة عرضية منها يشرق ضوء و يكمل ما يليها من كل جهة فكل جزء من الهواء يكمل من اطرافه كرة فينفذ فيه التكميل الي المنتهي و اما يكون جسم احد وجهيه صقيل متشاكل الاجزاء و السطوح و هو ما يلي الشعلة و الوجه الاخر كثيف حاجب فيتكمل وجهه الصقيل من الشعلة و لايكمل وجهه الكثيف من حيث الضوء لعدم استعداد الكثيف للتكمل لان كثافته افادته تراكما و ظلمة ابعدته عن قبول الضوء و البريق و هما ضدان ولكن يتكمل وجهه الكثيف بالحرارة فيسخن اذا لبث عند الشعلة فاذا كمل ضوء الشعلة وجهه اللطيف تكمل و انصبغ الضوء في بطنه كما مر في الشعلة فكمل ما امامه و اما يكون جسما كثيفا غير مشف كالاجر مثلا فيتكمل وجهه الذي يلي الشعلة و لاينفذ التكميل الي وراءه فاذا تكمل يكمل ما امامه و الفرق بينه و بين المرآة انه مختلفة الاجزاء و السطوح و يوجد علي كله سطوح متوجهة الي الشعلة فيستنير كله قطعة واحدة و يكثف النور ايضا كثافة زايدة و يصبغه بصبغه الغليظ الجسماني و اما المرآة فسطوح اجزائها مستوية و لا يتوجه كلها الي الشعلة بل سطح قطعة منها خاصة و باقي قطعاتها متوجه الي اطراف الشعلة فيري في قطعة منها الشعلة و في الباقي اطرافها كل بلونه و اما الاجر و ان كان فيه ايضا سطوح الي غير الشعلة و يقع عليها تكميل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 107 *»

اطراف الشعلة الا ان تكميل اطراف الشعلة ضعيف عند تكميل الشعلة فلايري و لو لم‌يكن مواجه الشعلة و كان مواجه اطرافها لظهر عليه تكميل اطرافها البتة و اما سر بقاء التكميل التسخيني في الهواء و ساير الاجسام و عدم بقاء التكميل الضوئي فيها بعد السراج فلان التكميل اذا لم‌يبلغ طبيعة الشيء فيحيله الي جنس المكمل يكون عارضيا باقيا مادام يد المكمل عليه فاذا رفع يده زال الكمال عن المتكمل كحركة المفتاح بحركة اليد فانك ما دمت تحركه تحرك و اذا رفعت يدك سكن فلو كان خشب مثلا طوله الف فرسخ و انت تقدر علي حمله فاذا رفعت طرفه ارتفع كله و تحرك و اذا رفعت يدك عنه سكن كله دفعة واحدة فالتكميل الضوئي ضعيف لرقة كيفيته و لطافته و لايبلغ طبيعة الاجسام و غاية اثره في لونها بالعرض و جوهر الالوان من الطبايع فما لم‌يتغير الطبع لم‌يتغير اللون ذاتا و اما التسخين فانه اشد نفوذا و اشبه بالطبع و ينتشر ايضا جسم النار العرضية الفارق من السراج في الهواء فيسخنه كالحديدة المحماة من النار فان جسم النار داخلها و ما دام هو فيها هي ساخنة فاذا فارقها بردت و عاد الحديدة الي بردها و سأمثل لك في امر تكميل السراج للاجسام مثلا به يتضح المرام ان‌شاءالله.

اعلم ان الدم الذي في بدنك بمنزلة الزيت فيعمل فيه الروح الحيواني الفلكي بواسطة الحرارة الغريزية الجوهرية فيبخره و ذلك البخار بمنزلة الدخان الحاصل من الزيت فيشتعل ذلك البخار بالروح كما يشتعل الدخان بالنار و كما ان الروح من الملكوت و لايتعلق بالروح البخاري الا بظهوره فيه كذلك النار الجوهرية من الملكوت و لاتتعلق بالدخان الا بظهورها و هو الضوء فكما ان الروح القي في هوية الروح البخاري مثاله فيظهر عنها افعاله كذلك النار الجوهرية القت في هوية الدخان مثالها فاظهرت عنه افعالها و كما ان كل فعل يصدر منك يصدر من روحك الملكوتي و يظهر بروحك البخاري و ينصبغ فيه كذلك الضوء الذي هو فعل النار الملكوتي يصدر عنها و يظهر بالدخان و ينصبغ في بطنه بصبغه و كما ان فعلك مادته من روحك و صورته من البخار كذلك فعل النار و هو الضوء مادته من النار و صورته من الدخان و كما ان روحك البخاري منفعل عند فعل الروح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 108 *»

الدخان ايضا مستضيء عند فعل النار و ضوئها و كما ان جميع افعالك الصادرة عنك بالنسبة الي روحك فعلية و بالنسبة الي جسدك انفعالية كقيامك و قعودك و اكلك و شربك و كلامك فانها كلها تحركات بدنك و تحريكات روحك كذلك جميع الاضاءات الصادرة من السراج بالنسبة الي النار اضاءة و بالنسبة الي الدخان استضاءة و كما انك اذا اخذت المفتاح بيدك و هو جسم كبدنك و روحك البخاري بلاتفاوت و هو عند اتصاله ببدنك يكون كجزء من اجزاء بدنك فاذا حرك روحك الملكوتي بدنك تحرك بدنك و انفعل و تحرك ذلك المفتاح بتحريك روحك ككفك و ساعدك بلاتفاوت فيحنئذ ان نسبت حركة المفتاح الي روحك و قلت حركته فهو حق و ان قلت يدي حركته فهو ايضا حق لان روحك القي في هويتها مثالها فاظهر عنها افعاله فهذه النسبة نسبة اظهار و الاولي نسبة ايجاد و بينهما بون كذلك اذا اتصل جسم بالشعلة و هو مثلها في الجسمانية يكون كجزء منها فاذا اضاء النار الملكوتية الشعلة استضاءت و استضاء معها بالاتصال كل جسم متصل بها علي مقدار قوة الاضاءة و صفاء الشعلة فان قلت النار اضاءت الاجسام فهو نسبة ايجاد و ان قلت ان الشعلة اضاءت فهو نسبة اظهار و ان فعل الروح يسري في الاجسام سراية السم في البدن و الاكسير في الجسد و كذلك فعل النار الجوهرية الملكوتية يسري في الاجسام سراية فعل الروح في البدن و كل جسم متصل بجسم ينفعل من روح الجسم الاول كالجسم الاول لمكان الاتصال و لا فرق بين ان تلصق شيئا ببدنك من الخارج او تلزقه من الباطن و لا فرق بين اصبعك و المفتاح و كذلك لا فرق بين الهواء و الدخان او الحائط و الدخان فكما ان اثر روحك اذا ظهر في بخارك انفعل ذلك البخار فانفعل به المخ فانفعل به الاعصاب فانفعل به العضلات فانفعل به اللحوم فانفعل بها العظام فانفعل بها الاعضاء فانفعل بها المفتاح كذلك اذا ظهر اثر النار في الدخان انفعل به الدخان فانفعل به الهواء فانفعل به الحائط بلاتفاوت و كما ان كل عضو منك ليس بموجد الحركة في العضو اللاحق و انما هو رسول الروح و ترجمانه و لسانه المعبر و مظهر فعله فعلها للهواء و كما ان االعضاء آلات للروح يجيلها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 109 *»

و يحركها كذلك الدخان آلة النار في الاضاءة و الالة متحركة لا محركة و تحريكها غيرها تحريك اظهار لا تحريك ايجاد نعم الفرق بين الروح البخاري و ساير الاعضاء انه لصافئه يسمع عن الروح الملكوتي و ساير الاعضاء لايسمع فاذا سمع الروح البخاري غلظ ذلك الصوت بغلظته التي كانت لازمة له فاذا غلظ الصوت سمعه المخ و المسموع هو صوت الروح المتغلظ بغلظة الروح البخاري و لولا تلك الغلظة ما سمعه المخ و كذلك الي منتهي الاعضاء فكذلك الفرق بين الدخان و ساير الاجسام انه سمع صوت النار بالمناسبة فصبغ الصوت في نفسه و غلظه حتي ناسب اذن الهواء و لولا ذلك التغليظ لم‌يسمعه الهواء ثم ادي الهواء الي ساير الاجسام بالترجمة لها فتبين و ظهر لمن انصف  و اعتبر ان النور اثر السراج و السراج هو المنير كما انك انت القاعد القائم الا ان الفعل من النار ايجاد و من الدخان اظهار و من روحك ايجاد و من جسمك اظهار فالضوء الذي في الهواء مثال النار ايجاد او مثال الدخان اظهارا و كما انه يري حركة المفتاح و حركة يدك بعين واحدة لانهما من عرض واحد كذلك يري نور السراج في ساير الاجسام و في السراج بعين واحدة و هما من عرض واحد خذها اليك يا طالب العلم ما لاتجده في كتاب و لاتسمعه من خطاب و ذلك من فضل الله علينا و علي الناس ولكن اكثر الناس لايشكرون و اما حدوث الضوء من النار فكحدوث الحركة من روحك و قد شرحنا في الحكمة ان الحركة تتعين بالانتقال في بطن الجسد و الا حركة الروح في عالمه محض كمال مبهم له و اختلاف هذه الاسماء الفعلية في بطون القوابل و في عالمه هو روح كامل و كماله منه بلا انفصال و هو صفته بلا اتصال و هو منه كيدك منك و لايليق هذا الكتاب لازيد من ذلك و كذلك كمال النار الملكوتي ظهورها و صفتها و نفوذها و انبساطها و قد مر الاشارة اليه فراجع ان كنت تفهم و الا فذره في سنبله لاهله فانه من اغمض المسائل و قد تكفل بشرحه ساير كتبنا فقد انحل امر الشعلة ظهرا لبطن و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ و وصال و ايصال.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 110 *»

المطلب الرابع

في مجمل من امر الالوان و لما كان معرفة ذلك مما يتوقف عليه هذا العلم احببنا ان نذكر كلمات في هذا المطلب ايضا فتحقيق ذلك يقتضي رسم فصول.

فصل اعلم ان العلماء قد تفرقت احوالهم و تشتت آراؤهم في معرفة حقيقة الالوان فمنهم من زعم ان الاجسام لا لون لها و انما الالوان تحدث من اشفاف الجسم و الهواء و الضياء و عدمها و ضعفها و شدتها فالجسم الشفاف اذا انقسم الي اجزاء صغار ثم ارتكمت و تعاكس الانوار من جزء الي جزء يري ابيض كالزجاج المسحوق و الزبد في الماء و اذا كان الامر بعكس ذلك يري اسود و ينقض علي هؤلاء الفضة و الاحجار البيض الصلبة و منهم من جعل الماء سبب السواد نظرا الي التراب المبلول و الثلج المغموص في الماء فان الماء يخرج الهواء من خلل الشيء فيسود و ينقض علي هؤلاء لبن العذراء و ذات الرغوة و المحلولات المسترسبة و منهم من زعم ان اللون هو السواد لانه لاينسلخ بعكس البياض و ينقض عليهم ابيضاض الشيب و رماد الفحم و منهم من زعم ان الاجسام لها استعدادات اذا اشرق عليها ضوء ظهر اللون و ليس لها في نفسها لون و ينقض علي هؤلاء ظهر اللون في اشياء متضاد الاستعداد كما يأتي بداهة و لسنا بصدد بيان اقوال هؤلاء بادلتهم و براهينهم و تزييفها فان العمر اشرف من ذلك و قد فصلنا في الجملة سابقا في رسالتنا الموسومة بالياقوتة الحمراء و اما هنا فنذكر مر الحق في المسئلة ببيانات اذا اطلع عليها مطلع قنع بها عن كل بيان و لا حول و لا قوة الا بالله اعلم انا قد اسلفنا سابقا تثليث الاشياء بحسب قوة اللطيفة وضعفها و توسطها و قلنا انه لا ظهور الا للاحد النافذ باحديته في كل شيء و هو الظاهر حقيقة لا ظاهر غيره ثم كل احد اضافي بالنسبة الي ما دونه كذلك اي هو الظاهر في ذلك الدون و كل ظهور يكون لما دونه عند النظر اليه هو للعالي حقيقة و قد شرحنا ذلك هنا و في ساير كتبنا و رسائلنا ثم ذكرنا ان لطيفة الشيء هي ما فيه من آية الاحد فالظهور في الشخص الخاص له بقدر وحدانية لطيفته و نفوذها في الانية و ساير ما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 111 *»

يجاورها فاذا غلبت علي الانية الحاجبة ظهرت بنفسها و بقوة كمالها و وحدانيتها تظهر ما سويها في الدهر دهريا و في الزمان زمانيا فان ما يظهره الشيء دهرا هو من تجليات الشيء و انواره منه بدء و اليه يعود و اما ما يظهره الشيء زمانا فليس من الشيء و لا الي الشيء و انما هو شيء مباين له و اظهاره له اظهار تكميل و تأثير مباين زماني و اذ ساوت اللطيفة الانية يظهر الشيء بنفسه و لايقدر ان يظهر غيره و ان نقصت عن الشيء يخفي ذلك الشيء لان الظهور لللطيفة و قد خمدت نارها و انطفأ نورها و ليس فيه الا بقدر امساك نفسه فلاظهور له ولكن لاجل وجود اللطيفة قابل لان تقوي فيظهر و لولا وجود تلك اللطيفة و لو ضعيفا لما كان قابلا للظهور ابدا فان الحكمة ابداء ما قد كمن لا ايجاد ما لم‌يكن و لما كان الكلام في هذا الكتاب في ما يظهر للعين دون ساير الحواس و كان الغرض ظهور خاص فاقول انه يتدرج هذه المراتب الثلث في مراتب المرئيات ايضا يعني ان المرئي الذي لطيفته اقوي و اكثر من نفسه يكون ظاهرا للعين مظهرا لغيره للعين و هكذا الشيء هو الضوء كما مر و المرئي الذي لطيفته تساوي نفسه هو النير غير المنير الظاهر للعين الغير المظهر لغيره للعني و المرئي الذي لطيفته تنقص عن نفسه هو الخفي القابل للظهور للعين و هو اللون فاللون في ناقصة اللطيفة موجود لوجود اللطيفة التي هي منشأ الظهور للعين ولكن ناقص الظهور لنقصان اللطيفة فاذا قويت تلك اللطيفة بمعين خارجي ازدادت قوة و ظهورا فظهرت للعين و ليس اللون الا شيء هكذا فالضوء و اللون هما من مبدء واحد فالضوء لون لطيف شفاف براق لامع و اللون ضوء قد خمد ظهوره و انطفأ نوره فلو غلظ الضوء صار لونا و لو لطف اللون صار ضوءا و لذلك ينصبغ الضوء من اللون فيكون نور ابيض و احمر و اصفر و اخضر و غيرها و يستضيء اللون بالضوء فيظهر علي حسب اللون و لولا كونهما في صقع واحد لما وقع التفاعل بينهما كما تري ان الضوء لايحلو و لاينتن و لايطيب و لايسخن و لايقع عليه اضدادها و امثالها و كذا لذلك يريان بمشعر واحد و انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و لايدرك المشعر ما ليس من جنسه فاذا صارا من جنس العين صارا من جنس واحد فاللون لازم لكل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 112 *»

ما له لطيفة عينية لان اللون هو كيفية من شأنها ان تظهر للعين و لا ظهور للمشعر من المشاعر الا للطيفة خاصة به و لا جسم الا و له لطيفة عينية كما يأتي اما غالبة او مغلوبة او مقاومة فلا شيء الا و له لون بحسبه بالمعني الاعم و من زعم ان الحمرة و البياض مثلا يتشاركان في الضوء و يختلفان في انفسهما و ما به الاشتراك غير ما به الاختلاف فقد ارسل في غير سدد و ينقض عليهم انهما يشتركان ايضا في اللون و يختلفان في انفسهما أتجوز ان يكونا غير لون ايضا حاشا و نحل المسئلة بان الضوء روحانية اللون و لطيفه و اللون جسمانية الضوء و كثيفه فيشوب اللطيف بالكثيف فيشوب اللطف بالكثيف فتري في المركبات اشتراكا في الضوء و افتراقا في اللون و تزعم ان احدهما غير الاخر و لعمري احدهما غير الاخر شخصا و نوعا ولكن هما من جنس واحد كما بينا و لايشك احد في ان اللون الكثيف غير الضوء اللطيف و انهما يتركبان ولكن الكلام في كونهما من جنس واحد و جنسين و قد بينا انهما من جنس الظاهر للعين و سبب الظهور للعين غلبة اللطيفة النارية و هما نوعان من جنسها و شبحان منها احدهما اقوي و اشبه بها و الاخر اضعف و اقل شبها.

فصل ان كل شيء من هذه المركبات السفلية مركب من هذه العناصر المشهودة و هي النار و الهواء و الماء و التراب فالنار منها اشد حكاية من الجميع للمؤثر العالي للطافتها و رقتها فاذا القي المؤثر مثاله في هويتها اظهر عنها افعاله و صفاته فصارت بفضل ظهور المؤثر الذي له الظهور التام الكامل ظاهرة في نفسها و اقوي ظهورا من غيرها و اوحد و ابسط و اشف من ساير العناصر لانها من صفات المؤثر لها المقارن بها ثم يليها الهواء و هو لكونه الطف مما دونه بعد النار مشاكلا للنار في احد طرفيه لم‌يحجب المؤثر فكان له اشفاف و بريق و رقة و تشاكل اجزاء و وحدانية الا انه ادني من النار بدرجة ثم يليه الماء و هو في جميع ذلك ادني من الهواء لبعده و غلظه بالنسبة اليهما و اما التراب فلبعده و عدم تشاكل اجزائه و مشاكلته المبدء لم‌يظهر فيه المؤثر و صار يحجبه فتبين ان النار اشد ظهورا مما سويها ثم الهواء ثم الماء و هو غاية النور و منتهي الظهور و اما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 113 *»

التراب فهو مقام الخفاء و الظلمات فاصول الالوان اربعة و اصول الاضواء ثلثة اما الالوان فاصولها اربعة و هي الجمرة و هي كيفية تتبع طبيعة النار و الصفرة و هي تتبع الهواء و البياض و هو يتبع الماء و السواد و هو يتبع التراب و الثلثة الاول اشراق و تلألؤ كمناشئها و الاسود ليس له تلألؤ كالتراب و اما الاضواء فاصولها ثلثة نور احمر يتبع النار و نور اصفر يتبع الهواء و نور ابيض يتبع الماء و هنا منتهي الصفاء و اللطافة و التشاكل و الرقة و لايكون نور اسود ابدا نعم يوجد النور الاخضر و هو احد اركان العرش كما روي الا ان الاخضر مركب من الاصفر و الاسود و ليس ببسيط و اما الذين يقولون ان اصول الالوان اثنان ابيض و اسود بصرافتهما و يتركب الباقي منهما فقول بديهي البطلان رأي العين فانهما ان اختلطا يحدث بينهما الكدرة ثم الغبرة ثم الدكنة ثم الرمادية ثم القتمة ثم الدهمة ثم الحلكة و هي الاسود البالغ و لايحدث بينهما صفرة و لا حمرة بداهة و اني و اني و اما حقيقة اللون اي ما من شأنه الظهور للعين فهي كيفية اصلها و منشاؤها من عنصر النار و لذلك يكون العين ايضا الطف الحواس الظاهرة و ارقها و ابسطها كما ان الصوت كيفية اصلها من عنصر الهواء و يحس بالسمع الذي هو دون البصر بدرجة و الرايحة كيفية اصلها ينشأ من الماء و يحس بالشم الذي هو دون السمع و الطعم كيفية اصلها ينشأ من التراب و لذلك يحس بالذوق الذي هو دونه و ساير الكيفيات المركبة فيدرك باللمس الذي هو دون الكل و اعتبر لدرجات هذه الحواس بغنائها عن مقارنة المحسوس و حاجتها اليها فالبصر لايحتاج الي مقارنة و لا اتيان جسم اليه و لا مداخلة و لا مماسة و السمع يحتاج الي اتيان جسم رقيق هوائي اليه يطرق بابه و لايدخل عليه و الشم يحتاج الي اتيان جسم بخاري اليه و مداخلة في الخشم دخولا دقيقا و الذوق يحتاج الي اتيان جسم غليظ مائي مركب او ترابي اليه و مداخلة غليظة في خلل آلته و اما اللمس فهو يحتاج الي اتيان الاجسام الغليظة اليه و ملامستها و مع ذلك ليس يدرك ما بطن فيها و خفي من الكيفيات و انما يدرك ما ظهر عليها فلاجل ذلك قلنا ان الانسان لما كان مركبا من العناصر و صار ما يقترن به و يجب ان يدركه ايضا من العناصر و كل يغلب فيه عنصر خلق لاجل الانسان عضو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 114 *»

دراك يناسب النار و هو العين و عضو دراك يناسب الهواء و هو السمع و عضو دراك يناسب الماء و هو الخشم و عضو دراك يناسب التراب و هو الفم و هذه الاربعة لما يبطن فيها من خواص العناصر و اللامسة لما يظهر عليها من خواص العناصر و اللامسة لما يظهر عليها من خواص العناصر فتم بذلك ادراكه لما يحب و يكره و ينفع به و يضر و يقوم به عيشه فافهم.

فصل اعلم ان كل اثر له جهة الي ربه و هي حيث آئيته لذات الموجد و هي اشبه شيء بصفته لان كل اثر يطابق صفة مؤثره فهذه الجهة منزهة عن كل كيف كما ان الذات منزهة عنه و لا يجري عليها ما هي اجرته و لا يعود فيها ما هي ابدته و هذه الجهة هي آية الرب في الشيء و صفته التي بها قد وصف تنزهه عن كل جد و جهة الي نفسه من حيث المخلوقية و هذه الجهة لها مراتب اعليها آية مشيته سبحانه و صفة ارادته و هي ايضا مقام تنزهه عن كل حد و رسم كالمشية المعراة عن جميع الحدود التقييدية ثم بعد ذلك مقام مثال المشية و ظهورها و حيث تعلقها به ثم بعد ذلك مقام هوية الشيء و انيته و هذا المقام مركب من مادة و صورة هما ركنا الشيء و يظهر هذه المقامات في طبيعة الشيء بمقامات طبيعية فتظهر الجهة الاولي بالوجود و الجهة الثانية بالماهية و تنحل الي اربع كيفيات حرارة و يبوسة و هما الكيفية النارية و حرارة و رطوبة و هما الكيفية الهوائية و برودة و رطوبة و هما الكيفية المائية و برودة و يبوسة و هما الكيفية الترابية فالنار منها صفة المشية في مقام الطبايع و قد نعبر عنها بكينونة الذات و ظهورها و الهواء منها هو صفة مثال المشية و قد نعبر عنها بصفة المشية و كلاهما حق واقع و الماء صفة الوجود و التراب صفة الماهية و الشيء من حيث نفسه مركب من الماء و التراب و هما البخار و الدخان المعروفان في الصناعة الفلسفية فالوجود كما عرفت معري عن كل كيف و النار ايضا خفية عن الابصار غير مدركة للاغيار و كذلك الهواء و هو ايضا خفي عن الابصار لانه صفة المشية فهذه المراتب من الشيء خفيت عن درك الابصار لشدة تنزهها بقي الماء و التراب فالماء ايضا مقام الوجود و جهة الشيء الي ربه في هذا المقام فظهر بالبياض الذي هو عدم اللون و اشبه كيفية بالبسايط

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 115 *»

و الاضواء و التراب مقام الماهية و جهته الي نفسه فظهر بالسواد و الظلمة لشدة تكثره و تراكمه و بعده عن المبدء فهاتان الكيفيتان هما اصل جميع الالوان لا كما ذهبوا اليه فان من تركيب البياض و السواد بصرافتهما لاتحصل الالوان بالبداهة ولكن هما كيفيتان مرئيتان قابلتان للتغير و التبدل فاذا غلب علي البياض حرارة فعل المبدء و يبسه قللتا رطوباته المقتضية للانتشار فجمعتا اجزائه حتي تراكمت و اظلت بعضها علي بعض مع ان مقتضاهما التلطيف و التبريق فاجتماع الاجزاء في الجملة مع التبرق و الاشفاف صار سبب الصفرة و آيته انك اذا احرقت اي ابيض كان يصفر اول مرة و لايشك في ذلك فيلسوف و من بينهما يحدث الحرارة و الرطوبة فلذلك نسبنا الصفرة الي الحرارة و الرطوبة و اذا عملتا في التراب الذي كان اسود حدث الحمرة فان شانهما التبريق و الاشفاف و الظهور كما عرفت فاذا تبرق السواد و ظهر حدث منه الحمرة كما هو مشهود عند كل احد ان الفحمة السودا اذا غلب عليها النار احمرت و ما يري من ان الجسم الابيض ايضا اذا غلب عليه النار يحمر فانما ذلك لاجل ان النار تفني رطوباته المائية فتبقي الترابية السوداء فعند ذلك يحمر فلاجل ذلك قلنا ان الحمرة حارة يابسة فان النار تفني برودته و تزيد في يبوسته فيبقي الحار اليابس فاذا حصلت هذه الالوان صارت هي الاصل و لاجل ذلك قلنا ان اصول الالوان اربعة البياض و نسبناه الي الماء البارد الرطب و الصفرة و نسبناها الي الهواء الحار الرطب و الحمرة و نسبناها الي النار الحارة اليابسة و السواد و نسبناه الي التراب البارد اليابس و كل هذه الالوان تظهر في المركب من الماء و التراب اللذين هما القابلان فاثنان منها من صفة القابلين و اثنان منها من صفة الفاعلين يظهران في القابلين و لاجل ذلك لا ظهور لهما في نفس النار و الهواء و يحتاجان في ظهورهما الي قابل كثيف فنحن اذا قلنا ان اصول الالوان اربعة نريد به ذلك و اذا قلنا ان الاصل السواد و البياض فانما نريد الاصل المظهري و ان الاثنين الاخرين يظهران عليهما و هما كالمرآة لهما فخذه اليك يا طالب العلم فانه تحقيق شريف لم‌اسبق بمثله و هو الحق الذي بالاخذ به حقيق و كذلك تنشأ الالوان و تحدث في الاجسام و لما كان كل جسم مركبامن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 116 *»

هذه الكيفيات و لابد في اجزائه من هذا الفعل و الانفعال صار كل جسم ذا لون بل لما كان كل اثر لابد له من هذه الكيفيات و لايوجد موجود الا و هو مربع الكيفية و ما لم‌تتفاعل الكيفيات لم‌يحدث التركيب وجب ان يكون لكل مركب سواء كان دهريا او زمانيا لون الا ان بعض المركبات لطيف شفاف لايظهر الوانها فان الكيفيات تابعة للمواد في الكثافة و اللطافة و بعضها كثيف يكون الوانها صالحة للظهور فبعد ان ظهر ان لكل جسم بل لكل مركب لون فنقول منها ما لطيفته غالبة يعني جهة المبدء فيه غالبة فيكون مشرقا ظاهرا مظهرا للغير و منها مغلوبة فيه جهة المبدء فيكون غاسقا مظلما و يحتاج في ظهوره الي مظهر غيره و منها ما يتساوي فيه الجهتان فيكون ظاهرا بنفسه غير مظهر لغيره كما عرفت مكررا و لما كانت لطيفة الشيء و كثيفته من رتبة واحدة الا ان اللطيفة اعليها و الكثيفة اسفلها بحيث اذا رقيت الكثيفة و صفيتها صارت لطيفة و لو غلظت اللطيفة و نزلتها صارت كثيفة و كان الضوء صفة اللطيفة و اللون صفة‌ الكثيفة قلنا ان الضوء و اللون من جنس واحد فالضوء لون مشرق رقيق و اللون ضوء كثيف غليظ فاذا وقع الضوء من ضيء علي ذي لون اظهره و اذا قارن اللون بضوء ضيء صبغه و لاجل ذلك يضيء الضوء الدخان و يصبغ الدخان الضوء و هذا غاية‌ تحرير الكلام في المرام و لو فهمت ما ذكرت لك عرفت ان جميع ما قالته الاقوام تكلفات و خرصات لاتسمن و لاتغني من جوع و هذا آخر ما اردنا ايراده في المقدمة من مبادي علم المناظر و المرايا و الحمد لله اولا و آخرا.

المقالة الاولي

في بيان كيفية ادراك العين للاضواء و الالوان و انطباعها في الاجسام ففي هذه المقالة مقصدان.

المقصد الاول

في كيفية ادراك العين للاضواء و الالوان و حقيقة امره انه بخروج شعاع منها كما عليه اكثر ارباب التعاليم او بورود صورة اليها و هو المعبر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 117 *»

عنه بالانطباع بمعني اتيان صورة من الشيء في الهواء حتي ترد العين و تؤثر فيه كالالام كما قال به بعضهم او لاتدرك العين شيئا و انما تحدث النفس صورة‌ تشاكل صورة الخارج عند الاقتران و المقابلة في عالم الملكوت كما قاله بعض الصوفية او هو علم اشراقي يقع للنفس علي البصر عند مقابلته مع المبصر و زوال المانع كما ذهب اليه الاشراقيون ام هو بورود صور الاضواء بتكميل الوسائط الي العين و انفعال الباصرة بها و ادراك العين لها بما فيها من مثال النفس الملقي في هويتها كما هو الحق الحقيق بالتحقيق و يشهد به الكتاب و السنة و ذهب اليه مشايخنا اعلي الله مقامهم تبعا لساداتهم صلوات الله عليهم و القوم في عذر من مذاهبهم في جميع المسائل فانهم لم‌يرجعوا في عقايدهم الي اهل العصمة و الطهارة فلذلك تاهوا فيها و عجبت من رجل ممن كان يزعم ان له ضرسا في التعاليم جاريته في هذه المسئلة فكان مصرا علي انه بخروج الشعاع و كلما اقمت له البراهين تردد في غيه و لم‌يقبل حتي اذا اقمت عليه الحجج من اخبار الائمة عليهم السلام قال ما للائمة و هذه المسائل ان لهذا الفن اساتيد و هم يقولون بخروج الشعاع مجمعون عليه مع انه كذب و هم مختلفون و محققوهم يقولون بالانطباع بالجملة قال ذلك مع انه كان يدعي التشيع فانكرته و شنأته فتفرق المجلس و ما مضي ايام قليلة الا و الناعي عليه ينعاه عليه ما عليه و هذا سيرة كثير من الناس الا ان بعضهم يظهر و بعضهم يبطن و اما الشيعي فلايذهب في اصوله و لا في فروعه في شيء من العلوم مذهبا الا و يتبع فيه آثار آل محمد عليهم السلام و هذه المسئلة منها و هي مسئلة معضلة يليق الاعتناء بها و في ذلك تحير الباب القوم و تقرقوا تحت كل كوكب و استدل كل رهط منهم بادلة واهية ظنية لاتليق بارباب الحكمة فان الظنن لا مدخل لها في معرفة حقايق الاشياء و من راجع كتبهم عرف ان جميع ادلهم في ذلك ظنية حدسية و ليست تليق بالحكمة و لا حاجة بنا الي ذكر اقوالهم و ادلتهم فان كتبهم بها مشحونة و هي مشهورة معروفة و لابد من ايراد فصول نذكر فيها ما منحنا الله سبحانه من تحقيق الحق في ذلك.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 118 *»

فصل اعلم مجملا ان الله سبحانه واحد و امره واحدة و الاثر الصادر من الواحد واحد فما تري في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير و قال سبحانه و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة فالحكيم الذي يستدل علي الاشياء من الاعلي يري الكل علي نهج واحد و نظم واحد في كونه و فساده بلاتفاوت فان نظر الي الاشياء من حيث اجناسها يري خلقة الاجناس علي نحو واحد جنسي و ان نظر اليها من حيث الانواع و الاصناف يريها علي نهج واحد نوعي او صنفي و يبقي الذي فيه اختلاف خصوصية الشخصية المميزة عن غيرها فانها علي خلاف غيرها في الشخصية لا الصنفية و النوعية و الجنسية البتة فكل حكمة اديك الي علم فيه اختلاف فاعلم انه خطاء ليس من الله و لا الي الله سبحانه لان الخلق من عند الله البتة و يقول الله سبحانه و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فمن ذلك فاعلم ان الذين يبينون نوع علم ثم يفرقون بينه و بين ساير الانواع فانما علمهم مستند الي ظاهر الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون فيبينون كيفية ادراك البصر مثلا علي خلاف كيفية ادراك السمع و السمع علي خلاف الشم و هكذا و الظاهر علي خلاف الباطن و بالعكس و عين هذا الاختلاف شاهد صدق علي انهم اخذوا علمهم عن الشخصيات المختلفة الظاهرة و لو اخذوه عن مبادي العلل لوجدوا الكل علي نظم واحد و نحو واحد بلا اختلاف ابدا ابدا فعلامة العلم الحق ان تجد كلام العالم النوعي جاريا في جميع الانواع و كلامه الصنفي جاريا في جميع الاصناف لانك ما تري في خلق الرحمان من تفاوت و ليس بناء حكمة الحكماء علي الخصوصيات الشخصية الجزئية القائمة في الخارج ممتازة عن غيرها بالبداهة و تقييد المطلقات و تخصيص العمومات شأن الفقهاء الناظرين الي الشخصيات لا الحكماء الناظرين في العقليات فلاتجد اختلافا في كلامنا ان شاءالله و تجده جاريا في جميع الموارد و لا قوة الا بالله لانه من عند الله و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا فخذ هذا القانون الكلي و اعرف بطلان طرق اهل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 119 *»

الخلاف و الاختلاف.

فصل اعلم ان الله سبحانه حكيم خبير و عالم مختار قدير يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته قد اعطي كل شيء خلقه جميع ما يجب له في كونه هو هو و في كونه به و منه و عليه وله و من ذلك الحيوان فقد جعله ذا روح دراك و جعل له ادوات يدرك بها ساير المدركات ليهتدي الي مضاره و منافعه و جعل له قوة يقتدر بها ان يقترن بما ينفعه و يتباعد عما يضره فيعيش الي اجل كتب له و يحصل منه الغاية المخلوق لاجلها و هو قوله سبحانه اعطي كل شيء خلقه ثم هدي فجعل له سمعا و بصرا و ذوقا و شما و لمسا و ذلك لانه قد خلق في هذه الدنيا من العناصر كما ان جميع المكونات السفلية منها و منافعه و مضاره منها فجعل له ادوات يدرك بها كائنات كل عنصر ليقترن بما يشاكله منها و يجتنب عما يضاده و من العناصر النار و الكائن منها الاضواء فخلق له حاسة من جنس النار يدرك بها الاضواء و ذلك ان الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها كما روي عن علي اميرالمؤمنين عليه السلام و من العناصر الهواء و الكائن فيه الاصوات فخلق له حاسة من جنس الهواء يدرك بها الاصوات بالمشاكلة و هي السمع و من العناصر الماء و الكائن منه الروايح تبخيرا فخلق له اداة من جنسه يدرك بها الروايح و من العناصر التراب و الكائن منه الطعوم انحلالا فخلق له اداة من جنسه يدرك بها الطعوم و لهذه العناصر كيفيات تركيبية ظاهرية تحدث منها مركبة كالملاسة و الخشونة و الحرارة و الرطوبة و اليبوسة و الرقة و الغلظة و امثالها فخلق للانسان اداة مركبة من الجميع و هي اللامسة يدرك بها هذه الكيفيات فتم له ادراك كيفيات العناصر مفردة و مركبة ظاهرة  و باطنة و اهتدي اليها و اعطي قوة يقتدر بها علي الاقتران بما ينفعه و الاجتناب عما يضره ليعيش الي منتهي اجله الذي به ينال الغاية و ادراك جميع هذه القوي و الادوات لمدركاتها علي نهج واحد فان المدركات لها كيفيات جسمانية لازمة لجواهرها و الادوات ايضا اجسام لازمة لمراكزها مثلها لايستحيل هذا الي ذاك و لا ذاك الي هذا و انما يدرك جميعها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 120 *»

مدركاتها بورود اشباحها فيها و انطباعها فيها و تطورها باطوارها ثم هي تدرك انفسها و بادراكها نفسها و اطلاعها عليها تدرك مدركاتها كما يأتي البرهان عليه ان شاءالله.

فصل لما كان بناء هذا الكتاب علي علم المناظر و لم‌نكن بصدد بيان ساير المشاعر و القوي اقتصرنا علي علم الابصار حسب و منه يعلم كيفية ادراك ساير قوي النفس لان العلم الحق ليس فيه اختلاف و خلق الرحمان ليس فيه تفاوت فنقول انه قد وقع تنازع شديد بين اصحاب التعاليم و الطبيعيين و الاشراقيين و العرفا في ادراك البصر فقال اكثر اصحاب التعالم و الرياضيين بخروج شعاع من البصر مخروط و لهم في ذلك ايضا اختلافات كثيرة لا طائل تحت ذكرها و عن كثير من الطبيعيين انه بورود صورة من المبصر الي البصر فينفعل البصر بها علي نحو الانطباع و عن الاشراقيين انه لا ذا و لا ذاك بل هو بوقوع علم اشراقي من النفس علي المبصر بعد حصول الشروط من المقابلة و الضياء و صفاء الالة و امثالها و عن بعض العرفاء ان النفس تنشأ بعد حصول الشروط صورة تماثل المبصر مجردة عن المادة و المدة قائمة بالنفس قيام الفعل بالفاعل و لكل واحد منهم حجج علي دعويهم اكثرها لايسمن و لايغني من جوع و الحق الحقيق بالتحقيق ان الابصار بالانطباع علي حذو ساير المشاعر الظاهرة و الباطنة و لا ادراك الا بالانطباع و مرادنا بذلك ان لكل نير بالذات او بالعرض اشباحا ساطعة في الجو كما علمت و تلك الاشباح من عالم المثال قد اتصلت اسافلها بالمواد الدنياوية الزمانية و تلك الاشباح اذا وصلت الي حاسة البصر انطبعت فيها فانصبغت بها انصباغ الثياب بالالوان نوعا لا كثافة و تطبعا و تلك الحاسة ادراك بنفسها فاذا انصبغ الادراك بصبغ صار ادراكا كذا و لم‌تحجب نفسه عن نفسه و هذا قول اميرالمؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها فالبصر اي قوة الابصار تحد نفسها و السمع اي قوة السماع تدرك نفسها و هكذا كل قوة و هذه القوي التي خلقها الله سبحانه خلقها ساذجة قابلة لكل صورة و هي بمنزلة المادة للشيء فاذا انصبغت بصبغ مدرك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 121 *»

تشخصت و اختصت بذلك الشيء و صارت ادراكا لذلك الشيء و ادركت نفسها بنفسها انها هي هي اذ الشيء لايحجب نفسه عن نفسه و كذلك النفس قوة مطلقة علامة فاذا انصبغت بمعلومات خاصة صارت علما بذلك الشيء الخاص فالنفوس الخاصة علي حسب المعلومات و كذلك العقل بنفسه قوة دراكة للمعاني المطلقة و انما يصير عقلا خاصا بانصباغه بالمعقولات الخاصة و العقول الجزئية تكون علي حسب المعقولات فافهم فقوة الابصار ايضا قوة ساذجة صالحة لان تدرك كل مبصر يرد عليها فاذا ورد عليها شبح مبصر انصبغت به و تخصصت فادركته فاذا زال المبصر عن مقابلها و جاء مبصر آخر انسلخت عن تلك الصورة لشدة لطافتها و ضعف انصباغها و تصورت بصورة الحاضر لضعف الانصباغ الاول و لو قوي الانصباغ شيئا بقي بعد زمانا معتدا به كما انك اذا امعنت النظر الي شيء فيه صبغ خالص قوي من حمرة او بياض او سواد او غير ذلك ثم رفعت النظر عنه بسرعة و نظرت الي شيء ضعيف اللون تري تلك الالوان الاول ظاهرة بلاغبار زمانا يعتد به و في ذلك اعتبار لمن اعتبر و كلما كان المزاج سوداويا يكون دوام الصبغ فيه اكثر و كذلك من امعن النظر في قرص الشمس حال خسوف بعضها ثم نظر الي اي شيء كان يري فيه قرصا منخسفا و ربما بقي كذلك الي آخر عمره و من دخل من الضياء الفاحش الي بيت مظلم يري البيت مضيئا زمانا او خرج من بيت مظلم دفعة يري العالم مظلما زمانا و جميع ذلك دليل علي انصباغ الباصرة بما يقع فيها من الصور و الا ليس في المقابل هذه الصور حتي يدركها البصر و ان قال قائل لعل هذه الصور تنطبع في الحس المشترك و تبقي فيه و ليست في العين اقول ان الحس المشترك ادراكه ليس بالاضطرار بحيث اذا تعمد الانسان تركه بقي علي حاله و انما هو كالخيال الا انه اقرب الي الاجسام و مع ذلك اذا اراد الانسان ان لايتوجه اليه فعل فلم‌يدرك شيئا و هذه الاصباغ التي ذكرناها قهرية في العين كصبغ الاجسام و كلما يسعي الانسان و يغمز عينيه و يمسحها لئلا يري تلك الصور لايمكنه و يراها البتة و ربما يبقي ذلك المرض كما سمعت الي آخر العمر و يري شبح الخسوف في حال غفلاته كحال تذكره فذلك دليل علي ان الشبح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 122 *»

في العين قد انطبع بالطبع و ليس بارادة الروح الحيواني فافهم و مما يشهد علي ان الابصار بالانطباع دون خروج الشعاع انك تجد وجهك في المرآة يمينك في جانب اليمين و يسارك في جانب اليسار و لو كان بخروج شعاع و انعكاسه لكان الشعاع المنعكس كرجل ناظر مقابل لك فكان اللازم ان يري يمينك في يساره و يسارك في يمينه و كذلك لو قابلت خطا مكتوبا بمرآة فانك تجده فيها معكوسا و لو كان شعاع البصر الخارج ينعكس لكان كرجل ناظر الي الكتاب و لكان يقرؤه مستويا هذا و يشهد هذه الشواهد ايضا علي بطلان قول الاشراقيين و العرفاء ايضا فانه لا باعث لولا الانطباع علي احداث النفس صورة مقلوبة و علي علم النفس بالاشراق مقلوبا مع تساوي نسبها مع الاجسام و كذا لو كان الابصار باحداث النفس صورة لما كان للبصر حاصل و القول بانها تحدث الصور عند اجتماع الاسباب مع عدم مدخلية لها زخرف القول و مع المدخلية فليس باحداث النفس في الملكوت حسب من دون خصوصية للبصر و الكلام فيها و كذا لو كانت النفس تحدث فليست حاسة البصر بمدركة و هو خلاف الشرع و العرف فان البصر يدرك بالكتاب و السنة و بداهة العقلاء و الشواهد السابقة و بداهة الادراك في الخارج و اختلاف حالات الادراك باختلاف حالات العين من القوة و الضعف و الامراض و الاستقامة و الاعوجاج و الاستعانة بالمناظر و اختلاف حالات الادراك بواسطة المناظر فمنها ما تكبر المرئي و منها ما تصغر و منها ما تعوج و منها ما تقوم و منها ما تصبغ و منها ما تقرب و منها ما تبعد و مع ذلك القول بانه لا مدخلية لشيء من ذلك مع ما يري من دوره مدار هذه الالات ليس الا لجاجا و مخاطرة بالعقل و كذا يرد هذه الايرادات علي القول الاخر فلابد و ان يقال ان لهذه الالات مدخلية في الادراك فاما لاينطبع فيها شيء و لايرد اليها شيء مطلقا فاي مدخلية و اما يرد و ينطبع فان كانت النفس تدرك بنفسها لابها فاي مدخلية و ان كانت تدرك بها و هي قد وردت فيها الصور فهو القول الحق الذي لا شك فيه و لا ريب يعتريه و به نقول و يشهد به آيات الافاق و الانفس و ان قلت بالانطباع في العين يحضر عند النفس و النفس تدركه قلت ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 123 *»

كانت النفس تدركه بفعلها النازل في العين المجانس للمبصر في الكثافة فلا نزاع و ان كانت النفس تدركه بنفسها او بفعلها الملكوتي فلا مناسبة بينهما و هو مخالف لنص الامير عليه السلام حيث يقول انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و للكتاب و السنة حيث يكون مقتضاهما ان العين تدرك فتثبت.

فصل اعلم ان الله سبحانه خلق الروح دراكا بنفسه و جعل الجسد تنزله في عالم الشهادة و هما من جنس واحد و ان كانا نوعين فالروح هو جسد رقيق و الجسد روح غليظ فمادتهما من جنس واحد و الاختلاف في الرقة و الغلظة و كما ان الروح تنزل الي الجسد قد تنزل فعله و ادراكه و تغلظا بغلظة الجسد فالجسد دراك فعال كما ان الروح دراك فعال كما ان الروح دراك فعال الا ان ما من الروح لطيف غيبي قوي و ما من الجسد غليظ شهادي ضعيف فالجسد لما غلظ و بعد عن المبدء خف فيه تلك الفعالية و الدراكية و صارت بالقوة كما ان الروحانية صارت في الجسد بالقوة فاذا تعلق الروح بالجسد اشرق فعله علي الجسد فكما انه قوي ما كان فيه كامنا من الحيوة فاحياه كذلك آثار ما كان فيه من الادراك و الفعل بالارادة فجعله دراكا فعالا بالارادة الا ان ادراكه اغلظ و افعاله اكثف و لذلك تري ادراكه قد تشعب و تشقق خمسا علي حسب انفعال ابعاضه و افعاله صارت حركة من مكان الي مكان بمشقة و مهلة و جميع الادراكات في الروح ادراك واحد و جميع الحركات فيه ميل واحد فالعين و هي عضو مستعد للانفعال عن الروح علي صفة خاصة قد انفعلت بالروح و صارت مبصرة دراكة بفضل دراكية الروح فكانت بنفسها دراكة بادراك كثيف يسمي بالابصار و الا ففي الروح لا بصر و لا سمع و انما هناك ادراك محص فقولك ابصرت فانما هو بالعين خاصة و هو قوله سبحانه لهم اعين لايبصرون بها و لهم آذان لايسمعون بها توبيخا علي قوم فالابصار بالعين و هي مبصرة بفضل ادراك الروح كما مر و ان كان الروح في عالمه دراكا لكن دراكيته مطلقة مبهمة ابهام المواد التي لا تعين لها و ما لم‌تتشخص بشخصيات تصل اليها من الجسد لاتتشخص ابدا و لذلك لايعقل الا كمه معني الالوان ابدا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 124 *»

الاصم بالولادة معني الاصوات ابدا و لايقدر ان يتفكر الاكمه في الالوان كما تتفكر و لا الاصم في اصوات كما تتفكر و ان كان له روح دراك فان الروح المطلق عن الكثرات فعله ايضا مطلق و لابد من المناسبة بين المدرك و المدرك و كذلك شأن اكتسابات النفس السعادة و الشقاوة من الاعمال فلا تعين لشيء من الارواح الغيبية الا بواسطة الاجساد و اعمالها و اختياراتها و ذلك سر التكليف في الدنيا ثم اي صبغ اكتسبت الارواح من الاجساد فهو برتبته اعلي من الاجساد باربعة آلاف عام فافهم ان كنت تفهم و الغرض ان الروح دراك محض ولكن لايدرك مبصرا الا بالعين و لا مسموعا الا بالاذن و لا مشموما الا بالانف و لا مذوقا الا باللسان و لا ملموسا الا بالاعضاء و كذلك حال الادراكات الباطنية و محالها من بطون الدماغ فاروح يدرك كل مدرك بعضوه الخاص به و لولا تلك الاعضاء لم‌يكن له شيء من تلك الخصوصيات و لم‌يكن يدركها ابدا فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان العين مدركة للاشياء فاما هو بالانطباع كما قررنا او بخروج الشعاع كما يزعمه القائلون به و قد ابطلناه سابقا و سنبطله لاحقا و اما علم النفس الاشراقي و ايجادها الصور فلا كما ظهر من هذا الفصل مفصلا.

فصل ان الذي يزعم انه بخروج جسم لطيف مخروطي او خط فاسأله ان الذي يخرج من عينيك  جسم طبيعي له مادة و صورة او جسم تعليمي و هو محض مقادير مفروضة فان كان جسما طبيعيا له مادة و صورة و هي الانخراط فلم لا يتحرك بتحريك الرياح اياه و الجسم يتحرك بالجسم و ان اسرع الاجسام حركة الافلاك و اسرع الافلاك حركة العرش و يقطع دورة في مقدار يوم و ليلة و اري هذا الجسم الذي يخرج من عينك يقطع الدورة في طرفة عين فاي جسم هو فلكي او عنصري و لم لا يتسخن مع هذه الحركة السريعة و كيف يبلغ الي الثوابت في طرفة عين و كيف يخرق السماوات مع انكاركم لذلك و كيف يقطع هذا الجسم القريب و البعيد في مدة واحدة و كيف لا يكلّ بخرق هذه الاجسام الي الكرسي و كيف لا يزيله حركة الافلاك مع كبرها  عن مواضعه حين نفوذه منها و كيف يجوّز

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 125 *»

العقول ان جسما يكون طوله الي الكرسي و عرضه ما شئت يجتمع في ثقبة عينك و اعجب من ذلك انه يلتف من العرش الي الفرش بمحض اطباق الجفن و ينتشر الي العرش بمحض فتحه و يكون دايرامدار ارادتك و كيف اذا التف في عينك لا يزيد في حجم عينك و لا تنتفخ  و لا تتغير و لم لاتتصادم الانظار اذا كثرت في بيت و لم لا يمنع بعضها حركة بعض بالجملة كون هذا القول خرافة ابده البديهيات و ان لم  يكن جسما له مادة و صورة فهي صورة محضة تعليمية و الصورة التعليمية لا توجد في الخارج بلا مادة و انما توجد في الذهن و المخروط الذي يقولون به يزعمون انه موجود في الخارج و ان كان معروضه الهواء فلا معني لخروج العرض عن العين و عروضه علي الهواء فان الاعراض اطراف الجواهر و لا تفارق الجواهر ابدا و لا تنتقل من جوهر الي جوهر ابدا و ان كان هذا الخارج غير جسم فكيف يحد في الحدود الجسمانية و يقصر و يطول و يتحرك و يسكن و ينخرط و يقترن و يتباعد و امثال ذلك و كذا القول في الخطوط الخارجة التي يزعمون فانها ان كانت اعراضا تحتاج الي معروض و ان كانت اجسماما يرد عليها ما يرد علي الاول بالجملة هذه الاقوال بكلها خارجة عن حد الصواب و ان قيل انه نور يخرج عن العين فلم لا يضء بالليل و ان قيل انه ظلمة فلم يسمونه شعاعا مع ان الذين يسمونه شعاعا يريدون به انه جسم رقيق كالشعاع كما صرحوا به و لا يريدون به انه نور او ظلمة و ان قيل انه نور فيرده قول الرضا عليه السلام حين رد علي عمران فقال عليه السلام اخبرني عن المرآة انت فيها ام هي فيك فان كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شيء استدللت بها علي نفسك قال عمران بضوء بيني و بينها قال الرضا عليه السلام هل تري من ذلك الضوء في المرآة اكثر مما تراه في عينك قال نعم قال الرضا عليه السلام فارناه فلم يحرجوابا قال فلا اري النور الا و قد ذلك و دل المرآة علي انفسكما من غير ان يكون في واحد منكما الخبر. فاخبر عليه السلام انه لو كان ضوء يخرج من العين و يقع في المرآة لكان يتكثف و يري كساير الاضواء و كان في المرآة اكثر ظهورا كساير الاضواء فتدبر.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 126 *»

فصل و مما يدل علي ذلك من الاخبار ما روي عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم في رفع الاستبعاد عن قدرة الله بان يجعل الدنيا في بيضة ان الله سبحانه جعل السماء و الارض في العين و المراد اشباحها لا اجسامها بالبداهة و لو لم يكن اشباحها في العين لما كان لتلك الاخبار معني و  حاشاهم فمنها ما رواه في التوحيد انه جاء‌رجل الي الرضا عليه السلام فقال هل يقدر ربك ان يجعل السموات و الارض و ما بينهما في بيضة قال نعم و في اصغر من البيضة قد جعلها في عينك و هي اقل من البيضة لانك از افتحتها عاينت السماء و الارض و ما بينهما و لو شاء لاعماك عنها وفيه انه قال ابو عبدالله عليه السلام لهشام بن الحكم في حديث كم قدر الناظر قال مثل العدسة او اقل منها فقال له يا هشام فانظر امامك و فوقك و اخبرني بما تري فقال اري سماء و ارضا و دورا و قصورا و ترابا و جبالا و انها را قال له ابوعبدالله عليه السلام ان الذي قدر ان يدخل ما تراه العدسة او اقل منها قادر ان يدخل الدنيا كلها البيضة و لا تصغر الدنيا و لا تكبر البيضة الخبر. و فيها دلالة واضحة علي ان الاشباح تدخل العين و لو لا ان المراد بها دخول الاشباح لكان الجواب باطلا نعوذ بالله و كذا يدل علي ذلك ما روي عن العسكري عليه السلام في الخنثي قال ينظر اليه قوم عدول فيأخذ كل واحد منهم المرآة فيقوم الخنثي خلفهم عريانا و ينظرون في المرآة و يرون الشبح فيحكمون عليه و هذا الخبر صريح ان الشبح ينطبع في المرآة و المرئي هو الشبح و ليس خروج شعاع و انعكاسه الي الشاخص و ليس الادراك بالنفس و لا بصورة مماثلة من عالم الملكوت لان الشبح هو ظل صورة الشخص المقابل انطبع في المرآه و الرؤية بالعين كالمرآة لان الجليدية كالمرآة بتسليم الخصم و كذلك دلالة علي ذلك لاهل الدراية في قوله سبحانه و اذ يريكموهم اذا التقيتم في اعينكم قليلا و يقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا فانه يقول في اعينكم و هو نص علي ان شبح قلتهم كان في الاعين و في للظرفية و كذلك يدل علي ذلك ما روي عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث نقل الاشباح المطهرة الي ظهر آدم الي ان قال عليه السلام قال آدم يا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 127 *»

رب لو بينتها لي فقال الله يا آدم انظر الي ذروة‌العرش فنظر آدم و وقع اشباحنا من ظهر آدم الي ذروة العرش فانطبع فيه صور انوار اشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأي اشباحنا الخبر. و هذا الخبر نص في ان وجه الانسان ينطبع شبحه في المرآة و صور انوار اشباحهم انطبعت في العرش فصورة نور وجه الانسان العرضي ينطبع في المرآة و ان الانسان يري الشبح في المرآة و لا شك ان الجليدية مرآة صيقلية بداهة فينطبع فيها الاشباح و الانسان يري الاشباح المنطبعة في المرآة و لو كان بانعكاس شعاع العين الي الوجه لكان المرئي نفس الوجه لا شبحه بالجملة يرد هذه الاخبار ايضا علي جماعة يقولون ان الابصار باشراق النفس او احداثها فالامر اوضح من نار علي علم فمن شاء‌فليؤمن و من شاء فليكفر و كذا يدل علي نفي خروج الشعاع الخبر الذي مر في الفصل السابق فراجع.

فصل فاذ قد عرفت ان الامر بالانطباع و ليس بخروج شعاع و لا اشراق نفس و لا احداثها و انما هو بورود صور و اشباح الي الجليدية و انطباعها فيها فلنذكر الآن صفة الانطباع في العين اعلم انا قد ذكرنا سابقا ان من الاشياء ما هو لطيفته اكثر من حاجة نفسه فهو ظاهر بنفسه مظهر لغيره و منها ماهي فيه مساوية لنفسه فيظهر و لا يظهر و منها ما هي فيه انقص من حاجة نفسه فيحتاج في ظهوره الي غيره فاذا كانت اللطيفة لطيفة من شانها الظهور للعين و هو الضوء كما بينا و كانت غالبة في شيء كان كاملا من ذلك الحيث قويا فكلما اتصل به من جسم يكمله بفضل كما له فذو الضوء بكماله الهواء المتصل به و كل جزء من ذلك الهواء يكمل مايليه فيكون الضوء كالروح و الهواء كالجسم و يسري فيه سريان الروح في الجسم و الحركة في الخشب الذي حركته الي ان يأتي العين فيسري فيها الي ان يصل الي الجليدية فيسري فيها و هو انطباعه فيها فان كان الضوء لطيفا فلا يراه العين لانه فوق رتبتها و ان كان له صبغ كثيف تميزه و تراه لأن الجليدية فيها  روح الباصرة و هي غليظة متجسدة دراكة ينطبع فيها صورالاشباح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 128 *»

فاذا تصورت بصورة المرئي و هي ادراك صارت ادراكا هكذا فادركت نسها و هو ادراكها للمرئي كما قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها و ما تري من ان المرئي بعيد عنك فانما هو بالمقائيس و وجود اشباح اسباب البعد كما تري مما ينقشه النقاشون علي سطح من صورة الجبال و القفار و الابنية و الاشجار الي فراسخ عديدة فيري الناظر اليه فيه القريب قريبا و البعيد بعيدا كلا علي حسبه و انما ذلك لاجل ان ذلك النقاش نقش تلك النقوش علي النسب القياسية كما في الخارج فلا يراها النفس الا كما تريها في الخارج مقيسة و موزونة فتري بعيدها بعيدا و قريبها قريبا حتي انها تدرك انه علي رأس فرسخ او فرسخين او ازيد او اقل و سطح القرطاس سطح واحد و ليس فيه قرب و لا بعد و كذلك المرآة جميع الاشباح في سطحها و مع ذلك يري فيها قرب و بعد لوجود اشباح ما يقاس منه القرب و البعد و كذلك سطح الجليدية سطح واحد و لكن ينطبع فيها ايضا اسباب قياس النفس فتقيس القرب و البعد و ان اردت ان تعرف ذلك فابن حائطا فيه ثقبة و ابن امامه حائطا آخر طرفه بازاء الثقبة ثم وراء‌ذلك الحائط حائطا آخر اعرض من الثاني و بيض الحائطين بلون واحد و انظر من الثقبة فانك تري الحائطين كانهما حائط واحد متصل و ليكن وضع الحيطان كما في الهامش و كذا لو نظرت من انبوب الي حائط بحيث لا تري شيئا غير جزء من الحائط فانك لا تدركه بعيدا الا بقدر طول الا نبوب لانك تري اجزاء داخل الا نبوب و تقيس بعضها ببعض و سيأتي في ذلك مزيد بيان فانك لا تدرك الا شياء‌في مواضعها الا بالمقايسة و جميع المدركات في العين كما قال الله سبحانه و يقللهم في اعينكم و كما قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها فافهم.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 129 *»

فصل ان الشبح كما ذكرنا سابقا تابع للمادة ان كانت كثيفة فهو كثيف و ان كانت لطيفة فهو لطيف فاذا وقع الشبح علي محل لطيف لا يري و اذا وقع علي مادة كثيفة يكتسب الكثافة منها فيصير قابلا للرؤية و كذا يكتسب المادة منه استضاءة‌فتري فما دام شبح النار و مثالها اي الضوة منطبقا علي الدخان الكثيف يكون قابلا للرؤية فاذا كمل ذلك الشبح جزءا من الهواء المقارن من حيث اللون و تكمل به الهواء و مادته لطيفة لا يري في الهواء لان نفس الضوء صفة النار الجوهرية و هو بنفسه غير مرئي الا في محل كثيف يتكمل بذلك الكثيف كثافة و هو كثيف مادام مقارنا للكثيف فاذا فارقه عاد الي لطافته فان وقع ثانيا علي کثيف عاد کثيفا مثال ذلک انک اذا روحت بالمروحة ثوبا فحرکة يدک و حرکة المروحة محسوسة لکثافة جسمهما فاذا حرکت الهواء لا تري فيه الحرکة فاذا حرک الهواء الثوب رأي فيه الحرکة و انما ذلک ان الشبح عرض مثالي لطيف غير مرئي بالعين بنفسه و انما يري علي المحل المقابل للرؤية بالجملة و کذلک يکمل کل جزء من الهواء الجزء الذي يليه و لا يري في شيء من ذلک الي ان يأتي العين فيکون الجليدية کالدخان الصيقلي اللطيف و کالمرآة الصيقلية فيکملها الشبح فتتکمل و تصير بسبب کثافتها مکثفة للشبح جاعلة اياه قابلا للرؤية و فيها الروح الباصرة التي هي من جهتها الاعلي مرتبطة بالحس المشترک المثالي البرزخي و من حيث الاسفل مرتبطة بالجليدية فينطبع الشبح فيها فتدرکه کثيفا لانها اذا انصبغت و هي بنفسها دراکة لا تخفي عن نفسها و تدرکها هذا اذا کان سطح العين موازيا لسطح المبصر و اما اذا کان ذوالشبح عن يعينک و کان شبحه ما را في الهواء علي الاستقامة و انت تنظر في الهواء الذي يمر فيه الشبح علي العرض فلا تري الشبح فان الشبح في الهواء عرض ليس له جوهرية يکون لها سطوح و جهات بل هو سطح واحد له توجه واحد الي وجه واحد يوازيه و ليس له سطوح حتي يضيء في غير تلک الجهة المعينة و ذلک سرّ قد خفي علي الجل فلنفصل القول في ذلک حتي ينکشف الامر عيانا اعلم ان الضيء کالسراج مثلا جوهري و کل نقطة من الجوهر له الجهات

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 130 *»

الست ابدا و لذا تقبل القسمة بلا نهاية و لا يصير احد جنبيها الجنب الآخر ابدا فلاجل ذلک تقبل القسمة بلا نهاية و لو بالتجويز العقلي بخلاف النقطة العرضية فانها لا تقبل القسمة فطرف الخط الا يمن العرضي ليس له جنبان فيکون جنب منه متصلا بالخط و جنب الي الخارج بل تمامه الجنب الذي الي الخارج و ليس لتلک النقطة يسار غير اليمين بل کله الجنب الا يمن و هذا هو الغرق بين العرض و الجوهر و لا جل ذلک لا تقبل التجزية فاذا عرفت ذلک فاعلم ان الضوء و اللون من مقولة الاعراض السطحية فليس لهما عمق فاذا کان الشيء ضيئا کان الضوء  عرضه و سطحه الاعلي و کل نقطة منه اي من الشيء ضي له سطوح و کل سطح منه مواجه لشيء مواز لسطحه فيضيء ذلک السطح بل کل نقطة من سطوح تلک النقطة الجوهرية في خط مستقيم من الهواء و تلک النقطة لا تواجه غيرها و ليس لها سطح آخر تواجه به في غير ذلک الخط فاذا اضاء في ذلک الخط يکون ذلک الخط في الهواء و ليس له سطوح عديدة يضيء بها يمينا و يسارا فلا جرم لا يضيء الاعلي استقامة فاي عين وقع بازاء ذلک الخط رأي تلک النقطة و اذا انحرف عنه لا يضيء ذلک السطح و ذلک الخط له لانه ليس لتلک النقطة في ذلک الخط شبح الي اليمين و اليسار و ما تري من انک تنحرعن موازاة سطح الحائط مثلا يمينا و يسارا و مع ذلک تري سطحه فانما هو لاجل ان للحائط اجزاء جوهرية لها سطوح توازي بصرک اين ما کنت فاين ما کنت يأتيک شبح عن سطح نقطة مواز لعينک البتة الا تري انک لو نظرت من طرف حائط بحيث تقع عينک علي طرف خط يمرعلي سطحه لا تري سطح الحائط بوجه و انما ذلک لاجل ان الاجزاء الجوهرية يحجب بعضها بعضا عن عينک و لو ملت قليلا مما يلي السطح تري سطح الحائط و لکن تري عرضه قليلا لان بعض کل جز يحجب بعض جزء يليه ثم کلما تميل اليما يوازيه فتري السطح کما هو بل اقول انک لو وقفت بازاء وسط حائط فانما تدرک سطح ذلک الجزء الذي بازاء عينک کما هو و اما الاجزاء التي عن يمينک  يسارک فانت منحرف عنها و لامحة يحجب کل جزء شيئا مما يليه فيظهر لعينک اقصر مما هو في الواقع عليه و انما تدرک طول

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 131 *»

الطرفين بالقياس فلما کان الشبح الذي في الهواء شبح سطح فهو سطحي ليس له عمق و عرض و ليس له اجزاء جوهرية لها سطوح فليس له تواز مع غير ما يوازيه فلا يضيء في غيره ابدا فلاجل ذلک اذا نظرت امامک لست تري اشباحاً تمر عن جانب منک الي جانب آخر بل تري فيه شبح جسم يوازي عينک سطحه ابدا فهذا هو السر في هذا الامر الذي قد خفي علي الجل و زعموا ان الهواء للطافته  ليس ينطبع فيه الشبح کما في المرآة و انما يمرفيه الضوء مرورا  و قد اخطاؤا فان الشبح ينطبع فيه کما في المرآة و السرفي عدم ظهوره لطافة الهواء و لطافة الشبح و السر في عدم رؤية الشبح من غير المواجه ما ذکرنا و لا فهذا الهواء مملو من الاشباح و تلک الاشباح من عالم المثال و لاجل ذلک يدرک بالعين المثالية و الحس المشترک کما تري الدائرة من الشعلة المدارة سريعا فتري الاشباح المتخلفة لاعلي مادة کثيفة و تري بعينک الخيالية جميع الاشباح التي رأيتها في الهواء بعد تخلفها عن المواد الکثيفة.

فصل  ان شبح کل ذي شبح علي شکل المخروط قاعدته عند ذي الشبح و رأس مخروطه بعيد عنه ففي الاعتبار انا نري انالو امسکنا عودا في ضوء الشمس يقع منه ظل علي الارض و لو صعدنا به يبلغ حد الا يبقي له ظل في الشمس و يکون الارض بکلها مستنيرة و نعلم حينئذ لو جعلنا اعيننا علي سطح الارض و نظرنا اليه لم نکن نراه لوجوب ان يکون عيننا مستنيرة کالارض و کذلک نري انه لو بعد ذلک العود عنا او غيره من المرئيات في سطح الارض يبلغ مبلغا يخفي عن اعيننا و نري ما وراءه بکله و لانعني بالخراطة الا ذلک و لما کان غرضنا في هذا الکتاب اسرار امثال هذه المسائل فلنذ کرذلک و نبين ان هذا سرّ في شبح ذي الشبح او هو شيء  من اغلاط البصر و له شبح ابدا الا انه يضمحل عند ضياء الطرفين فينحجب عن العين و ليس في الواقع هکذا اوله وجه غير ذلک اعلم انه لا يعقل ان يدق رأس الشبح ابدا اذا کان کل نقطة منه اي من ذي الشبح يضيء في خط و لا يعقل ان تدق تلک الخطوط فان الخط لا يقبل الدقة و لا ان تجتمع فان الاضاءة لا تکون

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 132 *»

في غير جهة الاستقامة فشبح کل ذي شبح ممتد ابدا الي منتهي قوة ذي الشبح الا ان ذاالشبح اذا وقع وراءه ضيء اکبر منه يکون له اجزاء جوهرية ذات سطوح و جهات و کل سطح منها يضيء فيما يوازيه فاذا اضاءه من الضيء تلک الاجزاء التي لا توازي ذا الشبح الي جهة ذي الشبح من جهاته و اطرافه في خطوط مستقيمة تتلاقي اطراف تلک الخطوط علي نقطة علي شکل مخروط و يقع ذو الشبح في عرض ذلک الشبح بضوء مشاکل للضيء حتي يغلب الضوء ذلک الشبح فان الضوء الا قوي يضمحل الضوء الا ضعف و قد ضعف الشبح بالعبد لان قوة ذي الشبح متناهية و تضعف شيئا بعد شيء فينقطع ظهور الشبح عند زاوية المخروط فلا يري بالعين وراء تلک الزاوية فافرض الضيء خط اب و ذاالشبح خط ج د و افرض من نقطة ه و و خط ضوء يمر الي جهة ز فان نقطة ه نقطة جوهرية لها سطح يوازي زو کذا نقطة و فتضيئان موضع ز و کذلک ما بين اه و ب و لا محة فيستضيء مثلث ج ط ز و د ح ز بضياء اجزاء بين ا ه  و و ب لا محة فيضمحل ذ انک المثلثان في الضياء لضعف نورهما في البعد فلا يريان البتة فلا يري عند خط ط ح من ذي الشبح الا نقطة ز فاذا جاوزت عنه لم تر شبح خط ج د البتة و هذا هو المطلوب و اما اذا کان الضيء مساوي السطح مع ذي الشبح بحيث يحجب الضيء فلا يکاد ينقطع الشبح الا عند انتهاء قوة ذي الشبحو کذلک اذا کان ذوالشبح ضيئا و ماوراء] مظلما فانه اذا کان المظلم مساويا معه لا يقطع ضوءه الا ان ينقطع الضوء بنفسه و اذا کان اکبر منه فانه يعمل معده معاملة ما سبق فانه يضمحل القوي الضعيف مطلقا و الذي يدل علي صحة ما ذکرنا من الاعتبار ان الاعين تختلف في تميز ذي الشبح البعيدفتري واحد الا يميز الشيء من مسافة الف قدم و واحد ايميز من مسافة اربعة فراسخ و لو کان الشبح حقيقة منقطعا بعد مسافة الف قدم فاي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 133 *»

شيء الذي يراه الآخر من مسافة اربعة فراسخ و هذا اذا جاوز ذلک الموضع لا يراه و الاول الضعيف العين اذا نظر من آلة مسماة بدور بين و لو من مسافة سبعة فراسخ يري ذلک الشيء بعينه و لو لا وجود الشبح فاي شيء الذي يراه هذا من دوربين فتدبر و قديري بالدوربين کواکب صغار لا يدرکها عين ناظر ابدا بالليل او النهار و انما جميع ذلک لاجل ان الشبح موجود الا انه يضمحل في الضوء الا قوي و الاعين تختلف في تميز المضمحلات بقوتها و ضعفها و صفائها و کدورتها فلاجل ذلک يتبين الاشباح مخروطية فکل عين ضعيفة وقعت في عرض مخروط يراه و کل عين ضعيفةوقعت خارج المخروط لا يراه الا ان يکن قويا فيراه بحسب قوته و من موانع الرؤية تراکم الاهبية و الا بخرة في الهواء و تضعيف ظهور الشبح بظلمتها و لا حاجة الي بسط القول فيه و الذي ذکرناه من اضمحلال الشبح في الضياء هو سبب انقطاع ظل الارض عند فلک الزهرة فان الشمس اکبر من الارض فلا يري فوق مخروط ظل الارض ارض و انما تري الشمس بغير حاجب بکلها اذ لا ظهور للشيء في العين الا بشبحه فاذلا شبح لا حجاب في النظر و ان کان في الواقع و هذا هو وجه تصغر الشيء في النظر کلما يبعد و انک کلما قربت من رأس مخروط الشبح يکون سعة المخروط اقل و الذي ذکروه من تصغر الزاوية الواقعة في العين من خطوط تأتيها من اطراف المرئي کلما يبعد حتي انها من شدة الصغر لا تميزه فذلک کلام قشري و وجه وافق جري الطبيعة في بعض الوجوه بعد جريانها علي مقتضاها فان العين اذا نظرت الي شيء تتوجه دائما الي نقطة منه و النقطة و الشبح الآتي منها الي العين في خط لا يقبلان الدقة و التصغر و توجه العين في القرب و البعد سواء و هما ايضا في القرب و البعد سواء هب ان العين لا تميزه لصغر الزاوية فان الخطوط ينبغي ان تدخل من ثقبة العنبيةو ثقبة العصبة علي زعمکم ضيقة و ينبغي اجتماع الخطوط فيها فلم ليس للطاير المحلق البعيد عن الارض ظل في الارض و لم تأتي خطوط شبحه الي نقطة واحدة من الارض حتي تصغر و الشبح لا ينفصل من ذي الشبح الا في خطوط مستقيمة و لم يکون فوق فلکزهرة نهار بلا ليل و لا ضلل للارض

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 134 *»

فتبين و ظهر ان کلامهم قشري لا ينبي عن الواقع و الوجه فيه ما ذکرناه و هذا هو سر استدارة الضوء الواقع من الثقب علي الارض و ان لم يکن محيطها دائرة حقيقية و کان فيه تضاريس و زوايا عديدة فانه يقع الضوء منها علي الارض مستديرا بشرط ان تکون بعيدة عن سطح الارض فان اضلال تضاريس محيطها مخروطية فاذا بعدت عن الارض حتي وقع الارض خارج المخروط انقطع اضلالها و ظهر ظل الشمس من وسطها مستديرا و اما سر تصفر شبح الضيء اذا بعد کالکوکب في السماء والنار في الليل اذا بعد في المرآة و العين ان الضيء و راءه سواد السماء و الفضاء  و ظلمتهما فانهما شفافتان لا يظهر عليهما الضوء و اذ لم يظهر ضوء فهما ظلمانيتان و للظلمة تکميل في الاجسام کما ان للضوء تکميلا و للظلمة شبح کماان للنور شبحا و ظلمة السماء و الفضاء اکبر من جسم الضيء فيضيء الضيء ما يوازي جسمه لکن شبح الظلمة التي من وراءه يکون اکبر فما وقع من الظلماني في اطراف الضيء يظلم الي جهة الضيء کما بينا آنفا فتخفي ظلمة الظلماني نور المثلثين المذکورينو قد ضعفا بالبعد و يبقي مخروط شبح الضيءسالما فاذابعد الضيء بحيث وقع العين اوالمرآة خارجة عنه لم يظهر له شبح فيهما و يظهر الظلمة المحضة کالکواکب التي خفيت فليس في المرآة و لا في العين منها شيء و ان وقعتا داخل المخروط ظهر للضيء فيهماشبح علي حسب موقعهما و ان قلت لم لا يبهر النور الظلمة و يکون بالعکس قلت ان النور يبهر الظلمة اذا کان الضوء قويا و کان الجسم قابلا للاستضاءة و ان لم يکن فلا يستهلک ظلمته في النور بل هي تغلب النور لقوتها.

المقصد الثاني

في امور يدرکها النفس استنباطا من اسباب اديهاالعين اليها فهي تستنبط منها تلک الامور کما اذا رأي الانسان شاة الحس ولدها و تشمه و تأن له و تحن اليه يعلم بواهمته انها تحب ولدها و اذ اهربت من الذئب و اضطربت و ارتعشت اعضاؤها يعلم انها خافت و ليس الحب  و الخوف بشيء مرئي يدرکهما الانسان بالعين او يسمعهما بالاذن و انماها من الامور المعنوية التي يستنبطها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 135 *»

الواهمة من الصور التي يؤديها الحواس اليها و تلک الامور التي تدرکها النفس بالاسباب التي تؤديها العين اليها کثيرة و هي ما سوي الضوء و اللون فانهما ممالهما شبح ينطبع في العين و تريهما و هما صورتان و اما ساير المعاني التي تدرک بالاسباب فهي کالقرب و البعد و الوضع و التجسم و الشکل و الصغر و الکبر و التفرق و الاتصال و العدد و الحرکة و السکون و الخشونة و الملاسة و الشفيف و الکثافة و الظل و الحسن و القبح و التشابه و الاختلاف و الاستقامة و الانحناء و البشر و العبوس و الضحک و البکاء و النطق و السکوت و النوم و اليقظة و الخضارة و اليبوسة و الرطوبة و الانحلال و الانعقاد و التحديب و التقصير و الميل و الاعراض و التساوي و التباين و التجاور و التمازج و امثال ذلک مما لا يحصي و زعم بعضهم ان ادراک هذه الامور من شأن العين و البصر و ان ادراک البصر علي ثلثة اقسام ادراک بالحس و هو مخصوص بالاضواء و الالوان و ادراک بالمعرفة و هو لما رآه مرة اخري فاذا رآة مرة اخري بعدها يعرفه انه هوا و انه علي ما ميزه سابقا فيدرک معانيه بسرعة و ادراک بالتمييز و القياس و فيه له تأمل کأن يري شيئا لم يره قبل و لم يدرک معانيه فانه يستدل علي معانيه و يقيس بالاسباب حتي يميزه و ذلک عندي خطاء فان العين آلة وضعت لادراک الاضواء و الالوان کما قال الصادق عليه السلام في حديث مفضل فجعل الحواس خمسا تلقي خمسا لکيلا يفوتها شيء من المحسوسات فخلق البصر يدرک الالوان الي ان  قال فقد جعلت اشياء متوسطة بين الحواس و المحسوسات لا تتم الحواس الا بهاکمثل الضياء و الهواء فان لم يکن ضياء يظهر اللون للبصر لم يکن البصر يدرک اللون الخبر فالبصر لادراک اللون و الضياء مکمل اللون حتي يظهر للعين و هذه المعاني عندي من شأن الواهمة و ان العين کالمرآة ليس ينطبع فيها الا اشباح الالوان و هي تؤدي الي الباصرة التي هي روحها و بها حيوتها ثم هي تؤدي الي الحس المشترک الذي اسفله جسماني و اعلاه ملکوتي و هو يؤدي الي الخيال فتصير الصورة صورة ملکوتية مفارقة للمادة الزمانية و مدتها فتحضر الصور عند الواهمة فتستنبط عنها المعاني النسبية التي هي غير هذي و غير هذي و هي المميزة لا مثال هذه النسب لانها معان جزئية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 136 *»

يشارک الانسان في ادراکها الحيوان و ليس هذا التمييز و الادراک للعين المحض و لا للباصرة و لا للحس المشترک و لا للخيال فان العين جسم صقيل کالمرآة و ليس حدها هذه الادراکات بالفعل کالمرآة و اما الروح الباصرة و ان کانت هي آلة للنفس و هي من حيث الصدور عن النفس لها اطلاق في الدراکية الا انها حيث نزلت تجسمت و تشخصت و تخصصت فلا تدرک غير الالوان کما تري انها لا تدرک الطعم و الريح و غيرهما مع انه کان لها من حيث الصدور ادراکها و هي باصرة و تلک المعاني ليست بمبصرة و اما الحس المشترک فهو من حيث الاسفل جسماني متحصص فالحصة التي منه متعلقة بالعين مخصوصة بالالوان لا تدرک غيرها و هي تتلقي من الروح الباصرة و تفهم لغتها بسبب الجسمانية و تترجم للخيال باللغة الملکوتية فيتلقي عنه الخيال و يتفهم منه فتتخلص الصورة هناک ملکوتية و تحضر عند المميزات الملکوتية في عرصتها فاما ان يتدبر فيها الوهم و اما ان يتدبر فيها الفکر فالفکر من ادوات الناطقة خاص بها کما قال اميرالمؤمنين عليه السلام و هو آلتها و عينها الناظرة في عرصة المثال فيؤدي ما ادرکه الي النفس فيتخلص هناک مجردا عن المواد و المدد الزمانية و البرزخية و يتمحض في الملکوتية فتدرکه بعالمتها من حيث الاسفل و تترجم للعقل من حيث اعلامها فيدرک معانيه الجبروتية بعاقلته و هذه الثلث اي المتفکرة و العالمة و العاقلة مخصوصة بالانسان ليس للحيوان فيها نصيب و الوهم من ادوات النفس الحيوانية و يشارکها الانسان فيترجم الخيال ما تلقاه للوهم فيدرک هو معانيه الجزئية فالواهمة في الحيوان کالعاقلة للانسان و الخيال للحيوان کالعالمة للانسان و الفکر بينهما کالحس المشترک بين الملکوت و الملک فالفکر يأخذ من المشاعر الحيوانية بلغتها و يؤدي الي المشاعر الانسانية بلغتها و ذلکان الصور العلمية صور کلية بالنسبة الي مادونها و المستفاد من المشاعر جزئية و لا تصل الي العالمة بجزئيتها حتي تتجردت عن الخصوصيات الزمانية و المثالية فالفکر يجمع تلک الصور الجزئية و يرتبها و يحقق نسبها کلية و يؤديها الي العالمة فالخيال يتصور زيدا و قياما منفردا و الفکر يلاحظ النسبة بينهما و ارتباطهما و يحصل نسبة مجردة فيؤديها الي العالمة فيعلم الحکم بان زيدا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 137 *»

قائم صورة مجردة ملکوتية فالفکر خادم العالمة و يدها و عينها في الدنيا و سفيرها و ترجمانها بالجملة لما کانت تلک المعاني مما لا يخص ادراکها بالانسان قلنا ان ادراکها شأن الواهمة فادراک جميع المعاني للواهمة و ليس للباصرة فيه نصيب و ذلک اشتباه من الذين زعموا ان الباصرة تقيس و تميزو تعرفل هذه الامور.

فصل           قد فصل القوم بعض هذه المعاني و امعنوا النظر في وجوهها التعليمية و اعتبارتها و تحن في شغل عن البسط في واحد واحد و لکن يسعنا ان نذکر بعض الکليات التي اذ افهمتها يمکنک فهم وجوه ادراک تلک المعاني فنقول ان البديهي الا ولي عين ما يقع في الحواس الظاهرة فنفس صورة اللون بديهي يدرک بالعين و نفس صورة الصوت بديهي يدرک بالسمع و هکذا فعين تلک المدرکات اذا انطبعت في المشاعر و هي سليمة تکون ظاهرة للادراک و للنفس علي ما ظهرت فتکون بديهية ثم ما ليس ينطبع في نفس المدارک فهو نظري يعني يحتاج الي استعمال المشاعر الباطنية فان ما لا ينطبع في المشاعر الظاهرة ينبغي ان يدرک بالنظر و النظر هو ادراک الباطن و استعماله فيدخل في النظريات کل ما لا يدرک بالمشاعر الظاهرة حتي معني ان الکل اعظم من الجزء و مساوي المساوي لشيء مساو لذلک الشيء و امثال ذلک فانها کلها تحتاج الي اقامة برهان و تحتمل البرهان و البديهي ما لا يحتمل البرهان اذ هو من اجزاء البرهان نعم النظريات  تختلف فربما يرد عليک الشيء  الذي هو سهل البرهان لشدة ظهوره حتي کاد ان يلحق بالعيان فهو  باجزاء البرهان اشبه فلا يحتاج الي کثير نظر و بمحض الورود علي الشخص يميزه من غير اجالة  نظر و مهلة  کالکل اعظم من الجزء فلشدة ظهور هذا الحکم کاد ان يکون کالمحسوسات التي لا برهان لها و لذلک لا يقيمون اهل التعاليم علي امثاله البرهان و منها ما ليس بهذا الظهور بل يحتاج الي اجالة فکر فيه و لکن قد ورد سابقا مثله علي الانسان و ميزه حق التمييز و عرفه فاذا ورد عليه ثانيا يعرفه بلا مهلة فيحکم به من غير روية لما تروي فيه قبل و عرفه و منها ما لم يتروفيه قبل و لا يعرفه فيرد عليه ابتداء فيحتاج الي اقيسة يرتبها و يتفکر فيها و يستخرج

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 138 *»

المعني الحاصل منها و لما کان الانسان قد فتح عينه من يوم ولد و نظر الي الاشياء و جربها و قاسها و ميزها يعرف کثيرا منها بلاروية اذا ورد عليه فيظن الظان انه ميزه بعينه حين رآه و کان المميز له عينه و ليس کذلک بل المميز له و همه و انما عرفه بلا روية لانه قاسه و جربه من اول عمره و عرفه الا تري انه لوورد علي الانسان شيء لم يره قبل و يکون فيه معني بديع لا يکاد يعرفه و ان کان يدرک صورته و ذلک هو الحکم الکلي في وجه ادراک المعاني کملا.

فصل            برهان کل شيء من جنسه فبرهان الکليات کلي و برهان الجزئيات جزئي و برهان الزماني زماني و برهان الدهري دهري و العقلي عقلي و الشرعي شرعي و العادي عادي و هکذا فان البرهان ابو النتيجة و لا يلد من الشيء الا ما يجانسه و الولد جزء الوالد بنص الکتاب فبراهين هذه المعاني من الاشباح المبصرة و لما کان في الواقع الخارج المتصل متصلا و المنفصل منفصلا و البعيد بعيدا و القريب قريبا و هکذا البواقي کل موجود في الواقع الخارج و الموجود في الخارج هذه الاشخاص ذوو الاشباح و هي الاجسام الظاهرة و تلک المعاني هي نسب لها و اعراض مثالية غير محسوسة بالعين فاذا ادت العين تلک الاشباح الي الخيال و لم تکذب في الاداء ادتها علي ما هي عليه في الخارج فتکون في تلک الصور الخيالية ايضا تلک النسب موجودة فانها تابعة لا شباحها لاموادها و قد ورد الاشباح في الخيال علي ما هي عليه في الخارج فترد النسب ايضا بلا تفاوت فينبسط تلک الاشباح في عرصة الخيال و هي وسيعة کما هي منبسطة في الدنيا فيشرف عليها الواهمة فتنزع عنها تلک النسبو تنطبع فيها فتدرک البعيد بعيدا و القريب قريبا و الصغير صغيرا و الکبير کبيرا و هکذا و اما الذين تکلفوا لذلک البرهان بالادلة الکمية و البراهين التعليمية فليس في محله فان تلک النسب لا تنطبع في العين بل المنسوب و المنسوب اليه لا من حيث النسبة بل من حيث نفس اللون و تلک النسب غيراللون و مشعر ادراکها غير العين و ليس الا الوهم و سمه ما شئت ان لم ترض بهذا فهو المدرک لها اي شيء سميته و الغرض انه غير العين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 139 *»

و روح الباصرة و الحس المشترک و الخيال فان لهذه الاشياء قوي خاصة الامور الطبيعية المجردة عن الاجزاء العرضية ليس لها خواص عديدة و جهات متشتتة فکل شيء منها له عمل خاص  قوة خاصة و ليس هيهنا موضع ازيد من ذلک فليس ادراک النسب المعنوية شأن المدارک الصورية و المدرک المعنوي الذي يشترک فيه الحيوان و الانسان هو المسمي بالواهمة فادراک النسب من شأنها فافهم و تبصر.

فصل     و کذلک ليس من شأن البصر معرفة اعيان الاشياء بمعني ان هذا المرئي هو زيد او عمرو او جبل او جمل او غير ذلک و معرفة الاعيان ايضا من شأن النفس و ان البصر لا يدرک من المرئيات الا الالوان الحاضرة عند حضورها و معرفة الاعيان تحتاج الي الذاکرة و الحافظة  و المميزة اللاتي هن من آلات النفس الباطنة فان الانسان اذا رأي شيئا و قيل له انه زيد او عمرو مثلا يتعلمه و يودع ذلک في حافظته و هي اعلي الخيال فاذا رآه مرة ثانية و ميزه يتذکر انه قد رأي هذا قبل و قيل  له انه زيد مثلا فيعرف انه زيد و هذه الامور لا تتأتي من درک الشبح المحض و هي غير الشبح المحض الا تري انه لوضع قالب علي صفة زيد يري منه الانسان ما يري من زيد بعينه و لکنه يميز بساير الاسباب الشبحية التي تؤدي الي نفسه العين انه لس بزيد و انما هو قالب علي صفة زيد  وهذا لا يتأتي الا من المميزة و لا بد و ان يکون صفات زيد عنده محفوظة و لا بد و ان يکون له ايضا ذاکرة يتذکر بها ما قد حفظه فاذ اتحقق له هذه الآلات يعرف ان هذا غير زيد و يمکن ان تدرک النفس و تميز شيئا لم تره سابقا  و لم تعرفه بالاستدلال و القياس اصابت او اخطأت کأن تري شيئا من بعيد و تري عليه علامات تزعم بها انه حجر فاذا دَنَت منه تبين لها علامات اخر لم ترها قبل فتزعم انه شجر مثلا ثم اذا ادَنَت منه و تبيين لها علامات اخر تزعم انه حيوان ثم اذا ادنت منه اکثر و ظهرت لها علامات اخر تزعم انه انسان الي ان تزعم انه زيد الي ان يتحقق انه عمرو حقيقة و ليست هذه الاشتباهات من اغلاط البصر و من اشتباهاته فان کل درجة لم ينطبع فيه الالون ظهر منه و لم يکن من شأنه الادرک اللون و قد ادرک و انما وقعت هذه الاغلاط

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 140 *»

من استدلالات النفس في ترتيب قياساتها او لاجل عدم ظهور الامارات الواقعية لها فبذلک غلطت و خالف تميزها الواقع بالجملة کل شيء سوي صورة اللون المحض يدرکه الانسان فانما هو بالمشاعر الباطنة کما عرفت.

فصل          اعلم ان النفس ملکوتية مجردة عن المواد و المدد الزمانية و الجسد زماني له مادة و مدة زمانية و بينهما رابط برزخي اسفله مشاکل للجسد انيات و اعلاه مشاکل للملکوتيات و کما ان لهذا العالم سماوات و ارضين و جمادا و نباتا و حيوانا و انسانا کذلک للعالم البرزخي جميع هذه الاشياء علي نحو اللطافة و کذلک في عالم النفس لکن علي نحو التجرد و البساطة و تشاکل الاجزاء و اند ماج البعض فهي واحدي المنظر متکثر المخبر فهي جوهر دراک علي نحو الابهام و الاطلاق لا يخص ادراکه بشيء دون شيء فهي دراکة بکلها تسمع بکلها و تبصر بکلها و تذوق و تشم و تلمس بکلها و تدرک الصور الخيالية و الفکرية و الوهمية و العلمية و المعاني التعقلية بکلها فانها بنفسها جوهر دراک بالاطلاق و الابهام و لما امرها الله سبحانه بالنزول في العوالم الدانية العرضية استجنت اولا في الاعراض البرزخية و لما کانت  تلک الاعراض متکثرة مختلفة اختلفت في اجابة دعوة الاقبال الي الله سبحانه و لاجل ذلک صار بعضها عرشا و بعضها رکسيا و بعضها افلاکا و بعضها عناصر فلما اختلفت اجابات اجزائها اختلفت خصوصياتها و قابلياتها و حکايتها لما ورائها فحکي عرشها عقل عرصة النفوس و کرسيها روحها و فلک البروج نفسها و فلک المنازل طبعها و فلک الشمس مادتها و ساير الافلاک مثالها و العناصر جسمها ضرورة ان هذه المراتب کانت في النفس في المخبر و ان کانت واحدي المنظر و حي فلک زحل تعقلها و هو فعل عقلها و فلک المشتري علمها و هو فعل نفسها و فلک المريخ و همها و هو فعل مادتها و فلک الزهرة خيالها و هو فعل مثالها و فلک عطارد فکرها و هو فعل طبعها و فلک قمر حيوتها و هو فعل حيوتها فتعلق بکل جزو منه فعل من النفس الملکوتية و ذلک الفعل هو نفس ذلک الشيء و هو ظل النفس الملکوتية و ظهورها فالنفس بمنزلة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 141 *»

النار الجوهرية التي مثلنا بها سابقا و فعلها المتعلق بتلک الافلاک و العناصر بمنزلة الضوء و مس النار و الافلاک و العناصر بمنزلة الزيت المشتعل بمس النار فلما اشتعلت مراتب عالم المثال بمس نار النفس اشرقت علي مراتب عالم الاجسام الزمانية و هذا العالم ايضا کما تري مختلفة المراتب لاختلاف اجاباتها لدعوة اقبل و مختلف الاستعداد فهذه المراتب صارت بمنزلة المرايا و اشرقت عليها انوار تلک السرج فاشرق سراج العرش في العرش و الکرسي في الکرسي و الافلاک في الافلاک و العناصر في العناصر فهذا العالم عرض العرض للنفس و لما کان الانسان انموذج تمام العالم صار فيه من کل بيدر باقة فعناصره اخلاطه الاربعة و افلاکه مراتب روحه البخاري فانه اول نشوه في القلب و يصعد الي الدماغ و في کل منزل من منازله يتلطف حتي يشاکل فلکا فاذا نشأ في القلب اشتعل فيه ما اشتعل في فلک القمرو حيي کما حيي و لما صار بلطافة فلک عطارد اشتعل فيه ما اشتعل فيه و هکذا الکلي في الکلي و الجزئي في الجزئي و تلک الاضواء المشتعلة في هذه المراتب هي الانسان البرزخي و يکون علي طبق هذا الانسان و ذلک الانسان البرزخي ايضا يشتعل فيه ظل النفس الملکوتية و ذلک الظل هو الانسان الملکوتي و هو شعاع الانسان الکلي و الکلي لا يتحصص بنفسه فهذا الانسان في هذه الدنيا اشتعل افلاکه بالافلاک الانسان المثالي و عاصره بعناصره و عناصر الانسان المثالي ايضا مشتعلة بعناصر النفس و النفس بکلها شاعرة حية فعناصر الانسان المثالي ايضا شاعرة حية و عناصر الانسان الزماني ايضا شاعرة حية بشعور ضعيف و حيوة ضعيفة فاذا ترکبت و حصل عنها المشاعر الظاهرة صارت شاعرة لمحسوساتها بشعور ضعيف فاذا شعرت بمحسوساتها کما بينا ادت الي الروح البخاري الذي هو افلاکها و هو مشتعل بالارواح البرزخية و الارواح البرزخية کما سمعت لها مراتب و عناصرها الطف من محدب عرشنا الجسماني الزماني و تلک العناصرمقام الحس المشترک اسفله مرتبط بالروح البخاري و اعلاه مرتبط بالافلاک عالم البرزخ فهو يتلقي الاشباح من الروح البخاري الجاري في البدن الذي ادانيه مرتبطة بالحواس الظاهرة و عنصرية و اعاليه افلاک جسمانية فالحس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 142 *»

المشترک مشترک بين الروح الباصرة و السامعة و الذائقة و الشامة و اللامسة و بين افلاک عالم المثال بل الحس المشترک يأخذ صورا من افلاک الروح البخاري ايضا و يؤديها الي افلاک عالم المثال و هي صور محبوبة او منکرة تحدث في الدماغ بسبب اختلاف حالات الا بخرة الصاعدةاليه الممازجة بالروح البخاري المصبغة اياها فيأخذها الحس المشترک منه و يؤديها الي افلاک عالم المثال و هي ما تري من الصور التي منشاؤها اختلاف الطبايع في المنام و امثالها فالحس المشترک نافذ في افلاک بدنک و عناصره فاذا وصلت الصور اليه يؤديها الي افلاک عالم المثال فينصبغ زيت تلک الافلاک بذلک الصبغ فاذا انصبغ انصبغ بصبغه ضوء فعل النفس المشعل فيه کما ينصبغ الضوء باصباغ الزيت في هذه فاذا انصبغ فعل النفس به صار فعلا خاصا مميزا ممتاز او هو ادراک النفس فيصير ادراکا هکذا و هو قوله عليه السلام انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها و لاجل ذلک نقول ان نفس کل امرء معلوماته و علي حسب معلوماته من الحسن و القبح و السعادة و الشقاوة و غير ذلک و نفس الولي مصبوغة بصبغ الولاية و العدو بصبغ العداوة فصارت بذلک الصبغ نفسا خاصة وسيعة او ضيقة قدسية او امارة کاملة او ناقصة جاهلة او عالمة فاسقة او مؤمنة و کل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيمة کتابا يلقاه منشورا سيجزيهم و صفهم انه حکيم عليم بالجملة هذا صفة ادراک النفس الناطقة لمحسوسات هذا العالم و ذلک صفة التأدية فالادراک من النفس وحداني و تعينه الملکوتي في افلاک عالم المثال و عناصره و تعينه الصوري الزماني في افلاک عالم الزمان و عناصره و هو يکتسب الصور منها کما بينا فاذا وقع شبح محسموس في الحواس الظاهرة ادته الي الروح البخاري فانصبغ به فاداه الي الحس المشترک فانصبغ به فاداه الي الخيال فانصبغ به مجردا عن المواد المدد الزمانية فاما ان يتوجه اليه الواهمة فتدرک بعض نسبه المعنوية فانها آية العقل المدرک للمعاني و تهيؤها لادراک العقل المنخفض و اما ان يتوجه اليه الفکر فيؤلف بين تلک الاشباح و يفرق و يستخرج النسب و يهيؤها لادراک العقل المرتفع و ذلک ان فلک المريخ نفسه فعل المادة التي هي آية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 143 *»

العقل المنخفض و لذلک يکون ظاهره کظاهر الشمس حارا يابسا و باطنه کباطن الشمس باردا رطبا و الشمس هي آية المادة الثانية و هي آية العقل و فلک عطارد ليس له صورة و انما هو سعد اذا قارنه سعد و نحس اذا قارنه نحس و هو ممتزج ليس علي طبع معين فهو آية الطبع الممتزج الذي ليس صورة من نفسه و هو آية العقل المرتفع المعري عن المعني و الصورة الذي لا حکم له من حيث نفسه الا ما يکتسبه من غيره ففلک عطارد و ان کان ادني من فلک المريخ الا ان نفسه اعلي من نفسه کما ان فلک قمر ادني من فلک المشتري لکن نفسه اعلي من نفسه فترتيب الافلاک من حيث نفوسها هکذا اولها فلک الشمس و هو من العرصة العليا و من اخوة العرش و الکرسي و فلک البروج و فلک المنازل و ثانيها فلک زحل و ثالثها فلک القمر و رابعها فلک المشتري و خامسها فلک عطارد و سادسها فلک المريخ و سابعها فلک زهرة و هو آخرها و الصقها بالحس المشترک فاذا وصل الشبح الي الخيال و اداه الي الواهمة فهمت معاني ذلک الجزئية و اذا وصل الي الفکر فهم نسبه اللايقة باعلي العقل و لذلک يشترک في الواهمة الحيوان و لا يشترک في الفکرل فان اميرالمؤمنين عليه السلام عد في قوي النفس الناطقة الفکر و الذکر و العلم و الحلم و النباهة و لم يعد الفکر في القوي الحيوانية ثم و ان لم يعد الخيال و الواهمة ايضا الا انه محسوس منهما آثارهما فانا نري ولدالشاة الصغير اذا رأي الذئب انتزع منه معاني العداوة و خافه و فرّمنه و اذا رأي امّه انتزع منها معاني المحبة فمال اليها و هکذا الحمار اذا رفعت السوط انتزع منه معني الوجع و خافه و اذا اريته الشعير انتزع منه معني سد الجوع و مال اليه و هکذا نري منه آثار الوهم بما لا يخفي و لا يقدر الوهم ان ينتزع تلک المعاني الا ان تحضر الصور عنده و ليس من شأن الوهم ادراک الصور الزمانية فلا تحضر عنده الا بواسطة مشعر مدرک للصور ملکوتي و هو الخيال و اما الفکر و ترتيب القضايا و الاستنتاج فليس له بالفعل و ان کان في قوته و هو مخصوص بالانسان بالجملة قد اطلنا الکلام هنا في الجملة لانا لم نشرحه في غير هذا الکتاب هکذا و ان کنا قد تکلمنا فيه في کتابنا حقايق الطب قليلا فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف و اعتبران العين الجسمانية لا تزيد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 144 *»

علي مرآة فان الجليدية جسم صيقلي کالمرآة و ينطبع فيها الصور کما تنطبع في المرآة الا ان لها الروح الباصرة و هي فعل النفس المتعلقة بالعين بواسطة النفوس البرزخية و الحس المشترک و الروح الباصرة جسمانية و هي الروح البخري من حيث الاسفل من حيث الارتباط بالجسم الغليظ و لا ينطبع في العين الاما ينطبع في المرآة و لا تدرک الروح الباصرة الا نفس الالوان المنطبعة في المرآة و المقادير لازمة للالوان فان حول کل مرئي مرئيات لها الوان و جميع تلک ينطبع في العين فيدرکها الروح الباصرة کما هي في الخارج فيتلقي عنها اعلي الروح البخاري و يترجمه للحس المشترک بلغة جسمية رقيقة فيتفهم عنه و يترجمه للخيال بلغة ملکوتية فان الخيال لا يفهم لغة عالم الاجسام و الخيال خزانة الحس المشترک و هو المصورة و اما الحافظة و الذاکرة فعندي من صفات النفس الملکوتية فانها اذا وصلت الصور اليهاهي تحفظها باحاطتها و تذکرها اذا شاءت و ظهورهما في العالمة و لذا خص الذکر علي عليه السلام بالنفس الناطقة دون الحيوانية و فيما ذکرنا کفاية و بلاغ.

المقصد الثالث

في کيفية انطباع الشبح في الاجسام و حقيقته و هي مسئلة قد تحير فيها الاعلام و ضل فيها الاحلام و من راجع کتب القوم عرف سخافة آراء الذين بنوا علومهم علي افکارهم و لم يلجئوا الي آل محمد عليهم السلام في علومهم و لاحاجة بنا الي تسويد القرطاس بذکر تلک الآراء و اظهار فسادها و بطلانها و من کان سالکا في الصراط المستقيم لاحاجة  له الي تصفح المضال و الطرق التائهة المتشعبة النافذة يمينا و شمالا فلنذکر ما عرفناه من الکتاب و السنة و الدليل العقلي الموزون بموازينهم صلوات الله عليهم فيقتضي شرح ذلک رسم فصول.

فصل         اعلم انک قد عرفت مما تقدم انه لا ظهور بالذات في عالم الظاهر الا للضيئات کالکواکب العلوية و النار السفلية و ليس کلامنا هنا في مثل الحباحب و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 145 *»

الدود المضيء بالليل في الماء و امثالهما و الظاهر بالذات ما کان لطيفته اکثر من حاجة نفسه و لنقيد الکلام بالشعلة و السراج لانه اقرب الينا ثم نقيس عليه الباقي لانک ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فالسراج في السفليات هو الظاهر بنفسه لما فيه من غلبة اللطيفة و لطيفة السراج ناره التي هي جهة مبدئه فيه بالبداهة و هويته الدخان المکلس و قد غلبت ناريته علي دخانيته کما بيناه في المقدمة و قد ذکرنا ان النار الجوهرية الغيبية المحجوبة عن درک الحواس بذاتها لها فعل و هي الحرارة المحسوسة باليد و هي حاملها الجسم الرقيق العنصري المسمي بالنار و هو يسمي بالنار کما ان الجمرة تسمي بالنار و انما ذلک لغلبة اثر النار الجوهرية عليهما و لذلک يجوز ان يضعف ذلک الاثر فيها و يغلب عليها اثر غيرها فتستحيل کما تستحيل النار الظاهرة الي الماء کما حقق في محله بالجملة الحرارة المحسوسة تحس من النار العنصرية العرضية و هي فعل النار الجوهرية الغيبية و هذه الحرارة هي مس النار کما عبر الله سبحانه و لو لم تمسسه نار و هذه الحرارة اذا استولت علي الدخان لطفته و رققته و احمته شيئا بعد شيء حتي احمر کالحديدة و لما کان الدخان صقيلا براقا صارت الحمرة حمرة براقة متلألأة و هو اي البريق و التلألؤ الضوء و لا ضوء للنار الجوهرية و لا العرضية و انما الضوء للدخان المحمي المحمر فلذلک يضاف الضوء الي السراج کالاضاءة و قد ذهب سبب حمرة الاحمر في الالوان فاذا استولت الحرارة بعد اخلة جسم النار الظاهرة في الدخان استضاء الدخان و اشتعل بتلک النار الظاهرة فالتبرق ضؤه و هو مستضيء بذلک الضوء و قد عرفت ان ذلک الضوء علي حسب الدخان صفاء و کدورة و لونا و غير ذلک و الدخان هو المفعول به للنار الجوهرية و ليس بائرها و مفعولها هو تلک الحرارة العرضية و هي فعلها و کذا الضوء و اما الدخان فقد تکمل و ترکب مع النار الداخلة فيه فما کان من ضوء فيه فالنار اولي به لانه منها و ان کان سبب ظهوره الدخان و سمي ضوءا بالدخان و في الدخان و ما کان فيه من صبغ و شکل و ظهور فالدخان اولي به و ان کان بتکميل النار و ترقيقها له و تبريقها اياه فمادة الضوء من النار و صورته من الدخان و يسمي ضوء بصورته لا بمادته فتدبر فالدخان جسم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 146 *»

غير النار و غيراثرها قد استضاء بالنار کما قال الرضا عليه السلام و قد مرّصفة تکونه مفصلا.

فصل         و اما النور من الشعلة فليس بفعل منها و لا کون خارج عنها و انما هي هي ليس شيء غيرها فلمااستکملت بالنار استضاءت و کذلک الاجسام التي تتصل بها تستضيء بها من غير ان يصدر منها شيء او يفصل عنها فعل او کون کما قال الرضا عليه السلام و انما الاجسام تستضيء بها کما استضاءت بالنار فاذا قارن جسم الشعلة تکيف ذلک الجسم بکيفيتها و سري فيه ما سري فيها من النار و هو الضوء کما يسري حرکة روحک الظاهرة في يدک في المفتاح و کذا الجسم المستضيء بالشعلة و لا ينفصل عنها جوهر اي اجزاء جسمانية جوهرية فتنشر في الهواء و تداخل الهواء و لا عرض فان العرض لا ينتقل عن الجوهر و هو نهايات کون الجوهر و لا يعقل انفصالها عنه و انما يستضيء الجسمالمقارن بها و ينفعل عنها و يتکيف بکيفيتها و يتکمل بها لا تصاله بها و مشاکلته معها و عدم حاجب بينهما الا ان تکمل الاجسام يختلف بحسب وجوه الکمال و ذلک ان کل جسم مرکب من العناصر الاربعة و لکن واحد منها کم و کيف وجهة و رتبة و مکان و وقت و وضع خاص به فاذا ترکب المرکب منها يحصل له کم و کيف و جهة و رتبة و مکان و وقت ووضع بحسب العنصر الغالب عليه ممزوجة بما فيه من ساير العناصر فمرة يکمل الجسم بتغليب عنصر مغلوب فيه فيغلب فيتغير اعراض المرکب التي کانت ظاهرة بوجود الغالب و يحدث فيه اعراض اخر تابعة للغالب المستکمل فنحو هذا الاستکمال يبقي في المرکب و لو بعد فناء المکمل و انما ذلک کتکميل السراج دخانا آخر حتي يغلب ناره المغلوبة و يتبعها الضوء و اللمعان فاذا استکمل الدخان هکذا بقي ضيئا و لوا نطفاً السراج الاول و يقوم مقامه و يخلفه و اليه الاشارة بقول علي عليه السلام انا من محمد کالضوء من الضوء صلي الله عليهما و آلهما فعلي بعد محمد صلي الله عليهما و آلهما مستکمل باق علي کماله يخلفه في الاضاءة و الهداية و التعليم و مرة يکمل الجسم و يغلب فيه المغلوب علي حد الاشراف

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 147 *»

علي التکمل التام المستقل فلا يصير کالکامل و انما يتحرک فيه المغلوب الي الغلبة و الغالب الي المغلوبية فيتکافئان مثلا فحينئذ يظهر علي المرکب بعض اعراض الغالب المستکمل و بعض اعراض الغالب الاول فاذا فني المکمل يبقي عليه بعض تلک الاعراض زمانا يعتد به ثم يغلب عليه فيعود الي ما کان و ذلک کحديدة سخنتها بمجاورة النار ثم بعدتها عنها حتي بردت و ذلک تکميل متوسط و لا شک ان السخونة الحاصلة لها بدخول النار للطيفة في خللها ولا شک ان النار التي فيها تتقوي بها في الجملة الا انها لا تغلب علي ساير عناصرها بنفسها و لا تستقل بالغلبة بل بالمعاونة کمريض اخذت بيده و مشيته ثم ترکته فما مر عليه شيء الا وقع فاذا بعدت الحديدة عن النار تبقي النار في خللها فما دامت في خللها هي ساخنة و ناريتها الکونية ايضا متقوية فاذا خرجت عادت الي بردها و کذلک سخونة البيت بعد اخراج النار و من هذا الباب تکيف الهواء بالروايح و بقائها بعد ذهاب ذيا زمانا معتدا به ثم يعود الهواء الي حاله و من هذا الباب الحجر المرمي و يأتي لذلک مزيد بيان و مرة يکمل الجسم بتکميل لا يبلغ تغليب جواهره بقليل محسوس و لا کثير و انما يقع التکميل علي محض عرض المرکب فيزيل العرض بالفعل و فيه داعي العرض الزايل و مقتضيه موجود و انما ذلک کتحريک المفتاح فانه لا شک في ان الحرکة من مقتضيات المبادي و النار و هي فيه ضعيفة لا تنشأ اثرا و السکون من مقتضيات التراب و هو فيه غالب فهو بنفسه يقتضي السکون فاذا حرکته لم تغلب فيه النار غلبة تقتضي الحرکة و لکن ازلت عرضة السکون و ابديت عليه الحرکة فمهما رفعت يدک عاد الي السکون فان ترابه غالب و ناره مغلوبة و صفة ازالة السکون و ابداء الحرکة ان هذا التراب الظاهر تراب عرضي صالح ان يطيع من يدعوه الي مقتضيات النارالجوهرية و من يدعوه الي مقتضيات التراب الجوهري لانه جسم فيه قوة کل عرض جسماني فاي کامل قوي قوة منه خرجت الي الفعلية الا تري ان الشعلة فيها العناصر الاربعة فاذا غلب فيها النار صعدت بجميع عناصرها و ترابها  غير نارها البتة و لکن يصعد ترابها العرضي اذا غلب النار الجوهرية عليها و دعاها الي الصعود فان التراب العرضي جسم مطاوع کساير العناصر العرضية لمن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 148 *»

يأمره بشيء و هو متصل بساير الاجزاء فاذا غلب النار الجوهرية علي المرکب و دعت الجسم الظاهر الذي هو مرکبها الي الصعود صعد الا تري انک لو حبست النار العرضية في جسم سکنت فتراب المفتاح جسم ظاهري فيه قوة الحرکة و السکون و انت بروحانيتک و حرارتک الجوهرية تتحرک و هو متصل بيدک فيخرج الحرکة من قوته الي فعله مادام يدک متصلة به کنفس يدک بالنسبة الي الروح البخاري فاذا رفعت اليد عنه لم يبق مرجح لحرکته علي سکونه فبقي علي مقتضي التراب الغالب فيه فان التراب الجوهري دائم الدعاء له الي السکون فتبين ان حرکة المفتاح ليست بقسرية و لا قسر مع کون کل شيء من الامکان الصالح لکل شيء واما حرکة الحجر المرمي بعد رفع اليد فانک بشدة دفعک له قويت جهة الحرکة کثيرا فبقي بعدک زمانا متحرکا فاذا دافعه الهواء و ضعفت تلک القوة فيه شيئا بعد شيء سکن فهذه الاجسام الظاهرة اجسام صالحة لکل عرض لا فرق بين نارها و هوائها و مائها و ترابها کلها صالحة للکل الا ان النار لرقتها الفعلية صارت محل نظر النار الجوهرية و الهواء بعدها محل نظر الهواء الجوهري و الماء محل نظر الماء الجوهري و التراب محل النظر للتراب الجوهري و کل واحد منها صالح لان يخرج من قوته الي الفعلية صفة الآخر فيصير محل نظر غير ما کان محل نظره الا ان الآن هکذا فاما ان يبلغ التکميل للمرکب بحيث يصير کل اجزائه اوغالب اجزائه علي صفة النار او غيرها من العناصر فحينئذ يستقل بتلک الصفة ما لم يغيره مغير فالمقتضي لتلک الخصال دائم التعلق و الاثر دائم الظهور و ان انقطع تعلقه به انقطع ظهور الاثر عنه البتة واما لم يبلغ التکميل حدا يغير اجزاء المرکب و او غالبها بما يناسب طبعا جوهريا بکله و لکن ببعض خصاله فحينئذ لا يظهر علي المرکب جميع خصال ذلک الطبع بل بعضه و لا يتعلق به ذلک الطبع الجوهري من حيث نفسه و لا يصير محل نظره و انما صار محل نظر المکمل الخارجي علي حسب نظره فاذا انقطع نظره انقطع ظهور تلک القوة عنه فهذه الاجسام کلية تابعة للمکمل فاما يکون المکمل دائم التعلق و اما لا فان دام تعلقه دام الاثر و الا انقطع الا تري ان الدخان فوق الشعلة ليس بضيء فان النار الجوهرية قد رفعت نظرها عنه فانه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 149 *»

قد ولي عنها بالجملة ظهور الآثار من هذه الاجسام المطلقة المبهمة علي حسب استعدادها و توجه الکامل اليها فبين هذا الفاعل و القابل يظهر الآثار فافهم.

فصل         اذ اعرفت سر التکميل و اقسامه فاعلم ان السراج مستقضيء بالنار الجوهرية بفعلها و بلغ في الاستضاءة مبلغ الکمال لرقة هويته التي هي الدخان و غلبة مثال النار فيها فله فضل قوة يقوي غيره و فضل حرکة يحرک غيره فاذا قارن جسما و هو صالح لکل شيء و کل استکمال کما مر استکمل ذلک الجسم بفضل کماله فاستضاء کما ان المفتاح قارن يدک فتحرک و لم يکن ذلک منه بغلبة ناره فانه لو بلغ ناريته مبلغ تحريکه لا حتمي و تکلس بل بلغ حد التصعيد فليس حرکة المفتاح بغلبة ناره بل بتکمله بحرکة يدک و اتصاله بها کما ذکرنا و کذلک الجسم المقارن للسراج يستضيء و ليس استضاءته بغلبة النارية عليه بل بالتکميل من جهة الضوء وحده و لو کان ضوءه بتغليب ناريته لا حتمي فلم يغلب فيه النار و لا ساير خصالها بل کمال السراج في الضوء کمل ضوءه فاستضاء کما ان الدخان لم يصر نارا و انما استضاء و تکمل بالنار و الفرق ان استضاءة السراج بلغ في الکمال مبلغا اتصف اغلب اجزائه بصفات النار فصار محل عناية النار فدام ضياؤه و ساير الاجسام لم تصر اغلب اجزائها بصفة النار و لم تصر محل عناية النار بنفسها و انما هي محل عناية النار بالشعلة في جهة الاستضاءة کما ان بدنک بالاستکمال بلغ مبلغا صاربه محل عناية الروح المحرکة فصار متحرکا بروحه و اما المفتاح فلم يصر محل عناية الروح بنفسه و انما صار محل عنايته بيدک فان قطع الروح نظره عن بدنک سکن و ان قطع يدکنظرها عن المفتاح سکن و کذلک ان قطع النار نظرها عن الشعلة اظلمت و ان قطعت الشعلة نظرها عن الاجسام اظلمت حرفا بحرف فاستکمال الاجسام في محض الضياء من جهة ضوءها و ان کان يستکمل من جهة الحر ايضا کاستکمال الحديدة بالحمي الا ان استکمالها في جهة الحر بانتشار نار الشعلة في الهواء فماد ام النار العرضية باقية في الهواء يکون حارا و ان انطفأت الشعلة و ليس الکلام فيه.

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 150 *»

فصل                فاذا عرفت ان الضوء العرضي في الاجسام بتکميل الشعلة فاعلم ان کل اثر يحدث بفاعل و قابل و يتفاوت حالات الاثر بتفاوت حالات الفاعل والقابل فالفاعل هنا الشعلة و يختلف تکميلها بحسب صفائها و کدورتها و الوانها و ضعفها و قوتها کما عرفت واما القابل فالاجسام المستضيئة منها و هي ايضا تتفاوت في الشفافة و الکثافة و الصقالة و الکدورة فالجسم اللطيف الشفاف المحجوب عن درک العين الکثيفة اذا استکمل بالشعلة لا يظهر فيه الضوء و لما کان الضوء هو الظهور للعين يقال ان الشفاف لا يستضيء و يبقي محجوبا عن العين و الحال انه يستکمل و يستضيء لكن كما له الحاصل و ضؤه المكتسب يكون خفيا عن العين من جهة صفاء المادة القابلة للكمال لا من جهة نقص الفاعل او من جهة عدم اكتسابه من الفاعل لكن القابل رقيق خفي عن العين كما يختلف الاجسام في الانصباغ بصبغ واحد فينصبغ بعضها حسنا قويا و ينصبغ بعضها بذلك الصبغ بعينه ضعيفا و لا نقص من الفاعل و لا من الصبغ و انما النقص من القابل كما اذا روحت بالمروحة و حركت الهواء فان الهواء يتحرك و لا يري حركته و يري حركة المروحة و كذلك الشفاف لا ينصبغ بالضوء صبغا ظاهرا للعين و اما الكثيف فينصبغ صبغا بينا للعين و يستضيء استضاءة بينة لكن علي حسب صبغ نفسه و قابليته و يتركب ضؤه الحاصل من صبغ نفسه و صبغ الضوء الفاعل فاذا استضاء الجسم الآسمانجوني بضوء اصغر بدا ضوء اخضر او النيلجي بضوء احمر بدا ضوء بنفسجي و هكذا و اذا كان الكثيف شديد الكدورة بدا عليه ضوء كدر و اذا كان صافيا بدا عليه ضوء صاف و هكذا الا تري ان ضوء القمر مكتسب من الشمس و بدا عليه ابيض فيه شوب صفرة و اذا كان الجسم صقيلا يتكيف و يستكمل كساير الاجسام الا ان بينه و بينها فرقا من جهات احدها ان ساير الاجسام ليست سطوح اجزائها الجوهرية احدها ان ساير الاجسام ليست سطوح اجزائها الجوهرية متساوية ففي جميع عرضها سطوح توازي المضيء فتستنير جميع عرضها و لو كان المضيء صغير او الجسم المقابل عريضا طويلا و ما يبقي فيه من السطوح الغير المقابلة فتستنير بالاهبية التي في الهواء استنارة ضعيفة فان الهواء و ان لم يستنر لشفافته

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 151 *»

لكن الاهبية تستنير استنارة ضعيفة و تنير ما يقابلها انارة ضعيفة فتستنير جميع سطوح الحائط مثلا و يغلب نور السطوح الموازية للمضيء نور ترك السطوح الغير الموازية لقوته فيري كلها مستنيرة علي نهج واحد في بادي الرأي و الصقيل ليس هكذا بل سطوح اجزائه متساوية فيقابل بعضها المضيء و بعضها اطرافه فيستضيء بضوئه ما يوازي سطح المضيء و بضوء الاطراف اطرافه و في اصل التكيف لا فرق بينه و بين ساير الاجسام الكدرة و ثانيها ان الاجسام الكدرة لها من انفسها لون كثيف اذا استنارت شاب الضوء الذي عليها بالوانها و كانت الوانها ابين من الضوء الذي عليها بالاستكمال فان ضوء المكمل الفاعل رقيق لطيف و برقته يكون اخفي عن البصر من اللون المستنير و لون المتكمل القابل كثيف يكون ابين للبصر اذا حصل له سبب البيان و اما الاجسام الصقيلة فلصقالتها الشبية بالشفافة ليس لها لون بين شديد البيان للعين فيصير الضوء الذي عليها اشبه بالمضيء و ابقي علي الصرافة و ان كانت تفيده لوناما كما تري من شبح وجهك في المرآة الزجاجية الخالية عن اللون و في المرآة الذهبية و الفضية و غيرها فان الفضية تفيد الشبح بياضا ما و الذهبية صفرة ما و الزجاجية و ان كانت بيضاء في الحقيقة الا ان لونها شديد الرقة يكاد يخفي عن البصر فلا تفيد الشبح كثيرلون و ثالثها ان الاجسام الكثيفة و ان كانت تستضيء بضوء المضيءو بضوء اطرافه الا ان ضوء الا طراف لكونه اضعف من ضوء‌المضيء و كونها كدورة و بين اللون و تفرق السطوح الموازية‌للضيء و اطرافه فيها و تداخلها لا يتبين عليها شبح الضيء ممتازا عن شبح الاطراف و كذلك اذا كان قبالها مستضيئات متساوية الاضواء‌في القوة و الضعف و اما الصقيل فلتساوي سطوحه و توازي كل سطح منه مع ضيء بالذات او بالعرض و عدم لون بين منه و عدم تداخل السطوح يميز فيه بين شبح الضيء و شبح اطرافه و رابعها ان الاجسام الكدرة تكدر الضوء بكدورتها و بتخلل سطوح قليل النور بين سطوح كثير النور فيضعف نورها البتة و اما الصقيل فلصقالته و رقة وجهه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 152 *»

و ملاسته يورث الضوء الواقع عليه لمعانا و بريقا حتي انه ربما يكون المرآة بلورة شديدة الصقالة و يصير شبح السراج فيها اضوء من نفس السراج فان القابل ان كان اقوي من الفاعل يستكمل بكمال ازيد من كمال الكمال كمتعلم يصير اعلم من المعلم و كأناء حجر صببت فيه ماء حارا جدا فلربما يصير الاناء احر مما فيه لانه اشد امساكا للحرارة و الحرارة مع اليبوسة اقوي منها مع الرطوبة و الدخان يشتعل بالجمرة و بالكبريت و يكون اضوء من الجمرة و شعلة الكبريت الي غير ذلك من الفروق بينهما و الا ففي نفس التكيف لا فرق بين الصقيل و الكدر و كل الفرق في الظهور و عدم الظهور و صفة القبول.

فصل            ان تكيف الاجسام مطلقا بالاضواء ليس علي حد تكيف الاجسام بالالوان الكثيفة فان تكيف الاجسام بالالوان اما بتغليب بعض عناصرها فيتبعه اعراضه و تظهر عليها و اما بايراد اجسام عليها قابضة او مرخية او محرقة بنار طبيعية او مفرقة للاجزاء فتؤثر في اجسامها دون طبايعها فيحدث فيها الوان كثيفة عليها و اما بايراد اصباغ جسمية فتتعلق اجزائها الصغار بها و تنفذ لرقتها اوحدتها فيها فتبقي عليها زمانا فتري مصبوغة بها فهذه التكيفات تكيفات كثيرة تبقي زمانا ثم تعود الي ما كانت او لا تعود و اما الاضواء فهي اصباغ رقيقة و الالوان التي تتكيف بها الاضواء ايضا رقيقة لرقة الاضواء فهي لا تكمل جواهر الاجسام و لا تغير عناصرها و لا تؤثر في اجزائها بقبض و ارخاء و غير ذلك و انما تستضيء الاجسام و تتكمل بالظهور فتذهب عنها الظلمة و تتكمل بالبيان و الوضوح و الالوان التي للمكمل ايضا رقيقة جدا لا تؤثر في الاجسام الا كاثر اليد في تحريك المفتاح فما دام الضيء مقابلا تكون الاجسام مستنيرة لوجود المقتضي و هو الضوء و صلوح القابل فيكمل المضيء قوة الظهور التي في الوان الاجسام فتظهر فاذا غاب عادت الي الظلمة لانه لا داعي لها الي البروز من نفسها و غاب الداعي كما بينا آنفا ان هذه الاجسام قابلة للاعراض صالحة لها فان كان المقتضي موجودا ظهرت عليها و ان عدم عدمت فمنها ما يكون المقتضي من باطنها و يدوم عليها زمانا فيستمر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 153 *»

العرض مادام باقيا و مهما رفع العناية زالت و منها ما يكون المقتضي من الخارج فما يدوم عليها يدوم العرض و اذا زال زال ففي استضاءة الاجسام الكثيفة يكون المقتضي من الخارج و هو المضيء فاذا دام دام الضوء عليها و اذا زال زال و في نفس التكيف لا فرق بين الاستضاءة و التلون و انما الفرق في كثافة الكيف و لطافته و قوة المكمل و ضعفه و ذلك مما اشتبه علي القوم كساير المسائل و ان نفي بعضهم التساوي بين الانصباغ و الاستضاءة فانما اراد عدم الانصباغ مطلقا بالاضواء و قد عرفت ان الاستضاءة‌ايضا انصباغ بالضوء الا ان الفاعل من الخارج و ان اردت الاعتبار فاعتبر من ثوب مائي اللون في ضوء السراج فانه يري اخضر و ثوب ابيض في ضوء السراج اذ اقسته به في القمر فانك تراه في ضوء السراج اصفر و اعتبر بتركب الوان الاجسام من وراء زجاجات مستنيرة و هي ذوات الوان فالثوب النيلجي وراء الزجاج الاحمر يري بنفسجيا ووارء الزجاج الاصفر يري اخضر و الثوب الابيض وراء كل زجاج يري علي لونه و ان هذا الا من انصباغ الاجسام بالاضواء و الوانها و مادام المقتضي قائما يكون الصبغ قائما و اذا زال زال و كذلك حال الاوان فان المقتضي فيها الطبايع الباطنة فما دامت باقية كان اللون باقيا و اذا تغيرت تغير فلا فرق في اصل التكيف و التلون الا بحسب الفاعل الخارج بل ربما يبقي اللون بعد زوال الفاعل الخارج ايضا كما تشاهد في بقاء الصبغ في العين اذا امعنت و ادمت النظر في الضوء ثم دخلت دفعة بيتا مظلما فانك تري ضوء و ما في البيت ضوء و اذا كنت في بيت مظلم مدة و خرجت دفعة الي الضوء تري في عينك سوادا و اذا ادمت النظر الي ثوب فيه نقوش كثيرة الوضوح ثم نظرت دفعة الي حائط ابيض غير ذي لمعان تري تلك النقوش عليه زمانا يعتدبه بل اتفق ان شخصا امعن النظر الي الشكس المنخسفة بعضها بقي في عينه شبحها منخسفا اياما و شهورا و سنين عديدة و ليس هذا الا من انصباغ الجليدية و لو كان ادراك ذلك بعد زوال ذي الشبح من الحس المشترك لكان لا يري الانسان شبح الشمس المنخسفة الا اذا تصوره و تعمده و نحن نري انه ربما يراه امام عينه الي آخر عمره في جميع حالاته و الحس المشترك لا يدرك الشيء الا بعد توجه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 154 *»

النفس اليه كالخيال و الفكر و قد حققناه في محله و كذا الحس المشترك لا يدرك الشبح الا في مكانه و لا يدركه في كل مكان علي كل مرئي بل و لا انكران يكون رؤية الدائرة في الشعلة الجوالة و الخط من القطر النازل و الدائرة من النقطة علي حجر الرحي و النقاط من الدوامة حال دورانها من انصباغ العين دون ان يكون بالحس المشترك فان الانصباغ اذ اكمل يبقي زمانا كما يبقي الحركة في الحجر المدفوع زمانا و ليس مكمله الا من الخارج و قد رفع اليدعنه و مع ذلك تبقي عليه زمانا يعتدبه و كالرايحة في الهواء بمجاورة طيب فان المكمل من الخارج و لم يتغير اركان الهواء و مع ذلك يبقي  تكيفه بعد فناء الطيب زمانا مقتدرا و كبقاء الحرارة في الجسم المدقوق بالمطرقة زمانا يعتدبه و ليس حرارته الا بالتكيف بالسبب الخارجي و كذلك الحال في انصباغ الاجسام بالاضواء الا ان الضوء الطف الكيفيات طرا و الاجسام الشفافة قليلة الماسكة و الاجسام الكدرة بعيدة المشاكلة مع الاضواء و بطيئة الانصباغ لا سيما بالاصباغ اللطيفة جدا و الاجسام الصلبة الصقيلة ايضا بعيدة المشاكلة فبجميع هذه الاسباب لا يبقي الضوء بعد فناء‌الضيء‌علي الاجسام و الافلا فرق بين التكيف بالاضواء و بالاصباغ الا في الشدة و الضعف ما تري في خلق الرحمن من تفاوت بل لا فرق بين شيء من اقسام التكيفات و كلها من باب واحد فان التكيف قبول الشيء كيف جسم آخرو لا يحدث الكيف في المتكيف الا بفاعل كامل يكمل قوة المتكمل الضعيفة حتي تخرج الي الفعلية سواء‌كان الفاعل من الاسباب الداخلة او الخارجة و بذلك لا فرق بين شيء‌من التكيفات نعم يتفاوت درجاتها في القوة و الضعف كما بينا و اما سربقاء الصبغ في العين زمانا مقتدراو عدم بقائه في ساير الاجسام فان العين فيها روح الباصرة و هي شديدة المشاكلة مع الاضواء و اصباغها اللطيفة اذ هما معا من اسفل عالم امثال و اما ساير الاجسام فهي غليظة كثيفة بعيدة المشاكلة مع الاضواء المثالية فلاجل عدم المناسبة التامة لا تنصبغ بها انصباغا يبقي فيها زمانا مقتدرا بخلاف الروح الباصرة فانها مشاكلة مع الاضواء لطيفة مثالية فتؤثر الاضواء فيها ما لا تؤثر في ساير الاجسام فلاجل ذلك يبقي اثرها في العين زمانا مقتدرا فقولنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 155 *»

ان صبغ الاضواء يبقي في العين ليس معناه انه يبقي اثرها في نفس الجليدية فانها ليست الا كالمرايا و هي جسمانية و ان كانت مع ذلك الطف بل المراد بقاء الصبغ في الروح الباصرة المشاكلة مع الاضواء و لا غرو ان يبقي اثرها فيها و قلنا ان الاثر يبقي في العين و هذا الاثر ليس في الحس المشترك فان الحس المشترك من المثال و هو مشاكل مع الخيال و لا ينطبع فيه شيء‌الا مع الارادة و التوجه بتوجه النفس اليه فما لم تستعمله النفس في مقصودها لم ينطبع فيه شيء و هذه الاصباغ تبقي في الباصرة بطبعها و ان لم ترد النفس كما يبقي الصبغ في الجسد و ان لم ترد النفس بقاءها فان انصباغ الاجساد طبيعية و انصباغ آلات النفس الغيبية ارادية فافهم و تبصر.

المقالة الثانية

في بيان كيفية رؤية الاشباح في الاجسام الصقيلة و ما يتعلق بها و مسائل هذه المقالة مما قد تحيرت فيها الاعلام و تاهت فيها الاحلام و تناقضت فيها الاعتبارات و تدافعت فيها الدلالات و انما ذكر الطبيعيون فيها ترهات لا تسمن و لا تغني من جوع و ذكر اهل التعاليم فيها وجوها وافقت الظاهر بعد جري الطبيعة مجريها و لم تكشف عن حقيقتها هذا و اكثر مقدمات ادلتهم من المشاهدات و ينتهون اليها والشن في معرفة حقيقة تلک المشاهدات و هي التي تخفي عن الالباب و الافبعد الاغماض عن معرفتها توافق ادلتهم الظاهر بعد جري الطبيعة مجريها الا تري ان الذي يقول بخروج الشعاع يقيم الادلة التعليمية في جميع المسائل و الذي يقول ايضا بالانطباع يقيم تلک الادلة ايضا و کلها موجهة و البراهين التعليمية لاتقبل الاختلاف و ليس ذلک الا من جهة انها وافقت الظاهر بعد جري الطبيعة مجريها و ليست بعلة کاشفة عن سرها فتحقيق مسائل هذه المقالة ايضا يقتضي رسم فصول.

فصل قد عرفت مما تقدم من البيان ان الجسم اذا کمل في خصلة وصار احدي قواته بالفعل و قوي في تلک الفعلية برقة انيته حتي لم تحجب العالي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 156 *»

المتجلي فيه الذي جميع کمالاته بالفعل صار کاملا مکملا في تلک الخصلة فحينئذ از اقارن جسما آخر مشاکلا له في المادة و القوات قوي ما فيه من جنسه بالمشاکلة حتي اخرجه من القوة الي الفعلية فينفعل ذلک الجسم المشاکل المقارن بفعله علي حسب قابليته لا محة و من تلک الکوامل الضيئات السفلية و العلوية فهي اذ اقارنت جسماکملته في الظهور و البروز حتي صار ظاهرا للعين مثلها علي حسب قابليته فالجسم الشاف ينفعل منها الا انه للطافته يکون تکيفه و انفعاله انفعالا لطيفا محجوبا عن العين فلذلک لا يصير ضيئا علي معني الضوء هو الظاهر للعين و يبقي مظلما علي معني ان المظلم هو الخفي عن العين و الا ففي الحقيقة هو متکيف و من ذلک زعم ارباب التعاليم انه لا يقبل الضوء قبول استضاءة بل قبول تأديه غفلة منهم انه لاينفصل عرض الضيء عنه و يقع في الهواء حتي يؤديه الي الکثيف و ليس الضوء بشيء منفصل عن الضيء حتي يحمله الهواء و يوصله الي غيره و ان کان کثيفا يتکيف عن الضيء بواسطة او بغير واسطة تکيفا کثيفا يتبين للعين فيستضيء علي معني ان الضوء هوالظاهر للعين و مثله مع العين کالريح و الشجر فان الريح يتحرک بتحريک اشعة الکواکب و لا تري حرکته فاذا حرک الشجر يتبين حرکة الشجر للعين فيريها و کذا الهواء يستضيء و لا يري فاذااستضاء به الکثيف رأي فان الضوء الذي يخرج من قوته الي فعله يخرج علي حسب قابليته کثيفا و اذا کان الجسم صقيلا يکون بسبب تساوي سطوحه و ارتباط اجزائه في السطح الظاهر کالشاف و من حيث ثخنه و مادته کالکثيف فلايکون له من حيث السطح الا علي کثير بروز للعين و قوي لون فيکون کانه لالون له ومن حيث المادة کثيف کساير الاجسام فاذا  استضاء بضوء ضيء استبان عليه براقا صقيلا الا انه يري و من جهة عدم صبغ کثيف شيد البيان فيه يري الضوء فيه علي حسب المکمل بخلاف الاجسام الکثيفة اللون فانها تغير الضوء عن مقتضي المکمل کثير تغيير و ظهور الوانها ابين للعين من ظهور صفة الضيء فالصقيل کما بينا في المقالة السابقة يتکيف ايضا لکن تکيفا بين بين فلايفيد الشبح الملقي عليه کثير تغيير ويکثفه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 157 *»

تکثيفا ساذجا او قريبا من السذاجة وان کان له لون غليظ وسطوح  اجزائه متساوية فيغيره في اللون و ان کان سطوح ابعاضه غير مستقيمة يغيره في الشکل ايضا و جميعها يکثفه لکثافة اصل المادة تکثيفا يبينه للعين کما عرفت فمازعمه اصحاب التعاليم وغيرهم ان الصقيل لا يتکيف في جسمه فذلک خطاء محض وزعموا ان الشبح يقع عليه من الضيء فيندفع عن وجهه لصلابته و ملاسته و عدم مساماته فان کان سطحه موازيا لسطح الضيء يندفع الي حيث صدر وان کان موربا بالنسبة الي سطح الضيء يندفع الي جهة خلاف جهة الضيء واعتبروا ذلک بکرة ضربت بها سطح حائط مواز لسطح جهة الدفع فانها تطفر و تندفع راجعااليک وان کان سطحه موربا فانها تندفع الي جهة التويب ولعمري يضحک منهذا الاعتبار الثکلي فانه لا ينصدم عن الجسم الا الجسم و العرض کيف يقع بقوة علي الجسم و کيف ينصدم ويطفر ويندفع راجعا ومادافعه بقوة و اذاً لا يوافق الشبح ذا الشبح فان ذاالشبح ساکن و هو متحرک وذا الشبح مقبل الي الصقيل و هو مدبر عنه اذا اندفع و العرض کيف يفارق الضيء والجوهر و کيف يسير في الهواء ولم يقع اشباح کثيرة علي الصقيل فاذا اندفعت لاتتدافع فيصدم بعضها بعضا و يدفع بعضها بعضا و الانصدام من المجانس اولي و لم لاتتدافع في الهواء وهي شيء يقبل التدافع و التصادم وهذا القول بالهذيان اشبه منه بالبرهان و ماعذرهم بعد هذا القول في ردهم علي اصحاب خروج الشعاع و سيره في الدنيا فجميع ما فرعوه علي هذا القول باطل مضمحل کقول اصحاب خروج الشعاع نعم بعد جري الطبيعة مجريها طابق براهينهم التعليمة ظاهر الامروهم عن درک حقيقته غافلون و يدل علي ان الشبح ينطبع في نفس المرآة ماروي عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث نقل الاشباح الي ظهر آدم الي ان قال آدم يا رب لو بينتها لي فقال الله يا آدم انظر الي ذروة العرش فنظر آدم وواقع اشباحنا من ظهر آم الي ذروة العرش فانطبع فيه صورانوار شباحنا التي في ظهره کما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصفية فرأي اشباحنا الخبرفتبين لمن سلم لآل محمد عليهم السلام ان الشبح ينطبع في المرآة کما ينطبع الختم علي القرطاس وهذا معني الانطباع و اما علة عدم تبين الشبح فيها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 158 *»

بالنسبة الي ناظر و تبينه بالنسبة الي آخر فيأتي وجهه فترقب.

فصل انما ساق الجماعة الي القول بعدم تکيف المرآة انهم رأوا المرآة اذا وضعت علي الارض مثلا و نظرت اليها من بعيد تري فيها شبح جزء من السقف في موضع معين و ان تحرکت يعينا و شمالاتراه في موضع آخر حتي انک اذا تحرکت ودرت حولها ودنوت منها و بعدت عنها تري شبح ذلک الجزء في جميع اجزائها فزعموا انها لو کانت تتکيف تکيف الاجسام الکثيفة لکنت تري الشبح ابدا في جزء معين وان خالف اوضاع قيامک معها کالثوب الذي عليه نقش فانک تراه بکل وضع في موضع معين فلما رأوا ذلک قالوا انها لا تتکيف کانصباغ الاجسام الکثيفة و انما يقع الشبح من کل سطح من ذي الشبح عليها و يطفر کل خط منه الي حهة فاذا وقفت في جهة اندفاع ذلک الخط يقع في عينک فتراه في موضع سقوطه عليها و ذلک خطاء من رأيهم وباطل وعن حلية الاعتبار عاطل و ان اردت فهم ذلک فاصغ لما اقول ومن الله سبحانه المأمول ويتم شرح المقال في فصول.

فصل اعلم ان السراج مثلا کما عرفت مرکب من مثال الناروصفة الدخان و کما ان مثال النار يکتسب من الدخان الصبغ و الکيف يکتسب منه الکم فيکتسب منه شکل الخراطة کما يکتسب منه اللون و الکثافة فلذلک يصير علي شکل الدخان و لو نه و هو من حيث نفسه لا لون له و لا شکل فيصيرضوءا اصفر مخروطا فله سطح مخروطي له جهات يتوجه الي کل جهة بجزء من سطحه و قد عرفت انه کمل في الاستضاءة و التشکل حتي انه يفيد الجسم الذي يليه ما اکتسب فکما يتکيف بتکييفه الجسم الذي يليه کذلک يتشکل کيفه الحاصل له فيکون کماله الحاصل له بالانفعال بذلک الصفاء واللون و الشکل الا انه علي حسب قابليته فان کان الجسم الذي يليه مستديرا حوله ينفعل جميع سطحه من جميع سطحه و ان کان مسطحا بسطح مستقيم ينفعل منه مايوازيه فاذا صنعت مرآة مستديرة کالفانوس يوازي استدارتها استدارة الشعلة ووضعت السراج وسطها يستضيء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 159 *»

جميع سطحها فيظهر فيها شعلة کبيرة بکبرها وان قابلت جانبا منها بمرآة سطحها مستقيم وازت بعض سطح الشعلة ببعض سطحها و وازت الاطراف باطراف ذلک البعض فتکمل ذلک البعض الموازي لبعضها و کذلک حال الهواء الا انه لايتبين للعين.

فصل اعلم ان النطقة المبحوث عنها في العلوم التعليمية هي طرف الخط کيمينه مثلا او يساره و هي عرض لاتقبل القسمةلا طولا و لاعرضا و لا عمقا از لا طول لها و لا عرض ولا عمق فلا تقبل القسمة حسا و اما النقطة الجوهرية فهي تقبل القسمة من جميع الجهات الي مالانهاية له غاية الامر انها لا تقبل القسمة بالآلات الجسمانية و الا فالعقل يجوز تقسيمها فانها جوهر و الجوهرغير متناه في نفسه ودائما کل جهةمنها غي الجهة الاخري و بذلک تقبل القسمة و لا يصير قسمي الجوهر عرضا فلها اين ما بلغت من الصغر سطوح وطول وعرض و عمق و اما الخط فهو طرف السطح و هو عرض له کيمينه مثلا او يساره و لا يقبل القسمة عرضا و لا عمقا اذ لا عرض له و لا عمق ويقبل القسمة طولا اي في جهة و في انقسامه لايصل  الي النطقة لانه ليس بمرکب من نقاط فان النقطة ليس لها جنبان و انما هي الجنب الواحد و لذلک لا تقوم بنفسها في الخارج الافي طرف خط وکذا الخط هو جنب السطح ولا يقوم بنفسه في الخارج الا في طرف سطح قالنقطة عرض العرض و للخط بالنسبة اليه جوهرية و مع ذلک لاينقسم الا بتقسيم الجسم فانه لايوجد الا عليه و ليس لاجزائه جهات الا الجهتان و اما السطح فهو طرف الجسم کاعلاه او اسفله فهو عرض له و ليس الجسم مرکبا من سطوح متراکمة و لا يعقل تراکمها لانه ليس له جنبان يلتصق بالاخر بجنب وانما هو بنفسه جنب واحد للجسم و ليس بمرکب من خطوط و لا ينتهي اذا انقسم الي الخط فان الخط عرضه وطرفه وله جوهرية بالنسبة الي الخط و لا ينتهي الجوهر في التقسيم الي العرض و هو يقبل التقسيم طولا و عرضا اي في جهتين و لا ينقسم في العمق اذ لا عمق له و لا يستقل بنفسه و اما الجسم فهو يقبل التقسيم طولا و عرضا و عمقا و هو عرض الجوهرو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 160 *»

هو الجسم التعليمي و نظر اهل التعاليم الي صرف المقدار الذي هو طول و عرض و عمق وهو صفة الجوهر و عرضه وهوغير الجسم الطبيعي الذي له مادة و صورةفالجسم التعليمي له جوهرية بالنسبة الي السطح و السطح عرضه و ليس مرکبا من سطوح متراکمة و لا ينتهي في التقسيم اليه فنسبة هذه الاربع کالحرکة و سرعة الحرکة فان الحرکة و ان کانت عرضا للجسم الا انها جوهر بالنسبة الي السرعة و کذلک الخط و ان کان عرضا للسطح الا انه جوهر بالنسبة الي النقطة وکذلک السطح جوهر للخط عرض للجسم و الجسم جوهر للسطح عرض للمادة فاجزاء الخط لها نقاط و اجزاء السطح لها خطوط و اجزاء الجسم لها سطوح و لا يتحقق کلها في الخارج  الا بمادة ثم اعلم ان لا يعقل احتجاب نقطة بنقطة فان النقطة ليس لها وراء غير الامام فتقف نقطة ورائها و تحتجب بها و لا يعقل احتجاب خط بخط عرضا فان الخط ليس له وراء يحتجب خط خلفه و لا يعقل احتجاب سطح بسطح فان السطح ليس له خلف يقف سطح آخر خلفه يحتجب به ولکن لما کانت لازمة للمادة الجوهرية وهي تحجب بعض اجزائه بعضا قد تحتجب النقطة و الخط و السطح عن النظر لکن بالجوهر فان نظرت الي جزء من الخط اي حصة منه وازي سطح عينک ذلک الخط فان ملت عنه مقدار ذرة لم يواز شيئا منه سطح عينک فلم تره و ما تري من انک تتحرف عن موازاة طرف سطح جسم و تراه مع ذلک فانه لاجل ان الجسم له اجزاء جوهرية و لها سطوح ولسطوحها اطراف و انت تري طرف سطح آخر من تلک الاجزاء فتزعم انک رأيت الخط الاول و هو خطاء و ليس لاجزء الخط تواز مع غير ما يوازيها عرضا فاذا ملت عنها لاتريها و لاينطبع في العين شبح مالا يوازيها و ان نظرت الي جزء من السطح اي حصة منه وازي سطح عينک ذلک الجزء و ريته فان ملت عنه مقدار ذرة لم يواز شيء منه سطح عينک فلم تره و ليس لحصص السطح تواز مع غير مايوازيه و ما تري من انک تنحرف عن موازاة جزء من سطح الحائط مثلا و تراه فذلک اشتباه و لست تري ذلک السطح بل سطحا آخر من اجزائه الجوهرية يوازي سطح عينک و ما تري من انک تميل عن موازاة خط و تراه اقصر فليس ذلک لان بعض اجزائه يستر بعضا عن النظر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 161 *»

فان لاجزائه ليس جهات عرضا فينکشف لک جهات اخري منها و يحتجب بعضها ببعض عن النظر بل لاجل انها لازمة لاجزاء جوهرية جسمانية و هي يستر بعضها بعضا فتزعم ان اجزاء الخط ستر بعضها بعضا و کذلک اذ انظرت الي حصة من سطح حائط مثلا فانک تراه اقصر و ليس ذلک ان اجزاء السطح ستر بعضها بعضا فانه ليس لها سطوح عديدة ينکشف لک بعضها و يحتجب بعضها ببعض بل لاجل انها لازمة لاجزء الجسم الجوهري و هي ذات سطوح فيستر بعضها بعضا فتري من کل جزء سطحا يوازي عينک و يحتجب بعضها ببعض فمن مال عن موازات خط او سطح و مقابلتهما لا يري ذلک الخط و ذلک السطح و لاتحقق لهما عنده و هما عرضان خاصان بجهتهما و ما يراه خط آخر و سطح آخر عن اجزاء جوهرية جسمانية و الا فنفس الخط و السطح لايريان موربين متقاطعين لسطح البصر ابدا و ذلک مااردنا ايضاحه هنا فخذه ما لم تسمعه من خطاب و لم ته في کتاب.

فصل ان الضيء سواء کان بالذات اوبالعرض کثيفا کدرا اوصقيلا يضيء کل نقطة منه بالاستقامة کل جسم يسامتها لکن اذا کان کثيفا يضيء کل نقطة جوهرية منه من جميع الجهات فان لها سطوحا عديدة و کل نقطة من کل سطح منه تضيء بالاستقامة مايليها و يسامتها و ليست تضيء في غيرتلک الجهة فان الضيء من کل جسم سطحه الظاهر و السطح ليس له جهات و انما هو جهة واحدة فاذا انحرفت عن تلک الجهة لا تحقق له في تلک الجهة کما عرفت فکل نقطة من السطح لايواجه الا جهة واحدة و لا يضيء الا في جهة واحدة فماقاله اصحاب التعاليم ان کل نقطة يضيء من کل جهة فان قصدوا بها النقطة الجوهرية الجسمانية فنعم ما قالوه و الا فلا يضيء النقطة العرضية الا في جهة لها تحقق فيها و تلک ما يسامتها ويکون وجهها اليها و اما اذا کان صقيلا متساوي السطوح من اجزائه فليس لها سطوح عديدة مواجهة الي کل جهة فاذا انطبع فيها ضوء سطح عرضي لاينطبع الا في سطحها الواحد و لا ينطبع في ذلک السطح ايضا الا ما جاءه من الضيء کما جاءه و ليس تکيف المرآة کما بينا کتکيف ساير الاجسام و لا تغير

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 162 *»

الشبح ان لم تکن مختلفة السطوح فالسطح الشبحي الذي يأتيها ينطبع فيها کما اتيها يعني يکون وجه الشبح المنطبع فيها الي حيث يکون وجه ذي الشبح اليه فان الشبح يطابق الشبح المتصل بذي الشبح فکيفما جاءه الشبح مع مقارناته و ساير اوضاعه ينطبع فيها بتلک الکيفية مع تلک المقارنات و الاحوال و الاوضاع ثم ينعکس عنها کما انطبع فيها و نعني بالانعکاس اضاءتها ثانيا مايواجهها ثانيا و ذلک ايضا بکيفية خاصة و هي ان المضيء ليس جسم المرآة فانها ليست بضيئة بالذات و انما الضيء الشبح الذي فيها کساير الکثايف فذلک الشبح يضيء في جهة يکون سطحه متوجها اليها لا في جهة لايکون سطحها متوجها اليها و کذلک حال الاجسام الکثيفة الا ان الاجسام الکثيفة لها سطوح عديدة و يستنير کلها من الضيء يعني کل سطح منها من سطح من الضيء مواجه له فيضيء الضوء الواقع عليها في جهات لان سطوح الضيء الاصل الي جهات و المرأة ليست کذلک فليس لها سطوح و لا توجه الا الي سطوح معينة من الضيء و تلک السطوح المعينة متوجهة الي جهة خاصة فلا جل ذلک لا تضيء المرآة الا في جهة خاصة فلاجل ذلک لاتضيء المرآة الا في جهة خاصة يواجه اليها الشبح الذي فيها و ما تري من انتقال الشبح فيها فذلک توهم و لا ينتقل شبح سطح معين من الشاخص من موضع معين من المرآة و الذي تراه في موضع آخر منها شبح سطح آخر من الشاخص الضيء فان الشاخص له اجزاء جوهرية و لها سطوح.

فصل ان اشباح الضيئات هي وجه واحد و ليس لها خلف و اطراف فان کان الشبح مواجها يري و الا فلا خلف له ولا يري له خلف حتي ان ما تراه في المرآة هووجه الشبح ولو کان خلف شبح وجهک لکنت تري اشباح نواتي وجهک غائرة و غواير وجهک ناتية والحال انک تري الناتي ناتيا و الغاير غايرا مثل ما اذ انظرت الي وجه رجل فاين ما اتفق مواجهة الشبح للعين يجب ان يري و الا فلا ينبغي ان يري فانه ليس الا وجه واحد مواجه الي غيرعينک فلا يجوزان تراه کما فصلنا القول فيه فليس الشبح بشيء ينفصل عن الوجه کجلده يکون خلفه الي وجهک ووجهه الي المرآة مثلا بل هووجه واحد و يکمل الجسم الذي يليه علي

 

* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 163 *»

ما هو عليه ويتکمل علي ماهو عليه فيحدث فيه سطح عرضي لاخلف له فمن کان مواجها لوجه ذلک السطح المطابق لوجه المکمل رآه و من کان منحرفا عنه لم يره و يختلف توازي وجه الشبح المنطبع في الاجسام للاشياء علي حسب القابل کما يأتي ان شاء الله و ذلک من مبهمات مسائل هذا العلم و قد فتحت الباب و رفعت الحجاب و من الله التأييد في کل باب.

فصل ان للشاخص الجوهري اجزاءا جوهرية ولها سطوحا فاذا  استنار الشاخص يکمل کل سطح منها سطحا يوازيه من الهواء و کل سطح من الهواء السطح الذي يليه منه الي ان يبلغ الي الجسم الصقيل فان کان سطح الصقيل موازيا لسطح الشاخص انطبع فيه شبحه کما اذا اخذت مرآة يوازي سطحها سطح وجهک يکمل کل نقطة من وجهک نقطةمن المرآة فاذا فرض من نقطة وجهک خط الي تلک النقطة من المرآة کان عمودا علي سطحها و ينطبع مع نقطة وجهک اسباب من اشباح ساير الاجسام التي بها يعرف معني البعد  للمبصر عن النظر فينطبع شبح سطح وجهک المتوجه الي سطح المرآة مع تلک الاسباب التي بها يعرف معني البعد و لما کان وجه سطح وجهک الي سطح المرآة مع اشباح اسباب البعد ووجهه الي جانب السطح فيکمل ذلک الشبح ثانيا الهواء الذي يليه الي ان يصل التکميل الي سطح وجهک الموازي له فيکمل کل نقطة منه الهواء في نفس ذلکالخط الذي کان طرف منه في نقطة من سطح الجسم و طرف آخر علي المرآة عمودا عليها فيري عينک عين الشبح ناظرة اليها لان شبحها کمل الهواء في طريق کمل عينک فيه سطح المرآة فنظرک الي موضع عين الشبح هو علة نظها الي عينک ولو نظرت الي موضع آخر من المرآة نظرت عينه الي ذلک الموضع و انما ذلک لما عرفت ان الشبح سطح له وجه واحد فينطبع في المرآة شبح له وجه واحد و ذلک الشبح من وجهک ناظر الي موضع عين الشبح في المرآة من بعدمعين فيجب ان يکون عين الشبح ايضا ناظرة من شبح ذلک البعد الي ذلک الموضع و الخط الخارج منه الي سطح عينک عمود

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 164 *»

علي سطح عينک فيصير ناظرا من طريق ذلک الخط اليک بحکم لزوم مطابقة الشبح المنفصل مع الشبح المتصل و ليس سبب رؤيتک اياه خروج شعاع من عينک ووقوعه علي المرآة ثم انعکاسه الي وجهک و الا لکنت تري يمناک في اليسار و يسراک في اليمين کما اذا نظر اليک ناظر من امامک و کنت تري الخط المکتوب فيها مستويا و ليس بان الشبح يقع علي المرآة فيندفع من طريق ذهب فيه الي الوراء حتي يقع في عينک فان الشبح ليس بجسم ينصدم عن الاجسام و يندفع و يطفر کل ذلک اقوال خارجة عن طريق الصواب و الحق ما ذکرنا و ان قال قائل لو کان ينصبغ المرآة و يتکيف عن الشبح لکان يري من کل وضع و المشهود خلافه فجوابه يأتي في الفصول الآتية ان شاءالله.

فصل اذا کان سطح المرآة غير مواز لسطح وجهک و لم يکن الخطوط الخارجة عن وجهک اليه عمودا عليه فانت لا تري فيها شبح وجهک ولکن اذا وقف غيرک في وضع يکون خط يفرض من نظره الي نقطة من سطح المرآة بالنسبة الي العمود علي تلک النقطة کنسبة خط نظرک الي ذلک العمود و يکون الزاويتان المحيط بهما خط العمود وخط نظر الطرفين متساويتين يري هو شبح وجهک من تلک العمود الي طف المرآة ممايليک وکذلک تري شبح وجهه من تلک النقطة الي طرف المرآة ممايليه و هو ايضا لا يري شبح نفسه فيها و ذلک من اسباب اوقفت القوم علي انکار انصباغ المرآة فانک لا تري شبح نفسک فيها و غيرک يراک فيها و ان نظرتما الي نقطة معينة تجده ناظرا اليک و يجدک ناظرا اليه بالاستقامة و معرفة هذه الحال من المشکلات اعلم انک قد عرفت ان شبح الاشياء يقع في المرآة و ينطبع فيها و رويت لک النص في ذلک عن اهل العصمة عليهم السلام وکيفيةالانطباع هي التکليف کما بينا و شرحنا فالمرآة تتکيف لامحة الاان التکيف يتفاوت بحسب اختلاف الکيف و اختلاف القابل و ليس التکيف بالحرکة کالتکيف باللون مثلا و لا تکيف اللطيف کالکثيف فالمرآة تتکيف و ليس تکيفها کتکيف الاجسام الکثيفة کما بينا و بينا ان الضوء الذي يأتي المرآة هو سطح واحد و وجه للضيء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 165 *»

ليس له خلف و بينا ان السطح هو طرف معين ليس له اجزاء جوهرية يکون لها اطراف فمن حاد عن طرف منها رأي طرفا آخر فهوطرف واحد فمن وازي ذلک الطرف بسطح عينه رآه و الا فلاوبينا ان الشبح المنطبع في اللطيف لطيف و في الکثيف کثيف و بينا ان المعاني المدرکة للمبصرات من القرب و البعد و العلو والسفل و التوجه و التولي و غير ذلک کلهامستنبطة من الاشباح الواقعة في العين و ان کانت في سطح واحد کما يدرک جميع المعاني من نقوش النقاشين علي سطح قرطاس واحد فيدرک القريب قريبا و البعيد بعيدا و العالي عاليا و الداني دانيا و بينا ان الشبح يجب ان يکون من حيث الصدور علي طبق ذي الشبح و بينا ان المرآة سطوحها متساوية و ان کان لها اجزاء جوهرية لها سطوح الا ان سطوحها غير محسوسة و لا منشأة اثر بين وحکمها حکم السطح الواحد لموضع الصقالة و بينا ان الضيء کل نقطة منه يضيء ما يقع عليه من الاجسام علي الاستقامة و ان لم يکن الخط الضوئي عمودا عليها فاذا عرفت هذه المقدمات فاعلم انک اذا وضعت مرآة علي الارض و وقفت عند طرف منها ببعد قليل و وقف آخر بازائک عند الطرف المقابل فانت لاتري شبحک فيها و تري شبح صاحبک و هو ايضا لا يري شبح نفسه ويري شبحک فيها و العلة فيه ان سطح المرآة بالنسبة الي سطح وجهيکما منحرف و مواز لسطح السقف مثلا و لوجه کل واحد اجزاء جوهرية لها سطوح متوجهة الي جهة المرآة و يضيء کل نقطة من تلک السطوح نقطة من الهواء و تمر في خط مستقيم الي ان تلاقي المرآة في نقطة خاصة فينطبع الشبح في المرآة لامحة الا انه اي الشبح الذي في المرآة ليس وجهه اليک و ليس له خلف و لا اطراف متعددة اذا لم يکن مواجها اليک تکون تري خلفه او طرفا آخر منه فاذ لم يکن مواجها اليک لم تره البتة و ليس الشبح الا ذلک الوجه الواحد و هو ليس اليک بل الي صاحبک فهو يراه ولا تراه وکذلک شبح وجه صاحبک بالنسبة اليه و اليک فهو ايضا لا يري شبحه و تراه فان وجه شبحه  ليس اليه بل اليک فان اردت ان تتصور ذلک فافرض

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 166 *»

مرآة ب ک . شخص آ ب قائم من طرف و شخص ح ک من طرف آخر فيري شخص ح ک شبح ا ب في سطح المرآة من نقطة س الي نقطة ب و من جهة وقوع اسباب معاني البعد و القرب معه فيها يتخيله داخل المرآة ب ز فشبح نقطة ا المواجهة الي نقطة س يتخيله في موضع ز المتوجهة الي نقطة س و شبح نقطة ج المتوجهة الي ص يتخيله في موضع و المتوجهة الي ص و شبح نقطة د المتوجهة الي ق يتخيله في موضع ه المتوجهة الي ق و شبح ا ب في الحقيقة ليس الا علي سطح المرآة من نقطة ب الي س و شبح هذه السطوح الخاصة من نقاط ا ج د ب لم يقع الا في سطح ب ق ص س و لا يقع في غير هذه النقاط الخاصة من سطح المرآة و ان غير شخص ح ک وضعه و رأي شبح ا ب في ساير اجزاء المرآة فانما هو شبح سطوح اخر من تلک النقاط التي هي اج د ب فانها نقاط جوهرية و لها سطوح و لکل سطح منها شبح خاص و ان اردت يقين هذا المعني فخذعودا طوله مثلا شبرواجعل سطحه مربعا و اجعل کل سطح منه علي لون و اجعل في کل سطح نقوشا و اقمه علي مرآة في وسطها ثم انظر منکل جنب الي شبحه في المرآة فانک تري منه جانبا ثم غير وضع عينک بان تدني رأسک من نحو رأسه فتراه اقصر يحجب بعض نقوشه بعضا و ليس ذلک الا ان اجزءه الجوهرية يستر بعضها بعضا و يمنع شبحه عن الوقوع في المرأة ويقع اسافل سطوحها في المرأة و قد حجب کل جزء منه بعضا من کل جزء حتي انک لواد نيت رأسک من رأسه الا ان رأسک غير مسامت لرأسه فانک لاتري من شبحه في المرأة الا قليلا و کلما بعدت رأسک عن رأسه تراه اطول حتي انک لو ادنيت رأسک من طرف المرآة تري شبحه اطول منه البتة فکل شبح من هذه الاشباح المختلفة لا يري بتلک الصفة الا في موضع خاص بوضع منک و من العود خاص فتبين ان لشبح کل سطح من سطوح اجزاء الشاخص الجوهرية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 167 *»

موضعا خاصا في المرآة ليس يقع في غيره و کذلک اذا وضعت المرآة علي الارض و نظرت الي شبح السقف فيها و انتقلت الي امکنة عديدة فانک في کل وضع تري شبح سطح من سطوح الجزء الجوهريمنه و کل ما کان الشاخص متشاکل الاجزاء کان الاشتباه اعظم و کذلک حال شبح السراج في المرايا فان في کل مرآة شبح جهة خاصة من نقاط خاصة فليس ما في مرآة ما في الاخري و لا ما في جزء من المرآة ما في جزء آخر ابدا فاذا تقرر ذلک فلنرجع الي ما کنا فيه فنقول ان شبح ا يقع في موضع س لامحة و الا لما کان يراه ح فالشبح موجود البتة و لما کان نقطة ا بعيدة عن س و بعدها يعرف بساير المبصرات و الضيئات التي حولها و بينها و بين س من فوق و من تحت و الجنوب و غير ذلک و يقع اشباح تلک الاسباب ايضا يري ح شبح ا في موضع س و يري اشباح اسباب البعد ايضا فيحسبه بعيدا عن نقطة س کما ينقش النقاشون في سطح قرطاس نقش انسان بعيد الف ذراع و اذ انظرت اليه تراه بعيد ا الف ذراع مع انه في سطح القرطاس و کلما کان النقش اوفق کان بعده ابين ولربما ينقشون النقش و تري النواتي فيه ناتية کالانف و المقلتين و الوجنتينو الشفتين و الغواير غايرة مع ان الجميع في سطح مستو و ان لم تجد نقشا تعتبر ذلک فخذ بينک و بين انسان زجاجة وانظر الي شبحه فيها فان جميع شبحه في سطح الزجاجة المستوي و هو بعيد فيه بقدر بعده الخارجي و النواتي منه ناتية و الغواير غايرة والکل في سطح واحد مستو و انما ذلک لاسباب تحدث فهم معني البعد للروح کما مر و لو نقش علي الزجاجة مثل ذلک النقش و صبغ بمثل ذلک الصبغ و عين کما هو في الواقع مواضع الظل و النور و مقدارهما و صبغهما کذلک لرأي البعيد بعيدا و القريب قريبا و الناتي ناتيا و الغاير غايرا فيري ح شبح ا في موضع س علي حسب وضعه من س من البعدفاذا تخيله بعيدا رآه في بعد علي حسب بعده الخارجي فرأي شبح ا في موضع زثم لاشک ان نقطة ا ناظرة الي س متوجهة اليه فوجب ان يکون الشبح مطابقا ناظرا الي س فاذا نظر شبح ز الي نقطة س کان نظره خط ز س فاذا اخرجته خرج الي ح فتري عين ح عين ز ناظرة اليها متوجهة اليها فوجه شبح ز الي ح و کذلک الشبح في س ناظر الي ح و وجهه الي ح فليس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 168 *»

وجهه الي صاحبه الذي هو ا لانه ليس له وجهان فلايراه ا بوجه و کذلک شبح کل شخص حال ذهابه عنه فلايراه ذو الشبح لان وجه الشبح الي الغير لااليه و ليس له خلف يراه هو و اما اذا انطبع في المرآة ذلک الوجه و کانت موازية لسطح العين يراه العين لان ذلک صارمواجها اليه و القي شبحه في عينه ثانيا فما يراه الانسان من المرآة شبح شبح وجهه لاشبح وجهه و انما يقال رأي الشبح في المرآة تجوزا کما يقال رأي زيدا و انما رأي شبحه في عينه فلما کان نقطة ا شبحها متوجها الي س لا علي نحو توازي السطحين وقع شبح وجهها علي س مع بعدها عن س علي الانحراف فان اسباب البعد من ا الي س ايضا ينطبع و يقع في سطح المرآة فاذا کان لذي الشبح وجه متوجه الي شيء بعيد عنه و کل هذه المعاني له اسباب جسمانية ذات اشباح ويقع اشباحها في المرآة علي المطابقة يصير شبحه ز البعيد عن س علي حسب بعده متوجها اليه علي حسب توجهه و بينهما اشباح اسباب البعد و کماکان ا ناظرا الي س من خط ا س کذلک يکون شبح ا ناظرا الي س من شبح ا س و هو ز س فاذانظر من خط ز س الي س و هو مسامت س ح يراه ناظرا اليه فوجه ز الي ح کما يکون وجه ن الي ا و لما کان وجه هذا الاشکال مرکبا من الطبيعي و الهندسي رکبنا البرهان من ادلتهما و لم نتکلم علي لسان اهل التعليم المحض و ان اردت برهان ذلک التعليمي فراجع کتب التعاليم و الف برهانه فانه سهل و لا حاجة بناهنا في ذکر ما تکفلوا به و انما علينا ذکر مالم يذکروه بل و لم يعرفوه و ان اردت العجب فاقضه من کلامهم ان شبح ا يجيء من عند ا و يقع علي س فيندفع و ينصدم لصلابة المرآة فيطفر من سطح المرآة الي ح ولابد و ان يکون زاوية ش س ا مساوية لزاوية ش س ح فان طفره يکون علي حسب وقوعه کما انک اذا ضربت کرة علي سطح المرآة من طريق خط ا س تطفر الکرة في طريق س ح ولو ضربتها في طريق العمود علي سطح  المرآة طفر في طريق العمود و لعمري يضحک من هذا الاعتبار الثکلي الا انهم معذورون لجهلهم بحقايق الطبايع  نعم کلما وقع شبح منحرف عن العمود علي المرآة في موقف ذلک العمود لايراه الا من کان نسبته الي ذلک الموقف کنسبة ذي الشبح اليه فدائما زاوية خط الشبح و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 169 *»

العمود مساو لزاوية خط النظر و العمود و وجهه الطبيعي ما ذکرناه و هو المطلوب في هذا الکتاب و اذا ارت اعتبار ذلک بوجه تشاهد شبح البعد اي بعد ا من نقطة س فانصب عصا علي الارض وضع مرآة علي الارض تحت العصا و شد خيطا علي رأس العصا و انت مسامت للشبح و العصا فانک تري شبح الخيط يستر بعضه بعضا و لا تري طوله فلو حرفت رأسک يمينا و شمالا تري طول الخيط علي حسب الانحراف فذلک الخيط في الخارج ممر الشبح من رأس العصا الي ذلک الموضع من المرآة و انت تري شبحه مسامتا لعينک فوجه شبح رأس العصا قد توجه الي ذلک الموضع من المرآة مسامت معه ويکون شبحه ايضا متوجها الي ذلک الموضع مسامتا لعينک ثم خذ خيطا و مده من عند عينک الي ذلک الموضع فتراه مسامتا مع شبح الخيط الذي في المرآة يستر طف الخيط الذي عند عينک جميع الخيط الممتد من عينک الي ذلک الموضع و جميع شبح الخيط الذي في المرآة و من ذلک تبصر ان بعد رأس العصا من موضع من المرآة ايضا ينطبع في المرآة و لذلک تري شبح رأس العصا بعيداً عن ذلک الموضع فلو حرفت رأسک عن مسامتتها تبصر مقدار البعد باشباح اسبابه و لوسامتتها لم تحس البعد و يستر بعضه بعضا فوجه شبح رأس العصا منطبع في المرآة و متوجه اليک و انما يستبعدالانسان ذلک في بادي النظر ان شبح رأس العصا ينزل نازلا الي المرآة کيف يصعد صاعدا الي العين و هو غافل عن ان النازل لم يصعد و الذي نزل انطبع في المرآة و الصاعد شبح الشبح و ربما يتحير الجاهل انهلم لم يقع شبح عين الشاخص في المرآة ناظرا الي اسفل کما هو ناظر الي اسفل و هولا يدري ان الشاخص ناظر الي اسفل و الاسفل اسفل بالنسبة الي الاعلي فان سميت المرآة اسفل فالشبح ايضا ناظر الي اسفل فان سطح المرآة اسفل اذا کان رأس الشبح اعلي ولکن لما تخيل رأس شبح الشاخص اسفل رأي سطح المرآة اعلي منه فتخيل ان الشبح ناظر الي الاعلي و الافکما ان الشاخص ناظر الي موضع من المرآة بعيد من موقفه بعدا مقدرا وجب ان يکون الشبح ايضا ناظرا الي ذلک الموضع البعيد عن موقف الشبح بعيدا مساويا لبعد موقف الشاخص عن ذلک

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 170 *»

الموضع فالشبح مطابق لذي الشبح حرفا بحرف الا تري انک لو نظت الي شبح شخص في موضع من المرآة فان کان ناظرا اليک في المرآة في ذلک الموضع تراه ناظرا اليک و يراک ناظرا اليه ولو کان ناظرا الي غيرک تري شبحه ناظرا الي شبح ذلک الغير و انما ذلک لان وضع الاشباح علي حسب وضع ا لشواخص حرفا بحرف ففي المثال السابق اذا نظرا الي ن و رآه رأي ح ا و ان نظرا الي غير ن راه ح ناظرا الي شبح ذلک الغير للزوم مطابقة الاشباح للاشخاص و ان اردت العيان فاعکس الشکل السابق واجعل الاسفل الاعلي و الاعلي الاسفل فتري خط الشبح ناظرا الي اسفل و خط الشاخص ناظرا الي الاعلي کالاول فتدبر فيما ذکرت يبعدعنک الاستبعادات و تشاهد الحال کما شاهدناه و ذلک اصل لکثير من مسائل المرايا فاتقنه و السلام.

فصل اذا وضعت مرآةعلي الارض و وضعت عليها عودا و الصقت سطح طوله بسطحها و نظرت الي المرآة رأيت شبحه علي سطح المرآة فلو رفعت العود قليلا رأيت الشبح نزل عن سطح المرآة بقدر البعد بين العود و المرآة و هکذا کلما ترفعه تري شبحه ينزل و انما ذلک لاجل وقوع اشباح اسباب البعد فکما کان يقع اشباح الاشياء في سطح الجليدية و هو سطح واحد و يري الانسان القريب قريبا و البعيد بعيدا و کما ينقش النقاشون جميع المسافات علي سطح قرطاس واحد مستو و يري البعد بعدا و القرب قربا کذلک اذا وقع اسباب البعد في المرآة يري الشبح بعيدا و ليس الشبح الاعلي سطح المرآة المستوي فاذا وصلت طرفا من العود بسطح المرآة و رفعت الطرف الاخر قليلا تري الشبح احد طرفيه متصلا بسطح المرآة و طرفه الاخر بعيدا عن سطح المرآة علي حسب الخارج لاجل ان الاسباب معني القرب و البعد قد انطبعت في المرآة و کلما رفعت ذلک الطرف شيئا نزل شبحه علي حسبه فيصير شکلهما هکذا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 171 *»

فيکون بعدد عن موضع و علي حسب بعد ج عنه و يکون ه محل تلاقي الشبحين علي سطح مرآة ا ب و يکون زاوية ده و مساوية لزاوية ج ه و وزاوية د و ه مساوية لزاويةج و ه و يکون وجه د ه حکاية وجه ج ه و زاوية د مساوية لزاويةج و کلتاهما قايمتان مثلا و کما ان طرف خ ج ه و هو ج مواجه الي و يکون طرف خط د ه و هو د مواجها الي و لاستلزام تساوي الزوايا المتقابلة ذلک فاذا کان خط نظرک مسامتا لخط و د يکون د مسامتا لعينک البتة فتراه متوجها اليک فيکون وجه شبح ده مسامتا لعينک مع ان وجه ج ه کان الي الاسفل و هذا ما  اردنا اثباته لتأييد الفصل السابق فکلما رفعت رأس عورج ه نزل رأس شبح د ه علي حسبه الي ان يصير قائما علي سطح المرآة فيکون شبح ده قائما علي سطح المرآة من الاسفل مسامتا للشاخص مماسا طرفه عنده هکذا ا و د ه ب فيکون عند ذلک د ه مسامتا ل ج ه مساويا معه و بعد نقطة و عن ه بعدواحد فيکون زاوية ه و ج مساوية لزاوية ه و د و زاوية د مساويةلزاوية ج فکما ان نقطة ج کانت مواجهة لنقطة و يکون نقطة د ايضا مواجهة لنقطة و فاذا کان خط نظرک مسامتا لخط و د يکون نقطة د مواجهة لعينک مع ان نقطة ج کانت مواجهة لو الي الاسفل وهذا ما اردنا ايراده و توضيحه و لما کان الشبح شبح سطح الضيء و السطح وجه واحد فالشبح ايضا سطح وجه واحد فمن واجه وجه الشبح رآه و الا لم يره فيحسب انه غير منطبع علي المرآة و هو منطبع لکن من و اجهه رآه ومن لم يواجهه وهو وجه واحد لايراه فعين شاخص ج ه لا يري شبحه علي مرآة ا ب اذا کان واقفا خارجها لان شبحه مواجه الي غيره و انما يري عليها کل شبح يواجهه و هو شبح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 172 *»

کل شاخص يکون نسبته الي موضع من المرآة کنسبته اليه فتدبر و لا تزعم ان ذلک دليل علي عدم انطباع الاشباح في سطوح المرايا فان الاشباح کما عرفت النص و الدليل العقلي تنطبع في المرآة الا ان الانطباع في المرايا ليس بتغير ارکان وجودها واسطقساتها حتي تنصبغ بها کانصباغها بلونها بل هو بتکميل خارجي والتکميل الخارجي يؤثر في ظواهر صفات الشيء المحسوسة دون کينونته و مثال ذلک عنق الطاوس فانه اذا وقع عليه الضوء تراه منوضع آسمانجونيا و من وضع نيلجيا و من وضع بنفسجيا و من وضع احمر ومنوضع اصفر فلو کان الضوء يغير کينونته الخارجية لکانت علي احد هذه الالوان ولکنه غ ير ظاهره في الخارج و ليس هذه الالوان محض تخيل ليس في الخارج بل هي في الخارج و العين لاينطبع فيها ما ليس في الخارج و النفس لاتدرک مالا تؤدي اليها العين فاللونفي الخارج موجود الا انه ليس بلون کوني لعنقه بل هو لون تکيفي بتکيف ظاهري عرضي خارجي عن کينونته فيري و کذلک المرآة تتکيف باشباح ترد عليها تکيفا خارجيا عن کونها عرضيا و کذلک حال الاشباح الواردة علي الجدار و ما زعمه القوم ان الضوء من الحائط يري کما يري من الشمس و من المرآة يري بدفعها الشبح خطاء از لافرق بينهما بوجه و الجدار ايضا لا يتغير کونا و لا يتکيف کونا و انما يتکيف خارجا عن کينونته و بالعرض کالمرآة و لذلک يزول عنه الضوء بزوال المضيء له الا ان الجدارله سطوح عديدة لوجود اجزائه الجوهرية و کل سطح منه يستضيء و انت اذ اغيرت وضعک بالنسبة اليه لاتزال تراه ضيئا لانک دائما توازي سطحا من اجزائه المستنيرة فتزعم انه نير من کل جهة کالشمس والشمس کل جزء منها نير وجودا کونا في الخارج والحائط ليس بهکذا و اما المرآة فلها سطح واحد ويختلف توجه الشبح الملقي فيها اليعين الناظر بحسب اختلاف الاوضاع فيري وجه شبح في موضع و لا يراه اذ ازال عن موضعه فيزعم انها لم تتکيف بالضوء بلي انها قدتکيفت تکيفا عرضيا خارجيا والکيوف العرضية لطيفة لايمنع بعضها بعضا وتجتمع الف منها في سطح و لا يحجب بعضها بعضا و هي وجوهها الي جهات فمن توجه الي وجه رآه و الافلا وکذلک حال الهواء فهو ايضا ينطبع فيه اشباح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 173 *»

جميع الاشياء فمن توجه الي وجه شبح من تلک الاشباح رآه و الافلا و تجد وجه کل شبح اذا توجهت الي ذيه و لا يري صاحب الشبح شبحه فيه لانه غير مواجه اليه و لا خلف له والذي يراه في المرآة شبح الشبح لاشبحه و لا يتبين من الهواء شبح الشبح لان الهواء مشف ومن ورائه اجسام کدرة ضيئة ويأتيک اشباحها و الاضواءالسابقة ابدا اقوي من الاضواء اللاحقة فتبهر العين عن درکها و المراد بالاضواء السابقة ما کان مکملا لللاحقة اودرجة اعلي من درجة اللاحقة فالضوء سابق وضوء الضوء لا حقوضوء الضوء سابقوضوء ضوء الضوء لا حق و هکذا فاذا نظرت الي الحائط المستضيء بضوء ضيء يذهب شبحک في الهواء و ينطبع في الحائط و يضمحل في ضوئه بدليل انه يتبين اذ اقل ضوؤه و لا  تراه ذاهبا لان وجهه الي الحائط و ليس له خلف تراه و لاينعکس من الحائط شبحک الي عينک ظاهرا فان شبح الحائط الضوء الاول و ما يأتيک من شبحک الذي في الحائط ضوء الضوء و الضوء يغلب ضوء الضوء فلا تري شبحک في الهواء و تري شبح الجدار هذا و الشبح يضمحل في ضوء سطح الحائط فان ضوء سطح الحائط ضوء اول من الضيء وضوء وجهک الملقي عليه ثاني ضوء الضيء فيضمحل فيه و اما اذا نظرت الي المرآة لا تري شبحک ذاهبا لانه ليس له خلف و وجهه الي المرآة فاذا انطبع في المرآة يرجع اليک شبحها و لا مانع يبهر عينک عن درکه و هو المطلب المرئي فتراه.

فصل اذا صنعت بيتا صغيرا وجعلت في احد جدرانه ثقبة صغيرة مقدار کف و الجدار المقابل ابيض يققا و امرت رجلا حين يکون الشمس من وراء الثقبة ان يقف بازاء الشمس والثقبة باقل بعديمکن حتي يستنير وجهه و يدخل شبحه الثقبة و تدخل البيت و تسد المنافذ بالکلية فانک تري شبح وجهه علي الحائط بالوانه والوان ثيابه و يصيرا بين لو جعلت علي الثقبة بلورة و تقيم علي جنب الثقبة من الخارج مرآة يکون نسبتها الي سطح الثقبة کنسبتها الي سطح الشاخص فحينئذ يتبين اشباح اشفاره و نقاط وجهه ووشي ثيابه و يکون تلک النقوش في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 174 *»

الجدار الا بيض في بادي الرأي ثابتة بحيث اذ اغيرت وضعک بالنسبة اليها لم ترها الا في موضع واحد من الجدارو اذا وضعت مرآة مکان الجدار الابيض بازاء الثقبة تري الثقبةو النقوش فيها ولکن اذا غيرت وضعک بالنسبة اليها تري الشبح ينتقل عن موضعه الي موضع آخر و من اجلذلک زعموا تفاوت الانطباعين و زعموا ان الحائط ينفعل و المرآة لاتنفعل بل تدفع عن نفسها و ذلک اشتباه منهم و السرفي ذلک ان الجدار کثيف و سطوح اجزائه غيرمستوية و کل سطح منها يقابل نقطته من الشاخص ينطبع عليه شبح تلک النقطة و لاجل ذلک يري شبح الشاخص فيه اوسع من سطح الشاخص فينبسط الشبح عليه الي غايات اجزاء تقابل الشاخص بحيث اذا تجاوزت من تلک الاجزاء جزءا لم يقابله و يکون اطراف الثقبة من الجدار حاجزا بين ذلک الجزء و الشاخص فيکون الشبح في الاجزاء المقابلة ظاهرة والخط الذي يخرج من عينک الي اي جزء يقع علي سطح مستنير وجه نوره و شبحه الي عينک فتري من جميع الاوضاع الشبح ثابتا و اما المرآة فليست کذلک فان سطحها مستو و ليس له نتو و غور و سطوح متفاوته فاذا قابلت بها يکون الشبح ايضا فيها واقعا في الواقع کما في الجدار حرفا بحرف بتلک السعة و لو نصبتها حيث لايستنير الحائط لاتستنير و لا يقع فيهاشبح من الشاخص ولو نصبتها في محال وقوع الشبح في الجدار لاستنارت و وقع الشبح فيها لکن لما کان سطوح ا جزائها مستوية تختلف وجوه الاشباح التي فيهامن اجزاء الشاخص فاذا کنت في وضع يکون وجه شبح اليک کما عرفت في الفصول السابقة رأيته و لا تري في ساير المواضع بذلک الوضع شبحا لانه ليس وجوه الاشباح التي فيها اليک و ان غيرت وضعک حتي يصير اليک وجه الشبح الاخر الذي في موضع آخررأيته ولکن في کل وضع تري شبح جهة من نقاط الشاخص الجوهرية و المخصوص بکل موضع شبح سطح واحدمن جزء واحدو لا يمکن ان يکون نسبة شيئين الي شيء واحد علي السواء فافهم راشدا موفقا و ما لم تعتبر ذلک بما مثلنا لاتکادتفهم من البيان فلاجل ذلک يکون شبح الثقبة في الحائط وسيعا اوسع من الثقبة بکثير وکلما کان الحائط ابعد عن الثقبةکان الشبحاوسع و کلما کان اقرب کان اضيق حتي اذا اتصلت بالثقبة صار الشبح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 175 *»

علي سعة الثقبة و اما المرآة فيري الشبح فيها ظاهرا في بادي الرأي بقدر سعة الثقبة و قلت في بادي الرأي فانه في الحقيقة يکون اوسع فان المرآة في الحقيقة لاتخلو من سطوح مختلفة الا انها لاتتبين للعين من غير ميزانو ان اردت الاعتبار فخذ شاخصا و خذ طوله بالفرجار ثم ضع طرف الشاخص علي المرآة و ارفع ا لطرف الآخر قليلا و کلما ترفع اکثر فهوا  بين وضع طرف احدي رجلي الفرجار عند موضع تلاقي طرف الشاخص والمرآة و طرف الرجل الاخري حيث يصل ثم حرک رأسک الي ان تري رأس الشبح مقارنا لطرف رجل الفرجار الاخري فذلک موضع يکون طول الشبح علي مقدار طول الشاخص ثم انزل رأسک شيئا بعد شيء فانک تري الشبح يصيرا  طول من بعد  الفرجار فهذا دليل علي ان من موضع رأس الشبح الي آخره نقاطا في المرآة متوجهة الي الشاخص ينطبع فيها شبحه ولکلها وجه الي عينک تري وجه الشبح فيه کالحائط وذلک لايستقيم مع اتحاد السطح فان الخطوط الخارجة من نقطة واحدة الي اجزاء خط واحد لاتحدثزوايا متساوية و مالم تتساو الزوايا لم تقطع  المقابلة لوجه الشبح فلم ير فکلما رأينا في وضع واحد في سمت واحدفي موضع واحد ا شياء عديدة عرفنا ان السطوح متفاوتة فافرض لذلک سطح المرآة سطح ا ب و سطح النظر نقطة و وخط ز ب الشاخص فيخرج حطوط و ه و د و ج فزاوية ه احد من زاوية د و زاوية د احد منزاوية ج البتة و تري في موضع ه شبح نقطة ز و في موضع د شبح د و في موضع ج شبح ط و لا تري في ذلک الوضع شبح نقطة من ز ب في موضعين فلايصير الشبح بهذا الوضع في موضعين من سطح اب ان کان سطحا مستويا حقيقة و لا يجوز لذلک ان يصير الشبح اطول من الشاخص اما ان وجد سطح يکون زاوية احاط بها خط نظرک و ذلک السطح مساوية لاحدي تلک الزوايا تري ايضا شبح نقطة من ه ب تأتي موضع تلک الزاوية فافرض لذلک

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 176 *»

سطح المرآة الظاهر ا ب و موضع ا لنظر و الشاخص ه ب و شبحه في موضع ز و خط و ز خط النظر فتري في موضع ز شبح ه لان زاوية و ز ح و ح ز ه متساوية و قد مر ان في مثل هذا الوضع يکون وجه الشبح اليک فلا تري شبح ه في هذا الوضع في سطح ا ب الا في موضع ز و اما اذا کان سطح آخرو نفرضه سطح ج د يأتيه شبح ه في موضع ط و خط النظر اليه خط و ط و لما کان زاوية و ط ي مساوية لزاوية و ز ح و زاوية ي ط ه مساوية لزاويةح ز ه لاجل ان خط ي ط قائم علي ج د کما انح ز قائم علي ا ب و نقطة و و ه في الحالين واحد و نسبة خط ه ط بخط ه ز مثل نسبة خط و ز بخط و ط فزاوية و ط ه مثل زاوية و ز ه و خط ح ز منصف زاوية و ز ه کما ان خط ي ط منصف زاوية وط ه فالزوايا متساوية و بذلک امکن روية في ط ايضا فرأيت شبح ه في موضعين فاذا کانا متصلين رأيت شبح ه ا طول مما هو عليه و ذلک ما اردنا اثباته فمهما رأيت الشبح اطول من ذي الشبح احکم باختلاف سطوح محل الشبح ولکن لما کانت المرآة صقيلة و سطوحها المستوية غالبة و غيرها ضعيفة لايري الانسان شبحه في المرآة المنحرفة مع ان لها  سطوحا مواجهة و لصغرها غابت عن العين و غاب الشبح الذي فيها عن العين هذا و قد تبين بالاعتبار ان الشبح القوي المجاور يخفي الشبح الضعيف المجاور کما اذا وضعت نقاط ضعيفة علي سطح له لون مشرق و اشرق  عليه شوء اخفي بريق ذلک السطح تلک النقاط و المرآة سطوحها المستوية اکثر و اغلب و سطوحها الغير المستوية خفية عن الادراک لصغرها فلايتبين ما فيها لو کان اشراق السطوح المستوية علي خلافها فيخفيها بالکلية اللهم الا ان يکون اشراق السطوح المستوية موافقا لها کما مثلنا من ظهور نقطة في محلين متصلين فعند ذلک يتقوي و يحس الشبح اطول فافهم و تدبرهذا الذي ذکرناه فيهذه المقالةهو سر الانطباع و انعکاس الشبح الثانيلاالشبح الاول کما قالوه و هذا هو الذي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 177 *»

کان غرضنا من وضع هذا الکتاب و اما وجه اختلاف الاشباح في المرايا بحسب اشکال المرايا فمرجعه الي الاشکال و الوجوه التعليمية کاشفة عنها بالحقيقة و القوم ماهرون فيها و قد اعطوا النظر حقه و کشفوا قناع حق کل مسئلة فلانضيع حقهم ولا حاجة بنا الي ذکرها فان شئت فراجع کتبهم.

المقالة الثالثة

في بيان کيفية انعطاف الاشباح في الاجسام المشفة علي ما اصطلحوا عليه و هو عند هم ان يکون الضيء سواء کان بالذات او بالعرض في جسم مشف و البصر في جسم مشف آخر يخالفه في شفيفه في الرقة و الغلظة و الرخاوة و الشدة کأأن يکون البصر في الهواء و المضيء في الماءومنه کون الکوکب في السماء و البصر في الهواء و البصر في الهواء و المبصر في الزجاجة و هکذا فما يراه العين من ذلک المضيء لا من سمت العمود علي سطحه فانما يدرکه بالانعطاف لابالاستقامة يعني ان اشباح نقاط الضيء لا تأتي العين علي استقامة بخلاف ان يکونا في مشف متساو فانها تأتي العين علي استقامة ثم فرعوا علي ذلک مسائل واستخرجوا له جزئيات کالانعکاس و الانطباع و انهم لما کان نظرهم من الاسفل وجدوا الاختلاف في هذه الاقسام فقالوا ان الشبح في الهواء لاينطبع و انما الهواء يؤدي الشبح الي الاجسام الکثيفة و قالوا انه ينطبع في الاجسام الکثيفة و تنفعل عنه و قالوا ان المرآة لاينطبع فيها الشبح و انما يندفع عنها الي غيرحهتها لعدم مساماتها و صلابتها و ملاستها فينعکس عنها و اما الانعطاف فقالوا ايضا انه لاجل ان الشبح يذهب بسرعة فاذا وقع علي سطح الماء مثلا و کان عمودا عليه نفذ فيه و ان کان مائلا والماء اغلظ يصادمه الماء و يمنعه عن الحرکة في الجملة فتنکسر سورته فلا يقدر علي النفوذ علي استقامة فينعطف و يتحرک الي جهة الانعطاف و هو عکس جهة النفوذ علي استقامة و لعمري لايعلمون الا ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون و الشبح اي شيء هو هل هو عرض ومن عالم المثال اوجسم و من عالم الاجسام اما الجسم فلا اظنهم يقولون فهو عرض و العرض کيف يفارق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 178 *»

جوهره و يذهب بسرعة و قوة حتي اذا کان في رخونفذ و اذا لا قي صلبا انصم و اندفع و انعطف کل ذلک خيالات لا تؤل الي تحقيق و کشف عن الواقع فلنذکر في تحقيق ذلک ايضا کلمات في تلو فصول.

فصل ان الحکم في جميع الموارد واحد بلااختلاف فالجسم ان لم يکن کاملا ليس له ظهور فان الظهور لللطيفة و کل شيء غلبت لطيفته فهو کامل له قوة في الظهور يقدر علي تکميل غيره في عرضه ناقص عنه بالاقتران بتقوية ما في قوته و اخراجه الي الفعلية فکل جسم کائنا ما کان بالغا مابلغ سواء کان مشفا او کثيفا صقيلا او کدرا مخالفا لجسم محيط بالکامل او موافقا قارن الکامل استکمل به حتي ظهر عليه مثل ما علي الکامل و بما يصير اقوي من الکامل اذا کان قابليته الطف او مساواواني علي حسب اختلاف قابليته و يختلف الا مرايضا بوجود  الموانع الخارجية و عمها و بقوة الفاعل وضعفه فعلي اي حال يتکمل الجسم المحيط فليکن هواء فيتکمل الجزء المقارن من الهواء فيستضيء و يتکمل منه الجزو اللاحق به و هکذا الي ان ينتهي الي جسم مخالف فان کان کدرا او صقيلا کثيفا او مشفا مخالفا استضاء بالانفعال ايها کان ولکن لايتبين في الهواء في غير سمت الضيء و يتبين في الکثيف منکل سمت و يتبين في الصقيل من سمت خاص و هو المخالف لسمت الضيء لوجوه ذکرناها و الکلام في الشاف المخالف فاذا وصل الضوء الي سطح الماء مثلا انطبع فيه و انفعل کساير الاجسام و هو ليس في صفاء الهواء و لا في کثافة المرآة مثلا بل هو بين بين فله جهة مرآتية کما تري انک تري وجهک فيه و له جهة هوائية لانه لا يحجب ماوراءه و الفرق بينه و بين المرآة انه جميع سطوحه في ثخنه صقيلة و المرآة سطحها الا علي حسب و تحجب ماوراءها فالماء مرآة لورائه کما هو مرآة لامامه فيفعل في وراءه و امامه ما يفعله المرآة في امامها فکما انه ينعکس من المرآة شبح ما فيها الي امامها الي الجهات کذلک ينعکس عن سطح الماء شبح ما فيه الي امامه الي الجهات و الي خلفه الي الجهات بلا تفاوت و کما انه ينطبع علي سطحه اشباح الضيئات الخارجة ينطبع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 179 *»

علي سطحه ايضا اشباح الضيئات الداخلة و سطحه الا علي منتهي محال انطباع اشباح الضيئات الداخلة انطباع ظهور وبيان و مبدء محال انطباع اشباح الضيئات الخارجة انطباع ظهور و بيان و لا شک ان ظهور الشبح في الماء اخفي من ظهوره في المرآة فان المرآة تکسبه کثافة ما والماء الطف منها وکلما کان المحل الطف کان انفعاله اخفي فاذا وقع شبح في الماء يحدث في الاسفل منه ما يحدث في الاعلي وليکنهذا شکله فان کان الضيء موضع ح الذي هو خط ضوئه عمود علي سطح ب و الذي نفرضه سطح الماء فيضيء موضع ط و موضع ط يضيء الي د علي الاستقامة و کذا اذا کان الضيء موضع د و ح موضع البصر فاذا استضاء ط من ح يضيء الي ح ايضا کما اذا نظرت في المرآة في خط عمود يقع شبح بصرک فيها ثم يقع شبح ذلک الشبح في عينک و ليس ينعکس نفس الشبح الاول کما زعموا فانه اما ان ينقلب فيصير اسفله اعلي و اعلاه اسفل فکان الواجب ان يصير شبح عينک اليمني في الانب الا يسر و اليسري في الايمن و اما ان يرجع قهقري فالشبح هو وجه واحد و ليس له خلف يري کما بيناه فکما انه يقع شبح شبحک ثانيا في عينک من المرآة کذلک يقع شبح ح في ب ط ثم يقع شبح ط في ح و لو فرضت ح البصر لريته کما قلت هذا من الامام وکذلک يلقي الشبح الي الاسفل فيصير سطحه الاسفل مرآة يقع فيه شبح ط علي الاستقامة في موضع د و لو کان موضع د بصرا مثلا لرأي ط منطبقا علي ح و کذا لو کان ط بصرا لرأي د بالاستقامة و موضع ط مرآة من الوجهين لانه موضع جوهري له وجهان و يستضيء وجهه الادني کما يستضيء وجهه الاعلي فاذا تکمل سطحه الاعلي تکمل ايضا سطحه الادني فکمل اماما و وراء و کذلک يکمل ثانيا موضع د الي موضع ط الي موضع ح فيري ح د لکن ط منطبق عليه بل جميع الاجزاء الخطية ذاهبة و جائية بعضها منطبق علي بعض و لا يري ح و لا د اذ ا کانا بصرين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 180 *»

الاشبحا واحدا و اذا انحرف عين عن خط العمود يري شبح د مفارقا لشبح ط و بينهما تفاوت في الظهور علي حسب صقالة الاناء الموجبة لعدم لون بين الموجب لاظهار الشبح احس و کدورته المظهرة لنفسه المخفية لغيره و اذا کان الضيء موضع ا يقع شبحه علي موضع ط فيستضيء به و يستکمل فيکمل موضع ه علي خط مسامت لخط ا ط و هو خط الاستقامة و يکمل موضع ج و هو الذي سموه بالانعطاف و ليس تکميل ط ج الامثل تکميله ه فانط اذا استکمل صارضيئا و اضاء الي الاعلي من جميع الاطراف و اضاء الي الاسفل من جميع الاطراف لانه ضيء کالشبح في المرآة يضيء من کل جانب الي امامها کذلک يضيء ط الي الاسفل من جميع الاطراف و الي الاعلي من جميع الاطراف و کذلک لو کان الضيء ج وقع شبحه في موضع ط فاذا استضاء موضع ط فان کان ا بصراٌ لرأي ط و کذلک لو کان ز البصر رآه و ليس الانعطاف مخصوصا بجانب بل ينعطف من جميع الجهات کما يأتي و عندهم خط ز ط خط الانعکاس من الاعلي ولو کان ز مثلا البصر و ا الضيء و دارا حول عمود ح ط مع حفظ النسبة لري ز في کل جهة ا کذلک يدور خطا ج ط و ه ط حول عمود د ط ابدا و کما ينعکس شبح ط الي ز ينعطف شبح ط الي ج فحاصل الفصل ان جزءا من سطح الماء اذا استضاء بضيء بالذات او بالعرض يکون کالمرآة من الطرفين يضيء من امامه في مخروط رأسه ذلک لموضع و قاعدته حيث ينتهي نوره و من اسفله ايضا في مخروط رأسه ذلک الموضع و قاعدته اسفل الاناء و لافرق بينه و بين المرآة و لا فرق بين الانعطاف و الانعکاس فالانعکاس بالنسبة الي الاسفل انعطاف و الانعطاف بالنسبة الي الاعلي انعکاس بلافرق فان کان اللفظان لمحض الاصطلاح فلا منع و ان کان لاظهارفرق بين الاشراقين فهما اشراق واحد نوعا و الجهات مختلفة ولا فرق في الاشراق فيکون الفرق کتسمية الاضاءة الي المشرق تشيقا و الاضاءة الي المغرب تغريبا بلاتفاوت.

فصل اعلم ان الذي يري في الماء و يزعم الجاهل انه رآه تحت الماء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 181 *»

فانما هو فوق الماء بل فوق الهواء بل في نفس العين و ليس البصر بشيء ينفذ في الهواء او ينفذ في الماء و البلورو غيره من المشفات و انما العين جسم في مکانه و البصر قوة فيها دراک ما يرد عليه و ينطبع فيه فلاينفذ البصر في شيء و کذلک لا ينفذ الانوار و الاشباح في شيء فان النور ليس بجسم ينفصل عن المنير و ينتقل في الامکنة و يسافر و العرض لا ينفصل عن جوهره فينتقل الي جوهر آخر و ليس بعرض محدث غير العرض المتصل بالنير في غير جوهر يقوم به فينفذ في الاجسام و ليس باثر مستقل له جوهر و عرض في نفسه اذ لو کان له مادة و صورة تشاکل ساير صور الاجسام و يکون في عالم الاجسام و يري بالعين الجسمانية و يکون له کم وکيف و اين و وقت کساير الاجسام لکان جسما و تراه انه ليس بجسم وانما هو محض صبغ يحدثه النير في الجسم الذي يليه بالتکميل و کذلک ذلک الجسم الي الذي يليه الي ما شاء الله وکذلک ساير الاشباح فليس البصر ينفذ في الشفافات فيري ماورائها و ليس الاشباح تأتي في الشفافات و تنفذ فيها فتأتي العين و من ذلک تعلم ان القول بذهاب الاشباح بقوة و وقوعها علي الاجسام و اندفاعها قول مخبوط فيه بالجملة فالانسان لاينفذ بصره في الهواء و الماء ليري ماوراءه و معني ان فلانا ليس بحاجب ماوراءه يعني ينفعل سطوحه عما وراءه و يتکمل حتي يحکي للعين فالذي تراه في اناء الماء مما تحت الماء فانما هو اشباح علي سطح الماء و الدليل علي ذلک ان الماء اذا کان مواجا تري ماتحته متزلزلا و متغير الهيئة و الوضع و کذلک اذا وضعت کدسا في موضع و القيت في وسطه شيئا بينا و بعدت عنه حتي تصل الي اول مقام يخفي عنک ماالقيت فيه فتقعد هناک ثم تأمر احدا يصب فيه الماء برفق حتي لايتحرک الملقي فيه و تصبر حتي تسکن الماء فانک حينئذ تراه فوق الماء بينا مع ان اصل الجسم کان محجوبا عنک فتبين ان ما تراه شبح ما في الماء لانفسه و اذا اشرفت علي الکاس ينطبق الاشباح علي صواحبها تحت الماء فتزعم انک تراها و اعم اسباب الاشتباه ان الماء کالمرآة کما قدمنا و کما ينطبع في سطحه اشباح ما تحته کذلک ينطبع اوضاعها و قربها و بعدها فاذا انطبع ا لشيء مع بعده تحسبه بعيدا و شبحه و شبح بعده في سطح المرآة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 182 *»

کما يتبين مما ينقشه النقاشون من الشيء و بعده و قربه في سطح واحد ومما يدل علي ان المئي في سطح الماء ان تدخل قلما مستقيما طويلا نصفه في المء موربا فتري الشبح في الماء غير مسامت لما هو خارج منه البتة بل يحدث منهما زاوية منفرجة فلو کان المرئي تحت الماء هو القلم لکان مسامتا لما في الخارج فيکون هو الشبح الذي فوق الماء هکذا فسطح ا ب سطح الماء و ج ه قلم جعلت ه د منه في ا الماء موربا و وقع شبحه في سطح و د فالتقي خط و د خط د ج في نقطة د علي زاوية منفرجة فلو کان المرئي ه د لکان مسامتا لج د فان المجموع قلم مستقيم و ذلک هو ايضا دليل الانعطاف عندهم فان شبح ه د لا يأتي البصر في سطح طرفه ه ج ولوکان يأتيه في ذلک السطح لکان يري القلم مستقيما ولکن شبح د ج يأتيه مستقيما و شبح ه د يأتي الي سطح و د علي الاستقامة ثم ينعطف من هناک علي البصر و قد بينا انا اذا استعملنا الانعطاف و الانعکاس فانما نستعمله لمحض الاسم فانه ليس ينعطف نفس الشبح الاول و انما هو ينطبع علي الاستقامة علي سطح الماء ثم ينطبع شبح سطح الماء وهو شبح الشبح في العين فلا انعطاف.

فصل کل جسم ادخلته في الماء يظهر للعين مامنه في الماء اقصرمما هو في الواقع بکثير في اي وضع کان البصر بالنسبة اليه و ذلک ان شبحه يقع في سطح الماء و کلما کنت قريبا من العمود الداخل في الماء حجب بعضه بعضا و قصر الشبح من جهة قصر ذي الشبح في النظر و کلما بعدت عنه و قربت من سطح الماء قصر الشبح لحجب بعض اجزاء الشبح بعضا و علي اي حال يري الشبح اقصر من ذي الشبح ابدا فافرض لبيان ذلک خط ا ب سطح الماء و خط ج د قلم قد غمس في الماء الي ب فب د منه في جوف الماء و يقع شبحه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 183 *»

في سطح ا ب و افرض و موضع النظر و هو موضع يري النظر الشبح اطول مما يره في غيره لانه يمر نظره الي ط الي د حين ينظر الي د و يمر الي ب حين ينظر الي ب و خط ج د عمود علي خط ا ب و علي خط ن د و زاوية ج ب ا قائمة کزاوية ب د ن و خط و د منصف تلک الزاوية بالفرض فزاوية و د ب اعظم من کل زاوية يحدث باخراج خط بين و وج الي د فان الکل اعظم من الجزو و کذا زاوية و د ن اعظم من کل زاويةتحدث باخراج خط بينه و بين ا الي د فکل خط يخرج الي نقطة د ان کان زاويته الدنيا احد يکون علياه اعظم و ان کان بالعکس فبالعکس و کما ان ج ب عمود علي طرف ا ب کذلک ا ب عمود علي طرف ج ب و الخط المخرج الي محل الالتقاء ان کان يحدث زاوية اعظم من القائمة بقدر بالنسبة الي خط يحدث اصغر منها بذلک القدر بالنسبة الي الآخر و خط ک ي و ل ط و ه ح کلها قائمة علي ا ب موازية لج ب و خط و ط منصف زاوية ل ط ا لان ل ط مواز لج ب المسامت مع ب دو نسبة خط ل ط الي و د کنسبة خط ج د الي و ط فان الخطوط المتوازية المخرجة الي خط نسبها مع ذلک الخط متساوية و الزوايا المتقابلة الحادثة منها متساوية فخط و ط منصف زاوية ل ط ا کما ان و د منصف زاوية ج د ن فکذلک زاوية ز ح ا احد منها کما ان زاوية ز د ن احد منها و کذلک زاوية ه ي ک احد منها کما ان زاوية ه د ب احد منها و زاوية تحدث من خطين و اصلين الي خط زاويتاهما من جهة واحدة حادتان احد من زاوية تحدث من خطين و اصلين الي خط زاويتاهما من جهة واحدة غير احد فزاوية و اعظم منزاوية ز و ه و هو المطلوب هذا بلسان التعليم و اما الوجه الطبيعي فيه فانه لايستر بعض اجزاء الشيء بعضا اذاکان موازيا لسطح و اذا انحرف يحجب بعضه بعضا فيري اقصر و الناظر منفوق الماء ليس بمواز للعمود الذي في الماء فيحجب بعضه بعضا علي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 184 *»

کل حال الا ان يدخل الانسان تحت الماء فعلي اي حال الشبح اقصر الا انه کلما يدني نظره من الماء يقصر من جهة ستربعض الماء بعضا و کلما يدني نظه من العمود يقصر من جهة ستر بعض العمود بعضا وبين ذلک اطول حالات الشبح البتة بالجملة الشبح المرئي من العمود تحت الماء علي اي حال اقصر و هو المطلوب و يري رأس الشبح ابعد عن العين لانطباع اسباب القرب و البعد و لما کان مرآة الماء سطح الماء و ميزان القرب و البعد سطح الماء و العمود اسفله في غاية البعد و اعلاه متصل بسطح الماء فشبح کل جزء يقرب من سطح الماء يري اقب و شبح کل جزء يبعد عن سطح الماء يري ابعد و کذلک من الخارج کلما يقرب من المرآة و عينک قريبة من المرآة يري اقرب و کلما يبعد يکون ابعد و بعکس ذلک لو کان عينک الي العمود اقرب فلواد خلت لوحة في الماء الي نصفها و ادنيت عينک من الماء تري الشبح سطحا مثلثا حدبه اليک فان اد اني الشبح تبعد عنک لوقوع اشباح اسباب البعد و اعاليه تقريب فتصير سطحا موربا في النظر و النصف الاعلي ما يلي اسفله اقرب الي عينک وما يلي اعلاه ابعد فيحدث في النظرسطح مثلث حدبه اليک و ان رفعت رأسکو ادنيته من العمود قل تورب السطح الاسفل و تفرطح الحدبو صار الي الاستقامة اقرب لان اسفل الخارج يصيرا بعد عنک و اعلاه اقرب و يقل ايضا مسافة الشبح في الماء فلا يظهر للمجموع کثير حدب و قد صنع القوم آلات للاعتبار و ادراک انعطاف الشبح و مقدار زاوية الانعطاف و کتبهم بها مشحونة و اذ قد تبين انه لا انعطاف و ان المرئي شبح الشبح و هو علي الاستقامة و انه کالمرآة بلاتفاوت الا من حيث ذکرنا و تبين الوجوه الطبيعية التي منها يمکن الترقية الي العلوم الالهية التي هي المقصود بالذات فلا حاجة لنا الي ايراد ادلتهم و آلات اعتباراتهم والجزئيات التي اليها يتوصل بالعلوم التعليمية المقدارية فنکل الباقي الي کتبهم فراجعها ان شئت.

فصل اذ اصنع بلور طويل مجسم مثلث العرض و قابل به الانسان بعض

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 185 *»

المبصرات و نظر من السطح المقابل له الي السطح الاسفل فانه يري فيه الوانا عجيبة و تفازيح غريبة ليس في الاجسام الکثيفة مثلها و هي حمرة ارجوانية بل عصفرية ثم صفوة ذهبية ثم خضرة سيلوية ثم زرقة سماوية ثم فرفيرية بنفسجية کل ذلک في اشراق و تلأليءعجيب و انما ذلک اذا اخذ البلورة بوضع خاص و نظرفيها بوضع خاص فصفة اخذها والنظر فيها و وقوع  الاشباح فيها هکذا فب دد ج هو البلورة المثلثة المجسمة الطويلة و لا حد لطولها و ب ج و ج د و ب د ثلثة سطوح قد احاطت بعرضها من اولها الي اخر فتجعل طرفا منطولها الي يمينک و طرفا الي يسارک و سطحا من سطوحها مايلي عينک و تجعله قائما علي سطح  الارض فيکون سطحها الاسفل الي الارض موربا مقاطعا لسطح الافق البتة و افرض الشاخص خط م ن و هو ذ اهب من الطرفين لا الي نهاية فنقطة م منه مسامتة لسطح ج د و نقطة ن منه مسامتة لسطح ج ب فما تجاوز منه من نقاط م الي الاعلي لايخرج منه خط مستقيم الي سطح ج د و کذا ما نزل من ن لا يقع شبحه في سطح ج د لان بعد الشيء يقع شبحه في الصقيل قبل الشيء و بعد ن عن ج بقدر بعدد عن ج فذا وقع بعده من ج الي د يقع شبح ما نزل عنه خارجا عن سطح ج د الا ان يکون الشاخص اقرب من ن الي دفعند ذلک يقع شبحه فيه فافرض س ع ف ص قطع الشاخص المختلفة الالوان فليکن س ع و ف ص ضيئين ابيضين مثلا و ع ف ضيئا کد را حايل اللون مثلا فيقع شبح س ع في ط ي و ع ف في ي ک و ف ص في ک ل و لما کان شفيف البلور علي خلاف الهواء و له انفعال مرآتي يستضيء بضوء ما وقع شبحه فيه فاذا استضاء انعطفت عنه الاشباح الي سطح ب د البتة فانعطف شبح ط ي في ه و و ي ک في و ز و ک ل في ز ح و لما کان شفيف البلور علي خلاف شفيف الهواء و له صفة مرآتيةيستضيء بما يقع فيه کالمرآة يقع شبح ما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 186 *»

فيه في العين منعطفا و افرض العين في موضع ا و هو موضع النظر فالبصر مع هذين الانعطافين يحسب الشبح في خط مستقيم من لدن الشاخص اليه لانه لايري الا ما انطبع في سطح ادو هو اليه مستقيم و الشاخص بنفسه ابدا محجوب عن العين حيثما کانا وکذا لو قلبت البلور وفرضت ب ممايلي الارض و جعلت موضع النظر ا و نظرت الي فوق تري الالوان المذکورة الا انک في الاول کنت تري الحمرة اعلي و بعدها الصفرة و بعدها الخضرة و بعدها الزرقة و بعدها الفرفرة و في الثانيتري بعکس ذلک فيکون الفرفرة اعلي و الحمرة اسفل و مع ذلک في الاول تري السطوح الموازية للافق المرئية محدبة حدبها الي الاعلي و في الثاني کذلک و يکون مقعرها الي الاعلي و کذلک تقرؤ الخط في الاول مستقيما و في الثاني معکوسا و المرئي حينئذ ايضا مايقع من الشاخص فوق فينعکس اشباحه في د ب فتنعطف الي سطح ج د ثم يقع منه الشبح في سطح د ب ثم ينعطف منه الشبح الي ا فيکون شکله هکذا وانما ذلک لاجل ان وسط السطح المرئي اقرب اليک و طرفاه ابعدعنک البتة فالموضع الاقرب يقع شبحه في اقرب المواضع الي ج من سطح ج د لانه اقرب الي المرئي و اطراف ذلک بقدر بعدها تقع مع بعدها ادني من ذلک الموضع فاذا انعکس ذلک الي سطح ب د يقع مايلي ج مايلي ب و ما بعده بعد فيري وسط السطح المرئي الذي هو اقرب اليک اعلي و اطرافه بتدرج ونسبة ادني فيري کقطعة اسطوانة مستديرة حدبها الي الاعلي و اما في الشکل الثاني فيقع اقرب الموضع عند ج کما مر لکن لما انعطف الي د ج و انعکس منه في د ب وانعطف الي البصر صار الابعد اعلي و الاقرب ادني فتبين للعين عکس الاول و اما الخط فينعکس في الثاني لان د ج مرآة حقيقة و ذلک شأن البلور و لازجاج و کل شاف غير الهواء فانها مرآة للجانب الاضوء و سواد وراءها النسبي يمنع من رؤية ماوراءها و الضوء الا قوي يحجب الضوء الا ضعف فاذا وقع شبح الخط فيه انعکس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 187 *»

اليک مقلوبا کما تري في المرآة ان الخط في سطح القرطاس و مالم تجعله ظهره اليک لا يکونوجهه الي المرآة فيقع ابجد مثلا فيها و الالف في يسارک والد ال في يمينک لانک جعلته هکذا حتي يقابل المرآة فيقع شبحه هکذا فتحکي لک کما وصل اليها و في ذلک رد واضح علي اصحاب الشعاع فانه لو کان  يرجع الشعاع لکان کناظر مستقبل للخط فتدبر بالجملة العمدة في البيان بيان التقازيح المرئية فلنرجع اليها فاقول ان لتلک التقازيح مادة و صورة اما مادتها فلاشکانها الضوء لانها انوار و مالم يکن ضوء فلا تقازيح و انما الکلام في صورها و لا شکان هذه الصور ليست في الخارج بالفعل محسوسة حتي تنطبع في المرآة فوجب ان يکون علتها الصورية من البلور کما ان العلة المادية لها من الخارج اذ لاضوء للبلور نفسه و تلک الالوان مختلفة فلنتفکر في امر البلور کيف يختلف حالاته فنري البلور اذا قابلنا سطحه بسطح العين موازيا له يکون شافا و يري فيه اشباح ماوراءه و لا يري نفسهو اذا جعلنا طرف سطحه مقابلا للعين بحيث يکون قائما علي سطح العين يکون حاجبا لماوراءه و يميل لونه الي الخضرة و لو کان عريضا مال الي السواد ثم يسود فرأينا يختلف صفاته بسبب اختلاف الاوضاع و يکون ما بين هذين الحالين بين بين يعني کلما يميل الي التوازي يکون اشف و کلما يميل الي التحريف يکون استر لماوراءه حتي انه عند قرب منتهي التحريف يصير لنا مرآة يکشف عما امامه و يسترماوراءه فاذا اخذ سطح بلور موازيا لسطح الارض فان نظرنا اليه من جهة العمود عليه رأينا تحته و کلما نميل عن جهة العمود يصير استر لما تحته الي ان يصير خط نظرنامنطبقا علي سطحه فلا يري منه سوي الطرف خط اسود و انما ذلک لانه اذا تراکم ا جزائه الجوهرية و القي بعضها ظله علي بعض لان الجسم المرئي لايخلو من ظل و کل بحسبه وکثر الاظلال و الاجزاء اسود لا محة و لذلک يري لون ماء البحر اسود لتراکمه فرأينا البلور له الوان مختلفة من البياض الشاف الي الزرقة الي السواد فصلح لان يکون منه صورة الالوان فلنتکلم الان في العلة المادية اما الضوء الاتي من الخارج فلا شک انه ايضا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 188 *»

يختلف بحسب الاجسام المستضيئة فان کان الجسم اشد صقالة کان الضوء  الآتي منه اشد بريقا و ان کان اکدر کان اقل بريقا وکذا يختلف بحسب الالوان فاکثره اشراقا الآتي من الابيض ثم  الاصفرثم الاحمر ثم الازرق ثم الاخضر ثم البنفسجي و غير ذلک من الالوان فعلي حسب درجتها فالاضواء في نفسها ايضا لها اختلاف و کل لون يکون اشد اشراقا اذ اقارن لونا آخر ادني منه بدرجة احس النفس في الادني ظلمة فان ضعف النور بسبب ممازجة الضد و ضده ظلمة البتة فکل نورا ضعف فيه شوب ظلمة و لا يميز ظلمته الا اذ اقارن نورا انور وکذلک اذ اقارن نوران قوي وضعيف و اتصلا حصل بينهما برزخ و نور بين بين فان النور الا قوي لابذ من ان يضيء الا ضعف و اضاءته اضعف من نفسه فيستضيء طف الاضعف الي مسافة مقتدرة بنور الاقوي فيحصل في تلک المسافة نور برزخي بينهما و اعتبر ذلک من شاخص تقيمه في الشمس فتري اطراف ظله يرق قليلا قليلا حتي ينتهي الي النور فبين الضوء و الظل حالة برزخية و الظل هو النور الا ضعف و هذاهوالحالة بين النورين وان اردت اعتبارا اقوي فاجعل ثقبة في حائط بيت و اقم قبال الثقبة شاخصا احمر بحيث لايعم شبحه الثقبة و يکون في تجاه الشمس و ادخل البيت و سد المنافذفانک تجد ضوء الثقبة علي الحائط المقابل و في وسطه ضوء  الشاخص احمر و اطرافه يرق شيئا بعد شيء حتي ينمحي الحمرة الي البياض و قد بينا في مخروطية کل شبح ذلک فراجع و کذلک الضوء الاضعف بظلمته يکسر سورة النور الاقوي و يصير اطرافه اقل ضياء البتة ثم ضوء الشمس و النار بنفسه اصفر لصفرة مادتهما و ضوء القمر ابيض و هذا غاية ما اردنا ذکره في امر المادة و الصورة فاقول اذا وقع ضوء الاشياء الضيئة في البلورة و حصل الانعطافان فکل جزء من الشبح کان بعيدا عن غير مشاکله بان کان في اوساط السطوح فيري کما هو لان لون نفس السطح اکثف و اظهر و کل جزء منه کان قريبا من الطرف و هو ما يقارن غير المشاکل فذلک الجزء من جانب الاضوء اکدرو من جانب الاکدر اضوء ففي ضوء الطرفين امتياز عن ضوء الاوساط فاذا جاءت الاشباح الي البلورة انطبعت فيها و البلور جسم مرئي شفاف بخلاف الهواء فانه شفاف غير مرئي فما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 189 *»

ينطبع فيه لا يتبين و اما البلور فاذا انطبع فيه شبح انصبغ به و تبين الصبغ کالماء الذي يحمر کله في الاناء الاحمر فکل جزء منه له حالة شفافة و حالة قبول الرؤية فکل جزء منه کالمرآة فاذا انطبع فيه ضوء من الضيئات و انعطف الي سطح آخر انصبغ اجزاؤه من تلک الاشباح و انطبع في سطوحه لکن اذا کان السطح موازيا لسطح عينک کان الضوء المنطبع فيه ارق لانه حينئذ شفاف في الغاية و اذا کان منحرفا کان الضوء الواقع فيه اغلظ البتة لغلظة البلور و تراکم اجزائه و اظلالها فاذا شاب النور بتلک الاظلال تفاوت کدورته و صفائه و لونه البتة فکل شبح اتاک منزاوية حادة اغلظ و اکدر و کلما اتاک من زاوية منفرجة يکون اضوء و انور و لما کان نور الشمس بنفسه اصفر و لم يتغير کثير تغير في السطوح البيض و ما يقاربها فاذا وقع شبحه في البلور يکون عندالزاوية الحادة اصفر متراکما و الاصفر اذا تراکم احمر لاسيما و عند الزاوية الحادة يشوبه کدورة الاظلال و لا سيما اذا کان اصفر من طرف السطح الابيض المتکثف بکثافة المقارن المظطلم بظلمته کما بينا فباجتماع هذه الاسباب يحمر طرف شبح کل ابيض و ما يقاربه حمرة ارجوانية فان اردت اعتبار ذلک انظر الي ماء عصفر متراکم فانه احمر فاذا غمست فيه قرطاسا ابيض اصفر و کذلک ماء الزعفران و انما ذلک لاجل ان الصفرة اذا تراکمت و وقع ظل جزء من المادة علي جزء وشاب الصفرة احمر لاسيما اذا کان الاظلال ايضا نيرة بنورضعيف فالاحمر اصفر متراکم شابه کثافة رقيقة وکلماا شتدالتراکم و الکثافة مال الي السواد حتي اسود فيري عند کل زاوية انطبع فيها طرف سطح ابيض متکيف بکيف المقارن الکدر حمرة ارجوانية منطبقة علي ذلک الجسم الابيض ثم بعده يري صفرة علي ذلک الجسم الابيض بعينه ثم بعد ذلک يرق الصفرة للبعد عن الزاوية فيري الجسم بلونه و هو في الحقيقة اصفر ايضا الا انه رقيق و لون نفس الجسم يغلبه و شاهد الصفرة في الکل خضرة الطرف الاخر کما يأتي و اما الطرف الاخر من الابيض فيقارن الاکدر و طرف الاکدر في الزاوية الحادة و طرف الابيض في المنفرجة و نور الزاوية المنفرجة لطيف منتشر ضعيف في الرؤية و اما نور الزاوية الحادة اقوي و ابين فيکون اثر الاکدر في الابيض

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 190 *»

حينئذ اقوي بخلاف الطرف الاعلي فانه کان طرف الابيض عند الحادة و طرف الاکدر عند المنفرجة فکان اثر الاکدر اضعف و اثر الابيض اقوي فتکدر طرف الابيض في الاعلي تکدرا لم يبلغ به الي السواد بل الي الحمرة المشرقة و اما من حيث الاسفل فيکدر الاکدر الابيض ازيد فيؤثر فيه علي حسبه ولنتکلم في زاوية الاکدر اولا فانه الاصل فيجتمع عند زاوية الاکدر کدورة الضوء في نفسه والضوء في نفسه اصفر و ظهور کدورته بالمقارنة و ما يبهر الابيض الاعلي العين عن رؤيته وان کان له نور کما اذا وضعت سراجا قدام بيت و نظرت من وراء السراج الي البيت فانکتراه اظلم اسود مع انک اذ ادخلت البيت تراه انور و کذا وقوع نوره في الزاوية الحادة و عندها تراکم اجزاء البلور و اظلاله و يتراکم ايضا الانوار المظلمة فيحدث في طف شبح الاکدرممايلي الزاوية الحادة فرفرة بنفسجية فان النور لايصير ظلمة و الفرفرة حمرة متراکمة کماء احمر تراکمحتي صار کبدياً ثم بنفسجيا فعندالزاوية الحادة من الشبح يکون لون فرفيري و اذا علا من ذلک قليلا شابه بياض الاعلي و صفرته الرقيقة وانکسر سورة الحمرة والسواد فانحل الي الزرقة فحدث بينهما اي بين الاکدر والابيض زرقة فاذا اثر الزرقة في شبح الجسم الابيض و فيه اللون الاصفر کما ذکرنا اخضر فبذلک يحدث الالوانفي البلور ولو راجعتالشکل التقدم عرفت مکان الزوايا وانحراف سطوح البلور و قربها منا لموازاة و بعدها و تصير علي بصيرةو اما الشکل الثاني فينقلب زواياه فيصير الحادات اسفل و المنفرجات اعلي فلاجل ذلک ينقلب الالوان فيصير الفرفرة اعلي و الزرقة بعدهاثم الخضرة ثم الصفرة ثم الحمرة فراجع الاشکال حتي تعرف المطلب انشاء الله و اعلم ان مدار رؤية الالوان الضوء سواءکان من شمس او قمرا و نار و کذلک يشترط فيها قوة الضوء بقدر الوضوح الزايدفان في الليل لايتبين الالوان و ان کان فيه انوار النجوم و يستهلک الالوان في ظلمة الليل و کذلک لايتبين الالوان في الاجسام الکدرة جدا فان الالوان تستهلک في سوادها و کدورتها فانحصر الامر في الاضواء القوية و الاجسام المشرقة الالوان کالابيض و الاصفر و الاحمر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 191 *»

و الاخضر و امثالها مالم يکن الوانهامشبعة کدرة و قد عرفت ان النورالمنتشر مشيب بالظلمة و ليس بخالص البتة والالوان غير البياض بل و بعض مراتب البياض مشيب بالظلمة و ان الظلمة تظهر بالمقايسة کما هو الظاهر في جميع الاعراض ولابد في کلها اذا اريد مقاديرها من المقايسة فاذا قارن لون او ضوء اکدر لونا او ضوءا وضح تبين ظلمة الاکدر و شعر النفس بها عند ذلک و الظلمة لها ظل و الضوء له اشراق فيتفاعلان فاعلي الابيض اذا کان في اسفل الاکدر يکون احمر و اصفر فلو رفعت الاکدر و وضعت بياضا مشاکلا ووصلته به بلافصل زالت الحمرة و الصفرة بالکلية و صارابيض و لو وضعت فوقه شيئا اشد بياضا منه و اشد اشراقا صار اعلي ذلک الابيض الاول ازرق و انقلب الامر فيتبين من ذلک ان ظلمة الالوان امراضا في و يظهر بالاضافة کمااذا دخلت الحمام من هواءبارد تستدفو بالمسلخ و تجد الحر و تستريح من البرد فاذا دخلت الحمم و بقيت فيه زمانا و خرجت تستبرد في المسلخ و تجد البرد الشديد و ربما يحصل لک نفض من البرد و قشعريرة و کذلک معرفة الحلو و الحامض و غيرها من الطعوم فکلها بالمقايسة و کذلک النورو الظلمة فاذا قارن شيئان تبين ان ظلمة ايهما اکثر و ان قلت فمابالنا لانجدالالوان بالاعين من غير آلة قلت ان الالوان موجودة في الخارج ولکن منتشرة غيرمحسوسة و الوان الاجسام التي ورائها تغلب عليها و في الالة المعروفة تجتمع فتري کما يشاهد بالاعتبار في القماش المعروف لي العجم بالتور فاذا کان احمر او اصفر او غيرهما و نشرته علي اجسام مشرقة الالوان و انت بعيد عنه في الجملة لاتريه و لاتري لونه فاذا طوي طيا و صار بعضه علي بعض و تراکمت اجزاؤه رؤي له لون غليظ و عرف و ميزعما سويه فکذلک تأثير الالوان الکدرة منتشرة علي الالوان الضيئة و تأثير الالوان الضيئة منتشر علي الاجسام الکدرة علي نهج التسوية فليس شيء علي لونه الذاتي و لمقام التسوية لا يدرک الالوان العارضة المذکورة کما اذانظرت من منظرةحمراء فاول ما نظرت تجد حمرة و اما بعد ذلک فلاتحس لان کل لون فيه مقدار معين من الحمرة علي نهج التسوية فبقيت نسبها کما کانت فتري مع ذلک ابيض و احمر و اخضر و هکذا فاذا التفت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 192 *»

و طويت في البلورة کما ذکرنا ميزت و لما کان منتهي التراکم عند الزوايا الحادة رؤيت هناک اغلظ ثم يضعف شيئا بعد شيء الي ان ينتهي الي المنفرجة تدريجا فاذا ضعف الي ان صار اللون الذي وراءه اغلب تظن انه انقطع و الا فهو منتشر علي کل الاجسام وهذا مقدار ما وجد لنا من الفراغ في تحرير هذه المسئلة و يقع منه ميزان في يد الطالب يعرف به ساير ما يريد و لا قوة الا بالله.

خاتمة

في معرفة الالوان التي تحدث في قوس الرحمن المعروف بقزح و قد تظهر علي الشعرات السود و علي المياه التي اصاب وجهها دسومة و اشرق عليها الشمس و امثال ذلک و قد تحير في هذه الالوان اوهام المتقدمين و المتأخرين و انت لو تدبرت في ما ذکرنا في المقالة الثالثة لسهل لک استخراج ذلک فلنبين ذلک ايضا في فصل يکون به تمام الکتاب ان شاء الله.

فصل في تکون القوس علي سبيل الاختصار اعلم ان الهواء لا شک في شفافته و عدم قبوله الرؤية فلا يري ما ينطبع فيه من الالوان فلابد و ان يکون محل القوس محل کدر في الجملة بقدر ان يکون قابلا للرؤية و الاجسام الکدرة القابلة للصعود البخار و هو في اول ما ينشأ رقيق ثم يتراکم فيکون سحابا و هو في جميع حالاته قابل للانطباع و البروز للعين الا ان يکون شديد الرقة فلا يظهر للعين فتبين ان المحل البخار و البخار اجزاء صغار من الماء قد اصابها الحر فصعدت لخفتها و من ارادتجربة ذلک و اعتباره فليجعل في قرعة بيضاء ماءالي نصفها او ثلثها و ليوقد تحتها و لتکن في الشمس ثم لينظر فيالابخرة الصاعدة فانه يجدها اجزاءاً صغارا کالهباء مميزة و هي اشبه شيء بالا هبية الظاهرة في الضوء الواقع من الکوة في البيت المظلم من الشمس فالابخرة هي ما قد تفرقت اجزاؤه فتلک الاجزاء لها سطوح البتة و لها صقالة فانها اجزاء الماءالا انها اذا تراکمت تکون کالزجاج المدقوق حاجبة لما ورائها فقالوا ان الابخرة اذ اصعدت من الارض قبال الشمس و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 193 *»

کانت في الجانب الغربي قريب الغروب او الجانب الشرقي فويق الافق اشرقت علي ذلک البخار فاذا اتفق ان کان البخار متراکما کالسحب يستضيء کاستضاءة السحاب جميع سطحه الظاهر ثم ينفذ الضوء فيه قليلا علي حسب کثافته و لطافته و لا کلام فيه و معلوم ان مثل هذا الجسم لايخص الضوء بجزء منه دون جزء فليس ذلک بصالح لظهور قوس فيه و قالوا من علم ان السطح المستوي و المحدب لايري عليهما الشبح  الاعلي حسب ذي الشبح و في موضع واحد خاص يناسب ذاالشبح علم ان تلک السطوح ايضا لايمکن ان يري عليها القوس بوجه و ان الامرمنحصر في السطح المقعر فالمرآة البخارية ان کانت مقعرة وکرية يعني تکون قطعة کرة و وقع ا لشمس من جانب تقعيرهاوکانت بحيث يکون مرکزها في خط مار بمرکز الشمس و البصر و يکون بينهما امکن ان  ينطبع فيه الشمس و يري شبحها قوسا علي حسب تلک القطعة و لعمري انذلک بعيد جدا ان يصعدمن الارض بخار يکون کنصف کرة مقعرة بکبر القوس ويکون مقعرها ممايلي الشمس بحيث يکون مرکزه في خط واصل بين الشمس و البصر مدة مديدة في وقت معلوم هذا و قد نقل الثقات انهم شاهدوها في الصحو ايضا کما حکي الشيخ في الشفاء عنرؤيته و ملخص تنقيح المناظر عن مشاهدته فاين السحاب الکري الصاعد الواقف زمانا معتد ابه علي حالةواحدة و لا اقول انه محال الا انه بعيد عن وضع العالم والذي يقوي في نفسي عجالة انه ليس کرة سحابية قبالة الشمس و لا بخار کري و انما هو عکس من الشمس تقع في ابخرة لطيفة رقيقة مشفة تليها يعني هي واقعة بين الشمس و بين موضع القوس ثم ينعطف عن تلک الابخرة الي موضع القوس و لابد و ان يکون موضع القوس ايضا فيه ابخرة لطيفة مشفة و آية ذلک انک لواخذت کرة بلور بل قطعة بلور و ان لم تکن صحيحة الاستدارة و لو کان لها تضاريس  و دخلت بيتا مظلما له کوة يقع منها نورالشمس فطرحت علي مطرح النور ثوبا اسود و ادخلت البلورة في الشمس فانک تري انه يظهر منه قوس ذات الوان و تفازيح کالتي في الخارج فان قابلتها بثوب ابيض رأيت قوساتعجب منه و ليس في الثوب الابيض سحاب کري و انما وقع شبح الشمس في البلورة و انعطف منها فظهرت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 194 *»

الالوان و کذلک اذ اوقع سحاب کالبلور لطيف مشف في جانب الشمس و انعطف عنه الضوء الي موضع القوس رأيت فيه علي هيئة قوس و له تقازيح اذا کانت الاوضاع علي حسب مابيناه في البلورة المثلثة السابقة بل لواخذت البلورة المثلثة السابقة لرأيت عکس تقازيحه في الثوب الابيض و سر الالوان ماذکرنا و انصف ابن سينا حيث ذکر انه لم يعرف امرها و تکلف ابن هيثم و ملخص کتابه في ذلک فزعموا انه بخار کري مقعر يقابل الشمس و الذي ذکرته نظيره محسوس مشاهد يصنع باليد و وجودها في الصحومن غير سحاب ممايضعف قول ابن ميثم و استبعاد البخار الکري المقابل للشمس عادة مما يمنع عن قبول کونها ناشئة في جهة المقابل و ما ذکرته انا محسوس المشاکل فاذ اصنع احد شيئا کشيء له مادة کمادته و صورة کصورته لايظن ان الشيء الآخر مصنوع بغير اسباب هذا نوعا و الله اعلم بحقايق الحال و الاشتغال بغير ذلک اولي في المبدء و المال و انما ذکرنا هذا القدر ايضا لمناسبة الاشباح و الالوان التي هي الغاية في تصنيف هذا الکتاب و بها کنا نتوصل الي کيفية صدور ظهور انوار الله سبحانه و صفاته و اسمائه و صدور الآثار عن مشيته فلنختم الکتاب بهذا الموضع و قد صادف بعدالظهر من يوم السبت ثالث شهر ذي القعدة من شهور سنة ثمان و ستين بعد المأتين و الالف من سني الهجرة في قرية لنجر. حامداً مصلياً مستغفراًً تمت.