الرسالة المهدویة
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 5 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد __ هذه رسالة مختصرة كتبتها و انا العبد الاثيم كريم بن ابراهيم في مسألة غامضة لميفض الي الان فيما اعلم ختامها و لميكشف الي الان لثامها حتي ان مشايخنا رضوان الله عليهم اجمعين لم يكشفوا عن محياها و لميبينوا حقيقتها و منشأها لا جهلا منهم حاشاهم بل ربما لميمس حاجتهم الي بيانه او لميسألوا عنها او ضنوا بها علي اهل الزمان او لميروا في الطلاب استعداد فهمها و اني لما رأيت ان فهم جميع المطالب علي الحقيقة موقوف علي هذه المسئلة و من لميعرفها لايعرف شيئا من المسائل من المبدء الي المنتهي كنت كثير التفكر في هذه المسئلة و كثير البحث عن خباياها حتي انه في ايام مجاورتي الحسين عليه السلام اتفق ليلة اجتمعنا في مجلس من العلماء و الحكماء و فيهم ذوالعلم الوافر و الفهم المتكاثر الميرزا حسن بن المرحوم الحكيم الالمعي ملاعلي النوري فسألته عن هذه المسألة و هي ان نور هذا السراج كيف يصدر من هذا السراج و ما حقيقته فقال هذا فضله قلت لااعرف الفضل و سؤالي عنه قال كماله قلت لااعرف الكمال و سؤالي عنه و هكذا قام يعدد الفاظا مترادفة نحو هذا جوده، هذا فاضل وجوده هذا ظله و امثال ذلك و اقول في جميع ذلك انا لااعرف هذا و سؤالي عنه فعجز رحمه الله و لميكن السيد الاستاد اعلي الله مقامه حاضرا تلك الليلة فلما ان حضر السيد الاستاد اجتمعنا بحضرته ليلة فحكيت له صورة بحثي مع الميرزا حسن ثم سألته اعلي الله مقامه عن حقيقة النور و صدوره من السراج فقال هذا بلاكيف و لميجب عن حقيقة المسألة لما رأي من الصلاح و بقي هذه المسألة تجول في خاطري و لا افهم حقيقتها و تتلجلج في صدري و يتوق الي فهمها قلبي الي ان التجأت الي الحضرة القائمية و انخت راحلة طلبتي بفناء الناحية المقدسة و تضرت الي بقية
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 6 *»
الله ان ينبهني علي خفاياها و يوقفني علي زواياها و يكشف لي عن خباياها الي ان افيض علي من تلك الحضرة العلية و السدة السنية ما اكتفيت به و الحمد لله و سكن له قلبي و انشرح به صدري فاحببت ايراد ما القي الي في هذه الرسالة علي نهج الاختصار و سميت هذه الرسالة بـ الرسالة المهدوية لان اصلها من تلك الحضرة العلية و السدة السنية اقرالله عيوننا بفرج آل محمد صلوات الله عليهم عن قريب آمين رب العالمين و افصل مطالبها بفصول في كل فصل اصول:
فصل
اعلم ان هذه العناصر المحسوسة في هذه الدنيا المسماة باليونانية بقوسمر عناصر مركبة من عناصر اصلية قد اختلط بعضها ببعض و امتزج بعضها ببعض كما هو مشاهد و كذلك افلاك هذه الدنيا فكل فلك مركب من اشراق كل كوكب و فلك و ما من ذات نفسه الا ان تركيبها الطف فمن دون هذه الدنيا اجسام بسيطة بالنسبة دون هذه العناصر عناصر و دون هذه الافلاك افلاك و تسمي عرصة تلك العناصر بعرصة جابلقا و جابرصا و الاقليم الثامن و عرصة تلك الافلاك بهورقليا اي ملك آخر و الرجعة تكون في تلك العرصة و هي من عرصة الدنيا و الزمان باعتبار و الجنتان المدهامتان في هذه العرصة و ستظهران في الرجعة و يكون اكل المؤمنين يومئذ منهما و تلك العرصة ارضها الطف من محدب عرش هذه الاجسام الدنياوية و زمانها الطف من زمان هذه و مثلها في بدن الانسان الحس المشترك و البنطاسيا.
بالجملة هذه العناصر الظاهرة مركبة من العناصر الاصلية لكن ما غلب عليه النار الاصلية صار نارا و ما غلب عليه هواء اصلي صار هواءا و هكذا كما ان اخلاط البدن مركبة من هذه العناصر الظاهرة فما غلب عليه النار صار صفراء و ما غلب عليه الهواء صار دما و هكذا و تلك العناصر الاصلية في العناصر الدنياوية بمنزلة الروح في الجسد و الغيب في الشهادة و الجوهر في العرض و الهيولي في الصورة و هي في انفسها ايضا مركبة من العناصر الجوهرية الحاصلة عند انفعالها عند امر الامر و فعله و العناصر الجوهرية هي ما لايستحيل الي غيره بخلاف هذه العناصر فان ارضها تستحيل ماءا و ماؤها يستحيل هاءا و هواؤها يستحيل نارا لانها
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 7 *»
مركبة تركيبا زمانيا فاذا غلب الماء علي ما الغالب عليه الارض و به كان ارضا صار ماءا و كذلك العناصر الاصلية البرزخية فهي ايضا صالحة للاستحالة و الانقلاب و لاجل ذلك تركبت و حصلت منها هذه العناصر و لولا الاستحالة و الانقلاب لما حصل التركيب و الذي اري ان نفوس النباتات من تلك العناصر الاصلية التي هي غير محسوسة بهذه الحواس و يشهد بذلك ان الدواء الناري حار في الرابعة مثلا مع ان منظره ترابي و ملمسه بارد و الدواء الرطب مائي في الرابعة مثلا و منظره و ملمسه ترابي يابس منجمد فليس نفوس النباتات من هذه العناصر و انما اجسادها من هذه العناصر فاذا ورد البدن شيء منها و طبخ و انحل و كلس كالزيب المكلس و رق حجابه ظهر تلك النفس من حجابه و اشتعلت فيه كما يشتعل النار في الدهن و يظهر صفات نفسه كما سنشرحه انشاءالله فاذا تكلس الدواء في البدن و اشتعل سراجه بنفسه اضاء في البدن بصفة باطنه فسخن البدن و جفف و برد و رطب علي حسبه فافهم ما لميفهمه طبيب الي الان ابدا علي ما اطلعنا عليه من كتبهم و كذلك نباتية بدن الانسان من تلك العناصر الا انه في بدن الانسان يكون الحجاب دائما رقيقا مكلسا و نفسه النباتية مشتعلة في ظاهره و الذي اري ان النفس الحيوانية مركبة من العناصر الجوهرية و تلك العناصر كامنة في النفس النباتية فاذا رقت و لطفت و نعمت و كلست ظهر عليها النفس الحيوانية و اشتعلت بها اشتعال الدهن بالنار فصارت تتحرك و تدرك و تريد و العناصر الجوهرية في غيب العناصر البرزخية فعرصة هذه الاجسام الظاهرة عرصة الدنيا المسماة بقوسمرو عرصة العناصر الاصلية عرصة البرزخ المسماة بجابرصا و جابلقا و الجنتين المدهامتين و افلاكها هورقليا و عرصة العناصر الجوهرية هي عرصة الدهر و الاخرة و فيها ارض المحشر و فيها النار و في افلاكها الجنة فالاخرة في غيب البرزخ و البرزخ في غيب الدنيا ارض كل في ارض كل و سماء كل في سماء كل كما عرفت و من العناصر الجوهرية ابدان اهل الاخرة و اجسامهم الاصلية و من افلاكها ارواحهم و جميع عرصة الاخرة جسماني فان المعاد الجسماني و عرصة القيامة جسمانية و الجنة و النار جسمانيتان بضرورة الاسلام فالعناصر الجوهرية من اللطافة و الصفاء
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 8 *»
و الروحانية في العناصر الاصلية كالمعني في اللفظ و الروح في الجسد.
واعلم ان هذا القوسمر عناصره عرصة الكون و الفساد و عرصة الوجود و الفناء لغلبة توارد الاعراض عليها و اما افلاكه فهي لقلة الاعراض يكون الغالب عليها احكام البرزخ و الهورقليا و لاجل ذلك روي ان الرجعة في السماء و ارض الرجعة في الصفاء تكون كافلاكنا هذه و اصفي و اما عالم البرزخ فعناصره هي العناصر الاصلية و الغالب عليها حكم التركيب الجامد الجسداني و اما افلاكها فالغالب عليها حكم الروح و ان كان جسما و لاجل ذلك يكون ارض المحشر في الكرسي و العرش سقفه فافهم و لسنا بصدد بيان هذه المطالب الخارجة عن غرض الرسالة و كان الغرض معرفة طبقات العناصر و ظهرت و الحمد لله.
فصل
من العناصر كرة النار هذه التي هي فوق الهواء و اخف منه و لاجل ذلك تصعد فوق الهواء و ينزل عنها بالمشاهدة و هي جسم مركب من العناصر الاصلية قد غلب عليه النار الاصلية و هي لطيفة في غاية اللطافة العنصرية مشابهة للفلكيات و ربما تسير اعاليها بمشايعة الفلكيات و تكون اقل عرضا من اخواتها و اوحد و ابسط و اشبه بالروحانيات و انفذ في الاجسام التي دونها و هي اشبه عنصر بعناصر البرزخ و الافلاك و هي لاتخلو عن شوب اخواتها و هذه النار المشوبة من عناصر القوسمر و لو صفيت و زالت عنها الاعراض لكانت من عالم البرزخ و لخرجت عن احساس هذه الحواس المركبة من عناصر القوسمر و هذه النار شأنها التفرق و الانبساط كانها تريد ان تخرج من الحدود و تكون في كل مكان فاذا خالطت عنصرا من العناصر الجامدة المحدودة تفكك اجزاءه و ترققه و تسيله و تبدده كما يفرق الهواء اجزاء التراب مثلا و بهذا التفكك يحصل الالم المسمي بالحرقة للجسد و من شأنها اذا استولت علي مركب ان تلطف هواء المركب و تخرجه و تفرق اجزاءه مائه و تجعله كالهواء و تبدد اجزاء ارضه و اهبيتها و تجعلها في غاية الخفة و النعومة و تصعد باجزاء المركب الي حيزها فان استحالت اليها صعدت الي مركزها و ان لمتستحل و تقاربت منها صعدت علي حسبها.
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 9 *»
و منها الهواء و هو جسم مركب من العناصر الاصلية الغالب عليه الهواء الاصلي و هو بمجاورة النار حار و بحرارته يقتضي الانتشار و الانبساط لكن فيه رطوبة رابطة لايفكك اجزاء ما تسلط عليه و ان كان يبسطها و ينشرها بل يدعها متألفة متصلة بعضها ببعض الا انه يرققها كما يرقق الماء العسل.
و منها الماء و هو جسم مركب من العناصر الاصلية الغالب عليه الماء الاصلي و هو بمجاورة التراب بارد و بمجاورة الهواء رطب الا انه ببرودته انعقدت رطوبته و صارت اغلظ من الهواء لزجة و برطوبته صار يسيل الجوامد و يميعها و يبسطها و بلزوجته ليس يبدد الاجزاء و يدعها متصلة مرتبطة الا انه ينشر الجوامد و يبسطها.
و منها التراب و هو جسم بارد يابس مركب من العناصر الاصلية الغالب عليها التراب الاصلي متبدد الاجزاء متفتتها و هو لبرده و يبسه يقتضي تجميد كل سائل و عقده و تغليظه فان امتزج برطوبة تقتضي تقريب بعض اجزائه الي بعض و وصلها و تلزيزها و الصاق بعضها ببعض و جعلها متراكمة متراكبة و لاجل ذلك يكون له كيفية لاتقبل الظهور و الانكشاف و الوضوح الذي هو من مقتضي الانتشار و الانبساط لشدة تضام اجزائه و تراكمها فاذا اشرق عليها نور ظهرت سوداء غير منكشفة و لا واضحة و اما الماء فلانبساطه و شفافيته و رقته لا لون له لكن اذا خالطه تراب قليل لايكون بمقدار يجمده و انحل فيه و مازجه حصل له كيفية اذا اشرق عليها النور ظهرت بيضاء منكشفة واضحة ظاهرة و هما اصلا الالوان و والداها و كذلك ليس للهواء و النار لون لانهما غائبان عن البصر كالماء ولكن الهواء اذا مازجه تراب و ماء و عمل حرارة الهواء فيهما و رققهما و احال الماء هواءا و استولي علي التراب و حصل من بينهما حرارة و يبوسة قليلة و رطوبة ناشرة موضحة حصل بينهما كيفية اذا اشرق عليها النور ظهرت صفراء و اما النار فلا لون لها ولكن اذا مازجها التراب و الماء و الهواء و غلبت عليها احالت الهواء نارا و الماء هواءا و بددت التراب و النار حارة يابسة و التراب بارد يابس فاقتضت التعقد بيبسها و الانتشار بنارها و هوائها فحصل لها كيفية اذا اشرق عليها النار ظهرت حمراء متقعدة مرئية ثم بتفاوت كم العناصر و كيفها تحصل كيفيات
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 10 *»
لاتحصي اذا اشرق عليها النور ظهرت الوان و الذي في الاجسام قبل اشراق النور كيفيات لايقال عليها حمراء و لا صفراء و لا بيضاء و لا سوداء فاذا اشرق عليها نور ظهرت الوانا و ليس معني قولي هذا ان الجسم قبل الذوق لا لون له بل اللون كيف و هو تلك الكيفية التي قلنا قال الصادق عليه السلام لو لميكن ضياء يظهر اللون للبصر لميكن البصر يدرك اللون الخبر فالضياء مظهر اللون لا موجده و هو كيفية تابعة لطبائع المركب و اقتضاء اجزائه كما عرفت و هي في نفسها في المركبات الغليظة الكثيفة غير ظاهرة بنفسها الا بنور يشرق عليها.
فصل
قد ظهر مما بينا ان العناصر و ان كانت اربعة و منها النار لكن هذه النار كرتها فوق كرة الهواء و ليست منال سكنة الارض لايصعدون اليها لانزالها و لاتنزل عن حيزها و لما كان الانسان من دون ساير المواليد محتاجا الي النار لمعالجاته و لميكن يده تنال كرة النار جعل الله الحكيم الخبير النار كامنة في الاجسام و جعل الاجسام خزانة لها و صندوقا لحفظها يخرجونها اذا شاؤا و يخمدونها اذا شاؤا و لو كانت منبسطة كالهواء لكانت تحرق الخلق فكمنها الله جل جلاله في صندوق هذه الاجسام من الجمادات و المعادن و النباتات كما قال الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا و قال و الموريات قدحا و قال الصادق عليه السلام في حديث فانها اي النار لو كانت مبثوثة كالنسيم و الماء كانت تحرق العالم و ما فيه و لميكن بد من ظهورها في الاحايين لغنائها في كثير من المصالح فجعلت كالمخزونة في الاجسام تلتمس عند الحاجة اليها و تمسك بالمادة و الحطب ما احتيج الي بقائها لئلا تخبو فلا هي تمسك بالمادة و الحطب فتعظم المؤنة في ذلك و لا هي تظهر مبثوثة تحرق كل ما هي فيه بل هي علي تهيئة و تقدير اجتمع فيه الاستمتاع بمنافعها و السلامة من ضررها الخبر. و هذه النار المخزونة هي النار الجوهرية التي في الاجسام و ليس فيها نار محسوسة ملموسة و الا لكان كل جسم ساخنا و تلك النار الجوهرية في الاجسام كامنة فاذا صار حجابها رقيقا لطيفا
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 11 *»
شفافا ظهرت من ورائه و الا كانت مستورة فمن اسباب اخراجها الزناد و القدحة فانك اذا حككت الزناد الحديدي بالقدحة وحدها حصل منها حكاكة لطيفة ناعمة جدا و بالحركة العنيفة التي هي من صفات النار غلب عليها النار الجوهرية فظهر نار كما رأيت و سيجيء شرحه فيما بعد انشاءالله و كذلك اذا حككت خشبة بخشبة بسرعة و شدة يحدث في حكاكاتهما حرارة و يظهر النار فيها و ذلك معروف عند الخراطين و قد حدث في زماننا هذا جوهر يتخذ من العظام يسمي بفسفور لطيف يحتمي باقل حركة يجعلونه علي رؤس اعواد دقاق و يلطخونها بكبريت فاذا سحبوها علي موضع خشن او الزق بشيء لزوق ثم نزع بقوة حدث فيه بادني حركة حرارة و ظهر نار و عملت في الكبريت و اشتعل.
و اما ما يري ليلا من الشرارات من الثياب البيض النظيفة صوفية كانت او قطنية و من ظهر الهرة اذا مسحت بشدة او حدث فيها حركة حدث منها اضواء و ذلك في البلاد اليابسة كثيرة لاسيما في الصيف عند يبس الهواء و في بلادنا يحدث كثيرا ازيد من ساير بلاد الايران و كذا ما يحدث علي رؤس امواج البحر فانها بسرعة الحركة تظهر منها اضواء و كذا الحباحب و فلكة الماس التي احدثت في هذه الازمان و التي تحدث في العين اذا اصابها ضغطة و امثال ذلك من الالات المستحدثة فلماتحقق معني تلك الاضواء و ليست من حرارة بل كثير منها لايعرف لها مادة جسمانية و لايعقل ضوء بلا مادة كثيفة بل رأينا انه يظهر الضوء كالشرارة اذا ادني اليد من لباس صوف مع صوت و ضرب علي باطن القدم بحيث يوجع كفلكة الماس و اني الي الان لماعرف حقيقة هذه الاضواء و اصواتها و ضربها و ايجاعها و ارجو من بركات بقية الله عجل الله فرجه ان يعرفني ذلك انشاءالله.
بالجملة لاشك ان النار الجوهرية كامنة في الاجسام و انما خفيت فيها لان الاجسام الاخر كثيفة و علي خلاف ما يقتضيه النار فلمتحك النار و لمتظهر من حجابها و كانت كستر مرخي دون السراج فكان ماوراءه ظلمانيا و كان نفس الجسم ايضا كثيفا متراكما متراكب الاجزاء علي خلاف صفة النار فحجبت النار و لاتزعم كمون النار الجوهرية في الاجسام ككمون جوهرة في حقة او ككمون
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 12 *»
الدهن في اللوز او الماء في الورق و الدهن في الحشايش بل كمونها فيها ككمون الروح في الجسد و الدهر في الزمان و ذلك ان المركب علي ثلثة اقسام مركب زماني اجزاؤه مستقلة قبل التركيب زمانية موجودة في الخارج كالمعجون و المركب الزماني كتركيب العرش و الكرسي و الافلاك و اجزاؤها دهرية فان اجزاءها قبل تركيبها و الزمان مساوق تركيبها فاجزاؤها سابقة علي الزمان فهي دهرية و مركب دهري اجزاؤه سرمدية فان الدهر وقت مركبه و اجزاؤه قبل التركيب فهي سرمدية و مركب سرمدي اجزاؤه مساوقة معه لايتقدم احدها علي الاخر و ذلك كالمخلوق الاول المركب من البسيطين.
فالنار الجوهرية و سائر العناصر الجوهرية هي اجزاء الجسم الزماني و الزمان مساوق للجسم فقبل الزمان دهر فالنار الجوهرية دهرية و اذا كانت دهرية ليس دخولها في الاجسام كزماني في زماني كالدهن في السمسم مثلا و يمكن اخراج الدهن منه و يقوم مع العكر في الزمان و اما النار الجوهرية فليس يمكن ان تخرج من الجسم و تقوم مع الباقي في الزمان بل هي دهرية و لكونها دهرية لاتخص بزمان دون زمان و لا بمكان دون مكان فالنار الجوهرية نسبتها الي جميع الاجسام في جميع الامكنة و الاوقات واحدة فلاجل ذلك تري في العرش و الكرسي و الافلاك و ما استعد من العناصر فان عرض للعرش مثلا حجاب حجبها و خفيت فيه و صارت بالقوة و لو لطف التراب و استعد لظهورها ظهرت عليه و صارت بالفعل من دون ان تكون الي العرش اقرب منها الي التراب و لاجل ذلك قلنا ان نسبتها الي هذه الاجسام كنسبة الروح الي الجسد و انها تشتعل في الاجسام الظاهرة اذا استعدت كما يشتعل الروح في الجسد و يشتعل الحيوة الملكوتية في الروح البخاري ثم يصير منشأ افعال و حركات و احساس و ارادات و يدل علي كمونه في الاجسام ما قاله الصادق عليه السلام في جواب الزنديق حين سأله اخبرني عن السراج اذا انطفي اين يذهب؟ قال يذهب فلايعود قال فما انكرت ان يكون الانسان مثل ذلك اذا مات و فارق الروح البدن لميرجع اليه ابدا كما لايرجع ضوء السراج اليه ابدا اذا انطفي قال: لمتصب القياس ان النار في الاجسام كامنة و الاجسام قائمة باعيانها
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 13 *»
كالحجر و الحديد فاذا ضرب احدهما بالاخر سطعت من بينهما نار يقتبس منها سراج له الضوء فالنار ثابتة في اجسامها و الضوء ذاهب و الروح جسم رقيق البس قالبا كثيفا و ليس بمنزلة السراج الذي ذكرت الخبر. و الغرض ان النار كامنة في الاجسام كمون الروح في الجسد و نسبتها الي جميع الاجسام و الي جميع الامكنة و الاوقات سواء و لاتحس النار الجوهرية بالحواس الزمانية و لاتلمس بالاخماس و هي في هذه الاجسام كامنة صالحة الظهور اذا حصلت اسباب ظهورها.
فصل
ان النار الجوهرية كما علمت دهرية كامنة في الاجسام و بالقوة و النار الزمانية نار بالفعل و هذه النار من حيث الحرارة و اليبوسة ظهور النار الجوهرية و فعلها في الاحراق و التسخين و التجفيف و التكليس و التفريق و التصعيد و التوضيح و التلطيف و غير ذلك و يدها و هي مس النار الجوهرية المشار اليها في قوله تعالي يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار و هي التي تدرك بالحواس و تلمس بالاخماس.
و من الاجسام الظاهرة الدهن و هو جسم مركب من جزئين من الحرارة و جزئين من اليبوسة و جزء من البرودة و اربعة اجزاء من الرطوبة و ربما يزيد و ينقص هذه الاجزاء بواسطة تفاوت الادهان ولكن الذي قلنا اقل ما يحصل به الدهن و هذا الدهن كامن في جميع الاجسام علي اختلافها و ذلك لان الجسم مركب من ماء و دهن و ملح و هي الكيان الثلثة التي كل موجود خلق منها و يمكن استخراج دهن كل جسم الا الاكسير فمع انه مركب من هذه الكيان بالعيان لايمكن تفكيك اجزائه لانه من شدة اتحاد الاجزاء صار حكم بعضها حكم كلها و حكم كلها حكم بعضها و يجري علي الكل منه ما يجري علي البعض و يقال لذلك الماء انه الروح و لذلك الدهن انه النفس و لذلك الملح انه الجسد فالنفس هي حيث تعلق الروح بالجسد و حيث ارتباطه به و وجهه اليه و يده فيه و بابه المفتوح اليه و حيث سلطنته في الجسد و استيلائه و تصرفه و تدبيره له و خليفته و القائم مقامه و ظهوره و صورته و امثال ذلك و الروح هو غيب النفس و باطنها و وجهها الي ربها و عينها في معرفة ربها و وسيلتها و سببها و عروتها و حبلها
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 14 *»
و بابها الي ربها و سبيلها و قدوتها و اسوتها و امامها و آية الله لها و تعريفه نفسه لها و امثال ذلك و لسنا بصدد بيان هذه الامور.
فالدهن اذا وصل اليه النار الظاهرة التي هي مس النار الجوهرية نفذت فيه لانه من شأنها لرقتها و لطافتها فاذا غلبت عليه رققته كما يرقق الماء العسل لان النار جسم سيال رقيق و الدهن جسم سيال غليظ و اذا غلبت عليه و هو رخو التركيب اخرجت هواءه لانها تلطفه و تصعده و تحيله نارا او كالنار و تخرجه الا ما اشتد تركيبه مع الباقي و تعمل في مائيته و تجعلها هواءا بالتبخير و تفرقها كالهواء الا ما اشتد تركيبه مع الباقي فهو يبقي و تعمل في ترابيته و تبددها و تفرقها و تجعلها هباءا صاعدا و تلك الاهبية لقلة الهواء و الماء فيها و بقاء قليل ماء فيها تبقي سوداء و لبقاء بعض الرطوبة المتعلكة الجامدة يكون مرتبطا بعض اجزائه ببعض و تجعله دخانا صاعدا صيقليا لتشاكل اجزائه و رقتها و بقاء بقايا الرطوبة الرابطة فيها ثم اذا اشتدت النار العرضية تعلقت بما فيه من النار الحائلة السابقة المرتبطة بهوائه و مائه و ترابه و قوته بالمجانسة فلما حصل التكليس المرقق للحجاب الفاتح للباب و تقوي فيه النار المرتبطة باخواتها النافذة في كلها ظهر علي الكل اثر الحرارة الجوهرية و لميحجبه فاشتعل شعلة ظاهرة مرئية محسوسة محرقة علي حذو قول اميرالمؤمنين عليه السلام تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلالات فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و مثال النار الجوهرية فيه الضوء و البريق و الوضوح و هذه الصفات و ان كانت من صفات النار الا انها في النار الجوهرية خفية لشدة ظهورها مستورة لعظم نورها و انما تحس و تدرك في الاجسام الظاهرة يعني ان النار الدهرية اذا ظهرت في الاجسام ظهرت بهذه الصفات بل بصفة الحرارة المحسوسة و اليبوسة الملموسة اللتين تكونان في الاجسام الظاهرة و نظير ذلك ان الفلفل يكون حارا يابسا و ملمسه بارد لجساوته و كثافته و غلظته و حجبه ماوراءه من الحرارة و اليبوسة الجوهريتين فاذا ورد في المعدة و تكلس و انحل و رق حجابه و اظهر ماوراءه ظهر منه السخونة في البدن ما يحس باللمس انه حار و ذلك انه لما تكلس في المعدة و انحل اشتعل بالنار الجوهرية و ظهرت منه و اشتعل بنفس الفلفل و القت في هويته مثالها
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 15 *»
فاظهرت منه افعالها و هذا معني قول الفلاسفة ان الزيبق ظاهره بارد رطب و باطنه حار يابس فاذا انحل او كلس ظهر عليه الحرارة و اليبوسة و هكذا سائر الاحجار متي ما تكلست ظهر باطنها عليها و منها بالجملة لما تكلس الدهن ظهر النار الجوهرية عليه و اشتعلت فيه و استضاء الدهن و اضاء بها و النار العرضية الجائية من الخارج هي مس النار و فعلها يعني تسخينها و احراقها و تكليسها و آلة تمكينها فاذا مكنته النار الخارجية وضعت النار الجوهرية كرسيها في وسط ملك الدخان و تسلطت عليه و اجرت في اقطاره احكامها و خلفت فيها خليفتها كما قال الله عزوجل يا داود انا جعلناك خليفة في الارض و ان الله لمينزل بنفسه الي الارض ولكن لما تمكن الارض و استعدت جعل الله داود مثاله و خليفته و هو المقارن المساور الذي يعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه و يحكم بين العباد بحكم الله و القبول منه قبول من الله و الرد عليه رد علي الله و هو علي حد الشرك بالله.
فصل
ظهور النار الجوهرية في الدخان بالضوء و لكن الضوء ضوء في الدخان لا قبل الدخان و لما اقترن بالدخان اكتسب منه لونا و شكلا و هو قبل الاقتران امر دهري و من عرصة الدهر لانه كمال النار الجوهرية و لما اقترن بالدخان اكتسب كثافة و لونا و شكلا و ظهر علي ماتري و اختلف الوان الشعلة علي حسب حالات الدخان ففي اسفلها ظهرت زرقاء لكثافة الدخان في اول احداثه و بقاء رطوبات الدهن بعد في الدخان و ضعف عمل النار فيه ثم لما صعد قليلا و عمل النار في اكثر و احتمي اشد و صار الطف صار اصفر نارنجيا ثم اصفر مائلا الي البياض ثم اذا عمل فيه النار كثيرا و قل رطوباته المقتضية للبياض و تفرق اجزاء التراب صار احمر ثم اذا صعد من هناك تبدد اجزاء الدخان و ضربها الهواء و بردها فصارت فحمة سوداء او توتجا متفتتا و فيها قليل دهنية رابطة لزجة لمتتحلل و انشئت اخذها جعلتها في قرطاس رخو الجوهر و طويته طيا ثم لبسته طينا او عجينا ثم تضعه في تنور مسجور علي آجرة و تضعه حتي يحترق العجين ثم
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 16 *»
تخرجه فان جاء كما تحب و الا تعيد العمل و علامة زوال دهنه انتطليه باصبعك علي قرطاس فان وجدته ذابريق كالدسم ففيه دهن و اعد عليه و الا فلايحتاج الي اعادة بالجملة معني الاشتعال بروز اثر النار من الدخان و في الخان و ذلك الاثر هيهنا يسمي ضوءا و ذلك الضوء هو اللون الصيقلي الواضح الفاشي و هذا يكون في الدخان و ليس في النار شيء من ذلك.
و اعلم ان نسبة الشعلة و النار العنصرية الي النار الجوهرية واحدة فان كلتيهما جسم مركب من العناصر الاصلية غاية الامر ان النار العنصرية كثافاتها اقل و الشعلة كثافاتها اكثر و كلتاهما تحكيان النار الجوهرية لحصول مقتضياتها فيهما و انما جيء بالنار العنصرية لترقيق الدهن و تكليسه و تمكينه كما يخلط الماء بالعسل فلما رقق و كلس و شابه النار الجوهرية توجه اليها و بدأ فيه اثرها و تغلظ الاثر فيه فكان ضوءا و شعلة و لاتعرف معني اثر النار حتي تعرف معني نور السراج فترقب بل لايدرك حقيقة ما قدمناه في هذا الكتاب و في كل كتاب و خطاب حتي تعرف معني نور السراج و لذلك وضعنا هذه الرسالة و يكون ما ذكرنا فيه من الفعل و الانفعال كالاصول الموضوعة في الهندسة لانتعرض لها ولكن بعد ما عرفت معني النور تعرف جميع المبادي انشاءالله.
فصل
اعلم ان الدخان من جنس الهواء و عرضه و كلاهما جسمان مركبان زمانيان الا ان الدخان اغلظ و الهواء ارق و هما يمتزجان و يختلطان يشتركان في المادة و يفترقان في الصورة الا ان الدخان بمقتضي قول اميرالمؤمنين عليه السلام من اعتدل طباعه صفا مزاجه و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق باخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو انسان دون ان يكون موجودا بما هو حيوان الخبر.
و بمقتضي قوله خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها و اذا اعتدل مزاجها و فارقت
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 17 *»
الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد انتهي. اعتدل طباعه و صفا مزاجه و قوي اثر النفس التي هي النار الجوهرية فيه فسما الي ما يرتقيه و تخلق باخلاق النار الجوهرية و صار موجودا بما هو نار دون ان يكون موجودا بانه دخان و كذا لما ان زكي نفسه عن كثافات الدخان فقد شابهت النار الجوهرية و لما اعتدل مزاجه و فارق رطوبات الدهن و غلظته شارك بها النار الجوهرية.
و الخبران و ان كانا في الانسان الا انا لما علمنا انه ماتري في خلق الرحمان من تفاوت و عرفنا ذلك بالبرهان القطعي نستدل بهما علي هذا المقام فالدخان لما اعتدل طباعه و اعتداله هنا صيرورته عدل النار الجوهرية كما ان اعتدال مزاج الانسان صيرورته عدل نفسه الانسانية صفا مزاجه صفاءا يكشف عن النار و ان لميكن صفاؤه بحيث يكشف عن الروح و العقل و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه و النفس هنا النار الجوهرية الدهرية و اذا صار كذا سما الي مايرتقيه يعني تلطف و ترقق و ظهر اعالي فسحة وجوده المشاكلة للمبدء فيه و من سما فقد تخلق بالاخلاق النفسانية لان اعالي فسحة وجود الاثر علي حسب صفة المؤثر فاذا سما ظهر منه موافقته لصفة المؤثر و لما تلطف الدخان و سما تخلق باخلاق النار فظهر منه الاحراق و التكليس و الوضوح و الانتشار فصار موجودا بما هو نار دون ان يكون موجودا بما هو دخان و كذلك علي حسب الحديث الثاني خلق الدخان ذانفس ناطقة هي ما هو عليه ان زكاها بالعلم و العمل مما يلطفها و يكلسها و يرققها فقد شابهت جواهر اوائل عللها و هي هنا النار الجوهرية فيشببها الدخان و يتخلق باخلاقها فيحرق و يكلس و يتضح و اذا اعتدل مزاجها و صارت عدل النار و فارقت الاضداد اضداد النار من البرودة و الرطوبة فقد شارك بها السبع الشداد من النار الجوهرية فافهم.
و اعلم ان لهذه الاجسام فسحة وجود من مبدئها الذي ليس لها فوقه وجود الي منتهاها الذي ينقطع وجودها و يمكن للجسم الترقي الي مبدئه و التنزل الي منتهاه و المراد بالمبدء الطف مراتبه و المراد بالمنتهي اكثف مراتبه و له بينهما مراتب لاتحصي هذا و المبدء يترقي بالاستمداد و الامداد منه له الي ما لانهاية له و في مبدئه صفات الدهريات غالبة و في منتهاه اضدادها مستولية بل اعاليه
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 18 *»
بعينها صفات المبدء الدهري و نوره و آيته و ظله و ليس يأتي شيء من الدهر اليه و ليس بينهما فصل و لا وصل هذا و الدهر هو هو وقت هذا الجسم اذا نسبته الي الاعلي كما انه زماني اذا نسبت بعضه الي بعض علي ان الزمان هو نسبة صفة الي صفة و الدهر هو نسبة صفة الي الذات فاذا نظرت الي الجسم و قسته الي الروح فهو دهري. و لما كان في اعالي الجسم اللطافة غالبة و بغلبة اللطافة يضمحل ما به التمايز و التباين يضعف الزمانية و يغلب عليه الدهرية فاعالي الجسم الزماني يغلب عليه صفات الدهر و آثاره و انواره و اخلاقه و خصاله و لاجل ذلك يكون العرش و الكرسي و الافلاك اشبه بالدهريات من العنصريات و لاجل ذلك صارت روحانية و عليها خصال الارواح غالبة من الحيوة و الحركة و الادراك من الفكر و الخيال و الوهم و العلم و العقل و ان كانت مطلقة فلما اخذ منها قبضات و شيبت ببعض المعينات العنصرية تعينت و تخصصت و صارت ذوات حركات و ادراكات و ارادات خاصة و لما كان بين المنتهي و المبدء منازل لاتحصي و في كل منزل جهات و حيوث و اختلاف كميات و كيفيات و مراتب و امكنة و اوقات و اوضاع لاتحصي فكل جسم وصل الي منزل اذا كان فيه اللطافة غالبة علي كثافته ولو من حيث ظهر عليه صفات الدهر متخصصة بتخصصاته معينة بتعيناته فظهر عليه صفة جوهر دهري علي ما بينا من انه هو الدهري اذا نسبته الي الارواح العليا فالنار الجوهرية التي كنا بصدد بيانها هي هذه النار العرضية لكن اذا نظرت اليها من حيث الحرارة و اليبوسة الغالبة لا طبايعها الاخر علي انها مركبة من الطبايع فاذا نظرت الي الحرارة و اليبوسة من حيث اثر العالي هما دهريان و اذا نظرت اليهما من حيث اقترانهما بالمواد الزمانية زمانيتان فهما من حيث هما زمانيتان و هو حيث انصباغهما و تكثفهما بالمواد المركبة الزمانية ظهور الحرارة و اليبوسة الخالصتين عن شوب الكثافة و غلظتها مثال ذلك الشبح الذي في المرآة هو فعلك ظهر و هو ظهورك للناظرين و لكنه فعلك من حيث نفس الشبح من حيث هي هي و من هذا الحيث خفي عن درك الابصار و هو ظهورك بعد ما تكثف بكثافة المرآة و يري بالابصار الاتري انه قبل تكثفه بكثافة المرآة لميكن ظاهرا للناظرين و ان
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 19 *»
كان صادرا منك و بعد ما تكثف ظهر و اتضح للمبصرين فكذلك حال النار مثلا فان الحرارة و اليبوسة اللتين عليها من حيث هما صوريتان مثاليتان غائبتان عن درك الحواس الزمانية ولكنهما بعد ما اقترنتا بالمادة المركبة الزمانية و اكتسبتا الكثافة تبينتا و ظهرتا للحواس فاذا عرفت هذه المقدمة البديعة الشريفة فنقول ان من المركبات الزمانية الدخان الذي نحن بصدد بيانه فهو ايضا جسم قد بلغ في تدبيره مبلغا و درجة من فسحة وجوده ان كان حارا يابسا علي حد الاحتماء و غاية الحرارة و الاشتعال فاذا بلغ هذا المبلغ و نظرت اليه من حيث الحرارة و اليبوسة مع قطع النظر عن مادة الدخان و كثافته رأيت النار الجوهرية الدهرية و اذا نظرت اليه من حيث اقتران الحرارة و اليبوسة بالكثافة الدخانية وجدت النار العرضية المركبة الزمانية و رأيتها و ان نظرت اليه من حيث الضوء و البريق و الاتضاح و الفشو و نظرت الي نفس الوضوح البسيط الصرف الخالص عن الالوان و الاشكال رأيت الضوء الدهري لكن لا بالبصر و هو صفة النار الجوهرية و اذا نظرت اليه من حيث اقترانه بلون السراج و شكله رأيت الضوء الزماني المحسوس بالعين و به تقول استضاء الدخان لنا و اضاء لنا كما قال الرضا عليه السلام في حديث لايقال للسراج هو ساكت لاينطق و لايقال ان السراج ليضيء فيما يريد ان يفعل بنا لان الضوء من السراج ليس بفعل منه و لا كون و انما هو ليس شيء غيره فلما استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا حتي استضأنا به فبهذا تبصر امرك الخبر. قد نقلنا تمام العبارة هنا لحاجتنا اليها فيما بعد بالجملة بعد ما وجد الدهن و سار في فسحة وجوده الي ان ترقق و تبخر و تدخن و تسخن و بلغ الغاية في السخونة و غلب عليه خصال النار صار نارا غليظة و كما صار نارا لانها اعلي مقامات فسحته مثلا الا ان ناره نار غليظة كذلك حصل له صفات النار في اللون من القشو و الانبساط و الانتشار و البريق و اللمعان ولكن خصال النار هذه مركبة مع الغلظة و الكثافة و لاجل ذلك كلما يكون الدهن الطف يصير ضوءه الطف و ربما يبلغ مبلغ الخفاء عن العين من شدة انبساطه و فشوه و كلما يكون اكثف يكون اقل فهذا الضوء صفة النار الغليظة
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 20 *»
و الشعلة هي النار الغليظة ذات الصفة و ذات الاقتضاء فضوءها هو صفتها و جزء ذاتها ليس بفعل منها و ارادة كما عرفت و سمعت فافهم.
فصل
انما الاشكال و الداء العضال فى معرفة النور الواقع منه على الاجسام الكثيفة ما هو و ما حقيقة اعلم انه لا شك و لا ريب فى ان شيئاً يفصل من السراج و يقع على الجدار و بذلك يشهد قوله عليه السلام يفصل نورنا من نور ربنا كما يفصل نور الشمس من الشمس. و لا شك ان ذلك النور ايضاً شبح من الشعلة لما روى فى حديث معرفة الخنثى و انطباع اشباحهم من صلب آدم فى العرش و غيرها و انما الشأن فى معرفة هذا الشبح و نسبته مع الشعلة و كذلك لا شك ان هذا النور امر يغلب عليه الروحانية لا جسمانى كجسم الهواء و جسم النار مثلاً لما يشاهد من سرعة نفوذه فى الهواء الى غاية ما يرى منها و قد ذكر بعض حكماء الافرنج انه اذا كان مدفع بندقته تسير فى كل ثانية الفاً و مأتين قدماً فسارت بتلك السرعة اربع عشرة سنة الى جانب الشمس تصل الى الشمس و جربنا نور الشمس انه يصل الى الارض فى ثمان دقائق و ثلث عشرة ثانية و ذكر انهم علموا بذلك بالمقايسة الى اقمار المشترى حين اظطلامها ثم استنارتها من نور الشمس على اى حال حقاً كان هذا التحديد او باطلاً لا شك فى سرعة سير النور و قطعه المسافات دفعة وذلك ليس حد الاجسام الطبيعية و السير الجسمانى المحض و ان قلت ان سرعة الافلاك ايضاً كثيرة حتى انه يظهر من الخبر انه بقدر زمان قول متى تسير الشمس خمسمائة عام و كفاك سير نقطة من العرش فى اربعة و عشرين ساعة حول العالم و لا يقدر على معرفة مساحته الا اللّه و حججه سلام اللّه عليهم قلت ذلك ايضاً بغلبة الروحانية على الافلاك لا سيما على محدب العرش و هى فوق الطبايع و روحانية بالنسبة اليها و لاجل ذلك تسير هذا السير الحثيث و النار العنصرية و الدخان ميتتان و الغالب عليهما الجسم الطبيعى لايقدران على هذا السير فليس سير نور السراج و نور الشمس سيراً جسمانياً محضاً فلابد و ان يكون ذلك بقوة الروحانية و روحانية السراج ليست روحانية ادراك و علم كالحيوان و
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 21 *»
انما روحانيته روحانية جمادية و لكل شىء روح من حده و رتبته و روحه دهريته حتى ان النار الجوهرية روحانية النار العنصرية و روحانية السراج و هى كما قدمنا دهرية و ملكوتية بالنسبة الى الجسم الزمانى لان المراد منها صورة الحرارة و اليبوسة و لعلك تعلم ان العالم العلوى صور عالية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد فتلك الصورة من العالم العلوى و هى روحانية و دهرية و جميع عرصة الزمان خطوة واحدة للارواح و الضوء من خواص النار الجوهرية بعد ظهورها فى الاجسام الغليظة و تغلظه و تكثفه فى الجملة حتى دخل حد الابصار و قبل التكثف هو ضوء و لكنه روحانى لا يرى بالعين لشدة ظهوره و عظم نوره فبعد ما انكسر سورته بالغلائظ حدد بالبصر و رؤى فرؤيته باختلاطه بظلمة الغلائظ و تحدده بها فافهم فالضوء من صفات النار الجوهرية الروحانية و عالم الزمان خطوة منه لو كان بصرافته و لكن بسبب التغلظ فى الجملة قصرت خطوته و بطؤ سيره فقع مسافة ما بين الشمس و الارض فى دقائق و اعلم ان الهواء محيط مقارن بالشعلة بل مخالط و ممازج و الهواء من الجانب الاخر متصل بالاجسام فالنور يسير فى الهواء كما ان حركة يدك تسير فى العصا اذا اتصلت بيدك او الحبل الطويل اذا جررته على الارض مثلاً و الحركة فعل روحك و انما تسير فيما يتصل بيدك لانه من جنس يدك فاذا اتصل بيدك فكأنما ان يدك كانت اطول او كانت اكبر بلاتفاوت و لا فرق بين حركة يدك و حركة العصا و الحبل و انما الحركة لروحك ظهرت فى يدك على ماسنشرحه ان شاء اللّه و كذلك الضوء لروحانية السراج و لما ان اتصل الهواء بالشعلة سرى فيه و نفذ على حد واحد و كذلك لا شك ان حركة روحك ليست مرتعشة و لكن اذا ظهرت فى يدك و فيها سدد و رطوبات و صارت سبب ارتعاشها او حرارة غلبت عليها فارتعشت صارت حركة مرتعشة ثم ظهرت فى العصا مرتعشة و كذلك ضوء النار اذا ظهرت فى الدخان و كان اصفر او اخضر ظهر بعد ذلك فى الهواء على لونه و مثل ذلك ما اذا نفذ من بلور احمر او اخضر او غير ذلك فالضوء الذى فى السراج و هو صفة النار الجوهرية قد تنزل فى فسحة وجود
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 22 *»
الشعلة حتى نزل الى ادنى مراتبه فتلون بلون الدخان و تشكل بشكله و لما كان الهواء المحيط به متصلاً مخالطاً ممازجاً معه و كان كالعصا المتصلة بيدك و هى كجزء يدك سار ذلك الضوء الروحانى اللطيف المصبوغ فى الهواء فان كان فى عرض الطريق مثلاً بلورة خضراء نفذ فيها و انصبغ بصبغ الخضرة ثم خرج و سار نوراً اخضر و هكذا و لو وصل فى سيره الى الف زجاجة بالف لون لنفذ فى كل واحدة و انصبغ فيه و خرج على لون يقتضيه و سار وراءه فالنور هو ذلك الضوء المصبوغ الروحانى السريع النفوذ ينفذ فى الهواء كما نفذ فى الدخان الا ان الشعلة هى رسول النار الجوهرية و آية المخلوق الاول و المصنوع الجوانى و المخلوق بنفسه و هى المستمدة من النار الجوهرية من طريق باطنها لامن جسم آخر و هى هى شهادة النار و النار غيبها و هى ضيئة بنفسها و يسير ضوؤها فى الهواء لاتصاله بها و كأنه جزؤها و لما كان روحانيتها اى النار الجوهرية دهرية غير مخصوصة بشىء دون شىء و مكان دون مكان و وقت دون وقت تسير فى كل ما يتصل بها و لا يكون حاجباً لما وراءه بقوة دهريتها و روحانيتها غير المخصة بشىء دون شىء الا ان هذه الشعلة مظهرها و منبعها و فوارتها تفور من فمها و تنصبغ بصبغها ثم تجرى فيما يتصل بها فالساير هو ضوء النار الجوهرية الموجودة فى كل مكان لا كوجود شىء فى المكان الداخل فيه لا كدخول الاشياء و الخارج منه لا كخروج الاشياء و لما كان ذلك الضوء صفتها كان لازمها و معها فى كل مكان و لكنها لا تظهر الا من فوارة مواجهة معها مرتبطة بها ناظرة اليها كائنة صددها فلا جل ذلك لا تظهر الا من امكنة مستعدة مثلاً اذا حك زناد بحجر و استعد حكاكاته ظهرت فيها و اذا حك فسفور على موضع خشن و استعد حكاكاته ظهرت فيها و هكذا و الآن قد استعد هذه القطعة من الدخان و انفتح لها باب فخرجت من هذا الباب و سارت على ظواهر الاجسام و كانت ابواب الاجسام عليها مغلقة فكانت فى جوفها لا تقدر على البروز فاذا فتح باب الدخان اليها اى رقق الدخان و اتصف بصفتها اى سار فى فسحة وجوده حتى صار ظاهر النار او ناراً ظاهرة فنزلت النار بذلك فى عرض ظواهر الاجسام انبسط ضوؤها بانبساطها فيما يتصل بذلك الدخان و انما
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 23 *»
مثل ذلك بعينه كما قدمنا جسدك فانه بمنزلة الشعلة قد اشتعل بنار روحك و تعين الروح فيه بتعيناته و تخلق باخلاقه و اتصف بصفاته و الحركة فعل روحك و كما ان روحك فى غيب جسدك و جسدك روح ظاهر و روحك جسد باطن و روحك اعلى جسدك و جسدك اسفل روحك تظهر فى انتقال جسدك كما ان روحك ظهر بجسدك فما اتصل به اى بجسدك كحبل او خشب مثلاً يسير الحركة فيه ايضاً فانه كجزء جسدك لا تفاوت بين ما يتصل بجسدك من جوف بدنك او ما يتصل به من ظاهر جسدك فيتحرك الجسم المتصل على حسب حركة يدك و قد انصبغت الحركة فى يدك بالاستقامة و الاعوجاج و السداد و الارتعاش و غير ذلك ثم تسير فى الجسم المتصل على حسبه و اذا كان لذلك الجسم ايضاً صبغ تظهر فيه على حسبه ايضاً و تنصبغ فيه ثم تنفذ الى ورائه ايضاً على حسبه و هكذا و كذلك النار الجوهرية هى اعلى مراتب الشعلة و مبدأها و روحانيتها و دهريتها والضوء و الفشو و الانتشار من صفتها و قد تنزل فى مراتب الشعلة و كما انه تنزل النار و صارت دخاناً ساخناً محمى كذلك نزل الضوء حتى صار ضوءاً ملوناً مرئياً و من المبدء الى المنتهى كلها فسحة وجود النار و الدخان نار غليظة مرئية و ضوؤه ضوء غليظ مرئى الا ان غلظته لمتبلغ حد الجمود و الخمود فيكون حجاباً بل كان باباً فهذا الضوء المرئى بشر ملكى و حور انسية و جسد روحانى و له قوة السير و ليس بجامد مخصص بهذا الدخان لغلبة روحانيته فيسير و يفشو فيما يتصل به و يذهب الى ان يلحقه حاجب و لو لم يحجبه حاجب لسار من المشرق الى المغرب فى طرفة عين فافهم ما القى اللَّه و رسوله و حججه عليهم السلام لا سيما بقيته عجل الله فرجه اليك و احمد اللَّه و فيه اسرار جمة لا تحصى و ينحل به مسائل لا تستقصى.
فصل
الاجسام على ثلثة اقسام فجسم رقيق لطيف غير حاجب ما وراءه لا يحس منه شىء بالعين كالهواء و البلور الصافى و جسم دقيق ينفذ منه النور و لا يحكى دقائق ما وراءه كالقرطاس مثلاً و جسم غليظ كثيف لا يحكى ماوراءه كالحائط
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 24 *»
اما الجسم الرقيق كالهواء اذا اتصل بالشعلة فلكونه من حيث الرقة مناسباً مشاكلاً للنار و روحانياً و لعدم ارائته نفسه و فنائه فى جنب الشعلة ينفذ فيه الضوء بلا اكتراث ولكن لما كان فى الهواء ابخرة و اغبرة و اهبية ارضية اذا تراكمت هذه الاهبية و لكل هباء نوع حجب كثر الحجاب و ستر الضوء شيئاً بعد شىء و لاجل هذا كلما يكون الضوء اقرب الى السراج كان انور و كلما بعد كان اظلم حتى ينقطع النور و يصير ظلمة فهذا التدرج من الاغبرة و الابخرة و الا فنفس النور ليس فيه قرب و بعد بالنسبة الى السراج لانه دهرى فلاجل المحل يختلف مراتب النور فى القوة و الضعف حتى انه لو وضعت آجرة بقرب السراج و وضعت مرآة فى البعد كان ما فى المرآة اضوء مما فى الاجر فضعف النور ليس من النور فانه حقيقة واحدة دهرية نسبته الى جميع الامكنة على السواء ولكن اذا سار من لدن السراج فى ثخن الهواء الى البعد الابعد انصبغ فى كل درجة بكدورة الابخرة والاغبرة حتى خفى النور بالكلية فافهم و هذا لاجسم اذا كان فيه لون روحانى لطيف و نفذ فيه النور انصبغ فيه لمشاكلة النور مع الصبغ فى الصورية و ذلك مثل ما اذا وضعت على السراج مردنجياً اصفر او اخضر او احمر فاذا دخل فيه الضوء انصبغ بذلك الصبغ ثم خرج مصبوغاً بذلك الصبغ و يأتى ان شاءالله صفة الانصباغ فى شرح الجسم الثالث بالجملة هذا الجسم يحكى السراج و جميع الدقائق التى من ورائه على ماهى عليه على ان الدقائق كلها انوار مصبوغة بصبغ الاجسام الدقيقة فيسير تلك الانوار فى هذا النوع من الجسم و لولم يخالطه كثيف لسار من المشرق الى المغرب ظاهراً بيناً بنحو واحد من دون تفاوت فى درجاته.
و اما الجسم الثانى فالنور ينفذ فيه لكن مبهماً لايميز الدقائق التى من ورائه فاذا وضعت على السراج فانوساً ملبساً بقرطاس خرج الضوء المبهم و لايظهر من ورائه الجزئيات و يأتى ان شاءالله سر ابهام الضوء فيه و الغرض هنا النفوذ فى مثل هذا الجسم ايضاً و هذا من جهة رقته القليلة و قربه فى الجملة من الروحانية حتى انك لو رققت الخشب و الحجر كثيرا لنفذ الضوء فيه و انار الوجه الاخر حتي انك لو رققت الذهب فى الغاية كالاوراق المعمولة و ارق لنفذ النور فيه و انما ذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 25 *»
لقربه من الروحانية.
و اما الجسم الثالث فهو كالحائط لاينفذ فيه الروح حتى يخرج منه لمباينته مع صفة الروح بالكلية و برده و جساوته و غلظته و ثقله و كثافته فلاينفذ فيه الروح و مرادى بعدم النفوذ عدم انفعاله بصفة الروح و عدم اتصافه للمضادة التامة و عدم اشتعاله به فيبقى النور اللطيف فى الخفاء و يبقى الجسم على ظلمته لعدم انفعاله و هذا معنى عدم السير و النفوذ و الا فليس نفوذ الروح فى الجسم كنفوذ ماء فى تراب و لافرق فى نفوذ النور فى الجسم المحيط بالشعلة و فى نفوذه فى الدهن المقارن و تكليسه و اشتعاله فى الدخان المكلس حيناً بعد حين و شيئاً بعد شىء الا ان الدخان ينفعل بكل صفات النار لاستعداده و الجسم المحيط كالهواء و الحائط لاينفعل الا من ضوئها كما لا ينفعل العصا الا من حركة يدك و ينفعل العين ببصر روحك و الاذن بسمع روحك و الانف بشمه و اللسان بذوقه و كل عضو بما يخصه و العصا ايضاً كعضو من اعضائك و الهواء عضو من اعضاء الدخان و الحائط عضو من اعضائه فتدبر. و من بيان الجسم الثانى علم ان النور ينفذ قليلاً فى قشر الاجسام الكثيفة و يدخل فيها الاترى انك لو وضعت مائة ورق قرطاس بعضه على بعض لم ينفذ النور من خلف جميعها و ينفذ البتة من ورقة و ورقتين و كذلك حال ساير الاجسام فينفذ فيها النور فى قشرها و لكن لاينفذ من كلها و يتبين لك ذلك اذا اخذت يدك مواجهة للشمس و نظرت من وراء كفك رأيت ان النور نفذ فى جلد يدك و بعض لحمها و دمها وترى الضوء الاحمر بلون دم مشرق ثم بعد ذلك ظلمانى حاجب للنور و وقع منه الظل و كذلك السحب الغليظة ترى اعاليها تستضىء بالشمس و تبيض او تحمر و ادانيها سود ظلمانية و ذلك لان النور يضعف شيئاً بعد شىء فى خلالها حتى يفنى و هذا النوع من الجسم لكثافته يمنع نفوذ النور الآتى منه الى ورائه الا انه ينفذ فيه قليلاً ثم بغلظة مادته و كثافته و غلبة حجبه لاينفذ فيه و منه ثم هذا النور الآتى فى الهواء الى ان وصل الى صفحة الحائط قد جاء على صفة الشعلة و لونها فلما جاء و وقع على الحائط ازال ظله للمضادة و القوة و تداخله مع اهبية وجه الحائط الدقيقة الخفيفة المشاكلة للروحانية التى سميتها
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 26 *»
فى الجسم الثانى بقشر الجسم و قلنا انه ينفذ فيه النور لقربه من الروحانية و قربه من الدخان و الهواء فيشتعل تلك الاهبية بالضوء الاتي كما اشتعل الدخان بالنار و اما الهواء فلعدم كونه مرئياً لم يظهر فيه الاشتعال اللهم الا ان يكون فيه غبار مثار مرئى فيشتعل ذلك الغبار ايضاً بالنور كما اشتعل الدخان بالضوء و كذلك لسطح الحائط اجزاء هبائية لونفيت ما وراءها لكانت كالقرطاس حاكية للنور كماترى فى الغبار و لكن ما وراءها لكثافته صارت مانعة من الاشتعال.
بالجملة قشر الحائط يشتعل بالنور الاتى فيكون القشر شعلة كالدخان و الفرق ان الدخان فيه النار غالبة فهى حارة يابسة و فى الحائط ليس اشتعاله بغلبة النار و انما اشتعاله بغلبة الضوء كما ان العصا اشتعلت بالحركة كما ان بدنك اشتعل الا ان العصا اشتعلت بالحركة وحدها و بدنك اشتعل بالحركة و بالحيوة و بالارادة و بالحس و الادراك و ذلك ان جهات الاشياء تختلف و العصاء لم تتصل اتصالاً ينفذ فيها باقى كمالات الروح اذ ليس لها عروق و لحم و دم و اخلاط و بخار و تناسب اجزاء حتى لاتحجب من هذه الحيوث ايضاً كمالات الروح و لكن بقدر اتصالها المناسب لظهور الحركة و الانتقال ظهر من كمال روحك فيها الاترى ان بعض بدنك اشتعل بالبصر و بعضه بالسمع و بعضه بالذوق و بعضه باللمس اذ كان كل جزء له نحو قابلية و اتصال مناسب و كذلك الهواء و الحائط لم يستعدا من جميع الجهات حتى يظهر عليهما جميع كمالات النار الجوهرية التى ظهرت فى الدخان و انما كان مواجهتهما و لطافتهما مع برد ذاتهما مناسبة للاشتعال بالضوء وحده ولو كان الهواء المحيط بالسراج مناسباً لظهور جميع كمالات النار لظهرت فيه ايضاً مثل انه لو كان مكان هذا الهواء فى الجو دخان ساخن فى الغاية و جئت بسراج فى جوف هذا الدخان اشتعل جميعه شعلة واحدة و استبن ذلك بشعلتين نفخت على احديهما حتى خمدت و صعد من الفتيلة دخان حار و اذنيتها من الشعلة بحيث يتصل رأس دخانها بالشعلة فانظر كيف يطفر الضوء فى جميع الدخان و يشتعل كل دخانها حتى تصل الشعلة الى الفتيلة فلو كان كل جو الدنيا دخاناً هكذا و جئت بشعلة نار اشتعل كل ذلك الدخان دفعة البتة و ان كان سير النور فيه ابطأ لغلظته
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 27 *»
بالنسبة الى الهواء بالجملة لما كان قشر الحائط مما يمكن اشتعاله كالهواء المغبر يشتعل بالنور الاتى و لما كان كثيفاً يرى شعلة مرئية و ينصبغ النور الاتى فى الوان القشر فتكون الوان مضيئة اوضوء ملون كما ان شعلة السراج لون مضىء اوضوء ملون و اشتعال القشر بعينه كاشتعال المردنجى الاخضر الا ان المردنجى ينفذ النور منه و هذا القشر هو ايضاً كالبلورة الا انه اغلظ و من ورائه جسم غليظ يمنع النفوذ كالمرآة او صفحة فلذ مصقول حيث ان الضوء ينفذ فى ظاهره و لكن لايخرج منه لكثافة ما ورائه فلما اشتعل القشر صار كالشعلة حرفاً بحرف فاضاء فنفذ ضوؤه راجعاً فى الهواء على لونه و شكله و يفشو و ينتشر لانه شعلة مواجهة للهواء و هكذا يذهب هذا النور فى الهواء و لايصبغه الهواء لعدم صبغه و يذهب حتى يقع على حائط آخر فيشتعل فيه مرة اخرى و هكذا ا ولو لم يكن للاجسام كثافة لم ينقص النور فى كل مرة ولكن لكثافة الاجسام و ظلها اللازم لها ينكسر سورة النور فى كل مرة حتى يخفى و يخمد.
فصل
ان الاجسام الغليظة الكثيفة الحاجبة الترابية ذوات اظلال كما ان الاجسام النارية ذوات انوار و كما ان النور امر وجودى ناشىء من فشو النار ووضوحها كذلك الظل و الظلمة امر وجودى لقوله عزوجل خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور. فبين ان الظلمة مجعولة و امر وجودى فمايزعمونه و يقولون ان الظلمة عدم النور كلام باطل و لما كان الجعل يستعمل فى خلق اللوازم كما تقول خلق الاربعة فجعلها زوجاً و خلق السماء فجعلها سقفاً و هكذا يكون النور لازماً لذوات الانوار و هى الاجسام النارية و الظلمات لازمة لذوات الاظلال و هى الاجسام الترابية و انما جعل الظلمات جمعاً لكثرتها و افرد النور لوحدتها و فى ذلك سر آخر كشف به عن جعله و حكمته و ذلك ان النور شبح ذى النور و يسير و ينفذ فى الاجسام و هو نور واحد لذى نور واحدكما عرفت و اما الحائط فليس يسير ظل منه الى ساير الاجسام و انما الحائط بنفسه
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 28 *»
ظلمانى و كل جسم وراءه بنفسه ظلمانى و هكذا و ليس يكتسب الارض من الحائط ظلمة كما يكتسب الارض المستضاءة من السراج ضوءاً فاذا اقمت عصاً امام السراج وقع منها ظل على الارض و اطراف الظل مستنارة اما استنارة الاطراف فمن السراج و اما ظلمة ظل العصا على الارض فليست بمكتسبة من العصا و انما موضع الظل من الارض بنفسه مظلم كالعصا و لم يستنر من السراج لحجب العصا نور السراج فبقى مظلماً على حسب حجب العصا فكان ظلمة الارض على هيئة العصا و قيل انها ظل العصا و ليس ظلمة من العصا تأتى و تسير فى الهواء حتى تقع على الارض و تنفعل منها الارض فلكل كثيف ظل و ظلمة و شأن بنفسه يغنيه عن غيره رهن بظلمته و خطيئة فالظلمات متكثرة و النور واحد و هذا سر قوله و جعل الظلمات و النور و لاالظلمات و لاالنور و يخرجهم من الظلمات الى النور و انما قلنا ان الظلمة لاتسير من الحائط الى الارض مثلاً لان الحائط جهة الفاعل و المبدء و الروحانية فيه ضعيفة جداً حتى صارت بالقوة فليس له روحانية فاشية منتشرة بل روحانية متجسدة مع جسمه و كما ان جسمه مخصوص بمكانه محدود بحده لايتجاوزه كذلك روحه مخصوص بجسمه لايفشو و لاينتشرو لا يسير و لاينفذ فى غيره لغلبة جموده و تجسده فلايفعل فى غيره شيئاً هذا و لغيره ايضاً ظلمة تغنيه عن الحاجة الى الحائط و هو مثله فلاهذا يفعل فى هذا و لاهذا يفعل فى هذا و على اى حال هذه الظلمة و الظل على وجه الجدار حيث اذ لانور من اقتضاء تقلص التراب و تقبضه و انزوائه فلايفشو الى العين فلايظهر للعين و ليس فى العين منه عين و لا اثر فلاعلم لها به هذا و العين ايضاً جسم ترابى مظلم فى نفسه لاضوء له و انما هى كمرآة ينطبع فيها صور الاشياء ان كان لها اضواء و اذ لاضوء هى بنفسها ظلمانية و الباصرة التى فيها ايضاً لاضوء لها فى نفسها و هى مخالطة بظلمة العين فلاترى الاظلمة نفسها اى لاترى شيئاً بالجملة هذه الظلمة صفة تقبض التراب و عدم انبساطه لازمة لكل ترابى فاذا جاء نورمن ذى نور و سار فى الهواء المتصل و وقع على الجسم الكيف استضاء وجهه و انصبغ الضوء بصبغه و اشتعل بذلك الضوء ثم اضاء على حسب صبغه كما مر.
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 29 *»
فصل
اعلم ان العين جسم من الاجسام الغاسقة بنفسها كالمرآة و وضعت كالمنظار للروح الباصرة قطبها جسم جليدى ككرة بلورة مصمتة اصفى ما يكون و وضع عليها جسم كنصف كرة جوفاء مقعرها اسود اللون و فى وسطها ثقبة قبال الكرة البلورية المصمتة ليدخل منها الاضواء و تقع على الكرة البلورية و يسمى ذلك الجسم بالعنبية لانها كنصف عنبة و على الثقبة جسم كزجاجة المقدار يسمى بالقرنية فينطبع فى هذا الجسم الزجاجى الاضواء و تدخل من تلك الثقبة و تنطبع على الكرة البلورية و تنفذ منها الى العصبة الجوفاء التى تحت الكرة و تلك الكرة موضوعة فى فمها و تلك العصبة فيها حس البصر فتقع عليها الاضواء بالوانها و اشكالها كما ينطبع الصور على حائط بيت الطبع و صفة ذلك البيت ان تصنع بيتاً مسدود المنافذ و الابواب مظلماً له ثقبة صغيرة الى فضاء الدار و على الثبة بلورة و الحائط الداخل المقابل لتلك الثقبة مبيض فكل شىء فى الدار مقابل تلك الثقبة من شجر او انسان او جسم غيرهما اذا وقع عليه نور الشمس ينطبع عكسه على البلورة و منها ينطبع على ذلك الحائط المبيض المقابل لها فينطبع مثل تلك الاشياء عليه بالوانها و اشكالها و معانيها كانها منقوشة بالوانها كما فى مرآة صافية بعينها و كما ينطبع المثل على هذا الحائط كذلك ينطبع مثل ما فى الخارج فى ذلك الجسم الزجاجى المسمى بالقرنية و ينطبع فى الكرة و منها على حائط تلك العصبة بالوانها و اشكالها كما فى المرآة الصافية.
ثم منهم من يزعم ان الروح الباصرة مسكنها وسط العصبتين الجوفاوين الصليبتين اللتين تحت الجبهة فى مقدم الدماغ و ينطبع الشبح من كل عين فيه و يقع الشبح على الشبح فتراهما الباصرة واحداً و ان كان فى احدى العينين التواء لايقع بسببه الشبح على الشبح يراهما اثنين و منهم من يزعم ان الروح الباصرة فى العصبة الجوفاء فى كل عين فالذى يرد على الاولين قولهم انا نسألهم ان شخص الباصرة فى الملتقى هل هو نا ظر من طريق العينين الى الخارج حتى يرى الاشباح على موادها او هو خارج عن الملتقى ناظر فى الملتقى كرجل خارج عن المرآة ناظر الى المرآة فان قلتم انه خارج عن الملتقى فليس فيه و نقض كلامكم انه فيه ثم ما الملتقى هل هو الفضاء ام جسم العصبة؟ فان كان هو
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 30 *»
الفضاء كيف ينطبع فى الفضاء و ان كان جسم العصبة فاى موضع منه يقابل العينين؟ و ان كان روح الباصرة فى العصبة فالواجب ان يرى الشىء شيئين ضرورة انك لو ثقبت حائطاً ثقبتين و توريب كل ثقبة الى اختها و تكونا بحيث لو اخرجت خطاً من هذه و خطاً من هذه التقيا على مسافة معينة و بنيت فى موضع الملتقى حائطاً آخر ثم وضعت سراجاً من وراء كل ثقبة فلاشك ان النور الخارج من الثقبتين يذهب و يقع على الحائط المقابل فى موضع واحد فلايرى على الحائط الاشبح واحد و لكن يرى شبح واحد اذا نظر الناظر من خارج الحائط المستنير و اما اذا كان ذلك الموضع المستنير باصراً دراكاً و نظر الى الثقبتين يرى سراجين البتة ضع عيناً واحدة هناك فانظر فانكترى ثقبتين و من وراء كل واحدة سراج ولكن اذا نظرت من خارج الحائط الى الحائط رأيت شبحاً واحداً لان الشبحين انطبق احدهما على الاخر و هذا هو الاشتباه من هؤلاء و انا اقول ان الروح هى الباصرة كما سمعت الرضا عليه السلام يقول و العينان منظاران يخبران الروح عن الخارج و يؤديان الاشباح الى الروح و الروح واحدى المعنى مستوعلى عرش العينين ليس احديهما اقرب اليه من الاخرى فما ادتا اليه و ان كان من حيث المؤدى بالكسر الثنين الا انه من حيث المؤدى اليه واحد فالروح تدرك من هذه و من هذه فى آن واحد شيئاً واحداً و هو واحد فلاجل ذلك يرى منهما شيئاً واحداً نعم الروح اسفله مرتبط بالاجسام حتى انه يصير جسمانياً قابلاً للتجزى و التقطع و اعلاه مجرد عنها و يتخلص فى الملكوت وحدانياً و اسفله المتصل بالعين باصرة و المتصل بالاذن سامعة و هكذا و ذلك الجزء المتصل متجسم كالعين و الاذن و يكون آلة لاعلى الروح كالعين و الاذن و هو يدرك الادراك المخصوص ثم يسلمه الى اعلى الروح فلو كان لحيوان الف عين و نظر بكل عين الى شىء واحد لرأى روحه شيئاً واحداً لان المؤدى اليه وحدانى ملكوتى مستوعلى عرش الالف لا يشغله مكان عن مكان نعم اذا ادن الا عين شيئاً واحداً بصفة واحدة الى الروح يراه واحداً و اذا ادت كل عين شيئاً بخلاف الآخر الى الروح ادرك متعدداً الاترى انك لو اخذت شيئاً احمر قريب عينك اليمنى و شيئاً اسود قريب عينك اليسرى و نظرت اليهما
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 31 *»
لم تر شيئاً واحداً و هكذا اذا اختلف مرئيهما فى صفاتهما فالاحول ما فى عينه اليمنى بخلاف ما فى عينه اليسرى بحسب المكان فتؤديان الى الروح شيئاً فى هذا المكان و شيئا مثله فى مكان آخر فيرى شيئين لان المرئى الخارجى ليس ملتقاهما و العين الملتويةترى الشىء على نسب غير نسب تراها الصحيحة فتؤديان الشىء على نسبين الى الروح فيراه على ما ادتا و لو ادتا شيئين فى مكان واحد لرأى شيئاً واحداً و ذلك من المشكلات التى لم تنحل الى الآن مثل ما كتبت هنا و لا تجده عند غيرنا هذا و ان اللَّه سبحانه ما جعل لرجل من قلبين فى جوفه و الروح وحدانى ليس يمكنه التوجه الى جهتين فى آن واحد اذا كان ضعيفاً و هو ينظر من العينين على التعاقب السريع و لو تجسم و تقطع و نظر منهما معاً لكان ادراكه من كل واحد ناقصاً كما انك لو توجهت الى بصرك ضعف سمعك و لو توجهت الى سمعك ضعف بصرك و هكذا و لو توجهت الى حواسك الباطنة ضعف الحواس الظاهرة و لربما بطلت و زعم بعضهم ان الانسان يدرك بالعينين معاً و انا لا امنع من ذلك الا انهما اذاً ضعيفان و لذلك اذا اراد الدقة نظر بواحدة و غمض الاخرى فجرب و كن متنبهاً تجده و لو نظرت من انبوبتين فصل طرفهما البعيد كفصل طرفهما المتصل بعينك رأيت نورين ضعيفين و اذا ادنيت طرف كل الى الاخر حتى صار ملتقاهما موضع واحد من الحائطترى ذلك الموضع انور كما اذا وقع نور سراج على نور سراج صار انور و ان قلت هب الروح الباصرة اين هو قلت اسفل الروح مجسم كما قلت متعلق بالاجسام فاسفل الروح المتعلق بالعين فيه الباصرة و اختص بالابصار لاقتضاء المحل و مسكن الروح العصب و ان كانت نافذة فى كل العين الا ان اقوى محاله العصبة الشبكية التى تحت الجليدية و القرنية و العنبية و الجليدية آلات لا يصال الشبح الى العصبة فينطبع عليه كما بينا من حكاية بيت الطبع ثم تؤدى العصبة على ما سيأتى ان شاء اللَّه الى الروح الباصرة التى فيها و قد صارت باصرة فيها كما يصير الدم لبناً فى الثدى و منياً فى و عائه فذلك الروح الباصر يؤدى الى اعلاه الملكوتى و هذا الروح الباصر نافذ من حيث الاسفل الى الجليدية و من
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 32 *»
حيث الاعلى فى العصبة الشبكية الى الجوفاوين الى الدماغ و ا ذا اطلع الباصرتان على الخارج حكتا للروح الملكوتى بلسان واحد بصفة واحدة عن الخارج فادرك حكايتهما بادراك واحد فانه فى كليهما بلا تفاوت و هو واحد و لو حكتا بلسانين لا درك شيئين البتة كما اذا كان عند اذنك اليمنى صوت و عند اذنك اليسرى صوت بخلافه تسمع صوتين مختلفين و اذا كان بصفة واحدة فى وقت واحد تسمع صوتاً واحداً هذا و وجه الحكمة لا يختلف فى الحواس و هم يستدلون لرؤية العينين شيئاً واحداً بان الباصرة فى الملتقى فهل يثبتون للاذنين ايضاً ملتقى ام لا لايثبتون و كما ليس هنا ملتقى و تسمع صوتاً واحداً كذلك تبصر شيئاً واحداً من غير ان يكون الباصرة فى الملتقى و السر فى كلتيهما ان المؤدى اليه المدرك شىء واحد و ان كانت الآلات متعددة فلو كان لانسان الف عين و نظر الى شىء واحد يرى واحد اولو كان له الف اذن واصغى الى صوت واحد لسمع صوتاً واحداً و شاهد ما قلت قول الرضا عليه السلام ان المبصر هو الروح و العينان آلتان كما مر الحديث بلفظه و ما وجدت من بطلان كون الباصرة فى موضع الملتقى و ان لازمه رؤية شيئين لاشيئا واحداً و ان مركب ارواح الحس و الحركة كلها الاعصاب و ما اعدالله لكل عين من عصبة و الانطباع عليها يقيناً كما رأيت من بيت الطبع فافهم و انصف.
فصل
ان العين آلة جسمانية عاسقة لاضوء لها من نفسها فاذا وجد بحضرتك ذو ضوء على ما وصفنا كالسراج مثلاً سار و نفذ نوره فى الهواء الملاقى على ماوصفنا نفوذ الروح فى الجسد و كذا لو كان على السراج بلور ينفذ النور فى البلور نفوذ الروح فى الجسد فان لم يكن للبلور و الهواء لون و شكل نفذ النور على طبعه الآتى من السراج و اذا كان للبور او الهواء لون انصبغ فيه النور و اشتعل على ما مر ثم خرج منه مصبوغاً كما خرج من نفس الدخان مصبوغاً بصبغه بلاتفاوت فاذا خرج جاء جائياً الى ان وصل الى العين و وقع على القرنية و نفذ فيها و وقوعه عليها و نفوذه منها كالوقوع على المنظرة التى وضعتها على عينك بلاتفاوت فان كان فى القرنية صبغ نفذ فيها و انصبغ فدخل ثقبة العنبية و وقع على
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 33 *»
سطح الجليدية و هى ايضاً ككرة بلورة ثم نفذ فيها حتى يقع على الشبكية و هى عصبة الحس و كحائط بيت الطبع الواقع بازاء الثقبة فوقع عليها الاشباح و الانوار بالوانها و اشكالها ظاهرة بينة و تلك العصبة فيها روح الباصرة حية بحيوة الباصرة و حيوة الباصرة ممازجة معها فان اسفل ذلك الروح جسمانى كما وصفنا فيتلون روح الباصرة بلون المبصرات و يتشكل بشكلها و يتصف بصفتها و هى عين الادراك واجد نفسها فيجد نفسها كذلك على هذه الصفة و لايفقدها و هو معنى الرؤية و هو معنى قول اميرالمؤمنين عليه السلام المجهول الذى يلاك بين اللحى و لايدرك طعمه انما تحد الادوات انفسها فان الادوات شاعرة دراكة واجدة لنفسها غير فاقدة لها فاذا تهيأت بهيئة تجد نفسها على تلك الهيئة و اى ادراك اقوى من ان يتهيأ نفس الادراك بهيئة و يتصور بصورة ولكن الاشكال فى ان الجليدية كرية و المثال اذا وقع على كرى و نفذ فيه انقلب و صار على العكس من ذى المثال و يصير الرؤس اسفل و الارجل اعلى كما حققناه فى علم المرايا فلابد و ان يقع المثال على الشبكية مقلوباً و لكن النفس تعليم بالتجارب انه مقلوب و تفرضه مستوياً و منهم من زعم انه مقلوب و لكن اذا وقع على موضع الالتقاء استوى هناك و لكن جميع ذلك خرص عن غير علم و الصواب ان الانقلاب حاصل فى المطبوع فى الشبكية الجسمانية ولكن اذا بلغ المثال الروح الباصرة انتصب هناك و ان شئت تعقل ذلك فاعتبر انك اذا و اجهت ذلك المقلوب بمرأة قعراء رأيت الشبح المقلوب استوى فى تقعير تلك المرآة لان اعلى المرأة يواجه اسفل المثال و اسفل المرآة يواجه اعلى المثال فيستوى فبالمواجهة استوى المثال فاذا كان الشبح يقع فى الشبكية و هى على هيئة القمعة فهى قعراء من جانب الجليدية فينعكس فيه الشبح الجائى من الجليدية المقلوب و هى بنفسها شاعرة بالروح الباصرة فترى الشبح مستوياً كما ان الشبح فى المنظار ينطبع فى العدسيات و يأتى منها مقلوباً ثم ينطبع فى القعراء التى عند العين فيظهر مستوياً فعينك هنا كالباصرة و القعراء كقمعة الشبكية و هذه الروح الباصرة اسفل البنطاسيا و هى الناظرة و العين آلة نظره و ليس فيها شكل
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 34 *»
و لون و الهواء الخارج ايضاً ليس لها لون و شكل فترى الباصرة الشبح على ذى الشبح لانه الكثيف المظهر للشبح دون الهواء و العين.
و اعلم ان هيهنا مسائل كثيرة لطيفة غامضة قد ذكرناها فى كتابنا ضياء البصائر فى علم المرايا و المناظر و لسنا بصدد بيانها هنا فلا نعيدها اذ غرضنا فى هذا الكتاب محض بيان صفة صدور الاثر من المؤثر.
فصل
اذا انت احطت خبراً بصفة صدور النور من السراج و صفة ادراكه فاعلم ان هذه الصفة جارية فى جميع مراتب الخلق فانه قد علم اولوالالباب ان الاستدلال على ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت و العبودية جوهرة كنهها الربوبية اصيب فى العبودية و ما فقد فى العبودية وجد فى الربوبية فما خفى فى الربوبية اصيب فى العبودية و ما فقد فى العبودية وجد فى الربوبية و قال الله جل و عز و ما امرنا الا واحدة. و ما خلقكم و لابعثكم الاكنفس واحدة. و لن تجد لسنة الله تبديلاً و لن تجد لسنة الله تحويلاً. فلو صعدت صاعداً الى مبدء الايجاد و الوجود او نزلت نازلاً الى منتهى الشهود لوجدت جميع الاثار يصدر من مؤثراتها هكذا و نحن نشير الى بعض ذلك ليكون دستوراً لك لمعرفة الكل.
فمن ذلك ما يصدر من الانسان من الافعال و الاعمال و قل من احاط خبراً بهذه الاحوال اعلم اولاً ان روح زيد و حقيقته التى بها هو هو فى مقام الانسان و فوق مقام الحيوان الذى هو مركبه و فوق مقام النبات الذى هو مرج دابته و مركبه و فوق مقام الجماد الذى هو قرح ذلك النبات و هذا البدن عرض مفعول به و هو الفاعل و انما يظهر فعله فيه و عليه كما يظهر فعل النار الجوهرية فى الشعلة فهذا البدن مشتعل بزيد تجلى له به و به امتنع منه فتجلى له فاشرق و طالعه فتلالاً فالقى فى هويته مثاله فاظهر عنها افعاله فالذى من حقيقة زيد نور كنور السراج و لذلك يكون كزيد لافرق بينه و بينه الا انه عبده و ظهوره و ذلك الاشراق الذى هو مثال زيد المستجمع لكمالات زيد يشتعل فى البدن فما اشتعل بالبصر فى العين يحصل منه شعلة مبصرة و فعله الظاهر من هذه
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 35 *»
الشعلة ابصر و ما اشتعل بالسمع فى الاذن يحصل منه سمع و هكذا ساير الحواس و ما اشتعل فى احوال الاعضاء يحصل منها قال و قعد و اكل و شرب و ضرب و غير ذلك من الافعال و ما اشتعل فى احوال الاخلاط يحصل منها الافاعيل الوصفية فما اشتعل فى حال من الصفراء يحصل منه غضب و من الدم احب و من البلغم حلم و من السوداء جبن و هكذا ساير احوالها و مايحصل منها من ساير الافاعيل المعنوية و كذلك ما اشتعل منها فى الحواس الباطنية و مواطن الدماغ فيحصل منها تخيل و تفكر و توهم و علم و تعقل و امثال ذلك فجميع هذه المواطن الظاهرة و الباطنة كالدهن المشتعل بنار ذلك التجلى و المثال المطلق و الاحداث و الافعال التى هى الانوار تابعة للشعلات و ان كان ذلك المثال اصلها و مبدأها و روحها و لو لم يكن هذه الادهان و هذه المواطن لم يكن لزيد شىء من هذه التفاصيل و هذه الكمالات و هذه علة انزال زيد الى هذه الدار و لان يظهر احدية مثاله و انبساطه و قدرته بهذه الافاعيل و ان كان يجريها باسبابها و ما قبل من ان مبدأ هذه الافاعيل من ذات زيد و ينزل نازلاً حتى يظهر فى الجسم هكذا غلط باطل و مجتث زائل بل التجلى الكلى من ذات زيد كزيد لاكيف لفعله كما لاكيف له و مبدء هذه الافعال المختلفة من المحال التى هى الادهان كما ان مبدأ الضوء من الشعلة لامن النار و لاتزعم من شرحى هذا انه اذا رجع راجعاً و عاد الى بدئه لايصحبه شىء من هذه التفاصيل فيكون ثمرها فى دار الغرور وحدها و فهم ذلك من المشكلات التى لاتنحل الا بما بيناه فى هذه الرسالة الكريمة المهدوية التى هى من تسديد المهدى الاعظم صلوات الله عليه و على آبائه و عجل الله فرجه.
اعلم ان هذه الفعليات زمانية اذا نسبت بعضها الى بعض و نسبت اللاحق الى السابق و السابق الى الاحق و اما اذا نسبتها الى الاعلى فهى كلها دهرية كما حققناه فى معنى ضوء الشعلة و ذلك انها من هذه الحيثية ثابتة لا تحول و لا تزول و لا تمر عليها الايام و الاعوام فهى دهرية و انما ظهرت على مرآة المادة الزمانية بعد ما استعدت او لطفت و صفت و قابلتها على ما بينا و شرحنا فجميع هذه الافاعيل باشكالها و اصباغها و خصوصياتها من حيث نسبتها الى مثال زيد دهرى و هى
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 36 *»
ثمار و حبات عنقود ذلك المثال المتدلى الى عالم الزمان فاذا رفع المثال تعلقه عن المرايا ارتفع معه الحبات و جاء فى الدهر بجميع حباته و خصوصياتها حتى ان زيداً يأتى يوم القيمة قائماً فى الصلوة فى الجامع وقت الظهر فى صلوة الظهر داعياً قائماً قانتاً كما كان فى الدنيا و يأتى عمرو قاعداً بين فخذى المزنى بها مولجاً فيها كالميل فى المكحلة حتى اذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم و ابصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذى انطق كل شىء و هو خلقكم اول مرة و اليه ترجعون و ما كنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم و لا ابصاركم و لاجلودكم ولكن ظننتم ان الله لايعلم كثيرا مما كنتم تعملون و ذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم ارديكم فاصبحتم من الخاسرين و قال و ان سعيه سوف يرى و قال و وجدوا ما عملوا حاضراً انما هى اعمالكم ترد اليكم الى غير ذلك من الايات و الاخبار فجميع الفعليات اذا محيت من لوح الزمان محفوظ فى لوح محفوظ و ما دخل عرصة علم الله لايخرج من عرصة علم الله و ما كان ربك نسياً هذا و ذلك المثال الوحدانى هو ما تراه فى جميع تلك الفعليات كما ان زيداً ما تراه فى اعلى ذلك المثال كما مر فى شرح النار الجوهرية فلا نعيد بالجملة بدن زيد هذا كدهن مفعول به مكلس مدخن مشتعل فاذا انطفأ بقى الدخان الاسود الظلمانى و لاشعلة و ذهب ذات زيد بمثالها و رؤسها التى هى افعالها و صفاتها و احوالها و كل انسان الزمناه طائره فى عنقه و نخرج له يوم القيمة كتاباً يلقاه منشوراً و كذلك كل ما اتصل به من خارج كما اتصل به من الداخل فلا فرق بين صاع لحم تحمل بيدك او تدخله تحت جلدك فيتحرك بحركتك و يسكن بسكونك فافهم ما اقوله لك فكل كلمة من كلماتى فى هذه الرسالة مبدء علم او جواب ايراد او حل اشكال او تحقيق حق.
فصل
اعلم ان المؤثرات الزمانية كلها شعلات قد اشتعلت بنار مثل نفوسها كما عرفت و انما ينفصل منها مثل تابعة لادهانها المشتعلة فانما مرجع الانوار
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 37 *»
الشعلة المرئية لا النار الغيبة و لذلك تكون تابعة لهيئة الشعلة على لونها و شكلها و قد عرفت ان الضوء المتصل بالشعلة لواخذ عنه الدخان الذى هو مادة المصباح الظاهر هو دهرى و انما ظهر على الدخان لاستعداده و هو شديد النفوذ سريع السير فى الاجسام كما مر و لايظهر فى الهواء للطافته فاذا وصل الى كثيف ظهر عليه و الضوء المنبث تابع لهيئة الشعلة لانه يفور من هذه الفوارة و يسير فى الهواء و الاجسام لانها اجسام كالدخان متصل بالدخان فيسير فيها سير الحركة فى العصا و كذلك فعل كل فاعل من السماء الى الارض و من البسايط و المركبات فافعالها انوارها و انوارها تابعة لذلك المبدء الذى هو كالشعلة و تفور منه و تنبث الى ان تصل الى المفعول به فاذا ضربت زيداً اشتعل يدك فحركة نفسك حركة دفعية فاذا اتصلت ببدن زيد سارت فى لحم بدنه و عظمه بحركة لحمه و عظمه حركة دفعية تابعة مشايعة لاثر حركة يدك تدل على حركة يدك و تحكيها و بدن زيد مفعول به لا مفعولك و مفعولك ذلك الضرب الذى هو حركة يدك التابع لفعلك وجوداً و عدماً و اما حركة لحم بدن زيد فتابعة لحركة يدك التى هى اثرك و لازمتك و معك و راجعة اليك و اما فعلك فهو حركة يدك لانه هو ضرب فتلك الحركة حال الصدور فعل و بعد الصدور مفعول و ذلك المفعول كنور السراج يقع على جدار بدن زيد فيتحرك اى يستنير و كذلك امر الكتابة فحركة يدك حين الصدور كتب و بعد الصدور الكتابة و المداد يشايع يدك و يبقى على ما تركته و هو المفعول به و كذلك كلامك هو حركة ادواته و هى حين الصدور فعل تكلم و بعد الصدور هو الكلام و الهواء مفعول به يحمل كلامك الى من كلمته و كذلك سائر افعال سائر المركبات و كذا البسايط فان كل فلك له نفس و هى بمنزلة النار الجوهرية و لها مس فى جسم الفلك و جسم الفلك عندها كالدهن المشتعل فاذا اشتعل دهن فلك عطارد مثلاً بنار نفسه الدهرية اشتعل تفكراً و تعين بالفكر فانبسط منه نور التفكر و انتشر فى فلك القمر و النار و الهواء و لم يظهر فى واحد منها كما لا يظهر نور السراج فى الهواء الى ان يصل الى البخار فى قلب الانسان و الى الدخان فى دماغه فيظهر فيه لاستعداده و لانه صار مناسباً للتفكر فيظهر فيه التفكر فى المقام
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 38 *»
المعين و لما كان ذلك الدخان متعيناً كماً و كيفاً على حسب اخلاط بدن زيد و مخصوصاً بزيد كان كجدار متعين ملون بلون مخصوص متهيىء بهيئة مخصوصة فيظهر على نور التفكر المخصوص كماً و كيفاً ثم ينتشر منه الاثار كما ينتشر من الجدار الانوار ثانياً الى الجدار المقابل.
و اعلم ان مثل هذه النفس و هذا الاشراق و الاطلاق و التقييد فيك موجود و هو روحك البخارى الدخانى فانه ليس فيه تعين سمع و لا بصر و لا ذوق و لا شم و لا لمس و هو يشرق على العين فيتعين ادراكه فيها فيكون فيها ابصاراً كما يجرى الدم فى الثدى فيستحيل لبناً و فى وعاء المنى فيكون منياً و كما اذا وقع الضوء على البلورة الخضراء فيكون اخضر او الحمراء فيكون احمر كذلك اذا اشرق على الاذن ينصبغ اشراقه فيها فيكون سمعاً و هكذا سائر الحواس فالروح البخارى فى ذاته ليس بصيراً و لا سميعاً و لا ذايقاً و لا شاماً و لا لامساً بوجه من الوجوه لابوجه ادنى و لا بوجه اشرف و اعلى اذ ليس فيه تعين شىء من ذلك بل ليس اشراقه من حيث الصدور منه بصيراً و سميعاً و ذايقاً و شاماً و لامساً و انما هذه التعينات و مبادى هذه المشتقات كلها عند الاعضاء و الاعضاء بمنزلة الجدران المختلفة و ذلك الاشراق كالنور المنبسط من الشمس و الجوارح بمنزلة الجدران الزجاجات المختلفة فى الالوان و فى بطن كل زجاجة يحدث نور موصوف بصفة مبدء اشتقاقها عند الزجاجة و كذلك الامر فى نفوس هذه الاجسام و اشراقها على الاجسام و انصباغه فى بطون الاجسام فجميع الافاعيل الحادثة فى هذا العالم من كل شىء من جماد و نبات و حيوان و انسان و عناصر و افلاك و نجوم و من كل حيث من حيوثها وجهة من جهاتها على ما شرحت و بينت و لكل جسم نفس خاصة قد تخصصت و انصبغت و تعينت فى كليته فلاجل ذلك تكون عدد النفوس الخاصة بعدد هذه الاجسام فللعرش نفس خاصة به و للكرسى نفس خاصة و لكل فلك من الافلاك السبعة نفس خاصة به و لكل عنصر من العناصر نفس خاصة به و لكل جماد و نبات و حيوان و انسان نفس خاصة به هى مبدء جميع الحركات الصادرة منه و نفس لها تعين نوعى و لاشراقها تعين نوعى من حيث الصدور
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 39 *»
و يتخصص فى اجزائه و حيوثه و جهاته و اوقاته و امكنته من حيث الظهور و لو منع كل نفس اشراقها لارتفع شعاعها عن جدران هذه الاجسام و ظلت فى ظلمة السكون و عدم الافاعيل ثم هذه النفوس الجزئية كلها اشراقات لنفس كلية الهية واحدة لها اشراق كلى على القوابل و اشراقها ينصبغ انصباغاً كلياً بالنسبة فى بطن كل قابل ثم ذلك المنصبغ الكلى يشرق و ينبث فى اجزاء ذلك القابل و جهاته و حيوثه و احواله و شؤنه فجميع هذه الافاعيل راجعة الى النفس الكلية كما ان جميع افاعيلك راجع الى نفسك و ان كان لكل فعل موقع و مصدر من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة ثم تلك النفس الكلية حركتها من العالى قد وقعت فيها و انصبغت فيها كما ان جميع افاعيلك راجع الى نفسك و حركة نفسك راجعة الى الانسان الكلى مثلاً فحركة النفس الكلية هى فعل الله و تلك النفس من حيث هى دهن قد اشتعل بنار تلك الحركة العرضية ا لتى هى مس المشية و ذلك قوله تعالى يكاد زيتها يضىء و لولم تمسسه نار فتلك النفس الكلية الالهية سراج مشتعل بنور نار المشية فجميع الافاعيل راجعة الى الله سبحانه و الى مشيته و ارادته قال الله عزوجل الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شىء سبحانه و تعالى عما يشركون و قال قل كل من عندالله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً و قال قل الله خالق كل شىء و عن ابى عبدالله فى الربوبية العظمى و الالهية الكبرى لايكون الشىء لا من شىء الا الله و لا ينقل الشىء من جوهريته الى جوهر آخر الا الله و لا ينقل الشىء من الوجود الى العدم الا الله و قال ابوعبدالله عليه السلام لا يكون شىء فى الارض و لا فى السماء الا بهذه الخصال السبع بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و كتاب و اجل فمن زعم انه يقدر على نقض واحدة فقد كفر و قال ابوعبدالله عليه السلام خلق الله المشية قبل الاشياء ثم خلق الاشياء بالمشية الى غير ذلك من الاخبار فلا محرك فى العوالم ا لا الله و لا فعل الا له الا ان فعله من جهته لا كيف له كما لا كيف له ثم يتكيف فى كل مرآة الى ان يبلغ منتهى الخلق فيرسل الريح و يموج البحر و
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 40 *»
يحرق الخشب و يكسر الزجاجة و هكذا من الافعال الخاصة الحزئية التى لاغاية لها و لا نهاية فالملك ملكه و الحكم حكمه و الفعل فعله و ابى ان يجرى الاشياء الا باسبابها و جعل لكل شىء سبباً و هو مسبب الاسباب من غير سبب فتبارك الله احسن الخالقين و الحمد لله رب العالمين.
فصل
اعلم ان كل شىء هو هو بصورته و ان الشىء هو الصورة و ان كان ظهورها فى الدنيا بالمواد الظاهرية فهذه المواد ليست مواد تلك الصور و انما هى مرآة ظهور مثلها فالمسمى فى كل مقام هو الصورة و هى تمام الشىء و كله و جمعه و حقيقته ليس له ذكر فوق تلك الصورة و تلك الصورة لها مادة صدرت من مؤثرها و صورة ذاتية من حيث هى هى و لها صورة عرضية اكتسابية من المرآة اى المواد العرضية فالذى سمعت من المراتب الثمانية من الفؤاد الى الجسم للشىء كلها يكون لتلك الصورة اذ ليس له وراءها ذكر و مراتبها من لدن صدورها من مؤثرها الى منتهى شهودها و اى شىء اوضح دلالة على ذلك من ان المادة الواحدة تكون كلباً و تسمى بكلب ما دامت على صورة الكلب و اذا تغيرت صورتها و صارت ملحاً لم يصدق عليها الكلب و صدق عليها الملح و كذلك المادة الواحدة خمر ما دامت على صورة الخمر و تكون خلاً اذا تصورت بصورة الخلية و هكذا بل جميع احكام الشرع مدارها الاسماء و الاسماء مدارها على الصور و ليست هذه المادة العرضية مناط هذا الاسم و هذا الحكم بالجملة تمام الشىء و جمعه و كله و حقيقته و ظاهره و باطنه كلها هذه الصورة حسب فكل شىء له نفس و نفسه تلك الصورة التى بها هو هو و يسمى بذلك الاسم فالخاتم له نفس و نفسه صورة الخاتمية التى بها يسمى الخاتم الخاتم و جميع آثار الخاتم يترتب عليها فاذا تغيرت صورته بطل نفسه و ليس بخاتم بعد و لا يصدر منه آثار الخاتم و افعاله و كذلك اللبنة لبنة بصورتها و صورتها نفسها و حقيقتها و منشأ آثارها و افعالها فلو تغيرت عن تلك الصورة و زالت بطل نفسها و ليس بلبنة بعد و لا يصدر منها افعالها و كذلك الياقوت ياقوت بصورته فلو تغير فى معدنه عن صورة الياقوتية بطل
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 41 *»
نفسه و لم يؤثر تأثيره.
و اعلم ان الناس يزعمون ان الجمادات و المعادن لانفس لها و ذلك لعدم معرفتهم بمعنى النفس و زعمهم ان كل نفس كروح الانسان فى بدنه و ستعرف خطاءهم ان شاءالله بل النفس هى الحقيقة الاحدية التى لكل شىء المستوية على عرش اركانها و هى الحافظة لها المدبرة لاركانها المستعملة اياها فى مقتضياتها و هذه الحقيقة تختلف فى الاشياء ففى بعضها تتعالى عن الكثرات و تتوحد حتى يكون اعلاها آية الله الاحد و فى بعضها تتسافل و تنهمك فى الكثرات حتى كانه لاوحدة لها و ليس شىء موجود لا نفس له و الا لم يكن يسمى باسم واحد و لم يصدق عليه شىء واحد هذا و يشاهد فى الجمادات فى كثير منها اثر الواحدة النفسانية الاترى فى الجبال هذه الجدد البيض و الحمر و الالوان المختلفة و طرايق شتى الاترى فى الشاهدانج العدسى آثار النفس فانه يوجد منه تلال كل ذلك التل شاهدانج على هيئة العدسة مخلوطاً بالتراب فيرفع و ينخل و يستخرج منها الشاهدانج كلها على هيئة واحدة و عندنا احجار على هيئة القرع و عليها خطوط و نقوش مستوية على هيئة عجيبة من تقدير العزيز العليم الاترى العقيق الذى يقال له الشجر يوجد فى بطنه نقش اشجار و نباتات يعجز عن مثلها النقاشون و وجدنا احجاراً فى البوادى و هى غاسقة و عليها نقوش اشجار و نجوم كاحسن ما يمكن و احجار على هيئة الزنجبيل و دار فلفل و العروق الصفر و خولنجان و فوفل بنقوشها و خطوطها لافرق بينها و بينها الا انها احجار خلقت هكذا و سمعت انه وجدت احجار على هيئة الاشجار باغصانها و اوراقها الا انها حجر و هكذا و كل هذا دليل ان لها نفوساً و الا لما كانت تجرى هذا المجرى نعم اسافل هذه النفس كثيفة غليظة متكثرة متقطعة فلم تجر على نظم واحد يدل على وحدة لها و ذلك غير ضاير و كذلك تقدير العزيز العليم بالجملة نفس المعدن هى صورته من الذهبية و الفضية و غيرهما و هى منشأ آثاره و افعاله و مصداق اسمائه و هذه النفس هى الصورة المحسوسة المرئية و قد ظهرت على المادة العرضية الدنياوية و هذه النفس كونها فى الزمان و فسادها فى الزمان قد بناها صانعها بيد زمانية و هدمها بيد زمانية و تكون زمانية اذا قستها بما
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 42 *»
قبلها و ما بعدها فهى مداها و عمرها قطعة من الزمان ليس قبلها و لا بعدها لها ذكرو كما لم تكن قبل كونها و لمتتألف اجزاؤها كذلك لاتكون بعد كونها و تت فرق اجزاؤها الى اصولها.
و اما النبات فله ايضاً نفس و نفسه صورته كما بينا لكن لايذهبن بك المذاهب و لاتزعمن صورة النبات ماترى بعينك هذه من صورة نجمية او شجرية فان ذلك صورة الجماد و نفس الجماد المعتدل فى الجملة الاترى انك اذا قلعت الشجرة و القيتها على الارض هى على صورة كنت تراها قبل و ذهب عنها النفس النباتية فلاتنمو و لا تخضر بعد و لا تجذب و لا تمسك و لا تهضم و لا تدفع و ه كذا بل صورة النبات صورت لطيفة برزخية بين العناصر و الافلاك و انما تلك الصورة من ظل نور جوزهر القمر قد تعلق بصوا فى الاغذية الدنياوية الحاصلة من هذه العناصر فلما حصلت تلك الصوافى وقع عليها ظل نور جوزهر القمر فانطبع فى مرآتها و هو صورة مطلقة نباتية كلية لايحكيها الا صوافى الاغذية و صوافى الاغذية لها دهن يشتعل بذلك النار فهذه الشعلة فى اختلاف الوانها و هيأتها علة اختلاف النبات فمنها يكون بعضها حوكاً و بعضها صعتراً و بعضها نعنعاً و منها نجماً و منها شجراً و امثال ذلك فالجائى من عند العالى النبات المطلق و الظاهر عند صوافى الاغذية اقسام النباتات فلما وقع ظل سراج النفس النباتية المطلقة على زجاجات صوافى الاغذية حدث من ورائها آثار مختلفة و افعال متشتتة و فى بطون تلك الصوافى تحصل نفوس نباتات جزئية و اسماء خاصة و خواص متفرقة.
و اما الحيوان فله ايضاً نفس و نفسه صورته و لاتزعمن ان صورته هى هذه المحسوسة التى منها ما يمشى على بطنه و منها ما يمشى على رجلين و منها ما يمشى على اربع و ازيد فان هذه صورة من صور الجمادية المعتدلة فى الجملة و ليست هى الصورة النباتية التى فى هذا البدن ايضاً فان النفس النباتية كما عرفت ظل نور جوزهر القمر يظهر على صوافى الاغذية و هى مرآته و هى دهنه و فى بدن الحيوان تلك الصوافى اعلاها الروح البخارى فانه من صوافى ما يرد على البدن من الاغذية و لطائفه قد ظهر عليه ظل نور جوزهر القمر فصار نامياً و سرى فى
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 43 *»
جميع البدن فجذب و دفع و هضم و مسك و اربى و اما النفس النباتية فى بدن ساير النباتات فهى اغلظ من نباتية الحيوان و هى ايضاً نافذة فى جميع جسم الشجر و النجم و مثل هذه النفس الغليظة النباتية ايضاً موجود فى بدن الحيوان مخالط لحمه و دمه و فيه الروح البخارى علاوة اصطفاه الله لركوب النفس الحيوانية فاذا حصل هذا البخار اشرق عليه نور جوزهر القمر كما يشرق نور السراج على الحائط فانصبغ فيه على هيئته و مزاجه و طبعه و خاصته فكان هذا النور المنصبغ المتهىء اسداً و نمراً و كلباً و غير ذلك فهذه التعينات كلها فى ذلك البخار الذى هو خلاصة الاخلاط التى هى خلاصة الاغذية فالاسدية من البخار و الحيوة من جوزهر القمر كما ان النور من السراج و التثليث و الحمرة مثلاً من الحائط فاذا انصبغ الحيوان فى البخار فصار اسداً انعكس عنه ثانياً انوار على حسب اسديته على مخه و اعصابه و عضلاته و اعضائه فصدر منه آثار الاسدية و افعالها.
و اما الانسان فله ايضاً نفس و هى الصورة الانسانية و لا تحسبن انها صورته المشهودة فى هذه الدنيا فانها كما عرفت صورة جماديته العرضية و لا صورة صوافى بدنه فانها ايضاً صورة نباتيته و لا صورة حيوته الحساسة المريدة المتحركة فانها ايضاً صورة حيوانيته ناطقة معتدلة و هى كلها مرايا عرضية و مواد خارجية و ادهان مفعول بها و جدران مشرق عليها بل الصورة الانسانية هى نور عليم حليم ذاكر فاكر نبيه متنزه حكيم يجىء من لدن ساير الافلاك فيشرق على هذا النور الحيوانى الناطق المنصبغ بصبغ ذلك البخار و ه و دهنه و جداره حسب و غيره لا يستنير بنوره و امثل لك مثالاً ان الحركة صفة الجسم و الاستدارة صفة الحركة و السرعة صفة الحركة المستديرة و على هذه فقس ما سواها و كذلك الروح الحيوانى الفلكى الاتى من لدن جوزهر القمر فى كل مكان و لكن لايشرق الا على البخار و لو كان بدل الهواء نار و كانت وجه الارض اجمة ليس يشتعل الا القصبات اليابسة و الخشب اليابس فافهم فدهن تلك النار الجائية من فلك المشترى و زحل مثلاً هو الحيوان و نفسه فان الحى يعلم و يحلم و يذكر و يفكر و يكون له نباهة و نزاهة و حكمة لا الميت فالحيوان الناطق دهن هذه النار فاذا
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 44 *»
اشتعل بنور الانسان صار انساناً مشخصاً زيداً او عمراً له صبغ و هيئة مخصوصاً زيد او عمرو او بكر و حصل له مقدار معين من العلم و الحلم و الذكر و الفكر و غيرها و لكل منا مقام معلوم و كلما سعى الانسان فى تلطيف تلك النفس الحيوانية و تصفيتها و تربيتها من خواص مادونها و اصباغها و الركون اليها صار انسانيتها اعم و اشمل و اقوى و اكحمل و اشبه بالانسان الكلى الجامع و كلما ركن الى الاسفل صارفيه الحيوانية و النباتية و الجمادية اقوى ودعته الى انفسها و جرته اليها و صبغته باصباغها و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الى الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فانه اقتضاء ذاته و سجيته ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعيروان فى ذلك لعظة و ذكرى للمؤمنين ان يسعوا فى الاتعاظ بمواعظ الله و اتخاذ شرعه و دينه فان شرعه هو حدود الانسانية البيانية الموافقة لحدود الشارع الكونية ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله الم اعهد اليكم يا بنى آدم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عد ميبن و ان اعبدونى هذا صراط مستقيم و عرصة الشيطان هى ذى ثلث شعب لاظليل و لا يغنى من اللهب شعبة الجمادية و شعبة النباتية و شعبة الحيوانية و فى كل شعبة شياطن يدعون الى انفسهم ما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخى بالجملة لكل من الثلث اقتضاء فاذا غلبت ثلثها او احديها انصبغت الحيوانية باصباغها فاذا اشرق عليها نور الانسان انصبغ فيها و تطبع بطبعها و تهيأ بهيأتها و تشكل بشكلها فصار حيواناً لهم قلوب لايفقهون بها و لهم آذان لايسمعون بها و لهم اعين لا يبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون و وجه الاضلية لان الشعور الانسانى قد عمل فى الحيوانية و النباتية و الجمادية و ساعدته الالات و الادوات فصار شيطاناً على صورة الانس فهو انسان كونى لاشرعى و ان الشارع جاء لتعديل الروح الحيوانى حتى يستقيم على الصراط الانسانى و يزيل عن نفسه اصباغ الجماد و النبات و الحيوان و يصير صافياً حتى يظهر عليه النور
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 45 *»
الانسانى كما هو بالجملة الصورة الانسانية هى التى جاءت من قبل الانسان الحق المطلق و هى نورها و شعاعها و وقعت على جدار الحيوانية او هى نار اشتعلت فى دهن الحيوانية فصارت سراجاً وهاجاً يضىء بالانسانية و اضاءته آثاره و اعماله و افعاله و عقائده الانسانية و قد عرفت ان النفس الجمادية تنبعث فى الجسد و النفس النباتية تنبعث فى الكبد لان هناك محل تصفية الاغذية و النفس الحيوانية تنبعث فى القلب لان هناك تتلطف حتى تصير بخاراً و يظهر ما فيه من الفلكية و اما النفس الانسانية الشرعية فتنبعث فى الدماغ و لكن اسباب انبعاثها الشارع و شرعه و توليه و متابعته و امتثال امره و لاجل ان سبب انبعاثها الشارع يقال انه لاانبعاث لها من الجسد و هى من ارض العلم و اما الكونية ففى الدماغ و اسباب انبعاثها الافلاك العالية و انوار ما فيها من النفوس و ليس مقام ازيد من ذلك هنا فاذا اعتدل فى فرد الانسانية حتى صار كاملاً فى جميع حدود الانسانية و استقام على الصراط كما ينبغى يصير انسانيته دهناً او جداراً للكلية الالهية و هى روح النبوة فيشرق عليها روح النبوة من الكرسى فيكون نبياً يوحى اليه محاب الله و مساخطه و توحيه و معارفه و الكيف و اللم و الصلاح و الفساد و الخير و الشر فينطق باذن الله بعد ما اشتعل انسانيته بذلك و بتربية النبى او الولى السابق و اقتضاء العلل و الاسباب فيشتعل انسانيته بنور النبوة فيكون نبياً نوره نطقه و اعماله و افعاله فيقوم منبعثاً فى الخلق سراجاً منيراً يهدى الى الحق و الى صراط مستقيم و يتخصص بتلك الانسانية فيكون موسى و عيسى فيها يدعو الى مولاه و يشير الى معناه منذراً مبشراً كما عرفت و اذا اعتدل النفس الكلية فى فرد من افراد الانبياء حتى لم يبق له خصوصية و وصمة من الانسانيه و الحيوانية و النباتية و الجمادية و ذلك لم يكن فى الكل و لذلك كان بعضهم قديلم بترك اولى و ذلك من جهة اصباغ المراتب السابقة فاذا صفا فرد من الافراد من تلكل الاصباغ ظهر فيه الخاتمية المطلقة من النبوة و الوصاية و ظهر فيه نور العرش بتربية الولى السابق و اشتعل بذلك النور و نطق بدين الحق من المعارف و الحقيقة و الطريقة و الشريعة الكلية العامة فى جميع الخلق و الخاتمية هى اسماء الله و صفاته و انواره و كمالاته فمن اشتعل بها
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 46 *»
فهو الخاتم الحق ينطق بما ذكرنا فى جميع خلق الله فيكون حجة على ما سوى الله فاذا صفا فرد من افراد الخاتميين و تبرأ من جميع اصباغ نفسه و مادونه ظهر فيه مالا يعلمه الا الله و السكوت عنه اولى و هو يجرى فى حظ الصدور لاخط السطور و لتعلمن نبأه بعد حين و الغرض ان جميع ما سوى الله سبحانه من صنوف الخلق ادهان اشتعلت بنار مشية الله و تعينت النار فى تلك الادهان و تلك الشعل رؤس مشية الله جل و عز و لا فعل الا لله جل و عز الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلك من شىء سبحانه و تعالى عما يشركون.
فصل
كما عرفت ذلك فى المواليد فاعلم ان لكل عنصر من العناصر نفساً هى ايضاً دهن قد اشتعل بالطبيعة الكلية و انصبغ نور الطبيعة الكلية فيه فبدأ منه آثار و افعال و حركات على ماترى الا انها لغلظتها لم تشتعل اشتعالاً تتخلص به عن الكدورات فلاجل ذلك ليس لها قوة قوية فى اراءة تلك الطبيعة بكلها و فى احداث آثارها و ربما تحتاج الى معين حتى يظهر منها الاثر و كلما تخلصت عن الكدورات حكت تلك الطبيعة اكثر و صارت فى آثارها اقوى و اصل الفعل فى ذلك للطبيعة و خصوص الفعل الفعل منها كما عرفت و كذلك الافلاك فلكل فلك نفس هى صورته التى هو عليها و تلك الصورة دهن قد اشتعل بنور النفس الكلية الالهية للعالم فظهر فى كل فلك على حسب صبغه و صورته فظهر فى العرش بالعقل و فى الكرسى بالنفس و فى فلك زحل بالعاقلة و فى فلك المشترى بالعالمة و فى فلك المريخ بالواهمة و فى فلك الشمس بالفؤاد الاسفل العنوانى و هو فعل الفؤاد الاعلى و ادراكه و فى فلك الزهرة بالخيال و فى فلك عطارد بالفكر و فى فلك القمر بالحيوة الا ان هذه البسايط لها ملكية و وحدة جهة و لذلك لاتحكى جميع ما فى تلك النفس و ما فى تلك الطبيعة الكليتين و كل واحد يحكى شأناً من شؤنهما و يصدر عنه فعل شأن و ان كان من مجموع البسايط يصدر الكل و اما المركب الجامع فيصدر منه جميع آثار النفس و الطبيعة الكليتين لجامعيته لجميع
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 47 *»
البسايط و يد التقدير اراد من التركيب تركيب الجامع الا ان مواد هذا العالم منها ما طاوعت الى منتهى العمل و منها ما تقاعدت فى عرض الطريق فلم يطاوع فبقى جماداً او نباتاً او حيواناً و انساناً او نبياً و كل واحد يحكى من تينك الكليتين بقدر صفاء مادته و نقاء هويته و كلها ادهان مشتعلة بتينك النارين و اصل تينك ا لنارين و مبدؤهما من جهتى المشية المخلوقة بنفسها فان لها جهتين جهة فاعلة هى نفسها و جهة طبيعة مفعولية هى حيث انيتها و هذان السران ظهرا فى كل العوالم و تفصلت على ما سمعت فكل ما حكى شأناً او شؤناً فهو ملكى و لكل منا مقام معلوم و ما جعلنا اصحاب النار الا ملئكة و الجامع هو واحد و ليس بيان هذه المراتب على التفصيل حظ وضع هذه الرسالة و انما جاءت الاشارة فى العبارة استطراداً.
فصل
قد عرفت مما بينا و شرحنا فى هذه الرسالة الشريفة ان النار الجوهرية دهرية لا تحس بهذه الحواس و انما المحسوسة بهذه الحواس هى مسها و هى الحرارة الملموسة التى قارنت الدهن و كلسته دخاناً و اشتعلت فيه فهذه الحرارة الفعلية تجلى النار الجوهرية و هى فى الدخان بمنزلة الروح فى الجسد و ليس فى النار الجوهرية و هى فى الدخان بمنزلة الروح فى الجسد و ليس فى النار الجوهرية تعين و لا فى النار العرضية الفعلية و انما جميع التعين للدخان فانه يحمر و يصفر و يخضر و هو يصير مخروطيا و كثيفاً مرئياً ليس الاختلاف فى الله و لا فى و انما الاختلاف فيك يا على و الانوار تابعة لتعين الشعلة فتكون على حسبها و لا حسب للنار الجوهرية و لا العرضية الا الشعلة و هى حسبهما فحيوة هذه الشعلة بالنار و ظهور النار بالدخان و انما اعدنا الكلام اعتباراً و قد عرفت ان جميع العالم بنى على ذلك و خلق كذلك فاذاً فعل الله جل و عز و مشيته فى بعض الخلق بمنزلة النار العرضية و فى بعض بمنزلة النار الجوهرية و لا تعين فيه و منه ابداً ابداً و انما التعين فى ادهان القوابل و ادخنتها، فى القدسى يا آدم روحك من روحى و طبيعتك على خلاف كينونتى فما كان من القوابل صافية لا تعين فيها كثيراً كينونتى فما كان من القوابل صافية لاتعين فيها كثيراً يظهر منها فعل الله على حسبه و ما كان منها كدرة فيها تعينات و تكثرات يظهر منها الفعل على
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 48 *»
حسبها فما كان منها لاتعين فيها الا باقل ما يكون سبب الرؤية و الظهور كان ما ظهر منه على حسب ما كمن فيه و ما كان فيها تعين قليل لايخالف صفة الروح كثيراً كان ما ظهر منها قريباً مما كمن فيها و ما كان فيها تعين و تكثر وافر حتى تكون على ضد صفة الروح و خلافه كان ما ظهر منه على ضدما كمن فيه اعتبر ذلك من مرآتك فما كان منها صافية لاتعين فيها ابداً الا انها مرئية كما قال عليه السلام لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك تريك كما انت فتنسب جميع ما يرى منها الى نفسك فعينك
عيناها وجيدك وجيدها | سوى ان عظم الساق منك دقيق |
و ما كان فيها قليل صبغ و اعوجاج تغير مثالك قليلاً لكن لابحيث لاتعرف منها فمن رآه عرفك و عرف انه مثالك و رأى بعض التغير الذى لايوجب نكراً و لايحجبك و يوسعه عذراً و ما كان فيها تغير كثير بحيث يخالف وجهك بالكلية فلم يعرفك من رآها و رأى المثال فيها تتبرأ و تعاديها و ان كان حيوتها منك و لولم تكن لم يكن فيها مثال قط و ذلك مثل ما بلغنى انه صنع الافرنج مرآة للسخرية اذا نظر اليها الانسان رأى مثال وجهه فيها ككلب او خنزير فذلك المثال قائم بك و من تجليك لكن اعوج حتى تبرأت منه و عاديته ولعلك تنبهت من ذلك سر اعمالك و افعالك ان قدر الله فيها كالروح فى الجسد و كالنار فى الدخان و اصل الحركة و الفعل و العمل من الله و لكن ذلك القدر ينصبغ فيك على حسب اصباغك من جمودك و عادتك و طبعك و شهوتك و غضبك و الحادك و شقاوتك او فى اضداد ذلك او فى قليلها او كثيرها فان لم ينصبغ فيك الا بقدر ان يظهر القدر و يجرى فى الظاهر فيكون فعلك فعل الله و قولك قول الله و حكمك حكم الله مرآك مرأى الله و الرد عليك الرد على الله و ما بكم من نعمة فمن الله و ما اصابك من حسنة فمن الله فيجوز مدحك و اثابتك و نسبة الفعل اليك ايضاً فان اظهار القدر منك غاية الامر ان كمالك فى فنائك و قوتك فى عجزك و غناك فى فقرك و نعيمك فى شقائك و بقاؤك فى فنائك ففعلك فعل غيرك لمتقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت اذ رميت
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 49 *»
و لكن الله رمى و انت حينئذ من السابقين المقربين و ان كان فيك قليل صبغ خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً يعنى اروا انفسهم شيئاً و ربهم شيئاً فترى نفسك بدعوى استقلال و قليل جمود او عادة او طبع او غير ذلك لكن لا بحيث تغير كليات مقتضى القدر فما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك فترى ربك و توافق رضاه مرة و تحجب قليلاً و تخالف قليلاً مرة فتندم عليها و تتبرأ منها و تعترف بذنبك و تتوب منها فان ذلك علامة هذا النوع فما اصبت ينسب الى الله و هو بتوفيقه و رضاه فانك لاتصيب الا عند فنائك و ما اخطأت فمنك فانك لاتخطىء الا عند استقلالك فالفعل منسوب اليك و الدم راجع اليك و ان كان فيك الغلظة و الكدورة و الاصباغ و الكثرات بحيث تضاد ربك و لاترى الا نفسك فجميع اعمالك منسوب اليك و ربك برىء منك و من اعمالك ان الله لايظلم الناس شيئاً و لكن الناس انفسهم يظلمون. ان الله برىء من المشركين و رسوله. ان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذى القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغى يعظكم لعلكم تذكرون. و هذا بحمد الله فى الافعال ظاهر و اما فى الاكوان فخفى فى الجملة و ان احطت خبراً بكلية ما ذكرنا و جريانه فى كل مقام لا يشكل عليك هناك ايضاً فان الاكوان ايضاً بمشية كونية من الله و هى فى قوابل الاكوان ايضاً كالنار فى الدخان و الكون منها كالشعلة غاية الامر ان الدهن فى الافعال مفعول به و فى الاكوان مفعول مطلق و قد علم الله الخلق قبل ان يخلقهم على ما هم عليه و علمه جل شأنه اولى بحقيقة التصديق و علم انهم لايقدرون ان يكونوا على ما هم عليه الا بقدره فجعل فيهم القدر كالروح فى الجسد فما كان من تعين فمنهم و ما كان من بساطة فمن قدر الله و هو اولى بحسناتك منك و انت اولى بسيئاتك منه و ليس هذه الرسالة محل ازيد من ذلك و ارجو من بركات مهدى آل محمد عليهم السلام الذى بتسديده سددت الى تصنيف هذه الرسالة و كشف بالحكمة لى عن حقيقة هذه المسائل التى هى من اصول معرفة حقايق الاشياء على ما هى عليه ان يجعل ذلك ذخراً لى فى الاخرة و ينفع بها اخوانى المؤمنين الطالبين للعلوم
«* مکارم الابرار عربي جلد 26 صفحه 50 *»
و لما بلغ الكلام هنا رأيت ان اختمها اذا اتيت على عمدة غرضى منها و قد فرغت منها فى عصر يوم الاربعاء لثلث بقين من ربيع الثانى من شهور سنة سبع و ثمانين و مأتين من الالف الثانى فى بعض جبال لنجر حامداً مصلياً مستغفراً منتظراً ظهور دولة الحق داعياً لصاحبها بالفرج العاجل ان شاءالله تمت.